شرح فروع الكافي

اشارة

سرشناسه : مازندراني، محمدهادي بن محمدصالح، - 1120ق.

عنوان و نام پديدآور : شرح فروع الكافي/محمدهادي بن محمد صالح المازندراني ؛ تحقيق محمدجواد المحمودي، محمدحسين درايتي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر،1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهري : 5ج.

فروست : مركز بحوث دارالحديث؛157

الشروح والحواشي علي الكافي؛13

مجموعه آثارالموتمرالدولي الذكري ثقه الاسلام الكليني(ره)؛ 19؛ 22

شابك : دوره: 978-964-493-328-8 ؛ 60000 ريال: ج.1: 978-964-493-318-9 ؛ ج.4: 978-964-493-392-9

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر به مناسبت كنگره بين المللي بزرگداشت ثقه الاسلام كليني تحقيق و تصحيح شده است.

مندرجات : ج.1. كتاب الطهاره.-ج.2. كتاب الحيض والجنائز والصلاه.-ج.3. كتاب الصلاة و كتاب الزكاه.-ج.4.كتاب الصيام والحج.-ج.5. كتاب الحج.

موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. فروع. - نقدو تفسير.

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : محمودي، محمدجواد، 1340 -

شناسه افزوده : درايتي، محمدحسين، 1343 -

شناسه افزوده : كليني، محمدبن يعقوب،239ق. الكافي. فروع. شرح.

شماره كتابشناسي ملي : 1852894

ص: 1

المجلد 1

تصدير

تصديرلا يزال الكافي يحتلّ الصدارة الاُولى من بين الكتب الحديثية عند الشيعة الإمامية ، وهو المصدر الأساس الذي لا تنضب مناهله ولا يملّ منه طالبه ، وهو المرجع الذي لا يستغني عنه الفقيه ، ولا العالم ، ولا المعلّم ، ولا المتعلّم ، ولا الخطيب ، ولا الأديب . فقد جمع بين دفّتيه جميع الفنون والعلوم الإلهيّة ، واحتوى على الاُصول والفروع . فمنذ أحد عشر قرنا وإلى الآن اتّكأ الفقه الشيعي الإمامي على هذا المصدر لما فيه من تراث أهل البيت عليهم السلام ، وهو أوّل كتاب جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب . وبعد ظهور الكافي اضمحلّت حاجة الشيعة إلى الاُصول الأربعمائة ، لوجود مادّتها مرتّبة ، مبوّبة في ذلك الكتاب . ولقد أثنى على ذلك الكتاب القيّم المنيف والسفر الشريف كبار علماء الشيعة ثناءً كثيرا ؛ قال الشيخ المفيد في حقّه : «هو أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة» وتابعه على ذلك من تأخّر عنه . ومن عناية الشيعة الإمامية بهذا الكتاب واهتمامهم به أنّهم شرحوه أكثر من عشرين مرّة ، وتركوا ثلاثين حاشية عليه ، ودرسوا بعض اُموره ، وترجموه إلى غير العربية ، ووضعوا لأحاديثه من الفهارس ما يزيد على عشرات الكتب ، وبلغت مخطوطاته في المكتبات ما يبلغ على ألف وخمسمائة نسخة خطيّة ، وطبعوه ما يزيد على العشرين طبعة . ومن المؤسف أنّ الكافي وشروحه وحواشيه لم تحقّق تحقيقا جامعا لائقا به ، مبتنيا على اُسلوب التحقيق الجديد ، على أنّ كثيرا من شروحه وحواشيه لم تطبع إلى الآن وبقيت مخطوطات على رفوف المكتبات العامّة والخاصّة ، بعيدة عن أيدي الباحثين والطالبين. هذا ، وقد تصدّى قسم إحياء التراث في مركز بحوث دار الحديث تحقيق كتاب الكافي ،

.

ص: 2

وأيضا تصدّى في جنبه تحقيق جميع شروحه وحواشيه _ وفي مقدّمها ما لم يطبع _ على نحو التسلسل. و من هذه الشروح ، الشرح الذي بين يديك ، لمؤلّفه المولى محمّد هادي بن محمّد صالح بن أحمد المازندراني الإصفهاني ، وقد ولد و نشأ في أصفهان، وتربّي في حجر والدين عالمين فقيهين ، فكان نجما من نجوم العلم المتألّقة في سماء الإنسانيّة ، فهو عالم فقيه ، إضافةً إلى أنّه مترجم خطّاط ، وقد عبّر عنه بعض الأعاظم ب «فقيه الزمان» ، كما و أطلق عليه تلميذه الحزين اللاهيجي : «مجتهد الزمان» . وما الشرح الذي بين يديك _ عزيزي القارئ _ إلاّ نفحة من تلك النفحات السامية ؛ فإنّه يحكي عمق نظره، وسعة اطّلاعه، وغور فكره . وكان الباعث لتأليف هذا السفر أنّ والده المولى محمّد صالح المازندراني شرح قسمي الاُصول والروضة من الكافي ، ولم يتسنّى له شرح الفروع منه ، فواصل قدس سره عمل والده ، فشرح قسم الفروع من الكافي ، وما وصل و عثرنا عليه منها اشتمل على الكتب التالية : الطهارة ، الحيض ، الجنائز ، الصلاة _ إلاّ أنّه ناقص _ الزكاة ، الصوم ، الحجّ . وكان اُسلوبه في شرح الأحاديث كاُسلوب الكتب اللفقهيّة ، فكان بعد ذكر عنوان كلّ باب يذكر الأقوال المختلفة فيه ، وينقل أدلّتها و مناقشاتها ، ثمّ يذكر بعض الروايات التي يراها بحاجة إلى توضيح، ويبيّن المراد بها بأحسن بيان ، و عليه فيعدّ هذا الكتاب كتابا فقهيّا قبل أن يكون حديثيّا ، فهو موسوعة فقهيّة ميسّرة اشتملت الكتب التي شرحها . وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل والامتنان الجميل لجميع الإخوة الذين ساهموا في تحقيق هذا الأثر القيّم ، وأخصّ منهم بالذكر الشيخ محمّد جواد المحمودي و الشيخ عليّ الأنصاري الحميداوي ، ونسأل اللّه لهم مزيد التوفيق . قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث محمّد حسين الدرايتي

.

ص: 3

مقدّمة التحقيق

اشاره

بسم اللّه الرحمن الرحيممقدمة التحقيقالحمد للّه ربّ العالمين ، و صلّى اللّه على سيّد الأنبياء وخاتم المرسلين محمّد ، و على آله الطيّبين الطاهرين المعصومين ، الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، أمّا بعد : فإنّ كتاب الكافي من أحسن الكتب المصنّفة في فنون علوم الإسلام ، وأحسنها ضبطا ، وأضبطها لفظا ، وأتقنها معنى ، و أكثرها فائدة ، و أعظمها عائدة . وقد تصدّى جماعة من أعاظم العلماء لشرحه ، خصوصا لقسم الاُصول منه ، ومن جملتها شرح المولى محمّد صالح المازندراني قدس سره ، وهو شرح مزجي ، حسن العبارة ، خال من التكلّف ، خارج عن الحدّين : الإفراط والتفريط ، وهو من أحسن الشروح ، لكنّه اكتفى على شرح الاُصول والروضة ولم يشرح الفروع منه ، قال الاُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني قدس سره في آخر الفصل الثالث من رسالة الاجتهاد : يا أخي ، حال المجتهدين المحتاطين حال جدّي العالم الربّاني ، والفاضل الصمداني ، مولانا محمّد صالح المازندراني ، فإنّي سمعت أبي رحمه الله : أنّه بعد فراغه من شرح اُصول الكافي أراد أن يشرح فروعه أيضا ، فقيل له : يحتمل أن لايكون لك رتبة الاجتهاد! فترك لأجل ذلك شرح الفروع ، ومن لاحظ شرح اُصوله عرف أنّه كان في غاية مرتبة من العلم والفقه ، وفي صغر سنّه شرح معالم الاُصول ، ومن لاحظ شرح معالم الاُصول علم مهارته في قواعد المجتهدين في ذلك السنّ. (1) لكن حكى المحدّث النوري قدس سره عن العالم الجليل السيّد حامد حسين الهندي قدس سرهأنّه

.


1- .رسالة الاجتهاد ، ص 11 ؛ خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 195 ؛ روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 .

ص: 4

الفصل الأول : المؤلف

ذكر في بعض مكاتباته إليه : عثر على مجلّد من مجلّدات شرحه على الفروع ، وعزم على استنساخه وإرساله ، فلم يمهله الأجل . (1) والظاهر عدم تماميّة هذه النسبة ، فإنّها لم تثبت ، ولم تنقل عن أحد غيره بأنّ له شرح على قسم الفروع ، بل كلام الوحيد البهبهاني قدس سره صريح في النفي ، و صرّح به أيضا الأفندي حيث قال : «قرأت عليه شطرا من اُصول الكافي و سمعته منه ، ... وشرح الكافي لم يتمّ منه سوى شرح الاُصول والروضة ، وأمّا على الباقي فليس إلّا تعليقات على هامش الكتاب ...» . (2) فيحتمل أن يكون ما نقله المحدّث النوري عن السيّد حامد حسين _ قدس سرّهما _ مرتبطا بهذه التعليقات ، وأن يكون التعبير بالشرح مسامحة أو سهوا منه . وأراد المولى محمّد هادي بن المولى محمّد صالح أن يشرح قسم الفروع من الكافي ، و بذلك يكمّل ما شرعه أبوه ، و أذكر هنا ما يرتبط بالمؤلّف وبالكتاب في فصلين ، ثمّ أذكر العمل في تحقيق هذا الكتاب في فصل .

الفصل الأوّلالمؤلّف :هو محمّد هادي بن محمّد صالح بن أحمد المازندراني الإصفهاني ، و هذا هو الصحيح في اسمه وقد صرّح به في ختام كثير من كتبه منها شرحه هذا على الكافي ، وسيأتي في نهاية الفصل الثاني عند التعريف بنسخ الكتاب ، وقد يقال في اسمه : «هادي» ، واشتهر ب «آقا هادي» وب «هادي المترجم» ، وهذا النوع من التلخيص والاختصار في الأسماء أمر رائج بين الناس حيث يحذفون في الأسامي المركّبة القسمَ الأوّل منها ويكتفون بالثاني منها ، فيقال لمحمّد جواد و محمّد كاظم و محمّد

.


1- .خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 196 .
2- .رياض العلماء ، ج 5 ، ص 110 ، ترجمة محمّد صالح المازندراني .

ص: 5

تقي و محمّد مهدي : «جواد» و «كاظم» و «تقي» و «مهدي» . ولد في مدينة إصفهان و بها نشأ ، و تربّي في حجر والدين عالمين فقيهين وسأذكر ترجمتها، ولم أعثر على سنة ولادته.

شهرته بالمترجم:بعد تأسيس الدولة الصفويّة في إيران زادت سرعة حركة الترجمة فيها ، مضافا إلى تأليف الكتب الأخلاقيّة و الدينيّة باللغة الفارسيّة، و لذا نَرى المجلسيّين و الخليل و الفيض و أمثالهم يحاول كلّ منهم ترجمة قسما من التراث، و المترجم له أشدّ حماسا في ذلك من غيره، و ترجم القرآن الكريم و الصحيفة السجّاديّة و كثيرا من الكتب المذكورة بعضها في آثاره، فلقّب بالمترجم. (1)

فقاهته:كان المترجم له عالما فقيها، يظهر ذلك من كتابه شرح المعالم بوضوح، و قد صرّح بذلك بعض من ترجم له، و قد عبّر عنه سبط الوحيد البهبهاني ب «فقيه الزمان» (2) ، و تلميذه الحزين اللاهيجي ب «مجتهد الزمان» (3) ، والميرزا محمّد علي المدرّس بأنّه من مشاهير الفضلاء الفقهاء (4) ، و يدلّ على ذلك كتابه هذا في شرح الفروع من الكافي، فإنّه أقوى شاهد على فقاهته.

خطّه الجميل:كان للمترجم له خطّ جميل بحيث يعدّ من أساتذة هذا الفنّ، و يشهد له ما وجدنا من شرح الكافي بخطّه الشريف.

.


1- .انظر: روضات الجنّات، ج 4، ص 121؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 148.
2- .مرآة الأحوال، ج 1، ص 106.
3- .نجوم السماء، ص 202.
4- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 148 .

ص: 6

قال الخوانساري : «لايبعد كونه أحدا من المشهورين في الخطّ المنكسر ، وكذلك النستعليق» . (1) و قال السيّد حسن الأمين : محمّد هادي الإصفهاني و هو ابن الملّا محمّد صالح المازندراني ، ويعدّ من ألمع خطّاطي الخطّ النسخي ، وقد كان من معاصري إبراهيم آقا القمّي ومن أتباعه في منهجه وقواعده . (2) وقال الفضائلي: محمّد هادى اصفهاني فرزند ملّا محمّد صالح مازندرانى، در زمره علما و زهّاد، و در خط نسخ به خوشنويسى معروف، و از معاصرين و پيروان شيوه آقا ابراهيم قمّى بوده است، زندگانى وى در اصفهان گذشته و در اين شهر به هنگام فتنه افغان در سال 1135 رخت به دار آخرت برده است. (3) و يظهر من بعض كتب التراجم أنّه كتب روضة المتّقين للمولى محمّد تقي المجلسي، قال العلّامة الطهراني: قطعة منه من كتاب القضايا والأحكام إلى آخر الأيمان و النذر بخطّ الآقا هادي المترجم بن المولى محمّد صالح المازندراني، فرغ من الكتابة في ع 1/1089، كانت عند الشيخ عبّاس القمّي. (4) وكتب أيضا بعض أجزاء شرح الكافي لوالده المولى محمّد صالح المازندراني ، منها : كتاب التوحيد ، تاريخ كتابتها سنه 1073 ه ق (5) ، وكتاب العقل وفضل العلم ، تاريخ كتابتها سنة 1074 ه ق . (6)

.


1- .روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 ، ترجمة محمّد صالح المازندراني برقم 355 .
2- .مستدركات أعيان الشيعة ، ج 1 ، ص 45 .
3- .اطلس خطّ، ص 355.
4- .الذريعة، ج 11، ص 303، الرقم 1063.
5- .نسخة منه موجودة في مكتبة جامعة طهران برقم 3784 . الفهرس ، ج 12 ، ص 2772 ؛ فهرستگان نسخه هاى خطّى ، ج 4 ، ص 415-416 ، الرقم 10556 .
6- .نسخة منه في مكتبة جامعة طهران برقم 3784 . الفهرس ، ج 12 ، ص 2772 ؛ فهرستگان نسخه هاى خطى ، ج 4 ، ص 416 ، الرقم 10558 .

ص: 7

وأيضا جزء منه في 212 ورقة عليها حواش مختصرة منه ، تاريخ كتابتها 1088 ه ق (1) .

عصره:كان بداية عصر المؤلّف عصر حضارة العلم و الإيمان، حضارة الكتابة و القلم و المدرسة، و كانت مدينة إصفهان مركزا علميّا من كبريات مراكز العلم في العالم الاسلامي، و ازدهرت هذه المدينة من بداية الحكومة الصفويّة بالفقهاء و المحدّثين و المفسّرين و الحكماء و الاُدباء و الشعراء، منهم: المحقّق الكركي، و حسين بن عبدالصمد، و عبدالعالي بن عليّ بن عبدالعالي الكركي، و بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي ، و المير داماد، و المجلسيّان، و المولى محمّد صالح المازندراني، و الشيخ لطف اللّه الميسي و غيرهم، و بالمدارس العلميّة، و حفلت هذه المدارس بأعداد كبيرة من شباب الطلبة الوافدين إلى إصفهان، و قد ولد المولى محمّد هادي في هذا العصر و في بيت العلم و الفقاهة ؛ إذ كان والده محمّد صالح عالما فقيها مدرّسا، و والدته عالمة فقيهة، وجدّه الشيخ محمّد تقي المجلسي و خاله الشيخ محمّد باقر المجلسي من أعاظم علماء الإماميّة، و المترجم له عاش في تلك الحقبة من ذلك الزمن الزاهر، الزاخر بالعلوم و المعارف و الآداب، و بلغ مرتبة الكمال في عدّة علوم ، و شرع في التدريس و التأليف. لكن هذه الفترة انقطعت بفتنة محمود الأفغان الّتي تستقطب طلبة العلم و الفقهاء و العلماء و المدرّسين ، و قد قتل فيها كثير من الناس و منهم ابنه محمّد مهدي بن محمّد هادي المازندراني و كثير من العلماء، و بقي المترجم إلى ذلك الزمان ، و قد شرح هذا الواقعة في بعض كتبه، على ما نقل عنه العالم المتتبّع الميرزا محمّد باقر

.


1- .نسخة منها في مكتبة ملّي في طهران ، برقم 2620 / ع . الفهرس ، ج 13 ، ص 34 ؛ فهرستگان نسخه هاى خطّى ، ج 4 ، ص 417 ، الرقم 10574 .

ص: 8

الموسوي الخوانساري. قال الخوانساري _ بعد أن نقل بعض ما وقع بإصفهان في فتنة محمود الأفغان _ : و ممّن أشار إلى نبذة من تلك الوقعات و شرح عن جملة منها على وجوه الألواح... المولى الفاضل الأديب النجيب الآقاهادي بن مولانا محمّد صالح المازندراني في بعض مجاميعه...، قال في ذيل ما نقله عن بعض التواريخ المعتمدة من أنّ الأسعار غلت بمصر سنة 465، و كثر الموت، و بلغ الغلاء إلى أنّ امرأة تقوّم عليها رغيف بألف دينار، و سبب ذلك أنّها باعت عروضا لها قيمتها ألف ألف دينار بثلاثمئة دينار، و اشترت عشرين رطلاً حنطة، فنهبت من ظهر الحمّال و نهبت هي أيضا مع الناس فأصابها ممّا خبزته رغيف واحد. و أقول: إنّ من حضر وقعة إصفهان من مخاذلة أفغان و محاضرة هذا العام، و هو سنة أربع و ثلاثين و مئة بعد الألف، و شاهد ماجرى في ثمانية أشهر من شدّة الغلاء حتّى أنّ منّا من الحنطة _ و هو ثمانية عشر أرطال بالعراقي _ بيع بخمسة توامين _ و هو ألف درهم _ ثمّ نفدت الحنظة و الاُرز و سائر الحبوبات، و انتهى الأمر إلى اللحوم، فمن الغنم إلى البقر، و منه إلى الفرس و البغل، ثمّ الحمير، ثمّ الكلاب و السنّور، ثمّ لحوم الأموات، ثمّ قتل بعضهم بعضا _ ابتغاء لحمه _ و ما وقع في طيّ ذلك من الموت و القتل حتّى أنّه كان يموت في كلّ يوم ألف ألف نفس! و كان يباع الضياع و الفراش و الأثاث بربع العشر و دونه، ولا يحصل منه شيء أصلاً، و بالجملة فوربّ البيت ما بولغ من ذلك فما كان جزافا _ أعاذنا اللّه من مثله _ لم يتعجّب ممّا في ذلك التاريخ، بل يجزم بتّا قطعا أنّه ما وقعت شدّة عظيمة و بليّة مرزية من يوم خلق السماوات و الأرضون ولا يقع مثلها إلى الساعة، و مع ذلك كان في خارج البلد في غاية الرخص و الوفور، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا، انتهى. (1)

والده:محمّد صالح بن أحمد السروي المازندراني، كان قدس سره من أعاظم العلماء، جامعا للمعقول و المنقول، ماهرا في الاُصول و الفروع، أزهد أهل زمانه و أعبدهم، كان والده أحمد

.


1- .روضات الجنّات، ج 1، ص 117 _ 118، ترجمة إسماعيل بن محمّد المازندراني الخاجوئي.

ص: 9

في غاية من الفقر و الفاقه، فقال يوما لولده محمّد صالح: إنّي عاجز عن تحمّل مؤنتك، ولا بدّ لك من السعي للمعاش، فاطلب لنفسك ما تريد. فهاجر إلي إصفهان و سكن بعض مدارسه، و كان لأهله وظائف معيّنة يعطى كلّ على حسب رتبته في العلم، و حيث أنّ محمّد صالح كان مبتدئا في التحصيل كان سهمه منها في كلّ يوم غازين، و هي غير وافية لضروري أكله فضلاً عن سائر مصارفه، فكان يستعين في مدّة طويلة بضوء بيت الخلاء للمطالعة، و هو فيها واقف على قدميه إلى أن صار قابلاً للتلقّي من المحقّق محمّد تقي المجلسي قدس سره، فحضر في محفل إفادته في عداد العلماء الأعلام إلى أن فاق عليهم و صار معتمدا عند اُستاذه في الجرح و التعديل في المسائل، ذا منزلة عظيمة لديه، و تلمّذ أيضا عند المولى عبداللّه التستري و ولده المولى حسنعلي، و تزوّج بابنة المحقّق المجلسي. و كان رحمه الله يقول: أنا حجّة على الطلّاب من جانب ربّ الأرباب؛ لأنّه لم يكن في الفقر أحد أفقر منّي، و قد مضى علَيّ برهة لم أقدر على ضوء غير ضوء المستراح. و أمّا في الحافظة و الذهن فلم يكن أسوأ منّي، إذا خرجت من الدار كنت أضلّ عنها و أنسى أسامي أولادي، و ابتدأت بتعلّم حروف التهجّي بعد الثلاثين من عمري، فبذلت مجهودي حتّى مَنّ اللّه تعالى عَلىّ بما قسمه لي. (1) توفّى المولى محمّد صالح في سنة 1081 أو 1086، و دفن في مقبرة اُستاذه العلّامة المجلسي جنب المسجد الجامع بإصفهان، ممّا يلي رجليه، و هو مزار معروف يزار، والاختلاف في سنة وفاته ناش ممّا كتب على لوح قبره من الشعر بالفارسيّة، و هو: هاتفى گفت به تاريخ كه آهصالح دين محمّد شده فوت فإن حسبنا التاريخ من لفظة «آه» و ما بعده يكون تاريخ و فاته سنة 1086، والّا يكون سنة 1081 ه ق. (2)

.


1- .خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 197 ؛ الفيض القدسي (بحارالأنوار ، ج 2 ، ص 125) .
2- .خاتمة المستدرك، ج 2 ، ص 196 _ 197؛ الفيض القدسي (بحارالأنوار، ج 102، ص 124 _ 125) . و اختار ف الخوانسارى في روضات الجنّات، ج 4، ص 120 سنة 1081.

ص: 10

من آثاره:1 _ حاشية شرح اللمعة. (1) 2 _ شرح معالم الاُصول. (2) 3 _ شرح اُصول الكافي. (3) 4 _ شرح روضة الكافي. (4) 5 _ شرح زبدة الاُصول للشيخ البهائي. (5) 6 _ شرح قصيدة البردة المعروفة. (6) 7 _ شرح من لايحضره الفقيه. (7) 8 - حاشية شرح مختصر الاُصول للعضدي . (8)

والدته:وهي العالمة الفاضلة المجتهدة آمنة بنت العلّامة الشيخ محمّد تقي المجلسي،درست الفقه والحديث والتفسير عند والدها و أخيها العلّامة محمّد باقر المجلسي، ثمّ تصدّت

.


1- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 176 ، الرقم 888 ؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 131 ، الرقم 702 ؛ طبقات أعلام الشيعة ، ج 5 ، ص 288 .
2- .روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 188 ، الرقم 971 ؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 207 ، الرقم 1150 : «الحاشية على المعالم» ؛ وذكره في ج 14 ، ص 71 ، الرقم1787 وقال : «وهو غير حاشية عليه الّتي مرّت في الحواشي كما صرّح به في فهرس تصانيفه» .
3- .روضات الجنّات وغيرها من مصادر ترجمته ، وقد طبعت .
4- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 .
5- .روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 ؛ ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 336 ، الرقم 1853 .
6- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 . وانظر : مجلة «تراثنا» ج 41 ، ص 194 .
7- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ كشف الحجب والأستار، ص 356 ، الرقم 1999 ؛ طبقات أعلام الشيعة ، ج 5 ، ص 288 .
8- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ الذريعة ، ج 14 ، ص 94 ، الرقم 1877 .

ص: 11

للتدريس والإرشاد ، توفّيت في إصفهان ، ودفنت بمقبرة تخت فولاد ، من آثارها : 1 . ديوان شعر بالفارسيّة . 2 . شرح شواهد البهجة المرضيّة . 3 . شرح ألفيّة ابن مالك . 4 . مجموعة المسائل الفقهيّة . (1) و لزواجها مع المولى محمّد صالح قصّة لطيفة يعجبني ذكرها، قال المحدّث النوري: و لمّا حصل له رغبة في التزويج عرف ذلك منه المولى الاستاذ [تقى المجلسي]، فاستأذن منه يوما أن يتزوّج منه امرأة، فاستحيى، ثمّ أذن له ، فدخل المولى بيته فطلب بنته آمنة الفاضلة المقدّسة البالغة في العلوم حدّ الكمال، فقال لها: عيّنت لك زوجا في غاية من الفقر و منتهى من الفضل و الصلاح و الكمال، و هو موقوف على رضاك، فقالت الصالحة: ليس الفقر عيبا في الرجال. فهيّأ والدها المعظّم مجلسا و زوّجها منه، فلمّا كانت ليلة الزفاف و دخل عليها و رفع البرقع عن وجهها و نظر إلى جمالها عمد إلى زاوية و حمداللّه تعالى و اشتغل بالمطالعة، و اتّفق أنّه ورد على مسألة عويصة لم يقدر على حلّها، و عرفت ذلك منه الفاضلة آمنة بيكم بحسن فراستها، فلمّا خرج المولى من الدار للبحث و التدريس عمدت إلى تلك المسألة و كتبتها مشروحة مبسوطة، و وضعتها في مقامه، فلمّا دخل الليل و صار وقت المطالعة و عثر المولى على المكتوب و حلّ له ما أشكل عليه سجد للّه شكرا، و اشتغل بالعبادة إلى الفجر، و طالت مقدّمة الزفاف إلى ثلاثة أيّام، و اطّلع على ذلك والدها المعظّم، فقال له: إن لم تكن هذه الزوجة مرضيّة لك اُزوّجك غيرها . فقال: ليس الأمر كما توهّم، بل كان همّي أداء الشكر، و كلّما أجهد في العبادة أراني أبلغ شكر أقلّ قليل من هذه العناية. فقال رحمه الله : الإقرار بالعجز غاية شكر العباد. (2)

.


1- .موسوعة مؤلّفي الإماميّة، ج 1 ، ص 104 .
2- .خاتمة المستدرك، ج 2، ص 196 _ 197؛ الفيض القدسي (بحارالأنوار، ج 102، ص 124 _ 125).

ص: 12

وفي رياض العلماء : آمنه خاتون بنت المولى محمّد تقي المجلسي، فاضلة، صالحة متّقية، وكانت تحت المولى محمّد الصالح المازندراني ، وسمعنا أنّ زوجها مع غاية فضله قد يستفسر عنها في حلّ بعض عبارات قواعد العلّامة . (1) و كثيرا ما يعبّر الشارح عن العلّامة الشيخ محمّد تقي المجلسي بالجدّ، و قد يصرّح بأنّه جدّ لاُمّه، و يعبّر عن العلّامة محمّد باقر المجلسي بالخال، و سيأتي ذلك عند التعرّض للنكت المستفادة من الكتاب في الفصل الثاني.

إخوته و اُخته:و ممّا منّ اللّه تعالى على المولى صالح و على زوجته الفاضلة الذرّيّة الطيّبة ، وأذكرهم هنا باختصار: 1 _ آقا محمّد هادي بن محمّد صالح، شارح فروع الكافي، و الذي نحن بصدد ترجمته. 2 _ العالم الربّاني، و الفقيه الذي لم يكن له عديل، آقا نور الدين محمّد بن محمّد صالح (2) ، فإنّه خلّف ابنا اسمه آقا رحيم، و بنتا تزوّجها الميرزا محمّد تقي النجف آبادي (3) ، و بنتا اُخرى تزوّجها المولى محمّد أكمل ، و هي اُمّ الاستاذ الأكبر محمّد باقر الوحيد البهبهاني (4) ، و لهذا يعبّر الاستاذ الوحيد البهبهاني عن المولى صالح بالجدّ، و قد تقدّم بعض كلامه في بداية المقدّمة. 3 _ العالم الأديب و الفاضل اللبيب محمّد سعيد بن محمّد صالح المتخلّص

.


1- .رياض العلماء ، ج 5 ، ص 407 .
2- .نجوم السماء، ص 109، الرقم 132.
3- .مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 97 ؛ اَنساب خاندان مجلسي للمولى حيدر على المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 270 .
4- .الفيض القدسى (بحارالأنوار، ج 102، ص 126)؛ انساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 270 .

ص: 13

بأشرف، و كان شاعرا بليغا و متكلّما فصيحا، حسن الخطّ و الخلق و البيان و العطاء، و كان متبحّرا في التصوير ، وصرّح به و بحسن خطّه وباهى بهما في بعض أشعاره ، منها : اشرف تو كميت نكته دانى رانىاسرار رموز جاودانى دانى هر چند كه مانند ندارى در خطّدر شيوه تصوير به مانى مانى (1) و قال أيضا: گاهى چون خطّ سخن زمعنى گويمگه چون قلم مو ره صورت پويم گر زانكه شبيه خلق تصوير كنمزين راه تشبّهى به مبدأ جويم (2) وقد تلمّذ في الشعر على صائب ، وفي الخطّ على عبد الرشيد الديلمي (3) . هاجر إلى الهند في عهد السلطان محمّد أورنگ زيب، فقرّبه السلطان و ألطف به، و جعله معلّما لبنته زيب النساء، و بعد سنوات أراد الرجوع إلى إصفهان فأنشد في قصيدة له: يكباره از وطن نتوان برگرفت دلدر غربتم اگر چه فزونست اعتبار پيش تو قرب و بعد تفاوت نمى كندگر خدمت حضور نباشد مرا شعار نسبت چو باطنى است چه دهلى چه اصفهاندل پيش توست تن چه به كابل چه قندهار فرجع في سنة 1083 ه ق. إلى إصفهان، لكن بعد مدّة رجع إلى الهند و استقرّ في عظيم آباد پنته عند عظيم بن عالم بن عالمگير، و كان مقرّبا عنده، و أراد في أواخر عمره زيارة بيت اللّه الحرام، فلمّا وصل مونگير مات في سنة 1116 ه ق، و دفن بها، و له من الأولاد:

.


1- .نجوم السماء ، ص 202-203 .
2- .الفيض القدسي (بحار الأنوار، ج 102) ؛ احوال و آثار خوشنويسان لمهدي بياني ، ص 743-745 .
3- .الذريعة ، ج 9 ، ص 78 ، الرقم 451.

ص: 14

أ. محمّد علي المتخلّص بدانا، وكان شاعرا. ب. محمّد أمين، و له شرح مبسوط على قِسم الكلام من تهذيب التفتازاني (1) ، و رسالة في الإمامة بالفارسيّة. (2) ج . زينب، و تزوّجها الملّا محمّد تقي بن ملاّ عبداللّه بن محمّد تقي المجلسي. ولمحمّد سعيد بن محمّد صالح ديوان شعر و قد طبع ، و له شرح الأحاديث المستصعبة (3) . 4. الفاضل الأديب و العالم الأريب حسنعلي بن محمّد صالح، هاجر إلى الهند في عنفوان شبابه، و كان معزّزا عند الحكّام، و اشتهر في تلك البلاد ب «حسنعليخان». خلّف ابنا اسمه ميرزا على أشرف، و عقبه في إصفهان، و بنتا تزوّجها الفاضل حسنعلي بن محمّد هادي الثاني، و سائر ولده بالهند. (4) 5. المقدّس الصالح عبد الباقيبن محمّد صالح، كان جامعا للفضائل، عالما، فقيها. خلّف ابنا و هو المولى محمّد صالح الشهير بآغا بزرگ، هاجر إلى الهند في أوائل عمره، و كان معزّزا مبجّلاً فيه، خلّف ابنا باسم علاء الدين محمّد، (5) و بنات . (6) 6. العالم الورع محمّد حسين بن محمّد صالح، و كان له خطّ جميل، و له حواشي على الفقيه.

.


1- .كشف الحجب والأستار ، ص 330 ، الرقم 1804 ؛ الذريعة ، ج 13 ، ص 160 و قال رأيت منه نسخة في مكتبة مدرسة اليزدي في النجف ، بخطّ ملّا آغا رضا بن المشهدي جاني بيك ، وقد وهبها لولده محمّد إبراهيم في سنة 1289 ه .
2- .الذريعة ، ج 2 ، ص 321-322 ، الرقم 1272 .
3- .الذريعة ، ج 13 ، ص 65 : نسخة منه في مكتبة السيد حسن الصدر في الكاظميّة .
4- .الفيض القدسي: (بحارالأنوار، ج 102، ص 129)، أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 271 ؛ مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 271 .
5- .المصادر المتقدّمة، ص 129 _ 130. وانظر ما تقدّم من كلام التنكابني في التعريف بترجمة القرآن الكريم من آثار المولى محمّد هادي .
6- .أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 271 .

ص: 15

قال المحدّث النوري: «رأيت نسخة منه بخطّه ، و هو في غاية الحسن و الجودة ، و تدلّ على فضله و كماله». (1) وكان شاعرا ، و له ديوان شعر ، و له مثنوي «قضا و قدر» . (2) وكان له ابن باسم محمّد رضا ، ولم يذكر له عقب . (3) 7 . علي نقي بن محمّد صالح ، وكان شاعرا ، ذهب إلى الهند و مدح أورنك زيب ، و توفّي هناك حدود سنة 1083 ، و كان متخلّصا ب «سابق» ، و له ديوان شعر . (4) 8 . بنت كانت تحت العالم النحرير الأمير أبوالمعالى الكبير جدّ صاحب الرياض، ولها منه أربعة أولاد ذكور وبنتان ، (5) ومن أولادها أبوطالب بن أبي المعالي ، وله بنت هي اُم السيّد المرتضى والد السيّد العلّامة بحر العلوم ، فيكون السيّد من أحفاد المولى صالح والمجلسي .

أولاده:1. محمّد مهدي بن محمّد هادي، و كان عالما فاضلاً، له حاشية شرح مختصر الاُصول للعضدي، بشارة الشيعة في مسائل الشريعة من العبادات والمعاملات، وسيلة السعادة و ذريعة الشفاعة ترجمة لمهج الدعوات بالفارسيّة، قُتل في فتنة محمود الأفغان بإصفهان، قاله صاحب تذكرة العلماء. (6) وكان صهرا لابن عمّه آقا رحيم بن نورالدين محمّد بن محمّد صالح المازندراني ،

.


1- .المصدر ؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 223 ، الرقم 1252 .
2- .الذريعة ، ج 9 ، ص 248 ، الرقم 1505 ؛ و ج 17 ، ص 145 ، الرقم 760 .
3- .أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 272 .
4- .الذريعة ، ج 9 ، ص 414 و 764 ، الرقم 2406 و 5173 ، ولم أعثر على هذا الاسم في غير الذريعة .
5- .المصدر؛ أعيان الشعية ، ج 2 ، ص 433 .
6- .نجوم السماء، ص 286؛ كشف الحجب والأستار، ص 180، الرقم 913، الذريعة؛ ج 6، ص 132، الرقم 712؛ و ج 3، ص 116، الرقم 394؛ و ج 25، ص 79، الرقم 428.

ص: 16

ولم يذكر له خلف من الذكور (1) ، و له بنتان ، إحداهما التي تزوّجها محمّد تقي بن محمّد قاسم الدماوندي الذي استنسخ نسخة مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني (2) ، و هي والدة الحاج مهدي الشهير به «كفن نويس»، و الحاج محمّد عليّ. (3) والاُخرى تزوّجها الحاج محمّد ابن أخي محمّد تقي، خلّفت ابنا اسمه حاجى ميرزا، و بنتا. (4) 2. محمّد رضا بن محمّد هادي، قال السيّد عبداللّه سبط المحدّث الجزائري في الإجازة الكبيرة: آغا محمّد رضا بن المولى محمّد هادي بن المولى محمّد صالح الطبرسي المازندراني، كان فاضلاً محقّقا متكلّما ، رفيع المنزلة، مدرّسا في مدرسة خير آباد من أعمال بهبهان، قدم إلينا و هو متوجّه إلى العراق للزيارة، ثمّ اجتمعت به في بهبهان ، و حضرت درسه بشرح اللمعة، توفّي عشر الخميس، رحمة اللّه عليه. (5) 3. علي أصغر بن محمّد هادي. (6) و له بنت . (7) 4. محمّد تقي بن محمّد هادي . (8) له مجموعة باسم «جُنگ» نقل عنه «دانشمندان» ترجمة شاه قلي الخلخالي (9) ، و توجد نسخة من كتاب مناقب أهل البيت للمولى حيدر الشيرواني بخطّه في مكتبة

.


1- .مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص96-97 ، ترجمة محمّد هادي و نور الدين محمّد ابني محمّد صالح المازندراني ؛ أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 269 .
2- .نسخة منها موجودة في مكتبة الشيخ على الفاضل القائيني ، تاريخ كتابتها سنة 1096 في المدرسة الفيضيّة بقم . مجلّة تراثنا ، ج 52 ، ص 128 ، الرقم 1095.
3- .الفيض القدسي (بحار الأنوار ، ج 102 ، ص 125 ؛ مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 96 ؛ أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخره مرآة الأحوال ، ص 269 و 272-273.
4- .المصادر المتقدّمة.
5- .الفيض القدسى (بحارالأنوار، ج 102، ص 126).
6- .المصدر، ص 125.
7- .أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 269 .
8- .المصدر .
9- .الذريعة، ج 26 ص 256، الرقم 1288، و راجع: آخر كتاب مناقب أهل البيت، للمولى حيدر الشيروانى.

ص: 17

السيّد المرعشي برقم 592، فرغ من كتابتها سنة 1133 ه ق. 5. محمّد عليّ بن محمّد هادي خلّف هو بنتا وابنا، و هو محمّد هادي، و خلّف محمّد هادي بنتا ، وهي زوجة الميرزا حيدر عليّ المجلسي (1) ، و ابنين أحدهما ميرزا محمّد عليّ ، و الآخر ميرزا حسن، و لكلّ منهما عقب و بنات. (2)

أساتذته:لم أعثر على تصريح باسم أحد من أساتيذه، لكنّه من المعلوم أنّه تلمّذ عند جمع من فحول العلماء في مدينة إصفهان، و يمكن أن يستفاد من بعض كلماته أنّه تلّمذ عند جدهّ لاُمّه المحقّق المجلسي قدس سره، حيث قال في شرح حديث الحلبي في باب تلقين الميّت: و قال هذا الشارح، و هو المحقّق المدقّق مولانا محمّد تقي المجلسي، جدّي من اُمّي، عند قرائتي عليه هذا الحديث من الفقيه لإيضاح هذه المقالة: «مثلى است مشهور كه پاى چراغ تاريك است». و من أساتذته، والده المحقّق المولى محمّد صالح المازندراني، فإنّه ينقل عنه في هذا الشرح كثيرا، و المنقول عنه ليس في شرح الكافي، و الظاهر أنّه أخذ منه شفاها، أو من بعض كتبه الاُخرى ، فقرأ عليه و أخذ منه.

تلاميذه و المجازون عنه:1. محمّد المازندراني الملقّب بنور الدين قرأ على المولى محمّد هادي المازندراني كتاب قواعد الأحكام للعلّامة الحلّي، و

.


1- .أنساب خاندان مجلسي للمولى حيدر علي المجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 269 .
2- .نجوم السماء (بحارالأنوار، ج 102، ص 125) ؛ مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 96 .

ص: 18

أجازه في سنة 1118 ه ق. (1) 2. محمّد إبراهيم بن إسماعيل السوركي الكندياني ، أجازه المولى محمّد هادي المازندراني في آخر نسخة من كتاب «من لا يحضره الفقيه» في أواخر شوّال سنة 1101 ه ق، و وصفة بالأخ الأعزّ الأمجد، المولى العالم العامل، الصالح التقي النقي، ذوالمفاخر و المآثر. (2) 3. محمّد صالح الشهير بآقا بزرگ الإصفهاني، نزيل بنگالة الهند، بن عبد الباقي بن محمّد صالح المازندراني، مذكور في طريق رواية عبدالغني بن أبي طالب الكشميري، فإنّه بدَأ في كتابه «الجامع الرضوي» بخمس قواعد، منها طريق روايته عن اُستاذه محمّد صالح الشهير بآقا بزرگ الإصفهاني، عن عمّه الآقا هادي بن محمّد صالح، عن أبيه المولى محمّد صالح، عن المولى المجلسي. (3) 4. محمّد عليّ بن أبي طالب اللاهيجي المعروف بالحزين ، فإنّه قرأ على المولى محمّد هادي كتاب تهذيب الأحكام، قال الحزين: «بسيارى از كتاب تهذيب الأحكام شيخ طوسى عليه الرحمة را در مدرس مجتهد الزمان آقا هادى خلف مولانا محمّد صالح مازندرانى استفاده نمودم». (4) 5. محمّد بن محمّد زمان بن الحسين المنجّم الكاشاني ، عالم كبير و فاضل، كان عالما بالفلسفة الإلهيّة و العلوم النقليّة و العقليّة ، و المسائل الرياضيّة و الفلكيّة، و المعارف الاسلاميّة كالتفسير و الفقه و الاُصول و الحديث و غيرها، توفّي بعد سنة 1172 ، و دفن في النجف الأشرف. (5)

.


1- .تراجم الرجال، ج 1، ص 478.
2- .تراجم الرجال، ج 2، ص 575.
3- .الذريعة، ج 5، ص 54، الرقم 212.
4- .نجوم السماء، ص 202.
5- .تراجم الرجال، ج 2، ص 556 _ 558.

ص: 19

آثاره و مصنّفاته:1. أنوار البلاغة في علم المعاني و البيان. (1) صنّفه حسب التماس حسين عليّ خان من اُمراء الدولة الصفويّة ، و قد طبع. 2. ترجمة الصحيفة الكاملة السجّاديّة. فرغ منها في ذي الحجّة سنة ثلاث و ثمانين بعد الألف، أوّله: ابتدا مى كنم به نام خداى بخشاينده مهربان. (2) 3. ترجمة معالم الدين في اُصول الفقه بالفارسيّة. (3) هذه الترجمة أيضا حسب التماس حسين علي خان، على ما صرّح به في المقدّمة، و أذكرهنا ما كتبه في بداية الترجمة: ثنا و سپاس فرمانفرمائى را در خور است كه به يك امر آباى علوى وامّهات سفلى را بى واسطه قابله مادّه از بطن عدم به فضاى وجود كشانيد، و ستايش بى قياس دانايى را سزاست كه فروعات كائنات را بى فكر و رويت از اصول اربعه عناصر استنباط و استخراج نموده و به فحواى كلام بشارت نظام «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (4) خلاع فاخر عليّت غائيّه ايجاد عالم كون و فساد را بر اشخاص بنى آدم پوشانيده، و براى اقامت ايشان بسط بساط زمين نموده، خيام افلاك را بى عمود بر پاى داشته، از اشعه كواكب ذوى الاَنوار طناب در طناب كشيده، و به مقتضاى كلام صداقت نظام «لولاك

.


1- .كشف الحجب و الاستار، ص 66، الرقم 317؛ الذريعة، ج 2، ص 20، الرقم 1660. نسخه منه في مكتبة وزيري في يزد برقم 1839 ، و نسخة بعضه في مكتبة السيد الگلپايگاني في قم برقم 822 ، و نسخة منه في المكتبة العامّة في إصفهان برقم 3265 .
2- .كشف الحجب و الاستار، ص 116، الرقم 549؛ الذريعة، ج 4، ص 112، الرقم 528؛ و ج 13، ص 395، الرقم 1327: شرح الصحيفة.
3- .كشف الحجب و الاستار، ص 121، الرقم 573؛ الذريعة، ج 4، ص 137، الرقم 661. و هذه الترجمة مطبوعة توجد في المكتبات.
4- .البقرة (2) : 29 .

ص: 20

لما خلقت الأفلاك» حلقه غلامى خواجه كائنات را از ثوابت و سيّار در گوش ساكنان عالم بالا كشيده، و به فرمان واجب الاذعان «أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1) طوق ملازمت و فرمانبردارى او و عترت معصومين او را بر گردن خلائق پيچيده، اعنى محمّد مصطفى و ائمه هدى صلوات اللّه عليهم ، پيغمبرى كه دين مبين ايشان را ناسخ اديان انبياى ماضيه و شرايع امم سابقه گردانيده، و به منطوق كريمه «إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (2) جامه عصمت و طهارت را به اندازه قامت ايشان بريده، و به مفهوم خطاب «لواجتمع الناس على حبّ علي بن أبي طالب لما خلق اللّه النار»، اعداى آن ولايت مآب را از عموم خلايق استحقاق جحيم اختصاص فرموده، صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، «إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» . (3) و بعد چنين گويد ذرّه بى مقدار، تراب اقدام شيعيان ائمه اطهار عليهم السلام ، الفقير الطالح الجاني محمّد هادى بن محمّد صالح المازندرانى، كه اين كمينه بى بضاعت به اشارت نوّاب مستطاب معلّى القاب، مبادى آداب، مجموعه منتخبات ملكات ملكيّه سنيّه محامد صفات نفسيّه نوباوه بوستان فضل و كمال... حسين على خان... . 4. ترجمة القرآن الكريم . ذكره العلّامة الطهراني قدس سره و قال: «توجد نسخة منه عند الحاج محمّد عليّ التاجر الإصفهاني في كرمانشاهان، و هي بخطّ محمّد صالح بن توكّل المشهدي، فرغ من الكتابة سنة 1115 ه ق» (4) . و ذكر بعض في سبب ترجمته للقرآن قصّة شبيهة بما ذكر للطبرسي في علّة كتابته

.


1- .النساء (4) : 59 .
2- .الأحزاب (33) : 33 .
3- .الأحزاب (33) : 56 .
4- .الذريعة، ج 4، ص 128، الرقم 606، وانظر: أعيان الشيعة، ج 10، ص 234؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149.

ص: 21

لتفسير مجمع البيان ، فقد جاء في في تذكرة القبور _ عند ذكره لمقبرة المجلسي في مسجد الجمعة بإصفهان _ : ديگر قبر آقا هادى ولد آخوند محمّد صالح است كه صندوق چوبى دارد، در كنار ايوانچه كه درگاه مقبره است كه روبه قبر مجلسى بايستى، طرف چپ است، و مردى عالم و فاضل بوده، غالب كتابهاى او فارسى و ترجمه عربى، و او را هادى مترجم مى گويند، شرح فارسى بر معالم، و بر شرح شمسيّه، و بر شافيه صرف كه متن شرح نظّام معروف است نوشته، و حاشيه عربى بر تفسير بيضاوى نوشته، و ترجمه قرآن با شأن نزول و نيك و بد استخاره نوشته، و گويند به جهت نذر توى قبر اين را نوشته، چون به جهت ناخوشى صرع يا سكته، وقتى اعتقاد فوت او شده دفنش نموده در قبرستانى و سوراخى به بالاى قبر براى نفس احتياطا گذارده[اند]، او در قبر به هوش آمده نذرِ نوشتن ترجمه قرآن هرگاه بيرون آيد، كرده، اتّفاقا شترى آنجا مى چريده، از صداى توى قبر رم كرده، ساربان فهميده خبر به اهل شهر داده، بيرونش آورده اند. (1) و هذه القصّة أوردها أيضا التنكابني في ترجمته من قصص العلماء، (2) و قال: قرآن را شأن نزول و ترجمه نوشت و فى الحقيقة مختصر مفيد نوشته، و اين فقير نيز در بعضى آن مقامات بر شأن نزول او و دقايق او حاشيه نوشته و در مقام ايراد برآمدم ، و از جمله كرامات اين بزرگوار چيزى است كه او در آيه «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ» (3) نوشته به اين عبارت: «مترجم گويد كه هر كه مرا شناسد، شناسد و هر كه مرا نمى شناسد بگويم تا بشناسد، منم هادى بن محمّد صالح مازندرانى، هر دو چشمم كور و هر دو گوشم كر باد كه اگر دروغ گويم، شبى از شبهاى گذشته ايّام جوانى در خواب ديدم كه به عمارت رفيع كه در آن قبر و صندوقى بود و مرد پيرى نشسته بود، و برادر اعزّ ارجمند مولانا عبدالباقى كتاب بزرگى در دست داشت و مى خواند با فصاحت و بلاغت قرآنى امّا قرآن نبود، پس گفتم اين چه كتابى است؟ آن مرد پير گفت كه اين

.


1- .تذكرة القبور، ص 72 _ 73.
2- .قصص العلماء، ص 230.
3- .المائدة (5) : 55 .

ص: 22

مصحف على است. پس من مصحف را گشودم اتّفاقا در صفحه دست راست آيه «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ» بود و سطرهاى طولانى داشت، دو سطر از آن در وصف خانواده رسالت بود، بيدار شدم، از آن كلمات هيچ به خاطرم نماند. باز همان لحظه خوابم ربود، ناگاه همان مكان شريف و همان مصحف را ديدم، با خود گفتم: مكرّر بخوانم اين آيه را شايد به خاطرم بماند، پس از تكرار باز بيدار شدم، همه از خاطرم محو شده بود به جز كلمه زوج البتول در وصف حضرت اميرالمؤمنين عليه السلام . و غريب تر اينكه بعد از چندى به آن برادرم اظهار نمودم كه مصحف اميرالمؤمنين عليه السلام را در خواب ديدم، پيش از ذكر تفصيلى از خواب گفت كه پيش از اين من اين مصحف را در خواب ديدم و در آن اسم مبارك حسنين عليهماالسلامرا مشاهده كردم. (1) 5. ترجمة الكافية في النحو لابن الحاجب. (2) طبع في إيران . 6. حاشية أنوار التنزيل للبيضاوي. (3) 7. حاشية مواريث القواعد للعلّامة الحلّي، و لعلّه جزء من شرحه على القواعد. (4) 8. الحدود و الديات. كتبه بالفارسيّة ، أوّله: «الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ»، مرتّب على ثلاث مقدّمات و خاتمة و عدّة فصول، نسخة مخرومة الأوّل منه في مكتبة الطهراني بسامرّاء، و النسخة التامّة بالكاظميّة في كتب المرحوم السيّد محمّد الواعظ الإصفهاني. (5)

.


1- .قصص العلماء، ص 230 _ 231، و مثله في الفوائد الرضويّة للمحدّث القمّي، ج 2، ص 703.
2- .الذريعة، ج 4، ص 129، الرقم 612؛ و ج 14، ص 31، الرقم 1602؛ أعيان الشيعة، ج 10، ص 434؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149.
3- .كشف الحجب و الأستار، ص 170، الرقم 850؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 44 ، الرقم 215 .
4- .ريحانة الأدب، ج 5، ص 149. نسخة منه في مكتبة السيّد الگلپايگاني بقم برقم 4528 ، والمذكور في الفهرس : «حاشية قواعد الأحكام» .
5- .الذريعة، ج 6، ص 298، الرقم 1595؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149. نسخة منه في مكتبة السيّد المرعشي برقم 10135 ، ونسخة في مكتبة السيّد الگلپايگاني برقم 2113 باسم : «شرح ارث القواعد» .

ص: 23

9 . رسالة في الأذان . (1) 10 . رسالة في تعيين غرّة رمضان فيما إذا غمّت شهور السنة كلّها . (2) 11. رسالة فيه تفسير بعض الآيات والأحاديث . (3) 12. الرسالة الرضاعيّة. قال العلّامة الطهراني قدس سره رأيت نسخة منها عند السيّد محمّد رضا التبريزي في النجف، أوّلها: «الحمد للّه ربّ... فهذه رسالة في معرفة أحكام الرضاع، لا سيّما المحرّم منه...»، مشتملة على مقدّمة و فصول و خاتمة و عليها حواش منه، المقدّمة في بيان مدّة الرضاع شرعا، و الخاتمة في المستحبّات فيه. و نسخة عند الشيخ محمّد على الاُردوبادي في النجف، بخطّ محمّد فاضل بن محمّد جعفر المشهدي، كتبها لنفسه [في سنة] 1148، و نسخة التبريزي في آخرها: كتب بيمناه الداثرة مؤلّفها العبد الذليل تراب أقدام طلبة علوم سيّد المرسلين _ إلى قوله _ محمّد هادي _ إلى قوله _ فرغ من تأليفها في شهر ربيع الثاني، في السنة السابعة بعد الألف و المائة. (4) 13. رسالة في المواريث. كتبها بالفارسيّة ، وهي مبسوطة، ذكر في أوّلها فهرسا مفصّلاً لمباحثها ، نسخة منها ضمن مجموعة مع «الرضاعية» للمولى محمّد تقي المجلسي بخط محمّد باقر الدهدشتي، فرغ مِن كتابتِها _ أو كتابة بعضها _ في سنة 1222 ه ق. في مكتبة

.


1- .نسخة منها في مكتبة مدرسه نوّاب ضمن مجموعة رقم 271 (الفهرس ، ص 474) بخطّ مير محمّد هاشم ميرطالب تاريخ كتابتها سنة 1108 .
2- .نسخة منها في مكتبة مؤسسة إسماعيلي برقم 801 . الفهرس ، ج 2 ، ص 1144 .
3- .نسخة منها في مكتبة جامعة تهران برقم 7387. الفهرس ، ج 16 ، ص 536 .
4- .الذريعة، ج 11، ص 194، الرقم 1193. أقول : وهذه الرسالة تحت الطبع ، وسيصدر قريبا في «تراث الشيعة الفقهي والاُصولي» .

ص: 24

الطهراني بكربلا. (1) 14 . رسالة في النحو . (2) 15 . شرح دعاء الصباح ، (3) كتبه بالفارسيّة . 16. شرح الشافية في الصرف. صنّفهُ بالفارسيّة للنوّاب حسين عليّ خان، أوّله: الحمد للّه ربّ العالمين، والسلام على خير خلقه محمّد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين... (4) 17. شرح شرح الشمسيّة، كتبه بالفارسيّة. (5) 18. شرح تلخيص المفتاح، (6) كتبه بالفارسيّة. 19. شرح فروع الكافي. و هو هذا الكتاب الذي بين يديك، و سيأتي التعريف به. 20 . شرح النظّام في الصرف . (7) 21. شرح قواعد الأحكام.

.


1- .الذريعة، ج 23، ص 219، الرقم 8700.
2- .الكواكب المنتثرة ، ص 806 .
3- .نسخ منه موجودة في المكتبات ، منها : مكتبة مسجد الأعظم في قم ، برقم 1377 ؛ مكتبة كليّة الإلهيّات في تهران برقم 254 و 1246 ؛ مكتبة مدرسه الغرب في همدان برقم 4821 ، مكتبة السيّد المرعشي في قم برقم 4702 ؛ مكتبة ملك برقم 2993 . ونسخة منه ناقصة في مكتبة كليّة الالهيّات في مشهد ضمن مجموعة رقم 1/1246 .
4- .كشف الحجب و الأستار، ص 338، الرقم 1865؛ الذريعة، ج 13، ص 314، الرقم 1160؛ و ج 4، ص 108، الرقم 504 و فيه: ترجمة الشافية. نسخه منه في مكتبة كلّيّة الإلهيّات في تهران برقم 110 ، ونسختان في مكتبة السيّد المرعشي برقم 4833 و 6750 ، ونسخة في مكتبة السيّد گلپايگاني برقم 386 ، ونسخه منه في مكتبة السيّد معصومة عليهاالسلام في قم برقم 207 ، ونسخة في مكتبة مدرسه الحجّيّة في قم برقم 316 ، ونسخة منه في مكتبة مدرسة الشهيد المطهّري في تهران برقم 3618 .
5- .ريحانة الأدب، ج 5، ص 149؛ الكواكب المنتثرة ، ص 806 .
6- .الذريعة، ج 13، ص 152، الرقم 518، و قال: رأيت منه قطعة في خصوص شرح قسم التشبيه من أقسام علم البيان.
7- .نسخة منه في مكتبة مدرسة خاتم الأنبياء في بابل برقم 1/174 .

ص: 25

و هو شرح مبسوط، مذكور في إجازة المولى حيدر عليّ المجلسي. (1) 22. منتخب مغنى اللبيب. أوّله: «يا من تبارك من الوصف اسمه» ، نسخة منه بخطّ المولى نصرت كتبه في سنّة 1119 ه ق، وقفه لمدرسة فاضل خان في سنة 1133. (2) 23 . الموائد في علم الكلام . (3) نقل فيه عن حدائق الحقائق ، والشيخ البهائي والزمشخري. (4)

و ذكر في آثاره:1 _ رسم الخطّ. ذكره العلّامة الطهراني قدس سره و قال: عند المولى النهاوندي بمشهد خراسان، ثمّ قال: هو من أجزاء شرح الفارسي على الشافية، انتزعها منه الكاتب. (5) فليس هذا كتابا مستقلاًّ . 2. شرح مفاتيح الشرائع. عدّه في كشف الحجب والأستار من آثاره (6) ، ولكن قال العلّامة الطهراني قدس سره: إنّه للمولى محمّد هادي بن المولى المرتضى بن المولى محمّد مؤمن الذى هو أخ المولى محمّد حسن الفيض، صرّح بذلك في المتن. (7)

كلمات العلماء في حقّه:قال العلّامة الطهراني:

.


1- .كشف الحجب والأستار، ص 346، الرقم 1929؛ الذريعة، ج 14، ص 23، الرقم 1575.
2- .الذريعة، ج 22، ص 436، الرقم 7773؛ الكرام البررة ، ج 1 ، 162 ، ترجمة محمّد باقر الدهدشتي (335).
3- .نسخة منها ناقصة في مكتبة جامعة تهران برقم 1839 بخطّ المؤلف .
4- .الكواكب المنتثره ، ص 806.
5- .الذريعة، ج 11، ص 231،الرقم 1409.
6- .كشف الحجب والأستار، ص 354، الرقم 1987.
7- .الذريعة، ج 14، ص 80، الرقم 1816.

ص: 26

هادي المترجم بن محمّد صالح المازندراني صهر التقي المجلسي، تربّى المترجم له في حجر اُمّه آمنة بنت التقي المجلسي التي كانت عالمة فاضلة، فصار الولد خطّاطا فنّانا مشهورا كما في الروضات، طبع نماذج من خطّه في نمونه خطوط خوش للدكتور مهدي بياني، و في أطلس خطّ لحبيب اللّه فضائلي، و اشتهر بما ترجمه من الكتب الدينيّة من العربيّة بالفارسيّة، و له اهتمام باللغة الفارسيّة، إنشاءً و إملاءً، و لكثرة ما ترجمه بالفارسيّة عرف بآقا هادي المترجم، و له تصانيف كثيرة. (1) و قال أحمد بن محمّد عليّ البهبهاني الكرمانشاهي سبط العلّامة الوحيد البهبهاني: فاضل نحرير، و مقدّس بى عديل و نظير، جناب مستطاب، مستغني الألقاب، فقيه الزمان آقا محمّد هادى را تصانيف بسيار و فضايل بى شمار است، و علاوه بسيار خوش مزاج و لطيفه گو و ظريف بوده اند. (2) و قال السيّد الأمين: الآقا هادي بن المولى محمّد صالح المازندراني، عالم، فاضل، جليل، كان ظريفا حسن الجواب، اُمّه آمنه بيگم بنت محمّد تقي المجلسي، كانت عالمة فاضلة . (3) و قال الخوانساري في ترجمة المولى محمّد صالح المازندراني بعد أن حسّن خطّه: إلّا أنّ خطّ ولده المولى الفاضل الكامل الآقا هادي المترجم للقرآن المجيد و الصحيفة الكاملة و معالم الاُصول و الكافية و الشافية و المصنّف بغير ذلك كان أحسن منه بمراتب ، ولا يبعد كونه أحدا من المشهورين في الخطّ المنكسر، و كذلك النستعليق. (4) و قال الميرزا محمّد عليّ المدرّس: آقا هادى فرزند ملاّ صالح نيز عالمى است اديب، فاضل، مقدّس، جليل، از مشاهير فضلاى فقها، و مادرش آمنه بيگم مزبوره بود، و به جهت ترجمه قرآن مجيد لقب

.


1- .طبقات أعلام الشيعة، القرن الثاني عشر، ص 805.
2- .مرآة الاحوال، ج 1، ص 106.
3- .أعيان الشيعة، ج 10، ص 234.
4- .روضات الجنّات، ج 4، ص 119، الرقم 355.

ص: 27

مترجم را نيز داشته. (1) و قال المحدّث القمّي: هادي بن محمّد صالح المازندراني، معروف به آقا هادي، عالم، فاضل، مقدّس، جليل، صاحب ترجمه قرآن و شرح كافيه و غيرهما، او مردى ظريف و حسن الجواب بود، والده اش عالمه جليله معظّمه آمنه بيگم دختر مولانا محمّد تقى مجلسى رحمه الله بود. (2)

وفاته:في تاريخ وفاته قولان: الأوّل: سنة 1120 ه ق، و به قال الزنوزي (3) و الميرزا محمّد علي المدرّس (4) ، و العلّامة الطهراني في بعض آثاره (5) ، و هذا التاريخ مكتوب على لوح قبره (6) . الثاني: بعد سنة 1134 ه ق، و هذا هو الحقّ عندي؛ لأنّه نقل ما وقع في هذه السنة في فتنة محمود الأفغان كما تقدّم نقله _ و اختار هذا القول _ من غير إشارة إلى السنة _ الخوانساري ، حيث قال: «بقي إلى زمان فتنة أفغان المشهورة، و كان موته في عين تلك النائرة العظمى». (7) و اختار هذا التاريخ الفضائلي في كتابه (8) ، والعلّامة الطهراني في بعض مواضيع الذريعة . (9) والسيّد حسن الأمين في مستدركات الأعيان . (10)

.


1- .ريحانة الأدب، ج 5، ص 148 (مازندراني).
2- .الفوائد الرضويّه، ج 2، ص 703، أوّل باب الهاء.
3- .رياض الجنّة، ج 3، ص 328.
4- .ريحانه الأدب، ج 5، ص 149.
5- .طبقات أعلام الشيعة، ج 6، ص 805، لكنّه حكى في آخر ترجمته عن الروضات انّه مات في فتنة الأفغان.
6- .نفس المصدر.
7- .روضات الجنّات، ج 4، ص 120.
8- .اطلس خط، ص 355.
9- .منها في ج 3 ، ص 116 ، الرقم 394 : بشارة الشيعة لمحمّد مهدي بن محمّد هادي المازندراني ، وفيه : «توفّي أوان تلك الفتنة» ؛ و ج 13 ، ص 359 : «شرح الصحيفة» ، وفيه : «في حدود سنة 1134» .
10- .مستدركات أعيان الشيعة ، ج 1 ، ص 45 وفيه : «أمضى حياته في إصفهان وانتهت حياته في المدينة المذكورة في أثناء فتنة الأفغان في سنة 1135» .

ص: 28

الفصل الثاني : الكتاب

و أمّا مدفنه، ففي مقبرة المجلسي في قبّته المشهورة عند المسجد الجامع في إصفهان، ولا خلاف في ذلك. قال الكَزي الإصفهاني : ديگر قبر آقا هادى ولد آخوند محمّد صالح است كه صندوق چوبى دارد در كنار ايوانچه كه درگاه مقبره است كه رو به مجلسى بايستى ، طرف چپ است . (1)

الفصل الثانيالكتابو الكتاب الذي بين يديك شرح لقسم من فروع الكافي، و كما قلنا في بداية المقدّمة إنّه تكميل لما كتبه والده المولى محمّد صالح المازندراني من شرح الاُصول و الروضة من الكافي، جلّ من ذكر ترجمة المؤلّف ذكر هذا الكتاب في آثاره، و قد صرّح بذلك في آخر النسخ بلفظ: «لقد وقع الفراغ من إتمام هذا المجلّد... على يد مؤلّفه محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني». و أمّا اُسلوبه في الشرح فاُسلوب الكتب الفقهيّة، و هذا الكتاب قبل أن يكون كتابا حديثيّا، يكون كتابا فقهيّا، وقد سلك طريقة الفقهاء كالمحقّق و العلّامة و الشهيدين، فإنّه بعد كتابة عنوان الباب ينقل الأقوال المختلفة فيه، ثمّ يذكر أدّلتها، و بعد البحث التامّ عن ذلك و إتمام ما يرتبط بالجهات الفقهيّة يذكر بعض الروايات بعبارة: «قوله في رواية...» و يذكر فقرة من الحديث بحاجة إلى بيان وشرح ، فيشرحها مستعينا بكتب اللغة كالصحاح و النهاية و القاموس و المغرِب، و قد يشرح من دون إشارة إلى مصدر، و يذكر أيضا بعض المباحث الرجاليّة المرتبطة بأسناد الأحاديث. و ما وصل إلينا من الكتاب شرح كتاب: الطهارة، الحيض، الجنائز، الصلاة، الزكاة، الصيام، و الحجّ، و لم أعثر على غيرها، و لم يتبيّن لي هل كتب شرحَ سائر الكتب أو لا؟

.


1- .تذكرة القبور ، ص 72 عند ذكره لمقبرة المجلسي في مسجد الجمعة بإصفهان والقبور الّتي فيها. وانظر : الكنى والألقاب، ج 3 ، ص 150 .

ص: 29

نكات مستفادة من مطاوي الكتاب:1. قد ينقل عن المجلسي الأوّل و يعبّر عنه بالمحقّق المجلسي ، و يصرّح بأنّه جدّه، و قد يطلق اسم الجدّ، و قد يصرّح بأنّه جدّه من اُمه، و المنقول عنه من كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، و الجملة الدعائيّة المذكورة بعد اسمه تدلّ على أنّ هذا الشرح كتبه بعد وفاة جدّه ، حيث يقول: «جدّي قدس سره». 2. و ينقل أيضا عن العلّامة المجلسي قدس سره و يعبّر عنه بالخال، قال في مورد: «و قد قال خالي المحقّق المجلسي شيخ الاسلام و المسلمين، محمّد المدعوّ باقرَ العلوم مدّ ظلّه السامي»، و هذه الجملة الدعائيّة ناظرة إلى أنّ هذا الشرح كتبه في حياة العلّامة المجلسي قدس سره. 3. ينقل عن والده قدس سره كثيرا، و قد يقول: «قال والدي طاب ثراه»، و الغالب عدم التصريح بالوالد والاكتفاء بقوله: «قال طاب ثراه». ولم أعثر على مصدر لكلام والده، نعم بعضه موجود في شرح اُصول الكافي، و الغالب مغايرة عباراتهما. 4. يستفاد من اتّحاد عبارات هذا الشرح في كثير من الموارد من كتاب الطهارة لعبارات مشرق الشمسين للشيخ البهائي قدس سره أنّه أخذ منه كثيرا، ولم يصرّح باسم الكتاب. 5. كثير من المطالب و العبارات مأخوذ من كتب العلّامة الحلّي قدس سره لا سيّما منتهى المطلب، و قد أشرنا إليه في مواضعه، كما أنّه ينقل عن كتب الشهيد لا سيّما الذكرى، و كثير من عباراته و مطالبه متّخذ منه. 6. الظاهر من بعض العبارات أنّه استفاد من بيانات العلّامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار، و إن لم يصرّح بذلك، فإنّا نجد موارد تنطبق عباراته مع عبارات البحار، و ليست في غيرها، منها : كلامه في شرح الحديث الأوّل من باب أنّ الميّت يمثّل له ماله و ولده و عمله قبل موته، في معنى كلمة اليافوخ: «هو الموضع الذي يتحرّك من رأس الطفل إذا كان قريب العهد من الولادة» ، و هذه الألفاظ موجودة في بحار الأنوار. نعم ، صدر المعنى موجود في صحاح اللغة، لكنها بتمامها ليس إلّا في بحار الأنوار. و منها قوله: «القنا: جمع القناة و هي الرمح» ، و هذه العبارة من البحار.

.

ص: 30

7. قال في باب المساءلة في القبر...: «أجمع أهل العلم بل أهل الملل على سؤال منكر و نكير في القبر...، و قد سمعت ذلك من عالم نصراني مشهور عند النصارى بالفضل، معتمد عليه عندهم يقال له : وفائيل». يستفاد منه مراودته أو مجالسته بعض أهل الكتاب.

نسخ الكتاب:1. نسخة مكتبة جامعة طهران برقم 1840. هذه النسخة بخطّ المؤلّف، تشتمل على كتابي الطهارة و الجنائز، و هي التحرير الثاني لهذا القسم من الكتاب، فإنّه كتب أوّلاً شرح هذين الكتابين و جعل فيه تغييرات و حذف و إضافات، بدايتها بعد البسملة: «كتاب الطهارة، الكتاب فعال من الكتب، و هو الجمع...». نهايتها: «و اسقنا بكأسهم، و الحمد للّه ربّ العالمين، و أنا العبد محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني، ثمّ فرغت من تحرير هذه النسخة بعد المراجعة بالأصل في شهر محرم الحرام 1114». و توجد في بعض الصفحات حواشٍ من المؤلّف في آخرها: «منه عفي عنه». و قد رمزنا لهذه النسخه ب «أ». و توجد في بعض الصفحات حواش في آخرها : «مهدي غفرله» ، و لعلّه لابنه محمّد مهدي بن محمّد هادي المازندراني. 2. نسخه مكتبة إحياء التراث برقم 4451. هذه النسخه أيضا بخطّ المؤلّف، من بداية كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الجنائز، و هي الكتابة الاُولى من الكتاب، و جعل فيها تغييرات و زيادات، و حذف بعضها، ثمّ كتبها مرّة اُخرى كما قلنا في تعريف نسخة «أ». و قد رمزنا لها ب «ب». 3. نسخة مكتبة مسجد گوهر شاد برقم 942.

.

ص: 31

هذه النسخة بخط محمّد جعفر بن حاجي محمّد قلي، كتبها في ربيع الثاني سنة 1131 ه ق عدد أوراقها 291 ورقة ، في كلّ ورقة 19 سطرا ، و تشتمل على كتابي الطهارة و الجنائز. بدايتها بعد البسملة : «المخصوصة لاشتمالها على المسائل المتكثّرة ، وهو أيضا مصدر مزيد ...» . نهايتها : «فقال : ألا تسمعون أنّ اللّه لايعذّب بدمع العين ولابحزن القلب ولكن يعذّب ...» . و في حواشي هذه النسخة توضيحات و شروح ، مثل ما فى نسخه «أ» ، و خطّهما أيضا واحد، والظاهر من ذلك أنّها لبعض تلامذته؛ لأنّ الغالب في الأوّل بعد ذكر الحاشية: «منه عفي عنه»، و في الثاني «منه طاب ثراه»، و كأنّه استنسخت عن الأوّل بعد وفاة الشارح. وقدرمزنا لها ب «ج» . 4. نسخة مكتبة ملك برقم 1352 . هذه النسخة تشتمل على كتاب الطهارة و الجنائز و قسما من الصلاة، و فيه ترجمة للمؤلّف من عبدالحسين بن محمّد رحيم، تاريخ كتابتها جمادى الثانية سنة 1329 ه ق، عدد أوراقها : 245 ورقة ، في كلّ ورقة 26 سطرا . بداية النسخة: «كتاب الطهارة، الكتاب فعال من الكتب، و هو الجمع، سمِّي به المكتوبات المخصوصة...» نهايتها: «قال: لا يؤمّ الحضري المسافر، ولا المسافر الحضري، فإن ابتلى بشيء من ذلك أقام قوما حاضرين، فإذا أتمّ ركعتين سلّم، ثمّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه، فافهم». و قدر مزنا لها ب «د». 5. نسخة مكتبة إحياء التراث الاسلامي، برقم 969. عدد أوراق هذه النسخة 264 ورقة ، في كلّ ورقة 31 سطرا ، وتشتمل على كتاب

.

ص: 32

الفصل الثالث : منهج التحقيق

الزكاة و الصوم و الحجّ، و هي بخطّ ناصر بن أحمد بن عليّ بن جعفر البحراني، تاريخ الفراغ من كتابتها الجمعة 13 جمادى الثانية سنة 1134، كتبها لعمّه الشيخ يوسف بن عليّ بن جعفر البحراني، في شاه جهان آباد، و في أوّلها ترجمة مختصرة للمؤلف عن العلّامة الطهراني قدس سره. و هي نسخة مصوّرة من نسخة مكتبة الفاضل الخوانساري بخوانسار، برقم 165 ، و قد رمزنا لها ب «ه». 6. نسخة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران برقم 5230. هذه النسخة بخطّ المؤلّف تشتمل على كتاب الحجّ و الزيارات، تاريخ الفراغ من كتابتها الثلاثاء 12 رمضان المبارك 1106 ه ق، و في بدايتها ترجمة المؤلّف بخطّ مالك النسخة يحيى بن محمّد شفيع الإصفهاني، تاريخها 1303 ه ق. بداية النسخة بعد البسملة: «الحجّ بفتح الحاء و كسرها، و كذا الحجّة في اللغة القصد، و شرعا قصد بيت اللّه الحرام لأداء مناسك مخصوصة، و قيل: هو القصد إلى مشاعر مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة». نهايتها: «و في الروضة كرامات عجيبة، بل معجزات غريبة، لقد وقع الفراغ من إتمام هذا المجلّد في يوم الثلثاء الثاني عشر من شهر رمضان المبارك من شهور سنة 1106، على يد مؤلّفة محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني». و قد رمزنا لها ب «و». الفصل الثالث منهج التحقيق 1. في الموارد الّتي كان الأصل فيها بخطّ المؤلّف جعلت أصلاً ، و لم يرجع إلى سائر النسخ إلّا نادرا فيما كانت كلمة غير مقروءة أو شطب عليها، و في الموارد الّتي لم تكن إلّا نسخة واحدة اعتمد عليها ولم يغيّر شيء ، إلّا إذا كان التصحيف واضحا مع الإشارة

.

ص: 33

إليه، أو كان النسخ متعدّدا، فاختير الأصحّ مع الإشارة إلى اختلاف النسخ في الهامش. 2. مقابلة نصّ الأحاديث و كلمات المؤلّفين مع مصادرها. 3. تخريج الأحاديث، ولم يكتفَ بالمصدر الذي أشار إليه الشارح، بل ذكرت مصادر عديدة لكلّ حديث جهد الإمكان . 4. ضبط الأعلام و الأسماء الواردة في الكتاب، مع ذِكر ترجمة مختصرة لهم في الهامش إذا كانت هناك حاجة إليه ، و ذلك عند أوّل مورد من موارد ذِكره في الكتاب. 5. شرح بعض الكلمات و اللغات النادرة، الذى لم يشرحه المؤلّف. 6. ربّما زيد شيء في ألفاظ الكتاب لتقويم العبارة و إكمالها، والزيادة إمّا من المصادر التي أخذ عنها الشارح، أو ممّا اقتضته الضرورة وإن لم يرد في مصدر، إلّا أنّه قد وضع ذلك كلّه بين معقوفتين : [ ] 7. إعداد فهارس متنوّعة للكتاب، تيسيرا للمراجع. و في الختام ينبغي تقديم الشكر الجزيل إلى مؤسّسة دارالحديث وجميع الإخوة العاملين في قسم إحياء التراث والذين بذلوا جهدهم في إتمام العمل ، وساهموا في تقويم النصّ والمراجعة النهائيّة والمقابلة مع النسخ الخطّية والمقابلة المطبعيّة، و أخصّ منهم بالذكر الأخ الفاضل الشيخ محمّد حسين درايتي مسؤول قسم إحياء التراث، حيث أشرف على التحقيق وهيّأ لي النسخ الخطّيّة، والإخوة الفضلاء : الشيخ نعمة اللّه الجليلي والشيخ علي الحميداوي الأنصاري لمشاركتهم في تقويم النصّ والمراجعة النهائية ، وأسأل اللّه الكريم أن يتقبّل من الجميع هذا العمل. و وافق الفراغ من كتابة هذه المقدّمة في اليوم الرابع و العشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1428 ه ق، و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين. قم المقدّسة محمّد جواد المحمودي

.

ص: 34

. .

ص: 35

M833_T1_File_5058831

صورة الصفحة الأولي من نسخة «أ»

.

ص: 36

M833_T1_File_5058833

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «أ»

.

ص: 37

M833_T1_File_5058835

صورة الصفحة الأولي من نسخة «ب»

.

ص: 38

M833_T1_File_5058837

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الجنائز من نسخة «د»

.

ص: 39

M833_T1_File_5058839

صورة الصفحة الأولي من كتاب الصلاة من نسخة «د»

.

ص: 40

M833_T1_File_5058841

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «د»

.

ص: 41

M833_T1_File_5058843

صورة الصفحة الأولي من نسخة «ه»

.

ص: 42

M833_T1_File_5058845

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ه»

.

ص: 43

M833_T1_File_5058847

صورة الصفحة الأولي من نسخة «و»

.

ص: 44

M833_T1_File_5058849

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «و»

.

ص: 45

شرح فروع الكافي

اشاره

شرح فروع الكافيكتاب الطهارة

.

ص: 46

. .

ص: 47

كتاب الطهارة

اشاره

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

كتاب الطهارةالكتاب فِعال من الكَتْب وهو الجمع، سمّي به المكتوبات المخصوصة؛ لاشتمالها على المسائل المتكثّرة ، وهو أيضا مصدر مزيد مشتقّ من المجرّد ؛ لموافقته له في الحروف الأصليّة والمعنى . 1 والطهارة مصدر طَهُرَ بالضمّ ، وهي لغةً : النظافة والنزاهة ، وشرعا _ على ما هو المستفاد من الأخبار ، وكلام جمع من العلماء الأخيار _ : استعمال طهور ؛ لإزالة الخبث والحدث مطلقا . وقيل : إنّها استعمال طهور مشروطٌ بالنيّة (1) ، فيخرج إزالة الخبث . وقيل : استعمال طهور مشروطٌ بالنيّة ، مبيح للعبادة (2) ، فيخرج الغير المبيحة لها من الطهارات الثلاث أيضا . وهل هي حقيقةٌ شرعيّة في هذه المعاني ، أو مجاز فيها ، أو باقية على معناها

.


1- .. قاله الشهيد في اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ، والدروس ، ج 1، ص 24 . ومثله في الدرّ المنضود لابن طي ، ص 3 .
2- .. قاله الشهيد في الدروس ، ج 1 ، ص 86 إلّا أنّ فيه : «لإباحة الصلاة» بدل «مبيح للعبادة» .

ص: 48

اللغوي ؟ بناء على الخلاف الواقع في مطلق الألفاظ المستعملة في غير معانيها اللغويّة ظاهرا ، أشهر الأقوال أوسطها وأظهرها الأخير على ما حقّقه بعض المحقّقين ، قال : «طهور الماء ، الطهور مبالغة من طَهُرَ _ بضمّ العين _ والمراد منه الطاهر في نفسه المطهّر لغيره» (1) . وهو في أصل الوضع لازم على ما هو شأن صيغ المبالغة ، جُعل في الاستعمال متعدّيا (2) ، والسرّ في ذلك أنّ الطهارة الشرعيّة غير مختلفة بالشدّة والضعف ، فحملت المبالغة فيها على التعدّي إلى الغير ، وقد نصّ الجوهري على أنّه ما يتطهّر به (3) ، والظاهر أنّه أراد أنّه اسم لذلك كالوَضوء والوَقود _ بفتح الواو فيهما _ اسمين لما يتوضّأ به ويوقد به من غير اعتبار الوصفيّة ، وبضمّ الطاء مصدر كالوُضوء والوُقود بضمّ الواو فيهما . وعن الخليل (4) : «أنّه ليس فيهما إلّا الفتح ، وأنّه لايعرف الضمّ» (5) ، فقوله تعالى : «وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا » (6) مطابق لقوله جلّ وعلا : «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ » (7) .

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1، ص 246 ؛ مجمع البحرين، ج 3، ص 65 (طهر) .
2- .. لم أجد هذه العبارة ، وهذا المعنى مذكور في شرح اللمعة ، 1 ، 246 بلفظ : «الطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، جعل بحسب الاستعمال متعدّيا وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازما» . وراجع: الحدائق ، ج 1 ، ص 174 ؛ والجواهر ، ج 1 ، ص 64 .
3- .. صحاح اللغة ، ج 2، ص 727 (طهر) .
4- .. خليل بن أحمد الفراهيدي البصري من أئمّة اللغة والأدب ، وأوّل من استخرج علم العروض ، ولد سنة (100 ه ق) بالبصرة ، وأخذ عنه سيبويه والأصمعي وآخرون ، كان ديّنا ، ورعا ، قانعا ، من تصنيفاته : العين ، معاني الحروف ، تفسير حروف اللغة ، النقط والشكل ، توفّي سنة 170 بالبصرة . اُنظر : الأنساب للسمعاني، ج 4 ، ص 575 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 7 ، ص 429 _ 460 ، الرقم 161 ؛ إكمال الكمال لابن ماكولا ، ج 3 ، ص 173 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 112 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 314 .
5- .. قال الخليل : «الوَضوء : اسم الماء الذي يُتوضّأ به ، فأمّا من ضمّ الواو فلا أعرفه ؛ لأنّ الفُعول اشتقاقه من الفعل بالتخفيف نحو الوَقود والوُقود، وكلاهما حَسَن في معناهما ، ولأنّه ليس فَعَلَ يَفعَلُ ، فلاتقول : وَضَأَ يَوْضَأُ، وإنّما يكون الفُعُول مصدر فَعَل . ونحوه طَهُور ولايجوز طُهُور» . كتاب العين ، ج 7، ص 76 (وضأ) .
6- .. الفرقان (25) : 48 .
7- .. الأنفال (8) : 11 .

ص: 49

واعلم أنّ الماء المطلق ما لم تعرض له النجاسة طاهر ، وأنّه مطهّر مطلقا (1) ، _ ولو كان ماء البحر _ وفاقا من أهل العلم إلّا ما سيحكى عن شاذّ من العامّة ، ودلّت عليه الأخبار ، أمّا من طريق الأصحاب : فمنها ما ذكره المصنّف قدس سره (2) . ومنها ما رواه الصدوق رضى الله عنه عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «كلّ ماء طاهر إلّا ما علمت أنّه قذر» (3) . وأمّا من طرق العامّة ، فقد روى في [ فتح ] العزيز شرح الوجيز عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «خلق الماء طهورا» (4) . وهذه الأخبار وإن كانت دائرة بين المجهول والضعيف على ما قيل ، إلّا أنّ عمل العلماء الأعلام بها يجبر ضعفها ، على أنّ خبر عبداللّه بن سنان صحيح على ما سنحقّقه . واحتجّ أيضا على ذلك بالآيتين ، وهو إنّما يتمّ إن كان كلّ ماء في هذا العالم من السماء ، وربما يدّعى ذلك بمعونة مقام الامتنان . وهذه الدعوى بيّنة في غير البحر الأعظم ، «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَ_بِيعَ فِى الْأَرْضِ » (5) ، ويشهد له دوران رحى الآبار والأنهار بتقاطر الأمطار في الأقطار ، وأمّا البحر الأعظم فالظاهر أنّه كان قبل خلق السماء بل نشأ منه مادّته على ما دلّ عليه قوله تعالى : «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ » (6) ، وقوله سبحانه : «وَ[ جَعَلْنَا ] مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ » (7) في وجه ما رواه المصنّف قدس سرهفي الروضة بإسناده عن محمّد بن عطيّة قال : جاء

.


1- .. المثبَت من الهامش و عليه علامة (صح) . وفي المتن : «طاهر مطهّر مطلقا».
2- .. رواه المصنّف في الحديث الثاني من كتاب الطهارة عن محمّد بن يحيى وغيره ، عن محمّد بن أحمد ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، بإسناده قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر» .
3- .. الفقيه ، ج 1، ص 5، ح 1 .
4- .. فتح العزيز لعبد الكريم الرافعي ، ج 1، ص 199 . والوجيز لأبيحامد الغزالي .
5- .. الزمر (39) : 21 .
6- .. هود (11) : 7 .
7- .. الأنبياء (21) : 30 .

ص: 50

رجل من أهل الشام من علمائهم إلى أبيجعفر عليه السلام فقال : يا باجعفر ، جئت أسألك عن مسألة قد أَعيَيتُ على أن أجد أحدا يفسّرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف منهم غير الذي قال الصنف الآخر . فقال له أبوجعفر عليه السلام : «ما ذاك ؟» قال : فإنّي أسألك عن أوّل ما خلق اللّه من خلقه ، فإنّ بعض من سألته قال : القدر ، وقال بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح . فقال أبوجعفر عليه السلام : «ما قالوا شيئا ، اُخبرك أنّ اللّه تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل غيره ، وذلك قوله: «سُبْحَ_نَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ » (1) ، وكان الخالق قبل المخلوق، ولو كان أوّل ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء ليس هو يتقدّمه ، ولكنّه كان إذ لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه ، فجعل نسب كلّ شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ، ثمّ سلّط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتّى ثار من الماء زبدٌ على قدر ما شاء اللّه أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقيّة ليس فيها صَدعٌ ولا نقبٌ ، ولا صعود ولا هبوط ، ولا شجرة ، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء ، ثمّ خلق اللّه النار من الماء فشققت النار متن الماء حتّى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللّه أن يثور ، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقيّة ليس فيها صدع ولا نقب ، وذلك قوله : «[ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ ]السَّمَآءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَ أَغْطَشَ لَيْلَهَا وَ أَخْرَجَ ضُحَاهَا » (2) ، قال : ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء (3) ، ثمّ نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض، فذلك قوله عزّ وجلّ: «وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَ لِكَ دَحَاهَآ » (4) »، الحديث (5) .

.


1- .. الصافّات (37) : 180 .
2- .. النازعات (79) : 27 _ 29 . وكان في الأصل والمصدر : «والسماء بناها» .
3- .. كذا في الأصل ، وفي المصدر : «فوق الأرض» .
4- .. النازعات (79) : 30 .
5- .. الكافي ، ج 8، ص 94 _ 95، ح 67 ، حديث أهل الشام . ورواه الصدوق في التوحيد ، ص 66 _ 67، باب التوحيد ونفي التشبيه، ح 20 بسند آخر عن أبيجعفر عليه السلام .

ص: 51

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم قال : قال لي أبوجعفر عليه السلام : «كان كلّ شيء ماءا ، وكان عرشه على الماء ، فأمر اللّه عزّ وجلّ الماء فاضطرم نارا ، ثمّ أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان ، فخلق اللّه عزّ وجلّ السماوات من ذلك الدخان ، وخلق الأرض من الرماد ، ثمّ اختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء : أنا جند اللّه الأكبر، وقالت الريح: أنا جند اللّه الأكبر، وقالت النار: أنا جند اللّه الأكبر، فأوحى اللّه إلى الريح : أنت جندي الأكبر» . (1) وفي السِفْر الأوّل من التوراة في بيان خلق السماء والعالم _ على ما ذكر في ترجمتها _ : «إنّه كانت الظلمة وجه الغمر ، وكان نور اللّه يرفرف على المياه» ، ثمّ ذكر فيه خلق السماوات بنحو ممّا ذكر . والغَمر : الماء الكثير ، ومعنى نور اللّه يرفرف على المياه ؛ معنى قوله تعالى : «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ » (2) . ومن طريق العامّة : «أوّل ما خلق اللّه جوهرة ، _ وفي رواية اُخرى : ياقوتة _ خضراء ، ونظر إليها بالهيبة فصارت (3) ماء ، فوضع عرشه على الماء» . (4) ولايبعد أن يراد بالسماء في الآيتين جهة العلوّ كما صرّح به الشهيد الثاني قدس سرهفي شرح اللمعة (5) ، فيشمل الماء المطر الذي ينزل من البحر الذي تحت العرش ، والذي تجذبه السحاب من البحر المحيط ، والذي يحدث في الجوّ من البخارات الصاعدة ، والمطر يكون بكلّ من الوجوه الثلاثة .

.


1- .. هود (11) : 7 .
2- .. الكافي ، ج 8، ص 95، ح 68 ؛ وص 153، ح 142 .
3- .. في ب : «فأنارت» . وفي البحار : «فذابت» .
4- .. مفاتيح الغيب ، ج 8 ، ص 260 . وأورده المجلسي في بحار الأنوار ، ج 61، ص 13 بلفظ «روي» ؛ وفي ج 54، ص 363 نقلاً عن مفاتيح الغيب . وانظر: تفسير الميزان ، ج 1، ص 121 .
5- .. شرح اللمعة ، ج 1، ص 249 .

ص: 52

ويظهر الأوّل ممّا رواه المصنّف قدس سره في الروضة عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «كان عليّ عليه السلام يقوم في المطر أوّل ما يمطر حتّى يبتلّ رأسه ولحيته وثيابه ، فقيل [ له ] : يا أميرالمؤمنين ، الكِنّ الكِنّ (1) ، فقال : إنّ هذا [ ماء ]قريب العهد بالعرش ، ثمّ أنشأ يحدّث فقال : إنّ تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات ، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ (2) أن ينبت به ما يشاء رحمة منه لهم ، أوحى اللّه إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتّى يصير إلى سماء الدنيا ، فيلقيه إلى السحاب ، والسحاب بمنزلة الغربال ، ثمّ يوحي [ اللّه ]إلى الريح أن اطحنيه وأذيبيه ذوبان الماء ، ثمّ انطلقي به إلى موضع كذا وكذا فأمطري عليهم فيكون كذا وكذا عبابا (3) » . (4) و[ يظهر ] الثاني ممّا نقله الشيخ بهاء الملّة والدين قدس سره في مفتاح الفلاح عن العامّة والخاصّة : أنّ المأمون ركب يوما للصيد ، فمرّ ببعض أزقّة بغداد على جماعة من الأطفال كانوا مجتمعين ، فغابوا وهربوا وبقي واحد منهم ، فتقدّم إليه المأمون وقال له : كيف لم تهرب كما هرب أصحابك ؟ فقال : «لأنّ الطريق ليس ضيّقا فيتّسع بذهابي، ولا لي عندك ذنبا فأخافك لأجله ، فلأيّ شيء أهرب ؟» فأعجب كلامه المأمون ، فلمّا خرج إلى خارج بغداد أرسل صقرة فارتفع ولم يسقط على الأرض حتّى رجع وفي منقاره سمكة صغيرة ، فتعجّب المأمون ، فلمّا رجع ووصل ذلك الموضع تفرّق الأطفال وهربوا إلّا ذلك الطفل ، فبقي في مكانه كما في المرّة الاُولى ، فتقدّم إليه المأمون وهو ضامّ كفّه على السمك وقال له : قُل أيّ شيء في يدي ؟ فقال عليه السلام : «إنّ الغيم حين يأخذ من ماء البحر تداخله سمكة صغار فتسقط منها فتصطادها صقور الملك فيمتحنون

.


1- .. الكِنّ : الكِنان ، وهو الغطاء ، وكلّ ما يردّ الحرّ والبرد من الأبنية والغيران ونحوها ، جمعه أكنان وأكِنّة ، وفي التنزيل العزيز : «وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِ_لَ_لاً وَ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَ_نًا » . اُنظر : لسان العرب ، ح 13 ، ص 360 (كنن) .
2- .. في المصدر : «أراد اللّه عزّ ذكره» .
3- .. العباب : معظم الماء وكثرته وارتفاعه : مجمع البحرين ، ج 3 ص 105 (عبب)
4- .. الكافي ، ج 8 ، ص 239 ، ح 326 . ورواه الصدوق في علل الشرائع ، ص 463 ، باب النوادر ، ح 8 .

ص: 53

بها سلالة النبوّة» . فأدهش ذلك المأمون وقال له : مَن أنت ؟ فقال : «أنا محمّد بن عليّ الرضا» . وكان ذلك بعد واقعة الرضا عليه السلام ، وكان عمره عليه السلام في ذلك الوقت أحد عشر سنة ، وقيل : عشرا ، فنزل المأمون عن فرسه وقبّل رأسه وتذلّل له ، ثمّ زوّجه ابنته . (1) وقد سمعت عن بعض الثقات أنّه شاهد في البحر خروج شيء من الماء كخرطوم الفيل ، فارتفع وانبسط وصار سحابا ماطرة . و[ يظهر ] الثالث ممّا ادّعته الحكماء وشهدت له المشاهدة ، ولقد شاهدت ذلك في جبال طبرستان ، فحين هبطت إليها من جبل يقال له: «فيروز كوه» إذا أنا بأبخرة كثيفة رطبة من بين جبلين تصاعدت وأحاطت بنا بحيث لم أر مَن كان معي وخفيت عنّا الأرض والسماء حتّى ارتفعت وصارت سحابا ماطرة . وعلى هذا فيمكن استفادة طهوريّة ماء البحر أيضا بأدنى عناية . وحكى العلّامة في المنتهى عن سعيد بن المسيّب وعبداللّه بن عمرو بن العاص عدم جواز التوضّي بماء البحر مع وجود غيره ، محتجّين بأنّه نار ! وأجاب عنه بأنّه إن أرادا أنّه في الحال كذلك ، فهو تكذيب للحسّ ، وإن أرادا صيرورته كذلك بعد ذلك ، فلايمنع الطهوريّة (2) . أقول : ولعلّ ما ذكره إشارة إلى ما نقل عن كعب الأحبار من أنّه تصير السماوات يوم القيامة جنانا ، ويصير مكان البحر النار (3) . وعن ابن مسعود أنّه قال : تبدّل الأرض بنار ، فتصير الأرض كلّها نارا يوم القيامة

.


1- .. مفتاح الفلاح ، ص 171 _ 172 . وأورده الإربلي في ترجمة الإمام الجواد عليه السلام من كشف الغمّة ، ج 3، ص 135 _ 136 ، وعنه المجلسي في بحار الأنوار ، ج 50 ص 91 _ 92؛ وج 56، ص 339 _ 340 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 19 _ 20 .
3- .. تفسير الطبري ، ج 13 ص 331 ، في تفسير قوله تعالى : «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ » ؛ تفسير ابن كثير ، ج 2 ص 564 ؛ التخويف من النار لابن رجب الحنبلي ، ص 47 .

ص: 54

والجنّة من ورائها . (1) إذ الظاهر أنّه أراد بالأرض ما يعمّ الماء . ونقل الشيخ في الخلاف عن عبداللّه بن عمرو بن العاص وابن عمر أنّهما قالا : التيمّم أحبّ إلينا منه . (2) ويردّ هذين القولين ما روي في [ فتح ] العزيز عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «البحر هو الطهور ماؤه» . 3 وعموم ما ذكر من الأدلّة . ثمّ المشهور بين أهل العلم اختصاص الطهوريّة بالماء المطلق وانتفاؤها عن المضاف ، واحتجّوا عليه بنزول الآيتين المذكورتين في معرض الامتنان ، قائلين : لولا الانحصار لكان المناسب الامتنان بالأعم ويتوقّف الطهوريّة على نصّ ، ولم يرد فيه . ويدلّ أيضا عليه قولهم عليهم السلام : «إنّما هو الماء والصعيد» ، إذ المتبادر من الماء المطلقُ ، والتصريح بنفيها عن بعض المضافات معلّلاً بأنّها إنّما تكون بالماء والصعيد . رواه أبوبصير عن أبيعبداللّه عليه السلام : عن الرجل يكون معه اللبن ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا ، إنّما هو الماء والصعيد» . (3) وعبداللّه بن المغيرة في الصحيح عن بعض الصادقين قال : «إذا كان الرجل لايقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلايتوضّأ باللبن ، إنّما هو الماء والتيمّم» (4) .

.


1- .. تفسير الطبري ، ج 13، ص 329 ؛ المعجم الكبير ، ج 9 ، ص 154 ؛ تفسير ابن كثير ، ج 2، ص 564 ؛ مجمع البيان ، ج 6، ص 94 ؛ بحار الأنوار ، ج 7، ص 72 .
2- .. الخلاف ، ج 1 ص 51 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 188، ح 540 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 14، ح 26 ؛ وص 155، ح 534؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 201 ، ح 518 ؛ وج 3 ، ص 351 ، ح 3843 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219، ح 628 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 15، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 201 ، ح 519 ؛ وص 202 ، ح 521 . وفي الجميع : «هو الماء أو التيمّم» ، نعم في نسخة من الاستبصار على ما في هامشه : «والتيمّم» .

ص: 55

وربما احتجّ عليه بإجماع أهل البيت والفرقة المحقّة ، وبقوله تعالى : «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (1) ، حيث أوجب علينا التيمّم عند عوز الماء من غير أن يجعل بينهما واسطة . وخالف في ذلك الصدوق قدس سره فجوّز الوضوء والغُسل بماء الوَرد (2) ، مستندا بما رواه محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبيالحسن عليه السلام قال : الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة ؟ قال : «لا بأس بذلك» . (3) وهو مع ضعفه _ لوجود سهل بن زياد في طريقه _ محمول على الماء الذي طرح فيه الورد ، فإنّ ذلك يسمّى ماء الورد وإن لم يكن معتصرا منه ، والإضافة إنّما هي من إضافات المجاورة ، كماء البئر ، وماء النهر، وماء الجبّ ونظائرها (4) . وذهب بعض الأصحاب إلى أنّه يرفع الخبث ، وهو محكيّ عن الشيخ المفيد قدس سرهفي المسائل الخلافيّة ، وعن السيّد المرتضى أيضا في شرح الرسالة . وحكى في الذكرى نقلاً عن المحقّق احتجاج السيّد بإطلاق قوله تعالى : «وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ » (5) ، وقول النبيّ صلى الله عليه و آله في المستيقظ : «لايغمس يده في الإناء حتّى يغسلها» (6) ، وقولهم عليهم السلام : «إنّما يغسل الثوب من المنيّ والدم» . (7)

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. الهداية ، ص 65 _ 66 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 6 ، ذيل ح 3 .
3- .. الكافي ، ج 3، ص 72، ح 12 . ورواه عنه الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 218، ح 628؛ وفي الاستبصار ، ج 1 ، ص 14 ، ح 27 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 204 ، ح 526 .
4- .. قاله الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219، ح 627 ؛ والاستبصار ، ج 1، ص 15 .
5- .. المدّثّر (74) : 4 .
6- .. ورد الحديث من طريق أبيهريرة في: مسند الشافعي ، ص 10؛ مسند أحمد ، ج 2، ص 241 و259 و455 و471 ؛ صحيح مسلم ، ج 1، ص 160 ؛ سنن النسائي ، ج 1، ص 706؛ والسنن الكبرى ، ج 1، ص 163 ؛ سنن الترمذي ، ج 1، ص 19_ 20 ، ح 24 ؛ سنن أبيداود ، ج 1، ص 30 _ 31، ح 103 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1، ص 45 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1، ص 121 . وورد أيضا من طريق عائشة في : مسند الطيالسي ، ص 208 .
7- .. الذكرى ، ص 7 ؛ الناصريّات ، ص 106 . وحكاه أيضاً الشهيد الثاني في روض الجنان ، ج 1، ص 434 . ف والحديث أورده العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1، ص 224 . وورد أيضا بزيادة «والبول» في المعتبر ، ج 1، ص 415 ؛ منتهى المطلب ، ج 1، ص 161 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1، ص 53، المسألة 16 . ورواه الجصّاص في أحكام القرآن ، ج 3، ص 630 بلفظ : «. . . من الدم والبول والمنيّ» . ورواه الدارقطني في سننه ، ج 1، ص 134 بلفظ : «إنّما يغسل الثوب من خمس» وعدّ منها المنيّ والدم .

ص: 56

ودفعه يظهر ممّا ذكر . وخالف فيه أبوحنيفة أيضا فإنّ نبيذ التمر عنده طهور في السفر عند إعواز الماء ، على ما حكى عنه في [ فتح ] العزيز . (1) وفي الناصريات : «وأجاز أبوحنيفة التوضّأ بنبيذ التمر المطبوخ الشديد عند عدم الماء (2) ، وقال محمّد بن الحسن (3) : يتوضّأ به ويتيمّم مع فقد الماء . فأوجب الجمع بينهما» (4) . وقد ورد في بعض أخبارنا ما يوهم ذلك ، ففي صحيح عبداللّه بن المغيرة عن بعض الصادقين في الخبر المتقدّم بعد ما روينا عنه : «فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذا فإنّي سمعت حريزا يذكر في حديث أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد توضّأ بنبيذ ولم يقدر على الماء» . وقال الشيخ قدس سره في كتابَي الأخبار : «أوّل ما فيه أنّ عبداللّه بن المغيرة قال عن بعض الصادقين ، ويجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام وإن كان اعتقد فيه أنّه صادق على الظاهر» (5) .

.


1- .. فتح العزيز ، ج 1 ص 81 _ 82 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 93 ؛ الفصول للجصّاص ، ج 4 ، ص 265 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 88 .
3- .. أبوعبداللّه محمّد بن الحسن بن فرقد الشيباني ، أصله من دمشق ، قدم أبوه العراق ، فولد بواسط سنة 132 ، ونشأ بالكوفة ، وسكن بغداد ، وتفقّه على أبيحنيفة ، وسمع الحديث من سفيان الثوري وأبيعمرو الأوزاعي ومسعر بن كدام ومالك بن أنس ، وأخذ عنه الشافعي والجوزجاني وأبوعبيد القاسم بن سلام ، له كتاب الجامع الصغير والكبير ، والحجّة على أهل المدينة. خرج مع هارون إلى الريّ، فمات بها سنة 189 وهو ابن ثمان وخمسين سنة . راجع : الأنساب للسمعاني ، ج 3 ، ص 483 (الشيباني) ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 393 _ 394 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 9 ، ص 207 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 2 ، ص 1163 .
4- .. الناصريّات ، ص 75 . الأصل للشيباني ، ج 1 ، ص 74 _ 75 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 93 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 88 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219 ذيل الحديث 628 ، الاستبصار ، ج 1 ص 128 ذيل الحديث 15 .

ص: 57

وأقول : يؤيّد ذلك أنّه لم يعهد رواية الإمام عليه السلام عن حريز . ثمّ قال : والثاني أنّه أجمعت العصابة على أنّه لايجوز الوضوء بالنبيذ فقط أيضا الاحتجاج به من هذا الوجه ، ولو سلّم من هذا كلّه كان محمولاً على الماء الذي طيّب بتميرات طُرحنَ فيه إذا كان الماء مرّا ولم يبلغ حدّا يسلبه إطلاق الاسم ، لأنّ النبيذ في اللغة هو ما نُبذ فيه الشيء ، واستند في ذلك بخبر الكلبي النسّابة أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن النبيذ ؟ فقال : «حلال» . فقال : إنّا ننبذه فنطرح فيه العَكَر (1) وما سوى ذلك ؟ فقال : «شُه شُه (2) تلك الخمرة المنتنة» . قال : قلت : جُعلتُ فداك ، فأيّ نبيذ تعني ؟ فقال : «إنّ أهل المدينة شكوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله تغيّر الماء وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا ، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كفّ من تمر فيقذف به في الشّن ، فمنه شربه ومنه طهوره» . قلت : وكَم عدد التمر الذي في الكفّ ؟ فقال : «ما حمل الكفّ» . قلت : واحدة أو ثنتين ؟ فقال : «ربما كانت واحدة وربما كانت ثنتين» . فقلت : وكم كان يسع الشنّ ؟ فقال : «مابين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك» . فقلت : بأيّ الأرطال ؟ فقال : «أرطال مكيال العراق» (3) . وأمّا المطلق الممتزج بالمضاف ، فيكون مطهّرا ما لم يسلبه الإطلاق عرفا ، فالشمول المطلق له ، وقد صرّح بذلك جماعة ، منهم السيّد المرتضى في الناصريّات، فقد قال بعد ما اعتبر الاسم : «ولااعتبار الاعتبار في الغلبة بظهور تغيير في اللون أو الطعم أو الرائحة ، بل بغلبة الأجزاء على حدّ يسلبه إطلاق اسم الماء» . قال :

.


1- .. العَكَر _ بفتحتين _ : دُردي الزيت ودُردي النبيذ ونحوه ممّا خثر ورسب . يقال : عكر الشيء عَكرا من باب تعب ، إذا لم يرسب خاثره . مجمع البحرين ج 3 ، ص 411 (عكر).
2- .. «شه شه» : كلمة استقذار واستقباح . مجمع البحرين، ج 6، ص 351 (شوه).
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219 _ 220، ح 628 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 15 _ 16، ح 29 ، بإسناده عن الكليني ، وهذا هو الحديث 6 من باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة من كتاب الحجّة ؛ وح 3 من باب النبيذ من كتاب الأشربة ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 203 _ 204 ، ح 521 .

ص: 58

ووافقنا على ذلك أبوحنيفة ، وراعى الشافعي ومالك في ذلك تغيير الأوصاف من لون أو طعم أو رائحة ، وزعما أنّ أحد أوصاف الماء متى تغيّر ولو باليسير من الطاهر المضاف لم يجز الوضوء ، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه مع إجماع الفرقة المحقّة ، قوله تعالى : «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ » (1) ، فنقلنا من الماء إلى التراب من غير واسطة ، والماء الذي خالطه يسير من زعفران يطلق عليه اسم الماء ولا ينتقل مع وجوده إلى التراب . وأيضا قوله تعالى : «فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (2) عامّ في كلّ مائع يتأتّى الاغتسال به إلى أن يقوم دليل على إخراج بعضها ، وليس لأحد أن يدّعي أنّ يسير الزعفران إذا خالطه سلبه إطلاق اسم الماء ، وذلك أنّ إطلاق الاسم هو الأصل ، والتقييد داخل عليه وطارٍ بعده كالحقيقة والمجاز ، فمن ادّعى زوال الإطلاق في الماء فعليه الدليل . وبعد ، فإنّهم يقولون في ذلك إنّه ماء وقع فيه زعفران ولايضيفونه إليه كما يضيفون المعتصر من الزعفران إليه. وممّا يدلّ على أنّ تغيير أحد الأوصاف لايعتبر به أنّ الماء الذي يجاوره الطيب الكثير كالمسك وغيره قد تتغيّر رائحته بمجاورة الطيب ومع هذا لاخلاف في جواز الوضوء به ؛ هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . (3) واعتبار الاسم واضح في الخليط الذي له أوصاف مخالفة للأوصاف الخلقيّة للماء ، وأمّا في المسلوب الوصف ، فهل يعتبر التقدير ؟ قال به جماعة منهم الشهيد في الدروس (4) والمحقّق الشيخ عليّ ، والأكثر لم يعتبروه بل جعلوا مناط الحكم الاسم العرفي . واعتبر الشيخ في المبسوط في المنع غلبة المضاف ، فقال : وإن اختلط الماء بماء الورد المنقطع الرائحة حكم للأكثر ، فإن كان الأكثر ماء الورد لم يجز استعماله في الوضوء ، وإن كان الماء أكثر جاز ، وإن تساويا ينبغي أن نقول بجواز استعماله؛ لأنّ الأصل الإباحة . (5)

.


1- .. النساء (4) : 43 ، والمائدة (5) : 6 .
2- .. المائدة (5) : 6 .
3- .. الناصريّات ، ص 73 _ 74 .
4- .. الدروس ، ج 1، ص 122، الدرس 18 .
5- .. المبسوط ، ج 1، ص 8 .

ص: 59

[ باب طهور الماء ]

[ باب طهور الماء ][قوله] في خبر السكوني : (الماء يطهِّر ولا يُطَهَّر) .[ ح1/3802 ] أي يطهّر كلّ جسم يقبل الطهارة ماء كان أو غيره ، ولا يطهّره جسم آخر غيره ، فلايرد أنّ الماء النجس يطهَّر بالكثير وبالجاري ، ولاينتقض بتطهير ماء البئر بالنزح ؛ فإنّ المطهّر له إنّما هو الماء النابع بنزح المنزوح ، ولا بالماء المستحيل ملحا أو بولاً في جوف الحيوان المأكول لحمه ؛ لانعدام المائيّة بانقلاب الماهيّة . نعم ، يشكل ذلك على قول من قال بتطهير الماء القليل النجس بإكماله من المضاف ما لم يسلبه الإطلاق ، فإنّ المطهّر فيه إنّما هو المضاف ؛ فلايبعد الاحتجاج بهذا الخبر على نفي ذلك القول . وربما اُجيب عنه بأنّ المطهّر هنا إنّما هو مجموع البالغ كرّا لا المضاف . وفيه نظر . هذا ، والخبر غير صحيح ؛ لاشتماله على النوفلي ، وهو هنا الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبدالملك النوفلي ، بقرينة روايته عن السكوني ، وهو مجهول الحال ، بل قيل بضعفه لما حكاه النجاشي عن قوم من القمّيّين أنّه غلا في آخر عمره (1) ، ولم يثبت ذلك عنهم ، ولو ثبت لما أمكن الاستدلال به على غلوّه ، فإنّهم ربما نسبوا الغلوّ إلى بعض فحول علماء الشيعة بأدنى شيء ، وإن أبيت فعليك بنسبة الصدوق التفويض والغلوّ إلى من أنكر سهو النبيّ صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 28، الرقم 77 .
2- .. قال الصدوق في الفقيه ، ج 1، ص 359 _ 360 ، ذيل الحديث 1031 : «إنّ الغلاة والمفوّضة _ لعنهم اللّه _ ينكرون سهو النبيّ صلى الله عليه و آله . . . وليس سهو النبيّ صلى الله عليه و آله كسهونا ، لأنّ سهوه من اللّه عزّ وجلّ ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلايتّخذ ربّا معبودا دونه ، وليعلم النّاس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا من الشيطان ، وليس للشيطان على النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة _ صلوات اللّه عليهم _ سلطان . . .» .

ص: 60

و[ لاشتمال الخبر ] على السكوني ، وهو إسماعيل بن مسلم أبيزياد بقرينة رواية النوفلي عنه ، على ما يظهر من فهرست الشيخ ومن رجال النجاشي (1) ، وهو مضعَّف . (2) وأمّا إبراهيم بن هاشم ، فهو أبوإسحاق الكوفي ، انتقل إلى قُمّ وسكن فيه على ما ذكره النجاشي (3) والشيخ في الفهرست (4) ، وحكي عن العلّامة رحمه الله أنّه قال في الخلاصة: «ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص ، والروايات عنه كثيرة ، والأرجح قبول قوله» . (5) وعن الشهيد الثاني قدس سره أنّه قال : «لم يذكر _ يعني العلّامة _ سندا للقبول مع اعترافه بأنّه لم يقف على تعديله بالتنصيص ، فكأنّه اطّلع على ما يفيده ظاهرا ، إذ لايلزم كون الدليل بطريق التنصيص» . وأقول : الظاهر أنّ منشأ القبول ما ذكره الشيخ قدس سره في الفهرست من أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقمّ ، (6) بضميمة ما اشتهر من أنّ القمّيين كانوا يخرجون من قمّ بعض رواة الأخبار بمجرّد توهّم شائبة من القدح فيهم ، فإقبالهم إليه واجتماعهم عليه واستفادتهم منه وقبولهم رواياته أدلّ دليل على حسنه ، بل لايبعد أن يكون شاهدا على توثيقه ، وكأنّه لذلك اشتهر بين الأصحاب كون السند المشتمل عليه حسنا كالصحيح ، بل ربما عدّ صحيحا .

.


1- .. الفهرست ، ص 50 _ 51، الرقم 38 ؛ رجال النجاشي ، ص 26، الرقم 47 .
2- .. التضعيف راجع إلى مذهبه لكونه عاميّا ، وأمّا في روايته فهو موثوق به ويعمل برواياته . نعم ، حكى العلّامة في القسم الأوّل من الخلاصة ، الباب الأوّل من فصل الجيم ، في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي عن ابن الغضائري تضعيف السكوني ، إلّا أنّه لايوجب التوقّف في روايته ؛ لعدم وجود هذا التضعيف في نسخة القهبائي ، ولاحتمال أنّ التضعيف لأجل مذهبه لا في روايته ، ولاحتمال أن يكون المراد بالسكوني غير إسماعيل بن أبيزياد ، فلعلّ المراد به إسماعيل بن مهران الذي ضعّفه ابن الغضائري أو غيره ، ولعدم ثبوت نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري . معجم رجال الحديث ، ج 3، ص 107 ، الرقم 1283 .
3- .. رجال النجاشي ، ص 16 ، الرقم 18 .
4- .. الفهرست ، ص 35 _ 36 ، الرقم 6 .
5- .. خلاصة الأقوال ، ص 49، الرقم 9 .
6- .. الفهرست ، ص 36، الرقم 6 .

ص: 61

[قوله] : (عن أبيداود المنشد) . [ ح 3/3804 ] هو سليمان بن سفيان بن السمط ، وكان ثقة راوية لشعر السيّد إسماعيل بن محمّد الحميري ، 1 وإنّما سمّي بالمنشد لإنشاده أشعار ذلك السيّد، ويسمّى مسترّقا أيضا. وعن ابن داود انّه سمّي بذلك لأنّه كان يسترقّ الناس بشعر السيّد (1) . (2) وقال الفاضل الاسترآبادي : «وإنّما سمّي المسترقّ ، لأنّه كان راوية لشعر السيّد وكان يستخفّه الناس لإنشاده . يسترقّ ، أي يرقّ على أفئدتهم» . (3) [قوله] : (عن محمّد بن عيسى ، عن يونس) . [ ح 4/3805 ] لقد حكم العلّامة رحمه الله في المنتهى بصحّة هذا الخبر (4) ، واعترض عليه بأنّه قد وقع الخلاف في محمّد بن عيسى ، فما صرّح هو في الخلاصة بتوثيقه وإن كان قد رجّح قبول روايته (5) ، وقد ضعّفه الشيخ قدس سره في الفهرست وقال : «قد استثناه أبوجعفر بن بابويه من رجال كتاب نوادر الحكمة (6) ، وقال : لا أروي ما يختصّ بروايته ، وقيل : إنّه كان يذهب

.


1- .. رجال ابن داود، ص 106، الرقم 725.
2- .. خلاصة الأقوال ، ص 154 _ 155 ، الرقم 4 ؛ إيضاح الاشتباه ، ص 195 ، الرقم 310 ؛ رجال ابن داود ، ص 106 ، الرقم 725 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 254 ، الرقم 181 .
3- .. هذا القسم من كتابه منهج المقال ، غير مطبوع .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 19 .
5- .. خلاصة الأقوال ، ص 241 _ 242 ، الرقم 23 .
6- .. في الهامش بخطّ الأصل : «هو تصنيف محمّد بن أحمد بن يحيى ، منه عفي عنه» .

ص: 62

مذهب الغلاة» . (1) وفي يونس بن عبدالرحمان أيضا ، فما صرّح الأكثر بتوثيقه ، وإن وثّقه ابن داود ، وقد ضعّفه القمّيون . (2) ثمّ في «محمّد بن عيسى عن يونس» ، ففي الفهرست عن الصدوق ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد أنّ كتب يونس بن عبدالرحمان التي في الروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها إلّا ما يتفرّد به محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس ، ولم يروه غيره ، فإنّه لايعتمد عليه ولا يفتى به . (3) وأقول : الأقوى الصحّة ؛ لأنّ محمّد بن عيسى وإن ضعّفه الشيخ ، لكن وثّقه أبوالعبّاس بن نوح (4) ، وقال النجاشي أيضا : «محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى مولى أسد خزيمة أبوجعفر ، جليل في أصحاب ، ثقة ، عين ، كثير الرواية، حسن التصانيف ، روى عن أبيجعفر الثاني مكاتبة ومشافهة» . (5) وروى الكشّي في ترجمته عن القتيبي أنّه قال : «كان الفضل بن شاذان رحمه اللهيحبّ العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويقول : ليس في أقرانه مثله» . (6) وأمّا تضعيف الشيخ إيّاه ، فالظاهر ممّا ذكر أنّه إنّما كان تبعا للصدوق على ما فهمه من كلامه ، وليس هذا مفاده ؛ لأنّه إنّما استثنى من رجال كتب نوادر الحكمة ما رواه عن محمّد بن عيسى مرسلاً لا مطلقا ، والظاهر أنّ ذلك لإرسال السند وانقطاعه ، لا لضعف محمّد بن عيسى ، فقد قال : تعتبر كتاب (7) نوادر الحكمة ورواياتها بأجمعها إلّا ما كان فيه من تخليط ، وهو الذي

.


1- .. الفهرست ، ص 216، الرقم 611 ، ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد .
2- .. رجال ابن داوود ، ص 207، الرقم 1743 ؛ رجال الطوسي ، ص 346 ، الرقم 5167 ترجمة يونس بن عبدالرحمان .
3- .. الفهرست ، ص 266 ، الرقم 813 ، ترجمة يونس بن عبدالرحمان .
4- .. حكاه عنه النجاشي في رجاله ، ص 348 ، في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، الرقم 939 .
5- .. رجال النجاشي ، ص 333 ، الرقم 896 .
6- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 817 ، ح 1021 .
7- .. هذا هو الظاهر، وفي الأصل : «كتب».

ص: 63

يكون في طريقه محمّد بن موسى الهمداني أو يرويه عن رجل أو عن بعض أصحابنا ، إلى قوله : أو عن محمّد بن عيسى بإسناد منقطع ينفرد به (1) . وإنّما استثناه الصدوق تبعا لمحمّد بن الحسن بن الوليد كما صرّح به أبوالعبّاس بن نوح ؛ حيث قال : «وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه محمّد بن موسى الهمداني ، _ إلى قوله _ : أو عن محمّد بن عيسى بإسناد منقطع» . ثمّ قال (2) : «وقد أصاب شيخنا أبوجعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبوجعفر بن بابويه رحمه الله على ذلك كلّه إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد ، فلا أدري ما رأيا فيه ، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة» ، انتهى . (3) وأنت تعلم أنّ ما ذكره الصدوق ومحمّد بن الحسن بن الوليد إنّما يدلّ على ما ذكرناه ، ولا يدلّ على تضعيفهما لمحمّد بن عيسى أصلاً ، فلاوجه لتضعيف الشيخ إيّاه ، ولا يرد على الصدوق وابن الوليد اعتراض أبيالعبّاس بن نوح أيضا . وأمّا القول بغلوّه ، فغير منقول عن معيّن يعرف ، فلايوثق به . وممّا ذكرنا يندفع ما قيل من أنّ الجارح مقدَّم على المعدّل ، لأنّ ذلك مختصّ بما إذا كان الجرح والتعديل بالشهادة فقط ، أو يكون الجرح مستندا إلى أصل يعتمد عليه ، وهنا إنّما جرحوه بالتقليد ، وفي الحقيقة الجارح هنا شاهد فرع قد غلط في فهم كلام الأصل ، ولمّا لم يكن تضعيفه مستندا إلى أصل لايعارض توثيق النجاشي وابن نوح إيّاه ، ومدحا من الفضل بن شاذان له ليس بأقلّ من التوثيق . وأمّا يونس بن عبدالرحمان ، فإنّه وإن ضعّفه القمّيّون لأخبار ضعيفة وردت في

.


1- .. الفهرست ، ص 222، ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، الرقم 622.
2- .. في الهامش بخطّ الأصل : «أي أبوالعبّاس بن نوح. منه» .
3- .. حكى ذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري بلفظ : «. . . إلّا أنّ أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ولايبالي عمّن أخذ وما عليه في نفسه مطعن في شيء ، وكان محمّد بن الحسن بن الوليد . . .» ، ثمّ قال : «قال أبوالعبّاس بن نوح : وقد أصاب . . .» .

ص: 64

ذمّه ، لكنّ الأصحّ والأشهر توثيقه وجلالة قدره ورفعة شأنه كما يدلّ عليه أخبار كثيرة ، كثير منها صحيح ، بل قال الكشّي رحمه الله : «إنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» (1) . ولا بأس بذكر الأخبار لتحقيق الحال وإن كان موجبا للإطناب وإكثار المقال ، فنقول : قال الكشّي رحمه الله : حدّثني عليّ بن محمّد القتيبي ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، قال : حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي _ وكان خير قمّي رأيته ، وكان وكيل الرضا وخاصّته _ قال : سألت الرضا عليه السلام فقلت : إنّي لا ألقاك في كلّ وقت ، فممّن آخذ معالم ديني ؟ قال : «خذ عن يونس بن عبدالرحمان» . (2) والخبر حسن بالقتيبي . وعن محمّد بن مسعود قال : حدّثني محمّد بن نصير ، قال : حدّثني محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي ، [ قال محمّد بن نصير : ] قال محمّد بن عيسى : وحدّث الحسن بن عليّ بن يقطين أيضا ، قال : قلت لأبيالحسن الرضا عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي لا أكاد أَصِلُ إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبدالرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ [ فقال : «نعم» ] . (3) والظاهر صحّة الخبر بناء على أنّ محمّد بن مسعود هذا هو ابن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي أبوالنضر المعروف بالعيّاشي ؛ لما صرّح به بعض أصحاب الرجال من أنّ محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي من غلمان العيّاشي . وقال بعضهم : إنّه صحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه . وعن جبرئيل بن أحمد قال : سمعت محمّد بن عيسى، عن عبدالعزيز بن المهتدي ،

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 830 ، ح 1050 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 ، ح 910 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 784 ، ح 935 .

ص: 65

قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ شقّتي بعيدة ولست أصِلُ إليك في كلّ وقت ، فآخذ معالم ديني من يونس مولى آل يقطين ؟ قال : «نعم» . (1) وبإسناده عن سهل بن بحر ، قال : سمعت الفضل بن شاذان يقول : ما نشأ في الإسلام رجل من سائر الناس كان أفقه من سلمان الفارسي ، ولا نشأ بعده رجل أفقه من يونس بن عبدالرحمان رحمهما اللّه . (2) أقول : كان هذا المدح نشأ من الفضل؛ لأنّه سمعه عن الإمام عليه السلام أو استنبطه من قوله عليه السلام كما رواه الكشّي رحمه الله في ترجمة أبيحمزة الثمالي ، قال : وقال الفضل بن شاذان : سمعت الثقة يقول : سمعت الرضا عليه السلام يقول : «أبوحمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه ، وذلك أنّه خدم أربعة منّا : عليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وبُرهةً من عصر موسى بن جعفر عليهم السلام ، ويونس في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه» . (3) ووجه تشبيه أبيحمزة بسلمان من حيث إنّ سلمان أيضا خدم أربعة من المعصومين : رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعليّا ، والحسنين عليهم السلام ، وتشبيه يونس أيضا من ذلك الوجه ، فإنّه أدرك أباعبداللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام وخدمه وإن لم يسمع منه كما صرّح به حمدويه (4) ، وأبا إبراهيم موسى بن جعفر ، وأباالحسن عليّ بن موسى الرضا ، وأباجعفر محمّد بن عليّ الجواد عليهم السلام وخدمهم وروى عنهم ، كما يظهر من تتبّع الآثار . ثمّ قال الكشّي رحمه الله :

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 938 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 780 ، ح 914 ، رواه جعفر بن معروف عن سهل بن بحر .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 458 ، ح 357 ، ترجمة أبيحمزة الثمالي ، وص 781 ، ح 919 ، ترجمة يونس بن عبدالرحمان . وفي المورد الأوّل : «وجدت بخطّ أبيعبداللّه محمّد بن نعيم الشاذاني ، قال : سمعت الفضل بن شاذان . . .» .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 ، ذيل ح 932 . قال حمدويه : «قال محمّد بن عيسى : وكان يونس أدرك أباعبداللّه عليه السلام ، ولم يسمع منه» .

ص: 66

وجدت بخطّ محمّد بن شاذان بن نعيم في كتابه : سمعت أبامحمّد القماصي الحسن بن علويّة الثقة يقول : سمعت الفضل بن شاذان يقول : حجّ يونس بن عبدالرحمان أربعا وخمسين حجّة وأربعين عمرة ، وألّف ألف جلد ردّا على المخالفين ، ويقال : انتهى علم الأئمّة عليهم السلام إلى أربعة نفر : أوّلهم سلمان الفارسي، والثاني جابر، والثالث السيّد (1) ، والرابع يونس بن عبدالرحمان. (2) وقال الفضل : ولقد حجّ يونس إحدى وخمسين حجّة آخرها عن الرضا عليه السلام . (3) وبإسناده عن جعفر بن عيسى (4) ومحمّد بن يونس ، أنّ الرضا عليه السلام ضمن ليونس الجنّة ثلاث مرّات . (5) وعن جعفر بن عيسى اليقطيني ومحمّد بن الحسن جميعا : أنّ أباجعفر عليه السلام (6) ضمن ليونس بن عبدالرحمان الجنّة على نفسه وآبائه عليهم السلام . (7) وعن محمّد بن عيسى ، قال : أخبرني يونس : أنّ أباالحسن عليه السلام ضمن لي الجُنّة من النار . (8) وعن أحمد بن أبيخلف ظئر (9) أبيجعفر عليه السلام قال : كنت مريضا فدخل عَلَيّ أبوجعفر عليه السلام يعودني في مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة ، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتّى أتى عليه من أوّله إلى آخره ، وجعل يقول : «رحم اللّه يونس ، رحم اللّه

.


1- .. في الهامش بخطّ الأصل : «قيل : يعني السيّد إسماعيل الحميري . منه» .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 780 ، ح 917 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 782 ، ذيل ح 926 عن عليّ بن محمّد القتيبي ، عن الفضل بن شاذان .
4- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «محمّد بن عيسى» .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 ، ح 911 .
6- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يعني الجواد عليه السلام . منه» .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 ، ح 912 .
8- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 784 ، ح 936 .
9- .المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «أحمد بن أبيخالد ظئير . . .» . والظِّئر سواء للذكر والاُنثى من الناس . ويقال : ظاءَرَت فلانةٌ ، بوزن فاعلت ، إذا أخَذَت ولدا تُرضِعه ، وكلُّ مشتركَتين في وَلَدٍ ترضعانه فهما ظَئران . راجع : كتاب العين ، ج 8 ، ص 167 (ظأر) .

ص: 67

يونس ، رحم اللّه يونس» . (1) وعن أبيبصير حمّاد بن عبداللّه بن اُسيد الهروي ، عن داوود بن القاسم : أنّ أباجعفر الجعفري (2) قال : أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبدالرحمان على أبيالحسن العسكري عليه السلام ، فنظر فيه وتصفّحه كلّه ثمّ قال : «هذا ديني ودين آبائي ، وهو الحقّ كلّه» . (3) وقيل مثله في كتاب مصابيح النور للشيخ المفيد رحمه الله : عن أبيالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسين بن بابويه ، قال : حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري ، قال : قال أبوهاشم داوود بن القاسم الجعفري رحمه الله : عرضت على أبيمحمّد صاحب العسكر كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال لي : «تصنيف مَن هذا ؟» فقلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين ، فقال : «أعطاه اللّه بكلّ حرف نورا يوم القيامة» . (4) ثمّ روى الكشّي عن حمدويه ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى ، قال : روى أبوهاشم داوود بن القاسم الجعفري ، عن أبيجعفر ابن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن يونس ، فقال : «مولى آل يقطين ؟» قلت : نعم ، فقال لي : «رحمه اللّه ، كان عبدا صالحا» . (5) وعنه قال : حدّثني محمّد بن إسماعيل الرازي ، قال : حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي ، قال : كتبت إلى أبيجعفر عليه السلام : ما تقول في يونس بن عبدالرحمان ؟ فكتب إلَيّ بخطّه : «لاُحبّه وأترحّم عليه وإن كان يخالف (6) أهل بلدك» . (7)

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 _ 780 ، ح 913 .
2- .. كذا في الأصل ، ومثله في النسخ المطبوعة من رجال الكشّي ، والظاهر الصحيح : «عن داود بن القاسم أبيجعفر الجعفري» .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 780 ، ح 915 .
4- .. حكاه عنه النجاشي في رجاله ، ص 447 ، في ترجمة يونس بن عبدالرحمان ، الرقم 1208 : «وقال شيخنا أبوعبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان في كتاب مصابيح النور : أخبرني الشيخ الصدوق أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه . . .» .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 ، ح 932 .
6- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يخالفك _ خ ل» ، وهو المثبت في رجال الكشّي .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 ، ح 931 .

ص: 68

وعن القتيبي قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن أبيهاشم الجعفري ، قال : سألت أباجعفر محمّد بن عليّ الرضا عن يونس ؟ فقال : «مَن يونس ؟» قلت : مولى عليّ بن يقطين ، فقال : «لعلّك تريد يونس بن عبدالرحمان ؟» فقلت : لا واللّه ، ما أدري ابن مَن هو؟ قال : «بل هو ابن عبدالرحمان» . ثمّ قال : «رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، نعم العبد كان للّه جلّ وعلا» . (1) وعن محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد قال : حدّثني أبوالعبّاس الحميري عبداللّه بن جعفر ، عن أبيهاشم الجعفري قال : سألت أباجعفر عليه السلام (2) عن يونس ، قال : «رحمه اللّه » . (3) وعنه قال : حدّثني جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني العمركي ، قال : حدّثني الحسن بن أبيقتادة ، عن داوود بن القاسم ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : ما تقول في يونس ؟ فقال : «مَن يونس ؟» قلت : يونس ابن عبدالرحمان . قال : «لعلّك تريد مولى بني يقطين ؟» فقلت : نعم . فقال : «رحمه اللّه ، فإنّه كان على ما نحبّ» . (4) وعن جعفر بن أحمد ، عن يونس ، قال : قلت له _ يعني الرضا عليه السلام _ : قد عرفت انقطاعي إليك وإلى أبيك ، وحلّفته بحقّ اللّه وحقّ رسوله وحقّ أهل بيته ، وسمّيتهم حتّى انتهيت إليه أن لا يُخرَجَ ما تخبرني به إلى أحد من الناس ، وإنّي أرجو أن يقول : أبي حيّ ، ثمّ سألته عن أبيه ، أحَيّ هو أو ميّت ؟ فقال : «قد واللّه مات» . قلت: جُعلتُ فداك ، إنّ شيعتك _ أو قلت : مواليك _ يروون أنّ فيه شبه أربعة أنبياء ؟ قال : «قد واللّه الذي لا إله إلّا هو ، هلك» . قلت : هلاك غيبة أو هلاك موت ؟ فقال : «هلاك موت واللّه » . قلت :

.


1- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يعني الجواد عليه السلام . منه» .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 782 ، ح 925 . وفي المطبوعة من رجال الكشّي كرّرت جملة «رحم اللّه يونس» مرّتين ، وفي الطبعة الحديثة منه لم تتكرّر هذه الجملة ، بل ذكرت مرّة واحدة . وفي جميع النسخ : «نعم العبد كان للّه عزّ وجلّ» .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 781 ، ح 923 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ص 781 ، ح 922 .

ص: 69

جُعِلتُ فداك ، فلعلّك منّي في تقيّة ؟ ! قال : فقال : «سبحان اللّه ! قد واللّه مات» . قلت : فمِن أين علمتَ موتَه ؟ قال : «جاءني منه ما علمت أنّه قد مات» . قلت : فأوصى إليك ؟ قال : «نعم» . قلت : فما شرك أحد فيها معك ؟ قال : «لا» . قلت : فعليك من إخوانك إمام ؟ فقال : «لا ». قلت: فأنت إمام ؟ قال : «نعم» . 1 وبإسناده عن أحمد بن الفضل ، عن يونس بن عبدالرحمان ، قال : مات أبوالحسن عليه السلام وليس من قوّامه أحد إلّا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقفهم (1) وجحودهم موته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عليّ بن أبي حمزة (2) ثلاثون ألف دينار ، [ قال : ] فلمّا رأيت ذلك وتبيّن عَلَيّ الحقّ وعرفت من أمر أبيالحسن الرضا عليه السلام ما علمتُ ، تكلّمت ودعوت الناس إليه ، قال : فبعَثا إليّ وقالا : ما تدعو إلى هذا ، إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي : كفّ . قال يونس : فقلت لهما : إنّا روينا عن الصادقين عليهم السلام أنّهم قالوا : «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب عنه نور الإيمان» ، وماكنت لأدع الجهاد (3) وأمر اللّه على كلّ حال . فناصباني وأظهرا لي العداوة . (4) وقال (5) : وجدت بخطّ جبرئيل بن أحمد في كتابه : حدّثني أبوسعيد الآدمي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن الربيع الأقرع ، عن محمّد بن الحسن البصري ، عن عثمان بن رشيد البصري . قال أحمد بن محمّد بن الأقرع : ثمّ لقيت محمّد بن الحسن

.


1- .. في بعض نسخ المصدر : «وقوفهم» .
2- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يعني البطائني . منه» .
3- .. المثبت من المصدر، و صحّف في الأصل ب «الجهّال».
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 786 ، ح 946 .
5- .. في الهامش بخطّ الأصل : «أي الكشّي . منه» .

ص: 70

فحدّثني بهذا الحديث ، قال : كنّا في مجلس عيسى بن سليمان ببغداد ، فجاء رجل إلى عيسى فقال : أردت أن أكتب إلى أبيالحسن الأوّل في مسألة أسأله عنها ، فكتب : جُعلتُ فداك ، عندنا قوم [ يقولون ] بمقالة يونس ، فاُعطيهم من الزكاة شيئا ؟ قال : «نعم ، فإنّ يونس أوّل من يجيب عليّا إذا دَعا» . قال : وكنّا جلوسا بعد ذلك فدخل علينا رجل فقال : قد مات أبوالحسن عليه السلام ، وكان يونس في المجلس ، فقال يونس : يا معشر أهل المجلس ، إنّه ليس بيني وبين اللّه إمام إلّا عليّ بن بن موسى عليهماالسلام ، فهو إمامي . (1) وعن عليّ بن محمّد القتيبي قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، قال : قال لي ياسر الخادم : إنّ أباالحسن الثاني عليه السلام أصبح في بعض الأيّام قال : فقال [ لي ] : «رأيت البارحة يونس (2) مولى لعليّ بن يقطين وبين جبهته غرّة بيضاء ، فتأوّلت ذلك على الدين» . (3) وعن عليّ بن محمّد القتيبي : قال : حدّثني الفضل بن شاذان : قال : كان أحمد بن محمّد بن عيسى تاب واستغفر اللّه من وقيعته في يونس لرؤيا رآها . (4) وعن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن أخيه جعفر بن عيسى ، قال : كنّا عند أبيالحسن الرضا عليه السلام وعنده يونس بن عبدالرحمان ، إذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة ، فأومى أبوالحسن عليه السلام : «اُدخُل البيت» ، فإذا بيت مسبّل عليه ستر ، ثمّ قال : «وإيّاك أن تحرّك حتّى يؤذَن لك» ، فدخل البصريّون وأكثروا من الوقيعة في يونس ؛ وأبوالحسن عليه السلام مطرق حتّى لمّا أكثروا وقاموا فودّعوا وخرجوا أذن ليونس بالخروج ، فخرج باكيا ، فقال : جعلني اللّه فداك ، إنّي اُحامي عن هذه المقالة وهذه حالي عند أصحابي ، فقال

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 _ 784 ، ح 933 .
2- .. كلمة «يونس» غير موجودة في المطبوعة من رجال الكشّي .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 939 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 951 .

ص: 71

له أبوالحسن : «يا يونس ، وما عليك ممّا يقولون إذا كان إمامك عنك راضيا، يا يونس، حدّث الناس بما يعرفون، واتركهم ممّا لايعرفون كأنّك تريد أن لايُكذب على اللّه في عرشه . يا يونس ، وما عليك أن لو كان في يدك اليُمنى دُرّة ثمّ قال الناس : بَعرة ، هل يضرّك ذلك شيئا ؟ ولو كان فيها بعرة فقال الناس دُرّة ، هل ينفعك ذلك شيئا ؟» فقلت : لا . فقال : «هكذا أنت يا يونس ، إذا كنت على الصواب وكان إمامك عنك راضيا لم يضرّك ما قال الناس» . (1) وعن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، قال : قال العبد الصالح : «يا يونس ، ارفق بهم ، فإنّ كلامك يدقّ عليهم» . قال : قلت : إنّهم يقولون لي : زنديق . قال : «وما يضرّك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول النّاس هي حصاة ، وما ينفعك أن تكون في يدك حصاة فيقول الناس هي لؤلؤة» . (2) وقال النجاشي رحمه الله : إنّه كان ممّن بذل له على الوقف مال جزيل وامتنع من أخذه وثبت على الحَقّ . (3) قال : وكان الرضا عليه السلام يشير إليه في العلم والفُتيا . (4) وأمّا الأخبار التي وردت في ذمّه : فمنها ما هو شاهد على نفسه بالكذب : رواه الكشّي عن آدم بن محمّد ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد القمّي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبداللّه بن محمّد الحجّال ، قال : كنت عند أبيالحسن الرضا عليه السلام إذ ورد عليه كتاب يقرؤه ، فقرأه فضرب به الأرض فقال : «هذا كتاب ابن زان لزانية ، هذا كتاب زنديق لغير رِشْدة» . فنظرت فإذا

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 781 _ 782 ، ح 924 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 782 _ 783 ، ح 928 . وفي بعض نسخ رجال الكشّي _ على ما في طبعته الحديثة _ : «عليّ بن حسن الدقّاق النيسابوري» بدل «عليّ بن محمّد الدقّاق النيسابوري» .
3- .. رجال النجاشي ، ص 446 ، الرقم 1208 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 446 _ 447 ، الرقم 1208 .

ص: 72

كتاب يونس . (1) وعن عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن عليّ بن محمّد بن عيسى ، عن عبداللّه بن محمّد الحجّال ، قال : كنت عند الرضا عليه السلام ومعه كتاب يقرؤه في بابه حتّى ضرب به الأرض ، فقال : «كتاب ولد زنا لزانية» . وكان كتاب يونس . (2) فقد قال الكشّي رحمه الله _ ونعم ما قال _ : إنّ أباالحسن عليه السلام أجلّ خطرا وأعظم قدرا من أن يسبّ أحدا صراحا ، وكذلك آباؤه عليهم السلام من قبله وولده عليهم السلام من بعده ، لأنّ الرواية عنهم عليهم السلام بخلاف هذا إذ كانوا قد نَهَوا عن مثله وحثّوا على غيره . وروي عن عليّ بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليهم السلام ، إنّه كان يقول لبنيه : «جالِسوا أهل الدين والمعرفة ، فإن لم تقدروا فالوحده آنَس وأسلَم ، فإن أبيتم إلّا مجالسة الناس فجالِسوا أهل المروّات ، فإنّهم لايرفثون (3) في مجالسهم» . فما رواه (4) هذا الرجل عن الإمام عليه السلام في باب الكتاب لا يليق به ، إذ كانوا عليهم السلام منزّهين عن البذاء والرفث والسفه . (5) ومنها ما لايدلّ إلّا على جهله ببعض المسائل الكلاميّة واستفساره عنها ، ولا عيب في ذلك : رواه الكشّي رحمه الله عن يونس بن بهمن ، قال : قال يونس بن عبدالرحمان : كتبت إلى أبيالحسن الرضا عليه السلام سألته عن آدم عليه السلام : هل كان فيه من جوهريّة الربّ شيء ؟ قال :

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 788 ، ح 953 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 948 .
3- .. المثبت من المصدر، وفي الأصل : «لايرفسون» بالسين. يقال: فلانٌ يرفُثُ ، أي يقول الفُحش . كتاب العين ، ج 8 ، ص 220 (رفث) .
4- .. في المصدر : «فما حكاه» .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 788 .

ص: 73

فكتب إلَيّ جواب كتابي : «ليس صاحب هذه المسألة على شيء من السنّة ، زنديق» . (1) وعنه (2) قال : قال لي يونس : اُكتُب إلى أبيالحسن عليه السلام فاسأله عن آدم : هل فيه من جوهريّة اللّه شيء ؟ قال : فكتبت إليه فأجابه : «هذه مسألة رجل على غير السنّة» . فقلت ليونس ، فقال : لايسمع ذا أصحابنا فيبرأون منك . قال : فقلت ليونس : يبرأون منّي أو منك ؟ ! (3) وعن مروك (4) بن عبيد ، عن محمّد بن عيسى القمّي قال : توجّهت إلى أبيالحسن الرضا عليه السلام فاستقبلني يونس مولى آل يقطين (5) ، قال : فقال : أين تذهب ؟ فقلت : اُريد أباالحسن عليه السلام ، [ قال : ]فقال [ لي ] : اسأله عن هذه المسألة ، قُل [ له ] : خُلِقَت الجنّة بَعدُ ، فإنّي أزعم أنّها لم تُخلَق . قال : فدخلت على ابيالحسن عليه السلام فجلست عنده وقلت له : إنّ يونس مولى آل يقطين (6) أودَعَني إليك مسألة (7) . قال : «[ و ]ما هي ؟» قال : قلت : قال : أخبِرني عن الجنّة خُلِقَت بعد ، فإنّي أزعم أنّها لم تُخلَق . قال : «كذب ، فأين جنّة آدم ؟» 8 فإن قيل : قد نسب عليه السلام في الخبرين الأوّلين الزندقة إلى يونس وكونه على غير السنّة النبويّة صلى الله عليه و آله ، وفي الخبر الأخير الكذب . قلنا : نمنع الأوّل ، فإنّه إنّما يلزم لو كان المسألة مصدرا ميميا ، وهو غير مسلّم ، بل الظاهر أنّه اسم ، والمراد نسبة الزندقة والخروج عن السنّة إلى من اعتقد ذلك ورسخت في قلبه تلك العقيدة ، لا إلى من يسأل عنه ليعرف ما هو الحقّ فيها .

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 949 .
2- .. أي عن يونس بن بهمن .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ص 785 _ 786 ، ح 942 .
4- .. في الأصل : «متروك» .
5- .. في المصدر : «مولى ابن يقطين» .
6- .. في المصدر : «رسالة» بدل «مسألة» .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 937 .

ص: 74

وأمّا نسبة الكذب إليه ، فهو حقّ ، ولكن لايقدح فيه ، لكون تلك الشبهة زالت بالسؤال والعلم بخلافه بالجواب ، على أنّ هذه الأخبار ضعيفة جدّا لا يعتمد عليها أصلاً ، لاسيّما إذا عارضت الأخبار المتكثّرة ؛ لأنّ يونس بن بهمن كما ذكره [ ابن ]الغضائري والعلّامة في الخلاصة _ على ما نقل عنهما _ كان غاليا وضّاعا للحديث ومتروكا ، كان مجهول الحال، متروك الذكر في كتب الرجال . (1) ومنها ما هو مشتمل على لعنه ، لكنّه ضعيف؛ لما ذكر ، فلا يقبل المعارضة لما نقل : رواه الكشّي عن مروك (2) بن عبيد ، عن يزيد بن حمّاد ، عن ابن سنان ، قال : قلت لأبيالحسن عليه السلام : إنّ يونس يقول : إنّ الجنّة والنّار لم تُخلَقا ؟ قال : فقال له : «ما له لعنه اللّه ، فأين جنّة آدم ؟» . (3) وأمّا ابن سنان ، فهو الزاهري ، والظاهر أنّه كان ثقة لا عبداللّه الثقة ولا أخوه المجهول ، بقرينة روايته عن أبيالحسن الرضا عليه السلام ، فإنّ ابن سنان الذي يروي عنه إنّما هو الزاهري كما يعرف عن قريب . (4) ومنها ما هو منقول عمّن كان عدوّا ليونس معلنا لعداوته مع جهالته بابن فيروزان : رواه الكشّي عن آدم بن محمّد القلانسي، عن عليّ بن محمّد بن فيروزان القمّي ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أبيه يزيد بن حمّاد ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : قلت له : اُصلّي خلف من لا أعرف فقال : «لا تُصَلِّ إلّا خلف

.


1- .. خلاصة الأقوال ، ص 419 ؛ رجال ابن الغضائري ، ص 101 ، الرقم 153 . وحكى عنه ابن داوود الحلّي في رجاله ، ص 285 ، الرقم 561 ؛ والشيخ حسن صاحب المعالم في التحرير الطاووسي ، ص 627 ؛ والتفرشي في نقد الرجال ، ص 106 (8593) .
2- .. في الأصل : «متروك»، والتصويب من المصدر.
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 940 .
4- .. قال النجاشي في رجاله ، ص 328 ، الرقم 888 : «محمّد بن سنان أبوجعفر الزاهري من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي . . . وقال أبوالعبّاس أحمد بن سعيد أنّه روى عن الرضا عليه السلام ، قال : وله مسائل عنه معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّاً لايعوّل عليه، ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وقد ذكر أبوعمرو في رجاله قال أبوالحسن عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : قال أبومحمّد الفضل بن شاذان : لا اُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان» .

ص: 75

من تثق بدينه» . فقلت له : اُصلّي خلف يونس وأصحابه ؟ فقال : «يأبى ذلك عليكم عليّ بن حديد» . فقلت : آخُذ بقوله في ذلك ؟ فقال : «نعم» . قال: فسألت عليّ بن حديد عن ذلك، فقال: لاتصلّ خلفه ولا خلف أصحابه. (1) لظهور عداوة أحمد بن محمّد بن عيسى ليونس على ما مرّت الإشارة إليه من استغفاره عن وقيعته في يونس لرؤيا رآها . قال الكشّي رحمه الله : «ولعلّ هذه الرواية من أحمد كان قبل رجوعه واستغفاره» (2) . وحيث ثبت توثيق محمّد بن عيسى ويونس كليهما ، فلا وجه لتضعيف روايته عنه . وقول محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك غير مسموع ؛ لعدم استناده إلى مستند ، وعليه الإثبات ، ودونه خرط القتاد . [قوله] : (عن أبيبكر الحضرمي) . [ ح 5/3806 ] هو عبداللّه بن محمّد ، وله مدح ، روى الكشّي رحمه اللهبإسناده عن عمرو بن إلياس ، قال : دخلت أنا وأبي إلياس بن عمرو على أبيبكر الحضرمي وهو يجود بنفسه ، فقال : يا عمرو ، ليست هذه بساعة الكذب ، أشهد على جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّي سمعته يقول : «لايمسّ النار [ من مات ]وهو يقول بهذا الأمر» . (3) وبسند آخر عنه أنّه قال : دخلت على أبيبكر الحضرمي وهو يجود بنفسه ، فقال لي : أشهد على جعفر بن محمّد أنّه قال : «لايدخل النّار منكم [ أحد ] » . (4) لكن خبر الكتاب ضعيف بعثمان بن عيسى ، فإنّه أبوعمرو الكلابي الرواسي ،

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 950 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 788 ، ح 954 ، ولفظه هكذا : «ولعلّ هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه» .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 716 ، ح 789 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 716 ، ح 790 : «أبوجعفر محمّد بن عليّ بن القاسم بن أبيحمزة القمّي ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن الصفّار المعروف بممولة ، قال : حدّثني عبداللّه بن محمّد بن خالد ، قال : حدّثني الحسن بن بنت إلياس ، قال : دخلت على أبيبكر الحضرمي . . .» .

ص: 76

وكان شيخ الواقفة ووجهها وأحد المستندين بمال موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وقد وقعت واقعته عليه السلام وكان كثير من ماله عليه السلام في يده ، فقال بالوقف وسخط الرضا عليه السلام عليه . (1) وعن العلّامة رحمه الله أنّه جزم بضعفه في كتب الاستدلال . (2) لايقال : قد خالف ذلك العلّامة رحمه الله في المنتهى ، فتارة توقّف فيه (3) ، وتارة حسّن سند الصدوق إلى سماعة وهو فيه ، ونقل الكشّي قولاً بأنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه . (4) وروى عن نصر بن الصباح أنّه تاب من الوقف وبعث بالمال إلى الرضا عليه السلام . (5) وعن حمدويه عن محمّد بن عيسى : أنّ عثمان بن عيسى رأى في منامه أنّه يموت بالحائر (6) ويدفن فيه ، فرفض الكوفة ومنزله ، فخرج إلى الحائر وابناه معه ، فقال : لا أبرح حتّى تمضي مقاديره وأقام به يعبد ربّه عزّ وجلّ حتّى مات ودفن فيه . (7) لأنّا نقول : العلّامة لم يسند قوله ذلك إلى مستند ، فإن اعتمد فيه على ذلك الإجماع وهذين الخبرين ، ففيه أنّ الإجماع غيرثابت ، وأنّ الخبر الأوّل لم يروه إلّا نصر ولايعتمد على قوله لغلوّه ، وعدم دلالة الرؤيا على شيء .

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 860 ، ح 1117 ؛ رجال النجاشي ، ص 300 (817) .
2- .. راجع: مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 183 و429 ؛ وج 2 ، ص 203 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 39 و93 و173 و213 ؛ وج 2 ، ص 36 و249 و. . . .
3- .. لاحظ الهامش المتقدّم .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 831 ، ح 1050 .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 860 ، ذيل ح 1117 .
6- .. في المصدر : «بالحير» .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 860 ، ح 1118 . وعنه النجاشي في رجاله ، ص 300 ، الرقم 817 .

ص: 77

باب الماء الذي لا ينجّسه شيء

باب الماء الذي لا ينجّسه شيءفيه مسائل : الاُولى : الماء ينجس بالتغيّر بالنجاسة مطلقا إجماعا ، ويدلّ عليه حسنة زرارة (1) ، وما رواه الشيخ عنه ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة ، قال : «إذا تفسّخ فيها فلاتشرب من مائها ولا تتوضّأ منها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة ، وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء» . قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء ، تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ ، إلّا أن يجيء ريح يغلب على ريح الماء» (2) . وبسند صحيح عن أبيخالد القمّاط ، _ لكن فيه كلام سيأتي _ أنّه سمع أباعبداللّه عليه السلام يقول في الماء الذي يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «إن كان الماء قد تغيّر ريحه وطعمه فلاتشرب ولاتتوضّأ منه ، وإن لم تتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ» (3) . وعن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابّة ميّتة قد أنتنت ؟ قال : «إن كان النتن الغالب على الماء فلاتتوضّأ ولاتشرب» (4) . وعن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدوابّ ؟ فقال : «إن تغيّر الماء فلاتتوضّأ منه ، وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه ، وكذلك الدم إذا سال في

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 412 ، ح 1298 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 _ 9 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 _ 140 ، ح 343 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 _ 41 ، ح 112 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 9 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 138 _ 139 ، ح 339 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 216 ، ح 624 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 12 ، ح 18 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 ، ح 341 .

ص: 78

الماء وأشباهه» . (1) وعن محمّد بن سنان ، عن العلاء بن الفضيل ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الحياض يُبال فيها ، فقال : «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» . (2) وعليه حُمل ما رواه أبوبصير ، قال : سألته عن كرّ ماء مررت به وأنا في سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان ؟ قال : «لاتتوضّأ منه ولا تشرب» . (3) ثمّ المشهور عند الأصحاب اعتبار التغيّر في أحد الأوصاف الثلاثة من اللون والطعم والريح ؛ لإطلاق التغيّر في بعض الأخبار ، ودلالة بعضها على تغيّر الريح أو الطعم ، وبعضها على تغيّر اللون ، وظاهر المنتهى إجماع أهل العلم عليه ؛ حيث قال : إذا تغيّر أوصاف الماء المطلق اللون أو الطعم أو الرائحة فإن كان تغيّره بالنجاسة ، نجس ، سواء كان قليلاً أو كثيرا ، جاريا أو راكدا ، وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم، [ ويدلّ عليه الإجماع ، فإنّي لا أعرف فيه مخالفا ]. (4) ويفهم من [ فتح ] العزيز قول ما عدا الشافعيّة بعدم اعتبار التغيّر في اللون ؛ حيث احتجّ على المسألة بقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «خُلق الماء طهورا لاينجّسه شيء إلّا ما غيّر طعمه أو ريحه» . (5) ثمّ قال : «وقاس الشافعي اللون عليهما» . (6) والخبر على ما ذكر في المنتهى مشتمل على اللون أيضا (7) ، وكأنّ نظر الشافعي إليه . وحكى في الذكرى عن الجعفي (8) والصدوقين أنّهم لم يعتبروا الأوصاف بل

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 9 ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 138 ، ح 338 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1311 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 53 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 ، ح 342 .
3- .هذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 110 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 ، ح 341 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 20 .
5- .. مختصر المزني ، ص 9 . وورد بزيادة «أو لونه» في : المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 52 ؛ وج 24 ، ص 28 ؛ بدائع الصنائع للكاشاني ، ج 1 ، ص 71 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 76 ، ح 154 ؛ وج 2 ، ص 15 ، ح 29 .
6- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 199 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 21 .
8- .. الجعفي على الإطلاق عند الفقهاء هو محمّد بن أحمد بن إبراهيم أبوالفضل الجعفي الكوفي ثمّ المصري ، كان من قدماء أصحابنا الإماميّة ممّن أدرك الغيبتين ، له كتب كثيرة في موضوعات شتّى، منها : الفاخر ، تحبير الأحكام ، التخيير ، كتاب الشفعة ، كتاب الحجّ، معاني القرآن ، كتاب التوحيد والإيمان ، إلى غير ذلك . يروي عنه الشيخ والنجاشي بواسطتين ، وابن قولويه بلاواسطة ، ومعروف أيضا بين الفقهاء ب «صاحب الفاخر» . راجع : الفهرست للشيخ الطوسي ، ص 281 ، الرقم 901 ؛ الفوائد الرجاليّة للسيّد بحر العلوم ، ج 3 ، ص 199 ؛ طرائف المقال للبروجردي ، ج 1 ، ص 199 ؛ الكنى والألقاب للمحدّث القمّي ، ج 2 ، ص 401 _ 402 ؛ الذريعة ، ج 1 ، ص 121 ، الرقم 584 ؛ وج 3 ، ص 375 ؛ وج 4 ص 15 ، الرقم 42 ؛ وج 6 ، ص 252 ، الرقم 1327 ؛ و. . . .

ص: 79

الأغلبيّة (1) ، وهو غير مستند إلى أصل ؛ لأنّ مناط الحكم في النصوص الوصف دون الغلبة . واعلم أنّ ذلك التغيّر ينقسم إلى المحقّق والمقدّر ، وأجمعوا على نجاسته به في الأوّل ، واختلفوا فيها في الثاني ، فجزم الشهيد بعدمها ، فقال في الدروس : «ولاينجس إلّا بالتغيّر تغيّرا محقّقا لا مقدّرا» (2) . واحتجّ عليه في الذكرى بعدم حصول التغيّر الذي هو مناط التنجيس (3) ، واعتبره آخرون ، منهم المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد . (4) ويمكن الاحتجاج عليه على القول بأنّ المضاف المسلوب الأوصاف لو وقع في الماء وجب اعتبار تقديره مخالفا له في الأوصاف ، وإذا وجب تقدير المخالفة في المضاف فتقديرها في النجس أولى . وبأنّ عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا ، وهو معلوم البطلان ، إلّا أن يعتبروا الأغلبيّة . واستقواه فخر المحقّقين محتجّا بالاحتياط ، وبوجود المقتضي لنجاسة الماء وهو صيرورته مقهورا ؛ لأنّه كلّما لم يصر مقهورا لم يتغيّر بها على تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : «كلّما تغيّر على تقدير المخالفة كان مقهورا ،

.


1- .. الذكرى ، ج 1، ص 76 .
2- .. الدروس ، ج 1 ، ص 118؛ ولفظه هكذا : «ولا ينجّس إلّا بتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة تغيّرا محقّقا لا مقدّرا» .
3- .. الذكرى ، ج 1، ص 76.
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 113 _ 114 .

ص: 80

ولايلزم من عدم أمارة الشيء عدمه» . (1) وتردّد فيه في المنتهى ، وكلام الأكثر مجمل في التغيّر المقدّر ، ولابدّ من تحقيقه . فنقول : التغيّر إمّا مدرك بالحسّ كما إذا كان الماء على أوصاف الخلقيّة وكانت أوصاف النجاسة مخالفة لها ، وإمّا غير مدرك به ، وذلك على وجهين : أحدهما : ما إذا تغيّر أوصاف الماء عن أصل خلقته قبل ورود النجاسة عليه بما يوافق أوصاف النجاسة ، وثانيهما : عكسه ، وهو أن تكون النجاسة فقط مسلوبة الأوصاف ، والظاهر وفاق الأصحاب على اعتبار التقدير في الوجه الأوّل بمعنى أنّه إن حكم العقل بتغيّره على تقدير بقاء الماء على أوصافه فيحكم بنجاسته وإلّا فلا ، وإنّهم إنّما اختلفوا في اعتباره في الوجه الثاني فارقين بينهما بأنّ مناط الحكم التغيّر في الواقع وهو واقع في الأوّل ، لكنّه مستور على الحسّ لمانع ، وفي الثاني غير واقع أصلاً . وبهذا الفرق صرّح جماعة وأدرجوا الوجه الأوّل في الحسّي وخصّوا التقدير في الثاني ، ففي شرح اللمعة للشيخ زين الملّة والدين قدس سره : «والمعتبر من التغيّر الحسّي لا التقديري» . (2) وقال سبطه المحقّق الشيخ عليّ _ دام ظلّه _ في شرحه : المراد بالتغيّر الحسّي ما أمكن أن يدرك بالحسّ ، سواء حصل مانع عن إدراكه كما إذا كان لون الماء متغيّرا بطاهر يوافق لونه لون الدم كالمشق مثلاً ، والمراد بالتقديري ما لو كانت النجاسة مسلوبة الصفات (3) . وفي القواعد : «لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته إن كان يتغيّر بمثلها على تقدير المخالفة» . (4) وقال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرحه :

.


1- .. إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 16 .
2- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 251 .
3- .. لم أعثر عليه .
4- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 183 .

ص: 81

حقّ العبارة أن يقول : «لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات في الجاري والكثير» ؛ لأنّ موافقة النجاسة الماء في الصفات صادق على نحو الماء المتغيّر بطاهرٍ أحمر إذا وقع فيه دم ، فيقضي ثبوت التردّد في تقدير المخالفة ، وينبغي القطع بوجوب تقدير خلوّ الماء عن ذلك الوصف ، لأنّ التغيّر هنا على تقدير حصوله تحقيقي ، غاية ما في الباب أنّه مستور على الحسّ ، وقد نبّه عليه شيخنا في البيان . (1) الثانية : هل ينجّس الماء بمجرّد ملاقاته النجاسة ؟ فينقسم الماء بحسب ذلك إلى مضاف ومطلق ، وهو إلى ماء البئر والجاري والراكد ، وهو إلى القليل والكثير . أمّا المضاف ؛ فقد اشتهر أنّه ينجّس بالملاقاة مطلقا ولو كان كرّا فصاعدا ، ولم أجد خبرا عامّا فيه ، واحتجّ عليه في الذكرى بقول النبيّ صلى الله عليه و آله في الفأرة تموت في السمن : «إن كان مائعا فلاتقربوه» (2) . وقال : «فيحرم استعماله إلّا لضرورة ؛ للحرج لقوله تعالى : «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ » (3) » . (4) ومثله مارواه الشيخ في الصحيح عن جابر ، عن أبيجعفر عليه السلام قال : أتاه رجل فقال : وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت ، فماترى في أكله ؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : «لا تأكله» . فقال الرجل : [ الفأرة ] أهون علَيّ من أن أترك طعامي من أجلها ! قال : فقال أبوجعفر عليه السلام : «إنّك لاتسخفّ بالفأرة ، إنّما استخففت بدينك ، إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء» . (5) وعن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ؛ «أنّ عليّا عليه السلام سُئِلَ عن قِدر طُبخت وإذا في القِدر فأرة ؟ قال : يُهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل» (6)

.


1- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 113 _ 114 ؛ البيان ، ص 44 .
2- .. رواه أحمد في مسنده ، ج 2 ، ص 265 ، عن عبدالرزّاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبيهريرة ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
3- .. المدّثّر (74) : 5 .
4- .. الذكرى ، ج 1، ص 74، وفيه : + «إلّا لضرورة للحرج».
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1327 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 24 ، ح 60 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 206 ، ح 528 .
6- .. الكافي ، ج 6 ، ص 261 ، كتاب الأطعمة ، باب الفأرة تموت في الطعام والشراب ، ح 3 . ورواه عنه الشيخ ف في تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 86 _ 87 ، ح 365 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 25 ، ح 62 بسند آخر ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 206 ، ح 529 .

ص: 82

ويؤيّدها مفهوم صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : سألته عن فأرة وقعت في حُبّ دُهن فاُخرجت قبل أن تموت ، أنبيعه من مسلم ؟ قال : «نعم ، وتُدَّهَن» (1) . وإن كان مفهوم كلام السائل، فإنّه يشعر بأنّ نجاسته إذا ماتت الفأرة فيه كان معروفا في عهده . وسيأتي حكم ماء البئر في بابه . وأمّا الجاري _ وهو النابع من الأرض غير البئر _ فهو لايتنجّس بذلك وإن قلّ على المشهور ؛ لوجود مادّة له في أعماق الأرض ، ولقول الصادق عليه السلام في خبر عبداللّه بن أبييعفور : «ماء الحمّام كماء النهر ؛ يطهّر بعضه بعضا» (2) واحتجّ عليه في التهذيب بعموم الأخبار الدالّة على عدم تنجّس الماء إلّا بالتغيّر . (3) ويؤيّده خبر سماعة قال : سألته عن الماء الجاري يبال فيه ؟ قال : «لا بأس». (4) ورواية عنبسة بن مصعب قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يبول في الماء الجاري ؟ قال : «لابأس به إذا كان الماء جاريا» . (5) وصحيحة الفضيل بن يسار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره أن يبول في الماء الراكد» . (6)

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 24 ، ح 61 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 419 ، ح 1326 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 238 _ 239 ، ح 615 .
2- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، باب ماء الحمّام والماء الذي تسخّنه الشمس ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 ، ح 373 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 216 ، باب المياه وأحكامه وما يجوز التطهّر به وما لايجوز .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 34 ، ح 89 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 21 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 355 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 43 ، ح 120 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 22؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 196 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 353 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 43 ، ح 121 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 23 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 352 .

ص: 83

وموثّقة عبداللّه بن بكير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «لابأس بالبول في الماء الجاري» . (1) وربّما احتجّ عليه بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن الرضا عليه السلام قال : «ماء البئر واسع لايفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتّى تذهب الريح ويطيب طعمه ، لأنّ له مادّة» (2) . بناء على حجّيّة القياس المنصوص العلّة ، وفيه تأمّل . وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، منهم العلّامة في أكثر كتبه ، بل ادّعى في المنتهى وفاقهم عليه (3) ، ونسب الشهيد الثاني قدس سره إليه في شرح اللمعة القول باشتراط الكرّيّة فيه كالراكد (4) ، وهو ظاهر بعض عباراته في القواعد ، فإنّه قال : «الجاري إنّما يتنجّس بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة : أعني اللون والطعم والرائحة التي هي مدار الطهوريّة وزوالها لا مطلق الصفات كالحرارة بالنجاسة إذا كان كرّا فصاعدا» (5) . وقال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرحه : أفاد بذلك اشتراط الكرّيّة في الجاري ، فينجس بالملاقاة لو كان دون الكرّ عنده ، ومستنده عموم اشتراط الكرّيّة لعدم قبول النجاسة بالملاقاة ، وهو ضعيف مع مخالفته لمذهب الأصحاب ، فإنّه ممّا تفرّد (6) به ، وما احتجّ به من العموم معارض بعموم نفي البأس عن البول في الماء الجاري من غير تقييد ، والترجيح معنا؛ للأصل ، والشهرة ، والعلّيّة (7) المستفادة من تعليق الحكم على وصف الجريان . انتهى (8) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 43 ، ح 122 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 24 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 196 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 354 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، ص 5 ، باب البئر وما يقع فيها ، ح 2 ، إلى قوله: «إلّا أن يتغيّر» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 32 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 252 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 181 ، المقصد الثاني في المياه ، الفصل الأوّل .
6- .. المثبت من جامع المقاصد ، وفي الأصل : «ينفرد» .
7- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «والغلبة» .
8- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 111 .

ص: 84

ولايبعد أن يقال : إنّ قوله : «إذا كان كرّا» شرط لمدار الطهوريّة وزوالها ، لا لقوله : «إنّما يتنجّس بالتغيّر» على أن يكون اسم كان هو العائد إلى الراكد ، ويكون قوله : «لا مطلق الصفات» عطفا على قوله : «التي هي مدار الطهوريّة» لا على اللون والطعم والرائحة ؛ لئلّا يلزم الفصل من الشرط والجزاء بالأجنبيّ . ويتعلّق الجارّ في قوله : «بالنجاسة» بقوله : «وزوالها» لا بالتغيّر ، وهذا التأويل وإن كان تكلّفا إلّا أنّه لابدّ منه ، وكيف لا ؟ وكلامه في ذلك الكتاب في غير موضع ينادي بأعلى صوت بالمعنى المشهور ، فقد قال بعد ما ذكر : «ولو تغيّر بعضه نجس دون ما قبله وما بعده» (1) ، من غير تقييد بالكثير . وقال : «ماء المطر [ حال تقاطره ] كالجاري ، فإن لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره فكالواقف» . وقال: «وماء الحمّام كالجاري إن كانت له مادّة هي كرّ فصاعدا، وإلّا فكالواقف». وقال : «ولو اتّصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة ، ولو تغيّر بعضه [ بها ]اختصّ المتغيّر بالتنجيس» (2) . وأيضا لو كان كالراكد لابدّ في تطهيره مع زوال التغيّر اتّصاله بالكرّ ، وقد اكتفى هو فيه بزوال التغيّر ، قال : «والجاري يطهّر بتكاثر الماء وتدافعه حتّى يزول التغيّر» (3) . وأنّى له القول بذلك مع أنّه اعترف في المنتهى باتّفاق علمائنا على المذهب المشهور (4) ، وبالجملة فكلامه في ذلك الكتاب مشوّش بحيث لايتصوّر إسناد ذلك القول المخالف للإجماع إليه ، فتأمّل . هذا ، والظاهر من إطلاق الجري في الأخبار والتعليل الذي فيها عدم اشتراط دوام

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 32 .
2- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 181 .
3- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 182 . وما بين المعقوفات منه .
4- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 187 .

ص: 85

النبع فيه في المياه التي تنبع في الشتاء وتجفّ في الصيف لاتنجّس بالملاقاة ، وهو المشهور . وفي الدروس : «يشترط دوام النبع» (1) . وفي المدارك : «كلامه يحتمل أمرين : أحدهما _ وهو الظاهر _ أن يريد بدوام النبع استمراره حال ملاقاته للنجاسة ، ومرجعه إلى حصول المادّة حينئذٍ ، وهو لايزيد على اعتبار أصل النبع . والثاني أن يريد به عدم انقطاعه في أثناء الزمان [ ككثير من المياه التي تخرج في زمن الشتاء وتجفّ في الصيف ] ، وقد حمل جُلّ من تأخّر عنه كلامه على هذا المعنى ، وهو ممّا يقطع بفساده ؛ لأنّه مخالف للنصّ والإجماع ، فيجب تنزيه كلام مثل هذا المحقّق عنه» . انتهى (2) . وأمّا الماء الراكد ، فقد ذكر المصنّف قدس سره حكم القليل منه في باب آخر ، وينبغي القول في الكثير منه ، فنقول : أجمع أهل العلم إلّا ما سيحكى على أنّه لاينجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة مطلقا وإن كان في الحياض والأواني ، وإنّما ينجّس بالتغيّر بها ، لكن اختلفوا في حدّ الكثرة ، فأجمع الأصحاب على تقديرها بالكرّ ، وحكي ذلك عن الحسن بن صالح (3) من العامّة ؛ لكنّه قدّر الكرّ بثلاثة آلاف رطلٍ (4) .

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 33 .
3- .. الحسن بن صالح بن حيّ أبوعبداللّه الثوري الهمداني الكوفي ، من زعماء الفرقة الزيديّة ، وكان فقيها مجتهدا متكلّما ، توفّي سنة (168 ه ) مختفيا في الكوفة ، وكان اختفاؤه مع عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين في موضع واحد سبع سنين ، وهو من أقران سفيان الثوري ومن رجال الحديث ، له كتب ، منها : التوحيد ، إمامة ولد عليّ من فاطمة ، الجامع في الفقه . راجع : تهذيب الكمال ، ج 7 ، ص 177 _ 191 ، الرقم 1238 ؛ معرفة الثقات للعجلي ، ج 1 ، ص 204 _ 205 ، الرقم 296 ؛ تقريب التهذيب لابن حجر ، ج 1 ، ص 205 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 193 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 3 ، ص 231 .
4- .. حكاه عنه السيّد المرتضى في الانتصار ، ص 85 ؛ والناصريّات ، ص 69 _ 70 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 40 .

ص: 86

وذهب الشافعي وجماعة منهم إلى تقديره بالقُلّتين (1) ؛ محتجّين بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذابلغ الماء قُلّتين لم يحمل خبثا» 2 . وفي [ فتح ] العزيز : في تقدير ذلك يعني القلّتين بالوزن على ثلاثة أوجه : أحدها: ذهب أبوعبداللّه الزبيري 3 إلى أنّه ثلاثمائة مَنٍّ يعني بالبغدادي ؛ لأنّ القُلّة مايُقِلّه بعير ، ولا يُقلّ الواحد من بعران العرب غالبا أكثر من وسق ، والوسق ستّون صاعا ؛ وذلك مائة وستّون منّا ، فالقُلّتان ثلاثمائة وعشرون منّا يُحَطّ منها عشرون للظروف والحبال ، يبقى ثلاثمائة . وهذا اختيار القفّال 4 ، والأشبه عند صاحب الكتاب .

.


1- .. حكاه عنه الجصّاص في أحكام القرآن ، ج 3 ، ص 441 ؛ والسرخسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 71 ؛ والشيخ الطوسي في الخلاف ، ج 1 ، ص 191 .

ص: 87

والثاني : أنّ القُلّتين ألف رطل ، ويحكى هذا عن أبيزيد (1) . والثالث _ وهو المذهب _ : أنّ القُلّتين خمسائة رطل : مائتان وخمسون منّا بالبغدادي ، ويحكى هذا عن نصّ الشافعي . ثمّ قال : وعند أبيحنيفة لا اعتبار بالقلال ، وإنّما الكثير هو الذي إذا حُرِّك جانب منه لم يتحرّك الثاني ، وهذه رواية ، ولهم روايات سواها ، وقد نسب إلى بعض الروايات عنه في موضع آخر أنّه مايعلم أنّ النجاسة لاتنتشر إليه (2) . وفي المنتهى : «قال أبوحنيفة : إن كان الماء يصل بعضه إلى بعض فهو قليل ينجس بالملاقاة ، وإلّا فهو كثير لاينجس بالتغيّر» (3) ، وأراد بذلك _ على ما فسّره تلميذه أبويوسف _ تحرّك أحد الجانبين عند تحريك الآخر وعدمه (4) . لنا حسنة معاوية بن عمّار (5) ، وصحيحة أبيأيّوب ، عن محمّد بن مسلم (6) .

.


1- .. أبوزيد سعيد بن أوس بن مالك بن بشير الأنصاري البصري النحوي ، أخذ العلم عن أبيعمرو بن العلاء وعوف بن أبيجميلة وابن عون ، وأخذ عنه أبوحاتم الرازي وخلف بن هشام وعمر بن شبّة والقاسم بن سلّام . من كتبه : الشجر ، الغرائز ، غريب الأسماء ، اللبأ واللبن ، لغات القرآن ، المطر ، النوادر ، الهمز ، مات سنة 215 ، وجاوز عمره مائة . تاريخ بغداد ، ج 9 ، ص 78 _ 81 ؛ الرقم 4660 ؛ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ، ص 136 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 92 .
2- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 206 _ 207 .
3- .. عنه الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 192 ، مسألة 147 . وانظر : عمدة القاري ، ج 3 ، ص 159 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 70 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 71 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 24 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 33 . والعبارة هنا نقلٌ بالمعنى .
5- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 و3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 108 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 158 ، ح 392 .
6- .. هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .

ص: 88

ورواها الشيخ بسند آخر صحيح بأدنى تغيير (1) . وخبر الحسن بن صالح (2) ، وصحيحة إسماعيل بن جابر (3) على ما هو الظاهر من أنّ ابن سنان فيها هو عبداللّه . وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء قدر كُرّ لم ينجّسه شيء» (4) . وفي الحسن عنه قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» . (5) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدوابّ، وتلغ فيه الكلاب، ويغتسل فيه الجُنُب ، قال : «إذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شيء ، والكرّ ستّمائة رطل» (6) . وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههنّ تطأ العذرة، ثمّ تدخل في الماء ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا ، إلّا أن يكون الماء كثيرا قدر كرّ من ماء» (7) . ويؤكّدها ما يرويه المصنّف في الباب الآتي عن صفوان (8) ، ورواه الشيخ في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 39 _ 40 ، ح 107 ؛ وص 226 ، ح 651 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 158 ، ح 391 .
2- .. هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
3- .. هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 37 ، ح 101 ؛ وص 41 ، ص 115 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 10 ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 159 _ 160 ، ح 397 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 109 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 159 ، ح 396 .
5- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 ؛ وص 20 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 158 ، ح 392 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 414 _ 415 ، ح 1308 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 11 ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 168 ، ح 418 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 419 ، ح 1326 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 49 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 155 ، ح 367 وص 159 ، ح 394 .
8- .. هوالحديث السابع من ذاك الباب من الكافي .

ص: 89

الاستبصار (1) عنه في الصحيح . وما رواه جمهور العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» . وفي رواية : «لم يحمل خبثا» (2) . ويؤيّدها الأخبار الواردة في تحديد الكرّ ، وستأتي . وربما استدلّ عليه بأنّ الإجماع واقع على التقدير ، والقول بالقُلّتين باطل ؛ لعدم صحّة الحديث الذي استدلّ به ، فإنّ الحنفيّة طعنوا فيه وقالوا : «إنّه مدني ، فلو كان صحيحا لعرفه مالك» (3) ، وعلى تقدير الصحّة أمكن حمل القلّتين فيه على الكرّ ، وقد حمل عليه ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال : «إذا كان الماء قدر قُلّتين لم ينجّسه شيء ، والقلّتان جرّتان» (4) . ويؤيّده ما نقل عن ابن دريد (5) من أنّه قال : «القُلّة من قُلل الجرّ عظيمة تسع خمس قرب» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 ، ح 1317 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 22 ، ح 54 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 162 ، ح 402 .
2- .. عوالي اللآلي ، ج 2 ، ص 15 ، ح 30 . ولم أجد بهذا اللفظ في مصادر العامّة ، نعم ورد بلفظ : «إذا كان الماء قدر قلّتين لم يحمل خبثا» في : صحيح الترمذي ، ج 1 ، ص 97 ، ح 67 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 12 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 46 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 17 ، ح 63 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 14 و15 ، ح 2 و3 ؛ وص 16 ، ح 7 و8 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 261 .
3- .. حكاه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 28 . ولاحظ : بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 72 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، 71 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 159 ؛ تفسير القرطبي ، ج 13 ، ص 42 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 6 ، ح 3 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 7 ، ح 6 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1309 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 166 ، ح 415 .
5- .. أبوبكر محمّد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري من أئمّة اللغة والأدب ، قيل فيه : إنّه أشعر العلماء وأعلم الشعراء ، ولد بالبصرة سنة (223 ه ق) وقرأ على علمائها ، وانتقل إلى عمّان ، وأقام بها اثني عشر عاما ، وعاد إلى البصرة ، ثمّ رحل إلى نواحي فارس ، فسكنها مدّة ، ثمّ قدم بغداد، فأقام بها إلى أن مات بها في سنة (321 ه ق) . من تصانيفه : الاشتقاق ، الأمالي ، تقويم اللسان ، الجمهرة في اللغة ، ذخائر الحكمة ، المقصور والممدود ، المجتنى ، الوشّاح . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 96 _ 98 ؛ الرقم 56 ؛ وفيّات الأعيان ، ج 4 ، ص 323 ، الرقم 637 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 284 _ 285 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 6 ، ص 80 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 9 ، ص 189 .
6- .. جمهرة اللغة ، ج 3 ، ص 165 .

ص: 90

وما سبق من أنّ القلّة ما يقلّه بعير ، وكأنّه لذلك سمّيت الحياض التي في الحمّامات بالقلّتين ، وربما حمل على التقيّة ، وكذا الأقوال الباقية ممّا عدا الكرّ ضعيفة ؛ لعدم استنادها إلى مستند يعتدّ به ، فيبقى الكرّ معتمدا عليه ؛ لثبوت روايته من الطريقين ، هذا . وذهب شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة والسلّار على ما حكي عنه من مياه الحياض والأواني وغيرهما ، وذهبا إلى أنّ الكرّ منهما كالقليل ينجّس بالملاقاة (1) . وحكى في المختلف أنّهما احتجّا بعموم النهي عن استعمال ماء الأواني مع نجاستها (2) . وهو كماترى ، ولبُعد ذلك . قيل : مرادهما بالكثرة الإضافيّة العرفيّة ، وبالحياض والأواني التي تتّخذ من الجلود لسقي الدوابّ ممّا لم تسع الكرّ (3) ، وكلام المقنعة آبٍ عنه . واعتبر أبوحنيفة في نجاسة الكثير تيقّن حصول النجاسة أو غلبة الظنّ بذلك تغيّر أو لا ، على ما حكى عنه في الناصريّات (4) ، وكأنّ هذا كان قولاً ثانيا ، وإلّا فقد سبق أنّه قد فرّق بين القليل والكثير . ثمّ إنّ النصوصَ الدالّة على اعتبار الكثرة وكلامَ الأكثر خاليةٌ عن التقييد بتساوي السطوح ، بل ظاهرهما تقوّي كلّ من العالي والسافل بالآخر مع صدق الوحدة عرفا ، واعتبر بعضهم التساوي ، وقيل : الأسفل يتقوّى بالأعلى ، وإلّا لزم أن ينجّس كلّ ماء يكون تحت النجاسة من الماء المنحدر وإن كان نهرا عظيما ، وهذا ممّا لم يقل به أحد ، ولا عكس ؛ لأنّ الأعلى والأسفل لو اتّحدا في الحكم، لزم تنجّس كلّ أعلى قليلٍ متّصلٍ

.


1- .. المقنعة ، ص 64 ؛ المراسم ، ص 36 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 176 ، آخر الفصل الثاني من كتاب الطهارة .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 53 ؛ مشرق الشمسين ، ص 383 .
4- .. الناصريّات ، ص 68 _ 69 .

ص: 91

بأسفل نجس ، وهو معلوم البطلان . ويرد على الأوّل أنّ اللازم من عدم تقوّي الأسفل بالأعلى إنّما هو تنجّس ما تحت النجاسة إذا كان قليلاً ؛ لاستثناء الكثير منه بالنصّ والإجماع ، وفساد ذلك ليس مجمعا عليه ، بل هو المتنازع فيه . وعلى الثاني أنّه قد انعقد الإجماع على عدم سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى ، فهو أيضا مستثنى ممّا هو لازم من الاتّحاد المذكور . ولتطهير المتنجّس من كلّ من هذه المياه أقوال مختلفة ، أمّا المضاف ، فحكى الشهيد قدس سره فيه في الذكرى ثلاثة أقوال : أحدها ما حكاه عن الشيخ أنّه قال في المبسوط (1) بطهره بالامتزاج بالكثير المطلق بحيث يزول اسم المضاف ووصفه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، معلِّلين بأنّ المضاف إنّما يطهّر بوصول الكثير إلى كلّ جزء من أجزائه ، وحينئذٍ يُسلَب عنه اسمه ووصفه . وثانيها : ما حكاه عن العلّامة (2) من أنّه يطهر بالامتزاج بالكثير المطلق بحيث يزول عنه الاسم وإن بقي الوصف بناء على أنّ بقاء الوصف لاينافي الإطلاق ، كما أنّ حدوثه لاينافي هذا ، فإنّه إذا طرح قليل من ماء الورد في كثير مطلق يطيّبه ويشمّ منه رائحة ماء الورد ، ولايسمّى بذلك . وثالثها : ما حكاه أيضا عن العلّامة ، وهو طهره بمجرّد الاتّصال بالكثير المطلق أو الجاري وإن بقي الاسم والوصف كالقليل من المطلق (3) . وبه قال في المنتهى والقواعد ، بل ظاهره فيهما ذلك ، وإن صار الكثير أيضا مضافا ، فقد قال في المنتهى :

.


1- .. المبسوط، ج 1، ص 5.
2- .. تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 34؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 240.
3- .. الذكرى ، ج 1، ص 74-75 .

ص: 92

والطريق إلى تطهيره يعنى المضاف إلقاء كرّ فما زاد عليه من الماء المطلق ، لأنّ بلوغ الكرّيّة سبب لعدم الانفعال عن الملاقي وقد مازجه المضاف فاستهلكه فلم يكن مؤثّرا في تنجيسه؛ [ لوجود السبب ] ، ولا يمكن الإشارة إلى عين (1) نجسة ، فوجب الجزم بطهارة الجميع (2) . ثمّ قال : «ولو سلبه المضاف إطلاق الاسم ؛ فالأقوى حصول الطهارة وارتفاع الطهوريّة» (3) . وفي القواعد في فصل المضاف : «لو نجس المضاف ثمّ امتزج بالمطلق الكثير ، فتغيّر أحد أوصافه ، فالمطلق على طهارته ، فإن سلبه الإطلاق خرج عن كونه مطهّرا لا طاهرا» (4) . وفي فصل تطهير المياه النجسة : «والمضاف بإلقاء كرّ دفعة وإن بقي التغيّر ما لم يسلبه الإطلاق ، فيخرج عن الطهوريّة ، أو يكن التغيّر بالنجاسة فيخرج عن الطهارة» (5) . وحكى الشهيد الثاني في شرح اللمعة عنه في بحث الأطعمة والأشربة ؛ أنّه قال : «في قول بطهارة الدهن النجس إذا صُبّ في الكثير وضُرب فيه حتّى اختلطت أجزاؤه به واجتمعت بعد ذلك على وجهه ، ولبعض أنواع المضاف مطهّر غير ما ذكر» (6) . ففي الذكرى : أمّا الخمر ومشتدّ العصير فبالخليّة ، ويختصّ العصير بذهاب الثلثين ؛ للخبر ، والأقرب في النبيذ المساواة لثبوت تسميته خمرا ولو قلنا بنجاسة عصير التمر بالاشتداد ، فالأشبه أنّه كالعنب ، أمّا غليان القدر فغير مطهّر ، وإن كانت النجاسة دما في الأحوط ،

.


1- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 187 .
2- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «غير» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 127 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 128 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 185 .
6- .. شرح اللمعة ، ج 7 ، ص 333 .

ص: 93

والمشهور الطهارة مع قلّة الدم ؛ للخبر عن الصادق (1) والرضا عليهماالسلام (2) صحّحه بعض الأصحاب ، وطعن فيه الفاضل رحمه اللهفي المختلف لجهالة بعض رواته (3) ، ويندفع بالمقبوليّة ، ونسبه ابن إدريس إلى الشذوذ مع اشتهاره ، وإلى مخالفة الأصل من طهارة غير العصير بالغليان (4) ، وهي مصادرة . والخبر معلّل بأنّ النار تأكل الدم [ ففيه إيماء إلى مساواة العصير في الطهارة بالغليان ] ، ولجريانه مجرى دم اللحم الذي لايكاد ينفكّ [ منه ] ، والحمل على دم طاهر بعيد. انتهى (5) . وأمّا الجاري ، فالمشهور طهره بزوال التغيّر كيفما اتّفق ؛ لأنّ الموجب لنجاسته إنّما هو التغيّر ، فتزول بزواله ، ونسب في شرح اللمعة إيجاب ملاقاته الكرّ مع ذلك إلى العلّامة ، كما نسب إليه انفعاله بمجرّد الملاقاة (6) . وأمّا الراكد ، فالمشهور أنّه إنّما يطهّر بلقاء الكرّ إن كان قليلاً غير متغيّر بالنجاسة ، أو مع زوال التغيّر إن كان متغيّرا ، قليلاً كان أو كثيرا ، واكتفوا في اللقاء باتّصاله به ولو باُنبوبة ؛ محتجّين عليه بعموم قوله عليه السلام : «إذا كان الماء كرّا لم يحمل خبثا» . وفيه نظر ، فإنّ المتبادر منه أنّه يدفع الخبث عن نفسه إذا ورد عليه ذلك الخبث بعد بلوغ الكرّيّة ، وحكاه ابن الأثير في النهاية عن قول ، فقد قال : «وقيل : معنى لم يحمل خبثا أنّه يدفعه عن نفسه كما يقال : فلان لايحمل الضيم ، إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه» (7) .

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 252 .
2- .. الكافي ، ج 6 ، ص 235 ، باب الدم يقع في القدر ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 3 ، ص 342 ، ح 4211 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 196 _ 197 ، ح 30331 .
3- .. الكافي ، ج 6 ، ص 422 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 119 ، ح 512 ؛ وج 1 ، ص 279 ، ح 820 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 94 ، ح 393 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 470 ، ح 4204 ؛ وج 25 ، ص 358 ، ح 32119 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 8 ، ص 330 .
5- .. السرائر ، ج 3 ، ص 120 _ 121 .
6- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 75 .
7- .. النهاية ، ج 1 ، ص 426 (حمل) .

ص: 94

ويؤيّد هذا المعنى قولهم عليهم السلام : «لم ينجّسه شيء» . وكأنّ احتجاجهم بذلك مبنيّ على ما ذكره صاحب القاموس من قوله : «وحمل الخَبَث : أظهره» (1) . وصاحب النهاية ؛ حيث قال : «إذا كان الماء قُلّتين لم يحمل خبثا ، أي لم يظهره ولم يغلب الخبث عليه ، من قولهم : فلان لايحمل غضبه ؛ أي لايظهره» (2) . و[ أيضا احتجاجهم مبنيّ ] [ على ] ما نقل عن مجمل اللغة أنّه قال : «وحكى ناس أنّ قوله صلى الله عليه و آله : إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا ، إنّما أراد : لم يظهر فيه [ الخبث ] » (3) . فإنّ عدم ظهور النجاسة فيه شامل لما كان ورود النجاسة قبل بلوغ الكرّيّة ، بل ظاهره ذلك ، ولذلك بالغ ؛ حيث قال بطهره بإتمامه كرّا من طاهرٍ ، حكاه في المختلف (4) عن السيّد المرتضى (5) والسلّار (6) وابن البرّاج (7) وابن إدريس (8) وعن الشافعي (9) . ففيه : وهل يطهّر بإتمامه كرّا بماء طاهر ؟ ثمّ حكى القول بتطهيره بذلك عنهم ، وأفرط مَن قال بطهره بإتمامه كرّا ولو من نجس ، حكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب ، قال : «وإن كان مقدار الكرّ في موضعين [ طاهرا ]ونجسا، ثمّ جمع بينهما ؛ لم يزل عنهما حكم النجاسة ؛ لأنّه لا دليل عليه ، وفي أصحابنا مَن يقول : يزول ذلك للخبر » (10) . بل ظاهر العلّامة في المنتهى أنّ هذا هو قول السيّد ونظرائه ، فإنّه قال فيه :

.


1- .. النهاية ، ج 1 ، ص 426 (حمل) .
2- .. القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 362 (حمل) .
3- .. مجمل اللغة ، ج 1 ، ص 253 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 180 .
5- .. رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثانية ، ص 361 .
6- .. المراسم ، ص 36 .
7- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 23 .
8- .. السرائر ، ج 1 ، ص 63 .
9- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 7 .
10- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 7 .

ص: 95

وهل يطهّر بالإتمام ؟ الوجه أنّه لايطهّر ، سواء تمّم بنجس أو طاهر ، وتردّد في المبسوط ، وجزم المرتضى في المسائل الرسّيّة وابن البرّاج وابن إدريس بالتطهير ، وللشافعي في اجتماع القُلّتين من الماء النجس وجهان (1) . وهذا هو ظاهر استدلالاتهم أيضا على ما حكاها العلّامة رحمه الله في الكتابين من : أنّ السيّد المرتضى استدلّ بوجهين : الأوّل أنّ بلوغ الكرّيّة يوجب استهلاك النجاسة ، ولا فارق بين وقوعها فيه قبل البلوغ وبعده . والثاني : أنّه لو لم نحكم بالطهارة حينئذٍ لما حكم بطهارة الكثير إن اشتبه أنّ وقوع النجاسة فيه قبل البلوغ أو بعده ، والتالي باطل اتّفاقا ، فالمقدّم مثله (2) . وأنّ ابن إدريس احتجّ بوجوه : أحدها قوله عليه السلام : «إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا» 3 ، وادّعى التواتر فيه ، الثاني : عموم الماء في قوله تعالى : «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ » (3) ، والثالث : الإجماع (4) . والجواب عن الأوّل : وجود الفارق ، وهو القلّة والكثرة ، والنصوص الدالّة على أنّ القليل ينجّس بالملاقاة للنجاسة ، والكثير لاينجّس بها ، فإنّ ذلك يقتضي استهلاك النجاسة بالكثير دون القليل . وعن الثاني : منع الملازمة ؛ لأصالة الطهارة في الكثير الذي اشتبه وقوع النجاسة فيه ، ولما دلّ عموما على طهارة كلّ شيء حتّى يعلم أنّه نجس ، بخلاف المقدّم ، فإنّ الأصل فيما علم نجاسته والاستصحاب يقتضي بقاء نجاسته حتّى يعلم زوالها . وعن الثالث : ما ذكر من أنّ المتبادر في المتعارفات من قوله عليه السلام : «إذا بلغ الماء كرّا

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 180 .
2- .. رسائل الشريف المرتضى ، ج 2 ، ص 361 _ 362 ، والمذكور هنا نقلٌ بالمعنى .
3- .. الأنفال (8) : 11 .
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 63 _ 66 . وفي المذكور هنا تلخيص ونقل بالمعنى .

ص: 96

لم يحمل خبثا» ، عدم قبول الماء إيّاه بعد ما اتّصف بكونه كرّا . وعن الخامس : أنّ دعوى الإجماع لايسمع في محلّ النزاع ، فهو دعوى غير محرّر (1) . وبالجملة ؛ استصحاب بقاء النجاسة إنّما يزول بدليل قطعي على زوالها ، وإذ ليس فليس ، بل الظاهر عدم كفاية مجرّد اتّصاله بالكرّ ونحوه ، بل وجوب امتزاجه بالكرّ أو الجاري أو ماء المطر بحيث يستهلك الماء النجس ، ولايتميّز عن ماء الكرّ ونظيرَيه ؛ لما عرفت من اقتضاء استصحاب النجاسة دليلاً قطعيا على زوالها ، وقد انعقد إجماع أهل العلم على طُهره بما ذكرناه ، بخلاف ما عداه من مجرّد الاتّصال ، وإليه ذهب الشهيد في الذكرى حيث اعتبر الممازجة (2) . ولايرد أنّ ممازجة جميع الأجزاء لايتّفق ، واعتبار ممازجة بعضها دون بعض ، تحكّم . لإمكان الامتزاج بالمعنى الذي ذكرناه ، وغلبة وقوعه . ولعلّه قدس سره أراد ذلك المعنى من إلقاء الكرّ عليه دفعة ؛ حيث اعتبره في الدروس (3) ، فلايرد عليه ما اُورد من أنّه لامعنى للدفعة ؛ إذ لايتصوّر الحقيقة منها ، ولا دليل على العرفيّة . وأمّا ماء البئر ، فسيأتي طريق تطهيرها في بابها . الثالثة : في تحديد الكرّ ، وله طريقان في النصوص وكلام الأصحاب ، واختلفوا في كلّ منهما على مذاهب : الأوّل : تحديده بحسب المساحة ، والمشهور اعتبار ثلاثة أشبار ونصف في كلّ من الجهات الثلاث ، واستُدلّ عليه برواية الحسن بن صالح (4) ؛ بناء على أنّ المراد

.


1- .. هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 180 _ 181 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 66 _ 67 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 78 .
4- .. الدروس ، ج 1 ، ص 118 ، الدرس 17 .

ص: 97

بالعَرض فيها السعة الشاملة للطول أيضا كما ذُكر في مجمع البيان (1) في تفسير قوله تعالى : «عَرْضُهَا السَّمَ_وَ تُ وَالْأَرْضُ » (2) ، أو على أنّ تحديد العرض بما ذكر مستلزم لكون الطول أيضا كذلك ، ولايجوز أن يكون أقلّ منه ؛ وإلّا لم يكن العرض عرضا كما وجّهه بعض المحقّقين . أو على سقوط حدّ الطول من سهو النسّاخ أو بعض الرواة ، وهو أظهر كما يدلّ عليه ما روي في هذا الخبر في الاستبصار : عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح الثوري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء في الرّكيّ كرّا لم ينجّسه شيء» . قلت : وكم الكُرّ ؟ قال : «ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها» (3) . وبخبر أبيبصير (4) ؛ بناء على كون قوله عليه السلام : «في عمقه في الأَرض» خبرا آخر ل_«كان» ، فالمذكوران أوّلاً لبيان الطول والعرض ، وهذا لبيان العمق ، وأنّ السكوت عن قدره للحوالة على الأوّلين . والخبران وإن كانا ضعيفين بالحسن بن صالح الثوري ؛ فإنّه زيدي وإليه تُنسب الصالحيّة من الزيديّة ، والثاني بعثمان بن عيسى أيضا ؛ لما عرفت من حاله ، لكن الشهرة بين الأصحاب يُجبر ضعفهما . ثمّ المشهور حمل لفظة «في» (5) في الخبرين على الضرب ، وأنّه يعتبر المضروب من أشبار الجهات بعضها في بعض ؛ وهو اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر .

.


1- .. مجمع البيان ، ج 2 ، ص 391 ، القول الثالث في معنى العرض .
2- .. آل عمران (3) : 133 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 . ورواه أيضا في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ وهذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
4- .. هوالحديث الخامس من هذا الباب من الكافي هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الكرّ من الماء كم يكون قدره ؟ قال : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض ، فذلك الكرّ من الماء» .
5- .. كلمة «في» سقطت من نسخة «أ» ، وموجودة في «ب».

ص: 98

وعن القطب الراوندي رحمه الله : «أنّه ما بلغت أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا» (1) ؛ حملاً للفظة «في» على الجمع دون الضرب ، وهو قد يطابق المشهور إذا كان كلّ من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفا ، ويقرب منه تارة ويبعد عنه اُخرى ، وأبعد فروضه ما لو كان طوله عشرة ونصفا وكلّ من الباقين شبرا . واكتفى الصدوق رضى الله عنه (2) وأتباعه القمّيون بالثلاثة في الثلاث ؛ لخبر إسماعيل بن جابر ، وعدّه في المختلف أقوى (3) ، وكأنّ ذلك لصحّة مستنده بناء على إرادة عبداللّه من ابن سنان ، ويؤيّده أنّه رواه الشيخ في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة ؛ عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن البرقي ، عن عبداللّه بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، أولما ذكره قُبَيل ذلك من أنّ اعتبار الأرطال يقدّر به . وفيهما مناقشة ؛ أمّا الأوّل : فلما ذكره جدّي المحقّق المجلسي قدس سره في شرح الفقيه : «أنّه رواه أيضا الشيخ عن كتاب سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر» ، وقال : هذا هو الظاهر ؛ لكثرة رواية البرقي عنه ، والظاهر أنّ ذكر عبداللّه في السند الأوّل من سهو الشيخ أو محمّد بن أحمد ؛ بأن كان في النسخة «ابن سنان» فتوهّم أنّه عبداللّه ، فذكره بعنوان عبداللّه بقرينة رواية الكليني إيّاه بعنوان ابن سنان . (4) أقول : ويؤيّد كونه «محمّدا» ما ذكره ابن الغضائري في ترجمة محمّد بن خالد البرقي من أنّه يروي عن الضعفاء كثيرا (5) .

.


1- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 184 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 6 ؛ المقنع ، ص 10 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 184 .
4- .. روضة المتّقين ، ج 1 ، ص 37 ، أحكام المياه ، وفي المذكور هنا تلخيص.
5- .. حكاه عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 237 ، الرقم 15 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 171 ، الرقم 369 . وحكاه السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث ، ج 17 ، ص 72 ، الرقم 10715 .

ص: 99

وأمّا الثاني : فلما سيأتي عن قريب من أنّ ذلك القول في غاية البُعد عن اعتبارالأرطال ، وإن اعتبرت عراقيّة ، وأنّ القول المشهور أقرب إليه . وهناك خبر آخر صحيح بلا ريب يدلّ تكسيره على اعتبار ستّة وثلاثين شبرا ، وهو أقرب إلى الاعتبار أيضا ، فالقول به أظهر ، لكنّه لم ينقل عن أحد ، رواه الشيخ عن صفوان بن يحيى ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الماء الذي لاينجّسه شيء ؟ قال : «ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته» (1) . وفي شرح الفقيه : والأظهر في الجمع بين الأخبار أن نقول بقول القمّيين ، ونحمل الزيادة على الاستحباب لو لم نقل في الجميع به (2) ، ويمكن حمل خبر الذراعين على خبر القمّيين ، بأن يقال : المراد بالسعة القُطر ، ولهذا اكتفى بها عن العرض والطول ، فإنّه بالنسبة إلى الجميع على السواء ، وإذا كان القطر ذراعا ونصفا فنضرب نصف الثلاثة الأشبار (3) في نصف الدائرة ، وإذا كان القطر ثلاثة أشبار تكون الدائرة تسعة أشبار تقريبا (4) ، فإذا ضرب نصف القطر شبرا ونصفا في نصف الدائرة أربعة ونصف ، كان الحاصل ستّة أشبار وثلاثة أرباع شبر ، فإذا ضرب الحاصل في أربعة أشبار يصير سبعة وعشرين شبرا ، وهو [ حاصل ]مضروب الثلاثة في الثلاثة في الثلاثة ، فيحمل الخبر المشتمل على النصف الذي يحصل منه اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر على الاستحباب ، وهو أحسن من ردّ الخبرين . انتهى (5) . وعن ابن الجنيد : أنّه اعتبر تكسيره بنحو من مائة شبر (6) ، مع أنّه وافق المشهور في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 41 ، ح 114 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 10 ، ح 12 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 164 _ 165 ، ح 408 .
2- .. في المصدر : «بالاستحباب» .
3- .. في المصدر : «فيضرب نصف الثلاثة أشبار».
4- .. المصدر _ «تقريبا» .
5- .. روضة المتّقين ، ج 1 ، ص 40.
6- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ؛ والمعتبر ، ج 1 ، ص 45 .

ص: 100

اعتباره بالوزن من ألف ومائتي رطل ، وهما متضادّان كما ستعرف ، مع عدم استناده إلى مستند يوثق به ، واحتجّ له في المختلف بالاحتياط (1) ، وفيه أنّه معارض باحتياط آخر كما لايخفى . والثاني : تحديده بالوزن ، واتّفق الأصحاب على أنّه ألف ومائتا رطل ، لمرسلة ابن أبيعمير ، لكن اختلفوا في تفسير الرطل ؛ ففسّره الشيخان وأتباعهما بالعراقي ، وهو مائة وثلاثون درهما ، للجمع بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : «الكرّ ستّمائة رطل» . حملاًّ للستّمائة في هذه على الأرطال المكّيّة ؛ لأنّ الرطل المكّي ضِعف العراقي ، زاعمين أنّه عليه السلام أفتى بذلك في «مكّة» على اصطلاح أهلها ، ولأنّ الراوي أو المرسِل عراقي ، فأفتاه عليه السلام على لغته وعادة أهل بلده ، فإنّهم عليهم السلام كانوا يفتون الناس ويتكلّمونهم على قدر عقولهم وأفهامهم على ما يظهر من بعض الأخبار . أقول : وقد ورد في خصوص الأرطال ذلك فيما سبق من حديث الكلبي النسّابة ، وهو كان كوفيّا حيث أطلق عليه السلام أرطال الشنّ أوّلاً ، فلمّا استفسر الكلبي عنها فسّرها بالعراقي . وبذلك يندفع ما اُورد عليه من أنّ ابن أبيعمير ليس هو الراوي عن الإمام ، وإنّما روى عن بعض أصحابنا ، فإن كان «بعض أصحابنا» كلام الراوي السابق على ابن أبيعمير فظاهرٌ عدم دلالته على كون ذلك البعض عراقيا ، وإن كان كلام ابن أبيعمير أيضا لايدلّ عليه ؛ لأنّ صاحب الرجل أعمّ من أهل بلده ، بل الظاهر منه الموافق في المذهب مطلقا ، على أنّ الظاهر أنّهم عليهم السلام كانوا يفتون على اصطلاح بلدهم ، فتأمّل . وفسّره السيّد المرتضى (2) والصدوق (3) _ رضي اللّه عنهما _ بالمدني ، وهو مائة وخمسة وتسعون درهما ؛ لما ذكر من ظهور كون فتواهم عليهم السلام على اصطلاح بلدهم ، وقد عرفت

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 184 .
2- .. رسائل الشريف المرتضى ، ج 3 ، ص 22 .
3- .. راجع : الفقيه ، ج 1 ، ص 6 .

ص: 101

ما فيه . وعن السيّد ، أنّه احتجّ عليه بالاحتياط أيضا (1) . واُورد عليه بأنّ الاحتياط ليس دليلاً شرعيا ، مع أنّه معارَض بمثله . واعلم : أنّ بين التحديدين تفاضلاً كثيرا إلّا إذا حملت الأرطال على العراقيّة، واُضيف النصف إلى الثلاثة أشبار في الثلاثة ؛ لأنّه حينئذٍ على اعتبار الأرطال يكون وزن الكرّ ثمانية وستّين منّا وربع منٍّ بالمنّ الشاهي الجديد الذي وُضع على ألف ومائتي مثقال صَيرَفي هي ألف وستّمائة مثقال شرعي . بيان ذلك : أنّ الرطل العراقي على المشهور مئة وثلاثون درهما ، وقد ثبت أنّ عشرة دراهم في عهدهم عليهم السلام كانت على وزن سبعة من المثاقيل الشرعيّة وخمسة وربع من المثاقيل الصيرفيّة ؛ لأنّ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، فمجموع دراهم الأرطال _ أعني مائة وخمسين وستّة آلاف درهم _ يكون موازنا لمائة وتسعة آلاف ومائتي مثقال شرعي ، ولواحد وثمانين ألفا وتسعمائة مثقال صيرفي ، فإذا قسمت الأوّل على ألف وستّمائة عدد المثاقيل الشرعيّة (2) للمنّ الشاهي ، والثاني على ألف ومائتين عدد المثاقيل الصَيرفيّة له ؛ خرج ما ذكرناه . وإن حملت الأرطال على المدنيّة وكلّ رطل منها مائة وخمسة وتسعون درهما ؛ يصير وزن الكرّ مائة منٍّ ومَنّين وثلاثة أثمان مَنٍّ بالمنّ المذكور ؛ لأنّ كلّ رطل من أرطال الكرّ على ذلك مائة وستّة وثلاثون مثقالاً ونصف مثقال شرعي ومائة واثنان وثلاثة أثمان مثقال صيرفي ، فإذا حسبتَ مجموع دراهم الأرطال على الوجهين وقسمتَه على الوجه الأوّل على ألف وستّمائة (3) . وعلى الوجه الثاني على ألف ومائتين (4) يخرج ما ذكر .

.


1- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 185 .
2- .. قوله : «عدد المثاقيل الشرعيّة» مكرّرٌ في الأصل.
3- .. في الهامش : «عدد المثاقيل الشرعيّة للمنّ . منه» .
4- .. في الهامش : «عدد المثاقيل الصيرفيّة للمنّ . منه» .

ص: 102

وبوجهٍ أخصر نسبة عدد المثاقيل الصيرفيّة للمنّ الشاهي إلى المنّ كنسبة عدد أرطال الكرّ إلى الكرّ ، والرطل العراقي ثمانية وستّون مثقالاً وربع مثقال صيرفي ، والمدني منه مائة واثنان وثلاثة أثمان مثقال صيرفي ، فحينئذٍ يكون الكرّ على الأرطال العراقيّة ثمانية وستّين مَنّا وربع منّ شاهي ، وعلى المدنيّة مائة منّ ومنّين وثلاثة أثمان منّ . وقد قال خالي المحقّق المجلسي شيخ الإسلام والمسلمين محمّد المدعوّ باقِرَ العلوم _ مدّ ظله السامي _ في رسالته في الأوزان والمقادير : «إنّ الماء الذي يكون شبرا في شبر في شبر بشبر أوساط الناس في زماننا هذا على وزن ألفين وثلاثمائة وثلاثة وأربعين مثقالاً صيرفيا» (1) . وعلى ما ذكره يكون الكرّ على مذهب القمّيين ثلاثة وستّين ألفا ومائتين وواحدا وستّين مثقالاً صيرفيا ، وبالمنّ الشاهي اثنين وخمسين منّا ونصف منّ وواحدا ومئتين وستّين مثقالاً صيرفيا ، وهذا في غاية النقص عن تحديده بالأرطال المدنيّة ، وينقص عنه على اعتبار العراقيّة بنحو من اثني عشر منّا ، وعلى القول المشهور مائة ألف وأربعمائة وثمانية وخمسين مثقالاً وثُمن مثقال صيرفي ، وبالمنّ الشاهي ثلاثة وثمانين منّا ونصف منّ وثمانية وخمسين مثقالاً وثمن مثقال ، وهو زائد بكثير عن حدّه بالأرطال العراقيّة ، وناقص عنه كذلك على اعتبار المدنيّة . وعلى ما مرّ من خبر صفوان ، عن إسماعيل بن جابر سبعين منّا وربع منٍّ وثمانية وأربعين مثقالاً صيرفيا ، وهو أربعة وثمانون ألفا وثلاثمائة وثمانية وأربعون مثقالاً صيرفيا ، وهو أقرب الاعتبارات لغاية قربه من اعتبار الأرطال العراقيّة ، وصحّة سنده . والظاهر أنّ التفاوت القليل الذي بينهما باعتبار اختلاف أوزان المياه . ثمّ الأرجح بعده قول القمّيين ؛ لظهور صحّة مستنده ، وإمكان تطبيقه على العراقيّة

.


1- .. لم أعثر عليها ، وهذا القول حكاه الشيخ البهائي قدس سره في مشرق الشمسين، ص 385 عن بعض المحقّقين .

ص: 103

بجعل التفاوت المذكور بينهما ناشئا عن تفاوت الأشبار قديما وحديثا ، أو عن اختلاف أوزان المياه أيضا . [قوله] : (محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان) . [ ح 1/3807 ] لقد اشتهر بين الأصحاب صحّة هذا الخبر وأمثاله ، وكأنّهم زعموا أنّ محمّد بن إسماعيل فيه هو ابن بزيع الذي صرّحوا جميعا بتوثيقه (1) . أو محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي المعروف بصاحب الصومعة الذي وثّقه النجاشي (2) ، ورجّح توثيقه في الخلاصة (3) ، وإن ضعّفه [ ابن ]الغضائري (4) . أو محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني الموثّق عند الجميع (5) . وكلّ ذلك في غاية البُعد ، أمّا الأوّل ؛ فلأنّ المصنّف كثيرا ما يروي عنه بواسطتين إمّا عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، أو عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عنه . وقد يروي عنه بوسائط ، فقد روى في باب الركوع عن الحسين بن [ محمّد، عن ] عبداللّه بن عامر ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : رأيت أباالحسن عليه السلام يركع ركوعا أخفض من ركوع كلّ من رأيته ، كان إذا ركع جَنَّح بيديه (6) . وبهذا السند في باب السجود أيضا (7) . ولأنّه من أصحاب موسى بن جعفر وعليّ بن موسى عليهم السلام ، لما ذكره الكشّي رحمه اللهمن أنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع من رجال موسى عليه السلام ، وأدرك أباجعفر الثاني عليه السلام (8) ،

.


1- .. اُنظر: رجال النجاشي ، ص 330 _ 332 ، الرقم 893 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 15 ، ص 95 _102 ، الرقم 10246 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 341 ، الرقم 915 .
3- .. خلاصة الأقوال ، ص 257 _ 258 ، الرقم 89 .
4- .. حكاه عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 258 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 165 ، الرقم 1313 .
5- .. اُنظر: رجال النجاشي ، ص 345 _ 346 ، الرقم 933 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 15 ، ص 107 ، الرقم 10260 .
6- .. الكافي ، ج 3 ، ص 330 ، ح 5 .
7- .. الكافي ، ج 3 ، ص 322 ، ح 3 .
8- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 836 ، ح 1066 ، وفيه : «أدرك موسى بن جعفر عليهماالسلام» ، وذكر له رواية عن أبيجعفر عليه السلام .

ص: 104

ولروايته عن الرضا عليه السلام فيما رواه الصدوق في العيون [ عن أبيه ، ]عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن موسى بن عمر ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : رأيت على أبيالحسن الرضا عليه السلام وهو مُحرِم خاتما (1) . فيبعد رواية المصنّف عنه بغير واسطة، ويبعد أيضا روايته عن أبيعبداللّه عليه السلام بتلك الوسائط المذكورة في الكتاب . ولأنّ الفضل بن شاذان كثيرا ما يروي عن ابن بزيع ، فيبعد التعاكس . وكذا الأخيران ، للقائهما أصحاب أبيعبداللّه عليه السلام ، وبُعد المصنّف عنهم بمراتب . والظاهر أنّه محمّد بن إسماعيل البندقي النيشابوري ، فإنّ الفضل بن شاذان كان نيشابوريا ، ويؤيّده أنّ الكشّي رحمه الله حكى أحوال الفضل عنه ، قال في ترجمة الفضل : ذكر أبوالحسن محمّد بن إسماعيل البندقي أنّ الفضل بن شاذان نفاه عبداللّه بن طاهر من نيشابور (2) ، الخبر . وهو مجهول . [قوله] : (عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى) . [ ح 2/3808 ] هذه العدّة مشتملة على الصحيح ، وكذا كلّ ما روت عن أحمد بن محمّد بن خالد ، أو عن سهل بن زياد ؛ لما حكى بعضُ أصحاب الرجال عن المصنّف قدس سره أنّه قال : كلّما قلت في كتابي الكافي : «عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى» ؛ فالمراد بقولي «عدّة» : محمّد بن يحيى العطّار ، وعليّ بن موسى الكمنداني ، وداوود بن كورة ، وأحمد بن إدريس ، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم ، وكلّما قلت في كتابي المشار إليه : «عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد» ؛ فهم : عليّ بن إبراهيم ، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة ، وأحمد بن عبداللّه بن اُذينة ، وعليّ بن الحسن ، وكلّما ذكرت في كتابي المشار إليه : «عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد» ، فهم : عليّ بن محمّد بن علاّن ، ومحمّد بن أبيعبداللّه ، ومحمّد بن الحسن ، ومحمّد بن عقيل الكليني ،

.


1- .. عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 20 ، الباب 30 ، ما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار المنثورة ، ح 41 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 818 ، الرقم 1024 .

ص: 105

ومحمّد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن إدريس ، وعليّ بن إبراهيم 1 . في الاُولى ثقات ، ولايضرّ دخول عليّ بن موسى وداوود المجهولين 2 . وكذا الثانية صحيحة بعليّ بن إبراهيم ، ولايضرّ دخول عليّ بن محمّد بن عبداللّه [ بن ]اُذينة وعمّه المجهولين ، ولاشتراك عليّ بن الحسين بين ثقة غير إمامي ومجهول . والظاهر أنّ محمّد بن أبيعبداللّه في الثالثة هو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي الكوفي ساكن الريّ ، وهو ثقة كما صرّح به الشيخ في الفهرست (1) ، وكذا الظاهر أنّ محمّد بن الحسن فيها هو محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبوجعفر شيخ القمّيّين الثقة ، ويقال : إنّه كان نزيل قُمَّ وما كان أصله منها (2) ، فلايضرّ جهالة الآخرين . [قوله] : (عن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا) . [ ح 6/3812 ] قد اشتهر أنّ مراسيل ابن أبيعمير كالصحيح ، وأنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ؛ زعما منهم أنّه لغاية ديانته لايرسل عن غير ثقة إمامي . واُورد عليه بأنّ ديانته إنّما يقتضي الإرسال عمّن هو ثقة بزعمه ، وربما كان غالطا في ذلك ، وعلى أيّ حال فالخبر مجهول لوجود محمّد بن أحمد في طريقه ، وهو محمّد

.


1- .. الفهرست ، ص 229 _ 230 ، الرقم 660 ، ولم يذكر له توثيق ، نعم وثّقه النجاشي في رجاله ، ج 1 ، ص 373 ، الرقم 1020 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 383 ، الرقم 1042 .

ص: 106

بن أحمد العلوي على ما ذكره المحقّق الاسترآبادي في رجاله ، وقيّد _ طاب ثراه _ أباه أحمد بابن إسماعيل ولم يذكر حاله . (1) [قوله] : (عن ابن سنان) . [ ح 7/3813 ] يحتمل عبداللّه ؛ وهو من أجلّة الثقات من الأصحاب ، فالخبر صحيح ، ويحتمل أخاه محمّدا ؛ وهو مجهول الحال ، وقد يقال : إنّه من الغلاة والكذّابين محتجّا بما قاله [ ابن ]الغضائري : «إنّه ضعيف غالٍ» (2) ، وبما قاله الفضل بن شاذان : «إنّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان ، وليس بعبداللّه » (3) . وربما نسب توثيقه إلى الشيخ المفيد قدس سره وأنّه قال في الإرشاد : «إنّ محمّد بن سنان ممّن روى النصّ على الرضا من أبيه عليهماالسلام ، وإنّه من خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته » (4) . وأظنّ أنّ التضعيف الصادر عن الغضائري والفضل ، والتوثيق الوارد عن الشيخ المفيد إنّما هو في شأن محمّد بن سنان آخر وهو الزاهري من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام على ما ذكره [ ابن ] الغضائري ، وهو محمّد بن الحسن بن سنان على ما ذكره النجاشي ، قال : محمّد بن سنان أبوجعفر الزاهري من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي ، كان أبوعبداللّه بن عيّاش يقول : حدّثنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان ، قال : هو محمّد بن الحسن بن سنان مولى زاهر ، توفّي أبوه الحسن وهو طفل ، وكفّله جدّه سنان فنُسب إليه (5) .

.


1- .. هذا القسم من رجاله منهج المقال غير مطبوع .
2- .. عنه العلّامة الحلّي في خلاصة الأقوال ، ص 394 ، الرقم 17 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 174 ، الرقم 1405 ؛ والقهبائي في مجمع الرجال ، ج 5 ، ص 229 .
3- .. عنه الكشّي في اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 ، الرقم 978 ؛ والعلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 394 ، الرقم 17 .
4- .. الإرشاد ، ج 2 ، ص 247 _ 248 .
5- .. رجال النجاشي ، ص 328 ، الرقم 888 .

ص: 107

وقد اختلفت الأخبار والأقوال فيه ، وضعّفه الأكثر ، فقال النجاشي : «قال أبوالعبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد : إنّه روى عن الرضا عليه السلام » . قال : «وله عنه مسائل معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّا لايُعوَّل عليه ، ولايُلتفت إلى ما تفرّد به » (1) . وقال [ ابن ]الغضائري : «محمّد بن سنان أبوجعفر الهمداني ، هذا أصحّ ما ينتسب إليه ، ضعيفٌ غالٍ ، لايُلتفت إليه » (2) . وقال الكشّي : «قال أبوالحسن عليّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري : قال أبومحمّد الفضل بن شاذان : لا اُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان [ عنّي ما دمتُ حيّا ] » (3) . وذكر : أنّه وجد بخط أبيعبداللّه الشاذاني : أنّي سمعت العاصمي يقول : إنّ عبداللّه بن محمّد بن عيسى الملقّب بِبَنان قال : كنت مع صفوان بن يحيى في الكوفة في منزلٍ ، إذ دخل علينا محمّد بن سنان ، فقال صفوان : إنّ هذا ابن سنان لقد هَمَّ أن يطير غير مرّة ، فقصصناه حتّى ثبت معنا (4) . وإنّما وثّقه المفيد ؛ لما رواه الكشّي بإسناده عن محمّد بن سنان ، قال : دخلت على أبيالحسن موسى عليه السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسَنَة ، وعليّ عليه السلام ابنه بين يديه ، فقال لي : «يا محمّد» ، قلت : لبّيك . قال : «إنّه سيكون في هذه السنة حركة ، ولانخرج منها» . ثمّ أطرق ونكت في الأرض بيده ، ثمّ رفع رأسه إلَيَّ ويقول : «ويُضِلُّ اللّهُ الظالِمينَ وَيَفعَلُ اللّهُ ما يَشاء» . قلت : وما ذاك جُعلتُ فداك ؟ قال : «مَن ظلَم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 328 ، الرقم 888 .
2- .. عنه القهبائي في مجمع الرجال ، ج 5 ، ص 229 ؛ والتفرشي في نقد الرجال ، ج 4 ، ص 224 . وانظر: معجم رجال الحديث ، ج 17 ، ص 168 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 ، ح 979 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 ، ح 980 .

ص: 108

كان كمن ظلم عليّ بن أبيطالب حقّه وجحد إمامته من بعد محمّد صلى الله عليه و آله » . فعلمت أنّه قد نَعى إليَّ نفسَه ، ودَلّ على ابنه ، فقلت : واللّه لئن مدّ اللّه في عمري لاُسلّمنّ إليه حقّه ، ولَاُقِرَّنَّ له بالإمامة ، وأشهد أنّه من بعدك حجّة اللّه على خلقه والداعي إلى دينه . فقال : «يا محمّد ، يمدّ اللّه في عمرك وتدعو إلى إمامته وإمامة من يقوم مقامه من بعده» . فقلت : ومَن ذاك ؟ قال : «محمّد ابنه» . قلت: بالرضا والتسليم. فقال: «نعم، كذلك وجدتك في صحيفة أميرالمؤمنين عليه السلام ، أما إنّك في شيعتنا أبيَن من البرق في الليلة الظَلماء» . ثمّ قال : «يا محمّد ، إنّ المفضّل اُنسي ومستراحي ، وأنت اُنسهما ومستراحهما ، حرام على النار أن تمسّك أبدا» . يعني أباالحسن وأباجعفر عليهماالسلام . (1) وروى في ترجمة صفوان بن يحيى بإسناده عن رجل ، عن عليّ بن الحسين بن داوود القمّي ، قال : سمعت أباجعفر الثاني عليه السلام يذكر صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان بخير ، وقال : «رضي اللّه عنهما برضاي عنهما ، فما خالفاني قطّ ، وما خالفا أبي عليه السلام قطّ» ، هذا بعد ما جاء عنه فيهما ما قد سمعته من أصحابنا . (2) وبسند آخر عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن رجل ، عن عليّ بن الحسين بن داوود القمّي ، مثله ، إلّا أنّه قال في آخره : «هذا بعد ما جاء فيهما ما قد سمعه غير واحد» . (3) وفي ترجمة زكريّا بن آدم : عن أبيطالب عبداللّه بن الصلت ، قال : دخلت على أبيجعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره ، فسمعته يقول : «جزى اللّه صفوان بن يحيى

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 _ 797 ، ح 981 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 792 ، ح 962 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 793 ، ح 966 .

ص: 109

[ باب ] الماء الذي [ تكون ] فيه قلّة ، والماء الذي فيه الجيف و

ومحمّد بن سنان وزكريّا بن آدم عنّي خيرا ، فقد وافوا لي» ، ولم يذكر سعد بن سعد ، قال : فخرجت فلقيت موفّقا وقلت له : إنّ مولاي ذكر صفوان ومحمّد بن سنان وزكريّا بن آدم وجزّاهم خيرا ولم يذكر سعد بن سعد ، قال : فعدت إليه فقال : «جزى اللّه صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريّا بن آدم وسعد بن سعد عنّي خيرا ، فقد وافوا لي» . (1) ويظهر من بعض الأخبار ذَمُّه في وقت ومدحُه في وقت آخر بعده ، رواه الكشّي عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع _ وفي الطريق أحمد بن هلال _ : أنّ أباجعفر عليه السلام لعن صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان ، فقال : «إنّهما خالفا أمري» . قال : فلمّا كان من قابلٍ قال أبوجعفر عليه السلام لمحمّد بن سهل البحراني : «تولّ صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان ، فقد رضيت عنهما» . (2) ونعم ما قال المحقّق الإسترآبادي : «طرق المدح غير نقيّة ، فالأولى عدم الاعتماد عليه» . (3)

[ باب ] الماء الذي [ تكون ] فيه قلّة ، والماء الذي فيه الجيف ، والرجل يأتي الماء ويده قذرةاتّفق الأصحاب _ عدا الحسن بن أبيعقيل (4) وبعض المتأخّرين _ على أنّ الماء القليل ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة ، ونسبه في المنتهى إلى ابن عمر (5) وسعيد بن جبير

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 792 ، ح 963 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 793 ، ح 964 .
3- .. هذا القسم من كتابه منهج المقال غير مطبوع .
4- .. أبومحمّد الحسن بن أبيعقيل العمّاني الحذّاء ، فقيه ، متكلّم ، شيخ جعفر بن قولويه ، وللفقهاء مزيد اعتبار بنقل أقواله وضبط فتاواه ، وهو أوّل من هذّب الفقه ، واستعمل النظر ، وفتق البحث عن الاُصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى ، وكتابه «المستمسك بحبل آل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم» . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ص 199 ؛ الذريعة ، ج 2 ، ص 400 ، الرقم 1607 ؛ وج 17 ، ص 280 ، الرقم 287 .
5- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 70 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 71 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 36 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 113 .

ص: 110

ومجاهد وإسحاق (1) وأبيحنيفة وأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد ، ولم يفرّق ابن أبيعقيل ومن قال بقوله بينه وبين الكثير في عدم التأثّر بالنجاسة إلّا بالتغيّر بها ، وهو محكيّ في المنتهى عن قول آخر للشافعي ، ورواية اُخرى عن أحمد ، وعن مالك وابن عبّاس وسعيد بن المسيّب وابن أبيليلى وجماعة اُخرى منهم (2) . ويدلّ على الأوّل مفهوم الأخبار الواردة في اعتبار الكرّ ، وقد سبقت . وما دلّ على نجاسة سؤر نجس العين ويأتي في محلّه . وما رواه المصنّف عن صفوان بن مهران الجمّال (3) . (4) وما رواه الشيخ عن عمّار بن موسى الساباطي أنّه سأل أباعبدا للّه عليه السلام عن الرجل يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الإناء مرارا وغسل منه ثيابه واغتسل منه ، وقد كانت الفأرة متسلّخة (5) . فقال : «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة ، وإن كان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله ، فلا يمسّ من الماء شيئا ، وليس عليه شيء ؛ لأنّه لايعلم متى سقطت فيه» . ثمّ قال : «لعلّه إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها» . (6)

.


1- .. إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي ، نزيل نيسابور وعالمها ، المعروف بابن راهويه ، سمع من ابن المبارك وفضيل بن عياض ، وأخذ عنه أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي ، ولد سنة 166 ، وقيل : سنة 161 ، وتوفّي سنة 238 . راجع : تاريخ بغداد ، ج 1 ، ص 343 ، الرقم 3381 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 8 ، ص 119 ، الرقم 617 ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 3 ، ص 34 (الراهويي) ؛ تهذيب الكمال ، ج 2 ، ص 372 ، الرقم 332 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 11 ، ص 358 ، الرقم 79 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 43 _ 46 .
3- .. وهو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي .
4- .. كتب في الهامش : «حيث استفسر عليه السلام عن مقدار الماء ، ولو كان المعتبر هو التغيّر وعدمه ، لاستفسر عنهما . منه» .
5- .. في الاستبصار : «متفسّخة» .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 20 ، ح 26 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص 418 _ 419 ، ح 1322 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 _ 33 ، ح 86 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 142 ، ح 350 .

ص: 111

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ ، فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصحّ الوضوء منه ؟ قال : «لا» (1) . وفي الصحيح عن ابن سنان _ بناء على أنّه عبداللّه _ عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يجعل الركوة (2) أو التَور (3) فيدخل إصبعه فيه ، قال : «إن كانت يده قذرة فليهرقه ، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه ، هذا ممّا قال اللّه عزّ وجلّ : «وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » (4) » . (5) وعن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن جرّة وجد فيها خنفساء (6) قد مات ، قال : «ألقه وتوضّأ منه ، وإن كان عقربا فأرِق الماء وتوضّأ من ماء غيره» . وعن رجل معه إناءان فيهما ماء ، فوقع في أحدهما قذر لايدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره ، قال : «يهريقهما ويتيمّم» . (7) وفي الموثّق عن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في رجل معه إناءان [ فيهما ماء ]، فوقع في أحدهما قذر ولايدري أيّهما هو ، [ وليس يقدر على ماء غيره ] . قال : «يهريقهما [ جميعا ]ويتيمّم» . (8)

.


1- .. هو الحديث 16 من باب النوادر من كتاب الطهارة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 _ 151 ، ح 375 ؛ وج 3 ، ص 527 _ 528 ، ح 4367 .
2- .. الركوة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء ، والجمع ركاء . النهاية ، ج 2 ، ص 261 (ركا) .
3- .. التَور : إناء صغير من صُفر أو حجارة ، كالإجّانة تشرب العرب فيه ، وقد تتوضّأ منه . لسان العرب ، ج 4 ، ص 96 (تور) .
4- .. الحج (22) : 78 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 37 ، ح 100 ؛ وص 229 ، ح 661 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 20 ، ح 46 .
6- .. الخُنْفَساء : دُويبّة سوداء وهي أصغر من الجعل ، منتنة الريح ، يضرب بها المثل في اللجاجة . مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 707 (خنفس) .
7- .. هو الحديث 6 من باب الوضوء من سؤر الدوابّ من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 48 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 229 ، ح 662 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 240 ، ح 620 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 248 ، ح 712 ؛ وص 407 ، ح 1281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 155 ، ح 388 .

ص: 112

وفي الحسن عن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة ، قال : «يكفَأ الإناء» . (1) وعن سعيد الأعرج ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الجرّة تسعمائة رطل ، تقع فيها أوقية من دم ، أشرب منه وأتوضّأ ؟ قال : «لا» . (2) وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «إذا أصابت الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس إن لم يكن أصاب يده شيء من المنيّ» . (3) وفي موثّق آخر عنه (4) مضمرا ، قال : سألته عن الرجل يمسّ الطست أو الركوة ، ثمّ يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفّيه ، قال : «يهريق من الماء ثلاث جفنات ، وإن لم يفعل فلا بأس ، وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شيء من المنيّ ، وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه ، فليهرق الماء كلّه» . (5) وفي الصحيح عن أبيالعبّاس الفضل بن عبدالملك ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه سأله عن فضل الهرّة والشاة والبقرة وغيرها حتّى انتهى إلى الكلب ، فقال : «رجس نجس لايتوضّأ بفضله ، واجتنب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثمّ بالماء» (6) . ويؤيّد تلك الأخبار ما يأتي في محلّه ممّا دلّ على الأمر بغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء للمستيقظ ؛ معلّلاً بأنّه لايدري أين باتت يده . ثمّ المشهور أنّ القليل إنّما ينجس بورود النجاسة عليه مطلقا ، كما يستفاد من

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 39 ، ح 105 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 381 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 418 ، ح 1320 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 23 ، ح 56 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 382 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 37 ، ح 99 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 20 ، ح 47 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 383 .
4- .. كتب في الهامش : «أي عن سماعة . منه» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 38 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 154 ، ح 384 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 .

ص: 113

بعض ما ذكر من الأخبار لا بوروده على النجاسة ، وإلّا لما يتطهّر متنجّس بالقليل ، وبه قال الشافعي (1) . ونسب السيّد في الناصريّات إلى ما عدا الشافعيّة من العامّة القول بعدم الفرق وتأثّره بالنجاسة مطلقا (2) . والفرق قويّ ، وكفاك شاهدا عليه النهي عن إدخال اليد القذرة في الإناء ، والأمر بإفراغ الماء عليه ، ويتفرّع على ذلك طهارة الغسالة ، فإنّه إذا لم ينجس الماء بوروده على النجس لم ينجس بخروجه عنه بالطريق الأولى ، كما ادّعاه الشهيد في الذكرى 3 . ويؤكّد ذلك ما دلّ على طهارة ماء الاستنجاء ما لم يتغيّر أو يكن عين النجاسة معه من غير حاجة إلى استثناء ، وكذا المشهور تأثّره عن كلّ نجاسة ورد عليه ؛ لعموم ما ذكر من الأدلّة . وظاهر الشيخ قدس سره في الاستبصار عدم تأثّره عمّا لايدركه الطرف من الدم كرؤوس الإبر ؛ محتجّا عليه بخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغارا ، فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : «إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلابأس ، وإن كان شيئا بيّنا فلايتوضّأ منه» (3) . وقد حكم العلّامة بصحّته في المنتهى (4) والمختلف (5) .

.


1- .. حكاه عنه الشيرازي في المهذّب ، ج 1 ، ص 49 ؛ وابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ، ص 24 ؛ وابن عبدالبرّ في الاستذكار ، ج 1 ، ص 196 ؛ والنووي في المجموع، ج 1 ، ص 138 .
2- .. الناصريّات ، ص 72 ، كتاب الطهارة ، المسألة الثالثة .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 23 ، ح 57 . ورواه أيضا في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 412 _ 413 ، ح 1299 . وهذا هو الحديث 16 من باب النوادر من كتاب الطهارة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 _ 151 ، ح 375 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 52 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 182 .

ص: 114

وفيه نظر ؛ لأنّ في طريقه محمّد بن أحمد العلوي ، وهو مجهول الحال . وقد بالغ في المبسوط حيث أضاف مثل رؤوس الإبر من غير الدم أيضا إليه ، محتجّا بعدم إمكان التحرّز منه (1) . واُجيب عن الأوّل بعدم صراحة الخبر في محلّ النزاع ؛ لعدم دلالته على إصابة الدم الماء على القطع ، بل ظاهره إصابته الإناء مع الشكّ في وصوله إلى الماء . وأجاب عنه العلّامة في الكتابين بذلك ، وبمعارضته لصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ ، فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصحّ الوضوء منه ؟ قال : «لا» (2) . وعن الثاني بالمنع من حصول المشقّة المسقطة ، وإن اعتبر مطلق المشقّة انتقض بجيمع التكاليف ؛ لعدم خلوّها عن مشقّة (3) . هذا ، ونسبة هذا القول إلى الشيخ هو المشهور ، وكلامه في المبسوط والاستبصار غير صريح في ذلك ، بل ظاهره العفو عنه كالعفو عمّا دون الدرهم منه في الصلاة ، فقد قال في الاستبصار بعد ما ذكر الخبر المذكور أوّلاً : «الوجه في هذا الخبر أن نحمله على أنّه إذا كان ذلك الدم مثل رؤوس الإبر التي لاتُحَسّ ولاتُدرك ، فإنّ مثل ذلك معفوّ عنه» . (4) وفي المبسوط : وذلك _ يعني القليل من الماء _ ينجس بكلّ نجاسة فيها قليلة كانت النجاسة أو كثيرة ، تغيّرت أوصافه أو لم تتغيّر ، إلّا ما لا يمكن التحرّز منه مثل رؤوس الإبر من الدم وغيره ، فإنّه معفوّ عنه ؛ لأنّه لايمكن التحرّز منه . 5

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 7 .
2- .. هوالحديث 16 من باب النوادر من كتاب الطهارة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 _ 151 ، ح 375 ؛ وج 3 ، ص 527 _ 528 ، ح 4367 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 52 _ 53 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1؛ ص 182 ، واللفظ منه .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 23 ، ذيل الحديث 57 .

ص: 115

ولعلّ الفائدة تظهر في ما إذا وقع ما لايدركه الطرف منها في المضاف . وفي الوجيز : ما لايدركه الطرف من النجاسة اضطرب فيه نصّ الشافعي ، والأقرب أنّ ما إنّما انتهت قلّته إلى حدّ لايدركه الطرف مع مخالفة لونه للون مايتّصل به ، فلايدخل تحت التكليف التحفّظ عنه ، ومايدرك عند مخالفة اللون فينبغي أن لايعفى عنه ، لا في الثوب ولا في الماء . وفي [ فتح ] العزيز : النجاسة التي لايدركها الطرف كنقطة الخمر والبول التي لاتبصر ، والذبابة تقع على النجاسة ثمّ تطير عنها ، هل تؤثّر كالنجاسة المدركة ، أم يعفى عنها ؟ اختلف الأصحاب على سبعة طرق : أحدها : أنّ في تأثيرها في الماء والثوب قولين . والثاني : أنّها تؤثّر فيهما بلاخلاف . والثالث : لاتؤثّر فيهما بلاخلاف . والرابع : تؤثّر في الماء ، وفي الثوب قولان . والخامس : تؤثّر في الثوب ، وفي الماء قولان . والسادس : تؤثّر في الماء دون الثوب بلا خلاف . والسابع : تؤثّر في الثوب دون الماء بلا خلاف . فهذا هو اضطراب النصّ ومقالات الأصحاب . ثمّ حكى احتجاج الفرق كلّهم بما يؤول إلى تعذّر الاحتراز وقوّة الماء على رفع النجاسات بخلاف غيره . (1) واحتجّ ابن أبيعقيل _ على ما حكى عنه في المنتهى _ بقوله عليه السلام : «الماء طاهر لاينجّسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» . وبما رواه الشيخ عن عليّ بن حديد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام قال : قلت له : راوية من ماء سقطت فيه فأرة أو جرذ (2) أو صعوة (3) ميتة ؟ قال : «إذا تفسّخ فيها فلاتشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ

.


1- .. فتح العزيز لعبدالكريم الرافعي ، ج 2 ، ص 208 _ 210 . والوجيز للغزالي ، ونصّ عبارته منقول في فتح العزيز .
2- .. جُرَذ : نوع من الفأر ، وقال الطريحي : «يكون في الفلوات ، وعن الجاحظ : الفرق بين الجرذ والفأر كالفرق بين الجواميس والبقر» . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 179 (جرذ) .
3- .. الصعو : صغار العصافير ، والاُنثى : صَعوة ، وهو أحمر الرأس . كتاب العين ، ج 2 ، ص 199 (صعو) .

ص: 116

فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة ، وكذلك الجرّة (1) وحبّ الماء (2) والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء» . قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ [ فيه ] ، إلّا أن يجيء له ريح يغلب على ريح الماء» (3) . و[ بما روي ] عنه ، عن بعض أصحابنا ، قال : كنت مع أبيعبداللّه عليه السلام في طريق مكّة، فصرنا إلى بئر ، فاستقى غلام أبيعبداللّه عليه السلام دلوا ، فخرج فيه فأرتان (4) ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شيء ، فقال : «صُبَّه في الإناء» ، فتوضّأ وشرب (5) . و[ بما روي ] عن ياسين الضرير ، عن حريز بن عبداللّه ، عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، أنّه سُئِل عن الماء النقيع تبول فيه الدوابّ ، فقال : «إن تغيّر الماء فلاتتوضّأ منه ، وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه ، وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه» . (6) وأجاب عن الأوّل بحمله على الكثير للجمع [ بين المطلق والمقيّد ] ، ويجري مثله في خبر أبيبصير أيضا . وعن الثاني والثالث بضعف السند بعليّ بن حديد (7) ، مع إرسال الثاني منهما .

.


1- .. الجَرَّة : إناء معروف من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع . وفي الوافي ، ج 3 ، ص 33 : «ما يقال له بالفارسيّة : سبو» .
2- .. الحُبّ : الجرّة الضخمة ، والجمع حببة وحباب كعنبة وكتاب . مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 443 (حبب) .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 412 ، ح 1298 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 _ 9 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 _ 140 ، ح 343 .
4- .. المثبت من التهذيب والاستبصار ، وفي الأصل : «فأرة» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 _ 240 ، ح 693 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 435 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 138 ، ح 338 .
7- .. عليّ بن حديد بن حكيم الأزدي الكوفي ثمّ الساباطي المدائني ، من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام ، روى الكشّي في رجاله ، ج 2 ، ص 840 ، الرقم 1078 عن نصر بن الحجّاج أنّه قال : «عليّ بن حكيم فطحي من أهل الكوفة » ، وذكره النجاشي في رجاله ، ص 274 ، الرقم 717 ولم يقل فيه شيئا ، وكذا الشيخ في الفهرست ، ص 153 ، الرقم 382 ، وفي رجاله ، ص 360 ، الرقم 5338 . وضعّفه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 101 ، ذيل ح 435 ؛ وفي الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ذيل ح 112 ، وقال : «لايعوّل على ما ينفرد بنقله» .

ص: 117

وعن الرابع بأنّ راويه ياسين الضرير (1) ، ولا اُحقّق حاله ، فهو مدفوع [ ومعارَض بما ذكرناه ] . (2) أقول : على أنّ مرسل عليّ بن حديد يدلّ على نجاسته بالملاقاة ؛ حيث أمر عليه السلام بصبّ الماء في السقي الأوّل والثاني ، وأمّا توضّؤه عليه السلام في الثالث ؛ فلعلّه مبنيّ على عدم تنجّس البئر بالملاقاة والإناء بملاقاة الماء النجس في السابقين ؛ لعدم دليل على السراية ، وقد ادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع على عدمها . وربما احتجّ له بخبر محمّد بن الميسّر (3) ، والقذر فيه محمول في المشهور على الكثيف ، مع ضعفه ؛ لاشتراك محمّد بن ميسّر فيه محمّد بن ميسّر بن عبدالعزيز النخعي بيّاع الزُطّي الثقة ، ومحمّد بن ميسّر بن عبداللّه ، وهو مجهول الحال . واستدلّ له أيضا بما رواه الشيخ عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضّأ من ذلك الماء ؟ قال : «لا بأس » . (4) والجواب عنه ظاهر على مذهب السيّد المرتضى من طهارة ما لاتحلّه الحياة من

.


1- .. ياسين الضرير الزيّات البصري ، لقي أباالحسن موسى عليه السلام بالبصرة وروى عنه ، ذكره النجاشي في رجاله ، ص 453 ، الرقم 1227 ، والشيخ في الفهرست ، ص 267 ، الرقم 819 ، ولم يذكرا فيه شيئا ، واستظهر المامقاني في رجاله ، ج 2 ، ص 307 كونه إماميّا موثوقا به .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 49 _ 50 .
3- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . رواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 ، ح 425 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 128 ، ح 436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 152 ، ح 379 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1289 . وهذا هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 170 ، ح 423 .

ص: 118

نجس العين (1) ، وأمّا على المشهور ، فهو محمول على التقيّة ؛ لموافقة العامّة لما ذهب إليه السيّد ، أو على استقاء الماء لسقي الحيوانات والزراعة . وبخبر أبيمريم الأنصاري قال : كنت مع أبيعبداللّه عليه السلام في حائط له ، فنزح دلوا للوضوء من ركَيّ له ، فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة ، فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي (2) . وحمل في المشهور على عذرة ما لايؤكل لحمه ، مع جهالته ؛ لوجود عبدالرحمان بن حمّاد في طريقه . وفي بعض نسخ الاستبصار : «عبدالرحمان بن أبيحمّاد» (3) ، وضعّفه [ ابن ]الغضائري (4) والعلّامة في الخلاصة ورمياه بالغلوّ (5) ، ووجود «بشير» فيه وهو مشترك بين مجاهيل . وظاهر المصنّف قدس سره أنّه ذاهب إلى هذا القول ، حيث عَنوَنَ الباب بالماء الذي فيه قلّة ، ولم يذكر فيه ما يتعلّق به إلّا ما دلّ ظاهرا عليه . فرعان : الأوّل : الماء الراكد الذي وقعت فيه الجيفة ممّا له نفس سائلة ، لايجوز استعمال القليل منه ، ويجوز استعمال الكثير منه ولو ممّا جاور الجيفة إن لم تغيّر شيئا منه ، واستعمال غير المتغيّر منه إن كان كرّا فصاعدا ؛ لما سلف .

.


1- .. المسائل الناصريّات في ضمن الجوامع الفقهيّة ، ص 218 ، المسألة 19 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1313 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 119 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 154 ، ح 386 .
3- .. قال السيّد الخوئي في ترجمة عبدالرحمان بن أبيحمّاد من معجم رجال الحديث ، ج 9 ، ص 293 : «ثمّ الظاهر من ترجمة النجاشي أنّه متّحد مع عبدالرحمان بن حمّاد . . . ، وكلمة أبي في كلام النجاشي من سهو القلم ، وعلى ذلك جرى العلّامة وابن داود» .
4- .. عنه في مجمع الرجال ، ج 4 ، ص 71 .
5- .. خلاصة الأقوال ، ص 375 ، الرقم 6 . وقال النجاشي في ترجمته في رجاله ، ص 238 _ 239 ، الرقم 633 : «رمي بالضعف والغلوّ» .

ص: 119

ويدلّ أيضا عليه إطلاق ما رواه المصنّف قدس سره من مرسل حريز (1) ، وصحيح عبداللّه بن سنان (2) ، وخبر صفوان (3) . وقوله عليه السلام في خبر عليّ بن أبيحمزة : _ «توَضَّ من الجانب الآخر ، ولا توضّ من جانب الجيفة» (4) _ محمول على ما إذا تغيّر جانب الجيفة ولم يتغيّر الجانب الآخر ، ويكون ذلك الجانب كرّا فصاعدا ، أو على الاستحباب والتنزيه ، وهذا هو المشهور بين العامّة ، منهم الشافعي في القديم ، وخالفه في الجديد فلم يجوّز فيه الاغتراف من حوالي النجاسة ، وأوجب التباعد عنها بقدر قلّتين مطلقا (5) . الثاني : الرجل يأتي الماء القليل ويده نجسة ، هل يجوز إدخالها إليه أم لا ؟ مبنيّ على القولين في نجاسة القليل بالملاقاة . في حسنة عبداللّه بن يحيى الكاهلي : «إذا أتيت ماء وفيه قلّة فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ، وتوضّأ» (6) . الظاهر أنّ المراد بالتوضّؤ هنا المعنى الاصطلاحي منه ، وقد ورد مثله في الغسل وفيهما جميعا ، فقد روى الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، قال : حدّثني صاحب لي ثقة أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل ينتهي إلى

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 216 _ 217 ، ح 625 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 12 ، ح 19 ، وفيهما : «حريز ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، فلا إرسال في الحديث ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 137 ، ح 336 .
2- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 142 ، ح 346 . وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1، ص 16، ح 22 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 142 ، ح 348.
3- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 ، ح 1317 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 22 ، ح 54 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 162 ، ح 402 .
4- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1284 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 50 ؛ وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 16 ، ح 21 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 161 ، ح 399 و403 .
5- .. حكاهما عنه الشيرازي في المهذّب ، ج 1 ، ص 8 ، والنووي في المجموع ، ج 1 ، ص 158 .
6- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1283 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 ، ح 555 .

ص: 120

الماء القليل في الطريق ، فيريد أن يغتسل وليس معه إناء والماء في وهدة (1) ، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء ، كيف يصنع ؟ قال : «ينضح بكفّ بين يديه وكفّا من خلفه وكفّا عن يمينه ، وكفّا عن شماله ، ثمّ يغتسل» . (2) وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أبيالحسن الأوّل عليه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع ، أيغتسل منه (3) للجنابة ، أو يتوضّأ منه للصلاة إذا كان لايجد غيره ، والماء لايبلغ صاعا للجنابة ولا مدّا للوضوء وهو متفرّق ، فكيف يصنع (4) وهو يتخوّف أن يكون السباع قد شربت (5) منه ؟ فقال : «إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفّا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه ، وكفّا أمامه ، وكفّا عن يمينه ، وكفّا عن شماله ، فإن خشي أن لايكفيه ، غسل رأسه ثلاث مرّات ، ثمّ مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يجزيه ، وإن كان الوضوء (6) غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه ، وإن كان الماء متفرّقا فقدر أن يجمعه ، وإلّا اغتسل من هذا ومن هذا (7) ، فإن كان في مكان واحد وهو قليل لايكفيه لغُسله ، فلا عليه أن يغتسل ، ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه» . (8) وقد اختلف فيما ينضح عليه وفي علّة النضح ، فقيل : الأوّل هو الأرض التي في حوالي ذلك الماء القليل ، والثاني هو المنع من انحدار الغسالة إلى الماء الذي يغتسل

.


1- .. الوَهد : المكان المنخفض كأنّه حُفرة ، تقول : أرض وَهدَة ، ومكان وَهد ، ويكون الوهد اسما للحُفرة . كتاب العين ، ج 4 ، ص 77 (وهد) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 _ 418 ، ح 1318 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 28 ، ح 72 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1، ص 217 _ 218 ، ح 554 .
3- .. كذا في الأصل . وفي تهذيب الأحكام : «فيه» . وفي الاستبصار : «به» .
4- .. في تهذيب الأحكام : «يصنع به» .
5- .. المثبت من المصدرين ، وفي الأصل : «شرب» .
6- .. المثبت من المصدرين ، وفي الأصل : «للوضوء» .
7- .. في تهذيب الأحكام : «من هذا وهذا» .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 _ 417 ، ح 1315 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 28 _ 29 ، ح 73 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 216 ، ح 553 .

ص: 121

منه ، ولعلّه اُريد بذلك التنزّه ، وإلّا فلا دليل على عدم جواز الغسل بذلك الماء لو ترشّح فيه شيء من الغسالة ، وإن قلنا إنّها لاتطهّر من الحدث ؛ لأنّ ذلك الماء بذلك لايسمّى غسالة . ولصحيحة عليّ بن جعفر المذكورة . ولما سيَرويه المصنّف في الصحيح عن الفضيل بن يسار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء (1) ، فقال : «لا بأس ، ما جعل عليكم في الدين من حرج» (2) . وعن شهاب بن عبد ربّه ، عنه عليه السلام ، أنّه قال في الجنب يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الإناء وينتضح الماء من الأرض فيصير في الإناء : «أنّه لابأس بهذا كلّه» (3) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أصاب الرجل جنابة ، فأراد الغسل ، فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائه ثمّ يغسل فرجه ، ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملأ كفّيه ، ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره وكفٍّ بين كتفيه ، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه ، فما انتضح من مائه في إنائه بعد [ ما صنع ] ما وصفت فلا بأس» (4) . واعترض عليه بأنّ رشّ الأرض بالماء يوجب سرعة جريان الغسالة عليها ؛ لقلّة جذبها حينئذٍ لتلك الغسالة لتشربها بذلك الماء وتروّيها به ، فبذلك يحصل نقيض ما هو المطلوب منه . والحقّ أنّه إنّما يرد ذلك لو كانت الأرض صلبة حجريّة ، وأمّا في الرخوة ؛ فالمشاهدة شاهدة بأنّك إذا رششت أرضا جافّة منحدرة كذلك تلبس كلّ قطرة غلافا

.


1- .. في المصدر : «فينتضح من الماء في الإناء» .
2- .. هو الحديث 7 من باب اختلاط ماء المطر بالبول من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 543 .
3- .. هو الحديث 6 من باب اختلاط ماء المطر بالبول من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 _ 213 ، ح 544 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 542 .

ص: 122

ترابيا وتتدحرج منحدرة ، بخلاف ما إذا كانت فيها نداوة قليلة ، فإنّ تلك القطرات تغوص في أعماقها ولاتتحرّك على سطحها كتحرّكها على سطح الجافّة (1) . وإطلاق الخبر مبنيّ على ما هو الغالب في الأراضي من السهولة والرخاوة . وقيل : «المنضوح عليه هو الأرض ، لكنّ العلّة إزالة النجاسة المتوهّمة فيها لرفع كراهة الغسل بالماء المنحدر عنها» . وقيل : «المنضوح عليه هو البدن ، والفائدة سرعة جريان الماء عند الغسل بحيث لاتنزل الغسالة إلى الماء الذي يغترف منه ، ولعلّ هذا أيضا من باب الاستحباب ؛ لما ذكر» (2) . واُورد عليه بأنّ سرعة جريان ماء الغسل على البدن يقتضي سرعة تلاحق أجزاء الغسالة وتواصلها ، وهو يوجب سرعة وصولها إلى ذلك الماء . وأقول : لايبعد أن يقال : المنضوح عليه قبل الغسل والعلّة هو جريان الماء عليه عند الغسل إذا كان في غاية القلّة ، فإنّ البدن إذا كان نديّا يجري أدنى الماء عليه ، بخلاف ما إذا كان جافّا كما هو المجرّب ، أوالمنضوح عليه هو البدن للغسل ، والعلّة بيان أنّه على تقدير قلّة الماء يغتسل بما تيسّر من أقلّ الجريان ولو بالدَلك ، وكذا في الوضوء ، والغرض أنّ استحباب الصاع في الغسل والمدّ في الوضوء إنّما هو مع الإمكان . ويشعر بذلك صحيح عليّ بن جعفر ، وموثّق سماعة ، وينطبق عليه خبر ابن مسكان بأ?نى تكلّف ، فتأمّل . قوله : (جميعا ، عن حمّاد) . [ ح 3/3817 ] قال الفاضل الإسترآبادي في فوائد رجاله نقلاً عن ابن داوود (3) والخلاصة (4) : «إذا ورد

.


1- .. مشرق الشمسين ، ص 355 .
2- .. حكاه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 136 _ 137 . وراجع: المعتبر ، ج 1 ص 88 _ 89 .
3- .. رجال ابن داود ، ص 307 ، التنبيه الثالث .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 443 _ 444 .

ص: 123

باب البئر وما يقع فيها

عليك الإسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حمّاد ، فلاتتوهّم أنّه حمّاد بن عثمان ؛ فإنّ إبراهيم لم يلقه ، بل هو حمّاد بن عيسى» . وقد نقل في ترجمتها عن الكشّي توثيقهما ، وأنّهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1) . [قوله] في خبر صفوان : (وتلغ فيها الكلاب) . [ ح 7/3821 ] قال والدي _ طاب ثراه _ : «يقال : وَلَغ يَلَغ _ بفتح اللام فيهما _ وُلوغا _ بضمّ الواو _ : إذا شرب ممّا في الإناء بطَرف لسانه (2) ، وهو يتعدّى بفي ومِن والباء (3) » . وقال ابن العربي : «يستعمل الولوغ في الكلب والسباع ، ولايستعمل في الآدمي ، ويستعمل الشرب في الجميع» . (4) وقيل : «ليس شيء من الطير يلغ إلّا الذباب» . (5)

باب البئر وما يقع فيهاقال [ والدي ] طاب ثراه : البئر جمعها في القلّة أبؤُر وأبأر بهمزة بعد الباء ، ومن العرب من يقلب الهمزة ألفا ويقلب مكاني الفاء والعين ، فيقول : آبار ، وإذا كثرت فهي البِئار ، وقد بأرتُ بِئرا : حفرتها ، والبُؤرة : الحُفرة . (6) وهي على ما عرّفها الشهيد الثاني : «مجمع ماء نابع من الأرض لايتعدّاها غالبا ولا

.


1- .. هذا القسم من رجاله منهج المقال غير مطبوع . وانظر: اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 673 ، الرقم 705 .
2- .. وهذا المعنى مذكور في صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1329 (ولغ) .
3- .. القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 115 (ولغ) .
4- .. حكاه عنه أيضا الخطّاب الرعيني في مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 257 .
5- .. القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 115 (ولغ).
6- .. قاله الجوهري في صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 583 (بأر) .

ص: 124

يخرج عن مسمّاها عرفا» . (1) فالحكم تابع للاسم ، والاسم تابع للعرف . واعلم أنّ أهل العلم اختلفوا في نجاسة ماء البئر بالملاقاة ، فذهب السيّد المرتضى في الانتصار (2) وشيخنا المفيد (3) والشهيد في اللمعة (4) إلى ذلك ، ونسبه إلى الأشهر في الذكرى (5) والدروس (6) مائلاً إليه ، وهو أحد قولي الشيخ ذهب إليه في المبسوط (7) والنهاية (8) ، ومحكيّ عن السلّار (9) وابن إدريس (10) ، وقال آخرون بعدم تأثّرها بها ، وهو القول الثاني للشيخ ، اختاره في كتابي الأخبار (11) ، وذهب إليه العلّامة في التحرير (12) والمنتهى (13) والمختلف (14) وسائر كتبه (15) ، وهو محكيّ عن ابن أبيعقيل (16) . وفصّل ثالث ، فقد حكى في الذكرى عن البصروي (17) أنّه اعتبر فيها الكرّيّة ، وعن

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 257 _ 258 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 14 ، الروض الجنان ، ج 1 ، ص 383 . وقد سبقه في هذا المعنى الصيمري في غاية المرام ، ص 65 .
2- .. الانتصار ، ص 89 _ 90 .
3- .. المقنعة ، ص 64 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 257 _ 258 .
5- .. الذكرى ، ص 9 ، وفيه : «المشهور نجاسته» .
6- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
8- .. النهاية ، ص 6 .
9- .. المراسم ، ص 34 .
10- .. السرائر ، ج 1 ، ص 69 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ؛ وص 234 ، ح 676 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 ، ذيل ح 85 .
12- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 46 .
13- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 56 .
14- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 187 .
15- .. اُنظر : النهاية ، ج 1 ، ص 235 .
16- .. عنه العلّامة في المختلف ، ج 1 ، ص 187 .
17- .. كتب في الهامش : «وهو الشيخ أبوالحسن محمّد بن محمّد البصروي . منه عفي عنه» .

ص: 125

الجعفي (1) أنّه اعتبر فيها ذراعين في الأبعاد (2) ، وكأنّه مبنيّ على اعتباره ذلك في الكرّ . وأجمع العامّة على اعتبار الكثرة على اختلافهم في مقدار الكثير على ما يظهر من [ فتح ]العزيز (3) وغيره (4) ، وقد تقدّم . وأقوى الأقوال أوسطها ؛ للأصل ، ولصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المعنون في الباب بقوله : وبهذا الإسناد (5) . وفي الاستبصار ، وفي أبواب الزيادات من التهذيب بعد قوله : «إلّا أن يتغيّر» قوله : «ريحه أو طعمه» (6) . وفي التهذيب في باب البئر رواها هكذا : [ محمّد بن إسماعيل بن بزيع ] ، قال : كتبت إلى رجل أن يسأل أباالحسن الرضا عليه السلام ، فقال : «ماء البئر واسع لايفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح منه حتّى تذهب الريح ويطيب طعمه ، لأنّ له مادّة» (7) . ولصحيحة زرارة (8) ، ورواية أبيبصير (9) . ولصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن بئر ماء وقع فيه زنبيل

.


1- .. الجعفي على الإطلاق عند الفقهاء هو محمّد بن أحمد بن إبراهيم أبوالفضل الجعفي الكوفي ثمّ المصري ، وتقدّمت ترجمته .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 88 .
3- .. فتح العزيز للرافعي ، ج 1 ، ص 221 _ 223 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 148 _ 149 .
5- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1287 ، ومتن الحديث فيه مثل متن الكافي ، والزيادة موجودة في الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 ؛ ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
8- .. هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1289 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 170 ، ح 423 .
9- .. هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 677 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 ، ح 85 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 171 _ 172 ، ح 426 .

ص: 126

من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين، أيصلح الوضوء منها ؟ قال: «لا بأس» (1) . وصحيحة حمّاد ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لايغسل الثوب ولاتعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلّا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ، ونزحت البئر» (2) . وإنّما حكمنا بصحّة الخبر مع اشتراك حمّاد بين الثقة وغيره ؛ فإنّ حمّادا الذي يروي عن معاوية بن عمّار ؛ إنّما هو ابن عيسى كما نقله بعض أرباب الرجال (3) ، وهو كان ثقة صدوقا جليل القدر . وخبر عليّ بن حديد ، عن بعض أصحابنا ، قال : كنت مع أبيعبداللّه عليه السلام في طريق مكّة ، فصرنا إلى بئر ، فاستقى غلام أبيعبداللّه عليه السلام دلوا ، فخرج فيه فأرتان (4) ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شيء ، فقال : «صُبَّه في الإناء» ، فتوضّأ وشرب (5) . وقد سبق الخبر . وصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الفأرة تقع في البئر فيتوضّأ الرجل منها ويصلّي وهو لايعلم ، أيعيد الصلاة ، ويغسل ثوبه ؟ فقال : «لايعيد الصلاة ، ولايغسل ثوبه» . (6)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 246 ، ح 709 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 118 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 172 ، ح 429 ؛ وص 192 ، ح 496 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 431 .
3- .. صرّح بذلك صاحب الوسائل ، والشيخ حسن في منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 47 و57 و70 و مواضع اُخر .
4- .. المثبت من التهذيب والاستبصار ، وفي الأصل : «فأرة» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 _ 240 ، ح 693 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 435 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 81 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 671 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 430 .

ص: 127

وخبر أبان بن عثمان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن الفأرة تقع في البئر لايعلم بها إلّا بعد ما يتوضّأ منها ، أيعاد الوضوء ؟ فقال : «لا» . (1) وما رواه الصدوق ، عن الصادق عليه السلام ، قال : «كانت في المدينة بئر في وسط مزبلة ، فكانت الريح تهبّ فتلقي فيها القذرة ، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يتوضّأ منها» . (2) ولما سيأتي عن أبياُسامة ، ويعقوب بن عثيم . واحتج الأوّلون بأخبار ، منها ما هو صحيح ؛ لكنّه غير صريح في مدّعاهم ، بل قابل للتأويل ، فمنه مكاتبة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (3) ، فقد قالوا : أمره عليه السلام بنزح الدلاء في قوّة قولنا : طُهرها بأن ينزح منها دلاء ؛ ليطابق قول السائل : ما الذي يطهّرها ؟ ورُدّ بمنع ذلك ، بل غايته إيجاب النزح ، ويجوز أن يكون وجوبه تعبّدا ، كما ذهب إليه طائفة من القائلين بعدم نجاستها بالملاقاة . وأقول : ويؤيّد ذلك خبر أبياُسامة ويعقوب بن عثيم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة ، فانزح منها سبع دلاء» . قلنا : فما تقول في صلاتنا ووضوئنا ، وما أصاب ثيابنا ؟ فقال : «لا بأس [ به ]» (4) . حيث أمر عليه السلام بالنزح ، مع أنّه حكم بصحّة الوضوء منها وطهارة الثياب التي أصابتها ماؤها وصحّة الصلاة التي صلاّها بذلك الوضوء في تلك الثياب ، على أنّه يجوز أن يكون الأمر به للاستحباب كما ذهب إليه طائفة اُخرى منهم ؛ لما ذكر . ولو سلّم أنّ الأمر به لأجل التطهير ، فلعلّ المراد بالطهارة النزاهة والنظافة على وفق

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 ؛ ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 672 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 82 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 432 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 176 ، ح 441 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 674 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 84 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 _ 174 ، ح 433 .

ص: 128

قول من قال باستحبابه . فإن قيل : قول السائل : حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة ، وتقريره عليه السلام له يدلّ على أنّ المراد بالطهارة مقابل النجاسة . قلنا : دلالة التقرير ضعيفة ، لاسيّما مع معارضتها للمنطوق . ويؤيّد ذلك اشتمال السؤال على البعرة ونحوها ، مع أنّها لاتنجّس البئر إجماعا . ومنه صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أباالحسن موسى عليه السلام عن البئر ، تقع فيها الحمامة والدجاجة أوالفأرة أو الكلب أو الهرّة ؟ فقال : «يجزيك أن تنزح منها دلاء ، فإنّ ذلك يطهّرها إنشاء اللّه » (1) . قالوا : إنّ تطهيرها بذلك يدلّ على نجاستها بدونه . والجواب ما مرّ من أنّ المراد بالطهارة : النظافة ، ويؤّيده ترك الاستفصال في الجواب بين الميّت وغيره من المذكورات ، مع أنّ غير الميّت من أكثرها لاينجّس الماء اتّفاقا . ومنه : صحيحة عبداللّه بن أبييعفور ، عن الصادق عليه السلام ، قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به ، فتيمّم بالصعيد الطيّب ، فإنّ ربّ الماء رَبّ الصعيد ، ولاتقع في البئر ، ولاتفسد على القوم ماءَهم» . (2) حيث أوجب عليه السلام التيمّم ، وهو مشروط بفقد الماء الطاهر ، فيلزم أن لايكون الماء طاهرا لو وقع في البئر . والجواب : لانسلّم أنّ إيجاب التيمّم فيها لذلك ، بل هو إمّا لعدم انتفاعهم بها إلّا بعد

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 686 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 101 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 182 _ 183 ، ح 458 .
2- .. هو الحديث 9 من باب الوقت الذي يجب فيه التيمّم من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 426 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 _ 128 ، ح 435 ، إلّا أنّ فيه : «فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» ؛ وج 1 ، ص 185 ، ح 535 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 177 ، ح 443 .

ص: 129

النزح وإن كانت طاهرة قبله كما هو مذهب من أوجب النزح تعبّدا ، وإمّا لاستلزام الوقوع فيها ظهور أجزاء الحَمأة فيها وخلطها بمائها ، ويكون ذلك إضرارا بالقوم . ومنه أخبار النزح ، معلّلين بأنّها لو لم تنجّس لما كان للنزح فائدة . واُجيب بمنع الملازمة ؛ إذ لايلزم من انتفاء فائدة مخصوصة انتفاؤها مطلقا ، ولايلزم من عدم العلم بها العلم بعدمها . واستدلّ المفصّل بعموم ما دلّ على تأثّر القليل بملاقاة النجاسة وعدم تأثّر الكرّ بها . وخصوص خبر الحسن بن صالح الثوري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء في الرَكيّ كرّا لم ينجّسه شيء» ، الحديث (1) . وموثّقة عمّار ، قال : سُئِلَ أبوعبداللّه عليه السلام عن البئر تقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : «لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» (2) . واُجيب بأنّ العمومات ظاهرة في الراكد ، أو مخصّصة به ؛ للجمع ، ودلالة الخبرين إنّما هي بالمفهوم ، وهي ليست بحجّة لاسيّما مع معارضة دلالة المنطوق لها ، مع احتمال ورودهما على التقيّة ، على أنّ الرِكيّ في الأوّل يحتمل المِصنَع الذي لا مادّة له ، وقد حمل عليه في الاستبصار . (3) ثمّ القائلون بعدم تأثّرها بالملاقاة اختلفوا في وجوب نزح المقدّرات تعبّدا واستحبابه ، اختار الأوّل الشيخ في كتابي الأخبار (4) ، والثاني العلّامة في كتبه ، وهو المشهور بين المتأخّرين ، وبه يجمع بين الأخبار المتعارضة في مقدّرات أكثر

.


1- .. هو الحديث 4 من باب الماء الذي لاينجّسه شيء من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1312 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 192 ، ح 495 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ذيل الحديث 88 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ؛ وص 409 ، باب المياه وأحكامها ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 ، ذيل الحديث 85 .

ص: 130

النجاسات ؛ حملاً لها على مراتب الاستحباب . وأمّا ما لانصّ فيه بخصوصه فلايجب فيه شيء عندهم اتّفاقا . والقائلون بتأثّرها بها أوجبوا نزح المقدّرات على ما سيجيء ، وأجمعوا على وجوب نزح شيء فيما لانصّ فيه واختلفوا في مقداره ، فقيل يجب نزح الجميع (1) ؛ لأنّه ماء نجس طريق تطهيره النزح ، والتخصيص ببعض المقادير من غير مخصّص ، وعدّه الشيخ في المبسوط أحوط (2) ، وبعضهم أوجبوا نزح أربعين دلوا (3) ، وجوّزه الشيخ في المبسوط وعدّ نزح الجميع أحوط (4) . واحتجوّا عليه برواية كردويه ، وهو غريب ؛ إذ الموجود في هذا الباب من رواية كردويه إنّما هو رواية الشيخ قدس سره عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن زياد _ وهو ابن أبيعمير_ ، عن كردويه ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن البئر يقطر فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر، قال: «ينزح منها ثلاثون دلوا» . (5) وفي حديث آخر عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبيعمير ، عن كردويه ، أنّه سأل أباالحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المعبر فيه البول والعذرة وخرء الكلاب ، قال : «ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مُبخِرة» (6) ، بالباء الموحّدة والخاء المعجمة على صيغة الفاعل ، ومعناها المُنتِنَة ، وروي بفتح الميمم والخاء ؛ بمعنى موضع النَتن . ولاتناسب بين هذين الخبرين ومدّعاهم أصلاً .

.


1- .. قاله السلّار في المراسم ، ص 35 ، وابن زهرة في غنية النزوع ، ص 48 ، وابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 71 ، وابن البرّاج في المهذّب ، ص 21 .
2- .. وانظر : المبسوط ، ج 1 ، ص 11 _ 12 .
3- .. قال بذلك العلّامة في إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 237 ؛ وابن حمزة في الوسيلة ، ص 75 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 _ 242 ، ح 698 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ح 95 ؛ وص 45 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 445 ؛ وص 181 ، ح 454 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 43 ، ح 120 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 413 ، ح 1300 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 22 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 452 .

ص: 131

وفي المنتهى : «وبعضهم أوجب نزح أربعين لرواية كردويه ، وهي إنّما تدلّ على نزح ثلاثين ، ومع ذلك فالاستدلال بها لايخلو عن تعسّف» . (1) على أنّ كردويه مجهول الحال غير مذكور في كتب الرجال . وفي المختلف : «كردويه ، لا أعرف حاله ، فإن كان ثقة فالحديث صحيح». (2) وفي حاشية بعض كتب الرجال بخطّ بعض المعتبرين في هذا الفنّ : «أنّ اسمه أحمد بن محمّد العسكري» (3) ، وحاله أيضا غير معلومة . وقيل : «وجد بخطّ الشهيد رحمه الله نقلاً عن يحيى بن سعيد : أنّ كردويه وكردون اسمان لمسمع بن عبدالملك المعروف بكردين ، وهو ممدوح» ، ولم يثبت . وجوّزه الشيخ قدس سره في المبسوط محتجّا عليه بقولهم عليهم السلام : «ينزح منها أربعون دَلوا وإن صارت مُبخرة» 4 . وقال الشهيد الثاني قدس سره : هذه الحجّة منظور فيها من حيث عدم العلم بأسناد الحديث ، وعدم وجوده في شيء من الاُصول فضلاً عن مسنده ، حتّى نشأ منه عدم العلم بصدره المتضمّن لبيان متعلّق الأربعين ، وقال بعض الأصحاب : إنّ الشيخ رحمه الله حُجّة ثَبت ، فإرساله غير ضائر ؛ لأنّ مثل الشيخ لايرسل إلّا عمّن علمه ثقة ، خصوصا وليس هناك نصّ آخر ، فالظاهر من احتجاجه به دلالة صدره المحذوف على محلّ النزاع . وأورد [ الشهيد ] عليه : بأنّ الشيخ لم يفت بمضمونه ، وإنّما أوجب في المبسوط نزح الجميع ، وجعل نزح

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 104 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 217 .

ص: 132

الأربعين احتمالاً ، والمنقول عن غير الثقة وإن لم يكن حجّة ، فلا أقلّ من إفادته الاحتمال ، بل هو دليل على عدم ثبوته عنده ، وإلّا لما عدل عن مدلوله ، ولو عمل بخبره ذلك لمكان قدره وجلالته وثبته ؛ لزم العمل بجميع مراسيله ، ولم يجوّز ذلك أحد ، واحتجاجه بذلك وإن كان مثيرا للظنّ بأنّ صدره في محلّ النزاع ، لكن غير موجب للعمل ؛ لضعفه . (1) وذهب بعض إلى وجوب نزح ثلاثين ، ونفى عنه الشهيد الأوّل في شرح الإرشاد البأس (2) ، وكأنّهم استندوا في ذلك برواية كردويه . وفيه ما عرفت . واختلفوا أيضا في طريق تطهيرها إذا تغيّرت بالنجاسة ، فذهب المفيد رحمه اللهوجماعة إلى أنّها تطهر بزوال التغيّر بالنزح (3) ؛ لحسنة أبياُسامة (4) ، وخبر أبيبصير (5) ، ولقوله عليه السلام : «فينزح منه حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه» في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدّمة (6) . ولما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر أو الطير ، قال : «إن اُدرك (7) قبل أن ينتن (8) نزحت منها سبع دلاء ، وإن كانت سنّورا أو أكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا ، وإن أنتن حتّى يوجد ريح النتن في الماء

.


1- .. روض الجنان ، ج 1 ، ص 404 .
2- .. غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ، ج 1 ، ص 78 .
3- .. المقنعة ، ص 66 .
4- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 675 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 ، ح 463 .
5- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 230 ، ح 333 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
6- .. هو الحديث 2 من باب البئر وما يقع فيها من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
7- .. في التهذيب وبعض نسخ الاستبصار : «أدركته» .
8- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «تنتن».

ص: 133

نزحت البئر حتّى يذهب النتن من الماء» (1) . وعن زرارة قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ؛ ينزح منه عشرون دلوا ، فإن غلبت الريح نزحت حتّى تطيب» (2) . وعلّله العلّامة في المختلف بأنّ سبب التنجيس هو التغيّر ، فيزول الحكم بزواله (3) ، وهو مبنيّ على قوله بعدم تنجّسها بالملاقاة ، وعلى هذا لو زال التغيّر بغير النزح ؛ لطهرت أيضا . وأكثر ما ذكر من الأخبار تدلّ على كفاية زوال التغيّر ولو حصل قبل نزح المقدّر فيما له مقدّر . ويؤيّده أنّ بناء حكم البئر على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، فلابدّ من تخصيص أخبار المقدّرات بما إذا لم يتغيّر ماؤها ، بل هو ظاهر تلك الأخبار أيضا . وينحلّ بذلك الإشكال الذي أورده بعض الأصحاب ؛ حيث قال : «ويشكل ذلك فيما له مقدّر نصّا إذا زال التغيّر قبل استيفاء المقدّر ، فإنّ وجوب المقدّر لو لم يتغيّر يقتضي وجوبه معه بطريق أولى» . (4) وأوجب الشيخ في المبسوط (5) والنهاية (6) نزح الجميع مع الإمكان ، ومع التعذّر اكتفى بزوال التغيّر ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما مرّ في صحيحة معاوية بن عماّر من قول

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ، ح 681 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 98 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ، ح 460 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 697 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ح 96 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 446 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 191 .
5- .. قاله الشهيد الثاني في روض الجنان ، ج 1 ، ص 384 .
6- .. النهاية ، ص 7 .

ص: 134

الصادق عليه السلام : «فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ، ونزحت البئر» (1) . وما رواه أبوخديجة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن الفأرة تقع في البئر ، قال : «إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلوا ، فإذا انتفخت فيه وأنتنت نزح الماء كلّه» (2) . والأوّل أظهر ؛ لكثرة أخباره ، وصحّة بعضها وصراحتها فيه . وخبر معاوية بن عمّار وإن كان صحيحا ؛ إلّا أنّه غير صريح في نزح الجميع ، بل قابل للتأويل ، والصريح فيه غير صحيح ، فلايقبلان المعارضة ؛ لما ذكر . على أنّ الجمع بما ذكر إنّما يقبل لو كان في ذلك خبر مفصّل ، كما لايخفى . وأوجب الصدوق في الفقيه نزح الجميع ، ومع التعسّر التراوح (3) . وبه قال الشيخ في التهذيب ؛ لموثّقة عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام _ في حديث طويل _ قال : وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ؟ قال : «ينزف كلّها ، فإن غلب عليه [ الماء ]فلينزف يوما إلى الليل» (4) ، حملاً لها على ما إذا تغيّرت البئر بهذه النجاسات ، وإلّا لكان المقدّر لها أربعون دلوا (5) . وهو محكيّ عن السيّد المرتضى والسلّار (6) . واختار ابن إدريس نزح أكثر الأمرين من المقدّر وما يزيل التغيّر لو كان هناك مقدّر ، وإلّا فنزح الجميع ، ومع العذر التراوح . (7) واختار المحقّق نحوا من هذا التفصيل ، لكن قال في المنصوص المقدّر يجب إزاله

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 431 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ، ح 692 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 188 ، ح 479 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 19 ، ذيل الحديث 24 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 196 ، ح 509 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 242 ، ذيل الحديث 698 .
6- .. المراسم ، ص 34 _ 35 .
7- .. السرائر ، ج 1 ، ص 69 _ 70 .

ص: 135

التغيّر أوّلاً ثمّ استيفاء المقدّر . (1) واختار الشهيد في الدروس في المنصوص المقدّر نزح الجميع ، ومع التعذّر أكثر الأمرين من زوال التغيّر والمقدّر . (2) وفي الذكرى : «وطهرها متغيّرة بنزح الأكثر من زواله والمقدّر» . (3) وتظهر أدلّة هذه الأقوال وأجوبتها ممّا ذكر . [قوله] في مكاتبة محمّد بن إسماعيل بن بزيع : (تنزح دلاء منها) . [ ح1/3822 ] المشهور في بول الرجل أربعون دلوا ، مسلما كان أو كافرا ، وفي بول الصبيّ سبع دلاء إذا اغتذى بالطعام ، وإلّا فواحد ، أمّا الأوّل ؛ فلِما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن أبيحمزة _ ويحتمل كونه الثمالي _ عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن بول الصبيّ الفطيم يقع في البئر ؟ قال : «دلو واحد» . قلت : بول الرجل ؟ قال : «ينزح منها أربعون دلوا» (4) . وأمّا الثاني ، فلم أجد للتفصيل المذكور فيه خبرا دالّاً عليه ، واستدلّ له الشيخ بالجمع بين هذه المكاتبة ، وما ذكر عن عليّ بن أبيحمزة ، وبين صحيحة منصور بن حازم ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبيّ ، أو وقعت فيها فأرة أو نحوها» (5) ، حملاً للصبيّ في الأخيرة على المغتذي بالطعام والأوّلين على من لم يغتذ به ، وتوصيفه بالفطيم يأبى عنه ، والأَولى حمل الدلو الواحد في مطلق الدلو الواحد في مطلق الصبيّ على الوجوب ، والسبع

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 88 .
2- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 14 ، كتاب الطهارة .
3- .. الدروس ، ج 1 ، ص 120 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 243 ، ح 700 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 34 ، ح 90 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 451 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 243 ، ح 701 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 _ 34 ، ح 89 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 450 .

ص: 136

على الاستحباب لو قيل بوجوب النزح ، وحملهما على مراتب الاستحباب على القول باستحبابه . وألحقوا بول الاُنثى والخُنثى بما لانصّ فيه ؛ لعدم نصّ فيهما ، ولولا شهرة ذلك بين الأصحاب لأمكن القول بإجزاء دلاء لهما ؛ لإطلاق البول في هذه المكاتبة الصحيحة . وفي البول أقوال اُخرى غير مستندة إلى ما يعتمد عليه بعد اتّفاقهم على أربعين في بول الرجل ، ففي المختلف : في بول الرجل أربعون دلوا ، فإن كان صبيّا قد أكل الطعام قال الشيخان (1) وأبوالصلاح (2) وابن زهرة (3) وابن البرّاج (4) : ينزح منها سبع دلاء . وقال ابنا بابويه : ثلاث دلاء (5) ، وهو اختيار السيّد المرتضى (6) ، فإن كان رضيعا لم يأكل الطعام فدلو واحد ، اختاره الشيخان (7) وابن البرّاج (8) ، وقال أبوالصلاح (9) وابن زهرة 10 : لبول الصبيّ الرضيع ثلاث دلاء ، فإن أكل الطعام فسبع ، وقال سلاّر 11 : لبول الصبيّ سبع دلاء ولم يفصّل ، وأمّا ابن إدريس 12 ؛ فقد فصّل وقال : إن كان بول الرجل فأربعون سواء كان مؤمنا أو كافرا أو مستضعفا ، وإن كان ذكرا غير بالغ قد أكل الطعام واستغنى به عن اللبن والرضاع فسبع دلاء ، وإن كان رضيعا لم يستغن بالطعام عن اللبن والرضاع ، وحدّه من كان له من العمر

.


1- .. النهاية ، ص 7 ؛ المقنعة ، ص 67 .
2- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
3- .. الغنية (ضمن الجوامع الفقهية)، ص 490 .
4- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 13 .
6- .. حكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 72 .
7- .. الغنية (ضمن الجوامع الفقهيّة)، ص 490 .
8- .. المراسم ، ص 36 .
9- .. السرائر ، ج 1 ، ص 78 .

ص: 137

دون الحولين سواء أكل في الحولين أو لا ، وسواء فطم فيهما أو لم يفطم ؛ فدلو واحد ، وإن جاز الحولين فسبع سواء فطم أو لا ، وأمّا بول النساء فينزح له أربعون سواء كنّ كبائر أو صغائر ، رضائع أو فطائم . انتهى . (1) وأمّا الدم ؛ ففيه أيضا أقوال مختلفة غير مستندة أكثرها إلى ما يعتمد عليه ، أحدها_ وهو أجودها _ : ما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار (2) من وجوب نزح ثلاثين إلى أربعين للكثير منه ، ونزح دلاء للقليل منه ، وهو ظاهر المصنّف والصدوق (3) ، وحسّنه الشهيد في الذكرى في جانب الكثير منه (4) . ويدلّ على الجزءين صحيحة عليّ بن جعفر ، وعلى الجزء الثاني هذه المكاتبة ؛ بناء على ما هو الأقرب من عطف الدم على البول لا على قطرات . وموّثق عمّار ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدَمه في البئر ، فقال : «ينزح منها دلاء» ، الحديث (5) . والظاهر أنّهم أرادوا بالدلاء ما هو أقلّ مراتب الجمع لغة ، وهو الثلاث ؛ لأصالة البراءة عن الزائد ، وانتفاء دليل عليه . وثانيها : ما ذهب إليه الشيخ في النهاية (6) والمبسوط (7) ، والشهيد في الدروس (8) واللمعة (9) ؛ من أنّه للكثير خمسون، وللقليل عشر دلاء، وهو منقول في المختلف (10) عن ابن

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 205 _ 206 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 44 _ 45 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 20 ، ح 28 و29 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
7- .. النهاية ، ص 7 ، في مياه الآبار .
8- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 _ 120 .
9- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ، أوائل كتاب الطهارة ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 262 و268 .
10- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 198 .

ص: 138

إدريس (1) والسلّار (2) وابن البرّاج (3) ، ولم أجد مستندا للجزء الأوّل منه أصلاً ، وأمّا الجزء الثاني فكأنّهم اعتمدوا فيه على هذه المكاتبة بتأويل يأتي عن قريب . وثالثها : قول السيّد المرتضى على ما حكي عنه أنّه قال في مصباحه : «ينزح للدم ما بين دلو واحد إلى عشرين من غير تفصيل» (4) ، واحتجّ عليه في المختلف (5) بقوله عليه السلام : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ينزح منه عشرون دلوا» فيما سبق عن زرارة . (6) ورابعها : ما حكي عن بعض من غير تعيين قائله ، وهو وجوب ثلاثين دلوا مطلقا ؛ محتجّا عليه بخبر كردويه المتقدّم ، وهو كماترى . وخامسها : ما حكي أيضا عن بعض من غير تعيين ؛ من وجوب عشرة للقليل وثلاثين للكثير ، ولم أعثر على مستند له ، بل يردّه بعض ما تقدّم من الأخبار . وسادسها: قول المفيد رحمه الله في المقنعة بوجوب عشرة للكثير وخمسة للقليل (7) ، واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بهذه المكاتبة ، وقال : وجه الاستدلال هو أنّه قال : «ينزح منها دلاء» ، وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة (8) . وفيه مع ما سيأتي أنّها لاتدلّ على التفصيل المدّعى ، بل يناقضه ؛ لأنّ ظاهرها عطف الدم فيها على البول ، فيكون حكما للقليل ، ولو جعل عطفا على القطرات لأفهم وجوب العشر مطلقا .

.


1- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
2- .. السرائر ، ج 1 ص 79 .
3- .. المراسم ، ص 35 _ 36 .
4- .. حكاه في المعتبر ، ج 1 ، ص 65 عن المصباح للسيّد المرتضى .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 199 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ح 96 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 697 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 446 .
7- .. المقنعة ، ص 67 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 _ 245 .

ص: 139

واعلم أنّه احتجّ بهذا الخبر كلّ من قال بوجوب عشرة للقليل ، واختلفوا في توجيهه ، فقيل : «لأنّ الدلاء جمع قلّة والعشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع» كما فعله الشيخ في التهذيب . وقيل : «لأنّه أقلّ مراتب جمع الكثرة» . وقال الشهيد الثاني : «فيهما نظر» . (1) أمّا الأوّل ؛ فلأنّ الدلاء جمع كثرة كما هو المعلوم من قواعد العربيّة 2 ، وعلى تقدير تسليم كونه جمع قلّة فلابدّ من حمله على الأقلّ كما هو المعلوم من حال الشارع في جميع أبواب الفقه ، فحمله على الثلاث أولى . وأمّا الثاني ، فلأنّ أقلّ جمع الكثرة أحد عشرة ، والعشر إنّما هو أكثر مراتب جمع القلّة ، على أنّ الفرق بين الجمعين اصطلاح جديد يأباه العرف ، والحكم الشرعي منوط به ، كما يعلم ذلك من أبواب الأقارير والوصايا وغيرهما .وقيل : «مبنى الاحتجاج على أنّ الدلاء جمع كثرة حملت على المعنى المجازي ، وإنّما حملت على العشر ترجيحا لأقرب المجازات إلى الحقيقة» . وفيه ما فيه .ثمّ الظاهر من الأخبار أنّ الاعتبار في كثرة الدم وقلّته بحال الدم نفسه ، ونقل عن القطب الراوندي أنّه اعتبر حال ماء البئر في الغزارة والنزارة ، فربّ دم يكون كثيرا في بئر [ يكون ]قليلاً في اُخرى . (2) وإطلاق الأخبار وكلام جماعة من العلماء الأخيار منهم المفيد والصدوقان يعطي عدم الفرق في ذلك بين الدماء الثلاثة وغيرها ، ورجّحه المحقّق في المعتبر (3) ، ونسب

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 268 .
2- .. نقله عنه الشهيد الأوّل في الذكرى ، ج 1 ، ص 100 ؛ والشهيد الثاني في روض الجنان ، ج 1 ، ص 400 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 59 .

ص: 140

في الذكرى إلى مذهب جماعة ، والشيخ في النهاية (1) فرّق بينها فأوجب في دم الحيض نزح الجميع قليلاً كان أو كثيرا ، وفي المبسوط (2) ألحق به دم النفاس والاستحاضة ، وتبعه على ذلك الأكثر منهم الشهيد في سائر كتبه ، والعلّامة كذلك ، وابن البرّاج (3) ، وابن إدريس (4) ، والسلّار (5) ، وعامّة المتأخّرين ، ولم أجد لهم شاهدا من النصوص .وفي المعتبر : «ولعلّ الشيخ نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليله وكثيره عن الثوب ، فغلّظ حكمه في البئر ، وألحق به الدمين الآخرين ، لكن هذا التعلّق ضعيف» انتهى . (6) وربما ألحق به دم نجس العين ، وهو ضعف في ضعف .[قوله] في حسنة أبياُسامة : (في الفأرة والسنّور والدجاجة) إلخ . [ ح 3/3824 ] رواها الشيخ في الصحيح (7) .واختلفت الأخبار والفتاوى في الفأرة ، فقال الشيخ في المبسوط والنهاية : «فإن مات فيها فأرة نزح منها ثلاث دلاء إذا لم تتفسّخ ، وإن تفسّخت نزح منها سبع دلاء» . (8) وبه قال الشهيد في الذكرى (9) ،واعتبر في اللمعة (10) الانتفاخ بدل التفسّخ، وفي الدروس (11)

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
2- .. النهاية ، ص 6 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 59 .
4- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 21 .
5- .. السرائر ، ص 72 ، في مياه الآبار .
6- .. المراسم ، ص 35 ، ذكر ما يتطهّر به المياه .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 684 ؛ وص 233 ، ح 675 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 ، ح 463 .
8- .. المبسوط ،ج 1 ، ص 12 ؛ النهاية ، ص 7 .
9- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 98 .
10- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 274 .
11- .. الدروس ، ج 1 ، ص 120 ، الدرس 17 .

ص: 141

أحد الأمرين ، وبه قال المفيد في المقنعة (1) ، والعلّامة في المنتهى (2) والتحرير (3) ، وحكاه عن أبيالصلاح (4) والسلّار (5) ، وعن المرتضى رضى الله عنه أنّه قال في المصباح : «في الفأرة سبع ، وقد روي ثلاث» (6) . وأطلق .وقال الصدوق : «وإن وقع فيها فأرة ولم تتفسّخ نزح منها دلو واحد ، وإن تفسّخت فسبع دلاء» . (7) وحكي مثله عن أبيه (8) .وأمّا الأخبار ، فمنها ما يدلّ على عدم وجوب نزح شيء بعد إخراجها من البئر ، وهو مرسل عليّ بن حديد من حكاية الفأرتين والفأرة (9) ، وصحيح معاوية بن عمّار المتقدّمان (10) .ومنها ما هو مطلق في نزح ثلاث ، رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد وفضالة ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر ؟ قال : «ينزح منها ثلاث دلاء» (11) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 431 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 _ 240 ، ح 693 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 435 .
3- .. المقنعة ، ص 66 .
4- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 90 .
6- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 47 .
7- .. المراسم ، ج 1 ، ص 35 .
8- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 71 .
9- .. الهداية ، ص 70 _ 71 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .
10- .. حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 91 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 688 ؛ وص 245 ، ح 706 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ح 477 .

ص: 142

وعن حمّاد ، عن فضالة ، عن ابن سنان ، مثله . (1) ومنها ما يدلّ على وجوب دلاء من غير تعيين لعددها ، وظاهرها الثلاثة ، وهو صحيحة الفضلاء : زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، عن أبيعبداللّه وأبيجعفر عليهماالسلام ؛ في البئر تقع فيها الدابّة والفأرة والكلب والطير ، فيموت ؟ قال : «يخرج ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ اشرب وتوضّأ» (2) .وخبر البقباق ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام في البئر تقع فيها الفأرة أو الدابّة أو الكلب أو الطير فيموت ، قال : «يخرج ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ» (3) .ومثله صحيحة عليّ بن يقطين (4) المتقدّمة في شرح عنوان الباب . ويؤيّدها قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي : «إذا سقط في البئر شيء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء» (5) .ومنها ما يدلّ على الخمس مقيّدا بعدم التفسّخ ، وهو هذه الحسنة . ومنها ما يدلّ على السبع مقيّدا بعدم تغيّر الماء ، وهو ما رواه المصنّف عن أبيبصير (6) ، وخبر سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر أو الطير؟ قال : «إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء» ، الحديث (7) ، وقد تقدّم.

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 686 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 101 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 182 _ 183 ، ح 458 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 688 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 107 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ذيل ح 477 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 _ 237 ، ح 682 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 283 _ 284 ، ح 461 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 685 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 100 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 284 ، ح 462 .
5- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ج 34 ، ح 92 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 240 ، ح 694 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 180 ، ح 449 .
6- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ، ح 681 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 98 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، فص 183 ، ح 460 .

ص: 143

ومنها ما يدلّ على السبع من غير تقييد بقيد ، وهو ما تقدّم من خبر أبيعيينة (1) ، ورواية أبياُسامة ويعقوب بن عثيم (2) .وخبر عليّ بن أبيحمزة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر ؟ قال : «سبع دلاء» ، قال : وسألته عن الطير والدجاجة تقع في البئر ؟ قال : «سبع دلاء ، والسنّور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا ، والكلب وشبهه» (3) .وما سيأتي عن عمرو بن سعيد بن هلال . ومنها ما يدلّ على السبع مقيّدا بالتسلّخ ، رواه أبوسعيد المكاري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا وقعت الفأرة في البئر فتسلّخت ، فانزح منها سبع دلاء» (4) .ومنها ما يدلّ على نزح أربعين إذا لم يتغيّر الماء ، وقد تقدّم في خبر أبيخديجة (5) . ومنها ما يدلّ على نزح الجميع من غيير تقييد ، رواه عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال: سئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ؟ قال: «ينزف كلّها» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 674 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 84 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 _ 174 ، ح 433 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ، ح 692 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 188 ، ح 479 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 673 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 83 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 434 . والخبر هكذا: سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن أبيعيينة ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر ، فقال : «إذا خرجت فلابأس ، وإن تفسّخت فسبع دلاء» . وهذه الرواية من الطائفة التالية الدالّة على السبع مقيّدا بالتفسّخ ، وإنّما ذكرناها لعدم ذكرها سابقا .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 235 _ 236 ، ح 680 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 97 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ، ح 459 . ثمّ قال الشيخ : «قوله عليه السلام : والكلب وشبهه ؛ يريد به في قدر جسمه ، وهذا يدخل فيه الشاة والغزال والثعلب والخنزير وكلُّ ما ذكر» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ، ح 691 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 110 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ح 476 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 242 ، ح 699 ؛ وص 284 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 _ 185 ، ح 464 .

ص: 144

وعهدة التأويل في الجمع بين تلك الأخبار على القائل بوجوب النزح ، وأمّا القائل باستحبابه ، فالأمر عليه هيّن كما أشرنا إليه .وأمّا السنّور والكلب وما ناسبه في الجثّة ؛ ففي المقنعة : «ينزح منها إذا مات فيها شاة أو كلب أو خنزير أو سنّور أو غزال أو ثعلب وشبهه في قدر جسمه أربعون دلوا» . (1) ومثله قال الشيخ في النهاية (2) ، وبه قال الشهيد في سائر كتبه ، وإليه ذهب عامّة المتأخّرين .ولم أجد خبرا في خصوص أربعين فيه ، نعم في بعضها : «نزح ثلاثين أو أربعين» وفي بعض آخر : «عشرون أو ثلاثون أو أربعون» وقد رويناهما عن سماعة (3) ، وعن عليّ بن أبيحمزة (4) .وفي بعضها : «نزح سبع له ولشبهه» ، رواه عمرو بن سعيد بن هلال ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عمّا يقع في البئر بين الفأرة والسنّور إلى الشاة ، فقال : كلَّ ذلك يقول : «سبع دلاء» قال : حتّى بلغت الحمار والجمل ، فقال : «كرّ من ماء» . (5) وفي بعضها التخيير بين التسعة والعشرة في الشاة وما أشبهها ، رواه إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «الدجاجة [ ومثلها ]تموت في البئر ينزح منها دلوان أو ثلاثة ، فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة» (6) .

.


1- .. النهاية ، ص 6 .
2- .. المقنعة ، ص 66 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ، ح 681 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 98 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1، ص 183 ، ح 460 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 235 _ 236 ، ح 680 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 97 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ، ح 459 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 235 ، ح 679 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 34 ، ح 91 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 180 ، ح 448 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 683 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 105 ؛ وص 43 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 186 ، ح 470 .

ص: 145

وفي بعضها : «الخمسة» كهذه الحسنة وفي بعضها : «الدلاء» كصحيحة الفضلاء ، وخبر البقباق ، وصحيحة عليّ بن يقطين المتقدّمة .وإنّما عيّنوا الأربعين للاحتياط على ما صرّح به الشيخ في كتابَي الأخبار (1) ، والشهيد في الذكرى (2) ، ويشكل ذلك في الفتوى ، نعم هو أحوط في العمل .على أنّه قد ورد في عدّة من الأخبار نزح الجميع في الكلب ، فلايتمّ الاحتياط أيضا ، رواه عبداللّه بن المغيرة في الصحيح عن أبيمريم ، قال : كان أبوجعفر عليه السلام يقول : «إذا مات الكلب في البئر نزحت» . [ قال : ] وقال جعفر [ عليه السلام ] : «إذا وقع فيها ثمّ اُخرج منها حيّا نزح منها سبع دلاء» (3) .و[ رواية ] عمّار بن موسى الساباطي ، وقد تقدّم . وفي خبر أبيبصير : «فإن سقط فيها كلب فقدرت أن تنزح ماءها فافعل» (4) .وجوّز في الاستبصار إرادة الأربعين من الدلاء معلّلاً بقوله : فإنّه جمع الكثرة ، وهو ما زاد على العشرة ، ولايمتنع أن يكون المراد به أربعين دلوا حسب ما تضمّنه الأخبار الأوّلة ، ولو كان المراد بها دون العشرة لكان جمعه يأتي على أفعِلة دون فِعال . (5) وجوّز في أخبار العشر وما دونها أن يكون عليه السلام أجاب عن حكم بعض ما تضمّنه السؤال من الفأرة والطير ، وعوّل في الباقي على ما هو المعروف من مذهبه أو غيره من الأخبار التي شاعت عنهم عليهم السلام . وفصّل الصدوق في الفقيه بين هذه الميتات ، فقال في السنّور بسبعة (6) ، وفي الشاة

.


1- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 95 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 _ 238 ، ح 687 ؛ وص 415 ، ح 1310 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 103 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 182 ، ح 457 .
5- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ذيل الحديث 101 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .

ص: 146

وما أشبهها غير الكلب بتسعة أو عشرة (1) ، وفيه بثلاثين إلى أربعين . (2) هذا ، ولو خرج الكلب حيّا ؛ فالمشهور نزح سبع ؛ لصحيحة أبيمريم المتقدّمة ، ونسبه الشيخ في النهاية إلى الرواية (3) . وحكى في المنتهى عن ابن إدريس (4) أنّه طرحها ؛ استضعافا لها ، وقال : «ينزح منها أربعون دلوا . ثمّ قال : ولا أعرف من أين هذا الاستضعفاف ، وكأنّ استضعافه لقول الشيخ في النهاية : «وروي» ، فهو خيال فاسد» انتهى . (5) وقيل : إنّما أوجب نزح أربعين مع أنّه يوجب نزح الجميع لما لانصّ فيه ؛ لأنّه أوجب نزح أربعين لميتة ولايزيد نجاسته حيّا على نجاسته ميّتا ، فوجب أن لايزيد حكمه أيضا . ويردّه ما اشتهر من أنّ بناء حكم البئر على جمع المختلفات وتفريق المتّفات.وأمّا الدجاجة والحمامة وما أشبهها ؛ فالمشهور فيها نزح سبع ، ولم أجد له مخالفا ، ويدلّ عليه خبر عليّ بن أبيحمزة المتقدّم ، وفي خبر البقباق وصحيح الفضلاء المتقدّمَين : «دلاء» ، ولعلّ المراد منها السبعة للجمع ، وفي هذه الحسنة : «خمس» ، وفي خبر إسحاق بن عمّار المتقدّم : «دلوان أو ثلاثة» ، والجمع بين الأخبار بحمل السبعة على الأفضل هو أحد الوجهين للشيخ ، وفي وجه آخر حمل الزائد على ما إذا تفسّخ والناقص على غيره . (6)

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 90 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 .
4- .. النهاية ، ص 6 _ 7 .
5- .. السرائر ، ج 1 ، ص 77 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 44 ، ذيل الحديث 122 .

ص: 147

[قوله] في مرفوعة محمّد بن يحيى : (لايفسد الماء إلّا ما كان له نفس سائلة) . [ ح 4/3825 ]يدلّ على عدم وجوب نزح لما لانفس له إذا مات في البئر، ومثله خبر جابر (1) .وما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطي ، قال : سُئِل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ؟ قال : «كلّ ما ليس له دم فلابأس به» . (2) وعن حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، قال : «لايفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» . (3) وعن ابن مسكان ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس» . (4) ويؤيّدها أنّ ميّتها طاهرة إجماعا ، فما دلّ على نزح شيء لأصناف منه وسنرويها ؛ يمكن حمله على التنزّه والاستحباب . ويمكن حمل بعض منه على رفع وهم السمّيّة ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.وقد وقع الخلاف في بعض أنواعه ، منها الوزغة ، فقال الشيخان (5) : «ينزح منها ثلاث دلاء» . وظاهرهما الوجوب .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 31 مرسلاً؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 708 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 115 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 189 ، ح 483 . والمراد بمثليّة خبر جابر عدم فساد الماء بالسام أبرص من جهة أنّه ليس له نفس سائلة .
2- .. تهذيب الأخبار ، ج 1 ، ص 230 ، ح 665 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 ، ح 66 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 363 _ 364 ، ح 4183 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 231 ، ح 669 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 ، ح 67 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 241 ، ح 624 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 230 ، ح 666 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 _ 27 ، ح 68 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
5- .. قاله الشيخ الطوسي في النهاية ، ص 7 ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 12 ؛ والشيخ المفيد في المقنعة ، ص 67 .

ص: 148

واحتجّ عليه في كتابَي الأخبار (1) بصحيح معاوية بن عمّار ، وخبر ابن سنان المتقدّمَين في شرح الخبر السابق ، وبه قال الصدوق (2) ، وهو محكيّ عن ابن البرّاج (3) وابن حمزة (4) .وعن سلّار (5) وأبيالصلاح (6) : دلوٌ ؛ لمرسل عبداللّه بن المغيرة . (7) وقال الصدوق : وسأل يعقوب بن عثيم أباعبداللّه عليه السلام ، فقال له : بئر في مائها ريح يخرج منها قطع جلود ، فقال : «ليس بشيء ، لأنّ الوزغ ربما طرح جلده ، إنّما يكفيك من ذلك دلو واحد» . (8) ومنها سام أبرص ، وهو نوع من الوزغة ، فقال الشهيد في الذكرى : «فيه سبع» وأطلق ، وبه قال الشيخ في الاستبصار ، لكن صرّح باستحبابها ، وبذلك جمع بين خبر جابر (9) وخبر يعقوب بن عثيم ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : سام أبرص وجدناه قد تفسّخ في البئر ؟ قال : «إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء» . (10) وفصّل في التهذيب فقال بوجوب سبع مع التفسّخ وعدم وجوب شيء مع عدمه ؛ للجمع بين الخبرين (11) ، وهو ظاهر الصدوق حيث نقل الخبرين في الفقيه من غير تأويل لأحدهما . (12)

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
2- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 706 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 20 ، ح 28 .
5- .. الوسيلة ، ص 75 .
6- .. المراسم ، ص 35 و36 .
7- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 189 ، ح 484 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 484 .
9- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 115 .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 32 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 707 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 114 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 176 ، ح 440 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 707 و708 .
12- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 30 و31 .

ص: 149

ومنها الحيّة ، ففي المختلف :قال الشيخان (1) : ينزح لها ثلاث دلاء ، وهو قول أبيالصلاح (2) وسلاّر (3) وابن البرّاج (4) وابن إدريس (5) ، وقال عليّ بن بابويه : ينزح منها سبع دلاء (6) ، واحتجّ الأوّلون (7) برواية عمّار الساباطي عن أبيعبداللّه عليه السلام «فيما يقع في بئر الماء فيموت ، فأكثره الإنسان ؛ ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد» (8) ، فالحيّة يجب فيها أكثر من العصفور ، وإلّا لم تخصّ القلّة بالعصفور ، وإنّما أوجبنا نزح ثلاث ؛ لمساواتها الفأرة في قدر الجسم تقريبا ، وبما رواه إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام :أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان [ أو ]ثلاثة» (9) . ولاريب أنّ الحيّة لاتزيد عن قدر الدجاجة في الجسم ، واحتجّ عليّ بن بابويه بأنّها في قدر الفأرة أو أكثر ، وقد بيّنّا أنّ في الفأرة سبع دلاء ، فلاتزيد الحيّة عنها ؛ للبراءة ، ولاينقص عنها ؛ للأولويّة انتهى . (10) ولا يخفى ما في الاحتجاجين من الضعف ، على أنّ الميتة ممّا لانفس له سائلة طاهرة إجماعا ، وإذ لا نصّ عليه شيء لها ، وإن وردت في نظائرها ينبغي عدم النزح رأسا . وإن قيل : إنّ النزح هنا لرفع توهّم السمّيّة ، ينبغي إلحاقها بالسام أبرص أو العقرب ، والأظهر القول بسبعة دلاء ، والاحتجاج لها بعموم الشيء الصغير لها في صحيحة

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
2- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
3- .. المراسم ، ص 36 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 683 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 105 ؛ وص 43 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 186 ، ح 470 .
6- .. النهاية ، ص 7 ، المقنعة ، ص 67 .
7- .. السرائر ، ج 1 ، ص 83 .
8- .. وحكى المحقّق الحلّي في المعتبر ، ج 1 ، ص 74 عن رسالة ابن بابويه أنّه اكتفى في الحيّة بدلو واحد .
9- .. في المصدر : «الأكثرون» .
10- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 213 _ 214 .

ص: 150

الحلبي (1) ، والدابّة الصغيرة أيضا فيما سيأتي من صحيحة عبداللّه بن سنان ، فتأمّل . ومنها العقرب ، فقال الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) : «ينزح لها ثلاث دلاء» . وكأنّه احتجّ بقول الصادق عليه السلام : «يسكب ثلاث مرّات» فيما مرّ من خبر هارون بن حمزة الغنوي وقد سأله عن الفأرة والعقرب (4) .وفيه : أنّه ظاهر في الراكد ، ولو قيل بالعشرة كان وجها ؛ لرواية منهال ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : العقرب تخرج من البئر ميّتة ، قال : «استق عشر دلاء» . قلت : فغيرها من الجيف ؟ قال : «الجيف كلّها سواء إلّا جيفة قد أجيَفَت ، وإن كانت جيفة قد أجيَفَت فاستقِ منها مائة دلو ، فإن غلب عليها الريح بعد مائة فانزحها كلّها» . (5) وفيه أيضا تأمّل ؛ لاشتمال الخبر على تساوي الميّتات كلّها في حكم العشر ، وعلى نزح مائة دلو إذا تغيّر الماء ولو زال التغيّر قبلها ، وهما مخالفان للإجماع والأخبار ، إلّا أن تخصّ الجَيف بما لانفس له سائلة ، ونزح المائة بما إذا لم يزل التغيّر إلّا بها ، مع أنّ ذلك لايرفع الإشكال رأسا .[قوله] في صحيح الحلبي : (إذا سقط في البئر شيء صغير فمات فيها) . [ ح 7/3828 ] المراد بالشيء الصغير نحو الفأرة والحيّةوفيه مسائل: الاُولى: يدلّ الخبر على أنّه ينزح سبع دلاء لوقوع الجنب في البئر، ومثله صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام في البئر يقع فيها الميتة ، قال : «إذا كان له

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. النهاية ، ص 7 .
3- .. تقدّمت آنفا .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 690 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 113 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 188 ، ح 480 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 231 ، ح 667 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 70 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 196 ، ح 508 .

ص: 151

ريح ، نزح منها عشرون دلوا» . وقال : «إذا دخل الجنب البئر ، نزح منها سبع دلاء» . (1) وصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب ، نزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها ثور أو صُبّ فيها خمر ، نزح الماء كلّه» (2) . وهذه الأخبار مطلقة في ذلك ، وبه قال المفيد في المقنعة (3) ، والأكثر قيّدوها بما إذا اغتسل فيها ؛ لرواية عبداللّه بن بحر ، عن ابن مسكان ، قال : حدّثني أبوبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل فيها ؟ قال : «ينزح منها سبع دلاء» ، الحديث (4) ، وسيأتي .ولموافقة الاعتبار ؛ إذ المفروض خلوّ بدنه عن المنيّ ، وإلّا لوجب نزح الجميع ، فلاينبغي النزح لمطلق وقوعه فيها ومباشرة بدنه للماء ، بخلاف ما إذا اغتسل فيها ؛ فإنّه يوهم حدوث نجاسة فيها ، وهو وجيه على القول بوجوب النزح .وأمّا على استحبابه ، فلايبعد القول به مطلقا ؛ لما ذكر من إطلاق الأخبار الصحيحة ، وعدم قابليّة المقيّد لتقييدها ؛ لعدم صحّته ، ولكون القيد في كلام السائل وهو ليس بحجّة ، والاعتبار يوافق هذا أيضا ، وإن كان الأوّل أوفق .ثمّ الغسل في الخبر وفي كلام بعض الأصحاب شامل للترتيبي والارتماسي ، وظاهر ابن إدريس اختصاصه بالارتماسي ؛ حيث قال : «ولارتماس الجنب الخالي بدنه من نجاسة عينيّة سبع دلاء ، وحدّ ارتماسه أن يغطّى الماء رأسه ، فأمّا إن نزل فيها

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 ، ح 703 . وفي الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 24 مقتصرا على الفقرة الاُولى ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ح 502 و503 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 695 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 34 _ 35 ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 444 .
3- .. كتب في الهامش : «وقد قال فيها [ ص 67 ] : فإن ارتمس فيها جنب أو لاقاها بجسمه وإن لم يرتمس فيها ؛ أفسدها ولم يطهّر بذلك ، ووجب تطهيرها بنزح سبع دلاء . منه ».
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 ، ح 702 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ح 505 .

ص: 152

ولم يغطّ رأسه ماؤها ؛ فلاينجس ماؤها» . (1) وهو ظاهر الشيخ أيضا في التهذيب ، فإنّه قال : «وإن ارتمس فيها جنب ، وجب تطهيرها بنزح سبع دلاء» (2) .وهو تخصيص من غير مخصّص ، والظاهر صحّة الغسل وإن قيل بنجاسة الماء؛ لترتّب النجاسة على الغسل كاملاً ، ولعدم تعرّضه عليه السلام لفساده ، فلو فسد لزم تأخير البيان . وفي شرح اللمعة :وعلى هذا فإن اغتسل مرتمسا طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتّبا ففي نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأوّل مع اتّصاله به أو وصول الماء إليه ، أو توقّفه على إكمال الغسل؟ وجهان . (3) الثانية : قال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة :وإن مات فيها بعير نزح جميع مائها ، فإن صعب ذلك لغزارة الماء وكثرته تراوح على نزحها أربعة رجال يستقون منها على التراوح من أوّل النهار إلى آخره وقد طهرت بذلك ، فإن وقع فيها خمر وهو الشراب المسكر من أيّ الأصناف ، كان نزح جميع ما فيها إن كان قليلاً وإن كان كثيرا تراوح على نزحها أربعة رجال من أوّل النهار إلى آخره ، على ما ذكرناه . (4) وفي المنتهى : «لم أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس» . (5) واحتجّ الشيخ (6) على نزح الجميع بأنّه «قد نجس الماء بذلك بلاخلاف ، فيجب أن

.


1- .. المقنعة ، ص 67 .
2- .. السرائر ، ج 1 ، ص 79 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 243 ، قُبَيل الحديث 701 . ولايخفى أنّ هذه العبارة حكاها عن المقنعة للشيخ المفيد ، نعم نحوه للشيخ الطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 12 ؛ والنهاية ، ص 7 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 271 _ 272 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 73 .
6- .. تهذيب الأخبار ، ج 1 ، ص 240 _ 242 .

ص: 153

لايحكم عليه بالطهارة إلّا بدليل قاطع ، ولادليل يقطع به في الشريعة على شيء مقدّر ، فيجب أن ينزح جميعها» ، وأكّد حكم الجزءين بهذه الصحيحة وحكم الخمر بقوله عليه السلام في صحيح عبداللّه بن سنان المتقدّم : «أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه» .وفي صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم أيضا : «ينزح الماء كلّه» في الجواب عن صبّ الخمر فيها . وعلى التراوح بما تقدّم من خبر عمرو بن سعيد بن هلال ؛ لدلالته على نزح كرّ في الجَمَل ، فيكون التراوح أولى ؛ لأنّه يزيد على كرّ ، وبأنّ التراوح معتبر فيما إذا تغيّر ماؤها وتصعب نزح جميعه على ما دلّ عليه ما سبق من موثّق عمّار عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ؟ قال : «ينزف كلّها ، فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل ، ثمّ يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت» (1) .فيجب أن يكون مجزيا في كلّ ما وجب نزح الجميع له وصعب ذلك . ولايخفى ما في وجهَي التراوح من الضعف ، أمّا الأوّل ، فلأنّه إنّما يدلّ على إجزاء التراوح للجمل وفي حكمه مطلق البعير ، ولاريب فيه ، وهو معنى آخر غير وجوبه المدّعى .وأمّا الثاني ، فلعدم صحّة الخبر ؛ لكون أكثر رواتها فطحيّة وإن وثّقوهم ، ولاشتماله على نزح جميع الماء للكلب والخنزير والفأرة وهو مخالف للنقل والاعتبار ، وحمله على ما إذا تغيّر الماء بعيد في الفأرة ، والظاهر وقوع سهو من عمّار في النقل ، وقد اشتهر عدم ضبطه .ويدلّ عليه عدم خلوّ أكثر الأخبار التي هو راويها عن تشويش واضطراب . ثمّ الظاهر شمول البعير للجمل ، ففي شرح اللمعة : «هو _ يعني البعير _ من الإبل بمنزلة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 242 ، ح 699 ؛ وص 284 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 _ 185 ، ح 464 .

ص: 154

الإنسان يشمل الذكر والاُنثى الصغير والكبير» . (1) فظاهر هذه الصحيحة نزح الجميع للجمل أيضا . فأمّا ما ورد في خبر عمرو بن سعيد بن هلال المتقدّم من نزح كرّ وقد سأله السائل عن الحمار والجمل ؛ فمع ضعفه ، خصّ الشيخ في الاستبصار الجواب فيه بالحمار وقال : «وأحال عليه السلام جواب السؤال عن الجمل على ما هو المعروف من مذهبه» . (2) وكذا الظاهر في الخمر عدم الفرق في ذلك بين قليلها وكثيرها كما هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأنّ العلّة في ذلك تأكّد حرمتها لا تأكّد نجاستها ؛ لما تقرّر من عدم تماميّة دليل نجاستها فضلاً عن تأكّدها ، والقطرة منها مشاركة للكثير منها في تأكّد الحرمة ، واستلزام الصبّ لكثرتها ممنوع .وخصّ الصدوق في المقنع الحكم بالكثير منها ، فإنّه قال _ على ما حكى عنه في المختلف (3) _ : ينزح للقطرة من الخمر عشرون دلوا (4) ، محتجّا بما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبيإسحاق ، عن نوح بن شعيب الخراساني ، عن بشير ، عن ياسين ، عن حريز ، عن زرارة ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد (5) ؛ ينزح منه عشرون دلوا» (6) . وقد سبق الخبر بتمامه .

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 258 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ذيل الحديث 93 ، ولفظه هكذا : «لأنّه لايمتنع أن يكون عليه السلام أجاب بما يختصّ حكم الحمار ، وعوّل في حكم الجمل على ما سمع منه من وجوب نزح الماء كلّه» .
3- .. المختلف ، ج 1 ، ص 195 ؛ وص 196 _ 197 .
4- .. المقنع ، ص 34 ، ولفظه هكذا : «فإن وقعت في البئر قطرة دم أو خمر أو ميتة أو لحم خنزير ، فانزح منها عشرين دلوا» .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «كلّه سواء».
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 697 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 _ 36 ، ح 96 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 446 . ولم يصرّح الصدوق بالرواية ولا سنده ، نعم لفظه قريب من هذه الرواية .

ص: 155

وهو ضعيف لوجود مجاهيل فيه ، «أبيإسحاق» وهو مشترك بل الظاهر أنّه الخراساني بقرينة روايته عن الخراساني ، وحاله غير معلوم ، ونوح بن شعيب الخراساني وهو غير مذكور في كتب الرجال ، وبشير وهو مشترك بين مجاهيل ، وياسين وهو ضرير للجهالة .وقد سبق في خبر محمّد بن زياد ، عن كردويه : «نزح ثلاثين لها» ، وهو أيضا مجهول لجهالة كردويه ، واشتراك محمّد بن زياد بين العطّار الثقة ومجاهيل متعدّدة . واحتمل الشيخ أن يكون ذكر الخمر في هذين الخبرين من سهو الرواة (1) .[قوله] في صحيحة زرارة : (قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر) إلخ . [ ح 10/3831 ] ظاهره طهارة ما لاتحلّه الحياة من نجس العين اُبين من حيّ أو ميّت ، ومثلها ما رواه الشيخ في باب الذبائح والأطعمة من التهذيب عن الحسين بن زرارة ، قال : كنت عند أبيعبداللّه عليه السلام وأبي يسأله عن السِنّ من الميتة واللبن من الميتة والبيضة من الميتة ؟ (2) فقال : «كلّ هذا ذكيّ» . قال : فقلت : شعر الخنزير يعمل به حبلاً يُستَقى به من البئر الذي يشرب منها ويتوضّأ منها ؟ فقال : «لابأس به» .وزاد فيه عليّ بن عقبة وعليّ بن الحسن بن رباط ، قال : «والشعر والصوف كلّه ذكيّ» . (3) ويؤيّدها تقييد تحريم الخنزير بلحمه في قوله سبحانه : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ » . (4)

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 .
2- .. في المصدر : «وأبي يسأله عن اللبن من الميتة والإنفحة من الميتة والبيضة من الميتة» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 750 ، ح 320 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 6 ، ص 258 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 180 ، ح 30289 .
4- .. المائدة (5) : 3 .

ص: 156

وما رواه الشيخ في الباب المذكور عن برد الإسكاف، قال: قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّي رجل خزّاز لايستقيم عملُنا إلّا بشَعر الخنزير يُخرَزُ (1) به ؟ قال : «خُذ منه وَبرة فاجعلها في فخارة ثمّ أوقد تحتها حتّى يذهب دسمه ثمّ اعمل به» (2) .وما هو المشهور بين الأصحاب من الطهارة فيما لاتحلّه الحياة من الميتة التي تكون حيّها طاهرا ، بل لم أجد مخالفا له ، ويدلّ عليه خبر الحسين بن زرارة المتقدّم ، وهو ظاهر المصنّف ، ونسبه إلى أصحابنا وإلى أبيحنيفة وأصحابه والصدوق ، وبه صرّح السيّد المرتضى في الانتصار (3) ؛ محتجّا بأنّه لعدم حلول الحياة فيه لايكون جزءا من الحيوان ، وقد احتجّ عليه بحمله على ما لاتحلّه الحياة من الميتة .وردّ الأوّل بالمنع ، والثاني بالفرق بأنّ المقتضي للنجاسة في الميتة إنّما هو صفة الموت ، وهي غير حاصلة فيما لاتحلّه الحياة منها ، بخلاف نجس العين ، فإنّ المقتضي لنجاسته هو ذاته ، وهي شاملة لما لاتحلّه الحياة منه (4) ، فتأمّل .والمشهور بين الأصحاب نجاسته ، وهو منسوب في الانتصار (5) إلى الشافعي ، واحتجوّا عليه بقوله تعالى : «فَإِنَّهُ رِجْسٌ » (6) بناء على عود الضمير إلى الخنزير ؛ لكونه أقرب ، وقوله عزّ وجل : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (7) ، وبقول الصادق عليه السلام في الكلب : «رجس نجس» (8) ، فإنّ تلك الأدلّة تقتضي أن يكون عين هذه وذاتها نجسة ، فتدخل

.


1- .. خَرَزَ الخُفَّ يَخرِزُه ويخرُزُه : كَتَبَه ، والخَزّار _ كشدّاد _ : هو الذي يقال له بالفارسية : موزه دوز .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 84 _ 85 ، ح 355 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 3 ، ص 348 _ 349 ، ح 4224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 228 ، ح 22396 ؛ وج 24 ، ص 237 ، ح 30427 .
3- .. قاله في الناصريّات ، ص 100 ، المسألة 19 ، ولم أعثر عليه في الانتصار .
4- .. الاحتجاج والردّ موجودان في مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 276 _ 277 .
5- .. الناصريّات ، ص 100 ، ولم أعثر عليه في الانتصار .
6- .. الأنعام (6) : 145 .
7- .. التوبة (9) : 28 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 .

ص: 157

فيها جميع أجزائها ، ولم يعتبر في نجاستها حياتها حتّى يخرج ما لاتحلّه الحياة منها عن الحكم ، وبإطلاق الأمر بالغسل بإصابة نجس العين الثوب أو البدن في أخبار متعدّدة بحيث شمل إصابة شعره ووبره ونحوهما . وبما رواه الشيخ في الباب المشار إليه من التهذيب عن بُرد الإسكاف قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : جعلت فداك ، إنّا نعمل بشعر الخنزير ، فربما نسي الرجل فصلّى وفي يده شيء منه ، قال : [ لاينبغي أن يصلّي وفي يده منه شيءٌ . وقال : ] «خذوه فاغسلوه ، فما كان له دسم فلاتعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به ، واغسلوا أيديكم منه» (1) .وعن سليمان الإسكاف ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخزر به ، قال : «لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي» . (2) وفي كتاب المكاسب عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحبائل بشعر الخنزير ، قال : «إذا فرغ فليغسل يده» . (3) وعن برد الإسكاف ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يعمل به ؟ قال : «خذ منه فاغسله بالماء حتّى يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه ، ثمّ اجعله في فخارة جديدة ليلة باردة ، فإن جمد فلاتعمل به ، وإن لم يجمد فليس عليه دسم فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة» . قلت : ووضوئي ؟ قال : «لا، اغسل اليد كما تمسّ الكلب» . (4) وربما نوقش في عود الضمير في الكريمة الاُولى إلى الخنزير ، وجوّز عوده إلى اللحم ؛ منعا لأولويّة الأقرب بهذا المقدار ، وفي كون تلك الأجزاء من حملة المحكوم بنجاستها من الكافر وأخويه .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 85 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 228-229 ، ح 22397 ؛ وج 24 ، ص 237 ، ح 30428 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 85 ، ح 357 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 418 ، ح 4038 ؛ وج 24 ، ص 238 ، ح 30429 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 382 ، ح 1129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 227 _ 228 ، ح 22394 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 382 _ 383 ، ح 1130 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 228 ، ح 22395 .

ص: 158

ولايبعد المناقشة في الأخبار الأخيرة أيضا بحمل الأمر بغسل اليد فيها على الاستحباب ؛ للجمع ، والفريقان لم يفرّقوا بين الكافر ونظيريه .وصاحب المدارك بعد ما حكم بنجاسة ما لاتحلّه الحياة من الكلب والخنزير قال : «وأمّا الكافر ، فلم أقف على نصّ يقتضي نجاسة ما لاتحلّه الحياة منه» . (1) فلو قيل بطهارته كان حسنا ، وفي الفرق نظر يظهر ممّا ذكرناه ، فتأمّل . [قوله] في خبر عليّ بن أبيحمزة: (قال : ينزح منها عشرة دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا) . [ ح 11/3832 ]ومثله خبر أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها ؟ قال : «ينزح منها سبع دلاء» ، وسألته عن العذرة تقع في البئر ، قال : «ينزح منها عشرة دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا» (2) .وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الصدوق في الفقيه ، إلّا أنّه على تقدير الذوبان قال : «استقى منها أربعون دلوا إلى خمسين» . (3) وعيّن بعض الأصحاب الخمسين في الذائبة ، وهو محكيّ عن أبيالصلاح (4) وابن البرّاج (5) وابن حمزة (6) وابن إدريس (7) والسلّار (8) ، وإليه مال الشهيد في الذكرى (9) معلّلاً بالاحتياط ، وبه قال الشيخ إلّا أنّه اعتبر الرطوبة واليبوسة بدلاً عن الذوبان وعدمه ، فقال في المبسوط : «وإن وقعت فيها عذرة وكانت رطبة ، نزح منها خمسون دلوا ، وإن كانت

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
2- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
4- .. الوسيلة ، ص 75 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 ، ح 702 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ح 505 .
6- .. السرائر ، ج 1 ، ص 79 .
7- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 276 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 18 . ومثله في الهداية ، ص 71 ؛ والمقنع ، ص 29 .
9- .. المراسم ، ص 35 .

ص: 159

يابسة ، نزح منها عشر دلاء» (1) .ومثله في النهاية (2) والاستبصار . (3) والأولى التعبير بما في النصّ ، وقد ورد في بعض الأخبار نفي البأس عن وقوع زبيل من عذرة في البئر مطلقا ، رواه عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، في الصحيح أنّه سأله عن بئر ماء وقع فيها زنبيل (4) من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها ؟ قال : «لا بأس» (5) .وفي بعضها مثله مقيّدا بكثرة الماء ، رواه عمّار في الموثّق ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : «لابأس إذا كان فيها ماء كثير» (6) . وقد سبق الخبران .وحملهما الشيخ في الاستبصار على نفي البأس بعد نزح المقدّر . (7) وربما خُصّ الزِبّيل المقيَّد بحيث لايخرج منه شيء في البئر ، وإليه أشار الصدوق بقوله : «هذا إذا كانت في زِبّيل لم ينزل شيء منه في البئر» . (8) وفي خبر أبيمريم الأنصاري المتقدّم أنّه عليه السلام نزح دلوا للوضوء من ركيّ له ، فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة ، فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي (9) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1312 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 192 ، ح 495 .
2- .. النهاية ، ص 7 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 7 .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «زبيل» ، وكذا في المورد التالي ، والمعنى واحد .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 246 ، ح 709 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 118 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 172 ، ح 429 ، وص 192 ، ح 496 .
7- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، واحتمل أيضا أن يكون المراد بالبئر المصنع الذي يكون فيه الماء أكثر من كرّ .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 _ 18 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1313 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 119 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 154 ، ح 386 .

ص: 160

وحمل الشيخ تارة الرَّكيّ فيه على المصنع الذي فيه ماء كثير وهو لاينفع إلّا على القول بعدم تأثّر القليل بالملاقاة ، وعليه يجوز إبقاؤه على ظاهره (1) ، وتارة العذرة على عذرة مايؤكل لحمه (2) ، وهو بعيد .وفي خبر الحسين بن سعيد ، عن ابن أبيعمير ، عن كردويه ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدوابّ وأرواثها وخرء الكلاب ؟ قال : «ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مُبخرة» (3) ، وقد سبق .وفيه إشكال آخر أيضا منافاته لما سبق في البول من أربعين لبول الرجل ودلو واحد أو ثلاث دلاء لبول الصبيّ ، وما يجب لما لانصّ فيه لبول الخنثى ولخرء الكلاب . واُجيب عن هذا بأنّ ما ذكر لكّل من هذه النجاسات بانفرادها لاينافي نزح ثلاثين للجميع إذا خالطت ماء المطر ؛ لجواز أضعاف ماء المطر نجاستها ، على أنّ بناء حكم البئر على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، وقد عرفت حال الخبر .واعلم أنّ المصنّف قدس سره لم يتعرّض لبعض النجاسات الواردة في البئر ممّا ورد فيه نصّ ، فلنذكرها استتماما للمبحث : فمنها ما ورد فيه نزح الجميع وهو الثور ، فأوجبه فيه الصدوق في الفقيه (4) والشهيد في الذكرى (5) والدروس (6) واللمعة (7) ، ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وإن مات فيها ثور أو صُبّ فيها خَمر نزح الماء كلّه» في صحيحة عبداللّه بن سنان (8) المتقدّمة .

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .
3- .. كتب في الهامش : «إلّا أن يقال بعدم تأثّر القليل بالملاقاة وتأثّر البئر بها ، ولم يقل به أحد . منه» .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 413 ، ح 1300 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 43 ، ح 120 ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 22 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 452 .
6- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 93 .
7- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 695 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 34 _ 35 ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، فص 179 ، ح 444 .

ص: 161

وهو ظاهر الشيخ في الاستبصار حيث ذكر شبه البعير والحمار في عنوان الباب (1) وذكر في ذيله هذه الصحيحة ، وكلامه في المبسوط والنهاية خال عن ذكره ، وكذا المقنعة وكتب الأكثر خالية عنه ، وكأنّهم أدخلوه في البقرة بناء على ما يظهر من صحاح الجوهري (2) ومن القاموس (3) من شمول البقرة للذكر . ومنها ما ورد فيه نزح كرّ وهو موت الحمار والبقرة وما أشبههما في قدر جثّتهما ، على ما ذكره الشيخ في المبسوط (4) ، فيشمل الفرس والبغل ، واقتصر الشهيد في اللمعة على ذكر الفرس والحمار والبقرة (5) ، ومثله العلّامة في التحرير (6) ،إلّا أنّه عبّر عن الفرس بالدابّة .وفي الدروس (7) أضاف البغل ، وفي الذكرى : «للحمار والبغل في الأظهر عن الباقر عليه السلام ، وليس البغل في بعض الروايات ، وفي الفرس والبقرة وشبههما للشهرة» . (8) وفي المعتبر : «هما ممّا لا نصّ فيه» . (9) وفي المقنعة : «للحمار والبقرة والفرس وأشباهها من الدوابّ» . (10) ومثله في المنتهى (11) .

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
3- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 47 .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 34 ، الباب 19 .
5- .. في صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 594 (بقر) : «البقر اسم جنس ، والبقرة تقع على الذكر والاُنثى ، وإنّما دخلته الهاء على أنّه واحد من جنس ، والجمع بقرات» .
6- .. القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 375 .
7- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ، وفيه بدل الفرس : «الدابّة» .
8- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 ، الدرس 17 .
9- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 62 .
10- .. المقنعة ، ص 66 ، باب تطهير المياه من النجاسات . وكان في الأصل : «أشباههما» ، فصوّبناه من المصدر.
11- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 65 مع زيادة «البغل» .

ص: 162

وفي شرح اللمعة : «والمنصوص منها مع ضعف طريقه الحمار والبغل ، وغايته أن ينجبر ضعفه بعمل الأصحاب ، فيبقى إلحاق الدابّة والبقرة بما لانصّ فيه أولى» . (1) ولم أجد خبرا في نزح الكرّ فيما ذكر إلّا ما سبق عن عمرو بن سعيد بن هلال ، وهو _ مع ضعفه كما مرّ _ إنّما يدلّ على ذلك في الحمار والجمل .ويظهر من المنتهى (2) أنّ الأصحاب لم يعملوا في الجمل بذلك ، بل أدخلوه في البعير وأوجبوا له نزح أربعين دلوا ؛ لما عرفت من شمول البعير للذكر والاُنثى ، وقصروا حكم الخبر على الحمار ، والأظهر تخصيص الكرّ بالحمار أو به وبالجمل وإيجاب دلاء للفرس والبغل والبقرة ؛ للأمر بنزحها للدابّة فيما مرّ من صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبيجعفر وأبيعبداللّه عليهماالسلام : في البئر تقع فيها الدابّة والفأرة _ إلى قوله _ : «ينزح منها دلاء» (3) .ومثله في خبر البقباق المتقدّم (4) . وتوجيهه أنّ الدابّة _ على ما ذكره أرباب اللغة _ اسم لكلّ ما يدبّ على وجه الأرض (5) ، وبوضع ثان لكلّ ما يركب ، وإنّما خصّت بالفرس في عرف جديد ، والأوّل ليس بمراد في الخبرين إجماعا ، فبقي الثاني ، وخرج منه البعير والثور والحمار بالدليل ، وبقي الفرس والبغل مرادين ، بل البقرة أيضا ؛ إذ قد شاع ركوبها .وممّا ذكرنا يظهر وقوع سهو في موضعين ممّا حكيناه عن شرح اللمعة ، فتأمّل . ومنها ما ورد فيه نزح سبعين دلوا وهو موت الإنسان فيها ، وهو مذهب الأصحاب ؛

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 _ 237 ، ح 682 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 283 _ 284 ، ح 461 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 685 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 100 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 284 ، ح 462 .
3- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 261 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 74 .
5- .. اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 124 (دبب) .

ص: 163

محتجّين عليه بالإجماع ، وبموثّق عمّار ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر ، فقال : «ينزح منها دلاء ، [ هذا إذا كان ذكيّا فهو هكذا ] وما سوى ذلك ممّا يقع في البئر فأكثره الإنسان ؛ ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك فيما بين هذين» (1) .والمشهور بينهم مساواة الذكر والاُنثى ، والصغير والكبير ، والمسلم والكافر في ذلك ، وإن قيل بوجوب نزح الجميع فيما إذا خرج الكافر منها حيّا بناء على القول بذلك فيما لانصّ فيه ؛ لإطلاق النصّ ، ولا ينافي ذلك لزوم زيادة حكمه حيّا عن حكمه ميّتا مع أنّ الموت يزيده نجاسة ، لما عرفت من أنّ حكم البئر مبنيّ على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، على أنّا نمنع زيادة نجاسته بالموت ؛ فإنّ نجاسته حيّا إنّما هو بسبب اعتقاده الفاسد وقد زال بالموت ؛ على ماذكره العلّامة في المختلف (2) .وربما ادّعي أنّ ذلك في الكافر لنجاسته المستندة إلى الموت ، وأنّ نجاسة كفره ممّا لانصّ فيه ، وعلى ذلك يجب (3) نزح ذلك للموت ، ونزح ما هو المقرّر لما لانصّ فيه ؛ لوقوعه فيه حيّا جميعا لو قيل بنزح الثلاثين أو الأربعين له ، وبعدم تداخل النجاسات ، وهو بعيد عن النصّ .وخصّه ابن إدريس بالمسلم وأوجب في الكافر نزح الجميع . (4) ونسبه في الذكرى (5) إلى أبي عليّ أيضا، وإليه مال الشهيد الثاني في شرح اللمعة؛ حيث قال : «سواء في ذلك الذكر والاُنثى ، والصغير والكبير ، والمسلم والكافر إن لم نوجب الجميع لما لانصّ فيه ، وإلّا اختصّ بالمسلم» . (6)

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
3- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 261 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ونحوه فيه، ج 1 ، ص 79 .
5- .. الكلمة غير واضحة في النسخ ، ويمكن أن يقرأ : «فيجب».
6- .. السرائر ، ج 1 ، ص 73 .

ص: 164

ومنها ذرق الدجاج ، فقد ذهب الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) إلى وجوب خمس دلاءله مطلقا جلّالاً كان أم لا ، ولمّا كان ذرق غير الجلاّل منه ظاهرا تبعا للجمّة عند الأكثر قيّدوه بالجلاّل ، منهم المفيد في المقنعة (3) والشيخ في كتابَي الأخبار (4) ، وهومذهب عامّة المتأخّرين . وفي المنتهى : «ولم أقف على حديث يدلّ على شيء منهما» . (5) فالأظهر إلحاق ذرق الجلاّل منه بما لا نصّ فيه وعدم وجوب شيء لذرق غير الجلاّل منه ؛ لطهارته . وربما احتجّ على نجاسته بما رواه فارس ، قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز الصلاة فيه ؟ فكتب : «لا» . (6) وهو مع ضعفه _ فإنّ فارسا وهو ابن حاتم القزويني قد وردت في ذمّه أخبار متظافرة عنهم عليهم السلام في كتب الرجال اشتمل بعضها على لعنه وطرده (7) ، ومضمر أيضا _ فلايعارض الأصل والعمومات الدالّة على طهارة ذرق الطيور لاسيّما ما يؤكل لحمه ، وتأتي في محلّه .وخصوص ما رواه وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب» . (8)

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. النهاية ، ص 7 .
3- .. المقنعة ، ص 68 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 95 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 782 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 619 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4017 .
7- .. يأتي بعض الأخبار في شرح أحاديث باب أبوال الدوابّ .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 _ 284 ، ح 831 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 177 ، ح 618 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4016 .

ص: 165

ولو سلّم عن ذلك كلّه ، فلايدلّ على المدّعى ، بل لابدّ من إلحاقه حينئذٍ بما لانصّ فيه ، فتأمّل .ومنها ما حكم له بنزح دلو ، وهو موت العصفور لموثّق عمّار المتقدّم (1) ، وألحق به ما هو في جثّته ممّا دون الحمامة ، وهو قياس ، والأظهر القول بالدلاء فيه ؛ لشمول الشيءالصغير والدابّة الصغيرة له في صحيحتي الحلبي (2) وعبداللّه بن سنان (3) المتقدّمتين .وفي المنتهى : «وألحق الصهرشتي (4) بالعصفور كلّ طائر في حال صغره ، وفيه إشكال ، والأقرب إلحاقه بنوعه» (5) ، هذا .وقد اختلفت العامّة في كمّيّة النزوح بعد ما اتّفقوا على تأثّر القليل وعدم تأثّر الكثير من مائها على ما سبق ، ففي [ فتح ] العزيز : ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها ، [ لكن ضرورة التدرّج إلى الاستقاء منها قد يخصّه لضرب من العسر ، ] فإن كان قليلاً وقد تنجّس بوقوع نجاسة فيه ، فليس من الرأي أن ينزح لينبع بعده الماء الطهور ؛ لأنّه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا ، وقد يفضي النزح إلى تنجّس جدران البئر أيضا ، بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حدّ الكثرة ، فإن كانت قليلة الماء لايتوقّع كثرته صبّ فيها ماء من خارج حتّى يكثر ، وينبغي أن يزول التغيّر أيضا لو كان متغيّرا ، وإن كان ماؤها كثيرا وقد تنجّس بالتغيّر فيكاثر إلى زوال التغيّر ، أو يترك بحاله حتّى يزول التغيّر بطول المكث أو بازدياد الماء . (6)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 695 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 34 _ 35 ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 444 .
3- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 240 ، ح 694 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ج 34 ، ح 92 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 180 ، ح 449 .
4- .. أبوالحسن سليمان بن الحسن بن سلمان الصهرشتي ، من تلاميذ السيّد المرتضى وأبيجعفر الطوسي وأبيالعبّاس النجاشي ، كان حيّا قبل سنة 460 ، من مصنّفاته : قبس المصباح (مختصر مصباح المتهجّد) ، النفيس ، التنبيه ، المتعة ، النوادر . راجع : الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 434 _ 435 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 298 ؛ الذريعة ، ج 2 ، ص 119 ، الرقم 475 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 98 _ 99 .
6- .. فتح العزيز للرافعي ، ج 1 ، ص 221 _ 222 .

ص: 166

وقال العلّامة رحمه الله في المنتهى :وللحنفيّة تقسيم آخر للنجاسة الواقعة في البئر، قالوا: إمّا أن يكون ذا روح أو لا، والثاني يوجب نزح الجميع كالبول والدم والخمر قلّت أو كثرت، والأوّل لايخلو إمّا أن يكون فأرة ونحوها كالعصفور وشبهه، أو دجاجة ونحوها كالسنّور، أو شاة ونحوها كالإنسان ، فلايخلو إمّا أن يخرج حيّا أو ميّتا ، وبعد الموت لايخلو إمّا أن يكون منتفخة أو متفسّخة تمعّط (1) شعرها ، أو غير منتفخة وغير متفسّخة ولم يتمعّط شعرها ، فإن خرج حيّا فلايوجب النزح شيء منها إلّا الكلب والخنزير ، ذكره القاضي الشهيد في نكته وقال : إنّ الفأرة إذا وقعت في البئر هاربة من الهرّ فإنّها توجب تنجيّس ماء البئر وإن خرجت حيّة ؛ لأنّها تبول من فزعها ، وكذا الهرّة إذا وقعت فيها هاربة من الكلب وغير الكلب ، والخنزير إذا خرج حيّا لم ينزح له شيء إذا لم يصب الماء فمه ، فإن أصاب فمه فإن كان سؤره طاهرا فالماء طاهر ، وإن كان نجسا فالماء نجس ، وإن كان مكروها فالماء مكروه ، ويستحبّ أن ينزح منها عشر دلاء ، وإن كان سؤره مشكوكا كالبغل والحمار نزح الماء كلّه ، كذا ذكر في الفتاوى عن أبييوسف (2) ، وإن استخرج بعد التفسّخ وتمعّط الشعر نزح الماء كلّه ، وإن استخرج قبله بعد الموت ؛ فإن كان فأرة ونحوها نزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون بعد إخراجها ، وإن كان سنّورا أو شبهه نزح منها أربعون أو خمسون ، وإن كان شاة وشبهها نزح الماء كلّه حتّى يغلبهم الماء ، وفي الإوَّزة والسخلة والجدي روايتان عن أبيحنيفة ؛ إحداهما أنّها كالشاة ، والاُخرى أنّها كالدجاجة .ثمّ اختلفوا في نزح الماء كلّه ، فقال محمّد (3) في النوادر : إذا نزح ثلاثمائة دلوا ومائتا دلو (4) فإن لم ينزف فقد غلبهم الماء ، وروي عن أبي حنيفة أنّه قال : ينزح منها مائتا دلو ، وفي رواية مائة دلو ، وعن أبييوسف روايتان ، إحداهما : يحفر جانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه فتُجَصَّص وينزح ماؤها فيصبّ فيها حتّى تملأ ، فإذا امتلأت

.


1- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «تمغط» ، وكذا في الموردين التاليين . وامتعط شعره وتمعط : تساقط .
2- .. حكاه عنه أبوبكر الكاشاني في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 74 _ 75 .
3- .. هو محمّد بن الحسن الشيباني ، تقدّمت ترجمته .
4- .. حكاه عنه الكاشاني في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 86 ؛ والسرخسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 59 .

ص: 167

[ باب ] البئر تكون إلى جنب البالوعة

حكم بطهارتها ، والاُخرى يُرصَد فيها قصبة أو خشبة فيجعل لمبلغ الماء علامة ثمّ ينزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون فينظر كم شبرا انتقص ، فينزح لكلّ شبر ذلك المقدار إلى آخره . (1) وقيل : يؤتى برجُلَين عارفين بأمر الماء فيحكمان فيه فينزح مقدار ما حكما به .وقال الكرخي (2) : يحكم بالاجتهاد ، فإن سكن قلبه أنّه طهر حكم به .قالوا : وهذا كلّه استحسان ، والقياس إمّا أن لايحكم بنجاسة الماء كما قال الشافعي ، أو إذا حكم بالنجاسة لايحكم بالطهارة كما قال بشر (3) تُطمّ البئر طَمّا (4) . (5)

[ باب ] البئر تكون إلى جنب البالوعةالمشهور بين الأصحاب أنّه لاينجس الماء لقرب البالوعة ما لم يعلم تعدّي نجاستها إليها ، ويدلّ عليه خبر محمّد بن القاسم ؛ وهو إن كان ضعيفا ؛ لاشتراك محمّد بن القاسم بين البوشجي بالباء الموحّدة أو النون أو النوشجاني بالنونين وهو مجهول الحال (6) ، ومحّمد بن القاسم بن الفضيل وهو ثقة ، وكلاهما من أصحاب الرضا عليه السلام ،

.


1- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 86 ؛ المبسوط للسرخي ، ج 1 ، ص 59 .
2- .. أبوالحسن عبيداللّه بن الحسين بن دلّال الكرخي شيخ الحنفيّة بالعراق ، وصاحب الاُصول التي عليها مدار فروع الحنفيّة ، روى عن إسماعيل القاضي و محمّد بن عبداللّه الحضرمي وغيرهما ، انتشرت تلامذته في البلاد واشتهر اسمه وبعد صِيتُه ، عاش ثمانين سنة ، من تصانيفه : المختصر ، شرح الجامع الكبير ، شرح الجامع الصغير ، مات سنة 340 . راجع : تاريخ بغداد ، ج 10 ، ص 352 ، الرقم 5507 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 426 ، الرقم 238 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ، ص 235 ؛ الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 111 .
3- .. بشر بن غياث المريسي ، الفقيه المتكلّم ، تفقّه على أبييوسف ، وكان داعية بخلق القرآن ، وإليه تنسب طائفة المريسيّة المرجئة ، مات أواخر سنة 218 أو 219 ، ولم يشيّعه أحد من العلماء بعد ما حكموا بكفره ، والمريسي نسبة إلى مريسة قرية بمصر . راجع : تاريخ بغداد ، ج 7 ، ص 61 _ 71 ، الرقم 3516 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 10 ، ص 199 _ 202 ، الرقم 45 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 3 ، ص 46 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 55 .
4- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 75 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 58 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 99 _ 101 .
6- .. اُنظر : رجال الطوسي ، ص 367 ، الرقم (5467) ؛ جامع الرواة ، ج 2 ، ص 176 ؛ طرائف المقال ، ج 1 ، ص 355 ، الرقم 2681 و 2682 .

ص: 168

واشتماله على عبّاد بن سليمان وهو الديلمي المجهول ، لكنّه مؤيَّد بالأصل ، وبعمل معظم الأصحاب .وربما اكتفي بنجاستها بغلبة ظنّ التعدّي على ما نقل في الدروس (1) عن بعض . ويستحبّ تباعدهما خمسة أذرع إن كانت الأرض صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة ، وإلّا فسبعة ، والمراد بالفوقيّة والتحتيّة فوقيّة القرار وتحتيّته على الأشهر ، أو المردّد بين ما ذكر وبين الوقوع في جانب الشمال على قول جماعة .وفي شرح الإرشاد للشهيد الثاني : ويتحصّل من جميع ذلك أربع وعشرون مسألة ، لأنّ أرضهما إمّا رخوة أو صلبة ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون قرار البئر فوق البالوعة أو أسفل أو يتساوى القراران ، فالصور ستّة ، ثمّ إمّا أن تكون البئر في جهة الشمال والبالوعة في جهة الجنوب أو بالعكس ، أو تكون البئر في جهة المشرق والبالوعة في جهة المغرب أو بالعكس ، ومضروب الأربعة في الستّة يبلغ أربعة وعشرين ، ولكن لا فرق بين كون البئر في جهة المشرق والبالوعة في جهة المغرب وبين العكس، فترجع المسائل إلى ثمانية عشر ، فالتباعد بخمس في كلّ صورة يوجد فيها أحد الاُمور : صلابة الأرض أو فوقيّة البئر بأحد المعنيين، وبسبع في الباقي ، وهو كلّ صورة ينتفى فيها الأمران فيصير التباعد بخمس في سبع عشرة صورة وبسبع في سبع (2) . انتهى. (3) ويدلّ على اعتبار الصلابة والرخاوة «مرسلة قدامة» (4) ، وعلى اعتبار الفوقيّة والتحتيّة بحسب القرار «رواية الحسن بن رباط» (5) و«حسنة حريز» (6) على احتمال يأتي ، لكن

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 121 ، الدرس 17 .
2- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «في أربع» .
3- .. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 418 .
4- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 410 ، ح 1291 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 45 _ 46 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 198 ، ح 551 .
5- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 410 ، ح 1290 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 45 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 199 ، ح 512 .
6- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 410 _ 411 ، ح 1293 ؛ الاستبصار ، فج 1 ، ص 46 ، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 197 ، ح 510 .

ص: 169

لاتدلّ على تباعد ثلاثة أذرع أو أربعة مع علوّ قرار البئر ، وتسعة في عكسه ، ولايبعد حمل الزيادة على ضرب من الاستحباب .واحتجّ على اعتبارهما بحسب الجهة بما رواه الشيخ عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمّد بن إسحاق الديلمي ، عن أبيه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف ، فقال : «إنّ مجرى العيون كلّها مع مهبّ الشمال ، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرّ إذا كانت بينهما أذرع ، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقلّ من اثني عشر ذراعا ، وإن كانت تجاهها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهبّ الشمال فسبعة أذرع» .وهو لايدلّ على مدّعاهم ، بل يدلّ على اعتبار بُعد اثني عشر ذراعا وسبعة أذرع ، وكأنّه بذلك تمسّك ابن الجنيد ؛ حيث قال _ على ما حكي عنه في المختلف _ : «إن كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعا ، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبعة أذرع» (1) . وفيه أيضا تأمّل ونظر ، والأكثر تركوا العمل به ؛ لغاية ضعفه ؛ لاشتراك إبراهيم بن إسحاق ، ولأنّ محمّد بن سليمان وأباه كانا غاليَين كذّابَين ، وهو محمّد بن سليمان بن زكريّا أو ابن عبداللّه على الخلاف في اسم أبي سليمان ، هذا .فلقد قال [ ابن ] الغضائري: «سليمان بن زكريّا الديلمي روى عن أبيعبداللّه عليه السلام ،

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 247 . وفي الحدائق الناضرة ، ج 1 ، ص 285 : «خطّأ هذا النقل في المعالم ، ونقل عنه أنّه قال في المختصر ما صورته : لا أستحبّ الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقرّ فيها من أعلاها في مجرى الوادي إلّا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنا عشر ذراعا وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع ، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلابأس ، وإن كانت محاذيتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس ؛ تسليما لما رواه ابن يحيى عن سليمان الديلمي عن أبيعبداللّه عليه السلام ، انتهى . ثمّ قال في المعالم : والذي يستفاد من هذه العبارة أنّه يرى التقدير بالاثني عشر بشرطين : رخاوة الأرض ، وتحتيّة البئر ، ومع انتفاء الشرط الأوّل بسبع ، وكذا مع استواء القرار إذا كانت المحاذاة في سمت القبلة» . وحكاه أيضا في مفتاح الكرامة ، ج 1 ، ص 564 عن صاحب المعالم والفاضل الهندي باختصار .

ص: 170

كذّاب». (1) قال : وقال النجاشي : سليمان بن عبداللّه الديلمي أبو محمّد ، قيل : إنّ أصله من بُجيلةالكوفة ، وكان يتحرّك إلى خراسان ويكثر شراء سبي الديلم ويحملهم إلى الكوفة ، فقيل : الديلمي غمز عليه ، وقيل : كان غاليا كذّابا ، وكذلك ابنه محمّد ، لايُعمل بما انفردا به من الرواية . (2) ولايبعد القول به حملاً له على ضرب من الاستحباب ، ولايجعل ضعفه مانعا عنه ؛ لاشتهار التسامح في أدلّة الاستحباب ، على أنّ سائر الأخبار الواردة في الباب ضعيفة ؛ لاشتراك قُدامة بين مجاهيل ، وإرسال خبره .واشتمال خبر الحسن بن رباط على محمّد بن سنان ، والظاهر أنّه أخو عبداللّه ، وهو مجهول الحال ، ولو كان هو الزاهري ففيه أيضا ما عرفت. وإضمار حسنة حريز ، ومع ما ذكر فهي مختلفة في عدد الذراع ، فتأمّل .[قوله:] في حسنة حريز : (إن كانت البئر في أعلى الوادي والوادي يجري فيه البول) إلخ . [ ح 2 / 3835 ] قال _ طاب ثراه _ : «يحتمل كون الأعلائيّة باعتبار المَقَرّ وباعتبار الممرّ ، والثاني هو أظهر» .وفي بعض نسخ التهذيب : «سبعة أذرع» بدل قوله : «تسعة أذرع» ، فالزائد في الأصل محمول على ضرب من الاستحباب . واللِزق _ بالكسر _ : الجَنب ، يقال : هو لِزقي ولَزيقي وبلِزقي ، أي بجنبي (3) .

.


1- .. عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 351 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 182 ، الرقم 482 .
3- .. صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1549 (لزق).

ص: 171

[باب] الوضوء من سؤر الدوابّ والسباع والطير

[باب] الوضوء من سؤر الدوابّ والسباع والطيرالمشهور طهارة أسآر الحيوانات والطيور ممّا عدا نجس العين من الكلب والخنزير والكافر ، ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف (1) صحيحة الفضل بن عبدالملك أبيالعبّاس البقباق ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن فضل الشاة والهرّة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه ، فقال : «لا بأس» ، حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : «رِجس نجس لايتوضّأ بفضله» الحديث (2) ، وقد سبق .وخبر معاوية بن شريح قال : سأل عذافر أباعبداللّه عليه السلام وأنا عنده عن سؤر السنّور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضّأ منه ؟ فقال : «نعم اشرب وتوضّأ» . قال : قلت له : الكلب ؟ قال : «لا» . قال : قلت : أليس هو سبع ؟ قال : «لا واللّه ، إنّه نجس ، لا واللّه إنّه نجس» (3) .وخبره الآخر مثله 4 .وصحيح معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الهرّة «أنّها من أهل البيت ، ويتوضّأ من سؤرها» (4) . وخبر [ أبي ]الصبّاح عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : كان عليّ عليه السلام يقول : «لا تدع فضل

.


1- .. راجع : الحديثين 9 و 10 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 647 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 41 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 576 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 226 ، ح 652 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 227 ، ح 579 .

ص: 172

السنّور أن يتوضّأ منه ، إنّما هي سَبُع» (1) .وموثّق سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، أنّ عليّا عليه السلام قال : «إنّما هي من أهل البيت» (2) . وخبر أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «ليس بفضل السنّور بأس أن يتوضّأ منه ويشرب ، ولاتشرب سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه» (3) .وصحيح حريز ، عن محمّد _ وهو ابن مسلم (4) _ عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ؟ قال : «اغسل الإناء» ، وعن السنّور ؟ قال : «لابأس أن يتوضّأ من فضلها ؛ إنّما هي من السباع» (5) . وصحيح فضالة بن أيّوب ومحمّد بن أبيعمير ، عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن سؤر الدوابّ والغنم والبقر : أيتوضّأ منه ويشرب ؟ فقال : «لابأس به» (6) .وإليه ذهب الشيخ في الخلاف (7) مدّعيا عليه إجماع الفرقة ، وحكاه عن الشافعي (8) ، وخالفه في المبسوط (9) والنهاية (10) ، فحرّم فيهما استعمال سؤر ما لايؤكل لحمه من

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 ، ح 653 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 228 ، ح 582 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 ، ح 654 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 228 ، ح 583 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 226 ، ح 650 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 20 ، ح 44 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 _ 227 ، ح 577 .
4- .. في المصدرين : «عن محمّد بن مسلم» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 644 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 18 _ 19 ، ح 39 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 227 _ 228 ، ح 581 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 _ 228 ، ح 657 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 596 .
7- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 203 _ 204 ، المسألة 167 ، والمذكور فيها «الهرّة» .
8- .. حكاه عن بعض أصحاب الشافعي .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 10 .
10- .. النهاية ، ص 4 ، ولفظه مغاير لما نسب إليه هنا ، حيث ورد فيها : «لابأس باستعمال سؤر البغال والحمير والدوابّ والهرّ وغير ذلك إلّا الكلب خاصّة والخنزير ، وكذلك لا بأس بأسئار الطيور كلّها إلّا ما أكل الجيف ، أو كان في منقاره أثر دم» .

ص: 173

الحيوان الحضري من غير الطيور إلّا ما لايمكن التحرّز منه كالهرّة والفأرة والحيّة ونحوها ، وبه قال في كتابي الأخبار (1) أيضا ، محتجّا بمفهوم موثّق عمّار الساباطي (2) . ومثله صحيحة عبداللّه بن سنان (3) .وبموثّق سماعة ، قال : سألته : هل يشرب سؤر شيء من الدوابّ ويتوضّأ منه ؟ قال : «أمّا الإبل والبقر فلابأس» (4) . وخبر عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبيطالب ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ شيء يجترّ فسؤره حلال ولعابه حلال» (5) .وهي محمولة على ضرب من الكراهة ، كما يدلّ عليه مرسلة الوشّاء (6) ، مع ضعف دلالة المفهوم لاسيّما مع معارضة المنطوق . وحكى في المختلف (7) عن ابن إدريس (8) أنّه حكم بنجاسة سؤر هذه الحيوانات ، ولم أجد له مستندا ، وما ذكر من الأخبار إنّما تدلّ على عدم جواز استعماله وهو أعمّ من النجاسة ، مع ما ذكر فيها .ومنع الشيخ في المبسوط (9) من استعمال سؤر الجلاّل وآكل الجيف . وعن ابن الجنيد أنّه منع من استعمال سؤر الجلاّل والمسوخ (10) ، وظاهرهما

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 10 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 224 ، ذيل الحديث 642 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 .
3- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 224 ، ح 642 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 25 ، ح 64 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 230 ، ح 590 .
4- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 593 .
5- .. هو الحديث 3 من الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 ، ح 656 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 595 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 8 ، ح 9 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 228 ، ح 658 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 _ 233 ، ح 597 ؛ وج 3 ، ص 414 ، ح 4023 .
7- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 594 .
8- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 229 .
9- .. السرائر ، ج 1 ، ص 85 .
10- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 229 .

ص: 174

التحريم ، وهو في سؤر الجلاّل وآكل الجيف إنّما يتمّ مع وجود عين النجاسة في موضع الملاقاة ، وأمّا مع عدمه فلا ؛ للأصل ، والعمومات ، وانتفاء ما يعارضهما ، بل صرّح بذلك التفصيل في آكل الجيف ما رواه المصنّف من موثّق عمّار (1) ، وفي الجلاّل ما رواه الصدوق قال : وسئل الصادق عليه السلام عن ماء شربت دجاجة ؟ فقال : «إن كان في منقارها قذر لم يتوضّأ منه ولم يشرب ، وإن لم يعلم في منقارها قذر توضّأ منه واشرب» . (2) وقد اشتهر بين الأصحاب كراهته مع الخلوّ ، ولايبعد نفيها أيضا ، لأنّ الكراهة حكم شرعي لابدّ لها من مستند شرعي ؛ ولا مستند لها . وأمّا المسوخ فقد نقل عن الشيخ أنّه حكم في الخلاف بنجاستها ؛ محتجّا بتحريم بيعها (3) ، وكأنّ ابن الجنيد اعتمد عليه ، واُجيب عنه بمنع التحريم ، ويأتي القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى .ثمّ بمنع الملازمة ، والأكثر حكموا بالكراهة ، وهي أيضا غير معتمد على شيء . واشتهر كراهة سؤر البغال والحُمُر الأهليّة ؛ بناء على كراهية لحمهما ، وفيه تأمّل ، والأظهر الإباحة فيما عدا نجس العين إلّا ما ورد عليه نصّ من التوضّي من سؤر الجنب والحائض المتّهمتين ، ويأتي في الباب الآتي .وبه قال الشافعي على ما نقل عنه في الخلاف 4 .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 13 ، ح 18 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 25 ، ح 64 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 380 .
3- .. الخلاف ، ج 3 ، ص 183 _ 184 ، كتاب البيوع ، المسألة 306 ؛ حيث قال : «القرد لايجوز بيعه . . . دليلنا إجماع الفرقة على أنّه مسخ نجس ، وما كان كذلك لايجوز بيعه بالاتّفاق» .

ص: 175

وقال أبوحنيفة :الحيوان على أربعة أضرب : حيوان نجس كالكلب والخنزير والسباع ، لايجوز استعمال شيء من أسآرها ، ووجب إراقته وغسل الإناء حتّى يغلب على الظنّ طهارته ، وحيوان طاهر وسؤره طاهر ، وهو مايؤكل لحمه إلّا الدجاج ، فإنّه يكره سؤرها ، وحيوان يكره سؤره وهو جوارح الطير ، والهرّ من جملة ذلك ، قال : والقياس أنّها نجسة ، ولكن يجوز التوضّي به استحسانا ؛ لتعذّر الاحتراز منه ، والرابع حيوان مشكوك فيه كالبغل والحمار ، فهو مشكوك في طهارة سؤره (1) .[قوله] في خبر سماعة : (يهريقهما ويتيمّم) . [ ح 6/3843 ] ومثله ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام _ في حديث طويل _ قال : سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لايدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره . قال : «يهريقهما جميعا ويتيمّم» . (2) وظاهرهما وجوب الإهراق ، وصرّح به الشيخان في المقنعة (3) والنهاية (4) ، والصدوق في الفقيه (5) ، وكأنّه تعبّد . وقيل : «ليتحقّق فقد الماء الطاهر» ، وفيه نظر ؛ إذ المشتبه بالنجس كالمعدوم ، وذهب ابن إدريس (6) والأكثر إلى عدمه ؛ حاملين للأمر به على الإباحة ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط (7) والخلاف (8) حيث لم يتعرّض فيهما للإهراق ، ورجّحه في

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 85 .
2- .. حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ، ج 1 ، ص 187 ، المسألة 144 ، واللفظ له ؛ وابن حزم في المحلّى ، ج 1 ، ص 133 ؛ وابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 27 ؛ والسرخسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 47 _ 50 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 248 ، ح 712 ؛ وص 407 ، ح 1281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 251 ، ح 376 ؛ وج 3 ، ص 345 ، ح 3823 .
4- .. المقنعة ، ص 69 .
5- .. النهاية ، ص 6 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 7 ، باب المياه وطهرها ونجاستها .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 8 .
8- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 198 ، المسألة 155 .

ص: 176

المنتهى (1) ، وفي القواعد (2) جزم به ، وقال : «بل قد يحرم عند خوف العطش» ، ومثله الشهيد في الذكرى ، قال :والحديث يحمل على الكناية عن النجاسة أو استحقاق الإهراق ، وربما قيل بجواز التوضّي من أحد الإناءين وصلاة ، ثمّ وضوء آخر من الآخر وصلاة اُخرى ، وهو محلّ تأمّل . (3) وقد ألحقوا بذلك الزائد على الإناءين ، وهو جيّد ، ولم أر مخالفا له .وألحق بعضهم به كلّ مشتبه ، فحكموا بحرمة الشرب من أحدها وحرمة الأكل من الجُلّة التي وقعت فيها تمرة نجسة مع عدم العلم بعينها ، وعدم جواز اللبث في المسجد لرجلين كان أحدهما جنبا مع الاشتباه ، وعدم جواز اقتداء أحدهما بالآخر ، وأمثال ذلك .وبه صرّح في المبسوط ، وهو قياس ، ويتأبّى عنه الأصل والعمومات . وقال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرح القواعد :ولا يجوز عندنا التحرّي (4) وإن انقلب أحدهما . والمراد به الاجتهاد في طلب الأحرى ؛ وهو الظاهر ؛ لقرينة ثبوت النهي (5) عن استعمالها ، فالقرينة التي لاتثمر اليقين غير كافية في الخروج عنه ، ولأنّه لا يأمن أن يكون استعماله للنجس فينجس به مع بقائه على حدثه ، وليس هذا كالاجتهاد في القبلة، وجوّزه الشافعي [ هنا، و ] مع انقلاب أحدهما [ فالتحرّي عند بعض الشافعيّة ثابت _ كما إذا لم ينقلب _ ] ، وعند بعضهم يتعيّن حينئذٍ استعمال الباقي ؛ لعدم القطع بوجود النجس ، وقد كان [ الأصل ] الطهارة ، وليس بشيء. انتهى . (6)

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 175 .
2- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 189 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 105 .
4- .. كذا في النسخ ، وفي المصدر : «ولايجوز له التحرّي» .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «بقرينة لثبوت النهي» .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 151 ، وما بين المعقوفات منه .

ص: 177

[باب] الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصب

ولو اشتبه المطلق بالمضاف لايجوز التيمّم حينئذٍ (1) بل يتوضّأ من كلّ منهما وضوءً ويصلّي صلاة واحدة ، كذا في الخلاف (2) والذكرى (3) والقواعد (4) ، ولم أجد مخالفا لهم .ولو أهرق أو انقلب أحدهما ، قيل : لايبعد وجوب الوضوء بالآخر ، وفي القواعد : «الوجه الوضوء والتيمّم ، وهو واضح» . (5) وفي شرح المحقّق الشيخ عليّ :ويحتمل ضعيفا عدم وجوب الوضوء فيتمّم خاصّة ، لأنّ التكليف بالوضوء إنّما هو مع وجود المطلق [ وهو منتف ] ، ولأصالة البراءة من وجوب طهارتين . (6)

[باب] الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصبأراد قدس سره بالجنب المرأة الجنب ، وهذا اللفظ ممّا يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ، والمفرد والتثنية والجمع (7) ، وحكى _ طاب ثراه _ عن الأزهري (8) أنّه قال : «يسمّى جنبا لتجنّبه الصلاة» . (9)

.


1- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 189 .
2- .. كتب في الهامش : «لعدم شمول النصّ له وإمكان الوضوء بالماء يقينا . منه عفي عنه» .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 199 ، المسألة 158 .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 105-106 . ومثله في الدروس ، ج 1 ، ص 122 ، الدرس 18 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، الفصل الخامس في الأحكام .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 152 .
7- .. صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 103 ؛ النهاية ، ج 1 ، ص 291 (جنب) .
8- .. محمّد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي الشافعي ، أحد الأئمّة في اللغة والأدب ، ولد في هراة بخراسان سنة 282 ، عنى بالفقه ، فاشتهر به أوّلاً ، ثمّ غلب عليه التبحّر في العربيّة ، فرحل في طلبها وقصد القبائل وتوسّع في أخبارهم ، ومات بهراة سنة (370 ه ). له من الكتب : الأسماء الحُسنى ، تفسير إصلاح المنطق ، تفسير القرآن ، تهذيب اللغة ، شرح ديوان أبيتمام ، علل القراءات ، غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء ، فوائد منقولة من تفسير المزني ، كتاب الروح . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 16 ، ص 315 _ 317 ، رقم 222 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 311 .
9- .. تهذيب اللغة ، ج 11 ، ص 118 (جنب) . والمذكور هنا نقل بالمعنى، ولفظه هكذا : «وقيل للجنب جنب ؛ لأنّه فنُهي أن يَقرب مواضعَ الصلاة ما لم يتطهّر».

ص: 178

وعن القتيبي (1) أنّه قال : «سمّي بذلك لتجنّبه الناس حتّى يغتسل» .وعن الشافعي أنّه قال : «هو من المخالطة ، يقال : أجنب الرجل إذا خالط امرأته» . وهو ضدّ الأوّل ؛ لأنّه من القرب . وفيه مسائل :الاُولى : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (2) كراهة التوضّي من سؤر الحائض مطلقا ، وهو ظاهر إطلاق أكثر الأخبار التي ذكرها المصنّف في الباب ، وما رواه الشيخ عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته : هل يتوضّأ من فضل وضوء الحائض ؟ قال : «لا» . (3) وعن أبيهلال ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «المرأة الطامث أشرب من فضل شرابها ، ولا اُحبّ أن أتوضّأ منه» . (4) وعن الحسين بن أبيالعلاء ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الحائض : «يشرب من سؤرها ولايتوضّأ» . (5) وعن يعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته: هليتوضّأ من فضل وضوء الحائض ؟ قال : «لا» . (6) وخصّها الأكثر بغير المأمونة ؛ جمعا بينها وبين ما رواه الشيخ عن علي بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام في الرجل : يتوضّأ بفضل الحائض ؟ قال : «إذا كانت مأمونة فلابأس» . (7) وعن عيص بن القاسم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن سؤر الحائض ؟ قال : «توضّأ به ، وتوضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء ، وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يغتسل هو وعائشة في إناء واحد ، ويغتسلان جميعا» . (8) وربّما احتمل الحرمة مع الاتّهام ، وهو أحد وجهي الجمع للشيخ في الاستبصار (9) ، وظاهر الأخبار اختصاص الكراهة بالوضوء منه دون سائر استعمالاته ، فتعبير الأكثر في عنوان المسألة بكراهة سؤرها من غير تقييد بالوضوء غير جيّد .وكذا المشهور في المرأة الجنب كراهة سؤرها مع الاتّهام ، والظاهر تقييدها بالتوضّي منه ، كما هو ظاهر ما رواه المصنّف عن عيص (10) ، وما رويناه عنه . الثانية : سؤر اليهود والنصارىوقد اختلف الأصحاب فيه ، ونجاسته هو المشهور ، بل ادّعى السيّد المرتضى في الانتصار (11) والناصريّات (12) ، وابن إدريس _ على ما حكي عنه _ إجماع الفرقة المحقّة عليها ،

.


1- .. عبداللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري القتيبي ، النحوي ، اللغوي ، صاحب مؤلّفات كثيرة في اللغة والنحو والحديث وغيرها ، وكان رأسا في علم اللسان العربي والأخبار وأيّام الناس ، ولد ببغداد ، وولي قضاء دينور فنسب إليها ، حدّث عن إسحاق بن راهويه وطبقته ، وحدّث عنه الهيثم بن كليب الشاشي وطبقته ، من تصانيفه الكثيرة : أدب الكاتب ، طبقات الشعراء ، عيون الأخبار ، غريب الحديث ، غريب القرآن ، المعارف ، توفّي سنة 276 . راجع : الأنساب للسمعاني ، ج 4 ، ص 451 «القتيبي» ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 13 ، ص 296 _ 302 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ، ص 150 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 10 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 ، ح 636 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ح 34 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 237 _ 238 ، ح 612 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 _ 223 ، ح 637 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 18 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 238 ، ح 613 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 ، ح 636 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 236 ، ح 607 . وهو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
6- .. مكرّر لما تقدّم آنفا .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 _ 222 ، ح 632 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 16 _ 17 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 237 ، ح 610 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 ، ح 633 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ح 31 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 234 ، ح 600 . وهو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
9- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ذيل ح 34 .
10- .. وهو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
11- .. الانتصار ، ص 88 .
12- .. الناصريّات ، ص 84 .

ص: 179

ويدلّ عليها ظاهر حسنة الأعرج ، ومثلها مرسلة الوشّاء ؛ لأنّ الكراهة فيها بمعنى الحرمة بقرينة ذكر المشرك .وما رواه الشيخ عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : قال لي أبوعبداللّه عليه السلام : «لاتأكل ذبائحهم ، ولاتأكل في آنيتهم» يعني أهل الكتاب . (1) واحتجّ أيضا عليها بقوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (2) ، بضميمة قوله سبحانه فيهما : «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ » إلى قوله عزّ وجلّ : «سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » (3) .وقوله تعالى : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَ_رَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ » إلى قوله : «سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » (4) . وعن ابن أبيعقيل وابن الجنيد طهارته ؛ لقوله تعالى : «وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَ_بَحِلٌّ لَّكُمْ » (5) ، ويؤكّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم ، أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني ؟ قال : «لا بأس إذا كان من طعامك» . (6) وفي الصحيح عن إبراهيم بن أبيمحمود ، قال : قلت للرضا عليه السلام : الجارية النصرانيّة تخدمك وأنت تعلم أنّها نصرانيّة لاتتوضّأ ولاتغسل من جنابة ؟ قال : «لا بأس ، تغسل يديها» (7) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 63 _ 64 ، ح 269 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 81 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 518 ، ح 4338 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 6 ، ص 240 ، ح 12 .
2- .. التوبة (9) : 28 .
3- .. التوبة (9) : 31 .
4- .. التوبة (9) : 30 .
5- .. المائدة (5) : 5 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 88 ، ح 373 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 209 ، ح 30361 . وقريبه في الكافي ، ج 6 ، ص 263 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 497 ، ح 4277 ؛ وج 24 ، ص 208 ، ح 30358 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 399 ، ح 1245 ؛ وج 6 ، ص 385 ، ح 1143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 422 ، ح 4050 .

ص: 180

وفي الموثّق عن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل : هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنّه يهودي ؟ فقال : «نعم» . قلت : فمن ذاك الماء الذي شرب منه ؟ قال : «نعم» . (1) وعن أبييحيى الواسطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبيالحسن الهاشمي ، قال : سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمّام لاأعرف اليهودي من النصراني ، ولا الجنب من غير الجنب ؟ قال : «تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر ؛ فإنّه طهور» الحديث . (2) وعن يونس بن بهمن ، قال : قلت لأبيالحسن عليه السلام : أهدى إلَيَّ قرابة لي نصراني دجاجا وفراخا قد شواها ، وعمل لي فالوذجة فآكله ؟ قال : «لا بأس» . (3) وعن سعد بن إسماعيل ، عن أبيه إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن ذبائح اليهود والنصارى وطعامهم ؟ قال : «نعم» . (4) وعلى المشهور أجابوا عن الاحتجاج بالآية الكريمة بأنّ الطعام فيها مختصّ بالحبوبات ؛ مستندين في ذلك بما رواه المصنّف في باب ذبائح أهل الكتاب عن محمّد بن سنان ، عن قتيبة الأعشى ، قال : سأل رجل أباعبداللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال له : الغنم نرسل فيها اليهودي والنصراني ، فتعرّض فيها العارضة فيذبح ، أنأكل ذبيحته ؟ فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «لا ، تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها ، فإنّما هو الاسم ولايؤمن عليها إلّا مسلم» . فقال له الرجل : قال اللّه تعالى : «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَ_تُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 223 _ 224 ، ح 641 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 81 ، ح 38 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 229 ، ح 588 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 ، ح 372 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 69 ، ح 296 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 86 ، ح 328 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 64 ، ح 30006 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 70 ، ح 297 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 86 ، ح 329 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 64 ، ح 30007 .

ص: 181

الْكِتَ_بَ حِلٌّ لَّكُمْ » (1) ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «كان أبي عليه السلام يقول : إنّما هو الحبوب وأشباهها» . (2) وعن الأخبار بالمعارضة . وأقول : خبر الأعشى مع ضعفه بمحمّد بن سنان ، لايدلّ على نجاسة أهل الكتاب ، وإنّما يدلّ على تحريم ذبيحتهم إذا لم يسمع منهم التسمية عند الذبح ؛ لظهور قوله عليه السلام : «فإنّما هو الاسم ولايؤمن عليها إلّا مسلم» ، وهو معنى آخر غير النجاسة يأتي القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى .وأمّا قوله عليه السلام : «إنّما هو الحبوب» ، فالظاهر المتبادر أنّ تفسيره عليه السلام الطعام بها إنّما هو في مقابلة ذبائحهم ، ويؤيّد ذلك ذكر أشباهها معها ، وعموم الحبوب وشمولها للرطب منها أيضا . وبذلك ينحلّ الإشكال الذي ذكر في كنز العرفان (3) في الحديث بقوله :وفيه إشكال ، وهو أنّ الحبوب وغيرها من الجامدات داخلة في الطيّبات في قوله : «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَ_تُ » 4 ، وعطف الخاصّ على العامّ لايجوز إلّا لنكتة أو فضيلة كعطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة ، وأيّ نكتة هنا اقتضت الإخراج والعطف .وأمّا المعارضة فضعيفة ؛ لأنّ الآية التي استدلّوا بها على نجاسة أهل الكتاب لاتدلّ على مدّعاهم ؛ فإنّ المشركين إنّما استعملوا في كلام المجيد في مقابل المؤمنين وأهل الكتاب جميعا ، كيف لا وقد جرت عادة اللّه سبحانه فيه بعطف اليهود والنصارى

.


1- .. المائدة (5) : 5 .
2- .. الكافي ، ج 6 ، ص 240 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 48 ، ح 29956 .
3- .. كنز العرفان في فقه القرآن ، للشيخ مقداد بن عبداللّه السيوري الأسدي الحلّي المعروف بالفاضل المقداد ، من تلاميذ الشهيد الأوّل ، عالم ، فاضل ، فقيه ، متكلّم ، مفسّر ، محقّق ، وله أيضا : شرح نهج المسترشدين في اُصول الدين ؛ والتنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع ؛ وشرح مبادئ الاُصول ، توفّي في النجف الأشرف في سنة 826 ه ق . راجع : كشف الحجب والأستار ، ص 475 ، الرقم 2681 ؛ هديّة العارفين ، ج 2 ، ص 470 ، الرقم 792 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 318 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 282 .

ص: 182

عليهم في كلّ حكم للمشركين يعمّهما ، والمراد بالأرباب في قوله سبحانه : «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا » (1) المطاعون في الأوامر والنواهي لا المشاركون للّه تعالى في المعبوديّة ؛ إذ لم ينسب ذلك إلى أحد من القبيلين .وأمّا إثبات الولد له سبحانه ، فإنّما يكون كفرا لا شركا ، نعم قد يطلق الشرك على مطلق الكفر ، ومنه قوله : «سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » . لايقال : إنّ النصارى قد أشركوا المسيح واُمّه للّه تعالى في العبادة ؛ لقوله تعالى فيهم : «لَا تَقُولُواْ ثَلَ_ثَةٌ » (2) .لأنّا نقول : إنّما شرّكوا بينهما وبينه تعالى في التعظيم لا في الربوبيّة . وقولهم بالتثليث وبالأقانيم الثلاثة ، مرجعه التنزّلات التي زعمتها الصوفيّة ، والقول بذلك أيضا إنّما يكون كفرا لا شركا .وأمّا معارضة الأخبار التي ادّعوها ، فهي أيضا ضعيفة ؛ لكثرة الأخبار الاُولى واشتمالها على صحيحين ، بخلاف الثانية ؛ لقلّتها وعدم صحّة شيء منها . والأظهر القول بنجاستهما لكن لا بالعين بل بالعرض ؛ لعدم اجتنابهما عن النجاسات ؛ بدليل صحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : «لاتأكله» (3) ، فسكت هنيئة ثمّ قال : «لاتأكله» ، ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال : «لاتأكله ولاتتركه تقول إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه (4) عنه ؛ إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير» . (5) وبذلك يجمع بين الأدلّة ، وعلى هذا فلو ارتمسا في ماء كثير أو جار حكمنا عليهما

.


1- .. التوبة (9) : 31 .
2- .. النساء (4) : 171 .
3- .. في الأصل : «لاتأكل» ، والتصويب من مصادر الحديث.
4- .. كذا في الأصل ، و مثله في تهذيب الأحكام و وسائل الشيعة، وفي الكافي : «تنزّها» .
5- .. الكافي ، ج 6 ، ص 264 ، ص 9 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 87 ، ح 368 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 210 _ 211 ، ح 30366 .

ص: 183

بالطهارة .وبذلك ينحلّ الإشكال الذي اُورد على الأمر باغتسال النصراني والنصرانيّة في موثّقة عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : فإن مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ، ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهنّ قرابة ؟ قال : «يغتسل النصارى ثمّ يغسّلونه فقد اضطرّ» . وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل من ذوي قرابتها ومعها نصرانيّة ورجال مسلمون ؟ قال : «تغتسل النصرانيّة ثمّ تغسلها» . (1) ولا حاجة لدفعه إلى ارتكاب التكلّف بحمل الأمر فيه على التعبّد ، والظاهر وفاق أهل الخلاف على طهارتهما ظاهرا وباطنا ، وحكى السيّد في الناصريّات (2) عن الطحاوي (3) ، عن مالك في سؤر النصراني : أنّه لايتوضّأ به (4) ، ونقله في الانتصار أيضا عنه ، إلّا أنّه قال بعد ذلك : «ووجدت المحصّلين من أصحاب مالك يقولون : إنّ ذلك على سبيل الكراهية لا التحريم ؛ لأجل استحلالهم الخمر والخنزير» . (5) وأمّا غير أهل الكتاب من أصناف الكفّار ، فسؤرهم نجس عند أهل العلم ، إلّا ما حكي عن أبيحنيفة من أنّه حكم بطهارة سؤر الآدمي مطلقا مسلما كان أو كافرا ، صغيرا كان

.


1- .. الانتصار ، ص 88 .
2- .. الناصريّات ، ص 84 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 159 ، ح 12 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 340 _ 341 ، ح 997 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 515 ، ح 2788 .
4- .. أبوجعفر أحمد بن محمّد بن سلمة الأزدي الطحاوي المصري ، ولد سنة (239 ه ق) ببطحا قرية من صعيد مصر ، وسمع الحديث من إبراهيم بن أبيداود وبكّار القاضي وهارون بن سعد ويونس بن عبدالأعلى وغيرهم ، وسمع منه ابنه عليّ وخاله إسماعيل المزني وسليمان بن أحمد الطبراني وعبدالعزيز الجوهري وآخرون ، تفقّه على مذهب الشافعي ، ثمّ تحوّل إلى مذهب الحنفيّة ، ورحل إلى الشام سنة 268 ، فاتّصل بأحمد بن طولون وكان من خاصّته ، توفّي بالقاهرة سنة (321 ه ق) ، له من الكتب : أحكام القرآن ، اختلاف الفقهاء ، شرح مشكل الآثار ، شرح معاني الآثار ، وغيرها . راجع : معجم البلدان ، ج 4 ، ص 22 (طحا) ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 1 ، ص 120 (الأزدي) ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 27 _ 33 ، الرقم 15 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 206 .
5- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 14 .

ص: 184

أو كبيرا . (1) وقد استشكل بعض الأصحاب الحكم بنجاسة أطفالهم وقال : «الدليل لو تمّ إنّما يدلّ على نجاسة من يسمّى كافرا ، وهم قبل البلوغ كما لايصدق عليهم اسم المسلم لايصدق عليهم اسم الكافر أيضا ، ومقتضى الأصل طهارتهم» .وأقول : بل الظاهر إسلامهم ؛ لأنّ الإسلام هو فطرة اللّه التي فطر الناس عليها، وقد ثبت من الأخبار المتظافرة عن أهل البيت عليهم السلام أيضا أنّ الناس مولودون على فطرة الإسلام ، وأنّ أبويه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه (2) ، والسرّ في ذلك هو إيمانهم فيعالم الذرّ على ما دلّ عليه قوله عزّ من قائل في ذلك العالم خطابا للناس جميعا : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » ، وقولهم : «بَلَى » (3) في جوابه ، فالظاهر طهارة هؤلاء بالذات قبل البلوغ ، ونجاستهم بالعرض ، وإن قيل بنجاسة أهل الكتاب بأعيانهم ، فتأمّل .وفي حكم المشرك الناصب ، والمراد به هنا على المشهور هو المظهر لعداوة أهل البيت عليهم السلام ، ومنهم الخوارج ، ويدلّ عليه مرسلة الوشّاء (4) .وخبر ابن أبييعفور عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لاتغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام ؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزني ، وهو لايطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب ، وهو أهون على اللّه من الكلب» الحديث . (5) وخبر حمزة بن أحمد ، عن أبيالحسن الأوّل عليه السلام ، قال : سألته أو سأله غيري عن

.


1- .. حكاه عنه الكاشاني في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 63 و64 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 149 .
2- .. الفقيه ، ج 2 ، ص 49 ، ح 1668 ؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 125 ، ح 20130 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 2047 ، ح 2658 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 11 ، ص 119 ، ح 20087 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 1 ص 282 ، _ 283 ، ح 823 ؛ كنز العمّال ، ج 1 ، ص 261 ، ح 1306 ؛ وص 266 ، ح 1337 ؛ وج 4 ، ص 591 ، ح 11730 . وراجع: الكافي ، ج 2 ، ص 12 ، باب فطرة الخلق على التوحيد ؛ والتوحيد للصدوق ، ص 328 _ 331 .
3- .. الأعراف (7) : 172 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، ص 11 ، ح 26 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 223 ، ح 639 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 18 ، ح 37 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 229 ، ح 587 .
5- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 219 ، ح 559 .

ص: 185

الحمّام ؟ قال : «ادخله بمئزر ، وغُضّ بصرك ، ولاتغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزني والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم» . (1) ورواية عليّ بن الحكم ، عن رجل من بني هاشم ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : قلت : ما تقول في الحمّام ؟ قال : «لاتدخل الحمّام إلّا بمئزر ، وغُضَّ بصرك ، ولاتغتسل من غسالة الحمّام ؛ فإنّه يُغتَسَل فيه من الزني ، ويغتسل فيه ولد الزني والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم» . (2) وخبر محمّد بن عليّ بن جعفر ، عن أبيالحسن الرضا عليه السلام ، قال : «من أخذ من الحمّام خزفة فحكّ بها جسده فأصابه البرص ، فلايلومنّ إلّا نفسه ، ومن اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام ، فلايلومنّ إلّا نفسه» .قال محمّد بن عليّ : فقلت لأبيالحسن عليه السلام : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّ فيه شفاء من العين ؟ ! فقال : «كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي شرّهم ، وكلّ من خلق اللّه ثمّ يكون فيه شفاء من العين ؟ إنّما شفاء العين قراءة الحمد والمعوِّذتين ، والبخور بالقسط (3) والمرّ (4) واللبان (5) » . (6) وكان الأنسب أن يذكر المصنّف في عنوان الباب ولد الزني أيضا ؛ لتعرّضه لخبره ، وقد اختلف الأصحاب في سؤره ، فظاهر مرسلة الوشّاء وأكثر ما ذكر من الأخبار نجاسته ، وهو منقول عن ابن إدريس (7) ، وظاهر الصدوق ؛ حيث قال : «لايجوز الوضوء

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 _ 219، ح 559 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 _ 219 ، ح 556 .
3- .. القُسطُ : عُودٌ هِندي يُجعَل في البخور والدواء . كتاب العين ، ج 5 ، ص 71 (قسط) .
4- .. المرّ : صمغ شجرة تكون ببلاد المغرب .
5- .. اللُبان : الكُندُر . كتاب العين ، ج 8 ، ص 327 (لبن) .
6- .. الكافي ، ج 6 ، ص 503 ، ح 38 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 219 ، ح 557 .
7- .. حكم ابن إدريس بكفر ولد الزني في : السرائر ، ج 1 ، ص 357 ؛ ج 2 ، ص 122 ، 353 ، 526 ؛ ج 3 ، ص 10 .

ص: 186

بسؤر ولد الزني» (1) ، والمشهور كراهته (2) إلّا أن يظهر الكفر ، وحملت تلك الأخبار عليها .وفي شرح الفقيه للمحقّق المجلسي قدس سره : «واستدلّ ابن إدريس على نجاسته بالإجماع ، مع أنّه يمكن دعوى الإجماع على خلافه ؛ لأنّه معروف النسب ، فلايضرّ خروجه ، وربما يستدلّ عليها بأنّه كافر ؛ لأنّه يموت على الكفر ، والمسلم لايكفر كما هو طريقأصحاب الموافاة ، وفيه ما لايخفى» . واعلم أنّه قد شرّك في حسنة الوشّاء بين المشرك والناصب وولد الزني واليهودي والنصراني وكلّ من خالف الإسلام في كراهة سؤرهم ، ولا ريب في نجاسة سؤر المشرك والناصب ومن خالف الإسلام ، فعلى القول بنجاسة البواقي ، تكون الكراهة فيها بمعنى الحرمة ، وقد شاع ذلك في الأخبار ، وأمّا على القول بطهارتهم ، فهي مستعملة في معناها المصطلح والحرمة معا ولو من باب عموم المجاز .[قوله] في خبر العيص : (يفرغان على أيديهما) . [ ح 2/3846 ] فرغ الماء يفرَغ فراغا مثل سمع سماعا : انصبّ ، وأفرغته أنا .[قوله] : (عن الحسين بن أبيالعلاء) . [ ح 3/3847 ] كتب الرجال التي رأيتها خالية عن مدحه وذمّه ، إلّا أنّه نقل السيّد المصطفى والفاضل الإسترآبادي عن ابن داوود (3) تزكيته نقلاً عن السيّد جمال الدين في كتاب البُشرى (4) .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 9 ، ذيل ح 11 ؛ الهداية ، ص 68 .
2- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 98 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 160 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 50 ؛ نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 281 ؛ كشف اللثام ، ج 1 ، ص 219 .
3- .. رجال ابن داود ، ص 79 ، الرقم 468 .
4- .. بشرى المحقّقين في الفقه ، كتاب كبير مبسوط ، للسيّد جمال الدين أبيالفضائل أحمد بن موسى بن جعفر بن طاووس العلوي الحسني ، فقيه أهل البيت ، وكان أورع أهل زمانه ، له أيضا من الكتب : الاختيار في أدعية الليل والنهار ، الأزهار في شرح لاميّة مهيار ، بناء المقالة العلويّة في نقض الرسالة العثمانيّة ، الثاقب المسخّر على نقض المشجّر في اُصول الدين ، زهرة الرياض في المواعظ ، السهم السريع ، شواهد القرآن ، عمل اليوم والليلة ، عين العبرة في غبن العترة ، الفوائد العدّة ، المسائل في اُصول الدين ، الملاذ في الفقه ، كتاب الكرّ ، توفّي سنة 673 في حلّة ودفن بها . راجع : رجال ابن داود ، ص 45 _ 46 ، الرقم 140 ؛ الذريعة ، ج 3 ، ص 120 ، الرقم 407 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 261 .

ص: 187

[قوله] : (عن معلّى بن محمّد) . [ ح 4/3848 ]هو أبوالحسن البصري ، مضطرب الحديث والمذهب على ما ذكره النجاشي (1) والعلّامة في الخلاصة (2) ، ولعلّ هذا الحديث من أحاديثه المضطربة حيث دلّ على اشتراط معرفة المرأة بالوضوء لطهارة سؤرها ، وليس كذلك .وقال _ طاب ثراه _ : المراد بالوضوء فيه المعنى اللغوي ، ويفهم منه أنّه لايتطهّر من فضلها إذا لم تكن عارفة للطهارة ، فليحمل ذلك على الكراهة ، ويكون مخصِّصا لخبر العيص ، وقوله : «ولاتتوضّ من سؤر الحائض» دلّ بإطلاقه على كراهة اغتسالهما من إناء واحد مطلقا ، فهو أيضا مخصِّص له من وجه آخر ، كما لايخفى .

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 418 ، الرقم 1118 .
2- .. خلاصة الأقوال ، ص 409 ، الرقم 2 .

ص: 188

[باب] الرجل يدخل يده في الماء

[باب] الرجل يدخل يده في الماء (1) إلخ .أجمع الأصحاب على استحباب غسل اليد قبل إدخالهما الإناء الذي أمكن الاغتراف منه من حدث النوم والبول والغائط والجنابة ، ويدلّ عليه أكثر أخبار الباب وما سيأتي ، وما رواه الشيخ عن عبدالكريم بن عتبة الكوفي الهاشمي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يبول ولم يمسّ يده اليمنى شيء ، أيدخلها في وَضوئه قبل أن يغسلها ؟ قال : «لا حتّى يغسلها» . قلت : فإنّه استيقظ من نومه ولم يَبُل ، أيدخل يده في

.


1- .. كذا في النسخ ، وفي الأصل : «في الإناء» .

ص: 189

وَضوئه قبل أن يغسلها ؟ قال : «لا ؛ لأنّه لايدري حيث باتت يده ، فليغسلها» . (1) ووافقنا في ذلك أكثر العامّة ، وأوجبه أحمد من نوم الليل (2) ، وابن جرير الطبري وداوود من كلّ نوم (3) على ما حكاه عنهم والدي _ طاب ثراه _ وذلك إمّا لدفع النجاسةالوهميّة كما يشعر به بعض الأخبار ، أو للنظافة ، أو تعبّدا كما قيل . وقال والدي : «ولايستحبّ غسل اليد من غير هذه الأحداث كالريح والاستحاضة ونحوهما ؛ لأصالة البراءة ، وعدم دليل شرعي عليه» . وقد صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد (4) .فروع : الأوّل : قال المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد : «غسل (5) اليد للوضوء من الزند وللجنابة من المرفق على الأظهر» . (6) وقال الشهيد في شرح الإرشاد : «وتغسل لهما من الزند» .وفي المنتهى : لم يحدّ الأصحاب اليد هاهنا ، والأولى أنّ المراد منها العضو من الكوع (7) ؛ لأنّه هو الواجب في مسح التيمّم ؛ ولأنّ الغمس لها ، ولايستحبّ الزيادة ؛ لأنّ اليد من المرفق هو الواجب للوضوء ؛ ولأنّه غير مغموس . (8)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 ، ح 145 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 428 ، ح 1119 .
2- .. بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 9 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 395 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 349 ؛ الخلاف للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 73 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 291 .
3- .. لم أجد هذه النسبة في كتاب ، بل الموجود في المجموع ، ج 1 ، ص 350 : «من نوم الليل» .
4- .. روض الجنان ، ج 1 ، ص 124 .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «تغسل» .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 229 .
7- .. الكُوع والكاع ، زعم أبو الدَقَيش أنّهما طرفا الزندين في الذراع ممّا يلي الرسغ ، والكوع منهما طرف الزند الذي يلي الإبهام وهو أخفاهما ، والكاع : طرف الزند الذي يلي الخنصر ، وهو الكرسوع . كتاب العين ، ج 2 ، ص 181 (كوع) .
8- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 294 .

ص: 190

وأقول : التحديد إلى الزند أقوى في الوضوء والغسل جميعا ، لكن للجنابة من المرفق أفضل ، أمّا أنّه للوضوء من الزند ؛ فلإطلاق «إليه» في أكثر الأخبار المتبادر منها الكفّ إلى الزند ، ولخصوص ما رواه الشيخ في التهذيب عن بكير وزرارة ابني أعين أنّهما سألا أباجعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدعا بطشت أو بتَور (1) فيه ماء ، فغسل كفّيه ، ثمّ غمس كفّه اليُمنى في التَور» ، الحديث . (2) وأمّا حكم الجنابة ، فيستفاد ممّا رواه الشيخ في الصحيح عن العلاء بن الفضيل ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تبدأ بكفّيك ثمّ تغسل فرجك» ، الخبر . (3) وعن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ، ثمّ تدخل يدك» إلى آخره . (4) وعن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك» ، الحديث . (5) وعن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك ، وتبول إن قدرت على البول ، ثمّ تدخل يدك في الإناء» (6) .

.


1- .. التور : إناء يشرب فيه . صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 602 (تور) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 56 ، ح 158 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1030 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 365 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 420 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 223 ، ح 2013 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، ص 43 ، ح 1 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 362 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، ح 398 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 و231 ، ح 2000 و2021 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، ح 422 ؛ وص 370 ، ح 1131 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 و230 ، ح 1999 و2017 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 _ 132 ، ح 363 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، فج 2 ، ص 230 ، ح 2018 .

ص: 191

وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل ، فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائه» . (1) وإنّما حملت تلك الأخبار على الندب للجمع بينها وبين ما رواه المصنّف عن أبيبصير ، عنهم عليهم السلام (2) ، وعن شهاب بن عبد ربّه (3) ، وعن محمّد بن مسلم (4) ، وقولِه عليه السلام : «لا بأس» في جواب السائل عن الرجل يدخل الحمّام وهو جنب فيمسّ الماء من غير أن يغسل يديه . (5) وقولِه عليه السلام : «وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شيء من المنيّ» . (6) ونظيره فيما سبق في الماء القليل من مرسلة أبييحيى الواسطي . وموثّق عمّار ، وخبر أبيبصير .الثاني : المغسول اليدان جميعا ؛ لصراحة أكثر ما ذكر من الأخبار في ذلك ، والاقتصار على غسل اليد اليُمنى في خبر أحمد بن محمّد بن أبينصر المتقدّم ؛ كأنّه لتأكّد الاستحباب فيها . الثالث : اختلفوا في كمّيّة الغسل بعد اتّفاقهم على ثلاث غسلات في الجنابة ، فقيل : مرّة في البواقي ، وكأنّه تمسّك بإطلاق الغسل في أكثر الأخبار . وقيل : مرّة في البول والنوم ومرّتين في الغائط ، وبه قطع في الذكرى ، (7) ويدلّ عليه حسنة الحلبي في غير النوم (8) ، وروى الشيخ عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «يغسل الرجل يده من النوم مرّة ومن

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 542 .
2- .. وهو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 11 .
3- .. و هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 _ 213 ، ح 544 .
4- .. وهو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 12 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 ، ح 372 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 38 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 384 .
7- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 175 .
8- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 11 .

ص: 192

الغائط والبول مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا» (1) ، والاختلاف في الأخبار مبنيّ على مراتب الفضل ، وربما قيل : إنّ المرّتين في الأخير للبول والغائط جميعا باعتبار الغائط .[قوله] في خبر عبدالكريم بن عتبة : (لأنّه لايدري أين كانت يده) . [ ح 2/3852 ] وفي التهذيب : «باتت» بدلاً عن «كانت» (2) .قال _ طاب ثراه _ : حاصل التعليل أنّه لا علم له بطهارة اليد ونظافتها ؛ إذ لعلّه تعلّق بها دم في حكّة بثرة أو مسّ بها شيئا من مغابن البدن أو فضوله أو شيئا من نجاسة تخرج من البدن مثل الدم والبول وغيرهما . وقيل : إنّهم كانوا يستجمرون بالأحجار فإذا نام أحدهم فقد يعرق ويمسّ المحلّ . انتهى .وظاهر التعليل يشعر بعدم استحباب غسل اليد لو لم تكن مظنّة النجاسة ، وظاهر ما ذكر من الأخبار استحبابه حينئذٍ أيضا ، وهو ظاهر المنتهى ؛ حيث قال : «ولافرق بين أن يكون يد النائم مشدودة أو مطلقة ، أو في جراب ، أو يكون النائم عليه سراويله ، أو لم يكن ؛ عملاً بالعموم» (3) .والمتبادر من التعليل اعتبار النوم الغالب على الحواسّ وإن قلّ . وفي المنتهى :وقال بعض الفقهاء من الجمهور هو ما زاد على نصف الليل ؛ لأنّه لايكون بائتا بالنصف ، فإنّ من خرج من جمع قبل نصف الليل لايكون بائتا ، ويجب عليه الدم ، وهو ضعيف ؛ لأنّه لو جاء بعد الانتصاف المزدلفة فإنّه يكون بائتا بها إجماعا ولا دم ، وقد بات دون النصف . (4) .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 294 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 36 ، ح 97 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 50 ، ح 142 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 427 ، ح 1118 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 . ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 ، ح 145 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 428 ، ح 1119 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 295 .

ص: 193

[باب] اختلاط ماء المطر بالبول ، و

[قوله] في خبر بكّار : (ثمّ يدخل الحبّ) . [ ح 6/3856 ]أي يريد أن يدخله ، وذكر الفعل الذي يصدر عن المختار ، وإرادة إرادته شائع ، كقوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ » (1) .

[باب] اختلاط ماء المطر بالبول ، إلخ .هنا مسائل :الاُولى : لاريب في أنّ ماء المطر حال نزوله مطهّر لما أصابه من النجس إذا استهلكت النجاسة ما لم يتغيّر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا » (2) ونظائره وقد سبقت (3) .والأخبار بذلك متظافرة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، قال : سألت أباالحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام عن البيت يبال على ظهره ويغتسل فيه من الجنابة ، ثمّ يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة ؟ فقال : «إذا جرى فلا بأس به» . (4) ومنها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن سالم ، أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن السطح ، يبال عليه فتصيبه السماء ، فيَكِفُ فيصيب الثوب ؟ فقال : «لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه» . (5) ثمّ ظاهر الآيات وأكثر الأخبار الواردة فيه أنّه يكفي فيه صوب المطر عرفا وهو تقاطره ، وهو المشهور بين الأصحاب ، واعتبر فيه بعض الأصحاب فيه الجريان ؛

.


1- .. المائدة (5) : 6 . وفي النسخ : «وإذا قمتم . . .» .
2- .. الفرقان (25) : 48 .
3- .. أي سبقت في أوّل الكتاب .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 411 _ 412 ، ح 1297 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 145 ، ح 359) . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 5 ، ح 6 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 7 _ ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 144 _ 145 ، ح 385 .

ص: 194

محتجّا بصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة ، والظاهر أنّهم أرادوا به الجريان من الميزاب ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، فقد قال : «ومياه الميازيب (1) الجارية من المطر حكمه حكم الماء الجاري سواء» . (2) والظاهر أنّ اعتبار الجريان في تلك الصحيحة إنّما هو في ذلك السطح الذي يبال عليه ويغتسل فيه من الجنابة ؛ لنفوذ البول والمياه النجسة في أعماق السطح غالبا ، فيجب أن يستولي المطر عليها حتّى يزيلها . إذا عرفت هذا فنقول : الشوارع والمشارع والمواضع التي تتردّد فيها المشركون والكلاب والخنازير ، ويرد عليها النجاسات غالبا إذا طهرت بالمطر ، هل تبقى طهارتها إلى أن تعلم نجاستها كسائر الأشياء الطاهرة ؟ أو يحكم بنجاستها بعد ذلك بثلاثة أيّام ؟ الأشهر والأظهر هو الأوّل ؛ للأصل والعمومات ، وعدم مخصّص يعتدّ به .وقيل بالثاني ؛ لمرسلة محمّد بن إسماعيل (3) ، المؤيّدة بظهور النجاسة . وفيه : أنّ الخبر مع إرساله يحتمل الحمل على الاستحباب ، ويؤيّده قوله عليه السلام : «فإن كان الطريق نظيفا لم تغسله» .وأمّا ظهور النجاسة ، فليس مستندا شرعيا لها كما يظهر من الأخبار . الثانية : الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهّر من الخبث والحدث مطلقا عندنا ؛ لإطلاق الماء الطهور في الآية والأخبار ، وانتفاء دليل يعتدّ به على تقييده .ولخصوص ما رواه عبداللّه بن سنان عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لابأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل» . وقال (4) : «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من

.


1- .. المئزاب : المثعب ، فارسي معرّب ، وقد عرّب بالهمز وربّما لم يهمز ، والجمع : مآزيب إذا همزت، والميازيب إذا لم تهمز . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 232 (وزب) .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 6 .
3- .. وهي الرواية 4 من هذا الباب من الكافي .
4- .. من المصدر ، وفي النسخ : «فقال» .

ص: 195

الجنابة لايجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه ، وأمّا الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف ، فلابأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به» (1) .وما رواه زرارة عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : «كان النبيّ صلى الله عليه و آله إذا توضّأ اُخِذ ما يسقط من وضوئه فيتوضّأُونَ به» . (2) والخبران وإن كانا ضعيفين ؛ لوجود أحمد بن هلال في سندهما وهو من الغلاة ، وقد ذمّه مولانا أبومحمّد العسكري عليه السلام (3) ، لكن عمل الأصحاب جبر ضعفهما .واختلفت العامّة فيه ، فوافقنا الحسن البصري 4 والزهري ، وحكاه في [ فتح ]العزيز (4) عن رواية عن جديد الشافعي، وقال: «ومنهم من لم يثبت هذا القول عنه»، وهو إحدى

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 631 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 209 ، ح 535 .
3- .. رجال النجاشي ، ص 83 ، الرقم 199 .
4- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 105 .

ص: 196

الروايتين عن مالك وأحمد ، وقال الشافعي في الجديد في رواية اُخرى : إنّه طاهر غير مطهّر ، وبه قال الأوزاعي (1) ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى عنهما ، وزعم أبوحنيفة في رواية الحسن عنه أنّه نجس نجاسة غليظة كالدم والبول والخمر حتّى أنّه إذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم منه منع أداء الصلاة . وقال أبويوسف : إنّه نجس نجاسة خفيفة ، فإذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم منه لم يكن مانعا من الصلاة ما لم يكن كثيرا فاحشا . وقال زُفَر (2) : إن كان المتوضّي محدثا فهو طاهر غير طهور ، وإن كان غير محدث فهو طاهر وطهور ، وهو قول آخر الشافعي . (3) واستدلّوا بوجوه عقليّة يأباها العقل السليم ، وقد وردت من طرقهم أيضا ما يدلّ على طهارته ، فقد نقلوا أنّ بلالاً أخرج وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتبادر إليه الصحابة ومسحوا به وجوههم (4) .وفي خبر آخر أنّه صبّ على جابر من وضوئه . (5)

.


1- .. عبدالرحمان بن عمرو بن محمّد الدمشقي أبوعمرو الأوزاعي ، أعلم أهل الشام ومن فقائهم وقرّائهم، ولد سنة ثمان وثمانين ببعلبك ، وأصله من سبي سند ، روى عن ربيعة بن يزيد والزهري وشدّاد بن أبيعمّار وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن مخيمرة وجماعة ، وروى عنه شعبة والفريابي وابن المبارك والوليد بن مسلم ويحيى القطّان وغيرهم ، وكان المنصور يكرمه ويعظّمه ، سكن آخر عمره بيروت مرابطا ، وبها توفّي في سنة 157 . راجع : الأنساب للسمعاني ، ج 1 ، ص 227 «الأوزاعي» ؛ تذكرة الحفّاظ ، ج 1 ، ص 178 ، الرقم177 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 59 .
2- .. زفر بن الهذيل بن قيس العنبري أبوالهذيل ، من بني تميم ، من فقهاء أصحاب أبيحنيفة ، أصله من إصبهان ، أقام بالبصرة وولي قضاءها ، وتوفّي بها في سنة (158 ه ق) ، وكانت ولادته سنة (110 ه ق ). راجع : تاريخ الإسلام ، ج 9 ، ص 389 _ 390 ؛ الأعلام للزركلي، ج 3 ، ص 45 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 181 .
3- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 66 .
4- .. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 308 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 87 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 93 ، ح 136 ؛ المعجم الكبير ، ج 22 ، ص 121 ؛ وأيضا ص 114 و121 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ص 55 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 57 ؛ مسند ابن الجعد، ص 40 ؛ مسند أبييعلى ، ج 2 ، ص 190 _ 191، ح 891. كلّهم عن أبيجحيفة ، وفي الأربعة الأخيرة لم يصرّح باسم بلال .
5- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 56 _ 57 ؛ صحيح مسلم ، ج 5 ، ص 60 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 187 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 235 .

ص: 197

وعن ربيع (1) : أنّه صلى الله عليه و آله مسح بفضل ما كان في يده . (2) وأمّا غسالة الحدث الأكبر ، فقد اتّفق الأصحاب على جواز رفع الخبث بها ، واختلفوا في أنّها مطهّرة للحدث أم لا ؟ ذهب السيّد المرتضى (3) والعلّامة (4) إلى الأوّل ، والشيخان إلى الثاني (5) ، واختلفت العامّة فيها كاختلافهم في غسالة الوضوء .ويدلّ على الأوّل الأصل والعمومات من غير مخصّص يعتدّ به ، وخصوص صحيحة شهاب (6) ، وخبر عمر بن يزيد (7) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل (8) ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الجنب يغتسل فينتضح الماء من الأرض في الإناء ؟ فقال : «لا بأس ، هذا ممّا قال اللّه تعالى : «وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » (9) » . (10) وفي الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل من الجنابة وثوبه قريب منه ، فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه ؟ قال : «نعم ، لا بأس به» . (11)

.


1- .. الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصاريّة ، شهدت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وصحبت النبيّ صلى الله عليه و آله في غزواته ، وكانت تداوي الجرحي وتردّ القتلى إلى المدينة ، ولها روايات عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . راجع : اُسد الغابة ، ج 5 ، ص 451 _ 452 .
2- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 32 ، ح 130 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 87 ؛ المعجم الكبير ، ج 24 ، ص 268 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 59 .
3- .. جمل العلم والعمل ، ص 49 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 133 .
5- .. ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة ، ص 9 ، والشيخ الطوسي في الخلاف ، ج 1 ، ص 179 ؛ والمبسوط، ج 1 ، ص 11 . وكلمتا «إلى الثاني» ساقطتان من النسخ ، نعم مذكورتان في هامش نسخة وعليه علامة «ظ» .
6- .. الكافي ، ج 3 ، ص 13 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 12 ، ح 554 .
7- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 213 ، ح 545 .
8- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي النسخ : «عن أبيجعفر الأحول» بدل : «عن الفضيل» ، وهذه الرواية عن الفضيل ، ولم أجد هذه الرواية لأبيجعفر الأحول .
9- .. الحجّ (22) : 78 .
10- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 225 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 211 ، ح 539 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 214 ، ح 549 .

ص: 198

وعن بريد بن معاوية ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : أغتسل من الجنابة ، فيقع الماء على الصفا فينزو فيقع على الثوب ؟ فقال : «لا بأس به» . (1) وما سبق في صحيحة عليّ بن جعفر من قول أبيالحسن الأوّل عليه السلام : «فإن كان في مكان واحد وهو قليل لايكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه» . (2) ويدلّ على طهوريّته أيضا الأصل والعمومات . وربّما احتجّ أيضا عليه بما ذكر من الأخبار التي تدلّ على جواز الغسل بماء يترشّح فيه غسالته .وفيه تأمّل ؛ إذ ذلك الماء لايسمّى بذلك غسالةً . واحتجّ الشيخ على عدم طهوريّتها بخبر عبداللّه بن سنان المتقدّم (3) .وهو مع ضعفه ، محمول على استحباب التنزّه عنها مع وجود غيرها . واحتجّ أيضا عليه بأنّه مأخوذ على الإنسان أن لايتوضّأ إلّا بما تيقّن طهارته ويقطع على استباحته الصلاة باستعماله ، والمستعمل في الجنابة مشكوك فيه (4) .وفيه نظرتين . وإذا بلغ غسالة الغسل كرّا ، قال الشيخ في المبسوط : «يزول عنه حكم المنع» (5) . وتردّد فيه (6) في الخلاف (7) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 87 ، ح 229 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 214 _ 215 ، ح 550 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 _ 417 ، ح 1315 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 28 _ 29 ، ح 73 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 216 ، ح 553 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 ، وفيه : «أزال عنه حكم المنع» .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 46 ، المسألة 127 .
7- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 173 ، المسألة 127 .

ص: 199

وفي المنتهى : «والذي اختاره تفريعا على القول زوال المنع هنا ؛ لأنّ بلوغ الكرّيّة موجب لعدم انفعال الماء عن الملاقي ، وما ذلك إلّا لقوّته ، فكيف يبقى انفعاله عن ارتفاع الحدث الذي لو كان نجاسة لكانت تقديريّة ، ولأنّه لو اغتسل في كرّ لما ينفعل ، فكذا المجتمع .لايقال : يرد ذلك في النجاسة العينيّة . لأنّا نقول : هناك إنّما حكمنا بعدم الزوال ؛ لارتفاع (1) قوّة الطهارة ، بخلاف المتنازع [ فيه ]» (2) انتهى .وفيه تأمّل . ولو اغتسل في كرّ فلا يمنعه ذلك الغسل من الطهوريّة ؛ لعدم صدق اسم الغسالة عليه عرفا .ولصحيحة صفوان بن مهران الجمّال ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الحياض التي بين مكّة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحُمُر ، ويغتسل فيها الجُنُب ، أيتوضّأ منه ؟ فقال : «وكَم قدر الماء؟» فقلت : إلى نصف الساق أو إلى الركبة . قال : «توضّأوا منه» (3) .الثالثة : في غسالة الخبث أمّا ماء الاستنجاء ، فقد عفي عنه إذا سقط منه شيء على ثوب المستنجي أو بدنه إنلم يتغيّر بالنجاسة ولم يكن معه عينها ولا وصل إليه نجاسة خارجة عن محلّه ، وهل هو نجس معفوّ كقليل الدم ، أم طاهر ؟ قال المحقّق في المعتبر بالأوّل (4) ، وقرّبه الشهيد في

.


1- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «لارتفاق» .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 138 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 4 ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 ، ح 1317 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 22 ، ح 54 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 162 ، ح 402 .
4- .. حكاه عنه الشهيد في الذكرى ، ص 9 ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 129 _ 130 ؛ والشهيد فالثاني في روض الجنان ، ج 1 ، ص 427 . وقال السيّد محمّد العاملي في مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 125 بعد نقل ما نسب إلى المعتبر : «ولم أقف على ما نقلوه في الكتاب المذكور ، بل كلامه فيه كالصريح في الطهارة ، فإنّه قال : وأمّا طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين ، وقال علم الهدى في المصباح : لابأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن [ المعتبر ، ج 1 ، ص 91 ]وكلامه صريح في العفو ، وليس بصريح في الطهارة» .

ص: 200

الذكرى (1) ؛ لما دلّ على نجاسة الماء القليل بالملاقاة ، وصرّح الشيخان بطهارته (2) ، وتبعهما الأكثر ، بل ربّما ادّعي الإجماع عليها ، وهو أظهر ؛ لظهور حسنة محمّد بن النعمان الأحول (3) فيه .وكذا ما رواه الشيخ عنه عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيه وأنا جُنُب ؟ فقال : «لا بأس» . (4) وصراحة ما رواه عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي فيه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجّس ذلك ثوبه ؟ قال : «لا» . (5) ولا فرق في ذلك بين الاستنجاء من البول ومن الغائط ، ولا بين المتعدّي وغير المتعدّي من الغائط ، ولا بين ما يخرج من المخرج الطبيعي مطلقا وغيره ، ولا بين أن يزيد وزن الماء زائدا بمباشرة النجاسة أو لا ؛ لإطلاق الأخبار .وخصّه بعض الأصحاب بما إذا خرجت النجاسة من المخرج الطبيعي أو من غيره مع الاعتياد أو مع انسداد الطبيعي . واشترط الشهيد في الذكرى عدم زيادة الوزن (6) .وأمّا غسالة سائر النجاسات ، فلو تغيّرت بالنجاسة ، فلا خلاف في نجاستها ، وإن

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 82 .
2- .. قاله المفيد في المقنعة ، ص 47 باب صفة الوضوء والفرض منه ، والطوسي في النهاية ، ص 16 ، باب آداب الحدث وكيفيّة الطهارة ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 16 ، في ذكر مقدّمات الوضوء .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 13 ، ح 5 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 70 ، ح 162 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 85 _ 86 ، ح 223 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 221 _ 222 ، ح 565 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 222 _ 223 ، ح 568 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 _ 87 ، ح 228 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 223 ، ح 569 .
6- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 83 .

ص: 201

لم تتغيّر فقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال :أحدها : أنّها طاهرة مطلقا سواء كانت من الغسلة الاُولى أو من غيرها من الغسلات ، حكي ذلك عن السيّد المرتضى (1) ، وصرّح به الشيخ في المبسوط في غسالة الولوغ (2) ، وتبعه ابن إدريس (3) وجماعة .ويظهر من الشهيد الميل إليه ؛ لاستضعافه أدلّة نجاستها ، واعترافه بأنّه لا دليل عليها سوى الاحتياط (4) . وربّما استدلّ له بأنّه لو حكم بنجاستها لما طهر المحلّ بالغسل بالقليل أبدا ، والتالي باطل إجماعا .ولايبعد أن يقال : حكم الشارع بطهارة ماء الاستنجاء مبنيّ على عدم نجاسة القليل بوروده على النجاسة وإن انفصل عنها كما ذهب إليه السيّد في الناصريّات (5) ، فيلزم منه طهارة مطلق الغسالات .وهذا القول هو منقول عن الشافعي (6) في قولٍ ، ولا يخلو عن قوّة . وثانيها : أنّها نجسة مطلقا ، وهو منقول عن أبيحنيفة (7) ، وعن قول آخر للشافعي (8) .واحتجّ عليه بأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس بها ، كما لو وردت النجاسة عليه . وبرواية العيص بن القاسم ، قال : سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وَضوء ؟ فقال : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» . (9)

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 83 .
2- .. المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) ، ص 179 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 15 ؛ ومثله في الخلاف ، ج 1 ، ص 181 ، م 137 .
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 61 .
5- .. الناصريّات ، ص 72 _ 73 ؛ المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) ، ص 179 .
6- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 8 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 158 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 26 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 270 .
7- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 78 .
8- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 8 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 158 .
9- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 179 _ 180 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 552 .

ص: 202

واحتجّ عليها العلّامة في المختلف (1) بخبر عبداللّه بن سنان المتقدّم (2) .وهو مع ضعفه ، إنّما يدلّ على عدم جواز الوضوء منها لا على نجاستها . وظاهر أكثر هؤلاء منهم العلّامة في الإرشاد (3) أنّ الغسالة عندهم كسائر النجاسات غير البول والولوغ ، وإن كانت منهما فإنّها لاتسمّى بولاً ولا ولوغا .وقال بعضهم : إنّها كالمحلّ قبل خروجها ، ففي غسالة البول إذا أصاب إنّما يجب على الأوّل غسله مرّة مطلقا ، سواء كانت من الغسلة الاُولى أو من الثانية ، وعلى الثاني يجب غسل ما أصابه غسالة الغسلة الاُولى مرّتين ، وهو اختيار الشهيد (4) ومن تأخّر عنه (5) .واحتجّوا عليه بأنّه لاقت النجاسة الضعيفة لأضعاف الغسلة حكم نجاسة المحلّ . وثالثها : القول بالفصل ، وهو أنّها نجسة لو احتاج محلّها بعد خروجها إلى غسل آخر ، وطاهرة لو لم تحتج إليه ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف . (6) وهؤلاء قالوا : إنّها كالأصل بعد خروجها ، ففي المثال يجب غسل ما أصابته الغسلة الاُولى مرّة ، واحتجّ عليه بأنّ المحلّ بعد الغسلة الأخيرة طاهر مع بقاء بعض مائها فيه ، والماء الواحد لاتختلف أجزاؤه في الطهارة والنجاسة ، فيجب أن يكون الخارج أيضا طاهرا .واُجيب بجواز اختصاص ما في المحلّ بالطهارة ؛ للضرورة ، أو لغيرها . وفيه تأمّل . وفائدة الخلاف إنّما تظهر عند الأصحاب في جواز رفع الخبث بها وطهارة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 237 نقلاً عن الشيخ الطوسي .
3- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 238 ؛ ومثله في نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 244 .
4- .. الألفيّة والنفليّة ، ص 50 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 16 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 310 .
5- .. رسائل الكركي ، ج 3 ، ص 229 ؛ كشف اللثام ، ج 1 ، ص 297 .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 179 ، المسألة 135 ؛ فإنّه فصّل بين الغسلة الاُولى والثانية ، وقال بنجاسة غسالة الغسلة الاُولى وبطهارة الثانية إلّا أن يكون متغيّرا بالنجاسة .

ص: 203

ما وصلت إليه وعدمهما ، وأمّا رفع الحدث بها فلايجوز وفاقا للكلّ عندنا ، ويدلّ عليه رواية عبداللّه بن سنان المتقدّمة (1) .ولولا دعوى الإجماع على ذلك لأمكن القدح فيه . وأمّا القائلون بطهارتها من العامّة ، فقال بعضهم : ترفع الحدث الأصغر ولاتزيل الخبث ، والمشهور بينهم أنّها غير مطهّرة مطلقا (2) .وأمّا غسالة الحمّام ، فستأتي . [قوله] : (عن شهاب بن عبدربّه) . [ ح 6/3862 ]وثّقه العلّامة في الخلاصة (3) ، وقال النجاشي في ترجمة إسماعيل بن عبدالخالق : إسماعيل بن عبدالخالق بن عبدربّه بن أبيميمونة بن يسار ، مولى بني أسد ، وجه من وجوه أصحابنا ، وفقيه من فقهائنا ، وهو من بيت الشيعة ، عمومته : شهاب ، وعبدالرحيم ، ووهب ، وأبوه عبدالخالق كلّهم ثقات . (4) وحكى الشيخ الكشّي مدحه عن حمدويه عن بعض المشايخ ، وأنّه خَيِّرٌ فاضل (5) . وروي في ذمّه أخبار ضعيفة السند ، فعن محمّد بن مسعود ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن مسمع كردين أبيسيّار ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «وأمّا شهاب ، فإنّه شرّ من الميتة والدم ولحم الخنزير» . 6 وعن محمّد بن مسعود ، عن عليّ بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام ، عن شهاب بن عبدربّه ، قال : قال لي أبوعبداللّه عليه السلام :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. المجموع للنووي، ج 1 ، ص 158 _ 159 .
3- .. خلاصة الأقوال ، ص 168 ، الرقم 2 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 27 ، الرقم 50 .
5- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 712 ، الرقم 780 .

ص: 204

«يا شهاب ، يكثر القتل (1) في أهل بيت من قريش حتّى يُدعى الرجل منهم إلى الخلافة فيأباها» . ثمّ قال : «يا شهاب ، لاتقل إنّي عنيتُ بني عمّي هؤلاء» . فقال شهاب : أشهد أنّه عناهُم . (2) وعن محمّد بن مسعود ، عن عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسين بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن بشّار الواسطي ، عن داوود الرقّي ، قال : كنت عند أبيعبداللّه عليه السلام فذكر شهاب بن عبدربّه فقال : «واللّه الذي لا إله إلّا هو لأقتُلَنَّه (3) ، واللّه الذي لا إله إلّا هو لأضربنّه (4) » . (5) ففي طريق الأوّل جبرئيل بن أحمد ، وهو مجهول الحال . وعليّ بن محمّد في الثاني مشترك بين الثقة والمجهول والضعيف ، وإن كان الظاهر أنّه عليّ بن محمّد الخلفي من أهل سمرقند بقرينة رواية محمّد بن مسعود السمرقندي عنه ، ووثّقه العلّامة في الخلاصة (6) .والحسين بن الحسين في الثالث مجهول الحال غير مذكور في كتب الرجال . على أنّ الخبرين الأوّل والثالث شاهدان على أنّهما فِرية بلا مِرية .وعن الشهيد الثاني أنّه قال _ مشيرا إلى ما ذكرناه من الأخبار _ : «طرق الذمّ ضعيفة ، والاعتماد على مدحه الموجب لإدخاله في الحسن. وقيل : «الحقّ مع ضعف طرق الذمّ الحكمُ بالتوثيق وهو أظهر ؛ لتوثيق عدلين إيّاه» . (7)

.


1- .. كذا في النسخ ، وفي المصدر : «يكثر المقيل» .
2- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 713 ، الرقم 785 .
3- .. في المصدر : «لأصلبنّه» .
4- .. في المصدر : «لاُخبرنّه» .
5- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 713 _ 714 ، الرقم 786 .
6- .. خلاصة الأقوال ، ص 177 ، الرقم 17 . ومثله في رجال الطوسي ، ص 429 ، الرقم 6161 .
7- .. حكاه عنه الأردبيلي في جامع الرواة ، ج 1 ، ص 402 .

ص: 205

[باب] ماء الحمّام والماء الذي تسخّنه الشمس

[باب] ماء الحمّام والماء الذي تسخّنه الشمسفيه مسألتان :الاُولى : ماء الحمّام والمراد به الغسالة المنفصلة عن الناس المستنقعة في الحمّام أو الخارجة منه المجتمعة في البئر ، والمياه الّتي في الحياض الصغار فيه، فأمّا الغسالة ، فقد اختلفوا في طهارتها ونجاستها إذا لم تعلم واحدة منهما ، فذهب جماعة إلى الثاني ، منهم الشيخ في النهاية (1) ، والعلّامة (2) ، وادعّى ابن إدريس عليه الإجماع ، ودلالة الأخبار الكثيرة (3) ، وكأنّه أشار بذلك إلى خبر ابن أبييعفور (4) ، والأخبار الواردة في النهي عن الاغتسال منها معلّلة أكثرها بأنّ فيها غسالة اليهودي والنصراني والناصب وأضرابهم ، وقد سبقت . (5) وتلك الأخبار لو تمّت دلالتها على نجاستها فإنّما هي إذا علم اغتسال هذه الأصناف في الحمّام لا مع الجهل به . وربّما يستدلّ عليه بخبر حنّان (6) ، وهو ضعيف سندا ؛ لكون حنّان واقفيّا غير موثّق ، ودلالةً ؛ لكونها بالمفهوم .والأظهر الأوّل ؛ للأصل والعمومات ، وخصوص ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «من غسل رجليه بعد خروجه من الحمّام فلا بأس ، وإن لم يغسلهما فلا بأس» (7) .

.


1- .. النهاية ، ص 5 .
2- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 38 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 54 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 18 .
3- .. السرائر ، ج 1 ، ص 90 _ 91 . وحكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 147 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 219 ، ح 559 .
5- .. الكافي ، ج 6 ، ص 503 ، ح 38 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1143؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 _ 219 ، ح 556 و557 .
6- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 213 ، ح 549 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 125 ، ح 296 . وهذه الفقرات مذكورة بعد رواية عن الإمام الصادق عليه السلام ، والظاهر أنّها ليست من الرواية ، بل من كلام الصدوق ، نعم وردت في مكارم الأخلاق للطبرسي ، ص 54 عن الإمام الرضا عليه السلام .

ص: 206

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : رأيت أباجعفر عليه السلام جائيا من الحمّام وبينه وبين داره قذر ، فقال : «لولا ما بيني وبين داري ، ما غسلت رجلي ولا نحيت ماء الحمّام» . (1) وفي صحيح آخر عنه قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الحمّام يغتسل فيه الجنب ، أغتسل من مائه ؟ قال : «نعم ، لا بأس أن يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه ثمّ جئت فغسلت رجلَيّ ، وما غسلتهما إلّا ممّا لزق بهما من التراب» . (2) وفي الموثّق عن زرارة ، قال : رأيت أباجعفر عليه السلام يخرج من الحمّام فيمضي كما هو لايغسل رجليه حتّى يصلّي . (3) وأمّا الماء القليل الذي في الحياض ، فهو ينجس بالملاقاة ما لم يتّصل بالمادّة كسائر المياه القليلة ؛ لعموم الأدلّة ، وعدم معارض .ومع الاتّصال بها لاينجس ما لم يتغيّر اتّفاقا ، ويدلّ عليه خبرا ابن أبييعفور وحنّان بن سدير ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن سرحان ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : ما تقول في ماء الحمّام ؟ قال : «هو بمنزلة الماء الجاري» . (4) وعن بكر بن حبيب ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة» . (5) وحمل عليه خبر أبييحيى الواسطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبيالحسن الهاشمي _ يعني موسى بن جعفر عليهماالسلام _ قال : سُئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمّام لاأعرف اليهودي من النصراني، ولا الجنب من غير الجُنُب ؟ قال : «تغتسل منه

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1173 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 _ 149 ، ح 369 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 _ 379 ، ح 1172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 ، ح 368 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1174 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 211 ، ح 540 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1170 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 ، ح 367 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 149 ، ح 370 .

ص: 207

ولاتغتسل من ماء آخر ؛ فإنّه طهور» . وعن الرجل يدخل الحمّام وهو جنب ، فيمسّ الماء من غير أن يغسلهما ؟ قال : «لا بأس» . وقال : أدخل الحمّام فأغتسل فيصيب جسدي بعد الغسل جنبا أو غير جنب ؟ قال : «لا بأس» . (1) فأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن ماء الحمّام ؟ فقال : «اُدخله بإزار ولاتغتسل بماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلاتدري فيهم جنب أم لا» (2) ، فمحمولة على الاستحباب ، أو على ما إذا لم تكن له مادّة .الثانية : يكره التطهير بالماء المسخّن بالشمس عند الأصحاب ، وهو أحد قولي الشافعي (3) ، وإحدى الروايتين عن أحمد .ويدلّ عليه خبر السكوني (4) ، وما رواه الشيخ قدس سره عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : «دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على عائشة وقد وضعت قمقمتها في الشمس ، فقال : يا حميراء ، ما هذا ؟ قالت : أغسل رأسي وجسدي . قال : لاتعودي ؛ فإنّه يورث البرص» . (5) وفي [ فتح ] العزيز : روي عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهاها عن التشميس وقال : «إنّه يورث البرص» (6) . وعن ابن عبّاس ، أنّه صلى الله عليه و آله قال : «من اغتسل بماء مشمّس فأصابه وضخ فلايلومنّ إلّا نفسه» . (7)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 372 مقتصرا على الفقرة الاُولى من الرواية ؛ وص 236 ، ح 406 مقتصرا على الفقرتين الأخيرتين منها .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 ، ح 371 .
3- .. الاُمّ ، ص 16 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 221 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 17 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 87 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 135 .
4- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1113 ؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 30 ، ح 79 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 280 ، الباب 193، ح 1؛ المقنع، ص 22 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 207 ، ح 530 .
6- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 130 .
7- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 131 _ 132 ؛ تلخيص الحبير ، ج 1 ، ص 131 .

ص: 208

وكره عمر المشمّس وقال : إنّه يورث البرص (1) .وحمل النهي في هذه الأخبار على الكراهة ؛ للجمع بينها وبين ما رواه الشيخ عن محمّد بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا بأس بأن يتوضّأ من الماء الذي يوضع في الشمس» (2) . وظاهر التعليل أيضا أنّ النهي للإرشاد .فإن قلت : إذا كان استعماله موجبا للبرص ، فلابدّ أن يكون حراما ؛ لوجوب التحرّز عن الضرر . قلنا : لانسلّم كون استعماله موجبا للبرص ، ولا دلّت الأخبار عليه ، وإنّما دلّت على إمكان كونه كذلك ، فالضرر ليس بمعلوم الوقوع ولا بمظنونه ، فليس محلاًّ لوجوب التحرّز ، بل إنّما هو موهم له ، فيكون موجبا لرجحان التحرّز ، كذا قيل .ونفى الكراهة أبوحنيفة ومالك ، وهو قول آخر للشافعي ، ورواية عن أحمد . (3) ويردّ قولهم ما رويناه عنهم ، والكراهة على ما ذكره الأصحاب مختصّة بالطهارة به ، كما هو ظاهر أكثر الأخبار .ولايبعد القول بكراهة استعماله في الأكل والشرب أيضا كما يشعر به خبر إسماعيل بن أبيزياد ، وهو السكوني (4) . وإطلاق بعض الأخبار وإن كان موهما لكراهة المشمّس وإن كان في الحياض والغدران ، لكن خصّه أهل العلم من الفريقين بالمشمّس في الأواني ؛ بقرينة العرف ، ولأنّ قوّة التأثير في غير الأواني ليست على حدّ يتولّد منه المحذور ، بل احتمل في المنتهى اختصاصها بما يشبه آنية الحديد

.


1- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 133 . والرواية تجدها في السنن للدارقطني ، ج 1 ، ص 34 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 6 ؛ وكنز العمّال ، ج 9 ، ص 572 ، ح 27475 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 366 _ 367 ، ح 1114 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 ، ح 78 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 208 ، ح 532 . وفي الجميع : «بالماء الذي» .
3- .. المجموع للنووي، ج 1 ، ص 88 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 129 عن مالك وأبيحنيفة وأحمد .
4- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في علل الشرائع ، ج 1 ، ص 281 ، الباب 193 ، ح 2 ؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1177 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 207 ، ح 531 .

ص: 209

[باب] الموضع الذي يكره أن يتغوّط فيه أو يبال

والرصاص دون الذهب والفضّة ؛ لصفاء جوهرهما (1) ، والظاهر عموم البلاد والفصول ، واحتمل في المنتهى اختصاصها بالبلاد الحارّة ؛ لاختصاص خوف المحذور بها دون المعتدلة (2) ، والعلّة جارية في الفصول أيضا .وحكى في [ فتح ]العزيز عنهم القول بكلّ من هذه الاحتمالات . (3)

[باب] الموضع الذي يكره أن يتغوّط فيه أو يبالالظاهر أنّه قدس سره أراد بالكراهة المعنى المصطلح ، فيكون استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط مكروها عنده كغيرهما ممّا ذكره في الباب ، وهو أحد الأقوال ، وسيجيء .ويحتمل أن يريد الأعمّ منها ومن الحرمة ، ولو من باب عموم المجاز . قوله في خبر السكوني : (من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله) . [ ح 1/3870 ]يعني أن يتخيّر موضعا مناسبا له مرتفعا أو كثير التراب ونحوه بحيث لايوهم الترشّح . وروى الشيخ مرسلاً عن سليمان الجعفري ، قال : بتّ مع الرضا عليه السلام في سفح جبل ، فلمّا كان آخر الليل قام فتنحّى وصار على موضع مرتفع ، فبال وتوضّأ وقال : «من فقه الرجل أن يرتاد لموضع بوله» ، وبسط سراويله وقام عليه وصلّى صلاة الليل (4) .وعن عبداللّه بن مسكان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أشدّ الناس توقّيا عن البول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير ؛ كراهية أن ينضح عليه البول» 5 .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 25 .
2- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 133 _ 135 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 33 ، ح 86 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 338 _ 339 ، ح 891 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 338 ، ح 890 .

ص: 210

قوله في صحيحة عاصم بن حميد: (وتحت الأشجار المثمرة) . [ ح 2/3871 ]الظاهر اعتبار وجود الثمرة حال التغوّط في الكراهة ؛ لأنّ الصفة إنّما تكون مجازا فيما لم يوجد مبدء الاشتقاق بعدُ إجماعا ، وفيما مضى على الأظهر ، وإذ لاقرينة عليهما فلتحمل على الحقيقة . ويؤيّده خبر السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يتغوّط على شفير بئر يستعذب منها ، أو نهر يستعذب ، أو تحت شجرة فيها ثمرتها» . (1) ويؤيّده أيضا الاعتبار ، والأكثر لم يعتبروا هذا ؛ حملاً للمثمرة على ما من شأنها ذلك ، كما قيل في شاة لبون ونحوها ، وهو كماترى . والكراهة إنّما تكون في المملوك والمباح ، وأمّا في ملك الغير فيحرم قطعا ، ويضمن ما يتلف من الثمرة بفعله ، إلّا إذا كان مأذونا فيه .قوله في مرفوعة محمّد بن يحيى : (سئل ما حدّ الغائط ؟ قال : لايستقبل القبلة ولا يستدبرها) . [ ح 3/3872 ] الغائط في الأصل هو المطمئنّ من الأرض (2) ، صار كناية عن موضع التخلّي ؛ لارتياده الناس عند الحدث ، ثمّ في الحدث استعمالاً للمحلّ في الحالّ .وإطلاق النهي عن استقبال القبلة واستدبارها يقتضي تحريمهما مطلقا في الصحاري والبنيان . ومثلها في هذا المعنى مرفوعة عليّ بن إبراهيم (3) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1048 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 228 _ 229 ، ح 584 .
2- .. غريب الحديث لأبيعبيد ، ج 1 ، ص 156 وج 2 ، ص 126 ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج 1 ، ص 11 ، غريب الحديث للحربي ، ج 2 ، ص 641 ؛ الفائق للزمخشري ، ج 2 ، ص 340 .
3- .. وهي الرواية 5 من هذا الباب من الكافي . ورواها الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 30 ، ح 79 ؛ فوسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 301 ، ح 790 .

ص: 211

وما رواه الشيخ عن عيسى بن عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبيطالب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ _ صلوات اللّه عليه _ قال : «قال لي النبيّ صلى الله عليه و آله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولاتستدبرها ، ولكن شرّقوا أو غرّبوا» (1) .وعن عبدالحميد بن أبيالعلاء أو غيره رفعه ، قال : سئل الحسن بن عليّ عليهماالسلام : ما حدّ الغائط ؟ قال : «لاتستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولاتستقبل الريح ولا تستدبرها» . (2) وروى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا تستقبل القبلة ولاتستدبرها» (3) .وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّما أنا لكم مثل الوالد ، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلاتستقبل القبلة ولا تستدبرها بغائط ولا بول» (4) .وذهب إليه الشيخ (5) والمحقّق (6) والعلّامة (7) ، وهو المنقول عن السيّد المرتضى وابن إدريس (8) وابن البرّاج (9) وأبيالصلاح (10) ، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى 11 وصريحه في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 25 ، ح 64 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 47 ، ح 130 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 302 ، ح 794 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 26 ، ح 47 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 301 ، ح 791 .
3- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 155 . وقريبه في المسند لأحمد بن حنبل ، ج 5 ، ص 414 و421 ؛ والسنن لأبيداود ، ج 1 ، ص 11 ، ح 8 ، والموطّأ لمالك ، ج 1 ، ص 193 ، كتاب القبلة ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 352 ، ح 26402 .
4- .. مسند الشافعي ، ص 13 ؛ السنن للنسائي ، ج 1 ، ص 38 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 91 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 434 _ 435 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 288 . ونحوه في المسند لأحمد بن حنبل ، ج 2 ، ص 50 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 43 _ 44 ؛ السنن لابن ماجة ، ج 1 ، ص 114 ، ح 313 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 279 و288 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 16 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 101 .
6- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 122 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 14 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 266 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 239 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 .
8- .. السرائر ، ج 1 ، ص 95 .
9- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 41 . 10 . الكافي في الفقه ، ص 127 .
10- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 163 .

ص: 212

الدروس (1) ) ، لكنّ الشيخ في النهاية (2) ) والمبسوط (3) ) استثنى منه ما إذا كان الموضع مبنيّا على القبلة على وجه لايتمكّن من الانحراف عنها ، وكأنّه أراد بذلك الجمع بين ما ذكر وبين حسنة الهيثم بن أبيمسروق ، عن محمّد بن إسماعيل ، وهو ابن بزيع ، قال : دخلت على أبيالحسن الرضا عليه السلام وفي منزله كنيف مستقبل القبلة ، وسمعته يقول : «من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها إجلالاً للكعبة وتعظيما لها ، لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر [ اللّه له ]» (4) ). حملاً لهذا على أنّ الكنيف كان مستقبلاً للقبلة قبل انتقال البيت إليه عليه السلام ولايقدر على الانحراف .وهو محمل بعيد ، وحمله على أنّه عليه السلام كان ينحرف أقرب ، وإليه أشار العلّامة بقوله : «وينحرف في المبنّي عليها» (5) ) . وخصّ سلاّر _ على ما حكي عنه _ التحريم بالصحاري وقال بالكراهة في البنيان ؛ للجمع . (6) )وحمل جماعة النهي في الأخبار على الكراهة ؛ لذلك ، وهو المنقول عن أبيعليّ ، وإليه ذهب الشهيد في اللمعة (7) ) ، وبه قال المفيد ، لكن استثنى دارا قد بنى فيها مقعدة للغائط عليها . (8) )

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 88 ، الدرس 2 ؛ وبه قال في البيان ، ص 6 .
2- .. النهاية ، ص 9 _ 10 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 16 ، فصل في ذكر مقدّمات الوضوء .
4- .. رواه الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1043 بتمامه ، ومابين المعقوفين منه ، وصدره في ص 26 ، ح 66 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 47 ، ح 32 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 303 ، ح 797 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 .
6- .. المراسم ، ص 32 ، ولفظه هكذا : «وقد رخّص ذلك في الدور ، وتجنّبه أفضل» .
7- .. لكن عبارته في اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 صريح في الحرمة ، حيث قال : «يجب على المتخلّي ستر العورة ، وترك استقبال القبلة ودبرها» .
8- .المقنعة، ص 39، وظاهر كلامه الحرمة حيث قال: «ولايستقبل القبلة بوجهه ولايستدبرها». ولكن قال في ص 41 : «وإذا دخل الإنسان دارا قد بني فيها مقعد للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها ، لم يضرّ الجلوس عليه ، وإنّما يكره ذلك في الصحاري والمواضع التي يتمكّن فيها من الانحراف عن القبلة» . وقال العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 265 بعد نقل هذه العبارة : «وهذا الكلام يعطي الكراهة في الصحاري والإباحة في البنيان» .

ص: 213

وعن ابن الجنيد أنّه قال بالكراهة مخصّصا إيّاها بالصحاري (1) ) ، فتدبّر .والظاهر جريان الحكم في حال الاستنجاء أيضا ، كما يدلّ عليه خبر عمّار (2) ) . وقال _ طاب ثراه _ : «المراد بالاستقبال والاستدبار استقبال الرجل واستدباره بمقاديم بدنه ومواخيره كما في الصلاة ، لا استقبال العورة واستدبارها وحدها». وقد صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد . (3) ) وأمّا النهي عن استقبال الريح واستدبارها ، فهو للإرشاد والتنزيه اتّفاقا ، ومنشؤه كونهما مظنّة للترشّح ، وهو السرّ في تقييد الأصحاب النهي هنا بالبول ، وظاهر الخبر كراهية استدبار الريح بالبول أيضا كاستقبالها ، وبه قال الشهيد في الذكرى (4) ) والدروس (5) ) ، وخصّها غيره ممّن رأيت كلامه بالاستقبال ، منهم الشيخ في النهاية (6) ) ، وعُلِّل ذلك بأنّ استدبار الريح بالبول ليس مظنّة للرشّ ، وهو ممنوع ؛ لأنّه قد يرشّ بهبّ الريح من تحت الرجلين .قوله : وروي في حديث آخر : لاتستقبل الشمس ولا القمر) . [ ح 3/3872 ] وقال الصدوق أيضا بعد ما رويناه عنه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام : وفي خبر آخر : «ولاتستقبل الهلال ولاتستدبره» (7) ) ، وظاهرهما ورود الروايتين في البول والغائط

.


1- .. عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 122 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 265 _ 266 ، ولم يرد في عبارته الكراهة ، بل الموجود فيها استحباب التجنّب عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحاري .
2- .. الكافي ، ج 3 ، ص 18 ، ح 11 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 28 ، ح 54 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 355 ، ح 1061 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 359 _ 360 ، ح 954 و955 .
3- .. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 74 ، حيث قال : «على حدّ ما يعتبر في الصلاة ؛ لاتّحاد المعنى والدليل» . وصرّح به أيضا في شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 337 .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 164 .
5- .. الدروس ، ج 1 ، ص 89 ، الدرس 2 .
6- .. النهاية ، ص 10 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 26 ، ح 48 .

ص: 214

جميعا ، ولم أجدهما ، وما وجدت إلّا روايتان في البول خاصّة ، رواهما الشيخ عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بقرجه وهو يبول» . (1) ) وفي الحسن عن محمّد بن يحيى الكاهلي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لايبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به» . (2) ) وصرّح الأكثر بكراهتهما مطلقا (3) ) ، بل ظاهر المفيد حرمتهما كذلك ؛ حيث قال : «ولايجوز لأحد أن يستقبل بفرجه قرصي الشمس والقمر في بول ولا غائط» (4) ) .والأولى الاقتصار على مورد النصّ ، وفي كلام الصدوق حزازة اُخرى كما لايخفى . قوله في خبر السكوني : نهى النبيّ صلى الله عليه و آله أن يطمح الرجل ببوله من السطح ، أو من الشيء المرتفع في الهواء) . [ ح 4/3873 ]ومثله ما رواه الشيخ في الصحيح عن مسمع ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «قال أميرالمؤمنين عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يكره للرجل _ أو ينهى الرجل _ أن يَطمَحَ ببَوله من السطح في الهواء» . (5) )قوله : «في الهواء» في الخبرين متعلّق ب_«يطمح» ، وفي القاموس : «طمح ببوله : رماه في الهواء» (6) ) . فيكون قيدُ «في الهواء» فيهما مبنيّا على التجريد ، ولعلّ السرّ في ذلك النهي تأذّي الجنّ منه ؛ لأنّ مسكنهم في الهواء على ما رواه المصنّف قدس سرهفي باب تشييد البناء من أبواب الزيّ والتجمّل من هذا الكتاب عن الصادق عليه السلام : «إنّ الشيطان ليس في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 34 ، ح 91 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 342 ، ح 902 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 34 _ 35 ، ح 92 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 342 ، ح 903 .
3- .. اُنظر : شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 15 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 242 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 119 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ؛ إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 14 ؛ جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 101 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 32 ؛ روض الجنان ، ج 1 ، ص 84 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 177 .
4- .. المقنعة ، ص 42 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1045 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 351 _ 352 ، ح 932 .
6- .. القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 238 طمح) .

ص: 215

[باب ] القول عند دخول الخلاء وعند الخروج ، والاستنجاء و

السماء ولا في الأرض ، وإنّما يسكن في الهواء» (1) ) .قوله في مرفوعة عليّ بن إبراهيم : وارفع ثوبك) . [ ح 5/3874 ] الظاهر أنّ هذا الأمر للإرشاد ، ويحتمل الندب بعيدا . قوله في خبر إبراهيم الكرخي : ثلاثة ملعون من فعلهنّ)إلخ . [ ح 6/3875 ] في تفسير الثلاثة بالمتغوّط والمانع والسادّ مسامحة ، وكون التفسير للموصول في مَن فعلهنّ محتمل بعيد ، والمنع خلاف الإعطاء ، وهو يتعدّى إلى مفعولين : إلى الأوّل بنفسه وإلى الثاني بعَن وبنفسه أيضا .والانتياب افتعال من النوبة ، يقال : انتاب فلان القوم ؛ إذا أتاهم مرّة بعد اُخرى (2) ) ، والمنتاب اسم مفعول وصفة للماء ، أي الماء الذي وقعت عليه النوبة (3) ) ، والمفعول الثاني للمنع محذوف .ويجوز أن يكون اسم فاعل بمعنى صاحب النوبة ، فهو أحد مفعولي المانع . ولعن المانع والسادّ ؛ لتحريم ذينك المنع والسدّ ، فالظاهر أنّ لعن المتغوّط في فيء النزّال (4) ) أيضا لتحريم ذلك التغوّط ، لكنّ الأصحاب حملوا هذا على الكراهة .

[باب ] القول عند دخول الخلاء وعند الخروج ، والاستنجاء ومن نسيه ، والتسمية عند الوضوءقال _ طاب ثراه _ : قيل : الخلاء بفتح الخاء والمدّ : الموضع الخالي ، سمّي به موضع الحاجة ؛ لخلائه في غير

.


1- .. الكافي ، ج 6 ، ص 529 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، 311 ، ح 6636 ، وفيهما : «إنّ الشياطين ليست في السماء ولا في الأرض ، وإنّما تسكن الهواء» .
2- .. اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 228 _ 229 نوب) .
3- .. مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 387 نوب) .
4- .. أي موضع الظلّ المعدّ لنزول الناس ، أو ما هو أعمّ كالمحلّ الذي يرجعون إليه وينزلون به . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 441 فيأ) .

ص: 216

وقتها ، وإن كسرتَ الخاء فهو عيب في الإبل كالحران (1) ) في الخيل ، وبفتح الخاء والقصر : الحشيش الرطب ، وهو أيضا الكلام ، يقال : هو حسن الخلا ، أي حسن الكلام ، ذكره الفارسي (2) ) في الإيضاح في باب المقصور والممدود .والاستنجاء : إزالة ما بالمحلّ من النجاسة ، مأخوذ من النجوة ، وهو ما ارتفع من الأرض (3) ) ؛ لأنّهم يقصدونها عند الحدث والتطهير للتستّر . أو من النجو بمعنى الحدث (4) ) ، واستنجى أي طلب موضع النجو . أو من نجوتُ جلد البعير ، إذا سلخته (5) ) ؛ لأنّ فيه سلخ النجاسة . أو من نجوت غصون الشجرة إذا قطعتها (6) ) ؛ لأنّ فيه قلغ النجاسة .قوله في صحيحة معاوية بن عمّار : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم) . [ ح 1/3876 ] نقل _ طاب ثراه _ عن أبيالهيثم ، أنّه قال : «الخبيث ذَكَر الشيطان ، يُجمَع على خُبُث بضمّتين ، والخبيثة اُنثاه تُجمع على خبائث» .

.


1- .. الحران: أن يقف فلايتحرّك وإن ضرب. غريب الحديث للحربي، ج 2 ، ص 446 حرن).
2- .. أبوعليّ الحسن بن أحمد بن عبدالغفّار بن سليمان الفارسيّ الفسوي ، إمام النحو ، ولد بفسا ، وقدم بغداد في سنة 307 واستوطنها ، وأخذ العلم عن المبرّد وأبيبكر السرّاج ، وعلت منزلته في النحو حتّى قال قوم من تلامذته : هو فوق المبرّد ، وسكن مدّة طرابلس ثمّ حلب ، وأقام مدّة عند سيف الدولة ، ثمّ رجع إلى فارس ، وصحب عضد الدولة ابن بويه وتقدّم عنده ، فعلّمه النحو وصنّف له كتاب الإيضاح ، ثمّ رجع إلى بغداد ، وأقام بها إلى أن توفّي سنة 377 . من تلامذته : أبوالفتح ابن جنّي، وعليّ بن عيسى الربعي ، وله مصنّفاف كثيرة ، منها : الإيضاح في النحو ، جواهر النحو ، الحجّة في القراءات ، العوامل في النحو المقصور والممدود . وسئل في حلب وشيراز وبغداد والبصرة وغيرها أسئلة كثيرة ، فصنّف في أسئلة كلّ بلد كتابا ، منها : المسائل الشيرازيّة ، المسائل العسكريّة ، المسائل البصريّات ، الحلبيّات ، والبغداديّات . راجع : تاريخ بغداد ، ج 7 ، ص 285 _ 286 ، الرقم 3763 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 16 ، ص 379 _ 380 ؛ الأعلام للزركلي، ج 2 ، ص 179 .
3- .. كتاب العين ، ج 6 ، ص 186 نجو) .
4- .. النهاية ، ج 2 ، ص 218 رزأ) ؛ وج 5 ، ص 215 وقع) .
5- .. صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2502 نجا) .
6- .. تاج العروس ، ج 10 ، 357 نجا) .

ص: 217

وقال الخطّابي (1) ) : «الخبيث من مردة الشياطين ذكرهم واُنثاهم» (2) ) . وعن ابن الأعرابي (3) ) ، أنّه قال : «أصل الخبث في لسان العرب المكروه» (4) ) ، واُطلق على الشيطان ؛ لأنّه مكروه أو سبب للمكروه .والنجس يُقرأ بكسر النون وسكون الجيم تبعا للرِجس . قوله في مرسلة ابن أبيعمير : إذا سمّيت في الوضوء طهِّر جسدك كلّه) . [ ح 2/3877 ]يعني أنّه حينئذٍ كالغُسل في الفضل . وقال _ طاب ثراه _ : «كأنّه أراد بالطهارة ؛ الطهارة من الذنوب ؛ لأنّ الطهارة من الحدث لاتتجزّأ» (5) ) .قوله في مرسلة يونس : نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يستنجي الرجل بيمينه) . [ ح 5/3880 ] وروى العامّة أيضا عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا بال أحدكم فلايمسّ ذكره بيمينه ، وإذا خلا

.


1- .. أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن الخطّاب أبوسليمان الخطّابي البُستي ، من وُلد زيد بن الخطّاب أخي عمر بن الخطّاب ، محدّث ، لغوي ، فقيه ، أديب ، ولد سنة 319 ببُست ، وتوفّي بها في سنة 388 ، من تصانيفه : معالم السنن في شرح كتاب السنن لأبيداود ، غريب الحديث ، شرح البخاري ، أعلام الحديث ، إصلاح غلط المحدّثين . راجع : معجم الاُدباء ، ج 4 ، ص 246 _ 260 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 6 ، ص 124 _ 125 ؛ مرآة الجنان ، ج 2 ، ص 432 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 61 .
2- .. إصلاح غلط المحدّثين ، ص 49 .
3- .. أبوعبداللّه محمّد بن زياد المعروف بابن الأعرابي ، راوية ، نسّابة ، علّامة باللغة ، من أهل الكوفة ، ولد بها سنة 150 ، وكان أحول ، أخذ العلم عن المفضّل والكسائي وابن السكّيت ، وأخذ عنه ثعلب وحكى عنه كثيرا ، كان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان ، وكان يسأل عنه فيجيب من غير كتاب ، مات بسامرّاء سنة 231 ، وله تصانيف كثيرة ، منها : أبيات المعاني ، أسماء الخيل وفرسانها ، الأنوار ، البئر ، تاريخ القبائل ، تفسير الأمثال ، الفاضل ، معاني الشعر ، النوادر . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 10 ، ص 687 _ 688 ؛ الأعلام للزركلي، ج 6 ، ص 131 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 1 ، ص 11 .
4- .. عنه في إصلاح غلط المحدّثين للخطّابي البُستي ، ص 49 _ 50 ؛ ولسان العرب ، ج 2 ، ص 144 ؛ وتاج العروس ، ج 1 ، ص 618 خبث) .
5- .. ورد نحو هذه العبارة في تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلّي ، ج 1 ، ص 192 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 297 .

ص: 218

فلايستنج بيمينه» (1) ) .وعن عائشة ، أنّها قالت : كانت يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله اليُمنى لعطعامه وطهوره ، ويده اليسرى للاستنجاء (2) ) .وكان صلى الله عليه و آله يستحبّ أن يجعل اليُمنى لما علا من الاُمور ، واليُسرى لما دنا (3) ) . هذا إذا لم يكن باليسار علّة ، وإلّا فلاكراهة في الاستنجاء باليمين ؛ يدلّ عليه خبر السكوني (4) ) .قوله في خبر السكوني : الاستنجاء باليمين من الجفاء) . [ ح 7/3882 ] قال _ طاب ثراه _ : «الجفاء بالمدّ : هو البعد عن الآداب ؛ لأنّ الجفاء خلاف البرّ ، ومَن لم يتأدّب بآداب الشرع فهو ليس بارّا» .ولو استنجى بيمينه أجزأ وترك الأَولى ، وفي المنتهى : «وحكي عن بعض الظاهريّة عدم الإجزاء ؛ للنهي (5) ) ، وهو غلط ؛ لأنّ النهي فيه للتنزيه» (6) ) .قوله في حسنة جميل : إذا انقطعت دِرّة البول فصُبّ الماء) . [ ح8/3883 ] ومثلها خبر روح بن عبدالرحيم الذي رواه المصنّف في الباب الآتي (7) ) ، والغرض من هذا الأمر بيان كفاية انقطاع الدِرّة عن الاستبراء ، ولايبعد قيامه مقامه .فلو رأى بللاً مشتبها بالبول بعده ، لايعيد الوضوء ولا الاستنجاء كما إذا استبرأ ، فتأمّل .

.


1- .. السنن لأبيداود السجستاني ، ج 1 ، ص 16 ، ح 31 ، إلّا أنّ فيه : «وإذا أتى الخلاء» . ورواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 300 ، وابن ماجة في السنن ، ج 1 ، ص 113 ، ح 1310 ، وليس فيهما : «وإذا خلا» .
2- .. السنن لأبيداود السجستاني ، ج 1 ، ص 16 ، ح 33 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 113 ، إلّا أنّ فيهما : «. . . وكانت يده اليسرى لخلائه وماكان من أذى» .
3- .. حكاه العيني في عمدة القاري ، ج 2 ، ص 269 ؛ والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 249 _ 250 .
4- .. وهو الخبر التالي .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 145 ؛ المحلّى لابن حزم ، ج 1 ، ص 95 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 109 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 250 .
7- .. وهو الحديث 8 منه .

ص: 219

قوله في حسنة عبداللّه بن المغيرة : الريح لاينظر إليها) . [ ح 9/3884 ] قد ذكر جماعة من الأصحاب أنّه يكفي في الاستنجاء بالماء من الغائط زوال العين والأثر أعني الأجزاء اللطيفة منه (1) ) ، ولايشترط زوال الرائحة ، ولم أجد مخالفا له .وقال _ طاب ثراه _ : ربّما يتوهّم أنّ بقاء الريح مستلزم لبقاء جزء من النجاسة في المحلّ ؛ لأنّ العرض لايقوم بنفسه .والجواب منع الاستلزام ؛ لجواز كون الريح قائما بمحلّ النجاسة بالمجاورة . قوله في خبر الحسن بن زياد : قال : يغسله ويعيد صلاته) . [ ح 10/3885 ]يدلّ بإطلاقه على وجوب إعادة الصلاة على ناسي النجاسة مطلقا كالمتعمّد . ومثله حسنة زرارة (2) ) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح (3) ) .وصحيحة عليّ بن يقطين على نسخة (4) ) ، ومرسلة عبداللّه بن بكير (5) ) ، وموثّقة سماعة (6) ) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن أبينصر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : أبول وأتوضّأ وأنسى استنجائي ، ثمّ أذكر بعد ما صلّيت ؟ قال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولاتعد وضوءك» (7) ) .وهو ظاهر المصنّف قدس سره . وفي المنتهى : «وهو مذهب أكثر علمائنا» (8) ) .وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال باستحباب الإعادة إذا ذكرها بعد الوقت 9 ).

.


1- .. لاحظ: منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 272 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 131 .
2- .. وهي الرواية 14 من الباب .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 51 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 295 _ 296 ، ح 777 .
4- .. وهي الرواية 16 من الباب .
5- .. وهي الرواية 17 من الباب .
6- .هذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 46 _ 47 ، ح 133 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 294 ، ح 773 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 260 . وانظر : المبسوط ، ج 1 ، ص 24 ؛ النهاية ، ص 17 .
8- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ، وفيه : «ترك غسل البول ناسيا . . .» .

ص: 220

وكأنّه جمع بذلك بين ما ذكر وبين موثّقة عمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : فيالرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتّى صلّى إلّا أنّه قد تمسّح بثلاثة أحجار ، قال : «إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة ، وإن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته وليتوضّأ لما يستقبل من الصلاة» الحديث (1) ) .وقد عارض هذه الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب عن هشام بن سالم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ؟ فقال : «يغسل ذكره ولايعيد الصلاة» (2) ) .وعن عمّار بن موسى ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي ، لم يعد الصلاة» (3) ) .وعن عمرو بن أبينصر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صلّيت ، أفاُعيد ؟ قال : «لا» (4) ) .وأَوَّلها بحمل أوّلِها على من استنجى من البول بالأحجار لفقد الماء ، وتخصيص ثانيها بمن نسي الاستنجاء بالماء في غير المتعدّي من الغائط وقد استنجى بالأحجار ، وحمل ثالثها على الاستحباب .والأظهر الجمع بينها ؛ بحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب مطلقا ، ولو ذكر في الوقت لما ثبت من قوله صلى الله عليه و آله : «رفع عن اُمّتي السهو والخطأ والنسيان» (5) ).

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 ، ح 835 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 140 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 154 ، ح 157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 _ 318 ، ح 836 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 ، ح 143 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 _ 55 ، ح 159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 318 ، ح 837 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 51 ، ح 148 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 56 ، ح 163 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 295 ، ح 776 .
5- .. الخصال ، ص 417 ، الباب 9 ، ح 9 ؛ التوحيد ، ص 353 ؛ ح 24 ؛ تحف العقول ، ص 50 ، وفي الجميع : «رفع عن اُمّتي تسعة . . .» ، ولم يرد فيهم السهو .

ص: 221

ولصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجلذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ولا إعادة عليه» (1) ) .ويؤيدّهما الأصل . وأمّا في العمد ، فلاريب في وجوب الإعادة مطلقا ، ويدلّ عليه صحيحة عمر بن اُذينة ، قال : ذكر أبومريم الأنصاري أنّ الحكم بن عتيبة بال يوما ولم يغسل ذَكَره متعمّدا ، فذكرت ذلك لأبيعبداللّه عليه السلام ، فقال : «بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذَكَره ويعيد صلاته ولايعيد وضوءه» (2) ) .ثمّ إنّه قد وقع التصريح في بعض ما ذكر من الأخبار بعدم إعادة الوضوء ، ويؤكّده خبر محمّد بن أبيحمزة ، عن عليّ بن يقطين ، عن أبيالحسن موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يبول فلايغسل ذكَرَه حتّى يتوضّأ وضوء الصلاة ؟ فقال : «يغسل ذكره ولايعيد وضوءه» (3) ) .وصحيحة عمرو بن أبينصر ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يبول فينسى أن يغسل ذكره ويتوضّأ ؟ قال : «يغسل ذكره ولايعيد وضوءه» (4) ) .وعدم وجوبها هو مذهب الأصحاب ، لم أجد قائلاً بخلافه ، نعم ذهب الشيخ في كتابَي الأخبار إلى استحبابها ؛ للجمع بين ما ذكر وبين موثّقة عمّار المتقدّمة ، وما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد ، عن أبيجعفر عليه السلام في الرجل يتوضّأ فينسى غَسل

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 50 ، ح 145 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 55 ، ح 161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 318 ، ح 838 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 137 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 53 ، 154 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 294 _ 295 ، ح 774 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 138 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 53 _ 54 ، ح 155 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 208 ، ح 1 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 139 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 ، ح 156 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 295 ، ح 775 .

ص: 222

ذَكَره ؟ قال : «يغسل ذكره ثمّ يعيد الوضوء» (1) ) . ومثله موثّق سماعة بن مهران ، عن أبيبصير ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «إن أهرقت الماء ونسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت ، فعليك إعادة الوضوء وغَسل ذكرك» (2) ) .وهذه الأخبار وإن وردت في نجاسة البدن من البول والغائط ، إلّا أنّه يستفاد منها حكم سائر النجاسات في البدن وفي الثوب أيضا ، بضميمة عدم القول بالفصل ، وإن فصّل الصدوق بين البول والغائط ، فقال في الفقيه : «ومن صلّى فذكر بعد ما صلّى أنّه لم يغسل ذكره ، فعليه أن يغسل ذكره ويعيد الوضوء والصلاة ، ومَن نسي أن يستنجي من الغائط حتّى صلّى لم يعد الصلاة» (3) ) .وكأنّه قال بذلك لما رواه المصنّف من موثّق سماعة على نسخة : «لأنّ البول ليس مثل البراز» (4) ) ، ولدلالة ما رويناه عن عمّار على عدم وجوب إعادة الصلاة من نسيان الاستنجاء من الغائط (5) ) ، فتأمّل .قوله في حسنة جميل بن درّاج : كان الناس يستنجون بالكرسف (6) ) والأحجار ، ثمّ اُحدث الوَضوء) . [ ح 13/3888 ] المراد بالوضوء الاستنجاء بالماء ، قال الصدوق :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 ، ح 143 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 _ 55 ، ح 159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 318 ، ح 837 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 ، ح 142 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ، ح 779 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 47 ، ح 136 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 53 ، ح 136 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ، ح 778 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 31 ، ذيل الحديث 59 .
5- .. وهو الحديث 17 من هذا الباب من الكافي . قال العلّامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول ، ج 13، ص 61 : «البَراز _ بالفتح _ : كناية عن الغائط ، وليس في بعض النسخ «ليس» ، فقوله عليه السلام : «فعليك الإعادة» أي إعادة الوضوء والصلاة معا ، وعلى النسخة الاُخرى إعادة الصلاة حسب ، وإعادة الوضوء في الموضعين ، أو في الثاني محمولة على الاستحباب أو التقيّة» .
6- .. الكُرسُف : القُطن ، ومنه كرسف الدواة . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1421 كرسف) .

ص: 223

وكان الناس يستنجون بالأحجار ، فأكل رجل من الأنصار طعاما فلان بطنه، فاستنجى بالماء، فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيه : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّ بِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » (1) ) ، فدعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فخشي الرجل أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه ، فلمّا دخل قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «هل عملت في يومك هذا شيئا؟» قال : نعم يا رسول اللّه ، أكلت طعاما فلان بطني ، فاستنجيت بالماء . فقال له : «ابشر ، فإنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ قد أنزل فيك : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّ بِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » ، فكنتَ أوّل التوّابين وأوّل المتطهّرين» .ويقال : إنّ هذا الرجل كان البراء بن معرور الأنصاري (2) ) .واشتهر بين الأصحاب أنّ الاستنجاء من الغائط إنّما يكون بالماء مع التعدّي بأن تجاوز حواشي المخرج وإن لم تبلغ الإلية ، وإلّا فتكفي ثلاثة أحجار جافّة أبكار قالعة للنجاسة ، أو شبهها من ثلاث خرق أو خرقات أو أعواد ونحو ذلك من الأجسام القالعة للنجاسة غير المحترمة ، والظاهر أنّه لاخلاف فيه بينهم .وبذلك التفصيل جمع بين الأخبار التي دلّت على وجوب الاستنجاء بالماء . منها : هذا الخبر ، وموثّق عمّار (3) ) .ومنها : ما سبق في ذيل الحديث السابق . ومنها : صحيحة هشام بن الحكم، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا معشر الأنصار ، إنّ اللّه قد أحسن عليكم الثناء ، فما ذا تصنعون ؟ قالوا : نستنجي

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 ، ح 835 .
2- .. البقرة 2) : 222 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 30 ، ح 59 . ونحوه في الخصال ، ص 192 _ 193 ، ح 267 . والبراء بن معرور ، أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار الذين بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلة العقبة ، وهو أوّل من تكلّم مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأوّل من بايع حين لقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله السبعون من الأنصار فبايعوه ، وأجمع المورّخون أنّه مات بالمدينة قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه و آله بشهر ، فلمّا قدم انطلق رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأصحابه ، فصلّى على قبره ، ففي الفقرة الأخيرة من كلامه نظر . راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ، ج 3 ، ص 318 ؛ العلل لأحمد بن حنبل ، ج 3 ، ص 182 _ 183 ، رقم 5788 ؛ اُسد الغابة ، ج 1 ، ص 173 _ 174 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 1 ، ص 267 _ 268 ، رقم 55 .

ص: 224

بالماء» (1) ) . وصحيحة إبراهيم بن أبيمحمود ، عن الرضا عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «في الاستنجاء يغسل ما ظهر على الشرج (2) ) ولا يدخل فيه الأنملة» (3) ) .وصحيحة مسعدة بن زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لبعض نسائه : «مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ويبالغن ؛ فإنّه مطهرة للحواشي ، ومذهبة للبواسير» (4) ) .وموثّقة عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء _ إلى قوله _ : وعن الرجل يخرج منه الريح عليه أن يستنجي ؟ قال : «لا» . وقال : «إذا بال الرجل ولم يخرج منه شيء غيره فإنّما عليه أن يغسل إحليله وَحده ولا يغسل مقعدته ، وإن خرج من مقعدته شيء ولم يبل ، فإنّما عليه أن يغسل المقعدة وحدها ، ولايغسل الإحليل» . وقال : «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منها وليس عليه أن يغسل باطنها» (5) ) . وقد سبق صدر الحديث .والتي وردت فيها الاستنجاء بالأحجار وشبهها ، منها : صحيحة زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «لا صلاة إلّا بطهور ، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، وبذلك

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 ، ح 835 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1052 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 354 ، ح 940 .
3- .. الشَرج _ بالشين المعجمة والجيم بعد الراء المهملة _ : حلقة الدبر ، وهو في الأصل انشقاق في القوس . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 495 شرج) .
4- .. هذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 31 ، ح 60 ؛ والشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 ، ح 146 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 437 ، ح 4094 .
5- .. هذا هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في علل الشرائع ، ص 286 ، الباب 205 ، ح 2 ؛ والفقيه ، ج 1 ، ص 32 ، ح 62 ؛ والشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 _ 52 ، ح 147 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 44 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 316 ، ح 831 .

ص: 225

جرت السنّة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّا البول ف_[ إنّه ]لابدّ من غَسله» (1) ) .وخبره أيضا عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان (2) ) ولايغسله» (3) ) .وخبر بريد بن معاوية ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : «يجزي من الغائط المسح بالأحجار ، ولايجزي من البول إلّا الماء» (4) ) . ومضمرة حريز ، عن زرارة ، قال : «كان يستنجي من البول ثلاث مرّات ، ومن الغائط بالمدر والخرق» (5) ) . وصحيحة زرارة الاُخرى ، قال : سمعت أباجعفر عليه السلام يقول : «كان الحسين بن عليّ عليهماالسلاميتمسّح من الغائط بالكرسف ولايغسل» (6) ) .وما روى في المنتهى عن الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليُذهب معه ثلاثة أحجار ؛ فإنّها تجزي عنه» (7) ) .وفيه : وقال عليه السلام : «لايستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» ، رواه مسلم (8) ) .وفي لفظٍ : «لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة» (9) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 _ 50 ، ح 144 ؛ وص 209 ، ح 605 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 55 ، ح 160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 315 ، ح 829 .
2- .. العجان : الدُبُر ، وقيل : ما بين القُبُل والدُبُر . النهاية ، ج 3 ، ص 188 عجن) .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 46 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 348 _ 349 ، ح 924 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 50 _ 51 ، ح 147 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 166 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 348 ، ح 923 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 209 ، ح 606 ؛ وص 354 ، ح 1054 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 344 ، ح 612 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1055 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 358 ، ح 949 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 266 . سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 18 ، ح 40 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 171 _ 172 ؛ المسند لأحمد بن حنبل ، ج 6 ، ص 133 ، السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 72 ، ح 42 ؛ والسنن له أيضا ، ج 1 ، ص 41 _ 42 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 103 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 352 ، ح 26403 .
8- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 266 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 224 ، ذيل الحديث 262 ؛ المسند لأحمد بن حنبل ، ج 5 ، ص 437 _ 438 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 44 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 51 .
9- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 266 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 223 ، ح 262 .

ص: 226

والتي دلّت على نقاء المخرج من غير تقييد لا بالماء ولا بالأحجار ، رواه الشيخ عن عبداللّه بن المغيرة ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : «ينقى ما ثمّة» (1) ) .وعن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : «يغسل ذكره ويذهب الغائط ، ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين» (2) ) .وهذا الجمع إنّما يحسن لو كان خبر دالّ على ذلك التفصيل ، ولم أجده ، فلولا الإجماع عليه ، لكان الجمع بحمل الأخبار الأوّلة على الاستحباب مطلقا أَولى ، فتأمّل . وقد ورد في بعض الأخبار الجمع بينهما ، روي مرسلاً عن الصادق عليه السلام أنّه قال :«جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ، ويُتبع بالماء» (3) ) ، رواه في المدارك (4) ) . وقد اختلفت العامّة فيه ، فحكى في المنتهى (5) ) عن أبيحنيفة أنّه حكم باستحباب الاستنجاء بالماء من الغائط مطلقا (6) ) ، ونقله عن الزُهري ، وعن رواية عن مالك (7) ) .وقال _ طاب ثراه _ : والعامّة جوّزوا الطهارة بالأحجار مطلقا في المتعدّي وغيره ، وفي البول أيضا ، واختلفوا في الأفضل منهما ، فاستحبّ بعضهم الماء مطلقا ؛ محتجّين بأنّه صلى الله عليه و آله كان يصنعه ، وإنّما

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 _ 29 ، ح 75 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 439 ، ح 4102 . وهذا هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 47 ، ح 134 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 _ 53 ، ح 152 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 316 ، ح 833 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 46 ، ح 130 ؛ وص 209 ، ح 607 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 349 ، ح 625 .
4- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 172 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 265 .
6- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ؛ ص 19 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 95 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 300 . والمذكور هنا هو الموافق للمصدر وسائر المصادر ، وفي النسخ : «باستحباب الاستنجاء بالماء» ، فكلمة «بالماء» زائدة .
7- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 95 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 300 . والمذكور هنا هو الموافق للمصدر وسائر المصادر ، وفي النسخ : «باستحباب الاستنجاء بالماء» ، فكلمة «بالماء» زائدة .

ص: 227

كان يفعل الأفضل ، ولثنائه تعالى على الأنصاري المستنجي به . وكرهه بعضهم واستحبّوا الأحجار مطلقا ؛ محتجّين بأنّ الماء طعام واستعمال الطعام في الاستنجاء مكروه . وفيه : أنّ الماء ليس من الطعام الذي يكره استعماله في الاستنجاء ؛ لأنّ التطهير إحدى الفوائد الكُبَر منه كما يشعر به قوله تعالى : وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا » (1) ) ، والثناء على الأنصاري .واستحبّ بعضهم الجمع ؛ لأنّه أنقى ؛ لأنّ الحجر يزيل العين والماء يزيل الأثر ، ولأنّه لو باشرت النجاسة بالماء انتشرت فيحتاج إلى كثرة الماء . قوله في موثّق سماعة : لأنّ البول مثل البراز) . [ ح 17/3892 ]في القاموس : البراز ككتاب : الغائط (2) ) . وقال الجوهري : البراز كناية عن ثقل الغذاء وهو الغائط (3) ) .والمماثلة تعطي وجوب إعادة الوضوء فيما إذا نسي الاستنجاء من الغائط أيضا ، ولم ينقل ذلك عن أحد ، ولم يرد به نصّ صريح إلّا أن يخصّص وجه التشبيه بإعادة الصلاة فقط . وفي بعض النسخ : «لأنّ البول ليس مثل البراز» . وهو الظاهر ، فيكون التعليل للفرق بين البول والغائط في إيجاب إعادة الصلاة فقط للغائط وإيجاب إعادة الوضوء أيضا للبول ، ومنشأ الفرق شدّة نجاسة البول بالنسبة إلى الغائط ، ولذلك كان استعمال الأحجار مطهّرا للغائط دونه ، وصار الواجب على بني إسرائيل قرض لحومهم إذا أصابها البول دون الغائط (4) ) .

.


1- .. الفرقان 25) : 48 .
2- .. القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 166 برز) .
3- .. صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 864 برز) .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ح 13 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 356 ، ح 1064 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 134 ، ح 325 .

ص: 228

[باب] الاستبراء من البول [وغسله] ، ومن لم يجد الماء

[باب] الاستبراء من البول [وغسله] ، ومن لم يجد الماءالمشهور استحباب الاستبراء من البول، ونقل في المنتهى وجوبه عن بعض الأصحاب، (1) ) وهو ظاهر الشيخ في الاستبصار (2) ) .ثمّ المشهور في كيفيّته أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ، ثمّ من أصل القضيب إلى رأسه ثلاثا . وفي المقنعة :فليمسح بإصبعة الوسطى تحت اُنثييه إلى أصل القضيب مرّتين أو ثلاثا ، ثمّ يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ويمرّهما عليه باعتماد قويّ من أصله إلى رأس الحشفة مرّة أو مرّتين أو ثلاثا ؛ ليخرج ما فيه من بقيّة البول (3) ) .وعن السيّد المرتضى أنّ المستحبّ عصر القضيب من الاُنثيين إلى رأس الذكر ثلاثا (4) ) . واحتجّوا على القول المشهور بحسنة محمّد بن مسلم (5) ) ، وكأنّهم حملوا أصل الذكر فيها على ما بين المقعدة والاُنثيين والطرف على القضيب ، ويؤيّده ورودها في بعض نسخ التهذيب هكذا : «يعصر أصل ذكره إلى [ رأس ] ذكره ثلاث عصرات وينتر طرفه» ، لكن لايدلّ على ما هو المشهور من تثليث نتر القضيب وإن حمل أصل الذكر على ما عند المقعدة وطرفه على رأس الحشفة ، فلايفهم الترتيب المشهور .وبما رواه الشيخ عن عبدالملك بن عمرو ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يبول ثمّ

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 48 ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول . وهو ظاهر كلامه في النهاية ، ص 10 ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 17 و29 .
3- .. المقنعة ، ص 40 ، كتاب الطهارة ، الباب 3 .
4- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 134 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 ، ح 71 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 137 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 320 ، ح 841 .

ص: 229

يستنجي ثمّ يجد بللاً ؟ قال : «إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ، ثمّ استنجى فإن سال حتّى يبلغ السوق فلايبالي» (1) ) .وهو إنّما يدلّ على أحد جزءي المدّعى ؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله : «وغمز ما بينهما» تفسير لخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ، وحمله على غمز ما بين الاُنثيين إلى رأس القضيب في غاية البعد ، على أنّه لايفهم منه التثليث ، فيشكل الاستدلال بهذين الخبرين ، إلّا أن يقال : الظاهر من الثاني استحباب غمز ما بين المقعدة إلى الاُنثيين ثلاثا ، ومن الأوّل استحباب الغمز من الاُنثيين إلى رأس الحشفة ثلاث مرّات ، ومنهما يتمّ المدّعى .واحتجّ السيّد _ على ما حكى عنه في المنتهى _ بما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يبول ؟ قال : «ينتره ثلاثا ، ثمّ إن سال حتّى يبلغ السوق فلايبالي» (2) ) . فإنّ الظاهر أنّ ضمير ينتره راجع إلى القضيب .وقال العلّامة في المنتهى : «ولاتنافي بين الخبرين ؛ لأنّ المستحبّ الاستظهار بحيث لايتخلّف شيئا من أجزاء البول في القضيب ، وذلك قابل للشدّة والضعف ، ومتفاوت بقوّة المثانة وضعفها» . انتهى (3) ) .وتظهر فائدة الاستبراء فيما إذا خرج بعده بلل مشتبه بالبول ؛ فإنّه يحكم بأنّه من الحبائل (4) ) ، ولايجب به إعادة الوضوء ولا الاستنجاء ، بخلاف ما لو خرج بدونه ؛ فإنّه يجب إعادتهما على المشهور ، ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم ، وصحيحة حفص .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 50 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 _ 283 ، ح 745 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 27 ، ح 70 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 48 _ 49 ، ح 136 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 283 ، ح 746 .
4- .. صرّح بذلك في رواية محمّد بن مسلم ، حيث ورد فيها : «فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول، ولكنّه من الحبائل» . وقال العلّامة في المنتهى ، ج 1 ، ص 42 : «والمراد هاهنا عروق الظهر» .

ص: 230

ونقل عن الصدوق أنّه مع عدم الاستبراء أيضا لايوجب الوضوء ؛ لعموم صحيحة عبداللّه بن أبييعفور (1) ) ، وحملت في المشهور على ما إذا استبرأ ، وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوب الإعادة مع الاستبراء أيضا ، رواه الشيخ عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه رجل : هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذَكَر بعد الاستبراء ، فكتب : «نعم» (2) ) .وحمله في الاستبصار على الاستحباب ، أو التقيّة ؛ لموافقته لمذهب العامّة (3) ) ، وحمل في المنتهى (4) ) على ما إذا علم كون الخارج بولاً ، على أنّ الخبر مضمر محتمل، لأن يكون القائل هو الصفّار والذي كتب إليه محمّد بن عيسى ، وقوله ليس بحجّة .قوله في خبر صفوان : أفاُعيد الوضوء؟) . [ ح 3/3895 ] قال _ طاب ثراه _ : «أراد السائل على الظاهر من إعادة الوضوء الاستنجاء مرّة ثانية ، ويمكن حمل الوضوء على المعنى المعروف ، فكأنّه توهّم أنّ ما ظهر بعد الوضوء من النداوة والصفرة مبطل له» .قوله في خبر حنّان بن سدير : فقال : إذا بلت وتمسّحت) . [ ح 4/3896 ] قال _ طاب ثراه _ : «كأنّ المراد : تمسّحت بالأحجار والخرق وجفّفته ، وليس المقصود من هذا تطهيره بل تعديتها» .أقول : ولايبعد كثيرا أن يراد بالتمسّح التمسّح باليد للاستبراء ، ويكون الأمر بالتجفيف مُحالاً على الظهور .

.


1- .. وهي الرواية 2 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 ، ح 744 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 ، ح 72 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 138 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 572 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 138 ، وفيه : «لموافقته لمذهب أكثر العامّة» .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 256 .

ص: 231

قوله في حسنة منصور بن حازم : يجعل خريطة (1) ) ) إلخ . [ ح 5/3897 ] يدلّ على وجوب جعل خريطة للسلس وعدم اقتناعه بغسل الثوب الواحد في اليوم مرّة كاقتناع المربّية ذات الثوب الواحد بذلك .ومثلها صحيحة الحلبي عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن تقطير البول ؟ قال : «يجعل خريطة إذا صلّى» (2) ) . وما سيأتي من صحيحة حريز .وما رواه عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن رجل أخذه تقطير من (3) ) فرجه إمّا دم وإمّا غيره ؟ قال : «فليصنع (4) ) خريطة وليتوضّأ وليصلّ قائما ، ذلك بلاء ابتلي به ، ولايعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» (5) ) .وبه صرّح الشيخ في المبسوط (6) ) إلّا أنّه ذكر الخرقة بدل الخريطة ، والأكثر سكتوا عنه ، لكنّه مطابق لاُصولهم ، فإنّه قد ثبت وجوب تطهير الثوب الساتر للعورة للصلاة مهما أمكن بالنصّ والإجماع إلّا ما استثني ، ولا دليل على استثناء السلس ، فيبقى تحت العموم .وأمّا الخريطة فلكونها ممّا لاتتمّ فيها الصلاة لاتكون نجاستها ضائرة ، كذا قيل . وهذه الأخبار غير شاملة لمن كان علّة السلس فيه انقطاع الذكر ، أو يتعذّر منه جعل الخريطة كما ذكر إلّا أن يجعل بدلها كخرقة المستحاضة ، والظاهر إلحاق ذي الثوب الواحد منه بالمربّية ، فيغسله في اليوم والليلة مرّة ثمّ يصلّي فيه الصلوات كلّها ؛ للحرج

.


1- .. الخريطة: وعاء من أدم وغيره يشرج على ما فيها. صحاح اللغة، ج 3، ص 1123 خرط).
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1037 ؛ وج 3 ، ص 306 ، ح 943 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 298 ، ح 784 .
3- .. في بعض النسخ : «في» .
4- .. في بعض نسخ المصدر : «فليضع» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1027 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 695 .
6- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 130 .

ص: 232

المنفيّ ، ولخبر سعدان (1) ) .وبه صرّح الشهيد ، فقال في الذكرى : «وعفي عن خصيّ يتواتر بوله إذا غسل ثوبه في النهار مرّة» (2) ) . ومثله في الدروس (3) ) .واختلفوا في نقض بول السلس للطهارة ، فأوجب الشهيد (4) ) عليه تجديد الوضوء لكلّ صلاة كالمستحاضة ، واختاره الشيخ في الخلاف (5) ) ؛ مدّعيا عليه الإجماع ، والعلّامة في المختلف (6) ) محتجّا بعموم قوله تعالى : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (7) ) .وقيل : يجوز له الجمع بين الظهرين بوضوء واحد ، وكذا بين العشاءين ، كما أنّ المستحاضة تجمع بين كلّ صلاتين من تلك الصلوات بغسل واحد ، ذهب إليه العلّامة في المنتهى (8) ) ، وهو ظاهر الصدوق (9) ) ، واحتجّوا عليه بصحيحة حريز عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة ، اتّخذ كيسا وجعل فيه قطنا ، ثمّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ، ثمّ صلّى يجمع بين الصلاتين : الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح» (10) ) .

.


1- .. وهو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1051 ؛ وص 424 _ 425 ؛ ح 1349 بإسناده عن سعدان بن مسلم ، عن عبدالرحيم القصير ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 75 ، ح 168 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 751 .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 139 .
3- .. الدروس ، ص 127 ، الدرس 20 .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 201 .
5- .. الخلاف ، ص 249 _ 250 ، المسألة 221 .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 309 .
7- .. المائدة 5) : 6 . وفي النسخ : «وإذا قمتم . . .» .
8- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 137 .
9- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 146 .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 146 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1021 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 297 ، فح 780 .

ص: 233

وفيه تأمّل ؛ إذ لعلّ الجمع بين الصلاتين في تعليق كيس واحد لا في وضوء واحد ، بل هو الأظهر من الخبر . وأوجب عليه الشيخ في المبسوط الوضوء والبناء كلّما وجد فيها الحدث كالمبطون ؛ حيث قال في فصل صلاة صاحب الأعذار :والمبطون إذا صلّى ثمّ حدث ما ينقض صلاته أعاد الوضوء وبنى على صلاته ، ومن به سلس البول كذلك بعد أن يستبرئ ، ويستحبّ له أن يلفّ خرقة على ذكره ؛ لئلّا تتعدّى النجاسة إلى ثيابه وبدنه (1) ) . وفي الذكرى : «وجوّز في المبسوط أن يصلّي بوضوء صلوات كثيرة ؛ لأنّه لا دليل على تجديد الوضوء عليه ، وحمله على الاستحاضة قياس لانقول به» (2) ) .وحكى في المختلف (3) ) أيضا عنه أنّه قال في المبسوط بذلك ؛ محتجّا بما ذكر بأصالة البراءة . أقول : ولم أجد فيه سوى ما نقلنا عنه بعد التفحّص عن المواضع المناسبة لهذا المطلب من أبواب الطهارة والصلاة (4) ) .ثمّ أقول : والأظهر إعادة الوضوء والصلاة كلّما قطر منه البول إلّا إذا انجرّ إلى الحرج كعدم فراغه عنه في وقت يسع الصلاة ؛ لثبوت كونه موجبا للوضوء ومبطلاً للصلاة ، ولانصّ . ويدلّ أيضا عليه قوله عليه السلام : «ولا يعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» فيما تقدّم من مضمرة سماعة (5) ) ، فتأمّل .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1027 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 695 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 130 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 201 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 68 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 310 .
5- .. ذكره في باب الاستحاضة من المبسوط ، ج 1 ، ص 67 .

ص: 234

وأمّا المبطون ؛ فالمشهور فيه ما نقل عن المبسوط (1) ) ، ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته ، فيتمّ ما بقي» (2) ) .واحتجّ أيضا عليه في المختلف (3) ) بما رواه الصدوق عن الفضيل بن يسار ، أنّه قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : أكون في الصلاة فأجد غَمزا في بطني وأزّا وضربانا فقال : «انصرف ثمّ توضّ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا ، فإن تكلّمت ناسيا فلا شيء عليك وهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا» . قلت : وإن قلّب وجهه عن القبلة ؟ قال : «نعم ، وإن قلّب وجهه عن القبلة» (4) ) .فهذا الحدث ناقض للطهارة ، لكنّه بهذين الخبرين مستثنى من قاعدة اشتراط استمرار الطهارة في صحّة الصلاة ، فلايرد عليه ما ذكر في المختلف (5) ) من أنّ الحدث المتكرّر لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة ؛ لأنّ شرط صحّة الصلاة استمرار الطهارة ، والظاهر اختصاص الحكم بغير من استمرّ حدثه ؛ إذ ايجاب ذلك في المستمرّ حدثه مستلزم للحرج ، بل للتكليف بما لايطاق ، فلابدّ حينئذٍ من إجراء حكم المستحاضة عليه ، بل قال العلّامة في المنتهى به مطلقا ؛ حيث قال : «وأمّا المبطون ، فإنّه يجدّد الوضوء لكلّ صلاة ولايجمع بين صلاتي فرض ؛ لأنّ الغائط حدث ، فلايستباح معه الصلاة إلّا مع الضرورة» (6) ) . والخبران حجّتان عليه .واعلم أنّ إطلاق الخبرين يقتضي شمول الحكم لما إذا تخلّص له من الوقت مقدار

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 130 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 306 ، ح 1043 ؛ وص 350 _ 351 ، ح 1036 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 298 ، ح 783 .
3- .. مختلف الشيعة، ج 1 ، ص 311 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 367 ، ح 1060 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1533 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 332 ، ح 1370 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 235 ، ح 9209 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 311 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 138 .

ص: 235

أداء الصلاة فارغا عن الحدث ، والأحوط فعلها حنيئذٍ في ذلك الوقت .وأمّا المربّية ذات الثوب الواحد فأجمعوا على أنّها تغسله كلّ يوم وليلة مرّة ثمّ تصلّي فيه صلواتها كلّها (1) ) .ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن حفص ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع ؟ قال : «تغسل القميص في اليوم مرّة» (2) ) .نعم، خصّ الأكثر ذلك الحكم بالمربّية للصبي، وأوجبوا على المربّية للصبيّة (3) ) والخنثى إزالة النجاسة عن ثوبها مهما أمكن ، وهو تخصيص للرواية من غير مخصّص .قوله : عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن عبدالرحمان) . [ ح 6/3898 ] قيل : الظاهر زيادة «عن» ؛ فإنّ سعدان اسمه عبدالرحمان .أقول : توضيحه أنّ سعدان هذا هو سعدان بن مسلم الكوفي بقرينة رواية أحمد بن إسحاق عنه ، وذكر الشيخ في الفهرست : «أنّ اسمه عبدالرحمان وسعدان لقبه وأنّ له أصلاً ، عنه محمّد بن عذافر وصفوان بن يحيى والعبّاس بن معروف وعبداللّه بن الصلت القمّي وأحمد بن إسحاق» (4) ) .وقال النجاشي :

.


1- .. اُنظر : المبسوط ، ج 1 ، ص 39 ؛ النهاية ، ص 55 ؛ المختصر النافع ، ص 19 ؛ المعتبر ، ج 1 ، ص 444 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 239 ؛ كشف الرموز ، ج 1 ، ص 115 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 34 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 161 ، تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 493 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 194 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 271 ، نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 387 ؛ إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 30 ؛ الألفيّة والنفليّة ، ص 50 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 25 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 139 ؛ المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 249 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 304 و526 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 250 ، ح 719 . ورواه الصدوق مرسلاً في الفقيه ، ج 1 ، ص 70 ، ح 161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 400 ، ح 3971 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 39 ؛ النهاية ، ص 55 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 494 ؛ روض الجنان ، ص 167 .
4- .. الفهرست ، ص 140 ، الرقم 336 .

ص: 236

سعدان بن مسلم _ واسمه عبدالرحمان بن مسلم أبوالحسن العامري مولى أبيالعلاء كرز بن جُعيد العامري من عامر ربيعة _ روى عن أبيعبداللّه وأبيالحسن عليهماالسلام ، وعُمّر عمرا طويلاً (1) ) . ثمّ أقول : ما توهّمه القائل سهو منه ؛ فإنّ عبدالرحمان هذا هو ابن عبدربّه بن أبي ميمونة بن يسار الكوفي الأسدي الذي يقال له كثيرا : عبدالرحيم ؛ لأنّ الشيخ روى هذا الخبر بعينه في باب الأحداث الموجبة للطهارة من أبواب الزيادات من كتاب الطهارة من التهذيب عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن سعدان بن مسلم ، عن عبدالرحيم (2) ) .وتوجيهه أنّه اختلف أصحاب الرجال في أنّ اسم ابن عبدربّه هذا هل هو عبدالرحمان أو عبدالرحيم ؛ لاختلاف ما ورد فيه كما يظهر من تتبّع الآثار الواردة فيه في ترجمة كلّ من بني عبدربّه ، فقد نقل الكشّي في ترجمة إسماعيل بن عبدالخالق ، عن حمدويه ، قال : «سمعت بعض المشايخ وسألته عن وهب وشهاب وعبدالرحمان بني عبدربّه وإسماعيل بن عبدالخالق بن عبدربّه ؟ يقول : كلّهم خيار فاضلون كوفيّون» (3) ) .وقال النجاشي : عبدالخالق بن عبدربّه بن أبيميمونة بن يسار مولى بني أسد ، وجه من وجوه أصحابنا وفقيه من فقائهم ، وهو من بيت الشيعة ، وعمومته : شهاب وعبدالرحيم ووهب ، وأبوه عبدالخالق كلّهم ثقات ، روى عن أبيعبداللّه وأبيالحسن عليهماالسلام (4) ) .لايقال : عبدالرحمان هذا قد روى هذا الخبر عن أبيالحسن عليه السلام ، وعبدالرحمان بن عبدربّه من أصحاب أميرالمؤمنين والحسين عليهماالسلام على ما يفهم من رجال الكشّي ؛ حيث قال : «عبدالرحمان بن عبدربّه تقدّم في إسماعيل بن عبدالخالق عدّه من أصحاب

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 192 ، الرقم 515 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1051 ؛ وص 424 _ 425 ، ح 1349 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 751 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 713 ، الرقم 783 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 25 ، الرقم 50 .

ص: 237

عليّ عليه السلام »، وذكر في أصحاب الحسين عليه السلام أيضا عبدالرحمان بن عبدربّه الخزرجي (1) ) .لأنّا نقول : عبدالرحمان هذا غير ما نحن بصدده ؛ لأنّ عبدربّه _ وهو أبوعبدالرحمان الذي كلامنا فيه _ من أصحاب الصادق عليه السلام ، فأنّى يكون ابنه من أصحاب أميرالمؤمنين والحسين عليهماالسلام ؟ ! ويشعر به تقييد من هو أصحاب الحسين عليه السلام بالخزرجي ، ويكون حكم الكشّي باتّحادهما توهّما منه .على أنّه يمكن أن يكون عبدربّه أيضا معمّرا عمرا طويلاً كعبدالرحمان ، فتأمّل . ثمّ الأظهر وقوع سهو في عبدالرحمان ، والأصوب عبدالرحيم على أن يراد به عبدالرحيم بن عتيك القصير فيه وفيما رويناه عن الشيخ ، لا عبدالرحيم بن عبدربّه ؛ فإنّه قدس سره روى هذا الخبر بعينه في باب تطهير الثياب والبدن من النجاسات من التهذيب : عن سعد ، عن أحمد ، عن العبّاس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن عبدالرحيم القصير (2) ) ، وهو ابن عتيك ؛ لتقييد عبدالرحيم الموصوف بالقصير بابن عتيك في طرق الأخبار كثيرا (3) ) .وفي بعض نسخ الكتاب : عن سعدان بن عبدالرحمان ، وهو سهو بيّن . والانتضاح في الخبر بمعنى الاغتسال .قوله في صحيحة الحسين بن أبيالعلاء : صُبّ عليه الماء مرّتين) . [ ح 7/3899 ] وقد روى الشيخ لها تتمّة هي قوله : «فإنّما هو ماء» . وسألته عن الثوب يصيبه البول ؟ قال : «اغسله مرّتين» (4) ) .قال _ طاب ثراه _ :

.


1- .. لم أجده في رجال الكشّي ، نعم ذكره الشيخ الطوسي في رجاله ، ص 74 ، الرقم 608 في أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ وفي ص 103 ، الرقم 1007 في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 424 _ 425 ؛ ح 1349 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 751 .
3- .. منها الحديث الأوّل من باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى من الكافي ، ج 1 ، ص 100 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 249 ، ح 714 ؛ وص 269 ، ح 790 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 395 _ 396 ، ح 3962 . وهذه التتمّة مذكورة في الحديث الأوّل من باب البول يصبّ الجسد من الكافي .

ص: 238

دلّ الخبر على أنّ النجاسة المائعة الغير اللزجة يكفي في تطهير البدن منها صبّ الماء من غير دَلكٍ وإمرار يدٍ ؛ وذلك لأنّ الصبّ لايقتضي الدلك بخلاف الغسل ، والمقصود ذهاب عين النجاسة ، فإذا زالت بالصبّ طهر المحلّ ، وفي قوله : وروي أنّه ليس بوسخ فيحتاج أن يدلك ، إشارة إلى ذلك . انتهى .والخبر وإن ورد في تطهير البدن من البول ، لكنّ الظاهر جريان الحكم في غير الجسد من الأجسام التي لاينفذ البول فيها ، وفي غير البول أيضا من النجاسات التي لايرى عينها ولا جوهريّتها كالمتنجّس بالدم الذي قد فرك جسم الدم عنه ؛ للاشتراك في العلّة وللأصل السالم عن معارض .وأمّا ما ينفذ فيه البول أو غيره من النجاسات ، فلابدّ في تطهيره من الدَلك ؛ للأمر بالغسل فيه في التتمّة التي رويناها عن الشيخ ، ولم يظهر لي قول بخلاف ما ذكر . نعم ، قال العلّامة في المنتهى : «والأقرب عندي أنّ الدلك في الجسد مستحبّ» (1) ) .وعلى ما ذكر فيكفي الصبّ في إزالة النجاسة عن أواني الخمر المغضورة (2) ) بحيث لاينفذ الخمر فيها ، ووجب الغسل بالدلك في غير المغضورة منها ، ولكنّ الأظهر وجوب الدلك فيها مطلقا ؛ لإطلاق موثّقة عمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن قدح أو إناء يشرب منه الخمر ؟ قال : «يغسله ثلاث مرّات» . وسئل : أيُجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لايجزيه حتّى يدلك بيده ويغسله ثلاث مرّات» (3) ) .وقيل : غير المغضور منها لايطهّر مطلقا ، وضعّفه المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (4) ) ؛ لما دلّ على طهارته عموما ، وخصوص الإبريق وهو غير مغضور في أخبار

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 266 _ 267 .
2- .. في هامش نسخة «ب» بخطّ المؤلّف : «الغضر ، بالغين والضاد المعجمتين : طينة خضراء يدّهن الأواني بها . منه» . وفي جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 195 : «المراد بالمغضور : المدهون بشيء يقوّيه ويمنع نفوذ المائع في مسامّه ، كالدهن الأخضر الذي تدهن به الأواني غالبا» .
3- .. الكافي ، ج 6 ، ص 427 ، باب الأواني يكون فيها الخمر ثمّ يجعل فيها الخلّ ويشرب منها ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 ، ح 830 .
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 195 .

ص: 239

عمّار المشار إليها (1) ) . وقوله عليه السلام في الخبر : «مرّتين» ظاهره وجوب هذا العدد في نجاسة البول ، ويؤكّده صحيحة ابن أبييعفور ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن البول يصيب الثوب ؟ قال : «اغسله مرّتين» (2) ) .وعليه حمل قوله عليه السلام : «مثلا ما على الحشفة» في الخبر الآتي ، وبه قال أكثر الأصحاب . وقال الصدوق والشيخان : «أقلّ ما يجزي من الماء في البول مثلا ما على الحشفة» (3) ) ؛ محتجّين بخبر نشيط بن صالح ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: «مثلا ما على الحشفة من البلل» (4) ).وظاهرهم إجزاء ذلك ولو بصبّ واحد . وقيل : إنّه لايتقدّر بقدر ، بل يجب إزالة النجاسة بما يسمّى غَسلاً كما في الاستنجاء من الغائط ، وحكي ذلك عن أبيالصلاح (5) ) ، وابن إدريس (6) ) ، وعن ظاهر ابن البرّاج ؛ محتجّين بأنّ الأصل عدم وجوب الزائد على المزيل وإن قلّ عن مِثلَي ما على الحشفة ، ووجوب المزيل وإن زاد عنهما .ويؤيّده الخبر الذي بعد هذا الخبر ؛ حيث حُدّ أقلّه بمثل ما على الحشفة . وقال بعض العامّة : «يجب أن يكون الماء سبعة أمثال البول» (7) ) ، يعني الذي على

.


1- .. حيث ورد فيها : «وعن الإبريق يكون فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : إذا غسل فلابأس» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 251 ، ح 722 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 395 ، ح 3960 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 31 ، ذيل الحديث 59 ؛ الهداية للصدوق ، ج 1 ، ص 76 ؛ المقنعة للمفيد ، ص 42 ، كتاب الطهارة ، الباب 3 ؛ النهاية للشيخ الطوسي ، ص 11 ؛ والمبسوط له أيضا ، ج 1 ، ص 17 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 35 ، ح 93 ، وفيه : «بمثلي . . .» ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 139 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 344 ، ح 911 .
5- .. الكافي في الفقه ، ص 27 .
6- .. السرائر ، ج 1 ، ص 97 .
7- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 248 ؛ المجموع للنووي، ج 2 ، ص 592 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 139 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 230 .

ص: 240

الحشفة . وأمّا في الاستنجاء من الغائط وغسل نحوه من النجاسات التي لها جرم وجسم ، فالأظهر والأشهر اعتبار النقاء بالغسل من غيرتحديد ، كما يدلّ عليه ما سبق من أخبار الاستنجاء ، وإطلاق الأمر بالغسل في غيره .وأمّا في غيرها ، فالمشهور الاكتفاء بالمرّة إلّا فيما استثني بالنصّ ؛ لإطلاق الأمر بالغَسل في الأخبار المتحقّق بها ، وقيل : بالمرّتين ، وهؤلاء الفريقان لم يفرّقوا بين الإناء وغيره . وربّما فرّق بينهما ، ففي المختلف :وقال الشيخ في الخلاف : يغسل الإناء من سائر النجاسات [ سوى الولوغ ]ثلاث مرّات (1) ) . وقال في المبسوط : يغسل من سائر النجاسات ثلاث مرّات ، وروي غسله مرّة واحدة ، والأوّل أحوط ، ويغسل من الخمر والأشربة المسكرة سبع مرّات ، وروي مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الإناء (2) ) .وقال في النهاية : يغسل من سائر النجاسات ثلاث مرّات وجوبا ، ومن الخمر والمسكر والفأرة سبع مرّات وجوبا أيضا (3) ) . وقال سلاّر : يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرّات أوّلهنّ بالتراب ، ومن غير ذلك مرّة إلّا آنية الخمر خاصّة ، فإنّها تغسل سبع مرّات (4) ) .وقال ابن إدريس : الواجب في غسل الإناء من سائر النجاسات مرّة إلّا الولوغ والمسكر (5) ) .

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 182 ، كتاب الطهارة ، المسألة 138 ، وما بين المعقوفين منه .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 15 .
3- .. النهاية ، ص 5 _ 6 .
4- .. المراسم ، ص 36 .
5- .. السرائر ، ج 1 ، ص 92 ، وعبارته هكذا : «ولايراعى العدد في غسل الأواني إلّا في آنية الولوغ والخمر والمسكر فحسب» .

ص: 241

وقال المفيد رحمه الله : يغسل من الولوغ ثلاث مرّات الوسطى بالتراب ، وليس حكم غير الكلب كذلك ، بل يهريق ما فيه ويغسل مرّة واحدة بالماء ، وأواني الخمر والأشربة المسكرة كلّها نجسة لاتستعمل حتّى يهريق ما فيها منه وتغسل سبع مرّات (1) ) .والأقرب عندي أنّ الواجب بعد إزالة غسلة مرّة واحدة في الجميع إلّا الولوغ، لكن يستحبّ السبع في الخمر والأشربة [ المسكرة ]وفي الجرذ (2) ) والفأرة .لنا : أنّ المقتضي للمنع حصول النجاسة في الإناء ، وبعد غسلها المتعقّب لإزالة العين ينتفي المانع ، فيثبت حكم الأصل ، وهو تسويغ الاستعمال . وما رواه عمّار الساباطي عن الصادق عليه السلام ، قال: سألته عن الدنّ (3) ) يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه الخلّ وماء كامخ (4) ) أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» ، علّق نفي البأس على مطلق الغسل الحاصل بالمرّة الواحدة» . قال : وسألته عن الإبريق تكون فيه خمر أَوَ يصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلابأس» (5) ) . والتقريب ما تقدّم .واحتجّ الشيخ على وجوب السبع في الخمر بما تقدّم في حديث عمّار ، وعلى وجوبها بموت الجرذ بما رواه عمّار ، قال الصادق عليه السلام : «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميّتا سبع مرّات» (6) ) .واحتجّ على ما ذكره في الخلاف من وجوب الثلاث بطريقة الاحتياط ؛ إذ مع غسله ثلاث مرّات يحصل الإجماع على طهارته ، وبما رواه عمّار الساباطي عن الصادق عليه السلام ، قال : سئل عن الكوز والإناء تكون قذرا كيف يغسل ؟ وكم مرّة يغسل ؟ قال : «ثلاث مرّات يصبّ فيه ماء فيحرّك ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّكه فيه ثمّ يفرغ منه ثمّ يصبّ فيه

.


1- .. المقنعة ، ص 68 و73 .
2- .. جُرَذ : نوع من الفأر ، وقال الطريحي : «يكون في الفلوات ، وعن الجاحظ : الفرق بين الجرذ والفأر كالفرق بين الجواميس والبقر» . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 179 جرذ) .
3- .. الدَنّ : واحد الدنان وهي الحباب . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2114 دنن) .
4- .. الكامخ : الذي يؤتدم به ، معرّب . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 430 كمخ) .
5- .. الكافي ، ج 6 ، ص 427 ، باب الأواني يكون فيها الخمر . . . ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 ، ح 830 ؛ وج 9 ، ص 116 ، ح 502 ؛ وسائل الشيعة ، ج 25 ، ص 368 ، ص 32142 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ضمن الحديث 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ص 4276 .

ص: 242

[باب] مقدار الماء الذي يجزي للوضوء و

ماء آخر فيحرّك ، ثمّ يفرغ منه وقد طهر» . قال : وسألته عن الإبريق تكون فيه خَمر أَوَ يصلح أن يكون فيه ماء؟ : قال : إذا غسل فلا بأس» . وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ؟ قال : «يغسله ثلاث مرّات» . قال : سئل أيجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لايجزيه حتّى يدلكه ويغسله ثلاث مرّات» (1) ) ، ولأنّ المرّة الواحدة غير مزيلة غالبا ، فلابدّ من الزائد ، فيجب المتعدّد ، فإن لم يكن معيّنا لزم تكليف ما لايطاق ، فتعيّنت الثلاث .والجواب أنّ ما قدّمناه من الحديث لايعطي مطلوبه في وجوب السبع ، وحديث عمّار في وجوبها في موت الجرذ ضعيف ؛ لضعف سنده ، مع احتمال الاستحباب ، وطريقة الاحتياط لايدلّ على الوجوب ، ومعارضة بالبراءة الأصليّة . وحديث عمّار الثاني ضعيف السند أيضا ، مع جواز حمله على الاستحباب ؛ جمعا بين الأدلّة ، وكون الواحد غير مزيلة ممنوع ؛ إذ البحث على تقدير الإزالة ، وإيجاب العدد المطلق لم يقل به أحد ، وإنّما الواجب الإزالة وهي المناط دون العدد ؛ إذ لو لم يحصل معه الإزالة لم يكن مجزيا ، هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . (2) )قوله في خبر روح بن عبدالرحيم : فلمّا انقطع شَخب البول) . [ ح 8/3900 ] أي درّه ، وجاء الفتح والضمّ في شينه ، وأصله ما خرج من الضرع من اللبن (3) ) .

[باب] مقدار الماء الذي يجزي للوضوء والغسل ومَن تعدّى في الوضوءأجمع الأصحاب على إجزاء مسمّى الغسل ولو بالدلك وإن كان كالدهن في الوضوء والغسل جميعا ، وعلى استحباب استعمال مدّ للوضوء وصاع للغسل ؛ وهو

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 182 _ 183 ، ذيل المسألة 138 من كتاب الطهارة ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ضمن الحديث 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 495 ، ذيل الحديث 4272 المرويّة عن الكليني .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 498 _ 501 .
3- .. اُنظر : كتاب العين ، ج 4 ، ص 173 ؛ صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 152 ؛ معجم مقاييس اللغة ، ج 3 ، ص 255 ؛ النهاية ، ج 2 ، ص 450 شخب) .

ص: 243

تسعة أرطال بالعراقي وستّة بالمدني ، وبعبارة اُخرى : أربعة أمداد . ويدلّ على الأوّل _ زائدا على ما رواه المصنّف في الباب _ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «أسبغ الوضوء إن وجدت ماء ، وإلّا فإنّه يكفيك اليسير» (1) ) .وبسندين أحدهما موثّق عن زرارة ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «أفِض على رأسك ثلاث أَكُفّ ، وعن يمينك وعن يسارك ، إنّما يكفيك مثل الدهن» (2) ) .وعن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجرى من الدهن الذي يبلّ الجسد» (3) ).وعلى الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبيبصير ومحمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّهما سمعاه يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يغتسل بصاع من ماء ويتوضّأ بمدّ من ماء» (4) ) .وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمدّ من ماء ويغتسل بصاع ، والمدّ رِطل ونصف والصاع ستّة أرطال» (5) ) .وعن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الوضوء ، فقال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمدّ من ماء ويغتسل بصاع» (6) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 138 ، ح 388 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 418 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 485 ، ح 1285 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 137 _ 138 ، ح 384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 241 ، ح 2048 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 138 ، ح 385 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 122 ، ح 414 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 485 ، ح 1286 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 136 ، ح 377 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 481 ، ح 1276 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 121 ، ح 409 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 136 _ 137 ، ح 379 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 481 ، ح 1275 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 136 ، ح 378 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 120 _ 121 ، ح 408 ؛ وسائل الشيعة ، ف ج 1 ، ص 482 ، ح 1379 .

ص: 244

وفي الفقيه : وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «الوضوء مدّ والغسل صاع» (1) ) .وعن سليمان بن حفص المروزي ، قال : قال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : «الغسل بصاع من ماء والوضوء بمدّ من ماء ، وصاع النبيّ خمسة أمداد ، والمُدّ وزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم وزن ستّة دوانيق ، والدانق وزن ستّ حبّات، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوساط الحَبّ لا من صغاره ولا من كباره» (2) ).وفي الموثّق عن سماعة ، قال : سألته عن الذي يجزي من الماء للغُسل ؟ فقال : «اغتسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بصاع وتوضّأ بمدّ ، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد ، وكان المدّ قدر رِطل وثلاث أواق» (3) ) .وحملت هذه الأخبار على الندب . وأقول : بل الأظهر أنّ المراد من هذه الأخبار أنّ غاية الماء الذي ينبغي أن يستعمل في الطهارتين هو الصاع والمدّ ، وأنّ استعمال الزائد منهما يكون إسرافا ووسواسا من فعل الشيطان ، ويدلّ عليه ما روي في الفقيه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الوضوء مدّ والغسل صاع ، وسيأتي أقوام بعدي يستقلّون ذلك ، فاُولئك على خلاف سنّتي ، والثابت على سنّتي معي في حظيره القدس» (4) ) ، لا أنّ هذا المقدار هو المستحبّ استعماله ، بل كلّما كان الماء أقلّ كان أفضل ، ومن ذلك اغتسال رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو وعائشة جميعا بخمسة أمداد على ما دلّ عليه ما رواه المصنّف 5 ) من صحيحة محمّد بن

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 34 _ 35 ، ح 70 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 483 ، ح 1280 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 135 _ 136 ، ح 374 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 121 ، ح 410 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 481 _ 482 ، ح 1277 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 136 ، ح 376 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 121 ، ح 411 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 482 ، ح 1278 .
4- .. المثبت من «أ» ، وفي «ب» : «وحملت هذه الأخبار على الندب ، للجمع ، وظاهر هذه الأخبار أنّ الصاع الذي يستحبّ في الغسل إنّما هو صاع النبيّ صلى الله عليه و آله وهو خمسة أمداد لا المعبّر عنه بأربعة أمداد ، ويشعر بذلك رواية سليمان بن حفص ، ولاينافي ذلك تحقّق الفضيلة باغتساله صلى الله عليه و آله هو وزوجته من خمسة أمداد على ما دلّ عليه ما رواه المصنّف . . .» .

ص: 245

مسلم (1) ) ، وما رواه الصدوق ، قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : [ اغتسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ] هو وزوجته من خمسة أمداد من إناء واحد» ، فقال له زرارة : كيف صنع ؟ فقال : بدأ هو فضرب يده في الماء قبلها فأنقى فرجه ، ثمّ ضربت هي فأنقت فرجها ، ثمّ أفاض هو على نفسه وأفاضت هي على نفسها حتّى فرغا ، وكان الذي اغتسل به النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أمداد ، والذي اغتسلت به مدّين» (2) ) .هذا ، ولا ريب في دخول الماء الذي يستعمل لتطهير البدن من النجاسة العينيّة من جملة الصاع ؛ لإطلاق الأخبار ، ولصراحة ما رويناه عن الصدوق في ذلك ، والظاهر دخول ماء الاستنجاء أيضا ولو من الغائط في المدّ ، واحتمله في الذكرى (3) ) ، ويؤيّده (4) ) أنّ المدّ زائد عمّا يصرف في الوضوء وإن أسرف فيه غالبا .وأراد قدس سره بالتعدّي في الوضوء مسح كلّ الرأس وغسل الرجلين كما هو دأب العامّة ، ويشعر به صحيحة داوود بن فرقد (5) ) . ويؤيّدها ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «إنّ الرجل يعبد اللّه أربعين سنة ما يطيعه في الوضوء ؛ لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه» (6) ) .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 35 ، ح 72 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 243 ، ح 2052 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 188 .
4- .. في «ب» بعد الرواية : «ثمّ قال الصدوق : وإنّما أجزأ عنهما لأنّهما اشتركا فيه جميعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلابدّ له من صاع ، ولكنّ المشهور تفسير الصاع في المنفرد بالعكس بأربعة أمداد ، ولم يظهر لي مستنده ، هذا ولقد أجمعوا على دخول الماء المستعمل لتطهير البدن من النجاسة العينيّة داخلة في الصاع ؛ لإطلاق الأخبار ، ولصراحة ما رويناه عن الصدوق ، في ذلك ، وقد اختلفوا في دخول ماء الاستنجاء في المدّ في جانب ، ظاهر الأكثر عدمه ، واحتمل الذكرى دخوله فيه ، ويؤيّده . . . » .
5- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
6- .. الفقيه، ج 1، ص 36، ح 73؛ علل الشرائع، ج 1، ص 289، الباب 212، ح 1 إلى قوله عليه السلام : «في الوضوء» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 422 ، ح 1103 .

ص: 246

[باب] السواك

وحمله على الإسراف بعيد يأباه تخصيص التعدّي بالوضوء ، فتأمّل . قوله في حسنة زرارة ومحمّد بن مسلم : إنّما يكفيه مثل الدهن) . [ ح 2/3902 ]في القاموس: الدهن ويضمّ: قدر ما يَبلّ وجه الأرض من المطر ، والجمع دهان، وقد دهن المطر الأرض . انتهى (1) ) . وربّما يقال : إنّه بالفتح بمعنى استعمال الدهن والادّهان به ، ويشعر به صحيحة محمّد بن مسلم التي قبل هذه .قوله في صحيحة أبيداوود يعني المسترقّ : وكان أبي يقول : إنّما يتلدّد) . [ ح 3/3903 ] يقال: لدّه: إذا خصمه (2) )، ولعلّ المعنى : مَن تعدّاه إنّما يكون غرضه الخصومة واللجاج مع الحقّ وأهله لا التديّن والتعبّد بما هو الحقّ ، وإلّا فأمر الوضوء الشرعي أبين من أن يتطرّق إليه شبهة .

[باب] السواكقال _ طاب ثراه _ : السواك _ بالكسر _ : يطلق على المعنى المصدري ، وعلى ما يستاك به ، ويجمع على سُوُك ، ككتاب وكتب ، وهو مذكّر ، وقال الليث : والعرب تؤنّثه . وقال الأزهري (3) ) : هذا من أغاليط الليث ، القبيحة (4) ) ، وحكى صاحب المحكم (5) ) فيه التذكير والتأنيث . انتهى .

.


1- .. القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 244 دهن) .
2- .. اللدد : الخصومة الشديدة . النهاية ، ج 4 ، ص 244 لدد) .
3- .. تقدّمت ترجمته .
4- .. لم أعثر على كلام الأزهري بهذه العبارة ، والموجود في تهذيب اللغة ، ج 10 ، ص 316 هكذا : «والسواك تؤنّثه العرب ، وفي الحديث : السواك مَطهرةٌ للفَم . أي يطهِّر الفَم . قلت : ما علمت أحدا من اللغويّين جعل السواك مؤنّثا، وهو مذكّر عندي» .
5- .. صاحب المحكم هو عليّ بن إسماعيل المرسي الأندلسي المعروف بابن سيدة ، أحد مَن يُضرب بذكائه المَثَل ، عالم بالنحو واللغة والأشعار وأيّام العرب ، وُلد بمرسية في شرق الأندلس ، وانتقل إلى دانية ، فتوفّي بها سنة 456 ه ، وكان ضريرا وكذلك أبوه ، له من الكتب : الأنيق في شرح حماسة أبيتمام ، شرح ما أشكل من شعر المتنبّي ، شرح إطلاق المنطق ، شواذّ اللغة ، العالم في اللغة ، المحكم والمحيط الأعظم ، المخصّص ، الوافي في علم القوافي . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 17 ، ص 144 _ 146 ، رقم 78 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 7 ، ص 36 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 263 .

ص: 247

واستحبابه هو مذهب الأصحاب وأكثر العامّة ، ويدلّ عليه) (1) ) أكثر أخبار الباب وما رواه الصدوق ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما زال جبرئيل عليه السلام يوصيني بالسواك حتّى خشيت أن اُحفى أو اُدْرَد » الخبر (2) ) .وقال : وقال الصادق عليه السلام : «أربع من سنن المرسلين : التعطّر ، والسواك ، والنساء ، والحنّاء» (3) ) . وقال الصادق عليه السلام : «لمّا دخل الناس في الدين أفواجا أتتهم الأزد أرقّها قلوبا وأعذبها أفواها ، فقيل : يا رسول اللّه ، هذا أرقّها قلوبا عرفناه ، فلِمَ صارت أعذبها أفواها ؟ فقال : إنّها كانت تستاك في الجاهليّة» (4) ) .وقال عليه السلام : «لكلّ شيء طهور ، وطهور الفم السواك» (5) ) . وقال [ أبوجعفر عليه السلام ] : «والسواك من الحنيفيّة ، وهي عشر سنن ، خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ، فأمّا التي في الرأس : فالمضمضة والاستنشاق والسواك وقصّ الشارب والفرق لمن طوّل شعر رأسه ، ومَن لم يفرق شعر رأسه فرّقه اللّه يوم القيامة بمنشار من نار ، وأمّا التي في الجسد : فالاستنجاء والختان وحلق العانة وقصّ الأظفار ونتف الإبطين» (6) ) .

.


1- .. سقط من «أ» .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 52 ، ح 108 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 5 ، ح 1300 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 52 ، ح 111 ؛ الخصال ، ص 242 ، باب الأربعة ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1317 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 115 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 295 ، الباب 227 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1318 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 116 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 294 ، الباب 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1319 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 _ 54، ح 117 .

ص: 248

وروي أنّ الكعبة شكت إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ ما تلقى من أنفاس المشركين ، فأوحى اللّه _ تبارك وتعالى _ إليها : قَرّي يا كعبة ، فإنّي مبدّلك بهم قوما يتنظّفون بقضبان الشجر . فلمّا بعث اللّه محمّدا صلى الله عليه و آله نزل عليه الروح الأمين بالسواك» (1) ) .والدليل على أنّ الأمر به فيما ذكر من الأخبار الندب والاستحباب دون الفرض والإيجاب ؛ ظهور بعضها في ذلك ، وخبر القدّاح (2) ) ، وما رواه الصدوق ، قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [ وآله ] كان يكثر السواك وليس بواجب ، فلايضرّك تركه في فرط الأيّام» (3) ) .وحكى في المنتهى (4) ) عن إسحاق وداوود وجوبه ، وحكى _ طاب ثراه _ عنهما إنّما أوجباه للصلاة ، وأنّه بالغ إسحاق فيه فحكم ببطلان الصلاة بتركه (5) ) .وينفي قولهما ما نقلوه أيضا عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لولا أن أشقّ على اُمّتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (6) ) .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 23 ، ح 1370 .
2- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 57 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 11 ، ح 1321 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 285 .
5- .. المغني ، ج 1 ، ص 78 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 271 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 126 .
6- .. ورد الحديث عن أبيهريرة بلفظ «عند كلّ صلاة» في : مسند أحمد ، ج 1 ، ص 80 و120 ؛ وج 2 ، ص 245 و287 و399 و429 و509 و531 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 348 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 151 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 5 ، ح 287 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 18 ، ح 22 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 35 . وبلفظ «مع كلّ صلاة» في : صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 214 ، كتاب الجمعة ؛ وج 2 ، ص 234 ، كتاب الصوم ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 35 . وبلفظ «مع الوضوء» في : مسند أحمد ، ج 2 ، ص 400 . وبلفظ «مع كلّ وضوء» في : مسند أحمد ، ج 2 ، ص 460 . وعن اُمّ حبيبة بلفظ «عند كلّ صلاة كما يتوضّؤون» في : مسند أحمد ، ج 6 ، ص 325 . وعن زينب بنت جحش في : مسند أحمد ، ج 6 ، ص 429 . وعن زيد بن خالد الجهني بلفظ «عند كلّ صلاة» في : مسند أحمد ، ج 4 ، ص 116 و193 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 19 ، ح 23 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 19 ، ح 47 . وأمّا اللفظ المذكور في المتن ، فلم أجده في كتب العامّة ، ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 113 ؛ وص 55 ، ح 123 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 17 ، ح 1346 و1347 .

ص: 249

وهو مستحبّ في جميع الأحوال وتؤكّد في مواضع :أحدها : عند الوضوء ؛ لما ذكر ، ولحسنة المعلّى (1) ) . وفي الفقيه : وقال النبيّ صلى الله عليه و آله في وصيّته لعليّ عليه السلام : «يا عليّ ، عليك بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (2) ) .وقال عليه السلام : «السواك شطر الوضوء» (3) ) . وثانيها : عند الصلاة ؛ لخبر عبداللّه بن ميمون القدّاح (4) ) .وفي الفقيه : وقال الباقر والصادق عليهماالسلام : «صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغيرسواك» (5) ) . وثالثها : في الأسحار عند القيام من المنام ؛ لخبر أبيبكر بن سمّاك (6) ) .وفي الفقيه : «ولو علم الناس ما في السواك لأباتوه معهم في لحافهم» (7) ) . وسأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهماالسلام عن الرجل يستاك مَرّة بيده إذا قام إلى صلاة الليل ، وهو يقدر على السواك ؟ قال : «إذا خاف الصبح فلا بأس به» (8) ) .ورابعها : عند تلاوة القرآن ، ففي الفقيه : وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «إنّ أفواهكم طرق القرآن (9) ) فطهّروها بالسواك» (10) ) .

.


1- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
2- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 113 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 16 ، ح 1344 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 114 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 17 ، ح 1345 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 54 ، ح 118 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 19 ، ح 1354 .
6- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1320 ؛ وص 13 ، ح 1327 بلفظ «لو يعلم . . .» .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 24 ، ح 1372 .
9- .. صحّف في نسخة «أ» القرآن ب «الحمّام» .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 23 ، ح 1368 .

ص: 250

ويكره في مواضع ، ففي الفقيه : وقال موسى بن جعفر عليهماالسلام : «أكل الأشنان يذيب البدن ، والتدلّك بالخزف يبلي الجسد ، والسواك في الخلاء يورث البخر» (1) ) .قال : وفي حديث أبيجعفر المتقدّم : «ويكره السواك في الحمّام ؛ لأنّه يورث وباء الأسنان» (2) ) . قال : «وترك الصادق عليه السلام السواك قبل أن يقبض بسنتين ؛ وذلك أنّ أسنانه ضعفت» (3) ) .وله خصال جمّة ، فقد روى الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «في السواك اثنتا عشر خصلة : هو من السنّة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرحمان ، ويبيّض الأسنان ، ويذهب بالجَفَر ، ويشدّ اللثة ، ويشتهي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة» (4) ) .والأفضل فيه شجر الأراك ؛ للتأسّي ، ثمّ كلّ عود ليّن أخضر ؛ لعموم القضبان في بعض ما ذكر من الأخبار ، ثمّ بالإصبع ؛ لما سبق عن عليّ بن جعفر (5) ) . ولما رواه المصنّف عن عليّ (6) ) .ولما رواه الشيخ عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : «التسويك بالإبهام والمسبّحة عند الوضوء سواك» (7) ) . واعلم أنّ المصنّف قدس سره وضع للسواك بابين : أحدهما هذا ، والآخر في كتاب الزيّ والتجمّل .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 24 ، ح 1372 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 52 ، ح 110 ؛ ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 32 ، ح 85 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 337 ، ح 888 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 25 ، ح 1378 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 121 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 295 ، الباب 228 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 25 ، ح 1376 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 126 ؛ الخصال ، ص 481 ، الباب 12 ، ح 253 ؛ ثواب الأعمال ، ص 18 ، ثواب من تطهّر ثمّ آوى إلى فراشه ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 7 _ 8 ، ح 1311 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 6 ، ص 495 ، باب السواك من كتاب الزيّ والتجمّل ، ح 6 .
6- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 357 ، ح 888 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 24 ، ح 1375 .

ص: 251

وذكر بعض الأحاديث المتعلّقة به هنا ، وبعضا آخر منها ثمّة ، والأولى عقد باب واحد وذكر جميع أخباره فيه .فإن قلت : غرضه هنا ما يتعلّق منه بالوضوء والصلاة ، وثمّة ما تعلّق منه بغيرهما . قلت : قد ذكر هنا ما لاتعلّق له بخصوصهما ، وفي الباب الآتي ما له تعلّق بهما ، فتأمّل .قوله في خبر عبداللّه بن ميمون : لولا أن أشقّ على اُمّتي لأمرتهم بالسواك) . [ ح 1/3910 ] ربّما استدلّ به على دلالة الأمر على الإيجاب ، ولا دلالة فيه عليه ؛ إذ النزاع إنّما هو في صيغة افعل وما في معناه لا في لفظ الأمر ؛ فإنّه للوجوب اتّفاقا .قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : اُحفى أو اُدرَد) . [ ح 3/3912 ] الحفا : رقّة الأسنان ، وفي الأصل هو رقّة القدم .والدَرَد _ محرّكة _ : ذهابها (1) ) . قوله في مرسلة ابن بكير : لا تدعه في كلّ ثلاث ولو أن تمرّه مرّة) . [ ح 4/3913 ]تخصيص الليالي بالذكر ؛ لتأكّد استحبابه في الأسحار عند القيام من المنام كما عرفت . وقال _ طاب ثراه _ : «المراد بالثلاث : ثلاث صلوات» .ويرجّح ما ذكرناه ما روى في الفقيه من قول الباقر عليه السلام : «لا تَدَعه ثلاثة أيّام ولو أن تمرّه مرّة واحدة» (2) ) . والضمير في قوله : «تمرّه» على صيغة الخطاب من باب الإفعال يعود إلى السواك بمعنى المسواك على طريقة الاستخدام .

.


1- .. قال الخليل : «الدُردُر : موضع منابت الأسنان قبل نباتها وبعد سقوطها . ويقال : دَرِدَ الرجل فهو أدرَدُ : إذا سقطت أسنانه وظهرت دَرادِرُها ، وجمعه الدُرد . كتاب العين ، ج 3 ، ص 166 درد).
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 54 ، ح 119 ؛ ومثله ح 4 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 15 ، ح 1340 .

ص: 252

[باب] المضمضة والاستنشاق

قوله : عليّ بإسناده) . [ ح 5/3914 ]أراد به عليّ بن إبراهيم ، وبإسناده : الإسناد المذكور . قوله : عن المعلّى بن خنيس) . [ ح 6/3915 ]قد ضعّف الأكثر هذا الخبر بناء على تضعيف النجاشي (1) ) وابن الغضائري (2) ) المعلّى ، وأظنّ حسنه ؛ لأنّه يظهر من الأخبار الواردة في ابن خنيس وتأتي في مقتله أنّه كان فائزا في المدح بالقدح المعلّى (3) ) ، فلايقدح فيه قدح الشيخين ؛ لعدم استنادهما فيه إلى مستند يعتمد عليه .وقال الشيخ في كتاب الغيبة _ على ما حكي عنه _ : «إنّه كان من قوّام أبيعبداللّه عليه السلام ، وكان محمودا عنده ، ومضى على منهاجه» (4) ) ، فأقلّ هذا يتقضي عدالته .

[باب] المضمضة والاستنشاققال _ طاب ثراه _ : «المضمضمة : تحريك الماء في الفم وأطراف اللثة ، والاستنشاق : جذب الماء إلى الأنف ثمّ طرحه» . انتهى .وهما مستحبّان مطلقا لاسيّما عند الوضوء والغسل لدى الأصحاب كلّهم إلّا ابن [ أبي ] عقيل ؛ حيث قال _ على ما حكي عنه _ : إنّهما ليسا بفرض ولا سنّة» (5) ) .ويدلّ على المشهور صحيحة أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عنهما ؟ فقال : «هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلاتعد» (6) ) .

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 417 ، الرقم 1114 .
2- .. عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 352 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 279 ، الرقم 505 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 675 _ 679 ، الرقم 708 ، 709 ، 711 ، 714 .
4- .. الغيبة ، ص 347 ، ح 300 .
5- .. نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 278 _ 279 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 200 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 200 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1127 .

ص: 253

وخبر سماعة ، قال : سألته عنهما ؟ قال : «هما من السنّة ، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة» (1) ) .ورواية مالك بن أعين ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عمّن توضّأ ونسي المضمضة والاستنشاق ثمّ ذكر بعد ما دخل في صلاته ؟ قال : «لا بأس» (2) ) .وقد روي في صفة وضوء أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه تمضمض قبله (3) ) .وعن عبداللّه بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «المضمضمة والاستنشاق ممّا سنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (4) ) . وتمسّك ابن أبيعقيل بأخبار الباب ، وبما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء» (5) ) .وعن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة ، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (6) ) . وعن الحسن بن راشد ، قال : قال الفقيه العسكري : «ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق» (7) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 197 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 66 ، ح 197 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1125 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 198 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 66 ، ح 198 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1126 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 69 آخر كتاب الطهارة ، باب النوادر ، ح 6 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 41 _ 42 ، ح 84 ؛ المقنع ، ص 9 _ 10 ؛ ثواب الأعمال ، ج 1 ، ص 16 ثواب من توضّأ مثل وضوء أميرالمؤمنين عليه السلام وقال مثل قوله ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 53 ، ح 153 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1046 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 79 ، ح 203 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 202 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1124 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 199 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 66 ، ح 199 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1128 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 202 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1129 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 361 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، ح 397 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 432 _ 433 ، ح 1130 .

ص: 254

[باب]صفة الوضوء

وعن عبداللّه بن سنان ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «لايجنب الأنف (1) ) والفم ؛ لأنّهما سائلان» (2) ) .وربّما اُيدّت بخلوّ أكثر أخبار الوضوء البياني عنهما . واُجيب بأنّ المراد من نفيهما في هذه الأخبار نفي وجوبهما ، ردّا لقول بعض العامّة ، فإنّ ابن أبيليلى أوجبهما في الوضوء والغُسل (3) ) ، وأوجبهما بعضهم في الغسل (4) ) ، وأوجب أحمد الاستنشاق فيهما (5) ) .ويحتمل أن يراد به نفي جزئيّتهما عنهما ، وحملت الفريضة والسنّة في خبر زرارة على ما وجب بالقرآن والسنّة، فتأمّل .

[باب]صفة الوضوءأجمع أهل العلم على وجوب غسل الوجه واليدين ومسح الرأس في الوضوء وإن اختلفوا في كيفيّة الغسل والمسح ، ويأتي كلّ في بابه ، وإنّما اختلفوا في مسح الرجلين ثمّ في كيفيّته ، وهو المطلوب هنا ، فنقول :قد أجمع الأصحاب على وجوب مسحهما وعدم إجزاء الغسل عنه ، ولا المسح على الخفّين إلّا لضرورة كتقيّة وبرد ونحوهما ؛ لقوله تعالى : يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى

.


1- .. المثبت من التهذيب والاستبصار والوسائل ، وفي النسخ : «لايجب غسل الأنف . . .» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 358 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 394 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 226 ، ح 2003 .
3- .. بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 12 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 102 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 126 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 363 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 172 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 363 ، ونسبه إلى أبيحنيفة وأصحابه وسفيان الثوري .
5- .. هذا أحد الأقوال المنقولة عن أحمد في : المغني ، ج 1 ، ص 102 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 126 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 363 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 172 . والقول الثاني وجوب المضمضة والاستنشاق معا في الطهارتين . راجع: المصادر المتقدّمة ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 21 .

ص: 255

الْكَعْبَيْنِ » (1) ) ، فإنّ قوله تعالى : أَرْجُلَكُمْ » إنّما نزل بالجرّ على ما ذكره الشيخ قدس سرهفي التهذيب ، محتجّا عليه بما رواه عن غالب بن الهذيل ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام ، عن قول اللّه عزّ وجلّ : وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » على الخفض هي أم على النصب ؟ قال : «بل هي على الخفض» (2) ) .ويؤيّده ما سيأتي من احتجاجه عليه السلام على مسح بعض الرِجل بالباء التبعيضيّة ؛ فهي لامحالة معطوفة على لفظ «رؤسكم» ، ولايجوز عطفها على وجوهكم ؛ لتغاير الإعرابَين ، وجَرّ الجوار والتقدير سيظهر فسادهما . تنزّلنا عن ذلك وتبعنا القرّاء ، فنقول :افترقوا هم في ذلك فرقتين متساويتين في العدد ؛ حيث إنّه قرأ بالجرّ من السبعة ابن كثير (3) ) وأبوعمرو (4) ) وحمزة (5) ) وأحد الراويين عن عاصم (6) ) وهو

.


1- .. المائدة 5) : 6 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 70 ، ح 188 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1097 .
3- .. أبومعبد عبداللّه بن كثير بن عمرو بن عبداللّه الكناني الداري مولاهم المكّي ، فارسي الأصل ، مقرئ أهل مكّة ، كان شيخا كبيرا أبيض الرأس واللحية ، طويلاً جسيما ، أسمر ، يغيّر شيبته بالحنّاء أو بالصفرة ، ولد سنة 48 بمكّة ، وقرأ على عبداللّه بن السائب المخزومي ، وتلا على مجاهد ، وتلا عليه أبوعمرو بن العلاء وعدّة ، وكان فصيحا مفوّها ، مات سنة 120 ، وله 75 سنة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 5 ، ص 318 _ 322 ، الرقم 155 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 386 .
4- .. أبوعمرو بن العلاء بن عمّار التميمي المازني البصري ، اختلف في اسمه ، مولده نحو سنة سبعين ، قرأ القرآن على سعيد بن جبير وعبداللّه بن كثير وحميد بن قيس الأعرج وعكرمة مولى ابن عبّاس ومجاهد بن جبر ويحيى بن يعمر ، وأخذ عنه جماعة ، مات سنة 154 أو 157 . وقيل : سنة 146 ، وعاش ست وثمانين سنة . راجع : تهذيب الكمال ، ج 34 ، ص 120 _ 129 ، الرقم 7533 ؛ مشاهير علماء الأمصار ، ص 242 ، الرقم 1210 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 6 ، ص 407 _ 410 ، الرقم 167.
5- .. حمزة بن حبيب بن عمارة الزيّات ، أبوعمارة التيمي مولاهم الكوفي التابعي ، روى عن حبيب بن أبيثابت والحكم بن عتيبة وحمّاد بن أبيسليمان ، وتلا عليه حمران بن أعين والأعمش وابن أبيليلى وطائفة ، وعنه أخذ الكسائي وجماعة ، وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ، ثمّ يجلب منها الجبن والجوز ، أصله فارسي ، مات سنة 156 ، وله ثمان وسبعون سنة . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 266 ، الرقم 1341 ؛ تهذيب الكمال ، ج 7 ، ص 314 _ 322 ، الرقم 1501 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 7 ، ص 90 _ 92 .
6- .. عاصم بن أبيالنجود بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي ، قارئ أهل الكوفة ، وقال بعض أنّ بهدلة اُمّه ، قرأ على أبيعبدالرحمان السلمي ، وهو أخذ القراءة عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه السلام ، وكان نحويّا فصيحا إذا تكلّم ، وتصدّر القراءة بالكوفة ، فتلا عليه أبوبكر بن عيّاش وحفص بن سليمان والمفضّل بن محمّد الضبّي وسليمان الأعمش وآخرون ، وكان من أحسن الناس صوتا في القراءة ، مات سنة 127 أو 128 . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 261 ، الرقم 1306 ؛ تهذيب الكمال ، ج 13 ، ص 473 _ 479 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 5 ، ص 256 _ 261 ، الرقم 119 .

ص: 256

أبوبكر (1) ) ، وقرأ بالنصب نافع (2) ) وابن عامر (3) ) والكسائي (4) ) ورواه حفص (5) ) عن عاصم على ما حكى عنهم المفسّرون وأرباب فنّ القراءة (6) ) ، والأمر على قراءة الجرّ واضح .وعلى قراءة النصب لابدّ أن تكون معطوفة على محلّ «رؤسكم» وهو شائع ذائع ،

.


1- .. أبوبكر بن عيّاش بن سالم الحنّاط الأسدي مولاهم الكوفي ، شيخ الكوفة في القراءة ، اختلف في اسمه والمشهور أنّ اسمه كنيته ، وهو من أجلّ أصحاب عاصم وقراءته عنه مشهورة ، تلا عليه الكسائي ومات قبله ، مولده سنة 94 أو 95 ، ومات سنة 193 أو 194 . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 272 ، الرقم 1373 ؛ تهذيب الكمال ، ج 33 ، ص 129 _ 135 ، الرقم 7252 ؛ تذكرة الحفّاظ ، ج 1 ، ص 265 ، الرقم 250 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 8 ، ص 495 _ 508 ، الرقم 131 .
2- .. نافع بن عبدالرحمان بن أبينعيم القارئ ، مولى جعونة بن شعوبة الليثي حليف بني هاشم ، قرأ على عبدالرحمان بن هرمز ومحمّد بن شهاب الزهري ويزيد بن القعقاع ، مات سنة 169 . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 224 ، الرقم 1113 ؛ الجرح والتعديل ، ج 8 ، ص 456 ، ح 2089 .
3- .. عبداللّه بن عامر بن يزيد بن تميم الدمشقي أبوعمران اليحصبي ، مقرئ أهل الشام ، قرأ على أبيالدرداء وفضالة بن عبيد ، وتوفّي يوم عاشوراء بدمشق سنة 118 ، وله سبع وتسعون سنة . راجع : تاريخ الإسلام ، ج 7 ، ص 399 _ 401 ؛ تقريب التهذيب ، ج 1 ، ص 504 ، الرقم 3416 ؛ تهذيب التهذيب ، ج 5 ، ص 240 _ 241 ، الرقم 470 ؛ البرهان للزركشي ، ج 1 ، ص 328 .
4- .. أبوالحسن عليّ بن حمزة الكسائي الكوفي ، اللغوي ، النحوي ، الشاعر ، مؤدّب هارون الرشيد وابنه محمّد الأمين ، ولد بالكوفة ونشأ بها ، وتنقّل في البلدان ، واستوطن بغداد ، ومات بالريّ في سنة 180 في سفر كان مع الرشيد ، من تصانيفه : المختصر في النحو ، كتاب القراءات ، معاني القرآن ، مقطوع القرآن وموصوله ، المتشابه في القرآن . راجع : تاريخ بغداد ، ج 11 ، ص 402 _ 412 ، الرقم 6289 ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 5 ، ص 65 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 7 ، ص 84 ؛ الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 113 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 283 .
5- .. حفص بن سليمان أبيداود أبوعمر الأسدي مولاهم الكوفي ، ابن امرأة عاصم ، نزل بغداد وجاور بمكّة ، وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءته ، وقراءته عنه أشهر القراءات ، ولد سنة 90 ، ومات سنة 180 ه . راجع : تاريخ الإسلام ، ج 11 ، ص 85 _ 88 ؛ تقريب التهذيب ، ج 1 ، ص 226 ، الرقم 1411 ؛ تهذيب التهذيب ، ج 2 ، ص 345 ، الرقم 700 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 13 ، ص 62 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 264 .
6- .. التبيان للشيخ الطوسي ، ج 3 ، ص 455 ، في تفسير آية الوضوء ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 27 ؛ تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ولم يذكر الكسائي .

ص: 257

ومنه قوله تعالى : مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ » (1) ) ، على قراءة الجزم عطفا على موضع «لا هادي له» ؛ لأنّه في محلّ الجزم على الجزاء ، ومنه قول الشاعر (2) ) : مُعاوِيَ إِنَّنا بَشَرٌ فَاسجِحفَلَسنا بالجِبالِ ولا الحَديدا فنصب الحديد على موضع «بالجبال» . وقول الآخر (3) ) : هل أنت باعثُ دينارٍ لحاجتناأو عبدَ ربٍّ أخا عون بن مِخراق حيث نصب «عبد ربّ» على ما هو المرويّ عطفا على محلّ «دينارٍ» ؛ لأنّ من حقّ الكلام أن يقول : «باعثٌ دينارا» ، أو أن يجعل مفعولاً معه (4) ) . ولايجوز أن تجعل عطفا على وجوهكم، أو مفعولاً لفعل مقدّر وهو «اغسلوا» ؛ لما ستعرف ، وللأخبار المتواترة معنىً عن أهل البيت عليهم السلام ، بل عُدّ ذلك من ضروريّات المذهب ، وكفاك في ذلك ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب وفي باب مسح الرأ

.


1- .. الأعراف 7) : 186 .
2- .. البيت لعقبة بن هبيرة الأسدي ، من أبيات يخاطب بها معاوية ، وصرّح باسمه سيبويه في الكتاب ، ج 1 ، ص 34 على ما في هامش ترتيب كتاب العين لخليل ، ج 1 ، ص 164 بشر) ، وصرّح باسمه أيضا ابن منظور في لسان العرب ، ج 10 ، ص 120 غمز) . وأمّا البيت من دون انتسابه إلى قائل معيّن ، فمنقول في مصادر عديدة ، منها : الانتصار للسيّد المرتضى ، ص 109 ، والناصريّات له أيضا ، ص 124 ؛ التبيان للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 328 ، وج 3 ، ص 455 ، في تفسير آية الوضوء ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 8 ؛ تفسير الرازي ، ج 7 ، ص 70 ، شرح الرضيّ على الكافية ، ج 1 ، ص 380 ، مغني اللبيب لابن هشام ، ج 2 ، ص 477 .
3- .. نسبه الرضيّ في شرح الكافية ، ج 3 ، ص 427 ، الرقم 595 ؛ والقرطبي في تفسيره ، ج 5 ، ص 259 إلى سيبوبه ، ونسبه البيضاوي في تفسيره ، ج 4 ، ص 237 ؛ والزمخشري في الكشّاف ، ج 2 ، ص 674 ؛ والآلوسي في تفسيره ، ج 19 ، ص 77 ، والسيّد الأمين في أعيان الشيعة ، ج 8 ، ص 319 إلى تأبّط شرّا . وللبيت من دون نسبة إلى قائل معيّن مصادر ، منها : الناصريّات ، ص 124 ، كتاب الطهارة ، المسح على الرجلين ؛ التبيان ، ج 1 ، ص 207 ، في تفسير الآية 46 من سورة البقرة ؛ وج 2 ، ص 524 ، في تفسير الآية 88 من سورة آل عمران ؛ وج 3 ، ص 555 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ شرح ابن عقيل ، ج 2 ، ص 120 .
4- .. جميع ما ذكره بعد نقل الرواية إلى هنا مأخوذة من تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 71 _ 72 ، ذيل الحديث 188 ، مع مغايرة جزئيّة .

ص: 258

س والقدمين . ويؤكّدها ما روته العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه مسح الرِجلين (1) ) وقال : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» (2) ) . وعن أميرالمؤمنين عليه السلام ، عنه صلى الله عليه و آله : «أنّه توضّأ ومسح على قدميه ونعليه» (3) ) . ومثله عن ابن عبّاس ، عنه صلى الله عليه و آله (4) ) . وعن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال : «ما نزل القرآن إلّا بالمسح» (5) ) . وعن ابن عبّاس ، أنّه وصف وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فمسح على رِجليه (6) ) . وعنه أنّه قال : «في كتاب اللّه المسح ويأبى الناس إلّا الغسل» (7) ) . وعنه : «إنّ الوضوء غسلتان ومسحتان» 8 ) .

.


1- .. المغني ، ج 1 ، ص 121 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 117 ؛ ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين ، ص 221 ، ح 121 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 476 ، ح 27042 .
2- .. المسائل الصاغانيّة للشيخ المفيد ، ص 117 ؛ المسح على الرجلين ، ص 17 . ولم أجد في الجوامع الحديثيّة هذا الذيل بعد مسحه صلى الله عليه و آله على الرجلين ، بل الموجود في مصادر العامّة أنّه قال ذلك بعد أن توضّأ مرّة مرّة . راجع : مسند أبييعلى ، ج 9 ، ص 448 ، ح 5598 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 4 ، ص 78 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 423 .
3- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 435 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 63 ، ح 175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1095 . ولم أعثر عليها في مصادر العامّة .
5- .. اُنظر : سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 37 _ 38 ، ح 137 .
6- .. المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 37 _ 38 ، ح 119 ، باب كم الوضوء من غسلة ؛ مسند ابن راهويه ، ج 5 ، ص 141 ، ح 2264 ، وفيهما : «يأبى الناس إلّا الغسل ونجد في كتاب اللّه المسح على القدمين» ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 156 ، ح 458 ، وفيه : «إنّ الناس أبوا إلّا الغسل ، ولا أجد في كتاب اللّه إلّا المسح» .
7- .. جامع البيان للطبري ، ج 6 ، ص 175 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ تفسير البغوي ، ج 2 ، ص 16 ؛ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة ، ص 163 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 43 ، ح 26840 ، وكلمة «إنّ» في بداية الحديث غير موجودة فيهم . وفي سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 96 ، باب وجوب غسل القدمين والعقبين ، ضمن الحديث 5 ؛ والسنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 72 هكذا : «ما أجد في الكتاب إلّا غسلتين ومسحتين» .

ص: 259

وعن الشعبي (1) ) : «أنّ الوضوء مغسولان وممسوحان» (2) ) . وعن أنس بن مالك ، أنّه ذكر له قول الحجّاج (3) ) : «اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما وخلّلوا بين الأصابع» ، فقال : «صدق اللّه وكذب الحجّاج» ، وتلا قوله تعالى : فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » (4) ) . (5) ) وعن قتادة [ عن جابر بن يزيد _ أو عن عكرمة _ عن ابن عبّاس ] ، أنّه قال : «افترض اللّه غسلتين ومسحتين» (6) ) . وعن الشعبي ، أنّه قال : «نزل جبرئيل بالمسح» ، ثمّ قال : «إنّ في التيمّم يمسح ما كان غسلاً ويلغى ما كان مسحا» (7) ) .

.


1- .. المائدة 5) : 6 .
2- .. كان في النسخ : «الكعبي» ، فصوّبته حسب مصادر هذا القول ، والشعبي هو عامر بن شراحيل أبوعمرو الكوفي رواية من التابعين ، يضرب المثل بحفظه ، ولد سنة 19 بالكوفة ونشأ بها ، واتّصل بعبدالملك بن مروان ، وكان نديمه وسفيره ورسوله إلى ملك الروم ، استقضاه عمر بن عبدالعزيز ، وكان فقيها شاعرا ، مات سنة 103 أو 104 ه ق بالكوفة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 295 _ 319 ، الرقم113 ؛ تهذيب الكمال ، ج 14 ، ص 28 ، الرقم 3042 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 361 _ 362 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 251 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 5 ، ص 54 .
3- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 121 ، مسح الاُذنين وغسل الرجلين ومسحهما ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 116 _ 117 ، مسح الرأس والرجلين وغسلهما ، وفيه : «. . . ممسوحان ومغسولان» ؛ المعتبر ، ج 1 ، ص 149 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 169 ، منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 61 .
4- .. حجّاج بن يوسف الثقفي الأمير السفّاك الظالم المبير ، ولي امرة عراق عشرين سنة ، ومات سنة 95 ه . راجع : تقريب التهذيب ، ج 1 ، ص 190 ، الرقم 1144 .
5- .. جامع البيان ، ج 6 ، ص 175 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 71 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 28 ؛ أحكام القرآن لابن عربي ، ج 2 ، ص 71 ؛ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة ، ص 163 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 120 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 117 .
6- .. المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 19، باب غسل الرجلين، ح 54، ومابين المعقوفين منه ؛ مسند الشاميين للطبراني ، ج 4 ، ص 25 ، ح 2633 ، وفيه : «افترض اللّه » ؛ كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 433 ، ح 26842 .
7- .. جامع البيان ، ج 6 ، ص 175 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 29 ؛ تفسير البغوي ، ج 2 ، ص 16 ؛ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة ، ص 163 ؛ تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 92 . وانظر في خصوص صدره : المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 19 ، باب غسل الرجلين ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 31 ، ح 7 ، في المسح على القدمين ؛ كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 436 ، ح 26851 ، وفي بعضها : «نزل القرآن بالمسح» .

ص: 260

وقال يونس : حدّثني من صحب عكرمة إلى واسط ، قال : «فما رأيته غسل رجليه ، إنّما كان يمسح عليهما» (1) ) . فإن قيل : يدلّ على التخيير بين المسح والغَسل ما رواه الشيخ في الصحيح عن أيّوب بن نوح ، قال : كتبت إلى أبيالحسن عليه السلام أسأله عن المسح على القدمين ؟ فقال : «الوضوء بالمسح ، ولايجب فيه إلّا ذلك ، ومن غسل فلا بأس» (2) ) . وصحيحة أبيهمّام إسماعيل بن همّام ، عن أبيالحسن الرضا عليه السلام : «في وضوء الفريضة في كتاب اللّه تعالى المسح ، والغَسل في الوضوء للتنظيف» (3) ) . قلت : والظاهر أنّهما وردتا على التقيّة ؛ لأنّ ذلك هو مذهب الحسن البصري كما ستعرف ، وكان مدار عمل العامّة في وقته على فتواه . وربّما حمل الغسل فيهما على غسل الرجلين قبل الوضوء للتنظيف ، ويأبى عنه الثانية ، نعم يمكن تأويلها بأنّ الغسل الذي أمر النبيّ صلى الله عليه و آله به في الوضوء وصار سببا للاشتباه إنّما كان للتنظيف كما سيجيء في تأويل قوله صلى الله عليه و آله : «ويل للأعقاب من النار» . وأمّا العامّة ، فقد اختلفوا في تلك المسألة ، فوافقنا أعاظم الصحابة عندهم على ما عرفت ، وحكى في المنتهى عن أبيالعالية (4) ) أيضا (5) ) .

.


1- .. جامع البيان ، ج 6 ، ص 176 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 28 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 64 ، ح 180 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 65 ، ح 195 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 421 ، ح 1100 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 64 ، ح 181 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 65 ، ح 192 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1098 .
4- .. أبوالعالية رفيع بن مهران البصري، أدرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأسلم بعد سنتين من وفاته صلى الله عليه و آله ، وروى عن الصحابة ، كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع ثمّ من بني تميم ، مات سنة 93 . وقيل : سنة 90 . وقيل : سنة 92 . وقيل : سنة 106 . وقيل : سنة 111 . راجع : تذكرة الحفّاظ ، ج 1 ، ص 61 ، الرقم 50 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 6 ، ص 530 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 207 ؛ الرقم 85 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 18 ، ص 159 _ 191 ، الرقم 2189 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 61 .

ص: 261

وقال بعضهم بذلك لكن مع استيعاب الرِجل ، على ما حكى عنهم في الاستبصار (1) ) . وحكى في المنتهى عن أبيالحسن البصري وأبيعليّ الجبائي (2) ) التخيير بين المسح والغَسل (3) ) . وعن الفقهاء الأربعة التخيير بين غسل الرجلين والمسح على الخُفّين (4) ) . وعن بعضهم وجوب الجمع بين المسح والغَسل (5) ) . وقيل : إنّ مالكا رجع في آخر أيّامه وقال بتعيين الغَسل . وهم أيضا تمسّكوا في الغَسل بالآية المذكورة ؛ زَعما منهم أنّ قوله: أَرْجُلَكُمْ » على قراءة النصب معطوف على وُجُوهَكُمْ » ، أو بتقدير «اغسلوا» عطفا للجملة على الجملة . وعلى قراءة الجَرّ أيضا عطف على وُجُوهَكُمْ » ، وجرّه للجوار ؛ مستشهدين له

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 61 ، ذيل ح 181 ، والقائل به الحسن البصري على ما في أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 433 ، وحكي عنه القول بالتخيير كما سيأتي .
2- .أبوعليّ الجبائي هو محمّد بن عبد الوهّاب شيخ المعتزلة ، ولد ب «جبا» بخوزستان في جنوب إيران ، وتوفّي بالبصرة سنة 303 ه ، ودفن ب «جبا» . اُنظر : سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 183 ، الرقم 102 ؛ الفرق بين الفِرَق ، ص 167 _ 169 ؛ المنتظم ، وفيّات سنة 303 ؛ وفيّات الأعيان ، ج 4 ، ص 267 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 4 ، ص 74 _ 75 ؛ شذرات الذهب ، ج 2 ، ص 241 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 61 . بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 5 ؛ وتحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 11 ، عن الحسن البصري؛ تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة عن الحسن البصري والطبري ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 417 ، عن أبيعليّ الجبائي والطبري ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 209 عن الثلاثة . ونقله أيضا عن ابن جرير الطبري ابن العربي في أحكام القرآن ، ج 2 ، ص 71 ؛ والقرطبي في تفسيره ، ج 6 ، ص 92 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ والشوكاني في فتح القدير ، ج 2 ، ص 18 .
4- .. والموجود في منتهى المطلب : «وقال الفقهاء الأربعة وباقي الجمهور : الواجب الغَسل دون المسح» . وتجد تصريح القوم باتفّاقهم في لزوم الغَسل في : المغني ، ج 1 ، ص 120 ؛ تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ المجموع للنووي : ج 1 ، ص 417 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 208 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 16 .
5- .. تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 صرّح بأنّ القائل به داود ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 417 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 11 عن بعضهم ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 209 نقلاً عن بعض أهل الظاهر ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 5 عن بعض المتأخّرين .

ص: 262

بقولهم : «جُحر ضبٍّ خربٍ» (1) ) ، وبقول الشاعر (2) ) : كأنّ ثَبيرا في عَرانينَ ويلهكبيرُ اُناسٍ في بِجادٍ مَزمّلٍ وبقول الأعشى 3 ) : لقد كان في حولٍ ثَواءٍ ثَويتُهتَقَضّي لُباناتٍ وَيَسأم سائِمٌ (3) ) حيث جُرّ خَرِبٌ مع أنّه من صفات جُحرٍ ، ومزمّل وهو من صفات كبير ، وثَواءٌ مع أنّه مفعول مطلق لثويته ؛ لمجاورة المجرورات التي قبلها . أو معطوف على رُءُوسِكُمْ » ، ولكنّ المسح على الخُفّين . وبما نقلوه من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا توضّا في الوضوء البياني غَسَل رِجليه . وبما رواه البخاري عن عبداللّه بن عمر[ و ] ، قال : تخلّف النبيّ صلى الله عليه و آله عنّا في سفر ، فأدركنا وقد أرهَقَنا العصر ، فجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته :

.


1- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 8 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 122 _ 123 ؛ التمهيد لابن عبدالبرّ ، ج 24 ، ص 254 _ 255 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 27 ؛ تفسير السمعاني ، ج 2 ، ص 17 _ 18 ؛ زاد المسير ، ج 2 ، ص 246 _ 247 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 6 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 419 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 238 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 307 ؛ حاشية ردّ المختار ، ج 1 ، ص 287 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 210 . وفي الثلاثة الأخيرة لم يذكر الاستشهاد .
2- .. وهو امرئ القيس ، على ما في غريب الحديث للحربي ، ج 2 ، ص 456 رعن) ؛ ومغني اللبيب ، ج 2 ، ص 516 ، الرقم 759 ؛ ولسان العرب ، ج 9 ، ص 322 عقق) ، والمصرع الأوّل فيه هكذا : «كأنّ أبانا في أفانين ودقه» ؛ وتفسير الثعلبي ، ج 10 ، ص 58 في تفسير سورة المزّمّل ، وفي كثير من المصادر المتقدّمة آنفا . والاستشهاد بالبيت مذكور في الاستذكار لابن عبدالبرّ ، ج 1 ، ص 138 _ 139 ؛ والتمهيد له أيضا ، ج 24 ، ص 254 ؛ وتفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 .
3- .. هذا البيت من قصيدة طويلة للأعشى يهجو بها يزيد بن مسهر الشيباني ، أوّلها : «هريرة ودِّعها وإن لام لائمغداة غد أم أنت للبين واجم» اُنظر : ديوانه ، ص 77 ، القصيدة 9 ؛ مغني اللبيب ، ج 2 ، ص 506 ، الرقم 749 .

ص: 263

«ويل للأعقاب من النار» مرّتين أو ثلاثا (1) ) . وبروايات اُخر روى أكثرها عثمان بن عفّان (2) ) على ما حكى عنهم طاب ثراه . وروى في [ فتح ] العزيز عنه صلى الله عليه و آله : «أنّه لايقبل اللّه صلاة امرئحتّى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ثمّ يغسل يديه ثمّ يمسح برأسه ثمّ يغسل رجليه» . والجواب أمّا عن احتجاجهم بالآية ، فبلزوم اختلال نظمها على الأوّل ؛ فإنّه كقولك : «أهنتُ زيدا وأكرمتُ عمرا وبَكرا» إذا جعل بكرٌ مهانا لا مكرما ، والتقدير خلاف الأصل لايرتكب إلّا لضرورة ودليل . على أنّ تقدير «اغسلوا» يعارض بتقدير «امسحوا» ، والترجيح معنا ؛ لتناسب النظم . على أنّه يحتمل أن يكون عطفا على محلّ بِرُءُوسِكُمْ » ، والعطف على المحلّ شائع ذائع ، بل هو أقرب إلى الصواب ؛ لأنّه أقرب . وقال الشيخ في التهذيب (3) ) : «نصّ أهل الأدب على أولويّة إعمال الفعل الثاني فيما إذا حصل في الكلام [ عاملان ] أحدهما قريب والآخر بعيد ، فإعمال الأقرب أولى من إعمال الأبعد» . وأراد بذلك ما ذكرناه لا تنازع الفعلين المصطلح حتّى يردان المتنازع فيه ليس منه ، لكنّه ذكر أمثلة المصطلح ؛ لاشتراكهما في علّة إعمال الثاني وهي أقربيّة العامل ، فقد عدّ منه قول كثير 4 ) : قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمهوعزّة ممطول معنّى غريمها فأعمل الثاني في غريمه ؛ لأنّه لو أعمل الأوّل لقال : «فوفّاه» . ومنه قول الآخر : وكُمتا مَدَمّاةٌ كأنّ مُتونهاجرى فوقها واستشعرت لون مذهب (4) ) بنصب «لونٍ» على المرويّ . ومنه قول الفرزدق 6 ) : ولكنّ نِصفا لو سببت وسبّنيبنو عبد شمس من مَناف وهاشم ومنه قوله تعالى : وَ أَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا » (5) ) ؛ حيث لم يقل :

.


1- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 21 و32 ، كتاب العلم ؛ وص 49 ، كتاب الوضوء .
2- .. كنز العمّال ، ج 9 ، ص 439 _ 444 ، ح 26873 _ 26890 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 73 ، ذيل الحديث 188 .
4- .. البيت لطفيل بن عوف بن خلف بن ضبيس الغنوي من قصيدة طويلة يصف فيها الخيل والخباء ، أوّلها : «وبيت تحبّ الريح في حجراتهبأرض فضاء بابه لم يحجب» والبيت المذكور في المتن عطف على قوله : «وفينا رباط الخيل كلّ مطهمرجيل كسرحان الغضى المتأوّب» راجع : هامش تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 74 . والمصرع الثاني من الشاهد مذكور في فقه القرآن للراوندي ، ج 1 ، ص 23 : «موضع العطف في أرجلهم» ، والبيت الأخير مذكور في لسان العرب ، ج 8 ، ص 213 «طهم» ؛ وتاج العروس ، ج 17 ، ص 446 .
5- .. الجنّ 72) : 7 .

ص: 264

«ظننتموه» ، وقال : ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا » (1) ) ، و هَآؤُمُ اقْرَءُواْ كِتَ_بِيَهْ » (2) ) ؛ إذ لو أعمل الأوّل لقال : «اقرؤُوه كتابيه» . ثمّ اعتذر عن إعمال امرئالقيس (3) ) الأوّل في قوله : فلو إنّما ما أسعى لأدنى معيشةكفاني ولم أطلب قليلٌ من المال بالشذوذ ، وبأنّه إنّما رفع القليل ؛ لأنّ غرضه إنّما كان نفي طلبه للملك والسلطنة لا نفي القليل من المال ، وهو خارج عن المتنازع فيه ، وبمنع جرّ الجوار على الثاني ، فقد قال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار : «إنّ محصّلي أهل النحو ومحقّقيهم يمنعون أن يكونوا أعربوا بالمجاورة في موضع من المواضع ، وقالوا : جرّ خرب في «جُحر ضبّ خرب» على أنّه أراد خرب جحره ، و«كبيرُ اُناسٍ في بِجادٍ مَزمّلٍ » كبيره ، ويجري ذلك مجرى «مررت برجل حسنٍ وَجهُه» (4) ) . وأجاب الشيخ قدس سره في التهذيب (5) ) عن جرّ «ثواءٍ» بأنّه على البدليّة من «حولٍ» ، والمعنى : لقد كان في ثواء ثَويتُه تقضي لبانات . قال : «وهذا القسم من البدل هو بدل الاشتمال ، كما قال تعالى : قُتِلَ أَصْحَ_بُ

.


1- .. الكهف 18) : 96 .
2- .. الحاقّة 69) : 19 .
3- .. امرئ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من بنيآكل المرار ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يماني الأصل ، اشتهر بلقبه واختلف في اسمه ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، واُمّه اُخت مهلهل الشاعر ، فأخذ منه الشعر ، ثمّ ثار بنوأسد على أبيه فقتلوه ، وقد كان طرد ابنه امرئ القيس لتشبّبه في النساء في شعره وتنقّله في أحياء العرب يستتبع صعاليكهم وذؤبانهم ، وثأر لأبيه على بني أسد وقال في ذلك شعرا كثيرا ، وكانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار ، فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئالقيس ، فطلبه ، فابتعد وانتهى إلى السموأل ، فأجاره ، ثمّ استعان بقيصر الروم في القسطنطنيّة ، فوعده وماطله ، ثمّ ولاّه امرة فلسطين ، فرحل يريدها ، فوافاه أجله بأنقرة ، ومات على جاهليّته . راجع : تاريخ مدينة دمشق ، ج 9 ، ص 222 _ 245 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 56 _ 57 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 11 _ 12 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 320 .
4- .. الانتصار ، ص 107 ، والمنقول هنا نقلٌ له بالمعنى .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 67 ، ذيل ح 187 .

ص: 265

الْأُخْدُودِ النَّارِ » (1) ) ، وقال : يَسْ_?لُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ » (2) )» ، على أنّ من جوّزه مع فقد العاطف كما في الأمثلة المذكورة . وفي الانتصار : «وأيّ مجاورة يكون مع وجود الحائل» (3) ) . وإذا لم يقع اشتباه والتباس في المقصود كما في الأمثلة ، بخلاف الآية الكريمة ؛ فإنّها حينئذٍ موهمة لكون الرجلين ممسوحتين على خلاف ما هو المقصود ، وهم قد استشهدوا لجواز الجرّ بالمجاورة مع العاطف بقوله : لم يبق إلّا أسير غير مُنفَلِتٍوموثَقٍ في عقال الأسر مَكبول (4) ) حيث جرّ «موثق» وهو عطف على «أسير» بمجاورة «منفلت» . وقوله _ عزّ من قائل _ : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَ نٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَ أَبَارِيقَ وَ كَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَ فَ_كِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَ حُورٌ عِينٌ كَأَمْثَ_لِ اللُّؤْلُوءِ الْمَكْنُونِ » (5) ) على قراءة حمزة والكسائي (6) ) ورواية المفضّل (7) ) عن عاصم (8) ) ؛ فإنّهم قرأُوا بجرّ «حورٍ عينٍ» مع كونها معطوفة على «ولدان» ، ولا وجه

.


1- .. البروج 85) : 4 _ 5 .
2- .. البقرة 2) : 217 .
3- .. الانتصار ، ص 107 .
4- .. هذا البيت لنابغة على ما صرّح به في إملاء ما منّ به الرحمان ، ج 1 ، ص 209 ؛ وتفسير الآلوسي ، ج 6 ، ص 76 ، واستشهد به من غير ذِكر قائله في : التبيان ، ج 3 ، ص 453 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 68 ؛ والمجموع للنووي ، ج 1 ، ص 420 .
5- .. الواقعة 56) : 17 _ 23 .
6- .. مجمع البيان ، ج 9 ، ص 359 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 281 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 3 ، ص 371 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 9 ، ص 204 ؛ زادالمسير ، ج 7 ، ص 281 .
7- .. المفضّل بن محمّد بن يعلى بن عامر الضبّي أبوالعبّاس ، راوية علاّمة بالشعر والأدب وأيّام العرب ، من أهل الكوفة ، خرج على المنصور العبّاسي مع بني الحسن ، فظفر به المنصور وعفا عنه ، ولزم المهديّ وصنّف له الأشعار المختارة المسمّاة بالمفضّليّات ، قرأ على عاصم ، وله من الكتب : الأمثال ، الألفاظ ، العروض ، معاني الشعر ، المفضّليّات ، توفّي سنة 168 ه ق . راجع : تاريخ بغداد ، ج 13 ، ص 122 _ 123 ، الرقم 7105 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 10 ، ص 470 _ 471 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 280 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 316 .
8- .. زادالمسير ، ج 7 ، ص 281 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 9 ، ص 204 ، ولم يقل : «عن عاصم» .

ص: 266

لهذا الجرّ إلّا مجاورة «لحم طير» . وقوله : فهل أنت إن ماتت اُتانك راحلٌإلى آل بسطام بن قيس فخاطب (1) ) بجرّ «خاطبٍ» لمجاورة «قيس» ، مع أنّ القياس رفعه ؛ لأنّه عطف على «راحل» . وأجاب الشيخ في التهذيب عن الأوّل بأنّ جرّ «موثق» للعطف على محلّ «أسير» وهو الجرّ بإضافة «إلّا» ؛ لكونها بمعنى غير ؛ لأنّ معنى قوله : «لم يبق إلّا أسير» : لم يبق غير أسير (2) ) . وبيّنه المحقّق الشوشتري قدس سره (3) ) بقوله : «مقصود الشاعر أنّه لم يبق منهم غير أسير واستوصلوا بأجمعهم ولم يبق منهم حيّ إلّا أن يكون أسيرا في تحت قيدهم ، ولو جعل بمعنى الاستثناء لكان المعنى : أنّه لم يبق جماعة مستثنى منهم أسير ، ولم يدلّ على أنّه لم يبق منهم جماعة لايستثنى منهم أسير ، فيصير وزانه وزان : لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَا اللَّهُ لَفَسَدَتَا » (4) ) . وعن الثاني بأنّ أكثر القرّاء السبعة على الرفع ، قرأه به نافع وابن كثير وعاصم في رواية وأبوعمرو وابن عامر . وعلى الجرّ معطوف على «جنّات النعيم» على حذف مضاف ، فكأنّه قال : «هم في

.


1- .. البيت للفرزدق على ما في بدائع الصنائع لأبيبكر الكاشاني ، ج 1 ، ص 6 . وورد من غير نسبة إلى شاعر معيّن في عدّة من المصادر ، منها : الاستذكار لابن عبدالبرّ ، ج 1 ، ص 139 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 434 ، التبيان للشيخ الطوسي ، ج 3 ، ص 453 ؛ تهذيب الأحكام له أيضا ، ج 1 ، ص 68 ؛ فقه القرآن للراوندي ، ج 1 ، ص 20 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 68 .
3- .. المولى عبداللّه بن الحسين التستري من تلامذة المحقّق الأردبيلي ، ومن تلاميذه المجلسي الأوّل وصاحب نقد الرجال ، له حواشٍ على التهذيب والاستبصار ، وجمع بعض الفضلاء حواشيه مع حواشي عدّة اُخرى من العلماء عليهما وعلى الفقيه في مجموعة ، وسمّاه «جامع الحواشي» ، وله أيضا من الكتب : جامع الفوائد في شرح القواعد ؛ وشرح الإرشاد ، وكتاب الرجال ، توفّي في محرّم سنة 1021 ه ق . رياض العلماء ، ج 3 ، ص 195 _ 205 ؛ الذريعة ، ج 5 ، ص 50 ، الرقم 199 ، معجم المؤلّفين ، 6 ، ص 44 .
4- .. الأنبياء 21) : 22 .

ص: 267

جنّات النعيم وفي [ مقارنة أو ] معاشرة حور عين» ، وحكاه عن أبيعليّ الفارسي (1) ) في كتاب الحجّة (2) ) . وهو أحد توجيهي صاحب الكشّاف (3) ) ، ووجّهه في توجيه آخر بالعطف على الأكواب (4) ) . وعن الثالث تارة بأنّ الجرّ في «خاطبٍ» وَهمٌ من الراوي ، والصواب الرفع ، وتارة بقراءة «خاطب» على صيغة الأمر ، وإنّما جُرّ للإطلاق [ في الشعر ] 5 ) . وربّما تمسّكوا بالآية من وجه آخر على ما حكى عنهم في الانتصار ، وهو أولويّة عطف المحدود على المحدود ؛ وذلك أنّه سبحانه حدّد الأيدي بقوله : إِلَى الْمَرَافِقِ » وأطلق الرُؤوس ، وكذلك حدّد الأرجل بقوله : إِلَى الْكَعْبَيْنِ » ، فلو عطفت الأرجل على الرؤوس يلزم عطف محدود على غير محدود ، بخلاف ما لو عطفت على الأيدي . وأجاب عنه بأنّ هذه المناسبة ليست مناسبة معتمدة ؛ لأنّ الأيدي _ وهي محدودة _ معطوفة اتّفاقا على الوجوه وهي غير محدودة ، بل ما ذهبنا إليه أشبه بترتيب الكلام ؛ لأنّ لآية تضمّنت حينئذ عطف مغسول محدود على مغسول غير محدود ، وعطف

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 68 .
2- .. تقدّمت ترجمته .
3- .. صاحب الكشّاف هو محمود بن عمر بن محمّد الزمخشري الخوارزمي المعتزلي ، محدّث ، متكلّم ، نحوي ، لغوي ، بياني ، أديب ، ناظم ، ناثر ، مشارك في عدّة علوم ، ولد في زمخشر من قرى خوارزم وإليه ينسب ، وسافر إلى مكّة ، وجاور بها زمانا ولقّب جاراللّه ، ثمّ رجع إلى جرجانيّة خوارزم وتوفّي بها سنة 538 ، من مصنّفاته الكثيرة : أساس البلاغة ، الاُنموذج ، أطواق الذهب ، أعجب العجب في شرح لاميّة العرب ، ربيع الأبرار ، الكشّاف عن حقائق التأويل ، المفصّل في صنعة الإعراب . راجع : الأنساب للسمعاني : ج 3 ، ص 163 _ 164 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 20 ، ص 151 _ 156 ، الرقم 91 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 186 ؛ الكنى والألقاب : ج 2 ، ص 298 _ 300 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 178 .
4- .. الكشّاف ، ج 4 ، ص 54 .

ص: 268

ممسوح محدود على ممسوح غير محدود ، فتقابل الجملتان (1) ) . وأمّا الجواب عن احتجاجهم بما ذكروه من الأخبار ؛ فبأنّ الخبر الأوّل مردود لإرساله ، ومعارضته لما نقلناعنهم عنه صلّى اللّه عليه [ وآله ] في الوضوء البياني ، وهو مؤيّد بما نقلنا عنهم عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، عنه صلى الله عليه و آله ، وعن ابن عبّاس ، عنهما عليهماالسلام ، وعن معظم الصحابة ، وكذا الحال في باقيما ذكروه من الأخبار . على أنّ خبر البخاري ليس صريحا في أنّ الغسل المأمور به بدل عن المسح ، بل ظاهره أنّ الأمر به إنّما كان زائدا على المسح ؛ لنجاسة أعقابهم لكونها مشقوقة مدماة غالبا . وقيل : إنّهم كانوا يبولون على شقاق أعقابهم ؛ لظنّهم أنّ البول نافع . وأمّا تجويزهم المسح على الخفّين ، فسيأتي دليلهم في محلّه . ولمّا رأى صاحب الكشّاف القائل بغسل الرِجلَين جرّ الجوار منكرا وحمل مسح الأرجل على مسح الخفّين مستقبحا ، حكم بأنّ جرّ «أرجلكم» للعطف على «رؤوسكم» ، لكن لا لتُمسح بل لتُقصَد في صبّ الماء عليها وتُغسَل غَسلاً خفيفا شبيها بالمسح ؛ زجرا عن إسراف الماء (2) ) . ولايخفى سخافة هذا أيضا ؛ لأنّ المعطوف في حكم المعطوف عليه ، وحكم المعطوف عليه هو المسح ، فلابدّ أن تكون هي أيضا ممسوحة ، ومن أين فهم الفسل !والخفّة ؟ على أنّه يلزم حينئذٍ استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز كليهما ، وذلك غير جائز عنده ؛ بدليل أنّه منع حمل اغسلوا في الآية على الوجوب والندب جميعا ، وقال :

.


1- .. الانتصار ، ص 110 ، تعيين مسح الرجلين في الوضوء . وبعده في نسخة «ب» : «وأمّا حمل المسح على مسح الخفّين ، ففساده واضح ؛ إذ لم يجر لهما ذكر ولا دلّت عليهما قرينة ، ولبسهما في الحجاز كان نادرا ، على أنّه يردّ قولهم بذلك أخبار متعدّدة من طرقهم تأتي في باب مسح الخفّ» ، وهذه الفقرات مذكورة في نسخة «أ» أيضا ، لكنّه شطب عليها .
2- .. الكشّاف ، ج 1 ، ص 597 .

ص: 269

«إنّ تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب التعمية والإلغاز» (1) ) . وهو غير مجوّز لا سيّما في كلامه سبحانه . وهناك فائدة لابدّ من التنبيه عليها ، فنقول : الوضوء إنّما وجب بأصل الشرع للصلاة والطواف الواجبَين ، ويدلّ عليه وجوبه لهما أخبار متكثّرة تجيء في مواضعه ، ويستحبّ فيما عداهما في مواضع متعدّدة ، قال صاحب المدارك : والذي يجتمع من الأخبار وكلام الأصحاب أنّه يستحبّ للصلاة والطواف المندوبين ، ومسّ كتاب اللّه وقراءته وحمله ، ودخول المساجد ، واستدامة الطهارة ، وهو المراد بالكون عليها ، وللتأهّب لصلاة الفريضة قبل دخول وقتها ليوقعها في أوّل الوقت ، وللتجديد ، وصلاة الجنازة ، وطلب الحوائج ، وزيارة قبور المؤمنين ، وما لايشترط فيه الطهارة من مناسك الحجّ ، وللنوم ، ويتأكّد في الجُنُب وجماع المحتلم قبل الغُسل ، وذكر الحائض ، وجماع المرأة الحامل مخافة مجيء الولد أعمى القلب بخيل اليد بدونه ، وجماع غاسل الميّت ولمّا يغتسل إذا كان الغاسل جنبا ، ولمريد إدخال الميّت قبره ، ووضوء الميّت مضافا إلى غُسله على قول ، ولإرادة وطي جارية بعد وطي اُخرى ، وبالمذي في قول قويّ ، والرعاف ، والقيء ، والتخليل المخرج للدم إذا كرهها الطبع ، والخارج من الذَكَر بعد الاستبراء ، والزيادة على أبيات شعر باطل ، والقهقهة في الصلاة عمدا ، والتقبيل بشهوة ، ومسّ الفرج ، وبعد الاستنجاء بالماء للمتوضّي قبله ولو كان قد استجمر ، وقد ورد بجميع ذلك الخبر . ثمّ استشكل بأنّ في كثير منها قصورا من حيث السند وقال : وما قيل من أنّ أدلّة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها ، فمنظور فيه ؛ لأنّ الاستحباب حكم شرعي فيتوقّف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام الشرعيّة (2) ) . ونُقِل عن الشيخ بهاء الملّة والدين (3) ) أنّه قال في درايته :

.


1- .. الكشّاف ، ج 1 ، ص 596 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 12 _ 13 .
3- .. شيخ الإسلام والمسلمين علاّمة البشر ومجدّد دين الأئمّة عليهم السلام على رأس القرن الحاديعشر ، محمّد بن الحسين بن عبدالصمد الجبعي العاملي الحارثي ، من ولد الحارث بن عبداللّه الأعور من خواصّ أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ، إليه انتهت رئاسة المذهب والملّة ، وبه قامت قواطع البراهين والأدلّة ، ولد ببعلبك عند غروب الشمس يوم الأربعاء لثلاث عشر بقين من ذي الحجّة سنة 953 ، وانتقل به أبوه إلى بلاد العجم ، وأخذ عن والده وغيره من الجهابذة ، فلمّا اشتدّ كاهلاً صفت له من العلم مناهله ولي بها شيخة الإسلام ، ثمّ رغب في الفقر والسياحة ، فترك المناصب ومال لما هو لحاله مناسب ، فحجّ بيت اللّه الحرام وزار النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، ثمّ أخذ في السياحة فساح ثلاثين سنة ، ثمّ عاد وقطن بأرض العجم ، فألّف وصنّف ، من تصنيفاته : الأربعين ، تشريح الأفلاك ، الجامع العبّاسي ، حبل المتين ، خلاصة الحساب ، الزبدة ، الصمديّة ، العروة الوثقى ، الكشكول ، المخلاة ، مشرق الشمسين ، الوجيزة في الدراية ، وغيرها من المصنّفات الكثيرة ، توفّي الشيخ البهائي في شهر شوّال سنة 1031 في إصفهان ، وانتقل جسده الشريف إلى المشهد الرضوي ودفن بها قريبا من الحضرة الرضويّة عليه السلام . راجع : خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 218 وما بعده ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 100 _ 102 .

ص: 270

العامّة مضطربون في التفصّي عن ذلك ، وأمّا نحن معاشر الخاصّة فالعمل عندنا ليس بها في الحقيقة ، بل لحديث من سمع شيئا من الثواب ، وهو ممّا تفرّدنا بروايته» (1) ) . وقريب منه ما ذكره المحقّق الدواني 2 ) في اُنموذجه : من أنّ الاستدلال في المستحبّات بالأخبار الضعيفة إنّما يكون بضميمة العمومات الواردة في استحباب الأخذ بالأحوط ، وفائدة تلك الأخبار إنّما هي نفي الحرمة والكرامة في الحكم المستفاد منها ، وإذا انتفتا فالحكم إمّا واجب أو مندوب ، فيكون في

.


1- .. الوجيرة في الدراية ، ص 5 ، الفصل الثاني ؛ رسائل في دراية الحديث، ص 541 _ 542 .

ص: 271

فعله رجاء الثواب ، فالاحتياط في الدين تعيّن فعله . وأقول : ما حقّقه هذا المحقّق كلام دقيق ، وبالقبول حقيق ، إلّا أنّ فيه أدنى قصور ؛ فإنّ الحرمة والكراهة قد انتفتا بالأصل السالم عن المعارض ولو لم ترد تلك الأخبار ، على أنّه بعد انتفائهما لاينحصر الحكم في الواجب والمندوب بل تبقى الإباحة أيضا ، فالأحسن أن يقال : فائدة تلك الأخبار رجحان الوجوب والاستحباب على الإباحة الأصليّة ، ويصير ذلك سببا لقوّة رجاء الثواب ، ثمّ بضميمة العمومات المذكورة يصير العمل بها مستحبّا . ويجري مثل هذا القول في العمل بالأخبار الضعيفة الواردة في الكراهة ، وهذا هو السرّ في حمل الفقهاء _ رضوان اللّه عليهم _ الأخبار الضعيفة الواردة الظاهرة في وجوب حكم أو حرمته ، على الاستحباب أو الكراهة ، فتأمّل؟ . قوله في حسنة زرارة : فدعا بقعب) إلخ . [ ح 4/3924 ] القَعب: قدح صغير من خشب . (1) ) وحَسَرتُ [ كمّي ] عن ذراعي أحسره حَسرا : كَشَفتُ. (2) ) وسَدَلَه (3) ) وأَسدَلَه : أرخاه . وقال _ طاب ثراه _ : «في قوله : «فوضعها على جبينه» دلالة على أنّه لاينبغي ضرب الماء على الوجه ، ويدلّ صريحا قوله صلى الله عليه و آله في الباب الآتي : «لاتضربوا الماء بوجوهكم إذا توضّأتُم» . ثمّ أقول : وقد روى الشيخ مرسلاً عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «إذا توضّأ الرجل فليصفق وجهه بالماء ؛ فإنّه إن كان ناعسا فزع واستيقظ ، وإن كان البرد فزع ولم يجد البرد» (4) ) .

.


1- .. الموجود في كتب اللغة : «قدح من خشب معقّر» ولم أجد تقييده بالصغير . اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 204 قعب) . نعم ورد في النهاية ، ج 1 ، ص 683 : «وقيل : هو قدح إلى الصغر» .
2- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 629 حسر) .
3- .. اُنظر : صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1778 سدل) .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 357 ، ح 1071 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 68 ، ح 207 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ف ص 434 ، ح 1138 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 51 ، ح 106.

ص: 272

وعلى المشهور جمع بينهما بحمل هذا على الإباحة ، والأوّل على الاستحباب ، ولايبعد القول بالاستحباب في صورة النعاس والبرد كما هو مدلول المرسلة ، والكراهية في غيرهما . وفي قوله : «بسم اللّه » دلالة على استحباب التسمية للوضوء . ومثله ما رواه الشيخ في الصحيح عن داوود العجلي مولى أبيالمعزا ، عن أبيبصير ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «يا بامحمّد ، مَن توضّأ فذكر اسم اللّه تعالى ، طهر جميع جسده ، ومَن لم يسمّ لم يطهر من جسده إلّا ما أصابه الماء» (1) ) . وعن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إنّ رجلاً توضّأ و صلّى فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أعد صلاتك ووضوءك ، ففعل وتوضّأوصلّى ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل وتوضّأ وصلّى . فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : أعد وضوءك وصلاتك ، فأتى أميرالمؤمنين عليه السلام ، فشكا ذلك إليه ، فقال : هل سمّيت حيث توضّأتَ ؟ قال : لا ، قال : فسَمِّ على وضوئك ، فسمّى وتوضّأ وصلّى وأتى النبيّ صلى الله عليه و آله ، فلم يأمره أن يعيد» (2) ) . وفي الموثّق عن عيص بن القاسم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكأنّما اغتسل» (3) ) . وعن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا سمّيت في الوضوء طهر جسدك كلّه ، وإذا لم تسمّ لم يطهر من جسدك إلّا ما مرّ عليه الماء» (4) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 _ 359 ، ح 1076 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 68 ، ح 205 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 424 ، ح 1108 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 51 ، ح 106 مع زيادة .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1075 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 68 ، ح 206 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 424 ، ح 1109 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1073 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 203 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 424 ، ح 1106 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1074 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 204 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ف ص 424 ، ح 1108 .

ص: 273

والاستحباب يتأدّى بقول بسم اللّه ، ولكنّ الأفضل ما ورد في خبر زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا وضعتَ يدك في الماء فقل : بسم اللّه وباللّه ، اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين» (1) ) . وأفضل منه ما رواه الصدوق ، قال : «كان أميرالمؤمنين عليه السلام إذا توضّأ قال : بسم اللّه وباللّه وخير الأسماء وأكبر الأسماء ، وقاهرٌ لمَن في السماوات ، وقاهرٌ لمَن في الأرض اللّه (2) ) ، والحمد للّه الذي جعل من الماء كلّ شيء حيّ وأحيا قلبي بالإيمان ، اللهمّ تُب عَلَيّ وطهِّرني ، واقض لي بالحُسنى ، وأرِني كلّ الذي أحبّ ، وافتح لي الخيرات من عندك ، يا سميع الدعاء» (3) ) . وقوله : «مرّة واحدة» يحتمل تعلّقه بقوله : «ثمّ عرف» ، وبقوله : «ثمّ أمرّ يده على وجهه» . ويدلّ قوله : «إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر» على أنّ الأفضل هو الاكتفاء بالمرّة. وإن جعل «قد» في قوله : «فقد يجزيك» للتحقيق كمايقتضيه السياق ، والتفريع يكون فيه مبالغة فى الاكتفاء بالمرّة ، وإن جعل للتقليل على ما هو الشائع فيه كان فيه تجويز للزيادة على الوتر ، ولكن كمّيّتها مستفادة من خبر آخر أو من الإجماع على عدم التجاوز عن مرّتين . [قوله] فيحسنة زرارة وبكير وقد رواها الشيخ في الصحيح : فدعا بطشت أو تَور) (4) ) . [ ح 5/3925 ] الطَست _ بفتح الطاء وكسرها ، مع التاء وبدونها في الوجهين ، ويقال أيضا :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 ، ح 192 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 423 ، ح 1105 .
2- .. لفظة الجلالة لم ترد في المصدر ، نعم موجودة في وسائل الشيعة.
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 43 _ 44 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 425 - 426 ، ح 1110.
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 ، ح 191 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 388 ، ح 1022 .

ص: 274

الطسّة بالهاء وتشديد السين ، والأوّل أشهر الخمس ، وقد جاء الطشت بالسين المعجمة . والتَور : إناء يشرب فيه . قال _ طاب ثراه _ : قوله : «ولا يدخل أصابعه تحت الشراك ، يدلّ على أنّه لايجب اتّصال الماسح بكلّ الممسوح ، ولا إيصال الرطوبة من المبدأ إلى المنتهى كما زعمه بعض المتأخّرين». انتهى . وقوله عليه السلام : «يعني المفصل دون عظم الساق» ظاهره أنّ الكعب هو المفصل بين الساق والقدم ، وقال _ طاب ثراه _ : واختلفت الاُمّة في تفسير الكعب ، فقال أكثر العامّة : هما العظمان النابتان عن جنبي الساق ، وقال بعضهم : إنّهما النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك ، وهو ظاهر أكثر أصحابنا ، وذهب العلّامة إلى أنّهما المفصل بين الساق والقدم ، وقال : هذا مذهب أصحابنا ، ومن فهم غير هذا من كلامهم فهو ليس بمحصّل ، واستدلّ عليه بقول بهذا القول ، وبفعل الباقر عليه السلام في حكاية وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومسح مقدّم رأسه وظهر قدميه ، وذلك لأنّه يفيد وجوب المسح بجميع ظَهر القَدَم . أقول : يعني أنّ المستفاد منه وجوب استيعاب ظَهر القدم طولاً وعرضا ، واستيعاب العرض خرج بنصّ آخر من قوله عليه السلام : «فإذا مسح بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه» ، والدليل على ذلك أنّه لم يقل بوجوب استيعاب العرض هو ولا أحد من الأصحاب . ثمّ قال _ طاب ثراه _ : وقال شيخنا بهاء الملّة والدين (1) ) بعد ما حكى قول العلّامة : شنّع عليه المتأخّرون من أصحابنا منهم الشهيد الأوّل قدس سره ، وحاصل تشنيعه عليه في الذكرى (2) ) أنّ العلّامة قدس سره متفرّد

.


1- .. الحبل المتين ، ص 20 _ 22 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 150 .

ص: 275

فيما ذهب إليه لم يقل به أحد من الخاصّة والعامّة ، ومع ذلك مخالف لبعض الروايات ، مثل ما روى ميسّر عن الباقر عليه السلام أنّه وصف الكعب في ظهر القَدم ، وما رواه أيضا عنه عليه السلام أنّه وضع يده على ظهر القدم وقال : «هذا هو الكعب» . ومنهم الشيخ عليّ قدس سره ، قال في شرح القواعد : ما ذكره المصنّف من تفسير الكعبين خلاف ما أجمع عليه أصحابنا ، وهو من متفرّداته ، مع أنّه قدس سرهادّعى أنّه المراد من عبارات الأصحاب ، وأنّ من فهم غير هذا فهو ليس بمحصّل ، وهو عجيب ؛ فإنّ عبارات الأصحاب صريحة في غيرمراده ناطقة بأنّهما الناتيان في ظهر القدم أمام الساق (1) ) . ومنهم عميد الرؤساء (2) ) ، قال في كتاب الكعب : «القول بأنّ نفس المفصل هو الكعب ، لم يوافق مقالة أحد من الخاصّة والعامّة ، ولا كلام أهل اللغة ، ولم يساعد عليه الاشتقاق الذي ذكروه ؛ فإنّهم قالوا : اشتقاقه من كعب إذا ارتفع ، ولا ارتفاع للمفصل» . ومنهم الشهيد الثاني ، قال في شرح الإرشاد بعد ما نقل روايتين تدلاّن على أنّ الكعب في ظهر القدم : «لاريب أنّ الكعب الذي يدّعيه المصنّف ليس في ظهر القدم ، وإنّما هو المفصل بين الساق والقدم ، والمفصل بين الشيئين يمتنع كونه في أحدهما» (3) ) . وجميع هذه التشنيعات تدور على اُمور خمسة (4) ) : الأوّل : أنّ قوله خرق لما أجمع عليه الاُمّة وإحداث قول ثالث لم يقل به أحد ، فكيف يدّعي أنّه قول أصحابنا . الثاني : أنّه مخالف لكلام أهل اللغة ؛ إذ لم يقل أحد منهم أنّ المفصل كَعب . الثالث : أنّه مخالف للاشتقاق .

.


1- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 220 .
2- .. رضيّ الدين أبومنصور عميدالرؤساء هبة اللّه بن حامد بن أحمد بن أيّوب الحلّي ، أديب ، نحوي ، لغوي ، صاحب كتاب الكعب ، والمنقول قوله في بحث الوضوء ، والمعوّل عليه عند تحقيق المسألة ، كان من تلامذة ابن الخشّاب النحوي المعروف وابن العصّار اللغوي ، وكان الوزير ابن العلقمي المشهور من تلامذة عميدالرؤساء هذا ، يروي عنه والد ابن معيّة كتاب الصحيفة الكاملة ، كما يرويها عن ابن السكون ، وهو مشهور بين الخاصّة والعامّة ، وأقواله مذكورة في كتب كلتا الطائفتين ، مات في سنة 609 أو 610 . راجع : رياض العلماء ، ج 5 ، ص 307 _ 310 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 486 ؛ الذريعة ، ج 18 ، ص 85 ، الرقم 797 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 13 ، ص 136 .
3- .. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 109 .
4- .. في الحبل المتين : «اُمور سبعة» ، فذكر إشكالين آخرين أيضا مضافا على الخمسة المذكورة هنا وأجاب عنهما .

ص: 276

الرابع : أنّه مخالف لما ورد به النصوص عن أئمّتنا عليهم السلام . الخامس : أنّه زعم موافقة عبارات الأصحاب لما قاله ، مع أنّها ناطقة بأنّهما العظمان الناتئان في ظَهر القدم . ويرجّح قول العلّامة أنّ الرواية المذكورة صريحة في مطلوبه ، ولايرد عليه شيء من الاُمور المذكورة ، أمّا مخالفة أهل اللغة ؛ فلأنّهم صرّحوا بأنّ المفاصل والتي بين أنابيب القصب تسمّى كعابا ، قال في الصحاح : «كعوب الرمح : النواشز في أطراف الأنابيب» (1) ) . وفي المغرب : «الكعب : العقدة بين الاُنبوبتين في القصب» (2) ) . وقال أبوعبيدة (3) ) : «الكعب هو في أصل القدم ينتهي إليه الساق بمنزلة كعاب القناة» (4) ) . ونقل الفخر الرازي (5) ) في تفسيره الكبير : «أنّ المفصل يسمّى كعبا» (6) ) .

.


1- .. صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 213 كعب) .
2- .. المُغرِب ، ص 224 كعب).
3- .. أبوعبيدة معمر بن المثنّى البصري ، أديب ، لغوي ، نحوي ، أخذ عنه أبوعبيد وأبوحاتم والمازني ، وهو أوّل من صنّف غريب الحديث ، كان متبحّرا في علم اللغة وأيّام العرب وأخبارها ، من تأليفاته : معاني القرآن ، مقاتل الفرسان ، أخبار قضاة البصرة ، مات سنة 209 أو 211 . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 118 _ 120 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 309 _ 310 .
4- .. وعنه الشيخ البهائي في مشرق الشمسين ، ص 284 .
5- .أبوعبداللّه محمّد بن عمر بن حسين بن عليّ الرازي ، الأشعري الاُصول الشافعي الفروع ، المعروف بالإمام فخر الدين ، والملقّب بابن الخطيب ، أصله من طبرستان ، ولد في مدينة الريّ عام 542 أو 544 ، كان مبدأ اشتغاله على والده ، وتلمّذ عند أبي محمّد البغوي ، واتّصل بخوارزم شاه بخراسان واستوطن هراة ، وكان له في الوعظ بلسانَي العربيّة والفارسيّة مرتبة عالية ، وكان حادّ الذهن ، قويّ النظر ، عارفا بالأدب ، له شعر بالفارسي والعربي ، وله تأليفات منها : التفسير الكبير المسمّى بمفاتيح الغيب الذي أكمله نجم الدين القمولي وشهاب الدين الخوبي ، وأساس التقديس ، ولباب الإشارات ، والمحصّل ، والمحصول ، ونهاية العقول وغيرها . وكان يعاب بإيراد الشبهة الشديدة التي يقصّر في حلّها ، حتّى قيل في حقّه : «يورد الشبهة نقدا ويحلّها نسيئة» ، كان أكثر مقامه بالريّ ، وتوفّي في مدينة هراة سنة 606 ودفن بها . راجع : التكملة للمنذري ، ج 2 ، ص 1121 ؛ وفيّات الأعيان ، ج 4 ، ص 248 _ 252 ، الرقم 600 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 4 ، ص 248 _ 259 ، الرقم 1787 ؛ التدوين ، ج 1 ، ص 457 ؛ مجمع الآداب الفخر) : 2403 ؛ تاريخ الإسلام ، وفيّات سنة 606 ، ص 204 ، الرقم 311 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 21 ، ص 500 ، الرقم 261 ؛ طبقات الشافعيّة للسبكي ، ج 8 ، ص 81 _ 96 ، الرقم 1089 ؛ الكنى والألقاب ، حرف الفاء ، ص 9 _ 12 .
6- .. تفسير الرازي ، ج 11 ، ص 162 .

ص: 277

وفي القاموس : «الكعب : كلّ مفصل للعظام ، والعظم الناشز فوق القدم» (1) ) . فظهر أنّ العلّامة لم يأت ببدعة في تسمية المفصل كعبا ، والمستفاد من كلام أهل (2) ) التشريح كجالينوس والشيخ (3) ) وشرّاح القانون كالقرشي وغيره ؛ أنّ الكعب عظم في ظهر القدم متوسّط بين الساق والعقب ، وعليه يتّصل الساق بالقدم ، فصار ما يطلق عليه اسم الكعب أربعة : قبّة القدم أمام الساق . والعظمان الناتئان عن يمين القدم وشِماله ، ونفس المفصل ، والعظم الناتي في القدم طرفاه في حفرتي عظم الساق ، وكثيرا ما يعبّر عنه بالمفصل ؛ لوقوعه فيه ، وهذا الأخير هو الكعب عند العلّامة . وأمّا خرق الإجماع ، فقد نقل إجماع علمائنا على ما ذهب إليه ، ويؤيّده أنّ كتب العامّة وتفاسيرهم مشحونة بأنّ الكعب عند القائلين بالمسح هو العظم الذيفي المفصل . قال الفخر الرازي : الكعب عند الإماميّة عبارة عن عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر موضوع تحت الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم ، وهو قول محمّد بن الحسن (4) ) ، وكان الأصمعي (5) ) يختار هذا القول . ثمّ قال : حجّة الإماميّة أنّ اسم الكعب يطلق على العظم المخصوص الموجود في أرجل الحيوانات ، فوجب أن يكون في حقّ الإنسان كذلك ، والمفصل يسمّى كعبا ، ومنه كعاب الرمح لمفاصله (6) ) .

.


1- .. تقدّمت ترجمته .
2- .. تفسير الرازي ، ج 11 ، ص 162 .
3- .. القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 124 كعب) .
4- .. «أ» : - «أهل» .
5- .. في هامش «أ» بخطّ الأصل : «يعني أبا عليّ بن سينا . منه».
6- .. عبدالملك بن قُرَيب بن عبدالملك بن عليّ بن أصمع الباهلي المعروف بالأصمعي ، أديب ، لغوي ، نحوي ، أخباري ، محدّث ، فقيه ، اُصولي ، من أهل البصرة ، سلك البراري والبوادي وصحب الأعراب وأخذ الأدب من معدنه ، قدم بغداد في أيّام هارون الرشيد ، وتوفّي بالبصرة سنة 216 هق . راجع : الأنساب للسمعاني : ج 1 ص 177 _ 178 ؛ الفهرست لابن النديم ، ص 60 _ 61 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 10 ، ص 175 _ 181 ، الرقم 32 ؛ لسان الميزان ، ج 7 ، ص 504 ، الرقم 7514 ؛ الكنى والألقاب، ج 2 ص 37 _ 40؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 162 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ، ص 187 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 1 ، ص 456 .

ص: 278

ومثله وقع في تفسير النيشابوري (1) ) ، والكشف (2) ) . ومنه يظهر اندفاع الإيراد الخامس ؛ لأنّه فهم من ظاهر كلام أصحابنا أنّ الكعب هو المفصل عندهم ، وأنّهم أرادوا بالعظمين الناتئين في ظهر القدم العظمين اللذين في المفصل وإن كانا خفيّين كما فهمه هؤلاء المخالفون حتّى اعترضوا على أصحابنا بأنّ العظم الناتئ في المفصل شيء خفيّ لايعرفه إلّا أهل التشريح ، فلاينبغي أن يكون هو مناط التكليف ، بخلاف الناتئين من طرفي الساق . وأمّا مخالفة الاشتقاق ، فإنّك قد عرفت ممّا مرّ أنّ في العظم المستدير الموضوع في المفصل نُتُوّا أيضا ، وعدم إحساسه بالبصر لايقتضي نفيه . وأمّا مخالفة النصوص ، فقد عرفت أنّ ذلك العظم في ظَهر القدم . وممّا ذكر ظهر أنّ الاحتياط يقتضي العمل بما ذكره العلّامة رحمه الله انتهى . واحتجّ العامّة أيضا على ما ذهبوا إليه بهذه الآية ؛ زعمامنهم أنّ المعنى : «وأرجلكم» كلّ رجل إلى الكعبين ، وقالوا : لوكان المراد جميع كعاب الأرجل لقال : إلى الكعاب كالمرافق ، وبما رواه النعمان بن بشير أنّه قال : «لتستونّ صفوفكم ولتخافنّ اللّه بين قلوبكم ، فلقد رأيت الرجل منّا يُلصق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه» (3) ) ، فإنّه يدلّ على أنّ الكعب في جانب القدم . وبرواية أنس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في سوق ذي المجاز (4) ) عليه جبّة حمراء وهو

.


1- .. النيسابوري هو نظام الدين الأعرج الحسن بن محمّد بن حسين القمّي النيسابوري ، أصله وموطن أهله وعشيرته مدينة قمّ ، وكان منشؤه وموطنه بديار نيسابور ، وأمره في الفضل والأدب والتبحّر والتحقيق وجودة القريحة أشهر من أن يذكر ، له من الكتب : رسالة في علم الحساب ، شرح الشافية المعروف بشرح النظّام ، شرح التذكرة النصيريّة ، غرائب القرآن ورغائب الفرقان المعروف بتفسير النيسابوري ، كتاب في أوقاف القرآن المجيد ، وغير ذلك . وكان النيسابوري من علماء رأس المائة التاسعة . الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 256 .
2- .. الكشف والبيان للثعلبي ، ج 1 ، ص 29 _ 30 .
3- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 77 باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمام ؛ المسند لأحمد ، ج 4 ، ص 276 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 82 _ 83 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 549 ؛ السنن للدارقطني ، ج 1 ، ص 287 ، ح 1082 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 76 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 141 ؛ التمهيد ، ج 24 ، ص 257 .
4- .. ذوالمجاز : موضع بعرفة على ناحية كبكب عن يمين الإمام على فرسخ من عرفة ، كانت تقوم في الجاهليّة ف ثمانية أيّام ، وقال الأصمعي : ذوالمجاز ماء من أصل كبكب وهو لهذيل وهو خلف عرفة . معجم البلدان ، ج 5 ، ص 55 ، باب الميم والجيم .

ص: 279

يقول : «يا أيّها الناس ، قولوا لا إله إلّا اللّه تفلحوا (1) ) . ورجل يتبعه يرميه بالحجارة حتّى أدمى عرقوبيه وكعبيه ، فقيل : مَن هو ؟ فقال : عمّه أبولهب» (2) ) . واُجيب عنه بأنّ التثنية في الآية يمكن أن يكون باعتبار رِجلَي كلّ متطهّر ، والخبران على تقدير صحّتهما إنّما يدلاّن على أنّ الكعب قد جاء بهذا المعنى لا على حصر معناه فيه ، فيمكن أن يكون مشتركا بينه وبين ما هو المراد هنا ، بل هو كذلك كما عرفت . وقوله عليه السلام : والثنتان تأتيان على ذلك كلّه) . [ ح 5/3925 ] يفيد استحباب تثنية الغرفة في كلّ من الغسلات كما هو المشهور بين المتأخّرين ، وبذلك جمعوا بين أخبار المرّة والتكرار كما ستعرف . قوله في خبر يونس بن عمّار : مرّة مرّة) . [ ح 6/3926 ] ظاهره عدم جواز تثنية) (3) ) الغسلات . قال العلّامة رحمه الله في المنتهى : الفرض في غسل أعضاء الوضوء مرّة مرّة ، وهو مذهب علماء الأمصار إلّا ما نقل عن الأوزاعي (4) ) وسعيد بن عبدالعزيز (5) ) ؛ فإنّهما قالا ثلاثا إلّا غَسل الرجلين (6) ) ، والثانية سنّة

.


1- .. تقدّمت ترجمته .
2- .. ما أثبتناه هو الصحيح ، وفي الأصل : «تصلحوا».
3- .. المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 8 ، ص 442 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 2 ، ص 82 ، المستدرك للحاكم ، ج 2 ، ص 612 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 76 ؛ وج 6 ، ص 21 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 14 ، ص 518 . كلّهم من طريق طارق بن عبداللّه المحاربي .
4- .. ما بين القوسين من نسخة «أ» و«د» .
5- .. سعيد بن عبدالعزيز التنّوخي أبومحمّد الدمشقي ، فقيه أهل الشام بعد الأوزاعي ، روى عن ربيعة بن يزيد وأبيالزبير المكّي والزهري وزيد بن أسلم ومكحول وغيرهم ، وروى عنه الثوري وشعبة عبدالرزّاق وابن المبارك وابن مهديّ ووكيع وغيرهم ، مات سنة 167 ه ق ، وقيل غيرها . الأنساب للسمعاني ، ج 1 ، ص 486 «التنّوخي» ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 15 ، ص 149 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 97 .
6- .. المغني ، ج 1 ، ص 129 ، الموالاة في الوضوء والتثليث ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 145 .

ص: 280

في قول أكثر أهل العلم خلافا لمالك ؛ فإنّه لم يستحبّ مازاد على الفرض (1) ) ، ولابن بابويه ؛ فإنّه قال : «من توضّأ اثنتين لم يوجر» (2) ) . أمّا الثالث ، فقال الشيخ : «إنّها بدعة» (3) ) ، وكذا قال ابن بابويه (4) ) . وقال المفيد : «الثالثة كلفة» (5) ) ، ولم يصرّح بلفظ البدعة . وقال الشافعي وأبوحنيفة وأحمد : «الثالثة سُنّة» . فإذن اتّفق علماؤنا على أنّ الثالثة ليست مستحبّة (6) ) . وأقول : عبارة المفيد في المقنعة ظاهرة في أنّ الثالثة ليست بدعة ؛ حيث قال :«وغَسل الوجه والذراعين في الوضوء مرّة مرّة فريضة ، وتثنيته إسباغ وفضيلة ، وتثليثه تكلّف ، ومن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا» (7) ) . ويدلّ على كون الثلاث بدعة بعض ما سيأتي من الأخبار . [ ويدلّ ] على عدم وجوب الزيادة على المرّة ما رواه المصنّف قدس سرهفيالباب . وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر ، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ، وبما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليُمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظَهر قدمك اليسرى» (8) ) . وعن يونس بن عمّار ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الوضوء للصلاة ؟ فقال : «ما كان وضوء عليّ عليه السلام إلّا مرّة مرّة» ( 9 ) .

.


1- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 2 ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 2 ، ص 77 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 47 ؛ الهداية ، ص 80 ؛ المقنع ، ص 11 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 87 ، المسألة 38 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 23 ، كيفيّة الوضوء وأحكامه .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 47 ، ذيل ح 92 ؛ المقنع ، ص 11 ؛ الهداية ، ص 80 .
5- .. المقنعة ، ص 48 _ 49 ، كتاب الطهارة ، الباب الرابع .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 117 _ 118 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 360 ، ح 1083 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1142 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 80 ، ح 207 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 437 ، ح 1147 .

ص: 281

وفي الصحيح عن أبيعبيدة الحذّاء ، قال : وضّأت أباجعفر عليه السلام بجمع وقد بال ، فناولته ماء فاستنجى ، ثمّ أخذ كفّا فغسل به وجهه ، وكفّا غسل به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل به ذراعه الأيسر ، ثمّ مسح بفضل الندى رأسه ورجليه» ( (1) ) . وقال الصدوق : وقال الصادق عليه السلام : «واللّه ما كان وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا مرّة مرّة» ( (2) ) . (فَقال : [ «وتوضّأ النبيّ مرّة مرّة وقال : ] (3) ) هذا وضوء لم يقبل اللّه الصلاة إلّا به» ( (4) ) . وما رواه البخاريعن ابن عبّاس ، قال : توضّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّة مرّة ( (5) ) )( (6) ) . وتمسّك العلّامة رحمه الله ( (7) ) في استحباب التثنية بحسنة زرارة وبكير ابني أعين ، وقد رواها الشيخ في الصحيح ( (8) ) . وصحيحة معاوية بن وهب ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الوضوء ؟ فقال : «مثنى مثنى» ( (9) ) . وصحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الوضوء مثنى مثنى» ( (10) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 79 ، ح 204 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 58 ، ح 172 ؛ وص 69 ، ح 209 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 389 _ 390 ، ح 1023 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 38 ، ح 76 ؛ ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 70 ، ح 212 إلى قوله : «مرّة مرّة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 438 ، ح 1150 .
3- .. ما بين المعقوفتين من الفقيه .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 38 ، ح 76 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 438 ، ح 1151 .
5- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 47 _ 48 . ورواه أحمد في مسنده ، ص 219 و233 و332 ، وج 2 ، ص 39 ؛ والدارمي في سننه ، ج 1 ، ص 177 و180 ؛ والترمذي في سننه ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، الباب 32 من أبواب الطهارة ، ح 42 .
6- .. ما بين القوسين ليس في «ب» .
7- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 119 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 81 ، ح 211 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 216 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 389 ، ح 1023 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 80 ، ح 208 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 70 ، ح 213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 441 ، ح 1168 .
10- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 80 ، ح 209 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 70 ، ح 214 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 442 ، ح 1169 .

ص: 282

وإنّما قالوا باستحباب ذلك مع ظهور هذه الأخبار في الوجوب ؛ للجمع بينها وبين الأخبار الأوّلة . ولمّا كان هذا الجمع بعيدا ؛ لأنّه قد تركها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأميرالمؤمنين عليه السلام أبدا كما يدلّ عليه بعض ما رويناه ، وما رواه المصنّف في الموثّق عن عبدالكريم ( (1) ) ، وكان ترك المستحبّ أبدا منهما بعيدا ، فحمل المصنّف هذه الأخبار على الجواز لمن يقنعه مرّة مرّة . (ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحدة لضعف الناس» فيما رواه الشيخ أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي رحمه الله عن حمدويه وإبراهيم ، بإسنادهما عن داوود الرقّي ، قال : دخلت على أبيعبداللّه عليه السلام فقلت : جُعِلتُ فداك ، كم عدّة الطهارة ؟ فقال : «أمّا ما أوجبه اللّه تعالى فواحدة ، فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحدة ؛ لضعف الناس ، ومن توضّأ ثلاثا فلا صلاة له» . وأنا معه في ذا حتّى جاء داوود بن زربي فأخذ زاوية من البيت فسأله عمّا سألت في عدّة الطهارة ، فقال له : «ثلاثا ثلاثا ، من نقص عنه فلا صلاة له» ، قال : فارتعدت فرائصي وكاد أن يدخلني الشيطان ، فأبصر أبوعبداللّه عليه السلام إلَيّ وقد تغيّر لوني ، فقال : «اسكن يا داوود ، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق» . قال : فخرجنا من عنده وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبيجعفر المنصور ، وكان قد اُلقي إلى أبيجعفر أَمْرُ داوود بن زربي وأنّه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمّد ، فقال أبوجعفر : إنّي مطلع إلى طهارته ، فإن هو توضّا وضوء جعفر بن محمّد فإنّي لأعرف طهارته حقّقت عليه القول وقتلته . فأطلع وداوود يتهيّأ للصلاة من حيث لايراه ، فأسبغ داوود بن زربيالوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبوعبداللّه عليه السلام ، فما تمّ وضوؤه حتّى بعث إليه أبوجعفر فدعاه .

.


1- .. وهو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .

ص: 283

قال : فقال داوود : فلمّا دخلت عليه رحّب بي وقال : يا داوود ، قيل فيك شيء باطل ، وما أنت كذلك ، قد أطلعت على طهارتك وليست طهارتك طهارة الرافضيّة ، فاجعلني في حلّ . وأمر له بمائة ألف درهم . قال : فقال داوود الرقّي : التقيت أنا وداوود بن زربي عند أبيعبداللّه عليه السلام ، فقال له داوود بن زربي : جعلني اللّه فداك ، حقنت دماءنا فيدار الدنيا ، ونرجو أن ندخل بيمنك وبركتك الجنّة . فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «فعل اللّه ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين » . فقال أبوعبداللّه عليه السلام لداوود بن زربي : «حدّث داوود الرقّي بما مرّ عليك حتّى تسكن روعته» . قال : فحدّثه بالأمر كلّه . قال : فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «لهذا أفتيته ؛ لأنّه كان أشرف على القتل من يد هذا العدوّ» . ثمّ قال : «يا داوود بن زربي ، توضّأ مثنى ولاتزيدنّ عليه ، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك» ( (1) ) ) ( (2) ) . وحملها الصدوق على التجديد، وحمل ما روي _ من أنّ من زاد على ذلك لم يوجر _ على التجديد بعد التجديد ( (3) ) ، وأيّد هذا التأويل بما روى من «أنّ تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا واللّه وبلى واللّه » ( (4) ) . وروى في خبر آخر : «إنّ الوضوء على الوضوء نور على نور ، ومن جدّد وضوءه لغير حدث آخر جدّد اللّه _ عزّ وجلّ _ توبته من غير استغفار» ( (5) ) . والأظهر حملها على التقيّة ؛ لموافقتها لمذاهب العامّة ، ثمّ على غسلة بغرفتين كما

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 600 _ 601 ، الرقم 564 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 443 _ 444 ، ح 1172 .
2- .. ما بين القوسين _ أي من قوله : «ويدلّ عليه قوله عليه السلام » إلى هنا _ من «أ» و «د» .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 39 ، ذيل ح 80 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 39 ، ح 81 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 377 ، ح 996 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 39 ، ح 81 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 377 ، ح 997 .

ص: 284

هو المشهور ، ودلّت عليه حسنة زرارة وبكير ( (1) ) ، ثمّ على أنّ الوضوء غسلتان ومسحتان . واحتجّ أيضا على عدم استحباب الثانية بما رواه محمّد بن بشير ، عن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لايوجر عليه ، والثالثة بدعة» ( (2) ) . وأجاب عنه العلّامة ( (3) ) بأنّ محمّد بن بشير وإن وثّقه النجاشي ( (4) ) ، إلّا أنّ الشيخ قال : «إنّه غال ملعون» ( (5) ) ، على أنّه يحتمل أن يكون ذلك بالنسبة إلى من اعتقد وجوبها ؛ لما روي عن عبداللّه بن بكير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «من لم يستيقن أنّ واحدة [ من الوضوء ] تجزيه لم يوجر على الثنتين» ( (6) ) . والدليل على كون الثالثة بدعة _ زائدا على ما ذكر _ [ أنّها ] غير واردة في الشريعة ، فكان اعتقاد شرعيّتها إدخالاً لما ليس من الدين فيه ، وذلك هو معنى البدعة . وأمّا حسنة داوود بن زربي _ قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الوضوء ، فقال لي : «توضّأ ثلاثا ثلاثا» _ فمحمول على حال التقيّة ، ويدلّ عليه ما بعده : قال : قال لي : «أليس تشهد بغداد وعساكرهم ؟» قلت : بلى . قال : كنت يوما أتوضّأ في دار المهديّ ، فرآني بعضهم وأنا لا أعلم ، فقال : كذب من زعم أنّك فلاني وأنت تتوضّأ هذا الوضوء . فقلت : لهذا واللّه أمرني بهذا ( (7) ) .

.


1- .. في «ج» : «ويدلّ عليه آخر هذه الحسنة» .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 217 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 81 ، ح 212 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1143 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 120 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 344 ، الرقم 527 .
5- .. الفهرست ، ص 344 ، الرقم 5137 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 81 _ 82 ، ح 213 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 218 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1144 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 82 ، ح 214 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 219 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ف ص 443 ، ح 1171 .

ص: 285

واحتجوّا على استحباب الثلاث بما رواه [ ابن ]عمر ، قال : توضّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّة وقال : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» . ثمّ توضّأ مرّتين وقال : «هذا وضوء من ضاعف اللّه له الأجر» . ثمّ توضّأ بثلاثة وقال : «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ووضوء خليلي عليه السلام » ( (1) ) . وروى البخاري عن حمران مولى عثمان أنّه رأى عثمان بن عفّان دعا بإناء فأفرغ على كفّيه ثلاث مرار فغسلها به ، ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ، ثمّ غسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرّات ، ثمّ مسح برأسه ، ثمّ غسل الرجلين ثلاث مرّات إلى الكعبين ، ثمّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن توضّأنحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين لايحدّث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدّم من ذنبه» ( (2) ) . واُجيب عن الأوّل بأنّه مدني وقد ردّها مالك ، فلو كان أصيلاً لعرفه ، على أنّه يحتمل أن يكون ذلك من خصائصه كما يشعر به آخر الخبر . وأمّا الثاني ، فيرد عليه أيضا بعض ما ذكر على أنّه يردّهما بعض ما ذكرنا من الأخبار . قوله : (عن عليّ بن المغيرة ، عن ميسرة ، عن أبيجعفر عليه السلام ) . [ ح 7/3927 ] عليّ بن المغيرة هو الزبيدي ، وكان مجهول الحال ( (3) ) . وميسرة مشترك بين أربعة مجهولين : اثنان من أصحاب أبيعبداللّه عليه السلام ( (4) ) واثنان من

.


1- .. سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 145 ، ح 419 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 803 ، ح 257 ؛ سنن أبييعلى ، ج 1 ، ص 448 ، ح 5598 ؛ المستدرك للحاكم، ج 1 ، ص 150 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 80 .
2- .. صحيح البخاري ، ج1 ، ص 49 ؛ وج 2 ، ص 235 . ورواه مسلم في صحيحه ، ج1 ، ص 141 ؛ وأحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 59 ؛ والنسائي في سننه ، ج 1 ، ص 64 و80 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 48 .
3- .. رجال الطوسي ، ص 142 ، الرقم1530 في أصحاب الباقر عليه السلام ؛ وص 267 ، الرقم3831 في أصحاب الصادق عليه السلام .
4- .. ورد في رجال الطوسي ، ص 310 ، الرقم 4588 و4589 و4590 ثلاثة باسم ميسرة كلّهم من أصحاب الصادق عليه السلام ، وفي أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام رجل آخر باسم ميسرة في : ص 81 و83 ، الرقم 806 و833 .

ص: 286

أصحاب الهادي عليه السلام ( (1) ) ، ولم أر في كتب الرجال بهذا الاسم في أصحاب أبيجعفر عليه السلام ، والظاهر أنّ التاء فيه زائدة من سهو النسّاخ ، وأنّه ميسّر بفتح الميم وسكون الياء المنقّطة تحتها نقطتين ، أو بضمّ الميم وفتح الياء وكسر السين المشدّدة على الخلاف في تصحيحه ، وهو ميسّر بن عبدالعزيز النخعي المدائني بيّاع الزطّيّ من أصحاب الباقرين عليهماالسلام ، وقد حكى الكشّي رحمه الله عن عليّ بن الحسن توثيقه ، وروي في مدحه أخبار متعدّدة لاتنقص عن التوثيق ( (2) ) . وكذا الظاهر عليّ بن أبي المغيرة ، فإنّ الشيخ روى هذا الخبر بهذا السند عن عليّ بن أبيالمغيرة ، عن ميسّر ( (3) ) ، ووثّقه العلّامة في الخلاصة ( (4) ) ، وابن داوود ( (5) ) على ما حكى

.


1- .. لم أجد في أصحاب الإمام الهادي عليه السلام رجل بهذا الاسم .
2- .. في هامش النسخ ومتن «ب» مع التصريح في هامشه بأنّه يكتب في الهامش : منها ما رواه في الصحيح عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «رأيت كأنّي على رأس جبل والناس يصعدون عليه من كلّ جانب حتّى إذا كثروا تطاول بهم في السماء، وجعل الناس يتساقطون عنه من كلّ جانب حتّى لم يبق منهم إلّا عصابة يسيرة ، يفعل ذلك خمس مرّات ، وفي كلّ ذلك يتساقط الناس عنه ، وتبقى تلك العصابة عليه ، أما إنّ ميسر بن عبدالعزيز وعبداللّه بن عجلان في تلك العصابة» ، فما مكث بعد ذلك إلّا نحوا من سنتين حتّى هلك صلوات اللّه عليه . [ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 512 ، الرقم444 ] . وعن ميسّر ، قال : قال لي أبوعبداللّه عليه السلام : «رأيت كأنّي على جبل فجيء الناس فيركمونه ، فإذا كثروا تصاعد بهم الجبل فتنتشرون عنه ويسقطون ، لم يبق إلّا عصابة يسيرة أنت منهم وصاحبك الأحمر؛ يعني عبداللّه بن عجلان» . [ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 512 ، الرقم444 ] . وعنه ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : قال لي : «يا ميسّر ، إنّي لأظنّك وصولاً لقرابتك ؟» قلت : نعم ، جعلت فداك ، لقد كنت في السوق وأنا غلام واُجرتي درهمان ، وكنت اُعطي واحدا عمّتي ، وواحدا خالتي . فقال : «أما واللّه لقد حضر أجلك مرّتين في كلّ ذلك يؤخّر» . [ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 513 ، الرقم447 ] .
3- .. في هامش «أ» : «رواه في ذيل تحقيق الكعبين بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عليّ بن أبيالمغيرة ، عن ميسّر ، عن أبيجعفر عليه السلام . ورواه في ذيل غسل الوجه والذراعين مرّة مرّة أيضا ، إلّا أنّ ميسّر هنا في أكثر نسخه مع الهاء وفي بعضها بدونها . منه عفي عنه» . وانظر: تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 75 ، ح 189 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 69 ، ح 210 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 435 ، ح 1141 .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 106 ، الفصل 6 ، الباب 1 ، ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة .
5- .. رجال ابن داود ، ص 75 ، الرقم 436 ، ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة .

ص: 287

عنهما الفاضل الإسترآبادي ، فالخبر صحيح . قوله في صحيحة حمّاد بن عثمان : (يعني به التعدّي في الوضوء ) . [ ح8/3928 ] هو من كلام المصنّف أو بعض الرواة تفسيرا للحدث ، وقد مرّ معنى التعدّي في الوضوء . ويحتمل أن يعني به معناه المشهور ، فإنّ للمحدث حكما آخر أيضا وهو غسل اليدين قبل الاغتراف ، على ما سبق . وقيل : يحتمل أن يراد به الذنب مطلقا صغيرة كان أو كبيرة ، فالمراد بالموصول النبيّ وأهل بيته عليهم السلام . قوله : (عن عبدالكريم) . [ ح 9 / 3929 ] هوعبدالكريم بن عمرو الملقّب بكرّام ؛ بقرينة رواية البزنطي ، وهو واقفي إجماعا ( (1) ) ، موثّق عند النجاشي ( (2) ) ، وخبيث على قول الكشّي رحمه الله ( (3) ) ، وتوقّف بعض فيروايته ( (4) ) . وقوله : «هذا» دليل من المصنّف ، و«أنّه قال» بيان للذي جاء ، و«إن هو لم يقنعه» خبر إنّ في «إنّ الّذي جاء» ، والظاهر زيادة كلمة «إنّ» هنا من قلم النسّاخ ، فتأمّل .

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 830 ، الرقم 1049 ؛ رجال الطوسي ، ص 339 ، الرقم 5051 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 381 ، الباب 12 ، الرقم 5 ؛ رجال ابن داود ، ص 257 ، الرقم 310 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 448 ، الرقم 327 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 245 ، الرقم 645 .
3- .. لم أجده في رجال الكشّي ، نعم هذا التعبير موجود في رجال الطوسي ، ص 339 ، الرقم 5051 .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 381 ، الباب 12 ، الرقم 5 .

ص: 288

[باب] حدّ الوجه الذي يغسل والذراعين ، وكيف يغسل

[باب] حدّ الوجه الذي يغسل والذراعين ، وكيف يغسلفيه مسائل : الاُولى : الوجه الواجب غسله في الوضوء عند أهل البيت عليهم السلام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن طولاً وما دارت عليه الإبهام والوسطى عَرضا ، وبه قال مالك ( (1) ) ،

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 150 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 21 ؛ تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 83 ؛ بداية المجتهد ، ف ج 1 ، ص 13 ؛ بلغة السالك ، ج1 ، ص 41 .

ص: 289

ويدلّ عليه حسنة حريز ، ويؤيّدها بعض آخر من أخبار الباب ، وما سبق . والظاهر أنّ المراد بالإدارة الإرسال والإسدال كما ورد فيخبر حكاية وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسَدله على أطراف لحيته ، وتفسيرها بوضع وسط الكفّ على مارن الأنف وإدارة الإبهام والوُسطى على الوجه على شكل الدائرة بعيد ومناف للاحتياط ؛ لخروج مثلّثين من جانبي الصُدغين . وفي المنتهى : ولا يجب غسل ما خرج عنه ولا يستحبّ كالعذار _ وهو النابت على العظم الناتئ الذي هو سمت الصماخ ، وما انحطّ عنه إلى وتد الاُذُن وما بينه وبين الاُذُن من البياض لا على الأمرد ولا على الملتحي ، وبه قال مالك ( (1) ) ، وقال الشافعي : يجب غسله عليهما ( (2) ) ، وقال أبو يوسف : يجب على الأمرد خاصّة ( (3) ) ، ولا العارض وهو ما نزل عن حدّ العذار وهو النابت على اللحيين ، ولا الصدغ وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الاُذُن ، وينزل عن رأسها قليلاً ، ولا النزعَتان وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس في جانبي الرأس ، ولا التحذيف وهو الشعر الداخل في الوجه ما بين انتهاء العذار والنزعة المتّصلة بشعر الرأس ، وليس دليل شرعي عليها . انتهى ( (4) ) . أقول: أمّا الصدغ فحسنة زرارة ( (5) ) تدلّ على خروجه، ويؤيّدها التحديد بما دارت عليه الإبهام والوُسطى ، والشهرة ، بل ادّعي إجماع أهل العلم عليه ، نعم حكى في الذكرى عن ظاهر الراوندي دخوله في حدّ الوجه ( (6) ) ، وحكى في [ فتح ]العزيز عن بعضهم وجها بأنّه من الوجه ( (7) ) ؛ وكأنّه مبنيّ على تفسير الصدغ بما بين العين إلى شحمة الاُذُن

.


1- .. بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 13 ، المسألة الرابعة ؛ بلغة السالك ، ج 1 ، ص 41 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 373 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 373 .
3- .. نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 188 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 373 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 24 .
5- .. وهو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي .
6- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 123 ؛ فقه القرآن ، ج 1 ، ص 13 .
7- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 339 .

ص: 290

كما فُسِّرَ به في نهاية ابن الأثير ( (1) ) . وأمّا العذار فخروجه عنه ظاهر الأصحاب ، ولم ينقل عن أحد منهم فيه خلاف ؛ وكأنّ مستندهم عليه ما ذكر من التحديد . وأمّا العارض فقد قطع الشهيدان بوجوب غسله ( (2) ) ، واختاره المحقّق الشيخ عليّ ( (3) ) ، ويدلّ عليه التحديد المذكور . وأمّا مواضع التحذيف فالمشهور بين الأصحاب خروجها أجمع ، وقيل بدخولها كذلك ؛ لتحديد أعلى الوجه بمنابت شعر الرأس وهي تحتها . وفي الذكرى : «والأحوط أنّها من الوجه ؛ لاشتمال الإصبعين على طرفها ، ولوقوعها في التسطيح والمواجهة» ( (4) ) ، ولايبعد القول بالفصل بدخول طرفها ذلك وخروج طرفها الآخر ؛ لما عرفت . وفي [ فتح ]العزيز : «وأمّا مواضع التحذيف فهل هو من الوجه أو الرأس ؟ فيه وجهان ، قال ابن شريح وغيره : هو من الوجه ؛ لمحاذاته بياض الوجه ، ولذلك يعتاد النساء والأشراف( (5) ) إزالة الشعر عنه ولهذا سمّي مواضع التحذيف ، وقال أبوإسحاق وغيره : هو من الوجه ؛ لنبات الشعر عليه متّصلاً بسائر شعر الرأس ، والأوّل هو الأظهر عند المصنّف ، والذي عليه الأكثرون هو الثاني» ( (6) ) . وقد بقي حكم الاُذنين ، فقد أجمع الأصحاب على خروجهما عن الوجه رأسا وعمّا يجب مسحه من الرأس ، ويدلّ عليه زائدا على التحديد موثّق زرارة ( (7) ) ، وما يأتي

.


1- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 339 .
2- .. النهاية ، ج 3 ، ص 17 (صدغ) .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 122 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 36 .
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 213 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 123 .
6- .. «أ» : «والأسراف».
7- .. وهو الحديث 1 من الباب ، فإنّه يدلّ على أنّهما ليسا من الوجه ، ويدلّ أيضا ح 10 من الباب الذي رواه ف أيضا زرارة على أنّهما ليسا من الوجه ولا من الرأس .

ص: 291

في الباب الآتي من حسنة محمّد بن مسلم ( (1) ) ، والأخبار الواردة في المسح على مقدم الرأس . نعم ، روى الشيخ عن عليّ بن رئاب ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : الاُذنان من الرأس ؟ قال : «نعم» . قلت : وإذا مسحت رأسي مسحت اُذني ؟ فقال : «نعم ، كأنّي أنظر إلى أبي في عنقه عُكنة ( (2) ) وكان يُحفي رأسه إذا جزّه ، كأنّي أنظر والماء ينحدر على عاتقه» ( (3) ) . وحملت على التقيّة . وأمّا العامّة ، فقد قال _ طاب ثراه _ : لا خلاف عندهم في أنّ طهارة الاُذنين مشروعة لكن اختلفوا ، فقال مالك والكافّة : «هما من الرأس ، ومسحهما بماء جديد سنّة» ( (4) ) ، وقال ابن حبيب : «ومن لم يجدّده فكمن لم يمسح» ( (5) ) ، وفي بعض كتبهم : «تجديده مستحبّ» ، وقال بعض شيوخهم : «مسحهما معه بدون تجديد ماء يجزي» ، وقال عبدالوهّاب ( (6) ) : «مسح داخلهما سنّة ، واختلف في ظاهرهما ، فقيل : سنّة ، وقيل : فرض» ( (7) ) ، وقال ابن القصّار ( (8) ) : «لا خلاف

.


1- .. وهي الحديث 2 من الباب الآتي .
2- .. العُكنة : في الأصل الطي الذي في البطن من السمن ، والمراد به هنا ما كان في العنق . راجع : منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 152 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 169 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 64 ، ح 188 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1052 .
4- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 433 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 413 . وفي الأخير : «قال الأكثرون : هما من الرأس» .
5- .. راجع: مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 375 .
6- .. أبومحمّد عبدالوهّاب بن عليّ بن نصر أبومحمّد الفقيه المالكي ، له نظم ومعرفة بالأدب ، صنّف في مذهب المالكي كتبا ، منها : الأشراف على مسائل الأعلام ، التلقين ، الخلاف ، شرح المدوّنة ، غرر المحاضرة ، مسائل المناظرة ، النصرة لمذهب مالك . ولي قضاء بادرايا وباكسايا بالعراق ، وخرج في آخر عمره إلى مصر فمات بها في شهر صفر سنة 422 ه ق ، وله ستّون سنة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 17 ، ص 429 _ 432 ، الرقم287 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 184 .
7- .. مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 375 .
8- .. القاضي أبوالحسن عليّ بن عمر بن أحمد ابن القصّار البغدادي شيخ المالكيّة بها ، ولي قضاء بغداد وكان أفقه المالكيّين بها ، له كتاب في مسائل الخلاف كبير ، مات في ثامن ذي القعدة سنة 397 ه ق . راجع : تاريخ بغداد ، ج 12 ، ص 40 _ 41 ، الرقم 6406 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 17 ، ص 107 _ 108 ، الرقم 67 .

ص: 292

أنّ من اقتصر على مسحهما ولم يمسح الرأس لايجزيه عن مسح الرأس» . وقال الزهري ( (1) ) : «هما من الوجه يغسل ظاهرهما وباطنهما ؛ لما رواه مسلم عن النبيّ صلّى اللّه عليه [ وآله ] أنّه سجد فقال : «سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه وبصره» ( (2) ) ، وقال الشعبي والحسن بن صالح وإسحاق [ بن راهويه ] ( (3) ) : «ما أقبل فمن الوجه يغسل ، وما أدبر فمن الرأس يمسح» ( (4) ) ، وقال الشافعي : «مسحهما على حيالهما سنّة» ( (5) ) . ثمّ الظاهر أنّه لايجب تخليل شعر اللحية ولا الشارب ولا العنفقة ( (6) ) والأهداب والحواجب وإن كانت خفيفة أو كانت اللحية للمرأة ، وقد صرّح بذلك العلّامة في المنتهى ( (7) ) والتحرير ( (8) ) ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط ( (9) ) والسيّد في الناصريّات ( (10) ) والشهيد في الذكرى ( (11) ) ، ورجّحه الشهيد الثاني في شرح اللمعة ( (12) ) ، ويدلّ عليه صحيحة العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، وما رواه الشيخ عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال :

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 24 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 413 (وفيه : هما من الوجه يغسلهما) ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 6 ، ص 60 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 199 ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 2 ، ص 69 ، المحرّر الوجيز لابن عطيّة ، ج 2، ص 61 .
3- .. صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 185 ، باب الدعاء في صلاة الليل . ورواه أحمد في المسند ، ج 1 ، ص 95 و102 ، وج 6 ، ص 217 ؛ وابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 335 ، ح 1054 ؛ والنسائي في سننه ، ج 2 ، ص 221 .
4- .. تقدّمت ترجمته .
5- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 199 ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 2 ، ص 69 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 414، ولم يذكر فيهما قول إسحاق ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 443 عن الحسن بن صالح وحده .
6- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 443 ؛ التمهيد ، ج 4 ، ص 40 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 6 ، ص 60 .
7- .. العنفقة : الشعر الذي في الشفة السفلى ، وقيل : هي الشعر الذي بينها وبين الذقن ، وأصل العنفقة خفّة الشيء وقلّته . النهاية ، ج 3 ، ص 309 (عنفق) .
8- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 77 (142) .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 20 .
10- .. الناصريّات ، ص 114 _ 115 ، وظاهر كلامه اختصاص حكم عدم وجوب التخليل باللحية الكثيفة .
11- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 124 .
12- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 324 .

ص: 293

«إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» ( (1) ) ، وقد روى الشيخ فيالصحيح ما رواه المصنّف في صدر الباب عن زرارة وزاد في آخره : قال زرارة : قلت له : أرأيت ما أحاط به الشعر ؟ فقال : «كلّ ما أحاط اللّه به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء» ( (2) ) . ورواه الصدوق أيضا بهذه الزيادة ( (3) ) ، ويؤيّدها قوله عليه السلام : «وسدله على أطراف لحيته» في حسنة زرارة في الباب السابق ( (4) ) ، وما رواه الجمهور من وصف وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث لم يذكر التخليل فيهما ، وما رواه ابن عبّاس عنه صلى الله عليه و آله أنّه توضّأ فغرف غرفة غسل بها وجهه ( (5) ) ، فقد ذكر في المنتهى «من المستحيل إمكان غسل الوجه وإيصال الماء إلى ما تحت الشعر بكفّ واحدة» ( (6) ) ، واستثنى بعض الأصحاب الشعر الخفيف فأوجب تخليله وهو ماترى البشرة منه في مجلس التخاطب ، ذهب إليه الشهيد في اللمعة ( (7) ) والعلّامة في القواعد ( (8) ) ، وحكاه في المختلف ( (9) ) عن ابن الجنيد ورجّحه ؛ محتجّا بأنّ الأمر قد تعلّق بغسل الوجه وإنّما يصار إلى غسل اللحية لانتقال اسم الوجه إليها ، وإنّما يحصل لها ذلك الاسم مع الستر ، وأمّا مع عدمه فالمواجه هو الوجه دون اللحية . وهو محكيّ عن أبيحنيفة والشافعي ( (10) ) ، والظاهر أنّ هؤلاء في صورة خفّة بعض وكثافة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 _ 19 ، ح 202 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1129 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 364 _ 365 ، ح 1106 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 476 ، ح 1264 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 44 _ 45 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 476 ، ح 1265 .
4- .. وهي ح 4 من الباب السابق .
5- .. السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 86 ، ح 105 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 74 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 37 _ 38 ، ح 137 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 25 .
7- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 324 .
8- .. القواعد ،ج 1 ، ص 202 .
9- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 280 و281 .
10- .. المغني ، ج 1 ، ص 101 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 427 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 80 .

ص: 294

بعض آخر منها كانوا يقولون بوجوب تخليل ذلك البعض الخفيف دون الكثيف إلّا جزء منه من باب المقدّمة ، ولم أر تصريحا من الأصحاب باستثناء لحية المرأة ، نعم يوهمه عبارة القواعد حيث قال : «لايجب غسل مسترسل اللحية ولا تخليلها ، وإن خفّت وجب ، وكذا لو كانت للمرأة» ( (1) ) ، فإنّ الظاهر عطف قوله : «وكذا لو كانت للمرأة» على قوله : «خفّت» ، لكنّ الأظهر أنّه عطفه على الجملة السابقة لبيان اشتراكها مع لحية الرجل في الحكم ، وقد قال به بعض العامّة ، واستثنى أكثر العامّة غير اللحية مطلقا خفيفا كان أو كثيرا ؛ محتجّين بأنّ كثافتها على خلاف الغالب . وقوله عليه السلام : «من قصاص شعر الرأس إلى الذقن» ظاهره وجوب الابتداء من القصاص ، ويؤيّده أخبار حكاية وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأميرالمؤمنين عليه السلام ، وفي بعضها : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» ، وهو المشهور ، وحكى الشهيد في الذكرى عن السيّد المرتضى ( (2) ) وابن إدريس ( (3) ) جواز النكس ؛ مستندين بعموم بعض ما ذكر من الأخبار ، وبصحيح حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه السلام : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبرا» ( (4) ) ، وأجاب عن العموم بأنّه مخصوص بالدليل ، وعن الصحيح بعدم الدلالة ؛ إذ المسح غير الغسل ( (5) ) . الثانية : وجوب البدأة في غسل اليد من المرفقين ؛ لما سبق في حكايات وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قوله عليه السلام : «ولا يردّ الماء إلى المرفقين» ( (6) ) ، هذا وضوء لايقبل اللّه

.


1- .. القواعد ،ج 1 ، ص 202 .
2- .. الانتصار ، ص 16 .
3- .. السرائر ، ص 17 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 58 ، ح 161 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1054 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 121 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 168 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 56 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1030 ، والمذكور في الجميع حكاية فعل الإمام عليه السلام حين أراد عليه السلام بيان فعل النبيّ صلى الله عليه و آله .

ص: 295

الصلاة إلّا به» ، ويؤكّدها خبر الهيثم بن عروة( (1) ) . وذهب السيّد في الانتصار ( (2) ) والناصريّات ( (3) ) إلى استحباب ذلك وأحال احتجاجه على كتبه الاُخرى . فإن قيل ( (4) ) : كلا القولين على خلاف ما دلّ عليه الدليل القطعي ؛ وهو الآية الكريمة ؛ فإنّها دلّت على وجوب البدأة من الأصابع والانتهاء إلى المرافق ، وما ذكر من أدلّتهما ظنّيّة لاتعارض القطعي . لأنّا نقول : ليس الأمر كذلك ؛ فإنّ الابتداء والانتهاء يحتمل أن يكونا للمغسول ، على أنّ «إلى» قد جاء بمعنى «مع» على ما صرّح به في [ فتح ] العزيز ، قال : قال اللّه تعالى : «وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ » ( (5) ) ، وكلمة إلى قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى : «وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَ لَهُمْ إِلَى أَمْوَ لِكُمْ » ( (6) ) ، وقوله [ عزّ اسمه ] : «مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ » ( (7) ) ، وهو المراد هنا ؛ لما روي من أنّه صلى الله عليه و آله كان إذا توضّأ أمرّ الماء على مرفقيه ، وروي أنّه أدار الماء على مرفقيه ثمّ قال : «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلّا به» ( (8) ) . فهي وإن كانت قطعيّة المتن لكنّها ظنّيّة الدلالة ، فيصحّ تأويلها بأدلّة دلالتها قطعيّة بل متنها أيضا ؛ لإجماع أهل العلم من الفريقين على روايتها ، ولذا قال صاحب كنز العرفان ( (9) ) : «الآية لا تدلّ على الابتداء بالمرافق ولا الأصابع» ، ويؤيّد ذلك أنّ أحدا من العلماء لم يقل بوجوب البدأة من الأصابع بل أجمعوا على مشروعيّة البدأة بالمرافق

.


1- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الانتصار ، ص 99 كيفيّة غسل اليدين .
3- .. الناصريّات ، ص 118 غسل اليدين .
4- .. في هامش «ج» : «لا يقال _ ظ» .
5- .. المائدة (5) : 6 .
6- .. النساء (4) : 2 .
7- .. آل عمران (3) : 52 .
8- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 347 .
9- .. صاحب كنز العرفان هو الشيخ مقداد بن عبداللّه السيوري الأسدي الحلّي المعروف بالفاضل المقداد ، من تلاميذ الشهيد الأوّل ، توفّي في سنة 826 ه ق ، وتقدّمت ترجمته .

ص: 296

وإنّما اختلفوا فيتعيين هذه ، فاشتهر هو بين الأصحاب ، وذهب جماعة منهم إلى استحبابه كما عرفت ، وأجمع العامّة على استحباب عكسها ، فتأمّل . وهل يجب غسل المرفق أصالة ؟ نفاه جماعة ( (1) ) ؛ نظرا إلى خروج الغاية عن المُغيّا ، وقيل به بناء على أنّ إلى بمعنى مع ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل لا أعرف مخالفا له منهم سوى العلّامة في المنتهى ( (2) ) حيث أوجبه من باب المقدّمة . وفي كنز العرفان : والحقّ أنّها للغاية ولايقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها ولا خروجه عنه ؛ لوروده معهما ، أمّا الدخول فكقولك : حفظت القرآن من أوّله إلى آخره ، ومنه : «سُبْحَ_نَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا » ( (3) ) ، وأمّا الخروج فك_ «أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ » ( (4) ) ، و «فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ » ( (5) )، والدخول مستفاد من بيان النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ فإنّه ابتدأ بالمرفقين وأدخلهما وقد قال : «هذا وضوء لا يقبل اللّه تعالى الصلاة إلّا به. انتهى . والظاهر الدخول هنا ألبتّة ؛ لأنّ الحدّ فيه من جنس المحدود ، وقد نقل عن سيبويه ( (6) ) أنّه قال : «إن كان الحدّ من جنس المحدود دخل الغاية كقولك : بعتك هذا الثوب من

.


1- .. نسبه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 33 _ 34 إلى بعض أصحاب مالك وابن داود وزفر ، فانظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 13 ، فإنّه نسب الخلاف إلى بعض متأخّري أصحاب مالك وبعض أهل الظاهر والطبري ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 4 ، فإنّه حكى الخلاف عن زفر ؛ المغني ، ج 1 ، ص 107 ، فإنّه نسب الخلاف إلى بعض أصحاب مالك وابن داوود وحكى عن زفر ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 385 ، فإنّه حكى الخلاف عن زفر وأبيبكر بن داوود .
2- .. راجع: منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 35 ، والظاهر من كلامه أنّه موافق لمذهب الأصحاب .
3- .. الإسراء (17) : 1 .
4- .. البقرة (2) : 187 .
5- .. البقرة (2) : 280 .
6- .. عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي أبوبشر أو أبوالحسن البيضاوي الشيرازي ، الملقّب بسيبويه ، إمام النحاة وأوّل من بسط علم النحو ، ولد في بيضاء شيراز ، وقدم البصرة فلزم الخليل وأخذ عنه ، وصنّف كتابه المسمّى «كتاب سيبويه» في النحو ، وقد كثرت كلمات علماء النحو في مدح كتابه ، ولهم عليه شروح وتعليقات ، وكان شابّا أنيقا جميلاً كأنّ في خدوده لون التفّاح ، ورحل إلى بغداد فناظر الكسائي ثمّ رجع إلى فارس ، توفّي حدود سنة 180 ه ق وهو شابّ ، وقبره بشيراز ، وقيل في محلّ وفاته ودفنه غير ذلك . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 8 ، ص 351 _ 352 ، الرقم 97 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 329 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 81 .

ص: 297

هذا الطرف إلى ذلك الطرف ، وإلّا فلا كما في آية الصوم ( (1) )» ( (2) ) . قوله في خبر السكوني : (ولكن شنّوا الماء شنّاً) . [ ح 3/3933 ] في نهاية ابن الأثير : وفيه : إذا حمّ أحدكم فليشنّ عليه الماء ، أي فليرشّه عليه رشّا متفرّقا ، الشنّ : الصبّ المنقطع ، والسنّ : الصبّ المتّصل ، ومنه حديث ابن عمر : كان يسنّ الماء على وجهه ولا يشنّه ، أي يجريه عليه ولا يفرّقه ( (3) ) . قوله في خبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع : (فرض اللّه تعالى على النساء) إلخ . [ ح 6/3936 ] المراد بالفرض هنا تأكّد الاستحباب ، وظاهره استحباب ما قرّره على النساء والرجال من غير فرق بين الغسلتين ، وهو ظاهر المفيد ( (4) ) والشيخ في التهذيب ( (5) ) والنهاية ( (6) ) والمحقّق في النافع ( (7) ) ، وحكاه الشهيد عن الأكثر ( (8) ) ، وفرّق في المبسوط ( (9) ) بينهما ، فقال باستحباب ما ذكر في الغسلة الاُولى وباستحباب عكسه في الثانية ، وتبعه أكثر المتأخّرين منهم الشهيد في اللمعة ( (10) ) وابن إدريس وابن زهرة ( (11) )

.


1- .. البقرة (2) : 187 .
2- .. لم أعثر على مصدر لكلام سيبويه ، نعم أورده العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 386 ، ولم يذكر له قائل معيّن ، ونسبه ابنا قدامة في المغني ، ج 1 ، ص 108 ؛ والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 132 إلى المبرّد .
3- .. النهاية ، ج 2 ، ص 507 (شنن) .
4- .. المقنعة ، ص 43 _ 44 ، كتاب الطهارة ، الباب 4 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 _ 77 .
6- .. النهاية ، ص 13 ، وعبارته تدلّ على الفرق بين الغسلتين حيث قال : «. . . ثمّ يغسله دفعة اُخرى بكفّ من الماء يضعه على باطن ذراعه فيغسلها من المرفق إلى أطراف الأصابع» .
7- .. المختصر النافع ، ص 6 .
8- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 185 .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 20 _ 21 .
10- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 ؛ ومثله في الدروس ، ج 1 ، ص 93 .
11- .. الغنية ، ص 61 ، فرائض الوضوء .

ص: 298

والفاضلان ( (1) ) والكيدري ( (2) ) على ما حكي عنهم في الذكرى ( (3) ) . قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (قال : سألته عن الأقطع اليد والرجل ؟ قال : يغسلهما) . [ ح 7/3937 ] قال _ طاب ثراه _ : «يعني موضع القطع أو ما بقي» . أقول : لا ريب في أنّ من قطعت يده من دون المرفق وجب عليه غسل ما بقي ، وكذا لو اقطعت يده من مفصل المرفق وجب غسل الباقي منه ؛ لأنّه مجموع عظم العضد وعظم الذراع ، وصرّح به الشيخ في المبسوط ( (4) ) ، وعدّ في الذكرى أقرب ( (5) ) ، وهو واضح على ما ذهب إليه الأكثر من وجوب غسل المرفق أصالة ، وإن قطعت من فوق المرفق فالمشهور أنّه لايجب عليه شيء ، ويستحبّ له غسل ما بقي من العضد ، ويدلّ عليه هذه الحسنة ، وحسنة رفاعة ( (6) ) ، وصحيحة عليّ بن جعفر ( (7) ) ، وإنّما حملت على الاستحباب ؛ لخروج العضد عن محلّ الفرض ، وأصالة البراءة . وفي المبسوط :«ويستحبّ له أن يمسحه بالماء» ( 8 ) . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «إذا كان أقطع من مرفقه غسل ما بقي من

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 185 .
2- .. شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي ، ج 1 ، ص 24 ؛ المعتبر له أيضا ، ج 1 ، ص 167 ؛ تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلّي ، ج 1 ، ص 202 ؛ النهاية له أيضا ، ج 1 ، ص 57 .
3- .. إصباح الشيعة ، ص 30 . والكيدري هذا هو الشيخ الفقيه ، قطب الدين أبوالحسن محمّد بن الحسين بن الحسين الكيدري البيهقي ، تلميذ ابن حمزة الطوسي ، كان معاصرا للقطب الدين الراوندي ، وأقواله في الفقه مشهورة منقولة في كتب الفقه ، وله من التصانيف : الإصباح في الفقه ، أنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول ، شرح نهج البلاغة ، وغير ذلك . فرغ من شرح نهج البلاغة في سنة 576 ، والكيدر من قرى بيهق . راجع : الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 74 ؛ أعيان الشيعة ، ج 9 ، ص 250 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 21 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 134 .
6- .. وهي الرواية 8 من هذا الباب من الكافي .
7- .. وهي الرواية 9 من هذا الباب من الكافي .

ص: 299

باب مسح الرأس والقدمين

عضده» ( (1) ) . وظاهره الوجوب ، وهو بعيد . وأمّا مقطوع الرِجل ، فلا نصّ صريح في لزوم مسح ما خرج عن محلّ الفرض ولا على استحبابه ، نعم قال الصدوق بعد ما حكى صحيحة عليّ بن جعفر : «وكذلك روي في قطع الرجل» ( (2) ) ، وكأنّه أشار بها إلى هذه الحسنة . والتمسّك بها في ذلك الحكم المخالف للأصل مشكل ؛ لاشتمالها على غسل الرجل وهو خلاف المذهب ، إلّا أن يحمل على التقيّة ، والظاهر أنّ المراد منها غسل ما أبين من اليد والرجل ؛ لاشتمالهما على العظم ، وهذا القول جار في حسنة رفاعة أيضا ، وقد حملهما على ذلك جدّي المحقّق من اُمّي قدس سره في شرح الفقيه . وأمّا أقطع اليدين جميعا ، فالظاهر سقوط مسح الرأس والرجلين عنه إلّا أن يجد من يمسحهما متبرّعا ، أو باُجرة يقدر عليها على احتمال . وأمّا غسل الوجه ، فلا يسقط عنه على حال ؛ لإمكان وضعه وجهه في الماء .

باب مسح الرأس والقدمينأجمع الأصحاب على وجوب مسح بشرة مقدّم الرأس وشعره المختصّ به( (3) ) وعدم إجزاء المسح على اُمّ الرأس أو خلفه أو على أحد جانبيه ، واختلفوا في قدر الواجب منه ، فالمشهور إجزاء المسمّى واستحباب ثلاثة أصابع مضمومة طولاً وعرضا ، وبه قال الشيخ في المبسوط( (4) ) والخلاف( (5) ) ، والشهيد( (6) ) والعلّامة( (7) ) فيما رأيت من كتبهما ، والمفيد

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 287 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 84 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 479 ، ح 1272 .
3- .. اُنظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 83 ، المسألة 32 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 163 ، المسألة 47 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 22 .
5- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 79-80 ، المسألة 29 .
6- .. البيان ، ص 9 ؛ الذكرى ، ج 2 ، ص 137 .
7- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 79 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1 ، ص 161 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 203 .

ص: 300

في المقنعة( (1) ) ، واختاره الصدوق( (2) ) ، وحكي عن مصباح السيّد المرتضى( (3) ) ، واعتبر العلّامة في المختلف( (4) ) في جانب القلّة مقدار عرض الإصبع ، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى( (5) ) ، و به صرّح في الدروس( (6) ) ، وقال الشيخ في النهاية : «والمسح بالرأس لايجوز أقلّ من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار ، فإن خاف البرد من كشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة»( (7) ) . وهو متفرّد في هذا القول . وحكى في المنتهى( (8) ) عن السيّد المرتضى أنّه ذهب في خلافه إلى وجوب الثلاث من غير تفصيل ، وعن أبيحنيفة في إحدى الروايتين عنه وجوب مسح ربع الرأس( (9) ) ، وعن الشافعي إجزاء المسمّى( (10) ) ، وعن بعض الحنابلة وجوب مسح الناصية( (11) ) ، وعن أحمد في قولٍ وجوب مسح أكثر الرأس ، وفي قول آخر عنه وعن مالك وجوب مسح جميعه( (12) ) . وحكى _ طاب ثراه _ عن ابن مسلمة وجوب مسح ثلثيه( (13) ) ، وعن أبيالفرج إجزاء ثلثه .

.


1- .. المقنعة ، ص 44 ، و ظاهر عبارته وجوب ثلاث أصابع .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 45 ، ذيل ح 88.
3- .. حكاه العلّامة في المنتهى ، ج 2 ، ص 45 . وقاله أيضا المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 24) .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 289 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 135 .
6- .. الدروس ، ج 1 ، ص 92 ، الدرس 3 .
7- .. النهاية ، ج 2 ، ص 13 .
8- .. المنتهى ، ج 2 ، ص 45 .
9- .. عنه في الخلاف ، ج 1 ، ص 82 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 399 ؛ إعانة الطالبين ، ج 4 ، ص 252 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 63 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 354 .
10- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 41 ؛ مختصر المزني ، ص 3 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 353 .
11- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 63 .
12- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 399 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 354 .
13- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 399 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 63 عن سالك وحده .

ص: 301

لناعلى وجوب مسح مقدّم الرأس الأمر به في صحيحة محمّد بن مسلم ، والخبر الذي بمعناه فيما سيأتي عن حمّاد بن عيسى ، ويؤيّده قوله عليه السلام : «ومسح مقدّم رأسه» في حكايات وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله المتقدّمة . وصريح في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «مسح الرأس على مقدّمه» . فأمّا ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى مرفوعا ، عن أبيبصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في مسح الرأس ومسح القدمين ، قال : «مسح الرأس واحدة من مقدّم الرأس ومؤخّره ، ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما»( (1) ) ، فمع ضعفه ، ظاهر في التقيّة ، وعلى إجزاء المسمّى قوله تعالى : «وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ » ( (2) ) ؛ لأنّ الباء فيه للتبعيض ، فلقد روى المصنّف( (3) ) والصدوق( (4) ) والشيخ( (5) ) في الحسن عمّن جاز قصبات السبق في مضمار الفصاحة والبلاغة الإمام الهمام أبيجعفر باقر علوم الأنبياء والمرسلين أنّه استدلّ على إجزاء مسح بعض الرأس والرجلين في الوضوء وبعض الوجوه والأيدي في التيمّم بالباء التبعيضيّة في آيتيهما ، ويؤكّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير ابني أعين أنّهما سألا أباجعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن انتهى إلى قوله تعالى : «وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ » ، قال عليه السلام : «فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه»( (6) ) . وفي الصحيح عنهما ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : «في المسح تمسح على النعلين

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 82 ، ح 215 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 61 ، ح 181 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1079 .
2- .. المائدة (5) : 6 .
3- .. هو الحديث 5 من باب صفة الوضوء .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 103 ، ح 212 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 61 ، ح 168 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 ، ح 191 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 273 ، ح 1023 .

ص: 302

ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك»( (1) ) . وعن حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهماالسلام ، في الرجل يتوضّأ وعليه العمامة ، قال : «يرفع العمامة قدر ما يدخل إصبعه فيمرّه على مقدّم رأسه»( (2) ) . وفي الاستبصار : «فيمسح على مقدّم رأسه»( (3) ) . وعلى استحباب مقدار ثلاث أصابع ؛ الجمع بين ما ذكر وبين خبر معمّر بن عمر( (4) ) وحَسَن زرارة( (5) ) . واحتجّ من قال بالتبعيض من الجمهور على ما زعموا من التخيير بين مقدّم الرأس وغيره بإطلاق «الرؤوس» في الآية . والجواب أنّ التقييد بالمقدّم يستفاد من دليل آخر كفعله صلى الله عليه و آله ، وقد قال : «هذا وضوء لايقبل اللّه تعالى الصلاة إلّا به» . ومن قال منهم بوجوب مسح جميع الرأس زعم أنّ الباء في الآية للإلصاق يعني التعدية ، وأنكر كونها لتبعيض أحد معانيها ؛ مستندا بإنكار سيبويه ذلك في سبعة عشر موضعا من كتابه ، وهو مكابرة غير مقبول في مقابل أقوال فحول العلماء من اللغويين والاُدباء ، فقد عدّ ابن هشام ( (6) ) في المغني التبعيض من جملة معانيها وقال : «أثبت ذلك

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 90 ، ح 237 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 61 ، ح 182 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 414 ، ح 1076 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 90 ، ح 238 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 411 ، ح 1068 ، وفيهما : «فيمسح» بدل «فيمرّ» .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 60 ، ح 178 .
4- .. هو الحديث الأوّل من باب مسح الرأس والقدمين .
5- .. هو الحديث الخامس من الباب .
6- .. عبداللّه بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري المصري الحنبلي ، مشارك في النحو والمعاني والبيان والعروض واللغة ، ولد بمصر وأقام بمكّة وتوفّي بمصر في سنة 761 ، له من التصانيف : مغني اللبيب ، التحصيل ، أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك ، شذرات الذهب في معرفة كلام العرب ، قطر الندى ، شرح التسهيل ، شرح الجامع الصغير لمحمّد بن الحسن الشيباني . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 451 _ 452 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ص 163 ؛ الأعلام للزركلي : ج 4 ص 147 .

ص: 303

الأصمعي والفارسي والقتيبي ( (1) ) وابن مالك ( (2) ) ، قيل : والكوفيّون أيضا» ( (3) ) . ومجيئها لذلك في كلام الفصحاء والبلغاء من العرب العرباء أكثر من أن يحصى ، ومنها قوله ( 4 ) : شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت[ متى لجج خضر لهنّ نئيج ] وقوله ( (4) ) : [ فلثمت فاها آخذا بقرونها ]شُرب النزيف بماء الحشرج ( (5) ) وعُدّ في القاموس منها هذه الآية ، وقوله تعالى : «عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ » ( (6) ) . وأظنّ أنّ إنكار سيبويه ذلك إنّما كان لنصبه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام لمّا اشتهر

.


1- .. تقدّمت ترجمتهم .
2- .. أبوعبداللّه محمّد بن عبداللّه بن مالك الجياني الأندلسي الشافعي ، ولد بجيان من بلاد الأندلس، وقدم دمشق وتصدّر بها ، ثمّ جاء حلب وتصدّر بها أيضا ، واشتغل بفقه الشافعي، توفّي سنة 672 بدمشق ، من تصانيفه : الألفيّة ، الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة ، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، مختصر الشاطبيّة في القراءات . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 400 _ 401 ؛ كشف الظنون ، ج 1 ص 405 ؛ هديّة العارفين ، ج 2 ، ص 130 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 10 ، ص 234 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 1 ، ص 232 _ 234 .
3- .. مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 105 ، حرف الباء ، الباء المفردة .
4- .. اختلف في اسم القائل ، فقال بعض هو عمر بن أبيربيعة . راجع : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 306 (حشرج) ؛ لسان العرب ، ج 2 ، ص 237 . وقال بعض هو جميل بن معمر . راجع : كتاب العين ، ج 6 ، ص 33 (شرج) ؛ صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2027 (لثم) ؛ لسان العرب ، ج 12 ، ص 533 . وفي غريب الحديث للحربي ، ج 1 ، ص 138 : «أنشد ابن الأعرابي لرجل من طيّ» ، وذكر هذا البيت من الشعر .
5- .. كلا البيتين مذكورة في مغني اللبيب ، وما بين المعقوفات منه ومن سائرالمصادر .
6- .. القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 408 .

ص: 304

عنهم عليهم السلام أنّها له في هذه الآية ، ويؤيّده ذلك مبالغته في هذا الأمر حيث ذكره في سبعة عشر موضعا مع أنّه لم يكن دأبه تكرار مسألة في كتابه ذلك التكرارَ . على أنّ الباء التي للإلصاق والتعدية تدلّ على تضمين الفعل معنى الإلصاق ، فكأنّه قيل : وألصقوا المسح برؤوسكم ، وذلك لايقتضي الاستيعاب ، بخلاف «وامسحوا رؤوسكم» ؛ فإنّه كقوله : «واغسلوا وجوهكم» كما ذكره البيضاوي في توجيه الباء التبعيضيّة ( (1) ) . ولمّا رأى بعضهم أنّه لا معنى للإلصاق هنا ؛ إذ «مسح» إنّما يتعدّى بنفسه ، قال : إنّها للاستعانة ، وأنّ في الكلام حذفا وقلبا ، والتقدير : امسحوا رؤوسكم بالماء كما في قوله : «[ كما ] طيّنت بالفدن السياعا» ( (2) ) ، ولمّا رأوا ذلك أيضا مستهجنا حكموا بزيادتها . لايقال : قد ورد من طريق الأصحاب ما يدلّ على وجوب مسح الرأس كلّه ، فقد روى الشيخ عن الحسين بن أبيالعلاء ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «امسح الرأس على مقدّمه ومؤخّره» ( (3) ) ، وهو صحيح بناء على تزكية السيّد جمال الدين ( (4) ) إيّاه في البُشرى على ما حكاه عنه ابن داوود ( (5) ) ، ويؤيّده خبر العكنة ( (6) ) المتقدّم . قلنا : الخبران غير قابلين للمعارضة لما ذكر ، أمّا الأوّل فلانحصار مزكّي الحسين في واحد ، وأمّا الثاني فلوجود يونس في طريقه ، وهو مشترك ، فلعلّه يونس بن أبيإسحاق السبيعي ، وهو كان عامّيا شديد التعصّب في مذهبه على ما حكاه النجاشي عن ابن نوح بإسناده عن شبابة بن سوار ، قال : قلت ليونس بن أبيإسحاق : ما لكَ

.


1- .. تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 299 _ 300 ، في تفسير آية الوضوء .
2- .. شاعره القطامي كما في الفائق للزمخشري ، ج 2 ، ص 407 ؛ وصحاح اللغة للجوهري ، ج 3 ، ص 1234 (سيع) ، ومصرعه الأوّل : «فلمّا أن جرى سمن عليها» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 170 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 411 ، ح 1071 .
4- .. تقدّمت ترجمته .
5- .. رجال ابن داود ، ص 79 ، الرقم 468 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 64 ، ح 188 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1052 .

ص: 305

لا تروي عن ثوير يعني ابن أبي فاختة ، فإنّ إسرائيل يروي عنه ؟ فقال : ما أصنع به وكان رافضيا ( (1) ) . وفي رجال الفاضل الاسترآبادي والكشّي أيضا مايناسب ذلك . وفي الخلاصة : «نحن من المتوقّفين في روايته» . ويحتمل غيره أيضا من الضعفاء . وإن احتمل يونس بن يعقوب الذي صحّحناه آنفا ، وعلى تقدير صحّتهما فالظاهر ورودهما على التقيّة . ثمّ إنّ الأصحاب اختلفوا في جواز مسح الرأس مدبرا ، فمنعه الشيخان في المقنعة والخلاف والصدوق في الفقيه ( (2) ) ، وهو محكيّ في المختلف ( (3) ) عن السيّد المرتضى ( (4) ) وابن حمزة ( (5) ) ، وعن ابن إدريس كراهته ( (6) ) ، وإليها ذهب الشيخ في المبسوط( (7) ) ، وهو الأظهر ؛ لإطلاق أكثر الأخبار الواردة فيه . ولصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبرا» ( (8) ) . وأمّا مسح القدمين ، فالآية تدلّ على وجوب مسحهما طولاً من الأصابع إلى الكعبين . ويدلّ أيضا عليه صحيحتا أحمد بن محمّد بن أبينصر ويونس ( (9) ) ، وما رواه الشيخ

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 118 ، الرقم 303 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 45 ، ذيل ح 88 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 291 .
4- .. الانتصار ، ص 103 .
5- .. الوسيلة ، ص 50 .
6- .. اُنظر : السرائر ، ج 1 ، ص 100 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 21 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 58 ، ح 161 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1054 .
9- .. هما الحديثين 6 و7 من هذا الباب من الكافي .

ص: 306

عن عثمان بن عيسى ، عن ابن اُذينة ، عن بكير وزرارة ابنَي أعين ، أنّهما سألا أباجعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدعا بطست أو بتَور ( (1) ) فيه ماء ، فغسل كفّيه ، ثمّ غمس كفّه اليمنى في التَور فغسل وجهه بها ، واستعان بيده اليسرى بكفّه على غسل وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لايردّ الماء إلى المرفقين ، ثمّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكفّ لايردّ الماء إلى المرفق كما صنع باليُمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفّيه ، ولم يجدّد ماء ( (2) ) . واحتمل الشهيد في الذكرى ( (3) ) إجزاء مسمّى المسح فيما بين الأصابع والكعبين وقال : «ومنعه في المعتبر ( (4) ) بعد التردّد ؛ محتجّا بأنّه لابدّ من الإتيان بالغاية ، ولا ريب أنّه أحوط وعليه عمل الأصحاب» . انتهى ( (5) ) . وهل يجزي النكس ؟ فظاهر الأكثر وأكثر الأخبار المتقدّمة عدمه ، وإليه مال الشهيد في الدروس ( (6) ) ، ونسبه في الذكرى ( (7) ) إلى ظاهر كلام السيّد ( (8) ) والصدوق ( (9) ) ، وهو ظاهر المفيد والشيخ في المقنعة ( (10) ) ، وصرّح في النهاية ( )

.


1- .. التَور : إناء صغير من صُفر أو حجارة كالإجّانة تشرب العرب فيه وقد تتوضّأ منه . لسان العرب ، ج 4 ، ص 96 (تور) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 36 ، ح 158 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1030 .
3- .. الذكرى ،ج 2 ، ص 135 .
4- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 145 .
5- .. الذكرى ،ج 2 ، ص 153 .
6- .. الدروس ، ج 1 ، ص 92 .
7- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 155 .
8- .. الانتصار ، ص 29 .
9- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 28 . 10 . المقنعة ، ص 48 .
10- . ) والخلاف ( . الخلاف ، ج 1 ، ص 92 ، م 40 . 12 . النهاية ، ص 14 .

ص: 307

الأوّل ، وبذلك جمع في التهذيب (1) بين ما ذكر وبين صحيحة يونس وما مرّ من قوله عليه السلام : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبرا» ، وهو منسوب في الذكرى إلى المشهور (2) . وفي المختلف : «الذي اخترناه في كتبنا مثل منتهى المطلب (3) والتحرير (4) وقواعد الأحكام (5) والتلخيص وغيرها (6) أنّه يجوز المسح على الرجلين منكوسا على كراهية» (7) . وحكاه عن ابن أبيعقيل وابن البرّاج (8) والسلّار (9) ، ثمّ صرّح بندبيّة البدأة بالأصابع (10) . ولايجب استيعاب ظهر القدم عرضا ، فقد صرّح جماعة منهم الشيخان (11) بجواز المسمّى ولو بإصبع واحدة وباستحباب الاستيعاب ، ولم أجد مخالفا صريحا له . وبذلك جمعوا بين الأدلّة الظاهرة في إجزاء المسمّى وبين صحيح أحمد بن محمّد بن أبينصر الظاهر في الاستيعاب . وقد ورد في بعض الأخبار مسح ظاهر القدمين وباطنهما جميعا ، وهو ما تقدّم من مرسلة أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيبصير ، وقد سبق القول فيه . وما رواه الشيخ عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن محمّد بن عمران ، عن زرعة ، عن سماعة بن مهران ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا توضّأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما» ، ثمّ قال : «هكذا» ، فوضع يده على الكعبين وضرب الاُخرى على باطن

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 57 _ 58 ، ح 161 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 153 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 75 .
4- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 80 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 203 .
6- .. كنهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 164 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 294 .
8- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 44 .
9- .. المراسم ، ص 38 .
10- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 296 .
11- .. المقنعة ، ص 48 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 92 _ 93 ، م 40 .

ص: 308

قدميه ثمّ مسحهما إلى الأصابع (1) . وهو ضعيف جدّا ؛ لاشتماله على بكر بن صالح ، وقد ضعّفه النجاشي (2) ، وقال [ ابن ]الغضائري : «هو ضعيف جدّا كثير التفرّد بالغرائب» (3) . ونقل مثله عن الخلاصة (4) . وعلى الحسن بن محمّد بن عمران ، وعُدّ من المجاهيل (5) ، ويظهر من بعض الأخبار غاية ذمّه ، روى الكشّي رحمه الله في ترجمة زكريّا بن آدم عن محمّد بن إسحاق والحسن بن محمّد بن أبيطلحة ، قالا : خرجنا بعد وفاة زكريّا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحجّ ، فتلقّانا كتاب في بعض الطريق فإذا فيه : «ذكرت ما جرى من قضاء اللّه في الرجل المتوفّى ، رحمة اللّه عليه يوم وُلِد ويوم قُبض ويوم يُبعث حيّا ، فقد عاش أيّام حياته عارفا بالحقّ قائلاً به ، صابرا محتسبا للحقّ ، قائما بما يجب للّه عليه ولرسوله ، ومضى رحمة اللّه عليه غير ناكث ولا مبدّل ، جزاه اللّه أجر نيّته ، وأعطاه خيرا ينفعه ، وذكرت الرجل الموصى إليه ولم أجد فيه رأينا وعندنا من المعرفة به أكثر ممّا وصفت» يعني الحسن بن محمّد بن عمران (6) . وفي الاستبصار : «الوجه في هذا الخبر حمله على التقيّة ؛ لأنّه موافق لمذاهب بعض العامّة ممّن يرى المسح على الرِجلين ويقول باستيعاب الرجل» (7) . وفي المنتهى : «لو وجب مسح الجميع لزم خرق الإجماع ؛ لأنّ الناس قائلان : منهم من أوجب المسح ولم يوجب الاستيعاب ، ومنهم من لم يوجبه فقال بالاستيعاب ، فلو

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 245 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 62 ، ح 185 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1078 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 109 ، الرقم 276 .
3- .. رجال ابن الغضائري، ص 44، الرقم 19؛ وعنه ابن داود في رجاله، ص 234، الرقم 80 .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 327 ، الرقم 2 .
5- .. اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 6 ، ص 39 ، الرقم 3123 .
6- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 858 ، الرقم 1114 .
7- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 62 ذيل الحديث 185 . ومثله في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 92 ، ذيل الحديث 245 .

ص: 309

قلنا بوجوب الاستيعاب مع وجوب المسح كان ذلك خرقا للإجماع» (1) . وفيه تأمّل . ثمّ المشهور بين الأصحاب وجوب مسح الرأس والرجلين ببقيّة نداوة الوضوء ، والأخبار إنّما دلّت على كفايتها ، ولم أجد نهيا عن استيناف ماء له ، وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بمداومتهم عليهم السلام على المسح بها . وبالوضوء البياني ، وقد قال صلى الله عليه و آله : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» . وفصّل ابن الجنيد فقال _ على ما حكي عنه في المختلف _ (2) : «إذا كان بيد المطهّر نداوة يستبقيها من غسل يديه مسح بيمينه رأسه ورجله اليُمنى ، وبيده اليسرى رجله اليسرى ، وإن لم يستبق أخذ ماء جديدا لرأسه ورجليه» ، واحتجّ عليه بما رواه معمّر بن خلاّد في الصحيح ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام : أيجوز للرجل يمسح قدميه بفضل رأسه ؟ فقال برأسه : لا ، فقلت : بماء جديد ؟ فقال برأسه: نعم (3) . وخبر شعيب العقرقوفي ، عن أبيبصير ، والظاهر أنّه يحيى بن القاسم ، وفيه كلام ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن مسح الرأس ، قلت : أمسَحُ بما في يدي من الندى رأسي ؟ قال : «لا ، بل تضع يدك في الماء ثمّ تمسح» (4) . وحملهما الأكثر على التقيّة ، والخبر الأوّل ظاهر فيها ، على أنّهما دلاّ على المسح بماء جديد مع وجود نداوة الوضوء في اليد ، وهو لايقول به . وظاهر المحقّق الأردبيلي في آيات الأحكام وجود قول نادر من الأصحاب بجواز

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 71 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ؛ وحكاه أيضا في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 54 ؛ وعنه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 247 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 58 ، ح 163 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 58 _ 59 ، ح 173 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1061 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 59 ، ح 164 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 59 ، ح 174 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 408 _ 409 ، ح 1060 .

ص: 310

الاستيناف مطلقا ، ولم أجده . وفي المنتهى (1) : «أوجب الجمهور الاستيناف إلّا مالكا ؛ فإنّه أجاز المسح بالبقيّة ، وهو منقول عن الحسن وعروة والأوزاعي 2 » . وردّ عليهم بما نقلوه عن عثمان ، قال : «مسح رسول اللّه صلى الله عليه و آله مقدّم رأسه بيده مرّة واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا» (2) . وعلى المشهور لو لم يبق نداوة في اليد يأخذها من أعضاء الوضوء ، ومع عدمها فيها يستأنف الوضوء إلّا مع الضرورة كالحرّ والريح الشديدين ، فيستأنف حينئذٍ ماء جديدا للمسح ، وبذلك جمعوا بين ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : ربّما توضّأت فنفد الماء ، فدعوت الجارية فأبطأت عَلَيّ بالماء فيجفّ وضوئي ؟ قال : «أعِد» (3) . وفي الموثّق عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك ، فأعِد وضوءك ؛ فإنّ الوضوء لايبعّض» (4) . وما رواه في الصحيح عن حريز في الوضوء يجفّ ، قال : قلت : فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ؟ قال : «جفّ أو لم يجفّ اغسل ما بقي» . قلت : وكذلك غسل الجنابة ؟ قال : «هو بتلك المنزلة ، وابدأ بالرأس ثمّ أفض على سائر جسدك» . قلت :

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 53 .
2- .. كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 443 _ 444 ، ح 26890 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 138 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 112 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 88 ، ح 231 ؛ وص 98 ، ح 256 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 72 ، ح 221 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 447 ، ح 1177 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 87 ، ح 230 ؛ وص 98 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 446 ، ح 1176 . ورواه الصدوق في الباب 214 من علل الشرائع ، ح 2 .

ص: 311

باب مسح الخفّ

وإن كان بعض يوم ؟ قال : «نعم» (1) . حملاً للأخير على ما إذا تتابع المتوضّئ أعضاءه من غير فصل لكن جفّفته الريح الشديدة أو الحرّ العظيم . فرع : الظاهر أنّه لايشترط فيالمسح ببقيّة البلل عدم تحقّق الغَسل كالدهن ؛ لأنّ التكليف بالمسح بحيث لايحصل معه ذلك ويظهر البلل عليه تكليف شاقّ يأبى عنه الملّة الحنيفيّة ، ولصدق المسح معه عرفا بل لغة أيضا . فإن قيل : التقابل بينه وبين الغسل في الآية والأخبار دليل على مغايرتهما وتحقّق مسمّى الغسل ينافيه . قلنا : الظاهر أنّ المقابلة باعتبار النيّة ، أو باعتبار عدم جواز المسح في المغسول ، أو باعتبار عدم وجوب الغسل في الممسوح ، ولعلّه على هذا المعنى ورد صحيحة زرارة عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قال لي : «لو أنّك توضّأت فجعلت مسح الرجلين غسلاً ثمّ أضمرت أنّ ذلك من المفروض ، لم يكن ذلك بوضوء» (2) . فما ذكر في المسالك من اشتراط ذلك بعيد ، نعم يمكن كونه أحوط لو أمكن تحقّقه ، فتأمّل .

باب مسح الخفّمن ضروريّات مذهب أهل البيت عليهم السلام وجوب المسح على بشرة القدمين وعدم جوازه على حائل خُفّا كان أو جوربا أو غيرهما ، سفرا وحضرا اختيارا ، وجوازه لضرورة للتقيّة والبرد ونحوهما (3) ، وهو عقيدة مالك في آخر عمره (4) ، وكان قائلاً

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 88 ، ح 232 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 72 ، ح 222 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 447 ، ح 1178 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 66 ، ح 186 ؛ وص93 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 220 ، ح 1099 .
3- .. اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 172 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 303 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 223 .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 204 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 78 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 484 هامشه ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 19 ، حكى عنه المنع مطلقا ؛ وفي بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 7 عن مالك : «يجوز للمسافر ولا يجوز للمقيم» ، وحكي في المجموع ، ج 1 ، ص 476 عن مالك ستّة أقوال : أحدها عدم الجواز مطلقا ، وخامسها جوازه للمسافر دون المقيم .

ص: 312

بالمسح على الخفّين ابتداء ، خلافا لباقي الفقهاء حيث قالوا بالتخيير بين غسل الرجلين والمسح على الخفّين (1) ، واحتجّوا على جوازه بما رواه أبوسعيد البدري (2) والمغيرة بن شعبة (3) أنّه صلى الله عليه و آله مسح على الخفّين ، ونعم [ ما ] قال الصدوق رضى الله عنه : «إنّه لم يعرف للنبيّ صلى الله عليه و آله خفّ إلّا خفّا أهداه له النجاشي وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقا ، فمسح النبيّ صلى الله عليه و آله على رجليه وعليه خفّاه ، فقال الناس : إنّه مسح على خفّيه» (4) . وقد نقلوا هم عن عائشة أنّه قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره» (5) . وعنها أنّها قالت : لئن أمسح على ظهر عَير (6) بالفلاة أحبّ إلِيّ من أن أمسح على خفّي (7) . وعنها أنّها قالت : لئن تسقط رجلاي بالمواسي أحبّ إلَيّ من أن أمسح على

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 173 ؛ التفسير الكبير ، ج 11 ، ص 163 ، المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 97 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 7 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 18 ؛ بلغة السالك ،ج 1 ، ص 58 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 283 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 148 .
2- .. كذا في جميع النسخ ، ومثله في منتهى المطلب للعلاّمة الحلّي ، ج 2 ، ص 80 . ولم أجد له ترجمة ، والظاهر أنّه مصحّف عن «أبيمسعود البدري» ، وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري ، نزل الكوفة ، واستخلفه أميرالمؤمنين عليه السلام عليها عند ما صار إلى صفّين ، مات سنة 40 ه ق ، وقيل: قبله وقيل : بعده . راجع : اُسد الغابة ، ج 3 ، ص 419 ؛ تهذيب الكمال ، ج 20 ، ص 215 _ 218 ، الرقم 3984 .
3- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 42 ، ح 156 ؛ المستدرك للحاكم، ج 1 ، ص 170 . وعنهما البيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 284 ؛ وص 58 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 92 ، ح 130 ؛ أمالي المحاملي ، ص 258 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 4 ، ص 64 ؛ المعجم الكبير له أيضا ، ج 20 ، ص 280 و414 و427 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 200 ، ح 728 ؛ وص 729 و730 ؛ مسند أبيحنيفة لأبينعيم ، ص 85 و86 و256 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 48 ، ذيل ح 97 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 461 ، ح 1221 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 98 ، ح 96 ؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 460 ، ح 1220 .
6- .. العير : الحمار الوحشي . وفي هامش «ج» : «يعني عير الفلاة ، ويحتمل أن يقرأ : عنزة بالعين المهملة والزاي المعجمة والتاء المنقّطة بنقطتين من فوق . منه ره» .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 98 ، ح 97 ؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 93 .

ص: 313

الخفّين (1) . وقد نقلوا أيضا عنه صلى الله عليه و آله في الوضوء البياني أنّه مسح على الرجلين وقال : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» (2) ، وقد سبق . وعن عليّ عليه السلام ، أنّه قال : «ما اُبالي أمسحت على الخفّين أو على ظهر عَير بالفلاة» (3) . وعن ابن عبّاس ، أنّه قال : «سبق كتاب اللّه المسح على الخفّين» (4) . ومن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب ، وما رواه الشيخ عن رقبة بن مصقلة (5) ، قال : دخلت على أبيجعفر عليه السلام ، فسألته عن أشياء ، فقال : «إنّي أراك ممّن يفتي في مسجد العراق ؟» فقلت : نعم ، فقال : «مَن أنت ؟» فقلت : ابن عمّ لصعصعة . فقال : «مرحبا بك يابن عمّ صعصعة» . فقلت له : ما تقول في المسح على الخفّين؟ فقال : «عمر كان يراه ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ، وكان أبي لايراه في سفر ولا حضر» . فلمّا خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب فقال لي : «أقبل يابن عمّ صعصعة» . فأقبلت عليه فقال : «إنّ القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون ، وكان أبي لايقول برأيه» (6) .

.


1- .. الناصريّات ، ص 131 ؛ غنية النزوع ، ص 60 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 80 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 98 ؛ التفسير الكبير ، ج 11 ،6 ص 163 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ، وفي الأخيرين : «لأن تقطع قدماي أحبّ . . .» . ونحوه في المصنفّ لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 214 ، الباب 217 ، ح 10 .
2- .. المسائل الصاغانيّة للشيخ المفيد ، ص 117 ؛ المسح على الرجلين ، ص 17 ، وقد تقدّم .
3- .. المعتبر ، ص 153 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 173 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 80 ، ولم أجده في المصادر الحديثيّة . وفي النهاية لابن الأثير ، ج 3 ، ص 328 (عير) : «العير : الحمار الوحشي ، . . . [ ومنه ] حديث عليّ : لأن أمسح على ظهر عَير بالفلاة» ، ومثله في لسان العرب ، ج 4 ، ص 62 (عير) .
4- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 273 ، وفيه : «سبق الكتاب . . .» ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 213 ، ح 4 بلفظ : «سبق الكتاب الخفّين» . وروي نحوه عن عليّ عليه السلام في : تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1091 ؛ وص 362 ، ح 1092 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 16 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 458 ، ح 1212 .
5- .. رقبة بن مصقلة من رجال العامّة وثقاتهم ، وكان مفتيا بالكوفة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 6 ، ص 156 ، الرقم69 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 2 ، ص 424 ، الرقم 4 ؛ تهذيب الكمال ، ج 9 ، ص 219 _ 221 ، الرقم 1923 ؛ تاريخ أسماء الثقات ، ص 88 ، الرقم 373 ؛ التعديل والتجريح ، ج 2 ، ص 606 ، الرقم377 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1089 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 459 _ 460 ، ح 1216 .

ص: 314

وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن المسح على الخفّين ؟ فقال : «لاتمسح» ، وقال : «إنّ جدّي قال : سبق الكتاب الخفّين» . وقال : «لاتمسح على خُفّ» (1) . وعن أبيالورد ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليّا عليه السلام أراق الماء ثمّ مسح الخفّين ! فقال : «كذب أبوظبيان ، أما بلغكم قول عليّ عليه السلام : فيكم سبق الكتاب الخفّين؟» فقلت : فهل فيها رخصة ؟ فقال : «لا ، إلّا من عدوّ تتّقيه ، أوثلج تخاف على رجليك» (2) . ومعنى قوله عليه السلام : «سبق الكتاب الخفّين» أنّه نسخ المسح عليهما ، وعبّر عن النسخ بالسبق ؛ فإنّ الناسخ مقدّم في الاعتبار على المنسوخ ، ويفهم منه أنّ المسح عليهما كان جائزا ثمّ نسخ ، ويدلّ عليه صحيح زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وفيهم عليّ عليه السلام ، فقال : ماتقولون في المسح على الخفّين ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمسح على الخفّين . فقال عليّ عليه السلام : قبل المائدة أو بعدها ؟ فقال : لا أدري . فقال عليّ عليه السلام : سبق الكتاب الخفّين ؛ إنّما اُنزلت المائدة قبل أن تقبض بشهرين أو ثلاثة» (3) . وعن عليّ عليه السلام : «أنّه نسخ الكتاب المسح على الخفّين» (4) . وروي أنّه لمّا روى أبوسعيد البدري أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مسح على الخفّين ، قال له عليّ عليه السلام :«قبل نزول المائدة أو بعده ؟» فسكت أبوسعيد (5) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1088 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 459 ، ح 1213 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 362 ، ح 1092 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 76 ، ح 36 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 458 ، ح 1211 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1091 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 458 ، ح 1212 .
4- .. الناصريّات ، ص 130 _ 131 . وورد بلفظ «سبق الكتاب . . . » في : الإرشاد للشيخ المفيد ، ج 2 ، ص 161 ؛ الجعفريّات ، ص 24 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 335 ، ح 768 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 272 ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 1 ، ص 339 _ 340 و346 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 80 ، وأورده في التذكرة ، ج 1 ، ص 172 _ 173 ، وفيه : «أبومسعود البدري» ، ومثله ف في الذكرى للشهيد ، ج 2 ، ص 156 _ 157 .

ص: 315

باب الجبائر والقروح والجراحات

وكان ذلك صار سببا لاختلاف الاُمّة ؛ لعدم اطّلاع أكثرهم على النسخ . ولايبعد أن يقال : إنّه عليه السلام إنّما قال ذلك على سبيل التنزّل ، وإلّا فقد ظهر من الأخبار تعيّنه رأسا . [قوله] في حسنة زرارة : (ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحدا) . [ ح 2/3954 ] استشكل ذلك لوجوب التقيّة مطلقا لا سيّما فيما عدا شرب المسكر . واُجيب بوجهين : أحدهما أنّه لايضطرّ إلى شيء من هذه الثلاثة ؛ أمّا شرب المسكر ؛ فلأنّ العامّة لايوجبونه مطلقا وإن جوّزه بعضهم في النبيذ (1) ، وكذا مسح الخفّين ؛ فإنّهم وإن أوجبوه لكن على التخيير بينه وبين غسل الرجلين ، فحين التقيّة يمكن غسلهما ، وأمّا متعة الحجّ ؛ فلأنّهم يحجّون قرانا بمعنى جمع العمرة والحجّ بنيّة واحدة وإحرام واحد وسياق هدي ، ولا فارق بينه وبين حجّ التمتّع إلّا بتقصير بعد الطواف والسعي ونيّة إحلال وإحرام جديد للحجّ ، والنيّة أمر قلبي لايُطّلع عليه ، والتقصير يمكن إخفاؤه ، وفي حجّ الإفراد يستحبّون قدوم مكّة وطوافا وسعيا له ، على أنّهم لايحرّمون التمتّع يل يجوّزونه إجماعا منهم وإن عدّوا القِرانَ أفضل منه . وثانيهما : ما فهمه زرارة وحاصله أنّه عليه السلام إنّما نفى التقيّة فيهنّ عن نفسه ، ولم يقل : «لا تتّقوا فيها» ، وإنّما نفاها عن نفسه ؛ لعلمه عليه السلام بأنّه لايضطرّ إليها وإن وجبت على غيره .

باب الجبائر والقروح والجراحاتمن كان على بعض أعضاء طهارته جبيرة من قرح أو جرح أو طلي دواء ونحوها ، ففيالغُسل وأعضاء الغَسل من الوضوء إن أمكن نزعها وغَسل البشرة يتخيّر المتطهّر بين نزعها وتكرير الماء عليها حتّى يصل إلى البشرة بشرط طهارة المحلّ ، وإن تعذّر

.


1- .. المجموع للنووي، ج 2 ، ص 564 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 24 ، ص 20 .

ص: 316

النزغ تعيّن التكرير ، وإن تعذّرا مسح على ظاهرها . وفي أعضاء المسح من الوضوء إن أمكن النزع والمسح على البشرة ، وإلّا مسح على الجبيرة ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب (1) ، وهو المستفاد من أخبار الباب الدائرة بين الصحيح والحسن . وممّا رواه الشيخ من حسنة كليب الأسدي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : «إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ» 2 . وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الجنب به الجرح فيتخوّف الماء إن أصابه . قال : فقال : «لايغسله إن خشي على نفسه» (2) . وحسنة الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن الداء إذا كان على يدي الرجل الخرقة يمسح على طلي الدواء ؟ (3) فقال : «نعم ، يجزيه أن يمسح عليه» (4) . وخبر محمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : في الرجل يحلق رأسه ثمّ يطليه بالحنّاء ويتوضّأ للصلاة ، فقال : «لا بأس بأن يمسح رأسه والحنّاء عليه» (5) . وصحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحنّاء

.


1- .. اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 207 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 363 ، ح 1099 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 261 ، ح 2106 .
3- .. في المصدر : «سألت أباالحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يد الرجل أيجزيه أن يمسح على طلي الدواء ؟» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1105 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 465 _ 466 ، ح 1235 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1081 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 232 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 465 ، ح 1205 .

ص: 317

ثمّ يبدو له في الوضوء ، قال : «يمسح فوق الحنّاء» (1) . فقد حملهما الشيخ على ما إذا تعذّر نزع الحنّاء وإيصال الماء إلى البشرة ، وقال : وإذا لايمكن إيصال الماء إلى البشرة من غير مشقّة فلايجوز غيره ؛ مستندا بمارواه مرسلاً عن أبيعبداللّه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمّ يبدو له في الوضوء ، قال : «لا يجوز حتّى يصيب بشرة رأسه الماء» (2) . وروى في الذكرى من طريق العامّة أنّ عليّا عليه السلام قال : «انكسر إحدى زَندَيَ فسألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأمرني أن أمسح على الجبائر» . وقال : الزند : عظم الذراع ، وتأنيثه بتأويل الذراع (3) . وقد روي في بعض الأخبار العدول إلى التيمّم في الجنب ، رواه الشيخ في الصحيح عن داوود بن سرحان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ؛ في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد ، قال : «لاتغتسل ويتيمّم» (4) . وفي الحسن عن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» (5) . وعن محمّد بن مسكين وغيره ، عن أبيعبد اللّه عليه السلام ، قال : قيل له : إنّ فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات ، فقال : «قتلوه ، ألاّ سألوا ؟ ألاّ يمّموه ؟ إنّ شفاء

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1079 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 232 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 455 _ 456 ، ح 1204 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1080 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 76 ، ح 234 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 196 _ 197 . والحديث في مسند زيد بن عليّ ، ص 83 ، ومن طريقه رواه ابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 215 ، ح 657 ؛ والدارقطني في سننه ، ج 1 ، ص 233 ، ح 867 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 228 ، كتاب الطهارة ؛ وفي معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 300 ، ح 343 ؛ وأورده الشافعي في الاُمّ ، ج 1 ، ص 60 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 409 ؛ والعلّامة في التذكرة ، ج 1 ، ص 207 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 ، ح 531 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 348 ، ح 3831 .
5- .. وهو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 ، ح 533 ، وفيه : «إذا أصابتهما الجنابة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 347 و348 ، ح 3827 و3833 .

ص: 318

العَيّ السؤال» (1) . قال : وروي ذلك في الكسير والمبطون : «يتيمّم ولايغتسل» (2) . وعن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» (3) . ولايبعد الجمع بالقول بالتخيير بين التيمّم والغسل فيه ، وبه يشعر ما يرويه المصنّف في باب الكسير والمجدور من صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن الجنب يكون به القروح ، قال : «لا بأس بأن لايغتسل ويتيمّم» (4) . وما رواه في الذكرى عن جابر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في المشجوج لمّا اغتسل من احتلامه فمات لدخول الماء شجّته : «إنّما كان يكفيه أن يتيمّم ويعصب على رأسه خرقة ثمّ يمسح عليها ويغسل سائر جسده» (5) . وهو أظهر في المراد ؛ فإنّ الواو في قوله عليه السلام : «ويعصب» بمعنى أو ، وحملها على الجَمع بعيد ؛ للأصل . وربما جمع بينها وبين ما تقدّمها بحمل هذه على ما إذا تضرّر بغسل ما حولها ، وهو أيضا جيّد ؛ فإنّ ما حولها حينئذٍ عضو مريض فيتعيّن التيمّم حينئذٍ ؛ لعموم قوله تعالى : «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى » إلى قوله : «فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (6) ، وقد صرّح بذلك المحقّق في المعتبر ، هذا في الغسل (7) .

.


1- .. هذا هو الحديث 5 من الباب الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 107 ، ح 219 ؛ والشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 184 ، ح 529 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 346 ، ح 3824 .
2- .. المصادر المتقدّمة غير الفقيه .
3- .. مكرّر لما تقدّم آنفا .
4- .. وهو الحديث الأوّل من الباب .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 199 . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 85 ، ح 336 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص227 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 302 ، ح 346 .
6- .. النساء (4) : 43 ؛ والمائدة (5) : 6 .
7- .. «أ» : - «هذا في الغسل» .

ص: 319

وأمّا الوضوء ، فلم أجد خبرا دالاًّ على التيمّم فيه ، فالظاهر تحتّم الجبيرة فيه بمقتضى ما ذكر من الأخبار ، وإنّما التيمّم فيه في المريض فقط . واعلم أنّ ظاهر صحيحتي عبدالرحمان بن الحجّاج وعبداللّه بن سنان وحسنة الحلبي جواز الاكتفاء بغسل ما عدا موضع الجبيرة ، وبه قال الشهيد في الذكرى (1) ، مخصّصا إيّاه بما لو لم يكن على الجرح خرقة ، وكأنّه أراد بذلك ما لو يتمكّن من وضع الخرقة عليه وما يشبهه من طلي الدواء . وقال صاحب المدارك : «ولولا الإجماع المدّعى على وجوب المسح على الجبيرة لأمكن القول بالاستحباب والاكتفاء بغسل ما حولها» (2) . ثمّ اعلم أنّ ظاهر إطلاق الأخبار ثبوت حكم الجبيرة وإن استوعبت محلّ الفرض ، وصرّح به الشهيد في الذكرى (3) ، والعلّامة في المنتهى (4) ، وهل يجب استيعاب المسح على الجبيرة في مواضع الغسل ؟ حكى في الذكرى (5) عن الفاضلين (6) وجوبه وحسّنه ؛ عملاً بظاهر كلمة «عليها» ، ولأنّه بدل ممّا يجب إيعابه ، وعُدّ في المبسوط أحوط (7) . وأمّا في موضع المسح فالظاهر وفاقهم على عدم وجوبه كأصله ، وربما قيل بعدم وجوبه مطلقا ؛ لصدق المسح على الجبيرة بالمسح على أكثر أجزائها ، وهو الأظهر ؛ لتعذّر الإيعاب الحقيقي في المسح بخلاف الغسل . وظاهر الأخبار إجزاء الصلاة التي صلّيت بالجبائر وعدم وجوب إعادتها ، وقد أجمعت الاُمّة عليه إلّا ما حكاه في المنتهى (8) عن الشافعيّة من وجوب إعادتها مطلقا ،

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 197 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 238 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 198 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 130 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 199 .
6- .. المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 409 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 207 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
8- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 128 . بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 14 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، 324 ؛ مغني المحتاج ، ف ج 1 ، ص 107 .

ص: 320

أومع نجاسة المحلّ ، بل صرّح جماعة من الأصحاب بعدم وجوب إعادة الوضوء أيضا عند زوال العذر ؛ لأنّه قد ارتفع حدثه بذلك الوضوء (1) . وقال الشيخ في المبسوط بوجوب إعادته (2) ، وتبعه جماعة (3) ، وربما علّل ذلك بأنّه لايرفع الحدث ؛ قياسا على وضوء المستحاضة ، وهو ضعف في ضعف ، هذا . ولو كانت الجبيرة على موضع التيمّم فيمسح عليها كما في الطهارة المائيّة ، صرّح به جماعة منهم الشهيد في الذكرى (4) ، ولم أجد مخالفا لهم ، ووجهه ظاهر . [قوله] في صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج : (يغسل ما وصل إليه الغُسل) . [ ح 1/3955 ] في نهاية ابن الأثير : «الغُسل _ بالضمّ _ : الماء الذي يغتسل به كالاُكل لما يؤكل ، وهو الاسم أيضا من غسلته ، والغَسل بالفتح المصدر ، وبالكسر ما يُغسل به من خطميّ وغيره» (5) . وقوله : «يعبث» _بالجزم _ عطف على «ينزع» ، وفي التهذيب : «ولايعبث» (6) . وليس الخبر صريحا في عدم وجوب المسح على الجبيرة ، والاكتفاء بغسل ما حوله وإن احتمله ؛ لاحتمال أن يراد من قوله : «ويدع ما سوى ذلك» أنّه لايغسله ، لا أنّه يدعه مطلقا ؛ للجمع ، ولعلّ في الخبر إشعارا بذلك . وكذا قوله عليه السلام : «واغسل ما حوله» في حسنة الحلبي (7) .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 199 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 303 ؛ الذكرى ، ج 2 ، ص 201 ؛ المدارك ، ج 1 ، ص 240 .
4- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 18 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 82 ؛ الرسائل العشر لابن فهد ، ص 42 .
5- .. النهاية ، ج 3 ، ص 367 _ 368 (غسل) .
6- .. تهذيب الأخبار ، ج 1 ، ص 362 ، ح 1094 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 77 ، ح 238 .
7- .. وهو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .

ص: 321

باب الشكّ في الوضوء ومن نسيه أو قدّم أو أخّر

باب الشكّ في الوضوء ومن نسيه أو قدّم أو أخّرفيه مسائل : الاُولى : أجمع الأصحاب على أنّ من تيقّن الحدث وشكّ في الوضوء بعده ، فهو في حكم المحدث ، وعلى أنّه متطهّر في عكسه ؛ لأنّ اليقين لا يُرفع بالشكّ ، واحتجّ في التهذيب على الأوّل بأنّه مأخوذ على الإنسان ألاّ يدخل في الصلاة إلّا وهو على طهارة ، فإذا تيقّن أنّه قد أحدث فينبغي أن لاينصرف عن هذا اليقين إلّا بيقين مثله من حصول الطهارة (1) ، وهو راجع إلى ما ذكر ، وعلى الثاني بما رواه المصنّف من موثّق عبداللّه بن بكير (2) . الثانية : أجمعوا أيضا على أنّ من شكّ في شيء من أفعال الوضوء وهو على حاله أتى به وبما بعده ، وإن شكّ بعد الفراغ منه لايلتفت إليه ، ويدلّ عليهما حسنة زرارة (3) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن عبداللّه بن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره ، فليس شكّك في شيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تَجزه» (4) . وبسندين صحيحين عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة ، قال : «يمضي على صلاته ولا يعيد» (5) . وفي الموثّق عن بكير بن أعين ، قال : قلت : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ؟ قال : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 103 ، في آخر الباب 4 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 102 ، ح 268 .
3- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 101 ، ح 262 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 469 _ 470 ، ح 1244 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 101 ، ح 264 ؛ وص 102 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 469 _ 470 ، ح 1244 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 101 ، ح 265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 471 ، ح 1249 .

ص: 322

ويستفاد من قوله عليه السلام : «وإن شككت في مسح رأسك» إلخ في حسنة زرارة (1) إعادة المشكوك وما بعده لو شكّ بعد الوضوء في شيء من أعضاء المسح مع بقاء البلّة ، وحمل على الندب بقرينة صدر ذلك الخبر وغيره . الثالثة : أجمعوا أيضا على أنّ من نسي الوضوء كلاًّ أو بعضا وصلّى أو شرع في الصلاة ، يعيدها بعد الوضوء ؛ لاشتراطها بالطهارة ، ولخبر سماعة عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره اللّه في القرآن كان عليه إعادة الوضوء والصلاة» (2) . وفي نسيان عضو يستأنف الوضوء إن جفّت أعضاؤه ، وإلّا فيتمّه ثمّ يستأنف الصلاة ؛ لتحقّق الموالاة المعتبرة فيه ؛ ويدلّ عليه مارواه المصنّف من حسنة الحلبي (3) . الرابعة : لو تيقّن الطهارة والحدث معا وشكّ في المتأخّر منهما ، فالمشهور بين الأصحاب أنّه محدث ، صرّح به الشيخان في المقنعة (4) والمبسوط (5) ، والشهيد في اللمعة (6) ، وعُلّل في التهذيب بأنّه مأخوذ على الإنسان أن لايدخل في الصلاة إلّا بطهارة ، فينبغي أن يكون مستيقنا بحصول الطهارة له ليسوغ له الدخول بها في الصلاة (7) . وإنّما علّل بذلك لعدم نصّ في المسألة في كتب الأخبار المتداولة ، وهذا الحكم يتمّ فيمن يعرف حاله قبل تصادم الاحتمالين أيضا ؛ لأنّها إن كانت طهارة فقد علم نقض تلك الطهارة وشكّ في مزيل الناقض ؛ لجواز تعاقب الطهارتين ،وإن كانت حدثا

.


1- .. هو الحديث 2 من الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 100 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 469 ، ح 1243 .
2- .. التهذيب ، ج 1 ، ص 102 ، ح 266 ؛ وج 2 ، ص 200 _ 201 ، ح 786 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 451 ، ح 1190 .
3- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
4- .. المقنعة ، ص 50 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 24 .
6- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 334 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 102 .

ص: 323

فلا تقطع بالطهارة ؛ لجواز وقوع الطهارة بين الحدثين ، فيرجع في كلتا الحالين إلى صورة اليقين في الحدث والشكّ في الطهارة . وللأصحاب فيه مقالات ذكرها الشهيد في الذكرى ، فقد حكى القول المذكور واحتجاج الشيخ عليه بما ذكر ، ثمّ قال : والحكم ظاهر ، غير أنّ المحقّق في المعتبر قال : «عندي في ذلك تردّد ، ويمكن أن يقال : ينظر حاله قبل تصادم الاحتمالين : فإن كان حدثا بنى على الطهارة ؛ لأنّه تيقّن انتقاله عن تلك الحال إلى الطهارة ولم يعلم تجدّد الانتقاض ، فصار متيقّنا للطهارة وشاكّا في الحدث ، فيبني على الطهارة ، وإن كان [ قبل التصادم ]متطهّرا بنى على الحدث ؛ لعين ما ذكرناه من التنزيل» (1) ، هذا لفظه . والفاضل عكس ، وعبارته في المختلف هذه : «إذا تيقّن عند الزوال أنّه نقض طهارة (2) وتوضّأ عن حدث وشكّ في السابق ، فإنّه يستصحب حال السابق على الزوال ، فإن كان في تلك الحال متطهّرا فهو على طهارته ؛ لأنّه تيقّن أنّه نقض تلك الطهارة ثمّ توضّأ ، ولا يمكن أن يتوضّأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ، ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه ، فلا يزول عن اليقين بالشكّ ، وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث ؛ لأنّه تيقّن أنّه انتقل عنه إلى طهارة ثمّ نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها» (3) . قلت : فهذان لو سلّما فليس فيهما منافاة لقول الأصحاب ؛ إذ مرجعهما إلى تيقّن أحدهما والشكّ في الآخر ، والأصحاب لاينازعون (4) في ذلك ، ويرد توجيه كلّ منهما (5) نقضا على الآخر . وأيضا يمكن تعقّب الطهارة للطهارة في التجديد وتعقّب الحدث للحدث . ولمّا استشعر في غير المختلف ذلك قيّدهما بكونهما متّحدين متعاقبين ، وحكم

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 170 _ 171 .
2- .. في المصدر : «الطهارة» .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 308 ، ومثله في منتهى المطلب ، في ج 2 ، ص 142 ؛ ونهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 60 .
4- .. في المصدر : «لايتنازعون» .
5- .. في هامش «أ» : «يعني المحقّق والفاضل . منه» .

ص: 324

باستصحاب السابق (1) ، وهو إذا تمّ ليس من الشكّ في شيء الذي هو موضوع المسألة ؛ لأنّها اُمور مترتّبة علم ترتيبها ، غايته أنّه يلتبس السابق ؛ لعدم لحظ الذهن الترتيب ، فهو كالشاكّ في المبدأ في السعي وهو يعلم الزوجيّة والفرديّة ، فإنّه متى لحظ الذهن علم المبدأ ، ولايسمّى استصحابا عند العلماء» . وقد نقل عنه أراد به لازم الاستصحاب ، وهو البناء على السابق ، وإذا لم يعلم الحال قبل تصادم الاحتمالين فلا شكّ فيما قاله الأصحاب . وفي التذكرة حكى الوجوه الثلاثة من العامّة (2) ، وعلّل وجه البناء على الضدّ باحتمال تجديد الطهارة في صورة سبق الطهارة ، وباحتمال تعقّب الحدث على زمان تصادم الاحتمالين ، قال : «ولو لم يكن من عادته التجديد ، فالظاهر أنّه متطهّر بعد الحدث ، فيباح له الصلاة» ، وعلّل بالاستصحاب وأسقط حكم الحدث والطهارة الموجودين بعد التيقّن ؛ لتساوي الاحتمالين فيهما ، فتساقطا ويرجع إلى المعلوم أوّلاً (3) . ويضعّف بتيقّنه الخروج عن ذلك السابق إلى ضدّه ، فكيف يبنى على ما علم الخروج منه ؟ ! وبالجملة فإطلاق الإعادة لاينافيه هذان الفرضان ؛ لأنّ مورد كلامهم الشكّ ، وهما إن تمّا أفادا ظنّا ، وأمّا الاتّحاد والتعاقب فمن باب اليقين» انتهى (4) . وهذه الأحكام تجري في الغسل والحدث الموجب له أيضا ، إلّا أنّه في صورة نسيان عضو أتى به وبما بعده على ما هو المشهور من اعتبار الترتيب فيه وإن جفّت الأعضاء السابقة ؛ لعدم اشتراط التوالي فيه على الأظهر والأشهر . الخامسة : أجمعوا أيضا على وجوب الترتيب فيه فيما عدا الرجلين ، واستدلّ له بقوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (5) ؛ حيث أوجب غسل الوجه عقيب إرادة القيام إلى الصلاة ؛ لاقتضاء الفاء التعقيب وإن كانت جزائيّة ، وإذا ثبت

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 211 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 85 .
2- .. اُنظر : المجموع للنووي، ج 2 ، ص 64 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 81 _ 82 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 39 .
3- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 211 .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 205 _ 207 .
5- .. المائدة (5) : 6 .

ص: 325

تقديمه يلزم الترتيب في سائر الأعضاء بالإجماع المركّب ، وربّما قيل بإفادة الواو أيضا الترتيب ، نقلاً عن الفرّاء (1) وقطرب (2) وثعلب (3) وأبوعبيد القاسم بن سلاّم (4) ؛ محتجّا بما ثبت من الطريقين : أنّ الصحابة سألوا النبيّ صلى الله عليه و آله : بأيّهما نبدأ؟ حين نزل قوله تعالى : «إِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ » (5) ، فقال عليه السلام : «ابدأُوا بما بدأ اللّه به» 6 .

.


1- .. أبوزكريّا يحيى بن زياد بن عبداللّه بن منظور الأسلمي الديلمي الكوفي ، إمام النحويّين ، حكي عن ثعلب أنّه قال : لولا الفرّاء لما كانت عربيّة ؛ لأنّه خلّصها وضبطها . ولد بالكوفة وعهد إليه المأمون بتربية ابنيه ، فكان أكثر مقامه ببغداد ، توفّي سنة 207 في طريق مكّة ، من كتبه : كتاب البهاء ، معاني القرآن ، المقصور والممدود ، المذكّر والمؤنّث ، الفاخر ، مشكل اللغة . راجع : تاريخ بغداد ، ج 14 ، ص 154 _ 159 ، الرقم 7467 ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 4 ، ص 352 _ 353 ؛ الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 18 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 8 ، ص 145 _ 146 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 13 ، ص 198 .
2- .. محمّد بن المستنير بن أحمد البصري أبوعليّ النحوي اللغوي المعروف بقطرب ، أخذ عن سيبويه وعن جماعة من علماء البصرة ، ويقال : إنّ سيبويه لقّبه قطربا ؛ لمباكرته إيّاه في الأسحار ، والقطرب دويبّة تدبّ ولا تفتر ، وكان قطرب معتزليّا وأخذ عن النظّام ، مات سنة 206 ه ق ، وله من الكتب : الأزمنة ، الأضداد ، العلل في النحو ، غريب الحديث ، ما خالف فيه الإنسان البهيمة ، المثلّثات ، معاني القرآن ، والنوادر في اللغة . راجع : تاريخ بغداد ، ج 4 ، ص 67 ، الرقم 1072 ؛ لسان الميزان ، ج 5 ، ص 378 _ 379 ، الرقم 1229 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 95 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 15 .
3- .. هذا هو الظاهر ؛ فإنّه قائل بدلالة الواو على الترتيب على ما في مغني اللبيب لابن هشام ، ج 2 ، ص 354 ، وفي الأصل : «تغلب» . وثعلب هو أبوالعبّاس أحمد بن يحيى بن زيد النحوي الشيباني مولاهم ، إمام الكوفيّين في اللغة والنحو ، قرأ على ابن الأعرابي ومحمّد بن سلّام والزبير بن بكّار ، وسمّي ثعلب ؛ لأنّه كان إذا سئل عن مسألة أجاب عن هاهنا وهاهنا ، فشبّهوه بثعلب إذا أغار ، من مصنّفاته : اختلاف النحويّين ، إعراب القرآن ، الفصيح ، ما ينصرف وما لاينصرف ، المصون في النحو ، معاني الشعر ، معاني القرآن . راجع : تاريخ بغداد ، ج 5 ، ص 414 _420 ، الرقم 2997 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 129 _ 130 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 203 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 267 .
4- .. أبوعبيد القاسم بن سلّام الهروي من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه ، وكان أبوه عبدا روميّا ، ولد أبوعبيد سنة 150 بهراة وتعلّم بها ، ثمّ رحل إلى بغداد ، وأخذ العلم عن جماعة ، وروى عن الأصمعي وابن الأعرابي وأبيزيد الأنصاري والفرّاء والكسائي ، حجّ في سنة 224 فتوفّي بمكّة ، من كتبه : أدب القاضي ، الأجناس من كلام العرب ، الأمثال ، الأموال ، غريب الحديث ، غريب القرآن ، فضائل القرآن ، المذكّر والمؤنّث ، المقصور والممدود . راجع : تاريخ بغداد ، ج 12 ، ص 401 _ 412 ، الرقم 6868 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 18 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 176 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 8 ،ص 101.
5- .. البقرة (2) : 158 .

ص: 326

واُجيب عنه بأنّه لو كان الواو للترتيب ، لما احتاجوا إلى السؤال ؛ لأنّهم كانوا من أهل اللسان . على أنّ المستفاد من الخبر ترتّب الترتيب على مطلق الابتداء لا من حيث العطف ، وهو غير المتنازع مع أنّه ممّا لم يقل به أحد . وربّما احتجّ عليه بأنّ الصحابة أنكروا على ابن عبّاس حيث أمرهم بتقديم العمرة على الحجّ وقالوا : لِمَ تأمرنا بالعمرة قبل الحجّ واللّه تعالى يقول : «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » ؟ . وما ذلك الإنكار إلّا لأنّهم فهموا الترتيب منها . واُجيب عنه بأنّ إنكارهم تقديم العمرة معارض بأمر ابن عبّاس بتقديمها ، فإنّه لو كانت الواو للترتيب لما أمرهم به ، بل هذا أدلّ على عدم كونها للترتيب من دلالة إنكارهم على كونها له ؛ لأنّ أمره بذلك يدلّ قطعا على عدم فهمه الترتيب منها . وأمّا إنكارهم ، فلا يدلّ على فهمهم الترتيب ؛ لجواز فهمهم منها الجمع المطلق الموجب لجواز تقديم كلّ منهما على الآخر ، وأن يكون إنكارهم على ابن عبّاس لقوله بتحتّم تقديمها (1) . والعمدة في المسألة ما سبق من أخبار الوضوء البياني ، وحسنتا الحلبي (2) وزرارة (3) ، وموثّقة سماعة (4) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، قال : سئل أحدهما عليهماالسلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه وبرجليه قبل يديه ، قال : «يبدأ بما بدأ اللّه به وليعد ما كان» (5) .

.


1- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
2- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
3- .. الإحكام للآمدي ، ج 1 ، ص 67 ؛ وانظر : المحصول للرازي ، ج 1 ، ص 366 .
4- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 97 ، ح 252 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 76 ، ح 224 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 450 ، ح 1186 .

ص: 327

وعن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل ينسى مسح رأسه حتّى يدخل في الصلاة ، قال : «إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل» ، الحديث (1) . وفي الصحيح عن منصور بن حازم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عمّن نسي أن يمسح رأسه حتّى قام في الصلاة ، قال : «ينصرف ويمسح رأسه ورجليه» (2) . وفي الصحيح عن منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : «يغسل اليمين ويعيد اليسار» (3) . ووافقنا على ذلك جماعة من العامّة ، منهم : الشافعي (4) وأحمد (5) ، وزعم أبوحنيفة ومالك وأتباعهما عدم وجوبه ؛ محتجّين بأنّ الواو في الآية غير مقتضية للترتيب 6 ، فلو شرطناه كان نسخا . وهو عجيب ! وبما نقلوه عن عليّ عليه السلام ، أنّه قال : «ما اُبالي بأيّ أعضائي بدأت» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 89 ، ح 235 ؛ وص 99 ، ح 260 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 74 ، ح 229 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1059 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 88 ، ح 233 ؛ وص 98 ، ح 254 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 230 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 451 ، ح 1188 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 97 ، ح 253 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 73 ، ح 225 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 450 ، ح 1187 .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 126 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 119 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 55 .
5- .. المصادر ا لمتقدّمة.
6- .. المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 55 ، كتاب الطهارات ، الباب 45 ، ح 1 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 92 ، ح 289 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 87 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 184 ؛ العلل لأحمد ، ج 1 ، ص 206 ،ح 214 ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج2 ، ص 280 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 451 ، وفي الجميع بزيادة : «إذا أتممت وضوئي» ، لكن في الأربعة الاُولى هذه الزيادة بعد «لااُبالي» ، وفي البقيّة في آخره .

ص: 328

وعن ابن مسعود ، أنّه قال : «لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك» (1) . واُجيب عن الأوّل بأنّه معارض بما نقلوه أيضا عن عليّ عليه السلام أنّه سئل ، فقيل : أحدنا يستعجل شيئا قبل شيء ، فقال : «لا حتّى يكون كما أمر اللّه تعالى» (2) . وعن الثاني بأنّ أكثر علمائهم اعترفوا بأنّه لايعرف له أصل يعتمد عليه . لا يقال : قد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على عدم وجوبه ، رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل توضّأ ونسي غسل يساره ؟ قال : «يغسل يساره وحدها ولايعيد وضوء شيء غيرها» (3) . وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل لايكون على وضوء فيصيبه المطر حتّى يبتلّ رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه ، أيجزيه ذلك عن الوضوء ؟ قال : «إن غسله فإنّ ذلك يجزيه» (4) . لأنّا نقول : الجمع يقتضي حمل هذين أيضا على الترتيب ، وذلك ظاهر في الثاني ، وأمّا في الأوّل فالمراد أنّه لايعيد شيئا ممّا تقدّم من أعضائه قبل يساره ، وإنّما يجب عليه إتمام ما يلي هذا العضو ، كما حمله في الاستبصار . ويؤيّده ذكر الوضوء في قوله عليه السلام : «ولايعيد وضوء شيء غيرها» ؛ فإنّ الظاهر منه الغَسل ، وإنّما أوّلوا هذين دون الأوّلة بحملهما على استحباب الترتيب ونحوه ؛ لما هو المعروف من مذهب أهل البيت من وجوبه . وأمّا الرجلان ، فالمشهور عدم وجوب الترتيب بينهما ؛ لإطلاق أكثر الأدلّة ، بل

.


1- .. المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 55 ، كتاب الطهارت ، الباب 45 ، ح 3 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 92 ، ح 292 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 184 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 87 .
2- .. المغني ، ج 1 ، ص 126 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 119 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 98 ، ح 257 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 73-74 ، ح 226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 452 ، ح 1192 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 - 340 ، ح 1082 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 231 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 454 ، ح 1201 .

ص: 329

قال الشهيد في الذكرى (1) عن ابن إدريس أنّه قال في الفتاوى : «لا أظنّ أحدا منّا يخالف ذلك ، نعم هو مستحبّ ؛ لقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه يحبّ التيامن» (2) ، وعليه قول الصدوقين» ، انتهى . وقد نقل فيه عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلاّر (3) وعن ظاهر الصدوقين وجوبه (4) ؛ عملاً بالوضوء البياني ، والاحتياط ، وعدّه أحوط ، وهو قويّ ؛ لما ذكر ، ولصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه ذكر المسح فقال : «امسح على مقدّم رأسك وامسح على القدمين ، وابدأ بالشقّ الأيمن» (5) . السادسة : أجمعوا أيضا على وجوب الموالاة فيه ، لكنّهم اختلفوا في تفسيرها على قولين : أحدهما _ وهو أظهرهما _ اعتبار الجفاف اختيارا والتتابع في الحرّ والبرد الشديدين ، وهو ظاهر السيّد في الناصريّات (6) ، والصدوقين ، وبه صرّح الشهيد في الدروس (7) ، وحكاه في الذكرى (8) عن ابن إدريس (9) والسلّار (10) وابن الجنيد وابن البرّاج (11) وابن زهرة (12) وابن حمزة 13 ، ومنسوب في الناصريّات 14 إلى القول القديم للشافعى

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 163 .
2- .. عوالي اللآلي ، ج 2 ص 200 ، ح 101 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 330 ، ح 750 .
3- .. المراسم ، ص 38 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 45 ، ذيل ح 88 .
5- .. وهوالحديث 2 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 418 ، ح 1088 .
6- .. الناصريّات ، ص 126 .
7- .. الدروس ، ج 1 ، ص 93 ، درس 3 .
8- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 166-168 .
9- .. السرائر ، ج 1 ، ص 101 .
10- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 45 .
11- .. غنية النزوع ، ص 59 .
12- .. الوسيلة ، ص150.

ص: 330

وابن حنبل (1) وطائفة من العامّة ؛ لعدم دليل على التتابع ، وظهور بعض الأخبار المتقدّمة في رعاية الجفاف . ثمّ إنّ الجفاف المؤثّر في البطلان هو جفاف جميع الأعضاء السابقة ، كما هو المستفاد من بعض الأخبار ، وصرّح به العلّامة في المنتهى ، واكتفى السيّد في الناصريّات بجفاف العضو السابق ؛ حيث قال : ولايجوز التفريق ، ومن فرّق بين الوضوء مقدار ما يجفّ معه غَسل العضو الذي انتهى إليه وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل ، وجب عليه إعادة الوضوء (2) . ويظهر من الصدوقين اشتراط رطوبة جميع الأعضاء السابقة في حال الاختيار في الصحّة ، ففي الفقيه : قال أبي رضى الله عنه في رسالته إِلَيّ : إن فرغتَ من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل أن تتمّه فاُتيتَ بالماء ، فتمّم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا ، وإن كان قد جفّ فأعِد وضوءك ، وإن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتمّ الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء ، فاغسل ما بقي جفّ وضوؤك أم لم يجفّ (3) . وهو منقول عن ابن الجنيد . وثانيهما : أنّها المتابعة في حال الاختيار ومراعاة الجفاف في الاضطرار كانتظار الماء وأمثاله ، وبه قال الشيخان في المقنعة (4) والمبسوط (5) والخلاف (6) والنهاية (7) ، والعلّامة في أكثر

.


1- .. الناصريّات ، ص 126 .
2- .. عنهما في فتح العزيز ، ج 1 ، ص 438 ؛ نيل الأوطار، ج 1 ، ص 218 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 454 _455 عن أحمد ، وص 462 عن الشافعي؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 61 عن الشافعي؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 56 عن الشافعي .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 57 ، حكم جفاف بعض الوضوء قبل تمامه ؛ فقه الرضا عليه السلام ، ص 68 . ومثله في المقنع ، ص 16 ولم ينسبه إلى أبيه .
4- .. المقنعة ، ص 47 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 93 ، المسألة 41 .
7- .. النهاية ، ص 15 .

ص: 331

كتبه (1) ، وهو منسوب في الناصريّات (2) إلى مالك (3) وابن أبيليلى (4) والليث بن سعد (5) . واحتجّ عليه في التهذيب (6) بقوله تعالى : «فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (7) ، بمعونة اقتضاء الأمر الفوريّة ، وبقوله عليه السلام في خبر أبيبصير : «فعرضت لك حاجة» إلى قوله : «فأعد وضوءك» . وبخبر معاوية بن عمّار ، وقد رواه في الصحيح . وحُمِل صحيحة عبداللّه بن المغيرة ، عن حريز في الوضوء يجفّ ، قال : قلت : فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ؟ قال : «جفّ أو لم يجفّ اغسل ما بقي» . قلت : وكذلك غسل الجنابة ؟ قال : «هو بتلك المنزلة ، وابدأ بالرأس ثمّ اقض على سائر جسدك» . قلت : وإن كان بعض يوم ؟ قال : «نعم» على ما إذا تابع بين الأعضاء وجفّفته الريح الشديدة والحرّ العظيم . واُيّد هذا القول بظهور أخبار الوضوء البياني في التتابع . وظاهر أكثر هؤلاء بطلان الوضوء بترك التتابع اختيارا ، وبه صرّح الشيخ في المبسوط (8) ، وصرّح العلّامة في المنتهى باشتراط البطلان بالجفاف ، مع أنّه اعتبر المتابعة ، فقد قال أوّلاً : «الموالاة هي المتابعة» ، ثمّ قال : «ولو أخلّ بالمتابعة اختيارا ، فعل محرّما ، وهل يبطل وضوءه أم لا ؟ الوجه اشتراط البطلان بالجفاف» (9) .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
3- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 223 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 20 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 81 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1 ، ص 189 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 204 .
4- .. الناصريّات ، ص 127 .
5- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 15 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 18 .
6- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 56.
7- .. فتح الباري ، ج 1 ، ص 245 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 87-88 ، ح 230 و 231 و 232 .
9- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 116 .

ص: 332

وكأنّه بذلك جمع بين الأخبار أجمع ، فتأمّل . قوله في موثّقة عبداللّه بن بكير : (إيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت) . [ ح 1/3959 ] قال _ طاب ثراه _ : «لعلّ المقصود التحذير عن إحداث وضوء آخر بنيّة الوجوب ، وإلّا فالتجديد بنيّة الندب مستحبّ» . وإنّما حكمنا بتوثيق الخبر مع اشتراك عبّاس بن عامر ؛ فإنّه هنا هو أبوالفضل العبّاس بن عامر بن رباح القصباني ؛ إذ هو الذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن عليّ [ على ] ما صرّح به بعض أرباب الفنّ ، وهو كان ثقة صدوقا كثير الحديث ، على ما ذكره النجاشي (1) والعلّامة (2) . وربّما عدّ كالصحيح ؛ نظرا إلى عبداللّه بن بكير ، وقد سبق ما فيه . قوله في حسنة زرارة : (فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك) إلخ . [ ح 2/3960 ] قال _ طاب ثراه _ : الظاهر أنّ هذا الأمر للندب ؛ لأنّ ذلك الشكّ إنّما كان بعد الفراغ ، كما دلّ عليه اللاحق بل السابق أيضا ، وهو لايجب تداركه إلّا أنّ الشكّ هنا لمّا أمكن تداركه مع بقاء البلّة من غير احتياج إلى استيناف ماء جديد ، كان الأولى تداركه بحكم الاحتياط . وقوله عليه السلام : «فأعد على ما تركت يقينا» وجب تقييده بما إذا كان العضو السابق رطبا . وكذاقوله : «فانصرف وأتمّ» في حسنة الحلبي (3) .

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
2- .. رجال النجاشي ، ص 281 ، الرقم 744.
3- .. خلاصة الأقوال ، ص 210 ، الرقم 7 .

ص: 333

باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه

باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضهالناقض للوضوء فقط _ ويسمّى حدثا أصغر _ هو عندنا ستّة : البول ، والغائط ، والريح من الموضع المعتاد ، والنوم الغالب على الحاسّتين ، وما يزيل العقل من إغماء وجنون وسكر ومِرّة (1) ونحوها ، والاستحاضة القليلة . ووافقنا في الثلاثة الاُول أهل العلم أجمع (2) ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «أَوْجَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ » (3) . ومن الأخبار ما ذكره المصنّف من صحيحتي سالم وزكريّا بن آدم (4) ، وحسنتي معاوية بن عمّار (5) وزرارة (6) ، وخبر أبيبصير (7) . وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لايوجب الوضوء إلّا من الغائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها» (8) . وفي الصحيح عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : «لاينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم» (9) . وما رواه الصدوق في الفقيه ، قال : وقال عبدالرحمان بن أبيعبداللّه للصادق عليه السلام : أجد الريح في بطني حتّى أظنّ أنّها قد خرجت ، فقال : «ليس عليك وضوء حتّى تسمع

.


1- .. المِرَّة : مزاج من أمزجة الجسد ، وهو داء يهذي منه الإنسان . كتاب العين ، ج 8 ، ص 262 (مرّ) .
2- .. قاله العلّامة قدس سره في تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 99 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 83 .
3- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
4- .. هما الحديثان 1 و2 من الباب .
5- .. هو الحديث 3 من الباب .
6- .. هو الحديث 6 من الباب .
7- .. هو الحديث 13 من الباب .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 10 ، ح 16 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 245 _ 246 ، ح 632 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 244 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 248 _ 249 ، ح 641 .

ص: 334

الصوت أو تجد الريح» ، ثمّ قال : «إنّ إبليس يجلس بين إليتي الرجل فيحدّث ليشكّكه» (1) . وأمّا النوم ، فمذهب الأصحاب أنّه ينقض الوضوء إذا غلب على الحاسّتين مطلقا ، قائما كان أو قاعدا أو مضطجعا أو راكعا أو ساجدا أو منفرجا أو منضمّا ، في الصلاة أو في غيرها ، وأجمعوا على ذلك إلّا ما سيحكى عن الصدوق . والعامّة اختلفوا فيه اختلافا ، فوافقنا الشافعي في قول على ما حكى عنه في [ فتح ]العزيز أنّه في أحد قوليه عدّ النوم في نفسه حدثا ، وحكم بأنّه ينقض الطهارة مطلقا من غير استثناء (2) ، والمزني (3) أيضا على ما ذكره السيّد المرتضى في الناصريّات (4) ، وفيه : وقال أبوحنيفة وأصحابه : لا وضوء من النوم إلّا على من نام مضطجعا أو متوكّئا ، فأمّا من نام قائما أو راكعا أو ساجدا أو قاعدا ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها ، فلا وضوء عليه (5) . وروي عن أبييوسف أنّه إن تعمّد النوم في السجود فعليه الوضوء (6) ، وقال ابن حيّ والثوري : لا وضوء إلّا على من نام مضطجعا (7) ، وهو مذهب داوود (8) . وقال مالك : «من نام ساجدا أو مضطجعا يتوضّأ ، ومن نام جالسا فلا وضوء عليه إلّا أن يطول» ، فيفرق بين القليل من النوم والكثير ، وهو مذهب ابن حنبل (9) .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 62 ، ح 139 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 246 ، ح 635 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 437 ، ح 1018 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 90 ، ح 288 .
2- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 25 . وحكاه أيضا النووي في المجموع ، ج 2 ، ص 14 و17 .
3- .. مختصر المزني ، ص 3 ، باب الاستطابة ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 150 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 17 .
4- .. الناصريّات ، ص 132 _ 133 . وكان في الأصل : «الانتصار» ، وهو سهو من القلم .
5- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 24 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 18 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 240 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 78 .
6- .. المحلّى ، ج 1 ، ص 225 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 79 .
7- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 .
8- .. نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 240 .
9- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 25 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 17 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 225 .

ص: 335

وقال الليث : «إذا تصنّع النوم جالسا فعليه الوضوء ، ولا وضوء على القائم والجالس إذا غلبهما النوم » (1) . وقال الشافعي : «من نام في غير حال القعود وجب عليه الوضوء ، وأمّا من نام قاعدا فإن كان زائلاً غير مستوي الجلوس لزمه الوضوء ، وإن كان متمكّنا من الأرض فلا وضوء عليه» (2) . وروي عن الأوزاعي أنّه قال : «لا وضوء من النوم ، فمن توضّأ منه ففَضلٌ أخذ به ، وإذا تركه فلا حرج» ، ولم يذكر عنه الفصل بين أحوال النائم (3) . وقد حكي عن قوم من السلف نفي الوضوء من النوم كأبيموسى الأشعري وعمرو بن دينار وحميد الأعرج (4) . ويدلّ على المذهب المنصور زائدا على ما رواه المصنّف في الباب، صحيحة زرارة المتقدّمة (5) . وصحيحة محمّد بن عبيد اللّه وعبداللّه بن المغيرة ، قالا : سألنا الرضا عليه السلام عن الرجل ينام على دابّته ، فقال : «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» (6) . وصحيحة عبد الحميد بن عوّاض ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحال فعليه الوضوء» (7) . وصحيحة زيد الشحّام ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الخفقة والخفقتين ، فقال : «ما أدري ما الخفقة والخفقتان ، إنّ اللّه تعالى يقول : «بَلِ الْاءِنسَ_نُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ » (8) ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 244 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 248 _ 249 ، ح 641 .
2- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 .
3- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 149 .
4- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 149 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 225 .
5- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 17 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 4 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 245 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 252 _ 253 ، ح 652 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 3 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 653 .
8- .. القيامة (75) : 14 .

ص: 336

إنّ عليّا عليه السلام كان يقول : من وجد طعم النوم قائما ، اُوجب عليه الوضوء» (1) . وصحيحة زرارة ، قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان ، عليه الوضوء ؟ فقال : «يا زرارة ، قد تنام العين ولاينام القلب والاُذُن ، فإذا نامت العين والاُذُن والقلب وجب الوضوء» . قلت : فإن حرّك إلى جنبه شيء ولم يعلم به ؟ قال : «لا حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى تجيء من ذلك أمر بيّن وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ولكن تنقضه بيقين آخر» (2) . وخبر سماعة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل ينام وهو ساجد ، قال : «ينصرف ويتوضّأ» (3) . ومن طريق العامّة أنّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «العينان وكاء السه (4) ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ، فمن نام فليتوضّأ» 5 . وأنّه صلى الله عليه و آله قال : «من استجمع نوما فعليه الوضوء» (5) . رواهما في [ فتح ] العزيز (6) . وقوله عليه السلام فيهما : «فمن نام فليتوضّأ» و«من استجمع نوما» عامّان في نقض النوم للوضوء ، وإن كان ظاهر الخبر الأوّل أنّ النوم ليس في نفسه حدثا ، بل باعتبار أنّه مظنّة وقوع الحدث فيه .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 8 ، ح 10 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 _ 81 ، ح 252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 254 ، ح 658 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 8 ، ح 11 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 245 ، ح 631 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 1 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 243 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 655 .
4- .. في الأصل : «السته» ، والتصويب من مصادر الحديث.
5- .. مختصر المزني ، ص 4 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 212 ، ذيل ح 168 .
6- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 19 و20 .

ص: 337

ومثلهما في العموم ما رواه السيّد في الناصريّات عنهم ؛ حيث قال : «وفي خبر آخر : وإذا استثقل أحدكم نوما فليتوضّأ» (1) . وروي عن صفوان بن عسّال (2) المرادي أنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمرنا إذا كنّا سفراء أن لاننزع خفافنا ثلاثة أيّام ولياليهنّ من الجنابة لكن من بول وغائط ونوم (3) . وقد استدلّ له بقوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » الآية (4) بناء على ما نقله السيّد رضى الله عنه في الناصريّات من إجماع المفسّرين على أنّ المعنى إذا قمتم من النوم (5) . ورواه الشيخ في الموثّق عن عبداللّه بن بكير ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ » ما يعني بذلك «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ » ؟ قال : «إذا قمتم من النوم» . قلت : ينقض النوم الوضوء ؟ فقال : «نعم إذا كان يغلب على السمع ولايسمع الصوت» (6) . وربّما احتجّ عليه بصحيحة إسحاق بن عبداللّه الأشعري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا ينقض الوضوء إلّا حدث والنوم حدث» (7) ؛ على ما ذكر في المنتهى (8) وحُرّر في المنتقى (9) من :

.


1- .. الناصريّات ، ص 136 .
2- .. في الأصل : «صفوان بن غسّان» ، وهو تصحيف ، والتصويب من ترجمته ، وهو صفوان بن عسال المرادي ، ثمّ الربضي من بني الربض زاهر ، غزا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله اثنتي عشرة غزوة ، وسكن الكوفة . تهذيب الكمال ، ج 13 ، ص 200-201 ، الرقم 2887 .
3- .. الناصريّات ، ص 135 . الاُمّ ، ج 1 ، ص 50 ، المسند للشافعي ، ص 18 ؛ مختصر المزني ، ص 4 ؛ المسند لأحمد ، ج 4 ، ص 239 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 161 ، ح 478 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 65 ، ح 96 ؛ وج 5 ، ص 205 ، ح 3601 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 83 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 114 و118 و267 و289 .
4- .. المائدة (5) : 6 .
5- .. الناصريّات ، ص 134 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 9 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 251 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 _ 254 ، ح 657 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 5 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 246 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 654 .
8- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 197 .
9- .. منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 128 _ 129 .

ص: 338

أنّ لكّل واحد من الأحداث جهتي اشتراك وامتياز ، فجهة الاشتراك هي مطلق الحدث ، وجهة الامتياز هي خصوصيّة كلّ منها ، وهما متغايرتان قطعا ، ومن المعلوم أنّ تلك الخصوصيّات ليست أحداثا وإلّا لكان ما به الاشتراك داخلاً فيما به الامتياز ، فينجرّ إلى التسلسل ، وإذا انتفت الحدثيّة عن المميّزات لم يكن لها مدخل في النقض ، بل يكون النقض مستندا إلى المشترك ، وهو موجود فيالنوم بمقتضى قوله عليه السلام : «والنوم حدث» ، ووجود العلّة مستلزم لوجود المعلول . وفي المختلف : «هذا خلاصة ما أفدناه في هذا الحديث في كتاب استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار» 1 . ورُدّ ذلك في المنتقى : بأنّ الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالكلّيّات إنّما تتعلّق بهما في ضمن أفرادها الخارجيّة ، فلابدّ أن يكون للخصوصيّات أيضا مدخلٌ في النقض ، على أنّ الغرض ممّا ذكر بيان كون النوم ناقضا ، واللفظ غير واف ببيان هذا الغرض ؛ من حيث إنّ قوله عليه السلام : «لاينقض الوضوء إلّا حدث» مشتمل على حكمين : سلبي وإيجابي ، وانتظام كلّ منهما مع قوله : «والنوم حدث» لاينتج ؛ لعدم اتّحاد الوسط في مادّة السلب وعقم الموجبتين في الشكل الثاني (1) . ثمّ قال : الغرض من هذا الحديث نفي النقض عمّا لايصدق عليه اسم الحدث وانحصار الناقض

.


1- .. منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 129 ، وبعض العبارات المذكورة هنا نقل بالمعنى .

ص: 339

في الحدث ، وهذا الحصر يستفاد من قوله : «لاينقض الوضوء إلّا حدث» ، ثمّ لمّا كان يتوهّم من ذلك أن لايكون النوم ناقضا ؛ لاستبعاد كونه حدثا ، رفع ذلك التوهّم والاستبعاد بأنّ النوم أيضا حدث ، فهو أيضا ناقض (1) . وأقول : يمكن الجواب عنه بأنّ غرض العلّامة ليس بيان أنّ النقض مستند إلى طبيعة الحدث من حيث هي حدث حتّى يرد عليه أنّ الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالكلّيّات إنّما تتعلّق بأفرادها ، بل غرضه بيان استناده إلى أفراد الحدث من حيث إنّها حدث لا من حيث خصوصيّاتها ، وقول الرادّ : «فلابدّ أن يكون للخصوصيّات أيضا مدخلٌ فيه» ممنوع ، بل الظاهر عدم مدخليّتها . ونظير ذلك في الأحكام العقليّة : أنّ أفراد الحيوان من حيث إنّها حيوان تكون منشأ للحسّ والحركة من غير مدخليّة للانسانيّة والفرسيّة وأشباههما فيهما . وليس أيضا غرضه بيان استفادة كون النوم ناقضا من جزءي الخبر بشكل من الأشكال الأربعة حتّى يرد عليه عدم انطباقه على قاعدة الاستنتاج ، بل غرضه أيضا ما ذكر من بيان الحصر ورفع الاستبعاد ، وبذلك يشعركلامه في المختلف حيث قال : لايقال : لايصحّ التمسّك بهذا الحديث ؛ فإنّ الصغرى قد اشتملت على عقدي إيجاب وسلب ، وانتظام السالبة مع الكبرى لاينتج ؛ لعدم اتّحاد الوسط ، والموجبة أيضا كذلك ؛ فإنّ ا لموجبتين في الشكل الثاني عقيم ، وإن جعل سلبها (2) كبرى منعنا كلّيّتها . لأنّا نقول : إنّه عليه السلام في المقدّمة الاُولى نفى النقض عن غير الحدث ، وفي الثانية حكم بأنّ النوم حدث (3) . هذا ، والذي يظهر من أكثر ما ذكر من الأخبار كون النوم حدثا في نفسه ، لا لكونه مظنّة لحدثٍ ، وهو ظاهر أكثر الفتاوى .

.


1- .. منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 128 ، والمنقول هنا نقل بالمعنى .
2- .. في المصدر : «عكسها» .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 256 _ 257 .

ص: 340

وظاهر الشيخ في التهذيب (1) والعلّامة في المنتهى _ على ما سيظهر _ أنّه إنّما ينقض لتجويز وقوع الحدث معه ، وعلى التقديرين فالحكم عندنا عامّ لجميع أنواعه إذا غلب على الحاسّتين ؛ لعموم ما ذكر من الأخبار ، وهو ظاهر على الأوّل ، وكذا على الثاني ؛ لجواز وقوع حدث معها لايطّلع عليه هو ولا أحد عنده . وفي بعض الأخبار ما يشعر بتخصيص الحكم ببعض أنواعه ، رواه الشيخ عن محمّد بن الفضيل ، عن أبيالصبّاح الكناني ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ، فقال : «إن كان لايحفظ حدثا منه _ إن كان _ فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة» (2) . وعن عمران بن حمران أنّه سمع عبدا صالحا يقول : «من نام وهو جالس لايتعمّد النوم فلا وضوء عليه» (3) . وعن بكر بن أبيبكر الحضرمي ، قال : سألت : هل ينام الرجل وهو جالس ؟ فقال : «كان أبي عليه السلام يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» (4) . وفي الفقيه : قال : وسأله سماعة بن مهران عن الرجل ، يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا ، قال : «ليس عليه وضوء» (5) . وسئل موسى بن جعفر عليهماالسلام عن الرجل يرقد وهو قاعد ؛ هل عليه وضوء ؟ فقال : «لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج» (6) . فنقول : أوّل ما في هذه الأخبار أنّها ضعيفة غير قابلة لأن تقيّد وتخصّص الأخبار

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ذيل الحديث 7 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 8 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 656 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 6 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 248 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 256 ، ح 664 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 7 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 249 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 256 ، ح 665 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 63 ، ح 143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 255 ، ح 662 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 144 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 254 _ 255 ، ح 661 .

ص: 341

السابقة؛ لاشتراك محمّد بن الفضيل، وتصحيح العلّامة إيّاه في هذا الخبر في المنتهى (1) ، كأنّه مبنيّ على زعمه أنّه هو أبوعبدالرحمان محمّد بن الفضيل بن غزوان الضبّي من أصحاب الصادق عليه السلام ، ولم أر مستندا له . ولجهالة عمران بن حمران (2) ، وبكر بن أبي بكر (3) . وإضمار خبر سماعة مع عدم صحّة سنده . وإرسال الأخير ، على أنّه يمكن حملها على ما إذا لم يغلب النوم على الحاسّتين ، كما حملها عليه في التهذيب (4) ، ولا يبعد حملها على التقيّة ؛ لموافقتها لمذهب جمع من العامّة على ما عرفت . ويظهر من الصدوق (5) العمل بها ؛ حيث اقتصر في باب ما ينقض الوضوء من الأخبار المتعلّقة بالنوم على ما رواه المصنّف من حسنة زرارة من غير أن يذكر قوله عليه السلام : «وكلّ النوم يكره إلّا أن يكون يسمع الصوت» (6) . وما رويناه عنه من الخبرين ، وقد حكي عنه أنّه قال : «من يرقد قاعدا لا وضوء عليه» (7) . وأمّا صحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل : هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس ؟ قال : «إن كان يوم الجمعة فلا وضوء عليه ؛ لأنّه في حال

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 198 .
2- .. ذكروه في الرجال ولم يوثّقوه ولم يضعّفوه ، اُنظر : رجال النجاشي ، ص 292 ، الرقم 786 ؛ الفهرست ، ص 191 ، الرقم 538 ؛ رجال الطوسي ، ص 257 ، الرقم 363 .
3- .. رجال الطوسي ، ص 170 ، الرقم 1988 ؛ جامع الرواة ، ج 1 ، ص 26 ، نقد الرجال ، ج 1 ، ص 289 ، الرقم 767 ، ولم يذكر فيه شيء .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ذيل ح 7 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 61 ، ح 137 .
6- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي .
7- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ص 109 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 103 ؛ وتحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 61 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 194 .

ص: 342

ضرورة» (1) ، فإنّما نفى الوضوء فيها للانتقال إلى التيمّم للضرورة الناشئة من الزحام ، ولكن لايعتدّ بتلك الصلاة ، كما دلّ عليه خبرالسكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لايستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس يحدث ؟ قال : «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف» (2) . ويجيء القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . والعامّة ذهبوا إلى أنّ النوم إنّما ينقض لكونه مظنّة للحدث لا بنفسه ، وتمسّكوا فيه بما رويناه عن [ فتح ]العزيز ، وبما رووا عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا وضوء على من نام قاعدا ، إنّما الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنّ من نام مضطجعا استرخت مفاصله» (3) . وأنّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا نام العبد في صلاته باهى اللّه به ملائكته ، يقول : انظروا ، عبدي روحه عندي وجسدي ساجد بين يديّ» (4) . وأنّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانوا ينتظرون العشاء وينامون قعودا ثمّ يصلّون ولا يتوضّأون (5) . وعن ابن عبّاس أنّه قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله نام وهو ساجد ثمّ قام فصلّى ، فقلت : يا رسول اللّه صلّيت ولم تتوضّأ وقد نمت ؟ فقال : «إنّما الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنّه إذا اضطجع استرخت مفاصله» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 9 ، ح 13 ؛ الاستبصار ، ح 1 ، ص 81 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 256 ، ح 666 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 ، ح 534 ؛ الاستبصار ، ح 1 ، ص 81 ، ح 254 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 344 ، ح 3821 .
3- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 23 ؛ بدائع ا لصنائع ، ج 1 ، ص 31 .
4- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 206 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 25 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 13 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 241 .
5- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 26 _ 27 ؛ مسند الشافعي ، ص 11 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 207 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 434 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 22 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 22 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 12 .
6- .. مسند أحمد ، ج 1 ، ص 256 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد ، ص 221 ، ح 659 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 52 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 51 ، ح 77 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 12 ، ص 122 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 121 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 209 ، المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 156 ؛ مسند أبييعلى ، ج 4 ، ص 369 ، ح 2487 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 167 ، ح 586 ، ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين ، ص 283 _ 284 ، ح 193 ، مع مغايرة في صدر بعض الروايات ، واكتفاء بعضهم بالمرفوع منه .

ص: 343

وعن حذيفة بن اليمان أنّه قال : بينما أنا جالس في صلاتي إذ رقدت فوضع إنسان يده على كتفي وإذا النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقلت : يا رسول اللّه عَلَيَّ من هذا وضوء ؟ قال : «لا حتّى تضع جنبيك» (1) . وفي الناصريّات : «فأمّا الأخبار التي رووها عن النبيّ صلى الله عليه و آله في نفي الوضوء على النوم ، فإنّا نحملها إذا تقبّلناها على نوم لا استثقال معه ، وإنّما هو [ تهويم و ] سِنة خفيفة » (2) . وأمّا الإغماء فهو ناقض للوضوء ، وكذا ما في حكمه من السُكر والأمراض المزيلة للعقل ، وادّعى العلّامة في المنتهى (3) أنّه لايعرف فيه خلافا من أهل العلم ، واستدلّ له بقوله عليه السلام في بعض أخبار النوم : «فإذا خفي عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» (4) ؛ حيث علّق الحكم على خفاء الصوت فيطّرد ، وبأنّه إنّما يجب الوضوء للنوم ؛ لتجويز وقوع الحدث منه ، فالإغماء والسُكر أولى في ذلك . وبه احتجّ الشيخ أيضا في التهذيب (5) . وأجمع الجميع على عدم وجوب الغسل بالإغماء إلّا ما حكي عن شاذّ من العامّة أنّه قال : «ما جُنّ إنسان إلّا وقد أنزل» (6) . وأمّا الاستحاضة ، فالقليلة منها حدث موجب للوضوء لا أعرف فيه مخالفا من الأصحاب إلّا ما حكى في المنتهى عن ابن أبيعقيل من عدم وجوبه بها (7) .

.


1- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 120 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 244 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 25 .
2- .. الناصريّات ، ص 136 ، وما بين المعقّفتين منها .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 202 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 9 ، ح 14 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 9 ، ذيل ح 14 .
6- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 54 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 22 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 203 ؛ وحكاه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 111 .

ص: 344

وغير القليلة منها أيضا موجب للوضوء على المشهور بيننا ويجيء القول فيه في باب الأغسال ، وعن مالك أنّه ليس على المستحاضة مطلقا وضوء (1) . والمشهور بين الأصحاب أنّه لا ناقض للوضوء غير ما ذكر ، وافقنا في ذلك ابن مسعود ، وابن عبّاس ، وعطاء ، وطاووس ، والثوري ، على ما حكى عنهم في المنتهى (2) . وعدّ أكثر العامّة من نواقضه أشياء غير ما ذكر ، منها : المَذي (3) ، والوَذي (4) ، ويجيئان في بابهما . ومنها : مسّ القُبل والدُبُر من نفسه أو من غيره ، وبه قال الصدوق رضى الله عنه من أصحابنا ، لكن خصّه بمسّ باطن الدبر أو باطن الإحليل من نفسه ، وصرّح بأنّه إن كان ذلك في الصلاة قطعها وأعادها بعد الطهارة (5) . وينفيه الأصل ، وما رواه سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يمسّ ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلّي : يعيد وضوءه ؟ فقال : «لا بأس بذلك ؛ إنّما هو من جسده» (6) . ويؤيّده الحصر المستفاد من بعض الأخبار السالفة ، وما رواه في المنتهى (7) من طرق العامّة عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن عليّ ، أنّه قال : يا رسول اللّه ، ربّما أمسّ ذكري وأنا في الصلاة ، هل علَيّ فيه وضوء ؟ فقال عليه السلام : «لا ؛ هل هو إلّا بضعة منك ؟» (8) .

.


1- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 24 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 535 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 208 _ 209 .
3- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 39 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 76 ، ذيل ح 114 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 67 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 62 _ 64 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 216 و217 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 552 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 37 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 65 ، ذيل ح 148 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 346 ، ح 1015 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 283 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 272 ، ح 711 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 211 .
8- .. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 23 ، و22 ، سنن النسائي ، ج 1 ، ص 101 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 99 ، ح 160 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 46 ، ح 182 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 131 ، ح 85 ، مسند ابن الجعد ، ص 477 ؛ المنتقى من السنن لابن الجارود ، ص 18 ، ح 131 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 8 ، ص 330 ؛ شرح معاني الآثار ، ج1 ، ص 76 و77 و78 ؛ معرفة علوم الحديث ، ص 132 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 154 _ 155 ، ح 534 ، مع تفاوت يسير في بعضها .

ص: 345

ويدلّ على ما ذهب إليه موثّق عمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن الرجل يتوضّأ ثمّ يمسّ باطن دبره ، قال : «نقض وضوءه ، وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضّأ ويعيد الصلاة ، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة» (1) . وحمله الشيخ في الاستبصار (2) على ما إذا صادف هناك شيئا من النجاسة ، وبه قال ابن الجنيد أيضا ، إلّا أنّه خصّه بمسّ القبل والدبر من غيره ، حيث قال _ على ما حكي عنه _ : «من مسّ ما انضمّ عليه الثقبتان انتقض وضوءه ، ومن مسّ ظاهر الفرج من غير شهوة تطهّر إذا كان محرّما ، ومن مسّ باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرّم والمحلّل » (3) . ولم أقف على مستند له ، وينفيه الأصل ، وحسنة زرارة (4) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه بتغيير يسير لفظي (5) . وخبر عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مسّ فرج امرأته ، قال : «ليس عليه شيء ، وإن شاء غسل يده ، والقُبلة لا يتوضّأ منها» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ وص 148 ، ح 1023 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 _ 89 ، ح 284 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 272 ، ح 713 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 89 ، ذيل ح 284 .
3- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 113 _ 114 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 257 _ 258 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 107 _ 108 ؛ وتحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 60 ، ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 218 .
4- .. هو الحديث 12 من الباب .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 _ 22 ، ح 54 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 87 ، ح 277 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 270 ، ح 706 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 145 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 57 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 709 .

ص: 346

وخبر ابن أبيعمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الانعاظ ، ولا من القبلة ، ولا من مسّ الفرج ، ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ، ولا الجسد» (1) . واحتجوّا على إيجاب مسّ ا لذكر للوضوء _ على ما حكى عنهم في المنتهى _ بما رواه أبوهريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه حجاب (2) ولا ستر فليتوضّأ» (3) . ما رواه بسرة بنت صفوان ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضّأ» (4) . وأجاب عن الأوّل بأنّ راويه يزيد بن عبدالملك النوفلي ، عن أبيموسى الحنّاط ، عن سعيد المقبري ، عن أبيهريرة ، ويزيد ضعيف عند أهل النقل (5) ، وأبوموسى مجهول (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 _ 20 ، ح 47 ؛ وص 253 ، ح734 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 300 ؛ وص 174 ، ح 605 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 270 ، ح 705 .
2- .. في الأصل : «لاحجاب» ، والتصويب من مصادر الحديث.
3- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 153 ، ح 526 ، وفيه بدل «ذكره» : «فرجه» والباقي سواء ؛ مسند الشافعي ، ص 13 ؛ الاُمّ ، ج 1 ، ص 34 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي ، ج 1 ، ص 220 ، ح 187 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 131 مع اختصار في اللفظ ؛ كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 328 ، ح 26268 . في غير الأخير : «ليس بينه وبينه شيء فليتوضّأ».
4- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 34 ؛ مسند الشافعي ، ص 12 ؛ مختصر المزني ، ص 4 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 9 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 42 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 100 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 99 ، ح 159 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 22 ، ح 22 ؛ المنتقى ، ج 1 ، ص 17 ، ح 17 ؛ المعجم الكبير ، ج 24 ، ص 203 ؛ الآحاد والمثاني ، ج 6 ، ص 41 ، ح 3232 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 161 ، ح 479 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 152 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 128 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 219 ، ح 187 ؛ كنز العمّال ، ج 9، ص 337 ، ح 26316 .
5- .. الضعفاء الكبير للعقيلي ، ج 4 ، ص 384 ، الرقم 1998 ؛ الجرح والتعديل للرازي ، ج 9 ، ص 278 _ 279 ، الرقم 1171 ؛ المجروحين لابن حبّان ، ج 3 ، ص 102 ؛ الكامل لابن عديّ ، ج 7 ، ص 260 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 53 _ 54 ؛ تنقيح التحقيق ، ج 1 ، ص 60 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 385 ؛ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ، ص 433 ؛ مجمع الزوائد ، ج 1 ، ص 99 و245 و272 و315 ، وج 2 ، ص 87 و93 ، وج 3 ، ص 140 و151 ؛ وج 4 ، ص 11 و66 و91 و93 و278 و290 ؛ وج 5 ، ص 43 و71 و91 و93 ؛ وج 8 ، ص 195 ؛ وج 10 ؛ ص 128 و198 .
6- .. تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 54 ؛ الجوهر النقيّ ، ج 1 ، ص 130 .

ص: 347

وعن الثاني بأنّ راويه مروان بن الحكم ، وكان قد رواه لعروة فلم يرفع عروة لحديثه رأسا (1) ، ولأنّ إبراهيم الحربي يقول : حديث بسرة إنّما هو شرطي عن شرطي عن امرأة ، وردّه يحيى بن معين (2) فلم يقبله (3) . وفي [ فتح ] العزيز احتجّ لتسوية فرج المرأة للذكر بما روته عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ويل للذين يمسّون فروجهم ثمّ يصلّون ولا يتوضّأون» ، قالت عائشة : بأبي واُمّي ، هذا للرجال ، أفرأيت النساء ؟ قال : «إذا مسّت إحداكنّ فرجها فليتوضّأ [ للصلاة ]» ، انتهى (4) . ولايبعد حمل الوضوء في هذه الأخبار على المعنى اللغوي على إرادة غسل اليد استحبابا . ومنها القهقهة ، فقد نقل [ العلّامة ] عن أبيحنيفة أنّه قال : القهقهة إن حصلت في صلاة لها ركوع وسجود انتقضت طهارته وفسدت صلاته ، وإن كان بعد القعود مقدار التشهّد انتقض وضوءه ولم تفسد صلاته ، وإن وقعت في [ حرمة ]صلاة ليس لها ركوع ولاسجود كالجنازة وسجود التلاوة فسدت الصلاة والسجدة ولم ينقض الوضوء ، ولو كانت خارجة الصلاة لم تنقض الطهارة (5) . واحتجّ عليه بما رواه اُسامة ، قال : بينا نصلّي خلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل ضرير (6) فتردّى في بئر ، فضحكنا منه ، فأمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإعادة الوضوء وإعادة الصلاة» (7) .

.


1- .. صحيح ابن حبّان ، ج 3 ، ص 397 ؛ الدراية لابن حجر ، ج 1 ، ص 38 ؛ نصب الراية ، ج 1 ، ص 115 .
2- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «يحيى بن مضر» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 214 _ 215 . وراجع : تنقيح التحقيق للذهبي ، ج 1 ، ص 62 .
4- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 56 ، سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 153 ، ح 528 وما بين المعقّفتين منه ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 337 ، ح 26319 .
5- .. حكاه عنه في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 222 ، وما بين المعقّفتين منه ، وفيه بعد قوله : «ولم تفسد صلاته» : «وبه قال أبو يوسف ومحمّد ، وقال زفر : لا ينقض وضوؤه ، وإن وقعت في حرمة صلاته ليس لها . . .» . ولم أجد هذه العبارة بتمامها في مصدر غير منتهى المطلب . فراجع : تحفة الفقهاء للسمرقندي ، ج 1 ، ص 24 ؛ الثمر الداني ، ص 186 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 32 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 182 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 3 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 61 .
6- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «خنزير» !
7- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 169 ، ح 591 و 592 ؛ ونحوه في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 146 ، مع مغايرة طفيفة في بعض الألفاظ.

ص: 348

وبه قال ابن الجنيد منّا لكن بتفصيل آخر ، فقد قال _ على ما حكي عنه _ : «من قهقه في صلاته متعمّدا لبطر أو سماع ما أضحكه ، قطع صلاته وأعاد وضوءه» (1) . وكأنّه تمسّك في ذلك بموثّق سماعة ، قال : سألته عمّا ينقض الوضوء ؟ قال : «الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلّا شيء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقيء» (2) ؛ حملاً للضحك فيه على القهقهة ؛ لما رواه ابن أبيعمير ، عن رهط سمعوه يقول : «إنّ التبسّم في الصلاة لاينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» (3) . وفيه : أنّهما مع عدم صحّة الأوّل (4) وإضمار الثاني ، لابدّ من حملهما على الاستحباب ، أو على التقيّة ؛ للجمع . وربّما حمل الضحك فيهما على الضحك الذي لا يملك نفسه معه من الحدث، على أنّ الظاهر من القطع في الثاني قطع الصلاة فقط ؛ فإنّه إنّما يستعمل في الصلاة دون الوضوء ، والمستعمل فيه إنّما هو النقض ، والتقليب خلاف الأصل والظاهر ، ويؤيّده حسنة زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «القهقهة لاتنقض الوضوء وتنقض الصلاة» (5) . ومنها : ملامسة بشرة المرأة مطلقا ، ففي [ فتح ] العزيز : اللمس من نواقض الوضوء خلافا لأبيحنيفة إلّا في المباشرة الفاحشة ، وهي أن تضع

.


1- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 116 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 221 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 260 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 113 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 12 ، ح 23 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 و86 و90 ، ح 262 و273 و290 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 260 ، ح 673 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 12 ، ح 24 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 86 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 ، ح 683 .
4- .. لأنّ طريقه عامّي .
5- .. وهي الرواية 6 من باب ما يقطع الصلاة من الضحك من الكافي . ورواها الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 367 ، ح 1062 ، والشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 324 ، ح 1324 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 261 ، ح 677 .

ص: 349

الفرج على الفرج مع الانتشار ، ولمالك وأحمد ؛ فإنّهما اعتبرا الشهوة في كونه ناقضا ، وعن أحمد روايتان اُخريان إحداهما مثل مذهبنا والاُخرى مثل مذهب أبيحنيفة (1) . وتمسّك من حكم بالنقض بها بقوله تعالى : «أَوْ لَ_مَسْتُمُ النِّسَآءَ » (2) بمعنى لمستم ؛ لأنّ فاعَلَ قد يعاقب فَعَل كعاقَبَ ، وقد قرأ به الكسائي (3) » . ومذهب الأصحاب أنّه على القراءتين كناية عن الجماع ، وقد جاء المسّ أيضا كناية عنه في قوله تعالى : «لَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ » (4) ، وهو مأخوذ عن أهل البيت عليهم السلام وقد تواتر ذلك عنهم مذاكرة ، وإن كان الخبر المنقول عنهم في ذلك في كتب الأخبار واحدا غيرمتّصف بالصحّة والصراحة فيه ، رواه أبان بن عثمان، عن أبي مريم ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : ما تقول في الرجل يتوضّأ ثمّ يدعو جاريته فتأخذ بيده حتّى ينتهي إلى المسجد ، فإنّ من عندنا يزعمون أنّها الملامسة ، فقال : «لا واللّه ما بذلك بأس ، وربّما فعلته ، ما يعني بهذا «أَوْ لَ_مَسْتُمُ النِّسَآءَ » (5) إلّا المواقعة دون الفرج» (6) . وهو منقول في كنز العرفان عن ابن عبّاس والحسن ومجاهد وقتادة . ويتفرّع على نقض الملامسة عندهم كون القُبلة ناقضا له، وقد صرّحوا بذلك. ويردّه ما روي من طرقهم عن عائشة ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قبّلها وهو صائم وقال : «إنّ القُبلة لا تنقض الوضوء ولا تفطّر الصائم» ، [ وقال : ] «يا حميراء ، إنّ في ديننا لَسعَة» (7) . وعنها : أنّه عليه السلام كان يقبّل بعض نسائه وكان يخرج إلى الصلاة ولم يتوضّأ 8 .

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 29 .
3- .. التبيان ، ج 3 ، ص 205 ؛ فتح القدير ، ج 1 ، ص 470 ؛ حكياه عنه وعن حمزة . وفي مجمع البيان ، ج 3 ، ص 90 : «قرأ أهل الكوفة غير عاصم «أَوْ لَ_مَسْتُمُ » بغير ألف» .
4- .. آل عمران (3) : 47 ؛ مريم (19) : 20 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 55 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 87 _ 88 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 707 .
6- .. مسند ابن راهويه ، ج 2 ، ص 172 ، ح 673 ، وما بين المعقّفتين منه .
7- .. المعجم الأوسط ، ج 5 ، ص 66 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 210 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 168 ، ح 502 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 142 ، ح 478 ؛ وص 43 _ 44 ، ح 484 ؛ وص 148 ، ح 501 ؛ حديث خيثمة ، ص 202 ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ .

ص: 350

وعن اُمّ سلمة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يقبّلها وهو صائم لايفطر ولا يحدث وضوءا (1) . ومن طريق الأصحاب بعض ما سبق من الأخبار ، وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن القُبلة . تنقض الوضوء ؟ قال : «لا بأس» (2) . وخبر عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة ، أو مسّ فرجها أعاد الوضوء» (3) ، مع ضعفه ، محمول على الاستحباب ؛ للجمع ، والأظهر حمله على التقيّة . ومنها القيء ، فقد حكي عن أبيحنيفة أنّه قال : إن كان قاء طعاما أو مِرّة أو صفراء أو سوداء أو دما لم يخالطه شيء بعد أن وصل الجوف ثمّ عاد نقض إن كان ملأ الفم ، وإلّا فلا . وعن زفر : أنّه ينقض مطلقا (4) . وأجمع الأصحاب على أنّه ليس بناقض له مطلقا (5) ، وإليه ذهب أكثر العامّة (6) . لنا خبر الحسين بن أبيالعلاء (7) ، وحسنة أبياُسامة (8) ، وموثّقة أبان ، عن عبيد بن

.


1- .. المعجم الأوسط ، ج 4 ، ص 136 ؛ وعنه في مجمع الزوائد ، ج 1 ، ص 247 ، ولفظه : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّل . . .» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 23 ، ح 58 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 279 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 708 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 56 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 280 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 272 ، ح 712 .
4- .. حكاه عنهما العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 218 ، ولاحظ: المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 75 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 19 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 25 و26 و27 .
5- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 109 ؛ تذكرة الفقهاء ج 3 ، ص 302 ، المسألة 333 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 153 .
6- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 7 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 18؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 25 ، ذيل ح 18 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 426 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 75 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 24 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 59 ، ذيل ح 87 .
7- .. وهو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي .
8- .. وهو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .

ص: 351

زرارة (1) . وما رواه الشيخ عن روح بن عبدالرحيم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن القيء ، قال : «ليس فيه وضوء وإن تقيّأت متعمّدا» (2) . وفى الموثّق عن سماعة ، قال : سألته عمّا ينقض الوضوء من القيء ، قال : «ليس فيه وضوء وإن تقيّأ متعمّدا» (3) . وعن أبيهلال ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : أينقض الرعاف والقيء أو نتف الإبط الوضوء ؟ فقال : «وما تصنع بهذا ، هذا قول المغيرة بن سعيد ، لعن اللّه المغيرة ، ويجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» (4) . وعن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : «ليس في القيء وضوء» (5) . وما سيأتي من خبر أبيبصير . وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قاء ولم يتوضّأ (6) . ويؤيّدها الأصل ، وهذان يردّان قول أبيحنيفة . فأمّا ما سبق في موثّق سماعة (7) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن أبيعبيدة الحذّاء ،

.


1- .. وهو ح 10 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 27 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 260 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 262 ، ح 681 .
3- .. لم أجده في مصدر ، واللفظ المذكور هنا في الجواب موافق لحديث روح بن عبدالرحيم برواية الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 260 ، وأمّا موثّقة سماعة فتقدّمت آنفا في عنوان القهقهة ، وعدّ فيها القيء من نواقض الوضوء .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1026 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 ، ح 694 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 27 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 ، ح 682 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 219 ؛ جامع الاُصول ، ج 8 ، ص 112 ؛ الهداية للمرغياني ، ج 1 ، ص 14 ؛ الجامع الصغير للشيباني ، ص 72 . وفي سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 166 ، ح 585 ؛ وج 2 ، ص 163 ، ح 2250 أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله توضّأ بعد القيء ، وقال في جواب من سأل عن وجوبه : «لو كان فريضة لوجدته في القرآن» .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 12 ، ح 23 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 و86 و90 ، ح 262 و273 و290 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 260 ، ح 673 ، وقد تقدّم .

ص: 352

عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الرعاف والقيء والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم تنقض الوضوء» (1) ، فحملها الشيخ تارة على التقيّة ، وتارة على ضرب من الاستحباب (2) . ومنها : أكل ما مسّته النار ، وهو لايوجب الوضوء إجماعا منّا (3) ، ووافقنا على ذلك أبوحنيفة (4) ومالك (5) والشافعي في قول (6) . وقال أحمد بن حنبل : «أكل لحم الإبل ناقض ، سواء كان نيّا أو مطبوخا ، عالما كان أو جاهلاً» (7) . وهو أحد قولي الشافعي (8) . وعن جماعة من أسلافهم كابن عمر وزيد بن ثابت وأبيموسى وأبيهريرة وجوب الوضوء لكلّ ما غيّرته النار (9) . لنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : هل يتوضّأ من الطعام أو شرب اللبن : ألبان الإبل والبقر والغنم وأبوالها ولحومها ؟ قال :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 26 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 _ 264 ، ح 685 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 _ 84 ، ذيل ح 263 .
3- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 141 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 154 ؛ جواهر الكلام ، ج 1 ، ص 419 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 104 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 179 .
5- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 104 .
6- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 .
7- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 189 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 60 ؛ كشّاف القناع ، ج 1 ، ص 153 .
8- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 189 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 253 .
9- .. المغني ، ج 1 ، ص 184 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 253 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 104 ، وليس فيه قول ابن عمر .

ص: 353

«لا يتوضّأ منه» (1) . وعن بكير بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الوضوء ممّا غيّرت النار ؟ فقال : «ليس عليك وضوء ، إنّما الوضوء ممّا يخرج ليس ممّا يدخل» (2) . ويؤيّدها الأصل ، وموثّقة عمّار الساباطي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل توضّأ ثمّ أكل لحما أو سمنا ، هل له أن يصلّي من غير أن يغسل يده ؟ قال : «نعم ، وإن كان لبنا لم يصلّ حتّى يغسل يده ويتمضمض ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي وقد أكل اللحم من غير أن يغسل يده ، وإن كان لبنا لم يصلّ حتّى يغسل يده ويتمضمض» (3) ؛ حيث لم يتعرّض عليه السلام للوضوء . ويردّ قولهم ما رواه جابر ، قال : «كان آخر الأمر من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك الوضوء ممّا مسّت النار» (4) . وما رواه ابن عبّاس عنه عليه السلام ، أنّه قال : «الوضوء ممّا يخرج لا ممّا يدخل» (5) . ومنها : شرب اللبن ، ولم يخالف أحد من أهل العلم في أنّه ليس بناقض ، إلّا أحمد في إحدى الروايتين عنه (6) ؛ مستندا بما رواه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله سئل عن ألبان الإبل ؟ فقال :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1035 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 96 ، ح 312 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 290 ، ح 762 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1034 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 290 ، ح 763 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1033 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1033 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 290 ، ح 764 .
4- .. سنن النسائي ، ج 1 ، ص 108 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 105 _ 106 ، ح 188 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 155 _ 156 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 28 ؛ المعجم الأوسط ، ج 5 ، ص 59 ؛ المعجم الصغير ، ج 1 ، ص 240 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 149 ، ح 2973 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 5 _ 6 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 67 ؛ المنتقى لابن الجارود ، ص 19 ، ح 24 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 50 ، ح 192 ، وفيه : «ممّا غيّرت النار» . وفي جميع المصادر : «آخر الأمرين» .
5- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 58 ، ح 545 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 261 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 449 ، وفي الجميع : «الوضوء ممّا يخرج ، وليس ممّا يدخل» .
6- .. فيض القدير للمناوي ، ج 4 ، ص 264 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 60 .

ص: 354

«توضّأوا من ألبانها» (1) . وهو على تقدير صحّته ، فالظاهر أنّ المراد بالتوضّي فيه غَسل اليدين والفم على إرادة معناه اللغوي ؛ كما ورد في خبر عمّار المتقدّم . ومنها : ما يخرج من البدن من دم أو قيح أو نخامة أو رطوبة أو صديد ، ولاتنقض الطهارة منها إلّا من الدماء الثلاثة إجماعا منّا وفاقا لأكثر أهل الخلاف (2) ، وقال أبوحنيفة : «إذا خرج أحد من الاُمور المذكورة عن رأس الجرح وسال نقض ، وإن لم يسل فلا» (3) . وقال زفر : «تنقض سال أو لم يسل» (4) . وقال الشافعي : «تنقض الخارجة من القبل» (5) . لنا الأصل ، وخبرأبيبصير (6) ، وحسنة الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام : يقال : كان أبوعبداللّه عليه السلام يقول في الرجل يدخل يده في أنفه فيصيب خمس أصابعه الدم ، قال : «ينقيه ولاينقض الوضوء» (7) . وصحيحة أحمد (8) ، عن إبراهيم بن أبيمحمود ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن القيء والرعاف والمدّة: أتنقض الوضوء أم لا ؟ قال : «لاتنقض شيئا» (9) .

.


1- .. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 352 ، مسند اُسيد بن حضير ؛ المعجم الكبير ، ج 1 ، ص 206 ، ح 559 ؛ كنز العمّال ، ج 7 ، ص 342 ، ح 19175 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 54 .
3- .. حكاه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 232 ، وكذا قول زفر والشافعي ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 76 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 176 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 256 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 25 .
4- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 25 .
5- .. لم أجد هذا التعبير في المصادر ، والمنتسب إلى الشافعي بطلان الوضوء بخروج النجاسة من المخرجين . اُنظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 31 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 54 .
6- .. وهو ح 13 من هذا الباب من الكافي .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1024 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 267 ، ح 697 .
8- .. في الهامش بخطّ الأصل : «أحمد هذا أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ فإنّه الذي يروي كتاب أبيمحمود ، على ما ذكره النجاشي [ في رجاله ، ص 25 ، الرقم 43 ] . منه عفي عنه» .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 16 ، ح 34 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 84 ، ح 266 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 262 ، ح 679 .

ص: 355

وخبر سماعة ، عن أبيبصير ، قال : سمعته يقول : «إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض ، وإذا رعف وهو على وضوء فليغسل أنفه ؛ فإنّ ذلك يجزيه ولايعيد وضوءه» (1) . ورواية جابر ، عن أبيجعفر عليه السلام ، يقول : «لو رعفت دَورقا (2) ما زدت أن أمسح منّي الدم واُصلّي» (3) . وروى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله : أنّه احتجم ولم يتوضّأ (4) . فأمّا ما رواه أبوعبيدة الحذّاء في الخبر المتقدّم من قوله : «إذا استكره الدم نقض ، وإن لم يستكره لم ينقض» (5) ؛ وما رواه أيّوب بن الحرّ ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل أصابه دم سائل ؟ قال : «يتوضّأ ويعيد» ، قال : وإن لم يكن سائلاً ؟ قال : «توضّأ وبنى» . قال : «ويصنع ذلك بين الصفا والمروة» (6) ؛ وما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس ، قال : سمعته يقول : «رأيت أبي عليه السلام وقد رعف بعد ما توضّأ دما سائلاً فتوضّأ» (7) ؛

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 15 ، ح 31 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 85 ، ح 270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 265 ، ح 691 .
2- .. الدورق : مكيال للشُرب . كتاب العين ، ج 5 ، ص 115 (درق) . وفي هامش «ج» : «الدرق بالفتح فالسكون : مكيال معروف يسع على ما قيل أربعة ، والجرّة ذوات العروة تسمّى دورقا أيضا ، مجمع [ البحرين ، ج ، ص (درق) ] » .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 15 ، ح 32 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 84 ، ح 265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 265 ، ح 690 .
4- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 141 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 158 ، ح 546 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 2 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 26 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 _ 264 ، ح 685 ، وكان لفظه هكذا : «إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم تنقض الوضوء» .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1032 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 84 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 267 ، ح 698 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 29 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 85 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 267 ، ح 699 .

ص: 356

فحملها الشيخ تارة على التقيّة ، وتارة على ضرب من الاستحباب ، واُخرى على غسل الموضع على إرادة ا لمعنى اللغوي من الوضوء ، واستند فى الأخير بما رويناه عن أبيبصير ، وبخبر أبيحبيب الأسدي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول في الرجل وهو على وضوء ، قال : «يغسل آثار الدم ويصلّي» (1) . ومنها : الارتداد ، فذهب الشافعي في قول إلى أنّه ينقض التيمّم (2) ، وبه قال زفر (3) . وعن أحمد : أنّه ينقض الوضوء أيضا ، وبه قال الأوزاعي وأبوثور (4) . وقال العلّامة في المنتهى : «أنّه لا يوجب الوضوء ولا ينقض التيمّم» (5) ، والظاهر وفاق الأصحاب عليه ، وحكاه عن أبيحنيفة وصاحبيه ومالك والشافعي في الوضوء وفي التيمّم أيضا في قوله الآخر (6) ، ويدلّ عليه الأصل المؤيّد بالحصر المستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة ، وانتفاء دليل يعتدّ به على كونه ناقضا . واحتجّ من حكم بنقضه لمطلق الطهارة بقوله تعالى : «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » (7) ، وبقوله عزّ وجلّ : «وَمَن يَكْفُرْ بِالْاءِيمَ_نِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ » (8) . وبما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : «الحدث حدثان : حدث اللسان وحدث الفرج ، وأشدّها حدث اللسان» .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 16 ، ح 30 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 85 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 ، ح 693 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 168 .
3- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 117 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 61 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 168 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 192 ؛ ولم يذكروا قول صاحبَي أبي حنيفة . والأقوال المذكورة حكاها العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 228 _ 229 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 228 . وكان في الأصل : «ولاانتقض» ، والتصويب من المصدر .
6- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 168 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 192 ، ولم يذكرا قول صاحبَي أبي حنيفة .
7- .. الزمر (39) : 65 .
8- .. المائدة (5) : 5 .

ص: 357

وفي المنتهى : «والجواب عن الآيتين أنّهما مشروطتان بالموافاة ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ » (1) . وعن الخبر بعدم صراحته في المدّعى ، وبعدم حجّيّة قول ابن عبّاس» (2) . وربمّا احتجّوا عليه بأنّ الطهارة عبادة لاتجامع الكفر . وفيه : ستعرفه . وعن زفر أنّه احتجّ بالآيتين ، وبأنّ الردّة لو قارنت التيمّم منعت صحّته ، فإذا طرأت عليه أبطلته . وهو قياس مع الفارق بين المقارنة والتأخّر ؛ لفقدان شرط صحّة التيمّم وهو مقارنة النيّة في الأوّل دون الثاني (3) . ومنها تخيّل الحدث والشكّ في حدوثه ، فقد دلّ حسنة معاوية بن عمّار على أنّه لاينقض إذا كان ريحا ، والظاهر جريان الحكم في غيره أيضا ؛ للأصل السالم عن المعارض ، وهو الصحيح على ما سبق . قال _ طاب ثراه _ : وعليه جمهور العامّة ، وقال مالك مرّة : الشكّ مؤثّر فيتوضّأ ويقطع إن كان في صلاة . وقال مرّة : يستحبّ له أن يتوضّأ . وقال بعضهم : إن شكّ وهو في الصلاة ألغى الشكّ ولم يقطع ، وإن لم يكن في صلاة أخذ بالشكّ . وقال بعضهم : إن كان الحدث الذي شكّ فيه ريحا لم يتوضّأ حتّى يسمع أو يشمّ ، وإن كان بولاً توضّأ . قوله : (عن محمّد بن سهل) . [ ح 2/3969 ] مشترك بين مجاهيل ، والظاهر أنّه هنا هو محمّد بن سهل بن اليسع الأشعري القمّي الذي يروي عن الرضا والجواد عليهماالسلام (4) ؛ فإنّ غيره ممّن يسمّى بهذا الاسم كلّهم كانوا من

.


1- .. البقرة (2) : 217 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 229 _ 230 .
3- .. كلام زفر وجوابه من منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 229 _ 230 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 367 ؛ الرقم 996 ؛ الفهرست ، ص 225 ، الرقم 631 ؛ نقد الرجال ، ج 4 ، ص 227 ، الرقم 6764 .

ص: 358

باب الرجل يطأ على العذرة أو غيرها من القذر

أصحاب الصادق عليه السلام (1) ، فلا يتصوّر روايتهم عن الرضا عليه السلام لا سيّما بواسطة . قوله في صحيحة محمّد بن خلّاد : (فربّما اُغفي) . [ ح 14/3981 ] قال الجوهري : غَفا يَغفو غفوا : نام ، أو نعس (2) ، وأغفيتُ إغفاءً : نمت (3) . قوله في صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج : (عن الخفقة والخفقتين) . [ ح 15/3982 ] خفق الرجل : إذا حرّك رأسه وهو ناعس (4) ، والنعاس : مقدّمة النوم ، وهو يحصل من ريح لطيف يأتي من قبل الدماغ يغطّي العين ولا يصل إلى القلب ، فإذا وصل إليه صار نوما (5) .

باب الرجل يطأ على العذرة أو غيرها من القذرقال شيخنا المفيد في المقنعة : «إذا داس الإنسان بنعله أو خُفّه نجاسة ثمّ مسحهما بالتراب طهرا بذلك» (6) . وفي المنتهى : «وقال بعض أصحابنا : إنّ أسفل القدم حكمه حكم الخفّ والنعل ، وعندي فيه توقّف» (7) . وجزم الشهيد في الذكرى (8) بجريان حكمهما فيه ، ومثله العلّامة في القواعد (9)

.


1- .. رجال الطوسي ، ص 284 ، الرقم 4123 ؛ نقد الرجال ، ج 4 ، ص 228 ، الرقم 4765 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 17 ، ص 176 _ 182 ، الرقم 10949 _ 10957 .
2- .. القاموس المحيط ، ج 4، ص 371 (غفو)، ولم أعثر على هذه العبارة في صحاح اللغة.
3- .. صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2448 (غفا) .
4- .. صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1469 ؛ لسان العرب ، ج 10 ، ص 80 (خفق) .
5- .. تاج العروس ، ج 17 ، ص 709 (نوم) .
6- .. المقنعة ، ص 72 ، كتاب الطهارة ، الباب 12 ، وفيه : «بخفّه أو نعله» .
7- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 285 .
8- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
9- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 194 .

ص: 359

والإرشاد (1) ، والمحقّق (2) ، وهو المشهور بين المتأخّرين (3) . وألحق بعض الأصحاب بالنعل والخفّ كلّ ما هو من وقاء الرِجل ، وحكي ذلك عن ابن الجنيد (4) . وفي الذكرى : «وحكم الصنادل حكم النعل ؛ لأنّها ممّا ينتعل» (5) . والتعميم هو الأظهر ؛ لعموم صحيحة الأحول (6) ، وحسنة محمّد بن مسلم (7) ، وخبر إسحاق بن عمّار ، عن محمّد الحلبي (8) ، وحسنة المعلّى (9) . وصحيحة زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه (10) ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : «لا يغسلها [ إلّا ] أن يقذرها ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ويصلّي» (11) . ويؤيّدها في خصوص الخفّ ما رواه حفص بن أبيعيسى ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّي وطئت عذرة بخُفّي ومسحته حتّى لم أر فيه شيئا ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ [ قال : «لا بأس» ] (12) . وإنّما لم نجعله دليلاً ؛ لأنّه يحتمل أن يكون نفي البأس عن الصلاة في ذلك الخفّ ؛ لكونه ممّا لايتمّ الصلاة فيه .

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 240 ، ومثله في تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 163 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 447 .
4- .. اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 372 .
5- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 447 .
6- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي .
7- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
8- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
9- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
10- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «أينقض ذلك فيها» .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 275 ؛ ح 809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 458 _ 459 ، ح 4171 .
12- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 274 _ 275 ؛ ح 808 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 458 ، ح 4170 .

ص: 360

وروى في المنتهى عن أبيهريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب» (1) . وفي لفظ آخر : «إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور» . ومثله عن عائشة ، عنه صلى الله عليه و آله (2) . وعن أبيسعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر ، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصلّ فيهما» (3) . وألحق الشهيد الثاني في شرح اللمعة بالنعل خشبة الأقطع (4) ، والأحسن إلحاقها بالرِجل ، ولا يبعد إلحاق العصا وما يتوكّأ عليه الضعفاء حال القيام والمشي أيضا به ؛ لقيامه مقامه ، وصدق الوطئ على الأرض به عرفا . فروع : الأوّل : عموم أكثر الأخبار يقتضي عدم اختصاص الحكم بوطي التراب بل يقتضي شموله لما إذا وطأ الحجر والرمل وغيرهما ممّا يصدق عليه اسم الأرض ، فتخصيص المفيد ذلك بالتراب على ما يشعر به كلامه حيث قال : «وإذا داس الإنسان بخُفّه أو نعله (5) نجاسة ثمّ مسحهما بالتراب طهرا بذلك» (6) ، غير جيّد . وقال الشهيد في الدروس : «وتطهّر الأرض والحجر النعل والقدم» (7) . والظاهر أنّه أراد بالأرض ما يشمل الرمل وشبهه .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 283 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 95 ، ح 386 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 369 ، ح 26507 .
2- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 95 ، ح 387 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 369 ، ح 26507 .
3- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 154 ، ح 650 ؛ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 92 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 388 ، ح 1516 و1517 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد ، ص 278 ، ح 880 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 384 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 511 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 402 ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 2 ، ص 225 ، ح 1229 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 561 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 313 .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «ونعله» .
6- .. المقنعة ، ص 72 ، كتاب الطهارة ، الباب 12 .
7- .. الدروس ، ج 1 ، ص 125 ، الدرس 20 .

ص: 361

الثاني : إطلاق الأخبار يقتضي عدم اشتراط كون الأرض طاهرا ، وهو ظاهر إطلاق أكثر الفتاوى ، واشترط الشهيد في الذكرى طهارتها (1) ، وهو محكيّ عن ابن الجنيد (2) ، وكأنّهما تمسّكا بصحيحة الأحول (3) فخصّصوا العمومات بها . وفيه أنّ التقييد بالنظيف في تلك الصحيحة إنّما هو في كلام السائل ، وهو ليس بحجّة ، على أنّ الظاهر من النظيف فيها بقرينة المقابلة المكان الذي لم يكن فيه نجاسة تسري إلى الرجل والخُفّ . الثالث : ظاهر حسنة المعلّى (4) اختصاص ذلك بالأرض الجافّة ، ولعلّ المراد بالجفاف فيها ما لايصدق عليه اسم الطين ، فلا ينافي إطلاق أكثر الأخبار ، وكأنّه لذلك قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة : «ولا فرق في الأرض بين الجافّة والرطبة ما لم يخرج (5) عن اسم الأرض» (6) . الرابع : هل يشترط المشي ؟ الأظهر لا بل يكفي الدلك والمسح ؛ لصحيحة زرارة المتقدّمة (7) المعتضدة بإطلاق بعض الأخبار السالفة . وحكى في الذكرى 8 عن ابن الجنيد أنّه شرط المشي نحوا من خمسة عشر ذراعا ، ويدلّ عليه صحيحة جميل [ عن الأحول ] 9 ، لكنّ الظاهر أنّ اعتباره إنّما هو لكونه مستلزما لإزالة النجاسة غالبا لا لقصر الحكم عليه ؛ للجمع . الخامس : قال الشهيد في الذكرى : «ولايشترط جفاف النجاسة ولا كونها ذات جرم ؛

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 275 ؛ ح 809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 458 _ 459 ، ح 4171 .
4- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 447 ، والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 282 .
5- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
6- .. في المصدر : «ما لم تخرج» .
7- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 312 .

ص: 362

للعموم» (1) . وردّ بذلك على أبيحنيفة حيث قال _ على ما حكي عنه في المنتهى (2) _ : «النجاسة الجرميّة إذا أصابت الخفّ ونحوه وجفّت ودلكها بالأرض طهرت ، وإن كانت رطبة لم تطهر إلّا بالغسل» (3) ؛ محتجّا بأنّ الجلد صلب لايشرب النجاسة كثيرا ، فتبقي الرطوبة على ظاهرها ، فإذا جفّت النجاسة عادت الرطوبة إلى جرمها وتزول بزواله ، ولا كذلك الرطب . وهو كماترى . ولهم أقوال اُخر غير ما ذهب إليه أبوحنيفة ، ففي رواية عن أحمد موافقته لمذهب أصحابنا (4) ؛ لما دلّ عليه من أخبارهم المذكورة ، وهو منقول عن إسحاق والأوزاعي (5) . وفي رواية ثانية عنه طهره بما ذكر في غير البول والعذرة ووجوب الغسل منهما (6) . وفي رواية ثالثة عنه وجوب الغسل مطلقا كسائر المتنجّسات (7) ، وهو منقول عن الشافعي في الجديد (8) . قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا) . [ ح 2/3986 ] ظاهره أنّ كلّ أرض نجسة سواء كانت ملاصقة بالنعل ونحوه أو لا ، تطهر بأرض اُخرى ، الاُولى تطهر بالدلك بهذه ونحوه على ما ذكر ، والثانية تطهر باختلاطها بهذه الاُخرى بتهييج الرياح أو بمرور الخلائق عليهما وشبههما ، ولا بُعد في القول به مع

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 283 ، وجميع الأقوال المذكورة هنا منه .
3- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 70 _ 71 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 84 _ 85 .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 728 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 55 .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 728 _ 729 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 54 .
6- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 728 ؛ الإنصاف للمرداوي ، ج 1 ، ص 323 .
7- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 729 ؛ الإنصاف للمرداوي ، ج 1 ، ص 323 .
8- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 84 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 55 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 598 .

ص: 363

باب المذي والوذي

زوال عين النجاسة عنها ؛ لعدم معارض صريح له ، فيكون هذه المقدّمة الكلّيّة ككبرى لقياس . وقال صاحب المدارك : يمكن أن يكون معناه أنّ الأرض يطهّر بعضها ، وهو المماسّ لأسفل النعل والقدم ، والظاهر منها بعض الأشياء وهو النعل والقدم ، ويحتمل أن يكون المراد أنّ أسفل القدم والنعل إذا تنجّس بملاقاة بعض الأرض النجسة يطهّره البعض الآخر إذا مشى عليه ، فالمطهّر في الحقيقة ما ينجّس بالبعض الآخر ، وعلّقه بنفس البعض مجازا (1) .

باب المذي والوذي (2)المذي هو الماء الذي يخرج من الإحليل بعد الملاعبة ونحوها بشهوة من غير دفق ولا فتور للجسد ، والوذي بالذال المعجمة هو الماء الذي بعد البول من غير شهوة . وهناك ماء ثالث يخرج لا للانعاظ ولا بعد البول يقال له : الودي بالمهملة (3) ، وربّما وقع التعاكس في تفسير هذين كما يظهر من خبر ابن رباط الآتي ، وعلى أيّ حال فالمشهور بين الأصحاب أنّ هذه المياه طاهرة وغير ناقضة للوضوء ، بل الظاهر وفاقهم عليهما ، وقد ادّعاه في المنتهى في الأوّلَين ساكتا عن ذكر الثالث ، ونسب الخلاف فيهما إلى أهل الخلاف أجمع (4) . لنا زائدا على ما رواه المصنّف في الباب وفي باب المنيّ والمذي يصيبان الثوب ، ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحّام ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : المذي أينقض

.


1- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 373 _ 374 .
2- .. كذا في جميع النسخ ، وفي المصدر المطبوع : «الودي» بالدال المهملة .
3- .. اُنظر : الفروق اللغويّة لأبيهلال العسكري ، ص 491 ، الرقم 1985 ؛ النهاية ، ج 4 ، ص 312 (مذي) ؛ وج 5 ، ص 169 (ودي) ؛ مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 184 (مذي) ؛ وص 484 (ودي) ؛ وص 485 (وذي) . والمذكور فيهنّ وفي سائر المصادر أنّ الوذي يخرج عقيب المنيّ ، والودي عقيب البول .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 190 .

ص: 364

الوضوء ؟ فقال : «لا ، ولايغسل منه الثوب ولا الجسد ، وإنّما هو بمنزلة البزاق والمخاط» (1) . [ و ] في الصحيح عن حريز ، قال : حدّثني زيد الشحّام وزرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إن سال من ذكرك شيء من مذي أو وذي فلاتغسله ، ولاتقطع له الصلاة ، ولاتنقض له الوضوء ؛ إنّما هو بمنزلة النخامة ، كلّ شيء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل» (2) . وفي الصحيح عن ابن أبيعمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القُبلة ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولايغسل منه الثوب ولا الجسد» (3) . وفي الحسن عن عبدالملك بن عمرو ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يبول ثمّ يستنجي ثمّ يجد بعد ذلك بللاً ، قال : «إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ، ثمّ استنجى فإن سال حتّى يبلغ السوق (4) فلايبالي» (5) . وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المذي ؟ فقال : «إنّ عليّا عليه السلام كان رجلاً مذّاء فاستحيا أن يسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمكان فاطمة عليهاالسلام ، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس ، فسأله فقال النبيّ صلى الله عليه و آله له : ليس بشيء» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 17 ، ح 40 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 91 ، ح 293 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 _ 278 ، ح 729 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، ح 52 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 ، ذيل ح 726 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 _ 20 ، ح 47 ؛ و253 ، ح 734 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 300 ؛ و174 ، ح 605 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 270 ، ح 705 .
4- .. السوق : جمع ساق ، وهو ما بين الركبة والكعب .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 50 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 303 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 65 ، ح 148 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 _ 43 ، ح 745 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 17 ، ح 39 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 91 ، ح 292 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 278 ، ح 731 .

ص: 365

وعن عنبسة ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «كان عليّ عليه السلام لايرى في المذي وضوء ولا غسلاً ما أصاب الثوب منه إلّا في الماء الأكبر» (1) . وعن حريز ، عمّن أخبره عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الودي لاينقض الوضوء ، إنّما هو بمنزلة المخاط والبزاق» (2) . وعن ابن رباط ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يخرج من الإحليل المنيّ والمذي والودي ، فأمّا المنيّ فهو الذي تسترخي له العظام ويفتر فيه الجسد ، وفيه الغسل ، وأمّا المذي فإنّه يخرج من الشهوة ولا شيء فيه ، وأمّا الودي فهو الذي يخرج من الإدواء فلا شيء فيه» (3) . وقد ورد الوضوء للمذي في خبر أبيبصير ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : المذي يخرج من الرجل ؟ قال : «أحدّ لك حدّا؟» قال قلت : نعم جعلت فداك . قال : فقال : «إن خرج منك بشهوة فتوضّأ ، وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء» (4) . وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي : أينقض الوضوء ؟ قال : «إن كان من شهوة نقض» (5) . وخبر الكاهلي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي ؟ فقال : «ما كان منه بشهوة فتوضّأ منه» (6) .

.


1- .. الكافي ، باب المنيّ والوذي يصيبان الثوب ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 17 _ 18 ، ح 41 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 91 _92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 ، ح 728 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، ح 51 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 304 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 280 _ 281 ، ح 739 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 48 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 ، ح 730 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 ، ح 44 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 297 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 ، ح 734 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 ، ح 45 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 298 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 ، ح 735 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 ، ح 46 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 299 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 _ 280 ، ح 736 .

ص: 366

وصحيحة يعقوب بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، قال : «المذي منه الوضوء» (1) . وعمل بها ابن الجنيد وقال بوجوب الوضوء له ، واحتمله الشيخ في التهذيب ، والأظهر في الجمع حمل هذه على الاستحباب كما فعله في الاستبصار ؛ لصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء منه ، ثمّ أعدت عليه سنة اُخرى فأمرني بالوضوء منه وقال : «إنّ عليّا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله واستحيا أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء» . قلت : فإن لم أتوضّأ ؟ قال : «لا بأس» (2) . وربّما حملت على التقيّة . وقد قال الشيخ في صحيحة يعقوب بن يقطين : قوله عليه السلام : «المذي منه الوضوء» محمول على التعجّب منه ؛ لا الإخبار . وفي بعض الأخبار أيضا ورد الوضوء للودي ، رواه ابن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «ثلاث يخرجن من الإحليل وهي : المنيّ فمنه الغسل ، والودي فمنه الوضوء ؛ لأنّه يخرج من دريرة البول» . قال : «والمذي ليس فيه وضوء إنّما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف» (3) . والظاهر كما يشعر به التعليل أنّه فيما اشتبه بالبول ولمّا يستبرأ ، ويشعر به حسنة عبدالملك بن عمرو المتقدّمة أيضا (4) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، ح 53 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 95 ، ح 306 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 281 ، ح 740 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 18 ، ح 43 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 92 ، ح 296 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 ، ح 733 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 49 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 280 ، ح 738 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 50 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 _ 283 ، ح 745 .

ص: 367

باب أنواع الغسل

ويحتمل أيضا الحمل على التقيّة . واعلم أنّ ظاهر المنتهى (1) على ما أشرنا إليه وفاق العامّة على نجاسة المذي ونقضه للوضوء ، وقال والدي _ طاب ثراه _ : «ومنهم من فصّل» ، وقال : التحقيق في هذه المسألة أنّ المعتاد خروجه إن قدر على رفعه بنكاح أو تسرّ وجب عليه الوضوء لكلّ صلاة ، وإن لم يقدر أو استنكح استحبّ له الوضوء ، وإن فارق وكانت ملازمته أكثر، سقط وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، وفي استحبابه قولان ، وإن كانت مفارقته أكثر أو ساوت مفارقته لزومه فقيل : يجب ، وقيل : يستحبّ . وقال : «ولم أقف لهؤلاء على رواية ، وإنّما رواياتهم مطلقة في النجاسة والنقض» .

باب أنواع الغسلقال _ طاب ثراه _ : قيل في غين الغسل الضمّ والفتح ، والمعروف أنّها بالضمّ الفعل وبالفتح ما يغتسل به من الماء ، وحكى الجوهري عكسه (2) ، وقال المازري (3) : «إن كان مصدرا لغسلت فهو بالفتح كضربت ضربا ، وإن كان بمعنى الاغتسال فهو بالضمّ» انتهى (4) . وهو إمّا واجب بأصل الشرع أو مندوب ، والواجب على المشهور ستّة : غسل الجنابة ، والحيض ، والنفاس ، والاستحاضة ، ومسّ الميّت بعد برده بالموت وقبل غسله ، وغسل الميّت ، ومنه غسل من يغتسل قبل القتل حدّا ، ويأتي كلّ فيبابه .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 190 .
2- .. صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1781 (غسل) .
3- .. محمّد بن عليّبن عمر التميمي المازري أبوعبداللّه ، محدّث ، متكلّم ، أديب ،من فقهاء المالكيّة ، نسبته إلى مازر بجزيرة صقليّة ، ولد بها في سنة 453 ه ق ، له من الكتب : إيضاح المحصول ، التلقين ، الكشف والإنباء ، المعلم بفوائد مسلم . مات بمدينة المهديّة من إفريقيّة في سنة 536 ه ق ، وله ثلاث وثمانون سنة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 20 ، ص 104 _ 106 ، الرقم 64 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 6 ، ص 277 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 11 ، ص 32 .
4- .. حكاه النووي في نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 274 ؛ وفي شرح صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 99 ، بلفظ : «بعضهم يقول» .

ص: 368

وأضاف الصدوق (1) وجماعة غسل الجمعة ، ويأتي القول فيه . والمندوب منه على ما يظهر من الأخبار وفتاوى أكثر العلماء الأخيار ثلاثة وثلاثون : أغسال أيّام الجمعة ، والعيدين ، وعرفة ، والمبعث ، والغدير ، والمباهلة ، ودحو الأرض ، وغسل أوّل ليلة من شهر رمضان ، ونصفه ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وليلة الفطر ، وليلتي نصف رجب وشعبان ، والإحرام ، ودخول الحرم ، ومكّة ، والمسجد الحرام ، والكعبة ، والطواف ، ودخول المدينة ، ومسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله ، والأئمّة عليهم السلام ، وقضاء صلاة الكسوف لتاركها عمدا مع استيعاب الاحتراق ، والمولود ، وللسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة ، وللتوبة ، وصلاة الحاجة ، والاستسقاء ، والاستخارة . وأضاف الشيخ في التهذيب غسل مَن مسّ ميّتا بعد الغُسل (2) ، وغُسل الجنابة لمن مات جنبا ، مقدّما على غسل الميّت (3) . وفي المصباح : «سائر فرادى رمضان» (4) . وحكى في الذكرى (5) عن محمّد بن [ أبي ] قرّة (6) : «أنّها ليلة أربع وعشرين وخمس وعشرين وسبعة وعشرين وتسعة وعشرين» . وعن ابن الجنيد : «أنّه يستحبّ لكلّ مشهد أو مكان شريف أو يوم شريف أو ليلة شريفة ، وعند ظهور الآثار في السماء ، وعندكلّ ما يتقرّب به إلى اللّه عزّ وجلّ ويلجأ فيه

.


1- .. المقنع ، ص 145 ؛ الهداية ، ص 90 و102 ؛ علل الشرائع ، ص 285 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 430 ، ذيل ح 1373 . ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 101 ، ذيل ح 328 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 433 ، ذيل ح 1389 _ 1388 . ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 195 _ 196 ، ذيل ح 682 _ 684 .
4- .. مصباح المتهجّد ، ص 636 ، ذيل الدعاء 716 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 199 .
6- .. قال النجاشي : «محمّد بن عليّ بن يعقوب بن إسحاق بن أبيقرّة أبوالفرج القنائي الكاتب ، كان ثقة ، وسمع كثيرا وكتب كثيرا ، وكان يورّق لأصحابنا ، ومعنا في المجالس ، له كتب ، منها : عمل يوم الجمعة ، كتاب عمل الشهور ، كتاب معجم رجال أبيالمفضّل ، كتاب التهجّد . أخبرني وأجازني جميع كتبه» . رجال النجاشي ، ص 398 ، الرقم 1066 .

ص: 369

إليه» . وعن المفيد أنّه قال في الغريّة : «يستحبّ لرمي الجمار» . وفي الأشراف : «لمن اُهرق عليه ماء غالب النجاسة» (1) . وعن الفاضل : «للإفاقة من الجنون» (2) . وعن ابن زهرة : «لصلاة الشكر» (3) . ويدلّ على الأغسال المشهورة زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ، ما رواه الصدوق مرسلاً ، قال : وقال أبوجعفر الباقر عليه السلام : «الغُسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبعة عشر من شهر رمضان ، وليلة تسعة عشر ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين وفيها ترجى ليلة القدر ، وغسل العيدين ، وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وإذا غسلت ميّتا وكفّنته أو مسسته بعد ما يبرد ، ويوم الجمعة ، وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت ولم تصلّ فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة ، وغسل الجنابة فريضة» (4) . وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان _ والظاهر أنّه عبداللّه _ عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الغُسل من الجنابة ، ويوم الجمعة ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم عرفة عند زوال الشمس ، ومن غسل ميّتا ، وحين تحرم ، ودخول مكّة والمدينة ، ودخول الكعبة ، وغسل الزيارة ، والثلاث ليالي من شهر رمضان» (5) . وعن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ذلك تخفيف من ربّكم» (6) .

.


1- .. الأشراف ، ص 5 ، باب فرض الغسل ؛ مصنّفات الشيخ المفيد ، ج 9 ، ص 18 .
2- .. نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 179 .
3- .. الغنية ، ص 62 ، الأغسال المندوبة .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 77 ، ح 172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 177 ، ذيل ح 1863 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 110 _ 111 ، ح 290 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 306 ، ح 3717 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 308 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 335 ، ح 3804 .

ص: 370

وفي الصحيح عن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : «سُنّة وليس بفريضة» (1) . وعن عليّ _ ولعلّه ابن أبيحمزة _ قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل العيدين، أواجب هو ؟ فقال : «هو سُنّة» . قلت : فالجمعة ؟ قال : «هو سنّة» (2) . وعن بكير بن أعين ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : في أيّ الليالي أغتسل في شهر رمضان ؟ قال : «في تسع عشرة ، وفي إحدى وعشرين ، وفي ثلاث وعشرين ، والغسل أوّل الليل» . قلت : فإن نام يعيد الغسل ؟ قال : «هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك» (3) . وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : «الغُسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة التقاء (4) الجمعان ، وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة ، وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي اُصيب فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم عليهماالسلام وقبض موسى عليه السلام ، وليلة ثلاث وعشرين ترجى فيها ليلة القدر ، ويومَي العيدين ، وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وإذا غسلت ميّتا أوكفّنته أو مسسته بعد ما يبرد ، ويوم الجمعة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الكسوف إذا احترق للقرص كلّه فاغتسل» (5) . وعن سعد بن أبي خلف ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «الغُسل في أربعة عشر موطنا ، واحد فريضة والباقي سنّة» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3736 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 ، ح 335 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3739 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1142 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 308 ، ح 3721 .
4- .. في الهامش : «التقى _ خ ل» ، ومثله في المصدر .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 114 _ 115 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 307 ، ح 3718 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 110 ، ح 289 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 98 _ 99 ، ح 319 ، وسائل الشيعة ، ج 2 ، ف ص 176 ، ح 1862 .

ص: 371

وعن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الغُسل في سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاثة» . فقلت : جعلت فداك ، ما الفرض منها ؟ قال : «غُسل الجنابة ، وغُسل من غسل ميّتا ، والغُسل للإحرام» (1) . (2) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «الغُسل من الجنابة ، وغسل الجمعة ، والعيدين ، ويوم عرفة ، وثلاث ليال في شهر رمضان ، وحين تدخل الحرم ، وإذا أردت دخول البيت الحرام ، إذا أردت دخول مسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، ومن غسل الميّت» (3) . وفي الصحيح عن محمّد الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «اغتسل يوم الأضحى ، والفطر ، والجمعة ، وإذا غسلت ميّتا ، ولا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر ، ولا إذا حملته» (4) . وعن الحسن بن راشد ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر ؟ فقال : «يا حسن ، إنّ القاريجار (5) إنّمايعطى أجره عند فراغه ، وكذلك العيد» . قلت : فما ينبغي لنا أن نعمل فيها ؟ قال : فقال : «إذا غربت الشمس فاغتسل» الحديث (6) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى صلّى ؟ قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ،

.


1- .. في الهامش : «انتهى الخبر . منه عفي عنه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 271 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 98 ، ح 316 ، وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 174 ، ح 1855 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 272 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 307 ، ح 3719 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 297 ، ح 3697 .
5- .. «القاريجار» معرّب كاريگر ، بمعنى العامل .
6- .. الكافي ، باب التكبير ليلة الفطر ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 115 ، ح 303 ؛ علل الشرائع ، ص 388 ، الباب 124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 328 ، ح 3789 .

ص: 372

وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (1) . وفيباب صلاة يوم الغدير في حديث طويل عن عليّ بن الحسين العبدي : «ومن صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة» (2) . وفي باب صلوات الحوائج عن صفوان بن يحيى ومحمّد بن سهل ، عن أشياخهما ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا حضرت لك حاجة مهمّة إلى اللّه عزّ وجلّ فصُم ثلاثة أيّام متوالية : الأربعاء والخميس والجمعة ، فإذا كان يوم الجمعة إن شاء اللّه فاغتسل والبس ثوبا جديدا» الخبر (3) . وعن مقاتل ، قال : قلت للرضا عليه السلام : جُعلتُ فداك ، علِّمني دعاء لقضاء الحوائج ، فقال : «إذا كانت لك حاجة إلى اللّه مهمّة فاغتسل والبس أنظف ثيابك» الحديث (4) . وعن عبدالرحيم القصير ، قال : دخلت على أبيعبداللّه عليه السلام فقلت له : جُعِلتُ فداك ، إنّي اخترعت دعاء ! فقال : «دعني من اختراعك ، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . قلت : كيف أصنع ؟ فقال : «تغتسل وتصلّي ركعتين» الحديث (5) . وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الأمر يطلبه الطالب من ربّه قال : «يتصدّق في يومه على ستّين مسكينا على كلّ مسكين صاعا بصاع النبيّ صلى الله عليه و آله ، فإذا كان

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 285 ، ح 850 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 451 ، ح 1747 ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 319 ، ح 3735 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 143 _ 147 ، ح 317 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 338 ، ح 3810 ، وج 8 ، ص 89 ، ح 10154 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 556 ، ح 1543 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 183 ، ح 413 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 530 _ 531 ، الرقم 613 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 132 _ 133 ، ح 10239 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، باب صلاة الحوائج ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 306 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 532 ، الرقم 615 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 333 ، ح 3800 .
5- .. الكافي ، ج 3 ، باب صلاة الحوائج ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 559 _ 560 ، ح 1548 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 116 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 103 ، ح 10234 .

ص: 373

الليل فاغتسل في ثلث الليل الثاني وتلبس أدنى ما تلبس» الحديث (1) . وقال : وروي عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّ رجلاً جاء إليه فقال له : إنّ لي جيرانا ولهم جوار يتغنّين ويضربن بالعود ، فربّما دخلت المخرج فاُطيل الجلوس استماعا منّي لهنّ ! فقال له عليه السلام : «لا تفعل» . فقال : واللّه ما هو شيء آتيه برجلي ، إنّما هو سماع أسمعه باُذني . فقال الصادق عليه السلام : «تاللّه أنت ، أما سمعت اللّه يقول : «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْ_?ولًا » (2) » . فقال الرجل : كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه عزّ وجلّ من عربي ولا من عجمي ، لاجرم أنّي قد تركتها ، وإنّي أستغفر اللّه . فقال له الصادق عليه السلام : «قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك ، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم لو متّ على ذلك ، استغفر اللّه وسَله التوبة من كلّ ما يكره ، فإنّه لا يكره إلّا القبيح ، والقبيح دعه لأهله ؛ فإنّ لكلٍّ أهلاً» (3) . وعن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ ، فليغتسل من غد وليقض الصلاة» الحديث (4) . (5) وقد قيل في بعض هذه الأخبار بالوجوب : فمنها : غسل يوم الجمعة ، ومنها: غسل قاضي صلاة الكسوف ، ومنها : غسل الإحرام ، ويأتي كلّ في محلّه إن شاء اللّه تعالى . ومنها : غسل المولود ، فأوجبه ابن حمزة (6) على ما حكاه الشهيد عنه في الذكرى (7) ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 307 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 334 ، ح 3801 .
2- .. الإسراء (17) : 36 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 115 ، ح 304 . وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 80 ، ح 177 ؛ ونحوه في الكافي ،ج 6 ، باب الغناء ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 331 ، ح 3795 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 _ 118 ، ح 309 ؛ وج 3 ، ص 157 ، ح 337 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 453 _ 454 ، ح 1758 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 336 ، ح 3806 ؛ وج 7 ، ص 500 ؛ ح 9964 .
5- .. في هامش النسخ : «وفي هذا الحديث شيء يأتي القول فيه في محلّها إن شاء اللّه تعالى . منه عفي عنه» . وفي هامش «ج» : «طاب ثراه» بدل «عفي عنه» .
6- .. الوسيلة ، ص 54 ، فصل في بيان الطهارة الكبرى .
7- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 204 .

ص: 374

وهو ظاهر الصدوق ، ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وغسل المولود واجب» فيما رواه المصنّف من خبر سماعة (1) ، وقد رواه الشيخ أيضا في التهذيب (2) . وفي المنتهى : «المراد به الاستحباب المؤكّد ؛ لما رواه الشيخ عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «وغُسل المولود مستحبّ» (3) . ومنها : غسل رؤية المصلوب ، أوجبه أبوالصلاح (4) على ما حكي عنه في الذكرى (5) والمختلف (6) ؛ لما رواه الصدوق من أنّه «من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب الغسل عليه عقوبة» (7) . وعلى المشهور حمل الوجوب فيه على تأكّد الاستحباب ؛ للأصل ، ولعدم صحّة ذلك الخبر ؛ للإرسال ، ولعدم استناده إلى معصوم ، إلّا أن يقال : إنّه من كلام الصدوق وهو لايفتي بما لا مستند له يعتدّ به ، فتأمّل . وظاهرالصدوق وجوبه ووجوب غسل الإحرام ، ويوم عرفة ، والزيارة ، ودخول الكعبة ، والمباهلة ، والاستسقاء ؛ حيث أطلق الوجوب في خبر سماعة المشار إليه في هذه الأغسال ، وفسّره في الغسل لدخول الحرم بالاستحباب (8) ، ونعم ما قال الشهيد في الذكرى : «بعض هذه الأغسال آكد من بعض ، كالجمعة والإحرام والمولود والسعي إلى المصلوب [ ممّا قيل فيه بالوجوب ] ، وكما اشتهر على ما لم يشتهر ، وكما علم مأخذه

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 204 .
2- .. الكافي ، ج 3 ، باب أنواع الغسل ، ح 2 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 104 ، ح 270 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 78 _ 79 ، ح 176 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 303 _ 304 ، ح 3710 ؛ وص 337 ، ح 3809 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 478 ، ولفظ الحديث فيه وفي جميع المصادر : «وغسل المولود واجب» ، ولم أجده بلفظ المستحبّ .
5- .. الكافي في الفقه ، ص 135 .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 317 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 78 ، ح 175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 333 ، ح 3798 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 78 _ 79 ، ح 176 .

ص: 375

على ما لم يعلم» (1) . [قوله] في خبر سماعة : (وغسل أوّل ليلة من شهر رمضان يستحبّ) إلى قوله : (فإنّه ترجى في إحداهنّ ليلة القدر) . [ ح 2/3995 ] ظاهره رجاء ليلة القدر في أوّل ليلة من شهر رمضان أيضا ، وهو خلاف ما ذهب إليه الأصحاب وما اشتهر بين أهل الخلاف ، وإنّما هو قول نادر منهم حكاه في مجمع البيان عن أبي رزين (2) العقيلي (3) ، وأظنّ وقوع سهو من بعض الرواة في جمعيّة الضمير ، ويؤيّده ورود التثنية في الفقيه (4) وفي بعض نسخ التهذيب ، ولمّا كان ذلك مخالفا لمذهب الأصحاب قال المصنّف قدس سره : «العمل في غسل الثلاث الليالي من شهر رمضان : ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين» (5) ، يعني أنّ المعمول به بين الأصحاب في غسل الليالي الثلاث من شهر رمضان التي ترجى فيها ليلة القدر إنّما هو الغسل في هذه الليالي لا فيما ذكر في الخبر . وغرضه أنّ الخبر مطروح متروك العمل بالنظر إلى هذا الخبر ، وأعني رجاء ليلة القدر في أوّل ليلة من شهر رمضان . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن معاوية بن عمّار (6) ، وما رويناه عن الشيخ ، عن بكير بن أعين (7) ، وعن محمّد بن مسلم (8) . ويؤكّدها ما روى في مجمع البيان عن عبداللّه بن بكير ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1142 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 308 ، ح 3721 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 114 _ 115 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 307 ، ح 3718 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 200 _ 201 .
4- .. المثبت هو الصواب الموافق للمصدر وسائر المصادر الذي نقل قوله ، وفي النسخ : «ابن رزين» .
5- .. مجمع البيان ، ج 10 ، ص 406 ، في تفسير سورة القدر . وحكاه أيضا البغوي في تفسيره ، ج 4 ، ص 510 ؛ والثعلبي في تفسيره ، ج 10 ، ص 250 ؛ وابن عطيّة في المحرّر الوجيز ، ج 5 ، ص 505 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 79 ، ح 176 .
7- .. الكافي ، ج 3 ، ذيل الحديث 2 من باب أنواع الغسل .
8- .. الكافي ، ج 3 ، باب أنواع الغسل ، ح 1 .

ص: 376

باب ما يجزي الغسل منه إذا اجتمع

قال : سألته عن الليالي التي يستحبّ فيها الغسل في شهر رمضان ؟ فقال : «ليلة تسع عشرة ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين» . وقال : «ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة الجهني ، وحديثه أنّه قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ منزلي ناءٍ عن المدينة ، فمُرني بليلة أدخل فيها ، فأمره بليلة ثلاث وعشرين» (1) . هذا ما خطر ببالي في توجيه هذا الكلام ، وربّما توهّم أنّ قوله : «العمل» إلى آخره من تتمّة الحديث ، فيتكلّف لتصحيحه . ويؤيّد ما ذكرناه عدم ورود ذلك في الحديث في الفقيه ولا في التهذيب .

باب ما يجزي الغسل منه إذا اجتمعقد دلّت أخبار متكثّرة على إجزاء غسل واحد إذا اجتمعت أغسال متعدّدة ، واجبة كانت تلك الأغسال أو مندوبة أو مختلفة ، فمنها ما رواه المصنّف قدس سره . ومنها : خبر زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد» (2) . وخبر أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن رجل أصاب من امرأته ثمّ حاضت قبل أن تغتسل ؟ قال : «تجعله غسلاً واحدا» (3) . ورواية حجّاج الخشّاب ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل وقع على امرأته فطمثت بعد ما فرغ ، أتجعله غسلاً واحدا إذا طهرت ؟ أو تغتسل مرّتين ؟ قال : «تجعله غسلاً واحدا عند طهرها» (4) .

.


1- .. مجمع البيان ، ج 10 ، ص 408 ، في تفسير سورة القدر .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1225 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 146 ، ح 502 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 263 ، ح 2110 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1226 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 503 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 262 _ 263 ، ح 2111 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1227 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 504 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ف ص 263 ، ح 2112 .

ص: 377

وموثّق عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثمّ تحيض قبل أن تغتسل ؟ قال : «إن شاءت أن تغسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شيء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحدا للحيض والجنابة» (1) . ولاينافي ذلك خبر سماعة بن مهران ، عن أبيعبداللّه وأبيالحسن عليهماالسلام ، قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة ، قال : «غسل الجنابة عليها واجب» (2) . فإنّه إنّما يدلّ على وجوب غسل الجنابة عليها ، وهذا ممّا لا ريب فيه ، والتداخل غير مناف له ، والشيخ في الاستبصار حمله تارة على الاستحباب ، وتارة على الإخبار عن أنّ كيفيّة غسل الحيض كغسل الجنابة ، وإطلاق هذه الأخبار شامل لما لو نوى الجيمع أو بعضها ، سواء كان المنويّ مندوبا أو واجبا ، جنابة أو غيرها . وهو إنّما يتمّ على القول بأنّ الأغسال كلّها رافعة للحدث الأصغر كما يستفاد من أخبار متكثّرة ، وستجيء ، فهذه تؤكّدها . وأمّا على القول بوجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة ، فإجزاء غيرها عنها مشكل ، إلّا أن يقال بالاِجتزاء عنها بضميمة الوضوء ، فتأمّل . وقال الشيخ في المبسوط : إذا اجتمع غسل جنابة وغسل يوم الجمعة وغيرهما من الأغسال المفروضات والمسنونات ، أجزأ عنها غسل واحد إذا نوى ذلك ، فإن نوى به غسل الواجب دون المسنون أجزأ عن الجميع ، وإن نوى المسنون دون الواجب لم يجزه ، وإن لم ينو شيئا أصلاً لم يجزه عن شيء من ذلك (3) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 396 ، ح 1229 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 506 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 264 ، ح 2113 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 _ 396 ، ح 1228 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 505 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 264 ، ح 2114 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 40 ، الأغسال المفروضة والمسنونة .

ص: 378

وحكى في الذكرى عنه أنّه قال : لو نوى المجنب _ وعليه غسل الجمعة _ الجميعَ أو الجنابة أجزأ عنهما ، ولو نوى الجمعة لم يجز عن أحدهما ؛ لعدم نيّة مايتضمّن رفع الحدث فلاترفع الجنابة ؛ ولأنّ الغرض منه التنظيف ولايصحّ مع وجود الحدث ، فلايحصل غسل الجمعة (1) . وعنه وعن المفيد _ قدّس سرّهما _ أنّهما قالا : «إذا ضمّ إليها واجب تداخلت إذا نوى الجميع أو نوى الجنابة» (2) . ثمّ استشكل إجزاء الواحد فيما لو اجتمع الواجب والندب من حيث تضادّ (3) وجهي الوجوب والندب إن نواهما ، ووقوع عمل بغير نيّة إن لم ينو المندوب . ثمّ قال : «إلّا أن يقال : إنّ نيّة الوجوب تستلزم نيّة الندب ؛ لاشتراكهما في ترجيح الفعل ، ولايضرّ اعتقاد منع الترك ؛ لأنّه مؤكّد للغاية» (4) . 5 والمشهور بين الأصحاب إجزاء غسل الجنابة عن غيره ، واجبا كان ذلك الغير أو مندوبا ، من غير عكس ؛ لما عرفت . وفي المدارك : إذا اجتمع على المكلّف غسلان فصاعدا ، فإمّا أن يكون كلّها واجبة ، أو مستحبّة ،

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 205 . المبسوط ، ج 1 ، ص 19 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 138 ، المسألة 189 ؛ وص 222 ، المسألة 191 و192 .
2- .. الإشراف للشيخ المفيد ، ص 18 ، وفيه : «في رجل اجتمع عليه عشرون غسلاً فرضا وسنّة ومستحبّا ، أجزأه عن جميعها غسل واحد» . وانظر: الخلاف للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 138 ، المسألة 189 ؛ وص 222 ، المسألة 191 .
3- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «من حيث قضاء» .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 204 _ 205 .

ص: 379

باب وجوب الغسل يوم الجمعة

أو يجتمع الأمران ، الأوّل أن يكون كلّها واجبة ، فالأظهر التداخل مع الاقتصار على نيّة القربة ، وكذا مع ضمّ الرفع أو الاستباحة مطلقا ، ولو عيّن أحد الأحداث فإن كان المعيّن هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غيره ، بل قيل : إنّه متّفق عليه ، وإن كان غيره ففيه قولان ، أظهرهما أنّه كالأوّل . الثاني أن يكون كلّها مستحبّة ، والأظهر التداخل [ مطلقا ]مع تعيين الأسباب أو الاقتصار على القربة ؛ لفحوى الأخبار ، ومع تعيين البعض يتوجّه الإشكال السابق ، وإن كان القول بالإجزاء غير بعيد أيضا . الثالث : أن يكون بعضها واجبا وبعضها مستحبّا ، والأجود الاجتزاء بالغسل الواحد أيضا ؛ لما تقدّم (1) . (2)

باب وجوب الغسل يوم الجمعةظاهره قدس سره من الوجوب المعنى المصطلح ، وإليه ذهب الصدوقان (3) ، وهو محكيّ عن مالك (4) وأحمد ، ويدلّ عليه ظاهرا زائدا على ما رواه المصنّف في الباب وفي باب أنواع الغسل ، مايرويه في باب التزيّن يوم الجمعة في الصحيح عن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن النساء ، أعليهنّ غسل الجمعة ؟ قال : «نعم» (5) . ويؤيّدها ما رواه مسلم بإسناده عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «غسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلم» (6) .

.


1- .. في المصدر : «والأجود التداخل لما تقدّم» .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 194 _ 196 ، وفي المذكور هنا تلخيص في القسم الأوّل .
3- .. المقنع ، ص 145 ؛ الهداية ، ص 102 ، باب غسل يوم الجمعة ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 78 ، ح 176 . ولم أعثر على كلام الصدوق الأوّل .
4- .. المجموع للنووي، ج 4 ، ص 535 رواية عن مالك .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 111 _ 112 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3735 .
6- .. صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 30 . ورواه الشافعي في مسنده ، ص 172 ؛ وأحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 6 و60 ؛ والدارمي في سننه ، ج 1 ، ص 361 ؛ والبخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 28 و212 و216 ؛ وج 3 ، ص 159 ؛ وابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 346 ، ح 1089 ؛ وأبوداود في سننه ، ج 1 ، ص 86 ، ح 341 ؛ والنسائي في سننه ، ج 3 ، ص 89 و92 و93 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 294 .

ص: 380

وعنه عليه السلام أنّه قال وهو قائم على المنبر : «من جاء منكم الجمعة فليغتسل» (1) . وفى [ فتح ] العزيز عنه عليه السلام : «إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل» (2) . وفي المنتهى : عن أبيهريرة ، عنه صلى الله عليه و آله ، قال : «حقّ (3) على كلّ مسلم أن يغتسل في كلّ سبعة أيّام يوما ويغسل رأسه وجسده» (4) . وعلى المشهور حملوا الوجوب وما يؤدّي معناه في هذه الأخبار على تأكّد الاستحباب؛ للجمع بينها وبين صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : «سُنّة وليس بفريضة» (5) . وصحيحة زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن غسل الجمعة ؟ فقال : «سنّة في السفر والحضر ، إلّا أن يخاف المسافر على نفسه القرّ» (6) . وخبر عليّ _ وكأنّه ابن أبيحمزة _ قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل العيدين ، أواجب هو ؟ فقال : «سنّة» .قلت : فالجمعة ؟ قال : «هو سنّة» (7) . وأصرح في الاستحباب من هذه الأخبار خبر محمّد بن سهل ، عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك ؟ قال : «إن كان ناسيا فقد تمّت صلاته ، وإن كان متعمّدا فالغسل أحبّ إلَيّ ، وإن هو فعل فليستغفر اللّه ولا

.


1- .. صحيح مسلم ،ج3 ، ص 2 . ورواه النسائي في صحيحه ، ج 3 ، ص 105 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 293 .
2- .. فتح العزيز ، ج 4 ، ص 614 . وبهذا اللفظ ورد في سنن أبيداود ، ج 1، ص 86، ح 340 .
3- .. في النسخ : «حقّا» ، والتصويب من المصدر .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 462 . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 216 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 297 ؛ وج 3 ، ص 189 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3736 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 296 ؛ وج 3 ، ص 9 ، ح 27 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 102 ، ح 334 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3737 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 ، ح 335 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3739 .

ص: 381

يعود» (1) . وخبر الحسين بن خالد ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام : كيف صار غسل يوم الجمعة واجبا ؟ قال : «إنّ اللّه تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة ، وأتمّ صيام الفريضة بصيام النافلة ، وأتمّ وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أوتقصير أو نسيان» ، على ما رواه الشيخ في باب الأغسال من أبواب الزيادات من التهذيب (2) ، والصدوق في علل الشرائع (3) . وفي أبواب الأغسال المفترضات والمسنونات من التهذيب : «وأتمّ وضوء النافلة بغسل الجمعة» (4) ، وهو أصرح في المطلوب . ولكنّ الظاهر أنّه من سهو النسّاخ ، ولاينافي الاستحباب ورود الأمر بقضائه فيما سيأتي ؛ لأنّ المؤكّد من المستحبّ قد اُمرنا بقضائه كالنوافل اليوميّة . لا يقال : قد ورد الأمر بإعادة الصلاة أيضا مع قضائه ، فكيف يجب إعادتها مع استحباب القضاء ، رواه عمّار الساباطي في الموثّق ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتّى صلّى ، قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (5) . لأنّا نقول : الأمر بقضاء الصلاة أيضا من باب الندب دون الإيجاب ، وذهب إلى الاستحباب أكثر العامّة أيضا ، بل لم ينقل فيه خلاف ، في [ فتح ] العزيز : «إلّا عن مالك» ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 113 ، ح 299 ؛ وص 272 ، ح 1141 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 _ 104 ، ح 339 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 318 ، ح 3752 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1111 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 313 ، ح 3734 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، باب وجوب غسل يوم الجمعة ، ح 4 .
3- .. علل الشرائع ، ص 285 ، باب علّة وجوب غسل الجمعة ، ح 1 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 111 ، ح 293 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 _ 113 ، ح 298 ؛ وج 3 ، ص 285 ، ح 850 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 ، ح 338 ؛ وص 451 ، ح 1747 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 319 ، ح 3753 .

ص: 382

واحتجّ عليه بما روى أنّه صلى الله عليه و آله قال : «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمَت (1) ، ومن اغتسل فالغسل أفضل» (2) ، وكأنّ مالكا تمسّك بما رويناه من طرقهم ، ولابدّ من حمل ذلك على الندب ؛ للجمع . فروع : الأوّل : ظاهر أكثر الأخبار وفتاوى الأصحاب استحباب هذا الغسل أو وجوبه لذلك اليوم مطلقا ، سواء حضر الجمعة أم لا ، ويؤيّده عموم استحبابه للمسافر والاُنثى على ما تقدّم في بعض الأخبار . ويؤيّده أيضا استحباب قضائه على ما سيأتي ، لكن ما رواه الصدوق في أصل شرعيّته يدلّ على أنّه لصلاة الجمعة ؛ حيث قال : وقال الصادق عليه السلام في علّة غسل يوم الجمعة : «إنّ الأنصار كانت تعمل في نواضحها وأموالها ، فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فتأذّى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم ، فأمرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالغسل ، فجرت بذلك السنّة» (3) . ويؤيّده جعل آخر وقته الزوال ، وخبر عمّار المتقدّم ، وهو ظاهر العلّامة في المنتهى كما ستعرفه . ولايبعد أن يقال : إنّ أصل وضعه كان خاصّا ثمّ شرّع عاما ؛ للجمع . الثاني : وقت هذا الغسل فيما بين طلوع الفجر إلى الزوال ، واحتجّ عليه في المنتهى بأنّ الغُسل مضاف إلى اليوم فيما أشرنا إليه من الأخبار ، وإنّما يتحقّق مبدؤه بطلوع الفجر ، وبأنّ هذا الغسل إنّما شرّع لحضور المسجد للصلاة (4) ؛ مستندا بخبر علّته المتقدّم ، وبما سيأتي من خبر سماعة ، وابن بكير ؛ حيث أمر عليه السلام فيهما بقضائه لمن فاته

.


1- .. في النسخ : «فنعمت» ، والتصويب من المصدر .
2- .. فتح العزيز ، ج 4 ، ص 614 . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 15 و16 و22 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 347 ، ح 1091 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 89 ، ح 354 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 4 ، ح 495 ؛ سنن النسائي ، ج 3 ، ص 94 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 295 و295 _ 296 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 112 ، ح 230 ؛ الهداية ، ص 103 _ 104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 315 ، ح 3742 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 464 _ 465 .

ص: 383

في ذلك الوقت ؛ فإنّ القضاء إنّما يكون بعد فوات الوقت . وفي الوجيز : «وأقربه إلى الرواح أحبّ» (1) . وهو المشهور بينهم لم يخالف فيه إلّا مالك حيث اشترط اتّصاله بالرواح ولم يُجوّز قبله على ما حكى عنه في [ فتح ]العزيز ، وحكى فيه وجها بجوازه قبل الفجر ، وعدّه بعيدا (2) . الثالث : يستحبّ تقديمه في يوم الخميس لمن خاف فقد الماء يوم الجمعة في السفر خاصّة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الشيخ في المبسوط (3) ، لكنّه ألحق به المسافر الذي لايتمكّن من استعمال الماء ، وهو خلاف الظاهر ، ويدلّ عليه خبر الحسين بن موسى (4) ، وخبر محمّد بن الحسين ، عن بعض أصحابه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قال لأصحابه : «إنّكم تأتون غدا منزلاً ليس فيه ماء ، فاغتسلوا اليوم لغد» ، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة (5) . وأطلق الشيخ في المبسوط (6) والعلّامة في المنتهى (7) خائف فقدان الماء من غير تقييد بالمسافر ، وتبعهما على ذلك جماعة (8) ، وكأنّهم أرادوا ذلك التقييد ، وإنّما أطلقوا ؛ لأنّ عوز الماء إنّما يكون في السفر غالبا . ووقت القضاء بعد الزوال إلى الغروب من ذلك اليوم ، أو في يوم السبت من طلوع الفجر إلى الغروب ؛ على ما دلّ عليه مرسلة حريز 9 ، وموثّقة عبداللّه بن بكير ، عن

.


1- .. فتح العزيز شرح الوجيز ، ج 4 ، ص 614 . والوجيز لأبيحامد الغزالي ، ونصّ عبارته موجود في شرحه .
2- .. فتح العزيز شرح الوجيز ، ج 4 ، ص 615 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 40 ، [باب] الأغسال المفروضة والمسنونة .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 365 _ 366 ، ح 1110 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 320 ، ح 3756 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 365 ، ح 1109 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 319 ، ح 3755 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 466 . ومثله في النهاية ، ج 1 ، ص 175 .
7- .. منهم الشهيد الثاني في المسالك ، ج 1 ، ص 105 _ 106 ؛ وفي روض الجنان ، [باب] الأغسال المسنونة ؛ج 1 ، ص 60 ، الأغسال المستحبّة .
8- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 320 _ 321 ، ح 3757 .

ص: 384

أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل فاته الغُسل يوم الجمعة ، قال : «يغتسل ما بينه وبين الليل ، فإن فاته اغتسل يوم السبت» (1) . وخبرسماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، وقد سئل عن الرجل لايغتسل ليوم الجمعة في أوّل النهار ، قال : «يقضيه من آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» (2) . وظاهر جمع من الأصحاب استحباب قضائه ليلة السبت أيضا حيث أطلقوا القضاء فيما بعد الزوال من ذلك اليوم إلى آخر يوم السبت ، ولم أجد له شاهدا ، والظاهر عدم استحباب ذلك القضاء ؛ للجمع بين ما ذكر ، وخبر ذريح ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الرجل هل يقضي غسل الجمعة ؟ قال : «لا» (3) . [قوله] في خبر الأصبغ (4) : (لأنت أعجز من التارك الغسل يوم الجمعة) . [ ح 5/4002 ] هذه الإضافة كالإضافة في قوله : «أنا ابن التارك البكري بشرا» (5) ، والخبر وإن كان في غاية الضعف سندا ؛ لإرساله ، واشتماله على الضعفاء والمجاهيل ، إلّا أنّ متنه شاهد على صدوره عن معدن الفصاحة والبلاغة . قال _ طاب ثراه _ : يمكن أن يراد بالطهارة فيه الطهارة من الذنوب ، وأن يراد بها الطهارة من الحدث ، ويؤيّد الأوّل ما في بعض أخبار العامّة من أنّه صلى الله عليه و آله قال: «من اغتسل للجمعة غفر له ما بينه

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 113 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 321 ، ح 3760 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 113 ، ح 300 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 104 ، ح 304 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 321 ، ح 3759 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 646 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 321 ، ح 3761 .
4- .. هو الحديث 5 من الباب .
5- .. هذا صدر بيت لمرار بن سعيد الفقعسي ، وتمامه : «عليه الطير ترقبه وقوعا» ، وبشر المذكور هو ابن عمرو بن مرثد ، قتله رجل من فقعس فافتخر المرار بذلك . اُنظر : شرح الرضيّ على الكافية ، ج 2 ، ص 234 ، [باب] الإضافة اللفظيّة معناها وفائدتها ؛ شرح ابن عقيل ، ج 2 ، ص 223 ؛ تاج العروس ، ج 11 ، ص 522 (وقع) ؛ خزانة الأدب ، ج 4 ، ص 256 .

ص: 385

باب صفة الغسل والوضوء قبله أو بعده و

وبين الجمعة الاُخرى وفضّل ثلاثة أيّام» (1) . قال محيي الدين : «ينقدح في نفسي أنّه إنّما فضّل بثلاثة أيّام على الجمعة ؛ ليكون من باب الحسنة بعشرة أيّام» .

باب صفة الغسل والوضوء قبله أو بعده إلخفيه مسائل : الاُولى : الغسل مطلقا _ على ما ذكره الأصحاب _ أصناف ، منها الذي يسمّونه الترتيبي ؛ لإيجابهم تقديم الرأس فيه على جانب اليمين وهو على اليسار ، وأجمع العامّة على عدم وجوب الترتيب فيه على ما يظهر من الانتصار (2) والذكرى (3) ، ولايظهر من الأخبار إلّا تقديم الرأس على سائر الجسد ، وهو أيضا معارض بما يدلّ على جواز عكسه ، ولم أجد نصّا على تقديم اليمين على اليسار ، نعم ، عطف في مقطوع زرارة (4) الأيسر على الأيمن بالواو ، وهو غير مفيد للترتيب مع انقطاع الخبر . والأخبار منها ما رواه المصنّف في الباب من صحيحة محمّد بن مسلم ، وخبرإبراهيم بن عمر اليماني ، وحسنة زرارة (5) . ومنها ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ، ثمّ تدخل يدك فتغسل فرجك ، ثمّ تمضمض وتستنشق وتصبّ الماء على رأسك ثلاث مرّات ، وتغسل وجهك ، وتفيض على جسدك الماء» (6) .

.


1- .. لم أجده بهذه العبارة ، نعم ورد نحوه مع زيادات في : صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 8 ، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 7 ، ص 19 ، باب 30 ، شروط الرواح إلى الجمعة .
2- .. الانتصار ، ص 120 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 218 .
4- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
5- .. هي الأحاديث 1 و8 و3 من هذا الباب من الكافي .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 362 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، ح 398 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 ، ح 2000 .

ص: 386

وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل ، فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائه ثمّ يغسل فرجه ، ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات مل ء كفّيه ، ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه ، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه ، فما انتضح من مائه فى إنائه بعد ما صنع ما وصفت ، فلا بأس» (1) . وفي الصحيح عن هشام بن سالم ، عن محمّد بن مسلم ، قال : دخلت على أبيعبداللّه عليه السلام فسطاطه وهو يكلّم امرأة ، فأبطأت عليه ، فقال : «ادنه ، هذه اُمّ إسماعيل جاءت وأنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّها عام أوّل ، كنت أردت الإحرام فقلت : ضعوا لي الماء في الخباء ، فذهبت الجارية بالماء فوضعته ، فاستخففتها فأصبت منها ، فقلت لها (2) : اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لاتعلم به مولاتك ، فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولاتغسلي رأسك فتستريب مولاتك ، فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء ، فحلقت رأسها وضربتها ، فقلت لها : هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّك» (3) . واستدلّ العلّامة في المنتهى لترتيب اليمين على اليسار بالإجماع ، وبما روته عائشة، قالت: كان النبيّ صلى الله عليه و آله إذا اغتسل من الجنابة بدأ بشقّه الأيمن ثمّ الأيسر (4) . واحتجّ الشهيد عليه في الذكرى بما دلّ على تقديم الرأس على الجسد بضميمة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 542 .
2- .. كلمة «لها» غير موجودة في المصدر .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 134 ، ح 371 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 124 _ 125 ، ح 423 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 237 ، ح 2036 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 196 . والحديث بهذا اللفظ رواه الإسماعيلي على ما في تلخيص الحبير لابن حجر ، ج 2 ، ص 183 . وورد الحديث في مصادر العامّة بلفظ : «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا اغتسل من الجنابة ، دعا بشيء نحو الحلاب ، فأخذ بكفّيه ، فبدأ بشقّ رأسه الأيمن ثمّ الأيسر ، ثمّ أخذ بكفّيه ، فقال بهما على رأسه» ، ورواه أبوداود في سننه ، ج 1 ، ص 62 ، ح 240 ؛ والبخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 69 ، كتاب الغسل .

ص: 387

عدم القول بالفصل ، فإنّ كلّ من أوجب تقديم الرأس أوجب تقديم اليمين على اليسار ، وباشتمال الغسل البياني عليه ؛ متمسّكا بما روي : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا اغتسل بدأ بميامنه» (1) . وكأنّه أشار بذلك إلى ما رويناه عن عائشة ، فكونه للبيان ممنوع ، ويجوز أن يكون ذلك الترتيب منه من باب الندب والاستحباب دون الفرض والإيجاب ، على أنّه معارض بما روى في الذكرى عنها : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه _ إلى قولها _ : ثمّ يصبّ على رأسه ثلاث غرفات بيديه ، ثمّ يفيض الماء على جلده» (2) . وعن ميمونة نحوه (3) ، وقال : «هما من الصحاح» (4) . وأمّا الإجماع المدّعى فممنوع ؛ فإنّ ابن الجنيد لم يوجب ذلك _ على ما حكى عنه في الذكرى _ إنّه قال : «ولو لم يضرب صدره وبين كتفيه بالماء إلّا أنّه أفاض ببقيّة مائه بعد الذي غسل به رأسه ولحيته ثلاثا على جسده ، وصبّ على جسده من الماء ما يعلم أنّه قد مرّ على سائر جسده أجزأه ، ونقل رجليه حتّى يعلم أنّ الماء الطاهر من النجاسة قد وصل إلى أسفلها» (5) . وهو ظاهر ابن أبيعقيل حيث عطف الأيسر على الأيمن بالواو .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 218 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 219 . والحديث رواه مسلم في صحيحه ، ج 1 ، ص 176 ، باب القدر المستحبّ من الماء . . . ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 172 ، باب غسل الجنب ما به الأذى بشماله ، وفيهما «بيمينه» بدل «بميامنه» .
3- .. الموطّأ لمالك ، ج 1 ، ص 44 ، ح 67 ؛ الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 56 ؛ مسند الشافعي ، ص 19 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 68 ، كتاب الغسل ؛ تفسير البغوي ، ج 2 ، ص 17 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 118 ، ح 246 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 175 ، باب تخليل اُصول الشعر بالماء وإيصاله إلى البشرة ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 1 ، ص 268 ، ح 270 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 3 ، ص 469 .
4- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 69 ، كتاب الغسل ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 190 ، ح 573 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 191 ، باب في الغسل من الجنابة .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 220 . وكلام ابن الجنيد هذا مختصّ بصورة قلّة الماء على ما صرّح به الشهيد في بداية نقل كلامه ؛ حيث قال : «وابن الجنيد اجتزأ مع قلّة الماء . . . وقال . . .» .

ص: 388

وظاهر الصدوقين أيضا حيث ذكرا كيفيّة الغسل الواجبة والمندوبة ولم يذكرا الترتيب أصلاً (1) . ويؤيّده خبر اللمعة المنسيّة (2) حيث أوجب عليه السلام غسل تلك اللمعة ولم يأمر بإعادة الغسل ، من غير تفصيل بين لمعة اليمين واليسار ؛ إذ لو كان الترتيب واجبا لوجب إعادة اليسار إذا كانت اللمعة في اليمين ، كما صرّح به جماعة من القائلين به ، منهم الشهيد في الذكرى والعلّامة في التحرير والمنتهى ، بل لايبعد حمل ما دلّ على تقديم الرأس على الجسد أيضا على الاستحباب ؛ للجمع بين ما ذكر وبين أخبارٍ ظاهرها جواز غسل الرأس والجسد دفعة ، رواها الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك ، وتبول إن قدرت على البول ، ثمّ تدخل يدك في الإناء ، ثمّ اغسل ما أصابك منه ، ثمّ أفض على رأسك وجسدك ، ولا وضوء فيه» (3) . وفي الصحيح عن حكم بن حكيم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها ، ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ، ثمّ اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل ، فإن كنت في مكان نظيف فلايضرّك أن لاتغسل رجليك ، وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك» . قلت : إنّ الناس يقولون : نتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ! فضحك وقال : «أيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ؟» ! (4)

.


1- .. كلام ابن أبيعقيل والصدوقين حكاه الشهيد في الذكرى ، ج 2 ، ص 220 . وانظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 81 ؛ المقنع ، ص 38 _ 39 ؛ الهداية ، ص 93 .
2- .. مسند أحمد ، ج 3 ، ص 424 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 46 ، ح 175 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 83 ، باب تفريق الوضوء . ولا يخفى أنّ الحديث مربوط بالوضوء ؛ حيث ورد فيه أنّه صلى الله عليه و آله أمر بإعادة الوضوء .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 _ 132 ، ح 363 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 230 ، ح 2018 ؛ وص 47 ، ح 2067 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 139 _ 140 ، ح 392 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 230 _ 234 ، ح 2029 .

ص: 389

وفي الصحيح عن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ، ثمّ تمضمض واستنشق ، ثمّ تغسل جسدك من لدُن قرنك إلى قدميك ليس قبله ولابعده وضوء ، وكلّ شيء أمسسته الماء فقد نقّيته ، ولو أنّ رجلاً جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده» (1) . وعن يعقوب بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة ، فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل عليه السلام ؟ فقال : «الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الإناء ، ثمّ يغسل ما أصابه من أذى ، ثمّ يصبّ على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه ، ثمّ قد قضى الغسل ولا وضوء عليه» (2) . بل قد ورد في قصّة أبيعبداللّه عليه السلام واُمّ إسماعيل المتقدّمة تقديم الجسد على الرأس ، رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم ، قال : كان أبوعبداللّه عليه السلام فيما بين مكّة والمدينة ومعه اُمّ إسماعيل ، فأصاب من جارية له ، فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها ، وقال لها :« إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك» ، ففعلت ذلك ، فعلمت بذلك اُمّ إسماعيل ، فحلقت رأسها ، فلمّا كانت من قابل انتهى أبوعبداللّه عليه السلام إلى ذلك المكان ، فقالت له اُمّ إسماعيل : أيّ موضع هذا ؟ فقال لها : «هذا الموضع الذي اُحبط فيه حجّك عام أوّل» (3) . وربّما يتوهّم وقوع وهم من أحد من الرواة في هذا الخبر ؛ لصدور هذا النقل عن هشام بن سالم (4) بتقديم الرأس على الجسد عكس هذا ، وفيه تأمّل .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، ح 422 ؛ وص 370 ، ح 1131 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 ، ح 1999 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 143 ، ح 402 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 246 ، ح 2065 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 134 ، ح 370 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 124 ، ح 422 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 236 ، ح 2035 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 134 ، ح 371 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 124 _ 125 ، ح 423 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 237 ، ح 2036 . وتقدّم نقله .

ص: 390

ومنها الاِرتماسي ، وقد أجمعوا على جوازه ، واحتجوّا عليه بحسنة الحلبي (1) ، وبصحيحة زرارة المتقدّمة . وعلى المشهور لافرق في ذلك بين الراكد والبئر والجاري ، وقال شيخنا المفيد قدس سره : «لاينبغي للجنب أن يرتمس في الماء الراكد» . والظاهر أنّه أراد به التحريم ؛ حيث علّله بقوله : «فإنّه إن كان قليلاً أفسده ، وإن كان كثيرا خالف السنّة بالاغتسال فيه» (2) . وكلاهما ممنوع وليس عليهما دليل يعتدّ به . واستدلّ له الشيخ في التهذيب في صورة القلّة بأنّ الجنب حكمه حكم النجس إلى أن يغتسل ، فمتى لاقى الماء الذي يقبل النجاسة ينجّسه (3) . وهو أيضا في مرتبة الدعوى لابدّ له من دليل ، بل ينفيه العقل والنقل ، وبما روي عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به ، فتيمّم بالصعيد ، فإنّ ربّ الماء ورَبّ الصعيد واحد ، لاتقع في البئر ، ولاتفسد على القوم ماءَهم» (4) . وقد ظهر لك فيما سبق عدم دلالته على التنجيس (5) . وفي صورة الكثرة بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من بئر ، فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب، ما حدّه الذي لايجوز ؟ فكتب : «لاتتوضّأ (6) من [ مثل ] هذا إلّا

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. المقنعة ، ص 54 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، ص 65 ، ح 9 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 426 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 _ 128 ، ح 435 ، إلّا أنّ فيه : «فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» . ؛ وج 1 ، ص 185 ، ح 535 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 177 ، ح 443 .
5- .. تقدّم في باب البئر وما يقع فيها .
6- .. في النسخ : «لاتوضّأ» ، والتصويب من المصادر .

ص: 391

لضرورة» (1) . وفيه أنّه لو سلّم كون الكتابة عن الإمام عليه السلام ، فدلالته على مدّعاه ممنوع ، بل يستفاد منه نقيضه (2) ، فتأمّل . وقال _ طاب ثراه _ : الظاهر أنّ الغاسل لو كان قائما في الماء ثمّ ارتمس فيه ، لتحقّق ماهيّة الارتماس ولايتوقّف على كونه خارجا عنه بجميع بدنه وإن كان ذلك أحوط ، والمراد بالوحدة فيه الوحدة العرفيّة لا الحقيقيّة ؛ لامتناعها . انتهى . وهل يشترط فيه نيّة الترتيب ؟ نفاه الشهيد في الذكرى (3) ، وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الشيخ وأتباعه ، وهو الظاهر ؛ لأنّ تنزيله على الترتيب تعسّف من غير ضرورة . وحكى في المبسوط عن بعض الأصحاب أنّه يترتّب حكما (4) . واختلف في تفسيره ، فقيل : المراد أنّه ينوي الترتيب حال الارتماس (5) . وفسّره في الاستبصار بالترتيب حال الخروج عن الماء حيث قال بعد ذكر خبر الارتماس : لاينافي ذلك ما قدّمناه من وجوب الترتيب ؛ لأنّ المرتمس يرتّب حكما وإن لم يرتّب فعلاً ؛ لأنّه إذا خرج من الماء حكم له بطهارة رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ جانبه الأيسر ، فيكون على هذا التقدير مرتّبا» (6) . وعلى عدم اعتبار الترتيب فيه لو وجد لمعة لم يصل إليها الماء يحتمل أن يجب

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 150 ، ح 428 ؛ وص 418 ، ح 1319 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 9 ، ح 11 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 121 ، ح 405 . وفي الجميع : «لاتتوضّأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه» .
2- .. لأنّ الجواز في صورة الضرورة يدلّ على طهارة الماء .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 223 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 29 . وقال العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 336 بعد نقل كلام الشيخ : «وهو اختيار سلاّر» .
5- .. نسبه الشهيد في الذكرى ، ج 2 ، ص 224 إلى العلّامة .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 125 ، ذيل ح 424 .

ص: 392

عليه إعادة الغُسل ؛ إذ الواجب عليه الارتماس بحيث يصل إلى جميع بشرته دفعة . وفي المنتهى : «ويمكن أن يقال بالإجزاء مع غسل تلك اللمعة ؛ لأنّ الترتيب سقط في حقّه ، وقد غسل أكثر بدنه ، فأجزأه ؛ لقول أبيعبداللّه عليه السلام : فما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (1) ، فتأمّل . وعلى اعتبار الترتيب الحكمي فهو كالمرتّب . ومنها : الغسل تحت المطر ، وقد ذهب إليه الأصحاب ؛ لما رواه المصنّف مرسلاً عن أبيعبداللّه عليه السلام ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الجنب : هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر (2) حتّى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ماء سوى ذلك ؟ قال : «إن كان يغسله اغتساله في الماء أجزأه ذلك» (3) . وألحق به بعضهم الغسل تحت الميزاب والمجرى وصبّ الإناء الشامل للبدن ؛ للاشتراك في المعنى ، وهو واضح على ما ذكرناه ، وإلّا فالأولى الاقتصار على موضع النصّ . والظاهر عدم اعتبار الترتيب والارتماس فيه ؛ للأصل ، وانتفاء دليل يعتدّ به على اعتبارهما لاسيّما الارتماس ؛ لعدم تحقّق معناه فيه ؛ لأنّه من الرمس وهو الكتمان ، يقال : «رمست عليه الخبر» أي كتمته ، ومنه : «رمست الميّت» إذا دفنته (4) . على أنّ إيصال الماء إلى الأعضاء المختفية كتحت الحنك والإبطين وفروج الأصابع ونظائرها فيه يحتاج إلى زمان لايجامع الدفعة العرفيّة .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 202 .
2- .. في هامش النسخ : «المطر _ خ ل» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 ، ح 424 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 125 ، ح 425 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 231 _ 232 ، ح 2022 .
4- .. صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 936 (رمس) .

ص: 393

وربّما نزّل على الترتيب الحكمي ، ونزّله الشهيد الثاني (1) تنزيلاً دائرا بينه وبين الارتماس ؛ معلّلاً بأنّه عليه السلام حكم بصحّة هذا الغسل على تقدير مساواته للغسل بالماء في غير المطر ، ومعلوم أنّ الغسل بغيره ينقسم إلى ترتيب وارتماس ، فيلحق ما أشبهه ، فإن كان المطر غزيرا بحيث يغسله دفعة عرفيّة كان كالارتماس في الحكم ، وإن تراخى وحصل معه الجريان على الأعضاء كان كغسل الترتيبي . وأنت تعلم أنّ المتبادر من التشبيه في الخبر وصول الماء إلى جميع الأعضاء الظاهرة والمختفية ، وهو لايستلزم الارتماس ولا الترتيب ، وأنت إذا تأمّلت الأخبار وجدت أنّ جميع هذه الأصناف ترجع إلى أمر واحد وهو غسل جميع البدن كيف ما اتّفق . ويؤيّده إطلاق الاطّهار في قوله تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » (2) ، ولكنّ الأفضل في الترتيبي تقديم الرأس على الجسد ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه المصنّف من حسنة زرارة (3) ، إلّا أن يحمل صحيحة هشام الثانية على وقوع سهو من الراوي في تقديم الجسد على الرأس ، فيجب ، فتأمّل في المقام فإنّه حقيق به . الثانية : اشتهر بين الأصحاب وجوب الوضوء للصلاة مع كلّ غسل ، واجبا كان أو مستحبّا ، قبله أو بعده ، وأفضليّته قبله ، إلّا غسل الجنابة فإنّه لا وضوء معه لا قبله ولا بعده ، لا وجوبا ولا استحبابا . واحتجّوا عليه بمرسلة ابن أبيعمير (4) ، وما رواه الشيخ عن ابن أبيعمير ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : «فى كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة» (5) .

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
2- .. روض الجنان ، ج 1 ، ص 156 ، وجوب غسل البشرة والترتيب .
3- .. المائدة (5) : 6 .
4- .. هو الحديث 13 من هذا الباب من الكافي .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 143 ، ح 403 ؛ وص 302 ، ح 881 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 209 ، ح 733 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 248 ، ح 2073 .

ص: 394

وبأخبار متكثّرة دلّت على حكم غير الجنابة ، وتأتي في مواضعها ، وقد سبق بعضها . وبما تقدّم في خصوص الجنابة عن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، وعن حكم بن حكيم ، وزرارة ، ويعقوب بن يقطين . وما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ عليه السلام أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ؟ فقال : «كذبوا على عليّ عليه السلام ، أما وجدوا في كتاب عليّ عليه السلام : قال اللّه تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » (1) » (2) . وذهب الشيخ في كتابَي الأخبار إلى استحباب الوضوء مع غسل الجنابة ؛ جامعا بذلك بين ما ذكر وبين ما رواه بسند صحيح عن أبيبكر الحضرمي ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : سألته : كيف أصنع إذا أجنبت ؟ فقال : «اغسل [ كفّيك و ]فرجك وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ اغتسل» (3) . وهو مع عدم صحّته ؛ لاشتراك أبيبكر الحضرمي بين عبداللّه بن محمّد الممدوح ، ومحمّد بن شريح المجهول (4) ، يحتمل الحمل على التقيّة ؛ لإطباق العامّة على استحباب ذلك الوضوء . وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى وابن الجنيد عدم وجوبه مع الغسل

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 139 ، ح 389 ؛ وص 142 ، ح 400 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 125 _ 126 ، ح 426 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 247 ، ح 2069 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 104 ، ح 269 ؛ وص 140 ، ح 393 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 97 ، ح 314 ؛ وص 126 ، ح 429 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 247 ، ح 2070 .
4- .. الظاهر فيهما عكس ما قاله ؛ لأنّ محمّد بن شريح الحضرمي معلوم ثقة ، على ما في رجال النجاشي ، ص 366 ، الرقم 991 ؛ وإيضاح الاشتباه ، ص 283 ، الرقم 645 ؛ وخلاصة الأقوال ، ص 263 ، الرقم134 ؛ ورجال ابن داود الحلّي ، ص 174 ، الرقم 1148 ؛ ونقد الرجال ، ج 4 ، ص 229 ، الرقم 4770 . والمعروف في كنيته أبوعبداللّه ، نعم صرّح الشيخ في الفهرست بأنّه يكنّى أبابكر ، ولا تضايق بتكنيته بأبيبكر أحيانا ، لكنّ أبابكر الحضرمي المعروف هو عبداللّه بن محمّد الحضرمي ، ولم يرد فيه توثيق لا من النجاشي ولا من الكشّي ، نعم وثّقه السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث ، ج 10 ، ص 299 ، الرقم 7091 .

ص: 395

مطلقا (1) ، وهو الأظهر ؛ للجمع بين ما ذكر وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «الغسل يجزي في الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» . وموثّقة عمّار الساباطي ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد : هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده ؟ فقال : «لا ، ليس عليه قبل ولا بعد ، فقد أجزأه الغسل» (2) . وخبر محمّد بن عبدالرحمان الهمداني ، أنّه كتب إلى أبيالحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ؟ فكتب : «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره» (3) . وخبر حمّاد بن عثمان ، عن رجل ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك ، أيجزيه من الوضوء ؟ فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (4) . وإليه أشار المصنّف بقوله : «وروي» إلخ (5) . ومثله قوله عليه السلام : «وأيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ» في صحيحة حكم بن حكيم المتقدّمة . وقال _ طاب ثراه _ : «ما ظهر لي بعد ملاحظة الأخبار أنّ الوضوء في غسل الجنابة بدعة ، وفي غيره من الأغسال واجبا كان أو مسنونا مسنون» .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 340 . ولم أعثر على كلامهما ، والظاهر عدم تماميّة النسبة إلى السيّد المرتضى ، فإنّه قال في جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة من رسائله ، ص 24) : «ويستبيح بغسل الواجب الصلاة من غير وضوء ، وإنّما الوضوء في غير الأغسال الواجبة» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 141 ، ح 398 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 ، ح 432 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 244 _ 245 ، ح 2057 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 141 ، ح 397 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 126 _ 127 ، ح 431 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 244 ، ح 2056 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 141 ، ح 399 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 ، ح 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 245 ، ح 2058 .
5- .. ذيل الحديث 13 من هذا الباب من الكافي .

ص: 396

الثالثة : تحويل الخاتم ونحوه ، ولا ريب في وجوبه إذا كان مانعا عن وصول الماء إلى البشرة ، ويدلّ عليه بعض أخبار الباب (1) . الرابعة : الدعاء عنده ، وهو مستحبّ بما هو المنقول في مرسلة عليّ بن الحكم (2) وغيره ممّا هو مذكور في كتب الأدعية . الخامسة : ظاهر الأخبار تحتّم كون الوضوء قبل الغسل ، وكونه بدعة بعده ، سواء قلنا بوجوبه أو استحبابه ، ويدلّ عليه صريحا قوله عليه السلام : «الوضوء بعد الغسل بدعة» في خبر عبداللّه بن سليمان (3) . وما رواه الشيخ عن محمّد بن يحيى مرسلاً : «أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة» (4) . وهو ظاهر جماعة ، منهم : المفيد والصدوق ، ففي المقنعة : «وإن كان الغسل لغير جنابة فهو غير مجز في الطهارة من الحدث حتّى يتوضّأ معه الإنسان وضوء الصلاة قبل الغسل» (5) . وفي الفقيه : «ومن اغتسل لغير الجنابة فليبدأ بالوضوء ثمّ ليغتسل» (6) . وحكى مثله في المختلف (7) عن عليّ بن بابويه (8) وأبيالصلاح (9) أيضا .

.


1- .. منها : الحديث 6 من الباب عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام ؛ و الحديث 14 عن الحسين بن أبيالعلاء ، عن أبيعبداللّه عليه السلام .
2- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي .
3- .. هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 140 ، ح 394 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 126 ، ح 430 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 245 ، ح 2059 .
5- .. المقنعة ، ص 53 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 81 ، باب الأغسال الواجبة ، ذيل ح 117 . ومثله في الهداية ، ص 92 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 343 .
8- .. لم أعثر عليه في غيره .
9- .. الكافي في الفقه ، ص 134 .

ص: 397

وخيّر الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) بين تقديمه وتأخيره ، وعدّ التقديم أفضل ، وتبعه الأكثر . واستقربه العلّامة في المختلف محتجّا عليه بأصالة براءة الذمّة عن وجوب التقديم ، وبأنّ الوضوء إنّما يراد للصلاة ، فلاتجب قبله ، وبخروجه عن عهدة الغسل باغتساله قبل الوضوء (3) . وكلّ ذلك محلّ التأمّل ، فتأمّل . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثا) إلخ . [ ح 1/4005 ] الظاهر أنّ المراد بالثلاث والمرّتين الحفنات والحفنتين ، والتكرير للمبالغة فى الغسل ، وإنّما أراد في الرأس لزيادة الاحتياج فيه لمكان الشعر . وقال _ طاب ثراه _ : لاخلاف في وجوب التخليل عندنا وعند بعض العامّة إذا منع الشعر من وصول الماء إلى البشرة ، وبعضهم لايوجبونه في ستر الرأس واللحية كما في الوضوء . ثمّ قال : وفي قوله عليه السلام : «فما جرى عليه الماء فقد طهر» ، حجّة لمن قال : غسل كلّ عضو يرفع الحدث عنه بانفراده ، وهو مذهب الشافعيّة أيضا ، وقيل : لايطهر عضو قبل الفراغ من الغسل وإلّا يلزم جواز مسّ المصحف على تقدير غسل العضو الماسّ وحده ، وذلك باطل اتّفاقا ، وهو ممنوع ، لا لما قيل من أنّ القائل بطهارة كلّ عضو بانفراده يقول : إنّما يعرف ذلك بإكمال الغسل ، فإكماله كاشف عنه ، فلايجوز مسّ المصحف قبل ظهور الكاشف ، فإنّه ليس كذلك ، بل القائل بها يرى أنّ العضو بنفس الفراغ منه يطهر بدون انتظار شيء آخر ، بل لمنع الملازمة ؛ إذ الشرط في جواز مسّ المصحف طهارة الشخص لا طهارة العضو الماسّ ، فإنّهم إنّما تمسّكوا في ذلك بقوله تعالى : «لَا يَمَسُّهُ إِلَا

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 343 .
2- .. النهاية ، ص 23 ، باب الجنابة وأحكامها وكيفيّة الطهارة منها .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 30 ، غسل الجنابة وأحكامها .

ص: 398

باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة

الْمُطَهَّرُونَ » (1) » . قوله في حسنة جميل : (في الشعر والقرون) . [ ح 17/4023 ] قال الجوهري : «القرن : الخصلة من الشعر» (2) .

باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأةالجنابة تحصل بأمرين : الجماع ، وإنزال المنيّ ، أمّا الجماع فإن كان في قبل المرأة _ وحدّه التقاء الختانين _ فهو موجب للغسل عليهما وإن لم ينزلا ، عندنا وعند أكثر العامّة ، وحكي عن داوود (3) وعن جمع من الصحابة اشتراط الإنزال ، وكأنّ هذا الجمع هم الأنصار كما يظهر من صحيحة زرارة ، وستأتي . وقال _ طاب ثراه _ : والمشهور عندهم أنّه لم يكن الغسل واجبا بذلك في صدر الإسلام ، ثمّ نسخ بالأخبار المستفيضة بوجوبه ، وبإجماع السابقين عليه ، وقال بعضهم : الإجماع غير متحقّق ، وكذا النسخ ؛ لأنّ الخلاف باق إلى الآن . انتهى . لنا قوله تعالى : «أَو لمَستُمُ النِساءَ » (4) ، إذ المراد بالملامسة الجماع على ما سبق . والأخبار المستفيضة من الطريقين ، فمنها ما رواها المصنّف في الصحاح عن محمّد بن مسلم ، وعن محمّد بن إسماعيل _ وهو ابن بزيع _ وعن عليّ بن يقطين (5) . ومنها صحيحة زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهلها فيخالطها ولاينزل ؟ فقالت الأنصار :

.


1- .. الواقعة (56) : 79 .
2- .. صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2179 (قرن) .
3- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 203 ، باب ما يوجب الغسل ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 205 ؛ سبل السلام ، ج 1 ، ص 85 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 276 عن بعض أصحاب داود .
4- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
5- .. هو الأحاديث 1 _ 3 من هذا الباب من الكافي .

ص: 399

الماء من الماء . وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل . فقال عمر لعليّ عليه السلام : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال عليّ عليه السلام : «أتوجبون عليه الحدّ والرجم ، ولا توجبون عليه صاعا من ماء ؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل» . فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ، ودعوا ما قالت الأنصار» (1) . وما رواه الجمهور عن عائشة ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا التقى الختانان وجب الغسل» (2) . وعنها أنّها قالت : إذا التقى الختانان وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاغتسلنا 3 . وعنها أنّها قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا قعد بين شعبها الأربع فقد وجب عليها الغسل» 4 .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 119 ، ح 314 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 ، ح 1879 .
2- .. مسند أحمد ، ج 6 ، ص 239 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 247 ، ح 945 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 7 ، ص 147 ؛ التمهيد لابن عبدالبرّ ، ج 23 ، ص 100 .

ص: 400

وقال الأزهري (1) : «أراد بين شعبتي رجليها وشعبتي شفريها» (2) . واعلم أنّ التقاء الختانين ممّا لايتصوّر ؛ لأنّ ختان المرأة من أعلى الفرج ، ولذا قال العلّامة في المنتهى : «المراد به المحاذاة» (3) . نعم يتصوّر ذلك لو تماسّا من غير جماع ، وهو غير موجب للغسل إجماعا ، ولذا قيل : التقاء الختانين كناية عن مغيب الحشفة (4) . وأمّا وط ء دبرها بالإيقاب ، فالظاهر أنّه لايوجب الغسل ؛ لأصالة البراءة ، وعدم نصّ صريح فيه ، ولمرفوعة البرقي (5) ، وإليه ذهب الشيخ في النهاية (6) ، وتبعه جماعة ، وتوقّف فيه في المبسوط ؛ حيث قال : «لأصحابنا فيه روايتان : الوجوب ، وعدمه» (7) . وذهب السيّد المرتضى إلى وجوبه (8) ، واختاره العلّامة في المنتهى (9) ؛ مستدلاًّ بعموم قوله تعالى: «أَو لمَستُمُ النِساءَ » (10) ، وبصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام، قائلاً أنّه عليه السلام أشار بقول : «وأدخله» إلى الإدخال في الفرج ، وهو موضع الحدث قبلاً كان أو دبرا ، وبقول عليّ عليه السلام : «أتوجبون عليه الحدّ والرجم ، ولا توجبون عليه صاعا من

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. تقدّمت ترجمته .
3- .. تهذيب اللغة ، ج 1 ، ص 444 (شعب) ، ولفظه هكذا : «وقال بعضهم : شعبها الأربع : يداها و رجلاها ، كني به عن الإيلاج ، وقال غيره : شعبها الأربع : رجلاها وشفرا فرجها» . والعبارة المذكورة هنا حكاها عنه ابن قدامة في المغني ، ج 1 ، ص 204 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 182 . وكان في الأصل : «شعبتي» في الموردين ، فصوّبته حسب نقلهما.
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 181 .
5- .. حكاه في مفتاح الكرامة ، ج 3 ، ص 154 عن شرح المفاتيح .
6- .. هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي .
7- .. النهاية ، ص19 ، باب الجنابة وأحكامها وكيفيّة الطهارة منها ، ولم يصرّح فيها بذلك ، فإنّه قال : «فإن جامع امرأته فيما دون الفرج ، وأنزل وجب عليه الغسل ، ولا يجب عليها ، وإن لم ينزل فليس عليه أيضا الغسل» ، ويمكن حمل العبارة على التفخيذ .
8- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 28 ، ولفظه هكذا : «لأصحابنا فيه روايتان : أحدهما يجب الغسل عليهما ، والثانية : لايجب عليهما» . ونحوه في الخلاف ، ج 1 ، ص 116 .
9- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 180 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 183 .
10- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 183 _ 184 .

ص: 401

ماء؟» زاعما أنّ هذا يدلّ من حيث المفهوم على وجوبه بوطي الدبر . وفيه : أنّ المتبادر من الملامسة والإدخال الوط ء في القبل ، والمفهوم إنّما يكون حجّة إذا لم يعارضه منطوق ، وقد عرفت وجود المعارض . على أنّ ذلك إنّما يكون قياسا لاشتراك الوطيين في الحكم ، وهو باطل عندنا . وكذا الظاهر ذلك في وطي دبر الغلام ؛ لما ذكر ، وهو اختيار الشيخ؛ متمسّكا بما ذكر من أصالة البراءة ، وعدم دليلٍ صالح عليه (1) . وخالفه السيّد المرتضى (2) محتجّا بالإجماع المركّب ، يعني أنّ كلّ من أوجبه وطي دبر المرأة أوجبه بوطي دبر الغلام أيضا ، وكلّ من نفاه في الغلام نفاه في المرأة أيضا ، وقد ثبت وجوبه في المرأة ، فيثبت في الغلام أيضا ، وإلّا لكان قولاً ثالثا خارقا للإجماع المركّب ، وبه قال الشافعي (3) وأبوحنيفة (4) وأحمد (5) . وفيه ما فيه . وقد وقع ذلك الخلاف في الموطوءة دبرا ، وفي الموطوء أيضا . وأمّا إنزال المنيّ فهو موجب للغسل مطلقا عند أهل العلم من الفريقين ، والأخبار متظافرة عليه من الطريقين ، وكفاك ما ذكره المصنّف في الباب والباب الآتي . والمنيّ _ وربّما عبّر عنه في الأخبار بالماء الأكبر _ هو الماء الغليظ الدافق غالبا الخارج بالشهوة تشبه رائحته رائحة الطلع رطبا ورائحة البيض يابسا ، وقد يتخلّف عنه بعض الصفات لعلّة ، وإنّما سمّي منيّا لأنّه يراق ، كما سمّيت مِنى مِنى لإراقة الدماء بها (6) .

.


1- .. هذان الدليلان مذكوران في المبسوط ، ج 1 ، ص 28 ، ذيل الحكم بعدم وجوب الغسل في وطي البهيمة .
2- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 181 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 185 ؛ وفي تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 226 ، المسألة 67 .
3- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 132 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 192 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 69 .
4- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 27 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 36 .
5- .. المغني ، ج 1 ، ص 204 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 202 .
6- .. ما ذكره في معنى المنيّ وخصوصيّاته من منتهى المطلب للعلاّمة ، ج 2 ، ص 165 .

ص: 402

وإنزاله عبارة عن خروجه عن الحشفة ، فلو أحسّ بانتقاله عن محلّه فأمسك ذكره فلم يخرج أصلاً فلا غسل عليه عندنا ، وفاقا لأكثر المخالفين ، خلافا لأحمد (1) . لنا أنّ إيجابه للغسل علّق في الأخبار على خروجه ، والمتبادر منه ذلك ، ويؤيّده ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، إنّه قال : «إذا رأت المرأة ذلك [ أو إحداكنّ ]فلتغتسل» (2) . وعنه صلى الله عليه و آله ، إنّه قال لعليّ عليه السلام : «إن فضحت الماء فاغتسل» 3 . والفضح خروجه على [ وجه ]الشدّة ، وقيل : على العجلة (3) . نعم ، لو خرج بعد ذلك الإمساك يجب الغسل وإن لم يكن بشهوة ودفق ، سواء بال قبله أو لا ، خلافا لبعض العامّة حيث فصّل وقال : «إن خرج قبل البول فعليه الغسل ، وإن خرج بعده فلا غسل» (4) .

.


1- .. الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 199 ؛ الإنصاف ، ج 1 ، ص 230 .
2- .. السنن الكبرى للنسائي ، ج 5 ، ص 340 ، ح 9077 ، وما بين المعقوفين منه . ومثل المتن بتقديم «ذلك» على «المرأة» في : صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 72 ؛ مسند أبييعلى ، ج 5 ، ص 426 ، ح 3116 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 14 ، ص 63 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 169 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 90 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 10 ، ص 33 ، ح 5759 ، بزيادة «وأنزلت» في الأخيرَين . وهذا الكلام صدر منه صلى الله عليه و آله في جواب اُمّ سليم حيث جاءت إليه صلى الله عليه و آله ، فسألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ؟ فقال لها : «نعم . . .» .
3- .. والمعنيان مذكوران في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 174 ؛ والمغني لعبداللّه بن قدامة ، ج 1 ، ص 198 ؛ والشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 198 ، وحكيا المعنى الثاني عن إبراهيم الحربي . وفي الفائق ، ج 3 ، ص 37 ؛ والنهاية ، ج 3 ، ص 453 ، (فضخ) : «فضخ الماء : دفقه» .
4- .. الناصريّات ، ص 140 ، عن أبيحنيفة ومحمّد ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 125 ، عن أبيحنيفة ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 126 ، عن أحمد وأبيحنيفة ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 201 ، عن الأوزاعي وأبيحنيفة .

ص: 403

قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (إذا أدخله فقد وجب الغسل) . [ ح 1/4024 ] وقال _ طاب ثراه _ : ظاهره وجوب غسل الجنابة لنفسه ، وهو ظاهر أكثر أخباره ، وبها تمسّك من قال به ، ومنهم العلّامة رحمه الله ، مضافا إلى قوله تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » (1) ، حيث لم يقيّد الغسل بالقيام إلى الصلاة كما قيّد الوضوء به ، والأكثر على أنّه واجب لغيره كغيره من الطهارات إلّا غسل مسّ الميّت ، فإنّه واجب لنفسه بالاتّفاق . واستدلّوا لذلك بصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام ، قال : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (2) ، بناء على حجّيّة مفهوم الشرط . وبحسنة الكاهلي عن الصادق عليه السلام ؛ في المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل ، تغتسل أو لاتغتسل ؟ قال : «قد جاء ما يفسد الصلاة ، فلاتغتسل» (3) ؛ لأنّ تعليل عدم الغسل بمجيء ما يفسد الصلاة _ كما يشعر به فاء التفريع _ كالصريح في أنّ وجوبه لأجل الصلاة ؛ إذ لو كان واجبا لنفسه لكان حقّه أن يقال : «فقد جاء ما يفسد الطهارة» ، وليس إبطال الصلاة مستلزما لإبطال الطهارة حتّى يكون كناية عنه . وظهر ممّا ذكر أنّ ذكر الصلاة في الجواب نصّ في المطلوب ، فلايرد عليه ما أورده في المنتهى (4) من أنّ دلالة هذا الخبر على مطلوبهم إنّما هو بحسب المفهوم ، وهو ليس بحجّة ، وإذا ثبت ذلك وجب تخصيص الآية الكريمة والأخبار به ؛ جمعا ، كما وجب تخصيص الأوامر الدالّة على وجوب الوضوء وباقي الأغسال من غير تقييد مثل : «من نام فليتوضّأ» (5) ، و«من وجد طعم النوم وجب عليه الوضوء» (6) ، و«غسل الحيض واجب» ، و«غسل الاستحاضة واجب» ، إلى غير ذلك .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 33 ، ح 67 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 140 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 372 ، ح 981 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 314 ، ح 2225 .
4- .. منتهى المطلب. ، ج 2 ، ص 258 .
5- .. تقدّم تخريجه .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 8 ، ح 10 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 _ 81 ، ح 252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 254 ، ح 658 .

ص: 404

باب احتلام الرجل والمرأة

على أنّه يمكن أن يقال : قوله تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » عطف على قوله سبحانه : «فَاغْسِلُواْ » (1) ، كما ذهب إليه بعض المفسّرين (2) ، وفي الحقيقة معطوف على مقدّر يكون قوله : «فاغسلوا» جزاء له ، والمعنى : «إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضّأوا ، وإن كنتم جنبا فاطّهّروا» (3) . وربّما يرجّح هذا بأربعة أوجه : الأوّل : لفظة «إن» دون «إذا» ؛ إذ لو كان عطفا على «إِذَا قُمْتُمْ » لكان الأنسب : «وإذا كنتم جنبا» . الثاني : قرب المعطوف عليه . الثالث : دلالة الآية الكريمة عليه ؛ لأنّ الظاهر أنّ قوله تعالى : «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ » إلى قوله : «فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » ، عطف على قوله : «فَاغْسِلُواْ » ؛ لأنّ التيمّم واجب للغير قطعا ، فالمقصود من الآية _ واللّه يعلم _ : إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضّأوا ، وإن كنتم جنبا فاطّهّروا إن كنتم أصحّاء حاضرين ، وإن كنتم مرضى أو على سفر فتيمّموا . الرابع : موافقته لقول الأكثر ، والشهرة تصلح أن تكون مرجّحة . انتهى . وعلى تقدير وجوبه لغيره تابع في التوسعة والتضييق لذلك الغير ، وأمّا على تقدير وجوبه لنفسه فإطلاق أدلّته يقتضي كونه موسّعا ، وصرّح به بعضهم ، نعم لو كان هناك مشروط بالطهارة مضيّق ، فهو أيضا يصير مضيّقا تبعا له .

باب احتلام الرجل والمرأةقال _ طالب ثراه _ : «الحُلم _ بالضمّ _ : ما يراه النائم ، تقول منه : حَلَمَ _ بالفتح _ واحتلم ، والاحتلام هو رؤية اللذّة في المنام أنزل أم لا ، وفي العرف اللذّة مع الإنزال ، وهو المراد هنا .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. تفسير الصافي ، ج 2 ، ص 18 ؛ الأصفى ، ج 1 ، ص 264 .
3- .. اُنظر : بحار الأنوار ، ج 77 ، ص 253 _ 254 .

ص: 405

قوله في صحيحة الحسين بن أبيالعلاء (1) : (إنّما الغسل من الماء الأكبر) . [ ح 1/4032 ] سواء اُنزل بشهوة أو بغير شهوة ، في النوم أو في اليقظة ، وعلى كلّ حال على ما هو ظاهر من «إذ» هي تفيد التعليل ، فأينما وجدت العلّة ثبت المعلول . ومثله ما رواه الشيخ ، عن عنبسة بن مصعب ، عن أبيعبد اللّه عليه السلام ، قال : «كان عليّ عليه السلام لايرى في شيء الغسل إلّا في الماء الأكبر» (2) ، والحصر إضافي بالنسبة إلى المذي والوذي وأمثالهما ، فلاينافي وجوب الغسل لالتقاء الختانين بأدلّة اُخرى . قوله في صحيحة الحلبي : (إن أنزلت فعليها الغسل) . [ ح 5/4036 ] قال _ طاب ثراه _ : اختلفوا في أنّ ماء المرأة هل يبرز كماء الرجل ؟ أو ينعكس إلى الرحم ؟ فذهب بعض من لايعتدّ به إلى الثاني وقال : يجب عليها الغسل إذا علمت أنّها أنزلت بالشهوة ، والأصحّ بحسب الرواية هو الأوّل ، وهو الأشهر ، والمراد ببروزه هو وصوله إلى المحلّ الذي تغسله في الاستنجاء ، وهو ما يظهر من الفرج في جلوسها لقضاء الحاجة ؛ لأنّه في حكم الظاهر ، هذا في غير البكر ، وأمّا فيها فلا يجب الغسل حتّى يبرز إلى شفرتي الفرج ؛ لأنّ ما دون ذلك من الجوف كداخل الإحليل . انتهى . وقد سمعت من بعض الأعلام في فنّ التشريح : أنّ للمرأة أيضا اُنثيين كالرجل لكن من داخل الفرج في اللحم قريبا من شفرته يتكوّن فيهما المنيّ ، وقضيبا ممتدّا منهما إلى فم الرحم ينزل منه المنيّ إلى الرحم ، وربّما تقذفه الانسداد رحمها بقبول نطفة الرجل قبله أو لعلّة اُخرى ، فيخرج من الفرج . فالظاهر أنّ إنزالها إنّما هو خروج المنيّ من قضيبها كالرجل ، ظهر على الفرج أم لا .

.


1- .. في هامش النسخ : «إنّما حكمنا بصحّة الخبر بناء على تزكية السيّد جمال الدين الحسين هذا في البشرى ، والأكثر ومنهم العلّامة في المنتهى حكموا بحسنه ؛ لأنّه ممدوح غير موثّق عندهم . منه عفي عنه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 119 ، ح 315 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 109 ، ح 361 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 188 ، ح 1894 .

ص: 406

باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثمّ يخرج

قوله : (وفي رواية اُخرى : قال : عليها غسل) إلخ . [ ح 6/4037 ] رواها الشيخ في الصحيح (1) عن اُديم بن الحرّ ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن المرأة ، ترى في منامها ما يرى الرجل ، عليها غسل ؟ قال : «نعم ، ولاتحدّثوهنّ فيتّخذنه علّة» (2) . قال _ طاب ثراه _ : دلّ هذا الخبر على جواز كتمان هذا العلم بل أولويّته عند خوف فتنة في إظهاره، فلو عملنا به خصّصنا الأدلّة الدالّة على حرمة كتمان العلم . على أنّ لقائل أن يقول : كتمان العلم إنّما يحرم على العالم عند السؤال عنه ، أو عند رؤية أحد في بدعة لا مطلقا ، ويؤيّده أنّه لو وجب إظهاره مطلقا لوجب على العالم أن يظهر جزئيّات المسائل لكلّ جاهل قبل المسألة ، ولاأظنّ قائلاً به .

باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثمّ يخرج منهما الشيء بعد الغسلإذا خرج بعد غسلهما من الجنابة من فرجهما شيء شبه المنيّ ، هل يجب عليهما إعادة الغسل أم لا ؟ وهذه المسألة في الرجل مبنيّة على استبرائه وعدمه . فاعلم أنّه اختلف الأصحاب في وجوب استبرائه واستحبابه ، فذهب الأكثر منهم السيّد المرتضى (3) وابن إدريس (4) والفاضلان (5) إلى استحبابه بالبول ثمّ باليد ، ومع عدم إمكان البول [ ف ]باليد خاصّة ، واحتجّوا عليه بما سيأتي .

.


1- .. في هامش النسخ : «إنّما حكمنا بصحّة الخبر مع أنّ في طريقه الحسين بن الحسن بن أبان وعدّه الأكثر ممدوحا ، بناء على توثيق ابن داوود إيّاه ، وعدّ العلّامة الخبر الذي هو في طريقه صحيحا . منه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 344 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 121 ، ح 319 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 188 ، ح 1895 .
3- .. حكاه عنه الشهيد في الذكرى ، ج 2 ، ص 230 .
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 118 .
5- .. قاله المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 185 ، في آداب الغسل وسننه ؛ وشرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 23 ، في الجنابة ؛ والعلّامة في تبصرة المتعلّمين ، ص 22 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 232 ؛ ونهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 109 .

ص: 407

وعلى عدم وجوبه بقوله تعالى : «وَلَاجُنُبًا إِلَا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ » (1) ، وبخلوّ أكثر أخبار الغسل عنه ، مع أنّه قد ذكر فيها أكثر المستحبّات ، فلو كان واجبا لكان أولى بالبيان . وذهب الشيخ في كتابي الأخبار (2) إلى وجوبه ، وهو ظاهره في النهاية (3) وظاهر الصدوقين (4) والمفيد (5) ؛ حيث أمروا به ، وإليه مال الشهيد في الذكرى حيث قال : «ولا بأس بالوجوب محافظة على الغسل من طريان مزيله ، ومصيرا إلى قول معظم الأصحاب ، وأخذا بالاحتياط» (6) . ونقله عن ابن حمزة (7) وابن زهرة (8) وابن البرّاج (9) وأبيالصلاح (10) والكيدري . وفي المختلف : «احتجّ الشيخ بالأحاديث الدالّة على وجوب إعادة الغسل مع وجود البلل ، وهو كماترى» (11) . إذا عرفت هذا ، فالمشهور عدم وجوب إعادة الغسل إذا وجد بللاً مشتبها بالمنيّ إن كان قد استبرأ بالبول ، سواء استبرأ بالاجتهاد أيضا أم لا ، أو استبرأ بالاجتهاد مع تعذّر البول ، ووجوبها مع عدمه ، وربّما ادّعي الإجماع على ذلك ، وبه قال المفيد في

.


1- .. النساء (4) : 43 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل .
3- .. النهاية ، ص 21 ، باب الجنابة وأحكامها . وصرّح بوجوبه في الرسائل العشر ، ص 161 ، فصل في ذكر الجنابة ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 29 ، وفيهما بزيادة : «أو الاستبراء» .
4- .. فقه الرضا عليه السلام ، ص 81 ، باب الغسل من الجنابة وغيرها ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 81 ، صفة غسل الجنابة ، حكاه عن أبيه في رسالته ؛ الهداية ، ص 92 ، باب غسل الجنابة .
5- .. المقنعة ، ص 52 ، حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ؛ أحكام النساء ، ص 18 .
6- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 230 .
7- .. الوسيلة ، ص 55 ، أحكام الجنابة .
8- .. غنية النزوع ، ص 61 ، الفصل الخامس في غسل الجنابة .
9- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 45 ، باب كيفيّة الغسل .
10- .. الكافي في الفقه ، ص 133 .
11- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 335 .

ص: 408

المقنعة (1) . وذهب المحقّق في الشرائع إلى عدم وجوب الإعادة مع الاستبراء باليد وإن تيسّر البول (2) ، واحتمله في التهذيب في صورة نسيان البول (3) ، وظاهر الصدوق في الفقيه استحبابها . ويدلّ على المشهور زائدا على ما رواه المصنّف ، خبر معاوية بن ميسرة ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا قال : «إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ ، وإن لم يبل حتّى اغتسل ثمّ وجد البلل فليعد الغسل» (4) . وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء ؟ قال : «يغتسل ويعيد الصلاة ، إلّا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل ، فإنّه لايعيد غسله» (5) . وقال محمّد : قال أبوجعفر عليه السلام : «من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ يجد بللاً فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثمّ وجد بللاً فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء ؛ لأنّ البول لم يدع شيئا» (6) . قوله عليه السلام : «ويعيد الصلاة» فيما إذا صلّى بعد خروج البلل ، وأمّا التي صلاّها قبله فليس فيها إعادة ؛ لأنّ خروج ذلك البلل جنابة جديدة . وقوله عليه السلام : «ولكن عليه الوضوء» كقوله عليه السلام : «ولكن يتوضّأ ويستنجي» في موثّقة

.


1- .. المقنعة ، ص 53 ، حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 23 ، وعبارته هكذا : «. . . فإن كان قد بال أو استبرأ لم يعد ، وإلّا كان عليه الإعادة» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ذيل ح 410 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 144 ، ح 408 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 403 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 252 ، ح 2083 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 144 ، ح 407 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 402 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 251 ، ح 2080 .
6- .. المصدرين المتقدّمين ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 251 ، ح 2081 .

ص: 409

سماعة (1) . وقوله عليه السلام : «فليتوضّأ» في ما رويناه عن معاوية بن ميسرة محمول على ما إذا لم يستبرئ بالاجتهاد بعد البول على ما سبق في بحث الوضوء . وقد وردت روايات معارضة لما ذكر ، وهي الباعثة على القول المذكور في مقابل المشهور ، منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن السندي ، عن ابن أبيعمير ، عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة ، فينسى أن يبول حتّى يغتسل ، ثمّ يرى بعد الغسل شيئا : أيغتسل أيضا ؟ قال : «لا ، قد تعصّرت ونزل عن الحبائل» (2) . وعن عثمان بن عيسى ، عن أحمد بن هلال ، قال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ؟ فكتب : «إنّ الغسل بعد البول ، إلّا أن يكون ناسيا ، فلايعيد منه الغسل» (3) . ولاختصاصهما بصورة النسيان احتمل الشيخ الفرق بين العامد والناسي على ما عرفت . ومنها : ما رواه عن عبداللّه بن هلال ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يجامع أهله ثمّ يغتسل قبل أن يبول ، ثمّ يخرج منه شيء بعد الغسل ؟ فقال : «لاشيء عليه ، إنّ ذلك ممّا وضعه اللّه عنه» (4) . وعن المفضّل بن صالح ، عن زيد الشحّام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب ثمّ اغتسل قبل أن يبول ، ثمّ رأى شيئا ؟ قال : «لايعيد الغسل ، ليس ذلك الذي

.


1- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 409 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 120 ، ح 406 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 252 ، ح 2085 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 410 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 120 ، ح 407 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 252 ، ح 2086 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 411 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 404 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 252 _ 253 ، ح 2087 .

ص: 410

رأى شيئا» (1) . والشيخ حمل هذين الخبرين على ما إذا لم يتيسّر البول ، ولم أجد له مؤيّدا من الأخبار . وربّما حملهما على ما إذا نسي البول ، ويؤيّده الخبران المتقدّمان ، ومن قال بالاستحباب مطلقا فقد جمع بذلك بين هذه الأخبار والأخبار الأوّلة . ومن الأصحاب من جمع بينها بحمل الأوّلة على ما إذا اشتبه الحال ، والأخيرة على ما إذا علم أو ظنّ أنّ الخارج غير منيّ . ولايخفى عدم قابليّة الأخيرة للمعارضة مع الأوّلة ؛ لاشتمال الأوّلة على الصحيحة والحسنة والموثّقة ، بخلاف الأخيرة ؛ فإنّ كلّها ضعيفة ؛ لجهالة الأوّل منها بعليّ بن السندي (2) ، وضعف الثاني منها بعثمان بن عيسى ، وأحمد بن هلال ، فقد قال الشيخ في الفهرست : «هو غال» (3) ، وقال النجاشي : «ورد فيه ذموم من سيّدنا العسكري عليه السلام » (4) ، فلاتعويل على روايته ، على أنّه مضمر ، فلعلّ المسؤول هو من ليس قوله بحجّة ، وجهالة الثالث بعبداللّه بن هلال ، وضعف الرابع بمحمّد بن صالح . وأمّا المرأة ، فالمشهور عدم ثبوت الاستبراء لها مطلقا ، لا بالبول ، ولا بالاجتهاد ، لا وجوبا ولا استحبابا ، صرّح به جماعة ، منهم : العلّامة في أكثر كتبه (5) ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط (6) ، ونسبه في الذكرى (7) إلى كامل بن البرّاج، وهو الظاهر ؛ لعدم نصّ ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 412 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 405 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 253 ، ح 2088 .
2- .. اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج 12 ، ص 46 ، الرقم 8181 .
3- .. الفهرست ، ص 83 ، الرقم 107 . وقال في رجاله ، ص 384 ، الرقم 5647 : «كان غاليا متّهما في دينه» .
4- .. رجال النجاشي ، ص 83 ، الرقم 199 .
5- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 232 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 109 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 336 .
6- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 29 ، غسل الجنابة وأحكامها .
7- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 234 .

ص: 411

مع انتفاء فائدته فيها ؛ لعدم اتّحاد مخرج البول والمنيّ فيها ، ولا مجاورتهما ، بخلاف الرجل ؛ فإنّ المخرجين له متجاوران لا حائل بينهما إلّا جلدة رقيقة يعصرها البول ويخرج ما في ممرّ المنيّ من أجزائه الباقية فيه . ولم يتعرّض جماعة منهم الصدوقان لاستبرائها نفيا ولا إثباتا . وعن أبيالصلاح (1) أنّه أطلق الاستبراء من غير تقييد بالرجل ، وظاهره ثبوته لها أيضا . والشيخ في النهاية ذهب إلى ثبوته فيها أيضا بالبول ، ثمّ الاجتهاد مع الإمكان كالرجل (2) . وذهب المفيد في المقنعة إلى استحبابه لها بالبول خاصّة مع الإمكان (3) . وحكى في الذكرى (4) عن ابن الجنيد أنّه قال : «إذا بالت تنحنحت بعد بولها» . ثمّ قال : «ولعلّ المخرجين وإن تغايرا يؤثّر خروج البول خروج ما تخلّف في المخرج الآخر إن كان ، وخصوصا مع الاجتهاد» . وهو كماترى ، وعلى ما ذكرنا إن رأت بللاً بعد الغسل يجب عليها إعادة الغسل إن علمت أنّه المنيّ منها ، وإلّا فلا ، سواء استبرأت أم لا ، لاسيّما إذا كان إنزالها من جماع ؛ لاحتمال أن يكون من ماء الرجل . وفي الذكرى : «لو رأت بللاً بعد الغسل أمكن تنزيله على استبراء الرجل لو قلنا باستبرائها ، ولو قلنا بالعدم أمكن أن تكون كرجل لم يستبرأ ، فتعيد حيث يعيد ، وأن يكون كمن استبرأ ؛ لأنّ اليقين لايرفع بالشكّ ، ولم يصدر منها تفريط» انتهى 5 .

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 133 .
2- .. النهاية ، ص 21 ، باب الجنابة وأحكامها .
3- .. المقنعة ، ص 54 ، حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 235 .

ص: 412

باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن و

وأوجبها ابن إدريس (1) ؛ محتجّا بعموم : «إنّما الماء من الماء» (2) على ما حكى عنه في الذكرى (3) ، وقد قوّاه ، وكأنّهما نظرا إلى اختلاط المنيّين غالبا ، فتأمّل . قوله : (أبوداوود) . [ ح 4/4042 ] الظاهر أنّه سليمان بن سفيان المنشد المسترقّ ، فكأنّه نقل عن كتابه ، وقال المحقّق المجلسي : «الظاهر أنّه روى عنه بواسطة ، والواسطة إمّا الحسين بن محمّد ، أو محمّد بن يحيى ، أو العدّة» (4) . وقال المحقّق الاسترآبادي في رجاله : «قد روى محمّد بن يعقوب عن أبيداوود ، عن الحسين بن سعيد ، وليس بالمسترقّ قطعا ، وإلى الآن لم يتبيّن لي من هو» . (5) والشيخ نقل الخبر بعينه عن الحسين بن سعيد بلاواسطة أبيداوود (6) ، وطريقه إليه صحيح ، فالخبر موثّق .

باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن إلخفيه مسائل : الاُولى : المشهور كراهة الأكل والشرب للجُنُب قبل المضمضة والاستنشاق ، وفي المنتهى : «ويكره له الأكل والشرب قبل المضمضة والاستنشاق والوضوء» (7) .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 235 .
2- .. السرائر ، ج 1 ، ص 122 .
3- .. مسند أحمد ، ج 3 ، ص 29 و36و47 ؛ ج 4 ، ص 143 و342 ؛ ج 5 ، ص 416 و421 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 194 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 85 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 199 ، ح 607 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 55 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 73 ، ح 112 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 115 .
4- .. حكاه العلّامة المجلسي في مرآة العقول ، ج 13 ، ص 148 عن والده.
5- .. هذا القسم من كتابه «منهج المقال» غير مطبوع.
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 144 ، ح 406 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 401 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 252 ، ح 2082 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 232 .

ص: 413

وقال الصدوق : «إذا أراد أن يأكل ويشرب قبل الغسل لم يجز له إلّا أن يغسل يده أو يتمضمض ويستنشق ؛ فإنّه إذا أكل وشرب خيف عليه البرص» (1) . قال : «وروي أنّ الأكل على الجنابة يورث الفقر» (2) . والأظهر استحباب غسل اليد والوجه والمضمضة والوضوء ، كما يستفاد من مجموع أخبار : منها : حسنة زرارة ، وخبر السكوني (3) . ومنها : ما رواه الصدوق عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتّى يتوضّأ» (4) . ومنها : ما رواه الشيخ عن عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : أيأكل الجنب قبل أن يتوضّأ ؟ قال : «إنّا لنكسل ، ولكن ليغسل يده والوضوء أفضل» 5 . ومن طريق العامّة عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضّأ 6 .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 83 ، أحكام الجنب . ونحوه في أماليه ، المجلس 93 ، ح 1 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 83 ، ح 178 ؛ الخصال ، ص 505 ، أبواب الستّة عشر ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 220 ، ح 1980 ؛ وج 15 ، ص 347 ، ح 20704 .
3- .. هما الحديثان 1 و12 من هذا الباب من الكافي .
4- .. الفقيه ج 1 ، ص 83 _ 84 ، ح 181 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 219 ، ح 1978 .

ص: 414

وأمّا الاستنشاق ، فقد ذكره العلماء الأخيار (1) ، ولم أر له شاهدا من الأخبار . الثانية : المشهور بين الأصحاب تحريم قراءة العزائم الأربع على الجنب والحائض ، ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرآن القرآن ما شاءا إلّا السجدة ، ويدخلان المسجد مجتازين ولايقعدان فيه ، ولايقربان المسجدين الحرمين» (2) . وعن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت : الحائض والجنب يقرآن شيئا ؟ قال : «نعم ما شاءا إلّا السجدة ، ويذكران اللّه تعالى على كلّ حال» (3) . وعلّله المفيد في المقنعة بأنّ في هذه السور الأربع سجودا واجبا ، ولايجوز السجود إلّا لطاهر من النجاسات (4) ، وتبعه على ذلك الشيخ في التهذيب (5) . وهو تعليل عليل ؛ لعدم دليل على اشتراط الطهارة لهذا السجود ، بل يدلّ على عدمه ما يرويه المصنّف في أبواب الحيض في الصحيح عن أبيعبيدة ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن الطامث تسمع السجدة ؟ فقال : «إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» (6) . وما رواه أبوبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، أنّه قال : «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع

.


1- .. الجمل والعقود (الرسائل العشر ص 161) ؛ الوسيلة ، ص 55 ؛ غنية النزوع ، ص 37 ؛ الرسائل التسع للمحقّق الحلّي ، ص 336 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 21 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 104 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 92 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 232 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 225 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 23 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ؛ الدروس ، ج 1 ، ص 96 ، الدرس 5 ؛ الرسائل العشر لابن فهد ، ص 140 ؛ و . . . .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1132 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1970 صدره ، و209 ، ح 1947 ذيله .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 26 _ 27 ، ح 67 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 115 ، ح 384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 312 ، ح 822 .
4- .. المقنعة ، ص 52 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 129 ، ذيل ح 351 .
6- .. هو الحديث 3 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 129 ، ح 353 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 115 ، ح 385 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 340 ، ح 2308 .

ص: 415

وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لاتصلّي» (1) . على أنّه لو تمّ إنّما يدلّ على [ عدم ] جواز قراءتهما آية السجدة لا تلك السور مطلقا ، مع إمكان منع هذا أيضا بأن تقرأها وتؤخّر السجدة إلى أن تطهر ؛ مستندا بقوله عليه السلام في خبر عبدالرحمان في الحائض : «تقرأ ولاتسجد» (2) ، وكأنّه لذلك ذهب جماعة إلى كراهتها مطلقا عليهما . وأمّا غير العزائم ، فالمشهور كراهة قراءة ما زاد على سبع آيات ، وشدّتها في مازاد على سبعين عليهما جميعا . وبذلك جمعوا بين موثّق ابن بكير (3) _ ومثله ما سيأتي عن الحلبي ، وزيد الشحّام ، والفضيل بن يسار _ وبين ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن الجنب : هل يقرأ القرآن ؟ قال : «ما بينه وبين سبع آيات» (4) . ثمّ قال : وفي رواية زرعة ، عن سماعة ، قال : «سبعين آية» (5) . ولمّا كان هذان الخبران لضعفهما وإرسالهما وتخالفهما مع اتّحاد الراوي غير قابلين لتخصيص الخبرين الأوّلين مع تأييدهما بالأصل وعموم قوله تعالى : «فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ » (6) ، أطلق جماعة من قدماء الأصحاب منهم السيّد المرتضى في الانتصار (7)

.


1- .. هو الحديث 2 من باب «عزائم السجود» من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 291 ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 341 ، ح 2309 ؛ وج 6 ، ص 240 ، ح 7835 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 292 ، ح 1172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 341 ، ح 2311 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 320 ، ح 1193 ، إلّا أنّ فيه : «لاتقرأ» .
3- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 350 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 583 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1972 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 ، ح 351 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 583 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1973 .
6- .. المزّمّل (73) : 20 .
7- .. الانتصار ، ص 121 .

ص: 416

والشيخ في النهاية (1) والصدوق (2) وابن إدريس (3) جواز قراءتها . وفي المبسوط أيضا قال كذلك ، إلّا أنّه قال : «والاحتياط أن لايزيد على سبع آيات أو سبعين آية» (4) . وحكى _ طاب ثراه _ عن ابن البرّاج أنّه يحرم على الجنب ما زاد على السبع (5) ، وهو طريق آخر للجمع . وعن السلّار في أحد قوليه أنّه يحرم عليه القراءة مطلقا (6) ؛ محتجّا بما روي من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «لايقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن» (7) . وعن عليّ عليه السلام أنّه قال : «لم يكن يحجب النبيّ صلى الله عليه و آله [ شيء ] عن قراءة القرآن سوى الجنابة» (8) . وفي الذكرى : «وعن سلاّر في الأبواب تحريم القراءة مطلقا ، وابن البرّاج : لايجوز الزيادة على السبع ؛ لاشتهار النهي عن قراءة (9) القرآن للجنب والحائض في عهد

.


1- .. النهاية ، ص 20 ، وفيه : «ما بينه وبين سبع آيات» ، لكنّه في الخلاف ، ج 1 ، ص 100 ، ومصباح المتهجّد ، ص 10 أطلق الجواز .
2- .. المقنع ، ص 40 .
3- .. السرائر ، ج 1 ، ص 117 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 29 .
5- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 34 .
6- .. لكنّه قال في المراسم ، ص 41 _ 42 : «التروك فعلى ضربين أيضا : واجب ، وندب ، فالواجب بأن لايقرأ سور العزائم . . . ، والندب أن لايمسّ المصحف ، ولايقرأ القرآن ».
7- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 87 ، ح 131 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 125 ، باب من كره أن يقرأ الجنب من القرآن ، ح 8 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 124 ، ح 413 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 89 ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 1 ، ص 190 ، ح 116 ؛ ، شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 88 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 407 ، ح 26720 .
8- .. مسند أحمد ، ج 1 ، ص 84 و107 و124 ؛ مسند الطيالسي ، ص 17 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 144 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 122 ، ح 262 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 25 ، ح 59 ؛ مسند أبييعلى ، ج 1 ، ص 326 ، ح 406 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 89 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 104 ؛ المنتقى لابن الجارود ، ص 34 ، ح 94 ؛ كنزالعمّال ، ج 2 ، ص 338 ، ح 4182 ، وفي الجميع بدل «سوى» : «ليس» أو «إلّا» .
9- .. في الأصل : «القراءة» ، والتصويب حسب المصدر.

ص: 417

النبيّ صلى الله عليه و آله بين الرجال والنساء ، ومن ثمّ تخلّص عبداللّه بن رواحة من تهمة امرأته بأمته موهما بالقراءة ، فقالت : صدق اللّه وكذب بصري ، فاُخبر النبيّ صلى الله عليه و آله فضحك حتّى بدت نواجذه (1) » . (2) وأقول : ما ذكر من القول المشهور هو وحيه في الجنب لما ذكر ، وأمّا الحائض والنفساء ، فالأخبار من طرقناناطقة بجواز قراءتهما من غير استثناء للسبع ولا للسبعين ، فمنها ما رواه المصنّف في أبواب الحيض في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الحائض تقرأ القرآن وتحمد اللّه » (3) . وفي الحسن عن زيد الشحّام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الحائض تقرأ القرآن والنفساء والجنب أيضا» (4) . وفي الحسن عن داوود بن فرقد ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض ؟ قال «نعم ، لابأس» ، قال : «وتقرأوه وتكتبه ولاتصيبه يدها» . (5) وعن فضالة عن داوود عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن التعويذ يعلّق علي الحائض؟ قال : «لا بأس» ، وقال : «تقرأه وتكتبه ولاتمسّه» (6) . وفي باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلوات في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «تتوضّأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصلاة توضّأت واستقبلت القبلة وهلّلت وكبّرت وتلت القرآن وذكرت اللّه تعالى» (7) .

.


1- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 327 ، ح 426 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 209 ، في تفسير الآية 43 من سورة النساء .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 269 .
3- .. هو الحديث الأوّل من باب الحائض والنفساء تقرآن القرآن من الكافي ؛ وسائل الشيعة ،ج 2 ، ص 343 ، ح 2317 .
4- .. هو الحديث 2 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ،ج 2 ، ص 215 ، ح 1964 .
5- .. هو الحديث 5 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 342 ، ح 2313 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 183 ، ح 526 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 343 ، ح 2316 .
7- .. هو الحديث 2 من باب «ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ف ص 346 ، ح 2326 .

ص: 418

ومنها مارواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته : أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوّط القرآن ؟ قال : «يقرأون ما شاؤوا» (1) . وفي الصحيح عن عبدالغفّار الجازي (2) ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قال : «الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن» (3) . وفي الموثّق عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن» (4) . ولم أجد من طرقنا نهيا عن قراءتهما مطلقا ، نعم روى الجمهور فيما تقدّم ، وهو لضعف السند غير قابل للمعارضة لما ذكر من الأخبار الكثيرة المعتبرة ، ولو ثبت ذلك لكان الأصوب الجمع بكراهية قراءتهما مطلقا وإن نقص عن السبع كما ذهب إليه الشهيد الثاني في شرح اللمعة (5) ، فتأمّل . وقال _ طاب ثراه _ : واختلف العامّة في قراءة الجنب والحائض ، وثالث الأقوال : تقرأ الحائض ؛ لطول أمرها دون الجنب ؛ لقدرته على التطهير ، ولم يختلفوا في قراءته لليسير كالآية ونحوها للتعوّذ . وقال السيّد في الانتصار :

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 381 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 348 ، وفيه : «المتغوّط» بدل : «يتغوّط» ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 217 ، ح 1969 .
2- .. منسوب إلى الجازية قرية بالنهرين ، كما في نقد الرجال ، ج 3 ، ص 71 ؛ جامع الرواة ، ج 1 ، ص 461 ؛ طرائف المقال ، ج 1 ، ص 505 ، الرقم 4612 . وفي تهذيب الأحكام : «الحارثي» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 349 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 382 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 217 ، ح 1971 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 347 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 380 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 217 ، ح 1968 .
5- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 386 .

ص: 419

وممّا انفردت الإماميّة به القول بأنّ الجنب والحائض يجوز أن يقرءا القرآن ما شاءا إلّا عزائم السجود ، وإنّما كانت منفردة بذلك ؛ لأنّ داوود يبيحهما قراءة قليل القرآن وكثيره من غير استثناء (1) ، ومذهب مالك أنّه يجوز للجنب أن يقرأ من القرآن الآية والآيتين ، ويجيز للحائض والنفساء أن تقرءا من القرآن ما شاءا (2) ، وأبوحنيفة وأصحابه يحظرون على الجنب والحائض قراءة القرآن إلّا أن يكون دون آية (3) ، فأمّا الشافعي (4) فيمنعهما من قراءة القليل والكثير (5) . الثالثة : أجمع أهل العلم إلّا ما سيحكى على حرمة لبث الجنب والحائض والنفساء في المساجد مطلقا ، والمشهور بينهم حرمة الجواز في المسجدين وجوازه في باقي المساجد . وفي الدروس : «وألحق المفيد في الغريّة وابن الجنيد المشاهد المشرّفة بالمساجد ، وهو حسن ؛ لتحقّق معنى المسجديّة فيها وزيادة» (6) . وعن أبيحنيفة تحريم الجواز في أيّ مسجد كان (7) ، لنا ما رواه المصنّف بسندين _ ضعيف وحسن _ عن جميل بن درّاج (8) ، وما سبق في الحسن عن محمّد بن مسلم (9) . وربّما احتجّ عليه بقوله تعالى : «لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَوةَ وَأَنتُمْ سُكَ_رَى حَتَّى تَعْلَمُواْ

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1132 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1970 صدره ، و209 ، ح 1947 ذيله .
2- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 .
3- .. المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 152 ، كتاب الحيض ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 134 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 في إحدى الروايتين عنه .
4- .. المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 152 ، كتاب الحيض ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 134 _ 135 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 90 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 38 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 135 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 88 ، ذيل ح 131 .
6- .. الانتصار ، ص 121 _ 122 .
7- .. الدروس ، ج 1 ، ص 102 ، آخر الدرس 8 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 278 ، واللفظ منه .
8- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 172 .
9- .. هما الحديثان 3 و4 من هذا الباب من الكافي .

ص: 420

مَا تَقُولُونَ وَلَاجُنُبًا إِلَا عَابِرِى سَبِيلٍ » (1) ، وهو مبنيّ على أنّ المراد من الصلاة مواضعها وهي المساجد ، والمعنى : لاتدخلوا المساجد وأنتم سكارى ، ولا جنبا إلّا مجتازين كما رواه الشيخ الطبرسي عن أبيجعفر عليه السلام (2) . وقيل : المراد النهي عن الدخول في الصلاة ، والمعنى : لاتصلّوا وأنتم سُكارى ، ولاجنبا إلّا أن تكونوا مسافرين ، فصلّوا مع التيمّم . فالمراد بعابري سبيلٍ المسافرون (3) ، والاستثناء باعتبار أنّ المسافر غالبا يفتقر إلى التيمّم ، بخلاف الحاضر . ويؤيّد الأوّل عدم الاحتياج إلى اعتبار التيمّم ، وذكر التيمّم للسفر بعده . وقيل : يؤيّد الثاني عدم الحاجة إلى تقدير مضاف ولا إلى تكلّف تخصيص المساجد ، بناء على عدم جواز العبور في المسجدين ، وأنّ القول بتحريم دخول السكران في المساجد غير معلوم . ونعم ما قال المحقّق الأردبيلي : «إن صحّت الرواية فلا وجه للثاني ، وإلّا فهو أوجه » . وأطلق شيخنا المفيد (4) والصدوقان (5) المنع من دخول المساجد لهم إلّا اجتيازا ، وظاهرهم جواز اجتيازهم في المسجدين أيضا ، وكأنّهم تمسّكوا بعموم الآية على المعنى الأوّل ، ويؤيّده ما رواه العامّة عن جابر ، قال : «كنّا نمرّ في المسجد ونحن جنب» (6) .

.


1- .. النساء (4) : 43 .
2- .. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 ، في تفسير الآية 43 من سورة النساء .
3- .. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 ، عن عليّ عليه السلام وابن عبّاس وسعيد بن جبير ومجاهد .
4- .. المقنعة ، ص 51 .
5- .. فقه الرضا ، ص 85 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 87 ، ذيل ح 191 ؛ الهداية ، ص 97 .
6- .. سنن الدارمي، ج 1، ص 265 ، بزيادة : «لانرى بذلك بأسا» ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 2 ، ص 286 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 443 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 257 ، ولفظهم : «كان أحدنا يمرّ في المسجد وهو جنب مجتازا» ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 171 ، باب الجنب يمرّ في المسجد قبل أن يغتسل ، ح 1 بتفاوت لفظي ؛ كنز العمّال ، ج 8 ، ص 323 ، ح 23120 .

ص: 421

وعن زيد بن أسلم ، قال : «أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمشون في المسجد وهم جنب» (1) . وعن عائشة : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لها : ناوليني الخمرة من المسجد . قالت [ قلت ] : إنّي حائض . قال : إنّ حيضك ليست في يدك» (2) . فإنّ الظاهر أنّ المسجد في هذه الأخبار هو مسجد الرسول صلى الله عليه و آله . وحكى في المختلف (3) عن السلّار (4) كراهية تلبّثهم في مطلق المساجد ؛ حملاً للنهي عنه على الكراهة ، متمسّكا بأصالة عدم التحريم ، وهو كماترى . وفي حكم اللبث والجواز وضع شيء فيها وإن كان بطرحه إليها من خارجها وأخذه منها ، فعلى المشهور يحرم الأوّل ويجوز الثاني ؛ لصحيحة عبداللّه بن سنان (5) . وعن السلّار كراهة الأوّل 6 ، وكأنّه حمل النهي عنه على الكراهة ؛ تمسّكا بأصالة

.


1- .. رواه ابن المنذر . راجع : المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 135 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 209 ؛ نيل الأوطار للشوكاني ، ج 1 ، ص 287 .
2- .. مسند أحمد ، ج 6 ، ص 45 و101 و111 و214 و229 و245 ؛ وج 2 ، ص 86 عن ابن عمر ؛ مسند الطيالسي ، ص 203 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 327 ، ح 1258 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 2 ، ص 254 ، في الحائض تناول الشيء من المسجد ، ح 1 ؛ مسند ابن راهويه ، ج 3 ، ص 799 ، ح 1433 ؛ وص 990 ، ح 1717 ؛ وص 1018 ،ح 1763 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 197 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 168 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 207 ، ح 632 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 65 ، ح 261 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 89 _ 90 ، ح 134 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 146 و192 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 186 ؛ مسند أبييعلى ، ج 7 ، ص 460 ، ح 4488 ؛ وج 8 ، ص 126 ، ح 4666 ؛ المنتقى لابن الجارود ، ص 36 ، ح 102 . وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 67 ، ح 154 مرسلاً أنّه صلى الله عليه و آله قال لبعض نسائه . . . ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 357 ، ح 2354 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 332 و333 .
4- .. المراسم ، ص 42 .
5- .. هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 125 ، ح 339 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 213 ، ح 1957 .

ص: 422

عدم التحريم . الرابعة : صرّح أكثر الأصحاب بأنّه يكره على الجنب واُختيه الخضاب ، وعلى المختضب الجنابة ، وقيّد هذا بعضهم بما إذا لم يأخذ الحنّاء مأخذه ، وبذلك جمعوا بين الأخبار التي دلّ بعضها على الجواز مطلقا كرواية أبيجميلة (1) ، وخبر السكوني عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا بأس أن يختضب الرجل الجنب ويجنب وهو مختضب» (2) . وما يرويه المصنّف عن محمّد بن سهل بن اليسع ، عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تخضب وهي حائض ؟ قال : «لا بأس به» (3) . وعن محمّد بن أبيحمزة ، عن عليّ بن أبيحمزة ، قال : قلت لأبيإبراهيم عليه السلام : تختضب المرأة وهي طامث ؟ فقال : «نعم» (4) . وورد في بعضها النهي عنه كذلك ، كخبر عامر بن جذاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لاتختضب الحائض ولا الجنب ، ولاتجنب وعليها خضاب ، ولايجنب هو وعليه خضاب ، [ ولايختضب وهو جنب ]» (5) . ومنها ما هو مقيّد في الجنب بما ذكر، رواه أبوسعيد، قال: قلت لأبيإبراهيم عليه السلام : أيختضب الرجل وهو جنب ؟ قال : «لا» ، قلت : فيجنب وهو مختضب ؟ قال : «لا» . ثمّ سكت قليلاً فقال : «يا باسعيد ، أفلا أدلّك على شيء تفعله ؟» قلت : بلى . قال : «إذا

.


1- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .
2- .. هذا هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 130 ، ح 357 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 391 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 221 ، ح 1985 .
3- .. هذا هو الحديث 1 من باب «الحائض تختضب» من الكافي ؛ ورواه الشيخ بإسناده عن الكليني في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 182 ، ح 522 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 353 ، ح 2342 .
4- .. هذا هو الحديث 2 من باب «الحائض تختضب» من الكافي ؛ ورواه الشيخ بإسناده عن الكليني في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 182 ، ح 523 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 353 ، ح 2343 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 182 ، ح 521 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 116 ، ح 388 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 221 ، ح 1991 .

ص: 423

اختضبت (1) بالحنّاء وأخذ الحنّاء مأخذه وبلغ ، فحيئنذٍ فجامِع» (2) . وهو يوافق الاعتبار . ويؤّيد الكراهة ما رواه جعفر بن محمّد بن يونس : أنّ أباه كتب إلى أبيالحسن عليه السلام يسأله عن الجنب [ أ ]يختضب وهو جنب ، أو يجنب وهو مختضب ؟ فكتب : «لا اُحبّ [ له ذلك ]» (3) . وظاهر العلّامة في التحرير عدم الكراهة مطلقا (4) . ثمّ الظاهر أنّ النهي من باب التعبّد ، أو لتوهّم شائبة من الإضرار . ويظهر من المقنعة أنّه لكون الخضاب مانعا عن الغسل ؛ حيث قال : «ويكره للحائض والنفساء أن يخضبن أيديهنّ وأرجلهنّ بالحنّاء وشبهه ممّا لايزيله الماء ؛ لأنّ ذلك يمنع من وصول الماء إلى ظاهر جوارحهنّ التي عليها الخضاب» (5) . الخامسة : قد ورد النهي عن الادّهان للجنب في خبر حريز (6) ، ولكنّه ضعيف لوجود عبداللّه بن بحر (7) في طريقه ، فلايبعد حمله على الكراهة كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، منهم الشهيد في الدروس (8) ، ومنهم العلّامة في المنتهى محتجّا بهذا الخبر ، وقد نسبه إلى الشيخ صحيحا ، وبأنّ الدهن غالبا يمنع من التصاق أجزاء

.


1- .. في الأصل : «اختضب» ، والتصويب من المصدر.
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 181 ، ح 517 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 116 ، ح 386 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 222 ، ح 1986 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 181 ، ح 519 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 392 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 222 ، ح 1990 ، وما بين الحاصرتين الأخيرتين من الجميع ، والأوّل من التهذيب .
4- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 92 .
5- .. المقنعة ، ص 58 .
6- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 129 ، ح 355 ؛ وص 372 ، ح 1138 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 393 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 220 ، ح 1982 .
7- .. اُنظر : خلاصة الأقوال ، ص 374 ، الرقم 34 ؛ رجال ابن داود ، ص 253 ، الرقم 264 ؛ نقد الرجال ، ج 3 ، ص 87 ، الرقم 3005 ؛ طرائف المقال ، ج 1 ، ص 241 ، الرقم 1516 ؛ وص 507 ، الرقم 641 .
8- .. الدروس ، ج 1 ، ص 96 ، الدرس 5 .

ص: 424

الماء بالبدن التصاقا تامّا ، ثمّ قال : «لايقال : الرواية دالّة على التحريم . لأنّا نقول : لايتمّ التحريم ؛ لقول أبيعبداللّه عليه السلام : وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته» (1) . (2) ولم يتعرّض الأكثر لهذه المسألة ، وكأنّهم تركوا الخبر لما ذكر . السادسة والسابعة : التنوير والاحتجام ، وظاهر خبر السكوني (3) جوازهما من غير كراهة ، وهو ظاهر الأصحاب . الثامنة : ذهب جماعة من الأصحاب ، منهم الشيخ في الخلاف (4) والتهذيب (5) إلى أنّه يحرم على المحدث بالحدث الأصغر مسّ كتابة القرآن ، وهو ظاهر الصدوق (6) ، وحكي ذلك عن عبداللّه بن عمر والشافعي (7) ومالك (8) . وقال في المبسوط بالكراهة (9) ، وهو الأشهر ، والأوّل أحوط ؛ لما سيأتي . وأمّا المحدث بالحدث الأكبر ، فالظاهر وفاق الأصحاب ، بل علماء الاُمّة على تحريمه ، بل حرّم الشافعي عليه مسّ كتابة التوراة والإنجيل أيضا (10) ، ولا دليل له يعتدّ به .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، ح 422 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 230 ، ح 2017 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 237 .
3- .. هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي ؛ وقد تقدّم .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 99 ، المسألة 46 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 126 ، ذيل ح 341 .
6- .. الهداية ، ص 96 ، عدم جواز مسّ القرآن للجنب والمحدث ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 87 ، ذيل ح 191 .
7- .. الخلاف للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 99 ، المسألة 46 ؛ مجمع البيان ، ج 9 ، ص 377 ؛ تفسير القرطبي ، ج 17 ، ص 226 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 29 ، ص 193 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 67 ، وج 2 ، ص 72 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 37 .
8- .. تفسير القرطبي ، ج 17 ، ص 226 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 72 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 37 ؛ إعلام الخائض ، ص 29 .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 ، كيفيّة الوضوء وبيان أحكامه .
10- .. بل المنقول عن الشافعي عدم الحرمة ، على ما صرّح به العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 156 . وانظر : المجموع للنووي، ج 2 ، ص 70 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 108 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 19 .

ص: 425

وظاهر الأدلّة حرمته على مطلق الحدث ، فقد روى الشيخ زائدا على ما رواه المصنّف ، وما رويناه سابقا عن فضالة ، عن داوود مرسلاً ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، وعن داوود بن فرقد (1) . عنه عليه السلام في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل ، يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء ؟ قال : «لا» (2) . والظاهر أنّ ذلك النهي للزوم مسّ الخطّ للكتابة غالبا . وعن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم ، وجعفر بن محمّد بن أبيالصبّاح ، جميعا عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : «المصحف لاتمسّه على غير طهر ، ولا جنبا ، ولا تمسّ خيطه ، ولا تعلّقه ؛ إنّ اللّه يقول : «لَا يَمَسُّهُ إِلَا الْمُطَهَّرُونَ » (3) » (4) . وفي الحسن عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب» (5) ، وقد سبق . وعن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : كان إسماعيل بن أبيعبداللّه عنده ، فقال : «يا بُنيّ ، اقرأ المصحف» . فقال : إنّي لست على وضوء . فقال : «لاتمسّ الكتاب ومسّ الورق واقرأه» (6) .

.


1- .. هو الحديث 5 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» من الكافي ، إلّا أنّ فيه بدل «ولاتمسّه» : «ولاتصيبه يدها» . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 183 ، ح 526 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 215 ، ح 1964 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 127 ، ح 345 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 384 ، ح 1015 .
3- .. الواقعة (56) : 79 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 127 ، ح 344 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 113 _ 114 ، ح 378 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 384 ، ح 1014 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1132 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1970 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 127 ، ح 342 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 113 ، ح 376 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 384 ، ح 1013 .

ص: 426

وروى العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كتب في كتابه لعمرو بن حزام : «لايمسّ القرآن إلّا طاهر» (1) . وربّما احتجّ عليه بقوله سبحانه : «إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ فِى كِتَ_بٍ مَّكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَا الْمُطَهَّرُونَ » (2) ، بناء على أنّ قوله : «لايمسّه» صفة لقرآن وضميره عائد إليه ، واُيّد ذلك بخبر إبراهيم المذكور ، والخبر حينئذٍ بمعنى النهي ، لكنّ الظاهر أنّ قوله : «لايمسّه» صفته ل_ «كتاب مكنون» وهو اللوح المحفوظ ، والضمير عائد إليه ، والمراد بالمطهّرون الملائكة المقرّبون ، فالخبر حينئذ على حقيقته (3) . (4) والخبر غير ثابت ، بل هو ضعيف ؛ لاشتماله على عليّ بن الحسن بن فضّال ، وهو فطحي وإن وثّقوه (5) ، وعلى جعفر بن محمّد بن حكيم ، وهو ضعيف (6) . ولاينفع ضميمة جعفر بن محمّد بن أبيالصبّاح ؛ لكونه مجهولاً (7) ، وعلى إبراهيم بن عبدالحميد ؛ لأنّ إبراهيم الذي يروي عن أبيالحسن عليه السلام كان واقفيّا غير موثّق ، وإنّما الذي وثّقوه هو من أصحاب الصادق عليه السلام (8) ، وإن احتمل اتّحادهما .

.


1- .. تفسير القرآن لعبدالرزّاق ، ج 3 ، ص 273 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 289 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 161 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 397 ؛ تفسير القرطبي ، ج 17 ، ص 225 ؛ الأحاديث الطوال للطبراني ، ص 143 ، ح 56 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 14 ، ص 506 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 251 ، ح 2697 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي ، ج 1 ، ص 186 ، ح 106 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 29 ، ص 193 ، في تفسير سورة الواقعة .
2- .. الواقعة (56) : 77 _ 79 .
3- .. المثبت هو الظاهر ، وفي الأصل : «حقيقيّة» .
4- .. زبدة البيان للمحقّق الأردبيلي ، ص 29 . وانظر : التبيان ، ج 9 ، ص 510 ؛ مجمع البيان ، ج 9 ، ص 377 ؛ تفسير مقاتل بن سليمان ، ج 3 ، ص 318 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 3 ، ص 376 ؛ جامع البيان للطبري ، ج 27 ، ص 267 _ 268 ، ح 25959 _ 29564 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 27 ، ص 154 .
5- .. رجال النجاشي ، ص 257 _ 258 ، الرقم 676 ؛ الفهرست ، ص 156 ، الرقم 391 .
6- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 822 ، ح 1031 ؛ رجال ابن داود ، ص 235 ، الرقم 292 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 109 ، الرقم 76 .
7- .. اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج 4 ، ص 95 _ 97 ، الرقم 2232 ؛ وص 103 ، الرقم 2244 .
8- .. رجال ابن داود ، ص 236 ، الرقم 10 .

ص: 427

وظاهر ذلك الخبر حرمة مسّ خيّط القرآن وتعليقه أيضا من غير طهارة ، ويلزم منه تحريم مسّ قرطاسه وجلده أيضا بالأولويّة ، ويؤيّده حسنة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، وهو منقول عن السيّد المرتضى بالنسبة إلى المحدث بالحدث الأكبر (1) ، وعن أبيحنيفة (2) والشافعي (3) وأشياعهما مطلقا . والمشهور الكراهة ؛ حملاً للنهي في الخبرين عليها كما هو شأن النهي في الأخبار الضعيفة المعارضة للأصل . قوله : (عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال) . [ ح 2/4044 ] أحمد بن محمّد هذا هو أحمد بن محمّد بن عيسى ، وابن فضّال هو الحسن بن عليّ بن فضّال . قوله في صحيحة إبراهيم بن أبيمحمود : (والشيء اللكد مثل علك الروم والطرار وما أشبهه) . [ ح 7/4049 ] لكد عليه الوسخ لكدا أي لزمه ولصق به (4) . والطرّة : ما يتّخذ من الرامك ، جمعها طرر وطرار (5) . والرامِك كصاحِب : شيء أسود يخلط بالمسك (6) . قوله : (وروي أيضا : أنّ المختضب لايجنب حتّى يأخذ الحنّاء مأخذه) . [ ح 9/4051 ] قد رويناها عن أبيسعيد .

.


1- .. حكاه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 190 عن المصباح للسيّد المرتضى .
2- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 32 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 37 ؛ كشف القناع ، ج 1 ، ص 158 .
3- .. روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 190 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 67 .
4- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 536 (لكد) .
5- .. لسان العرب ، ج 8 ، ص 141 _ 142 (طرر) .
6- .. صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1588 (رمك) .

ص: 428

باب الجنبُ يعرق في الثوب أو يصيب جسده ثوبه وهو رطب

قوله في خبر السكوني : (فإنّه يخاف منه الوضح) . [ ح 13/4055 ] في الصحاح : «الوضح : الضوء والبياض ، وقد يكنّى به عن البرص» (1) .

باب الجنبُ يعرق في الثوب أو يصيب جسده ثوبه وهو رطبالمشهور بين الأصحاب طهارة الثوب الذي يعرق فيه الجنب والحائض ما لم يصل إليه المنيّ والدم وإن كانت الجنابة من حرام ، ونسبه الشيخ في الخلاف إلى الفقهاء أجمع (2) . ويدلّ عليه حسنة أبياُسامة (3) ، وخبرا عليّ بن أبيحمزة (4) وحمزة بن حمران (5) . وما يرويه المصنّف في باب غسل ثياب الحائض من حسنة سورة بن كليب (6) ، (قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن المرأة الحائض ، أتغسل ما لبستها في طمثها ؟ قال : «تغسل ما أصاب ثيابها من الدم وتدع ما سوى ذلك» . قلت له : وقد عرقت فيها ؟ قال : «إنّ العرق ليس من الحيض» ) (7) . (8) وخبر إسحاق بن عمّار ، (عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الحائض تصلّي في ثوبها ما

.


1- .. صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 416 (وضح) .
2- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 483 ، المسألة 227 .
3- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 268 ، ح 786 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 184 _ 185 ، ح 644 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 267 ، ح 2121 .
4- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 268 ، ح 787 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 645 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 455 ، ح 4126 .
5- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 268 ، ح 788 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 646 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 267 ، ح 2122 ؛ وج 3 ، ص 446 ، ح 4117 .
6- .. في الهامش : «سورة بن كليب ممدوح ، وباقي أسناد الطريق صحيح . منه» .
7- .. مابين القوسين مكتوبة في الهامش ، وبعده : «منه عفي عنه» ، وكذا التالي .
8- .. هذا هو الحديث 1 من باب غسل ثياب الحائض من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 270 ، ح 796 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 186 ، ح 652 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 449 ، ح 4138 .

ص: 429

لم يصبه دم» ) (1) . وما رواه الشيخ عن شعيب العقرقوفي ، عن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتّى يبتلّ القميص ؟ فقال : «لا بأس ، وإن أحبّ أن يرشّه بالماء فليفعل» (2) . (3) وعن زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليهم السلام ، قال : «سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتّى تلصق عليهما ؟ فقال : إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما اللّه عزّ وجلّ ليس في العرق ، فلا يغسلان ثوبهما» (4) . وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الحائض تعرق في ثيابها ، أتصلّي فيها قبل أن تغسلها ؟ فقال : «نعم ، لابأس» (5) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الحائض تعرق في ثوب تلبسه ؟ فقال : «ليس عليها شيء إلّا أن يصيب شيء ممّا بها أو غير ذلك من القذر ، فتغسل ذلك الموضع الذي أصابه بعينه» (6) .

.


1- .. هذا هو الحديث 2 من باب غسل ثياب الحائض من الكافي . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 449 ، ح 4140 .
2- .. في الهامش : «في طريقه الحسين بن الحسن بن أبان ، وقال الفاضل الاسترآبادي في رجاله : كثيرا ما يسمّي العلّامة الحديث صحيحا وهو في طريقه ، وقد صرّح ابن داود بتوثيقه في ترجمة محمّد بن اُورمة ، وشعيب ممدوح ، وأبوبصير مشترك بين ليث بن البختري المرادي الثقة ، بل عُدّ من حواري الصادقين عليهماالسلام ، ويحيى بن أبيالقاسم الأسدي الواقفي وقد وثّقه بعض أصحاب الرجال على ما نقل عنه النجاشي ، وقائله غير معلوم ، ولكن عدّه الرضا عليه السلام كاذبا ، وعبداللّه بن محمّد الأسدي الثقة ، والمراد هنا أحد الأوّلين ؛ لأنّ شعيبا إنّما يروي عن أحدهما كما يظهر مِن تتبّع الرجال . منه عفي عنه» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 269 ، ح 791 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 647 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 446 ، ح 4130 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 269 ، ح 792 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 648 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 447 ، ح 4131 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 269 _ 270 ، ح 793 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 186 ، ح 649 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4141 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 270 ، ح 795 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 186 ، ح 651 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4142 .

ص: 430

فأمّا ما روي عن زيد الشحّام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا لبست المرأة الطامث ثوبا فكان عليها حتّى تطهّر ، فلا تصلّي فيه حتّى تغسله ، فإن كان عليها ثوبان صلّت في الأعلى منهما ، وإن لم يكن لها غير ثوب فلتغسله (1) حين تطمت ثمّ تلبسه ، فإذا طهرت صلّت فيه وإن لم تغسله» (2) . فأوّل ما فيه أنّ في طريقه أبا جميلة المفضّل بن صالح ، وهو ضعيف ، كذّاب ، وضّاع للحديث ، وقد اعترف نفسه ... من وضع الحديث على ما رواه الحسن بن عليّ بن فضّال ، أنّه قال : سمعت معاوية بن حكيم يقول : سمعت أباجميلة يقول : «أنا وضعت رسالة معاوية إلى محمّد بن أبيبكر» (3) . وثانيا : أنّه يحتمل الاستحباب ، ويؤيّده صحيحة أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الثوب يجنب فيه الرجل ويعرق فيه ؟ فقال : «أمّا أنا فلا اُحبّ أن أنام فيه ، وإن كان الشتاء فلا بأس ما لم يعرق فيه» (4) . وخبر عليّ بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن الحائض تعرق في ثوبها ؟ قال : «إن كان ثوبا تلزمه فلا اُحبّ أن تصلّي فيه حتّى تغسله» (5) . ويحتمل أيضا حمله على ما إذا أصابته الدم كما هو ظاهر آخره من أنّ عرقها لاينجّس الثوب ، وإلّا لما اختلف الحال باغتساله قبل الحيض .

.


1- .. المثبت من المصادر ، وفي النسخ : «فلتغسل» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 270 _ 271 ، ح 797 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 187 ، ح 653 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4144 .
3- .. رجال ابن الغضائري ، ص 88 ، الرقم 188 ؛ رجال ابن داود ، ص 280 ، الرقم 511 . وقال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد من رجاله ، ص 128 ، الرقم 2332 : «روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا ، منهم . . . مفضّل بن صالح» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 421 ، ح 1331 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 188 ، ح 656 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 447 ، ح 4132 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 271 ، ح 798 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 187 ، ح 645 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4143 .

ص: 431

ويؤيّده موثّقة إسحاق بن عمّار الساباطي ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الحائض تعرق في ثوب تلبسه ، فقال : «ليس عليها شيء إلّا أن يصيب شيء ممّا بها أو غير ذلك من القذر ، فتغسل ذلك الموضع الذي أصابه بعينه» (1) . وقد استثنى بعض الأصحاب منه عرق الجنب من الحرام فقال بنجاسته ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (2) والشيخ في الخلاف (3) ؛ حيث حرّما الصلاة في ثوب أصابه ذلك العرق ، وإليه مال في المبسوط حيث قال : «وإن كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا» (4) . وحكى [ ذلك العلّامة ] في المختلف (5) عن ابن البرّاج (6) . واحتجّوا عليه بموثّق أبان بن عثمان ، عن الحلبي، قال: قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره ؟ قال : «يصلّي فيه ، وإذا وجد الماء غسله» (7) ، حاملين إيّاه على ما إذا عرق في الثوب وكانت جنابته من حرام ، وهو كماترى . وكما لاينجّس العرق ثوب الجنب لاينجّسه ملاقاته لبدنه بالرطوبة ما لم يلاق العضو النجس ، وكذا لايجنب الرجل لبس الثوب الذي فيه المنيّ بالرطوبة ، بمعنى أنّه لايجب عليه الغسل بذلك ، وإنّما يجب عليه غسل موضع الملاقاة ، ويدلّ عليه خبر حمزة بن حمران (8) ، وصحيحة معاوية بن عمّار (9) ، وما سيأتي في الباب الآتي .

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 483 ، المسألة 227 .
2- .. تقدّم تخريجه آنفا .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 67 ، ذيل ح 153 . وحكاه في المقنع ، ص 43 _ 44 عن والده في رسالته .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 38 ، كيفيّة تطهير الثياب والأبدان من النجاسات ، وأفتى بذلك أيضا في النهاية ، ج 1 ، ص 53 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 461 .
6- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 51 ، باب إزالة النجاسة عن البدن والثياب .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 68 ، ح 155 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 271 ، ح 799 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 187 ، ح 655 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 447 ، ح 4133 .
8- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي .
9- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 445 ، ح 4124 .

ص: 432

باب المنيّ والمذي يصيبان الثوب [ والجسد ]

ولا اعتبار بالبلّة ؛ فإنّها لاتوجب السراية ، ويدلّ عليه خبرا أبياُسامة (1) ، وربّما حملهما جماعة على حال الاضطرار ؛ ظنّا منهم عدم الفرق بين البلّة والرطوبة ، ولم أجد دليلاً لهم ، لا نصّا ولا اعتبارا .

باب المنيّ والمذي يصيبان الثوب [ والجسد ]قال _ طاب ثراه _ : أجمع أصحابنا الإماميّة على نجاسة المنيّ ، ويدلّ عليها أحاديث هذا الباب وغيرها من الأخبار، وقال بطهارته الشافعي (2) وجماعة من محدّثيهم ، واستدلّوا لها بما رووه : أنّ رجلاً نزل بعائشة ، فأصبح يغسل ثوبه ، فقالت عائشة : «إنّما كان يجزيك إن رأيته أن تغسل مكانه ، فإن لم تر نضحت حوله ، لقد رأيتني أفرك من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فركا» (3) . ووجّهوه بأنّه لو كان نجسا لما كان الفرك باليد كافيا . واحتجّوا أيضا بأنّه أصل الخلقة ، فيكون طاهرا كالتراب . وبأنّه خلقت منه الأنبياء عليهم السلام ، فكيف يكون نجسا ؟ والجواب عن الأوّل _ على تقدير حجّيّته _ : أنّ المراد بالفرك الفرك بالماء لا باليد وحدها ، وإلّا لناقض أوّل الكلام آخره ، وهذا التأويل أولى من تأويل الغسل بكونه للنظافة والنزاهة ؛ لورود الأمر بالغسل منه في روايات اُخرى لهم أيضا (4) .

.


1- .. هما الحديثان 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 72 و75 ، باب المنيّ ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 190 ، في النجاسات ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 553 ؛ إعانة الطالبين ، ج 1 ، ص 103 .
3- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 164 ، باب حكم المنيّ ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 217 ؛ السنن الكبرى للبيقهي ، ج 2 ، ص 417 مع مغايرة في بعض الألفاظ ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 554 . وورد ذيله في : الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 73 ؛ مسند الطيالسي ، ص 202 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 156 باب فرك المنيّ من الثوب ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 128 ، ح 2289 ؛ المنتقى ، ص 44 ، ح 136 و137 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 49 و50 ، باب حكم المنيّ ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 242 ، ح 1255 ؛ وص 243 ، ح 1258 .
4- .. في الهامش : «منها ما رووه عن النبيّ ، صلى الله عليه و آله أنّه قال لعمّار بن ياسر : إنّما تغسل ثوبك من الغائط والبول ف والدم والمنيّ . منه» . أقول : والحديث رواه أبويعلى في مسنده ، ج 3 ، ص 185 _ 186 ، ح 1611 ؛ والدارقطني في السنن ، ج 1 ، ص 134 ، ح 452 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 14 ، باب إزالة النجاسات بالماء دون سائر المائعات ؛ وفي معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 245 ، ح 1262 ؛ والطبراني في المعجم الأوسط ، ج 6 ، ص 113 ؛ والمتّقي في كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 349 ، ح 26385 .

ص: 433

والتأويل في موضع واحد أسهل من التأويل في مواضع متكثّرة ، ولو سلّم فالمقصود الاستعانة بغير الماء لإزالة تجسّده ؛ إذ لو غسل بدون ذلك لعسرت الإزالة ولانتشرت النجاسة . وعن الثاني : أنّ الكلام في المنيّ البارز لا في الكامن الذي منه الخلق ، ويؤيّده أنّ العلقة الساقطة نجسة بالاتّفاق ، وهي أصل الخلقة للأنبياء عليهم السلام . انتهى . وقد اُجيب عنه بأنّ الاستحالة تطهّره . وأمّا المذي ، فهو طاهر عندنا ، ومثله الوذي والودي ، وقد سبق القول فيها في باب المذي والوذي ، وقد وضع المصنّف ذلك الباب لبيان كونهما غير ناقضين للوضوء ، وهذا الباب لبيان كون المذي طاهرا ، ولم يتعرّض لذكر الودي أيضا ، والأولى الجمع بين الثلاثة في باب واحد وبيان طهارتها وعدم نقضها (1) للوضوء معا . قوله في خبر عنبسة بن مصعب : (سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : لانرى) إلخ . [ ح 6/4067 ] قد روى الشيخ هذا الخبر بهذا السند بعينه في التهذيب ، وفيه : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «كان عليّ عليه السلام لايرى في المذي وضوءا» (2) . وفي بعض نسخه : «ولا غسل ما أصاب» بالإضافة .

.


1- .. المثبت هو الظاهر ، وفي الأصل : «عدم نقضهما» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 18 ، ح 41 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 187 ، ح 1889 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 281 ، ح 742 .

ص: 434

باب البول يصيب الثوب والجسد

باب البول يصيب الثوب والجسدالمشهور بين الأصحاب وجوب غسل المتنجّس بالبول مرّتين إذا غسل بالماء القليل ؛ لصحيحة الحسين بن أبيالعلاء (1) ، وما رواه الشيخ ، عن ابن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، عن البول يصيب الثوب ؟ قال : «اغسله مرّتين» (2) . وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الثوب يصيب البول ؟ قال : «اغسله في المركن مرّتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (3) . وفي المنتهى : «والأقرب عندي وجوب الإزالة ، فإن حصل بالمرّة [ الواحدة ]لكفى» (4) . واعتبروا العصر فيما يمكن تحقّقه فيه ، واحتجّ عليه المحقّق في المعتبر بأنّ العصر معتبر في مفهوم الغسل ، وبأنّ النجاسة ترشّح في الثوب فلاتزول إلّا بالعصر (5) . وكأنّه أراد بذلك أنّ النجاسة ترشّح في أعماق الثوب تبعا للماء الوارد عليها ، فلايطهر الثوب إلّا بإخراج ذلك الماء عنه ، وظاهر[ ه ] توقّف ذلك على العصر عموما ويرجع إلى ما احتجّ به العلّامة عليه في المنتهى من أنّ الماء ينجس بالملاقاة فيجب إزالته بقدر الإمكان (6) ، ويعني بالإمكان الإمكان بحسب العرف والعادة . وبما ذكرنا يندفع ما أورده صاحب المدارك على الأوّل من أنّ ما ذكر فيه إنّما يقتضي وجوب العصر إذا توقّف عليه إخراج عين النجاسة ، فلايدلّ على المدّعى عموما ،

.


1- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . وعنه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 249 ، ح 714 ؛ وسائل الشيعة ، ج3 ، ص 395 _ 396 ، ح 3962 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 251 ، ح 722 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 395 ، ح 3960 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 250 ، ح 717 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 397 ، ح 3966 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 263 ، وما بين الحاصرتين منه .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 435 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 265 .

ص: 435

وعلى الثاني بأنّه اعترف الأصحاب بطهارة الماء المتخلّف فيالمغسول بعد العصر وإن أمكن إخراجه بعصر ثان أقوى من الأوّل (1) . وربّما احتجّ عليه بصحيحة الحسين بن أبيالعلاء ، وفيه تأمّل (2) . ثمّ إنّ الأكثر _ منهم المحقّق في المعتبر (3) _ اعتبروه بعد كلّ غسلة بناء على ما عرفت من اعتباره في مفهوم الغسل ، واعتبر الشهيد في اللمعة عصرا واحدا بين الغسلتين (4) ، وكأنّه بنى ذلك على أنّه قد خرج عين النجاسة من حشو الثوب بذلك العصر ، فلايحتاج في الغسلة الثانية إليه . واعتبر الصدوق عصرا واحدا بعد الغسلتين ؛ محتجّا بما رواه في الفقيه من «أنّ الثوب إذا أصابه البول غسل في ماء جار مرّة ، وإن غسل في ماء راكد فمرّتين ثمّ يعصر» (5) . وفيه تأمّل ؛ إذ يحتمل أن يكون لفظة «ثمّ» للتراخي في الذكر على أن يكون المراد الفرق بين الجاري والراكد بوجهين : أحدهما اعتبار المرّة والمرّتين ، وثانيهما اعتبار العصر وعدمه . وأمّا ما تعذّر فيه العصر فيكفي فيه الصبّ كما يستفاد من خبر الحسين . وفي المدارك : وذكر جمع من الأصحاب أنّ ما لاينفصل الغسالة منه بالعصر كالصابون والورق والفواكه والخبز والحبوب وما جرى هذا المجرى لايطهر بالغسل بالقليل ، بل يتوقّف طهارته

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 435 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 326 .
3- .. في الهامش : «فإنّه يدلّ على اعتباره في غسل الثوب من بول الصبيّ ، ولايعتبر فيه ذلك إجماعا ، فلابدّ من حمله على الندب . منه» .
4- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 16 ، كتاب الطهارة ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 305 ، [باب] كيفيّة غسل الثوب .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 68 ، ذيل ح 156 ، الهداية ، ص 71 ، [باب ]كيفيّة تطهير ثوب المتنجّس بالبول . ومثله في فقه الرضا عليه السلام ، ص 95 .

ص: 436

على غسله بالكثير ، وهو مشكل ، أمّا أوّلاً ؛ فللحرج والضرر اللازمين (1) من ذلك . وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ ما يتخلّف في هذه المذكورات من الماء ربّماكان أقلّ من المتخلّف في الحسايا بعد الدقّ والتغميز ، وقد حكموا بطهارتها بذلك . وأمّا ثالثا ؛ فلعدم ثبوت تأثير مثل ذلك في المنع مع إطلاق الأمر بالغسل المتحقّق بالقليل والكثير . انتهى (2) . وأمّا الرضيع ، فالظاهر وفاقهم على أنّه لايعتبر فيه العصر ولا تعدّد الغسل ، بل يكفي فيه الصبّ (3) ؛ للإجماع على طهارته ، ولحسنة الحلبي (4) ، وما سيأتي في خبر السكوني ، وحمل العصر في خبر الحسين على الندب كما مرّت الإشارة إليه . وقد ألحق بعض الأصحاب [ الرضيعة ] به وحكموا بطهارة بولها مثله ، وهو الظاهر من الحسنة المشار إليها (5) ؛ فإنّ الظاهر أنّ الإشارة في قوله عليه السلام : «والغلام والجارية في ذلك شرع سواء» لما ذكر من كلا الحكمين أعني كفاية الصبّ قبل الأكل ، ولزوم الغسل بعده ، والأكثر جعلوا الإشارة إلى الأخير فقط (6) وحكموا بنجاسة بولها مطلقا ؛ محتجّين بخبر السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّا عليه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم ؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمّها ، ولبن الغلام لايغسل منه الثوب قبل أن يطعم وبوله ؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين» (7) .

.


1- .. في المصدر : «اللازم» .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 331 .
3- .. الناصريّات ، ص 89 ، وادّعى فيه الإجماع على ذلك ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 43 ؛ كشف الرموز ، ج 1 ، ص 110 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 161 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 459 ، وقال بأنّه مشهور ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 289 ؛ جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 173 .
4- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . وعنه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 249 ، ح 715 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 173 ، ح 602 ؛ وسائل الشيعة ، ج3 ، ص 397 _ 398 ، ح 3968 .
5- .. يعني حسنة الحلبي .
6- .. يعني لزوم الغسل بعد الأكل .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 250 ، ح 718 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 173 ؛ ح 601 ؛ علل الشرائع ، ص 294 ، الباب 227 ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 68 ، ح 157 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 398 ، ح 3970 .

ص: 437

وهو مع ضعفه يحتمل الاستحباب ؛ لأنّ خروج اللبن من المثانة لايوجب نجاسته ؛ فإنّها من البواطن ، ولو سلّم نجاسته فاستحالته باللبن في الضرع تطهّره ، فالظاهر أنّ ذلك بيان علّة مناسبة للكراهة . وأمّا غير البول من النجاسات ، فعلى المشهور يكفي فيها المرّة ؛ لإطلاق الأمر بالغسل المتحقّق في ضمنها ، وربّما اُلحقت بالبول في اعتبار المرّتين ، وعدّ في الذكرى أحوط ؛ محتجّا بمفهوم الأولويّة ، موضحا إيّاه بأنّ نجاسة غير البول أشدّ من نجاسته (1) ، وإليه مال في الدروس حيث قال : «وتكفي المرّة بعد زوال العين ، وروي في البول مرّتين ، فيحمل غيره عليه» (2) ، وتعليله عليل ؛ لمنع الأولويّة ، بل غير البول أضعف منه ، ومن ثَمّ عفي عمّا دون الدرهم من الدم دون البول ، ويؤيّده ما كان فرضا على بنيإسرائيل من قرض ما وصل إليه البول من أعضائهم دون غيره (3) . ثمّ ظاهر الأكثر وجوب العدد بعد إزالة عين النجاسة ، وبه صرّح في الدروس كما عرفت ، واكتفى العلّامة في المنتهى (4) بالمرّة إذا زال العين بها ، وهو أظهر ؛ لظاهر الأمر بالغَسل . واستحبّ الشهيد في الذكرى الثلاث (5) ، ولم أظفر بمأخذه . وقد خالفوا ما ذكر في تطهير الإناء من بعض النجاسات ، منها : ولوغ الكلب ، فالمشهور وجوب ثلاث غسلات إحداهنّ بالتراب ، بل ادّعى الإجماع عليه في الذكرى 6 ، واحتجّوا عليه بصحيحة أبيالعبّاس الفضل بن عبدالملك ، عن

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 124 .
2- .. الدروس ، ج 1 ، ص 125 ، الدرس 19 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 356 ، ح 1064 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ح 13 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 123 ، ح 325 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 264 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 125 .

ص: 438

أبيعبداللّه عليه السلام : «اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء مرّتين» (1) . ويؤيّدها ما روى في المنتهى (2) عن أبيهريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرّات» (3) . وعنه بسند آخر عنه صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا» (4) . وحكى في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه أوجب فيه السبع (5) ؛ محتجّا بما رواه عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يغسل من الخمر سبعا ، وكذلك الكلب» (6) . وبالخبر عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّات» (7) . وهو منقول عن الشافعي أيضا ، إلّا أنّه صرّح بأنّ أوّلهنّ بالتراب (8) ؛ محتجّا بما رواه

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 ؛ وج 3 ، ص 415 ، ح 4026 ، والجميع خالية عن كلمة «مرّتين» ، نعم هذه الزيادة موجودة في المعتبر ، ج 1 ، ص 458 ؛ والتذكرة ، ج 1 ، ص 83 ؛ ونهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 293 ؛ والمنتهى ، ج 3 ، ص 336 ؛ والذكرى ، ج 1 ، ص 125 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 335 .
3- .. الكامل لابن عديّ ، ج 7 ، ص 76 ، ترجمة الوليد بن أبيثور ؛ وج 2 ، ص 366 ، ترجمة الحسين بن عليّ الكرابيسي ، إلّا أنّ في الثاني : «. . . فليهرقه وليغسله . . .» . ونحوه في سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 66 ، ح 193 .
4- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 66 ، ح 190 و191 ؛ والسنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 240 ، ولفظهما : «في الكلب يلغ في الإناء أنّه يغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا» .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 125 . وحكاه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 458 .
6- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 458 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 336 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 125 . ولم أجدها بهذا اللفظ في كتب الأخبار ، نعم ورد في تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 116 ، ح 502 : «في الإناء يشرب منه النبيذ ؟ فقال : يغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب» . وسائل الشيعة ، ج 25 ، ص 368 ، ح 32143 .
7- .. مسند أحمد ، ج 2 ، ص 314 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 96 ، ح 329 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 162 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 240 .
8- .. الناصريّات ، ص 103 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 260 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 579 ؛ بدائع الصنائع ، ج1 ، ص 87 ؛ البحر الرائق ، ج 1 ص 225 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 45 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 112 .

ص: 439

أبوهريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا ولغ الكلب إناء أحدكم فليغسله سبعا أوّلهنّ بالتراب» (1) . والظاهر أنّها _ على تقدير صحّتها _ وردت على الندب ؛ للجمع ، ويشعر به بعض ما ذكر من الأخبار . فروع : الأوّل : الأظهر والأشهر اعتبار التراب في الغسلة الاُولى ؛ لصراحة الخبر فيه من الطريقين ، وحكى في المنتهى (2) عن الشيخ المفيد اعتباره في الوسطى (3) ، وأجمل السيّد في الانتصار حيث قال : «إحداهنّ بالتراب» (4) ، ومثله محكيّ عن جملة أيضا (5) . الثاني : لايشترط امتزاج التراب بالماء ؛ لأصالة عدمه ، وانتفاء دليل صالح عليه ، واشترطه ابن إدريس (6) ؛ تحصيلاً لحقيقة الغَسل . ورُدّ في الذكرى (7) بأنّه لاريب في انتفاء حقيقته على التقديرين ، وحصول الغرض يعني إزالة اللعاب اللزج بهما ، فلا مرجّح لتخصيص إطلاق الخبر . الثالث : لايجزي غير التراب اختيارا وإن شاركه في حصول الغرض به على الأشهر ، وعن ابن الجنيد التخيير (8) ، وتردّد فيه العلّامة في التحرير (9) .

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 125 .
2- .. مسند أحمد ، ج 2 ، ص 427 ، المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 200 ، في الكلب ولغ في الإناء ، ح 2 ؛ وج 8 ، ص 394 . مسألة غسل ما ولغ فيه الكلب ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 162 ، السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 240 . وفي الجميع : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب . . .» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 334 .
4- .. المقنعة ، ص 65 ، باب المياه وأحكامها ؛ وص 68 ، باب تطهير المياه من النجاسات .
5- .. الانتصار ، ص 86 ، حكم سؤر الكلب ، ومثله في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 23) ، لكنّه صرّح في الناصريّات ، ص 103 بأنّ الأوّل منهنّ بالتراب .
6- .. منهم : الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 175 ، المسألة 130 ؛ وص 178 ، المسألة 133 ؛ وابن حمزة في الوسيلة ، ص 80 .
7- .. السرائر ، ج 1 ، ص 91 .
8- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 459 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 338 .
9- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 167 .

ص: 440

ومع فقد التراب جوّزه الشيخ في المبسوط مع تجويز الاقتصار على الماء (1) . وعلى الاقتصار بالماء فظاهر الشيخ كفاية المرّتين ، وعُدّ في التحرير وجوب الثلاث أقرب (2) ، ولعلّه أظهر ، بل ظاهر الخبرين العامّيين وجوب الثلاث من غير اشتراط تراب اختيارا ، فلايبعد ضميمة التراب على الاستحباب . الرابع : مباشرة الكلب لماء الإناء بباقي أعضائه ليس في حكم الولوغ ، وعن الصدوق (3) والمفيد (4) إلحاقها به ، وهو محكيّ عن الشافعي (5) وأحمد (6) . وهو قياس مع الفارق ؛ لأنّ الولوغ يوجب عروض لعاب لزج غليظ للإناء لايزول عنه إلّا بالتراب ، بخلاف غيره . ومنها : ولوغ الخنزير ، فالمشهور وجوب سبع له ؛ لصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : وسألته عن خنزير شرب في إناء كيف يصنع به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات» (7) . واحتجّ عليه الشيخ في الخلاف (8) والمبسوط بما ذكر من الأخبار الواردة في الكلب بناء على أنّ الخنزير يسمّى كلبا لغة ، وأضاف في المبسوط الإجماع المركّب ، مدّعيا أنّ كلّ

.


1- .. في الهامش : «حيث قال [ في المبسوط ، ج 1 ، ص 14 ] : وإذا لم يوجد التراب لغسله جاز الاقتصار على الماء ، وإن وجد غيره من الأشنان وما يجري مجراه كان ذلك أيضا جائزا . منه» .
2- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 167 . وفي متن المطبوع منه : «والأقرب حينئذٍ الاكتقاء بالمرّتين» ، وفي هامشه : «في «أ» : عدم الاكتفاء بالمرّتين» . وقال في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 337 بعد نقل كلام الشيخ : «وذلك يعطي أحد معنيين : إمّا استعمال الماء ثلاث مرّات ، أو استعمال الماء مرّتين» ، ثمّ ذكر لكلّ منهما وجها ، ورجّح الثاني ، وقال : «فوجب القول بطهارته بالغسل مرّتين ، وهو قويّ» ، على هذا لايقول العلّامة بأقربيّة الثلاث .
3- .. المقنع ، ص 37 ، حكم وقوع الكلب في الإناء وشربه منه ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 9 ، ذيل ح 10 ، وفيه : «إن ولغ فيه كلب» ، وفي هامشه : «كذا في نسخة ، وفي أكثر النسخ : وقع فيه كلب» .
4- .. المقنعة ، ص 68 ، باب تطهير المياه من النجاسات .
5- .. التمهيد لابن عبدالبرّ ، ج 18 ، ص 272 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 586 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 257 .
6- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 48 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 287 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 760 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 225 ، ح 572 .
8- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 186 _ 187 ، المسألة 143 .

ص: 441

من قال بها في الكلب قال بها في الخنزير أيضا (1) . ونسبه العلّامة في المنتهى إلى الجمهور واستقواه (2) . وقال في التحرير : «وهو الحقّ عندي» (3) . وعدّه الشهيد في الذكرى أقرب (4) . ومنها : الخمر ، فقد قال الشيخ في النهاية : «وإن أصابها _ يعني الأواني_ خمر أو شيء من الشراب المسكر ، وجب غسلها سبع مرّات» (5) . ومثله في المبسوط (6) ، وبه قال المفيد (7) . ويدلّ عليه خبر عمّار المتقدّم ، وما رواه الشيخ عن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال في الإناء يشرب فيه النبيد ، قال : «يغسل سبع مرّات» (8) . وفي المنتهى : «وللشيخ قول آخر بالثلاث» (9) . وهو ظاهره في الخلاف حيث قال : «يغسل الإناء من سائر النجاسات سوى الولوغ ثلاث مرّات» (10) . ونسبه صاحب المدارك (11) إلى نهايته (12) تبعا للعلاّمة في المختلف (13) ، ويظهر ممّا حكينا عنها وقوع سهو منهما .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 334 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 15 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 340 .
4- .. تحريرالأحكام ، ج 1 ، ص 168 ، المسألة 537 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 126 .
6- .. النهاية ، ص 53 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص15 ، حكم الأواني والأوعية والظروف إذا حصل فيها نجاسة .
8- .. المقنعة ، ص 73 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 116 ، ح 520 ؛ وسائل الشيعة ، ج 25 ، ص 368 ، ح 32143 .
10- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 182 ، المسألة 138 .
11- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 397 ؛ فإنّه حكاه عن الخلاف .
12- .. النهاية ، ص 592 ، باب أطعمة المحظورة والمباحة .
13- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 498 ، حكاه عن الخلاف والنهاية .

ص: 442

ورجّحه المحقّق في الشرائع وعدّ السبع أفضل (1) ، وهو أظهر ؛ للجمع بين ما ذكر ، وبين موثّقة عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الدن (2) يكون فيه الخلّ أو ماء كامخ (3) أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» . وعن الإبريق يكون فيه خمر:أ يصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» . وقال : في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ؟ قال : «تغسله ثلاث مرّات» . سئل : أيُجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لا حتّى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات» ، الحديث (4) ، وسيأتي بعض آخر منه . وعلى القولين فالمشهور أنّه لافرق في الإناء بين ما له منافذ كالقرع والخشب والخزف الغير المغضور (5) ، وما ليس كذلك كالصفر والزجاج والمغضور . وفي شرح القواعد للمحقّق الشيخ عليّ : وقيل : إنّ القسم الأوّل لايطهر ولايجوز استعماله وإن غسل ، وهو ضعيف ، نعم طهارته باطنا موقوف على تخلّل الماء بحيث يصل إلى ما وصل إليه أجزاء الخمر ، ومتى طهر ظاهره وعلم ترشّح شيء من أجزاء الخمر المستكنّة في البواطن نجس ، وإلّا فلا (6) . ومنها : موت الفأرة ، فقد نقل صاحب المدارك (7) عن الشيخ أنّه قال في نهايته : إنّه يغسل لموت الفأرة سبعا (8) . وفي المختلف : «وقال في النهاية (9) : ومن الخمر والمسكر والفأرة سبع مرّات» . ولم أجدهما فيها (10) .

.


1- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 45 .
2- .. الدنّ : ما عظم من الرواقيد كهيئة الحبّ إلّا أنّه طويل مستوى الصنعة في أسفله ، كهيئة قونس البيضة . كتاب العين ، ج 8 ، ص 9 (دنن).
3- .. الكامخ : الذي يُؤتدم به ، معرّب . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 430 (كمخ) .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 ، ح 830 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 494 ، ح 4272 .
5- .. في الهامش : «الخضراء _ بالمعجمتين _ : طينة تدّهن بها الأواني ليمنع نفوذ المائعات في مساقها . منه» .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 395 ، حكم آنية الخمر . . . .
7- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 395 .
8- .. النهاية ، ص 5 _ 6 ، باب المياه وأحكامها .
9- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 449 ، عدد الغسلات في التطهير .
10- .. ما ذكره نقل بالمعنى ، وأشرنا إلى موضعه آنفا .

ص: 443

وعُدّ في الذكرى أقرب (1) . ولم أجد له في مطلق الفأرة مستندا ، نعم روي ذلك في الجرذ ، وهو بضمّ الجيم وفتح الراء كبير الفأرة التي تعيش في الفيافي (2) ، رواه الشيخ عن أبيعبداللّه عليه السلام في موثّق عمّار _ الذي سبق بعضه _ أنّه قال : «اغسل الإناء الذي يصيب فيه الجرذ ميّتا سبع مرّات» . وأوجب المحقّق في الشرائع الثلاث ، وعدّ السبع أفضل (3) ، ولعلّه بذلك جميع بين ما ذكر من ذلك الموثّق ، وبين ما ورد فيه بعينه من الثلاث لعموم النجاسات الواردة في الإناء ، وسيأتي . وأمّا ما عدا هذه النجاسات الأربع إذا عرض للإناء فقد أوجب الشيخ في الخلاف غسل الإناء ثلاثا (4) ، وقوّاه المحقّق في المعتبر (5) ، ونسبه في المبسوط إلى الرواية (6) ، وهي ما رواه عمّار في الموثّق المشار إليه ، قال : وسئل عن الكوز أو الإناء يكون قذرا: كيف يغسل ؟ وكم مرّة يغسل ؟ قال : «ثلاث مرّات يصبّ فيه ماء فيحرّك ثمّ يفرغ منه ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه وقد طهر» (7) . ولعدم صحّة الأخبار التي رويناها في الإناء سوى ما ورد في ولوغ الكلب

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 126 _ 127 ، ثمّ احتمل اختصاص الرواية بالجرذ وأن لايتناول الفأرة ، نعم قال به في الدروس ، ج 1 ، ص 125 ، درس 19 .
2- .. اُنظر : مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 179 (جرز) .
3- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 45 . ومثله في المعتبر ، ج 1 ، ص 461 ؛ والمختصر النافع ، ص 20 ، في آخر كتاب الطهارة .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 175 ، المسألة 138 .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 461 ؛ فإنّه أفتى فيه بكفاية المرّة وعدّ الثلاث أحوط . ومثله في شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 45 ؛ والمختصر النافع ، ص 20 ، في آخر كتاب الطهارة .
6- .. المبسوط ، ص 15 ؛ فإنّه لم ينسب الثلاث إلى الرواية ، بل قال بعد الحكم بثلاث : «وقد روي غسله مرّة واحدة» .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 496 ، ح 4276 .

ص: 444

والخنزير (1) وعموم ما دلّ على كفاية المرّة ، قال العلّامة في المختلف : «والأقرب عندي أنّ الواجب بعد إزالة العين غسله مرّة واحدة في الجميع إلّا الولوغ ، لكن يستحبّ السبع في الخمر والأشربة المسكرة وفي الجرذ والفأرة» (2) . ونعم ما قال . تنبيهات : الأوّل : لافرق في المشهور بين القليل من النجاسات والكثير منها في عدم العفو عنها في الصلاة إلّا الدم ، فإنّ القليل منه معفوّ عنه فيها . وذهب السيّد المرتضى إلى العفو عن مثل رؤوس الإبر من البول _ على ما حكي عنه في المختلف (3) _ أنّه قال في المسائل الميافارقيّات : نجاسة الخمر أغلظ من سائر النجاسات ؛ لأنّ الدم وإن كان نجسا فقد اُبيح لنا أن نصلّي في الثوب إذا كان فيه دون قدر الدرهم ، والبول قد عفيعنه فيما ترشّش عند الاستنجاء كرؤوس الإبر ، والخمر لم يعف عنه في موضع أصلاً (4) . فإن قيل : يحتمل أن يكون مراده العفو عن رؤوس الإبر من ماء الاستنجاء كما يشعر به ذكر الاستنجاء ، لا من البول . قلنا : لو كان مراده هذا ، لما خصّصه برؤوس الإبر ؛ للعفو عن ماء الاستنجاء مطلقا . وعن ابن إدريس عن بعض الأصحاب : العفو عن مثل رؤوس الإبر من مطلق النجاسات (5) . ولم أجد مستند هذين القولين ، والعمومات يدفعهما . وقال السيّد في الانتصار بعد ما نسب إلى الإماميّة القول بأنّ الدم الذي ليس بحيض تجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي ، وهو المضروب من درهم وثلث ، وما زاد على ذلك لاتجوز الصلاة فيه :

.


1- .. المثبت من «ج» وفوقه علامة «ظ» ، وفي «أ» : «والخبر» .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 499 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 491 .
4- .. رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 288 ، المسألة الثانية والثلاثون من جوابات المسائل الميافارقيّات .
5- .. السرائر ، ج 1 ، ص 180 .

ص: 445

وفرّقوا بين الدم في هذا الحكم وبين سائر النجاسات من بول وعذرة ومنيّ ، وحرّموا الصلاة في قليل ذلك وكثيره ، وكأنّ التفرقة بين الدم وبين سائر النجاسات في هذا الحكم هو الذي تفرّدوا به ، فإنّ أباحنيفة يعتبر مقدار الدرهم في جميع النجاسات ، ولايفرّق بين بعضها وبعض (1) ، والشافعي لايعتبر الدرهم في جميع النجاسات (2) ، فاعتبارها (3) في بعضها هو التفرّد ، ويمكن القول بأنّ الشيعة غير متفرّدة بهذه التفرقة ؛ لأنّ زفر كان يراعي في الدم أن يكون أكثر من درهم ولا يراعي مثل ذلك في البول ، بل يحكم بفساد الصلاة بقليله وكثيرة ، وهذا نظير قول الإماميّة ، وروي عن الحسن بن صالح بن حيّ أنّه كان يقول في الدم : «إذا كان على الثوب مقدار الدرهم يعيد الصلاة ، وإن كان أقلّ من ذلك لم يعد» ، وكان يوجب الإعادة في البول والغائط قليلهما وكثيرهما (4) ، وهذا مضاه لقول الإماميّة (5) . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . الثاني : لافرق على المشهور في وجوب غسل النجس للتطهير بين الجسم الصقيل وغيره ، وهو الظاهر من إطلاق الأمر بالغسل في الأخبار . وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى أنّه قال : «الجسم الصقيل كالسيف والمرآة والقارورة إذا أصابته نجاسة يطهر بالمسح بحيث تزول عين النجاسة عن المحلّ» ، محتجّا بأنّ الموجب للنجاسة في المحلّ بقاء عين النجاسة فيه ، ومع المسح تزول العلّة فينتفي الحكم . وأجاب عنه بمنع المقدّمة الاُولى ؛ مستندا بأنّ الطهارة والنجاسة أمران شرعيّان متوقّفان على النصّ ، والنصّ مطلق في الغسل (6) .

.


1- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 64 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 46 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 19 و80 ؛ البحر الرائق ، ج 1 ، ص 395 .
2- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 79 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 64 .
3- .. في المصدر : «فاعتباره» .
4- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «قليلها وكثيرها» .
5- .. الانتصار ، ص 93 _ 94 ، الدم المعفوّ عنه في الصلاة .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 492 . وحكاه أيضا في تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 163 ، المسألة 530 ؛ ومنتهى ف المطلب ، ج 3 ، ص 286 . وحكاه أيضا الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 479 ، المسألة 222 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 450 .

ص: 446

الثالث : لايكفي إزالة عين الدم من الثوب بالبصاق على المشهور ؛ لما عرفت . وحكي في المختلف (1) عن ابن الجنيد أنّه اكتفى بذلك ؛ محتجّا بما رواه غياث بن إبراهيم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام ، قال : «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» (2) . وأجاب عنه بضعف سنده ، ثمّ بالحمل على الدم الطاهر كدم السمك وشبهه ، أو على إزالة النجاسة مع بقاء المحلّ على نجاسته . لايقال : ويدلّ أيضا عليه صحيح عليّ بن جعفر (3) ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلح له أن يصبّ الماء من فيه يغسل به الشيء يكون في ثوبه ؟ قال : «لا بأس» (4) . لأنّا نقول : الظاهر أنّ المراد بالماء فيه الماء المطلق المأخوذ بالفم لا بالبصاق . قوله : (أحمد عن إبراهيم بن أبيمحمود) إلخ . [ ح 2/4069 ] أحمد هذا هو ابن محمّد بن عيسى ؛ بقرينة روايته عن إبراهيم ، وفي رجال السيّد المصطفى : «له كتب ، روى عنه سعد بن عبداللّه وعليّ بن إبراهيم ومحمّد بن يحيى وعليّ بن موسى بن جعفر وأحمد بن إدريس وداوود بن كورة» (5) . وقال النجاشي : «روى عنه محمّد بن الحسن الصفّار» (6) .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 493 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 425 ، ح 1350 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 205 ، ح 525 .
3- .. في الهامش : «رواه الشيخ في التهذيب في باب تطهير الثياب من أبواب الزيادات . منه» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 423 ، ح 1343 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 500 ، ح 4286 .
5- .. نقدالرجال ، ج 1 ، ص 167 _ 168 ، الرقم 333 .
6- .. لم يذكره في ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى ، نعم ورد في تراجم رجال آخرين رواية الصفّار عنه ، منها في ص 150 ، الرقم 392 ترجمة خالد بن إسماعيل ، وص 174 ، الرقم 458 ترجمة زكريّا بن آدم ، وص 178 _ 179 ، الرقم 469 ترجمة سعد بن أبيخلف ، و... . نعم ورد ذلك في ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى من الفهرست للشيخ الطوسي ، ص 68 _ 69 ، الرقم 75 ، والعبارة من التفرشي نقلاً عن الفهرست لا عن النجاشي .

ص: 447

باب أبوال الدوابّ وأرواثها

والظاهر أنّ الواسطة بين المصنّف وبينه عليّ بن إبراهيم ، فالخبر صحيح . والطنفسة _ على ما ذكره صاحب القاموس _ : «مثلّثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس ، واحدة الطنافس : البسط والثياب والحصير من سعف عرضه ذراع» (1) . قوله في حسنة حكم بن حكيم : (قال : لا بأس) . [ ح 4/4071 ] ظاهره صحّة الصلاة مع تلك الحالة ؛ حيث لم يصبّ الماء .

باب أبوال الدوابّ وأرواثهاأجمع الأصحاب على نجاسة الأبوال والأرواث من الحيوانات التي لايحلّ أكلها ، وعلى طهارتهما من التي يحلّ أكلها ، واستحباب الاجتناب ممّا كره أكله إلّا ما سيحكي . ويدلّ على حكم الأبوال بعض أخبار الباب وغيرها ممّا ذكر في كتب الأخبار ، منها : ما رواه الشيخ عن المعلّى بن خنيس وعبداللّه بن أبييعفور ، قالا : «كُنّا في جنازة وقربنا حمار فبال ، فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا ، فدخلنا على أبيعبداللّه عليه السلام فأخبرناه ، فقال : «ليس عليكم شيء» (2) . وما رواه الصدوق عن أبيالأغرّ النخّاس ، أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام ، فقال : إنّي اُعالج الدوابّ ، فربّما خرجت بالليل وقد بالت وراثت ، فتضرب إحداها بيديها أو برجليها فينضح على ثوبي ؟ فقال : «لا بأس به» (3) . واحتجّ على حكم الأرواث بالإجماع ، ولم أجد خبرا صريحا في نجاستها من غير

.


1- .. القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 227 (طنفس) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 425 ، ح 1351 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 180 ، ح 628 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 410 ، ح 4007 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 70 ، ح 164 ، وهذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ، مع مغايرة في بعض الألفاظ ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 407 ، ح 3995 .

ص: 448

مأكول اللحم إلّا ماورد في العذرة وخرء الكلاب والفأرة ، ويفهم في السنّور ذلك من موثّق أبان ، عن عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب : أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم (1) فلايعيد» (2) . نعم ، ظاهر هذا الخبر إطلاق العذرة على أرواث الحيوانات أيضا ، فلايبعد أن يستدلّ بما يدلّ على نجاسة العذرة من غير تقييد عليها ، كما احتجّ بذلك في المعتبر (3) . واستدلّ لها بما رواه عبداللّه بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد في الصحيح عن عليّ بن رئاب ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الروث يصيب ثوبي وهو رطب ؟ قال : «إن لم تقذره فصلّ فيه» (4) . وفيه نظر . وربّما استدلّ لها بما دلّ على نجاسة الأبوال منها بضميمة عدم القول بالفصل . وفي المدارك : «لايبعد الحكم بطهارة الأرواث ؛ تمسّكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض» (5) . وذهب الشيخ إلى نجاسة أبوال الدوابّ والبغال والحمر (6) ، وهو محكيّ عن ابن الجنيد أيضا (7) ، وهو ظاهر حسنة محمّد بن مسلم (8) ، وموثّقة الحلبي (9) ، ورواية

.


1- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «لايعلم» .
2- .. الكافي ، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلاً ، ح 11 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 359 ، ح 1487 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 180 ، ح 630 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 475 ، ح 4218 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 411 .
4- .. قرب الإسناد ، ص 163 ، ح 597 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 410 ، ح 4009 .
5- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 262 .
6- .. النهاية ، ص 51 .
7- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 413 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 457 .
8- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 264 ؛ ح 771 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 620 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 403 ، ح 3982 ؛ وص 407 ، ح 3998 .
9- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 265 ؛ ح 773 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 621 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 406 ، ح 3994 .

ص: 449

أبيمريم (1) ، وصحيحة عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل يمسّة بعض أبوال البهائم : أيغسل أم لا ؟ قال : «يغسل بول الفرس والحمار والبغل ، فأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (2) . وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن أبوال الخيل والبغال ؟ قال : «اغسل ما أصابك منه» (3) . وخبر عبدالأعلى بن أعين ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن أبوال الحمير والبغال ؟ قال : «اغسل ثوبك» . قال : قلت : فأرواثهما ؟ قال : «هو أكثر من ذلك» (4) . ومضمر سماعة ، قال : سألته عن بول السنّور والكلب والحمار والفرس ؟ فقال : «كأبوال الإنسان» (5) . وحملها الأكثر على الكراهة واستحباب الاجتناب عنها ؛ للجمع . ويؤيّدها خبر زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام (6) . وفي التهذيب : «هذا الخبر يقضي على سائر الأخبار التي تضمّنت الأمر بغسل الثوب من بول هذه الأشياء وروثها ، وأنّ المراد بها ضرب من الكراهة» (7) .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 245 ؛ ح 775 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 178 _ 179 ، ح 623 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 408 ، ح 4001 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 247 ، ح 711 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ح 624 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 409 ، ح 4002 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ح 774 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 622 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 409 ، ح 4004 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ح 776 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ح 625 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 410 ، ح 4006 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 422 ، ح 1336 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 180 ، ح 627 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 406 ، ح 3992 .
6- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 264 ، ح 772 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ح 626 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 408 ، ح 4000 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ذيل ح 772 .

ص: 450

وكأنّه قدس سره ذكر الروث تطفّلاً ، وإلّا فليس في شيء من تلك الأخبار ذكر له . وأمّا ذرق (1) الطيور وأبوالها ، فذهب الصدوق إلى طهارة رجيع الطيور مطلقا اُكل لحمها أو لا (2) ، وهو محكيّ في الذكرى (3) عن ابن أبيعقيل (4) والجعفي ، وهؤلاء لم يتعرّضوا لبولها ، وكأنّه مبنيّ على ما قيل من أنّه لابول لها ، أو على عدم القول بالفصل ، وهو أظهر ؛ فإنّ بعض الأخبار صريح في أنّه يكون لها ، وهذا القول قويّ ؛ لحسنة أبيبصير ، وما رواه الصدوق (5) والشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، أنّه سأله عن الرجل في ثوبه خرء الطير أو غيره ، هل يحكّه وهو في صلاته ؟ قال : «لا بأس» (6) . وعن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى ، عن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، إنّه قال : «لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف (7) » (8) . والظاهر صحّته ؛ لأنّ محمّد بن يحيى هذا هو الخزّاز كما يظهر من الفهرست ، حيث قال في ترجمة غياث بن إبراهيم : «يروي عنه محمّد بن يحيى الخزّاز» (9) . واحتمل أن يكون هو الخثعمي ، وعلى التقديرين يكون ثقة (10) .

.


1- .. الذرق والزرق : السلح ، وسلح سلحا : تغوّط ، وهو خاصّ بالطير والبهائم . راجع : كتاب العين ، ج 5 ، ص 133 (ذرق) .
2- .. الفقيه ،ج 1 ، ص 71 ، ذيل ح 164 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 110 .
4- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 456 .
5- .. بعده في نسخة «أ» بياض بقدر سطرين ، لكنّه متّصل في نسخة «ج» بالكلمة التالية ، والظاهر عدم سقط شيء .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 253 _254 ، ح 776 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 284 ، ح 1353 . وأمّا الشيخ فرواه في الاستبصار ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1542 ، وليس فيه مسألة الخرء .
7- .. الخشاشيف : جمع الخُشّاف ، وهو الخفّاش . اُنظر : مجمع البحرين ، ح 5 ، ص 46 (خشف) .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 266 ، ح 778 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 188 ، ح 659 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 426 ، ح 4019 .
9- .. الفهرست ، ص 196 ، الرقم 560 .
10- .. اُنظر : رجال النجاشي ، ص 359 ، الرقم 963 و964 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 262 ، الرقم 120 ؛ رجال ابن داود ، ص 186 ، الرقم 1531 ؛ الرعاية للشهيد الثاني ، ص 371 .

ص: 451

وأمّا غياث ، فقد وثّقه النجاشي (1) والعلّامة في الخلاصة (2) . وما ذكر في المنتهى من «أنّه بتري» (3) مأخوذ ممّا نقله الكشّي عن حمدويه ، عن بعض أشياخه ، ولايعتدّ به لجهالته ، ولم أجد معارضا لهذه الأخبار إلّا ما روي في الخشّاف والدجاج ، فقد روي في الاستبصار عن يحيى بن عمر ، عن داوود الرقّي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي ، فأطلبه ولا أجده ؟ قال : «اغسل ثوبك» (4) . وروى فارس ، قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج : تجوز الصلاة فيه ؟ قال : «لا» (5) . والأوّل مع جهالة يحيى بن عمر ، يحتمل الندب ؛ للجمع بينه وبين ما ذكر من خبر غياث ، ولولا ذلك للزم الحرج ؛ لأنّ مسكنه المساجد غالبا ، ولعلّ السرّ في هذا الفرق أنّ الخفّاش تحيض وتلد كنساء الآدميين ، فينبغي الاجتناب عن بولها ورجيعها . والثاني معارض بما رواه وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «لابأس بخرء الدجاج والحمام» (6) . على أنّه مع إضماره ، ضعيف جدّا ؛ لأنّ فارسا _ وهو ابن حاتم القزويني _ كان

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 305 ، الرقم 833 .
2- .. الخلاصة ، ص 385 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 126 ؛ وأيضا قال به في الخلاصة ، وهذه النسبة مذكورة في رجال الشيخ الطوسي ، ص 142 ، الرقم 1542 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ح 777 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 188 ، ح 658 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4018 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 782 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 619 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4017 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 831 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 177 ، ح 618 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4016 .

ص: 452

مذموما كثيرا غاليا ، _ على ما صرّح به بعض أرباب الرجال _ ، وكان ملعونا على لسان الإمام الهمام عليّ بن محمّد العسكري ، مقتولاً بأمره عليه السلام ، على ما رواه الشيخ أبوعمرو الكشّي بإسناده عن سعد بن عبداللّه بن أبيخلف القمّي ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، أنّ أبا الحسن العسكري أمر بقتل فارس بن حاتم القزويني ، وضمن لمن قتله الجنّة ، فقتله جُنيد ، وكان فارس فتّانا يفتن الناس ويدعو إلى البدعة ، فخرج من أبيالحسن عليه السلام : «هذا فارس لعنه اللّه » إلى قوله : «دمه هدر لكلّ من قتله ، فمن هذا الذي يريحنيمنه ويقتله وأنا ضامن له على اللّه الجنّة» . قال سعد : وحدّثني جماعة من أصحابنا من العراقيين وغيرهم بهذا الحديث عن جُنَيد ، ثمّ سمعته بعد ذلك من جنيد ، قال : أرسل إلَيّ أبوالحسن العسكري يأمرني بقتل فارس القزويني _ لعنه اللّه _ ، فقلت لاُختي : اسمعه منه ، يقول لي ذلك يشافهني به . قال : فبعث إليّ فدعاني ، فصرت إليه فقال : «آمرك بقتل فارس بن حاتم» . فناولني دراهم من عنده وقال : «اشتر بهذه سلاحا واعرضه علَيّ» . فاشتريت سيفا ، فعرضته عليه ، فقال : «رُدّ هذا وخذ غيره» . قال : فرددته وأخذت مكانه ساطورا ، فعرضته عليه ، فقال : «هذا نعم» . فجئت إلى فارس وقد خرج من المسجد بين الصلاتين : المغرب والعشاء ، فضربته على رأسه فصرعته ، وثنّيت عليه ، فسقط ميّتا ووقعت الصيحة (1) ، ورميت الساطور بين يدي ، واجتمع الناس واُخذت ؛ إذ لم يوجد هناك أحد غيري ، فلم يروا معي سلاحا ولا سكّينا ، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئا ، ولم يروا أثر الساطور بعد ذلك (2) . وعن الفضل بن شاذان ، أنّه ذكر في بعض كتبه : «أنّ من الكذّابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني» (3) .

.


1- .. في المصدر : «الضجّة».
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 807 _ 808 ، الرقم 1006 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 807 ، ذيل الرقم 1005 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 388 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 471 ، الرقم 341 .

ص: 453

باب الثوب يصيبه الدم والمدّة

وقال [ ابن ]الغضائري : «فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني ، فسد مذهبه ، وقتله بعض أصحاب أبيمحمّد عليه السلام بالعسكر ، لايلتفت إلى حديثه ، وله كتب كلّها تخليط» (1) . ثمّ إنّه يحتمل تخصيص الدجاج فيه بالجلاّل كما حمله عليه الأكثر؛ لنجاسته. وفصّل الشيخ في المبسوط بين الخفّاش وغيره ، فقال : «بول الطيور وذرقها كلّها طاهر إلّا الخشّاف» (2) ؛ لما ذكر إطراحا لخبر غياث . وفي كتابَي الأخبار (3) والخلاف (4) والنهاية (5) بين مأكول اللحم منها وغيره ؛ حملاً لها على الحيوانات ، وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين ، وهو قياس بحث غير جائز اتّفاقا ، لاسيّمامع معارضة أخبار متعدّدة قد سبقت . وأفتى في النهاية بنجاسة (6) ذرق الدجاج مطلقا وإن حلّ أكله (7) ، وإليه ذهب المفيد أيضا في المقنعة (8) ؛ لخبر فارس ، وقد عرفت حاله ، وتدبّر في المقام ، فإنّه حقيق به .

باب الثوب يصيبه الدم والمدّةأجمع العلماء على نجاسة الدم المسفوح ، ويدلّ عليها قوله تعالى : «قُل لَا أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا [ أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ] فَإِنَّهُ رِجْسٌ » (9) ، وأخبار متكثّرة من الطريقين .

.


1- .. النهاية ، ص 51 .
2- .. رجال ابن الغضائري ، ص 85 ، الرقم 111 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 39 ، ولفظه هكذا : «بول الخشّاف طاهر ، وبول الطاهر كلّها وذرقها طاهر» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 247 ، ذيل ح 711 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ذيل ح 625 .
5- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 458 ، المسألة 230 .
6- .. هذا هو الظاهر ، وفي النسخ : «بنهاية».
7- .. النهاية ، ص 51 ، باب تطهير الثياب من النجاسات . ومثله في مصباح المتهجّد ، ص 14 ، فصل في وجوب إزالة النجاسة ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 171 ) ؛ والخلاف ، ج 1 ، ص 485 ، المسألة 230 .
8- .. المقنعة ، ص 68 و 71 . ونقل محقّقه في الهامش عن بعض النسخ : «الدجاج الجلاّلة» .
9- .. الأنعام (6) : 145 .

ص: 454

وعلى وجوب إزالته عن الثوب والبدن للصلاة ؛ لقوله تعالى : «وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ » (1) ، ولأخبار متكثّرة ، منها بعض أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لايعلم ، فلا إعادة عليه ، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فعليه الإعادة» (2) . واستثنوا من هذا الحكم دمين فحكموا بالعفو عنهما : أحدهما دم القروح والجروح ، ويدلّ عليه في الجملة بعض أخبار الباب ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل يخرج به القروح فلاتزال تدمى : كيف يصلّي ؟ فقال : «يصلّي وإن كانت الدم تسيل» (3) . وصحيحة عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الجرح يكون في مكانه لايقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح ، فيصيب ثوبي ، فقال : «دعه فلايضرّك أن لاتغسله» (4) . وصحيحة ليث المرادي ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الرجل تكون به الدماميل والقروح ، فجلده وثيابه مملوء دما وقيحا ، فقال : «يصلّي في ثيابه ولايغسلها ولا شيء عليه» (5) . وموثّقة سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان بالإنسان جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلايغسله حتّى يبرأ [ وينقطع الدم ]» (6) .

.


1- .. المدّثّر (74) : 4 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 254 ، ح 737 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 182 ، ح 637 ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 476 ، ح 4220 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 348 _ 349 ، ح 1025 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 177 ، ح 1615 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 265 ، ح 689 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 259 ، ح 751 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 435 ، ح 4086 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 258 ، ح 750 ؛ وص 345 ، ح 1029 ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 434 ، ح 4085 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 259 ، ح 752 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 435 ، ح 4087 .

ص: 455

واعتبر المحقّق في المعتبر (1) سيلان الدم في جميع الوقت أو تعاقب الجريان (2) على وجه لاتتّسع فتراتها لأداء الفريضة ؛ لمفهوم موثّق عمّار المتقدّم ، وهو ضعيف ؛ لضعف دلالة المفهوم ، على أنّ الظاهر أنّ توصيف الجرح بالسائل فيه لبيان التعدّي على ما يقتضيه الفاء التعقيبيّة على وفق الصحيحتين الأوّلتين. واعتبر في الشرائع مشقّة التحرّز أيضا (3) ، واستقرب العلّامة في المنتهى وجوب إبدال الثوب مع الإمكان ، واختار وجوبه مع التعدّي (4) ، وكأنّهما تمسّكا بالاحتياط . ففيه : أنّ الاحتياط ليس دليلاً شرعيا على الأحكام ، نعم هو وجيه في العمل ، فتأمّل . وثانيهما : ما دون الدرهم من غير الدماء الثلاث ، فعليه إجماع الأصحاب ، وفاقا لأكثر العامّة (5) ، ويدلّ عليه بعض أخبار الباب ، وصحيحة عبداللّه بن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : ما لرجل يكون في ثوبه نقط الدم لايعلم به ثمّ يعلم فنسي أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعد ما صلّى ، أيعيد صلاته ؟ قال : «يغسله ولايعيد صلاته ، إلّا أن يكون بمقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة» (6) . وخبر جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيجعفر وأبيعبداللّه عليهماالسلام ، أنّهما قالا : «لابأس بأن يصلّي الرجل في ثوب فيه الدم متفرّقا شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلابأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» (7) . وأجمع أهل العلم على عدم العفو عمّا زاد على الدرهم ، يستفاد ذلك ممّا ذكر ، وهل

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 429 .
2- .. المثبت هو الظاهر ، وفي النسخ : «الجريات» .
3- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 43 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 248 . ومثله في نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 286 _ 287 .
5- .. اُنظر : مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 210 ؛ حاشية الدسوقي ، ج 1 ، ص 72 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 740 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 611 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 429 _ 430 ، ح 4071 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 256 ، ح 742 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 612 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 430 ، ح 4074 .

ص: 456

يعفى عن مقدار الدرهم ؟ فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخان (1) والصدوقان (2) وابن إدريس (3) عدمه ، وهو صريح صحيح ابن أبييعفور ، والمفهوم من باقي الأخبار المذكورة ، ويؤيّده أصالة وجوب إزالته الثابت بقوله تعالى : «وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ » (4) ، وما ذكر من الأدلّة ، وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» (5) . ومنهم من حكم بالعفو عنه أيضا ؛ مستدلّاً بخبر إسماعيل الجعفي ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : في الدم يكون في الثوب : «إن كان أقلّ من الدرهم فلايعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان يراه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلايعيد الصلاة» (6) . والجواب عنه : أنّه إنّما يدلّ عليه قوله عليه السلام : «وإن كان أكثر من قدر الدرهم» إلخ ، وهو معارض بمفهوم قوله عليه السلام : «إن كان أقلّ من الدرهم» إلخ ، وبمنطوق ما تقدّم . وربّما استدلّ له بحسن محمّد بن مسلم (7) ؛ بناء على أنّ ذلك إشارة إلى ما زاد على

.


1- .. المدّثّر (74) : 4 .
2- .. المقنعة ، ص 69 ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 477 ، وجوب إزالة النجاسات عن الثوب والبدن ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 36 _ 37 ؛ النهاية ، ص 52 .
3- .. فقه الرضا عليه السلام ، ص 95 ؛ الهداية ، ص 72 ؛
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 177 _ 178 .
5- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 404 ، باب ما يجب غسله من الدم ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 227 ، ح 1232 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 385 ، ح 1479 ؛ الضعفاء للعقيلي ، ج 2 ، ص 56 ، ترجمة روح بن غطيف الجزري (491) ؛ الكامل لابن عديّ ، ج 3 ، ص 138 ، ترجمة روح ؛ المجروحين لابن حبّان ، ج 1 ، ص 298 ، ترجمة رشيد بن معبد الهجري .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 739 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 175 ، ح 610 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 430 ، ح 4072 .
7- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصادر الفقهيّة كمدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 312 . وفي النسخ : «محمّد بن إسماعيل» ، ولم أجد له رواية ترتبط بالموضوع ، وحديث محمّد بن مسلم هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 249 ، ح 757 ؛ والشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 254 ، ح 736 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 175 ، ح 609 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 431 ، ح 4076 .

ص: 457

مقدار الدرهم ، وهو مع إضماره يحتمل أن تكون الإشارة إلى مقدار الدرهم ، فيجري فيه ما يجري في الخبر الأوّل . وحكى في المدارك (1) هذا القول عن السلّار (2) ، وعن السيّد في الانتصار ، وكلامه فيه غير صريح فيه ، بل ظاهر في القول الأوّل ؛ حيث قال : وممّا تفرّد به الإماميّة القول بأنّ الدم الذي ليس بدم حيض تجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي ، وهو المضروب من درهم وثلث ، وما زاد على ذلك لاتجوز الصلاة فيه . _ إلى قوله _ : وروي عن الحسن بن صالح بن حيّ أنّه كان يقول في الدم : «إذا كان على الثوب مقدار الدرهم يعيد الصلاة ، وإن كان أقلّ من ذلك لم يعد» ، وكان يوجب الإعادة في البول والغائط قليلها وكثيرها ، وهذا مضاهٍ لقول الإماميّة (3) . هذا ، وقد سبق أقوال العامّة في ذلك نقلاً عن الانتصار في ذيل باب البول يصيب الثوب والجسد . وهل يعفى عن مقدار الدرهم وما زاد في شبه النضح إذا كان كلّ من الدماء المتفرّقة أقلّ منه ، أم لا ؟ ذهب إلى كلٍّ فريقٌ ، ومبنى الخلاف على أنّ قوله عليه السلام في مرسلة جميل المتقدّمة : «مجتمعا» خبر «لكان» ، و«قدر الدرهم» منصوب بنزع الخافض ، أو حال عن «قدر الدرهم» وهو خبر ل_ «كان» ، والأظهر الأوّل . وربّما اعتبر التفاحش ، وإليه ذهب الشيخ في النهاية حيث قال : «لايجب إزالته ما لم يتفاحش» (4) ، ومنقول عن ابن حمزة (5) ، والتفاحش مرجعه إلى العرف .

.


1- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 312 .
2- .. المراسم ، ص 55 .
3- .. الانتصار ، ص 93 _ 94 ، الدم المعفوّ عنه في الصلاة .
4- .. المبسوط ، ص 51 _ 52 ، ولفظه : «لايجب إزالته إلّا أن يتفاحش ويكثر» . والتفاحش هنا بمعنى الزيادة والكثرة ، اُنظر : لسان العرب ، ج 10 ، ص 192 (فحش) .
5- .. اُنظر: الوسيلة لابن حمزة ، ص 77 ؛ فإنّه لم يعتبر التفاحش .

ص: 458

وحكي عن أحمد ومالك (1) أنّهما اعتبرا في مطلق الدم المعفوّ عنه التفاحش ، إلّا أنّهما اختلفا في التفاحش ، فعن أحمد في رواية أنّه شبر في شبر (2) ، وفي اُخرى : إنّه قدر الكفّ (3) ، وعن مالك : أنّه نصف الثوب (4) . واحتجّا بأنّ الشارع لم يقدّر القدر المعفوّ عنه ، فوجب المصير إلى المعتاد . والجواب المنع من عدم التقدير ؛ لوروده من طريقهم أيضا كما عرفت ، ثمّ منع كون المعتاد ما ذكراه . واستثنى الأصحاب من الدم المعفوّ دم الحيض (5) ؛ لما رواه الشيخ عن أبيبصير ، قال : «لاتعاد الصلاة من دم لم تبصره إلّا دم الحيض فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء» (6) . ويؤيّده إطلاق ما روي من طريق الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال لأسماء [ بنت أبيبكر ، قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ] عن دم الحيض يكون في الثوب ؟ [ فقال : ]«اقرضيه ثمّ اغسليه بالماء» (7) . وألحقوا به دم النفاس (8) ؛ لكونه حيضا في الحقيقة . وألحق الأكثر به دم الاستحاضة أيضا (9) ؛ معلّلين باشتراكهما في غلظة النجاسة ،

.


1- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 18 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 136 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 726 .
3- .. المغني ، ج 1 ، ص 726 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 136 .
5- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 428 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 245 .
6- .. الكافي ، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلاً ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 257 ، ح 745 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 432 ، ح 4079 .
7- .. أحكام القرآن لابن العربي ، ج 3 ، ص 441 ؛ سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ، ص 206 ، ح 629 ولفظه : «سنن الدارمي ،ج 1 ، ص 239 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 90 ، ح 361 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 155 و195 ، مع مغايرة لفظيّة في بعضها .
8- .. اُنظر : الجامع للشرائع ، ص 23 ؛ المراسم ، ص 55 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 35 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 14 ؛ الوسيلة ، ص 77 ؛ غنية النزوع ، ص 41 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 79 و176 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 473 ؛ منتهى المطلب ، ع 3 ، ص 245 .
9- .. اُنظر المصادر المتقدّمة .

ص: 459

وبأصالة عدم العفو . والأوّل ممنوع ، والثاني معارض بإطلاق أدلّة العفو . وحكى في المنتهى عن القطب الراوندي أنّه ألحق به دم الكلب والخنزير أيضا (1) ؛ محتجّا بقول الصادق عليه السلام في صحيحة أبيالفضل العباّس : «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسحه جافّا فاصبب عليه [ الماء ]» . (وقال أبوالفضل) (2) : قلت : لِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بقتلها (3) » (4) . وقال : وجه الاستدلال أنّه إذا كان حال رطوبته كذلك فحال دمه أبلغ ، وبأنّ العفو عمّا دون الدرهم إنّما هو لعسر الإزالة وهو إنّما يحصل بدم الإنسان نفسه ؛ لعدم انفكاكه منه غالبا ، فوجوب إزالته مطلقا موجب للحرج ، وليس كذلك دم الكلب والخنزير . واُجيب عن الأوّل بالفرق بين الرطوبة والدم وقد عفي عمّا دون الدرهم من الدم ولم يعف عن ذلك المقدار ممّا أخفّ نجاسة منه . وعن الثاني بمنع التعليل ، بل المعتبر نفس الدم من ذي النفس ، على أنّه يلزم منه اختصاص العفو بدم الإنسان دم نفسه، وهو باطل بالضرورة، ورجّحه فيه (5) . وفي المختلف : «بل رجّح إلحاق دم الكافر أيضا به» ؛ محتجّا بأنّ المعفوّ عنه إنّما هو نجاسة الدم ، والدم الخارج من الكلب وأخويه تتضاعف نجاسته بملاقاة أجسامها ؛ فإنّ لأجسامها نجاسة اُخرى غير نجاسة الدم ، وتلك لم يعف عنها (6) . وهذا التعليل غير عليل في نفسه ، لكن يدفعه إطلاق الدم في الأخبار .

.


1- .. حكاه عنه أيضا ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 177 .
2- .. ليس في المصادر.
3- .. في الأصل : «بقتله» ، والتصويب من المصدر .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 759 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 225 ، ح 571 صدره ؛ وج 3 ، ص 414 _ 415 ، ح 4025 بتمامه .
5- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 254 _ 255 ، مع مغايرة في بعض الألفاظ .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 476 .

ص: 460

وأمّا غير المسفوح أعني الدم ممّا لانفس له سائلة ، فهو طاهر إجماعا منّا (1) وفاقا لأكثر العامّة ، منهم أبوحنيفة (2) . وللشافعي وأحمد في الحوت قولان (3) . وقال مالك : «في دم البراغيث إذا تفاحش غسل ، وإلّا فلا» (4) . لنا صحيحة ابن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : ما تقول في دم البراغيث ؟ فقال : «ليس به بأس» . قال : قلت : إنّه يكثر ؟ قال : «وإن كثر» (5) . وقول الصادق عليه السلام في خبر السكوني : «أنّ عليّا عليه السلام كان لايرى بأسا بدم ما لايذكّى يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل» ، يعني دم السمك (6) . ورواية الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب ، هل يمنعه من ذلك في الصلاة ؟ قال : «لا وإن كثر» (7) . وخبر محمّد بن الريّان ، قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام : هل يجري دم البقّ عليه مجرى دم البراغيث ، ويجوز لأحد أن يقيس بدم البقّ على دم البراغيث فيصلّي فيه ؟ وأن يقيس عليه نحو هذا فيعمل به ؟ فوقّع عليه السلام : «تجوز الصلاة فيه ، والطهر منه أفضل» (8) .

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 56 .
2- .. المغني ، ج 1 ، ص 727 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 557 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 105 .
3- .. اُنظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 68 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 557 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 61 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 727 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 727 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 740 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 611 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 435 _ 436 ، ح 4089 .
6- .. هذا هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 260 ، ح 755 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 436 ، ح 4090 .
7- .. هذا هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 259 ، ح 753 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 431 ، ح 4077 .
8- .. هذا هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 260 ، ح 754 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 436 ، ح 4091 .

ص: 461

واستدلّ أيضا له بقوله تعالى : «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ » (1) ، بناء على أنّ إطلاق التحليل يقتضي إباحته من جميع الوجوه ، وذلك يستلزم طهارة الدم . وفي حكم الدم الغير المسفوح الدم المتخلّف في المذكّى ممّا لايقذفه ؛ لأنّه ليس بمسفوح ، والظاهر وفاق أهل العلم على طهارته . تنبيه : اختلف عبارات الأصحاب في تحديد الدرهم ، والظاهر أنّه الذي كان معهودا في عهدهم عليهم السلام ، وهو المضروب على نصف مثقال صيرفي وربع عشر منه . وفي الانتصار (2) والفقيه (3) أنّ المراد به الدرهم الوافي الذي وزنه درهم وثلث . ونحوه في المقنعة (4) . وعن ابن الجنيد : «أنّه ما كان سعته سعة العقد الأعلى من الإبهام» (5) . وقال المحقّق في المعتبر : «والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ، ويسمّى البغليّ نسبةً إلى قرية بالجامعين (6) » (7) ، وضبطها المتأخّرون بفتح الغين وتشديد اللام . ونقل عن ابن إدريس أنّه شاهد هذا الدرهم المنسوب إلى تلك القرية ، وقال : «إنّ سعتها تقرب من أخمص الراحة» (8) ، وهو ما انخفض من الكفّ . ونقل الشهيد في الذكرى عن ابن دريد ، أنّه قال : «الدرهم الوافي هو البغلي _ بإسكان الغين _ منسوب إلى رأس البغل ، ضربه الثاني في خلافته بسكّة كسرويّة ، وزنه ثمانية دوانيق» .

.


1- .. المائدة (5) : 96 .
2- .. الانتصار ، ص 93 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 72 ، ذيل ح 165 .
4- .. المقنعة ، ص 69 .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 430 .
6- .. الجامعين : هو حلّة المزيديّة التي بأرض باب على الفرات بين بغداد والكوفة . معجم البلدان ، ج 2 ، ص 96 .
7- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 429 _ 430 .
8- .. السرائر ، ج 1 ، ص 177 ، في الدم المعفوّ عنه في الصلاة .

ص: 462

باب الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره

وقال : إنّ البغليّة كانت تسمّى قبل الإسلام الكسرويّة ، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام [ والوزن بحاله ] ، وجرت في المعاملة مع الطبريّة وهي أربعة دوانيق ، فلمّا كان زمن عبدالملك جمع بينهما واتّخذ الدرهم عنهما ، واستقرّ أمر الإسلام على ستّة دوانيق» . انتهى (1) . وقد ورد في بعض الأخبار اعتبار قدر الحمّصة ، رواه مثنّى بن عبدالسلام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : إنّي حككت جلدي فخرج منه دم ؟ فقال: «إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله ، وإلّا فلا» (2) . وحمل على قدرها وزنا ، وهو يقرب من سعة الدرهم . وأمّا المِدَّة ، وهو ما اجتمع في الجرح من القيح (3) ، فإن اشتملت على الدم فنجسة ، معفوّ عنها ما دام الجرح باقيا وإن زاد الدم الذي معهاعن قدر الدرهم ، كما مرّ ، وهل يعفى عنها بعد اندمال الجرح إذا كان الدم الذي فيها أقلّ من الدرهم ؟ فإطلاق الأدلّة يشمله . وربّما استشكل ذلك لاشتمالها على قيح تنجّس بذلك ا لدم ، وهو غير معفوّ عنه ، فتأمّل .

باب الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره ممّا يكره أن يمسّ شيء منهأراد قدس سره بغير الكلب أخويه من الكافر والخنزير ، وبالكراهة الحرمة ؛ على ما هو المشهور بين الأصحاب من انحصار النجس من الحيوانات في هذه الثلاثة ؛ لأصالة

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 136 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 742 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 613 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 431 ، ح 4075 .
3- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 537 (مدد).

ص: 463

الطهارة ، وعدم دليل يعتدّ به على نجاسة غيرها . وحكى في المختلف (1) عن الشيخ أنّه قال في كتاب البيوع [ من الخلاف ] : «يحرم بيع القرد» ؛ معلّلاً بأنّه «مسوخ نجس» (2) . ونقله عن السلّار (3) وابن حمزة (4) في مطلق المسوخ ، وردّه بمنع تحريم بيع المسوخ ، ثمّ منع كون العلّة النجاسة ، وبأنّ الفيل أحد أنواع المسوخ ، فلو كانت المسوخ نجسا لكان عظمه نجسا كعظم الكلب ، والتالي باطل ؛ لما رواه عبدالحميد بن سعيد ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل ، يحلّ بيعه وشراؤه الذي يجعل منه الأمشاط ؟ فقال : «لا بأس ؛ قد كان لأبيمشط _ أو أمشاط _ » (5) . وفي المقنعة حكم بنجاسة الفأرة والوزغة حيث قال : «يرشّ الموضع الذي مسّاه من الثوب إذا لم يؤثّرا فيه ، وإن رطّباه وأثّرا فيه غسل بالماء» (6) . وفي النهاية (7) والمبسوط (8) نجاستهما ونجاسة الثعلب والإرنب أيضا ، وكأنّهما تمسّكا في الفأرة بصحيحة عليّ (9) بن جعفر ، وفي الوزغة بما دلّ على نزح البئر إذا ماتت فيه (10) ؛ بناء على أنّها ممّا لانفس لها ، فلو لم تكن نجسة حيّة لما وجب النزح لميّتها .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 466 .
2- .. الخلاف ، ج 3 ، ص 183 _ 184 ، المسألة 306 .
3- .. المراسم ، ص 172 ، والموجود فيه الحكم بحرمة البيع لا النجاسة .
4- .. الوسيلة ، ص 73 ، فصل في بيان أحكام المياه .
5- .. الكافى¨ ، كتاب المعيشة ، باب فيما يحلّ الشراء أو البيع منه وما لايحلّ ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 373 ، ح 1083 ؛ وج 7 ، ص 133 ، ح 585 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 171 ، ح 22274 .
6- .. المقنعة ، ص 70 .
7- .. النهاية ، ص 52 .
8- .. المبسوط ، ح 1 ، ص 37 ، كيفيّة تطير الثياب والأبدان من النجاسات .
9- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 _ 262 ، ح 761 ؛ وج 2 ، ص 366 ، ح 1522 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 460 ، ح 4176 .
10- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 688 ؛ وص 245 ، ح 706 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 و107 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ح 477 .

ص: 464

وتمسّك الشيخ في الثعلب والإرنب بمرسلة يونس بن عبدالرحمان (1) ، وهي محمولة على الاستحباب (2) . وفي خصوص الوزغة على التعبّد ، أو لتوهّم السمّيّة أيضا . وأمّا الأصناف الثلاثة ، فقد أجمع الأصحاب على نجاستها إذا كان الكافر من غير أهل الكتاب ؛ محتجّين في ذلك الكافر بقوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (3) ، فقد بالغ سبحانه في نجاستهم حيث حصرهم عليها ، فيدلّ على أنّ نجاستهم عينيّة . وفي كنزالعرفان (4) : وبه قال ابن عبّاس ، قال : «إنّ أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير» (5) ، وقال الحسن : «من صافح مشركا توضّأ» (6) ، والوضوء قد يطلق على غسل اليد ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا : معنى كونهم نجسا أنّهم لايغتسلون من النجاسات ولايجتنبونها ، أو كناية عن خبث اعتقادهم . إلى قوله : «وروايات أهل البيت وإجماعهم عليهم السلام على نجاستهم مشهورة» (7) . وأمّا أهل الكتاب ، ففد اختلفت الأدلّة في نجاستهم ، والذي يظهر من الجمع بينها أنّ نجاستهم عارضيّة ؛ لعدم تحرّزهم عن النجاسات العينيّة ، وقد سبق القول فيهم في بحث الأسآر .

.


1- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 262 ، ح 763 ؛ وص 277 ، ح 816 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 300 ، ح 3705 .
2- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 67 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 133 .
3- .. التوبة (9) : 28 .
4- .. كنز العرفان في فقه القرآن ، للشيخ مقداد بن عبداللّه السيوري الأسدي الحلّي ، المعروف بالفاضل المقداد ، وتقدّمت ترجمته .
5- .. الكشّاف ، ج 2 ، ص 183 ، في تفسير سورة التوبة ؛ التفسيرالكبير للفخر الرازي ، ج 16 ، ص 24 ؛ جوامع الجامع للطبرسي ، ج 2 ، ص 57 ؛ زبدة البيان ، ص 38 .
6- .. المصادر المتقدّمة .
7- .. اُنظر : مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 272 (نجس) .

ص: 465

واحتجّ في الذكرى على نجاسة الخنزير بالإجماع ، وبالآية (1) ، وفيه آيات إنّما تدلّ على تحريم لحمه ، ففي سورة البقرة : «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ » (2) ، وفيسورة الأنعام : «قُل لَا أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ » (3) ، والظاهر أنّ الضمير عائد إلى لحم الخنزير لا إليه نفسه . وفي سورة النحل : «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ » (4) ، بل تخصيص لحمه بالذكر يشعر بعدم نجاسة غيره من أجزائه . ويدلّ بعض الأخبار على طهارة جلده وشعره ، روى الشيخ قدس سره في نوادر الطهارة من التهذيب في باب المياه وأحكامها في الصحيح عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، أيتوضّأ من ذلك الماء ؟ قال : «لا بأس » (5) . وعن أبيزياد النهدي ، عن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء ؟ قال : «لا بأس» (6) . وهو قويّ في الشعر ؛ لكونه ممّا لاتحلّه الحياة ، ولايكون جزء من الحيوان إلّا ما أحلّته الحياة ، وإليه ذهب السيّد المرتضي (7) ، وهو ظاهر الصدوق (8) . وأمّا الجلد منه ، فلم يصرّح أحد بطهارته ، نعم هو ظاهر الصدوق ؛ حيث قال في

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 113 .
2- .. البقرة (2) : 173 .
3- .. الأنعام (6) : 145 .
4- .. النحل (16) : 115 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1289 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، ص 6 _ 7 ، ح 10 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 413 ، ح 1301 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 10 _ 11 ، ح 14 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 175 ، ح 437 .
7- .. الناصريّات ، ص 101 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ذيل ح 13 .

ص: 466

الفقيه بعد ما أفتى بجواز الاستقاء بحبل اتّخذ من شعر الخنزير : وسئل الصادق عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء ، فقال : «لا بأس» (1) . وقد ذكر في صدر الكتاب أنّه إنّما يذكر فيه ما يفتي به ويعمل عليه . وقد حمل الخبران في المشهور على نزح الماء للدوابّ والزراعة ونحوهما ، مع ضعف الثاني بجهالة أبيزياد ، والتخصيص من غير مخصّص يعتدّ به . وضعف الثاني منجبر بالأصل . وأمّا الكلب ، فقد اشتهر بين الأصحاب نجاسته مطلقا وإن كان من الكلاب الأربعة : كلاب الصيد ، والحائط ، والزرع ، والماشية ، واشتهر أيضا وجوب غسل ما مسّه برطوبة ، واستحباب رشّ ما مسّه إذا كان المسّ بيبوسة ؛ لمرسلة محمّد _ وهو ابن مسلم _ (2) ، وصحيحة عليّ بن جعفر (3) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل بن عبدالملك ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسّه جافّا فاصبب عليه الماء» . قلت : لِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بقتلها» (4) . وقد نسب المحقّق في المعتبر ذلك الاستحباب إلى علمائنا أجمع (5) ، وظاهرالمفيد في المقنعة وجوبه ؛ حيث قال : «وإذا مسّ ثوب الإنسان كلب أو خنزير وكانا يابسين فليرشّ موضع مسّهما بالماء» (6) .

.


1- .. المقنعة ، ص 70 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ح 14 .
3- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 23 ، ح 61 ؛ وص 260 _ 261 ، ح 758 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 90 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 275 ، ح 722 ؛ وج 3 ، ص 415 ، ح 4028 .
4- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 760 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 417 ، ح 4036 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 759 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 225 ، ح 571 صدره ؛ وج 3 ، ص 414 _ 415 ، ح 4025 بتمامه .
6- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 439 _ 440 .

ص: 467

وصرّح به الشيخ في النهاية (1) ، وهو محكيّ عن ابن الجنيد ، آخذين بظاهر الأمر في الأخبار الذي لا معارض له . وفرّق الصدوق بين كلب الصيد وغيره ، فقال في الفقيه (2) : «من أصاب ثوبه كلب جافّ ولم يكن كلب صيد فعليه أن يرششه بالماء ، وإن كان رطبا فعليه أن يغسله ، وإن كان كلب صيد وكان جافّا فليس عليه شيء ، وإن كان رطبا فعليه أن يرشّه (3) بالماء» (4) . وكأنّه تمسّك فيه بإطلاق قوله تعالى : «فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (5) ، وبإطلاق الأخبار الواردة في ذلك ، وتأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وقال جدّي من اُمّي قدس سره في شرحه : يمكن أن يكون وصل إليه خبر لم يصل إلينا ، وإطلاق الأخبار والفتاوى يقتضي شمول الحكمين لمماسّة ما لاتحلّه الحياة منه ، وهو واضح على المشهور ، وأمّا على ما ذهب إليه السيّد من طهارة ذلك ، فكأنّه يخصّص العضو المماسّ ممّا تحلّه الحياة منه ، ولم ينقل عنه نصّ في ذلك ، والظاهر اختصاص استحباب الرشّ مع الملاقاة باليبوسة بما إذا كان الملاقي الثوب ، وعدم جريان الحكم في الجسد ؛ لانتفاء الدليل فيه ؛ لاختصاص الثوب بالذكر في أخباره ، وبطلان القياس عندنا ، وهو ظاهر الأكثر منهم العلّامة في القواعد (6) ، وذهب في التحرير (7) إلى وجوب مسح الجسد بالتراب ، وبه قال جماعة منهم المفيد في المقنعة (8) ، والشيخ في المبسوط (9) والنهاية (10) ، ولم أجد لهم مستندا» .

.


1- .. النهاية ، ص 52 .
2- .. في الهامش : «في باب ما ينجس الثوب : الجسد، منه عفي عنه».
3- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «يرشّشه» .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 73 ، ذيل ح 167 .
5- .. المائدة (5) : 4 .
6- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 _ 194 .
7- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 161 ، المسألة 522 .
8- .. المقنعة ، ص 71 .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 37 .
10- .. النهاية ، ص 53 .

ص: 468

وحكى _ طاب ثراه _ نجاسة الكلب عن أبيحنيفة (1) والشافعي (2) ، وحكى عن بعضهم طهارة الكلاب الأربعة ، فقد قاسوا طهارتها بجواز بيعها ، وهو كماترى . وعن بعضهم طهارته مطلقا . وأمّا كلب الماء ، فقد اختلف فيه ، والظاهر طهارته ؛ للأصل ، وعدم دليل على نجاسته ، والمتبادر من الكلب في الأخبار كلب البرّ . هذا حكم الأحياء . وأمّا الميّتات ، فالميّت الآدمي له حالات : اُولاها : قبل البرد ، وهو على المشهور طاهر لايوجب غُسل من مسّه ولا غَسل ما يلاقيه . ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «من مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس» (3) . وغيرها ممّا يأتي في محلّه . وظاهر الشيخ في المبسوط وجوب غسل اليد الماسّة ؛ حيث قال : «وإن مسّه قبل برده لم يلزمه الغُسل ويغسل يده» (4) . وثانيتها : بعد البرد وقبل الغسل ، وهو نجس إجماعا ، وادّعى في المعتبر إجماع علمائنا على أنّ نجاسته عينيّة (5) ، وأراد بالعينيّة مقابل الحكميّة ، بمعنى أنّه يتعدّى ؛ بلامسه لا أنّه نجس العين كالدم وسائر النجاسات التي تسمّى عينيّة ، حتّى لاتكون قابله للتطهير . والعلّامة في القواعد حكم بتعدّي نجاسته مطلقا ولو مع اليبوسة (6) ، وهو ظاهر

.


1- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 48 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 567 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 567 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 123 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 78 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 55 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1370 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 100 ، ح 326 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 143 ، ح 400 مرسلاً ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 295 ، ح 3691 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 179 .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 349 ، لكنّه لم يدّع الإجماع على ذلك ، بل ادّعى الإجماع على زوال النجاسة بالغُسل .
6- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 .

ص: 469

المصنّف والشيخين في المقنعة (1) والتهذيب (2) ، وظاهر إطلاق خبر إبراهيم بن ميمون (3) . وما رواه الشيخ من حسنة الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ؟ قال : «يغسل ما أصاب الثوب» (4) . وقيل : إنّه كغيره من النجاسات إنّما يتعدّى مع الرطوبة ؛ للأصل ، وعموم قوله عليه السلام في موثّق عبداللّه بن بكير : «كلّ [ شيء ] يابس ذكيّ» (5) ، وهو المستفاد ممّا يرويه المصنّف في باب النوادر عن إسماعيل الجعفي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عمّن يمسّ (6) عظم الميّت ؟ قال : «إذا جاز سنة فلا بأس» (7) ؛ إذ الظاهر أنّ وجود البأس قبل السنة ؛ لرطوبة دسومة العظم . وعلى الأوّل فإطلاق الأكثر يعطي كون نجاسة الملاقي عينيّة (8) مطلقا . وفي المنتهى أنّها مع اليبوسة حكميّة ، فلو لاقاه شيء آخر لم يؤثّر في تنجيسه ولو بالرطوبة (9) . وظاهر ابن إدريس أنّها حكميّة مطلقا ؛ حيث قال : وإذا لاقى جسد الميّت إناء وجب غَسله ، ولو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجّسه ؛ لأنّه لم يلاق جسد الميّت ، وحمله على ذلك قياس ، والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم

.


1- .. المقنعة ، ص 72 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 276 ، قبيل ح 812 .
3- .. هو الحديث 5 من الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 276 ، ح 811 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 461 ، ح 4178 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 276 ، ح 812 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 192 ، ح 671 ؛ ورواه الكليني في الكافي باب غسل من غسل الميّت ومن مسّه . . . ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 300 ، ح 3704 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، 49 ، ح 141 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 167 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 351 ، ح 930 .
6- .. في المصدر : «عمّن مسّ» . وفي سائر المصادر : «عن مسّ» .
7- .. هو الحديث 13 من باب النوادر ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، 277 ، ح 814 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 192 ، ح 673 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 294 ، ح 3690 .
8- .. في الهامش : «بالمعنى المذكور . منه» .
9- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 204 .

ص: 470

دليل على النجاسة (1) . وثالثتها : بعد إكمال إغساله ، وهو طاهر إجماعا ، وتأتي الأخبار الدالّة عليه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وأمّا باقي الميّتات ، فقد حكم جماعة _ منهم العلّامة في المنتهى _ (2) بوجوب غسل الملاقي لها مطلقاً ، وقالوا : «وجوبه مع اليبوسة تعبّدي» ، كما قالوا بذلك في الآدمي . واحتجّ عليه الشهيد في الذكرى بخبر يونس المتقدّم (3) . والمشهور أنّها كسائر النجاسات إنّما يتعدّى مع الرطوبة ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، ولصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميّت : هل تصحّ الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال : «ليس عليه أن يغسله ، وليصلّ فيه ولا بأس» (4) . وحملوا خبر يونس على الندب ، وهو أظهر . قوله في صحيحة عليّ بن جعفر : (قال : سألته...) [ ح 3/4098 ] رواها الشيخ في التهذيب وزاد في آخرها : قال : وسألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات» (5) .

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 163 ، وفي المذكور هنا تلخيص .
2- .. اُنظر : منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 231 _ 232 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 133 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، 276 ، ح 813 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 192 ، ح 672 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 442 ، ح 4111 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 760 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 417 ، ح 4036 .

ص: 471

باب صفة التيمّم

باب صفة التيمّمهنا مقامان : الأوّل في محلّ التيمّمفقد أجمع الأصحاب على ثبوته بدلاً عن الوضوء والغسل جميعا ، في السفر والحضر معا ؛ للأخبار المتظافرة من الطريقين ، وسيأتي بعضها ، ولقوله تعالى : «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْجَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ أَوْ لَ_مَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (1) ؛ بناء على أنّ ملامسة النساء كناية عن الجماع ؛ لأنّه بها يتوصّل إليه كما ذهب إليه أهل البيت ، وحكاه في كنزالعرفان عن ابن عبّاس (2) ومجاهد (3) وقتادة (4) والحسن (5) ، واحتجّ عليه بقول الصادق عليه السلام ، وقد سئل عن معنى الآية ، قال : «ما يعني إلّا المواقعة دون الفرج» (6) . ونقل _ طاب ثراه _ عن عمر وبعض العامّة أنّ الجنب لايصلّي حتّى يجد الماء وليس عليه تيمّم (7) ؛ زعما منهم اختصاص الآية بالحدث الأصغر ، وهو مبنيّ على حملهم

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. التبيان ، ج3 ، ص 205 ؛ مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 _ 94 ؛ تفسير القرآن لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 184 ؛ جامع البيان للطبري ، ج 5 ، ص 143 _ 144 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 431 ؛ معاني القرآن للنحّاس ، ج 2 ، ص 276 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 10 ، ص 112 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ، في تفسير سورة النساء .
3- .. التبيان ، ج3 ، ص 205 ؛ مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 _ 94 ؛ جامع البيان للطبري ، ج 5 ، ص 145 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ، في تفسير سورة النساء .
4- .. التبيان ، ج3 ، ص 205 ؛ مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 _ 94 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ؛ تفسير القرآن لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 184 عن قتادة ، عن ابن عبّاس . كلّهم في تفسير سورة النساء .
5- .. جامع البيان للطبري ، ج 5 ، ص 145 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ، في تفسير سورة النساء .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 55 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 87 ، ح 278 ، وفيه : «المواقعة في الفرج» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 707 .
7- .. الإحكام لابن حزم ، ج 2 ، ص 144 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 3 ، ص 321 و322 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 436 .

ص: 472

الملامسة على معناها اللغوي وهو تلاقي البشرتين ، وهذا التفسير هو المشهور بينهم ، وبنوا على ذلك كونها ناقضة للوضوء ، فقد قال الشافعي : «إنّها موجبة للوضوء مطلقا» (1) . وقال مالك : «إن كانت بشهوة انتقض ، وإلّا فلا» (2) . وقال أبوحنيفة : «إن انتشر عضوه انتقض ، وإلّا فلا» (3) . وحكاه الشيخ في الخلاف عن عمر وابن مسعود (4) . ويردّ عليهم ما نقلوه عن عمّار ، قال : بعثنا النبيّ صلى الله عليه و آله في سريّة فأجنبت ، فلم أجد ماء ، فتمرّغت في الصعيد كما تمرّغ الدابّة ، ثمّ أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله فذكرت ذلك له ، فقال : «إنّما يكفيك أن تقول بيديك [ هكذا ]» ، ثمّ ضرب بيديه الأرض _ ضربة واحدة ، ثمّ مسح الشمال على اليمين وظاهر كفّيه ووجهه (5) . وما رواه مسلم في صحيحه عن عبدالرحمان بن أبزى : أنّ رجلاً أتى عمر ، فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء ، فقال : لا تصلّ . فقال عمّار : أما تذكر يا أميرالمؤمنين إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأمّا أنت فلم تصلّ ، وأمّا أنا فتمعّكت بالتراب وصلّيت ، فقال النبيّ _ صلّى اللّه عليه _ : «إنّما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثمّ تنفخ ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيك؟» فقال عمر : اتّق اللّه يا عمّار وتثبّت ، فلعلّك نسيت أو شُبّه

.


1- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 29 ، الوضوء من الملامسة والغائط ؛ الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 110 .
2- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 13 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 29 ؛ الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 111 .
3- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 29 ؛ الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 111 .
4- .. الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 110 ، وفيه بطلان الوضوء بمجرّد الملامسة نقلاً عن ابن عمر وابن مسعود . نعم القول بأنّ المراد بالملامسة اللمس باليد دون الجماع منقول عن عمر وابن مسعود في : الفصول للجصّاص ، ج 1 ، ص 50 ؛ أحكام القرآن له أيضا ، ج 2 ، ص 462 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 432 .
5- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 193 ، باب التيمّم ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 90 _ 91 ، آخر كتاب التيمّم ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 184 ، باب التيمّم كيف هو ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 294 و320 و397 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 134 ، ح 304 ؛ والسنن له أيضا ، ج 1 ، ص 169 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 209 ، مع مغايرة في بعضها .

ص: 473

عليك ؟ فقال عمّار : إن شئت لم اُحدّث ؟ فقال عمر : نولّيك ما تولّيت (1) . وقد روى الشيخ الصدوق قصّة عمّار في الصحيح عن زرارة، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم لعمّار في سفرله : يا عمّار ، بلغناأنّك أجنبت ، فكيف صنعت ؟ فقال : تمرّغت يا رسول اللّه » . قال : «فقال له : كذلك يتمرّغ الحمار ، أفلا صنعت كذا ؟ ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ثمّ وضعهما على الصعيد ، ثمّ مسح جبينيه بأصابعه وكفّيه إحداهما بالاُخرى ، ثمّ لم يعد ذلك» (2) . والشيخ في الصحيح عن داوود بن النعمان ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن التيمّم ، فقال : «إنّ عمّارا أصابته جنابة فتمعّك كما تتمعّك الدابّة ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وهو يهزأ به _ : يا عمّار ، تمعّكت كما تتمعّك الدابّة ؟ فقلنا له : فكيف التيمّم ؟ فوضع يديه على الأرض ثمّ رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكفّ قليلاً» (3) . ويؤكّدها أخبار تأتي متفرّقة . ولمّا تواتر حكاية عمّار ذهب أكثر الجمهور إلى ثبوت التيمّم بدلاً عن الغسل أيضا سفرا وحضرا وإن خصّوا الآية ببدليّته عن الحدث الأصغر ، وبه قال مالك (4) . وقال الشافعي : «الحاضر يتيمّم ويعيد الصلاة مع الوجدان» (5) . وقال زفر : «إنّه لايتيمّم بل يصبر حتّى يجد الماء» (6) . وعن أبيحنيفة القولان (7) .

.


1- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 193 ، باب التيمّم .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 104 ، ح 203 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 360 ، ح 3868 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 598 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ، ح 591 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 ، ح 3863 .
4- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 44 ؛ الكشف والبيان ، ج 3 ، ص 314 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 280 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 235 .
5- .. الكشف والبيان ، ج 3 ، ص 314 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 306 ؛ أحكام ا لقرآن ، ج 2 ، ص 477 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 .
6- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 306 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 277 ؛ تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 106 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 .
7- .. الكشف والبيان ، ج 3 ، ص 314 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 306 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 277 ؛ أحكام القرآن ، ج 2 ، ف ص 477 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 .

ص: 474

وقد أجمع الأصحاب على حصر محلّ التيمّم في الحدثين وعدم جوازه للخبث مطلقا . ونسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم ، وحكى عن أحمد (1) أنّه إذا كان على بدنه نجاسة وعجز عن غسلها لعدم الماء ، أو لخوف الضرر باستعماله ، تيمّم لها وصلّى ولو كان متطهّرا ، محتجّا بقوله عليه السلام : «الصعيد الطيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» (2) . وبأنّها طهارة مرادة للصلاة فجاز لها التيمّم عند عدم الماء كالحدث . وأجاب عن الأوّل بأنّ الحديث في واقعة أبيذرّ ، وذلك يدلّ على أنّ المراد من الطهارة الطهارة من الحدث . وعن الثاني ببطلان القياس ، ولايبعد أن يقال : لو جاز هذا القياس لوجب التيمّم لو كانت النجاسة على ثوبه ، وهو غير واجب إجماعا (3) .

الثاني في كيفيّتهفقد أجمع أهل العلم على وجوب مسح الوجه واليدين فيه وإن اختلفوا في مقاديرها، أمّا الوجه ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشهيد (4) والسلّار (5) أنّه «الجبهة المحاطة

.


1- .. المغني ، ج 1 ، ص 274 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 252 .
2- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 81 ، ح 124 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 238 ، ح 913 ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 446 و447 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 182 ؛ الرجل يجنب وليس يقدر الماء ، ح 3 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 84 ، ح 333 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 217 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 54 ، ح 2713 . وفي بعضها : «وضوء المسلم» بدل «طهور المسلم» ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 196 ، ح 712 . وفي بعضها : «عشر حجج» بدل «عشر سنين» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 134 _ 135 .
4- .. الدروس ، ج 1 ، ص 132 _ 133 ، الدرس 24 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 23 ، الذكرى ، ج 2 ، ص 263 ؛ الألفيّة والنفليّة ، ص 47 ، وزاد فيه : «وإلى الأسفل أولى» .
5- .. المراسم ، ص 54 ، ذكر كيفيّة التيمّم وما ينقضه .

ص: 475

بالجبينين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى» (1) ، وهو ظاهر أكثر الأخبار . وزاد بعضهم : «إلى الطرف الأسفل منه» (2) ، وهو ليس بوجه . وقال الشيخان في المقنعة (3) والنهاية (4) : «يمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه» . ومثله قال السيّد في الانتصار والناصريّات (5) . وظاهرهم وجوب مسح الجبينين أيضا ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف (6) أيضا مدّعيا عليه الإجماع ، ونفى عنه الشهيد الثاني البأس (7) ، بل ظاهرهم وجوب مسح الحاجبين أيضا ، وبه صرّح الصدوق ، ففي الفقيه : «ومسح بهما جبينيه وحاجبيه» (8) ، ونفى عنه الشهيد في الذكرى البأس (9) ، ولم أجد له شاهدا من الأخبار ، إلّا أن يقال بدخول الحاجبين في الجبينين والجبهة لغة أو عرفا ، أوباستلزام المسح إلى طرف الأنف الأعلى مسحهما . أو يقال بوجوب مسحهما من باب المقدّمة . وأمّا اليدان ، فالمشهور أنّهما من الزند إلى أطراف الأصابع ، وقال الصدوق : «يمسح من فوق الكفّ قليلاً» (10) .

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 136 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 190 ، المسألة 305 .
2- .. رسائل الكركي ، ج 1 ، ص 95 . واختار في ج 3 ، ص 209 _ 210 الطرف الأعلى ثمّ قال : «وإلى الأسفل أولى» .
3- .. المقنعة ، ص 62 ، صفة التيمّم وأحكام المحدّثين فيه .
4- .. النهاية ، ص 49 ، باب التيمّم وأحكامه .
5- .. الناصريّات ، ص 151 ، المسألة السابعة والأربعون ، ومثله في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 25) .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 37 .
7- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 455 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 114 ، وصرّح فيهما بوجوب مسح الجبينين ، ثمّ قال : «وينبغي مسح الحاجبين» .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 104 ، ذيل ح 213 .
9- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 263 .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 105 ، ذيل ح 213 ؛ المقنع ، ص 26 ، [باب] كيفيّة التيمّم .

ص: 476

ولعلّه أراد به ما فوقها إلى الزند . وحكى ابن إدريس عن بعض الأصحاب أنّهما من اُصول الأصابع إلى رؤوسها (1) . وعن عليّ بن بابويه «وجوب مسح الوجه واليدين المغسولة في الوضوء» (2) . وعن ابن أبيعقيل : «التخيير بين الأمرين» (3) . وبه قال المحقّق في المعتبر (4) : «والأوّل أظهر ؛ لدلالة أكثر الأخبار عليه» : منها : خبر ابن بكير ، عن زرارة (5) . ومنها : ما تقدّم في أحاديث تيمّم عمّار . ومنها : ما رواه الشيخ عن عمرو بن أبيالمقدام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه وصف التيمّم ، فضرب بيده على الأرض ثمّ رفعهما فنفضهما ، ثمّ مسح على جبينه وكفّيه مرّة واحدة (6) . وما يرويه المصنّف في باب مسح الرأس والقدمين في الصحيح عن زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت _ إلى قوله _ : ثمّ قال : « «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم [ مِّنْهُ ] » (7) ، فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ؛ لأنّه قال : «بوجوهكم» ، ثمّ وصل بها «وأيديكم منه» أي من ذلك التيمّم ؛ لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لايجري على الوجه ؛ لأنّه

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 137 .
2- .. حكاه عن المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 386 . وانظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 89 .
3- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 386 .
4- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 387 _ 388 .
5- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي . وفي تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 211 ، ح 613 عن الكليني ؛ وص 207 _ 208 ، ح 601 بسند آخر إلى ابن بكير ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ، ح 593 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 359 ، ح 3863 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 594 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ، ح 594 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 360 ، ح 3866 .
7- .. المائدة (5) : 6 . وكان في الأصل : «فإن لم تجدوا . . .» .

ص: 477

يعلّق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولايعلّق ببعضها» (1) ، الحديث (2) . واحتجّ عليّ بن بابويه (3) بالآية الكريمة بناء على جعل الباء زائدة ، وبما رواه الشيخ (4) عن عثمان بن [ عيسى ] ، عن سماعة ، قال : سألته : كيف التيمّم ؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين (5) . وعن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن ليث المرادي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في التيمّم قال : «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتسمح بهما وجهك وذراعيك» (6) . ويدلّ أيضا عليه ما يأتي ذيل خبر زرارة من صحيحة محمّد بن مسلم . وعلى خصوص الوجه بمضمرة الكاهلي (7) ، وصحيحة أبيأيّوب الخزّاز (8) ، وبالوجه المذكور في بعض الأخبار المتقدّمة . وفي صحيحة زرارة ، قال : سمعت أباجعفر عليه السلام يقول _ وذكر التيمّم وما صنع عمّار _ : فوضع أبوجعفر عليه السلام كفّيه في الأرض ، ثمّ مسح وجهه وكفّيه ولم يمسح الذراعين بشيء (9) .

.


1- .. هو الحديث 4 من باب مسح الرأس والقدمين من الكافي ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 102 ، ح 212 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 61 _ 62 ، ح 168 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 62 _ 63 ، ح 186 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 364 ، ح 3878 .
2- .. من قوله : «قال : قلت» إلى هنا من الهامش ، وزاد بعده «منه» .
3- .. في الهامش : «على ما نقل عنه . منه» .
4- .. في الهامش : «في التهذيب . منه» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 208 ، ح 602 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 _ 171 ؛ ح 592 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 365 ، ح 3880 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 209 _ 210 ، ح 608 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ؛ ح 596 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 ، ح 3871 .
7- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 600 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ؛ ح 589 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 ، ح 3861 .
8- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 _ 359 ، ح 3862 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 208 ، ح 603 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 359 _ 360 ، ح 3865 .

ص: 478

وبروايات اُخرى ستأتي . والجواب عن التمسّك بالآية يظهر ممّا تقدّم . وعن الأخبار مع عدم صحّة أكثرها حملها على التقيّة ، على أنّه يمكن حمل الوجه في أخباره على الجبهة ؛ للجمع ، بل لابدّ من هذا الحمل في صحيحة زرارة المتقدّمة ؛ حيث ذكر فيها عدم مسح الذراعين . وكلّ من قال بوجوب مسح الوجه كلّه قال بوجوب مسح الذراعين ، ومن نفى هذا نفى ذاك ، فلو أبقى الوجه على ظاهره ، لخرق الإجماع المركّب . والشيخ حمل في كتابي الأخبار (1) أخبار الذراع على إرادة الحكم لا الفعل ، بمعنى أنّه إذا مسح الكفّ إلى الزند فكأنّه غسل ذراعيه في الوضوء ، فيحصل له بمسح الكفّين في التيمّم حكم غسل الذراعين . واستحسن الشهيد في الذكرى حمل هذه الأخبار كلّها على الاستحباب . ويظهر ممّا ذكر حجّة من قال بالتخيير وضعفها . وتمسّك من اقتصر على اُصول الأصابع بقوله عليه السلام : «فامسح على كفّيك من [ حيث ]موضع القطع» في مرسلة حمّاد بن عيسى (2) ؛ إذ القطع في السرقة عند الأصحاب إنّما يكون من اُصول الأصابع الأربعة . واُجيب عنه بأنّ غرضه عليه السلام إلزام المخالفين القائلين بوجوب المسح إلى المرفقين بمعتقدهم . بيانه : أنّه سبحانه ذكر الأيدي في آية السرقة من غير تقييد ، وأنتم حملتموها على الأيدي من رؤوس الأصابع إلى الزند ، زاعمين تبادر ذلك من إطلاقها ، فلمّا جعلتم الباء زائدة في آية التيمّم فلابدّ أن تحملوا الأيدي فيها على ما حملتم عليه في آية

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 208 ، ذيل ح 602 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ؛ ذيل ح 592 .
2- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 599 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ؛ ح 588 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 365 ، ح 3879 .

ص: 479

السرقة ؛ لإطلاقها هنا أيضا . واحتجّ القائل بوجوب المسح على المنكبين بتبادر ذلك من إطلاق الأيدي ، وهو كماترى . واعلم أنّ ظاهر الأخبار كفاية تيمّم واحد بدلاً عن الغسل أيّ غسل كان ، ويؤيّده ما رواه أبوبصير ، قال : سألته عن تيمّم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماءً ؟ قال : «نعم» (1) . وعمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، مثله (2) . وهو المشهور بين الأصحاب ، ونسب الشهيد في الذكرى (3) إلى تخريج بعض وجوب تيمّمين في غير الجنابة : أحدهما بدلاً عن الغسل ، والآخر بدلاً عن الوضوء ، ونفى عنه البأس ؛ معتذرا عن الخبرين بأنّهما غير مانعين عنه ؛ لجواز أن يكون المراد بالتسوية فيهما التسوية في الكيفيّة لا في الكمّيّة ، وهو ضعيف لاسيّما على ما سبق من إجزاء كلّ غسل عن الوضوء . قوله في خبر زرارة : (فضرب بيده الأرض) إلخ . [ ح 1/4102 ] فيه مسائل : الاُولى : قال _ طاب ثراه _ : أكثر أخبار التيمّم مشتملة على الضرب ، وهو يقتضي الاعتماد ، ووجوبه هو ظاهر أكثر الفتاوى ، وبعضها كحديث عمّار يتضمّن الوضع ، وهو لايقتضي الاعتماد ولاينافيه ، فوجب حمله على الضرب ، كذا قال بعض الأفاضل . وقد عكس الشهيد والمحقّق الشيخ عليّ حيث حملا الضرب على الوضع ، ففي الذكرى :

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 263 .
2- .. هو الحديث 10 من باب «الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش» من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 616 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 363 ، ح 3876 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 58 ؛ ح 215 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 617 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 362 _ 363 ، ح 3875 .

ص: 480

معظم الروايات وكلام الأصحاب بعبارة الضرب ، وفي بعضها : الوضع ، والشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) عبّر بالأمرين ، وتظهر الفائدة في وجوب مسمّى الضرب باعتماد ، والظاهر أنّه غير شرط ؛ لأنّ الفرض قصد الصعيد وهو حاصل بالوضع (3) . وفي شرح القواعد : واختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب في التعبير بالضرب والوضع يدلّ على أنّ المراد بهما واحد ، فلايشترط في حصول مسمّى الضرب كونه بدفع واعتماد كما هو المتعارف (4) . وظاهرهما استحباب الاعتماد ، وهو قويّ . الثانية : اختلف الأصحاب في كمّيّة الضرب على أقوال ، فالمشهور بينهم أنّه ضرب واحد للوجه واليدين بدلاً عن الوضوء والغسل جميعا ، وهو ظاهر هذا الخبر ، وما تقدّم من الأخبار التي من جملتها أخبار قصّة عمّار ، وبه قال السيّد في الناصريّات ، وحكاه عن الشافعي في القديم (5) ، ومالك والأوزاعي (6) . ونقله في المختلف عن المفيد في الرسالة الغريّة ، وابن الجنيد وابن أبيعقيل. وعن عليّ بن بابويه أنّه مطلقا ضربتان : ضربة للوجة ، واُخرى لليدين (7) . وحكاه الشيخ في الخلاف (8) عن قوم من أصحابنا وعن عمر وجابر والحسن البصري والشعبي ومالك والليث بن سعد وأبيحنيفة وأصحابه (9) .

.


1- .. النهاية ، ص 49 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 32 _ 33 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 259 _ 260 .
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 489 _ 490 .
5- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 210 .
6- .. الناصريّات ، ص 149 .
7- .. عنه في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ولم أعثر على مصدر آخر لكلامه .
8- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 133 .
9- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 42 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 56 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 35 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 45 و46 ؛ المغني لابن قدامة ؛ ج 1 ، ص 245 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 210 _ 211 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 148 و152 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 276 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 60 ؛ حاشية ردّ المختار ، ج 1 ، ص 247 .

ص: 481

واحتجّ عليه بصحيحة إسماعيل بن همّام الكندي ، عن الرضا عليه السلام ، قال : «التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين» (1) . وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن التيمّم ، فقال : «مرّتين مرّتين للوجه واليدين» (2) . وفي الدروس : «والأشهر في عدد الضرب اثنتان للغسل وواحدة للوضوء» (3) . ونسبه في الخلاف (4) إلى متفرّدات الأصحاب ، وبه قال المفيد في المقنعة (5) ، والشيخ (6) والعلّامة (7) فيما رأينا من كتبهما ، والمحقّق في الشرائع (8) ، جامعين بذلك بين الأخبار المذكورة ؛ معلّلين بأنّ الوضوء أخفّ من الغسل ، فليكن روايات المرّتين مختصّة بالغسل ، والأخبار الأوّلة مختصّة بالوضوء . وبصحيحة زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت له : كيف التيمّم ؟ قال : «هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثمّ تنفضهما مرّة للوجه ومرّة لليدين» (9) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 609 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 _ 172 ، ح 597 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 ، ح 3872 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 610 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 172 ، ح 598 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 ، ح 3870 .
3- .. الدروس ، ج 1 ، ص 32 ، الدرس 24 .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 133 _ 134 ، المسألة 76 ؛ فإنّه أفتى بالفرق ولم يدّع تفرّد الأصحاب فيه .
5- .. المقنعة ، ص 62 .
6- .. النهاية ، ص 49 _ 50 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 101 ؛ نهاية الإحكام ، ص 207 _ 208 .
8- .. شرائع الاسلام ، ج 1 ، ص 39 ، في الطهارة الترابيّة .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 611 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 172 ، ح 599 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 _ 362 ، ح 3873 .

ص: 482

فقد زعموا أنّها صريحة في التفصيل بناء على تحتّم جعل قوله عليه السلام : «والغسل من الجنابة» إلى آخره كلاما مستأنفا، وعدم جواز جعل الغسل عطفا على الوضوء؛ لئلّا يناقض أوّل الكلام آخره . واستشهد الشيخ في كتابي الأخبار بها ، وبصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن التيمّم ، فضرب بكفّيه الأرض ثمّ مسح بهما وجهه ، ثمّ ضرب بشماله الأرض فمسح بهما مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثمّ ضرب بيمينه الأرض ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه ، ثمّ قال : «هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل ، وفي [ الوضوء ]الوجه واليدين إلى المرفقين وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين ، فلا يؤمّم بالصعيد» (1) . واُجيب عن الأوّل بأنّه وجه استحساني غير معتبر في الشريعة ، وما ذكر من الجمع يتأبّى عنه قصّة عمّار . وما قيل في أنّها في بدل الوضوء ، فرية بلا مرية ؛ لصراحة أكثرها في أنّها في بدل الغسل . وعن الصحيحة الاُولى بأنّ التناقض على تقدير عطف الغسل فيها على الوضوء إنّما يلزم لو كان الضرب في أوّل الضرب بمعنى ضرب اليدين على الأرض ، وهو ممنوع ؛ لجواز أن يكون بمعنى النوع ، وهذا المعنى فيه شائع ، فيدلّ على المرّتين مطلقا . وعن الاحتجاج بالصحيحة الثانية بأنّه مبنيّ على قراءة الغُسل بالضمّ ، ويجوز أن تكون بالفتح بزيادة الواو في قوله : «وفي الوجه واليدين» على أن يكون بيانا لما كان فيه الغسل ، أو بدلاً عنه ، والمقصود أنّ المسح في التيمّم إنّما يجب على العضو المغسول في الوضوء ولا مسح فيه على العضو الممسوح فيه .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 172 ، ح 600 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 362 ، ح 3874 ، وما بين الحاصرتين موجود في الجميع .

ص: 483

ويؤيّده أنّه لم تكن الواو في بعض نسخ التهذيب ثمّ اُلحقت ، فتدلّ هذه أيضا على المرّتين مطلقا . على أنّ الخبر يدلّ على مسح الوجه كلّه واليدين إلى المرفقين ، وهو غير قائل به . والأظهر في الجمع بين الأخبار القول الأوّل ؛ حملاً للضرب الثاني على الاستحباب ، والأحوط إيقاع تيمّمين بدلاً عن كلّ منهما : أحدهما بضرب والآخر بضربين ، وعلى التقديرين فظاهر الأخبار والفتاوى وجوب وضع اليدين معا على الأرض ، وكذا في الضربة الاُولى على التقدير الثاني . وأمّا الضربة الثانية على هذا التقدير فيستفاد من الأخبار جواز ضربهما على الأرض دفعة ومتعاقبين ، ولعلّ العلّة الفارقة وجوب مسح الجبهة باليدين جميعا بخلاف مسح اليدين ؛ فإنّهما على التعاقب . الثالثة : وجوب الترتيب بين الأعضاء ، وهو مستفاد من الأخبار ، منها مضمر الكاهلي (1) ؛ لدلالة الفاء وثمّ فيه على ذلك . واحتجّ أيضا عليه في الذكرى بفعل النبيّ والأئمّة عليهم السلام (2) . وفي الخلاف (3) بما دلّ على ترتيب الوضوء ، وبالاحتياط ، وهو مذهب الأصحاب . وفي التذكرة : «وهو مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام » (4) . ونسبه (5) _ طاب ثراه _ إلى أكثر العامّة ، وحكى عن الأعمش وجوب تقديم مسح الكفّين على الوجه (6) .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 263 .
2- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 600 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ؛ ح 589 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 ، ح 3861 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 138 ، المسألة 82 .
4- .. تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 196 ، المسألة 308 .
5- .. يعني والده قدس سره .
6- .. لم أعثر عليه .

ص: 484

وأمّا الترتيب بين نفس الأعضاء ، فقد صرّح بوجوبه جماعة ، منهم العلّامة ، ولم أر نصّا عليه ، وربّما علّل بمتابعة أصله من غسل الأعضاء المغسولة في الوضوء ، وبالتيمّم البياني ، وهو أحوط . الرابعة : الموالاة ، ففي الذكرى : ذكرها الأصحاب ، ويتوجّه على القول بالضيق وعلى غيره لتعقّب إرادة القيام إلى الصلاة به ، والإتيان بالفاء في «فتيمّموا» و «امسحوا» ، وهي دالّة على التعقيب بالوضع اللغوي . ولأنّ التيمّم البياني عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام توبع فيه ، فيجب التأسّي (1) . وفي المعتبر (2) نقل عن الشيخ (3) وجوبها ، واحتجّ له بالبناء على آخر الوقت ، ولو أخلّ بها بما لايعدّ تفريقا لم يضرّ ؛ لعسر الانفكاك منه وإن طال الفصل أمكن البطلان ؛ وفاء لحقّ الواجب ، ويحتمل الصحّة وإن أثم ؛ لصدق التيمّم مع عدمها . الخامسة : قال الشهيد في الذكرى : يشترط طهارة مواضع المسح من النجاسة ؛ لأنّ التراب ينجس بملاقاة النجس (4) فلايكون طيّبا ، ولمساواته الطهارة المائيّة ، نعم لو تعذّرت الإزالة ولم تكن النجاسة حائلة ولا متعدّية فالأقرب جواز التيمّم ؛ دفعا للحرج ، ولعموم مشروعيّته ، ولأنّ الأصحاب نصّوا على جواز تيمّم الجريح مع عدم الماء (5) . السادسة : الظاهر أنّ الضرب فعل من أفعال ، وهو ظاهر كثير من الأصحاب ، وصرّح به جماعة منهم الشهيد في الذكرى (6) ، ونزّله العلّامة 7 _ على ما حكى عنه في الذكرى _ منزلة أخذ الماء للطهارة المائيّة ، ويتفرّع على القولين مقارنة النيّة له ، أو

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 267 .
2- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 394 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 138 ، مسألة 83 .
4- .. في الهامش : «فيه تأمّل . منه» .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 257 .
6- .. نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 204 ؛ فإنّه حكم بصحّة التيمّم إذا كانت النيّة عند المسح ، فالتنزيل من الشهيد رحمه الله .

ص: 485

لمسح الجبهة ، ووجوبه بعينه ، أو كفاية وصول التراب إلى يديه بهبوب الرياح ، وانتقاض التيمّم بوقوع حدث منه بعد الضرب وعدمه . السابعة : يجب استيعاب مواضع المسح ، نسبه في المنتهى (1) إلى علمائنا وإلى الشافعي (2) وأحمد (3) والكرخي (4) ؛ لأنّ الواجب المسح على المقدّر ، وبترك البعض لايحصل الامتثال ، ولاشتراطه في المبدل منه . وحكي عن أبيحنيفة وتلميذه أبييوسف و زفر أنّه لو مسح الأكثر أجزأه (5) ؛ محتجّين باستلزام الاستيعاب للحرج ؛ لأنّ التراب لايصل إلى الجميع إلّا بتكلّف ، والحرج منتفٍ شرعا . وأجاب بأنّا لانشترط وصول التراب إلى جميع الأجزاء ، على أنّ الحرج غير ملتفت إليه مع وجود التكليف ، وقد بيّنّاه ، ولو أخلّ بشيء منه وجب عليه الإعادة من أوّله بناء على اشتراط الموالاة فيه . الثامنة : ما يتيمّم به هو الصعيد عندنا وعند أكثر العامّة ، واختلفوا في تفسيره ، فقد نقل العلّامة في المنتهى (6) عن كتاب الخليل أنّه قال : «يقال : تَيمَّم بالصعيد أي خُذ من غباره» (7) ، وهو منقول عن ابن الجنيد على ما سيجيء . والمشهور أنّه وجه الأرض ترابا كان أو رملاً أو حجرا ، وسمّي صعيدا ؛ لأنّه

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 95 .
2- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 65 ، باب كيف التيمّم ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 257 ؛ فتح العزيز ، ج2 ، ص 326 ؛ المجموع للنووي، ج 2 ، ص 210 و211 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 258 .
3- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 42 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 56 ، ح 91 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 257 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 258 ؛ الإنصاف ، ج 1 ، ص 287 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 239 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 46 .
5- .. فتح العزيز ، ج2 ، ص 326 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 239 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 46 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 56 .
7- .. كتاب العين ، ج 1 ، ص 290 (صعد) .

ص: 486

تصاعد على الأرض ، وهو منقول عن الزجّاج (1) ، (2) وظاهر أكثر الأخبار ؛ حيث وقع فيها الضرب على الأرض . واُيّد بقوله تعالى : «صَعِيدًا زَلَقًا » (3) أي أرضا ملساء لاتراب لها . وفسّره ابن دريد في الجمهرة نقلاً عن أبيعبيدة بالتراب الخالص الذي لايخالطه سبخ ولا رمل (4) على ما حكاه الشيخ في التهذيب (5) عنه ، وهو منقول عن ابن العبّاس (6) وابن الفارس (7) ، وبه قال المفيد في المقنعة (8) ؛ حيث اشترط التيمّم على التراب مع الإمكان ، وإنّما جوّزه بالحجر مع فقد التراب ، ويتفرّع على ذلك الخلاف الخلاف في وجوب علوق شيء ممّا يتيمّم به إلى الكفّين والعضو الممسوح ، ظاهر الأكثر العدم ، بل ظاهر المنتهى (9) إطباق علمائنا عليه ، وأيّدوه بوفاقهم على استحباب نفض اليدين ؛

.


1- .. أبوإسحاق الزجّاج إبراهيم بن السريّ بن سهل النحوي الأديب ، ولد ببغداد ، وكان يخرط الزجاج ، ثمّ تركه واشتغل بالأدب ، فنسب إليه ، أخذ عن المبرّد وثعلب ، وتوفّي سنة 311 ببغداد ، من مصنّفاته : الاشتقاق ، الأمالي ، خلق الإنسان ، العروض ، فعلت وأفعلت ، معاني القرآن ، النوادر . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 14 ، ص 360 ، الرقم 209 ؛ الفهرست لابن النديم ، ص 66 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 293 _ 294 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 1 ، ص 33 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 40 .
2- .. حكاه عنه أحمد بن فارس في معجم مقائيس اللغة ، ج 3 ، ص 287 ؛ والزبيدي في تاج العروس ، ج 5 ، ص 61 (صعد) ؛ والقرطبي في تفسيره ، ج 5 ، ص 236 .
3- .. الكهف (18) : 40 .
4- .. جمهرة اللغة ، ج 2 ، ص 654 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 186 ، ذيل ح 536 .
6- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ، ولفظه : «التراب الخالص» ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 281 ، وفيه : «هو التراب الطاهر» ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 248 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 254 ، وفيهما : «الصعيد تراب الحرث» .
7- .. معجم مقائيس اللغة ، ج 3 ، ص 287 . وابن فارس هو أبوالحسين أحمد بن فارس بن زكريّا القزويني الرازي ، من أئمّة اللغة والنحو ، أصله من قزوين ، وأقام مدّة في همذان ، ثمّ انتقل إلى الريّ ، فتوفّي فيها سنة 395 ه ق ، من تصانيفه : الإتباع والمزاوجة ، أوجز السير لخير البشر ، تمام الفصيح ، الحماسة المحدثة ، ذمّ الخطأ في الشعر ، الصاحبي ، الفصيح ، المجمل في اللغة ، معجم مقائيس اللغة . راجع : الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 193 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 1 ، ص 199 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 40 _ 41 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 372 _ 374 .
8- .. المقنعة ، ص 58 _ 59 .
9- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 97 _ 98 .

ص: 487

إذ لايبقى أثر التراب معه ، وبإجزاء ضربة للوجه واليدين ؛ إذ يزول أثره على تقدير علوقه بالكفّ بمسح الوجه ، وبجواز التيمّم بالحجر ونحوه ، وهو منقول عن أكثر العامّة ، واعتبره ابن الجنيد (1) على مايستفاد ممّا سيجيء ، وهو ظاهر المفيد على ما مرّ من اعتباره التراب ، وبه قال الشافعي على ما يظهر من البيضاوي (2) ؛ محتجّا بقوله تعالى : «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ » (3) ، أي من ذلك الصعيد ؛ حملاً لكلمة «من» على التبعيض . واُورد عليه بأنّه يجوز أن يكون «من» للابتداء ، أي مسحا مبتدئا من الصعيد ، أو للتبعيض بمعنى ضرب اليدين على بعض الصعيد ، ففي الذكرى : فإن احتجّ ابن الجنيد لاعتبار الغبار بظاهر قوله تعالى: «مِنْهُ » وقال : إنّ من للتبعيض ، منعناه ؛ لجواز كونها لابتداء الغاية ، مع أنّ في رواية زرارة ، عن أبيجفعر عليه السلام أنّ المراد من ذلك التيمّم ، قال : «لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجز على الوجه ؛ لأنّه يعلّق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولايعلّق ببعضها ، وفي هذا إشارة إلى أنّ العلوق غير معتبر . انتهى (4) . وقال المحقّق الأردبيلي : فامسحوا بأيديكم بعض وجوهكم ، وبعض أيديكم مبتدأ من الصعيد ، أو ببعض الصعيد بأن تضعوا أيديكم على بعض الصعيد ثمّ تمسحوا الوجه واليدين ، أو من بعض التيمّم كما ورد في الرواية ، أي ما يتيمّم به ، وهو الصعيد ، فلا دلاله على تقدير كونها تبعيضيّة على وجوب لصوق شيء من الصعيد ليجب كونه ترابا (5) . ما ذكراه _ قدّس سرّهما _ غير واضح ؛ لأنّ ما أشارا إليه من الرواية ظاهر في اعتبار علوق شيء بالكفّين والوجه ، بل باليدين أيضا وإن نفى وجوب استيعاب العلوق لجميع

.


1- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 430 .
2- .. تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 195 ، في تفسير الآية 43 من سورة النساء .
3- .. المائدة (5) : 6 .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 262 _ 263 .
5- .. زبدة البيان ، ص 19 .

ص: 488

أجزاء كلّ من الأعضاء ، وهو خارج عن المتنازع فيه ، وهي حسنة زرارة التي سبقت الإشارة إليها ، ورواها المصنّف في باب مسح الرأس والقدمين ، حيث قال عليه السلام فيها : «فلمّا وضع الوضوء إن لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحا ؛ لأنّه قال : «بِوُجُوهِكُمْ » ، ثمّ وصل بها «وَأَيْدِيكُم » ، ثمّ قال : «مِنْهُ » أي من ذلك التيمّم ؛ لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجز على الوجه ؛ لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولايعلق ببعضها» (1) . بل الآية أيضا ظاهرة فيه ؛ إذ كلمة «من» فيها ظاهرة في التبعيض على معنى «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم » ببعض الصعيد أو بعض التيمّم بمعنى ما يتيمّم به وهو الصعيد ، ونعم ما قال صاحب الكشّاف : فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى : «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ » أي بعضه ، وهذا لايتأتّى في الصخر الذي لاتراب عليه ؟ قلت : قالوا : إنّ «من» لابتداء الغاية . فإن قلت : قولهم : إنّها لابتداء الغاية تعسّف (2) ولايفهم أحد من العرب من قول القائل : «مسحت برأسه من الدهن أو من الماء ومن التراب» إلّا معنى التبعيض ؟ قلت : هو كما تقول ، والإذعان للحقّ أحقّ من المراء . انتهى (3) . فالأظهر والأحوط قول الشيخ المفيد وابن الجنيد من اشتراط التراب والغبار، ولاينافيه استحباب النفض المستفاد من الأخبار بل يؤكّده ، كما لايخفى . وكذا مسح اليدين بعد مسح الوجه ، فلتحمل «الأرض» في الأخبار على التراب ، وإنّما عبّر عنه بها ؛ لكونها الأغلب فيها . فإن قلت : فمامعنى قول المفيد بالتيمّم على الحجر إذا فقد التراب ؟ قلت : قال بذلك للاحتياط ؛ لأنّه مكلّف بمشترط بالطهارة واحتمل حصولها

.


1- .. هو الحديث 4 من باب مسح الرأس والقدمين من الكافي .
2- .. في المصدر : «قول متعسّف» .
3- .. الكشّاف ، ج 1 ، ص 529 ، في تفسير سورة النساء .

ص: 489

بالحجر حينئذٍ ، بناء على احتمال كون الصعيد شاملاً له وإن كان مرجوحا ، وعليك بالتأمّل في المقام فإنّه حقيق به . وجوّز أبوحنيفة التيمّم بكلّ ما كان من جنس الأرض كالرماد والزرنيخ والجصّ والنورة والكحل (1) ، أو كان متّصلاً بها كالشجر والثلج . وبه قال مالك (2) إلّا أنّه اعتبر أن يكون من جنس الأرض متّصلاً بها . وعن الأوزاعي جوازه لكلّ ما على الأرض ، سواء كان متّصلاً بها أو غير متّصل ، من جنسها أولا . ولايجوز التيمّم عندنا بما خرج عن اسم الأرض بالاستحالة كالمعادن والخزف والآجرّ والجصّ والنورة بعد نضجهما ، ويجوز قبله على المشهور ؛ لصدق اسم الأرض على أرضهما . وحكى في المنتهى (3) عن السيّد المرتضى أنّه جوّزه بالنورة والجصّ (4) ، وكأنّه أراد بهما أرضهما قبل النضج ، وعليه حمل خبر السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام ، أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ ؟ فقال : «نعم» ، فقيل : بالنورة؟ فقال : «نعم» ، فقيل : بالرماد ؟ فقال : «لا ؛ إنّه ليس يخرج من الأرض إنّما يخرج من الشجر» (5) . وفيه أدنى تأمّل . ومنع ابن إدريس من التيمّم بالنورة (6) ، وعدّ في المنتهى أقرب ؛ معلّلاً بأنّه

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 137 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 248 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 254 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 41 _ 42 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 53 _ 54 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 161 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 61 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 309 ، والتيمّم على ما كان متّصلاً بالأرض كالأشجار منسوب إلى مالك .
3- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 248 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 254 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 61 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 309 ، وزاد فيه : «بكلّ متّصل بالأرض كالأشجار والزرع» .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 64 .
5- .. جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 26) .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 187 ، ح 539 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 352 ، ح 3845 .

ص: 490

معدن (1) ، وظاهرهما أنّ ذلك الحكم قبل نضجها ، ففيه تأمّل . ويشترط في الصعيد الطهارة ، والإباحة ؛ لظهور شمول الطيّب لهما . قوله في مضمر الكاهلي : (فضرب بيده على البساط) . [ ح 3/4103 ] قال _ طاب ثراه _ : البساط _ بالكسر _ : الفرش ، وبالفتح : الأرض الواسعة ، وعلى الأوّل لا دلالة فيه على جواز التيمّم على الفرش ؛ لأنّ الغرض هنا تعليم صورة التيمّم وبيان صفته ؛ بقرينة السؤال ؛ لأنّ «كيف» انّما يكون سؤالاً عن الصفة ، فما يتيمّم به كأنّه كان معلوما للسائل ، ومثله قوله في الخبر الآخر : «فوضع يده على المسح» ، وهو بالكسر : البلاس . قوله في صحيح أبيأيّوب : (أنّ عمّار بن ياسر أصابته جنابة) إلخ . [ ح 4/4105 ] قال _ طاب ثراه _ : فيه إشكال ؛ فإنّ عمّارا كان من أعاظم الصحابة ، فكيف خفت عليه آية التيمّم ، ولايمكن القول بأنّ ما فعله كان قبل نزولها ؛ لأنّ قبله ما كان واجبا عليهم التيمّم ، ولا القول بأنّه سمعها لكنّه قصّر التيمّم فيها على الحدث الأصغر ، فإنّ ملامسة النساء ينافيه ؛ إذ الظاهر المتبادر منها هو الجماع ، والأولى أن يقال : إنّه لم يسمعها ؛ إذ سماع الصحابة كلّهم كلّ آية غير معلوم . أو يقال : إنّه سمعها لكنّه نسيها ، أو غفل عنها . فإن قلت : بم أسند فعله ذلك ؟ قلت: بالقياس ؛ حيث سمع قوله عليه السلام : «التراب أحد الطهورين» قاس التيمّم للجنابة على الغسل لها . أقول : ويحتمل أن يقال : إنّه سمع أنّه التيمّم ولم يفهم مغزاها ، فحمل الملامسة فيها على معناها اللغوي كما زعمه العامّة ، فتوهّم اختصاصها بالتيمّم بدلاً عن الوضوء ، وحمل الوجوه والأيدي أيضا على ما هو المغسول في الوضوء على ما ذهب ، فلمّا رأى وجوب تيمّم الأعضاء المغسولة في بدل الوضوء ، ظنّ وجوب تيمّم الأعضاء المغسولة وهي جميع البدن بدلاً عن الغسل ، ولعلّ هذا هو مراد من قال : «إنّه قاس

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 64 .

ص: 491

التيمّم للجنابة على التيمّم للوضوء» ، ولايرد عليه ما قيل : «إنّ الأصل الذي هو التيمّم للحدث الأصغر اُلغيت فيه مساواة البدل للمبدل منه ؛ إذ هو في عضوين فقط ، فينبغي أن لاتعتبر المساواة في الفرع أيضا (1) . هذا ، وقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا عمّار ، تمعّكت كما تتمعّك الدابّة ؟» استفهام توبيخي لكن لا للاستهزاء والسخريّة ؛ لبراءة ساحته عليه السلام عنهما ؛ لأنّهما من صفات الجهلة ، كما يدلّ عليه قول موسى عليه السلام : «أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَ_هِلِينَ » (2) لمّا قال له قومه : «أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا » ، ولأنّ عمّارا كان يحبّه صلى الله عليه و آله كثيرا ويوقّره حتّى أنّه قال : «عمّار جلدة بين عينَيّ ، تقتله الفئة الباغية» (3) ، فكيف يستهزئ به ؟ بل للمزاح والمطايبة ، وهو ممدوح ، فقد روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّي أمزح ولا أقول إلّا الحقّ» (4) . ومن مزاحه صلى الله عليه و آله : أنّ عجوزا سألته أن يدعو لها بالجنّة ، فقال : «أما علمت أنّ الجنّة لاتدخلها العجائز» ! فاضطربت العجوز ، فقرأ تسكينا لها قوله تعالى : «إِنَّ_آ أَنشَأْنَ_هُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَ_هُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا » (5)(6) .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 428 .
2- .. البقرة (2) : 67 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ، ص 127 _ 128 ، ضمن الرقم 50 ؛ الجمل للمفيد ، ص 50 صدره ؛ العثمانيّة للجاحظ ، ص 142 صدره . ولخصوص ذيله _ بلفظ الغائب أو الخطاب _ أسانيد كثيرة ومصادر متعدّدة ، فانظر : مسند أبيداود الطيالسي ، ح 1598 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 7 ، ص 548 ، ح 37840 ؛ وص 551 ، ح 37864 ، باب ما ذكر في صفّين ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 164 و206 ؛ وج 3 ، ص 22 و91 ؛ وج 4 ، ص 197 و199 ؛ وج 6 ، ص 289 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 2236 ، ح 1916 و2919 ؛ خصائص عليّ بن أبيطالب للنسائي ، ص 231 _ 232 ، ح 158 _ 168 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج ج 1 ، ص 320 ، ح 594 ؛ شرح السنّة للبغوي ، ج 14 ، ص 154 ؛ مسند أبييعلى ، ج 12 ، ص 224 ، ح 6990 ؛ وص 455 ، ح 7025 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 8 ، ص 189 ؛ دلائل النبوّة له أيضا ، ج 2 ، ص 549 ؛ الاعتقاد له أيضا ، ص 218 ؛ حلية الأولياء ، ج 7 ، ص 197 ؛ و . . . .
4- .. شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد ، ج 6 ، ص 30 ، في شرح الكلام 83 ؛ الفائق للزمخشري ، ج 3 ، ص 203 ، باب اللام مع العين ؛ الكامل لابن عديّ ، ج 2 ، ص 344 ، ترجمة الحسن بن محمّد بن عنبر ، وفي بعض رواياته : «إلّا حقّا» .
5- .. الواقعة (56) : 35 _ 37 .
6- .. تفسير مجاهد ، ج 2 ، ص 648 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 283 ؛ الكشف والبيان للثعلبي ، ج 9 ، ص 210 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 5 ، ص 358 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 202 ، الباب 45 ، ضمن ح 2 .

ص: 492

باب الوقت الذي يوجب التيمّم ، ومن تيمّم ثمّ وجد الماء

وربّما يطلق الهزء على المطايبة ، ومنه قوله عليه السلام : «وهو يهزأ به» في هذه القصّة في صحيحة داوود بن النعمان المتقدّمة (1) . قوله في خبر غياث بن إبراهيم : (لا وضوء من مَوطأ) . [ ح 5/4106 ] وفي التهذيب : قال النوفلي : «يعني ما تطأ عليه برجلك» (2) ، والوضوء هنا بمعنى الطهارة على إرادة التيمّم والمقصود منه نفي الكمال ، فالنهي الضمني فيه للتنزيه ، ومثله نهي أميرالمؤمنين عليه السلام في خبر العُرَني عنه (3) . واستدلّ الشيخ في التهذيب بهذين الخبرين لاستحباب التيمّم من الربى وعوالي الأرض ، موضحا إيّاه بأنّهما يدلاّن على كراهة التيمّم من أثر الطريق والمواضع الموطأة ، فلم يبق بعد إلّا الربى والعوالي التي يستحبّ التيمّم منها ، وإنّما حملوا النهي فيهما على الكراهة مع عدم معارض صريح ؛ لضعفهما ، وعدم قول بالتحريم .

باب الوقت الذي يوجب التيمّم ، ومن تيمّم ثمّ وجد الماءفيه مسألتان : الاُولى : أجمع الأصحاب على عدم جواز التيمّم للفريضة الموقّتة قبل دخول وقتها ، مع أنّهم يستحبّون الطهارة المائيّة قبله للتأهّب ، واحتجّ عليه السيّد في الناصريّات (4) بإجماع الفرقة المحقّة ، وحكاه عن الشافعي (5)

.


1- .. فى هامش «أ» : «في ذيل باب صفة التيمّم . منه عفي عنه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 186 _ 187 ، ح 537 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 349 ، ح 3836 . وهذه الفقرة موجودة أيضا في الكافي ، ذيل ح 5 .
3- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 187 ، ح 538 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 349 ، ح 3837 .
4- .. الناصريّات ، ص 156 _ 157 .
5- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 62 ، باب متى يتيمّم للصلاة ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 349 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 109 ؛ المجموع للنووي، ج 2 ، ص 239 و243 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 232 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 46 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 329 .

ص: 493

ومالك (1) ، ونقل جوازه عن أبيحنيفة (2) . واختلفوا في جوازه بعد دخول الوقت مع السعة ، فعن الصدوق جوازه مطلقا ، وهو ظاهره في الفقيه ، وقوّاه العلّامة في المنتهى (3) ، وعدّه في التحرير أقوى (4) ، ونسب في المختلف عدمه كذلك إلى المشهور ، وحكاه [ عن جماعة ] (5) ، وهو ظاهر السيّد في الانتصار (6) والشيخ في الخلاف (7) والمبسوط (8) والنهاية (9) وكتابي الأخبار (10) ؛ حيث أطلقا المنع من غير تقييد برجاء الماء ، وإليه مال الشهيد في الدروس (11) ، وهو ظاهر المفيد في المقنعة ؛ حيث قال : ومن فقد الماء فلا يتيمّم حتّى يدخل وقت الصلاة ثمّ يطلب أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كلّ جهة إن كانت الأرض سهلة ، وإن كانت حزنة طلبه في كلّ جهة مقدار رمية سهم ، وإن لم يجده يتيمّم في آخر أوقات الصلاة عند اليأس منه (12) .

.


1- .. المجموع للنووي، ج 2 ، ص 243 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 329 .
2- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 349 ، المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 243 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 109 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 46 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 235 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 234 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 329 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 53 .
4- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 147 ، المسألة 461 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 414 .
6- .. الانتصار ، ص 122 .
7- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 146 ، المسألة 94 .
8- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 131 .
9- .. النهاية ، ص 47 .
10- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 و166 ، باب أنّ التيمّم لايجب إلّا في آخر الوقت ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 202 ، ذيل ح 587 .
11- .. الدروس ، ج 1 ، ص 131 ، الدرس 23 .
12- .. المقنعة ، ص 61 ، التيمّم وأحكامه .

ص: 494

وفصّل العلّامة في المختلف (1) وأكثر كتبه بين رجاء الماء واليأس منه ، فجوّزه في الثاني دون الأوّل ، وحكاه عن ابن الجنيد (2) ، وبه قال الشهيد في اللمعة ، والأظهر الجواز مطلقا (3) مع استحباب التأخير . لنا على الجواز قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » إلى قوله : «فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (4) ؛ لاقتضاء العطف التسوية في الحكم بين المعطوفين ، فكما صحّ في المعطوف عليه إيقاعه في أوّل الوقت ، فكذا في المعطوف . وإطلاق صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت ؟ قال : «تمّت صلاته ولا إعادة عليه» (5) . وموثّقة يعقوب بن سالم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في رجل تيمّم وصلّى ثمّ أصاب الماء وهو في وقت ؟ قال : «قد مضت صلاته وليتطهّر» (6) . وخبر معاوية بن ميسرة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل في السفر لايجد الماء [ تيمّم ] ثمّ صلّى ثمّ أتى بالماء وعليه شيء من الوقت : أتمضي صلاته أم يتوضّأ ويعيد الصلاة ؟ قال : «يمضي على صلاته ؛ فإنّ ربّ الماء ربّ التراب» (7) . وصحيحة العيص ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلّى ؟ قال : «يغتسل ولايعيد الصلاة» (8) .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 415 .
2- .. في الهامش : «لكنّه قال باستحباب التأخير في الثاني ، ونقل عن ابن الجنيد استحباب التقديم فيه . منه عفي عنه» .
3- .. في الهامش : «مع الطلب كما سيجيء» .
4- .. المائدة (5) : 6 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 194 ، ح 562 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 160 ، ح 552 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3889 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 195 ، ح 563 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 160 ، ح 553 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، ح 3894 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 107 _ 108 ، ح 221 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 195 ، ح 564 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 160 ، ح 554 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، ح 3893 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 197 ، ح 569 و570 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 161 ، ح 556 ؛ وسائل الشيعة ، ف ج 3 ، ص 370 ، ح 3896 .

ص: 495

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ، ثمّ وجد الماء ؟ فقال : «لايعيد ؛ إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين» (1) . وصحيحة ابن سنان _ بناء على أنّه عبداللّه _ ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا ، فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلّى» (2) . وخبر الحسن الصيقل ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : رجل تيمّم ثمّ قام فصلّى فمرّ به نهر وقد صلّى ركعة ؟ قال : «فليغتسل وليستقبل الصلاة» . فقلت : إنّه قد صلّى صلاته كلّها . قال : «لايعيد» (3) . وخبر عليّ بن سالم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : أتيمّم واُصلّي ثمّ أجد الماء وقد بقي علَيّ وقت ؟ فقال : «لاتعد الصلاة ؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» الحديث (4) ، وسيأتي . وعلى استحباب التأخير خبر محمّد بن حمران ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ؟ قال : «يمضي في الصلاة، واعلم أنّه لاينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» (5) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 197 ، ح 571 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 161 ، ح 557 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، ح 3895 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 193 ، ح 556 ؛ وص 197 ، ح 572 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 159 ، ح 549 ؛ وص 161 ، ح 558 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3887 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1277 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 168 ، ح 581 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 383 ، ح 2928 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 202 ، ح 587 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 ، ح 572 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 371 ، ح 3897 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 203 ، ح 590 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 166 ، ح 575 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3925 .

ص: 496

وينبغي أن يحمل عليه ما ورد من الأمر بالتأخير فيما سيأتي ؛ لشيوع استعمال الأمر في الندب حتّى قيل : إنّه حقيقة فيه ، ولكثرة الأخبار المذكورة وصحّة أكثرها كان التأويل في غيرها للجمع أظهر . واحتجّ الشيخ على وجوب التأخير مطلقا في الخلاف بالاحتياط (1) ، وفي كتابي الأخبار بصحيحة محمّد بن مسلم (2) ، وحسنة زرارة (3) . ومثلهما موثّقة عبداللّه بن بكير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : رجل أَمّ قوما وهو جنب وقد تيمّم وهو على طهور ؟ قال : «لا بأس ، فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت ، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض» (4) . وأنت خبير بأنّ ظاهر هذه الأخبار رجاء الماء ، فلا تدلّ على مدّعاه ، وقد عرفت وجه الجمع بينها وبين ما سبق ، والاحتياط ليس مدركا للوجوب الشرعي . واحتجّ السيّد في الكتابين عليه بالإجماع ، وبأنّ التيمّم إنّما اُبيح للضرورة ولا ضرورة قبل الضيق (5) . وفيهما تأمّل ، أمّا الإجماع ، فلما عرفت من وجود القول بخلافه قبله وبعده وفي زمانه ، وأمّا دليله الآخر ، فلأنّ التيمّم إنّما اُبيح لفقد الماء بدلاً ، والظاهر تساوي حكمه مع حكم المبدل منه كما ذكر ، فإن أراد بالضرورة ما ينفي هذا ، فمنعنا كونه لها ، بل هو عين المتنازع فيه ، فتأمّل .

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 146 ، المسألة 94 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 203 ، ح 588 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 ، ح 573 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 384 ، ح 3929 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 203 ، ح 589 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 _ 166 ، ح 574 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 384 ، ح 3930 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 384 ، ح 3931 .
5- .. الناصريّات ، ص 157 ؛ الانتصار ، ص 123 .

ص: 497

وإن تمسّكوا بما سيأتي من صحيحة يعقوب بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام (1) حيث دلّت على الإعادة إذا وجد الماء في الوقت ، فنقول : هي أيضا محمولة على الاستحباب ؛ لما ذكر ، بل هي ظاهرة في عدم اشتراط الضيق ؛ إذ لو اشترط لوجبت الإعادة مطلقا ، وهي صريحة في عدم وجوبها إذا وجد الماء بعد مضيّ الوقت . ويظهر ممّا ذكر حجّة المفصّل وضعفها . الثانية : إذا قدر على الماء ، وله أربع صور : الاُولى : أن يقدر عليه قبل الشروع في الصلاة ، ولاريب في انتقاض تيمّمه حينئذٍ مع سعة الوقت ، ولا في عدمه مع عدمها . والثانية : أن يقدر عليها في أثناء الصلاة ، فذهب الشيخان في المقنعة والمبسوط (2) والخلاف (3) ، والشهيد في الذكرى (4) والدروس ، والعلّامة في التحرير (5) والمنتهى (6) والقواعد (7) والإرشاد (8) إلى أنّه يمضي في صلاته مطلقا ، ركع أو لا ، وهو محكيّ في الذكري (9) عن السيّد المرتضى في مسائل الخلاف (10) ، وعن ابن إدريس (11) وابن البرّاج (12) ، وفي الخلاف عن

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 _ 193 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 159 _ 160 ، ح 551 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3188 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 33 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 141 ، المسألة 89 .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 276 _ 277 .
5- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، المسألة 465 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 136 _ 137 .
7- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 240 .
8- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 235 .
9- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 275 .
10- .. حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 186 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 400 .
11- .. السرائر ، ج 1 ، ص 140 .
12- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 48 .

ص: 498

الشافعي (1) وأحمد (2) ومالك (3) وأبيثور (4) . ويدلّ عليه أصالة عدم جواز قطع الصلاة الثابتة بقوله تعالى (5) : «لَا تُبْطِ_لُواْ أَعْمَ__لَكُمْ » (6) ، وعموم خبر محمّد بن حمران المتقدّم ، وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم ، قال : قلت في رجل ما يصيب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ، ثمّ أصاب الماء : أينقض الركعتين ، أو يقطعهما ويتوضّأ ثمّ يصلّي ؟ قال : «لا ، ولكنّه يمضي في صلاته ولاينقضها ؛ لمكان أنّه دخلها على طهور بتيمّم» ، الحديث (7) ، وسيأتي . فإنّ التعليل يقتضي وجوب المضيّ فيها أيضا مع التلبّس بها ولو بتكبيرة الإحرام . وفصّل الشيخ في النهاية بين ما لو قدر عليه قبل الركوع في الركعة الاُولى وما لو قدر عليه بعده ، فأوجب الإعادة في الأوّل دون الثاني (8) ، واختاره الصدوق (9) . ويدلّ عليه حسنة حريز ، عن زرارة (10) ، وخبر عبداللّه بن عاصم (11) .

.


1- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 110 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 45 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 57 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 11 ، ص 174 ، في تفسير سورة المائدة .
3- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 46 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 11 ، ص 174 ، في تفسير سورة المائدة .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 .
5- .. في الأصل : «عليه السلام» ، فصوّبناه» .
6- .. محمّد (47) : 33 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 106 ، ح 215 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 205 ، ح 595 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 167 _ 168 ، ح 580 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3926 .
8- .. النهاية ، ص 48 .
9- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 105 ، ذيل ح 214 .
10- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 200 ، ح 580 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 164 ، ح 570 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 381 ، ح 3923 .
11- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 204 ، ح 591 و592 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 166 _ 167 ، ح 576 و577 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 381 ، ح 3924 .

ص: 499

وفي المنتهى : «هاتان الروايتان محمولتان على الاستحباب» (1) ، وبه وجّههما الأكثر . وحكى في الذكرى (2) عن ابن الجنيد أنّه قال : إذا وجد المتيمّم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية ، فإن ركعها مضى في صلاته ، فإن وجده بعد الركعة الاُولى وخاف من ضيق الوقت أن يخرج إن قطع رجوت أن يجزيه إن لايقطع صلاته ، فأمّا قبله فلابدّ من قطعها مع وجود الماء (3) . وهو كماترى . وحكى أيضا فيه عن السلّار أنّه أوجب الرجوع ما لم يقرأ (4) ، وقال : «كأنّه اعتبر أكثر الأركان وهو القيام والنيّة والتكبير وأكثر الأفعال وهو القراءة» (5) . وعن ابن حمزة أنّه قال : «إذا وجد الماء بعد الشروع وغلب على ظنّه أنّه إن قطعها وتطهّر بالماء لم تفته الصلاة وجب عليه قطعها والتطهّر بالماء ، وإن لم يمكنه ذلك لم يقطعها» (6) ، وهو مبنيّ على اعتبار الضيق فيه . وفي المختلف : «ونحن من المتوقّفين في المسألة» (7) . الثالثة : أن يقدر عليه بعد الفراغ من الصلاة ، ففي القول بجوازه في السعة لاتجب الإعادة ؛ لإتيانه بماأمر به ، ولصراحة أكثر ما احتججنا به على ذلك فيه ، فليحمل ما سيجيء من صحيحة يعقوب بن يقطين على الاستحباب . وأمّا على القول باعتبار الضيق ، فالمشهور عدم وجوب الإعادة فيما إذا وقع التيمّم والصلاة في آخر الوقت مطلقا ؛ لما ذكر .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 140 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 276 .
3- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 435 .
4- .. المراسم ، ص 54 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 278 .
6- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 278 عن ابن حمزة في الواسطة .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 449 .

ص: 500

ونقل عن السيّد المرتضى أنّ الحاضر إذا تيمّم لفقد الماء وجب عليه الإعادة إذا وجده (1) . وحكاه صاحب كنز العرفان عن الشافعي (2) وأحد قولَي أبيحنيفة (3) ، وكأنّهم احتجّوا في ذلك بتقييد التيمّم في الآية الكريمة بالمريض والمسافر ، فجعلوا التيمّم لهما أصلاً ؛ مساويا لمبدله في عدم استتباعه للإعادة والتيمّم لفقد الماء على الحاضرين لما كان مستفادا من الأخبار احتاطوا فيه بذلك ، وقد عرفت وجه التقييد في الآية . وسبق أيضا عموم ما دلّ على عدم وجوب الإعادة لفقد الماء ، وظاهره في الحاضر . وذهب الشيخ في الاستبصار إلى وجوب الإعادة على المجنب المتعمّد وإن خرج الوقت (4) . وفي التهذيب عدّها الأولى (5) ، ويأتي تحقيق القول فيه ، إن شاء اللّه تعالى . وأمّا إذا وقعا في السعة ، فعلى هذا القول ينبغي أن يقال بوجوب الإعادة مطلقا وإن وجد الماء بعد تقضّي الوقت ؛ لعدم إتيانه بما اُمربه ، وقد ذهب إليه أكثرهم ، بل صرّح جماعة منهم ، منهم الشيخ بوجوب الإعادة بتيمّم آخر لو لم يجد الماء ، ففي المبسوط : لايجوز التيمّم إلّا في آخر الوقت وعند الخوف من فوت الصلاة ، فإن تيمّم قبل دخول الوقت أو بعده في أوّل الوقت ، لم يجز أن يستبيح به الصلاة ، فإن صلّى بذلك أعاد الصلاة بتيمّم مستأنف أو وضوء إن وجد الماء (6) . وفي النهاية مثله (7) .

.


1- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ،ج 1 ، ص 365 ؛ والسيّد العاملي في المدارك ، ج 2 ، ص 237 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 337 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 305 ؛ عمدة القاري ، ج 4 ، ص 7 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 293 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 218 ، في تفسير سورة النساء .
3- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 337 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 305 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 477 .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 162 ، ذيل ح 560 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 196 ، ذيل ح 568 .
6- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 31 .
7- .. النهاية ، ص 47 _ 48 .

ص: 501

وخصّ بعضهم وجوب الإعادة بما إذا قدر عليه في الوقت ، وذهب إليه ابن أبيعقيل ؛ فإنّه قال _ على ما حكي عنه في المختلف _ : لايجوز التيمّم إلّا في آخر الوقت» إلى قوله : «ولو تيمّم في أوّل الوقت وصلّى ثمّ وجد الماء وعليه وقت ، تطهّر بالماء وأعاد الصلاة ، فإن وجد الماء بعد مضيّ الوقت فلا إعادة عليه (1) . وجمع بذلك بين ما دلّ على اشتراط الضيق وصحيحة يعقوب بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل تيمّم فصلّى ثمّ أصاب بعد صلاته ماء: أيتوضّأ ويعيد الصلاة ، أم تجوز صلاته ؟ قال : «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» (2) . ونعم ما قال السيّد رضى الله عنه في الناصريّات في شرح قول ناصر الحقّ : «فإن وجد الماء بعد فراغه من صلاته وهو في بقيّة من وقتها أعادها ، وإن وجدها بعد مضيّ وقتها فلا إعادة عليه» : هذا الفرع لايشبه من ذهب إلى أنّ الصلاة بالتيمّم لايجوز إلّا في آخر الوقت وإنّما يجوز أن يفرّع هذا الفرع من يجوّز الصلاة في وسط الوقت أو قبل تضيّق الوقت (3) . واعلم أنّ المراد بضيق الوقت على الأظهر والأشهر بين أهل العلم بقاء مقدار زمان التيمّم وفعل الصلاة بجميع أفعالها : واجباتها ومستحبّاتها التي يريد فعلها . وحكي في المنتهى عن الشافعي أنّه اعتبر مقدار التيمّم وأداء ركعة ؛ معلّلاً بأنّه تدرك الصلاة بإدراك ركعة ، وهو محلّ نظر لاسيّما عند من يقول بأنّ الركعات الواقعة خارج الوقت تكون قضاء . بقي هنا مسألة : قال الشيخ المفيد في المقنعة :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 _ 193 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 159 _ 160 ، ح 551 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3188 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 447 .
3- .. الناصريّات ، ص 160 .

ص: 502

لو أنّ متيمّما دخل في الصلاة فأحدث ما ينقض الصلاة من غير تعمّد ووجد الماء ، لكان عليه أن يتطهّر ويبني على ما مضى من صلاته ما لم ينحرف عن الصلاة إلى استدبارها أو يتكلّم عامدا بما ليس من الصلاة (1) . وبه قال الشيخ أيضا ، واحتجّ عليه بتتمّة صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة ، فقد ورد فيها بعد ما ذكر : قال زرارة : فقلت له : دخلها وهو متيمّم فصلّى ركعة وأحدث فأصاب ماء ؟ قال : «يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» (2) . وصحيحتهما الاُخرى بسند آخر عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : قلت له : رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم ، فصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب الماء ؟ قال : «يخرج ويتوضّأ ثمّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» (3) . ولا استبعاد فيه ؛ لورود النصّ الصحيح به . فإن قيل : قد ثبت في الشريعة بالنصّ والضرورة اشتراط الصلاة بالطهارة . قلت : إن أردت اشتراطها بطهارة واحدة مستمرّة من أوّلها إلى آخرها فهو أوّل المسألة ، وإن أردت وقوعها بجميع أجزائها مع الطهارة ، فهو مسلّم ، ولاينافيه ما ذكر ، وليس مختصّا بهذه المسألة ، بل لها نظائر في الشريعة كصلاة المستحاضة والمبطون على القول بالوضوء والبناء إذا أحدثا في أثناء الصلاة . ومنها : صلاة من نسي ركعة فما فوقها ؛ فإنّه يبني على ما مضى ، ولو وقع منه حدث ، بل ولو بلغ الصين على القول القويّ الذي يأتي في محلّه . وأمّا المصلّي بالطهارة المائيّة فيستأنف الصلاة حينئذٍ إجماعا ؛ لعدم نصّ على

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 106 ، ح 215 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 205 ، ح 595 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 167 _ 168 ، ح 580 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3926 .
2- .. المقنعة ، ص 61 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 204 _ 205 ، ح 594 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3926 ؛ وج 7 ، ص 236 ، ح 9210 .

ص: 503

استثنائه ، وقد صرّح بذلك الشيخان أيضا . وإنّما اشترطا عدم الاستدبار والتكلّم عامدا مع إطلاق النصّ ؛ لثبوت منافاتهما للصلاة شرعا ، فيحتاج اغتفارهما إلى نصّ صريح ، وليس هنا ، فليس . [قوله] في حسنة ابن اُذينة ، عن زرارة : (فليطلب مادام في الوقت) . [ ح 2/4109 ] يدلّ على وجوب الطلب في السعة ، وأجمع عليه الأصحاب فيما إذا ترقّب الماء ، وانتفى المانع عنه من خوف ونحوه . ويدلّ عليه خبرا داوود بن كثير الرقّي (1) ويعقوب بن سالم (2) ، وحمل على وجود المانع تتمّة خبر عليّ بن سالم المتقدّم ، حيث قال : فقال له داوود بن كثير : أفأطلب الماء يمينا وشمالاً ؟ فقال : «لاتطلب الماء يمينا ولاشمالاً ولا في بئر إن وجدته على الطريق فتوضّأ ، وإن لم تجده فامض» . واحتجّ أيضا عليه بقوله تعالى : «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً » (3) ، فإنّ المراد بالوجدان التمكّن منه ، والقادر على الطلب قادر عليه . واحتجّ عليه السيّد في الناصريّات (4) ، بإجماع الأصحاب، ونسبه إلى الشافعي (5) ، وحكى عن أبيحنيفة وأشياعه عدم وجوبه (6) .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 _ 186 ، ح 536 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 341 ، ح 3816 .
3- .. هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 184 ، ح 528 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 341 ، ح 3817 .
4- .. الناصريّات ، ص 157 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 25) .
5- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 62 ؛ أحكام القرآن للشافعي ، ج 1 ، ص 48 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 472 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ، الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 249 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 252 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 58 .
6- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 473 ، الكشف والبيان للثعلبي ، ج 3 ، ص 318 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 252 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 58 ، المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ، الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 249 .

ص: 504

ونقل في المنتهى (1) عن أحمد فيه روايتين (2) ، واختلفت عباراتهم في مقدار الطلب ، فقد أطلقه السيّد فيها (3) ، والشيخ في الخلاف (4) . وقال في النهاية : «لايجوز له التيمّم في آخر الوقت إلّا بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه وعن يساره» (5) من غير ذكر للأمام والخلف ؛ لتخصيص الجهتين بالذكر في صحيحة داوود الرقّي ، وخبر يعقوب بن سالم . وفي المقنعة : «يطلبه أمامه وعن يمينه وعن شماله» . ونقل في المنتهى (6) مثله عن أبيالصلاح (7) . وعدم ذكرهما للخَلف واضح ؛ لأنّه الجهة التي جاء منها المسافر ، كما لايخفى ، فلا فائدة في العود ؛ لأنّه كان قد رآها في مسيره . وفي المبسوط : «الطلب واجب قبل تضيّق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه» (8) . وهو الأشهر ، وعلّلوه بأنّه إذا وجب التحرّي واحتمل وجوده في الجهات ، فتخصيص بعضها على بعض ترجيح بلا مرجّح ، ولايبعد حمل قوله عليه السلام : «يمينا وشمالاً» على جميع الجهات كما في قوله عليه السلام : «فليذهب الحسن يمينا وشمالاً فلا يجد (9) العلم إلّا هاهنا» (10) .

.


1- .. النهاية ، ص 48 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 31 .
3- .. الناصريّات ، ص 157 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 25) .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 43 .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 249 .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 147 ، مسألة 95 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 47 .
8- .. الكافي في الفقه ، ص 136 ، [باب] فرض التيمّم .
9- .. في جميع المصادر : «ما يوجد».
10- .. بصائر الدرجات ، ص 29 ، باب ما أمر الناس بأن يطلبوا العلم من معدنه ، ومعدنه آل محمّد ، ح 1 ؛ الكافي ، ف ج 1 ، باب النوادر من كتاب فضل العلم ، ح 15 ؛ وسائل الشيعة ، ج 27 ، ص 18-19 ، ح 33095 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 17 ، ص 273 ، ح 21321 .

ص: 505

ثمّ إنّ الأكثر صرّحوا بوجوب الطلب مقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في السهلة ؛ لخبر السكوني عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام ، أنّه قال : «يطلب الماء في السفر إن كانت حزونة فغلوة (1) ، وإن كانت سهولة فغلوتين ، لايطلب أكثر من ذلك» (2) . وضعفه منجبر بعمل الأصحاب . فروع : الأوّل : تبطل الصلاة بالتيمّم في السعة مع الإخلال بالطلب إجماعا ولو قلنا بجواز التيمّم فيها ؛ لاشتراطه بالطلب كما عرفت . الثاني : الظاهر صحّة الصلاة بالتيمّم في آخر الوقت مع الإخلال بالطلب وإن أثم به ؛ لأنّه حينئذٍ مأمور بالصلاة به والطلب عنه ساقط ، فقد أتى بالمأمور به، فوجب أن يخرج عن العهدة ، وإليه ذهب العلّامة في القواعد (3) ، وفي المختلف عدّه أقرب (4) ؛ معلّلاً بما ذكر . وقال الشيخ والشهيد (5) بوجوب قضاء الصلاة عليه ؛ حيث أطلقوا عدم صحّة التيمّم والصلاة مع الإخلال به من غير تقييد بالسعة ، بل الظاهر أنّهم أرادوا بالتيمّم قبل الطلب في هذا المقام التيمّم الواقع في الضيق ، فإنّ الواقع في السعة باطل عندهم وإن وقع بعد الطلب على ما سبق . الثالث : قد أفتى الشيخ بعدم وجوب إعادة الصلاة بعد الطلب فيما إذا نسي الماء

.


1- .. في تهذيب الأحكام : «فغلوة سهم» . وفي جميع المصادر : «الحزونة» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 202 ، ح 586 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 ، ح 571 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 341 ، ح 3815 .
3- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 276 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 445 .
5- .. في الهامش : «ففي الخلاف [ج 1 ، ص 147 ، المسألة 95] : من تيمّم من غير طلب لم يصحّ تيمّمه . وفي المبسوط [ج 1 ، ص 31] : وإن تيمّم قبل الطلب لم يعتدّ بذلك التيمّم . وفي النهاية [ص 48] : فمتى لم يطلب الماء وتيمّم وصلّى وجب عليه إعادة الصلاة . وفي الدروس [ج 1 ، ص 131 ، الدرس 23] : لو وهب الماء أو أراقه في الوقت أو ترك الطلب وصلّى أعاد ، والأولى بالإعادة ما لو وجد الماء في موضع الطلب . منه عفي عنه» .

ص: 506

في رحله فقال : فإن نسي الماء في رحله وقد طلبه فلم يجده لم يلزمه إعادة الصلاة ، والظاهر بناء علي ما سبق من مذهبه من اشتراط الضيق في صحّة التيمّم ، أنّ ذلك فيما إذا تيمّم وصلّى في آخر الوقت ، فلو تيمّم وصلّى في السعة يلزمه الإعادة ، وصرّح به في النهاية ، فقال : «فإن نسي الماء في رحله وقد تيمّم وصلّى ثمّ علم بعد ذلك والوقت باق ، وجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة» (1) . ومن قال بجوازه في السعة فالظاهر أنّه يقول بعدم وجوب الإعادة مطلقا ، وهو الظاهر . ويدلّ عليه خبر أبيبصير (2) ، وما دلّ على رفع حكم النسيان عن هذه الاُمّة . وجزم العلّامة في القواعد بوجوب الإعادة عليه وإن تيمّم وصلّى في الضيق (3) . ويردّه ما ذكر . قوله في حسنة حريز عن زرارة : (قلت : فيصلّي بتيمّم واحد صلاة الليل والنهار كلّها) إلخ . [ ح 4/4105 ] الظاهر شمول صلاة الليل والنهار للنوافل والمفروضات ، ومثلها عموم ما سبق من قوله عليه السلام : «يا باذرّ ، يكفيك الصعيد عشر سنين» (4) . وما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «لا بأس بأن يصلّي صلاة الليل والنهار بتيمّم واحد ما لم يحدث أو يصب الماء» (5) .

.


1- .. النهاية ، ص 48 .
2- .. هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 616 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 367 ، ح 3885 .
3- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 236 . وأفتى بالإعادة مطلقا من غير تقييده بالضيق في : تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 220 ، المسألة 320 ؛ ونهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 219 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 108 ، ح 222 مرسلاً ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 194 ، ح 561 ؛ وص 199 _ 200 ، ح 578 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 369 ، ح 3892 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 201 ، ح 582 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 163 ، ح 567 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 380 ، ح 3920 .

ص: 507

وصحيحة زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في رجل يتيمّم ، قال : «يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء» (1) . وما روى في المنتهى (2) عن الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال لأبيذرّ رضى الله عنه : «يا باذرّ ، الصعيد طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» (3) . وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يحدث أو يجد الماء» (4) . وهو مذهب الأصحاب ، ومرويّ في المنتهى (5) عن ابن عبّاس (6) وسعيد بن المسيّب (7) والحسن (8) والزهري (9) والثوري (10) وداوود (11) [ و ] ابن المنذر (12) والمزني (13) وأصحاب الرأي (14) . وعن الشافعي أنّه قال : «لايجمع المتيمّم بين فريضتين ، ويصلّي الفرض والنافلة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 200 ، ح 579 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 379 ، ح 3917 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 110 .
3- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 81 ، ح 124 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ج 1 ، ص 212 ، وفيه : «وضوء المسلم» .
4- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 106 ؛ نصب الراية للزيلعي ، ج 1 ، ص 219 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 108 _ 109 .
6- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
7- .. المصادر المتقدّمة .
8- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
9- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
10- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير، ج1، ص268.
11- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 .
12- .. حكاه عنه العلاّمة في المنتهى ، ج 2 ، ص 203 .
13- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 .
14- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 .

ص: 508

وصلاة الجنازة بتيمّم واحد» (1) . ونقلوه عن عليّ عليه السلام (2) وابن عبّاس (3) وعبداللّه بن عمر (4) وابن العاص والنخعي (5) وقتادة (6) وربيعة (7) والليث بن سعد (8) وإسحاق (9) . وعن مالك أنّه قال : «لايصلّى بتيمّم واحد صلاتي فرض ، ولايصلّى فرضا ونافلة إلّا أن يكون الفرض قبل النافلة» (10) . وقال شريك : «يتيمّم لكلّ صلاة» (11) . وعن أحمد أنّه قال : «يجمع بين فوائت ، ولايجمع بين حاضرتين» (12) . وبه قال أبوثور 13 . ويردّ أقوالهم ما ذكر . وقال _ طاب ثراه _ : ويستفاد منه _ يعني من الخبر المذكور _ اُمور :

.


1- .. المصادر المتقدّمة .
2- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 .
3- .. التفسير الكبير ، ج 11 ، ص 174 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
5- .. المصدرين المتقدّمين .
6- .. الإقناع ، ص 79 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 103 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
7- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 .
8- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
9- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 . وكان في الأصل : «الليث بن سعيد» فصوّبته .
10- .. الموطّأ ، ج 1 ، ص 54 ، ولم يذكر فيه الاستثناء ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 129 .
11- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 .
12- .. التفسير الكبير ، ج 11 ، ص 174 .

ص: 509

الأوّل : جواز التيمّم لصلاة النافلة ، وأجمع عليه الأصحاب ، ومنعه بعض العامّة ؛ محتجّا بعدم الضرورة الداعية إليه ، بخلاف الفرض . [ الثاني ] : أنّه لو تيمّم للنفل جاز أن يصلّي به الفرض ، ولا خلاف فيه عندنا ، ومنعه بعض العامّة وقال : يصلّي به ما شاء من النوافل بشرط الاتّصال لا مع الانفصال ، وقيل : مع الانفصال أيضا . الثالث : أنّه لو تيمّم للفرض جاز أن يصلّي به فرضا آخر ، اتّصل أو انفصل ، خلافا لبعض العامّة مع الانفصال . الرابع : أنّ عدم صحّة التيمّم قبل دخول الوقت مختصّ بفعله ابتداء لا استمرارا ، خلافا لبعض العامّة . الخامس : أنّ وجوب طلب الماء لاينافي استمراره لو لم يجده ، خلافا لبعض العامّة . والحدث في قوله عليه السلام : «ما لم يحدث أو يصب ماء» شامل لكلّ ما ينقض الطهارة المائيّة ، والمراد بإصابة الماء القدرة على استعماله ، فنواقضه زائدة على نواقض المائيّة بهذه القدرة . وفي المنتهى : «ولانعرف فيه خلافا إلّا ما نقله الشيخ (1) عن أبيسلمة بن عبدالرحمان (2) ، فإنّه قال : لايبطل بها» (3) ، يعني بهذه القدرة ؛ لأنّه بدل ، فلايزيد حكمه على حكم مبدله» . وهو كماترى . وقوله عليه السلام : «فإنّ التيمّم أحد الطهورين» ظاهره كون التيمّم رافعا للحدث . ومثله ما رواه محمّد بن حمران وجميل ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إنّ اللّه جعل

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 140 ، المسألة 88 .
2- .. أبوسلمة بن عبدالرحمان بن عوف الزهري المدني ، قيل : اسمه كنيته . وقيل : اسمه عبداللّه . وقيل : إسماعيل . من فقهاء التابعين ، روى عن أبيه واُسامة بن زيد وأبيسعيد الخدري وابن عبّاس واُمّ سلمة وأبيهريرة وغيرهم ، وروى عنه ابنه عمر والشعبي وعروة بن الزبير وغيرهم ، مات سنة 94 ه ق . راجع : تهذيب الكمال ، ج 33 ، ص 370 _ 376 ، الرقم 7409 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 287 _ 292 ، الرقم 108 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 143 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 336 ، باب بطلان التيمّم بوجدان الماء .

ص: 510

التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (1) . وما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «الصعيد الطيّب طهور المسلم» (2) . وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «اُعطيت ما لم يعط نبيّ من أنبياء اللّه : جعل لي التراب طهورا» (3) . وعن حذيفة ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا» . ويؤيّدها قوله عليه السلام في صحيحة الحسين بن أبيالعلاء : «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (4) . وقوله عليه السلام : «ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» في خبر ابن أبييعفور وعنبسة بن مصعب (5) . وهو ظاهر قوله تعالى : «وَلَ_كِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ » (6) ، فيكون حكمه حكم الطهارة المائيّة في رفع الحدث ، إمّا إلى وقت القدرة على استعمال الماء ، أو مطلقا ، لكن يعود الحدث عند القدرة على الماء ، على أن يكون هي ناقضة له كالحدث ، ولا استبعاد في شيء منهما إذا كان بحكم الشارع ، وهو منقول عن السيّد المرتضى (7) . وباقي الأصحاب ، على أنّه لا يرفع الحدث ، وإنّما فائدته إباحة ما يشترط بالطهارة

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 109 ، ح 224 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1264 بزيادة : «كما جعل الماء طهورا» ؛ وج 3 ، ص 167 ، ح 365 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 425 ، ح 1638 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 133 ، ح 322 ؛ وج 3 ، ص 385 ، ح 3934 ؛ وص 386 _ 387 ، ح 3941 .
3- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 81 ، ح 124 .
4- .. مسند أحمد ، ج 1 ، ص 98 و158 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 7 ،ص 411 ، كتاب الفضائل ، باب ما أعطى اللّه محمّدا ، ح 9 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 213 _ 214 ، باب الدليل على أنّ الصعيد الطيّب هو التراب ؛ كنز العمّال ، ج 11 ، ص 411 ، ح 31928 .
5- .. هي الرواية 7 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 184 ، ح 527 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 344 _ 345 ، ح 3822 .
6- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 426 ؛ وص 185 ، ح 535 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 128 ، ح 435 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 177 ، ح 443 ؛ وج 3 ، ص 344 ، ح 3820 .
7- .. الناصريّات ، ص 159 _ 160 .

ص: 511

فقط ؛ لاستبعادهم ما ذكر ، واتّفق الفريقان على إباحة جميع مايشترط بالطهارة به ، وهو المشهور بين العامّة ، حكاه في المنتهى (1) عن عطاء ومكحول والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والشافعي والثوري وأصحاب الرأي ، وحكي عن أبيمخرمة 2 أنّه لا يتيمّم إلّا للصلاة المكتوبة ، وعن الأوزاعي أنّه ليس للمتيمّم مسّ المصحف (2) . قوله : (عن داوود الرقّي) . [ ح 6/4113 ] هو داوود بن كثير ، وقد قال [ ابن ] الغضائري : إنّه «كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لايلتفت إليه» (3) . وقال النجاشي : «إنّه ضعيف جدّا ، والغلاة تروي عنه» (4) . ونقل عن أحمد بن عبدالواحد أنّه قال : «قَلّ ما رأيت له حديثا سديدا» (5) . ووثّقه الشيخ في الفهرست (6) ، وتبعه المحقّق الاسترآبادي في رجاله ، وهو أظهر ؛ لما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام ، قال : «أنزلوا داوود الرقّي [ منّي ]بمنزلة المقداد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (7) .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 147 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 273 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 271 ، حكيا جميع .
3- .. رجال ابن الغضائري ، ص 58 ، الرقم 46 . وعنه العلّامة الحلّي في خلاصة الأقوال ، ص 141 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 156 ، الرقم 410 .
5- .. نفس المصدر .
6- .. الفهرست ، ص 125 ، الرقم 281 ، لكن لم يذكر فيه توثيق ، نعم وثّقه الشيخ في رجاله ، ص 336 ، الرقم 5003 .
7- .. الفقيه ، ج 4 ، ص 494 ؛ وسائل الشيعة ، ج 30 ، ص 50 ، ح 111 ، ومابين الحاصرتين منهما .

ص: 512

وعن أبيعبداللّه البرقي رفعه ، قال : نظر أبوعبداللّه عليه السلام إلى داوود الرقّي وقد ولّى فقال: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليه السلام فلينظر إلى هذا» (1) . وقال في موضع آخر : «أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد رحمه الله» (2) . وما ذكره [ ابن ] الغضائري والنجاشي غير مستند إلى أصل ، وكأنّهما استندا بما رواه الكشّي رحمه اللهعن طاهر بن عيسى ، قال : حدّثني جعفر بن أحمد ، عن الشجاعي ، عن الحسين بن يسار ، عن داوود الرقّي ، قال : قال لي داوود : أترى ما تقول الغلاة الطيّارة وما يذكرون عن شرطة الخميس عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، وما يحكي أصحابه عنه ؟ فذلك واللّه أكبر منه ، ولكن أمرني أن لا أذكره لأحد . قال : وقلت له : إنّي قد كبرت ودقّ عظمي ، اُحبّ أن يختم عمري بقتل فيكم . فقال : وما من هذا بدّ إن لم يكن في العاجلة يكون في الآجلة (3) . بناء على جعل ذلك إشارة إلى أبيعبداللّه عليه السلام ، فيفهم منه أنّه ذهب مذهب الخطّابيّة (4) ، وهو غير صريح فيه ، مع ضعفه ؛ لا لاشتراك جعفر بن أحمد ، فإنّه أبوسعيد جعفر بن أحمد بن أيّوب السمرقندي ؛ إذ هو الذي يروي عنه طاهر بن عيسى كما يظهر من رجال الكشّي في ترجمة جارية بن قدامة السعدي ، وقد صرّح النجاشي والعلّامة في الخلاصة بأنّه كان صحيح المذهب ، بل لعدم توثيق لطاهر بن عيسى ، ولجهالة الشجاعي وهو عليّ بن شجاع ، أو عليّ بن محمّد بن شجاع النيسابوري ، فتأمّل .

.


1- .. نفس المصدر .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 704 _ 705 ، الرقم 751 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 708 ، الرقم 766 .
4- .. الخطّابيّة : فرقة منسوبة إلى أبيالخطّاب محمّد بن أبيزينب الأسدي الذي ادّعى النبوّة ثمّ الرسالة ، ثمّ ادّعى أنّه من الملائكة وأنّه رسول إلى أهل الأرض ، وهو الذي عزا نفسه إلى الإمام الصادق عليه السلام ، فلمّا وقف الإمام عليه السلام على غلوّه في حقّه تبرّأ منه ولعنه . والخطّابيّة يستحلفون الكذب لإثبات الحقّ لهم على خصومهم من أهل الفرق ، ولذلك لاتقبل شهادتهم . راجع : مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 663 (خطب) ؛ معجم لغة الفقهاء ، ص 197 ؛ فرق الشيعة ، ص 42 ؛ الملل والنحل ، ج 1 ، ص 179 .

ص: 513

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطشوجوب التيمّم حينئذٍ مجمع عليه ، ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ، ما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته ؟ قال : «يتيمّم بالصعيد ويستبقي الماء ؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ جعلهما طهورا : الماء والصعيد» (1) . وعن الحلبي ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمّم ؟ فقال : «بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء» (2) . ومثله ما لو وجد عطشان يخاف تلفه ؛ لتقدّم حرمة الآدمي على الطهارة المائيّة ، بل يجب حفظه وإن أدّى إلى فوات الصلاة ، خلافا لبعض العامّة ، وكذا لو خاف تلف حيوان له أو لغيره ، لكن له الرجوع على مالكه لو لم يتبرّع به . قوله : (عن محمّد بن حمران) . [ ح 3/4120 ] هو محمّد بن حمران بن أعين مولى بني شيبان ؛ فإنّه هو الذي يروي عنه ابن أبيعمير ، وهو مجهول الحال (3) ، ويدلّ الخبر على جواز إمامة المتيمّم للمتوضّئ ، ويأتي القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . قوله في حسنة عبداللّه بن المغيرة : (إن كانت الأرض مبتلّة...) [ ح 4/4121 ] يدلّ على تقدّم التراب على الغبار ، ومثله صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول ؟ قال : «يتيمّم

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 388 ، ح 3946 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1275 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 388 ، ح 3945 .
3- .. اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 16 ، ص 41 ، الرقم 10639 .

ص: 514

باب الرجل تصيبه الجنابة فلايجد إلّا الثلج أو الماء الجامد

من لبد سرجه أو بعرف دابّته ؛ فإنّ فيها غبارا ، ويصلّي» (1) . ويؤيّدهما قوله تعالى : «صَعِيدًا طَيِّبًا » (2) ؛ فإنّ الصعيد هو الساكن الثابت من وجه الأرض ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل لم ينقل فيه خلاف صريح ، نعم أطلق السيّد المرتضى القول بجواز التيمّم بالغبار من غير تقييد بتعذّر التراب (3) ، وهو محكيّ عن أبيحنيفة (4) . اللهمّ إلّا أن يفرّق بين الغبار الثابت من وجه الأرض وغبار لبد السرج ونحوه . ويقال : إنّ مراد السيّد الأوّل ، وحينئذٍ لاريب في إجزائه مع التراب ، بل ربّما فسّر الصعيد به كما مرّ .

باب الرجل تصيبه الجنابة فلايجد إلّا الثلج أو الماء الجامدأجمع الأصحاب على أنّه إذا لم يجد الماء ووجد الثلج أو البرد مع التراب ، تقدّم الطهارة المائيّة على التراب بدَلك الثلج والبرد على الجسد بحيث يحصل مسمّى الجريان ما لم يتضرّر به ، ويدلّ عليه خبر معاوية بن شريح ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لايكون معه ماء ويصيب ثلجا وصعيدا : أيّهما أفضل ؟ أيتيمّم أو يمسح بالثلج وجهه ؟ قال : «الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم» (5) . وعموم خبره الآخر ، قال : سأل رجل أباعبداللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال : يصيبنا الدَّمَق (6)

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 446 ، ح 1345 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، ح 544 ؛ وج 3 ، ص 173 ، ح 383 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 175 ، ح 541 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 353 ، ح 3846 ؛ وج 8 ، ص 441 ، ح 11113 .
2- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
3- .. جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 26) . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 421 .
4- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 54 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 ، ح 554 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 _ 159 ، ح 547 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 357 ، ح 3859 .
6- .. الدَّمَق : ثَلج وريح تأتي من كلّ أَوب تكاد تقتل الإنسان . كتاب العين ، ج 5 ، ص 124 (دمق) .

ص: 515

والثلج ونريد أن نتوضّأ ولانجد إلّا ماءا جامدا ، فكيف أتوضّأ؟ أدلك به جلدي ؟ قال : «نعم» (1) . وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يجنب في السفر لايجد إلّا الثلج ؟ قال : «يغتسل بالثلج أو ماء النهر؟» (2) . على أن يكون الحصر الذي في كلام السائل فيهما إضافيّا بالنسبة إلى الماء الغير الجامد . ويؤيّد ذلك ما سبق من إجزاء مثل الدهن في الطهارة المائيّة اختيارا . فأمّا ما رواه المصنّف في الحسن والصحيح عن محمّد بن مسلم من قوله عليه السلام : «هو بمنزلة الضرورة ، يتيمّم» (3) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «إن كان في الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شيء منه» (4) . وعن رفاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شيء مغبرّ» (5) . فمحمولان على ما إذا لم يمكن جعل الثلج ماءا ، أو أمكن ولكن تضرّر به ، وكذلك إذا لم يجد التراب أيضا يتطهّر بالثلج كما ذكر إن أمكن ؛ لما ذكر ، لكن إن خاف على

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 191 ، ح 552 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 157 ، ح 543 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 357 ، ح 3858 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 191 ، ح 550 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 157 ، ح 542 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 356 ، ح 3852 .
3- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 191 _ 192 ، ح 553 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 ، ح 544 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 355 ، ح 3854 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، ح 545 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 353 ، ح 3847 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 546 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 156 ، ح 539 ؛ وص 158 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3849 .

ص: 516

نفسه من ذلك أخّر الصلاة إلى آخر الوقت . ولو لم يجد ماءا ولا ترابا في الوقت فهو كفاقد الطهورين ، فقد قال المفيد في المقنعة : «إنّه لايصلّي ويقضيها إذا وجد أحدهما إن شاء اللّه تعالى » (1) . وذهب إليه ابن إدريس أيضا (2) ؛ مستندا بأنّ الواجب إنّما هو في الوضوء والغسل الغَسل المستلزم لأقلّ الجريان ، وفي التيمّم الضرب على الأرض ، ومسح الثلج ليس وضوءا ولا غسلاً ولا تيمّما (3) ، وهو ظاهر الشيخ والعلّامة كما ستعرف . وما ذكراه من سقوط الصلاة أداءا فيما تعذّر الدلك المذكور ، هو محلّ خلاف ، فقد حكي عن السيّد المرتضى أنّه يتيمّم حينئذٍ بالثلج كما يتيمّم بالتراب ، وأنّه قال : «يضرب بيديه على الثلج ويتيمّم بنداوته» (4) ؛ محتجّا بخبر محمّد بن مسلم الذي رواه المصنّف ، حملاً للتيمّم فيه على التيمّم بالثلج ، والداعي له على ذلك الحصر المذكور في قول السائل ؛ إذ يفهم منه فقدان التراب أيضا . ولايبعد أن يقال : المراد منه التيمّم بالتراب على أن يكون الحصر فيه إضافيّا ، كما مرّت الإشارة إليه ، وقد حمل على ذلك في التهذيب (5) ، واحتمله العلّامة في المنتهى (6) .

.


1- .. في الهامش : «قال في المقنعة [ ص 59 _ 60 ] : يضع بطن راحته اليمنى على الثلج ويحرّكه عليه باعتماد ، ثمّ يرفعها بما فيها من نداوة يمسح بها وجهه ، ثمّ يضع راحته اليسرى على الثلج ويصنع بها كما صنع باليمنى ، ويمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع كالدهن ، ثمّ يضع يده اليمنى على الثلج كما وضعها أوّلاً ، ويمسح بها يده اليسرى من مرفقه إلى أطراف الأصابع ، ثمّ يرفعها فيمسح بها مقدّم رأسه ، ويمسح ببلّ يديه من الثلج قدميه ويصلّي إن شاء اللّه . وإن كان محتاجا إلى التطهّر بالغسل صنع بالثلج كما صنع به عند وضوئه من الاعتماد ، ومسح رأسه ووجهه ويديه كالدهن حتّى يأتي على جميعه ، فإن خاف على نفسه من ذلك أخّرالصلاة حتّى يتمكّن من الطهارة بالماء ، أو يفقده ويجد التراب فيستعمله ، ويقضي ما فاته إن شاء اللّه تعالى . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . منه » .
2- .. السرائر ، ج 1 ، ص 138 .
3- .. في الهامش : «أي كونه كفاقد الطهورين . منه» .
4- .. حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 71 ؛ والشهيد في الدروس ، ج 1 ، ص 130 ، درس 23 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 ، ذيل ح 553 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 73 .

ص: 517

باب التيمّم بالطين

واحتمل أيضا أن يتجوّز بالتيمّم بالثلج عن المسح به بحيث يحصل به أقلّ الجريان ، فيرجع إلى خبر معاوية بن شريح ونظائره (1) .

باب التيمّم بالطينيعني مع فقد التراب والغبار ، وهو في الجملة مشهور بين أهل العلم ، ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ، حسنة عبداللّه بن المغيرة ، في باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر (2) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «إن كان الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمّم من غباره أو من شيء منه ، وإن كان في حال لايقدر إلّا على الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (3) . وفي الصحيح عن رفاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه ، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّ وجلّ» . قال : «فإن كان في ثلج فلينظر في (4) لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شيء مغبرّ ، وإن كان في موضع لايجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (5) . وعن عليّ بن مطر ، عن بعض أصحابنا ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الرجل لايصيب الماء ولا التراب : أيتيمّم بالطين ؟ فقال : «نعم ؛ صعيد طيّب وماء طهور» (6) .

.


1- .. في الهامش : «والاحتياط أن يتيمّم بالثلج في آخر الوقت ويصلّي به ، ويقضيها عند وجدان أحد الطهورين . منه» .
2- .. هو الحديث 4 من ذاك الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 356 ، ح 3855 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 546 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 156 ، ح 539 ؛ وص 158 ، ح 546 ، وفيهما : عبداللّه بن المغيرة ، عن رفاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3849 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، ح 545 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 353 ، ح 3847 .
4- .. في المصدر: - «في» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 546 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 156 ، ح 539 ؛ وص 158 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3849 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 190 ، ح 549 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3851 .

ص: 518

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة

وظاهر هذه الروايات عدم اشتراط تجفيفه ومسح الأعضاء بترابه مطلقا ، بل قوله عليه السلام : «صعيد طيّب وماء طهور» صريح في ذلك . وصرّح بعض الأصحاب باشتراطه مع الإمكان والاتّساع ، وروي عن ابن عبّاس أنّه قال : «يأخذ الطين فيطلي به جسده ، فإذا جفّ تيمّم» (1) ، وهو أحوط . وعن أبيحنيفة والشافعي : أنّه إذا لم يتمكّن من تجفيفه لم يصلّ» . وعن أبييوسف : أنّه حينئذٍ يتيمّم بالوحل ويصلّي ثمّ يعيد . قوله : (وفي رواية اُخرى : صعيد طيّب وماء طهور) . [ ح 1/4125 ] إشارة إلى ما رويناه عن عليّ بن مطر .

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابةقد سبق ما يتعلّق بهذاالباب في باب الجبائر . قوله في خبر جعفر بن إبراهيم : (فكزّ فمات) إلخ . [ ح 4/4129 ] الكُزاز _ بالضمّ _ : داء يأخذ من شدّة البرد ، وقد كُزّ الرجل فهو مكزوز : إذا انقبض من البرد (2) . والعِيّ _ بكسر العين وتشديد الياء _ : التحيّر في الكلام ، والمراد هنا الجهل المستلزم له (3) .

.


1- .. المغنى لابن قدامة ، ج 1 ، ص 251 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 257 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 310 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 291 ، تفسير القرطبي ، ج 5 ،ل ص 238 .
2- .. اُنظر: كتاب العين ، ج 5 ، ص 272 و 273 ؛ مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 39 (كزز) .
3- .. اُنظر: مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 289 (عيي) .

ص: 519

باب النوادر

باب النوادراصطلح المتقدّمون على رسم أبواب النوادر في كتبهم ، وللندرة عندهم معنيان : أحدهما عدم وجود الخبر في الاُصول الأربعمائة التي كان اعتمادهم عليها ، وهو المساوق للضعيف عندهم . وثانيهما _ وهو المراد هنا _ ذكر أخبار متفرّقة متعلّقة بالأبواب المتفرّقة السابقة . قوله في خبر الحسن بن عليّ الوشّاء : (توجر أنت واُوزَرُ أنا) . [ ح 1/4131 ] قال _ طاب ثراه _ : دلّ على حرمة الاستعانة بصبّ الماء على يد المتوضّي ، وبه قال بعض العامّة ؛ لأنّه من الشركة في عمل الوضوء ، وأجازه أكثرهم ؛ لأنّه قد وقع ذلك في وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله في رواياتهم (1) ، وبه احتجّ البخاري على جواز توضية الرجل غيره وقال : «لأنّه إذا صحّ أن يكفيه صبّ الماء صحّ أن يكفيه عمل الوضوء ؛ ولأنّه من القربات التي يعملها الرجل عن غيره» (2) ، ولإجماعهم على توضية المريض وتتميمه بخلاف الصلاة . وفي الكلّ نظر ، أمّا الأوّل ؛ فلأنّه قياس مع الفارق ؛ لأنّ صبّ الماء يقرب أن يكون من مقدّمات الوضوء كإحضار الماء والدلاء والرشاء وأمثال ذلك . وأمّا الثاني ؛ فلأنّه مصادرة ؛ لأنّ كون الوضوء من تلك القربات أوّل البحث . وأمّا الثالث ؛ فلأنّ التجويز لضرورة لايوجب التجويز بلاضرورة . قوله في خبر إبراهيم بن محمّد بن حمران : (من توضّأ فتمندل كانت له حسنة) إلخ . [ ح 4/4134 ] احتجّ به الأصحاب على كراهيّة مسح أعضاء الوضوء وتجفيفها بالمنديل ، وأمّا

.


1- .. صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 176 كتاب الحجّ ، باب الوقوف بعرفة ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 69 _ 70 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 119 ، كتاب الحجّ ، باب من استحبّ سلوك طريق المأزمين . . . ؛ مسند أبييعلى ، ج 12 ، ص 89 ، ح 6722 ؛ كنز العمّال ، ج 5 ، ص 196 ، ح 12593 .
2- .. عمدة القاري ، ج 3 ، ص 60 .

ص: 520

الغسل ، فقد قال _ طاب ثراه _ : لم يرد مثل ذلك فيه عندنا وورد عند العامّة ، وقد اختلفوا فيه ، فذهب أكثرهم _ ومنهم الشافعي _ إلى الكراهة فيه أيضا لذلك ، وربّما علّلوها بأنّ الغسل عبادة تكره إزالة أثرها كدم الشهيد ، وبأنّ الرطوبة توزن (1) . واُورد عليه بأنّ قياسه على دم الشهيد _ لو تمّ _ لاقتضى تحريمه ، وهم غير قائلين به . وبأنّ الوزن إنّما هو في الآخرة ، ولابدّ من مفارقته الجسد ، على أنّه لو تمّ لدلّ على كراهة مطلق الإزالة ، سواء كانت باليد أو بالنار أو بغيرهما ، والتزامه بدعة . قوله في خبر سماعة بن مهران : (من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلّا الكبائر) . [ ح 5/4135 ] الظاهر «في يومه» بدلاً عن قوله : «في ليلته» كما في خبر سماعة الآتي ، والأظهر سقوط شيء من البين على ما في بعض النسخ : «من توضّأ للمغرب كان ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلّا الكبائر ، ومن توضّأ للصبح كان ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلّا الكبائر» (2) . ومثله في ثواب الأعمال أيضا (3) . قوله في خبر عبدالرحمان بن كثير : (قال : بينا أميرالمؤمنين عليه السلام قاعد) . [ ح6/4136 ] قال [ والدي ] _ طاب ثراه _ : قيل : بينا وبينما ظرفان مضافان إلى الجملة الاسميّة أو الفعليّة ، وخفض المفرد بهما قليل ، وهما في الأصل «بين» التي هي ظرف مكان ، فربّما اُشبعت فيه الحركة [ فصارت بينا ] ، وقد تزاد عليهما «ما» (4) ، ولما فيهما من معنى الشرط يفتقران إلى جواب [ يتمّ

.


1- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 38 ، ذيل ح 54 .
2- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 376 ، ح 991 .
3- .. ثواب الأعمال ، ص 17 ، ثواب الوضوء لصلاة المغرب والغداة ، وفيه : «في نهاره ما خلا الكبائر» . ومثله في الفقيه ، ج 1 ، ص 50 ، ح 103 ، وفي آخره أيضا : «ما خلا الكبائر» .
4- .. في المصدر بدل «وقد تزاد عليهما ما» : «فزيدت الميم فصارت بينما» .

ص: 521

به المعنى ] ، والأفصح في جوابهما عند الأصمعي أن تصحبه «إذ» و«إذا» الفجائيّتان ، و[ الأفصح ]عند غيره أن يجرّد عنهما (1) . قوله في خبر السكوني : (الوضوء شطر الإيمان) . [ ح 8/4138 ] قال _ طاب ثراه _ : شطر الشيء نصفه (2) ، فقيل : للإيمان شطران : تطهير النفس من الرذائل ، وتطهير البدن من الخبائث . وقيل : كونه شطرا منه يحتمل أن يكون باعتبار الثواب ، أي الأجر في الوضوء نصف ثواب الإيمان ، يعني إيمانا ليس فيه وضوء ، كأحد التأويلات في أنّ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » يعدل ثلث القرآن (3) . ويحتمل أنّه لمّا لم يستقلّ الوضوء بتكفير الخطايا كاستقلال الإيمان بذلك صار كالشطر منه . وقيل : يعني بالإيمان هنا العمل ؛ لأنّه قد يطلق عليه ، وهو منحصر فيما ينبغي التنزّه عنه وما يطلب التلبّس به . وقيل : المراد به الصلاة ؛ من قوله تعالى : «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَ_نَكُمْ » (4) أي صلاتكم ، وهي تتوقّف على الوضوء ومشروطة به ، فاُطلق الشطر عليه مجازا . وقيل : المحوج إلى هذه التأويلات اعتقاد أنّ التجزية حقيقيّة ، ويحتمل أن تكون كناية عن كثرة الثواب .

.


1- .. شرح اُصول الكافي ، ج 7 ، ص 173 ، وما بين المعقوفات منه .
2- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 697 (شطر) .
3- .. اُنظر الحديث في : مسند أحمد ، ج 2 ، ص 173و429 ؛ وج 3 ، ص 8 و35 و43 ؛ وج 4 ، ص 122 ، وج 5 ، ص 195 و418 و419 ؛ وج 6 ، ص 404 و442 و443 و447 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 556 ، ح 811 ؛ وص 577 ، ح 812 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 6 ، ص 174 ، ح 1052 ؛ وص 176 _ 177 ، ح 10573 ؛ فضائل القرآن لابن ضريس ، ح 253 ؛ فضائل القرآن لأبيعبيد ، ص 268 _ 269 ؛ حلية الأولياء ، ج 7 ، ص 168 ؛ مجمع البيان ، ح 10 ، ص 479 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 3 ، ص 66 ، ح 2126 ؛ وج 6 ، ص ص 172 ، ح 5355 ؛ وص 471 ، ح 5996 ؛ المعجم الكبير له أيضا ، ج 2 ، ص 309 ، ح 13493 ؛ وج 17 ، ص 254 _ 255 ، ح 706 و707 ؛ المعجم الصغير له أيضا ، ج 2 ، ص 37 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 67 _ 68 ، ح 2749 ؛ موضح أوهام الجمع والتفريق ، ج 2 ، ص 299 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 459 _ 461 .
4- .. البقرة (2) : 143 .

ص: 522

قوله في خبر سماعة : (توضّأ) إلخ . [ ح 9/4139 ] ظاهره استحباب تجديد الوضوء للمغرب والفجر مطلقا ، وظاهر الخبر الآتي استحبابه كذلك للصلوات الخمس، فهما حجّتان على من خصّه بما لو صلّى بالأوّل ، أو فعل به مشروطا بالطهارة ، أو بما وقع لغير هذه الصلاة . قوله في خبر سهل : (فليأخذ كفّا من ماء فليمسح به قفاه) . [ ح 11/4141 ] يدلّ على استحباب مسح القفا بماء جديد بعد الفراغ من الوضوء ، ويؤيّده خبر العكنة المتقدّم (1) ، ولم يتعرّض له الأصحاب في فتاويهم لانفيا ولا إثباتا ، ولايبعد القول به وإن كان الخبر ضعيفا ؛ للمساهلة في أدلّة الاستحباب . ولايمكن الحمل على التقيّة ؛ لأنّ العامّة إنّما يمسحون القفا في مسح الرأس بنداوة مائه لا بعد الفراغ من الوضوء بماء جديد . قوله في مرفوعة أبي حمزة : (إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام) إلخ . [ ح 14/4144 ] يدلّ على وجوب التيمّم للمحتلم في أحد المسجدين ، وهو معاضد بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبيحمزة ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله فاحتلم فأصابته جنابة ، فليتيمّم ولايمرّ في المسجد إلّا متيمّما» (2) . وهو المشهور بين الأصحاب ، وعن ابن حمزة استحبابه (3) . ويدلّ أيضا على وجوبه لمن تحيض فيهما أيضا ، وسكت عنه الأكثر ، وبه قال بعض .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 169 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 64 ، ح 188 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1052 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 407 ، ح 1280 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 206 ، ح 1936 .
3- .. الوسيلة ، ص 70 ، فصل في بيان التيمّم .

ص: 523

وقال المحقّق في المعتبر باستحبابه (1) ، وكأنّه حمل الخبر عليه ؛ لضعفه ، ولايبعد نفيه أيضا ؛ لعموم ما يفيد تحريم لبثها فيهما ، واستلزام التيمّم له . والخبر لضعفه غير قابل لتخصيصه ، ولوضوح الفارق بينها وبين الخبث (2) . وأمّا المجنب عمدا ، فلايجوز له التيمّم فيهما ؛ لاستلزامه اللبث المنهيّ عنه ، وانتفاء ما يجوّزه فيه . وأمّا الغُسل ، فالأظهر والأشهر عدم جوازه له وإن فرض إمكانه بحيث لايتنجّس المسجد ، ويكون زمانه أقلّ من التيمّم ؛ لما ذكر . وربّما قيل بوجوب الغسل حينئذٍ ؛ للجمع بين الخبرين وبين ما دلّ على اشتراط التيمّم بتعذّر الغسل (3) . وردّ بمنع ذلك الاشتراط في مطلق التيمّم ؛ مستندا بجوازه مع وجود الماء لصلاة الجنازة وللنوم ، فتدبّر .

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 222 _ 223 ، أحكام الحيض .
2- .. في الهامش : «لأنّ حدث الخبث قابل للزوال في نفسه بخلاف الحائض . منه» .
3- .. اُنظر : الذكرى ، ج 1 ، ص 207 ؛ روض الجنان ، ج 1 ، ص 65 ، التيمّم الواجب ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، التيمّم الواجب ؛ الحدائق الناضرة ، ج 4 ، ص 403 ؛ جواهر الكلام ، ج 3 ، ص 63 _ 64 .

ص: 524

. .

ص: 525

فهرس المطالب .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

المجلد 2

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كتاب الحيض

اشاره

كتاب الحيض

.

ص: 6

. .

ص: 7

باب أدنى الحيض وأقصاه وأدنى الطهر

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

كتاب الحيضقيل: الحيض لغةً: السيل، يقال : حاض الوادي، إذا سال (1) . وبعضهم اعتبر في صدق اسمه القوّة. (2) وعرفاً: دم تقذفه رحم المعتاد حملها، فيخرج دم الصغيرة واليائسة. وفي الصحاح: «حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً، فهي حائض وحائضة. وحاضت السَّمُرَة حيضاً، وهي شجرة يسيل منها شيء كالدم». (3) والظاهر أنّه مجاز عنده أيضاً كما صرّح به في أساس اللغة (4) ، تشبيهاً لدمها بالسيل .

باب أدنى الحيض وأقصاه وأدنى الطهرأجمع الأصحاب على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة (5) ، والمشهور لا سيّما بين المتأخّرين منهم أنّ أقلّ الطهر أيضا عشرة مطلقاً (6) . (7) وأمّا أكثره فالمشهور بينهم أنّه لا حدّ له، بل ربّما ادّعي عليه أيضاً الإجماع (8) ، لكن حكى في المختلف عن أبي الصلاح تحديده بثلاثة أشهر، وحمله على الغالب (9) ، وهو في محلّ المنع. ويدلّ على الأوّلين زائدا على ما رواه المصنّف في الباب وفي بعض الأبواب الآتية ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة». (10) وعن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة». (11) وعن الحسن بن عليّ بن زياد الخزّاز، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن المستحاضة، كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة؟ وكم تدع الصلاة؟ فقال : «أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، وتجمع بين الصلاتين». (12) وأمّا صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنى ما يكون ثلاثة» (13) ، فقد حملت على أنّ المراد أكثر وجوده وأقلّه في النساء. ويؤيّده زيادة قوله عليه السلام : «يكون» في الموضعين. وخصّها الشيخ بالمعتادة التي لا تحيض أكثر من ثلاثة أيّام، ثمّ استحاضت واستمرّ بها الدم. ويدلّ على الثالث (14) صحيحة محمّد بن مسلم (15) ومرسلة يونس. (16) ويؤيّدهما ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد، [عن جعفر] عن أبيه: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض ، فقال : «كلّفوا نسوة (17) من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت، فإن شهدن صدّقت، وإلّا فهي كاذبة» (18) . وما رواه في المنتهى (19) عن جمهور العامّة عن عليّ عليه السلام :أنّ امرأة جاءته وقد طلّقها زوجها، فزعمت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض، فقال عليّ عليه السلام لشريح: «قل فيها». فقال شريح: إن جاءت ببيّنة من أهلها ممّن يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك، وإلّا فهي كاذبة . فقال عليّ عليه السلام : «قالون» ، ومعناه بالروميّة جيّد. (20) وعنهم عن عليّ عليه السلام أنّه قال في صفة النساء: «أنّهنّ ناقصات عقل ودين»، فقيل: وما نقصان دينهنّ؟ قال : «تلبث شطر دهرها في بيتها لا تصلّي». (21) وفي الذكرى: وقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «تلبث شطر دهرها لا تصوم ولا تصلّي». وقد ثبت أنّ أكثر الحيض عشرة، فالشطر الآخر مثلها. (22) وظاهر مرسلة يونس (23) وجود طهر أقلّ من عشرة فيما إذا رأت الحيض ثلاثة أيّام في جملة العشرة. وبه قال بعض من قال بعدم اشتراط توالي أقلّ الحيض، كما ستعرف عن قريب. وقد دلّ بعض الأخبار على تحقّق طهر أقلّ من عشرة في مستحاضة غير ذات عادة، وسيأتي القول فيها في باب أوّل ما تحيض المرأة. ويدلّ على الأخير إجماع أهل العلم، ووقوع الطهر في الواقع زائدا على العشرة مختلفاً باختلاف عادات النساء، وعدم ورود تحديد له في خبر من الطريقين. واختلف أهل الخلاف في كلّ منها على أقوال حكاها الشيخ عنهم في الخلاف (24) ، فوافقنا أبو حنيفة وسفيان الثوري في حدّى الحيض جميعاً (25) . وقال أبو يوسف: أقلّه يومان والأكثر من اليوم الثالث (26) ، وهو ينبّئ عن اعتبار اتّصال الدم في تمام طرف الأقلّ. وذهب أحمد وأبو ثور والشافعي في أحد قوليه إلى أنّه يوم وليلة (27) ، وفي قولٍ آخر أنّه يوم بلا ليلة. (28) وذهب داوود إلى أنّه لا حدّ له، وجوّز أن يكون لحظة. (29) وقال الشافعي ومالك وأحمد وداوود وأبو ثور وعطا: إنّ أكثره خمسة عشر يوماً. (30) وذهب سعيد بن جبير إلى أنّه ثلاثة عشر يوماً. (31) ووافقنا فيه مالك في رواية اُخرى عنه. (32) وحكى والدي عن بعض منهم قولاً فيه بالثمانية، وبالخمسة، وبأنّه لا حدّ له. وهل يشترط التوالي في الثلاثة؟ ذهب إليه الصدوق (33) ، وقوّاه الشيخ في المبسوط (34) ، ورجّحه العلّامة، وحكاه في المنتهى (35) عن السيّد المرتضى (36) وعن جمل الشيخ (37) ، وفي المختلف (38) عن ابن إدريس (39) وابن الجنيد (40) وابن حمزة (41) ، وعن ظاهر أبي الصلاح (42) ، وهو المشهور بين المتأخّرين (43) ومحكيّ عن أبي حنيفة وأصحابه. (44) واحتجّ عليه بأصالة شغل الذمّة بالعبادة إلى أن يثبت المزيل شرعاً، ولم يثبت مع عدمه (45) . وهؤلاء اختلفوا في تفسير تواليها، فقيل: هو أن يتّصل الدم في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث به (46) . ولم أجد له مستندا. وقيل: هو أن يوجد الدم في كلّ يوم من الأيّام الثلاثة ولو لحظة، وبه صرّح الأكثر. (47) واستدلّ له بأنّ كلّاً من تلك الأيّام إنّما جعل ظرفاً للدم ولا تجب المطابقة بين الظرف والمظروف، وبأنّ قوله عليه السلام : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة» وقوله: «وأكثر ما يكون عشرة» قرينتان متناظرتان، فلو اعتبر اتّصال الدم في إحداهما للزم اعتباره في الاُخرى أيضاً، وقد أجمعوا على عدم اشتراطه في العشرة. وحكى في المدارك عن بعض المتأخّرين أنّه رجّح اعتبار حصوله في أوّل الأوّل وآخر الآخر وفي أيّ جزء كان من الوسط، واستبعده. (48) ولم يعتبر الشيخ في النهاية (49) التوالي أصلاً، واكتفى بكون الثلاثة في جملة العشرة، وهو ظاهر الشهيد الثاني في شرح الإرشاد (50) ، ومنقول في المختلف (51) عن ابن البرّاج. (52) واستدلّ له بمرسلة يونس (53) ، وإطلاق حسنة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» (54) . واُجيب عن الاُولى بأنّها ضعيفة بالإرسال (55) ، وعن الثانية بعدم صراحتها في المدّعى؛ إذ هي إنّما تقتضي أنّ ما تراه في العشرة من الحيضة. (56) ويحتمل أن يكون ذلك على تقدير تحقّق توالي الثلاثة في أوّلها. وعلى هذا القول لو رأت الثلاثة متفرّقة في العشرة تكون أيّام النقاء أيضاً حيضاً (57) ، بناءً على ما سبق من أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة، فهذه تقضي صوم العشرة وإن كان عليها أن تصلّي وتصوم أيّام النقاء؛ لاحتمال أيّام الدم للاستحاضة، وقد قيل بذلك لذلك. لكن ظاهر المرسلة (58) أنّها طهر، وصرّح به الشهيد الثاني في تعليقاته على الإرشاد، حيث قال : لو رأت الأوّل والخامس والعاشر فالثلاثة حيض لا غير، فإذا رأت الدم يوماً وانقطع فإن كان الدم يغمس القطنة وجب الغسل؛ لأنّه إن كان حيضاً فقد وجب الغسل؛ للحكم بأن أيّام النقاء طهر، وإن لم يكن حيضاً فهو استحاضة. والغامس منها يوجب الغسل، وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصّة؛ لاحتمال كونه استحاضة، فإن رأته مرّة ثانية يوماً مثلاً وانقطع فكذلك، فإذا رأته ثالثة في العشرة ثبت (59) أنّ الأوّلين حيض، وتبيّن بطلان ما فعلته بالوضوء؛ إذ قد تبيّن أنّ الدم حيض يوجب انقطاعه الغسل فلا يجزي عنه. ولو اغتسلت للأوّلين احتياطاً ففي إجزائه نظر . (60) هذا كلامه أعلى اللّه مقامه. قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد أقلّ ما يكون عشرة) . [ح 3 / 4153] المراد بالقرء هنا الطهر. وقوله: «فما زاد» عطف على مقدّر، والتقدير يكون عشرة فما زاد. وقوله: «أقلّ ما يكون» مبتدأ خبره عشرة، والجملة توكيد وتوضيح لما تقدّمها . قوله في مرسلة يونس: (وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت وصلّت) ، إلخ. [ح 5 / 4154] قال طاب ثراه: هذا حجّة لمن قال بعدم اشتراط توالي الأيّام الثلاثة، بل يكفي كونها في جملة العشرة؛ لأنّه عليه السلام حكم فيما إذا رأت يوماً وانقطع ثمّ رأت اليومين في العشرة بأنّ مجموع الثلاثة حيض، وبيّن حكمها بأنّها بعد انقطاع دمها الأوّل تغتسل وتصلّي، سواء كان الدم قليلاً لم يغمس الكرسف أو كثيرا غمسه؛ وذلك لاحتمال أن يكون ذلك الدم حيضاً ولا يعتبر فيه القلّة والكثرة، فإن كمل النصاب في العشرة ظهر أنّ الأوّل كان حيضاً ووقع العمل أعني الغسل والصلاة في محلّه وإلّا ظهر أنّ الأوّل كان استحاضة ووقع العمل أيضاً في محلّه إن كان الدم كثيرا، وإلّا كان الغسل لغوا، ولا غسل في الاستحاضة القليلة، وعليها قضاء الصلوات الّتي تركتها في اليوم واليومين. انتهى. ولعلّ المراد من قوله عليه السلام : «فإن رأت بعد ذلك الدم إلى قوله تدع الصلاة» أنّها إن رأت بعد ما انقطع الدم عنها بعد الخمسة ولم يتمّ لها من ابتداء الدم الأوّل إلى يوم طهرت من الدم الثاني عشرة، فمجموع الدمين وأيّام النقاء الّذي بينهما حيض؛ على أن يكون «من» بمعنى «إلى»، وقد تقرّر أنّ حروف الجارّة يجيء بعضها بمعنى بعض آخر. ولا يبعد أن يقال : سقط شيء من البين من بعض الرواة أو من قلم المصنّف، والتقدير: ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام، فهي مستحاضة، وإن تمّ لها عشرة، فذلك من الحيض، أي حيض آخر؛ لوقوع أقلّ الطهر بين الدمين، فيمكن أن يكون حيضاً، وقد ثبت أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض. والأوّل أظهر وأنسب بما عطف عليه. ومعنى قوله عليه السلام : «وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني» إلى آخره: أنّها إن رأت الدم بعد ما انقطع عنها على الخمسة ما يتمّ به الخمسة الاُولى مع أيّام النقاء عشرة، واستمرّ وتجاوز عن العشرة عدّت من أوّل زمان الدم الأوّل والثاني وأيّام النقاء بينهما عشرة، وجعل ذلك المجموع حيضاً وما بعد العشرة استحاضة، وهو إنّما يتمّ في غير ذات العادة، فإنّ المعتادة تجعل أيّام عادتها حيضاً وما زاد عليها استحاضة. وظاهر قوله: «وكان حيضها خمسة أيّام» كونها معتادة، فتأمّل .

.


1- . هذه الألفاظ من منتهى المطلب، ج 2، ص 266، و قريبه في الذكرى، ج 1، ص 227.
2- . الذكرى، ج 1، ص 227.
3- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1073 1074 (حيض) .
4- . أساس البلاغة، ص 101، (حيض)، و كلامه صريح في أنّ قوله: «حاضت السمرة» مجاز، لا «حاضت المرأة».
5- . الناصريّات، ص 165؛ الخلاف، ج 4، ص 498 ؛ السرائر، ج 2، ص 746؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 23؛ جامع الخلاف و الوفاق، ص 504 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 98؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 255، المسألة 82 و 83 ؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 354 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 279؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 117؛ غنية النزوع، ص 38 .
6- . أي وإن كانت مستحاضة غير ذات عادة (منه) .
7- . العويص، ص 38 ، المسألة 33 ؛ الانتصار، ص 125؛ الناصريّات، ص 166، المسألة 59؛ الخلاف، ج 1، ص 238، المسألة 204؛ المبسوط، ج 1، ص 43 و50 ؛ و ج 5 ، ص 100؛ المهذّب، ج 1، ص 35 ؛ غنية النزوع، ص 38 ؛ السرائر، ج 1، ص 148؛ المعتبر، ج 1، ص 216؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 226؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 98؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 355 ؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 23؛ جامع الخلاف و الوفاق، ص 22.
8- . راجع : الكافي في الفقه، ص 128.
9- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 355 . و حكاه أيضا في تحرير الأحكام، ج 1، ص 98، المسألة 232.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 156، ح 447 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 130، ح 448 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 296، ح 2175.
11- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 156، ح 448 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 131، ح 449 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 296، ح 2176.
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 156 157، ح 449 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 131، ح 450 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 291، ح 2160.
13- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157، ح 450 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 131، ح 451 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 297، ح 2179.
14- . في «ب»: «عليه» بدل «على الثالث».
15- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي .
16- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
17- . كذا في المصدر . والموجود في النسخ: «الناس».
18- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 398 ، ح 1242؛ و ج 6، ص 271، ح 733؛ الاستبصار، ج 1، ص 148، ح 511 ؛ و ج 3 ، ص 356 357 ، ح 1277؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 358 ، ح 2359. و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 100، ح 207 مرسلاً، إلّا أن فيه: «يسأل نسوة من بطانتها».
19- . منتهى المطلب، ج 2، ص 290.
20- . كتاب الاُمّ، ج 7، ص 182؛ المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 19؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 323 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 42 ؛ المحلّى، ج 2، ص 202؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 212 213؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 7، ص 418 ، كتاب العدد، باب تصديق المرأة فيما يمكن فيه انقضاء عدّتها؛ معرفة السنن والآثار، ج 6، ص 31 ، ح 4617 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 188، الباب 279، ح 6.
21- . منتهى المطلب، ج 2، ص 284. ولم أجدها بهذه العبارة في مصادر العامّة، نعم ورد نحوه في : مسند أحمد، ج 2، ص 67؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 78 ، كتاب الحيض؛ صحيح مسلم، ج 1، ص 61، باب بيان إطلاق اسم الكفر على مَن ترك الصلاة؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1326 1327، ح 4003 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 408، ح 4679 ؛ سنن الترمذي، ج 4، ص 122 123، ح 2745؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 1، ص 308 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 1، ص 366 ، ح 468.
22- . الذكرى، ج 1، ص 231.
23- . هي الرواية 5 من هذا الباب من الكافي.
24- . الخلاف، ج 1، ص 236، المسألة 202.
25- . المحلّى، ج 2، ص 193 و 198؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 44 ؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 320 ؛ بدائة الصنائع، ج 1، ص 40 ؛ المجموع، ج 2، ص 380 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 147؛ البحر الرائق، ج 1، ص 323 ؛ فتح العزيز، ج 2، ص 412.
26- . بدائع الصنائع، ج 1، ص 40 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 147؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 307 ؛ البحر الرائق، ج 1، ص 333 .
27- . الاُمّ، ج 1، ص 85 ؛ مختصر المزني، ص 11؛ المجموع، ج 2، ص 149 و 375 و 380 ؛ فتح العزيز، ج 2، ص 409 ؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 320 ؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 109؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 44 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 40 ؛ المحلّى، ج 2، ص 193.
28- . مغني المحتاج، ج 1، ص 109؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 40.
29- . المحلّى، ج 2، ص 193.
30- . الاُمّ، ج 1، ص 85 ؛ مختصر المزلي، ص 11؛ المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 49 ؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 375 و 376؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 44 ؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 320 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 40 ؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 109؛ فتح العزيز، ج 2، ص 409 ؛ المحلّى، ج 2، ص 198.
31- . المحلّى، ج 2، ص 198؛ المغني، ج 1، ص 320 .
32- . فتح العزيز، ج 2، ص 460.
33- . الفقيه، ج 1، ص 90؛ الهداية، ص 47.
34- . المبسوط، ج 1، ص 42.
35- . منتهى المطلب، ج 2، ص 285 _ 286.
36- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 202.
37- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 163) .
38- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 354 .
39- . السرائر، ج 1، ص 143 و 145.
40- . لم أعثر عليه.
41- . الوسيلة، ص 56 .
42- . الكافي في الفقه، ص 128.
43- . اُنظر : مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 149.
44- . اُنظر : بدائع الصنائع، ج 1، ص 40 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 147.
45- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 354 .
46- . جامع المقاصد، ج 1، ص 278.
47- . مسالك الأفهام، ج 1، ص 57 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 288؛ كشف اللثام، ج 2، ص 66.
48- . مدارك الأحكام، ج 1، ص 322 .
49- . النهاية، ص 26.
50- . روض الجنان، ج 1، ص 178.
51- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 354 .
52- . المهذّب، ج 1، ص 34 .
53- . هي الرواية 5 من هذا الباب من الكافي.
54- . هي الرواية 1 من باب المرأة ترى الدم قبل أيّامها أو بعد طهرها، من الكافي.
55- . المعتبر، ج 1، ص 203؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 286؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 355 ؛ مدارك الأحكام، ج 1، ص 321 .
56- . المعتبر، ج 1، ص 203؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 287؛ مدارك الأحكام، ج 1، ص 321 .
57- . المعتبر، ج 1، ص 203؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 287؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 320 ؛ مدارك الأحكام، ج 1، ص 321 322 .
58- . في الحاشية : «حيث قال عليه السلام : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض»؛ فإنّ تخصيص هذه الأيّام بكونها حيضاً يشعر بأنّ ما بينها لم يكن كذلك . منه» .
59- . في المصدر: «تبيّن» بدل «ثبت» . ونقل أيضا «ثبت» عن نسخة.
60- . روض الجنان، ج 1، ص 178.

ص: 8

. .

ص: 9

. .

ص: 10

. .

ص: 11

. .

ص: 12

. .

ص: 13

. .

ص: 14

. .

ص: 15

باب المرأة ترى الدم قبل أيّامها أو بعد طهرها

باب المرأة ترى الدم قبل أيّامها أو بعد طهرهاالمشهور بين الأصحاب أنّ المعتادة إذا رأت دماً قبل أيّام عادتها أو بعدها وفيها يكون الكلّ حيضاً إن لم يتجاوز المجموع عشرة، وإلّا فيكون عادتها خاصّة حيضاً (1) ، ودلّت عليه أخبار الباب وغيرها. وهو قول أكثر العامّة، وفي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة؛ أنّ ما رأته قبل العادة موقوف حتّى ترى في الشهر الثاني مثله ، فإن رأت فيه مثله يظهر أنّه حيض وتصير معتادة بذلك، وإلّا فهو استحاضة. (2) ولا فرق فيما ذكر على المشهور بين الصفرة وما فوقها، ويظهر من المصنّف الفرق بينهما، حيث عنون هذا الباب الذي وضعه لبيان ما ذكر بالدم، ويعني به الأحمر وما فوقه، ووضع للصفرة بابا آخر وذكر في ذيله ما يدلّ على أنّها بعد العادة ليست من الحيض، وهو أظهر. وأمّا الصفرة التي في أيّام العادة فلا ريب في أنّها حيض؛ لدلالة الأخبار عليه من غير معارض . قوله في حسنة محمّد بن مسلم: (إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة) [ح 1 / 4155]، أي قبل انقضاء عشرة أيّام الّتي هي أقلّ الطهر من الحيضة الاُولى، فهو من الحيضة الاُولى بشرط أن لا يتجاوز مجموع الدمين وما بينهما من أيّام النقاء عن عشرة . قوله في مرسلة عبد اللّه بن المغيرة: (وإذا كانت أقلّ استظهرت) [ح 3 / 4157]، أي بيوم على ما دلّ عليه قوله عليه السلام : «تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيّام» فيما يرويه المصنّف عن أبي المعزا في باب جامع في الحائض والمستحاضة (3) ، وقوله عليه السلام : «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد، ثمّ هي مستحاضة» فيما يرويه المصنّف من موثّق إسحاق بن جرير في الباب الّذي بعده. (4) أو بيوم أو يومين على المشهور بين المتأخّرين (5) ؛ لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ؛ في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها الّتي كانت ترى الدم فيها: «فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين، ثمّ تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دماً لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل». (6) وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين، ثمّ هي مستحاضة فلتغتسل». (7) وعن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين». (8) وعن فضيل وزرارة، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام إقرائها، وتحتاط بيوم أو يومين». (9) وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين». (10) وعن [الحسين بن] نعيم الصحّاف، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ اُمّ ولد لي ترى الدم وهي حامل إلى قوله عليه السلام _ : «فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها الّتي كانت تقعد في حيضها، فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصلّ، وإن لم ينقطع الدم عنها إلّا بعد ما تمضي الأيّام الّتي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل»، الخبر (11) ، ويأتي. أو بثلاثة أيّام على ما دلّ عليه مضمر سماعة، وصحيحة محمّد بن عمرو بن سعيد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الطامث، كم حدّ جلوسها؟ فقال : «تنتظر عدّة ما كانت تحيض، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام، ثمّ هي مستحاضة». (12) وخبر سماعة، قال : سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل (13) ، قال : «تقعد أيّامها الّتي كانت تحيض، فإذا زاد الدم على أيّامها التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام، ثم هي مستحاضة». (14) أو بيوم أو يومين أو ثلاثة على ما نقل عن بعض الأصحاب، ودلّ عليه صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن الحائض، كم تستظهر؟ فقال : «تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة». (15) أو بيومين أو ثلاثة على ما دلّ عليه خبر سعيد بن يسار، (16) قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تحيض ثمّ تطهر، وربّما رأت بعد ذلك الشيء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها، فقال : «تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة ثمّ تصلّي. (17) أو إلى العشرة كما نقله العلّامة في المنتهى (18) عن السيّد المرتضى. (19) ويدلّ عليه خبر عبد اللّه بن المغيرة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ في المرأة ترى الدم، قال : «إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة وإن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر». (20) وصحيحة يونس بن يعقوب، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز دمها، متى ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : «تنتظر عدّتها الّتي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام، فإن رأت الدم صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة»، (21) فإن الباء في قوله بعشرة بمعنى «إلى»؛ لمجيء حروف الجارّة بعضها في معنى بعض كما سبق. والظاهر التخيير بين الجميع كما ذهب إليه المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد. (22) ثمّ إنّهم اختلفوا في وجوب الاستظهار واستحبابه، فذهب الصدوق (23) والشيخ (24) إلى الأوّل وهو منقول عن السيّد المرتضى، (25) والأكثر إلى الثاني، (26) وهو الأظهر؛ للجمع بين هذه الأخبار وما سيأتي ممّا هو ظاهر في العمل بعد العادة عمل الاستحاضة. ويؤيّده اختلاف الأخبار في أيّامه. وربّما جمع بين الأخبار بحمل هذه على ما إذا كان الدم بعد العادة على صفة الحيض وما سيأتي على ما إذا لم يكن كذلك. واحتمله المحقّق في المعتبر. (27) ويردّه خبر سعيد بن يسار المتقدّم، فإنّه ظاهر في أنّ ما تراه بعد العادة بصفة الاستحاضة، والإجماع الّذي ادّعاه بعضهم على ثبوته مطلقاً. وعلى القول باستحبابه لو اختارت العبادة فالظاهر وجوب نيّة الوجوب في الصوم، وأمّا الصلاة ففي المدارك : في وصفها بالوجوب نظر ، من حيث جواز تركها لا إلى بدل ولا شيء من الواجب [كذلك]، اللّهمّ إلّا أن يلتزم وجوب العبادة بمجرّد الاغتسال . وفيه ما فيه . انتهى. (28) ويظهر من بعض الأخبار ثبوت الاستظهار للمبتدأة أيضاً بعد إقراء نسائها بيوم، رواه [زرارة و] محمّد بن مسلم في الموثّق عن أبي جعفر عليه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثمّ تستظهر بعد ذلك بيوم». (29) وصرّح به الشهيد في الذكرى، (30) ولم أجد التصريح به في كتب غيره لا نفياً ولا إثباتاً .

.


1- . السرائر، ج 1، ص 148؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 27؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 330 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 100 101، المسألة 236؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 162؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 70.
2- . المغني لابن قدامة، ج 1، ص 363 364 ؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 343 ؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 423.
3- . هو الحديث 7 من الباب المذكور.
4- . هو الحديث 3 من باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة.
5- . المعتبر، ج 1، ص 215؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 276؛ الذكرى، ج 1، ص 237.
6- . لم يروها الشيخ، بل رواه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 215 نقلاً عن كتاب المشيخة لحسن بن محبوب . وسائل الشيعة، ج 2، ص 377 ، ح 2403.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 169، ح 483 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 284، ح 2151.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171، ح 488 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 512 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 302 ، ح 2193.
9- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 401، ح 1253؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 376 ، ح 2401.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 402، ح 1256؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 304 ، ح 2200.
11- . هذا هو الحديث الأوّل من باب «الحبلى ترى الدم» من الكافي. و رواه الشيخ في الاستبصار، ج 1، ص 140، ح 482 ؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 168 169، ح 482 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 330 ، ح 2279.
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 172، ح 491 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 515 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 303 ، ح 2196.
13- . الحبل: الحَمل. صحاح اللغة، ج 4، ص 1665 (حبل) .
14- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 386 387 ، ح 1190؛ الاستبصار، ج 1، ص 139، ح 477 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 302 ، ح 2192.
15- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171 172، ح 489 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 514 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 302 303 ، ح 2195.
16- . في هامش الأصل : «في طريقه عثمان بن عيسى، وهو كان واقفيّاً غير موثّق . منه عفي عنه» .
17- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 172، ح 490 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 513 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 302 ، ح 2194.
18- . منتهى المطلب، ج 2، ص 316 .
19- . قاله السيّد في المصباح ، على ما حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 214.
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 172، ح 493 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 150، ح 517 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 303 ، ح 2197.
21- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 175 176، ح 502 ؛ و ص 402، ح 1259؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 516 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 303 ، ح 2198.
22- . جامع المقاصد، ج 1، ص 347 ؛ رسائل الكركي، ج 1، ص 90 91.
23- . المُقنع، ص 50 .
24- . الاستبصار، ج 1، ص 149، ذيل ح 5 ؛ النهاية، ص 24.
25- . الناصريّات، ص 166، المسألة 58 ، و عن مصباحه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 214؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 277.
26- . تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 277، المسألة 88 .
27- . المعتبر، ج 1، ص 207.
28- . مدارك الأحكام، ج 1، ص 334 .
29- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 401، ح 1252؛ الاستبصار، ج 1، ص 138، ح 472؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 288، ح 2157؛ و ص 302، ح 2191.
30- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 239.

ص: 16

. .

ص: 17

. .

ص: 18

. .

ص: 19

. .

ص: 20

باب المرأة ترى الصفرة قبل الحيض أو بعده

باب المرأة ترى الصفرة قبل الحيض أو بعدهقد سبق ما يتعلّق بهذا العنوان . قوله في حسنة محمّد بن مسلم: (فقال : لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها) [ح 1 / 4158 ]يدلّ على أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض. ومثله خبرا إسماعيل الجعفي (1) ومعاوية بن حكيم. (2) ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد من الأصحاب. وربّما فسّر أيّام الحيض بأيّام يمكن تحقّقه فيها وإن لم تكن أيّام عادتها، وصرّح بذلك الشيخ في المبسوط، فقد قال : الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض وفي أيّام الطهر طهر، سواء كانت أيّام حيضها الّتي جرت عادتها أن تحيض فيها أو الأيّام الّتي كان يمكن أن يكون حائضاً فيها، مثال ذلك أن تكون المرأة المبتدأة إذا رأت الدم مثلاً خمسة أيّام ثمّ رأت إلى تمام العشرة [أيّام] صفرة أو كدرة فالجميع حيض؛ لأنّه في أيّام الحيض، وكذلك إن جرت عادتها أن تحيض كلّ شهر خمسة أيّام، ثمّ رأت في بعض الشهور خمسة أيّام دماً، ثمّ رأت بعد ذلك إلى تمام العشرة صفرة أو كدرة، حكمنا بأنّه حيض. وكذلك إذا كانت عادتها أن ترى أيّاماً بعينها فيها دماً، ثمّ رأت في بعض الشهور في تلك الأيّام الصفرة والكدرة حكمنا بأنّه من الحيض، فإن رأت عقيبه دماً حكمنا بأنّه من الحيض إلى تمام العشرة أيّام، فإن زاد على ذلك حكمنا بأنّه دم استحاضة. وكذلك إذا رأت ما تبلغ الصفرة أو الكدرة وقد بلغت حدّا يجوز أن تكون حائضاً حكمنا بأنّه من الحيض؛ [لأنّه وقت الحيض]. وكذلك إذا رأت دم الحيض أيّاماً قد جرت عادتها فيها، ثمّ طهرت ومرّ بها أقلّ أيّام الطّهر [و هي عشرة أيّام، ثمّ رأت الصفرة والكدرة حكمنا بأنّها من الحيض؛ لأنّها قد استوفت أقلّ أيّام الطهر]، وجاءت الأيّام الّتي يمكن أن تكون حائضاً فيها، وإنّما قلنا بجميع ذلك لما روي عنهم عليهم السلام : من أنّ «الصفرة في أيّام الحيض حيض وفي أيّام الطهر طهر»، (3) فحملناها على عمومها. (4) وأنت خبير بأنّ المتبادر من أيّام الحيض ومن أيّامها الأيّام الّتي جرت عادتها أن تكون فيها حائضاً وإن كان يحتمل حملها على العموم، فحيث لا دليل عليه ينبغي إبقاؤها على ظاهرها. ويشكل الحكم بمجرّد ذلك الاحتمال على تركها العبادات الواجبة عليها، فتأمّل. وظاهر عموم آخر الخبر أنّ الصفرة الّتي قبل العادة أيضاً ليست من الحيض، ويخصّصها الأخبار الباقية .

.


1- . هو الحديث 3 من هذا الباب.
2- . هو الحديث 5 من هذا الباب.
3- . هذه الفقرة مستفادة من روايات عديدة جمعها الحرّ العاملي«قدس سره» في وسائل الشيعة، ج 2، ص 278 281 ، في الباب الرابع من أبواب الحيض: «باب أنّ الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض و في أيّام الطهر طهر، و ترجيح العادة على التميز»، ح 2136 2144.
4- . المبسوط، ج 1، ص 43 44.

ص: 21

باب أوّل ما تحيض المرأة

باب أوّل ما تحيض المرأةلقد أجمعوا على اختلاف أحكام الحائض بناءً على اختلاف أحوالها من كونها مبتدأة ومضطربة وذات عادة وقتاً وعددا أو أحدهما، وقد سبق بعض أحكام ذات العادة ويأتي بعض آخر منها في باب آخر، ووضع المصنّف هذا الباب للمبتدأة؛ ولمشاركة المضطربة لها في أكثر الأحكام نذكر المضطربة أيضاً فيه، ونذكر المعتادة أيضاً تبعاً لهما، فنقول : قد اختلف الأصحاب في تفسيريهما، فالمشهور: أنّ المبتدأة من رأت الدم أوّل مرّة أو مكرّرا من غير استوائه مرّتين عددا ولا وقتاً، والمضطربة من كانت له عادة مستقيمة ثمّ نسيت عادتها، (1) وهو ظاهر خبر يونس الّذي يرويه المصنّف في باب جامع في الحائض والمستحاضة (2) كما ستعرفه. وربّما خصّت الاُولى بالاُولى ممّا ذكر في تفسيرها وعدّت الثانية منه من الثانية؛ نظرا إلى مفهوميهما لغةً. (3) وتظهر الفائدة في رجوعها إلى عادة نسائها بعد التمييز، أو إلى الروايات. أمّا المبتدأة فتجعل ما تراه حيضاً على أيّ صفة كان الدم وإن رأت ذلك في شهر مرّتين أو ثلاثاً، بشرط أن لا يكون أقلّ من ثلاثة ولا أزيد من عشرة، وأن يتوسّط أقلّ الطهر بين كلّ دمين منها (4) بناءً على ما تقرّر من أقلّ الحيض وأكثره، ومن أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض. وإن انتفى الشرط الأوّل بأن كان الدم أقلّ من ثلاثة فهو استحاضة، ولو انتفى الشرط الثالث فهي مضطربة، وإن زاد على العشرة فالمشهور أنّها تجعل ما هو بصفة حيض حيضاً وما هو بصفة الاستحاضة استحاضة على الشرائط المذكورة، ومع فقد التميّز أو شرائطه ترجع إلى عادة أهلها وأقاربها، فإن اختلفن أو فقدن فإلى عادة أقرانها من البلد، فإن فقدن أو اختلفن فإلى الروايات. (5) ويدلّ على اعتبارها التميّز ثمّ الرجوع إلى عادة نسائها ما رواه المصنّف عن زرعة، عن سماعة، حيث سأل السائل عن جارية حاضت أوّل حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها، وأجاب عليه السلام : بأنّها «تعمل على عادة نسائها». (6) ويفهم من السؤال أنّه كان معروفاً بينهم رجوع المبتدأة إلى التمييز مع وجوده، فإنّ الظاهر من قوله: «لا تعرف أيّام أقرائها»، أنّها لا تعرف الأيّام الّتي يجب عليها أن تعمل بالحيض فيها؛ لعدم التمييز لا لاضطرابها؛ بدليل قوله: «حاضت أوّل حيضها». وحمل على ذلك الترتيب رواية عثمان بن عيسى، عن سماعة. (7) وما رواه الشيخ في الاستبصار في الموثّق عن [زارة و ]محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرانها»، الخبر. (8) وقد سبق؛ لما ذكر ولما يأتي في باب معرفة دم الحيض من الاستحاضة من رجوعها إلى التمييز أوّلاً. ومع اختلاف عاداتهنّ فعلى المشهور لا اعتبار لها مطلقاً، وعلّلوه بخروجها عن موضع النصّ، فإنّ الإضافة في «نسائها» تفيد العموم كما هو مقتضى الجمع المضاف. وقال الشهيد الأوّل : «ترجع حينئذٍ إلى الأغلب». (9) ولا بعد فيه، بل لا يبعد القول بالرجوع حينئذٍ إلى عادة من شاء منهنّ وإن لم تكن أغلب؛ لقوله عليه السلام : «بعض نسائها» في موثّقة محمّد بن مسلم المذكورة. والعموم لا ينافيه كما لا يخفى. وقال طاب ثراه: المراد من نسائها أقاربها من الأبوين أو من أحدهما، ولا اختصاص للعصبة هنا؛ لعموم الإضافة، ولأنّ الطبيعة جاذبة من الطرفين، ولا فرق في ذلك بين الحيّة وغيرها، ولا بين المساوية في السنّ والمخالفة، ولا بين بلديّة وغيرها؛ كلّ ذلك للعموم المذكور. (10) ومن اعتبر اتّحاد البلد ومع فقده فالأقرب من بلدها ثمّ الأقرب؛ بناءً على أنّ لتخالف البلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة كالشهيد في الذكرى، (11) فقد خرج عن مقتضى النصّ كما صرّح به الشهيد الثاني في شرح الإرشاد، (12) فتأمّل. وأمّا الرجوع إلى عادة الأقران من البلد فلم أجد نصّاً عليه، وكأنّهم تمسّكوا فيه بما ذكر من أنّ اختلاف العادات في الحيض باعتبار اختلاف الأمزجة، وهذا الاختلاف ناشٍ عن اختلاف الأسنان وأهوية البلاد، فالظاهر موافقة حيضها لعادتهنّ. واحتجّ عليه الشهيد في الذكرى بلفظة: «نسائها» بناءً على أنّ الإضافة فيها لأدنى ملابسة. وفيه: أنّ الواجب حمل اللفظ على معناه الحقيقي ما لم يدلّ دليل على خلافه. ولعدم النصّ عليه لم يعتبره الشيخ في الخلاف (13) والنهاية (14) وقال فيهما بالرجوع إلى الروايات بعد فقد الأهل. وأمّا الرجوع إلى الروايات بعد ما ذكر فمستند إلى أخبار مختلفة، وهي وإن كانت ضعيفة لكن عاضدها عمل أكثر الأصحاب بذلك، فظاهر مضمرة زرعة، عن سماعة: (15) أنّها تحيض في كلّ شهر ثلاثة أيّام إلى عشرة مخيّرة في تعيين ما شاءت ممّا بين أقلّ الحيض وأكثره. وهو منقول عن السيّد المرتضى (16) وظاهر المصنّف والصدوق أيضاً، (17) حيث قال على ما حكي عنه: أكثر جلوسها عشرة أيّام في كلّ شهر. ومنها ما يدلّ على تحيّضها ثلاثة أيّام في شهر وعشرة في آخر، رواه الشيخ في الموثّق [عن الحسن بن علي،] عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم في أوّل حيضها فاستمرّ الدم تركت الصلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين يوماً، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام، وصلّت سبعة وعشرين يوماً». قال الحسن [بن علي]: وقال ابن بكير: هذا ممّا لا يجدون منه بدّا. (18) وبسند آخر عن ابن بكير، قال : «في الجارية أوّل ما تحيض [يدفع] عليها الدم فتكون مستحاضة أنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيّام فعلت ما تفعل المستحاضة، ثمّ صلّت، فمكثت تصلّي بقية شهرها، ثمّ تترك الصلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك امرأة الصلاة، وتجلس أقلّ ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيّام، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصلاة الّتي صلّت ، وجعلت طهرها أكثر ما يكون من الطهر، وتركها الصلاة أقلّ ما يكون من الحيض». (19) وحمل على ذلك مضمر زرعة عن سماعة، وهو حمل بعيد، وهو المشهور بين المتأخّرين، ومحكي في المختلف (20) عن ابن البراج. (21) وظاهر الخبرين تحتّم جعل العشرة من الشهر الأوّل والثلاثة من الشهر الثاني، وحكاه في المنتهى 22 عن جمع من الأصحاب، وعن بعضهم عكسه، والأكثر على التخيير. ومنها ما استدلّ به على تحيّضها في كلّ شهر بسبعة أيّام، وهو قوله عليه السلام في مرسلة يونس الّتي يرويها المصنّف في الباب المشار إليه: «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون»، (22) لكنّ الظاهر أنّها وردت في المضطربة كما ستعرف. وكأنّهم تمسّكوا في المبتدأة أيضاً بذلك؛ لعدم القول بالفصل بينهما. والمشهور بين المتأخّرين الجمع بينه وبين ما سبق بالقول بالتخيير، وبه قال الشيخ في المبسوط (23) والخلاف (24) وعلّله في الثاني بأنّ في ذلك روايتين لا ترجيح لإحداهما على الاُخرى، وحكى في المختلف (25) عن جمله (26) أيضاً. ومنها ما يدلّ على التخيير بين الستّة والسبعة، وهو قوله عليه السلام في تلك المرسلة: (27) «وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة»، وبه قال العلّامة في المنتهى (28) فيها وفي المضطربة أيضاً، ونسبه إلى الشافعي (29) في أحد قوليه، وإلى أحمد (30) في إحدى الروايتين عنه. وحكى في المختلف (31) عن الشيخ أنّه قال في المبسوط: (32) أنّها تتحيّض عشرة أيّام، ثمّ تجعل طهرا عشرة أيّام، ثمّ حيضاً عشرة، وهكذا. ولم أجده فيه. ونسبه في المنتهى إلى بعض الأصحاب من غير تعيين قائله. (33) ومن قال بذلك فكأنّه طرح هذه الأخبار؛ لعدم صحّتها وتمسّك بعموم ما دلّ على أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، وهو كماترى. وحكى ابن إدريس عن بعض الأصحاب القول بالثلاثة في كلّ شهر، (34) وبه قال المحقّق في المعتبر فيها وفي المضطربة أيضاً، حيث قال بعد ما حكم بضعف الأخبار الواردة في الباب _ : «والوجه عندي أن تتحيّض كلّ واحدة منها ثلاثة أيّام؛ لأنّه المتيقّن في الحيض، وتصلّي وتصوم بقية الشهر؛ استظهارا وعملاً بالأصل في لزوم العبادة». (35) وهو إنّما يتمّ في الصلاة دون الصوم، بل لا يبعد أن يقال : الاحتياط ترك العبادة في وقت يمكن أن تكون حائضاً، كما يشعر به أخبار استظهار المعتادة إذا رأت الدم بعد عادتها. وذهب بعض الأصحاب منهم العلّامة في الإرشاد (36) إلى أنّهما تعملان عمل الاستحاضة في جميع الشهر، وتغسلان للحيض في كلّ وقت يحتمل انقطاعه، وتقضيان صوم أحد عشر يوماً. وتأبى عنه الشريعة السمحة . وأمّا المضطربة فهي ترجع إلى التمييز، ومع فقده إلى الروايات، (37) ولا رجوع لها إلى عادة أهلها وأقرانها اتّفاقاً؛ أمّا الأوّل فلعموم ما دلّ على اعتبار التمييز، وخصوص قوله عليه السلام في تلك المرسلة: «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام معلومة ثمّ اختلط عليها من طول الدم وزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها إلى قوله _: فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلّي». وهذا الحكم واضح في مضطربة العدد والوقت معاً، وأمّا فيمن نسيت أحدهما فهو مشكل لو عارض التمييز ما ذكر منهما، فإنّ المستفاد من الأخبار ترجيح العادة على التمييز كما سيأتي. ويدلّ على رجوعها إلى الروايات ما تقدّمت الإشارة إليه، ولكنّ الخبر إنّما يدلّ على تحيّضها في كلّ شهر بسبعة، ولم أجد خبرا فيها غيره. وباقي الأعداد إنّما وردت في المبتدأة، وكأنّهم قالوا هنا أيضاً بالتخيير؛ لعدم القول بالفصل، والأظهر الاقتصار فيها على المنصوص. واعلم أنّ ما ذكر في شرائط التمييز في المبتدأة وفي المضطربة من عدم كون الوقت الخالي عن الدم فيما بين دمين هما بصفة الحيض، أو ما هو بصفة الاستحاضة بينهما أقلّ من عشرة هو المشهور بين المتأخّرين، ولا نصّ على اعتباره في خصوصهما وإنّما احتجّوا في ذلك بالعمومات الواردة في أنّ أقلّ الطهر عشرة. وإطلاق الأخبار فيهما يقتضي عدم اشتراط ذلك في الشهر الأوّل، بل حسنة يونس بن يعقوب (38) صريحة في ذلك في المبتدأة، وقد رواها الشيخ في كتابي الأخبار في الصحيح. (39) وروى مثله في الصحيح عن أبي بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام والطهر خمسة أيّام، وترى الدم أربعة أيّام وترى الطهر ستّة أيّام، فقال : «إن رأت الدم لم تصلّ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً، فإذا تمّت ثلاثون يوماً فرأت دماً صبيباً اغتسلت واستشفرت واحتشت بالكرسف في وقت كلّ صلاة، فإذا رأت صفرة توضّأت». (40) وهذا الخبر شامل للمبتدأة والمضطربة معاً. ونسب جدّي من اُمّي قدس سره في شرح الفقيه (41) القول بهما إلى قدماء الأصحاب، وقد عمل بهما الصدوق، (42) وهو ظاهر المصنّف في المبتدأة. وحملهما الشيخ في الاستبصار على خصوص المضطربة التي ترى الدم في أيّام ولم تره في أيّام، أو المضطربة التي استمرّ عليها الدم، فقال في الاُولى بالعمل بهما إلى أن تعرف عادتها، وفي الثانية إلى شهر، حيث قال : الوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على امرأة اختلطت عادتها في الحيض وتغيّرت عن أوقاتها، وكذلك أيّام أقرائها واشتبه عليها صفة الدم فلا يتميّز لها دم الحيض من غيره، فإنّه إذا كان كذلك ففرضها إذا رأت الدم أن تترك الصلاة، وإذا رأت الطهر صلّت إلى أن تعرف عادتها.ويحتمل أن يكون [هذا] (43) حكم امرأة مستحاضة اختلطت عليها أيّام الحيض، وتغيّرت عادتها، واستمرّ بها الدم وتشتبه صفة الدم، فترى ما يشبه دم الحيض [ثلاثة أيّام أو] (44) أربعة أيّام، وترى ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك، ولم يحصل لها العلم بواحد منهما، فإنّ فرضها أن تترك الصلاة كلّما رأت ما يشبه دم الحيض، وتصلّي كلّما رأت ما يشبه دم الاستحاضة إلى شهر، وتعمل بعد ذلك ما تعمله المستحاضة، ويكون قوله: «رأت الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام» عبارة عمّا يشبه دم الاستحاضة؛ لأنّ الاستحاضة بحكم الطهر، ولأجل ذلك قال في الخبر: «ثمّ تعمل ما تعمل المستحاضة» وذلك لا يكون إلّا مع استمرار الدم. (45) وقد أفتى بذلك في المبسوط والنهاية في غير الشهر الأوّل أيضاً، حيث قال في الأوّل : «فإن اختلط عليها أيّامها فلا تستقرّ على وجه [واحد] تركت الصوم والصلاة كلّما رأت الدم، وكلّما رأت الطهر صلّت إلى أن يستقر عادتها». (46) وفي الثاني: فإن كانت امرأة لها عادة إلّا أنّه اختلطت عليها العادة واضطربت وتغيّرت عن أوقاتها وأزمانها، فكلّما رأت الدم تركت الصوم والصلاة، وكلّما رأت الطهر صلّت وصامت إلى أن ترجع إلى حال الصحّة. ثمّ قال : وقد روي أنّها تفعل ذلك ما بينها وبين شهر، ثمّ تفعل ما تفعله المستحاضة. (47) وفي شرح الفقيه: «والأحوط في غير الدم الأوّل أن تعمل عمل المستحاضة، ولو جمع بين العملين كان أحوط». (48) هذا حكم المتحيّرة. فأمّا الناسية للعدد خاصّة، وظاهر أنّها لا تعلم الوقت بتمامه، فإمّا أن تعلم أوّله أو آخره بخصوصهما أو لا كما لو ذكرت أنّ حيضها كانت في العشر الأوّل من الشهر مثلاً _، ففي الأوّلين تجعلهما أوّل الثلاثة وآخرها؛ لأنّها المتيقّن كونها حيضاً، وتعمل باقي الأيّام عمل الاستحاضة، ثمّ تقضي صوم عددها. وفي الثالث تحيّضت في أوّل العشر بالثلاثة على ما ذكره العلّامة في المنتهى؛ معلّلاً بأنّها المتيقّن وما زاد عليها مشكوك فيه. (49) وقيل: تجتهد في تعيين الثلاثة من العشرة. (50) والاحتياط أن تغتسل في هذه الصور للانقطاع في كلّ وقت احتمله، ولا يبعد تحيّضها فيها كالمتحيّرة مخصّصة ما تعمله من الروايات بذلك الوقت؛ لشمول أخبارها لهذه، وقد عدّ في المنتهى (51) وجهاً في الأخير ولم يتعرّض له في الأوّلين، فتأمّل. وأمّا الناسية للوقت دون العدد، فإن لم تعلم وقتاً أصلاً كمن ذكرت خمسة أيّام مثلاً من الشهر فالظاهر أنّها تعمل في الشهر كلّه عمل الاستحاضة، وتقضي صوم ذلك العدد، لكن تغتسل للانقطاع فيما عدا ذلك العدد من أوّل الشهر في كلّ وقت يحتمل الانقطاع، فتغتسل له عند كلّ صلاة، وهو منقول في المنتهى (52) عن الشيخ. (53) وكذا لو علمت وقتاً لم يتجاوز العدد عن نصفه، بل يقصّر عنه أو يساويه. وإن تجاوز العدد عنه تجعل الزائد ومثله حيضاً بيقين، فإذا كانت أيّامها ستّة في العشر الأوّل كان الخامس والسادس حيضاً بيقين، وكذا الرابع والخامس والسادس والسابع فيما إذا ذكرت سبعة فيها، وهكذا، وتغتسل للانقطاع في وقت كلّ صلاة فيما عدا هذه الأيّام؛ لاحتماله فيها، ثمّ تقضى صوم عادتها. ولو قالت: إنّ حيضي إحدى العشرات ولا أعلمها بعينها عملت في تلك العشرات كلّها عمل الاستحاضة، وتغتسل للانقطاع عند رأس كلّ عشرة وتقضي صوم عشرة. (54) وأمّا ذات العادة المستقيمة وقتاً وعددا فترجع إلى عادتها؛ لعموم قوله عليه السلام في خبر يونس: «فالحائض الّتي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمّ استحاضت فاستمرّ بها الدم، وهي في ذلك تعرف أيّامها ومبلغ عددها، فإنّ امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي جيش (55) استحاضت، فأتت اُمّ سلمة، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها». (56) وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت: إن رأت الدم مستمرّا بها الشهر والشهرين والثلاثة، كيف تصنع بالصلاة؟ قال : «تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين». (57) وعن يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض». (58) وتضيف إلى أيّام عادتها أيّام الاستظهار على ما سبق، ولا فرق في ذلك بين ذات التمييز وغيرها وإن تعارض التمييز والعادة على ما دلّ عليه عموم أكثر ما ذكر من الأخبار، بل خصوص خبر يونس الأخير المرسل، وهو المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في جمله (59) والمفيد (60) والسيّد المرتضى (61) وأتباعهم على ما حكى عنهم في المدارك، (62) وقوّاه في المبسوط (63) والخلاف، (64) ونقله في الثاني عن أبي حنيفة. (65) وحكى المحقّق في الشرائع (66) عن بعض الأصحاب قولاً بترجيح التمييز على العادة، وكأنّه تمسّك بالأخبار المطلقة في اعتبار التمييز. والجواب عنها: تخصيصها بغير المعتادة؛ للجمع، وقد حكاه صاحب المدارك (67) تبعاً للعلّامة في المختلف (68) عن نهاية الشيخ، ولم أجد فيها التصريح بذلك، نعم يشعر به قوله: فإن اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة فلتعتبره بالصفات الّتي ذكرنا[ها]، فإن اشتبه عليها ذلك وكانت ممّن لها عادة في الحيض فلتعمل في أيّام حيضها على ما عرفت من عادتها. (69) وقد أفتى بذلك أوّلاً في المبسوط والخلاف، ثمّ رجع عنه بما نقلناه عنهما، فقد قال في الأوّل : وأمّا القسم الثاني وهي الّتي لها عادة وتمييز مثل أن تكون امرأة تحيض في أوّل كلّ شهر خمسة أيّام فرأت في كلّ شهر عشرة أيّام دم الحيض، ثمّ رأت بعدها دم الاستحاضة واتّصل، فيكون حيضها عشرة أيّام اعتبارا بالتمييز، وكذلك إذا كانت عادتها خمسة أيّام فرأت ثلاثة أيّام دماً أسود، ثمّ رأت دماً أحمر، إلى آخر الشهر، فإنّ حيضها ثلاثة أيّام وما بعدها استحاضة اعتبارا بالتمييز، فكذلك (70) إذا كانت عادتها خمسة أيّام من أوّل الشهر، فرأت في أوّل الشهر ثلاثة أيّام دماً أحمر وثلاثة أيّام دماً أسود وأربعة أيّام دماً أحمر واتّصل كان حيضها الثلاثة أيّام الثانية من الشهر، وهو أيّام الدم الأسود اعتبارا بالتمييز، ويكون حيضها تقدّم أو تأخّر، وكذلك إذا كانت عادتها ثلاثة أيّام من أوّل كلّ شهر فرأت ستّة أيّام دماً أحمر وأربعة أيّام دماً أسود اتّصل كان حيضها الأربعة أيّام الّتي رأت فيها دماً أسود اعتبارا بالتمييز. ولو قلنا في هذه المسائل أنّها تعمل على العادة دون التمييز؛ لما روي عنهم عليهم السلام : «أنّ المستحاضة ترجع إلى عادتها» ولم يفصّلوا كان قويّاً. (71) ومثله في الخلاف. (72) ونقل (73) عن الشافعي أنّه قال بذلك محتجّاً برواية عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ، إنّي امرأة اُستحاض فلا أطهر، أفَأدَع الصلاة؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّما ذلك عَزْفٌ كذاهنا، و مثله في تهذيب الأحكام، و كذا في آخر الحديث، و في سائر المصادر: «عرق». فإذا كان الدم دم الحيض فإنّه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضّئي، إنّما هو عزفٌ». (74) والجواب عنه: تخصيصه بغير المعتادة؛ لما مرّ من أنّه كانت لها حالتان كانت معتادة ثمّ صارت مضطربة، فلعلّ هذا السؤال كان في اضطرابها .

.


1- . جامع المقاصد، ج 1، ص 295.
2- . هو الحديث الأوّل من الباب المذكور؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 276 277، ح 2135.
3- . و هذا مختار المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 204 و 207.
4- . المبسوط، ج1، ص 43 و 46.
5- . الرسائل العشر لابن فهد الحلّي، ص 141، قواعد الأحكام، ج 1، ص 213؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 299؛ رسائل المحقّق الكركي ، ج 2، ص 75.
6- . هذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . و رواه الشيخ في الاستبصار، ج 1، ص 138، ح 471 ؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 380 _ 381 ، ح 1181؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 288، ح 2198. و لفظ الحديث: «إقراؤها مثل إقراء نسائها». فالمذكور هنا نقلٌ بالمعنى.
7- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 380 ، ح 1178؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 286 287، ح 2155.
8- . الاستبصار، ج 1، ص 138، ح 472 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 288، ح 2157.
9- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 247.
10- . الظاهر أنّ هذه العبارات لوالده المولى صالح«قدس سره»، و نحوها موجودة في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 247، و في روض الجنان، ج 1، ص 189.
11- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 247.
12- . روض الجنان، ج 1، ص 190.
13- . الخلاف، ج 1، ص 234.
14- . النهاية، ص 24 25.
15- . و هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي، و قد تقدّم.
16- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 207؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 363 . وانظر : الفقيه، ج 1، ص 50 ، ذيل ح 195.
17- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 207؛ و العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 364 .
18- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 ، ح 1182؛ الاستبصار، ج 1، ص 137، ح 469 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 292، ح 2162.
19- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 400، ح 1251؛ الاستبصار، ج 1، ص 137، ح 470 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 291، ح 2161.
20- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 363 .
21- . المهذّب، ج 1، ص 37 . و كلامه صريح في جعل الأقلّ من الشهر الأوّل ، و الأكثر من الشهر الثاني.
22- . هو الحديث الأوّل من باب جامع في الحائض و المستحاضة . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 385 ، ح 1183؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 290288، ح 2159.
23- . المبسوط، ج 1، ص 47.
24- . الخلاف، ج 1، ص 234 . و التعليل المذكور في المبسوط.
25- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 362 .
26- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 164) و المذكور فيه ترك الصلاة في كلّ شهر سبعة أيّام مخيّرة في ذلك. نعم، التخيير بينهما مذكور في الاقتصاد، ص 247.
27- . و هو الحديث الأوّل من «باب جامع في الحائض و المستحاضه» من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 276 277، ح 2135.
28- . منتهى المطلب، ج 2، ص 303 304 .
29- . الاُمّ، ج 1، ص 78؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 396 ؛ فتح العزيز، ج 2، ص 458.
30- . المغني لابن قدامة، ج 1، ص 337 .
31- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 362 .
32- . المبسوط، ج 1، ص 58 .
33- . منتهى المطلب، ج 2، ص 305 .
34- . السرائر، ج 1، ص 147.
35- . المعتبر، ج 1، ص 210.
36- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 227.
37- . المعتبر، ج 1، ص 204 و 209، و قال : «و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام »؛ الدروس، ج 1، ص 98، درس 6؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 245؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 158؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 298؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 67؛ و ج 9، ص 248.
38- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 285، ح 2153 . و العتبير بالحسنة لوقوع إبراهيم بن هاشم في سندها، و الحقّ صحّة رواياته، راجع ترجمته في معجم رجال الحديث.
39- . الاستبصار، ج 1، ص 131 132، ح 453 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 380 ، ح 1179؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 285 286، ح 2153.
40- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 380 ، ح 1180؛ الاستبصار، ج 1، ص 133، ح 454 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 286، ح 2154.
41- . روضة المتّقين، ج 1، ص 265.
42- . المُقنع، ص 50 .
43- . اُضيفت من المصدر.
44- . اُضيفت من المصدر.
45- . الاستبصار، ج 1، ص 132، ذيل ح 454.
46- . المبسوط، ج 1، ص 43، و ما بين الحاصرتين منه.
47- . النهاية، ص 24.
48- . روضة المتّقين، ج 1، ص 265، و فيه: «لكان» بدل «كان».
49- . منتهى المطلب، ج 2، ص 332 .
50- . حكاه في منتهى المطلب، ج 2، ص 332 .
51- . نفس المصدر.
52- . نفس المصدر.
53- . المبسوط، ج 1، ص 52 .
54- . اُنظر: المبسوط: ج 1، ص 51 ؛ المعتبر، ج 1، ص 218؛ الجامع للشرائع، ص 42 43، تحرير الأحكام، ج 1، ص 102 103؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 313 314 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 333 ؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 157 و ما بعدها.
55- . فاطمة بنت أبي جيش قيص بن المطّلب بن أسد الأسديّة ، تعدّ من المهاجرات ، وهي زوج عبداللّه بن جحش ، وذكر إبراهيم الحربي أنّها اُمّ محمّد بن عبداللّه بن جحش ، وحديثها مذكورة في سنن أبي داوود والسنن الكبرى للنسائي . راجع : الطبقات الكبرى ، ج 8 ، ص 245 ؛ تهذيب الكمال ، ج 35 ، ص 254 ، الرقم 7900 .
56- . هو الحديث الأوّل من باب جامع في الحائض و المستحاضة من الكافي ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 276، ح 2135.
57- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 150 152، ح 431 ؛ و هو الحديث 3 من باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة من الكافي ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 275 276، ح 2134. و كان في الأصل: «لكلّ صلاة»، و التصويب من المصادر.
58- . هو الحديث 5 من باب «أدنى الحيض و أقصاه و أدنى الطهر» من الكافي؛ و من طريقه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157 158، ح 452 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 279، ح 2138.
59- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 164) .
60- . أحكام النساء، ص 23.
61- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى، ج 3 ، ص 26) .
62- . مدارك الأحكام، ج 1، ص 21 22.
63- . المبسوط، ج 1، ص 47.
64- . الخلاف، ج 1، ص 242.
65- . المجموع للنووي، ج 2، ص 431.
66- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 26 27.
67- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 22.
68- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 368 .
69- . النهاية، ص 24.
70- . في الأصل: «و كذلك».
71- . المبسوط، ج 1، ص 49.
72- . الخلاف، ج 1، ص 241 242، المسألة 201.
73- . نقله العلّامة في منتهى المطلب، ج 2، ص 295، و الحديث في ص 299؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 325 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 325 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 47 48.
74- . الحديث بهذه اللفظة منقول في منتهى المطلب، ج 2، ص 299 . و مع مغايرة في بعض الكلمات مذكور في: المسند للشافعي، ص 310 ؛ مسند أحمد، ج 6، ص 194؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 198 و 199؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 63 و 76؛ صحيح مسلم، ج 1، ص 180؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 203، ح 620 و 621؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 69، ح 280؛ و ص 70، ح 282؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 82 ، ح 125؛ سنن النسائي، ج 1، ص 116 117؛ و ص 121 و 122 و 124؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 382 ، ح 1183 ، ضمن حديث طويل؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 276 277، ح 2135 . و في الجميع: «عِرق» بدل «عزف».

ص: 22

. .

ص: 23

. .

ص: 24

. .

ص: 25

. .

ص: 26

. .

ص: 27

. .

ص: 28

. .

ص: 29

. .

ص: 30

. .

ص: 31

. .

ص: 32

. .

ص: 33

. .

ص: 34

باب استبراء الحائض

باب استبراء الحائضالاستبراء هنا هو طلب ظهور الحال من وجود الدم وعدمه في باطن الفرج حين انقطاعه ظاهرا قبل العشرة بإدخال القطنة فيه كيف ما اتّفق. والأحوط إدخالها فيه على أحد الأنحاء الواردة في رواية يونس، (1) وخبر شرحبيل الكندي، (2) أو ما نقله محمّد بن عليّ البصري، (3) والظاهر وجوب ذلك . قوله في مرسلة يونس: (دم عبيط) . [ح 1 / 4166] قال طاب ثراه: «العبيط من الدم: الخالص الطري، وهو يشعر بأنّه لو خرج معه دم أصفر فهي طاهر وجب عليها الغسل». وقال الشهيد الثاني: «وإن لم تخرج القطنة نقيّة من الدم بأيّ لون اتّفق صبرت». (4) وقال بعض العامّة: (5) للطهر علامتان: الجفوف: وهو أن تخرج القطنة جافّة لا دم عليها _ ، والقَصَّة ، وهو ماء أبيض يشبه ماء الجير، (6) وقيل: ماء العجين، وقيل: كالخيط الأبيض. (7) وقال ابن الأثير في نهايته: القَصَّة: الجصّ لغة حجازيّة، وقد قَصَّصَ داره، أي جصّصها. وفي حديث عائشة: لا تغتسلنّ من الحيض حتّى ترينّ القَصَّةَ البيضاء، أي حتّى يخرج القطنة أو الّتي تحتشى بها الحائض كأنّها قصّة لا تخالطها صفرة ولا تربة. (8) ثمّ اختلفوا، فقيل : القَصَّة أبلغ؛ لأنّه ليس بعدها دم، وقيل: الجفوف أبلغ؛ لأنّ القَصَّة آخر ما يرخى الرحم . (9)

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 309 ، ح 2213.
2- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ و عنه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 161، ح 461 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 309 ، ح 2214.
3- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي، وسائل الشيعة، ج 2، ص 310 ، ح 2216.
4- . روض الجنان، ج 1 ، ص 202 .
5- . رسالة ابن أبي زيد، ص 32 33 ؛ مواهب الجليل، ج 1، ص 546 ؛ الشرح الكبير لأبي البركات ؛ و حاشية الدسوقي عليه، ج 1، ص 171؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 47 ؛ سبل السلام، ج 1، ص 104؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 299.
6- . الجير: الجصّ . النهاية، ج 1، ص 324 (جير) . و هذا المعنى للقَصّة مذكورة في لسان العرب، ج 7، ص 73؛ و تاج العروس، ج 9، ص 335 (قصص) .
7- . النهاية، ج 4، ص 71؛ لسان العرب، ج 7، ص 73 (قصص) .
8- . النهاية، ج 4، ص 71 (قصص) . والظاهر أنّها مأخوذة من صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1052.
9- . كلا القولين مع القائلين بهما مذكوران في : مواهب الجليل، ج 1، ص 546 547 ؛ و حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 1، ص 172.

ص: 35

باب غسل الحائض وما يجزيها من الماء

باب غسل الحائض وما يجزيها من الماءقال طاب ثراه: الواجب في الغسل إنّما هو غسل البشرة دون الشعر، رجلاً كان الغاسل أو امرأة، ولا يجب نقض الشعر عليهما عندنا وعند مالك، (1) إلّا أن يتوقّف وصول الماء إلى البشرة عليه. وقَصَرَهُ بعض العامّة على النساء فقد أجمعوا على عدم وجوب نقضه على النساء، (2) فما ورد من أمرها به محمول على الاستحباب. ويجزي من الماء أقلّ ما يجري على الجسد كما مرّ في غسل الجنابة . قوله في حسنة الكاهلي: (إنّ النساء أحدثن مشطاً) ، الخ . [ح 1 / 4172] المشط مثلّثة وبالتحريك: الخلط وترجيل الشعر. (3) والقِرمِل كزبرج _ : ما تشدّ المرأة في شعرها . (4) والمِسَلَّة بكسر الميم وفتح السين المهملة وتشديد اللام: مخيط كبير (5) به تفتل النساء شعورهنّ. والمراد من ترويتها رأسها من الماء أن تدلك رأسها وتخلّل اُصول شعرها، وتبالغ في ذلك حتّى تعلم وصول الماء إلى بشرة رأسها . قوله في خبر أبي عبيدة: (إذا طهّرت فرجها وتيمّمت) . (6) [ح 3 / 4174] قال طاب ثراه: «يظهر منه اشتراط جواز الوطئ بعد انقطاع الحيض بالغسل؛ إذ التيمّم إنّما وجب إذا وجبت الطهارة المائيّة». ووقع التصريح بذلك في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا حتّى تغتسل». (7) وموثّقة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له: المرأة تحرم عليها الصلاة ثمّ تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل، ألزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا حتّى تغتسل». (8) وربّما استدلّ له بقوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ» (9) على قراءة التشديد، فإنّ الاطّهار بمعنى الاغتسال، (10) وبه قال بعض الأصحاب، (11) والأكثر حملوا هذه الأدلّة على الكراهة. (12) على أنّه يحتمل حمل الاطّهار في الآية على طهرها من الحيض؛ لمجيئه بهذا المعنى كما ستعرف، أو على غسل الموضع؛ لقول الجوهري: «يقال : تطهّرت بالماء، وهم قوم يتطهّرون، أي يتنزّهون من الأدناس». (13) وهذا هو الأظهر؛ للجمع بينها وبين ما دلّ على جواز وطيها قبله، منها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيضة _ (14) في آخر أيّامها، فقال : «إن أصاب زوجها شبق فليأمرها، فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل». (15) ومثله موثّقته عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيضة في آخر أيّامها، قال : «إن أصاب زوجها شبق فليأمرها، فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل». (16) ومنها: خبر عليّ بن يقطين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء». (17) ومنها: روايته الاُخرى عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الحائض ترى الطهر، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا بأس، وبعد الغسل أحبّ إليّ». (18) ومثله خبر عبد اللّه بن المغيرة، عمّن سمعه من العبد الصالح عليه السلام في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل وإن فعل فلا بأس به، وقال : «تمسّ الماء أحبّ إليّ». (19) ودلّ أيضاً عليه قوله تعالى : «فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِى الْمَحِيضِ» (20) ؛ لأنّ إيجاب الاعتزال في أيّام الحيض دلّ بحسب المفهوم على عدم اشتراط جواز الوطي بعدها بشيء. وربّما استدلّ له بقوله تعالى : «وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ» (21) ، سواء قرئ بالتخفيف أو بالتضعيف، أمّا على الأوّل؛ فلأنّ الطهر ضدّ الحيض لغةً وشرعاً وعرفاً عامّاً، وأمّا على الثاني؛ فلأنّ التطهّر وإن كان ظاهرا في الاغتسال، إلّا أنّه قد جاء بمعنى الطهر أيضاً، ولابدّ هنا من حمله عليه؛ للجمع بين القراءتين. (22) ولا يبعد الجمع بين الأدلّة بحمل الثانية على ما إذا كان الزوج شبقاً كما هو ظاهر بعض ما ذكر من الأخبار، (23) وبه قال ابن نافع (24) من العامّة، (25) والمشهور عندهم هو القول الأوّل، (26) وقال جماعة منهم بالثاني، (27) وقال بعضهم: إذا توضّأت جاز كما يؤمر الجنب بالوضوء قبل النوم . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزاها) . [ح 4 / 4175] قال طاب ثراه: من للتبعيض، وفيه دلالة على أنّ غسل جميع الشعر ليس بواجب، وإنّما الواجب غسل ما يتوقّف عليه غسل البشرة منه كأُصول الشعور .

.


1- . نيل الأوطار، ج 1، ص 312 .
2- . إنّهم اتّفقوا في عدم وجوب النقض في الجنابة، و اختلفوا في الحيض، فقال بعضهم بوجوبه . اُنظر: المحلّى، ج 2، ص 38 ؛ تحفة الأحوذي، ج 1، ص 301 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 4، ص 12؛ عون المعبود، ج 1، ص 298.
3- . تاج العروس، ج 10، ص 414 (مشط) .
4- . صحاح اللغة، ج 5 ، ص 1801 (قرمل) .
5- . صحاح اللغة، ج 5 ، ص 1731 (سلل) .
6- . في النسخ المطبوعة من المصدر: «غسلت» بدل «طهّرت».
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 166، ح 478 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 136، ح 465 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 326 ، ح 2265.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 167، ح 479 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 136، ح 466 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 395 ، ح 2450.
9- . البقرة (2) : 222.
10- . ترتيب كتاب العين، ج 2، ص 1097 (طهر) . و في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 103، باب الأغسال المفترضات و المسنونات: «الاطهار : الاغتسال بلاخلاف بين أهل اللسان» . و مثله في فقه القرآن للراوندي، ج 1، ص 32 .
11- . المُقنع، ص 322 ؛ الهداية، ص 263.
12- . الانتصار، ص 128، المسألة 27؛ أحكام النساء للمفيد، ص 19؛ الخلاف، ج 1 ، ص 228؛ المبسوط، ج 4، ص 242؛ غنية النزوع، ص 39 ؛ السرائر، ج 1، ص 150، شرائع الإسلام، ج 1، ص 25 ؛ المعتبر، ج 1، ص 235؛ جامع الخلاف و الوفاق، ص 23؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 120؛ مدارك الأحكام، ج 1، ص 336 ؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 388 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 333 .
13- . صحاح اللغة، ج 2، ص 727 (طهر) .
14- . في الكافي: «ينقطع عنها دم الحيض». و مثله في الاستبصار و تهذيب الأحكام، ج 1 و ج 7 هكذا: «ينقطع عنها دم الحيضة» . و في الوسائل: «ينقطع عنها الدم دم الحيض».
15- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 166، ح 477 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 135، ح 463 .
16- . الكافي، ج 5، ص 539، باب مجامعة الحائض قبلى أن تغتسل، ح 1 . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 77 ص 486، ح 1952؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 324 ، ح 2260.
17- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 166، ح 476 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 325 ، ح 2262.
18- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 136، ح 468 ؛ و ص 167، ح 481 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 325 ، ح 2264. و رواه الكليني في الكافي، ج 5، ص 539، باب مجامعة الحائض، ح 2، إلّا أن فيه: «و يقع» بدل : «أيقع»، و أسقط قوله: «قبل أن تغتسل».
19- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 167، ح 480 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 136، ح 467 ؛ وسائل الشيعة، ج 27 ص 325 ، ح 2263.
20- . البقرة (2) : 222 .
21- . البقرة (2) : 222 .
22- . شرح اللمعة ، ج 1، ص 387 .
23- . الكافي، ج 5، ص 539، من باب مجامعة الحائض قبل أن تغتسل، ح 1 . وانظر : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 135، ح 463 ؛ و ص 166، ح 475 و 477 ؛ و ج 7، ص 486، ح 1952؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 324 ، ح 22600.
24- . عبداللّه بن نافع الصائغ مولى بني مخزوم، أبو محمّد ، صاحب مالك، تفقّه عنده و روى عنه، توفّي بالمدينة في رمضان سنة 206 أو 207 ه. ق، و قيل : سنة 186 ه. ق . من آثاره تفسير الموطّأ. راجع : سير أعلام النبلاء، ج 10، ص 371 374 ، الرقم 96؛ تهذيب الكمال ، ج 16، ص 312 ، الرقم 3609 ؛ معجم المؤلّفين، ج 6، ص 158.
25- . حاشية الدسوقي، ج 1، ص 173.
26- . فتح العزيز ، ج 2 ، ص 422 ؛ المجموع للنووي ، ج 2، ص 370 ؛ الشرح الكبير لأبي البركات (مع حاشية الدسوقي)، ج 1، ص 173؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 351 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 50 ؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 353 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 316 .
27- . البحر الرائق، ج 1، ص 352 ؛ المحلّى، ج 10، ص 82 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 50 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 316 و 368 .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

. .

ص: 39

باب المرأة ترى الدم وهي جنب

باب المرأة ترى الدم وهي جنبقد سبق أنّ الحائض إذا أجنبت لا يصحّ منها الغسل للجنابة قبل النقاء، وأنّه إذا طهرت يكفيها غسل واحد، ويزيده بياناً ما رواه المصنّف في الباب . قوله في حسنة الكاهلي: (قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل) . [ح 1 / 4177] ظاهره كصحيحة ابن سنان (1) وما بعدها أنّ غسل الجنابة واجب لغيره، وقد سبق القول فيه . [قوله] في صحيحة عبد اللّه بن سنان: (سألته عن المرأة تحيض وهي جنب، هل عليها غسل الجنابة) إلخ. [ح 2 / 4178] ظاهره أنّ السؤال عن وجوب تجدّد الغسل، فالجواب دليل على تداخل الغسلين، فهو حجّة على من نفاه مطلقاً، وقد سبق القول فيه أيضاً . [قوله] في حسنة سعيد بن يسار: (فقد أتاها ما هو أعظم من ذلك) . [ح 3 / 4179] توجيهه على ما ذكره _ طاب ثراه _ : أنّ الجنابة ليست مانعة من تعلّق بالصلاة وغيرها بخلاف الحيض .

.


1- . هو الحديث 2 من هذا الباب. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص 395 ، ح 1223؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 265، ح 2115.

ص: 40

باب جامع في الحائض والمستحاضة

باب جامع في الحائض والمستحاضةقد سبق أحكام الحائض مفصّلاً والاستدلال على بعضها ببعض أخبار الباب فلا نعيده. والمستحاضة تطلق على معنيين ، أحدهما: القسيمة للحائض، وثانيهما: من اختلطت حيضها واستحاضتها. قال الجوهري: «استحيضت المرأة: استمرّ بها الدم». (1) والثاني قد سبق، وأمّا الاستحاضة بالمعنى الأوّل فالمشهور بين الأصحاب منهم المحقّق في الشرائع، (2) و [العلّامة في ]القواعد (3) والإرشاد (4) تثليث أحوالها، وأنّه إن لم يغمس دمها القطنة أصلاً بل لطخ ظاهرها فقط فإنّما يجب عليها غسل الفرج وتغيير القطنة والوضوء لكلّ صلاة، وإن غمسها ولم يصل إلى الخرقة وجب عليها مع ما ذكر غسل للغداة، وإن سال إليها وجب عليها مع ذلك غسلان آخران: غسل للظهر والعصر جامعة بينهما، وغسل للمغرب والعشاء كذلك. إلّا أنّ ظاهر الصدوق في الفقيه (5) والشيخ في المبسوط (6) والخلاف (7) والنهاية (8) والسيّد المرتضى في الناصريّات (9) عدم وجوب الوضوء مع الأغسال، وهو ينبئ عن إجزاء الغسل مطلقاً عن الوضوء، وبه يشعر خلوّ أكثر أخبار هذه الأغسال عنه. وصرّح المفيد (10) وأكثر المتأخّرين (11) بوجوبه معها. واحتجّ عليه في المنتهى بأنّ قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا...» ، الآية (12) دلّ بمنطوقه العامّ على وجوب هذا الوضوء. (13) ودلالة هذه الأخبار على سقوطه إنّما هو بالمفهوم، وهذا لا يعارض ذاك على ما حقّق في محلّه، وهو إنّما يتمّ لو كان دليل السقوط منحصرا في هذا المفهوم، وقد سبق العمومات المنطوقة الدالّة عليه أيضاً. وربّما تمسّكوا بالعمومات الواردة في أنّ كلّ غسل معه وضوء إلّا غسل الجنابة، (14) وهي أيضاً معارضة بالعمومات المشار إليها، ولا طريق للجمع إلّا حمل الأوّلة على الاستحباب، وقد سبق القول فيه تفصيلاً وظهر رجحان سقوط وجوبه. وما اعتبروه من غسل الفرج عند كلّ صلاة يستفاد من قوله صلى الله عليه و آله في الخبر المنقول من طرق العامّة: أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيش: «اغسلي عنك الدمّ وتوضّأي»، (15) واستفادوا منه ما اشتهر بينهم من عدم العفو عن هذا الدم في الصلاة مطلقاً وإن كان أقلّ من الدرهم إذا كان في الجسد، فتأمّل. وأمّا وجوب تغيير القطنة فهو ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب على ما ادّعاه العلّامة في المنتهى. (16) ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وأعادت الكرسف» فيما سنرويه عن إسماعيل الجعفي. (17) ويؤيّده: قوله عليه السلام : «تستدخل قطنة بعد قطنة» في صحيحة صفوان بن يحيى. (18) ويؤيّده أيضاًوجوب غسل فرجها عند كلّ صلاة؛ إذ لو لا الاستبدال للزم تنجّس الفرج بهذه النجاسة الخارجة عن المحلّ، والظاهر أنّه تعبّد. وربّما علّل بعدم العفو عن هذا الدم في الصلاة. وفي المدارك: «وهو غير جيّد؛ لما سيجيء إن شاء اللّه تعالى من العفو عن نجاسة ما لا يتمّ فيه الصلاة مطلقا». (19) وأمّا تغيير الخرقة فيما يجب تغييرها فيه، فلم أجد قولاً بخلافه. واحتجّوا عليه بما دلّ على عدم جواز الصلاة في النجس ممّا يستر العورتين القبل والدبر، وهو المعبّر عنه في كلام الأصحاب بما يتمّ الصلاة فيه، بناءً على إرادة صلاة الرجال منها لا مطلقاً، كما يظهر من الأخبار لتمثيل ما لا يتمّ الصلاة فيها بالقلنسوة والتكّة والجورب والنعل والخفّ كما يجيء في محلّه، بل ربّما قيل باختصاصه بهذه الخمسة. وهو احتجاج جيّد لو قلنا بعدم العفو عن هذا الدم مطلقاً كما هو المشهور، وإلّا فلا يتمّ فيما إذا كان الدم الواصل إليها أقلّ من الدرهم البغلّي. وأمّا تثليث القسمة فلم أجد خبرا صريحاً فيه. نعم، ما رواه المصنّف عن عثمان بن عيسى، عن سماعة (20) ظاهر فيه؛ إذ الظاهر أنّ المراد بثقب الدم الكرسف تجاوزه عنه بقرينة قسيمه. وكذا الظاهر من السياق أنّ المراد بالصفرة هو القلّة، وإنّما عبّر عن القلّة بها؛ لاستلزامها لها غالباً. لكنّ الخبر لضعفه وإضماره لا يجوز التمسّك به في مثل هذا الحكم وإن اشتهر العمل به، مع معارضته لما سنشير إليه من الأخبار المتكثّرة. واحتجّ عليه في المختلف (21) بخبر معاوية بن عمّار، (22) وقد عدّه صحيحاً؛ لزعمه أنّ محمّد بن إسماعيل فيه هو ابن بزيع، وقد عرفت مرارا أنّه البندقي المجهول. (23) وبصحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف التي يرويها المصنّف في باب الحبلى ترى الدم. (24) وبما رواه الشيخ في الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت». (25) ثمّ قال : «والأحاديث في ذلك كثيرة ذكرناها في كتب الأخبار». واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بما ذكر، وبخبر صفوان بن يحيى، عن محمّد الحلبي،عن أبي الحسن عليه السلام ، وقد رواه الشيخ عن صفوان عنه عليه السلام بلا توسّط الحلبي. (26) وحسنة ابن سنان على ما هو الظاهر من أنّه عبد اللّه ، وقد رواه الشيخ في الصحيح عنه. (27) وخبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهرا اغتسلت، وإن هي لم تر دماً اغتسلت واحتشت، فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف». (28) وأنت خبير بعدم صراحة شيء من تلك الأخبار في مدّعاهم، ولا ظهورها فيه، بل بعضها ظاهر في وحدة حالها؛ لوجوب ثلاثة أغسال عليها مطلقاً، وهو خبر صفوان وصحيح ابن سنان. ومثلهما قوله عليه السلام فيما نرويه في باب الحبلى ترى الدم في صحيحة أبي المغرا: «إن كان دماً كثيرا فلا تصلّينّ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (29) وفي موثّق إسحاق بن عمّار: «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّينّ ذينك اليومين، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (30) وصحيحة الصحّاف ظاهرة في التثنية بمعنى تشريك المتوسّطة مع القليلة في الحكم، فإنّ عدم السيلان في قوله عليه السلام : «فإن كان الدم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضّأ ولا غسل عليها» (31) أعمّ من أن ينفذ الدم في القطنة أو لا، بل يلطخ ظاهرها فقط. ومضمرة زرارة التي تأتي في باب النفساء من قوله: «فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، فإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسلٍ واحدٍ» (32) ظاهرة في عكسه، أي تشريك القليلة مع المتوسّطة في حكم هذه. ولم أجد قائلاً بهما، فهما مطّرحتان أو مأوّلتان بالاتّفاق. على أنّ الثانية مع قطعها يحتمل أن يراد بالغسل الواحد في آخرها غسل النفاس، فتوافق صحيحة الصحّاف. وبقي باقي الأخبار الدالّة على التثنية بمعنى اشتراك المتوسّطة والكثيرة في وجوب ثلاثة أغسال، وهو أظهر؛ لكثرتها وأحوط. وهو ظاهر العلّامة في المنتهى، حيث قال بعد ما نقل خبر معاوية بن عمّار الدالّة عليه _: «وهذه رواية صحيحة وعليها أعمل». (33) وهو ظاهر المحقّق أيضاً في المعتبر، فقد قال : «والّذي ظهر لي أنّه إن ظهر الدم على الكرسف وجب عليه ثلاثة أغسال، وإن لم يظهر لم يكن عليها غسل وكان عليها الوضوء لكلّ صلاة»، (34) فإنّ الظاهر من ظهور الدم على الكرسف غلبته عليه ونفوذه فيه، سواء تجاوز عنه إلى الخرقة أم لا. ونقله صاحب المدارك (35) عن ابن الجنيد أيضاً ، وعبارته ليست صريحة فيه ، بل محتملة؛ لإدخاله القليلة في حكم المتوسّطة، كما هو ظاهر مضمرة زرارة المتقدّمة، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف: المستحاضة الّتي يثقب دمها الكرسف تغتسل لكلّ صلاتين آخر وقت الاُولى وأوّل وقت الثانية منهما، وتصلّيهما وتفعل للفجر مفردا كذلك، والّتي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم والليلة مرّة واحدة ما لم يثقب. (36) فتأمّل. وعن ابن أبي عقيل أنّه شرك بين المتوسّطة والكثيرة، ونفى حكم القليلة رأساً، فقد نقل عنه في المختلف أنّه قال : يجب عليها الغسل عند ظهور دمها على الكرسف لكلّ صلاتين[غسل]، تجمع بين الظهر والعصر بغسل، وبين المغرب والعشاء بغسل، [و تفرّد الصبح بغسل¨]؛ فأمّا ما لم يظهر الدم على الكرسف فلا غسل عليها ولا وضوء. (37) وقد نسب هذا القول إليه صاحب المدارك (38) أيضاً، ولم أرَ له مستندا، وكأنّه حمل خبر صفوان ونظائره المشار إليها على ذلك، وهو بعيد عن الصواب. ووافقه أبو حنيفة، (39) لكنّه جوّز لها الجمع بين صلوات كثيرة في وقتٍ واحد. وذهب الشافعي (40) وأحمد (41) والثوري (42) إلى وجوب تجديد الوضوء عليها لكلّ صلاة مطلقاً، وهو منقول عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدّه. (43) وقال داود ومالك وربيعة: أنّها ليست حدثاً أصلاً. (44) وهذه الأقوال منقولة عنهم في الخلاف (45) والانتصار. (46) ويردّ قول مالك وأضرابه: ما نقلوه أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (47) «اغسلي عنك الدم وتوضّأي». 48 وهل المعتبر في قلّة الدم وكثرته وتوسطه وقت الصلاة؟ اختاره الشهيد في الدروس، (48) وإطلاق الأخبار وقوله عليه السلام في خبر الصحّاف: «فإن كان الدم لا يسيل بينهما وبين المغرب فلتتوضّأ ولا غسل عليها» (49) يدلّ على أنّه كغيره من الأحداث متى حصل وجب موجبه، وهو أظهر ومحكي في المدارك (50) عن البيان (51) و روض الجنان. (52) واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ وجوب ثلاثة أغسال فيما يجب فيه إنّما هو من باب الرخصة، فيجوز لها خمسة أغسال وفعل كلّ صلاة في وقتها، ولم أجد له مخالفاً صريحاً، بل حكم في المنتهى (53) باستحباب هذا. ويشعر به قوله عليه السلام في موثّق ابن بكير المتقدّم: «فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»، فإنّ الظاهر منه أنّه اغتسلت عند كلّ صلاة وصلّت؛ بقرينة ما تقدّمه من قوله: «وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم». هذا، ويفهم من اشتراط الجمع بين الصلاتين اشتراط معاقبة الصلاة للغسل من غير فصل عرفي أو شرعي، وقد صرّح بذلك جماعة. (54) وقال طاب ثراه: «ويجوز أن تصلّي النوافل المرتّبة بشرط الاتّصال، وقد صرّح به بعض الأصحاب». وهل يجوز لها أن تصلّي من الفرائض الفائتة ما أحبّت؟ قال به أبو حنيفة ومالك، والحديث خال عن ذكره ولم يحضرني الآن تصريح من الأصحاب به . قوله في (ثمّ استحاضت) إلخ. [ح 1 / 4180] هذه الكلمة تدفع قول الجوهري: «استحيضت المرأة، أي استمرّ بها الدم»، (55) ولا يقال لها: مستحيض. وقال طاب ثراه: «يقال في الفعل من الحيض: حاضت وتحيّضت، ومن الاستحاضة: استحيضت واستحاضت». وفاطمة بنت أبي حبيش بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب. (56) والترديد في قوله: «قدر أقرائها أو قدر حيضها» من الراوي. والعزف بالعين المهملة والزاي المعجمة والفاء كما في النسخ المصحّحة بمعنى القطع. (57) وحمله على كلمة هو للمبالغة من باب حمل المسبّب على السبب ، يعني أنّ هذا الدم إنّما هو قطع العرق؛ وذلك لأنّ الحيض يخرج من قعر الرحم، بخلاف الاستحاضة، فإنّها تخرج من فم العرق الّذي يسمّى العاذل بالعين المهملة والذال المعجمة في أدنى الرحم. وهل سبب زيادته انقطاع عِرق أو عرقٌ؟ كلّ محتمل، والحديث دلّ على الأوّل، ويجوز أن يقرأ عرق بالمهملتين والقاف من باب حمل المحلّ على الحال، أو الظرف على المظروف للمبالغة. ويؤيّده: أنّ هذا الحديث مذكور في كتب العامّة مكرّرا بأسانيد مختلفة، وهم صحّحوه بذلك. (58) والركض: أن تضرب الدابّة برجليك لتستحثّها، ويستعار للعَدْو، ومنه قوله تعالى: «إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ» (59) قال ابن العربي: «سمّى الاستحاضة ركضة من الشيطان؛ لأنّ المرأة لمّا دخلتها هذه العلّة جعلها الشيطان موسوسة شاكّة، وذلك سببه». (60) وفي نهاية ابن الأثير: «المعنى أنّ الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتّى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير: كأنّه ركضة بآلةٍ من ركضاته». (61) وقال المازري: (62) «الحيضة بالكسر: الهيئة كالجلسة والقعدة، وبالفتح: الدم المعروف». (63) والمراد بإقبال الحيضة: اتّصاف الدم بصفات الحيض، وبإدبارها: اتّصافه بصفة الاستحاضة. والمركن بالكسر: الإجّانة الّتي تغسل فيها الثياب، (64) كانت تقعد فيها وتصبّ الماء عليها من غيره، فيستنقع فيها الماء وتعلوه حمرة الدم السائل منها، ولعلّها كانت تغسل ما أصاب رجليها من ذلك الماء المتغيّر. ولمّا حمل عليه السلام قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «فإذا أقبلت الحيضة» إلى آخره على حكم المضطربة وأنّها ترجع إلى التمييز أراد أن يبيّن ذلك حتّى يندفع ما توهّمه بعض غير المحصّلين من العامّة، من أنّه في حكم ذات العادة المستقرّة، وأنّ المراد بإقبال الدم إقبال الأيّام المعلومة الّتي كانت عادتها، وبإدبارها انقضاء تلك الأيّام، وأكثرهم وافقونا فيما ذكر. وفي نهاية ابن الأثير: «دمٌ بحرانيّ شديد الحمرة، كأنّه قد نسب إلى البحر، وهو اسم قَعْر الرّحِم، وزادوه في النسب ألفاً ونوناً للمبالغة، يريد (65) الدم الغليظ الواسع. وقيل: نسب إلى البحر؛ لكثرته وسعته». (66) وعن القتيبي: «أنّه دم الحيض لا دم الاستحاضة». (67) وحمنة بنت جحش هي اُخت زينب بنت جحش زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (68) وقال الجوهري: «ثججت الماء ثجّاً، إذا سيّلته». (69) وفي النهاية: «الثجّ: سيلان دم (70) الهدي والأضاحي، ومنه حديث المستحاضة: إنّي أثجّه ثجّاً». (71) والتّلجّم: شدّ اللجام (72) ، واللجمة: وهي خرقة عريضة طويلة تشدّها المرأة في وسطها، ثمّ تشدّ ما يفضل من أحد طرفيها ما بين رجليها إلى الجانب الآخر، وذلك إذا غلب سيلان الدم. (73) وتحيّضت: قعدت وفعلت ما تفعل الحُيّض، ومنه: «تحيّضي في علم اللّه ». قوله: في خبر معاوية بن عمّار: (ورأت الدم يثقب الكرسف) إلخ. [ح 2 / 4181] الكُرْسُف: القطن، (74) واحتشاؤها به: أن تستدخله في فرجها، وسمّى القطن حشوا؛ لأنّه يحشى به الفرش وغيرها. (75) والاستثفار: هو أن تشدّ فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطناً وتوثق طرفيها في شيء تشدّه على وسطها، فيمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثَفَر الدابة الّذي تجعل تحت ذنبها. (76) و «لا تحنّي» في أكثر النسخ المعتبرة بالنون المشدّدة بعد الحاء المهملة، بمعنى أنّها لا تختضب بالحنّاء. وفي بعضها: «وتحتبي» بالتاء والمثنّاة من فوق بعد الحاء ثمّ الباء الموحّدة، من الاحتباء، وهو جمع الساقين والفخذين بعمامة ونحوها، وفائدته هنا التحفّظ من تعدّي الدم. وفي بعضها: «وتحشّي» بالشين المعجمة المشدّدة، يعنى تربط فرجها بخرقة محشوّة بالقطن، ويقال لها: المُحَشّى على عجيزتها. وقيل: ضبطه العلّامة (77) والمحقّق الشيخ عليّ في بعض حواشيه على المختلف: «لا تحيّى بالياء المشدّدة المثنّاة من تحت، بمعنى أنّها لا تصلّي صلاة التحيّة؛ وكأنّ ذلك لاستلزام تلك الصلاة دخولها المسجد. واحتمال كونها حائضاً يمنعه. ولا يبعد أن يقرأ: «لا تجثي» بالجيم والثاء المثلّثة، بمعنى أنّها لا تجلس على ركبتيها من جثى كرمى ودعا _: جلس على ركبتيه؛ وذلك لأنه يستحبّ للنساء الجلوس في الصلاة متربّعاً. وأمّا قوله: «وتضمّ فخذيها» فقيل: لا يبعد أن يكون هكذا: وتضمّ فخذيها وتصلّي في المسجد بحيث يكون مسجدها في المسجد وسائر جسدها خارجاً عنه. ويؤيّده: ما سيجيء من رواية عبد الرحمان بن أعين، حيث حكى قول امرأة عبد الملك، فقال : قالت له: لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد، فدعني أقوم خارجاً وأسجد فيه، فقال قد أمر بذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (78)

.


1- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1073 (حيض) .
2- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 28.
3- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 219.
4- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 228.
5- . الفقيه، ج 1، ص 78، ذيل ح 176.
6- . المبسوط، ج 1، ص 67.
7- . الخلاف، ج 1، ص 249، المسألة 221.
8- . النهاية، ص 28 29.
9- . الناصريّات، ص 147 148، المسألة 45.
10- . المُقنعة، ص 56 .
11- . منهم: العلّامة في : منتهى المطلب، ج 2، ص 409 410، و إرشاد الأذهان، ج 1 ، ص 229، و تبصرة المتعلّمين، ص 25، و تحرير الأحكام، ج 1، ص 110، و تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 281 . و يحيى بن سعيد الحلّي في : الجامع للشرائع، ص 44 . و ابن فهد في المهذّب البارع، ج 1، ص 169 . و الشهيد في الدروس، ج 1، ص 99، درس 7؛ و الذكرى، ج 1، ص 241.
12- . المائدة (5) : 6.
13- . منتهى المطلب، ج 2، ص 415.
14- . الكافي، ج 3، ص 45، باب صفة الغسل و...، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 139، ح 391، و ص 143، ح 403، و ص 303، ح 881؛ الاستبصار، ج 1، ص 126، ح 428 و 430، و ص 209، ح 733؛وسائل الشيعة، ج 2، ص 241، ح 2072 و 2073؛ و ص 493، ح 2728.
15- . سنن الدارمي، ج 1، ص 199؛ سنن النسائي، ص 186؛ السنن الكبرى للبيهقى، ج 1، ص 344 ، باب المستحاضة تغتسل... . و تقدّم سائر تخريجاته.
16- . منتهى المطلب، ج 2، ص 409.
17- . سيأتي تخريجه.
18- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 372 ، ح 2392.
19- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 30 .
20- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 170، ح 485 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 374 ، ح 2395.
21- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 372 373 .
22- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 106 109، ح 277؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 283، ح 2146.
23- . لأنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ، ولا يمكن أن يروى عنه الكليني بلا واسطة، فالمراد منه البندقي النيسابوري، ولم يرد فيه توثيق. اُنظر : معجم رجال الحديث ، ترجمة الرجل .
24- . هو الحديث الأوّل من تلك الباب؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 168 169، ح 482 ؛ و ص 388 ، ح 1197؛ الاستبصار، ج 1، ص 140، ح 482 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 330 ، ح 2279.
25- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 169، ح 483 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 284، ح 2151.
26- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 170 171، ح 486 ؛ فإنّه رواه من طريق الكليني، و روايته في الكافي، ح 6 من هذا الباب؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 372 ، ح 2392.
27- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171، ح 487 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 373 374 ، ح 2393.
28- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171، ح 488 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 512 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 375 376 ، ح 2399.
29- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 387 ، ح 1191؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 331 ، ح 2281.
30- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 387 ، ح 1192؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 331 ، ح 2282.
31- . هو الحديث الأوّل من باب «الحبلى ترى الدم» من الكافي. و تقدّم تخريجه، و في الجميع: «فإن كان الدم فيما بينهما و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف ، فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم ، وجب عليها الغسل، و إن طرحت الكرسف و لم يسل الدم ، فلتتوضّأ و لتصلّ ، ولا غسل عليها».
32- . هو الحديث 4 من ذلك الباب . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 173 174، ح 496 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 373 ، ح 2394.
33- . منتهى المطلب، ج 2، ص 412.
34- . المعتبر، ج 1، ص 245.
35- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 31 .
36- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 372 .
37- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 372 . و حكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 244.
38- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 30 .
39- . شرح معاني الآثار، ج 1، ص 107؛ المحلّى، ج 1، ص 233؛ فتح العزيز، ج 2، ص 437 ؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 535 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 1؛ المغني، ج 1، ص 328 ؛ سبل السلام، ج 1، ص 64.
40- . الاُمّ، ج 1، ص 78؛ المغني، ج 1، ص 328 و 355 ؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 329 و 355 .
41- . فتح العزيز، ج 2، ص 437، و فيه: «لوقت كل صلاة لا لكلّ صلاة».
42- . لم أعثر عليه.
43- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 74 75 ، ح 297 ؛ سنن ترمذي ، ج 1 ، ص 83 ، ح 126 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 347 .
44- . المجموع للنووي، ج 2، ص 535 ؛ المغني، ج 1، ص 355 عن مالك و ربيعة؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 355 ؛ و في المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 11 . و قال مالك: «و المستحاضة و السلس البول يتوضّأ لكلّ صلاة أَحبّ إليّ من غير أن أوجب ذلك عليها».
45- . الخلاف، ج 1، ص 249 250، المسألة 221.
46- . الانتصار، ص 148، المسألة 45.
47- . فاطمة بنت أبي جيش قيس بن المطّلب بن الأسد ، القرشيّة، من المهاجرات، تقدّمت ترجمتها.
48- . الدروس، ج 1، ص 99 100، درس 7.
49- . هو الحديث الأوّل من باب «الحبلى ترى الدم». و تقدم تخريجه، و العبارة المذكورة هنا مغايرة للكافي و سائر المصادر.
50- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 36 .
51- . البيان، ص 21.
52- . روض الجنان، ج 1، ص 231.
53- . منتهى المطلب، ج 2، ص 422.
54- . منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 68؛ و ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 152؛ و الشهيد في الدروس، ج 1، ص 99، درس 7؛ و البحراني في الحدائق، ج 3 ، ص 288؛ و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان ، ج 1، ص 161.
55- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1073 (حيض) .
56- . تقدّمت ترجمتها.
57- . لم أعثر على هذا المعني في كتب اللغة.
58- . تقدم تخريج الحديث من مصادر العامّة في باب أوّل مَن تحيض المرأة.
59- . المُغرِب، ص 115 (ركض) .
60- . لم أعثر على مصدر لكلام ابن العربي، و انظر : النهاية، ج 2، ص 259 (ركض)؛ مجمع البحرين، ج 2، ص 218؛ و ج 1، ص 606 (حيض) .
61- . النهاية، ج 2 ، ص 295 (ركض) .
62- . أبو عبداللّه محمّد بن عليّ بن عمر التميمي المازِري، المالكي، محدّث، فقيه، اُصولي ، متكلّم، أديب، ولد سنة (453 ه. ق) بمدينة المهديّة من إفريقيّة ، و توفّي بها في سنة (536 ه. ق) . من تصانيفه: المعلم بفوائد مسلم، إيضاح المحصول في برهان الاُصول لأبي المعالي الجويني، نظم الفرائد في علم العقائد، تعليق على المدوّنة، شرح التلقين لعبد الوهّاب، و الكشف و الإنباء على المترجم بالإحياء. راجع : سير أعلام النبلاء، ج 20، ص 104 107، الرقم 64؛ معجم المؤلّفين، ج 11، ص 32 ؛ وفيّات الأعيان، ج 4، ص 285 ، الرقم 617.
63- . لم أعثر عليه، و نحوه مذكور في عمدة القاري، ج 3 ، ص 264.
64- . النهاية، ج 2، ص 260 (ركن) .
65- . أي ابن عبّاس أو قائل الحديث: «حتّى ترى الدم البحرانيّ».
66- . النهاية، ج 1، ص 99 (بحر) .
67- . معجم البحرين، ج 1، ص 157 (بحر) .
68- . حمنة بنت جحش الأسديّة، كانت زوج مصعب بن عمير، فقتل عنها يوم اُحُد ، فتزوّجها طلحة بن عبيداللّه ، فولدت له محمّدا و عمران، و شهدت اُحدا ، فكانت تسقي العطشى ، و تحمل الجرحى و تداويهم. راجع : الطبقات الكبرى، ج 8 ، ص 241؛ الاستيعاب، ج 4، ص 1813، الرقم 3302 ؛ تهذيب الكمال ، ج 35 ، ص 158157، الرقم 7821؛ أسدالغابة، ج 5 ، ص 428.
69- . صحاح اللغة، ج 1، ص 302 (ثجج) ، و لفظه هكذا: «ثججت الماء و الدم أثجّه ثجّا، إذا سيلته».
70- . في المصدر : «ماء» بدل «دم».
71- . النهاية، ج 1، ص 207 (ثج) . و نحوه في معجم مقائيس اللغة لابن فارس، ج 1، ص 367 .
72- . الفائق، ج 3 ، ص 149؛ مجمع البحرين، ج 4، ص 110 (لجم) .
73- . مجمع البحرين، ج 4، ص 110 (لجم) .
74- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1421 (كرسف) .
75- . النهاية، ج 1، ص 392 (حشو) .
76- . مجمع البحرين، ج 1، ص 312 (ثفر) .
77- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 373 . و مثله في منتهى المطلب، ج 2، ص 412.
78- . هو الحديث 2 من باب النفساء من الكافي، و سيأتي.

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

. .

ص: 48

. .

ص: 49

. .

ص: 50

. .

ص: 51

. .

ص: 52

باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة

باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضةدم الحيض في الغالب يكون حارّا أسودَ عبيطاً منتناً له حرقة، ودم الاستحاضة غالباً أصفر بارد رقيق، يخرج بفتور، وليس له ذلك النّتن. وإنّما قيّدوهما بالغالب بناءً على ما ثبت من الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض، والأسود الحارّ في غيرها استحاضة. قال العلّامة في المنتهى: ألوان الدماء ستّة: السواد الخالص، والبياض الخالص، والحمرة، والصفرة، والخضرة، والكدرة. فالسواد حيض إجماعاً، والبياض ليس بحيض إجماعاً، وأمّا الحمرة فقد روى أبو حنيفة أنّها في أيّام الحيض حيض، (1) وهو مذهبنا أيضاً، وأمّا الصفرة فكذلك على رأينا ورأي أبي حنيفة. (2) وقال أبو يوسف: الصفرة حيض، والكدرة ليس بحيض إلّا أن يتقدّمها دم. (3) وقال داوود: إنّ الصفرة والكدرة ليستا حيضاً. (4) [و قال أبو بكر الاسكاف (5) : إن كانت الصفرة على لون القز فهي حيض و إلّا فلا]. وقال آخرون: إن كانت الصفرة أقرب إلى البياض فليست بحيض، وإن كانت أقرب إلى الحمرة فهي حيض. وأمّا الكدرة فعلى قول أبي حنيفة ومحمّد تكون حيضاً في الأحوال كلّها، تقدّمت أو تأخّرت. (6) وقال أبو يوسف: إن خرجت عقيب الدم كان حيضاً، وإن تقدّمت لم يكن حيضاً. (7) وأمّا الخضرة فالخلاف فيها كالكدرة. (8) انتهى. (9) وقد ذكروا (10) أنّ القوّة والضعف يحصلان باللون والقوام والرائحة، أمّا اللون فالأسود قويّ الأحمر، وهو قويّ الأشقر، وهو قوىّ الأبيض. وأمّا القوام فالثخين قويّ الرقيق. وأمّا الرائحة فالمنتن أقوى من غيره. ومتى اجتمع في دم خصلة وفي آخر ثنتان فالآخر أقوى. ولو استوى العدد مع الاختلاف كما لو كان في أحدهما الثخانة وفي الآخر الرائحة فلا تمييز لها . قوله في صحيحة إسحاق بن جرير: (إنّ اللّه لم يضرب الأمثال للشجرة إنّما ضرب الأمثال لبني آدم) ، إلخ. [ح 3 / 4189] لعلّ اللّام في الموضعين بمعنى الباء، وحروف الجارّة يجيء بعضها في معنى بعض، لا سيما إذا كانت نكتة كالتقيّة هنا، وذلك إشارة إلى ما رواه المصنّف قدس سرهفي باب أنّ الأئمّة عليهماالسلام نور اللّه عزّ وجلّ من كتاب الحجّة (11) عن صالح بن سهل الهمداني، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَوةٍ» : فاطمة عليهاالسلام ، «فِيهَا مِصْبَاحٌ» : الحسن، «الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ» : الحسين، «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ» : فاطمة كوكب درّي بين نساء أهل الدنيا، «يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَ_رَكَةٍ» : إبراهيم عليه السلام ، «زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ» : لا يهوديّة ولا نصرانيّة، «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ» : يكاد العلم يتفجّر (12) بها، «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ» : إمام منها بعد إمام، «يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ» : [يهدى اللّه للأئمّة مَن يشاء] «وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَ_لَ لِلنَّاسِ» . قلت: أو «كَظُ_لُمَ_تٍ» قال : الأوّل وصاحبه، «يَغْشَ_ل_هُ مَوْجٌ» : الثالث، «مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ» (13) ظلمات الثاني «بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ» : معاوية وفتن بني اُميّة، «إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ» : المؤمن في ظلمة فتنتهم «لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَ مَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا» : إماماً من ولد فاطمة عليهاالسلام، «فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ» (14) : إمام يوم القيامة. وقال في قوله: «يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَ_نِهِم» : (15) «أئمّة المؤمنين يوم القيامة يسعى بين يدي المؤمنين وبإيمانهم حتّى ينزلوهم منازل أهل الجنّة». (16) وقيل: تراه في قوله: «أتراه كان (17) امرأة» بصيغة خطاب المذكّر فيما رأيناه من النسخ ونسخ التهذيب (18) المعتبرة، وينبغي: أترينه (19) بخطاب المؤنّث؛ لأنّ الخطاب إنّما كانت لمولاتها، ولا يبعد أن يكون أراه بصيغة التكلّم وزيادة التاء من تصرّفات النسّاخ. انتهى. (20) وأقول : الأظهر أن يكون: «أنراه» بصيغة المتكلّم مع الغير، ويكون زيادة نقطة من تصرّفاتهم، وعلى أيّ حال فالهمزة للتعجّب .

.


1- . المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 18؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 39 .
2- . أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 419 ؛ المبسوط، ج 2، ص 18، المحلّى، ج 2، ص 169؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 310 ؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 395 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 46.
3- . أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 419 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 150؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 395 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 46 ، و المذكور فيها الصفرة و الكدرة معا.
4- . بداية المجتهد، ج 1، ص 46 47 ، و زاد: «إلّا بأثر الدم».
5- . محمّد بن أحمد أبوبكر الإسكافي، من فقهاء الحنفيّة. من آثاره : شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الفقه الحنفي، مات سنة 332 . راجع : كشف الظنون، ج 1، ص 569 ؛ هدية العارفين، ج 2، ص 67؛ معجم المؤلّفين، ج 8 ، ص 232.
6- . المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 150؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 309 ؛بدائع الصنائع، ج 1، ص 39 ؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 419.
7- . المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 150؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 39 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 349 ؛ المحلّى، ج 2، ص 169؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 346 ؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 310 .
8- . اُنظر المصادر المتقدّمة.
9- . منتهى المطلب، ج 2، ص 291 292.
10- . الرسائل العشر لابن فهد، ص 44 ؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 377 378 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 15.
11- . هو الحديث 5 من ذلك الباب.
12- . في الكافي: «ينفجر».
13- . النور (24) : 40.
14- . النور (24) : 40 .
15- . الحديد (57) : 12.
16- . الكافي ، ج 1 ، ص 195 ، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللّه عزّوجلّ ، ح 5 .
17- . في الأصل : «كانت» ، والمثبت من المصدر والتهذيب والوسائل .
18- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 151 152، ح 431 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 276، ح 2134.
19- . هكذا ورد في نقل ابن ادريس في مستطرفات السرائر، ص 611 عن كتاب محمّد بن على بن محبوب.
20- . لم أعثر على قائله.

ص: 53

. .

ص: 54

. .

ص: 55

باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة

باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحةالعُذْرَة بضمّ العين المهملة وسكون الذال المعجمة: دم البَكارة بفتح الباء. (1) وإذا اشتبه دم الحيض بالعذرة تمسك القطنة ثمّ تخرجها برفق، فإن خرجت مطوّقة فهو العُذْرة، وإن خرجت منغمسة فهو الحيض. وهذا هو المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (2) والنهاية؛ (3) لما رواه المصنّف والشيخ في الحسن والصحيح عن خلف بن حمّاد، (4) وفي الصحيح عن زياد بن سوقة. (5) ولم أر معارضاً لهما في الأخبار. وتوقّف المحقّق في المعتبر في صورة الانغماس، حيث قال : «لا ريب أنّها إذا كانت مطوّقة كان من العُذْرة، وإن خرجت مستنقعة فهو محتمل فإذا يقضى أنّه من العذرة مع التطوّق قطعاً». (6) وهو ظاهره في الشرائع (7) والنافع (8) أيضاً، حيث اكتفى فيهما في صورة التطوّق خاصّة. ولا وجه لذلك التوقّف؛ لما عرفت، ولإجماع الأصحاب على الحكم بالحيض في كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً. وقد صرّح هو أيضاً في المعتبر (9) بأنّ ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة يحكم بكونه حيضاً (10) ، وأنّه لا عبرة بلونه ما لم يعلم أنّه لقرح أو عُذْرة، ونقل الإجماع عليه، وهذا الدم منه. واعلم أنّه قال الشهيد الثاني في المسالك: «طريق معرفة التطوّق وعدمه أن تضع قطنة بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها، ثمّ تصبر هنيئة، ثمّ تخرج القطنة إخراجاً رفيقاً». (11) وفي شرح الإرشاد: مستند هذا الحكم روايات عن أهل البيت عليهم السلام لكن في بعضها الأمر باستدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء، وفي بعضها إدخال الإصبع مع الاستلقاء، وطريق الجمع حمل المطلق على المقيّد والتخيير بين الإصبع والكرسف، إلّا أنّ الكرسف أظهر في الدلالة. (12) أقول : مستند الحكم فيما رأيناه من كتب الأخبار ومصنّفات العلماء الأخيار منحصر في الخبرين المشار إليهما، وليس فيهما إلّا استدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء. نعم، ورد الاستلقاء وإدخال الإصبع في مرسلة أبان (13) في المسألة الآتية، وكأنّه حمل هذه المسألة عليها في ذلك. ولو اشتبه بدم القرحة فالمشهور في التمييز اعتبار الجانب بعد الاستلقاء على ظهرها ورفع رجليها وإدخال إصبعها في الفرج، لكنّهم اختلفوا، فظاهر المصنّف قدس سرهأنّه إن خرج الدم من الأيمن فهو من الحيض، وإن خرج من الأيسر فهو من القرحة. وذهب إليه الشهيد في الذكرى (14) والدروس، (15) وهو منقول عن ابن الجنيد (16) ، محتجّين بمرسلة أبان. وذهب الصدوق في الفقيه (17) والشيخ في النهاية (18) والمبسوط (19) إلى عكس ذلك، مستندين بهذه المرسلة بعينها بناء على ما رواه الشيخ في أبواب الزيادات من التهذيب، فقال : محمّد بن يحيى رفعه عن أبان، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : فتاةٌ منّا بها قرحة في جوفها والدم سائل، لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة، فقال : «مرها فلتستلقِ على ظهرها وترفع رجليها، وتستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة». (20) والظاهر أنّ الشيخ نقلها عن الكافي، فقد وقع السهو عن قلمه أو عن نسّاخ التهذيب في التقديم والتأخير. ويؤيّد الأوّل قوله بذلك في النهاية والمبسوط، والثاني ما ذكره الشهيد في الذكرى (21) من أنّ الرواية في كثير من نسخ التهذيب كما ذكر في الكافي، وما نَقَل عن ابن طاووس من أنّ نسخ التهذيب القديمة كلّها موافقة له. ولإرسال الرواية واضطرابها ومخالفتها للاعتبار؛ لاحتمال كون القرحة في كلّ من الجانبين طرحها المحقّق في المعتبر، (22) وكأنّه حينئذٍ يعتبر الأوصاف وقد عدّه (23) صاحب المدارك أولى . (24) قوله في صحيحة خلف بن حمّاد: (تزوّج بعض أصحابنا جارية معصرا) إلخ. [ح 1 / 4190] قال الجوهري: المعصر: الجارية أوّل ما أدركت وحاضت، جمعها: معاصر. (25) وفي القاموس: نهد الرجل نهض. (26) وقيل: عقد التسعين باليد عبارة عن لفّ السبّابة ووضع الإبهام عليها، (27) وكأنّه كناية عن الأمر بحفظ السرّ حفظاً محكماً كإحكام القابض تسعين. وأقول : الأظهر أنّ هذا العقد مع قوله عليه السلام : «تستدخل القطنة» تصوير للفرج وإدخال القطنة فيها .

.


1- . مجمع البحرين، ج 3 ، ص 142 (عذر)؛ مدارك الأحكام، ج 1، ص 313 .
2- . المبسوط، ج 1، ص 43.
3- . النهاية، ص 24. و مثله في المهذّب للقاضي ابن البرّاج، ج 1، ص 35 .
4- . هو الحديث الأوّل، من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 385، ح 1184 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 273، ح 2129؛ و ص 274 ، ح 2131 .
5- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 152، ح 432 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 273 274، ح 2130.
6- . المعتبر، ج 1، ص 198 . و فيه: «لا ريب أنّها إذا خرجت مطوّقة كانت من العذرة...».
7- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 33 .
8- . المختصر النافع، ص 9.
9- . المعتبر، ج 1، ص 203.
10- . في نسخة «ب» : «وقد صرّح هو أيضاً في المعتبر إلى قوله يحكم بكونه حيضاً».
11- . مسالك الأفهام، ج 1، ص 56 .
12- . روض الجنان، ج 1، ص 170.
13- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
14- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 229.
15- . الدروس، ج 1، ص 101، درس 6.
16- . عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 199؛ و العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 355 ؛ و الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 229.
17- . الفقيه، ج 1، ص 97، ذيل ح 203.
18- . النهاية، ص 24.
19- . المبسوط، ج 1، ص 43.
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 385 ، ح 1185؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 307 ، ح 2209.
21- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 229.
22- . المعتبر، ج 1، ص 199.
23- . أي عدّ طرح الرواية.
24- . مدارك الأحكام، ج 1، ص 318 .
25- . صحاح اللغة، ج 2، ص 750 (عصر) .
26- . القاموس المحيط، ج 1، ص 342 .
27- . نقله الطريحي في مجمع البحرين، ج 1، ص 291 (تسع) عن بعض شرّاح الحديث و لم يذكر اسمه.

ص: 56

. .

ص: 57

. .

ص: 58

باب الحبلى ترى الدم

باب الحبلى ترى الدماختلف الأصحاب في أنّ الحبلى هل ترى الحيض أم لا ؟ فذهب الصدوق إلى الأوّل. (1) ويدلّ عليه زائدا على ما مرّ من الأخبار الدالّة على اعتبار التمييز من غير تقييد بالحاملى ما رواه المصنّف في الباب في الصحاح عن محمّد بن مسلم، وعبد الرحمان بن الحجّاج، وعبد اللّه بن سنان، (2) وفي الحسن عن سليمان بن خالد. (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي المغرا، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها، ترى كما ترى الحائض من الدم، قال : «تلك الهِراقة (4) إن كان دماً كثيرا فلا تصلّينّ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (5) وفي الصحيح عن صفوان، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام، تصلّي؟ قال : «تمسّك عن الصلاة». (6) وفي الصحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم، قال : «نعم، إنّه ربّما قذفت المرأة بالدم وهي حبلى». (7) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين، قال : «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (8) وعن حريز، عمّن أخبره عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامفي الحبلى ترى الدم ، قال : «تدع الصلاة ، فإنّه ربّما بقي في الرحم ولم يخرج ، وتلك الهِراقة» . (9) وعن سماعة ، قال : سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل ، قال : «تقعد أيّامها الّتي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام الّتي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة» . (10) وما روي من طريق العامّة عن عائشة : «أنّ الحبلى إذا رأت الدم لا تصلّي ». (11) وهؤلاء لم يفرّقوا بين المعتادة وغيرها ، ولا في المعتادة بين ما رأت الدم في وقت عادتها أو في غيره . وقال الشيخ في النهاية : «إذا رأت الدم في الأيّام الّتي كانت تعتاد فيها الحيض فلتعمل ما تعمله الحائض ، فإن تأخّر عنها الدم بمقدار عشرين يوماً ثمّ رأته ، فإنّ ذلك ليس بدم حيض فلتعمل ما تعمله المستحاضة ». (12) وبذلك جمع بين الأخبار في التهذيب (13) والاستبصار (14) بين صحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف وما ذكر . وذهب في الخلاف (15) والمبسوط (16) إلى أنّها تحيض ما لم يستبن حملها ، مدّعياً عليه في الأوّل الإجماع ، وهو أحد طرق جمعه بين الأخبار . وعن ابن إدريس (17) وابن الجنيد : (18) «أنّها لا تحيض مطلقاً ». ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : «قال النبيّ صلى الله عليه و آله : ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حبل» . (19) وهو مع ضعفه يمكن حمله على الغالب . (20) وحكى في المختلف (21) عنه أنّه احتجّ بذلك الخبر ، وبصحيحة حميد بن المثنّى ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيّام وفي الشهر والشهرين ، فقال : «تلك الهِراقة ، ليس تمسك هذه عن الصلاة». (22) وفيه : أنّ الظاهر أنّ العلّة فيه عدم تحقّق أقلّ الحيض . وربّما احتجّ عليه بأنّه يصحّ طلاقها مع الدم إجماعاً ولا يصحّ طلاق الحائض مطلقاً إجماعاً ، ومن هذين الإجماعين يلزم أن لا يكون دمها حيضاً . (23) وردّ بمنع الإجماع الثاني؛ مستندا بجواز طلاق الغائب مع الحيض . (24) وهذا القول محكي عن أبي حنيفة والشافعي في قوله القديم وسعيد بن المسيّب وعطاء والحسن وجماعة اُخرى من العامّة (25) ، محتجّين بما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا توطأ الحَبَالى حتّى يضعن ، ولا الحيالى (26) حتّى يستبرئن بحيضة» (27) ، حيث جعل الحيض علامة على فراغ الرحم ، فدلّ على أنّه لا يتصوّر مع الشغل بالحيض . وعن سالم [بن عبداللّه بن عمر، عن أبيه] أنّه طلّق امرأته وهي حائض ، فسأل عمر النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «مره (28) ليراجعها ثمّ ليطلّقها طاهرا أو حاملاً» (29) ، فجعل الحمل كالطهر علماً على عدم الحيض. وهما غير قابلين للمعارضة لما ذكر . على أنّ خبر سالم إنّما يدلّ على جواز طلاقها حاملاً ، ولعلّ ذلك لجواز طلاق الحامل الحائض ، بل ظاهر العطف بكلمة «أو» ذلك ، فهو حجّة للجواز لا عليه . وقد احتجّ عليه بأنّ الحكمة في الحيض إعداد المرأة للحمل ، ثمّ اغتذاؤه جنيناً ثمّ رضيعاً باستحالته لبنا . (30) وردّ بأنّ الدم قد يفضل عن غذاء المغتذي فيقذفه الرحم ، كما هو مصرّح به في خبر سليمان بن خالد ، وبأنّه لو تمّ ذلك لزم عدم جواز اجتماعه مع الإرضاع ، وهو مخالف لإجماع أهل العلم . وقد يقال : إنّ الحيض عدّ دليلاً على براءة الرحم في العدّة والاستبراء ، فلو اجتمع مع الحمل لم يكن دليلاً عليه . وفيه : أنّ الدلائل الشرعيّة ليست عللاً عقليّة امتنع تخلّف معلولاتها عنها ، وإنّما هي أمارات قد يتخلّف معلولاتها عنها ، فتأمّل . (31)

.


1- . المقنع، ص 50 .
2- . الأحاديث 3 و 4 و 5 من هذا الباب من الكافي.
3- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي.
4- . الهِراقة: بهاءٍ مكسورة بمعنى الصبّة. اُنظر: مجمع البحرين، ج 5 ، ص 247 248 (هرق) .
5- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 387 ، ح 1191؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 331 ، ح 2281.
6- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 387 ، ح 1193؛ الاستبصار، ج 1، ص 139، ح 478 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 331 ، ح 2280.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 386 ، ح 1188؛ الاستبصار، ج 1، ص 139، ح 475 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 332 ، ح 2286. و في الأخيرَين: «الدم» بدل «بالدم».
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 387 ، ح 1192؛ الاستبصار، ج 1، ص 141، ح 283؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 296، ح 2178.
9- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 386 ، ح 1186 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 138، ح 473 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 332 ، ح 2285.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 386 387 ، ح 1190؛ الاستبصار، ج 1، ص 139، ح 477 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 302 ، ح 2192.
11- . سنن الدارمي، ج 1، ص 225؛ وفي الموطّأ ، ج 1، ص 60، ح 100 بلفظ: «أنّها تدع الصلاة» ؛ و ح 101 بلفظ: «تكفّ عن الصلاة» . و نحوه في المصنّف لابن أبي شيبة، ج 2، ص 116، ح 10.
12- . النهاية ، ص 25 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 388 ، ذيل ح 1196 .
14- . الاستبصار، ج 1، ص 140، ذيل ح 481.
15- . الخلاف، ج 1، ص 239، المسألة 205.
16- . المبسوط، ج 5 ، ص 240 ؛ فإنّه ذكر فيه قولان ، و قال : «ذكرناها في الخلاق».
17- . السرائر، ج 1، ص 150.
18- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 200؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 254.
19- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 387 388 ، ح 1196؛ الاستبصار، ج 1، ص 140، ح 481 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 333 ، ح 2288.
20- . هذا الاحتمال مذكور في وسائل الشيعة.
21- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 357 .
22- . الاستبصار، ج 1، ص 139، ح 480 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 332 ، ح 2284.
23- . هذا الاحتجاج مذكور في السرائر، ج 1، ص 150.
24- . راجع : مختلف الشيعة، ج 1، ص 358 ؛ و منتهى المطلب، ج 2، ص 273 ، و غالب الألفاظ المذكورة بعد ذلك من هذا الكتاب.
25- . حكاه عنهم غير الشافعي النووي في المجموع، ج 2، ص 386 . و قول الشافعي مذكور في ص 384 ، و حكى قوله الجديد بأنّه حيض.
26- . الحيالى جمع الحائل، و هي الّتى لا حمل لها. اُنظر : حاشية ردّ المختار، ج 6، ص 692.
27- . عوالى اللآلي، ج 2، ص 132، ح 360 ؛ و ج 3 ، ص 22، ح 112؛ المبسوط للسرخي، ج 3 ، ص 153؛ و ج 5 ، ص 52 و 174؛ و ج 10، ص 21؛ و ج 13، ص 145؛ تحفة الفقهاء، ج 2، ص 112؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 270؛ و ج 3 ، ص 129 و 162؛ و ج 5 ، ص 120 و 253 . و هذا المعنى مع مغايرة في اللفظ رواه أحمد في مسنده، ج 4، ص 108؛ و أبي داود في سننه، ج 1، ص 481، ح 2157.
28- . في الأصل: «ائمره» ، و المثبَت من المصادر.
29- . مسند أحمد، ج 2، ص 26؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 181؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 321 ، ح 1186؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 7، ص 325 ، باب الطلاق يقع على الحائض؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 4، الباب الأوّل من كتاب الطلاق، ح 8 .
30- . قاله الشهيد الثاني في روض الجنان، ج 1، ص 169، و الردّ أيضا منه.
31- . اُنظر : رسائل الشهيد الثاني، ص 205. و أشار أبو البركات إلى هذا الكلام و جوابه في الشرح الكبير، ج 1، ص 169، و هذا الاستدلال موجود في المحلّى لابن حزم، ج 1، ص 263.

ص: 59

. .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

باب النّفساء

باب النّفساءفي القاموس : النِفّاس بالكسر : ولادة المرأة ، فإذا وضعت فهي نُفَساء كالثّؤَباء ، ونَفْساء بالفتح ويحرّك جمعها نِفَاس ونُفُس ونُفْس كجِياد ورُخال [نادرا]، وكُتُب وكُتْب، ونَوافِس ونُفَساوات، وليس فُعَلاء يجمع على فِعال بكسر الفاء غير نُفَساء وعُشراء، وعلى فعال غيرها . (1) واشتقاقه من النّفس الّتي هي الدم ، ومنه قولهم : ما لا نفس له سائلة . ويقال : نُفسَت المرأة (2) بضمّ النون وفتحها ، قد نفست المرأة بالكسر، و يقال أيضا نفست المرأة غلاما على ما لم يسمّ فاعله، والولد منفوس . ومنه الحديث : «لا يرث المنفوس حتّى يستهلّ صائحاً». (3) والمشهور : أنّه الدم الّذي مع الولادة أو بعدها (4) ، خلافاً للسيّد المرتضى حيث خصّه بما بعدها (5) على ما حكى عنه في التنقيح . (6) وربّما قيل : إنّ اشتقاقه من النفس الإنسانيّة الّتي هي الولد ؛ لخروجه عقيبه. فعلى هذا أيضا إنّما سمّيت نفساء مع خروج الدم مع الولد أو بعده ، وحكى المحقّق في المعتبر: «أنّ امرأة ولدت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم ترَ دما فسميّت الجفوف» (7) ولا يتعلّق بهذه حكم عندنا ، خلافا لبعض العامّة حيث أوجب الغسل بمجرّد خروج الولد (8) ، ولبعض آخر منهم حيث جعله حدثا موجبا للوضوء (9) . وكلاهما تحكّم ؛ لمخالفتهما للأصل السالم عن المعارض . وأجمع الأصحاب على أنّ النفاس كالحيض في جميع الأحكام إلّا في شيئين: أحدهما : الأقلّ ، فربّما يكون لحظة إجماعاً! بين الأصحاب؛ لعدم تقدير له في الشريعة، فيرجع فيه إلى الوجود . ويؤيّده إطلاق ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عليّ بن يقطين أو عن الحسين ، عن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن النفساء وكم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال : «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً ، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت وصلّت إن شاء اللّه » . (10) وما رواه العامّة عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «لا يحلّ للنفساء إذا رأت الطهر إلّا أن تصلّي» . (11) وربّما احتجّ عليه بأنّ اليسير أيضاً دم الولادة كالكثير ، فيكون نفاساً مثله . (12) وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك (13) ، ونقل عن محمّد بن أحمد أنّ أقلّه ساعة (14) ، وعن أحمد أنّه يوم (15) ، وقاسه الثوري بالحيض فزعم أنّه ثلاثة (16) ، وعن المزني أنّه أربعة أيّام (17) ؛ زعماً منه أنّ أقلّ الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً ، وأنّ أكثر النفاس ستّون يوماً أربعة أضعاف أكثر الحيض ، فلابدّ أن يكون أقلّ النفاس أيضاً أربعة أضعاف أقلّ الحيض ، وعن أبي يوسف أنّه أحد عشر يوماً (18) ، وعن أبي عبيد (19) أنّه خمسة وعشرون يوماً . (20) وثانيهما : الأكثر ، فإنّ أكثر الحيض عشرة عند الأصحاب أجمع ، واختلفوا في أكثر النفاس ، فالأكثر على أنّه عشرة كالحيض (21) ، وبه قال عليّ بن بابوية (22) والشيخ (23) وابن إدريس (24) ، واختاره العلّامة في أكثر كتبه (25) ، والمحقّق (26) ، وعامّة المتأخّرين (27) ، وهو ظاهر السيّد المرتضى في الناصريات، حيث قال : «عندنا أنّ الحدّ في نفاس المرأة أيّام حيضها الّتي تعهدها، و روي أنّها تستظهر بيوم أو يومين »، ثمّ نسب الثمانية عشر إلى الرواية (28) ، ورجّحه المفيد في المقنعة . (29) واحتجّوا عليه بأنّ النفاس دم الحيض في الحقيقة احتبس في الرحم لغذاء الولد . (30) ولما رواه المصنّف في الباب ؛ لأنّ رجوعها إلى العادة في الحيض يشعر بأنّه كالحيض . واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بما ذكر، وبموثق مالك بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثمّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها، يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أحبّ». وقال : «هذا الحديث يدلّ على أنّ أكثر أيّام النفاس مثل أكثر أيّام الحيض ؛ لأنّه لو كان زائدا على ذلك لما وسع لزوجها وطؤها أيّام نفاسها». (31) وحمل عليه حسنة يونس ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : «فلتقعد أيّام قرئها الّتي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة» (32) حملاً للباء فيها على معنى «إلى». وذهب الصدوق في الفقيه (33) والسيّد المرتضى (34) إلى أنّه ثمانية عشر يوماً ، وهو منقول عن سلّار (35) وابن الجنيد (36) ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كم تقعد النفساء حتّى تصلّي ؟ قال : «ثماني عشرة ، سبع عشرة ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتصلّي» . (37) وفي الصحيح عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن النفساء كم تقعد؟ فقال : «إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين» (38) . ورواه : بسند آخر أيضاً عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم (39) . وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أرادت الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا [مكّة] (40) ونسكوا المناسك ، فأتت لها ثماني عشرة ليلة (41) ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تطوف بالبيت وتصلّي ولم ينقطع عنها الدم ، ففعلت ذلك ». (42) واُجيب عن الاُولى بأنّها خبر واحد لا يعارض الأخبار المتكثّرة ، وعن الأخيرتين بأنّهما إنّما تدلّان على أنّه صلى الله عليه و آله أمر أسماء في ذلك الوقت بالغسل ، ولعلّ ذلك لأنّها سألت عنه صلى الله عليه و آله عن حالها حينئذٍ . (43) ويؤيّده مرفوعة عليّ بن إبراهيم (44) . وما رواه الشيخ بسندين وإن كانا غير نقيّين عن محمّد وفضيل وزرارة : «أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا ونسكوا المناسك سألت النبيّ صلى الله عليه و آله عن الطواف بالبيت والصلاة ، فقال لها : منذ كم ولدت؟ فقالت : منذ ثماني عشرة ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تغتسل وتطوف بالبيت وتصلّي ولم ينقطع عنها الدم ، ففعلت ذلك». (45) وربّما جمع بين هذه الأخبار والمتقدّم بحمل هذه على المبتدأة والأوّلة على ذات العادة ، وبه قال العلّامة في المختلف (46) ، أو بالتخيير بين الغسل بعد انقضاء العادة والصبر إلى انقضاء الثمانية عشر كما احتمله صاحب المدارك (47) ، وهو غير بعيد ولا ينافيه استلزام التخيير بين ؟ ؟ الصلاة وتركها ، لثبوت مثله في أيّا أيّام الاستظهار . وحكى في التنقيح عن ابن أبي عقيل أنّه أحد وعشرون (48) ، عملاً برواية البزنطي ، ولم أجد هذه الرواية . وفي الذكرى : «وربّما تمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم » (49) ، مشيرا إلى ما تقدّم من صحيحة العلاء عنه . وفيه : أنّها إنّما تدلّ على أنّها عشرون . وهنا روايات متروكة لم يعمل بها أحد من الأصحاب وحملت على التقيّة، منها : خبر محمّد بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «تقعد النفساء تسع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة». (50) ومنها : صحيحة عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال : «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً». (51) وهو ظاهر صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة نفست وبقيت ثلاثين ليلة أو أكثر ، ثمّ طهرت وصلّت ، ثمّ رأت دماً أو صفرة ، فقال : «إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصلاة ، وإن كانت دماً ليست صفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ» . (52) ومثله خبر عبد اللّه بن المغيرة، وصحيح عبد الرحمان بن الحجّاج في الباب الآتي . (53) ومنها: خبر أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه السلام قال : «النفساء تقعد أربعين يوماً ، فإن طهرت وإلّا اغتسلت وصلّت ويأتيها زوجها ، وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلّي» . (54) وخبر محمّد بن يحيى الخثعمي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النفساء ، فقال : «كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جرّبت» . قلت : فلم تلد فيما مضى ، قال : «بين الأربعين إلى خمسين» . (55) وصحيحة العلاء بن زرين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوماً إلى الخمسين» . (56) وقال الصدوق : «والأخبار التي وردت في قعودها أربعين يوماً وما زاد إلى أن تطهر معلولة كلّها وردت للتقيّة لا يفتى بها إلّا أهل الخلاف ». (57) ولعلّه أراد بقوله : «معلولة» أنّها وردت لعلّة ، فيكون قوله : «وردت للتقيّة» تفسيرا و بياناً له ، لا أنّها ضعيفة ؛ لصحّة بعضها . نعم ، خبر حفص ضعيف ؛ لكونه عاميّاً (58) ، ولاشتراك أبي جعفر، وجهالة أبيه . وكذا خبر الخثعمي؛ لوجود القاسم بن محمّد في طريقه، وهو كان واقفيّاً غير موثّق، وقد دلّ خبر الخثعمي على رجوع النفساء إلى عادتها المستقرّة في النفاس . ومثله ما رواه الشيخ في الموثّق عن يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة مكثت مثل أيّامها الّتي كانت تجلس قبل ذلك ، واستظهرت بمثل ثلثي أيّامها ، ثمّ تغتسل وتحتشي ، وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيّام اُمّها أو خالتها، واستظهرت بثلثي ذلك ، ثمّ صنعت كما تصنع المستحاضة ، وتحتشي وتغتسل» . (59) ولم أجد قولاً به من أحد من أهل العلم ، وحكم عليهما الشهيد قدس سره في الذكري بالشذوذ . (60) وبالجملة، هذه الروايات لا تصلح لمعارضة الأخبار المتضمّنة للرجوع إلى العادة ؛ لأنّها أكثر والكثرة أمارة الرجحان ؛ ولأنّ العمل بها أحوط للعبادة وأشبه بمقتضى الدليل ؛ لأنّ النفاس في الحقيقة هو حيض. واختلفت العامّة أيضاً فيه ، ففي الانتصار : (61) يذهب أبو حنيفة وأصحابه (62) والثوري (63) والليث بن سعد إلى أنّ أكثره أربعون يوماً ، وذهب مالك والشافعي إلى أنّه ستّون يوماً (64) ، وحكى الليث أنّ في الناس من يذهب إلى أنّه سبعون يوماً (65) ، وحكى عن الحسن البصري أنّه خمسون يوماً . (66) وربّما فرّق بينهما بثالث وهو الدلالة على انقضاء العدّة وعدمها ؛ معلّلاً بأنّ الحيض له مدخل في انقضائها بخلاف النفاس ، فإنّ الوضع يدلّ على انقضائها. وهو غير متّجة ، فإنّ النفاس أيضاً قد يدلّ عليه فيما إذا وقع الطلاق بعد الوضع قبل رؤية الدم ، فإنّ الدم بعده يعدّ حيضاً . وبرابع بالدلالة على البلوغ وعدمها، فإنّها مختصّة بالحيض لسبق دلالة الحمل على النفاس ، فإنّه لا يتصوّر قبل البلوغ . تنبيه : قد يكون النفاس أكثر من عشرة أيّام وذلك في التوأمين مع الفصل بين الولادتين ، بل قد يكون عشرين يوماً إذا كان الفصل بينهما بعشرة ؛ لأنّ نفاسها يتعدّد بتعدّد العلّة و لكلّ منهما نفاس حكمه على المشهور . (67) وتردّد في المعتبر في الأوّل من حيث إنّها حامل ولا نفاس مع حمل ، ثمّ قوّى أنّه نفاس . (68) ومثله ما لو [كان] الفصل بأزيد وإن كان الفرض بعيدا . وكذا مع سقوط الولد أعضاء متفرّقة منفصلة بأيّام ووجود دم مع كلّ عضو ، ففي الذكرى جوّز جعل العضوين كالتوأمين ، والدمين اللذين معهما نفاسين . قوله في خبر عليّ بن إبراهيم: (وقال لأسماء بنت عميس) . [ح 3 / 4201] قال طاب ثراه : قال القرطبي : (69) هي أسماء بنت عميس بن معد الخثعميّة من خثعم أنمار ، وهي اُخت ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله واُخت لبابة اُم الفضل زوج عبّاس ، واُخت أخواتها وهنّ تسع ، وقيل : عشر . هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة ، فولدت له محمّدا و عبد اللّه وعونا ، ثمّ هاجرت إلى المدينة ، فلمّا قُتل جعفر تزوّجها أبو بكر ، فولدت له محمّد بن أبي بكر ، ثمّ مات عنها فتزوّجها عليّ ، فولدت له يحيى بن عليّ ، لا خلاف في ذلك . وقيل : كانت تحت حمزة بن عبد المطّلب ، فولدت له ابنة تُسمّى أمة اللّه ، وقيل: أمامة ، ثمّ خلف عليها بعده شداد بن الهادي الليثي ، فولدت له عبد اللّه وعبد الرحمان، ثمّ خلف عليها بعده جعفر ، ثمّ كان الأمر على ما ذكر . (70)

.


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 414 (نفس) .
2- . في الهامش: «على البناء للمفعول و الفاعل، من باب علم يعلم. منه».
3- . غريب الحديث لابن قتيبة، ج 1، ص 297؛ النهاية لابن الأثير، ج 5 ، ص 95 (نفس) ، و فيها «صارخا» بدل «صائحا» . و في السنن الكبرى للبيهقي، ج 6، ص 257 ، باب ميراث الحمل هكذا: «من السنّة أن لا يرث المنفوس ولا يورث حتّى يستهلّ صارخا».
4- . اُنظر: قواعد الأحكام، ج 1، ص 220؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 346 .
5- . الناصريّات، ص 173، المسألة 64 .
6- . التنقيح الرائع للفاضل المقداد المتوفّى سنه 826 . و حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 346 .
7- . المعتبر، ج 1، ص 253. و حكاه أيضا الشهيد في الذكرى، ج 1، ص 259؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 336 ؛ و منتهى المطلب، ج 2، ص 432 ، و فيهما: «ذات الجفوف». و مثله في المهذّب للشيرازى على ما في المجموع للنووي، ج 2، ص 522 ؛ و المغني لابن قدامة، ج 1، ص 359 ؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 370 .
8- . المجموع للنووي، ج 2، ص 149؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 193.
9- . المجموع للنووي، ج 2، ص 150.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 174، ح 497 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 387 388 ، ح 2427. ولا ترديد في السند؛ فإنّ الشيخ رواه باسناده عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن عليّ بن يقطين.
11- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 1، ص 342 ، باب النفاس؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 230، ح 856 ؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 360 .
12- . نهاية الإحكام، ج 1، ص 132.
13- . فتح العزيز، ج 2، ص 575 ، عن الشافعي و أبي حنيفة في أحد أقواله؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 523 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 45 46 عن الشافعي و مالك، و حكى عن أبي حنيفة أنّ أقلّه خمسة و عشرون يوما؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 359 عن الشافعي، و حكى عن أبي حنيفة أنّ أقلّه أحد عشر يوما؛ الاستذكار، ج 1، ص 354 ، عن مالك و الشافعي و غيرهما، و حكى عن أبي حنيفة أنّ أقلّه خمسة و عشرين يوما.
14- . هذا قول محمّد بن الحسن على ما في: المغني لابن قدامة، ج 1، ص 359 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة، ج 1، ص 370 ؛ وتذكرة الفقهاء، ج 1، ص 327 . والظاهر أنّ محمّد بن أحمد مصحّف .
15- . كشف القناع، ج 1، ص 257؛ الإنصاف للمرادوي، ج 1، ص 384 .
16- . المجموع للنووي، ج 2، ص 525 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 326 .
17- . المجموع للنووي، ج 2، ص 525 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 327 ، و العبارات المذكورة بعده منها.
18- . الخلاف، ج 1، ص 245؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 327 ؛ المبسوط للسرخسي، ج3 ، ص 211؛ بدائع الصنائع، ج1، ص 41 ؛ و ج 3 ، ص 199؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 359 ؛ المحلّى، ج 2، ص 207؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 46.
19- . أبو عبيد القاسم بن سلام، محدث، فقيه، مقرئ، عالم بعلوم القرآن، ولد بهراة سنة (150 ه. ق)، و توفّي بمكّة سنة (222 ه. ق) . من تصانيفه: الأموال؛ غريب المصنّف، الأمثال السائرة، الأيمان و النذور، القراءات، الناسخ و المنسوخ. راجع : سير أعلام النبلاء، ج 10، ص 490 509 ، الرقم 164؛ معجم المؤلّفين، ج 8 ، ص 101. و كان في الأصل: «أبو عبيدة» ، فصوّبناه حسب مصادر قوله.
20- . المغني لابن قدامة، ج 1، ص 359 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 370 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 327 ، كلاهما عن أبي عبيد، و الظاهر أنّ المذكور هنا تصحيف.
21- . المبسوط، ج 1، ص 69.
22- . المقنع، ص 50 .
23- . الخلاف، ج 1، ص 244.
24- . السرائر، ج 1، ص 154.
25- . تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 228؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 432 433 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 111؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 220؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 378 ؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 132.
26- . المعتبر، ج 1، ص 255؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 29.
27- . شرح اللمعة، ج 1، ص 395 ؛ مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 384 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 45.
28- . الناصريّات، ص 171 172، المسألة 66 .
29- . المقنعة، ص 521 ، لكنّه اختار عشرة أيّام؛ للروايات المعتمدة ، و قال : «و عليه أعمل؛ لوضوحه».
30- . تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 328 و 332 .
31- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 176 177، ح 505 . و الحديث رواه أيضا في الاستبصار، ج 1، ص 152، ح 525 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 383 384 ، ح 2415.
32- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 175 176، ح 502؛ الاستبصار، ج 1، ص 151، ح 522؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 303، ح 2198.
33- . الفقيه، ج 1، ص 101، ح 210.
34- . الانتصار، ص 129، المسألة 28؛ جوابات المسائل الموصليّات الثانية (رسائل المرتضى) ج 1، ص 172، المسألة 2.
35- . المراسم، ص 44.
36- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 253؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 328 .
37- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 177، ح 508 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 152، ح 528 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 386 387 ، ح 2423.
38- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 178، ح 511 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 153، ح 531 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 387 ، ح 2426.
39- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 180، ح 515 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 387 ، ح 2426.
40- . أُضيفت من المصدر.
41- . في المصدر : «ثمانية عشر يوما».
42- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 399 ، ح 1388؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 384 ، ح 2417.
43- . منتهى المطلب، ج 2، ص 437.
44- . هو الحديث 3 ، من هذا الباب من الكافي. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 178 179، ح 512 ؛ و الاستبصار، ج 1، ص 153 154، ح 532 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 384 385 ، ح 2418.
45- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 179، ح 514 ؛ وسائل الشيعة، ج 27 ص 388 ، ح 2430.
46- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 379 .
47- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 45.
48- . قاله ابن أبي عقيل في كتاب المستمسك على ما حكاه عنه أيضا المحقق في المعتبر، ج 1، ص 253، و أشار إلى رواية البزنطي . و حكاه أيضا العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 328 ؛ و الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 260.
49- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 261 ؛ فإنّه قال بعد نقل الرواية: «و ربّما تمسّك بهذا ابن أبي عقيل».
50- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 177 178، ح 510 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 152 153، ح 530 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 387 ، ح 2425.
51- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 174، ح 497 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 387 388 ، ح 2427.
52- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 176، ح 503 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 151، ح 523 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 393 394 ، ح 2445.
53- . هما ح 1 و 2 من الباب المذكور.
54- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 177، ح 506 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 152، ح 526 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 388 ، ح 2428.
55- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 177، ح 507 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 152، ح 527 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 388 ، ح 2429.
56- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 177، ح 509 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 152، ح 529 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 387 ، ح 2424.
57- . الفقيه، ج 1، ص 101 102، ذيل ح 210.
58- . لم يضعفّه أصحابنا، بل اعتمدوا على روايته، و قال بعضهم في وصفه: «عاميّ المذهب، له كتاب معتمد». راجع : معجم رجال الحديث، ج 6، ص 148 153، الرقم 3808 .
59- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 403، ح 1262، وسائل الشيعة، ج 2، ص 389 ، ح 2431.
60- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 363 .
61- . الانتصار، ص 129.
62- . فتح العزيز، ج 2، ص 573 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 149؛ المحلّى، ج 2، ص 203؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 46 ؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 33 ؛ الخلاف، ج 1، ص 244.
63- . المغني لابن قدامة، ج 1، ص 358 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 368 ؛سنن الترمذي، ج 1، ص 93، ذيل ح 139؛ الخلاف، ج 1، ص 244.
64- . المجموع للنووي، ج 2، ص 524 . و هذا القول نُسب إلى مالك: المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 149؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 33 ؛ و في الخلاف، ج 1، ص 244 ، نسبه إلى الليث بن سعد نفسه.
65- . فتح العزيز، ج 2، ص 573 ؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 522 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 149 عن الشافعي، و حكى عن مالك سبعون يوما؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 358 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 368 ؛ المحلّى، ج 2، ص 203؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 46 ؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 33 عن الشافعي، و عن مالك: سبعون يوما؛ الخلاف، ج 1، ص 244.
66- . سنن الترمذي، ج 1، ص 92، ذيل ح 139؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 524 ؛ الخلاف، ج 1، ص 244.
67- . اُنظر: الجامع للشرائع، ص 45 ؛ تذكرة الفقهاء، ص 333 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 448.
68- . المعتبر، ج 1، ص 257.
69- . أبو عمر يوسف بن عبداللّه بن محمّد بن عبدالبرّ التمري، الأندلسي، القرطبي، المالكي، محدّث، مؤرخ، عالم بالرجال و الأنساب، فقيه، نحوي، ولد بقرطبة في سنة (368 ه. ق)، و توفّي بشاطبة في شرقي الأندلس في سنة 463 ه. ق، من تصانيفه: الاستذكار، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، الاكتفاء في قراءة نافع و أبي عمرو، تَجْريد التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد، جامع بيان العلم و فضله، الدرر، القصد و الأمم في التعريف بأصول أنساب العرب و العُجم، الكافي. راجع : تاريخ الإسلام، ج 31 ، ص 136 142، الرقم 94، تذكرة الحفّاظ، ج 3 ، ص 1128 1130، سير أعلام النبلاء، ج 18، ص 154 163، الرقم 85 ؛ معجم المؤلّفين، ج 13، ص 315 .
70- . الاستيعاب، ج 1، ص 1784 1785، الرقم 3230 . و في المذكور هنا تلخيص في بعض العبارات.

ص: 63

. .

ص: 64

. .

ص: 65

. .

ص: 66

. .

ص: 67

. .

ص: 68

. .

ص: 69

. .

ص: 70

. .

ص: 71

. .

ص: 72

باب النفساء تطهر ثمّ ترى الدم أو رأت الدم قبل أن تلد

باب النفساء تطهر ثمّ ترى الدم أو رأت الدم قبل أن تلدإذا رأت النفساء دما بعد انقضاء أقلّ الطهر من أيّام نفاسها فهو حيض وإن لم يصادف أيّام عادتها ، بناءً على ما تقرّر من أنّ كلّ دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض . فإن قيل : يظهر من خبر عبد اللّه بن المغيرة وصحيح عبد الرحمان بن الحجّاج (1) وجود الحيض قبل انقضاء أقلّ الطهر من أيّام النفاس ، بناء على ما هو الظاهر منهما من كون مدّة نفاسها ثلاثين يوماً . قلنا : نمنع ذلك ، فإنّه إنّما كان هو في كلام السائل ، وهو ليس بحجّة . على أنّ قوله عليه السلام في الخبر الأوّل : «لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس» صريح في أنّ تلك المدّة كانت للنفاس والاستحاضة معاً . وأمّا الدم الّذي تراه قبل الولادة قريبا منها فهو ليس بنفاس كما يدلّ عليه موثّق عمّار (2) ، وهل هو استحاضة أو حيض؟ مبني على الخلاف الّذي سبق في إمكان اجتماع الحيض مع الحمل وعدمه . فذهب الشيخ في المبسوط إلى أنّه استحاضة ، بناءً على ما ذهب إليه من أنّ الحامل المستبين حملها لاترى الحيض (3) ، وإليه ذهب المحقّق أيضا في الشرائع . (4) وعلى ما اشتهر بين الأصحاب من جواز اجتماعهما مطلقا، قيل: وجب الحكم بكونه حيضا مع إمكانه ، فإن لم يكن بين الحيض السابقِ على هذا الدم و بينه أقلّ الطهر كان هذا استحاضة قطعا (5) . و ظاهرهم اعتبار كون هذا الدم على أقل الحيض، فلورأت يوما أو يومين ثمّ وضعت في اليوم الثاني و رأت دما، لا يكون المتقدّم حيضا بل استحاضة، ولا يبعد أن يكون حيضا متداخلاً بَعض أيّامه في النفاس، هذا إن لم نشترط أقلّ الطهر بين الحيض و النفاس المتعقّب له، كما هو خيرة العلّامة في التذكرة (6) و المنتهى (7) ، و قد اشترط بعضهم كما أنّه مشروط في عكسه؛ تمسّكا بعموم ما دلّ على اشتراطه بين حيضتين، بناءً على أنّ النفاس أيضا حيض، فعلى هذا لا بدّ في كون الدم المتقدّم على الولادة حيضا كونه على أقلّ الحيضو تحقّق أقلّ النفاء بينه و بين النفاس، و رجّحه الشهيد في الذكرى حيث قال : «لورأت ثلاثة ثمّ ولدت قبل مضي طهر، فالأقرب أنّ الأوّل استحاضة؛ لفقد شرط ما بين الحيضتين، و فصل الولادة لم يثبت أنّه كاف عن الطهر». (8)

.


1- . هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
2- . هو الحديث 3 من هذا الباب.
3- . المبسوط، ج 1، ص 68. و مثله في الخلاف، ج 1، ص 247، المسألة 128، وادّعى الإجماع عليه.
4- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 29.
5- . روض الجنان، ج 1، ص 243.
6- . تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 332 ؛ فإنّه حكى هذا القول عن الشافعي، كما أنّ القول بلزوم الفَصل بينهما بأقل الطهر أيضا نقله عن الشافعي، و لم يرجّح أحدهما على الآخر.
7- . منتهى المطلب، ج 2، ص 279. و المذكور فيه مثل المذكور في تذكرة الفقهاء. فانظر الهامش المتقدّم.
8- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 264.

ص: 73

. .

ص: 74

باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلوات

باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلواتأراد قدس سره بالوجوب معناه اللغوي ، فإنّ ما يذكره في الباب إنّما هو من المستحبّات. يستحبّ لها أن تتوضّأ في أوقات الصلوات ، وأن تجلس في مصلّاها ذاكرة للّه تعالى بقدر الصلوات على ما ذكره الشيخ ومن تبعه . (1) وقال المفيد : «تجلس ناحية من مصلّاها » (2) . وكلام جماعة من الأصحاب كالأخبار خالية عن تعيين المكان ، وهو المعتمد كما قاله المحقّق في المعتبر . (3) والغرض منهما تمرينها على العبادة . ونقل طاب ثراه عن الشهيد الثاني أنّه قال : «هذا من متفرّدات الإماميّة ». (4) ثمّ قال : أقول : قال أبو عبد اللّه الآبي : (5) «واستحبّ بعض السلف أن تتوضّأ إذا دخل الوقت ، وتستقبل القبلة تذكر اللّه ». (6) وأنكره بعضهم . ويظهر من خبر معاوية بن عمّار (7) استحباب تلاوة القرآن أيضاً من غير استثناء سبعين آية ولا سبع آيات كما هو المشهور ؛ حاملين لها على الجنب ، والفرق واضح ، فتأمّل، وقد سبق القول فيه .

.


1- . الخلاف، ج 1، ص 232؛ المبسوط، ج 1، ص 45 ؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 352 ، منتهى المطلب، ج 2، ص 383 ؛ البيان، ص 20؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 276؛ الحدائق الناضرة، ج 3 ، ص 273.
2- . المقنعة، ص 55 .
3- . المعتبر، ج 1، ص 233.
4- . ذكرى الشيعة، ج 1، ص 276.
5- . محمّد بن خليفة بن عمر أبو عبداللّه الآبي التونسِي، ولي قضاء الجزيزه سنة 808 ، و مات سنة 827 بتونس، من آثاره: إكمال الإكمال المعلّم في شرح صحيح مسلم (جمع فيه بين شروح المازرى و القاضي عياض و القرطبي و النووي مع زيادات من كلام شيخه ابن عرفه و غيره) ؛ الدرّة الوسطى في مشكل الموطّأ ؛ شرح فرع ابن الحاجب. راجع : كشف الظنون، ج 1، ص 557 ؛ هدية العارفين، ج 2، ص 184؛ معجم المؤلّفين، ج 9، ص 287؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 1، ص 363 .
6- . لم أعثر عليه.
7- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي.

ص: 75

باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة

باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصلّيها أو تطهر قبل خروج وقتها فتتوانى في الغسلإذا دخل وقت صلاة وهي طاهر ومضى من الوقت بقدر ما تتطهّر وتصلّي فلم تفعل فحاضت وجب عليها قضاء تلك الصلاة عندنا (1) وفاقاً لأكثر العامّة ، خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال على ما حُكي عنه : «لو حاضت وقد بقى من الوقت شيء قليل لم تقض بناءً على تعلّق الوجوب آخر الوقت ». (2) لنا ما تقرّر في الاُصول من تعلّق الوجوب بجميع أجزاء الوقت على التخيير ، وموثّقة الفضل بن يونس وحسنة أبي عبيدة . (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : «نعم». (4) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال في امرأة دخل وقت الصلاة وهي طاهرة فأخّرت الصلاة حتّى حاضت ، قال : «تقضي إذا طهرت». (5) ولو صلّت في أوّل الوقت ورأت الدم في أثناء الصلاة قطعتها ، ولا يجب عليها قضاء تلك الصلاة مطلقاً على المشهور ؛ لعدم تعلّق الوجوب بها ، فإنّ إيجاب الصلاة في وقت لا يسعها محال عقلاً ونقلاً ، وقد أجمع أهل العلم على عدم وقوع تكليف المحال وإن جوّزه بعض العامّة . (6) وقال الصدوق رضى الله عنه في الفقيه : (7) إن رأت الحيض وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الركعة الّتي فاتتها ، محتجّاً برواية أبي الورد ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة الّتي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم ، قال : «تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين» ، قال : «وإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الركعة الّتي فاتتها من المغرب» . (8) وهي مع جهالتها بأبي الورد (9) ، مخالفة للاُصول المقرّرة؛ لما عرفت ، ولاشتمالها على قضاء ركعة واحدة ، فليطرح . وتأوّلها الأكثر منهم الشيخ في الاستبصار (10) على من فرّطت في المغرب دون الظهر؛ حملاً للركعة على الصلاة مجازا ، وهو بعيد لفظاً . وربّما حملت الركعة في كلام الصدوق (11) أيضاً على الصلاة، ولذلك نسبوا إلى ظاهره الاكتفاء في وجوب القضاء بخلوّ أوّل الوقت عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة ، ونسب ذلك إلى ظاهر المرتضى (12) ، وكأنّهما استنبطا ذلك عن الرواية المذكورة بناءً على ما ذكر. وفي المدارك : «ولم نقف على مأخذه »، (13) فتأمّل . وإذا طهرت في آخر الوقت وجب عليها الأداء، ومع الإخلال القضاء إن بقي منه مقدار الطهارة وأداء ركعة . وفي المنتهى : «لا خلاف فيه بين أهل العلم ». (14) ويدلّ عليه خبر أبي عبيدة ، (15) والظاهر حسنه ؛ لما ستعرف ، وصحيحة عبيد بن زرارة، (16) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر ، قال : «تصلّي العصر وحدها وإن ضيّعت فعليها صلاتان ». (17) والمراد بالظهر فيه وقتها الاضطراري ، كما لا يخفى . وفي الموثّق عن عبد اللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضى ظهرها حتّى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة الّتي فاتتها؟ قال : «إن كانت توانت قضتها ، وإن كانت دائبةً في غسلها فلا تقضي». (18) وعن أبي جعفر عليه السلام قال : «كانت المرأة من أهلي تطهر من حيضها فتغتسل حتّى يقول القائل : قد كادت الشمس تصفرّ بقدر ما أنّك لو رأيت إنساناً يصلّي العصر تلك الساعة قلت : قد أفرط ، فكان يأمرها أن تصلّي العصر». (19) وقوله : «قلت» على صيغة الخطاب جزاء للشرط . وعن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت الحائض قبل العصر ، صلّت الظهر والعصر، وإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر». (20) وفي الموثّق عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر» . (21) وفي الموثّق عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء» . (22) وعن داوود الزجاجي (23) ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة». (24) وعن عمر بن حنظلة عن الشيخ يعني أباعبداللّه عليه السلام _ قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر». (25) وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى أنّها إذا طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي منه أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء الظهر والعصر [معا]، وإذا طهرت بعد مضي أربعة أقدام فإنّها يجب عليها العصر لا غير ، ويستحبّ لها قضاء الظهر إذا كان طهرها إلى مغيب الشمس ، وكذلك يجب عليها المغرب والعشاء إلى نصف الليل ، ويستحبّ لها قضاؤهما إلى طلوع الفجر . (26) وبه جمع بين ما ذكر وبين الجزء الأوّل من خبر الفضل بن يونس (27) وصحيحة معمر بن يحيى ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض تطهر عند العصر ، أتصلّي الاُولى؟ قال : «لا إنّما تصلّي الصلاة الّتي تطهر عندها». (28) والاُولى تأويل هذين بحمل وقت العصر فيهما على آخر الوقت المختصّ به . واعلم أنّه يستفاد من بعض ما ذكر من الأخبار اختصاص آخر الوقت من الظهرين والعشائين بالعصر والعشاء ، وأنّ وقت الظهر أربعة أقدام، ويجيء القول فيهما في محلّهما إن شاء اللّه تعالى . قوله : (عن معمر بن عمر) . [ح 2 / 4213] في التهذيب معمر بن يحيى ، وكذا في الاستبصار نقلاً عن المصنّف . (29) وفي قوله : (عليّ بن زيد)[ح 3 / 4214] : في التهذيب: عليّ بن رئاب ، (30) وفي الاستبصار أيضاً نقلاً عن المصنّف ، وهو الّذي يروي عنه الحسن بن محبوب كثيرا .

.


1- . لاحظ: منتهى المطلب، ج 2، ص 372 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 218؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 23؛ الوسيلة لابن حمزة ، ص 59 ؛ جامع المقاصد ، ج 1، ص 335 ؛ كشف اللثام، ج 2، ص 132.
2- . حكاه عنه العلاّمة في منتهى المطلب، ج 2، ص 372 ، و السرخسي في المبسوط، ج 2، ص 14، و ابن حزم في المحلّى، ج 2، ص 175، المسألة 258.
3- . هما ح 1 و 3 من هذا الباب من الكافي.
4- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 144، ح 494 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 360 ، ح 2364.
5- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392 ، ح 1211؛ الاستبصار، ج 1، ص 144، ح 493 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 360 ، ح 2363.
6- . المواقف للإيجي، ج 2، ص 124.
7- . الفقيه، ج 1، ص 93، ذيل ح 198، و عبارته هكذا : «فإن كانت في صلاة المغرب ، و قد صلّت منها ركعتين، قامت من مجلسها، فإذا طهرت قضت الركعة» . و الاحتجاج برواية أبي الورد غير مذكور فيه، نعم، قال العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 370 بعد نقل كلام الصدوق: «و إنّما عوّل ابن بابويه على رواية رواها أبو الورد» و ذكر الحديث.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392 ، ح 1210؛ الاستبصار، ج 1، ص 144 145، ح 495 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 360 ، ح 2362. و هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي.
9- . لاحظ: معجم رجال الحديث، ج 22، ص 66، الرقم 14876.
10- . الاستبصار، ج 1، ص 145، ذيل ح 495 ؛مختلف الشيعة، ج 1، ص 370 .
11- . حكاه في المدارك، ج 1، ص 342 . و ربّما يستفاد ذلك من كلامه في المقنع، ص 53 ؛ والفقيه، ج 1، ص 93، ذيل ح 198: حيث قال : «و إذا صلّت المرأة من الظهر ركعتين ، فحاضت قامت من مجلسها ؛ ولم يكن عليها إذا طهرت قضاء الركعتين، و إن كانت في صلاة المغرب و قد صلّت ركعتين فحاضت، قامت من مجلسها، فإذا اُطهرت قضت الركعة».
12- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى، ج 3 ، ص 38) أحكام قضاء الصلاة.
13- . مدارك الأحكام، ج 1، ص 342 .
14- . منتهى المطلب، ج 4، ص 108 و 209.
15- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
16- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي.
17- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389 390 ، ح 1200؛ الاستبصار، ج 1، ص 142، ح 486 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 363 ، ح 2370 .
18- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 391 ، ح 1207؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 363 ، ح 2373.
19- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 391 ، ح 1207؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 364 ، ح 2374.
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390 ، ح 1202؛ الاستبصار، ج 1، ص 143، ح 487 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 363 ، ح 2371.
21- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390 ، ح 1203؛ الاستبصار، ج 1، ص 143، ح 489 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 363 ، ح 2372.
22- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390 ، ح 1204؛ الاستبصار، ج 1، ص 143، ح 490 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 364 ، ح 2375.
23- . في «أ» : «الدجاجي خ ل» .
24- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 390 391 ، ح 1205؛ الاستبصار، ج 1، ص 143، ح 491 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 364 ، ح 2376.
25- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 391 ، ح 1206؛ الاستبصار، ج 1، ص 144، ح 492 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 364 365 ، ح 2377.
26- . نفس المصدرين المتقدّمين.
27- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
28- . هذا هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . و رواه الشيخ في : الاستبصار، ج 1، ص 141 142، ح 484 ؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389 ، ح 1198؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 362 ، ح 2368.
29- . و مثله في بعض نسخ الكافي، و هو معمر بن يحيى بن سام بن موسى الضبّي الكوفي، و قد ينسب إلى جدّه، و يقال : معمّر بالتشديد . كذا في تهذيب الكمال، ج 28، ص 323 ، الرقم 6109، و مثله في خلاصة الأقوال، ص 490. و في رجال النجاشي، ص 425، الرقم 1141: «معمر بن يحيى بن سالم»، و الظاهر تصحيفه.
30- . الموجود في المطبوع من الكافي : «عليّ بن رئاب»، و هو الصحيح.

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

باب المرأة تكون في الصلاة فتحسّ بالحيض

باب الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة

باب المرأة تكون في الصلاة فتحسّ بالحيضوهذه تقطع الصلاة بعد الفحص عنه وحصول العلم به ، وقد سبق حكم القضاء .

باب الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاةوجوب قضاء الصوم عليها دون الصلاة مذهب العلماء كافّة (1) عدا الخوارج حيث أوجبوا عليها قضاء الصلاة أيضاً ، (2) معلّلين بأنّ اللّه سبحانه أوجب الصلاة في القرآن المجيد مطلقاً ، ولم يسقطها عنها كالصوم ، بناءً على ما أصّلوه من العمل بالقرآن وردّ السنن ، كما يدلّ عليه قولهم: «لا حكم إلّا للّه »، ومنه نفوا وجوب وجود الإمام . ويدلّ على المذهب المنصور زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن أبان، عمّن أخبره، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام، قالا : (3) «الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة». (4) ويدلّ على سقوط الصلاة بعض ما سبق من الأخبار في الأبواب السابقة . وعلى وجوب قضاء الصوم ما رواه عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة يطلع الفجر (5) وهي حائض في شهر رمضان ، فإذا أصبحت طهرت وقد أكلت ثمّ صلّت الظهر والعصر ، كيف تصنع في ذلك اليوم الّذي طهرت فيه؟ قال : «تصوم ولا تعتدّ به» . (6) وقد ورد في بعض الأخبار الاعتداد بصوم اليوم الّذي ترى فيه الدم بعد الزوال ، رواه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب» . (7) وهو لعدم صحّته واضطراب متنه لا يقبل المعارضة لما ذكر. و في الاستبصار : «هذا الخبر وهم من الراوي ؛ لأنّه إذا كان رؤية الدم هو المفطر فلا يجوز لها أن تعتدّ ب [صوم] ذلك اليوم ، وإنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال ». واستشهد له بما رواه محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ، قال : «تفطر ، وإذا كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمضِ على صومها ولتقض ذلك اليوم». (8) وكما لا يجب عليها قضاء الفرائض اليوميّة لا يجب عليها قضاء المنذورة والموقّتة الّتي استوعب الدم وقتها ؛ لانحلال هذا النذر على ما يُستفاد من الأخبار والفتاوى. وكذا قضاء الكسوفين أيضاً إذا استوعب الدم وقتهما ؛ لإصالة عدم الوجوب وانتفاء دليل عليه . وربّما قيل بوجوب قضائهما ، وهو ضعيف ؛ إذ وجوب العادة الموقّتة لا يستلزم وجوب القضاء . وأمّا ما اتّسع وقتها كصلاة الزلزلة والنذر المطلق والطوافُ فالظاهر وفاق الأصحاب على عدم سقوطها . ونقل طاب ثراه عن المازري (9) أنّه قال : وعندنا أنّها لا تقضي من الصلوات إلّا ركعتي الطواف . (10) واختلفوا في معنى قضاء الصوم ، قال طاب ثراه : «قيل : إنّه ليس بقضاء حقيقة ؛ (11) لأنّ وجوب القضاء فرع تقدّم الوجوب ولم يتقدّم ، وإلّا لزم من منعها عنه تكليفها بالنقيضين . وقيل : إنّه قضاء حقيقة ». (12) وقالوا : «يكفي فيه تقدّم سبب الوجوب (13) وهو دخول الوقت »، وبه قال بعض العامّة؛ زعماً منه أنّ المنع إنّما هو عن نفس الفعل لا عن تعلّق الوجوب . وهؤلاء اختلفوا، فقال بعضهم : وجب الصوم عليها وجوباً موسّعاً ، وقيل : وجوباً مرادا به القضاء بمعنى أنّه وجب عليها في الحيض أن تصوم بعده . قوله في خبر الحسن بن راشد : (قلت : من أين جاء هذا) ، إلخ . [ح 2 / 4219] كأنّ ابن راشد استبعد عدم وجوب قضاء الصلاة مع وجوب قضاء الصوم (14) لكون الصلاة أفضل من الصوم (15) فالجواب يدلّ على نفي القياس بالأولويّة ، وهذا هو القياس قاسه إبليس بقوله : «خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (16) ، وأوعده اللّه عليه بنصّ «إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ» (17) ، وإذا كان حاله مع الأولويّة هكذا فما ظنّك بالمجرّد عنها؟ فيامن قال به أولى لك فأولى ، ثمّ أولى لك فأولى . قوله في حسنة زرارة : (ثمّ تقضي الصيام) . [ح 3 / 4220] نقل عن المحقّق الداماد قدس سره (18) أنّه قال : ثمّ هنا للاستبعاد كما في قوله عزّ من قائل : «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (19) ، وفي قوله جلّ سلطانه : «ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ» (20) ، ومعناها استبعاد ما بعدها مع تحقّق ما قبلها . ومفاد الكلام ومغزاه استبعاد قضاء الحائض الصوم مع عدم قضائها الصلاة . (21) انتهى . والمراد بقوله عليه السلام : «إنّ رسول للّه صلى الله عليه و آله كان يأمر بذلك فاطمة» أنّه يأمرها أن تأمر المؤمنات بذلك ، فلا ينافي صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : «إنّ فاطمة صدّيقة شهيدة ، وإنّ بنات الأنبياء لا يطمثن». (22) وما رواه الصدوق في الفقيه عنهم عليهم السلام : «أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها ليست كإحداكنّ ، أنّها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحوريّة». (23) وفي كتاب العلل : «إنّ فاطمة بتول»، وفسّر البتول بأنّها لم تحض ، (24) والحمل على التقيّة أيضاً محتمل . والتقريب في قوله عليه السلام : «إنّ امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرّرا» ، (25) إلخ على ما قاله طاب ثراه _ : إنّ المغيرة كأنّه اعتقد أنّ كلّ ما وجب عليها على تقدير الطهارة وجب عليها قضاؤه على تقدير الحيض ، فدفعه عليه السلام بأنّ ابنة عمران كان واجباً عليها الإقامة في المسجد في الأيّام الّتي خرجت منه للحيض لولاه ، ولم يكن واجباً عليها قضاء تلك الأيّام ؛ لعدم إمكان ذلك لوجوب كون جميع أيّام دهرها فيه .

.


1- . اُنظر: أحكام النساء للشيخ المفيد، ص 23؛ الاقتصاد للشيخ الطوسي، ص 245؛ مصباح المتهجّد، ص 11؛ المعتبر، ج 1، ص 227؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 228؛ تذكرة الفقهاء، ج 1،ص 271؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 217؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 370 ؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 119؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 276؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 328 ؛ مجمع الفائدة و البرهان، ج 1، ص 154، لكن استثنى بعضهم ركعتي الطواف ، و قالوا بوجوب إتيانهما بعد الطهر.
2- . حكاه عنهم العلّامة في منتهى المطلب، ج 2، ص 370 ؛ و العيني في عمدة القاري، ج 3 ، ص 300 ؛ و النووى في شرح صحيح مسلم، ج 4، ص 27؛ و الشوكاني في نيل الأوطار، ج 1، ص 354 ؛ و البهوتي في كشّاف القناع، ج 1، ص 232؛ و ابن قدامة في المغني، ج 1، ص 315 ؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير، ج 1، ص 315 .
3- . في الأصل: «قال»، و التصويب من المصدر.
4- . هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. و من طريقه رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 160، ح 457 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 347 348 ، ح 2330.
5- . في الأصل: «في المرأة تطلع الفجر»، و التصويب من المصدر.
6- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 392 393 ، ح 1212؛ الاستبصار، ج 1، ص 145، ح 497 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 366 ، ح 2381؛ و ج 10، ص 231، ح 13292.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 393 ، ح 1216؛ الاستبصار، ج 1، ص 146، ح 500 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 367 ، ح 2384.
8- . الاستبصار، ج 1، ص 146، ح 501 . و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 393 394 ، ح 1217؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 449، ح 4138.
9- . هو محمّد بن عليّ بن عمر التميمي المالكي، تقدمت ترجمته.
10- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4، ص 26.
11- . اُنظر : المجموع للنووي، ج 3 ، ص 9؛ حواشي الشرواني و العبادي على تحفة المحتاج، ج 1، ص 388 .
12- . لم أعثر عليه.
13- . هذا هو الظاهر، و في الأصل «الوضوء» بدل : «الوجوب».
14- . هذا هو الظاهر، و في الأصل: «قضاء الصلاة»، و هو تصحيف.
15- . في «أ» : «الصوات» . وفي «ب» : «الصواب» . و الصحيح ما اُثبت .
16- . الأعراف (7) : 12؛ ص (38) : 76.
17- . ص (38) : 78.
18- . السيّد الأجل محمّد باقر بن محمّد الحسيني الإسترآبادي المعروف بالمير الداماد و المحقّق الداماد، محقّق، مدققّ، حكيم، متبحّر، نقّاد، له من المؤلّفات: الاُفق المبين، الحبل المتين، الرواشح السماويّة، شارع النجاة، الصراط المستقيم، ضوابط الرضاع، القبسات، و غير ذلك من الكتب الكثيرة . مات سنة 1040 أو 1041 بالنجف الأشرف و دفن بها. راجع : الكنى و الألقاب ، ج 2، ص 226 227؛ معجم المؤلّفين، ج 9، ص 93.
19- . الأنعام (6) : 1.
20- . الأنعام (6) : 2.
21- . لم أعثر عليه.
22- . رواه الكليني في الكافي، باب مولد الزهراء فاطمة عليهاالسلام من أبواب التاريخ.
23- . الفقيه، ج 1، ص 89 ، ح 194.
24- . علل الشرائع، ج 1، ص 181.
25- . هذا هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي.

ص: 81

. .

ص: 82

. .

ص: 83

. .

ص: 84

باب الحائض والنفساء تقرآن القرآن

باب الحائض والنفساء تقرآن القرآنقد سبق أنّه يستحبّ لهما قراءة القرآن ما عدا العزائم من غير استثناء للسبع ولا للسبعين بخلاف الجنب . قوله في خبر منصور بن حازم : (نعم إذا كان في جلد أو فضّة أو حديد) . [ح 4 / 4225] ظاهره جواز أخذ قصبة الفضّة للعوذة كما هو المتعارف في العوذات مع كونها ظرفاً ، وهو غير بعيد ؛ لأنّها غير داخلة في الإناء عرفاً . والنهي إنّما ورد عن أواني الذهب والفضّة ، فتأمّل . قوله : (وروى أنّها لا تكتب القرآن) . [ح 5 / 4226] لم أجد هذه الرواية في الحائض . نعم ، قال الشيخ في التهذيب : وسأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل ، أيحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال : «لا» . (1) وكأنّه قدس سره حمل الحائض على غير المتوضّى بالأولويّة . وظاهر هذه الرواية التحريم ولم أجد قائلاً به ، وكأنّهم حملوها على الكراهة، أو على ما إذا استلزم الكتابة للمسّ .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 127، ح 345 ؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 270، ح 1015.

ص: 85

باب الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئاً

باب الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئاًالمشهور بين الأصحاب جواز الأوّل وتحريم الثاني فيها وفي الجنب مطلقاً ؛ (1) لما رواه المصنّف قدس سره، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه ، قال : «نعم، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً». (2) وظاهر الأكثر تحريم الوضع فيه ولو بالطرح إليه من خارج ، بل صرّح به بعضهم، وهو تعبّد . (3) وقصّره بعض على ما إذا استلزم الدخول فيه ، وآخر على ما إذا استلزم اللبث فيه. (4) ويردّهما إطلاق النصّين الصحيحين، على أنّ مطلق الدخول فيما عدا المسجدين ليس بحرام ، وقد عمّ الحكم لغيرهما اتّفاقاً فلا فائدة للتقييد به . واللبث فيه حرام مطلقاً فلا فائدة لذكر الوضع معه . وحكي عن سلاّر أنّه قال بكراهية الوضع على الجنب (5) حملاً للنهي عليها ، والظاهر أنّه قال بذلك في الحائض أيضاً ، ولعلّه قال بذلك فيما إذا لم يلزم منه اللبث فيه . وعلى أيّ حال فيردّ قوله ظهور النهي في التحريم ، لا سيما إذا لم يكن له معارض .

.


1- . اُنظر: الرسائل العشر للطوسى، ص 161، المبسوط، ج 1، ص 29؛ الوسيلة، ص 58 ؛ إشارة السبق، ص 68؛ المختصر النافع، ص 10؛ كشف الرموز، ص 79؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 263؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 104؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 353 ؛ روض الجنان، ج 1، ص 209؛ مدارك الأحكام، ج 1، ص 346 ؛ الكفاية، ج 1، ص 18؛ الدروس، ج 1، ص 101، درس 8 ؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 267.
2- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 125، ح 339 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 213، ح 1957.
3- . راجع: جواهر الكلام، ج 3 ، ص 53 .
4- . الرسائل العشر لابن فهد الحلّي، ص 140. قاله في أحكام الجنابة، والظاهر جريان الحكم في الحائض؛ لوحدة الملاك. و حكى الأخيرة المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 266 بلفظ «قيل». و نسبه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 79 إلى المختصر. و نسبه في الحدائق، ج 3 ، ص 54 إلى بعض المتأخّرين.
5- . المراسم، ص 41 بلفظ: «و الندب أن لا يمسّ المصحف...، ولا يترك فيها شيئا...».

ص: 86

باب المرأة يرتفع طمثها ثمّ يعود، وحدّ الأياس من الحيض

باب المرأة يرتفع طمثها ثمّ يعود، وحدّ الأياس من الحيضفيه مسألتان : الاُولى : المسترابة : وهي الّتي تكون في سنّ من تحيض ولم تحض لعلّة ، ولا ريب في أنّه متى عاد الدم تعمل عمل الحيض ، ويجيء بعض أحكامها في باب العدّة . الثانية: اختلف أهل العلم في سنّ من تحيض في جانب القلّة والكثرة جميعاً ، أمّا الأوّل فمذهب الأصحاب أجمع أنّه تسع سنين كاملة ؛ (1) لشهادة العرف بذلك، وبعض الأخبار الواردة في العدد . واختلفت العامّة فيه على ثلاثة أقوال ، ففي العزيز : أصحّها أنّه تسع سنين ، فإن رأت الصبيّة دماً قبل استكمال التسع فهو دم فساد. والثاني : أنّ أوّل وقت الإمكان يدخل بالطعن في السنة التاسعة ، وقد تسمّى حينئذٍ بنت تسع . والثالث : يدخل بمضى ستّة أشهر من السنة التاسعة . ثمّ قال : وقال الأصحاب : المتّبع في وقت الحيض وقدر الوجود فيرجع فيه إلى العرف ؛ لأنّ كلّ ما ورد به الشرع مطلقاً ولم يكن له ضابط في الشرع واللغة يرجع فيه إلى العرف ، وكلّ واحد من أصحاب الوجوه الثلاثة يزعم أنّ ما ذكره قد عُهِد . (2) وأمّا الثاني فذهب المحقّق في باب الطلاق من الشرائع إلى أنّه خمسون من غير تقييد بغير القرشية والنبطية ، (3) ونسبه في النافع إلى أشهر الروايتين ، (4) وبه قال المفيد في المقنعة. (5) وهو ظاهر خبري البزنطي (6) وعبد الرحمان بن أبي نجران ، (7) ومثلهما ما يرويه المصنّف بطريق فيه سهل بن زياد عن عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : الّتي لم تحض ومثلها لا تحيض» قال : قلت : وما حدّها؟ قال : «إذا أتى لها أقلّ من (8) تسع سنين ، والّتي لم يدخل بها ، والّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» قلت : وما حدّها؟ قال : «إذا كان لها خمسون سنة». (9) و في باب الحيض من الشرائع جرم بالستّين كذلك من غير تقييد بالقرشيّة و النبطيّة، (10) و نسبه المصنّف قدس سره إلى الرواية. (11) وفي المدارك : «وقد ورد بالستّين رواية اُخرى عن عبد الرحمان بن الحجّاج أيضاً عن الصادق عليه السلام ، (12) وفي طريقها ضعف ». (13) ولم أجد هذه الرواية . (14) وخصّ في المعتبر الستّين بالقرشيّة والروايات الأوّلة بغيرها. (15) ويدلّ عليه مرسلة ابن أبي عمير (16) لما سبق مع ما فيه. واختاره الشيخ أيضاً في المبسوط، (17) وألحق في غيره النبطيّة بها ؛ (18) لاشتراكهما في حرارة المزاج المستتبعة لزيادة مدّة الحيض . وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين منهم العلّامة في أكثر كتبه (19) ، وحكاه في المنتهى عن أهل المدينة. (20) وقد اعترف جماعة بعدم نصٍّ فيها ، لكن قال المفيد في المقنعة في باب عدد النساء : وإن كانت قد استوفت خمسين سنة وارتفع عنها الحيض وآيست منه لم تكن عليها عدّة من طلاق . وقد روي أنّ القرشيّة من النساء والنبطيّة تريان الدم إلى ستّين سنة ، فإن ثبت ذلك فعليهما العدّة حتّى تتجاوز الستّين . (21) وظاهره ورود النصّ في النبطيّة أيضاً ، ولم أجده ، وأظنّ أنّ التحديد بالخمسين مطلقاً أو في غير القرشيّة فيما ذكر من الأخبار مبنيّ على الغالب ، فقد أخبرتني جماعة من بنات اثنتين وخمسين سنة ونحوها بتحيّضهن في أيّام عاداتهن من غير تغيير عنها، وكنّ معروفات بغير القرشيّة والنبطيّة . ونعم ما قال الشيخ في التهذيب في سنّ اليأس من غير تقييد : «وحُدّ ذلك بخمسين سنة ، (22) وأقصاه ستّون سنة »، وما قاله العلّامة في المنتهى : ولو قيل : اليأس يحصل ببلوغ ستّين أمكن بناءً على الموجود ، فإنّ الكلام مفروض فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على ما كانت تراه قبل ذلك ، فالوجود هنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلاً . ولو قيل : ليس بحيض مع وجوده وكونه على صفة الحيض كان تحكّماً لا يقبل ، أمّا بعد الستّين فالإشكال زائل للعلم بأنّه ليس بحيض ؛ لعدم الوجود ولما علم من أنّ للمرأة حالاً يبلغها ويحصل معها الإياس ؛ لقوله تعالى : «وَ الَّ__?ى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ» (23) . (24) وحكى عن بعض الحنفيّة أنّه سبعون ، وعن بعضهم أنّه قال بأكثر من سبعين . (25) وعن محمّد بن الحسن أنّه قال في نوادر الصلاة : قلت : أرأيت العجوز الكبيرة ترى الدم ، أيكون حيضاً؟ قال : «نعم» . (26)

.


1- . المقنعة، ص 533 ؛ المراسم، ص 167؛ المهذّب، ج 2، ص 284؛ الوسيلة، ص 56 و 322 ؛ السرائر، ج 2، ص 732؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 198؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 228.
2- . فتح العزيز، ج 2، ص 410. و في المذكور هنا تلخيص و مغايرة جزئيّة في بعض الألفاظ.
3- . شرائع الإسلام، ج 3 ، ص 599 .
4- . المختصر النافع، ص 200، كتاب الطلاق.
5- . المقنعة، ص 532 .
6- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 2، ص 335 336 ، ح 2296.
7- . كذا في الأصل، و الظاهر أنّه سهو من القلم؛ لأنّ الرواية الدالّة على ذلك رواية عبدالرحمان بن الحجّاج عن أبي عبداللّه عليه السلام . و هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي، و ليس فيه رواية عن عبدالرحمان بن أبي نجران.
8- . في الوسائل : «ما لم تبلغ تسع سنين» بدل «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين» .
9- . هذا هو الحديث 4 من «باب طلاق الّتى لم تبلغ و الّتى قد يئست من المحيض» من الكافي. و من طريقه رواه الشيخ الطوسي في : الاستبصار، ج 3 ، ص 337 ، ح 1202؛ و تهذيب الأحكام، ج 8 ، ص 67، ح 222. وسائل الشيعة، ج 2، ص 336 ، ح 2299.
10- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 24.
11- . ذيل الحديث 2 من هذا الباب من الكافي.
12- . تهذيب الأحكام، ج 7، ص 469، ح 1881؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 337 ، ح 2301؛ و ج 22، ص 183، ح 2833.
13- . مدارك الأحكام، ج 1، ص 324 ، و الضعف ناش من وجود عليّ بن الحسن بن فضّال، و هو فطحيّ، و طريق الشيخ إليه ضعيف بعليّ بن محمّد بن الزبير. اُنظر : معجم رجال الحديث، ج 11، ص 337 ، ترجمة عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال (8005) .
14- . لكنّي وجدته و ذكرت موضعه. راجع تعليق ما قبل المتقدّم .
15- . المعتبر، ج 1، ص 200.
16- . هي الرواية 3 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 2، ص 335 ، ح 2295.
17- . المبسوط، ج 1، ص 42.
18- . حكاه عنه العلاّمة في منتهى المطلب، ج 2، ص 272، و اختاره في: تبصرة المتعلّمين، ص 13؛ و تحرير الأحكام، ج 4، ص 453 ؛ و القواعد، ج 3 ، ص 183. ولم أعثر على هذا القول في كتب الشيخ الطوسي، نعم يظهر من كلام المفيد في المقنعة، ص 532 ، اختياره لذلك.
19- . اُنظر التعليق المتقدّم.
20- . منتهى المطلب، ج 2، ص 272. و انظر: المغني لابن قدامة، ج 1، ص 372 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 319 .
21- . المقنعة، ص 532 .
22- . تهذيب الأحكام، ج 8 ، ص 117، ذيل ح 404.
23- . الطلاق (65) : 4.
24- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 272 .
25- . المصدر السابق.
26- . منتهى المطلب، ج 2، ص 272؛ المبسوط للسرخسي، ج 3 ، ص 149 150.

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

باب المرأة يرتفع طمثها من علّة فتسقى الدّواء ليعود طمثها

باب الحائض تختضب

باب المرأة يرتفع طمثها من علّة فتسقى الدّواء ليعود طمثهالا يجوز لها ذلك إن كانت العلّة لرفع الطمث حملاً ، سواء كان متيقّناً أو مشكوكا ؛ لصحيحة رفاعة ، (1) ولاحتمال السقط ، وإن كانت العلّة غيره فلا مانع منه . وصحيحة داود بن فرقد (2) تدلّ على أنّه عيب في الأمة الّتي هي في سنّ من تحيض مع عدم الحمل ، يثبت به خيار العيب للمشتري ، وهو كذلك ، ويأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى .

باب الحائض تختضباشتهر بين الأصحاب منهم العلّامة في التحرير (3) كراهية الاختضاب لها ؛ للجمع بين ما رواه المصنّف في الباب من جوازه وبين ما رويناه في باب اختضاب الجنب عن عامر بن خداعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لا تختضب الحائض ولا الجنب ، ولا تجنب وعليها خضاب ، ولا يجنب هو وعليه خضاب [ولا يختضب و هو جنب]» . (4) وظاهر المصنّف عدم الكراهية حيث لم يتعرّض لخبر المنع ، وقد سبق أنّه ظاهر العلّامة أيضاً في التحرير (5) في الجنب خاصّة ، حيث لم يتعرّض لها فيه .

.


1- . هي الرواية 2 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 2، ص 338 339 ؛ ح 2305.
2- . هي الرواية 3 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 2، ص 338 ، ح 2304.
3- . تحرير الأحكام، ج 1، ص 107.
4- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 182، ح 521 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 222، ح 1990.
5- . تحرير الأحكام، ج 1، ص 92.

ص: 90

باب غسل ثياب الحائض

باب الحائض تناول الخمرة أو الماء

باب غسل ثياب الحائضقد سبق طهارة عرقها وثيابها الّتي قد لبستها في حال الحيض إلّا ما تنجّس بالدم أو غيره ، وأنّه تكره الصلاة في ثوب المتّهم بالنجاسة فيها .

باب الحائض تناول الخمرة أو الماءقال طاب ثراه : قال الجوهري : «الخُمْرة بالضمّ: سجّادة صغيرة تُعمل من سعف النخل ، ويُرْمَل (1) بالخيوط ». (2) وقال الهروي : «هي سجادة قدر ما يوضع عليه الوجه من حصير وشبهه من خوص». (3) وقيل: «سمّيت خمرة لتخميرها الوجه، وأصل هذا الحرف كلّه الستر، ومنه سمّى الخمار لستره» . (4)

.


1- . في هامش الأصل: «رَمَلْت الحصير، أي سفقته ، وأرملته مثله. منه» .
2- . صحاح اللغة، ج 2، ص 649 (خمر) . و كلمة «صغيرة» غير موجودة فيها، نعم هذه الكلمة موجودة في مختار الصحاح، ص 154.
3- . عبارة الغريبين للهروي، ج 2، ص 596 (خمر) هكذا: «و في الحديث: أنّه كان يسجد على الخمرة؛ يعني هذه السجّادة، و هي مقدار ما يضع الرجل عليه حرّ وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص».
4- . لم أعثر عليه.

ص: 91

كتاب الجنائز

اشاره

كتاب الجنائز

.

ص: 92

. .

ص: 93

باب علل الموت وأنّ المؤمن يموت بكلّ ميتة

كتاب الجنائزالجِنازة بالكسر: الميّت ، ويفتح، أو بالكسر: الميّت، وبالفتح: السرير، أو عكسه، أو بالكسر: السرير مع الميّت. كذا في القاموس . (1)

باب علل الموت وأنّ المؤمن يموت بكلّ ميتةفي القاموس: مات يموت ويَمات ويَميت فهو ميت وميّت: ضدّ حيّ، [و ماتك سكن، و نام، و بلي] أو الميّت مخفّفة: الّذي مات، والميّت والمائت: الّذي لم يمت بعد، [... ]وهي مَيّتة ومَيتَة وميّت. والميتة: ما لم تلحقه الذكاة، وبالكسر: للنوع . (2) قوله في خبر سعد بن طريف: (كان الناس يعتبطون اعتباطاً) ، إلخ . [ح 1 / 4241] عبط الذبيحة يعبطها : نحرها من غير علّة ، وهي سمينة فتيّة . ومات فلان عبطةً ، أي شابّاً صحيحاً من غير علّة فجأةً . (3) ويُسلى على صيغة المجهول ، والباء في «بها» للسببيّة. سلاه وعنه كدعاه، ورضيه سُلْوا وسُلُوّا وسَلواناً وسَليّاً : نسيه ، وأسلاه عنه فتسلّى، والاسم السلوة ويضمّ . (4) والموم بالضمّ : البرسام ، وأشدُّ الجُدريّ. مِيم كقيل _ ، فهو مَمومٌ . (5) قوله في خبر عبد اللّه بن سنان : (الحمّى رائد الموت ، وهي سجن اللّه في الأرض) . [ح 3 / 4243] قال طاب ثراه : في الفائق : الرائد : رسول القوم الّذي يرتاد لهم مساقط الغيث ، وقد راد الكلاء يروده ريادا ، وفي أمثالهم : لا يكذب الرّائدُ أهلَهُ . وشبّه به الحمّى ، كأنّها مقدّمة الموت وطليعته ، وتقول العرب : الحمّى اُخت الحمام، ويقولون : قالت الحمّى : أنا اُمّ مِلدَم، آكل اللّحم وأمصُّ الدّم . (6) وأمّا كونها سجناً، فلأنّها تحبس الإنسان عن الحركات الّتي يتوقّف على صحّة المزاج واستقامة الأعضاء ، وهي حظّ كلّ مؤمن من النار ، (7) لأنّها من فور جهنّم وكفّارة الخطايا الموجبة للنار . قوله في خبر عبد الرحمن بن يزيد : (مات داود عليه السلام يوم السبت مفجوءا) إلخ. [ح4 / 4244] في القاموس : «فَجأَه كمَنعه وسمعه فجأً وفجاءةً : هجم عليه، كفاجأه وافتجأه، والفُجاءة : ما فاجأك ». (8) وموت الفجأة : هو الّذي يكون اعتباطا من غير علّة ، وأمّا ما كانت له علّة فالظاهر أنّه ليس من الفجأة وإن لم تكن تلك العلّة مؤثّرة فيه في الغالب ، كلسع الزنبور ونحوه ، ففي أيّامنا رجل سيّاف كان يأكل العنب من عنقود بِيَساره ، فإذا زنبور لسع إصبعه أو شفته أو لسانه فاصفرّت أنامله ، وعضّ على بنانه . (9) وأطلق في بعض الأخبار مسامحة على الموت الّذي لا يمتدّ حماه امتدادا؛ لاشتراكهما في الأجر . وعطف موت موسى عليه السلام على موت داود عليه السلام يشعر بأنّه أيضاً كان فجأة ، فقد روى الصدوق أيضاً في كتاب إكمال الدين بإسناده عن جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، قال : قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام : أخبرني بوفاة موسى بن عمران عليه السلام ، فقال : «إنّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدّته وانقطع أجله أتاه ملك الموت عليه السلام فقال له : السلام عليك يا كليم اللّه ، فقال موسى عليه السلام : وعليك السلام ، من أنت؟ فقال : أنا ملك الموت ، فقال : ما الّذي جاء بك؟ قال : جئت لأقبض روحك ، فقال له موسى : من أين تقبض روحي؟ قال : فمك ، قال له موسى : كيف وقد كلّمت به ربّي جلّ جلاله؟ قال : فمن يديك ، قال : كيف و [قد ]حملت بهما التوراة. قال : فمن رجليك ، قال : كيف وقد وطأت بهما طور سيناء؟ قال : فمن عينيك ، قال : كيف ولم تزل إلى ربّي بالرجاء ممدودة؟ قال : فمن اُذنيك، قال : كيف وقد سمعت بهما كلام ربّي عزّ وجلّ؟ فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى ملك الموت: لا تقبض روحه حتّى يكون هو الّذي يريد ذلك . وخرج ملك الموت ، فمكث موسى عليه السلام ما شاء اللّه أن يمكث بعد ذلك ، ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر ، وغاب موسى عن قومه ، فمرّ في غيبته برجل وهو يحفر قبرا ، فقال له : ألا اُعينك على حفر هذا القبر؟ فأعانه حتّى حفر القبر وسوّى اللحد ، ثمّ اضطجع فيه موسى عليه السلام لينظر كيف هو ، فكشف له عن الغطاء (10) ، فرأى مكانه من الجنّة ، فقال : يا ربّ ، اقبضني إليك ، فقبض ملك الموت روحه مكانه ، ودفنه في القبر وسوّى [عليه ]التراب ، وكان الّذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدميّ ، وكان ذلك في التيه ، فصاح صائح من السماء: مات موسى كليم اللّه ، وأي نفس لا تموت» . (11)

.


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 540 (جنن) .
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 295 (موت) .
3- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 141 (عبط) .
4- . القاموس المحيط، ج 2، ص 607 (سلو) .
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 299 (موم) .
6- . الفائق، ج 2، ص 65 (رود) .
7- . مسند الشهاب، ج 1، ص 71، ح 62؛ مجمع الزوائد، ج 2، ص 306 ، نقلاً عن البزّار؛ الجامع الصغير للسيوطي، ج 1، ص 593 ، ح 3846 و 3848 ؛ كنز العمّال، ج 3 ، ص 319 ، ح 6745؛ و ص 320 ، ح 6747.
8- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 448 (فجأ) .
9- . في هامش الأصل: «كلّ من هاتين العبارتين كناية عن الموت. منه» .
10- . في المصدر: «فكشف اللّه له عن الغطاء».
11- . كمال الدين، ص 153 154، ح 17. و رواه أيضا الصدوق في أماليه، ص 232، المجلس 41، ح 2.

ص: 94

. .

ص: 95

. .

ص: 96

باب ثواب المريض إذا صبر على المرض ولم يشكُ شكاية زائدة على ما هو المباح

باب ثواب المريض إذا صبر على المرض ولم يشكُ شكاية زائدة على ما هو المباح (1)قوله في حسنة أبي الصباح : (سهر ليلة من مرض أفضل من عباده سنة) . [ح 4 / 4254] قال طاب ثراه : «لعلّ ذلك لأنّ أثره يبقى إلى سنة ». قوله في خبر عبد الحميد : (ثمّ أمنعه الشكاية) . (2) [ح 5 / 4255] المراد بالشكاية هنا المباح منها ، كقوله: سهرت البارحة وحممت اليوم ونحوهما، فلا ينافي النهي عنها بقوله: ابتليت بما لم يبتل به أحد، ونحوه . على أنّه يحتمل حمل هذا النهي على الكراهة . ويؤيّده قول عليّ عليه السلام حين عاده النبيّ صلى الله عليه و آله في اشتكاء عينه وسأله عن حاله _ : «يا رسول اللّه ، ما وجعت وجعاً قطّ أشدّ منه»، وسيجى ء الحديث في باب النوادر . (3) قوله في خبر محمّد بن مروان : (حمّى ليلة كفّارة لما قبلها ولما بعدها) . (4) [ح 10 / 4260] محمّد بن مروان (5) هذا مشترك بين الشعيري وهو ممدوح ، والبصري، (6) والمدني، (7) وهما مجهولان ، وعلى الأوّل يكون الخبر حسناً . وروي أيضاً : «أنّ حمّى يوم كفّارة سنة»، (8) فقيل : «وجهه أنّها تنهك قوّة سنة» ، وقيل : «إنّ للإنسان ثلاثمئة وستّين مفصلاً يجري ألم الحمّى في جميعها ». ويظهر من الخبرين أنّ أجر حمّى الليلة أزيد من أجر حمّى اليوم ، ولعّل وجهه أنّ الاُولى توجب السهر أيضاً . وقال طاب ثراه : «ويفهم من هذا الخبر وممّا تقدّم أنّها كفّارة للخطايا ، وموجبة للثواب جميعاً ». وفي روايات العامّة أيضاً دلالة عليها ، وصرّح بذلك أكثرهم ، وقال بعضهم : «إنّها إنّما تكفّر الخطايا فقط »، وهو منقول عن ابن مسعود . (9)

.


1- . كذا في الأصل ، و الموجود في المصدر : «باب ثواب المرض» .
2- . كان في الأصل: «في خبر عبدالرحيم» ، و التصويب من المصدر.
3- . هو الحديث 10 من الباب المذكور.
4- . كان في الأصل: «محمد بن حمران» ، فصوّبناه حسب المصدر.
5- . في الأصل: «محمّد بن حمران»، و هو تصحيف، و الصواب ما أثبتناه من المصدر . و يشهد له ما يذكر بعد ذلك باشتراكه بين الشعيرى و غيره؛ فإنّ الشعيرى هو محمّد بن مروان المذكور في رجال ابن داود، ص 183، الرقم 1500.
6- . محمّد بن مروان البصري مردّد بين الذهلي الثقة، و بين غيره الذى لم يرد في مدحه و لا في ذمّه شيء . اُنظر معجم رجال الحديث، ج 17، ص 219 220، الرقم 11743؛ وص 221، الرقم 11750.
7- . محمّد بن مروان المدني الحنّاط، وثّقه النجاشي في رجاله، ص 360، الرقم 967.
8- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 341 ؛ الدعوات للراوندي، ص 170؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 217.
9- . مسند الشهاب، ج 1، ص 72، ح 62؛ كنز العمّال، ج 3 ، ص 320 ، ح 6747.

ص: 97

باب آخر منه

باب حدّ الشكاة

باب آخر منهيذكر فيه ما ورد في ثواب المريض على الوجه الأكمل بإبدال لحمه ودمه بلحم ودم لم يذنب فيهما . قوله في خبر بشير : (أيّما عبد ابتليته ببليّة فكتم ذلك عوّاده ثلاثاً) . [ح 3 / 4263] يحتمل أن يكون قوله : «ثلاثاً» قيدا للابتلاء بقرينة ما سيرويه ، وأن يكون قيدا للكتم فيخصّص ما يرويه ممّا يدلّ على استحباب إعلام العوّاد بما بعدها .

باب حدّ الشكاةأي حدّها الّذي لا يجوز التجاوز عنه ، فإن انتهت إلى الارتداد فلاريب في أنّها موجبة للكفر ، ونحو : حممت البارحة ، وما وجعت وجعاً قطّ أشدّ منه وأمثالهما جائزة من غير كراهية ، وهل يحرم نحو : ابتليت ببليّة لم يبتل بها أحد؟ الظاهر كراهته .

.

ص: 98

باب في كم يعاد المريض، وقدر ما يجلس عنده، وتمام العيادة

باب في كم يعاد المريض، وقدر ما يجلس عنده، وتمام العيادةعيادة المريض مستحبّة إن كان له ممرّض ، وإلّا فهي واجبة كفاية للتمريض . وقال طاب ثراه : قال الآبي : العيادة مندوب إليها من حيث الجملة ، ثمّ تنقسم بحسب العوارض إلى أحكام الشرع ، وبالمرّة الواحدة تخرج عن عهدة الطلب ويبقى بعد ذلك على ما تقتضيه الحال . وقال بعض العامّة : من كان له أهل وجب تمريضه على من تجب نفقته عليه ، وأمّا غيره فمن قام به سقط عن الباقين . انتهى . (1) ويظهر من خبر عليّ بن أسباط (2) أنّها لا تكون في مرض تكون مدّته أقلّ من ثلاثة أيّام ، وهو المعبّر عنه عند الأطبّاء بحمّى اليوم ، ولعلّ المراد نفي تأكّد استحبابها فيه، وأفضل مراتبها وقوعها غِبّاً ، والجلوس عنده قليلاً ، إلّا أن يعلم إرادة المريض ما عدا ذلك . هذا ، وقد شاع الحديث تركيب «يوم ويوم لا» ، واستشكل أمره؛ لعدم جواز رفع اليومين على الابتدائيّة أو الخبريّة ، لكنّ اليوم لازم الظرفيّة ، ولا يجوز بناؤهما على الفتح أيضاً ؛ لعدم علّة البناء فيهما ، وإنّما يجوز ذلك لو لم يكن العاطف بينهما ، فقد قال المحقّق الرضي قدس سره : قد استعمل جوازا كخمسة عشر مبنيّة الجزئين: ظروف كيوم يوم ، وصباح مساء، وحين حين ، وأحوالٌ نحو. لقيته كفّة كفّة ، وهو جاري بيت بيت ، وأخبرته أو لقيته صحرة بحرة . ويجوز إضافة الصدر من هذه الظروف والأحوال إلى العجز ، وإنّما لم يتعيّن بناء الجزئين فيها كما تعيّن في (خمسة عشر)؛ لظهور تضمّن الحرف وتعيّنه في خمسة عشر دون هذه المركّبات ؛ إذ يحتمل أن يكون كلّها بتقدير الحرف وأن لا يكون، فإذا قدّرناها قلنا : إنّ معنى لقيته يومَ، يومَ وصباحَ مساءَ، وحين حين ، يوماً فيوماً، وصباحاً فمساءً، [وحينا فحينا] أي كلّ يوم وكلّ صباح ومساء وكلّ حين ، والفاء تفيد هذا العموم كما في قولك انتظرته ساعةً فساعةً ، [أى في كلّ ساعة] وإن لم يقدّر حرف العطف قلنا : إنّ المعنى يوماً بعد يوم وصباحاً بعد مساء وحينا بعد حين ، كقولهم كابرا عن كابرا، (3) أي كابرا بعد كابر . انتهى. (4) وغاية ما يمكن التفصّي أن يقرأ اليومان بالجرّ على مذهب من يعمل الجارّ المقدّم، فتدبّر . قوله في حسنة عبد اللّه بن سنان : (العيادة قدر فواق ناقة) . [ح 2 / 4272] قد وردت هذه الكلمة في حديث العامّة (5) أيضاً . وقال الجوهري : «الفواق : ما بين الحلبتين من الوقت ؛ لأنّها تحلب ثمّ تترك سويعةً لتدرّ ، ثمّ تحلب ، فيقال : ما أقام عنده إلّا فواقاً ». (6) قوله في خبر موسى بن قادم : (النّوكى) . [ح 4 / 4274] النوك ويُضمّ : الحمق ، جمعه نوكى ونوك كسكرى وهوج . (7)

.


1- . لم أعثر عليه.
2- . في الأصل: «عليّ بن مهزيار» . و التصويب حسب المصدر، و هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . هكذا في الأصل.
4- . شرح الكافية، ج 3 ، ص 142. و في المذكور هنا تلخيص ، و حذف في بعض موارده.
5- . اُنظر: صحاح اللغة للجوهري، ج 4، ص 1546 (فوق)؛ النهاية لابن الأثير، ج 3 ، ص 479 ؛ زاد المسير لابن الجوزى، ج 6، ص 322 .
6- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1546 (فوق) .
7- . اُنظر: صحاح اللغة، ج 4، ص 1612 1613 (نوك) .

ص: 99

باب حدّ موت الفجأة

باب [حدّ موت الفجأة] (1)يذكر فيه ما دلّ على حسن امتداد مرض الموت وأنّ الموت مع قصر مدّته كالفجأة وقد سبقت الإشارة إليه . قوله في خبر النهدي : (فقد اختُرِم) . [ح 1 / 4277] في القاموس : «اختُرِم فلان عنّا مبنيّاً للمفعول : مات ، واخترمته المنيّة : أخذته ، والقوم استأصلتهم واقتطعتهم ». (2)

.


1- . اُضيفت من المصدر.
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 46 (خرم) .

ص: 100

باب ثواب عيادة المريض

باب ثواب عيادة المريضلا ريب فيه ما لم تعلم كراهة المريض لها ، والأخبار فيها متظافرة من الطريقين ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الصدوق ، قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ضمنت لستّة الجنّة» ، وعدّ منها رجلاً يعود مريضاً . (1) ومن طريق العامّة ما نقلوه : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «أمرنا باتّباع الجنائز وعيادة المرضي ». (2) قوله في خبر ميسّر : (صلّى عليه يومئذٍ سبعون ألف ملك) إلخ . [ح 1 / 4279] ظاهره صلاة هذا العدد الخاصّ ، والأظهر أنّه كناية عن الكثرة ، وقد فسّر بالوجهين قوله تعالى : «إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً» (3) وقال البيضاوي : «قد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمسئة ونحوها في التكثير ؛ لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد ، فكأنّه العدد بأسره ». انتهى . (4) وتوضيحه أنّ للعدد عند أهل الحساب تقسيمات : أحدها: تقسيمه إلى الأوّل وغيره ، والأوّل : هو ما لا يعدّه غير الواحد كالثلاثة والخمسة ونحوهما ، وغير الأوّل : ما يعدّه غيره كالأربعة والستّة ونظائرهما . وثانيهما: تقسيمه إلى الزوج والفرد ، والزوج غير أوّل لا محالة ، والفرد إمّا أوّل كما ذكر أو غير أوّل كالتسعة . وثالثها: تقسيمه إلى زوج الزوج وزوج الفرد ، أعني ما يقبل التنصيف إلى الواحد وما لا تقبله كالثمانية والستّة . ورابعها: تقسيمه إلى المجذور وغيره ، والمجذور : هو العدد المشتمل على عدد إذا ضرب في نفسه يحصل ذلك العدد ، ويسمّى هذا العدد المضروب في نفسه جذرا له كالتسعة ، فإنّها تحصل من ضرب الثلاثة في نفسها ، وغير المجذور : ما ليس كذلك . وخامسها : تقسيمه إلى المُنْطَق والأصَمّ ، أي إلى ما له أحد الكسور التسعة وما ليس كذلك ، كالعشرة والخمسة والعشرين . وربّما يقال المنطق على ما له أحد الكسور التسعة أو جذر ، فيدخل المثال الثاني فيه. وعلى هذا يقال الأصم على ما ليس له شيء منهما كأحد عشر . وسادسها: تقسيمه إلى التامّ والزائد والناقص ، والتامّ : هو الّذي ساوى مجموع كسوره كالستّة . والزائد : ما نقص عن كسوره كالأربعة والناقص عكسه كالاثني عشر. وهذه الأوصاف الثلاثة للعدد باعتبار متعلّقه وهو الكسور. وسابعها: تقسيمه إلى الأقلّ والأكثر . وفرّعوا على هذه التقسيمات السبعة تقسيمه إلى الكامل وغير الكامل من جهتين: إحداهما : من حيث اتّصافه بالأقلّيّة ، واشتماله على مخارج الكسور التسعة معاً ، فالكامل : هو العدد القليل المشتمل على مخارج الكسور كلّها أو أكثرها ، وغير الكامل: ما ليس كذلك ، فكلّ عدد يكون أقلّ وأشمل يكون أكمل . وبهذا الاعتبار يكون العشرة أكمل الأعداد ؛ لأنّها أقلّ عدد مشتمل على مخارج الكسور التسعة كلّها . والاُخرى: من حيث اشتماله على الفرديّة والأقلّيّة وعلى الأقسام الخارجة من التقسيمات المذكورة جميعاً ، فكلّما كان اشتمال العدد الفرد الأقل على الأقسام أكثر كان أكمل . وهذا الاعتبار هو الأشهر عندهم ، وعلى هذا تكون السبعة أكمل الأعداد ؛ لأنّها أقلّ عدد من الأفراد مشتمل على جميع الأقسام ما عدا الفرد الغير الأوّل والزائد ، فإن الستّة والتسعة وإن اشتملتا أيضاً على أكثر الأقسام المذكورة إلّا أنّ الاُولى ليست فردا ، والثانية ليست أقلّ فرد ، وكانوا يعدّون الكامل شريفاً والأكمل أشرف ؛ لاستلزام الكمال الشرافة . وربّما يعلّلون شرافة السبعة خاصّة بأنّها عدد السماوات والأرضين والسيّارات والأقاليم . ولما كانت السبعة أشرف الأعداد فكأنّها العدد كلّه ؛ ولذلك كنّوا بها عن الكثرة وأجروا حكمها على السبعين والسبعئة والسبعة آلاف ونظائرها ؛ لاشتمالها على السبع . وأكثر ما يستعمل في هذا المعنى السبعون ، ولعلّ وجهه أنّها حاصلة من تكرار السبعة عشر مرّات ، والعشرة أيضاً أكمل الأعداد بالاعتبار الأوّل كما عرفت . وقال طاب ثراه : «الخريف : زاوية في الجنّة يسير الراكب فيها أربعين عاماً في تفسير الباقر عليه السلام ». (5) ومن طريق العامّة عن ثوبان مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنه عليه السلام ، قال : «من عاد مريضاً لم يزل في مَخرَفَة الجنّة». 6 وقال محيي الدين : المَخْرَفة . بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء قيل : هي السكّة بين صنفين من نخيل يجتنى من أيّهما شاء »، (6) وقيل : هي البستان الّذي فيه الفاكهة يخترف ، وسمّي الخريف خريفاً لأنّه فصل يخترف فيه الثمار . (7)

.


1- . الفقيه، ج 1، ص 140، ح 384 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 416 417، ح 2516.
2- . صحيح البخاري، ج 2، ص 70، باب في الجنائز؛ و ج 6، ص 143 كتاب النكاح؛ و ص 251 كتاب الأشربه؛ سنن النسائي، ج 4، ص 54 ؛ و ج 7، ص 8 ؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 3 ، ص 126، ح 4719 ؛ سنن الترمذي، ج 4، ص 202، ح 2961؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 313 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 386 ؛ و ج 10، ص 108 . كلّهم عن البراء، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . و في الجميع: «أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله » أو «أمرنا النبيّ صلى الله عليه و آله » . و في بعضها: «عيادة المريض» بدل «عيادة المرضى».
3- . التوبة (9) : 80 . راجع: التبيان، ج 5 ، ص 267 268؛ الكشّاف، ج 4، ص 154؛ مجمع البيان، ج 5، ص 97.
4- . تفسير البيضاوي، ج 3 ، ص 162.
5- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
6- . عبارته في شرح صحيح مسلم، ج 12، ص 61 هكذا: «و أمّا المخرف، فبفتح الميم و الراء، و هذا هو المشهور... و قيل: السكّة من النخل تكون صفّين يخرف من أيّها شاء».
7- . اُنظر: معجم مقائيس اللغة، ج 2، ص 171 (خرف) .

ص: 101

. .

ص: 102

. .

ص: 103

باب تلقين الميّت

باب تلقين الميّتاللّقن واللّقنة واللّقانة واللّقانيّة : سرعة الفهم ، لقن كفرح فهو لَقِنٌ ، وأَلقَنَ : حفظ بالعجلة ، (1) وتلقين الميّت : تفهيمه الشهادتين وإمامة الأئمّة الأطهار عليهم السلام . ويستحبّ ذلك في ثلاثة مواضع ؛ لأخبار متكثّرة ، منها ما رواه المصنّف . الأوّل : حال الاحتضار ، وفيه : يستحبّ تلقينه كلمات الفرج أيضاً ، (2) وينبغي له المتابعة باللسان والقلب ، ومع تعذّرها باللسان فبالقلب فقط . وقال طاب ثراه : «ويفهم من كلام الفاضل الأردبيلي أنّه يستحبّ إعادة كلمة التوحيد آخرا ؛ ليكون آخر كلامه لا إله إلّا اللّه ». (3) ويقرب منه قول بعض العامّة : إنّه يستحبّ تلقين الشهادتين أوّلاً ، ثمّ تلقين لا إله إلّا اللّه وحدها . (4) وقد ورد في الأخبار : «من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة ». (5) والثانى: عند شرج اللبن في قبره ممّن نزل معه ، مدنياً فاه إلى اُذنه ، قائلاً له اسمع ثلاثا قبله . والثالث: بعد طمّ القبر وانصراف الناس بصوتٍ عال في غير التقيّة . ووافقنا العامّة في الأوّل محتجّين بأخبار متعدّدة ، منها : ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللّه ». (6) ووافقنا الشافعية في الثالث أيضاً، (7) مستدلّين بما رواه سعيد بن عبد اللّه الأزدي ، قال : شهدت أبا أمامة وهو في النزع ، فقال إذا متّ اصنعوا بي كما أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا مات أحدكم فسوّيتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأسه ، ثمّ ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يسمع ولا يجيب ، ثمّ ليقل : يا فلان بن فلانة الثانية ، فإنّه يستوي قاعدا ، ثمّ ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يقول : أرشدني يرحمك اللّه ، ولكن لا تسمعون ، فيقول له : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّك رضيت باللّه ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمّد صلى الله عليه و آله نبيّاً ، وبالقرآن إماماً ، فإنّ منكرا ونكيرا يتأخّران عنه ، كلّ واحد منهما يقول : انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقّن حجّته»، فقيل: يا رسول اللّه ، فإن لم يعرف اُمّه؟ قال : «فلينسبه إلى حوّا». (8) وعن بعضهم : أنّه يقال له حين لم تعرف اُمّه: يا فلان بن أمة اللّه . وأمّا في الثاني فلم أجد لهم قولاً لا نفياً ولا إثباتاً . وفائدته تذكير الميّت وتنبيهه على ما كان عليه كما يستفاد من خبر أبي بكر الحضرمي ، (9) ومن قوله صلى الله عليه و آله : «ابنك ابنك» في حديث فاطمة بنت أسد ، (10) معلّلاً بأنّها كانت قد عجزت عن جواب سؤال الملكين عن الإمام . وربّما تكون فائدته سقوط السؤال رأساً ، كما يدلّ عليه خبر الأزدي المذكور ، وما رواه الصدوق عن يحيى بن عبد اللّه أنّه قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «ما على أهل الميّت منكم أن يدرؤا عن ميّتهم لقاء منكر ونكير» ، فقلت : وكيف نصنع؟ فقال : «إذا اُفرد الميّت فليختلف عنده أولى الناس به ، فيضع فاه على رأسه ثمّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان ، أو : يا فلانة بنت فلان ، هل أنت على العهد الّذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، سيّد النبيّين ، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين ، وأنّ ما جاء به محمّد صلى الله عليه و آله حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، والبعث حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ، فإذا قال ذلك قال منكر لنكير : انصرف بنا عن هذا فقد لُقّن حجّته». (11) وله في الاحتضار فوائد اُخرى : أن يكون آخر كلامه لا إله إلّا اللّه بناءً على إرادة العرفي من الآخر ، وأنّه يوجب رفع السيّئات وطرد الشيطان وملائكة العذاب ، كما أنّ الدعاء في ذلك الوقت كذلك ، على ما يدلّ عليه ما رواه الصدوق ، قال : وقال الصادق عليه السلام : «اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مرضه الّذي مات فيه ، فدخل عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له: قل لا إله إلّا اللّه ، فلم يقدر عليه ، فأعاد عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة ، فقال لها : هل لهذا الرجل اُمّ؟ فقالت : نعم يا رسول اللّه ، أنا اُمّه ، فقال لها : أفراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت : [لا ]بل ساخطة، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فإنّي اُحبّ أن ترضي عنه ، فقالت : قد رضيت عنه لرضاك يا رسول اللّه ، فقال له : قل لا إله إلّا اللّه ، فقال : لا إله إلّا اللّه ، فقال : له : قل : يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير أقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير إنّك أنت العفوّ الغفور ، فقالها، فقال له : ماذاترى؟ فقال : أرى أسودين قد دخلا علَيّ! قال : أعِدها ، فأعادها ، فقال : ما ترى؟ فقال قد تباعدا عنّي ودخل أبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ، ودنا الأبيضان منّي الآن يأخذان بنفسي ، فمات من ساعته» . (12) قوله في حسنة الحلبي : (13) (أنّكم تلقّنون موتاكم عند الموت لا إله إلّا اللّه ، ونحن نلقّن موتانا محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) . [ح 2 / 4290] في شرح الفقيه : «يمكن أن يكون المراد : إنّا أهل البيت لمّا كنّا مشتغلين دائماً بكلمة التوحيد لا نحتاج إلى التلقين بها ». (14) ولمّا كان أهل البيت بسبب انتسابهم إلى النبيّ صلى الله عليه و آله يغفلون عن الشهادة بالرسالة، فنحن نلقّنهم بها ؛ لئلّا يغفلوا كما غفلت فاطمة بنت أسد عن أمير المؤمنين عليه السلام فلقّنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بابنك ابنك ، أو لمّا كانت الشهادة بالرسالة مستلزمة للشهادة بالتوحيد فنحن نلقّن بالملزوم ونتبعه اللّازم ، أو لمّا وصل إليكم من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة أنتم تلقّنون بها ، ونحن نلقّن بالكلمتين معاً وما بعدهما ؛ لأنّ الغرض من التلقين تذكّر الاعتقادات . وتخصيص الرسالة بالذكر لا يدلّ على نفي ما عداها ، بل يفهم اُولو الألباب أنّ ذكرها لعدم الاكتفاء بالتوحيد ، فيلزمها جميع الاعتقادات ، أو للتقيّة. قوله في حسنة زرارة : (فلقّنه كلمات الفرج) إلخ . [ح 3 / 4291] ذكرها الشيخ في المبسوط في التلقين على هذا النسق ، إلّا أنّه لم يذكر فيها كلمة : «وما فيهنّ» ، وأضاف : «وسلام على المرسلين» قبل التحميد . (15) ومثله في المقنعة (16) مع كلمة : «وما فيهنّ» على حذو ما رواه الصدوق ، قال : قال الصادق عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع ، فقال له : قل : لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم ، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وما تحتهنّ وربّ العرش العظيم، وسلام على المرسلين ، والحمد للّه ربّ العالمين» ، (17) وهو الّذي ذكره الأكثر فيه، والأحسن ! بل الأحسن ذكر «و ما فوقهنّ» أيضاً بعد «ما تحتهنّ» ؛ لوجود قول به، مع طباقه للواقع . وفي مفتاح الفلاح ذكر على وفق ما في هذه الحسنة ، لكن بإسقاط : «وما تحتهنّ» ، وقال : «هذه هي كلمات الفرج على ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن عن الباقر عليه السلام » ، مشيرا إلى هذه الحسنة ، وكأنّه لم تكن هذه الكلمة في كتاب الكافي ، ونسب إلى بعض كتب الدعاء زيادة : «وما تحتهنّ» بعد «ما بينهنّ» ، (18) وإلى بعضها زيادة : «وما فوقهنّ» أيضاً بعدهما ، (19) وإلى بعضها زيادة كلمة «هو» قبل «الربّ» ثمّ قال : «ولم أظفر بهذه الزيادات فيما اطّلعت عليه من الروايات المعتبرة »، (20) فتأمّل . وليس في حديث القنوت ذكر «السلام على المرسلين» فيها . والأحوط تركه هناك لمكان السلام في غير محلّه . وعِكرَمة على ما قاله طاب ثراه _ : «كان مولى لابن عبّاس ، وكان يذهب مذهب الخوارج ، (21) إلّا أنّه كان منقطعاً إلى أبي جعفر عليه السلام .» وقال الكشّي بعد نقل هذه الرواية _ : هذا نحو ما يروى : «لو اتّخذت خليلاً لاتّخذت فلاناً خليلاً» (22) لم يوجب لعكرمة مدحاً ، بل يوجب ذمّه . (23) ثمّ إنّ الخبر يدلّ على قبول التوبة قبل أن تبلغ النفس الحلقوم ويعاين أمر الآخرة. وقد وقع عليه الإجماع ، ودلّ عليه قوله تعالى : «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّ_?اتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الْ_?انَ» (24) على ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «ذلك إذا عاين أمر الآخرة» . (25) وتشهد له أخبار متكثّرة ، منها : ما رواه المصنّف قدس سرهفي كتاب الإيمان والكفر في الحسن عن بكير، عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهماالسلام، قال : «إنّ آدم عليه السلام قال يا ربّ ، سلّطت عليّ الشيطان وأجريته منّي مجرى الدم ، فاجعل لي شيئاً ، فقال : يا آدم ، جعلت لك أنّ من همّ من ذرّيّتك بسيّئة لم يكتب عليه شيء ، فإن عملها كتبت عليه سيّئة ، ومن همّ بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، وإن هو عملها كتبت له عشرا . قال : يا ربّ ، زدني، قال : جعلت لك أنّ من عمل منهم سيّئة ثمّ استغفر غفرت له . فقال : يا ربّ زدني، فقال : جعلت لهم التوبة أو [قال :] بسطت لهم التوبة حتّى تبلغ النفس هذه . قال : يا ربّ حسبي». (26) وعن ابن فضّال مرسلاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من تاب قبل موته بسنة قَبِلَ اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ السنة لكثيرة ، من تاب قبل موته بشهر قَبِل اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ الشهر لكثير ، ثمّ قال : من تاب قبل موته بجمعة قَبِلَ اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ الجمعة لكثير من تاب قبل موته بيوم قَبِل اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ يوماً لكثير من تاب قبل أن يعاين قَبِل اللّه توبته». (27) وعن معاوية بن وهب ، قال : خرجنا إلى مكّة ومعنا شيخ متألّه متعبّد لا يعرف هذا الأمر ، يتمّ الصلاة في الطريق ، ومعه ابن أخ له مسلم ، فمرض الشيخ ، فقلت لابن أخيه: لو عرضت هذا الأمر على عمّك لعلّ اللّه أن يخلّصه ، فقال كلّهم : دعوا الشيخ يموت على حاله ؛ فإنّه حسن الهيئة، فلم يصبر ابن أخيه حتّى قال له : يا عمّ ، إنّ الناس ارتدّوا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا نفرا يسيرا ، وكان لعليّ عليه السلام من الطاعة ما كانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحقّ والطاعة له ، قال : فتنفّس الشيخ وشهق وقال : أنا على هذا، وخرجت نفسه ، فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فعرض عليّ بن السريّ هذا الكلام عليه، فقال : «هو رجل من أهل الخير» ، فقال له عليّ بن السريّ : إنّه لم يعرف شيئاً من هذا غير ساعته تلك ، قال : «فتريدون منه ماذا؟! فدخل (28) واللّه الجنّة» . (29) قوله في خبر أبي بكر الحضرمي : (ممّا سخى بنفسي) . [ح 4 / 4292] الباء للتعدية ، وسخى فلان ، إذا سكن من حركته ، (30) يعني أنّ الرؤيا الّتي رأيتها أسكنت نفسي وجعلني صابرا على موته ، أو سكّنت روحي في جسدي ، ومنعها عن الخروج عنه . قوله في خبر عبد اللّه بن ميمون : (قال له : قل : لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم) . [ح 7 / 4295] روى الشيخ في التهذيب (31) هذا الخبر بهذا السند بعينه ، وفي بعض نسخه قل : «لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم». وظاهر الخبر استحباب أمر المحتضر بالقول بها . وفي العزيز : «والأحبّ أن لا يواجهه بأن يقول له قل : لا إله إلّا اللّه ، ولكن يذكر الكلمة عندها ليتذكّرها فيذكرها ، أو يقول : ذكر اللّه مبارك ». (32) وحكى طاب ثراه عن بعضهم أنّه قال : «لا يقال له قل ؛ لأنّه تكليف، وهو ليس بمحلّ للتكليف ، وإنّما يتعرّض له بذكر الشهادتين تعريضاً حتّى يقولهما ». (33) وعن الآبي أنّه ردّه بأنّه عليه السلام قال لعمّه أبي طالب وهو في النزع : «يا عمّ ، قل لا إله إلّا اللّه كلمة أشهد لك بها عند اللّه »، (34) وقوله: ليس بمحلّ للتكليف، ممنوع . (35) قوله في خبر سالم بن أبي سلمة : (رأيت بياضاً كثيرا وسوادا كثيرا) . [ح 10 / 4298] الظاهر أنّهما أعماله الحسنة والقبيحة على قاعدة تجسّم الأعمال . ويؤيّده قوله صلى الله عليه و آله : «قل : اللّهمّ اغفر لي الكثير من معاصيك، واقبل منّي اليسير من طاعتك ». ويحتمل أن يراد جزاؤهما من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب من أتباع ملك الموت ، كما هو الظاهر ممّا رويناه سابقاً عن الصدوق رضى الله عنه .

.


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 163 (لقن) .
2- . راجع: وسائل الشيعة، ج 2، ص 459 460، باب استحباب تلقين المحتضر كلمات الفرج.
3- . مجمع الفائدة و البرهان، ج 1، ص 174.
4- . اُنظر: البحر الرائق، ج 2، ص 299؛ حاشية ردّ المختار، ج 2، ص 205.
5- . الفقيه، ج 1، ص 132، ح 345 ؛ ثواب الأعمال، ص 195، ثواب تلقين الميّت؛ أمالي للصدوق، المجلس 76، ح 5 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 456، ح 2643.
6- . المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 125، كتاب الجنائز، باب في تلقين الميّت، ح 1 و 3 و 8 ؛ و ص 126، ح 13؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 301 ، ح 973؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 1، ص 601، ح 1952 و 1953؛ مسند أبييعلى، ج 2، ص 347 ، ح 1096؛ و ص 363 ، ح 1117؛ و ج 11، ص 44، ح 6184؛ المنتقى من السنن لابن الجارود، ص 136، ح 513 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 271 و 272؛ المعجم الصغير للطبراني، ج 2، ص 125؛ المعجم الكبير، ج 10، ص 189، ح 10417؛ و ج 12، ص 197؛ كتاب الدعاء للطبراني، ص 348 و 349 ، ح 1141 و 1142 و 1144 1147؛ كنز العمّال، ج 9، ص 98، ح 25160؛ و ج 15، ص 558 ، ح 42164 42167.
7- . فقه السنّة، ج 1، ص 547 ؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 242؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 654.
8- . المعجم الكبير، ج 8 ، ص 250؛ مجمع الزوائد، ج 2، ص 324 ؛ و ج 3 ، ص 45 ؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 3800، نقلاً عن ابن شاهين في كتاب الموت. و مثله في الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 385 386 .
9- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي.
10- . رواه الكليني في الكافي، ج 1، ص 453، باب مولد أميرالمؤمنين عليه السلام ، ح 2؛ و الصدوق في رسالة الاعتقادات، ص 59 60، باب الاعتقاد في المسألة في القبر؛ و الشريف الرضي في خصائص الأئمّة عليهم السلام ، ص 64 66.
11- . الفقيه، ج 1، ص 173، ح 501 . و رواه الكلينى في الكافي، ج 3، ص 201، باب تربيع القبر ورشّه بالماء و ما يقال عند ذلك، و قدر ما يرفع من الأرض، ح 11؛ و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 321 322 ، ح 935 و 936. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 200 201، ح 3403 .
12- . الفقيه، ج 1، ص 132، ح 347 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 462، ح 2651.
13- . كذا في الأصل، و الصحيح: «في رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر، و حفص بن البختري ، عن أبي عبداللّه عليه السلام »، و هي الرواية 2 من هذا الباب من الكافي.
14- . روضة المتّقين، ج 1، ص 340 . و في هامش الأصل: «وقال هذا الشارح ، وهو المحقّق المدقّق مولانا محمّد تقيّ المجلسي ، جدّي من اُمّي ، عند قرائتي عليه هذا الحديث من الفقيه ؛ لإيضاح هذه المقالة : مَثلى است مشهور كه پاى چراغ تاريكست . منه عفي عنه».
15- . المبسوط، ج 1، ص 174، و فقرة «و ما فيهنّ» موجودة فيه.
16- . المقنعة، ص 74.
17- . الفقيه، ج 1، ص 131، ح 343 .
18- . في المصدر: «زيادة و ما تحتهنّ و ما بينهنّ».
19- . في المصدر: «و ما فوقهنّ» بعد «و ما تحتهنّ».
20- . مفتاح الفلاح، ص 42، في القنوت.
21- . اُنظر: وفيات الأعيان لابن خلّكان، ج 3 ، ص 265، ترجمة عكرمه.
22- . مسند أحمد، ج 1، ص 389 ؛ فضائل الصحابة للنسائي، ص 4 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 5 ، ص 36 ، ح 8104 ؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 30 ، ص 238.
23- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 477 478، ح 387 .
24- . النساء (4) : 18.
25- . الفقيه، ج 1، ص 133، ح 352 ؛ وسائل الشيعة، ج 16، ص 89 ، ح 21061.
26- . هو الحديث الأوّل من باب «فيما أعطى اللّه عزّوجلّ آدم عليه السلام وقت التوبة».
27- . هو الحديث 3 من الباب المتقدّم ذكره آنفا من الكافي. وسائل الشيعة، ج 16، ص 87 ، ح 21057.
28- . كذا في الأصل. و في المصدر: «قد دخل».
29- . هو الحديث 4 من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة: ج 16، ص 87 88 ، ح 21058.
30- . القاموس المحيط، ج 2، ص 537 (سخي) .
31- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 288، ح 840 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 460، ح 2647.
32- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 109.
33- . لم أعثر عليه.
34- . صحيح البخاري، ج 2، ص 98، باب في الجنائز؛ صحيح مسلم، ج 1، ص 40، باب أوّل الايمان قول لا إله إلّا اللّه ؛ مسند ابن راهويه، ج 3 ، ص 629، ح 1206؛ صحيح ابن حبّان، ج 3 ، ص 262؛ المعجم الكبير، ج 20، ص 349 . و نحوه في أمالي الطوسي، ح 28 من المجلس 10.
35- . لم أعثر على كلام الآبي.

ص: 104

. .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

. .

ص: 109

. .

ص: 110

باب إذا عسر على الميّت الموت واشتدّ عليه النزع

باب إذا عسر على الميّت الموت واشتدّ عليه النزعالمشهور أنّ استحباب نقل المحتضر إلى مصلّاه إنّما هو إذا اشتدّ عليه النزع ؛ (1) لما رواه المصنّف ، وربّما قيل باستحبابه مطلقاً ؛ (2) لإطلاق بعض أخباره . والتقييد أظهر؛ للجمع، ولأنّ نقله مع سهولة النزع ربّما ينجرّ إلى اشتداده . والمراد بالمصلّى الموضع الّذي أعدّه في بيته للصلاة ، أو الثوب الّذي أعدّه لها ، كما يستفاد من حسنة زرارة ، (3) والجمع أحسن . وقراءة الصافّات مجرّبة في ذلك ، واستحبّ في المنتهى قراءة يس أيضاً عنده ، (4) ولم أجد خبرا صريحاً فيه ، (5) وكأنّه استنبطه ممّا رواه الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من قرأ يس في عمره مرّة واحدة كتب اللّه له بكلّ خلق في الدنيا وبكلّ خلق في الآخرة وفي السّماء بكلّ واحد ألفي ألف حسنة ، ومحا عنه مثل ذلك ، ولم يصبه فقر ولا غرم ولا هدم ولا نصب ولا جنون ولا جذام ولا وسواس ولا داء يضرّه ، وخفّف اللّه عنه سكرات الموت وأهواله وولّى قبض روحه ، وكان ممّن يضمن اللّه له السعة في معيشته ، والفرح عند لقائه ، والرضا بالثواب في آخرته ، وقال اللّه تعالى لملائكته أجمعين من في السماوات ومن في الأرض : قد رضيت عن فلان فاستغفروا له» . (6) ونقل عن بعض التابعين استحباب قراءة الرعد عنده . (7)

.


1- . المبسوط، ج 1، ص 174؛ الوسيلة، ص 62؛ السرائر، ص 158؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 338 ، المسألة 109؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 214؛ الدروس، ج 1، ص 102، درس 9؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 296؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 400.
2- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 29؛ المختصر النافع، ص 11 ؛ المعتبر، ج 1، ص 259؛ كشف الرموز، ج 1، ص 85 .
3- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
4- . منتهى المطلب، ج 1، ص 426 (ط قديم) .
5- . ولكن قال الشهيد في الذكرى، ج 1، ص 297: «و روى عن النبي صلى الله عليه و آله : اقرأوا ليس على موتاكم»، و أشار الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 353 إلى ورود رواية عن النبي صلى الله عليه و آله في ذلك. و الحديث لم يذكر في مصادر الاماميّة، بل ورد في مصادر العامّة، منها: مسند الطيالسي، ص 126؛ الجرح و التعديل لابن أبي حاتم ، ج 9 ، ص 408 ، ترجمة أبي عثمان (1971) ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 63 ، ح 3121 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي، ج 3 ، ص 122، ذيل ح 2056؛ تفسير القرطبي، ج 4، ص 298.
6- . ثواب الأعمال، ص 112، ثواب من قرأ سورة يس؛ وسائل الشيعة، ج 6، ص 248، ح 78856.
7- . إعانة الطالبين، ج 2، ص 107 ، و نسبه إلى جابربن يزيد؛ الدرّ المختار، ج 2، ص 207، حاشية ردّ المختار، ج 2، ص 207 ، عن جابر بن يزيد.

ص: 111

باب توجيه الميّت إلى القبلة

باب توجيه الميّت إلى القبلةأجمع أهل العلم على رجحان توجيه المحتضر إلى القبلة إلى أن يدفن في القبر، والظاهر وفاقهم على وجوبه في حال الصلاة عليه . ويدلّ عليه ما يأتي في محلّه . واختلفوا في مواضع : الأوّل في حال الاحتضار : فذهب المفيد في المقنعة (1) والشهيد في الذكرى (2) واللمعة (3) والدروس ، (4) والعلّامة في غير المختلف 5 إلى الوجوب ، بل هو ظاهره فيه أيضاً ، (5) وإليه ذهب الشيخ في المبسوط ، حيث قال في موضع منه : «معرفة القبلة واجبة للتوجّه إليها في الصلوات ، واستقبالها عند الذبيحة ، واحتضار الأموات وغسلهم»، (6) ولكن عبّر عنه في بحث الاحتضار بلفظ الخبر الشامل للندب أيضاً ، (7) كما في النهاية، وهو محكي في المختلف (8) عن سلاّر (9) وابن البراج . (10) وصرّح في الخلاف باستحبابه ، (11) وهو منقول عن المفيد في المسائل الغريّة ، (12) وعن السيّد (13) وابن إدريس (14) والمحقّق في المعتبر . (15) وعُدَّ في العزيز من آداب المحتضر من غير نقل خلاف ، (16) وظاهره الندب عندهم. وحكى في المنتهى (17) عن سعيد بن المسيّب أنّه أنكر الاستحباب أيضاً ، وأنّهم لمّا أرادوا أنّ يحوّلوه إلى القبلة في تلك الحال قال : ما لكم؟ قالوا : نحوّلك إلى القبلة ، قال : ألم أكن إلى القبلة إلى يومي هذا؟! ويردّه ما سيأتي . واحتجّ على الوجوب بما رواه الشهيد في الذكرى عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة»، قاله في هاشمي كان في السّوق (18) . (19) وبقوله عليه السلام في حسنة سليمان بن خالد _ : «فسجّوه تجاه القبلة». (20) ويدلّ أيضاً عليه ما رواه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رجل من ولد عبد المطّلب وهو في السّوق ، وقد وجّه إلى غير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة ، وأقبل اللّه عزّ وجلّ عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتّى يقبض». (21) وربّما احتجّ عليه بما رواه الجمهور عن حذيفة أنّه قال : «وجّهوني إلى القبلة». (22) وبقوله صلى الله عليه و آله : «خير المجالس ما استقبل به القبلة». (23) وبأنّ ذلك كان معروفاً بين المسلمين ، مشهورا بينهم . وتمسّك الآخرون بأصالة عدم الوجوب حاملين الأخبار المذكورة على الاستحباب ، زاعمين أنّها لضعفها لا يجوز إبقاؤها على ظاهرها من الوجوب ، بل يجب حملها على الاستحباب ، للمساهلة في أدلّته . (24) وثانيها ما بعد الموت إلى أن يغسل : فقد قيل بالوجوب ؛ لظهور بعض أخبار الباب في ذلك ، (25) وأنكره الشهيد في الذكرى ، حيث قال : «ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته ، وأنّ الواجب أن يموت إلى القبلة ، وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال »، (26) وهو ظاهر الخبر المنقول عن عليّ عليه السلام . وخبر يعقوب بن يقطين (27) يدلّ على رجحان استقباله بعد الغسل أيضاً . والجمع بين الأخبار يقتضي رجحانه؛ حملاً للأخبار الأوّلة على الاستحباب . وثالثها حال التغسيل : والظاهر وجوبه فيها لحسنة سليمان بن خالد ، (28) وقوله عليه السلام : «استقبل ببطن قدميه القبلة حتّى يكون وجهه مستقبل القبلة» وقوله : «فضعه على المغتسل مستقبل القبلة» فيما يرويه المصنّف في باب غسل الميّت من خبري الكاهلي (29) ويونس . (30) ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى، عن يعقوب بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الميّت ، كيف يوضع على المغتسل موجّهاً وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال : «يوضع كيف تيسّر من الموضعين» . (31) وإليه ذهب الشيخ في المبسوط (32) على ما عرفت ، والشهيد في الدروس . (33) وحكى الشهيد في الذكرى (34) عن السيّد المرتضى أنّه ذهب في المسائل المصريّة إلى استحبابه ، (35) وهو مختار المحقّق . (36) واحتجّ عليه في الذكرى بما ذكر من خبر يعقوب بن يقطين ، وبالأصل . (37) ويظهر ممّا ذكر ضعف الأوّل ، وأمّا الأصل فقد يصار إلى خلافه الدليل . وكيفيّته في هذه الأحوال أن يلقى الميّت على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس لكان مستقبل القبلة ، كما يدلّ عليه أكثر ما ذكر من الأخبار . ولا يبعد التخيير في المغتسل بينها وبين وضعه كما يوضع في القبر ؛ للجمع بينه وبين خبر يعقوب بن يقطين ، وتحتّمها فيما قبله ، عكس ما ذكره صاحب [فتح] العزيز ، حيث قال : في الاحتضار في كيفيته وجهان : أحدهما : أنّه يلقى على قفاه وأخمصاه إلى القبلة كالموضوع على المغتسل ، والثاني وبه قال أبو حنيفة _ : أنّه يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد؛ لأنّه أبلغ في الاستقبال . والوجه الأوّل هو المذكور في الكتاب يعني الوجيزلكنّ الثاني أظهر عند الأكثرين ، وحكي عن نصّ الشافعي ، ولم يذكر أصحابنا العراقيّون سواه . (38) ورابعها حال دفنه : والمشهور وجوبه لكن مضطجعاً على جنبه الأيمن ، على ما صرّح به الشيخان (39) والصدوقان (40) والشهيدان (41) والفاضلان (42) وغيرهم ، (43) بل ربّما ادّعى عليه الإجماع . وعلّله في الذكرى (44) بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله دفن كذلك وفعله ، وبعمل الصّحابة والتّابعين ، وبما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام قال : «مات البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة ورسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة ، فأوصى أنّه إذا دفن يجعل وجهه إلى وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى القبلة، فجرت به السنّة وكانت الصلاة حينئذٍ إلى البيت المقدّس». (45) وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن حمزة أنّه قال باستحباب الاستقبال في تلك الحال ، (46) حملاً للأخبار عليه ؛ مستندا بأصالة البراءة . (47) ولوجوب هذا الاستقبال قد اشتهر بين الأصحاب وجوب دفن امرأة ذمّيّة حاملة من مسلم مستدبرة ؛ (48) ليكون وجه الحمل إلى القبلة بناءً على أنّ وجهه إلى ظهر اُمّه ، بل ربّما ادّعى عليه الإجماع ، (49) ولم أجد نصّاً عليه . واحتجّ عليه في التهذيب بخبر أحمد بن أشيم، عن يونس ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الجارية اليهوديّة والنصرانيّة فيواقعها فتحمل ، ثمّ يدعوها إلى الإسلام فتأبى عليه ، ودنا ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد ، أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب : «يدفن معها» . (50) وهو مع ضعفه بأحمد بن أشيم (51) لا يدلّ على ذلك ، بل ظاهره الدفن معها على الطريقة النصرانيّة . واشتهر أيضاً وجوب دفنها في مقابر المسلمين إكراماً للولد . ووجّهه المحقّق في المعتبر بأنّ الولد لما كان محكوماً له بأحكام المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمّة ، وإخراجه مع موتها غير جائز ، فتعيّن دفنها معه في مقابر المسلمين . (52) وادّعى الشهيد في الذكرى الإجماع على عدم جواز دفن المسلم في مقابر أهل الذمّة ، والظاهر وفاقهم على تحريم عكسه أيضاً . (53) ولولا الإجماع لأمكن القول بجوازهما ؛ لعدم نصّ عليه . على أنّ حرمة المسلم ميّتاً ليس أكثر من حرمته حيّاً ، وقد جاز إقامته في قرى المشركين وبيوتاتهم وبالعكس، فكيف بأهل الذمّة؟ وقد احتجّ عليه بتأذّي المسلم من جوارهم ، وهو محلّ نظر . وحكى في المدارك (54) عن بعض العامّة أنّها تدفن بين مقبرة المسلمين والنصارى مستدبرة ، (55) وعن آخرين منهم ما ذكره الأصحاب . وقال الشيخ في الخلاف : ولا أعرف للفقهاء من العامّة نصّاً في هذه المسألة ، (56) فتدبّر .

.


1- . المقنعة، ص 73.
2- . الذكرى، ج 1، ص 295.
3- . اللمعة الدمشقيّة، ص 20.
4- . الدروس، ج 1، ص 102، درس 9.
5- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 380 381 ؛ فانّه نقل في المسألة أدلّة القولين ، و ردّ دليل القائلين بعدم الوجوب.
6- . المبسوط، ج 1، ص 77 . و مثله في النهاية، ص 62.
7- . لم أجده بهذا اللفظ، و الموجود في بحث الاحتضار من كتاب الجنائز من المبسوط، ج 1، ص 174 هكذا: «فيتقدّم ذلك آداب و سنن تتعلّق بحال الاحتضار؛ فإذا حضر الإنسان الوفاة استقبل بوجهه القبلة ، فيجعل باطن قدميه إليها على وجه لو جلس لكان مستقبلاً للقبلة». و نحوه في النهاية، ص 30 .
8- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 381 .
9- . المراسم، ص 47.
10- . المهذّب، ج 1، ص 53 .
11- . الخلاف، ج 1، ص 691، المسألة 466.
12- . حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 381 ؛ و ابن فهد في المهذّب البارع، ج 1 ، ص 174.
13- . قاله في المصباح على ما في كشف الرموز، ج 1، ص 86 .
14- . السرائر، ج 1، ص 158.
15- . المعتبر، ج 1، ص 258 259.
16- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 106.
17- . منتهى المطلب، ج 1، ص 426 (ط قديم) . و حكاه العلّامة أيضا في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 337 ؛ و ابن قدامة في المغني، ج 2، ص 306 ؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير، ج 2، ص 305 ؛ و ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد، ج 1، ص 181؛ و ابن حزم في المحلّى، ج 5 ، ص 174، المسألة 616.
18- . في السوق، أي في النزع، كأنّ روحه تساق لتخرج من بدنه، و يقال له السياق أيضا. راجع : النهاية، ج 2، ص 424 (سوق) .
19- . الذكرى، ج 1، ص 295.
20- . هذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
21- . علل الشرائع، ج 1، ص 297، الباب 234؛ الفقيه، ج 1، ص 133، ح 349 ؛ ثواب الأعمال، ص 195، ثواب توجيه الميّت إلى القبلة. ورواه القاضي النعمان في دعائم الإسلام، ج 1، ص 219 . وسائل الشيعة، ج 2، ص 453، ح 2628.
22- . نسبه العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 37 (ط قديم) إلى حذيفة، ولم أجده عن حذيفة، و إنّما روي عن البراء بن معرور . اُنظر: المستدرك للحاكم، ج 1، ص 353 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 384 .
23- . المبسوط، ج 8 ، ص 90؛ المهذّب لابن البرّاج، ج 2، ص 595 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 337 . و الحديث رواه الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح، ص 13 ، و قال : «روي عن أئمّتنا» . وسائل الشيعة، ج 12، ص 109، ح 15784. ورواه أبو نعيم في ذِكر أخبار أصبهان ، ج 2، ص 74، و ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق، ج 25، ص 29، ترجمة طلحة بن سعيد بن عمرو، الرقم 2979 ؛ و الرازي في تفسيره، ج 4، ص 132 ، في تفسير قوله تعالى: «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» ؛ و ابن عبد البرّ في الاستذكار، ج 4، ص 246.
24- . اُنظر: المعتبر، ج 1، ص 258 259.
25- . راجع: مدارك الأحكام، ج 2، ص 54 .
26- . الذكرى، ج 1، ص 295.
27- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 298، ح 871 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 491. ح 2723.
28- . هي الرواية 3 من هذا الباب من الكافي .
29- . هو الحديث 4 من الباب المذكور . و عنه في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 298 299، ح 873 ؛ ووسائل الشيعة، ج 2، ص 481 482، ح 2698.
30- . هو الحديث 5 من الباب المذكور . وعنه في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 301 ، ح 877 ؛ ووسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 480 ، ح 2696 .
31- . تقدّم تخريجه آنفا.
32- . المبسوط، ج 1، ص 174.
33- . الدروس، ج 1، ص 88 ، درس 11.
34- . الذكرى، ج 1، ص 341 .
35- . حكاه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 381 . و قول المرتضى موجود في المسائل الموصليّات (رسائل المرتضى، ج 1، ص 218) .
36- . المعتبر، ج 1، ص 269.
37- . الذكرى، ج 1، ص 341 .
38- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 106 107.
39- . صرّح به المفيد في المقنعة، ص 80 ؛ و الشيخ الطوسي في المبسوط، ج 1، ص 186؛ والنهاية، ص 38 ؛ و مصباح المتهجّد، ص 20.
40- . قاله عليّ بن بابويه في فقه الرضا عليه السلام ، ص 170؛ و الصدوق في الهداية، ص 117؛ والفقيه، ج 1، ص 108، ذيل ح 499 نقلاً عن والده.
41- . قاله الشهيد الأوّل في الدروس، ج 1، ص 110؛ و الذكرى، ج 2، ص 7؛ و اللمعة الدمشقيّة، ص 22؛ و الشهيد الثاني في روض الجنان، ج 2، ص 841 ؛ و شرح اللمعة، ج 1، ص 438 ؛ و مسالك الأفهام، ج 1، ص 100.
42- . قاله المحقق الحلّي في المختصر النافع، ص 13؛ و شرائع الإسلام، ج 1، ص 35 . و العلّامة الحلّي في تبصرة المتعلّمين، ص 29؛ و تذكرة الفقها، ج 2، ص 88 ؛ و إرشاد الأذهان، ج 1، ص 263؛ و تحرير الأحكام، ج 1، ص 131؛ و نهاية الإحكام، ج 2، ص 273.
43- . منهم: ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 63؛ و ابن زهرة في غنية النزوع، ص 105؛ و أبي المجد الحلّي في إشارة السبق، ص 78 ؛ و علي بن محمّد القمّي في جامع الخلاف و الوفاق، ص 115؛ و العامِلي في مدارك الأحكام، ج 2، ص 136 ، و قال في الأخير : «لا أعلم فيه مخالفا سوى ابن حمزه حيث عدّ ذلك مستحبّا».
44- . الذكرى، ج 2، ص 7.
45- . لفظ الحديث هنا موافق لرواية الذكرى، و عبارته في الجوامع الحديثيّة مغايرة لهذه الألفاظ، فالحديث مع المغايرة في اللفظ تجده في الكافي، ج 7، ص 11 ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته و ما يستحبّ، ح 1؛ والفقيه، ج 4، ص 186، ح 5428 ؛ وعلل الشرائع، ج 1، ص 301 ، الباب 239؛ وتهذيب الأحكام، ج 9، ص 192، ح 771 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 230 و 231، ح 3485 و 3486 ؛ و ج 19، ص 271 272، ح 24570.
46- . الوسيلة، ص 68.
47- . الذكرى، ج 2، ص 7.
48- . المقنعة، ص 85 ؛ المبسوط، ج 1، ص 180؛ الخلاف، ج 1، ص 730، المسألة 558 ؛ الجامع للشرائع، ص 49 ؛ المعتبر، ج 1، ص 292؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 35 ؛ كشف الرموز، ج 1، ص 90 91؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 109؛ منتهى المطلب ، ج 1، ص 464 (ط قديم) ؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 181 182؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 100؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 136.
49- . تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 109.
50- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 334 335 ، ح 980؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 205، ح 3415 .
51- . قاله المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 292 ؛ فإنّه قال بعد نقل الرواية: «و لست أرى في هذا حجّة، أمّا أوّلاً؛ فلأنّ ابن أشيم ضعيف جدّا على ما ذكره النجاشي في كتاب المصنّفين والشيخ، و أمّا ثانيا؛ فلأنّ دفنه معها لايتضمنّ دفنها في مقبرة المسلمين، بل ظاهر اللفظ يدلّ على دفن الولد معها حيث تدفن هي، ولا إشعار في الرواية بموضع دفنها».
52- . المعتبر، ج 1، ص 293.
53- . الذكرى، ج 2، ص 39 ؛ فإنّ الإجماع مرتبط بعدم جواز دفن الكافر في مقبرة المسلمين، ولم أعثر على كلامه في عدم جوازدفن المسلم في مقبرة أهل الذمّة.
54- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 137.
55- . حكاه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 293، و عزاه إلى أحمد بن حنبل؛ و حكاه ابن قدامة في المغني، ج 2، ص 423 ؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير، ج 2، ص 423 . و قال ابن حزم في المحلّى، ج 5 ، ص 142، المسألة 582: «...دفنت في طرف مقبرة المسلمين»، و لم يذكر الاستدبار عن القبلة.
56- . الخلاف، ج 1، ص 730، المسألة 558 .

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

. .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

. .

ص: 118

باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه

باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحهبل يقبض برضاه بمشاهدة الأصفياء ومقاماته المنيعة ودرجاته الرفيعة كما سبق . قوله في خبر عمّار : (لو أن أقسم على ربّه) إلخ . [ح 1 / 4307] قال طاب ثراه : يقال : أقسم باللّه إقساماً ، أي حلف به ، (1) وأقسم عليه بمعنى قاسمه ، أي حلف عليه ، وجعل اليمين عليه ، قيل : هو قسم حقيقة ، أي لو قال : أقسمت عليك يا ربّ أن لا تميتني ما أماته إكراماً له ، وقيل : القسم هنا الدعاء ، أي لو دعا اللّه سبحانه بعزيمة في عدم الإماتة لاستجاب له ، والإشارة في ذلك إلى حضور الأجل ، والترديد من أبي اليقظان .

.


1- . مجمع البحرين، ج 3 ، ص 505 (قسم) .

ص: 119

باب ما يعاين المؤمن والكافر عند الاحتضار

باب ما يعاين المؤمن والكافر عند الاحتضارمن الأصفياء والمقامات العالية وأضدادهما . قوله في خبر عليّ بن عقبة : (وما بين أحدكم) إلخ . [ح 1 / 4309] وفي القاموس : «غمزه بيده يغمزه : شِبه نَخَسه ، وبالجفن والعين والحاجب : أشار». (1) وكلمة «ذُلّك» في قوله : «فإذا ذهب ديني كان ذُلّك» بضمّ الذال المعجمة وشدّ اللّام ! (2) قوله في خبر عمّار بن مروان : (ثمّ يزور آل محمّد في جنان رضوى) إلخ . [ح 4 / 4312] رضوى كسكرى : جبل بالمدينة، (3) وموضع بعمّان ، (4) ولعلّه هو المراد هنا ، وهو الّذي زعمت الكيسانيّة أنّه غاب محمّد بن الحنفية في جبل فيه ، ويظهر في آخر الزمان، زاعمين أنّه هو صاحب الأمر . (5) والزمر بالضمّ : الفوج والجماعة . (6) ويدلّ على رجعة آل محمّد عليهم السلام والمؤمنين في زمان ظهور القائم عليه السلام ، والمراد بالمبطلين والمحلّين المبطلون لما أحلّه اللّه ، والمحلّون لما حرّمه سبحانه . وقوله : «فعند ذلك» ، إلى آخره : جملة معترضة . قوله في خبر عَقَبة : (وأعظَم ذلك) [ح 8 / 4316] على صيغة الماضي من باب الإفعال ، وهو من كلام عقبة ، يعني أنّه عليه السلام عدّ ما سألته من احتمال الرجوع بعد تلك الرؤية أمرا عظيماً عجيباً ، وتعجّب من ذلك السؤال . قوله في خبر أبي حمزة : (وإنّ الكافر تخرج نفسه سلّاً من شدقه كزبد البعير أو كما تخرج نفس البعير) . [ح 11 / 4319] الظاهر أنّ الترديد من الراوي ، والسّلّ بفتح السّين وشدّ اللّام : انتزاع شيء من شيء، (7) والشدق بالكسر ويفتح : جانب الفم . (8) قوله في خبر أبي بصير : (9) (قد شخص ببصره) . [ح 16 / 4324] قال طاب ثراه : يقال : شخص بصره فهو شاخص ، إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف، ويقال للرجل إذا ورد عليه أمر : أقلقة شخص ببصره . (10) ويقال : خمص الجرح ، إذا سكن ورمه . (11) وفي بعض النسخ : «إذا غمض وجهه» ، أي غار ، وهو أظهر معنى . وحذف خبر إنّ؛ لظهوره ، أي فاعلم أنّه مؤمن حقّاً ، وذلك شائع فيه ، ومنه قول من قال : «وفيه دليل على أنّه ».

.


1- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 417 (غمز) .
2- . قال العلّامة المجلسى قدس سره : «لعلّ المراد أنّ ديني إنّما يستقيم إذا كان تابعا لدينك، و موافقا لما تعتقده، فإذا ذهب ديني بسبب عدم علمي بما تعتقده كان ذلك، أى الخسران و الهلاك و العذاب الأبدي، فذلك إشارة إلى ما هو المعلوم ممّا يترتّب على مَن فسدت عقيدته...، و في محاسن البرقي [ج 1، ص 281، ح 555] هكذا: إنّما ديني مع دَمي، فإذا ذهب دمي كان ذلك. فالمراد بالدم الحياة مجازا، أى لاأترك طلب الدين مادمت حيّا، فإذا ذهب دمي أى متّ كان ذلك أى الترك». مرآة العقول، ج 13، ص 286 287.
3- . معجم البلدان، ج 3 ، ص 51 ؛ صحاح اللغة، ج 6، ص 2358 (رضا)؛ معجم ما استعجم، ج 2، ص 655 ، وفيه: «و هي من ينبع على يوم و من المدينة على سبع مراحل»، و صرّح فيه أنّه الموضع الذي زعمت الكيسانيّة به مقيم حيّ يرزق.
4- . لم أعثر عليه.
5- . اُنظر : أعيان الشيعة، ج 3 ، ص 409، ترجمة السيّد الحميري.
6- . شرح المازندراني، ج 11، ص 321 ؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 473 (زمر) ، و فيهما: «الزمرة» بدل : «الزمر».
7- . راجع: القاموس المحيط، ج 2، ص 601 (سلل) .
8- . صحاح اللغة، ج 4، ص 150 (شدق) .
9- . كذا بالأصل، و الفقرة المذكورة هنا ليست في خبر أبي بصير، بل من خبر سهل بن زياد المذكور بعد خبر أبي بصير، و هو الحديث 16 من هذا الباب.
10- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1043 (شخص) .
11- . مجمع البحرين، ج 1، ص 703 (خمص) .

ص: 120

. .

ص: 121

باب إخراج روح المؤمن والكافر

باب إخراج روح المؤمن والكافرأي كيفيّة قبض ملك الموت روحهما بالرفق والعنف ، ولكن ليس الأمر كلّياً ، فقد قال طاب ثراه : ينبغي أن يعلم أن ليس التسهيل دليلاً على التكرمة ، ولا التعنيف دليلاً على الشقاء ، فكم شُقّ على سعيد وسهّل على شقي؟ فقد ثبت من طريق الخاصّة والعامّة : أنّه إذا بقى على المؤمن شيء من درجاته لم يبلغه من عمله أو كان عليه شيء من الذنوب لم يكفّره حسناته شدّد اللّه عليه الموت ليبلغ تلك الدرجة ، ويكفّر عنه ذلك الذنب ، وإذا بقى للكافر شيء من حسناته يسّر اللّه عليه الموت ليستكمل ثواب معروفه . وقد روي من طريق العامّة عن بعض زوجات النبيّ صلى الله عليه و آله أنّها قالت : لا تغبط (1) أحدا سهّل عليه الموت بعد الّذي رأيت من شدّة موت رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (2) وكان يدخل يده في قدح ويمسح بها وجهه ويقول : «اللّهمّ سهّل عليّ الموت ، إنّ للموت سكرات» (3) فقالت فاطمة عليهاالسلام : «واكرباه لكربتك يا أبتاه»! فقال : «لا كرب لأبيك بعد اليوم». 4 وأنّه نزع معاذ نزعاً لم ينزعه أحد ، كلّما أفاق قال : يا ربّ ، اخنق خنقك فوعزّتك لتعلم أنّ قلبي يحبّك . (4) قوله في خبر إدريس : (بمثل السّفود) . [ح 1 / 4325] قال الجوهري : «السُّفّوُد بالضمّ والتشديد : الحديدة الّتي يشوى بها اللحم ». (5) قوله في مرسلة هيثم بن واقد : (ليس في شرق الأرض ولا في غربها) إلخ. [ح 2 / 4326] الضميران للأرض ، وأهل بيت المدر : هم الساكنون في البيوتات المبنيّة من اللبن والأجر ونحوهما ، وأهل بيت الوبر : السّاكنون في الخيام المتّخذة من الشعر والوبر. وتصفّح ملك الموت إيّاهم للترقّب لأمر اللّه سبحانه فيهم، أو لتمييز من يواظب منهم على الصلاة في أوقاتها ؛ ليلقّنهم عند قبض أرواحهم الشهادتين ، ويتنحّى عنهم إبليس ، ويشعر به قوله عليه السلام : «فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّما يتصفّحهم في مواقيت الصلوات»، إلى آخر الحديث . ويؤيّده التخصيص بالخمس مرّات . قوله في خبر جابر : (وقرّ عيناً) . [ح 3 / 4327] في القاموس : «عينه تقرّ بالكسر والفتح قَرّةً ويضم وقرورا : بردت وانقطع بكاؤها ، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه» ، (6) وبردها كناية عن السرور؛ لبرودة ماء العين وقت السرور. وفي الفائق : العتبى : «طلب الرضا بإزالة ما عوتب عليه »، (7) يعني ليس لكم عندنا حقّ يوجب استرضاكم ؛ لأنّا إنّما قبضنا روح منكم بأمر اللّه سبحانه .

.


1- . كذا في الأصل. و في سائر المصادر: «لا أغبط» و هو الظاهر.
2- . سنن الترمذي، ج 2، ص 226، ح 986؛ الشمائل المحمّدية له أيضا، ص 201، ح 317 ؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 47، ص 229 و 230؛ إمتاع الأسماع، ج 4، ص 514 . و في الجميع: «ما أغبط أحدا بهون موت...» .
3- . مسند أحمد، ج 6، ص 64، 70، 77، 151؛ صحيح البخاري، ج 5 ، ص 142، باب مرض النبي صلى الله عليه و آله و وفاته؛ و ج 7، ص 92، كتاب الرقاق؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 519 ، ح 1623؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 7، ص 50 ، كتاب الدعاء، ح 3 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ح 4، ص 259، ح 7101؛ و ج 6، ص 269، ح 10932؛ مسند أبييعلى، ج 8 ، ص 9، ح 4510 ؛ المستدرك للحاكم، ج 2، ص 465 ؛ و ج 3 ، ص 56 57 ؛ الطبقات الكبرى، ج 2، ص 258 ، ذكر وفاة رسول اللّه . و الجميع خالية عن فقرة: «اللهمّ سهِّل عَلَيّ الموت».
4- . تاريخ مدينة دمشق، ج 58 ، ص 452، ترجمة معاذ بن جبل، الرقم 7481؛ و ج 11، ص 462، ترجمة الحارث بن عميرة الزبيدى، الرقم 1147؛ الطبقات الكبرى، ج 3 ، ص 589 ، ترجمة معاذ، و ج 7، ص 388 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 460، ترجمة معاذ بن جبل، الرقم 86 ، مع مغايرة في ألفاظ بعضها.
5- . صحاح اللغة، ج 2، ص 489 (سفد) .
6- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 587 (قرر) .
7- . لم أعثر عليه في الفائق، و الموجود فيه هكذا: «... أعتب الناس: أعطيهم العتبى و الرضا». الفائق، ج 2، ص 370 ، باب العين مع الثين. نعم نفس العبارة موجودة في شرح اُصول الكافي للمولى محمد صالح، ج 8 ، ص 395 ، إلّا أنّ فيه: «المستعتب» بدل «العتبى».

ص: 122

. .

ص: 123

باب تعجيل الدفن

باب تعجيل الدفنأجمع الأصحاب على استحباب تعجيل تجهيز الميّت ودفنه ما لم يشتبه ، (1) مات ليلاً أو نهارا ، وهو المشهور بين العامّة . (2) ودلّ عليه أخبار متعدّدة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب ، ويؤيّده ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أسرعوا بالجنازة ، فإن تك صالحة فخير تقدّمونها، وإن تك غير صالحة فشرّ تضعونه عن رقابكم». (3) وكره بعض العامّة دفنه ليلاً إلّا من ضرورة، (4) محتجّاً بما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه : أنّه زجر النبيّ صلى الله عليه و آله أن يقبر الرجل باللّيل حتّى يصلّى عليه ، إلّا أن يضطرّ الإنسان إلى ذلك . (5) واستحبّ بعضهم تأخيره ما لم يخشَ تغيّره . (6) ويردّهما ما ذكر . والمراد بالتعجيل تجهيزه بلا تراخ ولا مهلة عرفاً دون الإسراع بها والخَبَبَ (7) ، كما ذهب إليه جماعة من العامّة . (8) ويردّه ما جاء من طرقهم : «عليكم بالقصد في جنائزكم ». 9 وأمّا مع الاشتباه فلا يجوز التعجيل حتّى يظهر الموت أو يمضى ثلاثة أيّام . قال المفيد قدس سره : ينتظر بصاحب الذِرب 10 والغريق ، ومن أصابته صاعقة، أو انهدم عليه بيت ، أو سقط عليه جدار ، فلا يعجّل بغسله ودفنه ، فربّما لحقته السكتة بذلك أو ضعف حتّى يظنّ به الموت ، فإذا تحقّق موته غسّل وكفّن ودفن ، ولا ينتظر به أكثر من ثلاثة أيّام ، فإنّه لا شبهة في موته بعد ثلاثة أيّام . (9) وما ذكره من انتفاء الشبهة بعد الثلاثة مطابق لقول الأطبّاء : «إنّ صاحب السكتة يفيق لا محالة في الثلاثة ». ويدلّ على الحكم ما رواه الشيخ في حسنة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «خمسة ينتظر بهم إلّا أن يتغيّروا : الغريق والمصعوق (10) والمبطون والمهدوم والمدّخن». (11) وحسنة هشام بن الحكم، عن أبي الحسن عليه السلام ؛ في المصعوق والغريق ، قال : «ينتظر به ثلاثة أيّام ، إلّا أن يتغيّر قبل ذلك». (12) وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في الغريق أيغسّل؟ قال : «نعم ، ويستبرأ»، قلت : وكيف يستبرأ؟ قال : «يترك ثلاثة أيّام قبل أن يدفن ، إلّا أن يتغيّر قبل فيغسّل ويدفن ، وكذلك صاحب الصاعقة ، فإنّه ربّما ظنّ أنّه قد مات ولم يمت». (13) وخبر عليّ بن أبي حمزة (14) ، قال : أصاب بمكّة سنة من السنين صواعق [كثيرة] مات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي إبراهيم عليه السلام فقال مبتدئاً من غير أن أسأله : «ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربّص به ثلاثة، لا يدفن إلّا أن يجيء منه ريح تدلّ على موته»، قلت : جُعلت فداك ، كأنّك تخبرني أنّه قد دفن ناس كثير أحياء؟ فقال : نعم يا عليّ ، قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلّا في قبورهم» . (15)

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 343 ، المسألة 114؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 221؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 217، جامع المقاصد، ج 1، ص 354 ؛ الدروس، ج 1، ص 103، درس 9، الذكرى، ج 1، ص 299؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 58 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 107؛ كشف اللثام، ج 2، ص 200؛ مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 412.
2- . راجع: الاُمّ للشافعي، ج 1، ص 315 ، باب الدفن؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 126؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 124 و 226؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 181.
3- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 50 ، باب الإسراع بالجنازة ، و فيه: «و إن تكن غير ذلك» بدل «و إن تك غير صالحة». و الرواية موجودة في غالب مصادرهم، منها: مسند أحمد، ج 2، و ص 240؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 87 88 ، باب في الجنائز؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 474، ح 1477؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 75، ح 3181 ؛ سنن النسائي، ج 4، ص 42 ؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 624، ح 2037 و 2038؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 444 445 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 166، باب فيالجنازة يسرع بها إذا خرج بها أم لا، ح 1؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 21.
4- . نسب هذا القول إلى الحسن البصرى و أحمد في: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 108؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 417، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 2، ص 417، المجموع للنووي، ج 5 ، ص 302 . و في الأخيرين عن الحسن وحده.
5- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 50 ، باب الإسراع بالجنازة. و رواه أحمد في المسند، ج 3 ، ص 295؛ و أبوداود في سننه، ج 2، ص 68، ح 3148 ؛ و الحاكم في المستدرك، ج 1، ص 369 .
6- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 302 .
7- . الخَبب : ضرب من العَدْو ، وصو خَظؤ فسيح دون العَنَق . المصباح المنير ، ص 163 (خبب) .
8- . المغني، ج 2، ص 359 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 359 360 ؛ كشّاف القناع، ج 2، ص 150؛ عمدة القاري ، ج 8 ، ص 113.
9- . المقنعة، ص 86 .
10- . المصعوق : من أصابته الصاعقة ، والذي غشي عليه .
11- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 338 ، ح 988؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 474 475، ح 2685. رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 210، باب الغريق و المصعوق، ح 5 ؛ و الصدوق في الخصال، ص 300 ، باب الخمسة، ح 75.
12- . رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 210، باب الغريق و المصعوق، ح 1؛ و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 338 ، ح 992؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 474، ح 2684.
13- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 338 ، ح 990، وسائل الشيعة، ج 2، ص 475، ح 2686. و رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 209، باب الغريق و المصعوق، ح 2، بنقص فقرة : «إلّا أن يتغيّر قبل فيغسل و يدفن».
14- . في هامش الأصل: «في طريقه أحمد بن مهران ، هو ضعيف. منه» .
15- . رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 210، باب الغريق و المصعوق، ح 6، و ما بين الحاصرتين منه. و من طريقه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 338 ، ح 991. وسائل الشيعة، ج 2، ص 475 476، ح 2688.

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

باب نادرٌ

باب الحائض تمرّض المريض

باب غسل الميّت

باب نادرٌيتضمّن كراهية ترك الميّت وحده قبل الدفن مع ذكر علّتها .

باب الحائض تمرّض المريضيريد بيان جواز ذلك عن غير كراهية إلى حال الاحتضار ، والظاهر عدم تحقّق قول بخلافه . قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة : (فإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتتنحَّ عنه) ، إلخ . [ح 1 / 4331] قال طاب ثراه : الأمر محمول على الندب ؛ لعدم القول بالوجوب . وقال بعض العامّة : لا يحضره إلّا أفضل أهله ، لا حائض ولا جنب . وقال بعضهم : لا بأس بأن تغمضه الحائض . وقال بعضهم : المنع أحسن . (1) ثمّ الظاهر الكراهة بعد الموت أيضاً لظاهر التعليل . لا يقال : ظاهر الشرط يفيد الاختصاص بالاحتضار ؛ لأنّا نمنع ذلك ، بل إنّما يفيد عدم الكراهة قبل الاحتضار ، وكذا الظاهر رفع الكراهة بانقطاع الدم قبل الغسل ؛ لأنّ منشأ الكراهة إنّما هو وجود القذر مع احتمال العدم .

باب غسل الميّتالمشهور بين أهل العلم وجوب تغسيل كلّ ميّت مظهر للشهادتين ، إلّا ما حكم بكفره من الخوارج والغلاة والنواصب ، وكذا كفنه والصلاة عليه ودفنه . ويستفاد كلّ ذلك من الأخبار . وذهب جماعة من عظماء الأصحاب كالشيخين (2) والسيّد المرتضى (3) وابن إدريس (4) إلى عدم جواز شيء منها في مطلق المخالف ، حاملين للأخبار الدالّة على وجوبها فيهم على حال الضرورة للتقيّة. واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بأنّه محكوم عليه بالكفر في الأخبار المتكثّرة ، يعنى المتواترة معنىً . وقد أجمع أهل العلم على عدم جواز شيء منها في الكافر ، وهو قويّ . ثمّ المشهور بين الأصحاب وجوب ثلاثة أغسال : بماء السدر ، ثمّ بماء الكافور ، ثمّ بالقراح ، (5) والأخبار في ذلك مستفيضة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ أنّه سئل عن غسل الميّت ، فقال : «تبدأ فتطرح على سَوأته خرقة ، ثمّ تنضح على صدره وركبتيه من الماء ، ثمّ تبدأ فتغسل الرأس واللّحية بسدر حتّى تنقيه ، ثمّ تبدأ بشقّه الأيمن ، ثمّ بشقّه الأيسر ، وإن غسلت رأسه ولحيته بالخطمي (6) فلا بأس ، وتمرّ يدك على ظهره وبطنه بجرّة من ماء حتّى تفرغ منهما ، ثمّ بجرّة من كافور ، وتجعل في الجرّة من الكافور نصف حبّة ، ثمّ تغسل رأسه ولحيته ، ثمّ شقّه الأيمن ، ثمّ شقّه الأيسر ، وتمرّ يدك على جسده كلّه ، وتنصب رأسه ولحيته شيئاً ، ثمّ تمرّ يدك على بطنه فتعصره شيئاً حتّى يخرج من منخره ما خرج ، ويكون على يديك خرقة تنقّى بها دبره ، ثمّ ميّل برأسه شيئاً ، فتنفضه حتّى يخرج من منخره ما خرج ، ثمّ تغسله بجرّة من ماء القراح ، فذلك ثلاث جرار ، فإن زدت فلا بأس ، وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل» ، الحديث. (7) وستأتي تتمّته . وعن ابن حمزة استحباب هذا الترتيب . (8) وحكى الشهيد في الذكرى (9) عن سلّار أنّه اجتزأ بالقراح ؛ (10) مستندا بالأصل ، وبقوله عليه السلام وقد سئل عن الميّت يموت وهو جنب _ : «يغسل غسلاً واحدا». (11) وأجاب عنه بأنّ الأصل إنّما يعتبر إذا لم يثبت خلافه بدليل . والمراد بالوحدة في الخبر عدم تعدّد الغسل بسبب الجنابة والموت . فإن قيل : يدلّ عليه قوله عليه السلام : «حدّ غسل الميّت يغسل حتّى يطهر» فيما يرويه المصنّف في باب حدّ الماء الّذي يغسل به الميّت من مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار. (12) قلنا : هو ممنوع؛ فإن الظاهر أنّه عليه السلام أراد أنّه لا حدّ للماء في كلّ غسلة من الغسلات ، بل المعتبر أن يغسل به أعضاؤه في كلّ منها . ويظهر من العزيز وفاق العامّة على كفاية غسلة واحدة بالقراح ، واستحباب الخليط فيها من السدر والخطمي والكافور ، واستحباب ما زاد على واحدة وترا ، فقد قال في كيفيّة غسله : والكلام في الأقل والأكمل ، أمّا الأقل فلابدّ من استيعاب البدن بالغسل مرّة بعد أن تزال ما عليه من النجاسة إن كانت عليه نجاسة إلى قوله _ : وهذه الغسلة يكون بالماء والسدر والخطمى تنظيفاً وإنقاءً له ، ويستحبّ أن تغسله ثلاثاً ، فإن لم يحصل النقاء والتنظيف زاد حتّى يحصل ، فإن حصل يشفع ، فالمستحبّ أن يزيد واحدة ويختم بالوتر . روي أنّه صلى الله عليه و آله قال لمغسّلات ابنته : «اغسلنّها ثلاثاً خمساً سبعاً» . (13) وهل يسقط الفرض بالغسلة الّتي فيها السدر والخطمي؟ ذكر في الكتاب فيه وجهين ، أحدهما : نعم ، ونسبه في النهاية إلى أبي إسحاق المروزي ؛ لأنّ المقصود من غسل الميّت التنظيف ، فالاستعانة بما يزيد في التنظيف ممّا لا يقدح، أظهرهما لا ؛ لأنّ التغيّر سالب للطهوريّة ، فأشبه ما لو استعمله الحيّ في غسله ووضوئه . (14) وحكى طاب ثراه عن أكثرهم القول بوجوب ثلاثة أغسال . وحكى أيضاً عن بعضهم قولاً باستحباب غسله؛ مستدلّاً بما رواه مسلم عن اُمّ عطية، قالت : دخل علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونحن نغسل ابنته ، فقال : «اغسلنّها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك»؛ (15) معلّلاً بأنّ تفويض الغسل إليهنّ يشعر باستحبابه. (16) وأجاب بأنّ هذا الاحتجاج إنّما يتمّ لو رجع الشرط إلى الغسل وليس كذلك، بل هو راجع إلى العدد. فروع: الأوّل : ذهب الأصحاب إلى أنّ غسله لنجاسته . ونقل طاب ثراه عن الآبي أنّه قال في كتاب إكمال الإكمال : «المشهور والأصحّ أنّ الميّت طاهر، (17) لكن يجب غسله بالمطلق تعبّدا »، ونقل فيه عن بعضهم أنّه علّله بأنّ الغسل لو كان لنجاسته لما طهّره الغسل ، بل يزيده تنجيساً ؛ لأنّ الذات النجسة لا يطهّرها الماء، وهو كما ترى . وربّما قالوا : إنّ غسله للقاء الملكين في القبر ، وفرّع عليه بعضهم جواز تغسيله بماء الورد إن لم يكن صرفاً . (18) الثاني: المشهور بين الأصحاب أنّه عبادة موقوفة على النيّة كسائر الأغسال ، (19) ورجّحه الشهيد في الذكرى ، (20) وادّعى الشيخ في الخلاف إجماع الأصحاب عليه . (21) ونُقل عن السيّد المرتضى أنّه صرّح بعدم وجوب النيّة فيه؛ (22) معلّلاً بأنّه تطهير للميّت من نجاسة الموت ، فكان كغسل الثوب . ويؤيّده ما ورد من تغسيل الكافر والكافرة للمسلم والمسلمة فيما إذا فقد المجانس، إلّا أن يقال : تعتبر النيّة حينئذٍ من الآمر . وتردّد فيه المحقّق في المعتبر ، (23) وهو في محلّه . وقد ذكر الوجهان في [فتح] العزيز ، (24) وفرّع عليهما ما لو غسل الكافر مسلماً، وما لو غرق إنسان ثمّ لفظه الماء ، وهذا الأخير مبني على ما زعموا من إجزاء غسل واحد . وفي الذكرى : ولو قال سلّار بعدم وجوب النيّة أمكن الإجزاء عنده إذا علم موته قبل خروجه من الماء ؛ لحصول الغرض من تنظيفه ، كالثوب النجس يلقيه الريح في الماء . (25) وعلى اعتبارها فالظاهر إجزاء واحدة للثلاثة ؛ لكونها فعلاً واحدا . وربّما قيل بتعدّدها على حسب تعدّد تلك جعلاً لها أفعالاً ثلاثة . الثالث : إذا فقد السدر والكافور فالمشهور بين الأصحاب وجوب الغسل بالقراح بدل الفاقد ، (26) معلّلين باستلزام وجوب المقيّد وجوب المطلق مع فقد القيد ؛ لاستتباع وجوب المركّب وجوب أجزائه . واُورد عليه بأنّ المتحقّق في ضمني المقيّد إنّما هو حصّته من المطلق مقوّمة له لا نفس الميتة ، ولذلك قال العلّامة في القواعد : «وفي عدد غسله حينئذٍ إشكال ». (27) قوله في حسنة الحلبي : (فخذ خرقة نظيفة) إلخ. [ح 1 / 4332] المشهور استحباب ذلك الأخذ ، واحتمل في الذكرى وجوبه ، معلّلاً بأنّ المسّ كالنظر ، بل هو أقوى ، قال : «ومن ثمّ نشر حرمة المصاهرة دون النظر ». (28) وفيه تأمّل . ولا يجب ذلك لباقي بدنه قطعاً ، وهل يستحبّ؟ ظاهر الأصحاب عدمه ، ولكنّ إطلاق قوله عليه السلام : «أحبّ لمن غسل الميّت أن يلفّ على يده الخرقه حين يغسله» في خبر ابن مسكان (29) يقتضيه ، وإنّما قيّدوه بالعورتين ؛ لما قيّد بهما في غيره . والمراد بالحنوط هنا الذريرة . قوله في صحيحة ابن مسكان : (وذريرة إن كانت) . [ح 2 / 4333] هي على ما قاله المفيد قدس سره في المقنعة _ : «هو الطيب المعروف بالقمحة ». (30) وأظنّ أنّها النبات الّذي يجاء به من الهند ، يجعل في الأمتعة لحفظها من الدود ، وأنّ الغرض من تحنيط الميّت بها حفظه من الديدان. وفي الذكرى قال : الشيخ في التبيان : «هي فتات (31) قصب الطيب ، وهو قصب يجاء به من الهند كأنّه قصب النشّاب ». (32) وقال في المبسوط والنهاية : «يعرف بالقمحة» (33) بضمّ القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة ، أو بفتح القاف والتخفيف كواحدة القمح ، وسمّاها به أيضاً الجعفي . وقال الصغاني : (34) «هي فعيلة بمعنى مفعولة ، وهي: ما يذرّ على الشيء وقصب الذريرة دواء يجلب من الهند ، وباليمن يجعلون أخلاطاً من الطيب يسمّونها الذريرة». وقال المسعودي : 35 «من الأفاوية الخمسة والعشرين : قصب الذريرة والورس والسّليخة واللاذن والزباد والأفاوية ، وما يعالج به الطبيب كالتوابل للطعام ، وعدّ اُصول الطيب خمسة : المسك والكافور والعود والعنبر والزعفران ». (35) وابن إدريس قال : «هي نبات طيّب غير الطيب المعهود يسمّى القمحان» بالضمّ والتشديد _ ، ثمّ استشهد بقول الأصمعي : «يقال للّذي يعلو الخمر مثل الذريرة القمحان »، (36) وأنشد فيه شعرا : (37) إذا فُصت خواتمه علاهيَبيسُ القُمّحان من المُدام وليس فيهما صراحة بالمطلوب ، ولا في كلامه تعيين له . قال في المعتبر : «وهو خلاف المعروف بين العلماء ، بل هي الطيب المسحوق ». (38) وقال الراوندي : «قيل : إنّها حبوب تشبه حبّ الحنطة الّتي تسمّى بالقمح تدقّ تلك الحبوب كالدقيق لها ريح طيّب». قال : «وقيل : الذريرة هي الورد والسنبل والقرنفل والقُسط والأشنة وكلّها نبات ، ويجعل فيها اللاذن ، ويُدقّ جميع ذلك ». إلى هنا كلام الشهيد أعلى اللّه مقامه . (39) وإضافتها إلى الكافور من باب الاستحباب ، ويشعر به الشرط . والظاهر عدم اشتراط بقاء إطلاق الماء مع خليطين؛ لإطلاق الأخبار ، بل ظهور بعضها في ذلك ، فقد روى الصدوق : أنّ جبرئيل عليه السلام أتي النبيّ صلى الله عليه و آله باُوقية كافور من الجنّة، والاُوقية أربعون درهماً ، فجعلها النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أثلاث ، ثلثاً له ، وثلثاً لعليّ عليه السلام ، وثلثاً لفاطمة عليهاالسلام ، (40) والظاهر أنّ كلّاً من هذه الأثلاث للغسل والحنوط جميعاً ، لا للحنوط فقط . وقدّر المفيد في المقنعة السدر برطل (41) ونحوهما ، وهذان المقداران من الخليطين يوهمان الإضافة . على أنّهم اعتبروا ترغيتهما وهي مستلزمة لها ، فالمطهّر على هذا إنّما هو القراح ، والغسلان الأوّلان إنّما يكونان لتنظيف الجسد وحفظه من الهوام . وقال جماعة منهم العلّامة _ : إنّ الغرض منهما أيضاً التطهير ، (42) فاشترطوا بقاء إطلاق الماء ، وكأنّه لذلك خصّ المفيد في المقنعة (43) وجماعة من عظماء الأصحاب الأثلاث المرويّة بالحنوط ، فتأمّل . وأمّا القراح فظاهر الأكثر اشتراط خلّوه من الخليطين ؛ لظاهر الاسم على ما نقل عن بعض أرباب اللغة أنّه الّذي لا يشوبه شيء . (44) وربّما قيل : إنّما يعتبر فيه الإطلاق ، وعلى هذا فامتيازه عن الغسلين الأوّلين اعتبار الخليط فيهما وعدم اعتباره فيه لا اعتبار عدمه. هذا ، ويدلّ الخبر على رجحان التغسيل من وراء القميص مطلقاً ، وقد ورد الأمر به في بعض الأخبار ، وهو محمول على تأكّد الاستحباب ، والظاهر عدم الحاجة إلى عصر القميص كما في الخرقة الساترة لعورته . قوله في خبر الحلبي : (كتب في وصيّته أن اُكفّنه في ثلاثة أثواب) إلخ . [ح 3 / 4334] ومثله ما يرويه المصنّف في الباب الآتي من حسنة الحلبي ، (45) والحِبَرَة وزان عنبة _ : ثوب يماني من قطن أو كتّان مخطّط ، (46) يقال : «بردٌ حبرةٌ» على الوصف ، و «بردُ حبرةٍ» على الإضافة . والمراد من شقّ الأرض حفره واسعاً من غير لحد ، وإنّما حُفِر قبره عليه السلام كذلك ؛ لكونه جسيماً سميناً شقّ دفنه ملحودا . وفي القاموس : «بَدَن الرجل بالفتح فهو يَبدُن بدناً ، إذا ضخم ، وكذلك بَدُن بالضمّ يبدن بدانة فهو بادنٌ وامرأةٌ بادنٌ أيضاً ». (47) [قوله] في خبر الكاهلي : (وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات بماء الكافور والحرض) . [ح 4 / 4335] كذا في النسخ المصحّحة الّتي رأيناها ، وفي التهذيب بعد قوله ثلاث غسلات _ : «ثمّ ردّه على قفاه ، فابدأ بفرجة بماء الكافور ، فاصنع كما صنعت أوّل مرّة اغسله ثلاث غسلات بماء الكافور» ، (48) وهو الصواب . [قوله] في خبر يونس : (واغسل الأجانة) إلخ. [ح 5 / 4336] ظاهره عدم جواز كون ماء الكافور مخلوطاً بماء السدر ، وكذا ظاهر قوله عليه السلام : «ثمّ اغسل يدك إلى المرفقين والآنية» عدم جواز الخليط في ماء القراح . وقال طاب ثراه : الحقو بكسر الحاء المهملة لهذيل وبفتحها لغيرها ، وهو معقد الأزار ، وكثيرا مّا يطلق على الإزار مجازا ؛ لأنّه عليه كما نقله الآبي في كتاب إكمال الإكمال عن بعضهم . والظاهر من الصحاح أنّ ذلك على الحقيقة . (49) والغرز مصدر غرز عودا في الأرض ، إذا أدخله فيها وثبّته ، ومنه الغرز : ركاب الرحل . (50)

.


1- . راجع: مواهب الجليل، ج 3 ، ص 22.
2- . مال إليه المفيد في المقنعة، ص 85 ؛ و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 335 .
3- . لم أعثر عليه.
4- . السرائر، ج 1، ص 356 ، فيمن يجب الصلاة عليهم. و من القائلين بعدم الجواز أبوالصلاح الحلبي في الكافي، ص 157.
5- . اُنظر: الهداية، ص 108؛ أحكام النساء، ص 60؛ المقنعة، ص 76 77؛ رسائل المرتضى، ج 3 ، ص 50 ؛ المراسم، ص 49 ؛ الاقتصاد، ص 248؛ الخلاف، ج 1، ص 694؛ الرسائل العشر للطوسى، ص 165؛ المبسوط، ج 1، ص 178؛ النهاية، ص 34 ؛ مصباح المتهجّد، ص 18 19؛ المهذّب، ج 1، ص 58 59 ؛ غنية النزوع، ص 101، المختصر النافع، ص 12؛ المعتبر، ج 1، ص 265؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 31 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 108؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 230؛ تبصرة المتعلّمين، ص 26؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 114؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 351 ؛ و...
6- . الخطمي : ورق نبات يغسل به الرأى . الصحاح ، ج 5 ، ص 1915 (خطم) .
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 305، ح 887؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 484 485، ح 2703.
8- . الوسيلة، ص 64.
9- . الذكرى، ج 1، ص 334 .
10- . المراسم، ص 47.
11- . الكافي، باب الميّت يموت و هو جنب أو حائض أو نفساء، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1384؛ الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 680؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 539 ، ح 2850.
12- . هو الحديث 3 من الباب المذكور؛ وسائل الشيعة ج 2، ص 536 ، ح 2843.
13- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 114 121.
14- . مسند أحمد، ج 5 ، ص 84 و 85 ؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 74 باب في الجنائز؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 47 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 468، ح 1458، و فيه بدل «أو سبعا» : «أو أكثر من ذلك» . و مثله في سنن الترمذي، ج 2، ص 229، ح 995؛ و سنن النسائي ج 4، ص 28 29 و 31 ، و في رواية منها مثل المتن، و ص 32 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 618، ح 2014 و 2013؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 389 ؛ و ج 4، ص 4. و في الموردين: «أو أكثر من ذلك» بدل «سبعا» . و مثله في مسند الحميدي، ج 1، ص 175، ح 360 ؛ و المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 129، ما قالوا في الميّت كم يغسل مرّة، و ما يجعل في الماء ممّا يغسل به، ح 1، و نحوه في ح 2؛ و مسند ابن راهويه، ج 5 ، ص 208، ح 2337؛ و صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 302 ، و في رواية منه مثل المتن.
15- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 47، باب في غسل الميّت.
16- . لم أعثر على القائل باستحباب أصل الغسل، و الاستحباب في كلامهم راجع إلى العدد . راجع: المجموع للنووي، ج 5 ، ص 188؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 41 42 ؛ فتح الباري، ج 3 ، ص 103 104؛ عون المعبود، ج 8 ، ص 289.
17- . اُنظر: مواهب الجليل، ج 1، ص 141. و لم أعثر على كلام الآبي.
18- . مواهب الجليل، ج 3 ، ص 3، نقلاً عن ابن شعبان.
19- . اُنظر: المعتبر، ج 1، ص 326؛ جامع الخلاف و الوفاق، ص 109؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 146؛ الكافي في الفقه، ص 134؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 13؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 368؛ مفتاح الكرامة، ج 3، ص 490.
20- . الذكرى، ج 1، ص 343 .
21- . الخلاف، ج 1، ص 702 703، المسألة 492 من كتاب الجنائز.
22- . نقل عنه الأردبيلي في مجمع الفائدة، ج 1، ص 182 . و حكي عنه في المدارك، ج 3 ، ص 81 بلفظ: «نقل عن المرتضى».
23- . المعتبر، ج 1، ص 265.
24- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 114.
25- . الذكرى، ج 1، ص 351 .
26- . اُنظر: تحرير الأحكام، ج 1 ص 115؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 353 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 225؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 230؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 224؛ رسائل الكركي، ج 1، ص 93؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 372 ؛ الدروس، ج 1، ص 105، درس 11؛ روض الجنان، ج 1، ص 270؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 86 ؛ مجمع الفائدة، ج 1، ص 184؛ كفاية الأحكام، ج 1، ص 34 .
27- . منتهى المطلب، ج 1، ص 430 (ط قديم) . و هذا الكلام منه لا من القواعد .
28- . الذكرى، ج 1، ص 350 . و صرّح بالوجوب البحراني في الحدائق الناضرة، ج 3 ، ص 462، و هو ظاهر المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 272 ، و ادّعى عليه الاجماع؛ و ابن بابويه في فقه الرضا عليه السلام ، ص 181.
29- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
30- . المقنعة، ص 75.
31- . كذا في الأصل . و في المصدر: «ذات» بدل «فتات»، و كلمة «هي» ليست فيه.
32- . التبيان، ج 1، ص 448، في تفسير الآية 25 من سورة البقرة.
33- . المبسوط، ج 1، ص 177؛ النهاية، ص 32 .
34- . في الأصل: «الصناعي» . و التصويب من المصدر، و هو أبو الفضائل رضي الدين الحسن بن محمّد بن الحسن بن حيدر القرشي الصغاني اللاهوري ، البغدادي، الحنفي، ولد بلاهور في سنة (557 ه) و نشأ بغزته، و رحل إلى بغداد و توفّي بها في سنة (650 ه) . من تصانيفه: التذكرة الفاخرة، درّ السحابة في بيان مواضيع وفيّات الصحابة، الذيل و الصلة لكتاب التكمله، الشوارد في اللغة، العباب الزاهد و اللباب الفاخر في اللغة، مجمع البحرين في اللغة، مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفويّة. راجع : سير أعلام النبلاء، ج 23، ص 282 283، الرقم 191؛ الأعلام، ج 2، ص 214؛ معجم المؤلّفين، ج 3 ، ص 279.
35- . مروج الذهب، ج 18 ص 194.
36- . السرائر، ج 1، ص 161.
37- . قائله النابغة الجعدي كما صرّح به ابن ادريس في السرائر، و الخليل في كتاب العين، ج 3 ، ص 55 .
38- . المعتبر، ج 1، ص 284، و في نقل العبارة هنا تقديم و تأخير.
39- . الذكرى، ج 1، ص 359 360 .
40- . الفقيه، ج 1، ص 149، ح 416 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 14، ح 2893.
41- . المقنعة، ص 74.
42- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 352 .
43- . المقنعة، ص 75.
44- . صحاح اللغة، ج 1، ص 396 (قرح) .
45- . هذا الحديث 7 من ذلك الباب.
46- . مجمع البحرين، ج 1، ص 444 (حبر) .
47- . صحاح اللغة، ج 5 ، ص 2077 (بدن) . و العبارة المنقولة من الصحاح لامن القاموس .
48- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 298 299، ح 873 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 481 482، ح 2698.
49- . صحاح اللغة، ج 6، ص 2617 (حقو) .
50- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 888 (غرز) .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

. .

ص: 130

. .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

. .

ص: 134

. .

ص: 135

باب تحنيط الميّت وتكفينه

باب تحنيط الميّت وتكفينهيستحبّ مسح مساجد الميّت السبعة بما تيسّر من الكافور وإلقاء فاضله على صدره ؛ للأخبار . وأضاف شيخنا المفيد إلى المساجد السبعة طرف الأنف الّذي كان يرغم به في السجود ، (1) وهو محكي في الذكرى عن ابن أبي عقيل ؛ (2) لشمول المساجد إيّاه ، وربّما قيل باستحباب تحنيط رأسه ولحيته وجميع مفاصله من قرنه إلى قدميه ؛ لخبر يونس، (3) وحسنة الحلبي ، (4) وما رواه الشيخ عن ابن مسكان، عن الكاهلي والحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يوضع الكافور من الميّت على موضع المساجد وعلى اللبّة (5) وباطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبّة». (6) وقال الصدوق باستحبابه في السمع والبصر والفم أيضا كالمفاصل . (7) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف أصنع بالحنوط؟ قال : «تضع في فيه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه». (8) وعن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام قال : «إذا جفّفت الميّت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلّها ، واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه» . وقال : «حنوط الرجل والمرأة سواء». (9) وقوله عليه السلام فيما سيأتي من موثق عمّار : «واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه» . (10) وقال الشيخ : «كلمة «في» هنا بمعنى على ؛ معلّلاً بأنّ حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، كما في قوله تعالى : «وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ» (11) »، (12) وهو أظهر للجمع بينها وبين قوله عليه السلام في خبر يونس : «ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ومسامعه ولا على وجهه قطناً ولا كافورا» . (13) وفي خبر عثمان النوا : «ولا تمسّ مسامعه بكافور» . (14) وما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبداللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال : «لا تجعل في مسامع الميّت حنوطاً» . (15) ولذلك اشتهر كراهة تحنيط ما عدا المساجد السبعة والصدر . واختلفوا في تطييب الميّت وكفنه بغير الكافور والذريرة من أنواع الطيب، فالمشهور عندنا كراهته ؛ 16 لقول أمير المؤمنين عليه السلام : «ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور» ، (16) وقول الصادق عليه السلام «ولا تحنّط بمسك» فيما يرويه المصنّف في باب تجمير الكفن . (17) وحكى الشهيد في الذكرى عن الصدوق أنّه قال باستحبابه بالمسك ، (18) وهو ظاهره في الفقيه ، حيث روى فيه خبرين: أحدهما : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حنّط بمثقال من مسك سوى الكافور ، (19) وثانيهما : عن الهادي عليه السلام : أنّه سوّغ تقريب المسك والبخور إلى الميّت . (20) وفي بعض الأخبار الأمر بتجمير أكفانه بالعود ، ويأتي عن قريب ، وحملت في المشهور على التقيّة . ويؤيّده خبر داود بن سرحان . (21) ويكره تطييب النعش وتحنيطه مطلقاً ؛ لخبر السكوني . (22) وقد روى العامّة عن أبي بكر أنّه قال : «لا يجعل على الجنازة حنوط »، (23) وإنّما حمل النهي فيه على الكراهة لضعف الخبر ، وللجمع بينه وبين ما سنرويه عن غياث بن إبراهيم . (24) ولا فرق فيما ذكر بين الرجل والمرأة ؛ لعموم أكثر الأخبار، وخصوص خبر زرارة المتقدّم . وأمّا تكفينه فالمشهور بين الأصحاب وجوب ثلاثة أثواب فيه مطلقاً ، رجلاً كان أو امرأة ، مئزر وقميص وإزار ، بل ظاهر المعتبر إجماعهم عليه . (25) ويدلّ عليه خبر يونس ، (26) وما رويناه سابقاً في باب غسل الميّت عن الشيخ من موثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ أنّه سأل عن غسل الميّت ، فقال : «تبدأ إلى قوله _ وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل ، ثمّ تجفّفه بثوب نظيف ، ثمّ تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ، ثمّ تكفّنه ، تبدأ وتجعل على مقعدته شيئاً من القطن وذريرة ، وتضمّ فخذيه ضمّاً شديدا ، وجمّر ثيابه بثلاثة أعواد ، ثمّ تبدأ فتبسط اللفّافة طولاً ، ثمّ تذرّ عليها شيئاً من الذريرة ، ثمّ الإزار طولاً حتّى تغطّي الصدر والرجلين ، ثمّ الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثمّ القميص تشدّ الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتّى لا يظهر منه شيء ، واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه ، وأقلّ من الكافور ، واجعل على عينيه قطناً وفيه واُذنيه (27) شيئاً قليلاً ، ثمّ عمّمه وألق على وجهه ذريرة ، وليكن طرف العمامة متدلّياً على جانبه الأيسر قدر شبر ترمي بها على وجهه ، وليغتسل الّذي غسله، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسّل (28) . والكفن يكون بردا ، وإن لم يكن بردا فاجعله كلّه قطناً ، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا ». وقال : «تحتاج المرأة لقبلها قدر نصف منّ ». وقال : «التكفين أن تبدأ بالقميص ثمّ بالخرقة فوق القميص على إليتيه وفخذيه وعورته ، وتجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفاً وعرضها شبر ونصف ، ثمّ تشدّ الإزار أربعة ، ثمّ اللفّافة ، ثمّ العمامة ، (وتطرح فضل العمامة) (29) على وجهه ، وتجعل على كلّ ثوب شيئاً من الكافور ، وتطرح على كفنه ذريرة . وقال : إن كان في اللفافة خرق» . وقال : «الجرّة الاُولى الّتي يغسل بها الميّت بماء السدر ، والجرّة الثانية بماء الكافور، ويفتّ (30) فيها فتّاً قدر نصف حبّة ، والجرّة الثالثة بماء القراح». (31) وحملوا على هذه الثلاثةِ الثلاثةَ الأثواب فيما رواه المصنّف عن زيد الشحّام (32) وعن عبد اللّه بن سنان . (33) وفي الحسن عن الحلبي ، (34) وفي خبر الحلبي الّذي في الباب السابق، (35) وفيما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كُفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب: برد أحمر حبرة ، وثوبين أبيضين صحاريين». (36) وفي الموثق عن سماعة ، قال : سألته عمّا يكفّن به الميّت ، فقال : «ثلاثة أثواب ، وإنّما كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وثوب حبرة ، والصحارية تكون باليمامة ، وكفّن أبو جعفر عليه السلام في ثلاثة أثواب». (37) وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثوبين صحاريين وثوب يمنية عبريّ أو أظفار» . (38) وعن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامقال : «الكفن فريضة الرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنّة ، وأمّا النساء ففريضته خمسة أثواب». (39) وهو جمع وجيه ، ولا يبعد الجمع بالتخيير بين هذه الثلاثة الّتي هي مدلول الأخبار الأوّلة، وبين ثلاثة أثواب تامّة لفّافات ساترة لجميع الجسد كما دلّ عليه أكثر الأخبار الأخيرة، وبين لفّافتين وقميص كما هو ظاهر حسنة الحلبي، (40) وحسنة حمران بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت فالكفن؟ (41) قال : «تؤخذ خرقة وتشدّ بها سفله ، وتضمّ فخذيها به لتضمّ ما هناك ، وما تصنع من القطن أفضل ، ثمّ تكفّن بقميص ولفّافة وبرد يجمع فيه الكفن» . (42) وحكى صاحب المدارك (43) عن الشيخين (44) والمرتضى (45) والصدوق (46) تعيّن القميص ؛ لما ذكر ، ولوصيّة الباقر عليه السلام به ، (47) ثمّ حمله على الاستحباب مستندا برواية محمّد بن سهل، عن أبيه ، عن أبي الحسن (48) عليه السلام قال : قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال : «لا بأس به ، والقميص أحبّ إليّ». (49) ونُقِل عن سلّار أنّه قال بوجوب واحد واستحباب الثلاثة ، (50) ولعلّه استند بحسنة حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، (51) وسيأتي القول فيها ، وهو مذهب العامّة كافّة مع (52) أنّهم رووا عن عائشة أنّها قالت : «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب »، (53) وأنّه قال في الّذي وقصت (54) به راحلته : «كفّنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما» . 56 وظاهر الأمر الوجوب ، ووجوبهما يستلزم وجوب الثلاثة، بضميمة الإجماع المركّب . ثمّ إن كان القميص جديدا لا يجعل له كُمّ ولا زَرّ ، وإن كان لبيساً لا يقطع منه إلّا الإزرار، ولا بأس في كمّه ؛ لصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص أعدّه لكفني ، فبعث إليّ ، فقلت : كيف أصنع؟ قال : «انزع إزراره» . (55) وخبر محمّد بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت : الرجل يكون له القميص ، أيكفّن فيه ؟ فقال : «اقطع إزراره» قلت : وكمّه؟ قال : «لا ، إنّما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كمّاً ، فأمّا إذا كان ثوباً لبيساً فلا يقطع منه إلّا الإزرار» . (56) واعلم أنّه قد اشتهر بين الأصحاب أن يُزاد على ما ذكر من الأثواب الثلاثة حبرة مطلقاً على ما هو ظاهر الأكثر ، (57) وخصّها العلّامة في الإرشاد (58) بالرجل ، وعوّضها في النساء بالنِمَط ، وهي بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحّدة : ثوب يمنيّ من التحبير ، وهو التحسين والرهن . واحتجّوا عليه بما ذكر من الأخبار الواردة في الحبرة . وقال صاحب المدارك : «وأنت خبير بأن هذه الروايات إنّما تدلّ على استحباب كون الحبرة إحدى الأثواب الثلاثة ، لا على استحباب جعلها زيادة على الثلاثة كما ذكره المتأخّرون . وبما ذكرناه صرّح ابن أبي عقيل في كتابه المتمسّك على ما نقل عنه ، فإنّه قال : «السنّة في اللفّافة أن تكون حبرة ، فإن أعوزهم فثوب بياض ». (59) وقريب منه عبارة أبي الصلاح ، فإنّه قال : «الأفضل أن يكون اللافّ (60) ثلاثاً إحداهنّ حبرة ، يمانيّة ، وهذا هو المعتمد ». (61) انتهى . (62) واشترطوا في الحبرة أن لا يكون حريرا محضاً ، ولا مطرّزة بالذهب ، أمّا الأوّل فمبني على عدم جواز التكفين في الحرير مطلقاً رجلاً كان الميّت أو امرأة . واستدلّ له بمفهوم ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن راشد ، قال : سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قزّ وقطن ، هل يصلح أن يكفّن فيه الموتى؟ قال : «إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس» . (63) ويدلّ أيضاً عليه خبر عبد الملك ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئاً ، فقضى ببعضه حاجته وبقى بعضه في يده ، هل يصلح بيعه؟ قال : «يبيع ما أراد ، ويهب ما لم يرد ، ويستنفع به ، ويطلب بركته» قلت : أيكفّن به الميت؟ قال : «لا». (64) بناءً على ما هو الظاهر من أن علّة المنع كونه حريرا . ونقل عن العلّامة أنّه ذهب في نهايته إلى جوازه في المرأة؛ مستندا بإباحته لها في حياتها . (65) وأمّا الثاني فلم أقف فيه على نصّ ، ولا يجوز حمله على الحيّ ؛ لبطلان القياس . على أنّه لو تمّ لما دلّ على تحريمه في المرأة . وعلّله الشهيد في الذكرى بأنّه إتلاف مالٍ غير مأذون فيه . (66) وفيه : للأمر بإجادة الكفن الشاملة لذلك ، فقد روى عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أجيدوا أكفانكم» . (67) وعن يونس بن يعقوب ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إنّ أبي أوصاني عند الموت : يا جعفر ، كفّني في ثوب كذا وكذا ، وثوب كذا وكذا ، واشتر لي بردا واحدا وعمامةً وأجِدهما ، فإنّ الموتى يتباهون بأكفانهم» . (68) وعن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «تنوّقوا في الأكفان ، فإنّكم تبعثون بها» . (69) وعن يونس بن يعقوب، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «أنا كفّنت أبي في ثوبين شطويين (70) كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قميصه ، وفي عمامة كانت لعليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار» . (71) ويظهر من بعض ما أشير إليه من الأخبار ، أنّ الأفضل كونها حمراء ، ويؤكّدها صحيحة أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب : برد حبرة أحمر ، (72) وثوبين أبيضين صحاريين» . وقال : «إنّ الحسن بن عليّ عليهماالسلامكفّن اُسامة بن زيد في برد أحمر حبرة ، وإنّ عليّاً عليه السلام كفّن سهل بن حنيف ببرد أحمر حبرة» . (73) ولم أر تصريحاً به من الأصحاب ، وإنّما نسبه في الذكرى إلى ظاهر الأخبار ، (74) ولا بعد فيه ، وإن كان الأفضل في الكفن غيرها البيض على ما يستفاد من بعض ما ذكر من الأخبار . ويدلّ عليه صريحاً خبر جابر، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ليس من لباسكم شيء أحسن من البياض ، فالبسوه وكفّنوا فيه موتاكم ». (75) والعمامة والخرقة للفخذين لا تعدّان من الكفن ، كما وقع به التصريح في بعض الأخبار . قوله في خبر يونس : (غير مكفوف) إلخ. [ح 1 / 4338] في القاموس كُفَّة القميص بالضمّ _ : ما استدار حول الذيل . (76) وجعل إحدى الجريدتين بين الركبتين على ما دلّ عليه الخبر جائز ، وإن كان الأفضل ما هو المشهور . قوله في خبر زيد الشحام : (ثوبين صحاريين وبرد حبرة) . [ح 2 / 4339] صحاري بالمهملتين : قصبه ببلاد عمّان على ما في بعض كتب اللّغة ، (77) ويظهر من بعض ما سبق من الأخبار أنّ الصحارية تكون باليمامة، ولعلّهما متغايرتان . والبرد بالضمّ : ثوب مخطّط ، (78) والحبرة : برد يماني . (79) قوله : (عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عثمان ، عن حريز) . [ح 5 / 4342] كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها : حمّاد بن عيسى ، وهو الصواب بناءً على ما ذكر في منتقى الجمان : أنّه ذكر العلّامة في الخلاصة «أنّ جماعة يغلطون في الإسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حمّاد بن عيسى ، فيتوهّمون حمّاد بن عثمان ، وإبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان » (80) ، ونبّه على هذا غير العلّامة أيضاً من أصحاب الرجال ، (81) والاعتبار شاهد [به] ، ويزيد وجه الغلط في خصوص هذا السند أنّ حمّاد بن عيسى لم يعهد له رواية عن حريز ، بل المعهود رواية حمّاد بن عيسى عنه . (82) قوله في حسنة حريز : (إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تامّ) إلخ ، [ح 5 / 4342] يدلّ على ما نقلناه عن سلّار، وحملت على الضرورة . وفي بعض النسخ وقع العطف بالواو ، فيحتمل أن يكون قوله : «وثوب تامّ» بياناً لأحد من الأثواب الثلاثة ، أي إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب منها يجب أن يكون تامّاً ، والمراد بالتمام ستره لجميع الجسد . ولعلّ المراد بالخمسة الأثواب؛ الثلاثة المذكورة، والعمامة، وخرقة الفخذين ، وعدّتا من الكفن مجازا . قوله في خبر عثمان النوا : (عِمَّة الأعرابي) . [ح 8 / 4345] هي التي لا حنك لها ، (83) والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «خذ حدّ العمامة» ، إلخ تفسير للحنك ، وأنّه إخراج طرفي العمامة من خلف الرأس وإرسالهما من تحت الحنكين إلى الصدر ، لا إداراة طرفٍ من العمامة تحت الحنكين جميعاً كما هو الشائع في بلادنا . ثمّ الظاهر التخيير بين إلقاء فاضل العمامة على صدره ، كما ورد في هذا الخبر في الكتاب ، وفي بعض نسخ التهذيب ، (84) وفي خبر يونس (85) ويدلّ أيضاً عليه خبر معاوية بن وهب (86) على ما في الكتاب . أو على ظهره بناءً على وروده في هذا الخبر في بعض نسخ التهذيب بدلاً عن الصدر ، وقد رواه بهذا السند بعينه ، وشيوع هذه الطريقة أيضاً في التحنيك عند أهل المدينة. أو على وجهه ؛ لما تقدّم في موثّق عمّار . (87) ويدلّ أيضاً عليه خبر معاوية بن وهب، وصحيحة عبد اللّه بن سنان على ما ورد في بعض نسخ التهذيب من وقوع وجهه بدلاً عن صدره في الأوّل ، (88) وعن رجليه في الثاني. (89) وأمّا الرِجلان في الصحيحة المشار إليها في الكتاب فلعلّهما من سهو النسّاخ ، (90) هذا حكم التحنيك في الميّت . وأمّا في الحيّ فالظاهر التخيير بين الطريقة الاُولى وإلقاء طرفيها على الظهر ، وإخراج أحد طرفيها من تحت إحدى الحنكين وإرساله على الصدر ، وإرسال الطرف الآخر على الظهر ، لأنّ أهل المدينة الّذين هم أعرف بقواعد السنّة من غيرهم يفعلونه بإحدى تلك الطرق . ويؤيّده فعل الرضا عليه السلام الطريقة الثالثة عند خروجه إلى صلاة العيد وقد أخبر أنّه يخرج كما خرج النبيّ صلى الله عليه و آله . (91) قوله في خبر داود بن سرحان : (فاصنع كما يصنع الناس) . [ح 13 / 4350] حيث يطيّبون الميّت وكفنه بالمسك وغيره من أنواع الطيب .

.


1- . المقنعة، ص 78.
2- . الذكرى، ج 1، ص 357 . و حكاه عنه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 390 391 .
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
4- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
5- . اللبّة: المنحر. صحاح اللغة، ج 1، ص 217 (لبب).
6- . الاستبصار، ج 1، ص 212، ح 747؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 307 308 ، ح 892 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 37 ، ح 3964 .
7- . الفقيه، ج 1، ص 149، ذيل ح 416.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 307 ، ح 891 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 212، ح 749؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 37 ، ح 2962. و كان في الأصل: «كيف يصنع» بدل «كيف أصنع»، و «يديه» بدل «بدنه»، فصوّبناه حسب المصادر.
9- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 436، ح 1043؛ الاستبصار، ج 1، ص 213، ح 750؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 37 38 ، ح 2965.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 305 306 ، ح 887 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 33 ، ح 2955.
11- . طه (20) : 71 .
12- . الاستبصار، ج 1، ص 212، ذيل ح 749.
13- . هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
14- . هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي. و رواه الشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 1، ص 205، ح 722 ؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 309 310 ، ح 899 ؛ و ص 445، ح 1441؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 497، ح 2740؛ و ج 3 ، ص 36 ، ح 2961.
15- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 308 ، ح 893 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 212، ح 748 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 37 ، ح 2963.
16- . الكافي، باب كراهيّة تجمير الكفن، ج 3 ، ص 147، ح 3 ؛ الخصال، ص 618، حديث أربعمائة، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 395 ، ح 863 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 209، ح 735؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 18، ح 2908.
17- . هذا هو الحديث 2 من ذلك الباب من الكافي .
18- . الذكرى، ج 1، ص 357 .
19- . الفقيه، ج 1، ص 152، ح 420 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 19، ح 2913.
20- . الفقيه، ج 1، ص 153؛ ح 424 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 19، ح 2912.
21- . هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي.
22- . هو الحديث 16 من هذا الباب من الكافي.
23- . لم أعثر عليه.
24- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 395 ، ح 865 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 210، ح 739؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 20، ح 2917 و ص 38 39 ، ح 2968.
25- . المعتبر، ج 1، ص 279، حيث قال : «هذا مذهب فقهائنا أجمع خلا سلّار ؛ فإنّه اقتصر على ثوب واحد ومازاد مستحبّ».
26- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
27- . في هامش الأصل: «ارنبته خ ل».
28- . في حاشية «ألف» : «هذا أمر خلاف المشهور ، ولعلّه للاستحباب» .
29- . ما بين القوسين ليس في المصدر، و موجود في وسائل الشيعة.
30- . في المصدر «يفتّ» بدون الواو.
31- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 305 306 ، ح 887 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 484 485، ح 2703 (وفيه فقرات من الحديث)؛ و ج 3 ، ص 33 34 ، ح 2955 (وفيه أيضا فقرات منه) .
32- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي.
33- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي.
34- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي.
35- . هو ح 3 من الباب المذكور.
36- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 296، ح 869 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 7، ح 2869.
37- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 291، ح 850 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 7 8 ، ح 2872.
38- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 292، ح 853 ؛ وسائل الشيعة، ح 3 ، ص 7، ح 2870، و في المصدر: «يمنة» بدل «يمنيّة»، و قال : «و الصحيح عندي من ظفّار، و هما بلدان».
39- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 291، ح 851 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 8 ، ح 2873.
40- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي.
41- . في الأصل: «في الكفن»، و التصويب من المصادر.
42- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 447، ح 1445؛ الاستبصار، ج 1، ص 205، ح 723؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 34 ، ح 2956.
43- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 94.
44- . قاله المفيد في المقنعة، ص 75؛ و الطوسي في النهاية، ص 131؛ و المبسوط، ج 1، ص 176؛ و الخلاف، ج 1، ص 701.
45- . قاله في المصباح على مافي المعتبر، ج 1، ص 297. و انظر : رسائل المرتضى، ج 3 ، ص 50 .
46- . المقنع، ص 58 ؛ الفقيه، ج 1، ص 152، بعد ح 418.
47- . الكافي، باب غسل الميّت، ح 3 و 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 293، ح 857 ؛ و ص 300 ، ح 876 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 9، ح 2876؛ و ص 10، ح 2880.
48- . في الأصل: «أبى عبداللّه ». و التصويب من المدارك و مصادر الحديث.
49- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 292 293، ح 855 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 7، ح 2871.
50- . المراسم، ص 47.
51- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي.
52- . اُنظر: الاُمّ، ج 1، ص 303؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 337؛ الثمر الداني، ص 270؛ حواشي الشرواني و العبادي على تحفة المحتاج، ج 3، ص 115؛ المجموع للنووي، ج 5، ص 191 192؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 72.
53- . مسند أحمد، ج 6، ص 93؛ و 165؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 49 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 69، سنن النسائي، ج 4، ص 36 ؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 4، ص 262، ح 7116؛ و كتاب الوفاة له أيضا، ص 70؛ مسند أبييعلى، ج 7، ص 367 ، ح 4402 ؛ مسند عائشة لعبداللّه بن سليمان السجستاني، ص 90؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج 2، ص 102، ح 182؛ و ج 8 ، ص 236؛ مسند الطيالسي، ص 205؛ مسند ابن راهويه، ج 2، ص 265 و 266، ح 770 _ 772؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 436، ح 1507؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 399 و 400.
54- . وَقَصَت الناقة براكبها وَقْصا ، من باب وَعَد : رمت به ، فدّقت عنقه . المصباح المنير ، ص 667 (وقص) .
55- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 304 305 ، ح 885 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 50 51 ، ح 3000 . و مثله في ص 12، ح 2887 عن رجال الكشّي، ج 2، ص 514 ، ح 450.
56- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 305 ، ح 886 ؛ الفقيه، ج 1، ص 147، ح 415 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 51 ، ح 3001 .
57- . اُنظر: الاقتصاد للشيخ الطوسي، ص 248؛ الرسائل العشر له أيضا، ص 166، الخلاف، ج 1، ص 701؛ المبسوط، ج 1، ص 177، النهاية، ص 31 ؛ مصباح المتهجّد، ص 18، المهذّب لابن برّاج، ج 1، ص 60، نهاية الإحكام، ج 2، ص 244؛ الدروس، ج 1، ص 108، درس 12، الجامع للشرائع، ص 53 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 110؛ الرسائل العشر لابن فهد الحلّي، ص 50 ؛ الرسائل العشر للمحقّق الحلّي، ص 338 .
58- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 231. و الاختصاص للرجل مذكورة أيضا في: السرائر، ج 1، ص 160؛ و شرائع الإسلام، ج 1، ص 32 ؛ و المختصر النافع، ص 13؛ و تبصرة المتعلّمين، ص 27؛ و المعتبر، ج 1، ص 282؛ و تحرير الأحكام، ج 1، ص 119، و قواعد الأحكام، ج 1، ص 226؛ و مختلف الشيعة، ج 1، ص 399 ؛ و الوسيلة، ص 65.
59- . حكاه عنه الشهيد في الذكرى، ج 1، ص 365 ، و لم يسمّ الكتاب؛ و السبزواري في ذخيرة المعاد، ج 1، ص 87 ، و صرّح باسم الكتاب.
60- . كذا في الأصل . و في المصدر: «الملاف»، و لعلّ الصحيح: «اللفاف».
61- . الكافي في الفقه، ص 237.
62- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 100 101.
63- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 435، ح 1396؛ الاستبصار، ج 1، ص 211، ح 744 و رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 149، باب ما يستحبّ من الثياب للكفن و ما يكره، ح 12؛ و الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 147، ح 412 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 45، ح 2986.
64- . الكافي، ج 3، ص 148، باب ما يستحبّ من الثياب و مايكره، ح 5 ؛ الفقيه، ج 1، ص 147، ح 413 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 434، ح 1391؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 44، ح 2983.
65- . نهاية الإحكام، ج 2، ص 242 ؛ فإنّه قال أوّلاً بتحريم الحرير للرجل و المرأة، ثمّ احتمل حلّيته للمرأة فقال : «و يحتمل عندي كراهة ذلك للمرأة؛ لإباحته لها في الحياة».
66- . الذكرى، ج 1، ص 361 ، و التعليل لهما معا لا لخصوص المطرّزة بالذهب.
67- . لم أعثر على الحديث بهذا اللفظ، و ورد بلفظ: «أجيدوا أكفان موتاكم» عن الإمام الصادق عليه السلام في: الكافي، ج 3، ص 148، باب ما يستحبّ من الثياب للكفن و ما يكره، ح 1؛ ثواب الأعمال، ص 197، ثواب إجادة الأكفان؛ علل الشرائع، ج 1، ص 301 ، الباب 241، ح 1؛ الفقيه، ج 1، ص 146، ح 409 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 39 ، ح 2971.
68- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 449، ح 1453؛ علل الشرائع، ج 1، ص 301 ، الباب 241، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 39 ، ح 2969.
69- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 449، ح 1454؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 39 ، ح 2970 . و رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 149، باب ما يستحب من الثياب للكفن و ما يكره، ح 6؛ عن أبي خديجة، عن أبي عبداللّه عليه السلام ؛ و الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 146، ح 408 مرسلاً.
70- . الشطا : اسم قرية بناحية مصر ، تنسب إليها الثياب الشطويّة . شرح المازندراني، ج 7، ص 251.
71- . الكافي، ج 3، ص 149، باب ما يستحب من الثياب للكفن و ما يكره، ح 8 . و رواه أيضا في الكافي، ج 1، ص472، باب مولد أبي عبداللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام، ح 8 إلى قوله: «بأربعين دينارا»؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص434، ح 1393. الاستبصار، ج 1، ص 210 211، ح 742؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 10 11، ح 2881.
72- . كذا في الأصل. و في المصدر: «برد أحمر حبرة».
73- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 296، ح 869 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 7، ح 2869.
74- . الذكرى، ج 1، ص 361 .
75- . الكافي، ج 3، ص 148، باب ما يستحبّ من الثياب للكفن و ما يكره، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام، ح 1، ص 434، ح 1390؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 41 42، ح 2978.
76- . القاموس المحيط، ج 4، ص 66 (كفف) . ومثله في صحاح اللغة، ج 4، ص 1422 (كفف) .
77- . صحاح اللغة، ج 2، ص 709 (صحر) . و انظر: معجم البلدان، ج 3 ، ص 393 .
78- . القاموس المحيط، ج 1، ص 243 ؛ مجمع البحرين، ج 1، ص 180 (برد) .
79- . القاموس المحيط، ج 1، ص 573 (حبر) .
80- . خلاصة الأقوال، ص 443 444، الفائدة التاسعة.
81- . رجال ابن داود ، ص 307 ؛ جامع الرواة، ج 2، ص 467، الفائدة الخامسة.
82- . منتقى الجمال، ج 1، ص 261.
83- . المبسوط، ج 1، ص 179؛ الوسيلة، ص 67؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 20.
84- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 310 ، ح 899 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 37 _ 38 ، ح 2961.
85- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
86- . هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي.
87- . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 34 ، ح 2955.
88- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 293، ح 858 ؛ و ص 310 ، ح 900؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 9، ح 2879.
89- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 308 ، ح 894 .
90- . صرّح بذلك الشيخ حسن في منتقى الجمان، ج 1، ص 258.
91- . راجع: الكافي، ج 1، ص 488، باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام ، ح 7 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 161، الباب 40، ح 21 ؛ الإرشاد، ج 2، ص 264 265؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 453، ح 9844.

ص: 136

. .

ص: 137

. .

ص: 138

. .

ص: 139

. .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

. .

ص: 145

. .

ص: 146

. .

ص: 147

. .

ص: 148

باب تكفين المرأة

باب تكفين المرأةقد عرفت اشتراك المرأة مع الرجل في وجوب التكفين في ثلاثة أثواب ، وأنّه يستحبّ على المشهور زيادة حبرة لها أيضاً ، وقد صرّح بذلك جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى (1) والعلّامة أبدلها في الإرشاد فيها بالنمط ، (2) وجمع بينهما في المنتهى حيث ذكر أوّلاً استحباب الحبرة والعمامة في تكفين الرجل ، ثمّ قال : يستحبّ أن تزاد المرأة على كفن الرجل المستحبّ لفّافة لثدييها ونمطاً ، ويعوّض عن العمامة بقناع ، قاله الشيخ في أكثر كتبه ، فيكون المستحبّ للرجل من الكفن خمسة أثواب عدا العمامة ، وللمرأة سبعة . (3) والنمط على المشهور : «ثوب فيه خطط، مأخوذ من الأنماط ، وهي الطرائق »، (4) ولم أجد على استحبابه لها نصّاً . وقال صاحب المدارك استدلّوا عليه بصحيحة محمّد بن مسلم، مشيرا إلى ما رواه المصنّف (5) _ ، ثمّ قال : وليس فيها دلالة على المطلوب بوجه، فإنّ المراد بالدرع القميص، والمِنطق بكسر الميم _ : ما يشدّ به الوسط، ولعلّ المراد به هنا مايشدّ به الثديان، والخمار: القناع؛ لأنّه يخمّر به الرأس، وليس فيها ذكر النمط . (6)

.


1- . الذكرى، ج 1، ص 360 .
2- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 231.
3- . منتهى المطلب، ج 1، ص 438 (ط قديم) .
4- . اُنظر: المعتبر، ج 1، ص 286؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 12؛ الذكرى، ج 1، ص 364 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 384 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 104 105.
5- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
6- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 105.

ص: 149

باب كراهية تجمير الكفن وتسخين الماء

باب كراهية تجمير الكفن وتسخين الماءكراهية الأوّل مذهب أكثر الأصحاب؛ (1) للجمع بين ما رواه المصنّف وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة، لكن هو مشترك (2) _ ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «لا تقرّبوا موتاكم النار، يعني الدخنه»، (3) وبين صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس بدخنة كفن الميّت، وينبغي للمرء المسلم أن يدخّن ثيابه إذا يقدر»، (4) وخبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه صلوات اللّه عليه (5) : «أنّه كان يجمّر الميّت بالعود فيه المسك، وربّما جعل على النعش الحنوط، وربّما لم يجعله، وكان يكره أن يتبع الميّت بالمجمرة». (6) وذهب الصدوق إلى استحبابه، (7) وهو مذهب جمهور العامّة، (8) وكأنّه استدلّ له بخبر غياث. وفيه: أنّه مع غاية ضعفه ؛ لضعف سند الشيخ إليه، (9) وكونه بتريا (10) وإن وثّقه النجاشي، (11) يمكن حمله على التقيّة لو تمّ دلالته على الاستحباب. وأمّا صحيحة ابن سنان، فإنّما تدلّ على الجواز، بل ظاهرها الكراهة؛ كما هو ظاهر نفي البأس. والظاهر من المرء المسلم فيها الحي كما لا يخفى. وربّما استدلّ له بقياسه على الحيّ، واستفادوه من تلك الصحيحة، فتأمّل. وفي المنتهى: «ويمكن الجمع بين الروايات بالقول بكراهية (12) التجمير إذا لم يخف خروج شيء منه، وباستحبابه عند الخوف»، (13) وهو استحسان عقلي يشكل إثبات حكم شرعي به. وأمّا تسخين ماء غسله بالنار، فقد أجمعوا على كراهته في غير الضرورة، (14) وحملوا عليها النهي الوارد فيما رواه المصنّف، وفيما رواه الشيخ مرسلاً عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام قالا : «لا يقرب الميّت ماء حميما». (15) وفي موثّق أبان بن عثمان، عن زرارة، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «لا يسخّن الماء للميّت». (16) وعلّل أيضاً بأنّه مظنّة التطيّر (17) كما في اتّباع جنازته بالمجمرة، وقيل: إنّ العلّة فيه أنّه كان من فعل الجاهليّة تعاليا . (18)

.


1- . اُنظر: المختصر النافع، ص 13؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 231؛ تبصرة المتعلّمين، ص 28؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 16 17؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 123؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 441 (ط قديم) ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 249؛ البيان، ص 27 (ط قديم) ؛ روض الجنان، ج 1، ص 293؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 89 ؛ كفاية الأحكام، ج 1، ص 36 .
2- . مشترك بين الثمالي الثقة، و البطائني المجهول، لكنّ الظاهر أنّ الراوي عن أبى جعفر عليه السلام هو الثمالي . راجع ترجمتهما في معجم رجال الحديث.
3- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 295، ح 866 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 209، ح 737؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 20، ح 2915؛ و ص 158، ح 3282 .
4- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 295، ح 867 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 209 210، ح 738؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 20، ح 2916.
5- . في هامش «ألف» : «عليهما خ ل».
6- . تهذيب الأحكام، ج1، ص 295، ح 865 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 210، ح 739؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 38 _ 39، ح 2968.
7- . الفقيه، ج 1، ص 149 . و مثله في فقه الرضا عليه السلام ، ص 182 . و قال العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 17 بعد نقل الرواية الدالة على الجواز : «و نحن لانمنع منه».
8- . اُنظر: المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 187 188؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 328 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 340 ؛ المبسوط للسرخسى، ج 2، ص 59 60؛ مواهب الجليل، ج 3 ، ص 29 30 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 627 ؛ فتح الوهّاب ، ج 1 ، ص 164 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 339 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 307 .
9- . لأن في طريقه الأوّل أحمد بن محمّد الحسن و لم يوثّق، و الثاني مرسل و فيه الحسن بن عليّ اللؤلؤي و لم يوثّق. اُنظر آخر ترجمة غياث بن إبراهيم في معجم رجال الحديث.
10- . رجال الطوسي، ص 142، الرقم 1542؛ خلاصة الأقوال، ص 385 ؛ رجال ابن داود، ص 265، الرقم 387 .
11- . رجال النجاشي، ص 305 ، الرقم 833 . و وثّقه أيضا العلّامة في خلاصة الأقوال، ص 385 .
12- . في الأصل: «بالكراهية»، و التصويب من المصدر.
13- . منتهى المطلب، ج 1، ص 441 (ط قديم) .
14- . اُنظر: الخلاف، ج 1، ص 292، المسألة 470 ؛ السرائر، ج 1، ص 165؛ المعتبر، ج 1، ص 39 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 11 12 و 390 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 186؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 26؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 228؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 131؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 107؛ البيان، ص 47 (ط قديم)؛ مدارك الأحكام، ج 1، ص 118؛ فقه الرضا عليه السلام ، ص 167؛ المبسوط، ج 1، ص 177؛ النهاية، ص 33 ، و يمكن أن يستظهر من الثلاثة الأخيرة عدم الجواز.
15- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 322 323 ، ح 939؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 499، ح 2744.
16- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 322 ، ح 938؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 208، ح 533 .
17- . اُنظر: المعتبر، ج 1، ص 39 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 26.
18- . لم أعثر على قائله.

ص: 150

. .

ص: 151

باب ما يستحبّ من الثياب للكفن وما يكره

باب ما يستحبّ من الثياب للكفن وما يكرهأراد قدس سره بالكراهة المعنى الشامل للحرمة، واعلم أنّه يستحبّ في الكفن اُمور: الأوّل والثاني: أن يكون قطناً أبيض في غبر البُرد، فإنّه مستحبّ في الأحمر منه، مع أنّه ممزّج بالحرير، ويستفاد ذلك من بعض أخبار الباب وغيرها ممّا قد سبق، وما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ليس من ثيابكم شيء أحسن من البياض فالبسوه وكفّنوا فيه موتاكم». (1) وفي المنتهى: (2) «وروى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم وكفّنوا فيها موتاكم»، (3) وكفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب بيض». (4) والثالث: أن يكون جيّدا من أفخر ثيابه؛ لمرسلة ابن أبي عمير، (5) وخبر أبي خديجة، (6) ورواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، (7) وما رواه مسلم في صحيحة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر رجلاً من أصحابه قبض وكفّن في غير طائل، فقال : إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه». (8) ويكره فيه اُمور: أحدها: أن يكون أسود، وفي المنتهى: «لا نعرف فيه خلافاً». (9) وحمل عليها النهي عنه فيما رواه الشيخ عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يكفّن الميّت في السواد». (10) وعن الحسين بن المختار، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يحرم الرجل في ثوبٍ أسود؛ قال : «لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به». (11) والظاهر عموم السواد لكلّ ما عدا البياض من الألوان مستثنى منه العصب، (12) وقد شاع استعماله فيه ؛ لما تقدّم في الصحيح عن الحسن بن راشد . (13) وقال طاب ثراه: ويكره غير الأبيض مطلقاً إلّا عند مالك، فإنّه قال : «يكره المصبوغ إلّا العصب والمصبوغ بالطيب كالورس والزعفران» . واختلف في المعصفر فأجازه تارةً بلا كراهة؛ لأنّه من الطيب لا سيّما مع طراوته، أو لأنّه لباس العرب، ومنعه اُخرى؛ لأنّه ليس من الطيب، ولأنّه من ملابس الزينة. والرابع: أن لا يكون حريرا محضاً؛ لخبر عبد الملك، (14) فإنّ الظاهر أنّ النهي عن التكفين في ثوب الكعبة إنّما هو لكونه حريرا، وخبر الحسين بن المختار. (15) وعورض ذلك بما رواه الشيخ قدس سره عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «نعم الكفن الحلّة». (16) ومن طرق العامّة أيضاً: «خير الكفن الحلّة». (17) واُجيب عنه بطرحه، ففي المنتهى: «هو خبر شاذّ لم يعمل به أحد من الأصحاب ولا أحد من الجمهور؛ لاتّفاقهم على كراهية الإبريسم، وفي طريقه ضعف». (18) وفي التهذيب: «ولسنا نعمل به ؛ لأنّ الكفن لا يجوز أن يكون من الابريسم». (19) وأقول : الأصوب أن يقال : إنّ الحلّة على ما ذكره ابن الأثير في النهاية ليست حريرا محضاً، فقد فسّر الحلل ببرود اليمن، (20) وهي إنّما تكون ممزّجة، بل التكفين فيه مستحبّ كما سبق. وهل يحرم تكفين المرأة فيه؟ عموم النهي يقتضيه، واستشكله العلّامة في المنتهى من جواز لبسهنّ له في الصلاة، (21) وهو غير وارد على ما ذهب إليه الصدوق من عدم جواز الصلاة فيه مطلقاً . (22) قوله في صحيحة أبي خديجة: (تنوّقوا في الأكفان) . [ح 6 / 4366] في القاموس: «تنيّق في مطعمه وملبسه: تجوّد وبالغ كتنوّق ». (23) قوله في خبر يونس بن يعقوب: (في ثوبين شطويين) . [ح 8 / 4368] قال الجوهري: «شطا اسم قرية بناحية مصر تُنسب إليها الثياب الشطوية ». (24) قوله في خبر أبي مريم: (ببُرد أحمر حَبرة) [ح 9 / 4369]حِبَرَة كعِنَبَة: ضرب من برود اليمن، كذافي القاموس، (25) وهو بدل عن برد أحمر . قوله في موثّقة عمّار: (فاجعل العمامة سابرياً) . [ح 10 / 4370] في القاموس: السابري: «ثوب رقيق»، (26) وفي النهاية: «كلّ رقيق عندهم سابري، والأصل فيه الدروع السابرية منسوبة إلى سابور ». (27) قوله: (عن الحسين بن راشد) . [ح 12 / 4372]. هو مجهول الحال، وفي بعض النسخ الحسن بن راشد وفاقاً لنسخ التهذيب، الظاهر أنّه أبو عليّ البغدادي الّذي عدّه الكشّي من أصحاب الرضا عليه السلام وروى فيه خبر يستفاد منه توثيقه، (28) فالخبر صحيح. والعصب بالعين والصاد المهملتين، وهو على ما في القاموس : ضرب من البرود؛ (29) لأنّه يُصبَغ بالعَصب، وهو نبت. وفي النهاية: العصب: برود يمنية يُعصب غَزلها، أي يُجمع ويشدّ، ثمّ يصبغ وينسج، فيأتي مَوْشِيّاً ؛ لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال : بُردٌ عَصْبٍ وبرودٌ عصبٍ بالتنوين والإضافة. وقيل: هي برود مخطّطة. والعَصْب: الفتل، والعصّاب: الغزّال. (30) وفي بعض النسخ : «القَصَب» بالقاف على حَذْو بعض نسخ الفقيه. (31) وفي القاموس: «القصب: ثياب ناعمة من كتّان». (32) ويأبى عنه قوله : «من قزّ وقطن». والظاهر أنّه ما هو المتعارف اليوم من المنسوج من الإبريسم والقطن الّذي له نعومة. وقوله عليه السلام : «إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس» يدلّ على اشتراط أغلبية القطن في نفي الحرير، ويأتي القول فيه في باب ثياب المصلّي إن شاء اللّه .

.


1- . هذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 434 ؛ ح 1390 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 41 42، ح 2978 . و في الجميع: «لباسكم» بدل «ثيابكم»، نعم ورد بلفظ «ثيابكم» في مكارم الأخلاق للطبرسى، ص 104.
2- . منتهى المطلب، ج 1، ص 438 (ط قديم) .
3- . مسند الحميدي، ج 1، ص 240، ح 520 ؛ المعجم الصغير للطبراني، ج 1، ص 139؛ المعجم الأوسط له أيضا، ج 4، ص 7؛ المعجم الكبير له أيضا، ج 12، ص 52 ؛ مسند الشهاب، ج 2، ص 232، ح 1253؛ ناسخ الحديث و منسوخه لابن شاهين، ص 559 ، ح 586 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 23، باب ما يحرم فيه من الثياب، معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 135 _ 136، ح 2085؛ مسند أحمد، ج 1، ص 355 ، و فيه «أحياء» بدل «أحياؤكم».
4- . اُنظر: الاُمّ، ج 1، ص 303 ؛ مختصر المزني، ص 36 ؛ مسند أحمد، ج 6، ص 93 و 132؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 77 و 106؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 49 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 472 ، ح 1469؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 233، ح 1001، السنن الكبرى للنسائي، ج 1، ص 621، ح 2025 و 2026؛ و ج 4، ص 262، ح 7126؛ سنن النسائي، ج 4، ص 35 و 36 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 399 و 400.
5- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 449 ؛ ح 1454؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 39 ، ح 2970.
8- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 50 . و رواه أحمد في مسنده، ج 3 ، ص 295؛ و أبو داود في سننه، ج 2، ص 68، ح 3148 ؛ و النسائي في سننه، ج 4، ص 33 ؛ و في السنن الكبرى، ج 1، ص 621، ح 2022؛ و الحاكم في المستدرك، ج 1، ص 369 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 403 ؛ و ج 4، ص 32 .
9- . منتهى المطلب، ج 1، ص 438 (ط قديم) .
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 434، ح 1394؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 43، ح 2981.
11- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 435، ح 1395؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 43، ح 2982.
12- . العَصب: ضرب من برود اليمن، سمّي بذلك لأنّه يصبغ بالعصب، و هو بنت باليمن. تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 5 .
13- . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 45، ح 2986.
14- . هو الحديث 5 من هذ الباب من الكافي.
15- . كذا بالأصل، و خبره و هو الحديث 11 من هذا الباب يدلّ على المنع عن تكفين الميّت بالسواد، و الظاهر أنّ مراده خبر الحسين بن راشد و هو الحديث 12 من هذا الباب و هو يدلّ على المطلوب.
16- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 437، ح 1406؛ الاستبصار، ج 1، ص 211، ح 743؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 45، ح 2987.
17- . سنن ابن ماجة، ج 1، ص 473، ح 1473؛ و ج 2، ص 1047، ح 3130 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 70؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 403، مسند الشاميّين، ج 3 ، ص 277، ح 2252.
18- . منتهى المطلب، ج 1، ص 438 (ط قديم) .
19- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 437، ذيل ح 1406.
20- . النهاية، ج 1، ص 432 (حلل) .
21- . منتهى المطلب، ج 1، ص 438 (ط قديم) .
22- . الفقيه، ج 1، ص 263، ذيل ح 811 .
23- . القاموس المحيط، ج 4، ص 463 (نوق) .
24- . صحاح اللغة، ج 6، ص 2392 (شطا) .
25- . القاموس المحيط، ج 1، ص 573 (حبر) .
26- . القاموس المحيط، ج 2، ص 509 (سبر) .
27- . النهاية، ج 2، ص 334 (سبر) .
28- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 800 ، ح 992.
29- . القاموس المحيط، ج 3، ص 23 (عصب).
30- . النهاية، ج 3 ، ص 245 (عصب) .
31- . الفقيه، ج 1، ص 147، ح 412 .
32- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 628 (قصب) .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

باب حدّ الماء الّذي يغسل به الميّت والكافور

باب حدّ الماء الّذي يغسل به الميّت والكافورلا حدّ لهما، بل المعتبر ما يتحقّق به الأغسال الثلاثة ومسمّى الكافور، ولم أجد فيه مخالفاً. ويدلّ على الأوّل مكاتبة محمّد بن الحسن، يعني الصفّار، (1) وإطلاق الغسل في أكثر الأخبار. فأمّا خبر فضيل فمحمول على الفضل، (2) وكذا ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ : يا عليّ، إذا أنا متّ فاغسلني بسبع قرب من بئر غرسٍ». (3) والظاهر أنّ اختلاف السبع والستّ في الخبرين من سهو الرواة، لاتّحاد القصّة. وعلى الثاني ما سبق. ويستحبّ أن يكون بقدر مثقال، والأربعة أفضل، ثمّ الأفضل ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم؛ لما رواه المصنّف قدس سرهمن خبر كافور الجنّة. (4) والظاهر أنّ ذلك المقدار كان لغسلهم عليهم السلام أيضاً؛ لاستبعاد أن يكون هذا بغير كافور الجنّة. وفي المنتهى: «واختلف أصحابنا في أنّ الكافور الّذي يجعل في الماء للغسلة الثانية، هل هو من هذا القدر أم لا؟ الأقرب أنّه غيره». (5) فقد رجّح تخصيص هذا المقدار بالحنوط. وهو ظاهر الصدوق، حيث قال في الفقيه بعد نقل الخبر المشار إليه : «فمن لم يقدر على وزن ثلاثة عشر درهماً وثلث كافورا حنّط الميّت بوزن أربعة مثاقيل، فإن لم يقدر فمثقال». (6) وحكاه في المختلف (7) عن عليّ بن بابويه (8) وأبي الصلاح (9) وابن البراج (10) أيضاً، ونسبه إلى ظاهر ابن الجنيد، (11) وما ذكرناه أقرب؛ لما عرفت. وكذا الواجب في السدر المعتبر في الغسلة الاُولى مسمّاه عرفاً، ويستحبّ أن يكون سبع ورقات؛ (12) للجمع، وأوجب بعضهم السبع، والأوّل أظهر وأشهر . قوله في خبر فضيل: (من ماء بئر غرس) . [ح 1 / 4373] في القاموس: «بئر غرس: بالمدينة، ومنه الحديث : «غرس عين من عيون الجنّة»، وغُسِل رسول اللّه صلى الله عليه و آله منه». (13) وفي نهاية ابن الأثير: «[بئر] غرس بفتح الغين المعجمة وسكون الراء والسين المهملة : بئر بالمدينة». (14) روي أنّ خاتم النبيّ صلى الله عليه و آله سقط فيها، فتبرّك بها الناس . (15) قوله في مكاتبة محمّد بن الحسن يعني الصفّار : (فوقّع عليه السلام يكون ذلك في بلاليع) . [ح 3 / 4375] صرّح جماعة من الأصحاب منهم المحقّق في الشرائع (16) بكراهة صبّ غسالة الميّت في الكنيف، وهو البئر المعدّة للخلاء، وبعدم كراهته في البالوعة، وهي المعدّة لإراقة المياه الكثيفة فيها، وباستحباب حفر حفيرة جديدة له. واحتجّوا على الأوّلين بهذا الخبر، وعلى الثالث بقوله عليه السلام : «وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة». (17) وفي دلالته عليه تأمّل. وظاهر الصدوق تحريم الأوّل، حيث قال في الفقيه: «ولا يجوز أن يدخل الماء الّذي ينصبّ عن الميت في غسله في بئر كنيف، وليكن ذلك في بلاليع أو حفيرة». (18) ويحتمل إرادته الكراهة الشديدة .

.


1- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي؛ و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 141 142، ح 393 ؛ و الشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 1، ص 195، ح 686؛ و ص 431، ح 1377؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 431، ح 1377؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 536 ، ح 2844.
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي، و رواه الشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 1، ص 196، ح 688؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 435، ح 1397؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 537 ، ح 2846.
3- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 435، ح 1398؛ الاستبصار، ج 1، ص 196، ح 687؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 536 537 ، ح 2845.
4- . هو الحديث 4 من هذا الباب. و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 290، ح 845 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 13، ح 2888.
5- . منتهى المطلب، ج 1، ص 439 (ط قديم) .
6- . الفقيه، ج 1، ص 149، ذيل ح 416.
7- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 390 .
8- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 168.
9- . الكافي في الفقه، ص 237.
10- . المهذّب، ج 1، ص 61.
11- . لم أعثر عليه.
12- . اُنظر : شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 31 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 352 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 429 (ط قديم) ؛ نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 223 ؛ الدروس ، ج 1 ، ص 106 ، درس 11 ؛ جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 370 ؛ روض الجنان ، ج 1 ، ص 298 ؛ مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 82 .
13- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 383 (غرس) .
14- . النهاية، ج 3 ، ص 359 (غرس) .
15- . أورده الشهيد في الذكرى، ج 1، ص 336 .
16- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 31 . و مثله في المعتبر، ج 1، ص 278. و انظر: الجامع للشرائع، ص 51 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 114؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 346 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 225؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 222؛ الدروس، ج 1، ص 107، درس 11؛ الذكرى، ج 1، ص 350 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 377 ، و ادّعى فيه الاجماع؛ روض الجنان، ج 1، ص 274؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 87 .
17- . الكافي، ج 3، ص 127، باب توجيه الميّت إلى القبلة، ح 3 ؛ الفقيه، ج 1، ص 193، ح 591 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 286، ح 835 ؛ و ص 298، ح 872 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 452، ح 2624.
18- . الفقيه، ج 1، ص 150، ذيل ح 416.

ص: 156

. .

ص: 157

. .

ص: 158

باب الجريدة

باب الجريدةلقد دلّت الأخبار من الطريقين على فضل الجريدتين، فمنها: ما رواه المصنّف. ومنها: ما رواه الصدوق في الفقيه، قال : «مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على قبر يعذّب صاحبه، فدعا بجريدة فشقّها نصفين، فجعل واحدة عند رأسه والاُخرى عند رجليه». وروي «أنّ صاحب القبر كان قيس بن فهد الأنصاري. وقيل: قيس بن قُمَيْر». وأنّه قيل: لِمَ وضعتهما؟ فقال : «إنّه يخفّف عنه العذاب ما كانتا خضراوين» . (1) ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه عن طاوس، عن ابن عبّاس، قال : مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على قبرين، فقال : «أما أنّهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله». [قال : فدعا بعسيب رطب فشقّه باثنين، ثمّ غرس على هذا واحدا و على هذا واحدا، ثمّ قال : «لعلّه أن يخفّف عنهما ما لم يبسا» .] (2) وما نقله في المنتهى عن جمهورهم من حديث سفيان الثوري، وسيأتي. وما رواه طاب ثراه عن الخطّابي (3) أنّه قال : «أوصى بريدة الأسلمي أن يجعل على قبره جريدتان». (4) وقال المفيد أيضاً: والأصل في وضع الجريدة مع الميّت أنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا أهبط آدم عليه السلام من الجنّة استوحش في الأرض، فسأل اللّه تعالى أن يؤنسه [بشيء] من أشجار الجنّة، فأنزل اللّه إليه النخلة، فكان يأنس بها في حياته، فلمّا حضرته الوفاة قال لولده: إنّي كنت آنس بها في حياتي وأرجو الاُنس بها بعد وفاتي، فإذا متّ فخذوا منها جريدا وشقّوه بنصفين وضعوهما معي في أكفاني، ففعل ولده ذلك، وفعلته الأنبياء بعده، ثمّ اندرس ذلك في الجاهليّة، فأحياه النبيّ صلى الله عليه و آله وفعله، فصارت سنّة متّبعة. (5) وفي التهذيب: سمعت ذلك مذاكرة من الشيوخ ولم يحضرني إسناده. (6) ولعلّ السرّ في ذلك الاُنس أنّها مخلوقة من نخالة طينة آدم عليه السلام ، فقد قال الشيخ قدس سره: «روي أنّ اللّه تعالى خلق النخلة من فضلة الطينة التي خلق منها آدم عليه السلام فلأجل ذلك تسمّى عمّة الإنسان». (7) وأشار بذلك إلى قوله عليه السلام : «عليكم بعمّتكم النخلة». (8) ويؤيّده: مشابهتها للإنسان في اُمور متعدّدة، فإنّها تموت وتيبس بقطع رأسها، وبتجاوز الماء عنه، وكونها ذكر أو اُنثى، وعدم حملها من غير تأثير طلع ذَكَرِها، وميل كلّ منهما إلى الآخر من غير ريح كما سمعت من أصحابها، بل لا يبعد أن يكون اسمها مأخوذا من النخالة. وأجمع الأصحاب على استحبابها، (9) وقد قال به بعض العامّة أيضاً، (10) فقد حكى طاب ثراه عن بعضهم أنّه قال : «واختلف في وجه هذا الفعل، فقيل: لعلّه يوحى إليه أن يخفّف عنه ماداما رطبين. وقيل: لأنّهما ماداما رطبين يسبّحان، واُخذت منه تلاوة القرآن؛ لأنّه إذا رجى التخفيف بتسبيح الشجر فبالقرآن أولى». (11) وقال الآبيّ: والأظهر أنّه من سرّ الغيب الّذي أطلعه اللّه عليه. انتهى. وأنكره أكثرهم، منكرين لتسبّبها لرفع العذاب، متعجّبين منه. وقال السيّد رضى الله عنه في الانتصار: وليس ينبغي أن يتعجّب من ذلك، فالشرائع المجهولة العلل لا يعجب منها، وما التعجّب من ذلك إلّا كتعجّب الملحدين من الطواف بالبيت ورمي الجمار وتقبيل الحجر وتغسيل الميّت وتكفينه مع سقوط التكليف عنه. (12) وحكى الشهيد نحوا من هذا الكلام في الذكرى عن ابن أبي عقيل أيضاً. (13) واختلف في موضعهما، ففي الذكرى: [والمشهور] أنّ إحداهما لاصقة بجلد الجانب الأيمن من ترقوته، والاُخرى من ترقوة الجانب الأيسر بين القميص والإزار، اختاره جماعة منهم الصدوق في المقنع، (14) وهو في خبر جميل، (15) وقال في غيره كما قال والده في الرسالة: أنّ اليسرى عند وركه ما بين القميص والإزار، واليمنى كما سبق. (16) وقال الجعفي: إحداهما تحت إبطه الأيمن، والاُخرى نصف ممّا يلى الساق، ونصف ممّا يلى الفخذ. وهو في خبر يونس. (17) وفي المعتبر: كلّ ذلك مع الإمكان، ومع التعذّر للتقيّة وغيرها يوضع حيث أمكن؛ (18) لخبر سهل بن زياد. (19) وفي مكاتبة أحمد بن القاسم إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : «ليَستَخفِ بها وليجتهد في ذلك جهده» (20) ولو في القبر؛ لخبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الصادق عليه السلام . (21) ولو اُنسيت أو تركت فالأولى جواز وضعها على القبر، كما في الخبر النبويّ. انتهى. (22) ولو فقد النخل فالظاهر استحبابها من كلّ شجر رطب كما روى الصدوق في الحسن، قال : كتب عليّ بن بلال إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل، فإنّه قد روى عن آبائكم عليهم السلام : «أنّه يتجافي عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين»، «وأنّها تنفع المؤمن والكافر»؟ فأجاب عليه السلام : «يجوز من شجر آخر رطب». (23) ويؤيّده إطلاق خبر عليّ بن بلال الّذي في الكتاب. (24) واختلفوا في ترتيب ما عداه، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشهيد 25 أنّ تقديم السدر على الخلاف، والخلاف على الرمّان، (25) وهو على كلّ شجر رطب، وسوّى المحقّق المجلسي في شرح الفقيه بين السدر والرمّان، وهو أظهر للجمع بين ما دلّ على بدليّة السدر للنخل، وما رواه المصنّف من عود الرمّان بدلاً عنه (26) حينئذٍ. ثمّ ظاهر أكثر الأخبار اشتراط رطوبتهما، وروي التصريح به في المنتهى (27) عن الشيخ بإسناده عن عليّ بن عيسى، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام السعفة اليابسة أقطعها، هل يجوز للميّت أن يوضع معه في حفرته؟ قال : «لا تجوز اليابسة» . (28) قوله في خبر الصيقل: (الجريدة تنفع المؤمن والكافر) . [ح 1 / 4378] في شرح الفقيه: «انتفاع الكافر بها بتخفيف العذاب في القبر، ولا ينافي ذلك قوله تعالى: «فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ» ، (29) فإنّه عذاب جهنّم ». (30) قوله في خبر يحيى بن عبادة قال : (سمعت سفيان الثوري يسأله) . [ح 2 / 4379] الظاهر إرجاع الضمير إلى أبي جعفر عليه السلام ، كما صرّح به الصدوق في الفقيه، حيث قال : وروى عن يحيى بن عبادة المكّي أنّه قال : سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر عليه السلام عن التخضير، إلى آخر الخبر. (31) ويحتمل إرجاعه إلى يحيى على حذو ما نقله السيّد المرتضى في الانتصار والعلّامة في المنتهى من طرق العامّة: أنّ سفيان الثوري سأل يحيى بن عبادة المكّي عن التخضير، الخبر بعينه، (32) فتأمّل .

.


1- . الفقيه، ج 1، ص 144، ح 402 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 28، ح 2943.
2- . صحيح مسلم، ج 1، ص 166، و ما بين الحاصرتين منه . و نحوه في صحيح البخاري، ج 1، ص 60 61؛ و ج 2، ص 103؛ و ج 7، ص 85 86 ؛ و سنن أبي داود، ج 1، ص 13، ح 20 21؛ و السنن الكبرى للنسائي، ح 1، ص 69، ح 27؛ و ص 663، ح 2195؛ و ج 6، ص 496، ح 11613؛ صحيح ابن خزيمة، ج 1، ص 32 ؛ إثبات عذاب القبر للبيهقي، ص 86 ، ح 117.
3- . أبو سليمان حمد و يقال : أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن خطّاب الخطّابي البستي الشافعي، ولد سنة بضع عشره و ثلاثمائة بمدينة بست في أفغانستان، و أخذ الفقه عن أبي بكر القفّال و أبي عليّ بن أبي هريرة، و سمع الحديث من إسماعيل الصفّار و أبي سعيد ابن الأعرابي و أبي بكر بن داسة و أبي العبّاس الأصمّ و جعفر الخلدي و طبقتهم، و روى عنه أبوحامد الأسفرائني و أبو عبداللّه الحاكم و أبوذر الهروي و أبو عبيد الهروي و عبدالغافر الفارسي . من تصانيفة: إصلاح غلط المحدّثين ، أعلام السنن في شرح صحيح البخاري غريب الحديث؛ معالم السنن في شرح سنن أبي داود و العزلة، الغنية، شرح الأسماء الحسنى، شأن الدعاء، الشجاج، بيان إعجاز القرآن. مات الخطّابي في سنة (383 ه ) و دفن في بُست. راجع : تذكرة الحفّاظ ، ج 3 ، ص 1098 1020؛ سير أعلام النبلاء، ج 17، ص 23 28، الرقم 12؛ كشف الظنون، ج 1، ص 545 ؛ معجم المؤلّفين، ج 4، ص 74 .
4- . الطبقات الكبرى، ج 7، ص 9، ترجمة بريدة؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 470، ترجمة بريده (91)؛ و ج 4، ص 213، ترجمه أبي العالية (85) ؛ تعليق التعليق، ج 2، ص 492.
5- . المقنعة، ص 82 83 . و الألفاظ المذكورة هنا من تهذيب الأحكام؛ فإنّ عبارة المقنعة مغايرة له.
6- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 326 ، ح 952؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 23، ح 2927.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 326 327 ، ح 953.
8- . المحاسن للبرقي، ج 2، ص 337 ، ح 2157؛ وسائل الشيعة، ج 25، ص 145، ح 31467 . و لفظهما: «استوصوا بعمّتكم خيرا»، و لم أجده بلفظ «عليكم».
9- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 168؛ المقنعة، ص 78؛ الانتصار، ص 31 ؛ رسائل المرتضى، ج 1، ص 218؛ المراسم، ص 50 ؛ المبسوط، ج 1، ص 179، النهاية، ص 36 ؛ الوسيلة، ص 66 67؛ المختصر النافع، ص 13؛ المعتبر، ج 1، ص 285؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 33 ؛ الجامع للشرائع، ص 54 ؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 231؛ تبصرة المتعلّمين، ص 27 28؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 121؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 16؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 227، مختلف الشيعة، ج 1، ص 395 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 440 (ط قديم)؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 246؛ البيان، ص 26 (ط قديم)؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 21، الذكرى، ج 1، ص 368 ؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 179 180؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 386 و 392 ، روض الجنان، ج 1، ص 288؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 420 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 93؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 112.
10- . اُنظر: الانتصار، ص 131؛ و المعتبر، ج 1، ص 287.
11- . راجع: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 3 ، ص 202؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 118.
12- . الانتصار، ص 132.
13- . الذكرى، ج 1، ص 369 .
14- . المقنع، ص 59 .
15- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 309 ، ح 897 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 26، ح 2935.
16- . الفقيه، ج 1، ص 150، بعد ح 416 ؛ فقه الرضا عليه السلام ، ص 167. و حكاه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 288 عن عليّ بن بابويه. و كذا العلّامه في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 16.
17- . هو الحديث الأوّل من باب تحنيط الميّت و تكفينه من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 27، ح 2938.
18- . المعتبر، ج 1، ص 288، و لفظه مغاير لهذه الألفاظ.
19- . هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 327 328 ، ح 956؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 28، ح 2940.
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 448 449، ح 1451؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 23، ح 2926.
21- . هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 328 ، ح 958؛ الفقيه، ج 1، ص 144، ح 403، مرسلاً؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 28، ح 2942 و 2944.
22- . الذكرى، ج 1، ص 370 371 .
23- . الفقيه، ج 1، ص 144 145، ح 404 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 24، ح 2929.
24- . هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 294، ح 860 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 24، ح 2930.
25- . روضة المتّقين، ج 1، ص 371 .
26- . هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 294، ح 861 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 25، ح 2932.
27- . منتهى المطلب، ج 1، ص 440 (ط قديم) .
28- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1381؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 25، ح 2933. و فيهما : «اليابس» بدل «اليابسة».
29- . البقره (2) : 86 . و كان في الأصل و المصدر : «و لايخفّف» ، فصوّبته حسب القرآن، و وردت بدون الفاء في الآية 162 من سورة البقرة ، و الآية 88 من سورة آل عمران.
30- . روضة المتّقين، ج 1، ص 379 .
31- . الفقيه، ج 1، ص 145، ح 405 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 21، ح 2920.
32- . الانتصار، ص 131؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 440 (ط قديم) .

ص: 159

. .

ص: 160

. .

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

باب الميّت يموت وهو جنب أو حائض أو نفساء

باب الميّت يموت وهو جنب أو حائض أو نفساءنقل العلّامة في المنتهى (1) إجماع أهل العلم ممّا عدا الحسن البصري (2) على أنّ الحائض والجنب يغسلان كغيرهما من الأموات، وفي حكمهما النفساء، وهو ظاهر ما رواه المصنّف في الباب، وما رواه الشيخ في الحسن عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : سألته عن الميّت يموت وهو جنبٌ، قال : «غسل واحد». (3) وفي الحسن عن أبي بصير، عن أحدهما عليهماالسلام في الجنب إذا مات : «ليس عليه إلّا غسلة واحدة». (4) وفي الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا مات الميّت وهو جنب غسّل غسلاً واحدا، ثمّ اغتسل بعد ذلك». (5) فإنّ الظاهر من الوحدة في هذه الأخبار نفي التعدّد للجنابة والموت، وإذا ثبت ذلك في الجنابة ثبت في الحائض والنفساء أيضاً لتساويها في الحكم. فإن قيل: قد وردت أخبار متعدّدة في تعدّد تغسيله للجنابة والموت، رواها الشيخ في الحسن عن عيص ابن القاسم، قال : سألته عن رجل مات وهو جنب، قال : «يغسّل غسلة واحدة بماء، ثمّ يغسل بعد ذلك». (6) ومرسلاً عن عيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا مات الميّت فخذ في جهازه وعجّله، وإذا مات الميّت وهو جنب غسّل غسلاً واحدا، ثمّ يغسل بعد ذلك». (7) وبسند آخر ضعيف عن عيص، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يموت وهو جنب، قال : «يغسّل من الجنابة، ثمّ يغسّل بعد». (8) قلنا: يرجع كلّها إلى خبر واحد، لانتهائها كلّها إلى عيص، فلا تقبل المعارضة لما ذكر. على أنّها محتملة لوقوع سهو فيها عن بعض الرواة على أن يكون الأمر الثاني بالغسل متوجّها إلى الغاسل للمسّ، وسها الراوي وعلّقه على الميّت. ويدلّ على هذا التأويل أنّ عيصاً قد روى كذلك فيما نقلنا عنه أوّلاً. ولو سلّم ذلك لأمكن حملها على الاستحباب؛ للجمع. وهذه الوجوه ذكرها الشيخ في التهذيب. (9) وإذ قد عرفت أنّ المراد بالوحدة في هذه الأخبار عدم تعدّد الغسل للجنابة والموت، ولا ينافي ذلك تعدّد أغساله للسدر والكافور والقراح المدلول عليه بأخبار متكثّرة قد سبقت، فلا يتمّ احتجاج سلّار بها على إجزاء غسل واحد بالقراح له، (10) وقد أشرنا إليه فيما سبق .

.


1- . منتهى المطلب، ج 1، ص 431 (ط قديم) .
2- . حكاه عنه ابن أبي شيبة في المصنّف، ج 3 ، ص 141، الباب 32 ، من كتاب الجنائز، ح 2.
3- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1383؛ الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 679؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 540 ، ح 2852.
4- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1385؛ الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 681؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 540 ، ح 2853.
5- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 433 434، ح 1389؛ الاستبصار، ج 1، ص 195، ح 685؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 540 ، ح 2854.
6- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 433، ح 1386؛ الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 682؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 540 ، ح 2855.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 433، ح 1388؛ الاستبصار، ج 1، ص 195، ح 684؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 474 صدره؛ و ص 541 ، ذيل ح 2857 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 433، ح 1387؛ الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 683؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 541 ، ح 2856 .
9- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 433، ذيل ح 1388.
10- . المراسم، ص 47.

ص: 164

. .

ص: 165

باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرّك

باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرّكلقد صرّح جماعة من الأصحاب بوجوب شقّ بطنها وإخراج الولد (1) إذا كانت حياته محتملة ولو لم تكن معلومة ولا مظنونة، ولم أجد مخالفاً لهم. وبه قال أكثر العامّة، وقال أحمد: «لا يشقّ بطنها، بل تدخل القوابل أيديهنّ في فرجها ويخرجن الولد، وإن لم تكن قوابل تركت الاُم حتّى يموت الولد، ثمّ تغسّل وتكفّن وتدفن». (2) ويدلّ على المذهب المنصور: قوله سبحانه : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» (3) . وما رواه المصنّف في الباب، وفيما سيأتي في باب المرأة تموت وفي بطنها صبي يتحرّك، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ في المرأة تموت والولد يتحرّك في بطنها، أيشقّ بطنها ويخرج الولد؟ قال : فقال : «نعم ويخاط بطنها». (4) وهذه الرواية هي الّتي أشار المصنّف إليها بقوله: وفي رواية ابن أبي عمير، إلى آخره. (5) وإطلاق الأخبار وبعض الفتاوى يقتضي جواز الشقّ لجانبها الأيمن أيضاً، وقيّده الصدوق في الفقيه (6) والشيخان في المقنعة (7) والنهاية (8) بالأيسر، ولعلّه أولى؛ لكون الرحم في ذلك الجانب. وهل تجب خياطة المشقوق؟ نصّ عليه الشيخان في المقنعة والمبسوط، (9) وهو الظاهر لمرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة، ولئلاّ تخرج أحشاؤها، وليسهل الغسل والكفن، ولما دلّ على أنّ حرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً. (10) وردّه في المعتبر قادحاً في المرسلة؛ (11) بناءً على ما ذكرناه سابقاً من عدم صحّة الحكم بأنّ مراسيل ابن أبي عمير كالصحيح. وربّما استدلّ بعدم الفائدة فيها؛ فإنّ مصير الميّت إلى البلى. ويرد عليهما: أنّ عدم صحّة الخبر منجير بعمل الأكثر، وأنّ انتفاء الفائدة ممنوع؛ لما ذكر. ولو مات الولد في بطنها وهي حيّة أدخلت القابلة يدها في فرجها وقطّعت الحمل وأخرجته قطعاً قطعاً، ولو لم توجد امرأة فعل رجلٌ ذلك ولو كان أجنبياً؛ للضرورة. ويدلّ عليه خبر ابن وهب، (12) وقد قيّد هذا الخبر فيما سيأتي بعدم إرفاق النساء بذلك، وهو نصّ في المطلوب . قوله: (عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه عن ابن وهب) [ح 3 / 4395] يعني وهب بن وهب .

.


1- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 174، المقنعة ص 78؛ الخلاف، ج 1، ص 729، المسألة 557 ، المبسوط، ج 1، ص 180؛ النهاية، ص 42 ؛ السرائر، ج 1، ص 169، الجامع للشرائع، ص 49 ؛ المعتبر، ج 1، ص 316 ؛ تحرير الأحكام، ص 133؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 113؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 435 (ط قديم)؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 281، الذكرى، ج 1، ص 331 ؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 184 185. و الظاهر من كلماتهم صورة العلم و صرّح بعضهم بذلك.
2- . تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 113؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 413 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 420 421.
3- . المائدة (5) : 32 .
4- . هو الحديث الأوّل من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 469 470، ح 2669.
5- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي.
6- . الفقيه، ج 1، ص 160، ذيل ح 446.
7- . المقنعة، ص 87 .
8- . النهاية، ص 42. و مثله في المبسوط، ج 1، ص 180.
9- . المبسوط، ج 1، ص 180.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 419، ح 1324.
11- . المعتبر، ج 1، ص 316 .
12- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 344 ، ح 1008؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 470، ح 2671 . و كان في الأصل: «ابن وهيب»، و التصويب من مصادر الحديث و ترجمته.

ص: 166

. .

ص: 167

باب كراهية أن يُقصّ من الميّت ظفر أو شعر

باب كراهية أن يُقصّ من الميّت ظفر أو شعربحلق رأسه وإبطيه وعانته وأخذ شاربه، وظاهر المصنّف الكراهة بالمعنى المصطلح، كما هو مذهب الأكثر منهم العلّامة في الإرشاد (1) ورجّحها الشهيد في الذكرى، (2) حاملين للنهي الوارد عنه على الكراهة؛ لظاهر لفظ الكراهة في خبر غياث (3) وطلحة بن زيد، (4) وهو منقول عن أبي حنيفة (5) ومالك (6) والشافعي (7) فيما عدا تسريح لحيته في قوله القديم. وظاهر الشيخ في المبسوط تحريمه، حيث قال : «ولا يجوز قصّ شيء من شعر الميّت ولا من ظفره، ولا يسرّح رأسه ولا لحيته». (8) ونسبه الشهيد في الذكرى إلى ابن حمزة، (9) وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (10) والعلّامة في المنتهى، (11) حيث عنوناه بقولهما: «لا يجوز»، بل نسبه في المنتهى إلى علمائنا. وهؤلاء لم يفرّقوا بين حلق الرأس وقصّ الظفر وغيرهما ممّا ذكر. وفصّل في الخلاف، فقال بالكراهة فيما عدا حلق الرأس، وبالحرمة فيه، حيث قال : «حلق شعر العانة والإبط وحفّ الشارب وتقليم الأظفار للميّت مكروه»، (12) وقد قال في مسألة حلق الرأس: «إنّه مكروه وبدعة». (13) وأراد بالكراهة هنا الحرمة؛ بدليل ما عطف عليها. واحتجّ على الأوّل بإجماع الفرقة وأخبارهم، وعلى الثاني بذلك الإجماع وبالاحتياط. وحكى في الخلاف عن الشافعي استحباب تسريح لحيته إن كانت كثيفة، (14) وعن أحد قوليه إباحة ما عدا تسريح اللحية، (15) وحكى في المنتهى (16) عنه استحباب قصّ أظفاره، وكأنّه تمسّك بما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعروسكم». 17 وفي الذكرى: «أنّه لم يثبت، مع أنّه متروك الظاهر؛ إذ العروس تطيّب بكلّ الطيب، ويزيّن وجهها وتحلّى، بخلاف الميّت». (17) وفي المنتهى: «أنّه محمول على التطهير والتنظيف بالكافور والذريرة دون النقصان». (18) وألحق في الذكرى بتسريح لحية الرجل ظفر شعر المرأة؛ محتجّاً عليه بقول الصادق عليه السلام : «لا يمسّ من الميّت شعر ولا ظفر»، (19) ثمّ قال : «ولم يثبت خبر اُمّ سليم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في ابنته : «واظفرن شعرها ثلاثة قرون ولا تشبهنّها بالرجال». (20) وفيه نظر. وعلى أيّ حال فقد صرّحوا بوجوب دفن ما يسقط منه معه؛ للأمر به في حسنة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يمسّ من الميّت شعر ولا ظفر، وإن سقط منه شيء فاجعله في كفنه» . (21)

.


1- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 230.
2- . الذكرى، ج 1، ص 348.
3- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 2، ص 500 ، ح 2749.
4- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 323 ، ح 942؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 500 ، ح 2750.
5- . بدائع الصنائع، ج 1، ص 301 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 59 ؛ فتح العزيز، ح 5 ، ص 130؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 408 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 324 ، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 387 ، الخلاف، ج 1، ص 696.
6- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 130؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 408، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 324 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 387 ؛ الخلاف، ج 1، ص 696.
7- . الاُمّ، ج 1، ص 319 ، فتح العزيز، ج 5 ، ص 130؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 178 179؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 621؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 408، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 324 و 325 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 387 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 108؛ الخلاف، ج 1، ص 696 697.
8- . المبسوط، ج 1، ص 181. و نحوه في النهاية، ص 43.
9- . الذكرى، ج 1، ص 349 ؛ الوسيلة، ص 65.
10- . الفقيه، ج 1، ص 150.
11- . منتهى المطلب، ج 1، ص 431 (ط قديم) .
12- . الخلاف، ج 1، ص 696، المسألة 481.
13- . الخلاف، ج 1، ص 697، المسألة 482.
14- . الخلاف، ج 1، ص 694، المسألة 475.
15- . الخلاف، ج 1، ص 696 697، المسألة 481 و 482.
16- . منتهى المطلب، ج 1، ص 431 (ط قديم) .
17- . الذكرى، ج 1، ص 349 .
18- . منتهى المطلب، ج 1، ص 431 (ط قديم) .
19- . هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 323 ، ح 940، وسائل الشيعة، ج 2، ص 500 ، ح 2748.
20- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 351 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 327 . و نحوه في السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 5 .
21- . هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

ص: 168

. .

ص: 169

باب ما يخرج من الميّت بعد أن يُغسل

باب ما يخرج من الميّت بعد أن يُغسلأجمع الأصحاب على أنّ خروج النجاسة عن الميّت بعد غسله لا يوجب إعادة الغسل مطلقاً وفاقاً لأهل الخلاف، إلّا ما حكي عن أحمد (1) وعن أحد قولى الشافعي (2) من وجوب إعادته، محتجّين بأنّ الميّت يجب أن تكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة، وهي لا تحصل إلّا بإعادته. وهو كما ترى، وكأنّهما قالا بذلك فيما إذا خرجت النجاسة عنه قبل تكفينه، فإنّه يظهر من المنتهى إجماع أهل العلم على عدم وجوب الإعادة بعده، حيث قال : لو خرجت النجاسة منه بعد وضعه في أكفانه لم يجب إعادة الغسل عليه في قول أهل العلم كافّة؛ لأنّ ذلك حرج عظيم، ويحتاج في إخراجه من أكفانه إلى مشقّة عظيمة. (3) ويدلّ على عدم وجوبها مطلقاً زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، والحسين بن المختار، قالا: سألناه عن الميّت يخرج منه الشيء بعدما يفرغ من غسله، قال : «يغسل ذلك ولا يعاد عليه الغسل». وفي طريقه محمّد بن سنان. (4) وفي الموثّق عن روح بن عبد الرحيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن بدا من الميّت شيء بعد غسله فاغسل الّذي بدا منه ولا تعد الغسل». (5) ويؤيّدها: أنّ خروج النجاسة من الحيّ بعد الغسل غير موجب لإعادته، وإنّما يوجب غَسل موضع الملاقاة عند مشروط بطهارته. وأمّا غَسل موضع النجاسة فلا خلاف في وجوبه قبل وضعه في القبر وبعده إن كان جسدا. والمشهور في الكفن أيضاً ذلك قبله، وأمّا بعده فيقرض، وصرّح بذلك جماعة من الأصحاب، منهم: الصدوق (6) وابن إدريس (7) والعلّامة في المنتهى. (8) ولم أجد عليه نصّاً، وإنّما تمسّكوا فيه بالجمع بين الأخبار وبين ما ادّعوه من أنّ قرض الكفن قبل الوضع في القبر تضييع له لإمكان غسله حينئذٍ، بخلاف ما لو وضع فيه، فإنّ الغسل هناك متعذّر للزوم تنجّس القبر بغسالته، ولمّا وجبت إزالتها فتعيّن القرض. وفيه تأمّل. وفصّل الشهيد في الذكرى تفصيلاً آخر فقال : «لو أفسد الدم معظم الكفن أو ما يفحش قطعه فالظاهر وجوب الغسل مطلقاً استبقاءً للكفن؛ لامتناع إتلافه على هذا الوجه، ومع التعذّر يسقط؛ للحرج ». (9)

.


1- . كشاف القنّاع، ج 2، ص 112، لكنّه قال بذلك قبل التكفين، و أمّا بعد الفراغ منه فلايعاد الغسل.
2- . مختصر المزني، ص 36؛ المغني، ج 2، ص 327؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 323؛ المجموع للنووي، ج 5، ص 76.
3- . منتهى المطلب، ج 1، ص 431 (ط قديم) .
4- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 449، ح 1455؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 23، ح 2859.
5- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 449، ح 1456؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 542 ، ح 2858.
6- . الفقيه، ج 1، ص 151، ذيل ح 616.
7- . السرائر، ج 1، ص 169.
8- . منتهى المطلب، ج 1، ص 431. و راجع: المعتبر، ج 1، ص 330 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 225؛ الدروس، ج 1، ص 110، درس 12؛ الذكرى، ج 1، ص 377 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 378 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 116؛ كشف اللثام، ج 2، ص 259؛ مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 533 .
9- . الذكرى، ج 1، ص 377 .

ص: 170

. .

ص: 171

باب الرجل يغسّل المرأة والمرأة تغسّل الرجل

باب الرجل يغسّل المرأة والمرأة تغسّل الرجلتجب المماثلة في الذكورة والاُنوثة بين الميّت وغاسله، إلّا في مواضع: أحدها: أن يكون بينهما علاقة الزوجيّة، فيجوز تغسيل كلّ من الزوجين صاحبه في الجملة إجماعاً، وهل يجوز ذلك مجرّدا؟ أم يشترط كونه من وراء الثياب؟ الأوّل هو مروي عن السيّد المرتضى (1) وابن الجنيد، (2) وبه قال الشيخ في الخلاف، (3) وتبعه المتأخّرون. وهو ظاهر صحيحة عبد اللّه بن سنان. (4) ويؤيّدها ما رواه الشيخ فيه من طرق العامّة عن عائشة أنّها قالت: دخل عليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «وا رأساه»، فقلت أنا: بل وا رأساه. فقال : «ما عليك لو متّ قبلي لغسلتك وحنّطتك وكفّنتك». (5) وعن أسماء بنت عميس: أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوصتها أن تغسّلها إذا ماتت هي وعليّ عليه السلام ، فغسّلتها هي وعليّ عليه السلام . (6) ولا ينافيه خبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ؛ (7) لاحتمال أن يكون التقييد بفوق الثياب فيه لحضور النسوة اللاتي يصببن عليه الماء. وظاهره في النهاية الثاني، فقد قال فيها: «وإن مات بين نساء مسلمات ورجال كفّار، وكان له فيهنّ محرم من زوجة أو غيرها غسّلته من وراء الثياب، ولا يجرّدنه من ثيابه». (8) وقال في المرأة: «وإن ماتت بين رجال مسلمين ونساء كافرات وكان لها فيهم ذو رحم أو زوج غسلوها من وراء الثياب». (9) ويدلّ عليه ما سنرويه عن زيد الشحّام؛ (10) لتقييده بكون الغسل من وراء الثياب. ويظهر من بعض أخبار الباب وممّا سنرويه الفصل بينهما واشتراط الساتر في تغسيل الزوج للزوجة دون عكسه، ولم أجد قولاً به، والظاهر أنّه من باب الندب كما يشعر به التعليل الّذي في خبر داود بن سرحان. (11) والظاهر عدم اشتراط فقد المماثل فيهما؛ لإطلاق أكثر الأخبار، وهو ظاهر أكثر العلماء الأخيار، واشترطه الشيخ في كتابي الأخبار؛ (12) للأخبار المقيّدة به كخبري عبد الرحمان وداود بن سرحان وبعض ما سنرويه. وفيه: أنّ التقييد في هذه الأخبار إنّما هو في كلام السائل، وهو ليس بحجّة اتّفاقاً. وثانيهما: ما إذا كان بينهما علاقة المالكيّة والمملوكيّة، فيجوز تغسيل الموالي منه ولو كانت مدبّرة أو اُمّ ولد، إلّا أن تكون مزوّجة أو معتدّة أو مكاتبة مشروطة ومطلّقة؛ لتحريمهنّ عليه، ولم أجد مخالفاً لذلك. وأمّا العكس، فالمشهور جوازه، إلّا أن تكون مزوّجة أو معتدّة أو مكاتبة أو معتقا بعضها أو كلّها؛ معلّلين ببقاء علاقة الملك من وجوب الكفن والدفن والمؤونة والعدّة، وبما رواه إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلامأوصى أن تغسّله اُمّ ولد له إذا مات، فغسّلته». (13) وفي الذكرى: وفي غير اُمّ الولد احتمال؛ استصحاباً لحكم الملك فيباح، ولأنّها في معنى الزوجة في إباحة اللمس والنظر، ومن انتقال ملكها إلى الوارث، وقرّبه في المعتبر، (14) وقطع الفاضل (15) بالأوّل. (16) وثالثها: أن يكون بينهما علاقة المحرميّة، فقد أجمعوا على جواز ذلك اضطرارا من وراء الثياب. ويدلّ عليه خبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ، (17) وهل يجوز في حال الاختيار؟ قال العلّامة في المنتهى: «فيه قولان [لأصحابنا]، والأقرب عندي الجواز من فوق الثياب»، (18) واحتجّ عليه بالأصل، وبصحيحة منصور. وقال صاحب المدارك: والأظهر الجواز مطلقاً؛ تمسّكاً بالأصل، وبصحيحة منصور. (19) والعجب أنّ العلّامة استدلّ بهذا الخبر على جواز الغسل من فوق الثياب مع صراحته في جوازه مجرّدا مع ستر العورة. ولا يبعد دفعه بأنّ المراد بالعورة في قوله عليه السلام : «ويلقي على عورتها خرقة» ما عدا وجهها وكفّيها ورجليها، كما هو شأن عورة المرأة. ويؤيّده خبر عبد الرحمان، فتأمّل. ورابعها: الصغر، وسيأتي في الباب الآتي. وفي غير هذه المواضع يدفن مع عدم المماثل بغير غسل، بل يتيمّم على المشهور. ولم أجد شاهدا عليه إلّا ما رواه الشيخ عن الرجال الزيديّة، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام قال : «أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله نفر فقالوا: إنّ امرأة توفّيت معنا وليس معها ذو محرم، فقال : كيف صنعتم؟ فقالوا: صببنا عليها الماء صبّاً، فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسّلها؟ فقالوا: لا، قال : أفلا يمّمتموها؟». (20) وقد اختلفت الأخبار فيها اختلافاً كثيرا، فمنها: ما هو ظاهر في الغسل حينئذٍ من وراء الثياب، رواه الشيخ في الحسن (21) عن عبد اللّه بن سنان، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسّلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب، ويستحبّ أن يلفّ على يديه خرقة». (22) وعن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل مات ومعه نسوة وليس معهنّ رجل، قال : «يصببن الماء من خلف الثوب، ويلففنه في أكفانه من تحت الستر، ويصلّين صفّاً ويدخلنه قبره»، والمرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة، قال : «يصبّون الماء من خلف الثوب، ويلفّونها في أكفانها، ويصلّون ويدفنون». (23) وخصّا في المشهور بالمحارم. ومنها: ما هو صريح في ذلك غير قابل للتخصيص، رواه الشيخ عن الحسن بن خُرَّزاد، عن الحسن بن راشد، عن عليّ بن إسماعيل، عن أبي سعيد، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «المرأة إذا ماتت مع قوم ليس لها فيهم محرم يصبّون عليها الماء صبّاً». ورجل مات مع نسوة ليس فيهنّ له محرم، فقال أبو حنيفة: يصببن عليه الماء صبّاً، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «بل يحلّ لهنّ أن يمسسن منه ما كان يحلّ لهنّ أن ينظرن منه إليه وهو حيّ، فإذا بلغن الموضع الّذي لا يحلّ لهنّ النظر إليه ولا مسّه وهو حيّ صببن عليه الماء صبّاً». (24) ومن طريق الزيدية عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام قال : «إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهنّ امرأته ولا ذات محرم (25) ، يوزّرنه إلى الركبتين، ويصببن عليه الماء صبّاً، ولا ينظرن إلى عورته، ولا يلمسنه بأيديهنّ، ويطهّرنه.» (26) ونسب القول به في الذكرى (27) إلى ظاهر المفيد، (28) وهو منقول عن أبي الصلاح (29) وابن زهرة (30) مع تغميض الغاسل عينيه. وهذان الخبران قد حملهما الشيخ في الاستبصار (31) وفي باب الزيادات من التهذيب (32) على الاستحباب؛ للجمع (33) . ومنها: ما يدلّ على غسل مواضع الوضوء منه، ولم أجد قائلاً به بخصوصه، رواه أبو بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا ذو محرم، فقال : «يغسل منها مواضع الوضوء، ويصلّى عليها وتدفن». (34) ومنها: ما يدلّ على وجوب غسل مواضع التيمّم منه، رواه المفضّل بن عمر، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك، ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة، فتموت المرأة، ما يصنع بها؟ قال : «يغسل منها ما أوجب اللّه عليه التيمّم ولا تمسّ، ولا يكشف لها شيء من محاسنها الّتي أمر اللّه بسترها»، فقلت: فكيف يصنع بها؟ قال : يغسل بطن كفّيها، ثمّ يغسل وجهها، ثمّ يغسل ظهر كفّيها». (35) وقال الشيخ في النهاية: «ومن عمل على هذه الرواية لم يكن عليه بأس». (36) ومنها: ما يدلّ على غسل كفّيه فقط، رواه المصنّف في الصحيح عن داود بن فرقد، (37) وبسند آخر أيضاً ضعيف عنه، (38) وظاهره تجويز العمل به، ورواه الشيخ أيضاً عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن المرأة تموت وليس معها محرم، قال : «تغسل كفّيها». (39) ومنها: ما يدلّ على أنّه يدفن بغير شيء من هذه، وهو خبر داود بن سرحان، (40) وما رواه الشيخ في باب النوادر من التهذيب بسند صحيح إلى محمّد بن مروان، عن ابن أبي يعفور، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهنّ رجل، كيف يصنعن به؟ قال : «يلففنه لفّاً في ثيابه ويدفنّه ولا يغسلنه». (41) وفي الصحيح عن [عبدالرحمان بن] أبي عبد اللّه البصري، قال : سألته عن امرأة ماتت مع رجال، قال : تلفّ وتدفن ولا تغسل». (42) وفي الصحيح عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلّا النساء، قال : «يدفن ولا يغسل، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسّل إلّا أن يكون زوجها معها، فإن كان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع، ويسكب الماء عليها سكباً، ولا ينظر إلى عورتها، وتغسّله امرأته إن مات، والمرأة ليست بمنزلة الرجال، المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت». (43) وعن أبي جميلة، عن زيد الشحّام، قال : سألته عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس معهم امرأة غيرها، قال : «إن لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم دفنوها في ثيابها ولا يغسّلونها، وإن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسّلها من غير أن ينظر إلى عورتها». قال : وسألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهنّ رجل، فقال : «إن لم يكن له فيهن امرأة فليدفن في ثيابه ولا يغسّل، وإن كان له فيهنّ امرأة فليغسّل في قميص من غير أن ينظر إلى عورته». (44) وذهب إليه الشيخ في الخلاف والمبسوط، (45) ورجّحه الشهيد في الذكرى، حيث قال : «المنع مطلقاً هو الأظهر فتوى، والأشهر رواية، والأصحّ إسنادا». (46) وحكى في الخلاف عن الأوزاعي أنّه قال : «إنّها تدفن بغير غسل ولا تيمّم». (47) وقال مالك وأبو حنيفة: «تيمّم ولا تغسّل وتدفن»، (48) وبه قال أصحاب الشافعي. (49) وقال النخعي: «تغسّل في ثيابها ». (50) قوله في موثّقة عمّار: (قال : يغتسل النصراني ثمّ يغسّله) . [ح 12 / 4414] هذا هو المشهور بين الأصحاب، ومنعه المحقّق في المعتبر محتجّاً بتعذّر النيّة من الكافر، مع ضعف السند. (51) واُجيب عن الأوّل بمنع لزوم النيّة، ثمّ بالاكتفاء بنيّة الكافر. وعن ضعف الخبر بجبره بعمل الأكثر، والمشهور أنّ الأمر بغسل النصراني تعبّدي؛ (52) لعدم إيجاب الغسل لطهارته، وقد سبق منّا أنّ الظاهر أنّ نجاسته ليست على حدّ نجاسة المشرك، بل عارضيّة تزول بالاغتسال .

.


1- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 320 ، و قال : «و هو اختيار المرتضى في شرح الرسالة» . و مثله في مدارك الأحكام للسيّد العاملي ، ج 2، ص 61.
2- . حكاه عنه في المدارك، ج 2، ص 61 .
3- . الخلاف، ج 1، ص 698 _ 699 . و كلامه ظاهر في الجواز المطلق؛ لعدم تقيّده بوراء الثياب.
4- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 142، ح 398 ؛ و الشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 1، ص 198، ح 698؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 439، ح 1417؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 528 529 ، ح 2820.
5- . الخلاف، ج 1، ص 699 ذيل المسألة 686. و مع مغايرة ما في بعض الألفاظ وردت في مصادر العامّة . اُنظر: مسند أحمد، ج 6، ص 228؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 37 38 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 470، ح 1465؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 396 ، باب الرجل يغسل امرأته؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 4، ص 252 253، ح 7079 و 7080 و 7081؛ مسند أبييعلى، ج 8 ، ص 56 57 ، ح 4579 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 14، ص 551 ؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 61، ح 1809.
6- . الخلاف، ج 1، ص 699؛ الاُمّ للشافعي، ج 1، ص 312 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي، ج 3 ، ص 131، ح 2075.
7- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 439، ح 1416؛ الاستبصار، ج 1، ص 197 198، ح 695؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 517 ، ح 2793.
8- . النهاية، ص 42. و مثله في المبسوط، ج 1، ص 175.
9- . النهاية، ص 43، و فيه : «ثيابه» بدل «الثياب».
10- . وسائل الشيعة، ج 2، ص 517 ، ح 2796.
11- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 2، ص 531 ، ح 2826.
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 439 440، ذيل ح 1420 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 199، ذيل ح 701 .
13- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 444 ؛ ح 1437؛ الاستبصار، ج 1، ص 200، ح 704؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 534 535 ، ح 2840 ، و قال بعد نقل الحديث: «أقول : المروي في أحاديث كثيرة أنّ الإمام لايغسّله إلّا الإمام، فمعنى الوصيّة هنا المساعدة على الغسل و المشاركة فيه ، كما مرّ في حديث أسماء».
14- . المعتبر، ج 1، ص 321 .
15- . منتهى المطلب، ج 1، ص 437.
16- . الذكرى، ج 1، ص 306 .
17- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي.
18- . منتهى المطلب، ج 1، ص 437.
19- . هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 439، ح 1418؛ الاستبصار، ج 1، ص 199، ح 699؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 516 ، ح 2790.
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 443 444، ح 1433؛ الاستبصار، ج 1، ص 203 204، ح 718؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 516 ، ح 2789.
21- . في هامش الأصل: «حسّنه بمحمّد بن أحمد بن عليّ الفتّال النيشابوري، الممدوح بالتكلّم وجلالة القدر، فلا يبعد توثيقه والحكم بصحيحة الخبر . منه عفي عنه».
22- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 444، ح 1434؛ الاستبصار، ج 1، ص 204، ح 719؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 525 ، ح 2814.
23- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 442، ح 1427؛ الاستبصار، ج 1، ص 202، ح 712؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 524 ، ح 2810.
24- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 342 ، ح 1001؛ الاستبصار، ج 1، ص 204 205، ح 721؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 525 526 ، ح 2815.
25- . في هامش الأصل: «كذا في بعض نسخ التهذيب ، وفي أكثرها : ذو محرم . وفي بعضها : ذو رحم . وكلاهما سهو من النسّاخ . منه».
26- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 342 ، ح 1000؛ و ص 441 442، ح 1426؛ الاستبصار، ج 1، ص 201 202، ح 711؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 519 ، ح 2797؛ و ص 523 524 ، ح 2808.
27- . الذكرى، ج 1، ص 308 .
28- . المقنعة، ص 87 .
29- . الكافي في الفقه، ص 236 237.
30- . غنية النزوع، ص 102.
31- . الاستبصار، ج 1، ص 203، ذيل ح 716.
32- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 442، ذيل ح 1427.
33- . في هامش الأصل: «وفي آخر باب تلقين المحتضرين منه في شرح قول المفيد : فإن مات صبي إلخ ، خصّها بالصبيّ والصبيّة على ما يظهر من احتجاجه بهما له» .
34- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 443، ح 1430؛ الاستبصار، ج 1، ص 203، ح 715؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 525 ، ح 2811.
35- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 342 343 ، ح 1002؛ الاستبصار، ج 1، ص 202 203، ح 714. و رواه الكليني في الكافي في الحديث 13 من هذا الباب ؛ و الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 156، ح 435 . وسائل الشيعة، ج 2، ص 522 523 ، ح 2806.
36- . النهاية، ص 43.
37- . هذا هو الحديث، 5 من هذا الباب من الكافي . و رواه الشيخ الطوسى في الاستبصار، ج 1، ص 202، ح 713؛ و تهذيب الأحكام، ج 1، ص 442، ح 1428؛ و الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 153، ح 426 مرسلاً . وسائل الشيعة، ج 2، ص 523، ح 2807.
38- . هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي.
39- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 443، ح 1431؛ الاستبصار، ج 1، ص 203، ح 716؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 525 ، ح 2813.
40- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي.
41- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 441، ح 1424؛ الاستبصار، ج 1، ص 201، ح 707 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 521 ، ح 2802.
42- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 441، ح 1425؛ الاستبصار، ج 1، ص 201، ح 708؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 521 ، ح 2803.
43- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 438، ح 1414؛ الاستبصار، ج 1، ص 197، ح 693؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 532 ، ح 2831.
44- . الاستبصار، ج 1، ص 203، ح 717؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 443، ح 1432؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 518 ، ح 2796.
45- . الخلاف، ج 1، ص 698، المسألة 485 ؛ المبسوط، ج 1، ص 175 . و مثلهما في النهاية، ص 43.
46- . الذكرى، ج 1، ص 310 .
47- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 152.
48- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 151؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 126 عن أبي حنيفة؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 314 .
49- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 151؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 619؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 314 .
50- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 151 152.
51- . المعتبر، ج 1، ص 326 .
52- . الجواب عنهما مذكور في الذكرى، ج 1، ص 311 .

ص: 172

. .

ص: 173

. .

ص: 174

. .

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

. .

ص: 178

. .

ص: 179

باب حدّ الصبيّ الّذي يجوز للنساء أن يغسلنّه

باب حدّ الصبيّ الّذي يجوز للنساء أن يغسلنّهالمشهور بين المتأخّرين جواز تغسيل المرأة ابن ثلاث سنين مجرّدا وإن وجد المماثل (1) ، وكذا تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين مجرّدة، وقيّده الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) بعدم وجود المماثل، وظاهر المحقّق في الشرائع (4) عدم جوازه وإنّما جوّزه فيما دون الثلاث، وجوّز في المعتبر (5) تغسيل المرأة ابن الثلاث اختيارا، ومنع من تغسيل الرجل الصبيّة مطلقاً وإن كانت في أقلّ من ثلاث سنين، فارقاً بينهما بأنّ الشرع أذن في اطّلاع النساء على الصبيّ؛ لافتقاره إليهنّ في التربية، وليس كذلك الصبيّة، والأصل حرمة النظر. وفيه نظر. وجوّز سلّار للمرأة تغسيل ابن خمس سنين مجرّدا (6) على ما حكى عنه في الذكرى، (7) وظاهره عدم تجويزه عكسه كما هو مذهب المفيد في المقنعة، حيث قال : فإن مات صبيّ مسلم بين نسوة مسلمات لا رحم بين واحدة منهنّ وبينه، وليس معهنّ رجل، وكان الصبيّ ابن خمس سنين، غسّله بعض النساء مجرّدا من ثيابه، وإن كان ابن أكثر من خمس سنين غسّلته من فوق ثيابه، وصببن عليه الماء صبّاً، ولم يكشفن له عورة، ودفّنه بثيابه بعد تحنيطه بما وصفناه، فإن ماتت صبيّة بين رجال مسلمين ليس لها فيهم محرم، وكانت بنت (8) أقلّ من ثلاث سنين جرّدوها وغسّلوها، وإن كانت لأكثر من ثلاث سنين غسّلوها في ثيابها، وصبّوا عليها الماء صبّاً، وحنّطوها بعد الغسل ودفنوها في ثيابها. (9) وجوّز الصدوق تغسيل الرجل بنت خمس سنين مجرّدة، وظاهره جواز عكسه أيضاً. (10) وأمّا ما فوق الخمس قبل البلوغ فالظاهر جواز تغسيل كلّ منهما للآخر من وراء الثياب للمحرميّة وقد صرّح به المفيد في المقنعة كما عرفت. وأمّا الأخبار، في ذلك فقد روى الشيخ في التهذيب بسندين أحدهما صحيح والآخر موثّق عن أبي النمير مولى الحارث بن المغيرة النّصري (11) ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : حدّثني عن الصبيّ إلى كم تغسّله النساء؟ فقال : «إلى ثلاث سنين». (12) وعن محمّد بن أحمد بن يحيى، قال : روي مرسلاً، قال روى في الجارية تموت مع الرجل، فقال : «إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ستّ دفنت ولم تغسّل». (13) وقال : «يعني أنّها لا تغسّل مجرّدة من ثيابها». وما احتجّ به الشيخ على ما نقلناه عن المفيد من الأخبار الّتي رويناها في الباب السابق عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليهم السلام ، (14) وعن أبي سعيد، (15) وقد سبقت الإشارة إليه .

.


1- . اُنظر : كشف اللثام، ج 2، ص 222، مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 460.
2- . النهاية، ص 41.
3- . المبسوط، ج 1، ص 176 . و كلامه صريح في جريان الحكم فيما إذا كان لهما دون ثلاث سنين، و أمّا إذا كان لهما ثلاث سنين فبالغا ، فحكمهما حكم الرجال و النساء.
4- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 30 .
5- . المعتبر، ج 1، ص 323 .
6- . المراسم، ص 50 .
7- . الذكرى، ج 1، ص 207 . و حكاه أيضا المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 323.
8- . في المصدر: «ابنة» بدل «بنت».
9- . المقنعة، ص 87 .
10- . المقنع، ص 62 . و كلامه صريح في عدم جواز غسلها للرجال إن كانت بنت خمس سنين، و أما إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين، فلتغسل و لتدفن، و لم يذكر في تجريدها شيئا.
11- . في هامش الأصل: «لكنّه مجهول الحال . منه». وانظر : جامع الرواة، ج 2، ص 420 ؛ طرائف المقال، ج 1، ص 385 ، الرقم 2998؛ و ج 2، ص 52 ، الرقم 7043.
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 341 ، ح 998؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 526 ، ح 2816.
13- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 341 ، ح 999؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 521 522 ، ح 2805.
14- . وسائل الشيعة، ج 2، ص 516 ، ح 2789.
15- . وسائل الشيعة، ج 2، ص 525 526 ، ح 2815.

ص: 180

. .

ص: 181

باب من غسّل الميّت ومن مسّه وهو حارّ، ومن مسّه وهو بارد

باب من غسّل الميّت ومن مسّه وهو حارّ، ومن مسّه وهو باردالمشهور وجوب الغسل على غاسل الميّت إذا مسّه بناءً على وجوب غسل مسّه بعد برده وقبل تطهيره، كما هو المشهور بين الأصحاب، (1) ونسبه في المنتهى (2) إلى أبي هريرة وسعيد بن المسيّب وأبي سعيد والزهري، والشافعي في البويطي، 3 وأحمد في الكافر (3) [خاصة]، وذهب السيّد المرتضى إلى استحبابه، (4) وهو محكي عن ابن عبّاس وابن عمر وعائشة والحسن وأبي حنيفة والنخعي وإسحاق، (5) وعن قول للشافعي . (6) ويدلّ على الأوّل زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وغسل من غسّل ميّتاً واجب». (7) وعن يونس، عن [بعض] رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وغسل من غسّل ميّتاً»، (8) وعدّه من الفروض. وفي الصحيح عن الحلبي، قال : «اغتسل إذا غسّلت ميّتاً». (9) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «الغسل في سبعة عشر موطناً». وعدّ منها: «إذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما برد» . (10) وعن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «وغسل الغاسل للميّت فرض واجب». (11) وكذلك كلّ من مسّه بعد برده بالموت وقبل غسله يجب عليه الغسل، فإن مسّه بعد تطهيره لم يجب عليه شيء، وإن مسّه قبل برده لم يلزمه الغسل ويغسل يده. وأجمع أهل العلم على عدم وجوبه بالمسّ قبل البرد؛ لعدم نجاسته حينئذٍ، ولا بعد تطهيره بالغسل؛ لأنّه حينئذٍ طاهر. ويدلّ أيضاً عليهما طائفة من الأخبار المتقدّمة. وربّما قيل باستحبابه بعد التطهير؛ للجمع بين ما اُشير إليه وبين موثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يغتسل الّذي غسّل الميّت، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسّل». (12) ويؤيّده حسنة الحلبي (13) على ما سيأتي. وهل يجب قبل البرد غسل موضع الملاقاة؟ الظاهر العدم؛ لما عرفت من طهارته حينئذٍ. وقال الشيخ في المبسوط: «يغسل يده»، (14) وظاهره الوجوب، وكأنّه تمسّك بخبر عبد اللّه بن سنان (15) المذكور، وحَملُه على الاستحباب أظهر، ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ أيضاً ذلك. وفي حكم المغسول المقتول قودا ورجماً إذا اغتسل قبل القتل على المشهور؛ لما دلّ على طهارته حينئذٍ. وأوجب ابن إدريس الغُسل بمسّه أيضاً، (16) وهو ضعيف. نعم، لو اغتسل ثمّ مات حتف أنفه أو بسبب آخر غير ما ذكر من القتل يجب الغسل حينئذٍ بمسّه؛ (17) لعموم ما دلّ عليه من غير معارض هنا، كما يجب تغسيله للموت. وفي حكم الميّت القطعة المبانة منه حيّاً أو ميّتاً إذا كانت ذات عظم، بخلاف ما لو كانت خالية عنه؛ لمرسلة أيّوب بن نوح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه». (18) واحتجّ عليه في المنتهى بأنّها بعضه، فيجب فيها ما يجب فيه، وبأنّ المسّ المعلّق عليها الوجوب يصدق بمسّ الجزء، وليس الكلّ مقصودا، و الانفصال لا يغيّر حكماً. (19) وفي الخالية من العظم أوجبوا غسل موضع الملاقاة ولو كانت بيبوسة. (20) ويدلّ عليه حسنة الحلبي (21) وخبر إبراهيم، (22) وقد سبق القول فيه . قوله في حسنة حريز: (قلت فمن أدخله القبر؟ قال : لا غسل عليه إنّما يمسّ الثياب) . [ح 1 / 4417] يفهم منه ثبوت الغسل بمسّ جسده، وحمله الشيخ على الاستحباب، وربّما قيل: المراد منه أنّه ليس محلّ توهّم وجوب الغسل، فإنّه لم يمسّ جسده حتّى يتوهّم الوجوب، وإنّما يمسّ كفنه، وهو غير موجب للغسل ولو كان قبل تطهيره . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (يغمّض عين الميّت) . [ح 2 / 4418] قال طاب ثراه: تغميض الميّت سنّة أجمع عليه المسلمون، ودلّ أيضاً عليه فعل الصادق عليه السلام بابنه إسماعيل. (23) وفي كتب العامّة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله غمّض أبا سلمة ثمّ قال : «إنّ الروح إذا قبض تبعه البصر». (24) والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «إنّ الروح»، إلى آخره تعليل لشخوص البصر المفهوم ضمناً، وذلك أنّ المحتضر يتمثّل له ما يتمثّل، فينظر إليه ولا يرتدّ إليه طرفه، فإذا برد بقيت عينه على تلك الهيئة، ولمّا كانت موجبة لقباحة منظره أمرنا بتغميضه . قوله: (عن الحجّال) . [ح 5 / 4421] الظاهر أنّه الحسن بن عليّ أبو محمّد من أصحابنا القميّين بقرينة رواية محمّد بن عبد الجبّار القمّي عنه، ويحتمل عبد اللّه محمّد الأسدي، وعلى أيّ حال فالخبر صحيح . (25) وظاهر المصنّف قدس سره بقرينة عنوان الباب أنّه حمل النهي عن الغسل بعد الدفن في هذا الخبر على النهي عن الغسل للمسّ بمسّه بعد إدخاله في القبر؛ لكونه طاهرا حينئذٍ، والظاهر من الخبر النهي عن تغسيله إذا دفن قبله، فيدلّ على حرمة نبش القبر ولو لتغسيله. ويؤيّده ما هو مطلق في تحريم نبشه، كما هو مذهب أبي حنيفة على ما حكى عنه في المنتهى؛ (26) معلّلاً بأنّه مُثلَة منهيّ عنها، ولا يبعد حمله على التقيّة .

.


1- . اُنظر: الخلاف، ج 1، ص 222؛ المبسوط، ج 1، ص 40 ؛ غنية النزوع، ص 40 ؛ السرائر، ج 1، ص 124؛ المعتبر، ج 1، ص 351 ؛ المختصر النافع، ص 15؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 41، مدارك الأحكام، ج 2، ص 277؛ الذكرى، ج 2، ص 94؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 91؛ كفاية الأحكام، ج 1، ص 38 ؛ تبصرة المتعلّمين، ص 31 ، تحرير الأحكام، ج 1، ص 137، تذكرة منتهى المطلب، ج 1، ص 438 ؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 312 .
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 452 453.
3- . في الإصل: «الكافي»، و التصويب من المصدر. و كلامه مذكور في فتح العزيز، ج 2، ص 130 131 و لم يقيّد فيه بالكافر، ثمّ قال : «و الجديد أنّه ليس من موجبات الغسل».
4- . حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف، ج 1، ص 222، المسألة 193؛ و المحقق في المعتبر، ج 1، ص 351 عن شرح الرسالة و المصباح .
5- . الخلاف، ج 1، ص 701، المسألة 489.
6- . المحلّى، ج 2، ص 24، فتح العزيز، ج 4، ص 616؛ المجموع للنووي، ج 2، ص 203.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 104، ح 207 . و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 79، ح 176 . و ورد في الاستبصار، ج 1، ص 98، ح 315 بلفظ «من مسّ ميّتا» . وسائل الشيعة، ج 2، ص 173 174، ح 1854.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 105، ح 271؛ الاستبصار، ج 1، ص 98، ح 316؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 174، ح 1855.
9- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 105، ح 273؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 297، ح 3697 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 114 115، ح 302 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 307 ، ح 3718 .
11- . لم أعثر على الحديث بهذا اللفظ . و هذه العبارة بعينها مذكورة في المبسوط، ج 1، ص 179، لكنّها من كلام الشيخ.
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 430، ح 1373؛ الاستبصار، ج 1، ص 100 101، ح 328 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 295، ح 3693 .
13- . هي الرواية 4 من هذا الباب من الكافي.
14- . المبسوط، ج 1، ص 179.
15- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
16- . السرائر، ج 1، ص 167.
17- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 380 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 238؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 82 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 366 ؛ كشف اللثام، ج 2، ص 230؛ مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 477.
18- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 429 430، ح 1369؛ الاستبصار، ج 1، ص 100، ح 325 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 294، ح 3689 .
19- . منتهى المطلب، ج 2، ص 458.
20- . اُنظر: السرائر، ج 1، ص 168؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 458 ؛ عناية الإحكام ج 1، ص 173؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 348 .
21- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي.
22- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي.
23- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 842 ، كمال الدين، ص 72؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 468، ح 2667.
24- . مسند أحمد، ج 6، ص 297؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 38 ؛ مسند أبييعلى، ج 12، ص 458، ح 7030؛ المعجم الكبير للطبراني، ج 23، ص 315 ؛ كتاب الدعاء له أيضا، ص 350 ، ح 1154؛ مسند الشاميّين، ج 3 ، ص 229، ح 2143؛ صحيح ابن حبّان، ج 15؛ ص 515 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 384 ، باب ما يستحبّ من إغماض عينيه إذا مات؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 122، ح 2057؛ كنز العمّال، ج 15، ص 561 ، ح 42172.
25- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 49، الرقم 104 ؛ و ص 26، الرقم 595 ؛ خلاصة الأقوال، ص 105، الرقم 28؛ و ص 193، الرقم 18؛ رجال ابن داود، ص 75 و 122؛ معجم رجال الحديث، ج 5 ، ص 12، الرقم 2924؛ و ج 10، ص 301 ، الرقم 7095.
26- . منتهى المطلب، ج 1، ص 465 (ط قديم) . و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 103 104. و نقله الشيخ الطوسي في الخلاف، ج 1، ص 730، المسألة 560 ؛ و الرافعي في فتح العزيز، ج 5 ، ص 250؛ و ابن قدامة في المغني، ج 2، ص 415 ؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير، ج 2، ص 415 ؛ و القاري في عمدة القاري، ج 8 ، ص 165؛ و السرخسي في المبسوط، ج 2، ص 73؛ و النووي في المجموع للنووي، ج 5 ، ص 300 ؛ و السمرقندي في تحفة الفقهاء، ج 1، ص 253.

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

. .

ص: 185

باب العلّة في غسل الميّت غسل الجنابة

باب العلّة في غسل الميّت غسل الجنابةظاهره أنّ الغسل الّذي لتطهير الميّت إنّما هو غسله بالماء القراح، وأنّ تغسيله بالسدر والكافور إنّما هو لتنظيفه وحفظه عن الهوام، وقد سبق القول فيه. في خبر سليمان : «مخافة أن يُحرَم الحجّ». (1) يُحرَم على البناء للمفعول، والحجّ بالنصب مفعول ثان له، واُقيم مفعوله الأوّل مقام الفاعل . (2)

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- . بعده في الكافي ثلاثة أبواب لم يتعرّض الشارح لها.

ص: 186

باب حدّ حفر القبر واللّحد والشّقّ، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لُحد له

باب حدّ حفر القبر واللّحد والشّقّ، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لُحد لهالواجب في الدفن إنّما هو المواراة في الأرض بحيث يحرس جثّته عن السباع، ويكتم رائحته عن الانتشار مع المكنة، وهو مجمع عليه بين الأصحاب. والمشهور استحباب حفر القبر قدر قامة (1) محتجّين عليه بخبر سهل، (2) وهو استدلال ضعيف لا لضعف الخبر؛ لأنّه وإن كان ضعيفاً ومقطوعاً على ما رواه المصنّف، لكن رواه الشيخ بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، (3) بل لأنّ القائل في «قال بعضهم: إلى الثدي» و«قال بعضهم: إلى القامة» يحتمل أن يكون هو ابن أبي عمير أو غيره من الرواة، بل هو أظهر من أن يكون هو أبا عبد اللّه عليه السلام ، فلا يدلّ الخبر على فضيلة قدر القامة، بل ظاهره أنّ غاية الفضل هو الترقوة. ويؤيّده ما ورد من النهى عمّا فوق ثلاثة أذرع، رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاثة أذرع» (4) ، فإنّ الثلاثة إنّما تكون إلى الترقوة. وقال طاب ثراه نقلاً عن بعض العامّة: «يستحبّ أن لا يعمّق القبر فوق عظم الذراع، (5) وقيل: لعلّ هذا القائل أراد تحديد اللحد. وقيل: يستحبّ تعميقه قدر قامة، (6) وقيل: قامتين». (7) ووجه هذا القول بأنّه أراد في أرض الوحش أو خوف النبش. واللحد بالفتح _ : هو الشّقّ في جانب القبر بقدر ما يمكن أن يجلس فيه عمقاً، ويوضع فيه مضطجعاً عرضاً، وجمعه: لحود كفلس وفلوس، وبالضمّ لغةً فيه، وجمعه: ألحاد، مثل: قفل وأقفالٍ، (8) وهو مستحبّ في غير البادِن؛ لخبري أبي همّام (9) والحلبي. (10) ولفعل أمير المؤمنين عليه السلام كذلك في قبر النبيّ صلى الله عليه و آله . (11) ولما رواه مسلم: أنّ سعد بن أبي وقّاص قال في مرضه الّذي هلك فيه: الحدوا لي لحدا وانصبوا علَيّ اللبن نصباً، كما صنع برسول اللّه صلى الله عليه و آله . (12) وما رواه في المنتهى من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «اللحد لنا، والشقّ لغيرنا». (13) والمراد بالشقّ: حفر القبر واسعاً من غير لحد، وهو جائز إجماعاً مطلقاً، ومستحبّ إذا كان الميّت بادناً لوصيّة أبي جعفر عليه السلام بذلك في قبره. (14) وما ذكر من الجمع هو أظهر من حمل خبر الشقّ على التقيّة، كما حمله المحقّق الأردبيلي؛ (15) لما نقل طاب ثراه من اتّفاق الفريقين على أفضليّة اللّحد. وحكى عن أبي عبد اللّه الآبي أنّه قال : «اللحد عند العلماء أفضل»، (16) وكذا من الجمع، بأنّ اللحد أفضل في الأرض الصلبة، والشقّ في الرخوة كما هو منقول عن العلّامة في النهاية، (17) فإنّ اللحد والشقّ كلاهما وقعا للنبيّ والصادق عليهما السلام في أرض المدينة، (18) وهي كانت صلبة قويّة . قوله في خبر سهل بن زياد: (حتّى يبلغ الرُسخ) . [ح 1 / 4434] هو بضمّ الراء وسكون السين المهملة والخاء المعجمة: معرّب رُست، (19) وفي التهذيب : «حتّى يبلغوا» (20) بصيغة الجمع .

.


1- . اُنظر: الخلاف، ج 1، ص 705، المسألة 502 ، الرسائل العشر للشيخ الطوسي، ص 167؛ المبسوط، ج 1، ص 187؛ النهاية، ص 44 ؛ مصباح المتهجّد، ص 22؛ الوسيلة، ص 68؛ السرائر، ج 1، ص 170؛ غنية النزوع، ص 106، المختصر النافع، ص 14، شرائع الإسلام، ج 1، ص 35 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 88 ؛ تبصرة المتعلّمين، ص 30 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 131؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 273؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 438 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 99، مدارك الأحكام، ج 2، ص 37؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 339 ؛ كفاية الأحكام، ج 1، ص 112. و في كثير منها زيادة: «أو إلى الترقوة».
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
3- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1469؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 165، ح 3302 . و لايخفى أنّ صحة الحديث مبنيّ على القول بأنّ ابن أبي عمير لايرسل إلّا عن ثقة، و الحقّ عدم تمامية ذلك؛ على ما حقّقه كثير من الفقهاء و الرجاليّين، و لافائدة في صحّة السند إلى ابن أبي عمير إذا كان بعده مرسلاً . فانظر ترجمة ابن أبي عمير من معجم رجال الحديث.
4- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1466؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 165، ح 3301 .
5- . لم أعثر عليه.
6- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 378 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 378 ؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 124؛ تحفة الأحوذي، ج 5 ، ص 303 ؛ عون المعبود، ج 9، ص 25.
7- . لم أعثر عليه، و حكي عن عمر أنّه أوصى بتعميق قبره قدر قامة و بسطة، و هو قدر ما يقوم الرجل و يبسط يده . اُنظر: فتح العزيز، ج 5 ، ص 201؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 286، روضة الطالبين للنووي ، ج 1، ص 648 ، وقال باستحباب ذلك و لم ينسبه إلى عمر . و مثله في : فتح الوهّاب، ج 1، ص 172؛ المغني، ج 2، ص 378 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 378 . و في الأخيرين نسب القول إلى أبي الخطّاب و الشافعي.
8- . اُنظر: مجمع البحرين، ج 4، ص 122 ؛ النهاية، ج 4، ص 236 (لحد) .
9- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1468؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 166، ح 3304 .
10- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1467؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 166، ح 3303 .
11- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 183؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 237؛ مستدرك الوسائل، ج 2، ص 315 ، ح 2071.
12- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 61؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 496، ح 1556؛ سنن النسائي، ج 4، ص 80 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 648، ح 2134 و 2135؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 386 ، معرفة السنن والآثار له أيضا، ج 3 ، ص 124، ح 2060.
13- . مسند أحمد، ج 4، ص 357 و 359 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 496، ح 1554 و 1555؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 81 ، ح 3208 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 254 255، ح 1050؛ سنن النسائي، ج 4، ص 80 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 648، ح 2136؛ مسند الطيالسي، ص 92؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 477، ح 6385؛ مسند الحميدي ج 2، ص 353 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 408 ؛ المعجم الكبير للطبراني، ج 2، ص 317 _ 320 ؛ و ج 12، ص 29.
14- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1468؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 166، ح 3304 .
15- . مجمع الفائدة و البرهان، ج 2، ص 481.
16- . لم أعثر عليه.
17- . نهاية الإحكام، ج 2، ص 274.
18- . أمّا اللحد للنبي صلى الله عليه و آله فقد تقدّم آنفا، و أمّا الشقّ للصادق عليه السلام فلَم أعثر عليه، و تقدّم آنفا وصيّة الباقر عليه السلام بالشقّ.
19- . في المطبوع من الكافي : «الرُشح».
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451 452، ح 1469؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 165، ح 3302 .

ص: 187

. .

ص: 188

باب أنّ الميّت يؤذن به الناس

باب أنّ الميّت يؤذن به الناسيستحبّ عندنا إعلام الناس بموته، ليكثروا على تشييعه والصلاة عليه، فيؤجروا ويكثر الدعاء عليه. قال طاب ثراه: لا خلاف فيه عند أصحابنا، واختلفت العامّة فيه، لاختلاف رواياتهم، قال محيي الدين البغوي: (1) كرهه بعضهم مطلقاً، منهم حذيفة وابن المسيّب وبعض أصحاب ابن مسعود، وكرهه مالك على باب المسجد وفي الأسواق، واستحبّه بعضهم مطلقاً. وحملوا النهي عنه على إعلام الجاهليّة، وهو ما صحبه صراخ أو ما كانوا يفعلونه، كانوا إذا مات فيهم شريف بعثوا راكباً ينعاه في القبائل. وكيفيّة الإعلام المستحبّ أن لا يصحبه رفع صوت على المشهور، وصرّح بجوازه المحقّق الأردبيلي، (2) وهو منقول عن التذكرة (3) والمعتبر، (4) وقال الآبي: بعض من استحبّه صرّح بكراهة رفع الصوت؛ لأنّه بدعة، واستحبّه بعضهم، وقال : هذا وإن كان بدعة لكنّه يجوز لمصلحة شهود الصلاة عليه والتبرّك بسائر ما يتعلّق به. وأمّا الإيذان بالصراخ والبكاء كما هو المتعارف في بعض البلدان فالظاهر أنّه بدعة من عادات الجاهليّة، والظاهر عدم اختصاص ذلك بأولياء الميّت، فيستحبّ لغيرهم، وأيضاً لعموم خبري..... (5) . نعم، هم أولى بذلك؛ للجمع بينهما وبين حسنتي أبي ولاّد وعبد اللّه بن سنان . (6)

.


1- . كذا في الأصل، و هو الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي ، المتوفّى سنة (516 ه ) و المعروف في لقبه : «محيى السنّة» . من آثاره شرح السنّة، مصابيح السنّة، معالم التنزيل، التهذيب في فقه الشافعي . و لعلّ الصحيح هنا: «النووي» ، و هو أبو زكريّا يحيى بن شرف الدمشقي، المولود سنة (631 ه ) و المتوفّي وسنة 676 . من آثاره: تهذيب الأسماء و اللغات، التبيان في آداب حملة القرآن، روضة الطالبين، رياض الصالحين، المجموع للنووي، و كلامه هذا مع مغايرة في اللفظ مذكور في المجموع للنووي، ج 5 ، ص 215 216 ؛ و الأذكار النوويّة، ص 154.
2- . مجمع الفائدة، ج 2، ص 475.
3- . تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 344 .
4- . المعتبر، ج 1، ص 262.
5- . بياض في الأصل بقدر كلمتين، و لعلّ مراده خبرى ذريح و القاسم بن محمد، و هما ح 2 و 3 من هذا الباب من الكافي.
6- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452، ح 1470؛ علل الشرائع، ج 1، ص 301 ، الباب 240، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 59 ، ح 3017 .

ص: 189

. .

ص: 190

باب القول عند رؤية الجنازة

باب القول عند رؤية الجنازةيستحبّ أن يُقال عندها ما يدلّ على تصديق الموت والحشر ، كما يدلّ عليه خبر عنبسة ، (1) وما يتضمّن الشكر على البقاء والحياة ، كما يدلّ عليه الخبران الأوّلان ، وإن كان تمنّي الموت أيضاً مطلوباً شرعاً ؛ لوجوب شكر اللّه على كلّ حال . وقال الشهيد في الذكرى: ولا ينافي هذا حبّ لقاء اللّه ؛ لأنّه غير مقيّد بوقت، فيُحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحبّ، كما روينا عن الصادق عليه السلام ، (2) ورووه في الصحاح عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه». قيل له صلى الله عليه و آله : إنّا لنكره الموت . فقال : «ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بُشّر برضوان اللّه و كرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء اللّه وأحبّ اللّه لقاءه ، وأنّ الكافر إذا حُضر بشّر بعذاب اللّه ، فليس شي?أكره إليه ممّا أمامه، وكره لقاء اللّه [فكره اللّه لقاءه]» . (3) وبقيّة عمر المؤمن نفيسة ، كما أشار إليه النبيّ صلى الله عليه و آله في الصحاح : «لا يتمنّ أحدكم الموت، ولا يَدعُ به من قبل أن يأتيه ، إنّه إذا مات انقطع عمله، وإنّه لا يزيد المؤمن في عمره إلّا خيرا». (4) وقال عليّ عليه السلام : «بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها، يدرك بها ما فات، ويحيي بها ما مات» (5) . (6) قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة: (من السواد المخترم) . [ح 1 / 4441] يقال : اخترم فلان مبنيّاً للمفعول أي مات. وفي الذكرى: «ويجوز أن يُكنّى بالمخترم عن الكافر ؛ لأنّه الهالك على الإطلاق [بخلاف المؤمن]، أو يراد بالمخترم من مات دون أربعين سنة ». (7) وقد قال في موضع آخر : وعن الباقر عليه السلام : «من مات دون الأربعين فقد اختُرم، ومن مات دون أربعة عشر يوماً فموته موت فجأة» . (8) فإن استند في المعنى الأخير بهذا الخبر ففيه تأمّل .

.


1- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452، ح 1471؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 175، ح 3279 .
2- . الكافي، ج 3، ص 134، باب ما يعاين المؤمن و الكافر، ح 12؛ معاني الأخبار، ص 236، باب معنى ما روى أنّ مَن أحبّ لقاء اللّه تعالى أحبّ اللّه لقاءَه...، ح 1؛ كتاب الزهد لحسين بن سعيد الأهوازي، ص 83 ، ح 220.
3- . مسند أحمد، ج 3 ، ص 70؛ و ج 4، ص 259 260؛ صحيح البخاري، ج 7، ص 191؛ صحيح مسلم، ج 8 ، ص 65؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 312 ، سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1425، ح 4264 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 1، ص 64، ح 1964؛ سنن النسائي، ج 4، ص 9 و 10؛ مسند ابن راهوية، ج 3 ، ص 715، ح 777؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 265، ح 1073؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 587586 ، ح 6748؛ مسند ابن الجعد، ص 455 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 94، ح 184؛ الآحاد والمثاني، ج 3 ، ص 430، ح 1863؛ مسند أبييعلى، ج 6، ص 469 470، ح 3877 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 279؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج 3 ، ص 283؛ و ج 4، ص 338 . و ما بين الحاصرتين من المصادر.
4- . مسند أحمد، ج 2، ص 316 ؛ صحيح مسلم، ج 8 ، ص 65؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 377 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 285؛ كنز العمّال، ج 2، ص 93، ح 3294 .
5- . الدعوات للراوندي، ص 122، ح 298؛ مجمع البيان، ج 1، ص 313 ، في تفسير الآية 96 من سورة البقرة، و فيه : «ما أمات» بدل «ما مات».
6- . الذكرى، ج 1، ص 389 390 .
7- . الذكرى، ج 1، ص 390 . و ما بين الحاصرتين منه.
8- . الذكرى، ج 1، ص 284. الكافي، ج 3، ص 119، من باب حدّ موت الفجأة، ح 1؛ مستدرك الوسائل، ج 2، ص 146 147، ح 1661.

ص: 191

باب السنّة في حمل الجنازة

باب السنّة في حمل الجنازةيستحبّ حملها كيفما اتّفق على ما دلّ عليه ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد، عن الحسين، قال : كتبت إليه أسأله عن سرير الميّت يُحمل، ألهُ جانب يُبدأ به في الحمل من جوانبه الأربع أو ما خفّ على الرجل، يحمل من أيّ الجوانب شاء ؟ فكتب : «من أيّها شاء». (1) ويتأكّد حملها من جوانبها الأربعة، ويقال له: التربيع، لمّا رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : «من أخذ بجوانب السرير الأربعة غفر اللّه له أربعين كبيرة». (2) وعنه عليه السلام قال : «من أخذ بقوائم السرير غفر اللّه له خمساً وعشرين كبيرة، وإذا ربّع خرج من الذنوب». (3) وعنه عليه السلام أنّه قال لإسحاق بن عمّار : «إذا حملت جوانب سرير الميّت خرجت من الذنوب كما ولدتك اُمّك» . (4) وروى الجمهور عن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال : إذا أتبع أحدكم الجنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربعة، ثمّ ليتطوّع بعد أو ليذر، فإنّه مِن السنّة. (5) وأفضل أنواع التربيع على ما قاله الشيخ في الخلاف: أن يبدأ بميسرة الجنازة ويأخذها بيمينه، ويتركها على عاتقه، ويرفع الجنازة ويمشي إلى رجليها، ويدور عليها دور الرحى إلى أن يرجع إلى ميمنة الجنازة، فيأخذ ميامنها بمياسره. (6) وحكاه عن سعيد بن جبير والثوري وإسحاق. (7) ويدلّ عليه خبر عليّ ين يقطين (8) وخبر الفضل بن يونس (9) أيضاً ، فإنّ الظاهر أنّ المراد باليد فيه يد الميّت. وقال في النهاية والمبسوط : «يبدأ بمقدّم السرير الأيمن، يمرّ عليه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر، ثمّ يمرّ عليه حتّى يرجع إلى المقدّم، كذلك دور الرحا». (10) ويدلّ عليه خبر العلاءبن سيابة: (11) وقال صاحب المدارك: «ومثله روى الفضل بن يونس عن الكاظم عليه السلام » (12) وهذه الرواية أظهر في المعنى الأوّل كما أشرنا إليه، والظاهر تسوية هاتين الطريقتين في الفضل، وهو المشهور بين المتأخّرين. وقال الشهيد الثاني في شرح اللمعة: أفضله يعني أفضل أنواع الترتيب (13) أن يبدأ [في الحمل] بجانب السرير الأيمن؛ وهو الّذي يلي يسار الميّت، فيحمله بكتفه الأيمن، ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيمن، فيحمله بالأيمن كذلك، ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيسر، فيحمله بالكتف الأيسر ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيسر، فيحمله بالكتف الأيسر كذلك. (14) فقد رجّح خبر العلاء بن سيابة ، لكنّ الظاهر أنّه على هذا الخبر يحمل السرير من جانبيه الأيمنين بكتفه الأيسر، ومن جانبيه الأيسرين بكتفه الأيمن في مطلق الجنائز كما هو المتعارف. وما ذكره إنّما يتصوّر في المَحَفّة والزنبل وشبههما من الجنائز ذوات العمودين مشياً من بينهما، وقد شاهدت ذلك من سبطه المحقّق الشيخ عليّ، (15) وهو خلاف المتعارف . وما ذكرناه من فضل التربيع محكيّ في الخلاف (16) عن أبي حنيفة (17) والثوري، (18) وحكى فيه عن الشافعي أنّه قال : «الأفضل أن يجمع بين التربيع والحمل بين العمودين، فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالأفضل الحمل بين العمودين». (19) وحكى مثله عن مالك أيضاً. (20) وعن أحمد أنّهما سواء . (21) ويظهر من خبر الفضل بن يونس أنّ الأفضل عندهم البدأة باليد اليمنى للميّت بأن يضع جانب السرير الأيسر على عاتقه الأيمن ثمّ بالرجل اليسرى له، ويرجع إلى مقدّم السرير، ويدور بين يديه إلى الجانب الأيمن للسرير واليد اليسرى للميّت لا من خلفه، ونقله في [فتح] العَزيز عن الشافعيّ، وحكى فيه عن نصّ الشافعيّ: أنّ من أراد التبرّك بحمل الجنازة من جوانبها الأربعة بدأ بعمود الأيسر من مقدّمها، فيحمله على عاتقه الأيمن، ثمّ يسلّمه إلى غيرها، ويأخذ العمود الأيسر من مؤخّرها فيحمله على عاتقه الأيمن أيضاً، ثمّ يتقدّم فيعرض بين يديها؛ لئلّا يكون ماشياً خلفها، فيأخذ العمود الأيمن من مقدّمها ويحمله على عاتقه الأيسر، ثمّ يأخذ العمود الأيمن من مؤخّرها. (22) ثمّ قال : وذكر للتربيع سوى هذا المعنى معنىً آخر، وهو: أن يحمل الجنازة أربعة نفر، وإنّما سُمّي هذا تربيعاً لأنّ الجنازة محمولة أربعة في مقابلة الحمل بين العمودين. وقال : الحمل بين العمودين أن يتقدّم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمودان على عاتقيه، والخشبة المعترضة بينهما على كتفه، ويحمل مؤخّر الجنازة رجلان أحدهما من الجانب الأيمن والثاني من الأيسر، فيكون الجنازة محمولة [على ]ثلاثة، فإن لم يستقلّ المتقدّم بالحمل أعانه رجلان خارج العمودين، يضع كلّ واحدٍ منهما واحدا على عاتقه، فيكون الجنازة محمولة [على ]خمسة . (23)

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 453 454، ح 1477 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 216، ح 766. و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 162، ح 462 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 155، ح 3273 .
2- . الفقيه، ج 1، ص 161، ح 454. و رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 174، باب ثواب من حمل جنازة، ح 3 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 154، ح 3268 .
3- . الفقيه، ج 1، ص 162، ح 459 . و رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 174، باب ثواب من حمل جنازة، ح 2 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 154، ح 3267 .
4- . الفقيه، ج 1، ص 162، ح 460 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 154 155، ح 3271 .
5- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 20، باب من حمل الجنازة فدار على جوانبها الأربعة؛ مسند الطيالسي، ص 44.
6- . الخلاف، ج 1، ص 718، المسألة 531 .
7- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 2، ص 365 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 359 .
8- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 453، ح 1475؛ الاستبصار، ج 1، ص 216، ح 764؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 156، ح 3276 .
9- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452 453، ح 1473؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 156، ح 3275 .
10- . النهاية، ص 37 ، المبسوط، ج 1، ص 183.
11- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. الاستبصار، ج 1، ص 216، ح 763؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 156، ح 3277 .
12- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 126. و الحديث هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
13- . كذا، والمناسب : «التربيع».
14- . شرح اللمعة، ج 1، ص 430.
15- . لم أعثر على كلامه.
16- . الخلاف، ج 1، ص 717، المسألة 530 .
17- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 270؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 365 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 359 ؛ كشّاف القناع، ج 2، ص 149؛ المحلّى، ج 5 ، ص 167؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 309 .
18- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 270.
19- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 307 و 310 ؛ مختصر المزني، ص 37 ؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 141 141؛ حواشي الشرواني و العبادي على تحفة المحتاج، ج 3 ، ص 129. روضة الطالبين، ج 1، ص 629؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 269 و 270؛ المغني، ج 2، ص 365 .
20- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 270؛ المغني، ج 2، ص 365 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 359 ، المحلّى، ج 5 ، ص 167 ، و فيه: «يحمل النعش كما يشاء الحامل، إن شاء من أحد قوائمه، و إن شاء بين العمودين».
21- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 270. و حكى عنه الرافعي في فتح العزيز، ج 5 ، ص 142 أفضليّة التربيع . و عن مالك: أنّهما سواء.
22- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 142 . و حكاه أيضا النووي في المجموع، ج 5 ، ص 269؛ و في روضة الطالبين، ج 1، ص 629.
23- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 140 141.

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

باب المشي مع الجنازة

باب المشي مع الجنازةالمشهور بين الأصحاب استحباب المشي خلف الجنازة أو أحد جانبيها، وبه قال أبو حنيفة على ما حُكي عنه في العزيز. (1) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن السكوني، عن جفعر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال : «سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب». (2) وما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري، قال : سألت عليّاً عليه السلام فقلت: أخبرني يا أبا الحسن عن المشي مع الجنازة، فقال : «فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على النافلة» . فقال : أتقول هذا برأيك أم سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : «لا بل سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (3) وعن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الجنازة متبوعة ولا تَتَبع، ليس منّا من تَقَدَّمها». (4) ولم يفرّق الأكثر في ذلك بين جنازة المؤمن والمخالف، ولا بين صاحب الجنازة وغيره. وذهب ابن أبي عقيل إلى وجوب ذلك خلف جنازة المعادي لذي القُربى وهو الظاهر في مطلق المخالف؛ معلِّلاً باستقبال ملائكة العذاب إيّاه على ما حكى عنه في الذكرى (5) بخبر السكوني، (6) وصحيحة أبي بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة يمشى أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ؟ قال : «إن كان مخالفاً فلا تمش أمامه، فإنّ ملائكة العذاب يستقبلونه بأنواع العذاب» . (7) وعن ابن الجنيد استحباب مشي صاحب الجنازة أمامها؛ محتجّاً بما رواه الحسين بن عثمان: أنّ الصادق عليه السلام تقدّم سرير ابنه إسماعيل، (8) وهو مع ضعفه بالجوهري (9) يحتمل التقيّة؛ لموافقته للمشهور بين العامّة، ففي العزيز: «المشي أمام الجنازة أفضل، وبه قال مالك، ويروى مثله عن أحمد.» (10) واحتجّ عليه بما روي عن ابن عمر، قال : «رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة.» (11) وردّه الشهيد في الذكرى بعدم ثبوت ذلك عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعدم حجّيّة فعل أبي بكر وعمر. (12) وحكي عن رواية عن أحمد أنّه إن كان راكباً سار خلفها، وإن كان راجلاً فقدّامها، (13) وقد نقلوا عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال : «الراكب يمشي خلف الجنازة، والماشي خلفها وأمامها وعن جانبها قريباً منها .» (14) قوله في خبر إسحاق : (المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها) . [ح 1 / 4448] روى في التهذيب عن المصنّف بهذا السند بعينه، وفي آخره : «ولا بأس بأن يمشي بين يديها»، (15) وكأنّه سقط ذلك من نسّاخ الكتاب.

.


1- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 142.
2- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 311 ، ح 901؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 149، ح 3253 .
3- . ناسخ الحديث و منسوخه لابن شاهين، ص 388 ، ح 328 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 447، ح 6267؛ كنز العمّال، ج 15، ص 722 723، ح 42879.
4- . مسند أحمد، ج 1، ص 394 ، و ص 415، و 419، و 476 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 239، ح 1016؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 22، و 25؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 164، في المشي أمام الجنازة ؛ مسند أبييعلى، ج 8 ، ص 452، ح 5038 ؛ و ج 9، ص 87 ، ح 5154 ؛ المعجم الأوسط، ج 2، ص 339 ؛ كنز العمّال، ج 15، ص 592 ، ح 42330 و 42331 . و المذكور في بعضها: «ليس معها» . و في بعضها: «ليس معهما» بدل : «ليس منّا».
5- . الذكرى، ج 1، ص 391 .
6- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 150، ح 3256 .
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 312 ، ح 905؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 150، ح 3258 .
8- . الكافي، ج 3، ص 204، باب التعزيه و ما يجب على صاحب المصيبة، ح 5 ؛ الفقيه، ج 1، ص 177، ح 524 ؛ الإرشاد، ج 2، ص 209؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 463، ح 1513؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 441 442، ح 2592.
9- . الجوهري هو القاسم بن محمّد الراوي عن الحسين بن عثمان. راجع معجم رجال الحديث.
10- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 142.
11- . مسند أحمد، ج، 2، ص 8 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 475، ح 1482؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 74، ح 3179 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 237 238، ح 1012 و 1013؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 23، باب المشي أمام الجنازة؛ مسند الطيالسي، ص 250؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 276؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 162، الباب 63 من كتاب الجنائز، ح 1؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 1 ص 632، ح 2071؛ مسند أبييعلى، ج 9، ص 298، ح 5421 ؛ و ص 368 ، ح 5482 ؛ و ص 398 ، ح 5532 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 319 ؛ المعجم الأوسط، ج 1، ص 40 ؛ و ج 6، ص 264؛ المعجم الكبير، ج 2، ص 221؛ ناسخ الحديث و منسوخه، ص 384 385 ، ح 325 .
12- . الذكرى، ج 1، ص 391 .
13- . فتح العزيز، ج 5، ص 142.
14- . سنن أبي داود، ج 2، ص 74، الرقم 3180 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 24 25؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 153، ح 2121؛ مسند أحمد، ج 4، ص 249 عن المغيرة بن شعبة و لم يرفعه؛ كنز العمّال، ج 15، ص 592 593 ، ح 42335.
15- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 311 ، ح 902.

ص: 196

. .

ص: 197

باب كراهية الركوب مع الجنازة

باب كراهية الركوب مع الجنازةفي المنتهى: «يكره الركوب مع الجنائز، وهو قول العلماء كافّة». (1) وحكى طاب ثراه أيضاً عن القرطبي أنّه قال : «العلماء كرهوا الركوب في تشييعها، وذكروا فيه حديثاً». (2) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه أبو داود من طرق العامّة، قال : واُتي يعني النبيّ صلى الله عليه و آله بدابّة وهو مع جنازة، فأبى أن يركبها، فلمّا انصرف اُتي بها، فركبها، فقيل له في ذلك: فقال : «إنّ الملائكة كانت تمشي معي، فلم أكن لأركب وهم يمشون». (3) وفي حديث ثوبان أيضاً على ما رواه الترمذي _: خرجنا معه في جنازة، فرأى ناساً ركباناً فقال : «ألا تستحيون أنّ الملائكة على أقدامها وأنتم على ظهور الدوّاب». (4) ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه قال : «لا يركب صاحب الجنازة ولا أهله ولا اخوان الميّت». (5) وظاهره تخصيص النهي عنه بهؤلاء كما هو ظاهر «الصاحب» في مرسلة ابن أبي عمير، (6) ولأنّ مشيهم من الأداب رعاية للمشيّعين المشاة، والأظهر عموم الكراهة وتأكّدها في هؤلاء، ولا ريب أنّ الكراهة إنّما هي في حال الاختيار دون العذر من المشي. قوله في صحيحة عبد الرحمن: (إنّي لأكره أن أركب والملائكة يمشون) . [ح 2 / 4456] قال طاب ثراه: استدلّ العلّامة في المنتهى بهذا الخبر على الكراهة، (7) وردّه الفاضل الأردبيلي بأنّه أخصّ من المدّعى، (8) ولعلّ وجه ذلك أنّه احتمل اختصاص الحكم بالنبيّ صلى الله عليه و آله بل بخصوص تلك الجنازة؛ لاحتمال اختصاص مشي الملائكة معها بها . والجواب: أنّ الاستدلال ظاهر، والظاهر عموم ما كرّهه النبيّ صلى الله عليه و آله على نفسه إلى أن يعلم الاختصاص، ومشي الملائكة غير مختصّ بتلك الجنازة كما هو ظاهر بعض ما ذكر من الأخبار.

.


1- . منتهى المطلب، ج 1، ص 445 (ط قديم) .
2- . لم أعثر على كلام القرطبي، و سيأتى الحديث.
3- . سنن أبي داود، ج 2، ص 74، ح 3177 .
4- . سنن الترمذي، ج 2، ص 239 240، ح 1017 . و ورد أيضا في : المستدرك للحاكم، ج 1، ص 355 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 23؛ مسند الشاميّين، ج 1، ص 273، ح 467 ؛ كنز العمّال، ج 15، ص 723، ح 42880.
5- . الذكرى، ج 1، ص 392 .
6- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 152 153، ح 3264 .
7- . منتهى المطلب، ج 1، ص 445 (ط قديم) .
8- . مجمع الفائدة والبرهان، ج 2، ص 468.

ص: 198

. .

ص: 199

باب من يتبع جنازة ثمّ يرجع

ثواب من مشى مع جنازة

باب من يتبع جنازة ثمّ يرجعينبغي للمشيّع أن لا يرجع حتّى يُدفن الميّت وإن أذن له صاحب المصيبة؛ لخبر سهل، (1) أو صدر عن بعض المشيّعين معصية، لحسنة زرارة . (2)

ثواب من مشى مع جنازةغرضه قدّس سرّه بقرينة أخبار الباب بيان أفضليّة المشي عن الركوب، وبيان تفاوت مراتب التشييع. ويدلّ على الأوّل زائدا على ما ذكره هنا ما سبق في الباب السابق. وأمّا الثاني ففي المنتهى: أدنى مراتب تشييع الجنازة أن يتبعها إلى المصلّى، فيصلّى عليها، وأوسطها أن يتبعها إلى القبر ويقف حتّى يدفن، وأكمله الوقوف بعد الدفن ليستغفر له ويسأل اللّه تعالى له الثبات على الاعتقاد عند سؤال الملكين. (3) ويدلّ عليه أيضاً زائدا على ما رواه هنا ما سبق في بعض الأبواب السالفة، وقد ورد من طريق العامّة في حديث البراء : «من شهد حتّى يدفن كان له قيراطان». (4) وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كان إذا دفن ميّتاً وقف وقال : «استغفر له وأسأل اللّه التثبّت، فإنّه الآن يُسأل». (5) وروى مسلم عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من صلّى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتّى يوضع في القبر فله قيراطان» قال : قلت: يا باهريرة، ما القيراط؟ قال : مثل اُحد . (6) قوله في خبر عمرو بن شمر (7) : (كان له قيراط من الأجر) . [ح 4 / 4463] قال طاب ثراه: قال الجوهري: القيراط نصف دانق، وأصله قِرّاط بالتشديد؛ لأنّ جمعه قراريط فاُبدل من أحد حرفي تضعيفه ياءً على ما ذكرناه في دينار، وأمّا القيراط الّذي في الحديث فقد جاء في تفسيره فيه أنّه مثل جبل اُحد. (8) وقال الآبي: القيراط جزء من الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين، (9) وتفسيره بجبل اُحد تفسير لما هو المقصود. وقال المازري: المراد من قوله : «قيراطان» تمام قيراطين، قيراط للصلاة، وقيراط للاتّباع، وهو مثل قوله تعالى «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ» ، ثمّ قال تعالى: «وَ قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَ تَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ» (10) ، أي في تمام أربعة أيّام: اليومان الأوّلان اللذان فيهما خلق الأرض، واليومان الآخران اللذان فيهما تقدير الأقوات. والاقتصار هنا على قيراط وقيراطين للصلاة والدفن، فلا ينافي ما سيجيء في رواية الأصبغ بن نباتة : «أنّ له أربعة قراريط»؛ (11) لأنّ قيراطين فيها لأجل المتابعة إلى الدفن وللتعزية.

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي، و ينتهي سنده إلى زرارة.
2- . هي الرواية 3 من هذا الباب من الكافي . و بعده في الأصل: «قوله: في خبر سهل بن زياد: و لا تعنّى». و لم يذكر بعده شي، فلم أذكره في المتن.
3- . منتهى المطلب، ج 1، ص 445 (ط قديم) .
4- . مسند أحمد، ج 4، ص 294؛ و ج 2، ص 2.
5- . سنن أبي داود، ج 2، ص 84 ، ح 3221 ؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 370 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 56 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 2، ص 191 192، ح 2184؛ كنزالعمّال، ج 7، ص 158، ح 18514؛ و ج 15، ص 557 ، ح 42160. و في الجميع: «استغفروا» و «اسألوا» بصيغة الجمع، و «التثبيت» بدل «التثبّت».
6- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 51 . و نحوه في صحيح البخاري، ج 2، ص 90؛ سنن أبي داود، ج 3 ، ص 202، ح 3168 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 252، ح 1045؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 444 ؛ سنن النسائي، ج 8 ، ص 121؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 6، ص 537 ، ح 11763؛ سنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 412 ؛ المعجم الأوسط، ج 6، ص 203، صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 349 .
7- . عمرو بن شمرو يروى عن جابر عن أبي جعفر .
8- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1151 (قرط) .
9- . لم أعثر على كلام الآبي، و لكنّ هذا المعنى بعينه موجود في النهاية لابن الأثير ، ج 4، ص 42 (قرط) .
10- . فصّلت (41) : 9 10 .
11- . هي الرواية 7 من هذا الباب من الكافي. الفقيه، ج 1، ص 161، ح 451 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 455، ح 1484؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 145، ح 3242 .

ص: 200

. .

ص: 201

باب ثواب من حمل الجنازة

باب جنائز الرجال والنساء والصبيان والأحرار والعبيد

باب ثواب من حمل الجنازةغرضه قدّس سرّه من وضع هذا الباب بيان ثواب أصل حملها، ومن باب السنّة في حمل الجنازة بيان كيفيّته، وقد روينا بعض ما يتعلّق بهذا الباب ثمّة؛ لكشفه عن ذلك أيضاً، ولو جمعهما في بابٍ واحدٍ لكان أحسن. قوله في مرسلة سليمان بن خالد: (من أخذ بقائمة السرير) ، إلخ. [ح 2 / 4469] فإن قيل: هذا الخبر ينافي مرسلة عيسى بن راشد (1) من وجهين، أحدهما: أنّه إذا غفر بأخذ قائمة خمساً وعشرين فينبغي أن يغفر بأخذ القوائم الأربع مئة كبيرة، وهي تدلّ على العفو عن أربعين. وثانيهما: أنّ هذا الخبر يدلّ على مغفرة جميع الذنوب بالتربيع، وهي إنّما تدلّ على العفو عن أربعين كبيرة به. قلنا: عن الأوّل أنّه قد يتخلّف حكم الكلّ عن حكم الأجزاء بناءً على ما هو المقرّر من عدم اقتضاء مجموع على مجموع ترتيب الأجزاء على الأجزاء. وعن الثاني أنّه يمكن حمل التربيع في هذا الخبر على أحد نوعيه المتقدّمين، وفي تلك المرسلة على أخذ القوائم الأربع على غير هذين النوعين، أو ابتناء التفاوت على تفاوت مراتب الأموات والحاملين في الصلاح والفضل والنيّات وغيرها ممّا يوجب التفاوت فيالأجر والثواب.

باب جنائز الرجال والنساء والصبيان والأحرار والعبيدإذا حضرت جنائز متعدّدة تخيّر الإمام في الصلاة عليهم بين أن يصلّي على كلّ واحد بانفراده أو على الجميع، أو أن يجمع طائفة ويفرّق آخرين، كما فعل النبيّ صلى الله عليه و آله بشهداء اُحد (2) إذا لم يوجد الخوف على أحدهم، ولو خيف على بعضهم قُدّم في الصلاة، ولو خيف على الجميع صلّى عليهم صلاة واحدة، واطلاق الأخبار جواز الجمع ولو كانوا جماعة يجب الصلاة على بعضهم ويستحبّ على آخرين، فيكتفي بنيّة القربة. وقال الشهيد في الذكرى: إنّه «حينئذٍ يمكن الاكتفاء بنيّة الوجوب؛ لزيادة الندب تأكيدا». (3) وهو كما ترى. وجوّز العلّامة في التذكرة نيّة الوجوب والندب معاً على التوزيع (4) معلّلاً بعدم التنافي، لاختلاف الاعتبارين. وبذلك يندفع الإشكال الّذي ذكره الشهيد من أنّه فعل واحد من مكلّفٍ واحد، فكيف يقع على وجهين؟! وإذا صلّى على رجل وامرأة فالمستحبّ عند أكثر الأصحاب وغيرهم أن يوضع الرجل ممّا يلي الإمام، والمرأة وراءه. ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة والحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : في الرجل والمرأة، كيف يُصلّى عليهما؟ فقال : «يجعل الرجل وراء المرأة، ويكون الرجل ممّا يلي الإمام». (5) وما رواه الجمهور عن عمّار بن أبي عمّار، قال : شهدت جنازة اُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام وابنها زيد بن عمر، فوضع الغلام بين يدي الإمام والمرأة خلفه، وفي الجماعة الحسن والحسين عليهماالسلاموابن عبّاس وابن عمر وثمانون نفساً من الصحابة، فقلت ما هذه؟ فقال : هذه السنّة. (6) وربّما استدلّ له بأنّ الرجل أشرف من المرأة، وما يلي الإمام أفضل فتناسبا. وقد ورد في بعض الأخبار عكسه، رواه الشيخ عن عبيد اللّه الحلبي، قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّى عليهما، قال : «يكون الرجل بين يدي المرأة يلي القبلة، فيكون رأس المرأه عند وركي الرجل ممّا يلي يساره، ويكون رأسها أيضاً ممّا يلي يسار الإمام ورأس الرجل ممّا يلي يمين الإمام». (7) ومثله خبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه (8) بناءً على ما هو الظاهر من أنّ المراد بالتقديم فيه تقديم ممّا يلي القبلة. والأوّل ضعيف؛ لاشتمال سنده على محمّد بن أحمد بن الصلت، وهو غير مذكور في كتب الرجال؛ (9) ولإضماره. والثاني غير صريح في المطلوب؛ لاحتمال التقديم فيه التقديم ممّا يلي الإمام. وجمع الشيخ في الاستبصار بينهما وبين ما سبق بالتخيير؛ مستندا بصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يقدّم الرجل وتؤخّر المرأة، ويؤخّر الرجل وتقدّم المرأة»، يعني في الصلاة على الميّت. (10) وأنت خبير بأنّ نفي البأس عن الأمرين لا ينافي استحباب أحدهما. ولو اجتمع معهما عبد وصبيّ وخنثى قدّم الحرّ، ثمّ العبد، ثمّ الصبيّ، ثمّ الخنثى، وتؤخّر المرأة ممّا يلي القبلة. ويستفاد حكم ما عدا الخنثى من خبري طلحة بن زيد (11) وابن بكير، (12) واستخرجوا حكم الخنثى من ترتيب الرجل والمرأة؛ لكونه واسطة بينهما. وظاهر أكثر هؤلاء عدم الفرق في الصبيّ بين كونه ممّن تجب الصلاة عليه وعدمه. والشيخ في الخلاف والمبسوط قدّم المرأة على من لا تجب الصلاة عليه منه، فقد قال في الخلاف: إذا اجتمع رجل وصبيّ وخنثى وامرأة، وكان الصبيّ ممّا يُصلّى عليه، قدّمت المرأة إلى القبلة، ثمّ الخنثى، ثمّ الصبيّ، ثمّ الرجل، ويقف الإمام عند الرجل. وإن كان الصبيّ لا يُصلّى عليه قدّم أوّلاً الصبيّ إلى القبلة، ثمّ المرأة، ثمّ الخنثى، ثمّ الرجل. (13) وقال نحوا منه في المبسوط. (14) وبه قال الشهيد أيضاً في الذكرى إلّا أنّه قدّمه على العبد أيضاً، فقد قال : «ويستحبّ أن يلي الرجل الإمام، ثمّ الصبيّ لستٍّ، ثمّ العبد، ثمّ الخنثى، ثمّ المرأة، ثمّ الطفل لدون ستّ، ثمّ الطفلة». (15) وقدّم الشيخ في النهاية المرأة على الصبيّ من غير تقييد عكس الأوّل، حيث قال : فإن كان رجل وامرأة وصبيّ فليقدّم الصبيّ، ثمّ المرأة، ثمّ الرجل، وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلاً الصبيّ، ثمّ المرأة، ثمّ العبد، ثمّ الرجل، ويقف الإمام عند الرجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. (16) ولعلّه تمسّك بخبر طلحة؛ إبقاء لتقديم الصغير على الكبير فيه على عمومه. وحكى الشيخ في الخلاف (17) عن الحسن أنّه يُقدّم الرجال إلى القبلة، ثمّ الصبيان، ثمّ الخناثى، ثمّ النساء، ويقف الإمام عند النساء. (18) وكأنّه راعى شرافة القبلة. ويردّه ما ذكر. ثمّ إنّه يستحبّ وضعها شبه المدرج بجعل رأس كلّ ثانٍ إلى إلية أوّله، ذكورا كانوا أو أناثي أو خناثى، أحرار أو عبيد أو مختلفين؛ لرواية عمّار، (19) وما رويناه عن الحلبي. (20) ولو اجتمع مع هؤلاء من لا يعرف مذهبه ومستضعف ومخالف، فيمكن تخريج حال وضعهم ممّا ذكر، ولم أجد هنا نصّاً من الأصحاب ولا أثرا. وإذا اقتصر على صلاة واحدة يجب التشريك بينهم في الدعوات أيضاً مع اتّحاد الصنف، مراعياً لتثنية الضمير وجمعه، وتذكيره وتأنيثه، أو يذكّره مطلقاً مُأوّلاً بالميّت، أو يؤنّث كذلك مأوّلاً بالجنازة، ومع اختلافه كالمؤمن والمخالف وأضرابهما يراعى وظيفة كلّ منهم مع ما ذكر. قوله: (عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان إذا صلّى) إلخ . [ح 3 / 4473] فاعل قال طلحة، والضمير في كان لأبي عبد اللّه عليه السلام ، وربّما قرئ صلّى في المواضع الثلاثة على البناء للمفعول، ففاعل قال هو عليه السلام، فيكون إخبارا بما رواه الصدوق في الفقيه، قال : «وكان على عليه السلام إذا صلّى على الرجل والمرأة»، إلى آخر الخبر بعينه . (21)

.


1- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . الفقيه، ج 1، ص 161، ح 454 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 154، ح 3267 .
2- . هذه العبارات مأخوذة من منتهى المطلب، ج 1، ص 456 (ط قديم) . و انظر عن صلاة النبي صلى الله عليه و آله على شهداء اُحُد: السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 12؛ أمالي المحاملي، ص 131، ح 91؛ و ص 343 344 ، ح 374 ؛ سنن الدارقطني، ج 4، ص 64، ح 4158 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 143، ح 2100؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 2، ص 43 44، و ج 3 ، ص 10 11.
3- . الذكرى، ج 1، ص 457.
4- . تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 67 . و التعليل المذكور بعده من كلام الشهيد في الذكرى، ج 1، ص 457.
5- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 323 ، ح 1006؛ الاستبصار، ج 1، ص 471 472، ح 1823؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 128، ح 3204 .
6- . الحديث بهذا اللفظ مذكور في منتهى المطلب، ج 1، ص 457 (ط قديم) . و مع مغايرة في بعض الألفاظ رواه الشيخ الطوسي في الخلاف، ج 1، ص 722 723، المسألة 541 عن عمّار بن ياسر. و مثله في مختلف الشيعة للعلّامة الحلّي، ج 2، ص 308 . و رواه النسائي في السنن، ج 4، ص 71 72؛ و في السنن الكبرى، ج 1، ص 641، ح 2105؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 33 ؛ و في معرفة السنن والآثار، ج 1، ص 559 ، ح 788، و ج 3 ، ص 162؛ و ابن الجارود في المنتقى من السنن، ص 142، ح 545 ؛ و الدارقطني في السنن، ج 2، ص 66، ح 1834 ، كلّهم عن نافع مولى ابن عمر.
7- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 323 324 ، ح 1008؛ الاستبصار، ج 1، ص 472، ح 1825؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 127، ح 3201 .
8- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 322 ، ح 1003؛ الاستبصار، ج 1، ص 472، ح 1824؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 126، ح 3198 .
9- . محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصلت، و يقال : محمّد بن أحمد بن الصلت، من مشايخ ابن بابويه والد الصدوق، و قد روى عنه الصدوق في كتبه بواسطة والده، و مدحه في مقدمّة كمال الدين حيث قال : «... ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل و العلم و النباهة ببلد قم ... و هو الشيخ نجم الدين أبوسعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصلت القمّي أدام اللّه توفيقه _ ، و كان أبي يروي عن جدّه محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصلت قدّس اللّه روحه و يصف علمه و عمله و زهده و فضله و عبادته...».
10- . الاستبصار، ج 1، ص 473، ح 1828 . و الحديث رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 324 ، ح 1009، و الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 169، ح 493 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 126 127، ح 3200 . و كان في الأصل: «يؤخّر المرأة... و يقدّم المرأة» ، فصوّبناه حسب المصادر.
11- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 322 ، ح 1002؛ الاستبصار، ج 1، ص 471، ح 1821؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 126، ح 3199 .
12- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 323 ، ح 1007؛ الاستبصار، ج 1، ص 472، ح 1824؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 125 126، ح 3197 .
13- . الخلاف، ج 1، ص 722، المسألة 541 .
14- . المبسوط، ج 1، ص 184.
15- . الذكرى، ج 1، ص 454.
16- . النهاية، ص 144.
17- . الخلاف، ج 1، ص 722، المسألة 541 .
18- . راجع: المجموع للنووي، ج 5 ، ص 225 228.
19- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 322 ،، ح 1004؛ الاستبصار، ج 1، ص 472 473، ح 1827؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 125، ح 3196 .
20- . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 127، ح 3201 .
21- . الفقيه، ج 1، ص 169، ح 492.

ص: 202

. .

ص: 203

. .

ص: 204

. .

ص: 205

. .

ص: 206

باب نادر

باب نادريذكر فيه مخالفة صلاة الجنازة مع الصلوات اليوميّة في أكثر الأحكام، وقد وقع الخلاف في أنّها صلاة حقيقيّة شرعاً ومجازا لغةً، أو بالعكس . وتظهر الفائدة في اعتبار شرائط اليوميّة فيها عدا ما استثني، أو عدم اعتبارها إلّا ما ثبت بالنصّ، ولا فائدة يُعتَدّ بها في تحقيق الحقّ منهما. قوله في خبر السكوني: (قيل يا رسول اللّه ، ولم؟ قال : [صار] سُترَةً للنساء) . [ح 3 / 4479] بيان التعليل أنّ الصلوات اليومية لمّا اشتملت على الركوع والسجود، والنسوان كنّ يستحيين فعلهما قدّام الرجال لا يتقدّمن عليهم ولو كان الصفّ المتقدّم راجحاً بالنسبة إليهنّ أيضاً، بخلاف صلاة الجنازة فإنّها لعدم اشتمالها عليهما ربّما يتقدّمن الرجال لو رأين الفضل في الصفّ المتقدّم، فجعل الصفّ الأخير أفضل ليتأخّرن، فصار ذلك سُترَةً لهنّ. واحتمل في شرح الفقيه إرادة صفوف الجنائز في هذا الخبر لا صفوف المصلّين. (1) على أن يكون الغرض أفضليّة تأخير جنائز النسوان إلى القبلة، فالتعليل واضح.

.


1- . روضة المتّقين، ج 1، ص 446.

ص: 207

باب الموضع الّذي يقوم الإمام إذا صلّى على الجنازة

باب الموضع الّذي يقوم الإمام إذا صلّى على الجنازةالمشهور بين الأصحاب استحباب قيام الإمام محاذياً لوسط الرجل وصدر المرأة، وبه قال الشيخان في المقنعة (1) والتهذيب (2) والمبسوط، (3) وتبعهما المتأخّرون، (4) ونقل عن أبي الصلاح، (5) ومحكي عن مالك. (6) ويدلّ عليه مرسلة عبد اللّه بن المغيرة، (7) وما رواه الشيخ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقوم من الرجل بحيال السرّة، ومن النساء أدون من ذلك قِبَل الصدر». (8) وذهب الشيخ في الاستبصار إلى أنّه يقوم في المرأه فوق صدرها قريباً من رأسها، (9) وبذلك جمع بين ما ذكر وبين خبر موسى بن بكر، (10) ولعلّه قال في الرجل أيضاً أنّه يقوم فوق وسطه قريباً من صدره؛ لإشعار جمعه بذلك أيضاً. وحمل في التهذيب الرأس والصدر في خبر موسى على الصدر والوسط، (11) والأظهر حملهما على مراتب الفضيلة، فكلّما كان أبعد من العورة كان أفضل، لا سيما في المرأه، كما قال العلّامة في المنتهى: «الأولى اجتناب محارمها والتباعد عنها، فإنّه أنزه وأسلم وأبعد من وساوس النفس». (12) وفي الخلاف: «والسنّة أن يقف الإمام عند رأس الرجل وصدر المرأة». (13) واحتجّ عليه بالإجماع، وهو غريب، وكأنّه وقع التقديم والتأخير فيه في الرجل والمرأة من النسّاخ أو من قلمه، وحكى فيه عن الشافعي أنّه يقف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة، (14) وعن أبي حنيفة أنّه يقف في الوسط. (15) وظاهره أنّه قال بذلك في الرجل والمرأة جميعاً كما نقله والدي عنه. وحكى في المنتهى عنه أنّه يقف عند صدر الرجل ووسط المرأة، (16) وكأنّه كان له قولان. وقال طاب ثراه: وقال أحمد: يقوم عند رأس الرجل ووسط المرأة، (17) وقال ابن مسعود بعكسه. (18) وقال الحسن: كلّ واسع. (19) وقال طائفة منهم: يقوم فيهما معاً حذو الصدر. (20) وقال بعضهم: الأحسن في الرجل الصدر، وكذا في المرأة إن كانت عليها قُبّة أو كان كفنها قطناً، وإلّافالوسط. ونقل مسلم في صحيحه روايات متكثّرة في أنّه صلى الله عليه و آله قام في وسط المرأة، منها: ما رواه عن سمرة بن جندب قال : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على امرأة ماتت في نفاسها، فقام في وسطها. (21) قوله في مرسلة عبد اللّه بن المغيرة: (فلا يقوم في وسطها) . [ح 1 / 4480] قال طاب ثراه: روي مثله في طرق العامّة أيضاً، وقال القاضي القرطبي: ضبطنا وسطها بالسكون، وقال ابن عصفور: هو بالفتح، وقال ابن دُرَيد: هو بالسكون والفتح معاً، وقال الآبيّ: قيل هو بالسكون فيما يتفرّق كالناس والدوابّ، وبالفتح فيما لا يتفرّق كالدار، وقيل: كلّما يصحّ فيه لفظة بَين فهو بالسكون، وإلّا فهو بالفتح، وقيل: يقع كلّ منهما موقع الآخر. (22) وفي المُغرِب: الوَسَط بالتحريك اسم لعين ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة، وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة، [مثلاً] ولذا كان ظرفا، والأوّل يجعل مبتدأً وفاعلاً ومفعولاً [به ]وداخلاً عليه حرف الجرّ، ولا يصحّ شيء من هذه في الثاني، تقول : وَسَطُه خير من طرفه، واتّسع وسطُه، [و ضربت وسَطَه] ، وجلست في وسط الدار، وجلست وَسْطها بالسكون لا غير. (23) وفي الصحاح أيضاً: «جلست وسط القوم بالتسكين؛ لأنّه ظرف، وجلست [في]وسط الدار بالتحريك؛ لأنّه اسم». (24)

.


1- . المقنعة، ص 227.
2- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 190، ح 432 433، و ما بعدهما.
3- . المبسوط، ج 1، ص 184. و به قال في النهاية، ص 144.
4- . اُنظر: الوسيلة، ص 118؛ السرائر، ج 1، ص 359 ، المعتبر، ج 2، ص 353 ؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 297؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 82 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 64؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 230؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 262؛ تبصرة المتعلّمين، ص 29؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 129؛ الذكرى، ج 1، ص 453 ؛ البيان، ص 30 (ط قديم)؛ الدروس، ج 1، ص 113، درس 14؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 22، جامع المقاصد، ج 1، ص 419 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 824 ؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 432 ؛ مدارك الأحكام، ج 4، ص 174.
5- . حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 456.
6- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 162؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 225؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 344 ؛ المغني، ج 2، ص 395 ؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 317 ؛ المحلّى، ج 5 ، ص 155 . و في الجميع بدل «صدر المرأة»: «منكبها».
7- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 190، ح 433 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 470 471، ح 1818؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 119، ح 3184 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 190 191، ح 434 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 471، ح 1819؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 119 120، ح 3186 .
9- . الاستبصار، ج 1، ص 471، ذيل ح 1818.
10- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 190، ح 432 ؛ و ص 319 ، ح 989؛ الاستبصار، ج 1، ص 470، ح 1817؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 119، ح 3185 .
11- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 190، ذيل ح 433.
12- . منتهى المطلب، ج 1، ص 456 (ط قديم) .
13- . الخلاف، ج 1، ص 731، المسألة 562 .
14- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 162؛ المحلّى، ج 5 ، ص 124؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 225.
15- . المبسوط، ج 2، ص 65؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 225؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 162؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 109.
16- . منتهى المطلب، ج 1، ص 456 (ط قديم) .
17- . الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 344 ؛ المغني، ج 2، ص 394 ؛ فقه السنّة، ج 1، ص 526 ؛ الإنصاف للمرداوي، ج 2، ص 516 .
18- . مواهب الجليل، ج 3 ، ص 35 .
19- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 225 . و فيه: «و في المرأة عند منكبيها».
20- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 225؛ المغني، ج 2، ص 395 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 344 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 189، تنقيح التحقيق، ج 1، ص 313 (كلّهم عن أبي حنيفة) ؛ الإنصاف، ج 2، 516 عن أحمد في قولٍ .
21- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 60 . و رواه أحمد في مسنده، ج 5 ، ص 19؛ و البخاري في صحيحه، ج 2، ص 191؛ و ابن ماجة في سننه، ج 1، ص 479، ح 1493؛ و أبو داود في السنن، ج 2، ص 78، ح 3195 ؛ و ابن حبّان في صحيحه، ج 7، ص 337 ؛ و الطبراني في المعجم الأوسط، ج 7، ص 147؛ و البيهقي في معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 182، ح 2173.
22- . النهاية، ج 5، ص 183 (وسط) .
23- . المُغرِب، ص 264 (الواو مع السين) .
24- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1168 (وسط) .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

باب مَن أولى بالصلاة على الميّت

باب مَن أولى بالصلاة على الميّتفي المنتهى: الوليّ أحقّ بالصلاة على الميّت من الوالي، ذهب إليه علماؤنا، وبه قال الشافعي في الجديد، (1) وقال في القديم: الوالي أولى، (2) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق. (3) لنا: أنّها ولاية يعتبر فيها ترتيب العصبات. (4) ويؤيّده ما رواه الشيخ عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحقّ بالصلاة عليها إن قدّمه الوليّ، وإلّا فهو غاصب» (5) . (6) واحتجّ أيضاً عليه بمرسلتي ابن أبي عمير (7) وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. (8) واحتجّ عليه الشيخ بإجماع الفرقة، وبقوله سبحانه : «وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ» (9) . (10) وظاهر العلّامة في الإرشاد تقدّم الوالي مطلقاً أَذنَ الوليّ أم لا، (11) وبه صرّح الشهيد الثاني في شرحه، (12) ومراد الأصحاب من الوالي هنا إمام الأصل عليه السلام، لظاهر تقدّم الوالي؛ لعموم قوله تعالى : «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» (13) ، بضميمة ثبوت ماثبت له صلى الله عليه و آله للأئمّة عليهم السلام ، ولحسنة طلحة بن زيد. (14) ويؤيّدهما عموم ما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا يؤمّ في سلطانه أحد». (15) وفي الخلاف: «أنّهم رووا ذلك عن عليّ عليه السلام وجماعة من التابعين». (16) وأمّا ما احتجّوا به على الأوّل فالآية الكريمة ظاهرة في الميراث، وخبر السكوني ضعيف واحد غير قابل للمعارضة لما ذكر، والمرسلتان مع عدم صحّتهما غير صريحتين في المطلوب، والإجماع المدّعى ممنوع. ولمّا كان الوالي عند العامّة شاملاً لغير المعصوم احتجّ أبو حنيفة وأضرابه على ما ذهبوا إليه برواية أبي حازم، قال : شهدت الحسين عليه السلام حين مات الحسن عليه السلام وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص أمير المدينة، ويقول : «تقدّم فلولا السنّة لمّا قدّمتك». (17) ودفعه عندنا واضح، وأجاب عنه الشافعي على مانقل عنه بأنّه عليه السلام إنّما أراد بذلك إطفاء الفتنة، وإنّ إطفاء الفتنة من السنّة، فأراد بالسنّة إيّاه. (18) ومع عدم إمام الأصل عليه السلام فقد صرّح أكثر الأصحاب بتقدّم الوليّ وهو أولى الناس به فيالميراث إلّا في الزوج؛ لروايتي أبي بصير، (19) وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها». (20) ونقل في المنتهى عن أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد؛ أنّه لا ولاية للزوج، (21) وقد روي تقديم أخيها عليه، رواه الشيخ عن أبان بن عثمان، عن عبدالرحمان بن أبي عبد اللّه ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة على المرأة، الزوج أحقّ بها أو الأخ ؟ قال : «الأخ». (22) وعن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها، أيّهما يصلّي عليها؟ فقال : «أخوها أحقّ بالصلاة عليها». (23) وحملهما على التقيّة؛ لموافقتهما لمذهب أبي حنيفة وجماعة اُخرى منهم كما عرفت .

.


1- . الاُمّ، ج 1، ص 313 ؛ مختصر المزني، ص 37 ؛ معرفة السنن و الآثار، ج 3 ، ص 158، ح 2130؛ الكافي لابن عبد البرّ، ص 83 ؛ فتح الباري، ج 3 ، ص 153؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 124؛ الخلاف، ج 1، ص 179، المسألة 534 ؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 217؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 635.
2- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 158؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 217؛ روضة الطالبيّين، ج 1، ص 635.
3- . فتح الباري، ج 3، ص 153؛ عمدة القاري، ج 8، ص 124 عن الأربعة؛ فتح العزيز، ج 5، ص 158 159، عن مالك و أبي حنيفة و أحمد.
4- . عصبة الرجل: بنوه و قرابته لأبيه، وإنّما سمّوا عصبة؛ لأنّهم عَصَبوا به، أي أحاطوا به، فالأب طرف والابن طرف، والعمّ جانب والأخ جانب والجمع العصبات. صحاح اللغة، ج 1، ص 182 (عصب) .
5- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 206، ح 490 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 114؛ ح 3173 .
6- . منتهى المطلب، ج 1، ص 450 (ط قديم) .
7- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 203 204، ح 483 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 114، ح 3170 .
8- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 114، ح 3171 .
9- . الأنفال (8) : 75 ؛ الأحزاب (33) : 6.
10- . الخلاف، ج 1، ص 720، المسألة 535 .
11- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 263.
12- . روض الجنان، ج 2، ص 32 .
13- . الأحزاب (33) : 6 .
14- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 206، ح 489 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 114، ح 3172 .
15- . الحديث مع اختلاف في الألفاظ رواه أحمد في مسنده، ج 4، ص 121؛ و مسلم في صحيحه، ج 2، ص 133؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 125؛ و معرفة السنن و الآثار، ج 2، ص 397 ، ح 1535؛ و ابن أبي شيبة في المصنّف، ج 1، ص 378 ، الباب 116 من كتاب الصلاة، ح 1؛ و ابن حبّان في صحيحه، ج 5 ، ص 506 ؛ و ابن الجارود في المنتقى من السنن، ص 85 ، ح 308 ؛ و الطبراني في المعجم الكبير، ج 17، ص 223؛ كنز العمّال، ج 7، ص 593 ، ح 20414.
16- . الخلاف، ج 1، ص 719 720، المسألة 535 .
17- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 28 29؛ تلخيص الحبير، ج 5 ، ص 275؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 13، ص 294، ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي طالب؛ معرفة الثقات للعجلي، ج 1، ص 298، ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي طالب (299) .
18- . حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 400 (ط قديم)؛ و تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 40 . و انظر: الذكرى، ج 1، ص 417 418.
19- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 115، ح 3174 .
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325 ، ح 949. و رواه الكليني في الكافي، ج 3، ص 194، باب من يدخل القبر و من لايدخل، ح 6؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 531 ، ح 2828.
21- . منتهى المطلب، ج 1، ص 451 (ط قديم) . و كلام الحنفيّة مذكور في تحفة الفقهاء، ج 1، ص 252؛ و بدائع الصنائع، ج 1، ص 318.
22- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 205، ح 485 ؛ الاستبصار، ج ،1، ص 486، ح 1884؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 116، ح 3178 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 205، ح 486 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 486 487، ح 1885؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 116، ح 3177 . و كان في الأصل: «عليهما» ، و التصويب من مصادر الحديث.

ص: 211

. .

ص: 212

باب من يصلّي على الجنائز وهو على غير وضوء

باب من يصلّي على الجنائز وهو على غير وضوءقال طاب ثراه: «الأخبار الدالّة على عدم اشتراط صلاة الجنازة بالطهارة عن الحدث متكاثرة متظافرة». ويدلّ أيضاً عليه إجماع الأصحاب كما صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد، (1) والعلّامة في المنتهى. (2) وفي تعليل خبر يونس بن يعقوب (3) دلالة على عدم اشتراطها بالطهارة عن الخبث أيضاً. وفي حسنة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تصلّي على الجنازة؟ قال : «نعم، ولا تقف معهم، تقف مفردة» (4) أيضاً دلالة عليه؛ لعدم انفكاك الحائض عن الخبث غالباً. ويؤيّده عدم الاستفصال، وأصالة البراءة. والظاهر أنّه لم يذهب إلى اشتراطها أحد من علمائنا، وهو المشهور بين العامّة، فقال محيي الدين البغوي: «لم يختلف في أنّ صلاة الجنازة لاتفتقر إلى الطهارة عن الحدث والخبث إلّا ما روي عن الشعبي في طهارة الحدث، (5) وهل يفتقر إلى قراءة الفاتحة؟ به قال الشافعي كالصلاة، (6) وأسقطها مالك (7) كالطواف، فهي فرع بين أصلين» . (8)

.


1- . روض الجنان، ج 2، ص 822 .
2- . منتهى المطلب، ج 1، ص 455 (ط قديم) . و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 60.
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 89 ، ح 2098؛ و ص 91، ح 3017 . و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 170، ح 496 .
4- . الكافي، ج 3، ص 179، باب صلاة النساء على الجنازة، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 204، ح 479 ؛ الفقيه، ج 1، ص 170، ح 497، مع مغايرة في اللفظ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 112، ح 3165 .
5- . كذا ، و الظاهر زيادة كلمة «لا» في «لا تفتقر» ؛ لأنّ لزوم الطهارة في صلاة الميّت عند أهل السنّة اتّفاقي ؛ فقد صرّح النووي في المجموع، ج 5 ، ص 222 223 بأنّ الشافعي و أصحابه يشترطون الطهارة من الحدث والخبث ؛ لصحّة صلاة الجنازة، و نقل عن الشعبي جوازها بغير طهارة، ثمّ حكى عن صاحب الحاوي و غيره أنّ الذي قاله الشعبي قول خرق به الاجماع، فلا يلتفت إليه. و انظر أيضا: المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 126 127؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 194 195.
6- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 308 و 323؛ مختصر المزني، ص 38؛ المجموع للنووي، ج 5، ص 232؛ الإقناع، ج 1، ص 189؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 341؛ حواشي الشرواني و العبادي على تحفة المحتاج، ج 3، ص 135؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 346، و أوجبه أيضا أحمد بن حنبل: المغني، ج 2، ص 370.
7- . الجوهر النقي، ج 4، ص 39 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 346 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 188.
8- . لم أعثر على كلام البغوي.

ص: 213

. .

ص: 214

باب صلاة النساء على الجنائز

باب صلاة النساء على الجنائزتجوز صلاتهنّ عليها مجتمعات ومنفردات، ولم ينقل خلاف فيه عن أحد من أهل العلم، وأجمع الأصحاب على استحباب إمامتهنّ لهنّ مع عدم الرجال، (1) لكن مع كراهة بروز الإمام منهنّ عن الصفّ. ويدلّ عليه خبر الصيقل، (2) ورواية جابر، (3) وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت: المرأة تؤمّ النساء؟ قال : «لا إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهنّ فتكبّر ويكبّرن». (4) وهو منقول عن أبي حنيفة وأحمد، (5) وظاهر الشافعي استحباب انفرادهنّ، حيث قال على ما حُكي عنه _ : «يصلّين منفردات وإن جمعن جاز». (6) وأمّا مع الرجال فلا يجوز إمامتهنّ بل يقتدين ووقفن آخر الصفوف على ما مرّ. والحائض منهنّ انفردت بصفّ بارزة عن الصفوف مطلقاً، على ما صرّح به جماعة منهم العلّامة في المنتهى، (7) ولم أجد نصّاً عليه سوى موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، (8) وحسنة محمّد بن مسلم. (9) وفي دلالتهما على انفرادهنّ عن النسوان تأمّل.

.


1- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 4، ص 351 353 .
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 117 118، ح 3181 .
3- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي؛ الفقيه، ج 1، ص 166، ح 478 ؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 326 ، ح 1018؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 118، ح 3182 .
4- . الفقيه، ج 1، ص 397 ، ح 1178؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 206، ح 488 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 427، ح 1648؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 117، ح 3179 ؛ و ج 8 ، ص 334 ، ح 10827.
5- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 215؛ المغني، ج 2، ص 369 ، الشرح الكبير، ج 2، ص 311 .
6- . المصادر المتقدّمة.
7- . منتهى المطلب، ج 1، ص 455 (ط قديم) .
8- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 3، ص 203 204، ح 478؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 113، ح 3167.
9- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 112، ح 3165 .

ص: 215

باب وقت الصلاة على الجنائز

باب وقت الصلاة على الجنائزأجمع الأصحاب على عدم كراهة تلك الصلاة في الأوقات الّتي تكره النوافل المبتدأة فيها ولا في غيرها من الأوقات. ويدلّ عليه مرسلة محمّد بن مسلم، (1) و صحيحته، (2) وصحيحة عبيداللّه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع، إنّما هو استغفار». (3) ويؤيّدها ما رواه العامّة: أنّ أبا هريرة صلّى على عقيل حين اصفرّت الشمس (4) ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، وأنّه صلّى على الجنائز والشمس على أطراف الجدر؛ (5) ولأنّها ذات سبب موجب، فليست محلّاً لتوهّم كراهتها فيها. وهو منقول عن الشافعي، (6) وفي إحدى الروايتين عن أحمد. (7) وفي رواية اُخرى عنه وعن أبي حنيفة وابن عمر وعطاء والنخعي والثوري وإسحاق كراهتها عند طلوع الشمس وغروبها، وفي نصف النهار. (8) واحتجّوا عليه على ما حكى عنهم في المنتهى (9) بما رواه مسلم عن عقبة بن عامر الجهني أنّه يقول : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع، وحين تقوم قائم الظهيرة حتّى تميل الشمس، وحين تصيف الشمس، أي تميل إلى الغروب. (10) وأجاب عنه بأنّه محمول على أنّه نهى أن يتحرّى لها هذه الأوقات، والأظهر حمل الصلاة فيه على النافلة، بل هو الأظهر كما لا يخفى. فإن تمسّكوا بالنهي عن الصلاة فيها كما هو ظاهر استدلالهم فهو لا يدلّ على مدّعاهم. وإن تمسّكوا بالنهي عن دفن الموتى في هذه الساعات؛ حملاً للنهي عن الصلاة عليه كما فعله بعضهم فهو في غاية البعد؛ لعدم جامع بينهما، فكيف الاستدلال به؟! قال طاب ثراه: قال القرطبي: يُحتمل أن يريد بالنهي عن قبرهم في هذه الأوقات النهي عن الصلاة عليهم فيها، ويُحتمل حمله على ظاهره، وهو النهي عن دفنهم فيها؛ لأنّه لمّا منعت العبادة احتيط للمسلم أن لا يدفن فيها. وقال المارزي: احتمال الصلاة ضعيف؛ إذ لا خلاف في جواز الصلاة عند قائم الظهيرة وهو وقت الاستواء. وأمّا ما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يكره الصلاة على الجنائز حين تصفرّ الشمس وحين تطلع»، (11) فهو مع شذوذه ومخالفته للأخبار الصحيحة، محمولة على التقيّة.

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 321 ، ح 997؛ الاستبصار، ج 1، ص 469، ص 1813؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 109، ح 3155 .
2- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 202 203، ح 474 ؛ و ص 321 ، ح 998؛ الاستبصار، ج 1، ص 470، ح 1814 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 90، ح 3012 ؛ و ص 108، ح 3154 .
3- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 321 ، ح 999؛ الاستبصار، ج 1، ص 470، ح 1815؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 108، ح 3153 .
4- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 318 ، السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 32 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 161، ح 2133.
5- . المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 172، ما قالوا في الجنازة يصلّى عليها عند طلوع الشمس و عند غروبها، ح 2؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 460 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 2، ص 274، ح 1313؛ و ج 3 ، ص 161، ح 2133؛ تاريخ ابن معين، ج 2، ص 151، الرقم 3898 .
6- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 318 ؛ الجوهر النقي، ج 4، ص 31 ؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 799.
7- . المغني، ج 1، ص 749.
8- . حكاه عنهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3 ، ص 81 . و انظر: المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 190؛ المغني، ج 2، ص 416 417 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 316 ، المجموع للنووي، ج 5 ، ص 302 ؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 799.
9- . منتهى المطلب، ج 4، ص 141 و 151 . و راجع أيضا : تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 81 و 334 .
10- . مسند أحمد، ج 4، ص 152؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 333 ؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 208؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 486 487، ح 1519؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 77، ح 3112 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 275 و 277؛ و ج 4، ص 82 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 482، ح 1543، و ص 484، ح 1548، و ص 649، ح 2140؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 32 ؛ مسند الطيالسي، ص 135؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 2، ص 248 249، الباب 189، من كتاب الصلاة، ح 2 ؛ مسند أبييعلى، ج 3 ، ص 292 293، ح 1755 (مع مغايرة في ألفاظ بعضها) .
11- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 321 ، ح 1000؛ الاستبصار، ج 1، ص 470، ح 1816؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 109، ح 3157 .

ص: 216

. .

ص: 217

باب علّة تكبير الخمس على الجنازة

باب علّة تكبير الخمس على الجنازةأجمع الأصحاب على ماذكر في المنتهى (1) والانتصار (2) على وجوب خمس تكبيرات فيها، وهو محكي عن زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وابن أبي ليلى من العامّة. (3) ويدلّ عليه مرفوعة إبراهيم بن هاشم، (4) ومرسلة سليمان بن جعفر، (5) خبر أبي بكر الحضرمي، (6) وقوله صلى الله عليه و آله : «ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، وجعل لموتاكم من كلّ صلاة تكبيرة» فيما يرويه المصنّف في باب [غسل ]الأطفال والصبيان والصلاة عليهم عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، (7) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «التكبير على الميّت خمس تكبيرات». (8) وعن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله خمساً». (9) وفي الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «التكبير على الميّت خمس تكبيرات». (10) وعن قدامة بن زائدة، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على ابنه إبراهيم فكبّر عليه خمساً». (11) وعن أبي ولّاد، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التكبير على الميّت، فقال : «خمساً». (12) وفي الحسن عن كليب الأسدي، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التكبير على الميّت، فقال بيده: خمساً. (13) وعن عقبة عن جعفر، قال : سئل جعفر عليه السلام عن التكبير على الجنائز، فقال : «ذاك إلى أهل الميّت ما شاؤوا كبّروا»، فقيل: إنّهم يكبّرون أربعاً، فقال : «ذاك إليهم»، ثمّ قال : «أما بلغكم أنّ رجلاً صلّى عليه عليّ عليه السلام فكبّر عليه خمساً، حتّى صلّى عليه خمس صلوات يكبّر في كلّ صلاة خمس تكبيرات»، قال : ثمّ قال : «إنّه بدريّ عَقبيّ اُحديّ، وكان من النقباء الّذين اختارهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الاثني عشر، فكانت له خمس مناقب، فصلّى لكلّ منقبة صلاة». (14) وعن الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال : «الصلاة على الجنائز: التكبيرة الاُولى استفتاح الصلاة، والثانية يشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه ، والثالثة الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله وعلى أهل بيته والثناء على اللّه ، والرابعة له، والخامسة يسلّم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتّى يُحمل السرير من بين يديه». (15) وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام قال : «لمّا مات آدم فبلغ الصلاة عليه قال هبة اللّه لجبرئيل عليه السلام : تقدّم يا رسول اللّه فصلّ على نبيّ اللّه ، فقال جبرئيل: إنّ اللّه عزّ وجلّ أمرنا بالسجود لأبيك، فلسنا نتقدّم أبرار ولده، وأنت من أبرّهم، فتقدّم وكبّر عليه خمساً عدّة الصلوات الّتي فرضها اللّه عزّ وجلّ على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ، وهي السنّة الجارية في ولده إلى يوم القيامة». (16) ويؤيّدها: ما رواه مسلم عن زيد بن أرقم: أنّه كبّر على جنازة خمساً وقال : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يكبّرها. (17) وما رواه في المنتهى (18) عن الجمهور، عن سعيد بن منصور، عن زيد بن أرقم؛ أنّه كبّر خمساً فسئل عن ذلك، فقال : سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (19) وعن عيسى مولى حذيفة: أنّه كبّر على جنازة خمساً فقيل له، فقال : مولاي وليّ نعمتي صلّى على جنازة وكبّر عليها خمساً. (20) وعن حذيفة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله فعل ذلك. (21) وعن عليّ عليه السلام أنّه صلّى على سهل بن حنيف وكبّر عليه خمساً. (22) وعنه: أنّ عليّاً عليه السلام كان يكبّر على أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير أهل بدر خمساً. (23) وكان أصحاب معاذ يكبّرون على الجنائز خمساً. (24) والمشهور بين العامّة أنّها أربع تكبيرات، حكاه العلّامة في المنتهى (25) عن الشافعي (26) وأبي حنيفة (27) ومالك (28) وأحمد في إحدى الروايات عنه، وفي رواية اُخرى عنه أنّه يكبّر أربعاً، وفي اُخرى أنّه يتابع الإمام إلى خمس، وفي اُخرى أنّه يتابعه إلى سبع، (29) وعن ابن عبّاس وابن سيرين وأبي الشعثاء جابر بن زيد أنّه يكبّر ثلاثاً. (30) وحكى طاب ثراه عن القرطبي (31) أنّه قال : اختلفت الآثار في ذلك ففي رواية ابن أبي خيثمة أنّه كان يكبّر أربعاً وخمساً وستّاً وسبعاً وثماني، حتّى مات النجاشي فكبّر عليه أربعاً، وثبت عليها حتّى توفّي صلى الله عليه و آله . وقال بعضهم: انعقد الإجماع على أربع ولا نعلم من قال بخمس إلّا ابن أبي ليلى. (32) وقال الآبي: إن زاد الخامسة الإمام لم تبطل الصلاة ولا يُتّبع فيها. واحتجّوا عليه بما رواه اُبيّ بن كعب أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ الملائكة صلّت على آدم فكبّرت عليه أربعاً وقالت: هذه سنّتكم يا بني آدم»، (33) وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على عثمان بن مظعون أربعاً، (34) وكبّر على النجاشي أربعاً. (35) والجواب منع هذه الأخبار؛ لما عرفت من الطريقين من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله والصحابة، لا سيّما خبر الصلاة على آدم عليه السلام . نعم، ثبت أنّه صلى الله عليه و آله كان يكبّر على المنافقين أربعاً، فنعم ما فعلوا حيث أدرجوا أنفسهم فيهم. ودلّ على ذلك ما رواه المصنّف في الحسن عن حمّاد بن عثمان وهشام بن سالم، (36) وقد رواه الشيخ في الصحيح عنهما، (37) وما رواه الشيخ عن إسماعيل بن همّام، عن الرضا عليه السلام قال : «قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كبّر على جنازة خمساً، وصلّى على جنازة وكبّر أربعاً، فالّتي كبّر عليها خمساً حمد اللّه (38) ومجّده في الاُولى، ودعا في الثانية للنبيّ صلى الله عليه و آله ، و [دعا] في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، و [دعا] في الرابعة للميّت، وانصرف في الخامسة، والّتي كبّر عليها أربعاً كبّر وحمد اللّه ومجّده، ودعا في الثانية لنفسه وأهله، (39) ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة، وانصرف في الرابعة ولم يدع له؛ لأنّه كان منافقاً». (40) وما رواه الصدوق في العيون عن الحسن بن النضر، قال : قالت للرضا عليه السلام : (41) ما العلّة في التكبير على الميّت خمس تكبيرات؟ قال : رووا أنّها اشتقّت من خمس صلوات»، فقال : «هذا ظاهر الحديث، أمّا في وجه آخر فإنّ اللّه عزّوجلّ قد فرض على العباد خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والولاية، فجعل للميّت من كلّ فريضة تكبيرة واحدة، فمن قبل الولاية كبّر خمساً، ومن لم يقبل الولاية كبّر أربعاً، فمن أجل ذلك تكبّرون خمساً، ومن خالفكم يكبّرون أربعاً». (42) وقال السيّد في الانتصار : وقد روى مخالفونا عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كبّر خمساً، فإذا قيل بإزاء ذلك: أنّه عليه السلام كبّر أربعاً. (43) قلنا: هذه الرواية تحتمل أنّه كبّر أربعاً سُمِعن وجهر بهنّ وأخفى الخامسة، وخبر الخمس غير محتمل. على أنّه لا تنافي بين الخبرين؛ لأنّه من روى أنّه كبّر أربعاً لم يفصح بأنّه ما زاد عليها، ومن كبّر خمساً فقد كبّر أربعاً. (44) ولا يبعد حمل أخبار الأربع الواردة من طرقنا على التقيّة، وقد ظهر فيها خبر زرارة: أنّ الباقر عليه السلام كبّر على ابن ابنه أربعاً، إلى قوله عليه السلام : «إنّما صلّيت عليه من أجل أهل المدينة؛ كراهية أن يقولوا: لا يصلّون على أطفالهم». (45) ويجوز أيضاً حمل الأربع على الدعوات الّتي بين التكبيرات، ويؤيّده: ما رواه أبو بصير، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام جالساً، فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز، فقال : «خمس تكبيرات»، ثمّ دخله آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز، فقال : «أربع صلوات»، فقال الأوّل : جُعلت فداك، سألتك فقلت: خمساً، وسألك هذا فقلت: أربعاً؟! فقال : «إنّك سألتني عن التكبيرة وسألني هذا عن الصلاة»، ثمّ قال : «إنّهنّ خمس تكبيرات [بينهنّ أربع صلوات» ثمّ بسط كفّه فقال : «إنّهنّ خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات]». (46) وقد حكى في المنتهى عن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال : «يكبّر ما كبّر الإمام أربعاً وخمساً وسبعاً وتسعاً». (47) ولعلّ هذا المذهب كان رائجاً بين جماعة من العامّة في عهد الصادق عليه السلام ، وعليه ورد ما رواه عمرو بن شمر، عن جابر، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن التكبير على الجنازة، هل فيه شي?مؤقّت؟ فقال : «لا، كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إحدى عشرة، وتسعاً، وسبعاً، وخمساً، وستّاً، وأربعاً». (48) ويحمل الأربع فيه على ما تقدّم من الوجوه، وفي الاستبصار: «ما يتضمّن هذا الخبر من زيادة التكبير على الخمس متروك بالإجماع، ويجوز أن يكون عليه السلام أخبر عن فعل النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه كان يكبّر على جنازة واحدة واثنتين، فيجاء بجنازة اُخرى، فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات، فإذا اُضيف ذلك إلى ما كثر زاد ذلك على الخمس تكبيرات». (49)

.


1- . منتهى المطلب، ج 1، ص 451 (ط قديم) .
2- . الانتصار، ص 175.
3- . المحلّى، ج 5 ، ص 124؛ عمدة القاري ، ج 8 ، ص 23؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 188؛ المغني، ج 2، ص 392 393 ؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 98؛الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 351 .
4- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 73، ح 3047 .
5- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 73، ح 3048 ، و رواه الصدوق في علل الشرائع، ج 1، ص 302 303 ، الباب 244، ح 2.
6- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 189، ح 430 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 73، ح 3049 .
7- . هو الحديث 7 من ذلك الباب . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 99، ح 3129 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 315 ، ح 976؛ الاستبصار، ج 1، ص 474، ح 1832؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 74، ح 3051 .
9- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 315 ، ح 977؛ الاستبصار، ج 1، ص 474، ح 1833؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 75، ح 3053 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 315 316 ، ح 978؛ الاستبصار، ج 1، ص 474، ح 1834؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 75، ح 3055 .
11- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 316 ، ح 979؛ الاستبصار، ج 1، ص 474، ح 1835؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 75، ح 3056 .
12- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 316 ، ح 980؛ الاستبصار، ج 1، ص 474، ح 1836؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 75، ح 3054 .
13- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 315 ، ح 975؛ الاستبصار، ج 1، ص 474، ح 1837؛ وسائل الشيعة، ج3 ، ص 64، ح 3027 .
14- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 318 ، ح 985؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 86 ، ح 3090 . و الرجل الذي صلّى عليّ عليه السلام عليه خمسا هو سهل بن حنيف الأنصاري . اُنظر: الدرجات الرفيعة، ص 390 ، ترجمة سهل بن حنيف.
15- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 318 319 ، ح 987؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 65، ح 3030 .
16- . الفقيه، ج 1، ص 163، ح 465. و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 330 ، ح 1033 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 76، ح 3058 .
17- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 56 . و رواه أحمد في مسنده، ج 4، ص 372 ؛ و ابن ماجة في سننه، ج 1، ص 482، ح 1505؛ و أبو داود في سننه، ج 2، ص 79، ح 3197 ؛ و الترمذي في سننه، ج 2، ص 244، ح 1028 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 36 .
18- . منتهى المطلب، ج 1، ص 451.
19- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 392 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 351 .
20- . نفس المصدرين المتقدّمين.
21- . نفس المصدرين المتقدّمين.
22- . المغني ج 2، ص 393 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 351 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 3 ، ص 473 ؛ كنز العمّال، ج 10، ص 410، ح 29988، عن ابن أبي الفوارس.
23- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 393 ، معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 166، ذيل ح 2143.
24- . المغني، ج 2، ص 393 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 351 ؛ التمهيد لابن عبد البرّ، ج 6، ص 338 .
25- . منتهى المطلب، ج 1، ص 451 (ط قديم) . و انظر: المجموع للنووي، ج 5 ، ص 230 231؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 98؛ المغني، ج 2، ص 369 و 393 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 639؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قتيبة، ج 2، ص 345 و 351 .
26- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 308 و ج 7، ص 150؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 98؛ عمدة القاري، ج 8، ص 23.
27- . كتاب الاُمّ، ج 7، ص 150؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 23.
28- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 231؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 98؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 23.
29- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 231؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 100.
30- . عمدة القاري، ج 8 ، ص 23 عن أنس و جابر بن زيد و ابن عبّاس؛ المحلّى، ج 5 ، ص 127، عن ابن عبّاس و أنس و ابن سيرين و جابر بن زيد.
31- . الظاهر انّ المراد به ابن عبد البرّ، و كلامه هذا موجود في الاستذكار.
32- . الاستذكار، ج 3 ، ص 30 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 7، ص 23؛ فتح الباري، ج 7، ص 245؛ الدراية في تخريج أحاديث الهداية، ج 1، ص 233؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 117؛ الديباج على المسلم، ج 3 ، ص 34 .
33- . سنن الدارقطني، ج 2، ص 58 ، ح 1795؛ فيض القدير، ج 2، ص 502 ، ح 2130.
34- . سنن ابن ماجة، ج 1، ص 481، ح 1502؛ كنز العمّال، ج 15، ص 709 710، ح 42828.
35- . مسند أحمد، ج 2، ص 230، و 289؛ و ج 3 ، ص 361 و363 ؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 91؛ و ج 4، ص 246؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 55 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 491، ح 1538؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 243، ح 1027؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 35 .
36- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
37- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 197، ح 454 ؛ و ص 317 ، ح 982؛ الاستبصار، ج 1، ص 475، ح 1839؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 72، ح 3046 .
38- . في المصدر: «فأمّا الذي كبّر عليه خمسا فحمداللّه ».
39- . في المصدر: «و أمّا الذي كبّر عليه أربعا ، فحمد اللّه ، و مجّده في التكبيرة الأولى، و دعا لنفسه و أهل بيته في الثانية».
40- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 317 ، ح 983؛ الاستبصار، ج 1، ص 475، ح 1840؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 64 65، ح 3029 .
41- . في الأصل: «قال الرضا»، و التصويب من المصدر.
42- . عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 89 ، الباب 32 ، ح 20؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 76 77، ح 3061 .
43- . مسند الشافعي، ص 358 و 389؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 482، ح 1504، مسند الطيالسي، ص 246؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 37. و أمّا روايات خمس تكبيرات فقد تقدّم آنفا.
44- . الانتصار، ص 176.
45- . الكافي، ج 3، ص 206، باب غسل الأطفال و الصبيان و الصلاة عليهم، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 198 199، ح 457 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 479 480، ح 1856؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 98، ح 3128 .
46- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 318 ، ح 986؛ الاستبصار، ج 1، ص 476، ح 1842؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 75، ح 3057 .
47- . منتهى المطلب، ج 1، ص 451. و كلام ابن مسعود أورده النووي في المجموع للنووي، ج 5 ، ص 231 ، ولم يذكر الأعداد.
48- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 316 ، ح 981؛ الاستبصار، ج 1، ص 474 475، ح 838 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 85 86 ، ح 3089 .
49- . الاستبصار، ج 1، ص 475 . و مثله في تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 316 .

ص: 218

. .

ص: 219

. .

ص: 220

. .

ص: 221

. .

ص: 222

. .

ص: 223

باب الصلاة على الجنائز في المساجد

باب الصلاة على الجنائز في المساجدأجمع أهل العلم على جواز هذه الصلاة في المساجد، وإنّما اختلفوا في كراهتها، فكرهها أكثر الأصحاب (1) وأبوحنفية (2) ومالك (3) وبعض أصحابه في المساجد مطلقاً عدا ما استثني ممّا سيأتي. وإنّما قالوا بها؛ للجمع بين خبر أبي بكر بن عيسى (4) وصحيحة الفضل بن عبد الملك، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام هل يصلّى على الميّت في المسجد؟ قال : «نعم». (5) وخبر محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام مثلها. (6) واحتجّ أبو حنيفة وأضرابه بخبر أبي داود: «من صلّى على جنازة في المسجد فلا شي?له» ، (7) وبخوف أن ينفجر منه شيء، (8) وبإنكار الصحابة على عائشة لمّا أمرت بالصلاة على سعد في المسجد على ما سيأتي . واستثنوا منها مساجد مكّة معلّلين بأنّ مكّة كلّها مسجد، فلو كرهت في بعض منها يلزم التعميم، وهو خلاف الإجماع. (9) واستثنى أبو حنيفة مسجدا أيضاً اتّخذ للصلاة على الميّت. (10) ونقل عن بعض المتأخّرين عدم كراهتها في مطلق المساجد؛ (11) عملاً بالصحيحة وخبر محمّد بن مسلم، واطّراحاً لخبر أبي بكر بن عيسى؛ لعدم قابليّته للمعارضة لهما؛ لضعفه بجهالة أبي بكر، وضعف موسى بن طلحة في طريقه. وذهب إليه الشافعي وجماعة من العامّة، (12) محتجّين بما رواه مسلم عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن الزبير: أنّ عائشة أمرت أن يمرّ بجنازة سعد بن أبي وقّاص في المسجد ليصلّى عليه، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس ، ما صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على سهيل بن البيضاء إلّا في المسجد. (13) وروى مثلها بسندين آخرين عن عائشة؛ (14) زعماً منهم أنّ عائشة كانت أبصر بذلك من الصحابة.

.


1- . اُنظر: الخلاف، ج 1، ص 721، المسألة 538 ؛ السرائر، ج 1، ص 361 ؛ المعتبر، ج 2، ص 356 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 458 (ط قديم)؛ الذكرى، ج 1، ص 450 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 421 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 823 .
2- . حاشية ردّ المختار، ج 2، ص 243؛ المبسوط، ج 2، ص 68؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 212 _ 213؛ تنقيح التحقيق، ج 1، ص 313 ؛ المغني، ج 2، ص 375 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 358 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 194.
3- . المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 177؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 212 213؛ تنقيح التحقيق، ج 1، ص 313 ؛ المغني، ج 2، ص 375 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 358 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 194 ، و نسبها أيضا إلى بعض أصحاب مالك.
4- . و هو ما رواه الكليني في هذا الباب من الكافي. و رواه الشيخ في الاستبصار، ج 1، ص 473 474، ح 1831؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 326 ، ح 1016؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 123، ح 3191 .
5- . الفقيه، ج 1، ص 165، ح 473 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 473، ح 1829؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 320 ، ح 992؛ و ج 3 ، ص 325 ، ح 1013؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 122، ح 3190 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 320 ، ح 993؛ و ص 325 ، ح 1014؛ الاستبصار، ج 1، ص 473، ح 1830 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 122، ذيل ح 3190 .
7- . سنن أبي داود، ج 2، ص 77، ح 3191 ، و فيه «عليه» بدل «له». و ورد بلفظ «له» في : مسند أحمد، ج 2، ص 444 و 455 و 505 ؛ و سنن ابن ماجة، ج 1، ص 486، ح 1517؛ و السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 52 ؛ و المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 527 ، ح 6579؛ و مسند ابن الجعد، ص 404 ؛ و المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 243؛ كنز العمّال، ج 15، ص 584 ، ح 42285.
8- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 82 ، المسألة 225؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 421.
9- . منتهى المطلب، ج 1، ص 458 459 (ط قديم)؛ الخلاف، ج 1، ص 721، المسألة 538 ، ولم يذكر التعليل . و كذا في المعتبر، ج 2، ص 356 .
10- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 356 ؛ و العلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 459.
11- . المهذّب لابن البرّاج، ج 1، ص 130؛ مدارك الأحكام، ج 4، ص 183.
12- . كتاب الاُمّ، ج 7، ص 222، المجموع للنووي، ج 5 ، ص 213؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 646؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 361 ؛ المبسوط، ج 2، ص 68؛ المغني، ج 2، ص 375 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 358 ؛ المحلّى، ج 5 ، ص 162؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 194؛ سبل السلام، ج 2، ص 102؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 111.
13- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 62. و رواه ابن راهويه في مسنده، ج 2، ص 367 368 ، ح 910.
14- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 63.

ص: 224

. .

ص: 225

باب الصلاة على المؤمن والتكبير والدعاء

باب الصلاة على المؤمن والتكبير والدعاءيجب فيها على المشهور خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية، بل يظهر من الذكرى كما ستعرف إجماع الأصحاب عليه. وقال المحقّق في الشرائع: «والدعاء بينهن غير لازم». (1) وقال صاحب المدارك: «وربّما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمّنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك». (2) وعلى الأوّل فالظاهر عدم تعيّن دعاء خاصّ؛ للأصل، ولقوله عليه السلام : «ليس في الصلاة على الميّت دعاء مؤقّت» فيما يرويه المصنّف في الباب الآتي، (3) ويؤيّده اختلاف الأدعية المأثورة في الأخبار، وهو خيرة أكثر قدماء الأصحاب. (4) وأوجب العلّامة في أكثر كتبه (5) الشهادتين عقيب الاُولى، والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام عقيب الثانية، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقيب الثالثة، والدعاء للميّت عقيب الرابعة؛ تعويلاً على ما رواه المصنّف في باب علّة تكبير الخمس على الجنازة، عن محمّد بن مهاجر، (6) وما رويناه في ذلك الباب عن إسماعيل بن همّام، (7) وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى، حيث قال : الأقرب وجوب الأذكار الأربعة إلى قوله : والأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفيّة الصلاة كابني بابويه (8) والجعفي (9) والشيخين (10) وأتباعهما (11) وابن إدريس، (12) ولم يصرّح أحد منهم بندب الأذكار، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب. فإن قلت: قد روى زرارة ومحمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام : «ليس في الصلاة على الميّت قراءة ولا دعاء مؤقّت إلّا أن تدعو بما بدا لك، وأحقّ الأموات أن يُدعى له أن يبدأ بالصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله »؛ (13) ولهذا قال ابن الجنيد: ليس بين التكبيرات شيء مؤقّت لا يجوز غيره». قلت: نحن لا نوقّت لفظاً بعينه، بل توجب مدلول ما اشتركت فيه الروايات بأيّة عبارة كانت، ولأنّ الغاية من الصلاة الدعاء للميّت فيجب تحصيلاً لها، فيجب الباقي؛ إذ لا قائل بالفرق. انتهى . (14) نعم، هي أفضل، وهي متعدّدة: منها ما سبق. ومنها: ما رواه المصنّف في الباب. ومنها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الصلاة على الميّت، فقال : «تكبّر، ثمّ تقول : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أئمّة المسلمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى إمام المسلمين، اللّهمّ عبدك فلان وأنت أعلم به، اللّهمّ ألحقه بنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، فافسح له في قبره، ونوّر له فيه، وصعّد روحه، ولقّنه حجّته، واجعل ما عندك خيرا له، وارجعه إلى خير ممّا كان فيه، اللّهمّ عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده، اللّهمّ عفوك، اللّهمّ عفوك، [تقول هذا كلّه في التكبيرة الأولى، ثمّ تكبّر الثانية و تقول : اللهمّ عبدك فلان، اللهمّ ألحِقه نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، وَ افسح له في قبره، و نوّر له فيه، و روحه، ولقِّنه حجّته، وَاجعل ما عندك خيرا له، و ارجعه إلى خير ممّا كان فيه، اللهمّ عندك نحتسبه، فلا تحرِمنا أجره، ولاتفتنا بعده، اللهمّ عفوك، اللهمّ عفوك.]تقول هذا في الثانية والثالثة والرابعة، فإذا كبّرت الخامسة فقل: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات وألّف (15) بين قلوبهم وتوفّني على ملّة رسولك، اللّهمّ اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للّذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللّهمّ عفوك، اللّهمّ عفوك؛ وتسلّم» . (16) وعن أبي ولاّد، قال : سألت أبا عبد اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عن التكبير على الميّت، فقال : «خمس تكبيرات، تقول إذا كبّرت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، ثمّ تقول : اللّهمّ إنّ هذا المسجّى قدّامنا عبدك [و] ابن عبدك، وقد قبضت إليك روحه، (17) وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غنيّ عن عذابه، اللّهمّ ولا نعلم من ظاهره إلّا خيرا وأنت أعلم بسريرته، اللّهمّ إن كان محسناً فضاعف له إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن إساءته، ثمّ تكبّر الثانية، ثمّ تفعل ذلك في كلّ تكبيرة». (18) قوله في خبر يونس: (ارفع يدك في كلّ تكبيرة) . [ح 5 / 4509] يدلّ على رجحان رفع اليدين في التكبيرات الخمس أجمع. ومثله صحيحة عبد الرحمان العزرمي، قال : صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام على جنازة، فكبّر خمساً يرفع يده فيكلّ تكبيرة. ورواية محمّد بن خالد مولى بني الصيداء: أنّه صلّى خلف جعفر بن محمّد على جنازة، فرآه يرفع يديه في كلّ تكبيرة. (19) وما رُوي في المنتهى (20) من طرق العامّة عن ابن عمر، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يرفع يديه في كلّ تكبيرة. (21) وأنّ ابن عمر وأنساً كانا يفعلان ذلك . (22) وإليه ذهب الشيخ في كتابي الأخبار (23) وتبعه المتأخّرون، (24) وعدّه العلّامة في المنتهى أقوى، (25) وهو محكي عن الشافعي (26) وإحدى الروايتين عن مالك، (27) وخصّ السيّد في الناصريات استحبابه بالتكبيرة الاُولى حيث قال : «يرفع يديه في الاُولى منها». (28) ونسبه إلى أبي حنيفة وأصحابه وابن حيّ والثوري، (29) وفي رواية اُخرى عن مالك، (30) وهو مذهب الشيخ في المبسوط والنهاية. (31) ويدلّ عليه خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه كان لا يرفع يده في الجنازة إلّا مرّة واحدة، يعني بالتكبير. (32) وخبر إسماعيل بن أبان الورّاق، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام قال : «كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يرفع يديه في أوّل التكبير على الجنازة، ثمّ لا يعود حتّى ينصرف». (33) وحملا في المشهور على التقيّة، مع ضعفهما بوجود غياث في الأوّل، (34) وسلمة بن الخطّاب في الثاني، (35) ولا يبعد القول بتأكّد الاستحباب في الاُولى وعدم تأكّده في البواقي . وفي المنتهى: «الرفع مستحبّ فجاز تركه في بعض الأوقات؛ لئلا يوهم المداومة عليه الوجوب». (36) وحكى والدي طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : لم يذكر في الحديث رفع الأيدي مع التكبير. واختلف فيه قول مالك، هل يرفع في الجميع أو يدع في الجميع أو يرفع في الاُولى خاصّة؟ وفيه قول رابع يرفع في الاُولى ويتخيّر في غيرها .

.


1- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 81 .
2- . مدارك الأحكام، ج 4، ص 167.
3- . هو الحديث الأوّل من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 88 ، ح 3097 .
4- . اُنظر: الهداية، ص 166، باب المواطن التي ليس فيها دعاء مؤقّت؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 175 176.
5- . تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 71 72، المسألة 216؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 263، مختلف الشيعة، ج 2، ص 294 295.
6- . هو الحديث 3 من ذلك الباب . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 189 190، ح 431 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 60 61، ح 3021 .
7- . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 64 65، ح 3029 .
8- . المقنع، ص 20.
9- . لم أعثر عليه.
10- . المقنعة، ص 227؛ النهاية، ص 145، المبسوط، ج 1، ص 184 _ 185، التبيان، ج 5 ، ص 272؛ الخلاف، ج 1، ص 724، المسألة 543 .
11- . راجع: المراسم، ص 78 79، الغنية، ص 103، الوسيلة، ص 119، جامع الخلاف و الوفاق، ص 112.
12- . السرائر، ج 1، ص 359 .
13- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 189، ح 429 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 476 477، ح 1843؛ الكافي ، ج 3، ص 185، باب أنّه ليس في الصلاة دعاء مؤقّت، و أنّه ليس فيها تسليم، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 88 ، ح 3097 .
14- . الذكرى، ج 1، ص 432 433.
15- . في المصدر: «اللّهمّ ألِّف».
16- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 330 331 ، ح 1043؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 65 66، ح 3031 . و ما بين الحاصرتين منهما.
17- . في المصدر: «روحه إليك».
18- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 191 192، ح 436 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 62 63، ح 3025 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 194 195، ح 445 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 478، ح 1851؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 92، ح 3019 .
20- . منتهى المطلب، ج 1، ص 455 (ط قديم) . و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 78.
21- . المغني لابن قد امة، ج 2، ص 373 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 349 . و رواه الدارقطني في سننه، ج 2، ص 62، ج 1813 ، بإسناده عن أبي هريرة.
22- . المصنّف لابن أبي شيبه، ج 3 ، ص 180 و 181، الباب 85 من كتاب الجنائز، ح 1 و 9؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 44 ؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 229، المغني، ج 2، ص 373 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 349 ؛ فتح الباري، ج 3 ، ص 153؛ الدراية، ج 1، ص 236؛ تعليق التعليق، ج 2، ص 480 ؛ عمدة القاري، ج 2، ص 124.
23- . الاستبصار، ج 1، ص 478 479، الباب 296: رفع اليدين في كلّ تكبيرة، ح 1850 وما بعده ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 194 ، ذيل ح 444.
24- . اُنظر: الوسيلة، ص 120؛ إشارة السبق، ص 104؛ المعتبر، ج 2، ص 355 356 ؛ كشف الرموز ، ج 1، ص 193؛ مدارك الأحكام، ج 4، ص 178؛ الكافي في الفقه، ص 157؛ المهذّب، ج 1، ص 130.
25- . منتهى المطلب، ج 1، ص 455 (ط قديم) . و مثله في مختلف الشيعة، ج 2، ص 293.
26- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 127، و ص 323 . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 232؛ المغني، ج 2، ص 373 ؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 123؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 239.
27- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 232.
28- . الناصريّات، ص 268.
29- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 232؛ المغني، ج 2، ص 373 ؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 123.
30- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 232؛ المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 176؛ المغني، ج 2، ص 373 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 239.
31- . المبسوط، ج 1، ص 184؛ النهاية، ص 144.
32- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 194، ح 443 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 479، ح 1854؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 93، ح 3112 . و فيهما «في التكبير» بدل : «بالتكبير».
33- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 194، ح 444 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 479، ح 1853؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 93 94، ح 3113 .
34- . وثّقه النجاشي في رجاله، ص 305 ، الرق2م 833 ؛ والعلّامة في خلاصة الأقوال، ص 385 ، إلّا أن طريق الشيخ إليه ضعيف. اُنظر ترجمة غياث بن إبراهيم من معجم رجال الحديث.
35- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 187، الرقم 498 ؛ رجال ابن الغضائري، ص 66، الرقم 64؛ خلاصة الأقوال، ص 354 ؛ رجال ابن داود الحلّي ، ص 248، الرقم 218.
36- . منتهى المطلب، ج 1، ص 455 (ط قديم) .

ص: 226

. .

ص: 227

. .

ص: 228

. .

ص: 229

. .

ص: 230

باب أنّه ليس في الصلاة دعاء مؤقّت وأنّه ليس فيها تسليم

باب أنّه ليس في الصلاة دعاء مؤقّت وأنّه ليس فيها تسليمالنفي في قوله : «ليس في الصلاة دعاء مؤقّت» متوجّه إلى القيد، والغرض نفي تعيّن الدعاء وذلك، لا ينافي وجوبه على الإطلاق، وقد سبق القول فيه. وهل تجوز القراءة مقامه؟ الظاهر ذلك؛ لأصالة الجواز، وعدم دليل صالح على المنع عنها، ولما رواه عليّ بن سويد، عن الرضا عليه السلام . قال فيما أعلم: قال الرضا عليه السلام في الصلاة على الجنائز: (1) «تقرأ في الاُولى اُمّ الكتاب، وفي الثانية تصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله ، وتدعو في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو في الرابعة لميّتك، والخامسة تنصرف بها». (2) وقد رواه عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام أيضاً مثله. (3) وما رواه الشهيد في الذكرى عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن الصادق، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام : «كان إذا صلّى على ميّت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلّي [على النبيّ و آله]». (4) ولا ينافي ذلك نفي القراءة في بعض ما سبق من الأخبار؛ لأنّ الظاهر منه نفي وجوبها، ثمّ إنّها ليست واجبة عند الأصحاب أجمع (5) وأبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي وجماعة اُخرى من العامّة؛ (6) على ما حكى عنهم في الخلاف (7) والمنتهى. (8) ونقل في الخلاف وجوبها واشتراطها في صحّة الصلاة عن العبادلة (9) والشافعي وأحمد، (10) محتجّين بخبر جابر بن عبد اللّه : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كبّر على الميّت أربعاً، وقرأ بعد التكبيرة باُمّ القرآن. (11) وبقوله صلى الله عليه و آله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب». (12) وبأنّها صلاة تجب فيها القيام فوجب القراءة أيضاً كسائر الصلوات. (13) وفيه : أنّ الخبر الأوّل لو صحّ فإنّما يدلّ على الجواز، بل هو أظهر للجمع بينه وبين ما رواه عن ابن مسعود، قال : «لم يوقّت لنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صلاة الجنازة قولاً ولا قراءة، اختر من طيّب القول ما شئت». (14) والخبر الثاني مخصوص بغير صلاة الجنازة، للجمع، ودفع الأخير واضح. (15) وهل تكره؟ الظاهر لا؛ لما ذكر. ورجّحه الشهيد في الذكرى معلّلاً؛ «بأنّ القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهي عنه، والأخبار خالية عنه وغايتها النفي، وكذا كلام الأصحاب». (16) وصرّح الشيخ في الخلاف بكراهتها محتجّاً بإجماع الفرقة وأخبارهم، ونسبها إلى أبي حنيفة وأضرابه. (17) وأنت خبير بأنّ الأخبار لا تدلّ على النهي عنها، بل إنّما تدلّ على نفي وجوبها كما عرفت. وفي الذكرى: «ونحن لم نر أحدا ذكر الكراهة فضلاً عن الإجماع عليها». (18) ولقد بالغ في التهذيب وقال بحرمتها، حيث حمل ما تقدّم من الخبرين على الوهم من الراوي، وأيّده بأنّ الراوي في الخبر الأوّل لم يكن متيقّناً في نقله عن الرضا عليه السلام ، بل كان شاكّاً، وما يكون الراوي شاكّاً فيمن يخبر عنه يجوز أن يكون قد وهم في قوله يقرأ باُمّ الكتاب، ثمّ حمله على التقيّة، (19) فتأمّل. وأمّا التسليم ، فقد نفاه العلّامة في المنتهى مدّعياً عليه إجماع علمائنا، (20) وحكاه عن النخعي، وحكى عن أكثر الجمهور مشروعيّته، (21) ويفهم منه أنّه أراد بنفيه نفي مشروعيّته لا نفي وجوبه فقط. واحتجّوا عليه بما رواه المصنّف في الباب، وما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي وزرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامقالا : «ليس في الصلاة على الميّت تسليم». (22) وعن إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميّت، فقال : أمّا المؤمن فخمس تكبيرات، وأمّا المنافق فأربع، ولا سلام فيها. (23) واحتجّ عليه في الانتصار بإجماع الطائفة، وبأنّ صلاة الجنازة مبنيّة على التخفيف؛ لأنّه قد حذف منها الركوع والسجود وهما أوكد من التسليم، فغير منكر أن يحذف التسليم. (24) وأنت خبير بأنّ هذه الأدلّة إنّما تدلّ على نفي وجوبه لا على عدم مشروعيّته. وإجماع الأصحاب أيضاً إنّما انعقد عليه على ما حكاه في الذكرى عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «أمّا شرعيّة التسليم استحباباً أو جوازا، فالكلام فيه كالقراءة؛ إذ الإجماع المعلوم فيه إنّما هو على عدم وجوبه». (25) وقال الشهيد في الذكرى: «أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها». (26) وهو أيضاً ظاهر في أنّ المجمع عليه هو نفي الوجوب كما لا يخفى. وقد صرّح بعض الأصحاب بجوازه، فقد قال ابن الجنيد على ما حكى عنه في الذكرى _ : «لا أستحبّ التسليم فيها، فإن سلّم الإمام فواحدة عن يمينه». (27) وهذا يدلّ على شرعيّته، فالقول بجوازه أظهر؛ للأصل، وعدم دليل يعتدّ به على المنع، بل لايبعد القول باستحبابه؛ للجمع بين ما ذكر، وبين قوله عليه السلام : «وتسلّم» وقوله عليه السلام : «فإذا فرغت [منها] سلّمت عن يمينك» فيما تقدّم من موثّقة عمّار، (28) ومضمرة سماعة، (29) وقوله عليه السلام : «والخامسة يسلّم» في خبر المنقري، (30) وقد تقدّم أيضاً. ويؤيّدها ما رواه المصنّف في باب جنائز الرجال والنساء والأحرار والعبيد في موثّق عمّار من قوله: «وسئل عن ميّت صلّي عليه، فلمّا سلّم الإمام فإذا الميّت مقلوب». (31) وعلى المشهور حملت هذه على التقيّة. وذكر الشيخ في الخلاف أنّ جميع الفقهاء من العامّة اتّفقوا على مشروعيّته، وأنّهم إنّما اختلفوا في وجوبه واستحبابه، وأنّ كيفيّة التسليم عندهم ككيفيّته في باقي الصلوات. (32) وفي الانتصار: أنّ أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أنّه تسليم عن يمينه وعن يساره. (33) قال مالك: يسلّم الإمام واحدة ويُسمع من يليه، ويُسلّم مَن وراءه واحدة في أنفسهم، وإن أسمعوا من يليهم فلا بأس. (34) وقال الثوري: يسلّم عن يمينه تسليمة خفيفة. (35) وقال ابن حيّ: (36) يسلّم عن يمينه وعن شماله بخفية ولا يجهر به (37) وقال الشافعي مثل قول ابن حيّ في العدد والمنع من الجهر (38) . (39)

.


1- . في المصدر: «عن الرضا عليه السلام فيما يعلم قال في الصلاة على الجنائز».
2- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 193، ح 440 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 477، ح 1844؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 64، ح 3028 .
3- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 193، ح 441.
4- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 319 ؛ ح 988؛ الاستبصار، ج 1، ص 477، ح 1845؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 89 ، ح 3100 .
5- . اُنظر : مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192.
6- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 370 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 188؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 139؛ فتح الباري، ج 3 ، ص 463 ؛ الجوهر النقي، ج 4، ص 39 ، عون المعبود، ج 8 ، ص 344 ؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 242.
7- . الخلاف، ج 1، ص 723، ذيل المسألة 541 .
8- . منتهى المطلب، ج 1، ص 542 (ط قديم) .
9- . في هامش الأصل: «عبداللّه بن عمر و عبداللّه بن عبّاس و عبداللّه بن مسعود و عبداللّه بن الزبير . منه».
10- . راجع: السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 39 ؛ المغني، ج 2، ص 370 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 188، عمدة القاري، ج 8 ، ص 139؛ المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 64؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 242؛ فتح الباري، ج 3 ، ص 163؛ عون المعبود، ج 8 ، ص 344 ؛ الجوهر النقي، ج 4، ص 39 ، سنن الترمذي، ج 1، ص 196195، ذيل ح 311 .
11- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 39 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 168، ح 2148.
12- . للحديث بهذا اللفظ و بألفاظ اُخرى مثل «لاصلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب» مصادر عديدة، منها: مسند أحمد، ج 5 ، ص 314 ؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 283؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 184 و 185؛ و ج 8 ، ص 211؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 9 و 10؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 274، ح 841 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 189، ح 821 ؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 156، ح 247؛ سنن النسائي، ج 2، ص 137 138؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 316 317 ، ح 982 983؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 37 .
13- . اُنظر : المجموع، ج 5 ، ص 232.
14- . مجمع الزوائد، ج 3 ، ص 32 ، بدائع الصنائع، ج 1، ص 313 ؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 250، المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 64؛ عون المعبود، ج 8 ، ص 352 .
15- . فإنّه قياس باطل.
16- . الذكرى، ج 1، ص 442.
17- . الخلاف، ج 1، ص 723، المسألة 742.
18- . الذكرى، ج 1، ص 442.
19- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 193، ذيل ح 440 و 441.
20- . منتهى المطلب، ج 1، ص 453 (ط قديم) . و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 75، المسألة 219 ، و لم ينسبه إلى التحقيق.
21- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 2، ص 373 ؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 239، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 349 ، المستدرك للحاكم ، ج 1، ص 360 .
22- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 192، ح 438 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 477، ح 1847؛ فانّه رواه من طريق الكليني، والحديث هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 191، ح 3015 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 192 193، ح 439 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 477 478، ح 1848؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 74، ح 3050 .
24- . الانتصار، ص 177.
25- . الذكرى، ج 1، ص 444، و الكلام للشهيد نفسه ، لاعن ابن أبي عقيل.
26- . الذكرى، ج 1، ص 442.
27- . الذكرى، ج 1، ص 443. وحكاه عنه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 298.
28- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 331 ، ح 1034؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 65 _ 66، ح 3031 .
29- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 191، ح 435 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 478، ح 1849؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 64، ح 3026 .
30- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 318 319 ، ح 987؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 65، ح 3030 ، والمنقري رواه عن يونس، عن أبي عبداللّه عليه السلام .
31- . هو الحديث 2 من ذلك الباب. و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 322 323 ، ح 1004؛ و الاستبصار، ج 1، ص 482 483، ح 1870 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 107، ح 1351.
32- . الخلاف، ج 1، ص 724، المسألة 544 . و انظر: المجموع للنووي، ج 5 ، ص 239؛ المغني، ج 2، ص 373 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 349 ؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 189؛ تلخيص الحبير، ج 5 ، ص 186؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 123؛ عون المعبود، ج 8 ، ص 359 .
33- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 243 244؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 123؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 249؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 189؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 51 .
34- . الثمرالداني، ص 279؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 51 .
35- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 244؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 373 ؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 51 .
36- . في الأصل: «ابن حسن»، و التصويب من المصدر، و كذا المورد التالي.
37- . الاستذكار، ج 3 ، ص 51 .
38- . اُنظر: مختصر المزني، ص 38 ؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 243 244، فتح العزيز، ج 5 ، ص 182؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 189؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 51 .
39- . الانتصار، ص 176.

ص: 231

. .

ص: 232

. .

ص: 233

. .

ص: 234

. .

ص: 235

باب من زاد على خمس تكبيرات

باب من زاد على خمس تكبيراتقال العلّامة في المختلف: «المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميّت»، (1) وخصّها ابن إدريس بالصلاة جماعة، (2) وقيّدها الشيخ في الخلاف بمن صلّى عليه. (3) والظاهر عدم الكراهة للإمام؛ لما ثبت من تكرير النبيّ صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام الصلاة على حمزة وعلى سهل بن حنيف، ودلّ عليه أخبار الباب. (4) ولا لمن لم يصلّ عليه؛ لما ثبت من تكرير الصحابة الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله واحدا بعد واحد. (5) وما رواه الشيخ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج في جنازة امرأة من بني النجار، فصلّى عليها فوجد الحَفَرَة لم يمكّنوا، فوضعوا الجنازة، فلم يجيء قوم إلّا قال لهم: صلّوا عليها». (6) وفي الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الميّت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلّى عليه». (7) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الجنازة لم أدركها للصلاة حتّى بلغت القبر، قال : «إن أدركتها قبل أن تُدفن، فإن شئت فصلّ عليها». (8) والأكثر إنّما قالوا بالكراهة؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة عليها، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الجنازة لا تصلّى عليها مرّتين، ادعوا له وقولوا خيرا». (9) ووهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاءه ناس فقالوا: لم ندرك الصلاة عليها، فقال : لا تصلّى على جنازة مرّتين، ولكن ادعوا له» . (10) والأظهر الجمع بعدم تأكّد الاستحباب، كما يشعر به قوله عليه السلام : «فإن شئت فصلّ عليها» في موثّق يونس بن يعقوب المتقدّم. هذا، والظاهر في المكررة نيّة الندب؛ لسقوط الفرض بالاُولى. وفي المدارك: «وجوّز المحقّق الشيخ عليّ إيقاعها بنيّة الوجوب اعتبارا بأصل الفعل، (11) ولا وجه له». (12) وهل يجب الصلاة على من دُفن بغير صلاة؟ الظاهر ذلك، وبه صرّح العلّامة في المختلف؛ (13) للروايات الدالّة على وجوب الصلاة على الميّت مطلقاً من غير تقييد بما قبل الدفن، كقوله صلى الله عليه و آله : «لا تَدَعُوا أحدا من اُمّتي بلا صلاة»، (14) وقوله عليه السلام : «صلّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على اللّه »، (15) وغيرهما. ويؤيّدها صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يصلّي الرجل على الميّت بعدما يدفن». (16) وخبر مالك مولى الجهم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا فاتتك الصلاة على الميّت حتّى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن»، (17) وقريب منهما خبر اُخرى. (18) وما رواه مسلم عن ابن نمير، قال : انتهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى قبر رطب، فصلّى عليه وصلّوا خلفه وكبّر أربعاً. (19) وله في ذلك روايات اُخرى. وهو المشهور بين الأصحاب منهم العلّامة في المختلف، (20) ولكن اختلفوا في تحديده، فذهب الأكثر إلى يوم وليلة، وقالوا بعدم جوازها بعده، (21) وعن سلّار: «أنّه يصلّى عليه إلى ثلاثة أيّام»، (22) وعن ابن الجنيد: «أنّه يصلّى عليه ما لم يتغيّر صورته»، (23) ولم أجد مستندا لهذه التقديرات، وأطلقها الصدوق من غير تقدير وقت، (24) وهو أظهر. وقال المحقّق الأردبيلي: «والّذي يقتضيه النظر وجوب الصلاة [على قبر ميّت لم يصلّ عليه] ما دام الميّت باقياً ويصدق عليه الميّت، بحيث لو كان على تلك الحالة خارجاً عن القبر يصلّى عليه». (25) وفي المنتهى: «الأقوى عندي أنّها بعد الدفن ليست بواجبة؛ لأنّه بدفنه خرج عن أهل الدنيا، فساوى البالي في قبره». (26) وظاهره جوازها كما هو مذهب المحقّق في المعتبر، حيث جزم فيه بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن وقال : «ولا أمنع الجواز» (27) محتجّاً عليهما بما ذكر من دليل المنع والجواز، وهو ظاهر الشيخين (28) وابن إدريس (29) حيث عبّروا بالجواز وكأنّهم قالوا بذلك للجمع بين ما ذكر وبين ما يرويه المصنّف قدّس سرّه في باب من يموت في السفينة في الموثّق عن عمّار بن موسى، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في قوم كانوا في سفر، فهم يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجلٍ ميّتٍ عريان قد لفظه البحر، وهم عراة ليس معهم إزار، كيف يصلّون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يلفّونه فيه؟ قال : «يحفر له ويوضع في لحده، ويوضع اللبن على عورته لستر عورته باللبن، ثمّ يصلّى عليه، ثمّ يُدفن». قال : قلت: فلا يصلّى عليه إذا دفن؟ قال : «لا، لا يصلّى على الميّت بعدما يدفن، ولا تصلّي عليه وهو عريان حتّى تواري عورته». (30) قال طاب ثراه: ومثله رواية محمّد بن أسلم أو مسلم (31) عن رجل من أهل الجزيرة، عن الرضا عليه السلام قال : «لا يصلّون عليه وهو مدفون». (32) ورواية محمّد بن مسلم أو زرارة، قال : «الصلاة على الميّت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء». قال : قلت: والنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «لا، إنّما دعا له». (33) وبالجملة، فلم أجد تصريحاً بعدم الجواز على من لم يصلّ عليه قبل الدفن من أحد، بل ظاهر الأكثر جوازها لمن لم يصلّ على الميّت وإن كان الميّت قد صُلّي عليه قبل الدفن. نعم، منع في المختلف جوازها على من صلّى عليه قبل الدفن، (34) والأظهر والأحوط هو الأوّل؛ لأنّ عمّارا مع عدم صحّته ما كان ضابطاً، فلا يعتمد على ما تفرّد بروايته لاسيّما مع معارضته لغيره. على أنّه قابل للتأويل بإرادة عدم جواز الصلاة عليه بعد الدفن فيما إذا أمكن الصلاة عليه قبله بستر العورة باللبن، بل هو ظاهر الخبر، ورواية ابن أسلم ضعيفة باشتراكه بين الغالي والمجهول، (35) وبالإرسال. وأمّا خبر محمّد بن مسلم فالترديد بينه وبين زرارة ممّا يوجب القدح فيه؛ لأنّه مناف للضبط وموجب لضعف الخبر، وقطعه أيضاً موجب لعدم الاعتماد عليه ، مع أنّه معارض بما هو ظاهر في أنّه عليه السلام صلّى على النجاشي الصلاة المتعارفة على الموتي. واحتمل المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه حمل النهي في هذه الأخبار على الكراهة بالمعنى المشهور، يعني في العبادات، بمعنى أقلّ ثواباً، وقال : «فلا يدلّ على نفي الوجوب أيضاً». واحتمل أيضاً اختصاصه بمن صلّى عليه ثمّ قال : «وبالجملة، شغل الذمّة ظاهر ، والخروج عن العهدة والبراءة غير ظاهر، والاحتياط يقتضي الوجوب». (36) وقال طاب ثراه: واختلف علماء العامّة فيه، فقال محي الدين البغوي: إن دفن الميّت بغير صلاة فالمشهور أنّه يصلّى عليه، وأمّا الصلاة على قبر من صلّي عليه فالمشهور أنّه لا يصلّى عليه، وبه قال أبو حنيفة، قال : إلّا أن يكون وليّ الميّت. وعن مالك أيضاً والشافعي جوازه، كذا نقل عنه الآبي في كتاب إكمال الإكمال . (37)

.


1- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 301 . و كلامي ابن إدريس و الشيخ أيضا مذكورتان فيه.
2- . السرائر، ج 1، ص 360 .
3- . الخلاف، ج 1، ص 726، المسألة 548 .
4- . راجع : وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 80 81 ، ح 3073 و 3075 و 3077 3079 .
5- . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 80 81 ، ح 3074 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 325 ، ح 1012؛ الاستبصار، ج 1، ص 484، ح 1877؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 87 ، ح 3094 .
7- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 334 ، ح 1045؛ الاستبصار، ج 1، ص 484، ح 1874؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 86 ، ح 3090 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 334 ، ح 1046؛ الاستبصار، ج 1، ص 484، ح 1875؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 86 ، ح 3092 .
9- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 324 ، ح 1010؛ الاستبصار، ج 5 ، ص 484 485، ح 1878؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 87 ، ح 3095 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 468 ، ح 1534 ؛ و ج 3 ، ص 332 ، ح 1040 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 485 ، ح 1879 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 87 88 ، ح 3096 .
11- . جامع المقاصد، ج 1، ص 429.
12- . مدارك الأحكام، ج 4، ص 186.
13- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 305 306 .
14- . الفقيه، ج 1، ص 166، ح 480 ؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 328 ، ح 1026؛ الاستبصار، ج 1، ص 468 469، ح 1810؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 133، ح 3213 .
15- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 328 ، ح 1025؛ الأمالي للصدوق، ص 217، المجلس 39 ، ح 2؛ الاستبصار، ج 1، ص 468، ح 1809؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 133، ح 3212 .
16- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 467، ح 1530؛ و ج 3 ، ص 200، ح 466 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 482، ح 1866؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 104، ح 3141 .
17- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 201، ح 467 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 482، ح 1867؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 104، ح 3142 . و روى نحوه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 166، ح 475.
18- . نفس المصادر المتقدّمة ، الحديث التالي من الأرقام المذكورة .
19- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 55 . و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 45.
20- . تقدّم أنفا.
21- . اُنظر: المقنعة، ص 231؛ المهذّب، ج 1، ص 132، الوسيلة، ص 120، إشارة السبق، ص 105؛ البيان، ص 29 (ط قديم)، الدروس، ج 1، ص 112، درس 13، مدارك الأحكام، ج 4، ص 188.
22- . المراسم، ص 79 80 .
23- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 305؛ و السيّد محمّد العاملي فى مدارك الأحكام، ج 4، ص 187.
24- . نفس المصدرين المتقدّمين.
25- . مجمع الفائدة والبرهان، ج 2، ص 450.
26- . منتهى المطلب، ج 1، ص 450 (ط قديم) .
27- . المعتبر، ج 2، ص 358 .
28- . المقنعة، ص 229؛ المبسوط، ج 1، ص 185.
29- . السرائر، ج 1، ص 360 .
30- . هو الحديث 4 من ذلك الباب، و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 166، ح 482 ؛ و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 179، ح 406 ؛ و ص 327 ، ح 1022؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 131، ح 3209 .
31- . و الصحيح الأوّل كما في المصدر ، و رجال النجاشي، ص 368 ، الرقم 999؛ و الفهرست، ص 205، الرقم 587 ؛ و رجال الطوسي، ص 364 ، الرقم 5401 .
32- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 328 ، ح 1023؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 132، ح 3210 .
33- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 202، ح 473 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 438، ح 1873؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 105، ح 3145 .
34- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 305 306 .
35- . اُنظر: ترجمته في معجم رجال الحديث.
36- . مجمع الفائدة و البرهان، ج 2، ص 452 453.
37- . راجع: كتاب الاُمّ، ج 1، ص 309 ؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 192؛ التمهيد، ج 6، ص 279 280؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 191؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 35 ؛ الفتوحات المكّيّة، ج 1، ص 533 ؛ رسالة ابن أبي زيد، ص 288؛ مواهب الجليل، ج 3 ، ص 72؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 251، ذيل ح 1042؛ عمدة القاري، ج 6، ص 152؛ و ج 8 ، ص 26؛ تحفة الأحوذي، ج 4، ص 113 114.

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يُعرف

باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يُعرفالمراد بالمستضعف على ما ذكره جماعة منهم الشهيد في الذكرى: «من لا يعرف الحقّ، ولا يعاند أهل الحقّ، ولا يوالي أحدا بعينه». (1) ونقل عن المفيد أنّه فسّره في الغَريّة بالّذي يعترف بالولاء ويتوقّف عن البراء. (2) وفسّره ابن إدريس بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب، ولا يبغض أهل الحقّ على اعتقادهم. (3) وقال صاحب المدارك: «والتفسيرات متقاربة». (4) والمراد بمن لا يُعرف على البناء للمفعول من لايُعرف دينه ومذهبه، ولا خلاف بين الأصحاب في وجوب الصلاة عليهما، ولا في سائر أحكام الأموات، وإنّما الخلاف بينهم في المخالف المعتقد لغير الحقّ، وسيأتي. لكن في الصلاة على الأوّل يدعا له دعاء المستضعفين، وعلى الثاني يدعا له مشروطاً بمحبّته للخير وأهله، كما يدلّ عليه حسنة الحلبي (5) واشتهر بين الأصحاب، أو بدعاء المستضعفين؛ لحسنة محمّد بن مسلم. (6) وقال الصدوق في دعائه: «اللّهمّ إنّ هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتّها، اللّهمّ ولّها ما تولّت واحشرها مع من أحبّت». (7) وكأنّه تمسّك بخبر ثابت بن أبي المقدام (8) حملاً للميّت فيه على المجهول .

.


1- . الذكرى، ج 1، ص 436 437.
2- . حكاه عنه في الذكرى، ج 1، ص 437.
3- . السرائر، ج 1، ص 84 ، و ج 2، ص 560 .
4- . مدارك الأحكام، ج 4، ص 180 . و مثله في جامع المقاصد للمحقّق الكركي، ج 1، ص 425.
5- . هو الحديث 3 من الباب من الكافي. الفقيه، ج 1، ص 168، ح 491 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 68، ح 3035 .
6- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 67، ح 3033 .
7- . الفقيه، ج 1، ص 168، ذيل ح 489 ؛ المقنع، ص 69؛ الهداية، ص 114.
8- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 196، ح 451 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 69، ح 3038 .

ص: 241

باب الصلاة على الناصب

باب الصلاة على الناصبالمراد بالناصب في هذا المقام مطلق المخالف للحقّ وإن كان محبّاً لأهل البيت عليهم السلام كما اختاره جماعة منهم الشهيد في الدروس، (1) ويشعر به قوله عليه السلام : «إن كان جاحدا للحقّ» في حسنة محمّد بن مسلم. (2) ويحتمل إرادة مبغض أهل البيت عليهم السلام كما اختاره في الذكرى؛ (3) لقوله عليه السلام : «ويبغض أهل بيت نبيّك». في أخبار عامر بن السمط (4) والجمّال (5) والبزنطي. (6) ويؤيّدها صحيحة حمّاد بن عثمان الناب أو مرسلته. (7) وظاهر الأكثر وجوب الدعاء على المخالف مطلقاً في الصلاة عليه، وهو ظاهر الأمر. وفي الذكرى: «أنّ الدعاء على هذا القسم يعني المخالف غير واجب؛ لأنّ التكبير عليه أربع وبها يخرج عن الصلاة». (8) ولا يخفى أنّ عدم وجوب التكبيرة الخامسة لا ينافي وجوبه؛ لإمكانه في باقي التكبيرات، وظاهر بعض الأخبار المشار إليها كونه عقيب [الاولى] . (9) وقد حكى فيه عن الشيخ (10) وابن البرّاج (11) أنّهما لم يصرّحا بلعن غير الناصب في الصلاة عليه. (12) وأمّا الصلاة عليه فهل هي واجبة في غير التقيّة؟ فالمشهور بين الأصحاب العدم في النواصب والخوارج والغلاة، (13) بل لم أجد مخالفاً منهم إلّا ما نقله الشهيد في الذكرى عن الشيخ أنّه أوجبها على الباغي في باب قتال أهل البغي من الخلاف؛ محتجّاً بالعمومات، (14) وهو غريب؛ لأنّه ينافي الحكم بكفرهم ظاهرا أيضاً. واختلفوا في غير هؤلاء، فاشتهر بين المتأخّرين وجوبها؛ (15) لإطلاق الأخبار الواردة في الصلاة عليه من غير تقييد بحال الخوف والتقيّة، وذهب جماعة منهم الشيخان في المقنعة (16) والتهذيب (17) وابن إدريس في السرائر (18) إلى عدم جوازها. واحتجّ عليه في التهذيب والسرائر بتظافر الأخبار على كفرهم، وتواترها والإجماع على عدم جوازها على الكافر، وهو ظاهر السيّد المرتضى، حيث حكم بكفرهم مطلقاً، (19) وظاهر سلّار أيضاً، حيث اشترط في الغسل على ما حكي عنه اعتقاد الحقّ، (20) ولا قائل بالفصل، فتدبّر. قوله في حسنة حمّاد بن عثمان: (فسكت) إلخ. (21) [ح 1 / 4523] لعلّ منشأ السكوت أنّه صلى الله عليه و آله كره إفشاء سرّ المنافقين، ثمّ لمّا ألحّ عمر في السؤال ولَجَّ فيه أجابه صلى الله عليه و آله على وجه الضجر بأنّ النهي إنّما وقع عن الدعاء له لا عن الدعاء عليه، وهذا هو السرّ في قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «فابدأ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يكره»، أي من إبداء أثر الغضب في وجهه وقد كان صلى الله عليه و آله كارهاً لذلك أبدا. ويؤيّده قوله صلى الله عليه و آله : «ويلك وما يدريك ما قلت». قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (وذلك قاله أبو جعفر عليه السلام لامرأة سوء من بني اُميّة صلّى عليها أبي فقال هذه المقالة: واجعل الشيطان لها قريناً) . [ح 5 / 4527] قوله: «لامرأة سوء» متعلّق «بقاله»، وفاعل قال في قوله: «فقال» أبوه صلوات اللّه عليه، و «هذه» إشارة إلى قوله: «واجعل الشيطان لها قريناً»، وذلك إلى آخره جملة معترضة من المصنّف قدّس سرّه، يعني أنّه قد ورد بسندٍ آخر عن غير محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «صلّى أبي على امرأة من بني اُميّة فقال بعد ما دعا عليها: واجعل الشيطان لها قريناً» .

.


1- . الدروس، ج 1، ص 113، درس 14.
2- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 71، ح 3043 .
3- . الذكرى، ج 1، ص 437.
4- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 197، ح 453 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 71، ح 3044 .
5- . و هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . الفقيه، ج 1، ص 168، ح 490؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 70، ح 3040.
6- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 70، ح 3041 .
7- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 72، ح 3045 .
8- . الذكرى، ج 1، ص 439.
9- . اُنظر: الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
10- . المبسوط، ج 1، ص 185.
11- . المهذّب، ج 1، ص 131.
12- . الذكرى، ج 1، ص 402.
13- . اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 182، جامع المقاصد، ج 1، ص 404 ؛ كشف اللثام، ج 2، ص 309 ؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 105 106.
14- . الذكرى، ج 1، ص 403، الخلاف، ج 5 ، ص 344 ، المسألة 13.
15- . اُنظر: المعتبر، ج 2، ص 243؛ المختصر النافع، ص 40، كشف الرموز، ص 191 192؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 124؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 24؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 228 و 229؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 262؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 447 (ط قديم)؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 28 ؛ البيان ، ص 28 ؛ روض الجنان ، ج 2، ص 815 ؛ الرسالة الجعفريّة للمحقّق الكركي (رسائل المحقّق الكركي ، ج 1، ص 93)؛ مجمع الفائدة، ج 2، ص 425 ؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 327 ؛ الدروس، ج 1، ص 111، درس 13؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 103 104.
16- . المقنعة، ص 85 .
17- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 335 ، ذيل ح 981.
18- . السرائر، ج 1، ص 356 .
19- . رسائل المرتضى، ج 1، ص 400، وجه طيب الولد و خبثه.
20- . المراسم، ص 45.
21- . و لا يخفى أنّ حمّادا رواه عن الحلبي، فالحديث للحلبي.

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

باب الجنازة توضع وقد كبّر على الأوّلة

باب الجنازة توضع وقد كبّر على الأوّلةإذا حضرت جنازة في أثناء الصلاة على جنازة فالأفضل مع عدم الخوف على الثانية إتمام الصلاة على الاُولى واستئناف صلاة اُخرى على الثانية، ويجوز التشريك بينهما فيما بقي، فينوي بقلبه الصلاة على الثانية أيضاً ويكبّر تكبيرا مشتركاً بينهما، كما لو حضرتا ابتداءً، ويدعو لكلّ واحدة بوظيفتها من الدعاء مخيّرا في التقديم إلى أن يكمل الاُولى، ثمّ يكمل ما بقي من الثانية. وبعد الفراغ من الاُولى يتخيّر أولياؤها بين تركها بحالها حتّى تكمل الصلاة على الثانية وبين رفعها. ويدلّ على ذلك صحيحة عليّ بن جعفر. (1) وذهب إليه جماعة منهم الشهيدان، (2) وذهب الصدوق إلى التخيير بين قطع الصلاة الاُولى واستئناف صلاة عليهما، وبين ترك الثانية حتّى يفرغ من هذه الصلاة، فيستأنف صلاة عليها. (3) وإليه ذهب جماعة منهم (4) العلّامة؛ (5) محتجّين بتلك الصحيحة. وأورد عليه الشهيد في الذكرى بقصورها عن الدلالة عليه، مع أنّه يحرم قطع الصلاة الواجبة، ثمّ قال : «نعم لو خيف على الجنازة الثانية قطع الصلاة ثمّ استأنف عليهما؛ لأنّه قطع لضرورة»، (6) فتأمّل.

.


1- . هي ما رواه المصنّف، في هذا الباب . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 326 ، ح 1020؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 129، ح 3207 .
2- . الذكرى، ج 1، ص 464؛ روض الجنان، ص 313 (ط قديم)؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 434.
3- . المقنع، ص 67؛ الفقيه، ج 1، ص 165، ذيل ح 470.
4- . في «ب» : «منها».
5- . اُنظر : تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 86 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 458 . و مثله في المعتبر ، ج 2، ص 360 .
6- . الذكرى، ج 1، ص 463.

ص: 245

باب في وضع الجنازة دون القبر

باب في وضع الجنازة دون القبراشتهر بين الأصحاب استحباب نقل الرجل الميّت إلى القبر من قبل رجليه بثلاث دفعات، (1) ولم أجد شاهدا عليه، والأخبار الواردة فيه إنّما دلّ على نقله إليه مرّتين، (2) وعمل بمضمونها المحقّق في المعتبر، (3) وهو ظاهر المصنّف قدّس سرّه، ومنقول في الذكرى (4) عن ابن الجنيد. وأمّا الأخبار فمنها: ما رواه المصنّف في الباب. ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «ينبغي أن يوضع الميّت دون القبر هنيئة ثمّ واره». (5) وعن ابن سنان، عن محمّد بن عطيّة، قال : «إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه (6) ، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتّى يأخذ اُهبته، ثمّ ضعه في لحده، والصق خدّه بالأرض، وتحسر عن وجهه، ويكون أولى الناس به ممّا يلي رأسه، ثمّ ليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد والمعوّذتين وآية الكرسي، ثمّ ليقل ما يعلم حتّى ينتهي إلى صاحبه». (7) وعن محمّد بن سنان، عن محمّد بن عجلان، قال سمعت صادقاً يصدق على اللّه يعني أبا عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا جئت بالميّت إلى قبره فلا تفدحه بقبره، ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع، ودعه حتّى يتأهّب القبر، ولا تفدحه به، فإذا أدخلته فليكن أولى الناس به عند رأسه، وليحسر عن خدّه وليلصق خدّه بالأرض، وليذكر اسم اللّه ، وليتعوّذ من الشيطان، وليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو اللّه والمعوّذتين وآية الكرسي، ثمّ ليقل ما يعلم، ويسمعه تلقينه: شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، ويذكر ما يعلم واحدا واحدا» . (8)

.


1- . اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 186؛ مصباح المتهجّد، ص 19؛ الوسيلة، ص 68؛ السرائر، ج 1، ص 164؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 34 ؛ المختصر النافع، ص 14؛ الجامع للشرائع، ص 54 55 ؛ كشف الرموز، ج 1، ص 191؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 263؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 131؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 191، المسألة 233؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 459 (ط قديم)؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 274؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 233؛ المهذّب، ج 1، ص 62؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 437 ؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 22؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 438 ؛ الدروس، ج 1، ص 115، درس 15؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 98؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 115؛ كشف اللثام، ج 2، ص 379 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 129؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 235 236.
2- . كذا في الأصل، و الظاهر صحّة «مرّة» بدل «مرّتين» ، و يشهد له كلامه بعد ذلك نقلاً عن المعتبر و الذكرى، فانّ المذكور فيها «مرّة».
3- . المعتبر، ج 1، ص 298.
4- . الذكرى، ج 2، ص 16.
5- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313 ، ح 908؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 167، ح 3307 .
6- . فدحه الحِمل فَدحا: أثقله، و يقال : فدحه الدَين، و فدحه الأمر و الفادحة: النازله. و المراد هنا طرحه في القبر و التعجيل به.
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 312 313 ، ح 907؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 167 168، ح 3308 صدره؛ و ص 173، ح 3334 ذيله.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313 ، ح 909؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 168، ح 3309 صدره؛ و ص 176، ح 3335 ذيله.

ص: 246

باب نادر

باب نادريذكر فيه ما يدلّ على فضيلة القيام عند مرور جنازة يهودي عليه، والعلّة فيه كراهة أن يعلو رأسه جنازته. ويؤيّده ما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه ، قال : قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله لجنازة مرّت به حتّى توارت. (1) وعن عليّ بن أبي طالب أنّه قال : «رأينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قام ثمّ قعد» (2) يعني في الجنازة. وقال طاب ثراه: ذكر مسلم في صحيحه ثمانية أحاديث دلّ بعضها على الأمر بالقيام لها، وبعضها على قيامه صلى الله عليه و آله لها، وأربعة أحاديث على أنّه قام لها ثمّ قعد، (3) واختلف فقهاؤهم، فقال القاضي القرطبي: الأمر بالقيام منسوخ بأنّه قام ثمّ قعد، وأنّه إنّما أمر بذلك تأسيّاً بأهل الكتاب على أصله فيما لم ينزل عليه فيه شي? ثمّ أمر بالقعود؛ لأنّه سمع يهوديّاً يقول كذلك نفعل، فأمر بالقعود، وقال : «خالفوهم». (4) وقال ابن الماجشون: ليس هذا الأمر بنسخ وإنّما هو على التوسعة والتخيير. وقال المارزي: المشهور عندنا أنّه منسوخ، فالقيام ليس بمستحبّ، والقعود لبيان جواز الترك. ولمّا عمّموا الحكم قال بعضهم: إنّ العلّة فيه تهويل الموت ولفظيعة التنبيه على أنّه ممّا ينبغي أن يُقلق منه ويُضطرب ولا يثبت على حال. وقيل: إنّه تعظيم للميّت، وهذه العلّة مختصّة بجنازة المؤمن، (5) فكأنّ هؤلاء خصّصوه بجنازته .

.


1- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 58 . و رواه أحمد في مسنده، ج 3 ، ص 346 ؛ و النسائي في السنن ، ج 4، ص 47 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 36 . و ورد في رواية النسائي: «لجنازة يهودي».
2- . صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 58 . ورواه أبو داود في سننه ، ج 2 ، ص 73 74 ، ح 3175 ؛ والطيالسي في مسنده ، ص 22 ؛ وأبو يعلى في مسنده ، ج 2 ، ص 262 ، ح 308 .
3- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 58 و مابعدها. وانظر: باب القيام للجنازة من كتاب الجنائز.
4- . سنن الترمذي، ج 2، ص 242 243، ح 1025؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ج 1، ص 489 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 74، ح 3176 ؛ ناسخ الحديث و منسوخه لابن شاهين، ص 397 398 ، ح 343 ؛ كنز العمّال، ج 15، ص 723، ح 42883.
5- . اُنظر: فيض القدير، ج 1، ص 461، و ج 2، ص 502 .

ص: 247

باب دخول القبر والخروج منه

باب دخول القبر والخروج منهأراد قدّس سرّه بيان استحباب دخول القبر حافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، محلول الإزرار، لإنزال الميّت إليه والخروج من قبل رجليه مطلقاً، وهو المشهور بين الأصحاب. (1) وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه استحبّ في قبر المرأة الخروج من قبل الرأس؛ معلّلاً بأنّه أبعد من العورة. (2) ويردّه إطلاق الأخبار، وإنّما استحبّ الخروج من قبل الرجلين رعاية لحرمة الميّت، فلا يستحبّ الدخول من ذلك الجانب؛ لأنّ الدخول إنّما يكون قبل إدخال الميّت فيه؛ ولإطلاق الأخبار في الدخول، بل مرفوعة سهل بن زياد (3) صريحة في ذلك. واستحبّه أيضاً العلّامة (4) محتجّاً بقوله عليه السلام : «إنّ لكلّ بيت باباً وإنّ باب القبر من قبل الرجلين» في الرواية الاُخرى الّتي رواها المصنّف قدس سره. (5) وفيه : أنّ القبر إنّما يصير بيتاً للميّت بعد وضعه فيه، فقبله لا تفاوت بين جهاته. ويردّه أيضاً ما ذكر. نعم، لو دخل داخل بعد وضعه فيه للتلقين ونحوه كان استحباب ذلك وجيهاً .

.


1- . اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 187؛ النهاية، ص 39 ، مصباح المتهجّد، ص 21؛ الكافي في الفقه، ص 239، المعتبر، ج 1، ص 298؛ المختصر النافع، ص 14؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 182؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 264؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 95، المسألة 237؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 313 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 460 (ط قديم)؛ البيان، ص 31 (ط قديم)؛ الذكرى، ج 2، ص 25؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 442 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 845 ؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 440 ؛ مجمع الفائده، ج 2، ص 482 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 142.
2- . الذكرى، ج 2، ص 25. و حكاه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 313 .
3- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 183، ح 3351 .
4- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 313 .
5- . رواه ذيل الحديث 5 من هذا الباب. و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 316 ، ح 918 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 182، ح 3346 ؛ و ص 183، ح 3349 .

ص: 248

باب من يدخل القبر ومن لا يدخل

باب من يدخل القبر ومن لا يدخلاشتهر بين الأصحاب كراهة نزول ذي الرحم في القبر مطلقاً إلّا في المرأة، فإنّه يستحبّ نزوله معها؛ لكونها عورة. (1) أمّا الأوّل فلم أجد لعمومه مستندا، بل ظاهر أخبار عبد اللّه بن راشد (2) عدم كراهة نزول الولد في قبر والده فغيره أولى بعدم الكراهة. والأقوى الاقتصار على مورد النصّ، وهو نزول الوالد في قبر ولده. وأمّا الثاني فيدلّ عليه خبر السكوني. (3) والزوج أولى من كلّ أحد لخبر إسحاق بن عمّار، (4) والمشهور أنّ الرجال المحارم بل مطلقاً أولى بذلك في المرأة من النسوان، لاحتياج وضع الميّت في القبر إلى البطش والقوّة، ولأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها. (5) وحكى في المنتهى عن أحمد في إحدى الروايتين عنه أنّ النسوان أولى بذلك فيها محتجّين بأنّهنّ أولى بالغسل فكذا في الدفن. (6) وأجاب عنه بالفرق بأنّ الغسل يمكنهنّ فعله؛ لعدم احتياجه إلى قوّة وبطش، واحتياجه إلى رؤية عورة المرأة، بخلاف محلّ النزاع. (7) ولا يبعد القول بأولويّتها من الأجانب إذا كانت ذات بطش وقوّة. قوله في صحيحة زرارة: (ذاك إلى الوليّ) إلخ. [ح 4 / 4544] في المنتهى: لا توقيت في عدد من ينزل القبر، وبه قال أحمد، (8) وقال الشافعيّ: يستحبّ أن يكون العدد وترا. (9) لنا: أنّ الاستحباب حكم شرعيّ فيقف عليه، ولم يثبت، بل المعتبر ما يحتاج الميّت إليه باعتبار ثقله وخفّته، وقوّة الحامل وضعفه. وأيّده بهذه الصحيحة، ثمّ قال : واحتجّ الشافعي بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أنزله في القبر عليّ والعبّاس، واختلف في الثالث، فقيل: الفضل بن [العبّاس، و قيل: ]اُسامة بن زيد. (10) والجواب لعلّ ذلك وقع اتّفاقاً، ومع ذلك فقد روى أبو مرحب بن عبد الرحمان بن عوف، قال : فكأنّي أنظر إليهم أربعة (11) . (12)

.


1- . اُنظر: تحرير الأحكام، ج 1، ص 132؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 264؛ مجمع الفائدة، ج 2، ص 496 ؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 342 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 848 ؛ البيان، ص 31 .
2- . هو الحديث 1 و 7 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 185، ح 3355 ، و ص 186 187، ح 3360 .
3- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325 ؛ ح 948؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 187، ح 3362 .
4- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325 ، ح 949؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 531 ، ح 2828؛ و ج 3 ، ص 116، ح 3176 .
5- . مسند الطيالسي، ص 283؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 93.
6- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 382 .
7- . منتهى المطلب، ج 1، ص 459.
8- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 383 .
9- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 322 ؛ مختصر المزني، ص 38 39 ؛ فتح العزيز، ص 208؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 650؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 288؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 353 ؛ مواهب الجليل، ج 3 ، ص 44.
10- . اُنظر: المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 475، ح 6381؛ تلخيص الحبير، ج 5 ، ص 208؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 362 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 388 ؛ و ج 4، ص 53 ؛ السنن لأبي داود، ج 2، ص 82 ، ح 3209 ؛ مسند أبييعلى، ج 4، ص 253 254، ح 2367؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 205، ما قالوا في القبر من يدخله، ح 1؛ و ج 8 ، ص 567 ، ما جاء في وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، ح 11؛ الطبقات الكبرى، ج 2، ص 300 .
11- . السنن لأبي داود، ج 2، ص 82 ، ح 3210 ؛ مسند أبييعلى، ج 4، ص 253 254، ح 2367؛ الطبقات الكبرى، ج 2، ص 300 ، السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 53 ؛ تلخيص الحبير، ج 5 ، ص 208.
12- . منتهى المطلب، ج 1، ص 460 (ط قديم) .

ص: 249

. .

ص: 250

باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبر

باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبرفي المُغرِب: السلّ: انتزاع (1) الشيء من الشيء بجذبٍ [و نَزعٍ]، كسلّ السيف من الغمد، والشعرة من العجين، يقال : سلّه فانسلّ، ومنه: سُلّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قِبَل رأسه، أي نُزع من الجنازة إلى القبر. (2) والمشهور بين الأصحاب استحباب سلّ الرجل من قبل رجلي القبر، وإنزال المرأة إليه عرضاً من جهة القبلة، (3) وهو منقول عن عبد اللّه بن عمر وأنس والنخعي والشعبي والشافعي وأهل الظاهر من العامّة. (4) ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب وفي بعض ما سبق، وما رواه الجمهور عن عبد اللّه بن سديد الأنصاري: أنّ الحارث أوصى أن يليه عند موته، فأدخله القبر من قبل رجلي القبر، وقال : هذه السنّة. (5) وما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن هارون رفعه، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا أدخل الميّت القبر إن كان رجلاً سُلّ سلّاً، والمرأة تؤخذ عرضاً، فإنّه أستر». (6) وعن زيد بن عليّ، عن آبائه عليهم السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : «يُسَلّ الرجل سلّاً، وتستقبل المرأة استقبالاً». (7) وعن أبي حنيفة وأصحاب الرأي من العامّة استحباب إنزال المرأة عرضاً من جهة القبلة مطلقاً محتجّين بما نقلوه عن إبراهيم النخعي، قال : «حدّثني من رأى أهل المدينة في الزمان الأوّل يدخلون موتاهم من قبل القبلة، وأنّ السلّ شي?أحدثه أهل المدينة». (8) واُجيب بضعف الحكاية، بدليل أنّ النخعي ذهب إلى خلافه على ما نقلناه عنه. على أنّ ذلك خبر واحد لا يعارض ما اتّفق عليه أهل الحرمين وروي من الطريقين . قوله في خبر الإسكاف : (وليكشف خدّه الأيمن حتّى يفضي به الأرض) . [ح 5 / 4553] قال طاب ثراه: فيه دلالة على وجوب إضجاعه على جانبه الأيمن كما هو مذهب أكثر الأصحاب؛ إذ لا يتصوّر وضع خدّه الأيمن على الأرض بدون ذلك. وكأنّ الفاضل الأردبيلي لم يتفطّن به أو لم يعتبره، حيث قال : «ولعلّ دليل وجوب الاضجاع المذكور فعلهم عليهم السلام والتأسّي بهم، وفعل الصحابة والتابعين والعلماء، وفي إفادة ذلك الوجوب تأمّل واضح وما رأيت غيره دليلاً، فقول ابن حمزة بالاستحباب غير بعيد، إلّا أن يعلم الإجماع أو دليل آخر». (9) انتهى. أقول : ويدلّ أيضاً عليه قوله عليه السلام في خبر عجلان الّذي رواه المصنّف قبل ذلك الخبر : «وإن قدر أن يحسر عن خدّه ويلزقه بالأرض فعل». (10) ومثله فيما رواه في باب دخول القبر قبل هذا الباب في الحسن عن عليّ بن يقطين ، (11) وهو ظاهر. وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، والظاهر أنّه عبد اللّه وفضالة، عن أبان جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «البُرد لا يُلَفّ ولكن يطرح عليه طرحاً، فإذا اُدخل القبر وضع تحت جنبه». (12) وحكى في المنتهى عن الشافعي استحبابه. (13) قوله في حسنة محمّد بن مسلم: (واخلف على عقبه في الغابرين) . [ح 6 / 4554] يقال : خلفه يخلفه، إذا قام مقامه في رعاية اُمور أولاده ومن يحذو حذوهم. والغابر من الأضداد، (14) والمراد هنا الباقي، أي كن خليفته فيمن بقى بعده من ورثته ولا تكلهم إلى غيرك فتذلّهم .

.


1- . في المصدر: «إخراج».
2- . المُغرِب، ص 135 (سلل) . و الحديث رواه الشافعي في مسنده، ص 360 ؛ و في كتاب الاُمّ، ج 1، ص 311 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 54 ؛ و في معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 184، ح 2177.
3- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 171؛ الهداية، ص 116؛ الفقيه، ج 1، ص 171، ذيل ح 499 ؛ الاقتصاد للطوسي، ص 249؛ غنية النزوع، ص 105؛ السرائر، ج 1، ص 164؛ إشارة السبق، ص 78؛ المختصر النافع، ص 14؛ الجامع للشرائع، ص 54 55 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 115؛ تبصرة المتعلّمين، ص 30 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 233؛ الدروس، ج 1، ص 115، درس 15؛ الذكرى، ج 2، ص 16؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 182؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 436 ؛ شرح اللعمة، ج 1، ص 438 _ 439 ؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 235.
4- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 2، ص 377 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 377 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 54 ؛ تحفة الأحوذي، ج 4، ص 140؛ مواهب الجليل، ج 3 ، ص 44 ؛ سبل السلام، ج 2، ص 109؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 128؛ عون المعبود، ج 9، ص 22.
5- . الطبقات الكبير، ج 6، ص 169، ترجمة الحارث الأعور؛ الدراية لابن حجر، ج 1، ص 240؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 82 ، ح 3211 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325 ، ح 950؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 204، ح 3412 .
7- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 326 ، ح 951؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 204، ح 3413 .
8- . المغني، ج 2، ص 377 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 377 .
9- . مجمع الفائدة و البرهان ، ج 2، ص 478.
10- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 317 ، ح 922؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 175، ح 3332 .
11- . هو الحديث 2 من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 173 174، ح 3328 .
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 459، ح 1495؛ و ص 435، ح 1400 عن عبداللّه بن سنان وحده، و فيه: «تحت خدّه و تحت جنبه» ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 3534 ، ح 2957.
13- . لم أعثر عليه.
14- . صحاح اللغة، ج 2، ص 764(غبر) .

ص: 251

. .

ص: 252

. .

ص: 253

باب ما يُبسط في اللحد ووضع اللبن والآجر والساج

باب ما يُبسط في اللحد ووضع اللبن والآجر والساجاللحد: الشقّ الّذي يُعمل في جانب القبر لموضع الميّت، وإنّما سُمّي به لأنّه قد اُميل عن وسط القبر إلى جانبه، (1) من الإلحاد: الميل والعدوان عن الشيء. ويستحبّ ذلك؛ لقوله عليه السلام : «اللحد لنا، والشقّ لغيرنا». (2) ولرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحّد له أبو طلحة الأنصاري». (3) ويشعر به بعض الأخبار الّتي في الباب الآتي. ولو كانت الأرض رخوة يعمل له شبه اللحد من بناء، صرّح به جماعة منهم المحقّق في المعتبر. (4) واعلم أنّه اشتهر بين الأصحاب كراهة فرش القبر بالساج ونحوه، إلّا عند الضرورة لنداوة الأرض وشبهها؛ (5) محتجّين بمكاتبة عليّ بن بلال، (6) وفي دلالتها على الكراهة في غير الضرورة تأمّل؛ لأنّ التقييد بنداوة الأرض إنّما يكون في كلام السائل، فمفهومه ليس بحجّة ولو قلنا بحجّيّة المفهوم، بل ظاهر خبر يحيى بن أبي العلاء (7) استحباب افتراشه بثوب. ويؤيّده ما ثبت من قوله عليه السلام : «حرمة المسلم ميّتاً كحرمته حيّاً». (8) ولا معارض لذلك من الأخبار، وهو ظاهر المصنّف قدّس سرّه. ولقد بالغ من قال بحرمته؛ معلّلاً بأنّه إسراف على ماحكى طاب ثراه عن بعض الأصحاب وفيه منع كونه إسرافاً؛ لرعاية حرمة المىّ. وفي الذكرى: ويستحبّ وضع التربة معه، قاله الشيخان (9) ولم يعلم مأخذه، والتبرّك بها كاف في ذلك، والأحسن جعلها تحت خدّه كما قاله المفيد في المقنعة، (10) وفي العزية: «في وجهه». وكذا في اقتصاد الشيخ. (11) وقيل: «تلقاء وجهه». (12) وقيل: «في الكفن». وفي المختلف: «الكلّ [عندى ]جائز». (13) وقد نقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لفاحشة كانت تصنع، فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها، فاستقرّت. قال الشيخ نجيب الدين بن يحيى (14) في درسه: «يصلح أن يكون هذا مستمسكاً». إلى هنا كلام الذكرى. (15) وقال العلّامة: ويستحبّ أن يجعل معه شيئاً من تربة الحسين عليه السلام طلباً للبركة والاحتراز من العذاب والستر من العقاب، فقد روي أنّ امرأة كانت تزني وتضع أولادها فتحرقهم بالنار خوفاً من أهلها، ولم يعلم به غير اُمّها، فلمّا ماتت ودفنت فاُكشف (16) التراب عنها ولم تقبلها الأرض، فنُقلت عن ذلك الموضع إلى غيره، فجرى بها ذلك، فجاء أهلها إلى الصادق عليه السلام وحكوا له القصّة، فقال لاُمّها : «ما كانت تصنع في حياتها [من المعاصي]؟» فأخبرته بباطن أمرها، فقال عليه السلام : «إنّ الأرض لا تقبل هذه؛ لأنّها كانت تعذّب خلق اللّه بعذاب اللّه ، اجعلوا في قبرها شيئاً من تربة الحسين عليه السلام »، ففُعل ذلك، فسترها اللّه تعالى. (17) أقول : لم أجد هذا الخبر في شي?من الاُصول، قد روى الشيخ في باب حدّ حرم الحسين عليه السلام من التهذيب عن محمّد بن أحمد بن داوود، عن أبيه، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال : كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن طين قبر الحسين عليه السلام يوضع مع الميّت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نَسَختُ : «يوضع مع الميّت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء اللّه ». (18) وهو دليل شاف، فإنّ ظاهر الخبر فيه الأمر. قوله في خبر يحيى بن أبي العلاء : (ألقى شقران) ، إلخ. [ح 2 / 4561] في التقريب: «هو بضمّ المعجمة وسكون القاف مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قيل: اسمه صالح، شهد بدرا وهو مملوك، ثمّ اُعتق، أظنّه مات في خلافة عثمان». (19) قوله في صحيحة أبان بن تغلب: (جعل عليّ عليه السلام على قبر النبيّ صلى الله عليه و آله لبناً) . [ح 3 / 4562] قل طاب ثراه عن المازري عن بعضهم: «أنّ عدد لبناته تسع». (20) ويستحبّ شرج اللبن ونحوه من الحجر والقصب والخشب ونضده بالطين وشبهه على وجه يمنع وصول التراب إلى جسد الميّت . (21) قال بعض العامّة: «أفضل ما يلحد به الميّت اللبن، ثمّ الألواح، ثمّ القراميذ (22) ، ثمّ القصب، ثمّ شنّ التراب، وهو خير من التابوت». (23) وكره بعضهم التابوت. وقيل: إنّه مكروه عند العلماء أجمع. (24) ويكره وضع ما مسّته النار كالآجرّ والخزف ونحوهما على المشهور، وعلّله في المنتهى بأنّه من بناء المترفين، وبأنّ فيه تطيّرا. (25) و يشكل إثبات حكم شرعيّ بهما .

.


1- . النهاية، ج 4، ص 236(لحد) .
2- . مسند أحمد، ج 4، ص 357 و 359 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 496، ح 1554 و 1555؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 81 ، ح 3208 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 255254، ح 1050؛ سنن النسائي، ج 4، ص 80 ؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 648، ح 2136؛ مسند الطيالسي، ص 92؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 408 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 477، ح 6385؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 353 .
3- . هي الرواية 3 من باب حد حفر القبر و اللحد و الشقّ... من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1467؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 166، ح 3303 .
4- . المعتبر، ج 1، ص 196. و انظر: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 90، نهاية الإحكام، ج 2، ص 274؛ الذكرى، ج 2، ص 13؛ روض الجنان، ج 2، ص 843 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 439 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 138، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 248.
5- . اُنظر: الوسيلة، ص 69؛ المختصر النافع، ص 14؛ المعتبر، ج 1، ص 304 ؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 36 ؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 264؛ تبصرة المتعلّمين، ص 30 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 132؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 105؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 233؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 283؛ الذكرى، ج 2، ص 23؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 448 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 848 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 102؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 147.
6- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 456، ح 1488؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 188، ح 3366 .
7- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 189، ح 3367 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 419، ح 1324؛ و ص 445، ح 1440؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 55 ، ح 3010 .
9- . قاله الشيخ الطوسي في الخلاف، ج 1، ص 706، و المبسوط، ج 1، ص 186؛ و الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 167) . و أمّا كلام المفيد فحكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 165؛ و المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 301 ، و لم أعثر عليه في كتبه.
10- . لم أعثر عليه في المقنعة، و حكاه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 165 عن المفيد من دون ذكر المقنعة.
11- . الاقتصاد، ص 250.
12- . حكاه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 165 عن الشيخ الطوسي، و نقله المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 301 بلفظ «قيل»، و لم أعثر عليه في كتبه.
13- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 312 .
14- . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي صاحب كتاب الجامع للشرائع، و هو ابن عمّ المحقّق الحلّي، من كبار الفقهاء، و كان بصيرا باللغة و الأدب، توفّي سنة 690 ه . ق. اُنظر: ترجمته في مقدمة كتابه الجامع للشرائع.
15- . الذكرى، ج 2، ص 21 22.
16- . في المصدر: «فانكشف».
17- . مختلف الشيعة، ج 1، ص 461. ونقله أيضا في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 95، ذيل المسألة 236، مع مغايرة في بعض الألفاظ.
18- . تهذيب الأحكام، ج 6، ص 76، ح 149؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 29، ح 2946.
19- . تحرير تقريب التهذيب، ج 2، ص 119، الرقم 2814. و فيه بدل «هو بضمّ المعجمه»: «شُقران بضمّ أوّله».
20- . اُنظر: تهذيب الكمال، ج 1، ص 190، ترجمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ عيون الأثر، ج 2، ص 433 ؛ البداية و النهاية، ج 5 ، ص 290؛ روضة الطالبين، ج 7، ص 409 ؛ اُسد الغابة، ج 1، ص 34 .
21- . اُنظر: المراسم، ص 51 ؛ المبسوط، ج 1، ص 186؛ النهاية، ص 38 ؛ مصباح المتهجّد، ص 20؛ المهذّب، ج 1، ص 63، غنية النزوع، ص 106؛ السرائر، ج 1، ص 165؛ رسالة المقصود من الجمل والعقود للمحقق الحلّي، (الرسائل التسع، ص 338)؛ المعتبر، ج 1، ص 299؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 35 ؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 264؛ تبصرة المتعلّمين، ص 30 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 132؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 233؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 277؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 441 ؛ مجمع الفائدة، ج 2، ص 482 ؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 255.
22- . القَرامِيذ : واحد القِرْمِيذ: الآجُرّ. الصحاح، ج 2، ص 524 (قرمذ) .
23- . مواهب الجليل، ج 3 ، ص 45، نقلاً عن ابن حبيب . و فيه: «ثمّ القصب ثمّ السنّ»، و به تمّت العبارة.
24- . المبسوط، ج 1، ص 187؛ الذكرى، ج 2، ص 15.
25- . منتهى المطلب، ج 1، ص 461.

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

باب من حثى على الميّت وكيف يُحثى

باب من حثى على الميّت وكيف يُحثىيكره الحثو، يعني إهالة ذي الرحم؛ لأنّها تورث قساوة القلب كما هو مدلول بعض الأخبار. (1) والمشهور في كيفيّته أنّه بظهور الأكفّ؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن أصبغ، عن بعض أصحابنا، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام وهو في جنازة، فحثا التراب على القبر بظهر كفّيه. (2) وبملأ كفّ ثلاثاً، كما هو ظاهر حسنة داود بن النعمان، (3) ومرسلة محمّد بن مسلم، (4) وحسنة عمر بن أذينة. (5) وبملأ الكفّين ثلاثاً؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم، قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام في جنازة رجل من أصحابنا، فلمّا أن دفنوه قام عليه السلام إلى قبره فحثا عليه ممّا يلي رأسه ثلاثاً بكفّيه . (6) قوله في صحيحة عبيد بن زرارة: (أتنهانا عن هذا وحده) . [ح 5 / 4567] يعني من غير بيان علّته؟ فأجاب عليه السلام ببيان علّته وهي أنّه بالخاصّية مورث لقساوة القلب، وهي مورثة للبعد عن الرحمة.

.


1- . منها الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . و رواه الصدوق في علل الشرائع، ج 1، ص 305 ، الباب 247؛ و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319 ، ح 928 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 191، ح 3375 .
2- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 318 ، ح 925؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 191، ح 3374 .
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 189 190، ح 3370 .
4- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319، ح 927؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 190، ح 3372.
5- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 190، ح 3371 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319 ، ح 927. و هذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.

ص: 257

باب تربيع القبر وما يقال عند ذلك وقدر ما يرفع من الأرض

باب تربيع القبر وما يقال عند ذلك وقدر ما يرفع من الأرضفيه اُمور من مستحبّات القبر: الأوّل : تربيعه، وأجمع الأصحاب عليه (1) وفاقاً لبعض العامّة، وأنكره أبو حنيفة ومالك وأحمد، واستحبّوا تسنيمه. (2) لنا زائدا على ما رواه المصنّف في الباب من خبر قدامة (3) على نسخة «ربّع» (4) : ما سيأتي في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام من قوله : «ويربّع قبره». وعن الأصبغ بن نباتة، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «من حدّد قبرا و مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام» (5) على ما حكى الصدوق عن سعد بن عبد اللّه : أنّ حدّد بالحاء المهملة بمعنى سنّم. ومن طريق العامّة ما روى في المنتهى عن جمهورهم: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سطّح قبر ابنه إبراهيم. (6) وما رواه مسلم: أنّ فضالة بن عبيد أمر بتسوية قبر صاحب له فسوّي، ثمّ قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بتسويتها. (7) ويؤيّدها ما روى في المنتهى من طريقهم عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر، قال : رأيت قبر النبيّ وقبر أبي بكر وعمر مُنبَطِحةً. (8) وعنه قال : قلت لعائشة: يا اُمّه، اكشفي لي عن قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصاحبيه، فكشف لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطية، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. (9) فإنّ معنى منبطحة ومبطوحة ملقىً فيها البطحاء وهي الحصا الصغار وهو يناسب التسطيح، ولا يجوز أن يراد بهما اللّازقة بالأرض وإن جاءا بهذا المعنى أيضاً؛ لقوله: لا مشرفة ولا لاطئة. وحكى طاب ثراه عن القرطبي أنّه قال : «جاء في تسوية القبور آثار عنه وعن أصحابه وعن العلماء، وجاء أنّها صفة قبره وقبر صاحبه». واحتجّ أبو حنيفة وأضرابه بما نقلوه عن إبراهيم النخعي، قال : أخبرني من رأى قبر النبيّ صلى الله عليه و آله وصاحبيه مسنّمة. (10) وما رواه البخاري عن سفيان أنّه رأى قبره مسنّماً. (11) والجواب: أنّهما (12) معارضان بما ذكر. وقد حكى في المنتهى عن ابن أبي هريرة (13) أنّه قال : «السنّة التسطيح، إلّا أنّ الشيعة لمّا استعملته فعدلنا إلى التسنيم، وكذلك الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم» . (14) الثاني: رشّه بالماء. ويدلّ عليه زائدا على ما في الباب مارواه الشيخ في الحسن عن عبيد اللّه الحلبي ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات (15) وذكر أنّ الرشّ بالماء حسن، وقال : توضّأ إذا أدخلت الميّت القبر». (16) وروى جمهور العامّة عن أبي رافع، قال : سلّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سعدا، ورشّ على قبره ماء. (17) وعن جابر: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رشّ على قبر[ه] ماءً. (18) وظاهر مرسلة ابن أبي عمير؛ أنّه يرفع العذاب ما دام الندى في التراب، (19) كما أنّ الجريدتين يرفعانه ما دامتا رطبتين. وعلّل أيضاً بأنّه يفيد استمساك التراب عن التشتّت بهبوب الرياح. قال طاب ثراه: وكيفيّته ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «السنّة في رشّ الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى الرجل، ثمّ تدور على القبر من الجانب الآخر، ثمّ ترشّ على وسط القبر (20) [فكذلك السنّة فيه]». وأمّا كون الابتداء من جانب القبلة كما ذكره الأكثر فلا يدلّ عليه شيء، ولا يبعد أفضليّته للتيمّن. وفي شرح الفقيه: «والظاهر أنّه مخيّر في الابتداء من الجانبين بعد أن يكون [الابتداء]من الرأس مستقبل القبلة» . (21) الثالث : رفعه عن الأرض، والمشهور استحبابه مقدار أربع أصابع مفرّجات؛ (22) لما سبق في حسنة الحلبي ومحمّد بن مسلم، ويؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم. (23) ثمّ إنّهما صريحان في اعتبار الأصابع المفرّجات، وخبر سماعة (24) صريح في اعتبارها مضمومة، ولا يبعد حملهما على مراتب الفضل، فكلّما كان أقلّ كان أفضل. ويؤيّدها إطلاق الأصابع في حسنة حمّاد بن عثمان، (25) وخبر أبان عن محمّد بن مسلم، (26) ويحتمل أن يكون الفضل في الأكثر؛ لما ورد في بعض أخبار العامّة عن ارتفاع قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله قيد شبر . (27) الرابع : تلقين الميّت بعد وضعه في القبر سرّا، وبعد طمّه جهرا. ويدلّ على الثاني خبر يحيى بن عبداللّه ، (28) ومثله من طريق العامّة رواه سعيد بن عبد اللّه الأزدي، قال : شهدت أبا إمامة وهو في النزع، فقال إذا متّ اصنعوا بي كما أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا مات أحدكم فسوّيتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره، ثمّ ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنّه يسمع ولا يجيب، ثمّ ليقل: يا فلان بن فلانة الثانية، فإنّه يستوي قاعدا ثمّ ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنّه يقول : ارشدني يرحمك اللّه ، ولكن لا تسمعون، فيقول له: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّك رضيت باللّه ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد صلى الله عليه و آله نبيّاً، وبالقرآن إماماً، فإنّ منكرا و نكيرا يتأخّران عنه كلّ واحد منهما يقول : انطلق ما يقعدنا عند هذا وقد لُقِّن حجّته، فقيل: يا رسول اللّه ، فإن لم يعرف اُمّه؟ قال : فلينسبه إلى حوّاء». (29) نقله طاب ثراه عن الآبي عن القرطبي في كتاب إكمال الاكمال. (30) وعلى الأوّل خبر الإسكاف المذكور في باب سلّ الميّت من الكتاب. (31) وظاهر خبر يحيى ونظيره سقوط سؤال القبر بذلك، ولا بُعدّ فيه. وباستحباب الأخير قالت الشافعية أيضاً محتجّين بخبر سعيد بن عبد اللّه المتقدّم . الخامس: وضع الكفّ على القبر بعد الرشّ وغمزها فيه بحيث يبقى أثرها فيه، وهو مستحبّ في نفسه كما هو ظاهر أكثر أخباره. والدعاءُ عليه وقراءةُ سورة إنّا أنزلناه سبع مرّات، أو التوحيد إحدى عشر مرّة كما يدلّ عليه بعض الأخبار مستحبّ آخر زائد عليه، بل لا اختصاص لهما بوقت الدفن، بل يستحبّان مطلقاً، كما يأتي في باب زيارة القبور. قوله في خبر قدامة: (ورفع قبره) . [ح 1 / 4568] أي بمقدار أربع أصابع مضمومات أو مفرّجات (32) أو إلى شبر على ماسبق، وفي بعض «ربّع» بدلاً عن «رفع»، وهو الظاهر بالنظر إلى عنوان الباب، وإلّا لزم عدم ذكر ما يدلّ على التربيع فيه مع أنّه معنون به، وهو بعيد. و«قدامة»، بالضمّ والتخفيف مجهول الحال. قوله في حسنة حمّاد بن عثمان: (أردت أن لا تنازَع) . [ح 5 / 4572] الظاهر أنّ المراد بالتنازع تنازع الشيعة معه في إمامته؛ إذ من علاماتها الوصيّة الظاهرة. ويحتمل نزاع العامّة معه عليه السلام في رشّ القبر؛ لأنّه منفي عند أكثرهم. وأمّا جعل وجه النزاع تربيع القبر دون تسنيمه، ففيه أنّ هذه الوصية خالية عن ذكره . قوله في خبر يحيى بن عبد اللّه : (فيضع فمه عند رأسه) إلخ. [ح 11 / 4578] قال طاب ثراه: «ليس هذا هو التلقين في القبر قبل وضع اللبن عليه، بل هو الّذي بعد طمّه بالتراب كما يشعر به قوله: «إذا أفرد الميّت»، ويدلّ أيضاً عليه عنوان الباب». وأقول أيضاً: ينادي بذلك بأعلى صوته قوله عليه السلام : «ثمّ ينادي بأعلى صوته ».

.


1- . اُنظر: رسالة المقصود من الجمل والعقود للمحقّق الحلّي (الرسائل التسع، ص 338)؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 264؛ تبصرة المتعلّمين، ص 30 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 131، قواعد الأحكام، ج 1، ص 233؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 278؛ الدروس، ج 1، ص 116، درس 15؛ الذكرى، ج 2، ص 27، جامع المقاصد، ج 1، ص 443 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 846 ؛ مجمع الفائدة، ج 2، ص 484.
2- . اُنظر: فتح الباري، ج 3 ، ص 203؛ تحفة الأحوذي، ج 4، ص 130.
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 192، ح 3377 .
4- . و أمّا على نسخة «رفع»، فلا يدلّ على التربيع.
5- . الفقيه، ج 1، ص 189، ح 579 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 459، ح 1497؛ المحاسن للبرقي، ج 2، ص 453، الباب 5 من كتاب المرافق، ح 2560؛ وسائل الشيعه، ج 3 ، ص 209 210، ح 3424 ؛ و ج 5 ، ص 30 ، ح 6617.
6- . منتهى المطلب، ج 1، ص 462 . و رواه أيضاً في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 97. كتاب الاُمّ، ج 1، ص 311 ؛ مختصر المزني، ص 37 ؛ المجموع، ج 5 ، ص 295؛ المغني لابن قدامة، ج 2؛ ص 385 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 384 ؛ تلخيص الحبير، ج 5 ، ص 230.
7- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 61 . و نحوه في مسند أحمد، ج 6، ص 18؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 83 84 ، ح 3219 ؛ سنن النسائي، ج 4، ص 88 ؛ و السنن الكبرى له أيضاً، ج 1، ص 653، ح 2157؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 411 ؛ و ج 4، ص 2 3 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 222، في تسوية القبر و ماجاء فيه، ج 1.
8- . منتهى المطلب، ج 1، ص 462 . و رواه أيضاً في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 97. وانظر : كتاب الاُمّ للشافعي، ج 1، ص 311 ؛ مختصر المزني، ص 37 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 188، ذيل ح 2181؛ الدراية، ج 1، ص 242. و في الجميع: «مسطّحة» بدل «منبطحة» .
9- . سنن أبي داود، ج 2، ص 84 ، ح 3220 ؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 370 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 3 ؛ مسند أبييعلى، ج 8 ، ص 53 ، ح 4571 ؛ الطبقات الكبرى، ج 3 ، ص 209 210، تاريخ الطبري، ج 2، ص 614.
10- . تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 98، ذيل المسألة 240؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 224.
11- . صحيح البخاري، ج 2، ص 107 . و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 3 ؛ و معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 188.
12- . في «ب» : «واُجيب بأنّها».
13- . أبو علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة، من فقها الشافعيّة، انتهت إليه إمامتهم في العراق، درس ببغداد ، و تخرّج عليه خلق كثير مثل أبي علي الطبري والدارقطني، و تولّى القضاء ببغداد، و مات بهاسنة (345 ه ) . راجع : الأعلام، ج 2، ص 188؛ معجم المؤلّفين، ج 3 ، ص 220.
14- . منتهى المطلب، ج 1، ص 462، و حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف، ج 1، ص 706؛ و النووي في المجموع، ج 5 ، ص 297 مقتصرا على أفضلية التسنيم؛ و كذا الرافعي في فتح العزيز، ج 5 ، ص 232.
15- . في «أ» : «منفرجات».
16- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 321 ، ح 934؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 193، ح 3382 .
17- . سنن ابن ماجة، ج 1، ص 495، ح 1551.
18- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 385 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 384 . و ما بين الحاصرتين منهما.
19- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 196، ح 3389 .
20- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 320 ، ج 931، وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 195 196، ح 3388 .
21- . روضة المتّقين، ج 1، ص 456.
22- . اُنظر: المراسم، ص 51 ؛ المقنعة، ص 81 ؛ الاقتصاد، ص 250؛ المبسوط، ج 1، ص 187؛ النهاية، ص 39 ؛ مصباح المتهجّد، ص 21؛الوسيلة، ص 68؛ غنية النزوع، ص 106؛ السرائر، ج 1، ص 165، المعتبر، ج 1، ص 301 ؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 36 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 115 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 97، مسأله 239؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 462 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 132؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 233؛ نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 278 ؛ البيان ، ص 31 ؛ الدروس ، ج 1، ص 116، درس 15؛ الذكرى، ج 2، ص 26؛ روض الجنان، ج 2، ص 845 ؛ شرح اللمعة، ج 1، ص 440 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 101؛ مجمع الفائدة، ج2، ص 484 ؛ مدارك الأحكام، ج2، ص 143؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 257 259.
23- . هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 192، ح 3376 .
24- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 320 ، ح 932؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 192 193، ح 3379 .
25- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 320 321 ، ح 933؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 193، ح 3380 .
26- . هو الحديث 10 من هذا الباب.
27- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 411 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 14، ص 602؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 223.
28- . هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي. الفقيه، ج 1، ص 173، ح 501 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 321 322 ، ح 935؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 200 201، ح 3403 .
29- . المغني، ج 2، ص 386 نقلاً عن ابن شاهين في كتاب ذكر الموت. و مثله في الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 385 386 ؛ أضواء البيان، ج 6، ص 137 باختصار عن الطبراني في معجمه.
30- . إكمال الإكمال في شرح صحيح مسلم في أربع مجلّدات لمحمّد بن خليفة بن عمر التونسي المشهور بالآبي المتوفّى سنة 828 ه ق.
31- . هو الحديث 5 من ذلك الباب. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 317 318 ، ح 923؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 174 175، ح 3331 .
32- . في «أ»: «منفرجات» .

ص: 258

. .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

باب تطيين القبر وتجصيصه

باب تطيين القبر وتجصيصهالمشهور بين الأصحاب كراهة تطيين القبر من غير طينه، ومنه تطيينه بالطين المخلوط بالتبن وتجصيصه، ظاهره وباطنه ابتداء وبعد مرور الأيّام، (1) مستثنى منه مرمّته عند إصلاح قبر جديد في جواره. (2) وظاهر النهي في خبر السكوني (3) التحريم، لكن حمل على الكراهة؛ للإجماع على عدم تحريمه، ولتحصيب قبر الرسول صلى الله عليه و آله . (4) ولظاهر ما رواه الشيخ في الحسن عن عليّ بن جعفر، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليه، هل يصلح؟ قال : «لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تطيينه». (5) وربّما احتجّ على كراهته بعد الاندراس بما رويناه سابقاً عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام بناءً على ما نقله الصدوق عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد أنّه صحّح «جدّد» فيه بالجيم، وقال : «لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيّام وبعد ماطُيّن في الأوّل، ولكن إذا مات بسبب فطيّن قبره فجاز أن يُرَمّ سائر القبور من غير أن يجدّد». (6) وقال الشيخ قدّس سرّه: لا بأس بالتجصيص ابتداءً وإنّما المكروه إعادته بعدالاندراس محتجّاً بخبر يونس بن يعقوب، (7) وهو على المشهور محمول على بيان الجواز. وربّما حمل التجصيص فيه على التطيين من طينه، وهو بعيد. وقد قيل بتخصيص جواز التجصيص بقبور الأولياء والعلماء؛ (8) لئلّا يندرس، محتجّاً بهذا الخبر، وهو غير بعيد . قوله في مرسلة أبان: (محصّب حصباء حمراء) . [ح 2 / 4580] قال الجوهري: «الحصباء: الحصى، وأرض حَصبة وَمحصَبَة بالفتح : ذات حصباء، و حصّبت المسجد تحصيباً، إذا فرشته بها» . (9) قوله في خبر يونس: (بفيد) . [ح 3 / 4581] هو منزل بطريق مكّة من المدينة . (10)

.


1- . اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 187؛ النهاية، ص 44 ؛ مصباح المتهجّد، ص 22؛ الوسيلة، ص 69؛ السرائر، ج 1، ص 171؛ المختصر النافع، ص 14؛ المعتبر، ج 1، ص 301 و 304 ؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 36 ؛ تحرير الأحكام، ج1، ص 162؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 96 و 105؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 233؛ مختلف الشيعة، ج2، ص 315 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 463 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 284؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 182، جامع المقاصد، ج 1، ص 449 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 102؛ كفاية الأحكام، ج 1، ص 112؛ مدارك الأحكام، ج 2؛ ص 149.
2- . اُنظر: الفقيه، ج 1، ص 189، ذيل ح 579 .
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 460، ح 1499؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 202، ح 3407 .
4- . كما في الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 461، ح 1502؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 203، ح 3409 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 461، ح 1503؛ الاستبصار، ج 1، ص 217، ح 767؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 210؛ ح 3426 .
6- . الفقيه، ج 1، ص 189، ذيل ح 579 .
7- . الموجود في كتب الشيخ كالمبسوط، ج 1، ص 187؛ و النهاية، ص 44 عدم البأس بتطيينه ابتداء لا تجصيصه، و الاستدلال بالحديث ورد في كلام العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 106 بعد نقله كلام الشيخ. و خبر يونس هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . وانظر : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 461، ح 1501؛ الاستبصار، ج 1، ص 217، ح 768؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 203، ح 3410 .
8- . اُنظر: جامع المقاصد، ج 1، ص 450 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 149 150؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 343 ؛ جواهر الكلام، ج 4، ص 335 .
9- . صحاح اللغة، ج 1، ص 112 (حصب) .
10- . معجم البلدان، ج 4، ص 282.

ص: 264

. .

ص: 265

باب التربة الّتي يدفن فيها الميّت

باب التعزية وما يجب على صاحب المصيبة

باب التربة الّتي يدفن فيها الميّتأي الأرض الّتي يدفن الميّت فيها، وعبّر عنها بالتربة لامتزاج تربة من تلك الأرض بنطفة الميّت حين كانت في رحم أمّه . قوله في خبر الحارث بن المغيرة: (فماثها في النطفة) . [ح 2 / 4584] أي مازجها بها وخلطها بها يقال : مثت الشي?في الماء أموثه موثاً، إذا دفنته. (1) ومثت الشيء في الماء أميثه، لغة . (2)

باب التعزية وما يجب على صاحب المصيبةفي الذكرى: «التعزية تفعلة من العزاء، أي الصبر، يقال : عزّيته فتعزّى، أي صبّرته فتصبّر، والمراد بها طلب التسلّي عن المصاب والتصبّر عن الحزن». انتهى. (3) وأحسن ما يقال فيها: ما رواه المصنّف عن رفاعة، (4) وعن ابن مهزيار، (5) وما رواه الصدوق أنّه أتى أبو عبد اللّه عليه السلام قوماً قد اُصيبوا بمصيبة، فقال : «جبر اللّه وهنكم، وأحسن عزاكم، ورحم متوفّاكم» ثمّ انصرف. (6) وكفاك أن يراك صاحب المصيبة، رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام . (7) ولا فرق بين صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم واُنثاهم؛ عملاً بالعموم. وينبغي أن يخصّ أهل العلم بمزيّة على ما ذكره بعض الأصحاب، (8) وأن يمسح رأس اليتيم، فقد روى الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ترحّماً له إلّا أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ شعرة نورا يوم القيامة». (9) وعنه عليه السلام قال : «إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش، فيقول اللّه تبارك وتعالى: من هذا الّذي يبكي عبدي الّذي سلبته أبويه في صغره؟! فوعزّتي وجلالي وارتفاعي في مكاني، لا يسكّنه عبد إلّا وجبت له الجنّة». (10) وأجمع العلماء ما عدا الثوري على استحبابها على الرجال بعد الدفن أيضاً؛ 11 لأخبار متعدّدة من الطريقين، وكفاك منها ما رواه المصنّف في الباب، (11) ولإشراكه مع قبل الدفن في العلّة وهي تسلية أهل الميّت، بل ظاهر مرسلة ابن أبي عمير (12) الأوّلة اختصاصها بما بعد الموت، إلّا أن تحمل على المؤكّدة منها. ويؤيّده هذا التأويل مرسلة أحمد بن محمّد بن خالد. (13) ونفاها الثوري؛ محتجّاً بأنّ الدفن آخر أمره. وهو كما ترى. وأمّا النساء فقد اختلف الأخبار فيهنّ، ففي الفقيه: وقال عليه السلام : «من أطاع امرأته أكبّه اللّه على منخريه في النار». فقيل: وما تلك الطاعة؟ فقال : «تدعوه إلى النياحات والعرسات والحمّامات، فيجيبها». (14) وروى عن الكاهلي أنّه قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إنّ امرأتي واُختي وهي امرأة محمّد بن ماردتخرجان في المواتم فأنهاهما، فقالتا لي: إن كان حراماً فانتهينا عنه، وإن لم يكن حراماً فلم تمنعنا فيمتنع الناس من قضاء حقوقنا؟ فقال عليه السلام : «عن الحقوق تسألني؟ كان أبي عليه السلام يبعث اُمّى واُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة». (15) وقال عليه السلام : «لمّا قتل جعفر بن أبي أبي طالب عليه السلام أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونساءها، أو أن تصنع لهم طعاماً ثلاثة أيّام، فجرت بذلك السنّة». (16) وقال عليه السلام لفاطمة عليها السلام حين قُتل جعفر بن أبي طالب: لا تدعي بذلّ ولا ثكل ولا حرب وما قلت فيه فصدقت». (17) والظاهر أنّ هذا الاختلاف على حسب اختلاف النسوان من أهل الرتبة والعصمة. هذا، ويظهر من بعض ما ذكر من الأخبار كون أيّام التعزية ثلاثة ولا يبعد القول باستحبابه. وقال صاحب المدارك: (18) ذكر الشيخ في المبسوط أنّه يكره الجلوس للتعزية يومين وثلاثة إجماعاً، ومنعه ابن إدريس وقال : «أيّ كراهة في جلوس الإنسان في داره للقاء إخوانه والتسليم عليهم واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه»، (19) وهو حسن إلّا أن يتضمّن ذلك الجزع وترك الصبر، فيكره لذلك . (20) قوله في مرسلة رفاعة: (إنّه كان مرهّقاً) . [ح 7 / 4591] على صيغة المفعول من باب التفعيل، في النهاية: «الرهق السفه وغشيان المحارم، وفلان مرهّق، أي متّهم بسوء وسفه». (21)

.


1- . صحاح اللغة، ج 1، ص 294 (موث) .
2- . اُنظر: صحاح اللغة، ج 1، ص 294 (ميث) .
3- . الذكرى، ج 2، ص 43.
4- . هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي . و رواه الصدوق في ثواب الأعمال، ص 198؛ و الفقيه، ج 1، ص 174، ح 508 ؛ و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 468، ح 1437 . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 217، ح 3449 .
5- . هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 218، ح 3450 . و في المطبوع من الكافي : «مهران» بد «مهزيار» . و في متن الوسائل : «مهران» ، و جعل «مهزبار» نسخة.
6- . الفقيه، ج 1، ص 174، ح 506 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 218، ح 3451 .
7- . الفقيه، ج 1، ص 174، ح 505 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 216 217، ح 3448 .
8- . الحدائق الناضرة، ج 4، ص 158.
9- . الفقيه، ج 1، ص 188، ح 570 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 286، ح 3666 .
10- . الفقيه، ج 1، ص188، ح 573 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 287، ح 3670 .
11- . اُنظر ح 2 و 4 و 9 من هذا الباب.
12- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 4663 ؛ ح 1512؛ الاستبصار؛ ج 1، ص 217، ح 770؛ وسائل الشيعة، ح 3 ، ص 216، ح 3445 .
13- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. و رواه الصدوق مرسلاً في الفقيه، ج 1، ص 174، ح 504 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 216 217، ح 3447 و 3448 .
14- . الفقيه، ج 1، ص 115، ح 241؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 49، ح 1446.
15- . الفقيه، ج 1، ص 178، ح 529 . و رواه الكليني مع مغايرة في الألفاظ في الكافي، ج 3، ص 217، باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة و اتّخاذ المأتم، ح 5 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 239، ح 3510 .
16- . الفقيه، ج 1، ص 182، 183، ح 549 .
17- . الفقيه، ج 1، ص 176، ج 521 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 272، ح 3628 . و في المصدر: «فقد صدقت» بدل «فصدقت».
18- . المبسوط، ج 1، ص 189.
19- . السرائر، ج 1، ص 173.
20- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 147.
21- . النهاية، ج 2، ص 284 (رهق) .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

باب ثواب من عزّى حزيناً

باب ثواب من عزّى حزيناًكأنّه قدس سره أراد بالحزين من أصابه مصيبة غير موت قريبه؛ بقرينة أنّه وضع باباً فيما بعد لثواب التعزية، وذكر هذين الخبرين فيه، لكنّ الأوّل بسند آخر، وقد ذكر فيه خبرا آخر أيضاً، ويحتمل أن يكون غفلة منه عن هذا. قوله في خبر السكوني: (كُسي في الموقف حُلّة يُحبر بها) . [ح 1 / 4595] في القاموس: «الحُلّة بالضمّ إزار ورداء بُرد أو غيره، ولا تكون حُلّة إلّا من ثوبين، أو ثوب له بطانة». (1) وفيه: «الحَبر بالفتح: السرور كالحبور». (2) وفي المصباح: «حَبَرتُ [الشيء] حَبرا من باب قتل زَيّنته، أو فرّحته، والاسم الحِبر بالكسر» . (3)

.


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 696 (حلل) .
2- . القاموس المحيط، ج 1، ص 573 (حبر) .
3- . المصباح المنير، ص 117 (الحبر) . و فيه: «و فرّحته» بدل «أوفرّحته».

ص: 269

باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرّك

باب غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهم

باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرّكقد مرّ هذا الباب بهذا العنوان بعينه، إلّا أنّ فيه الصبيّ بدلاً عن الولد، والخبران مذكوران فيه مع خبرين آخرين، وهذا غفلة منه عن ذكره هناك، وقد شرحنا ما يتعلّق به هناك فلا نعيده.

باب غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهمقد سبق وجوب تغسيل الصغير (1) ولو كان سقطاً إذا كان تامّاً له أربعة أشهر وما يدلّ عليه. ويدلّ عليه أيضاً بعض أخبار الباب. (2) وأمّا مكاتبة محمّد بن الفضيل (3) فهي محمولة على السقط الّذي لم يتمّ له أربعة أشهر، مع ضعفها وندرتها. وأمّا الصلاة فالمشهور وجوبها على من كمل له ستّ سنين دون من دونها، ذهب إليه السيّد المرتضى (4) والشيخ (5) وعامّة المتأخّرين. (6) وحكاه في الذكرى (7) عن ابن البرّاج (8) وابن زهرة (9) وابن حمزة (10) وسلاّر (11) والبصروي، (12) وهو ظاهر صحيحة ابن مسكان عن زرارة. (13) واحتجّ عليه السيّد في الانتصار بإجماع الطائفة، وبأنّ الصلاة حكم شرعي يحتاج إلى دليل يوجب اليقين، ولا يقين فيما دون ذلك. (14) وربّما احتجّ عليه بقوله عليه السلام : «إذا كان ابن ستّ سنين» في جواب قول السائل: متى تجب الصلاة عليه؟ في حسنة الحلبي وزرارة (15) بناءً على تعلّق الجارّ بالصلاة. وفيه: أنّ الظاهر منها تعلّقه بالوجوب على إرادة الصلوات اليوميّة؛ حملاً للوجوب على معناه اللغوي، أو على تأكّد الاستحباب؛ بقرينة قوله: «والصيام إذا أطاقه»، على حذو ما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام في الصبيّ: متى يصلّي؟ فقال : «إذا عقل الصلاة»، فقلت: متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال : «لِستّ سنين». (16) واعتبر المفيد في المقنعة في وجوب الصلاة عليه أن يعقل الصلاة، فقال : «وإن كان الميّت طفلاً قد عقل الصلاة فصلّ عليه». (17) وهو محكي في الذكرى (18) عن مقنع الصدوق (19) وعن الجعفي، وذلك إنّما يكون في الستّ، كما دلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، فيتّحد القولان. ونقل فيه عن ابن الجنيد وجوبها على المستهلّ؛ (20) محتجّاً بصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يصلّي على المنفوس، وهو المولود الّذي لم يستهلّ ولم يصحّ، ولم يورّث من الديّة ولا من غيرها، وإذا استهلّ صلّي عليه وورثه». (21) وخبر السكوني، عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه عليهم السلام : «يورث الصبيّ ويصلّى عليه إذا سقط من بطن اُمّه فاستهلّ صارخاً، وإذا لم يستهلّ صارخاً لم يورّث ولم يصلّ عليه». (22) ومرسلة أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : قلت: لِكَم يُصلّى على الصبيّ إذا بلغ من السنين؟ قال : «يصلّى عليه على كلّ حال، إلّا أن يسقط لغير تمام». (23) ومثلها صحيحة عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام لِكَم يُصلّى على الصبيّ إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال : «يُصلّى عليه على كلّ حال، إلّا أن يسقط لغير تمام». (24) وحملها الشيخ في الاستبصار على التقيّة؛ لاتّفاق العامّة عدا سعيد بن جبير على وجوبها على المستهلّ. 25 ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «أما أنّه لم يكن يصلّى عليه»، إلى آخره في صحيحة ابن مسكان. (25) وحملها العلّامة في المنتهى على الاستحباب، وقال متفرّعاً عليه: لو خرج بعضه واستهلّ ثمّ مات استحبّ الصلاة عليه ولو خرج أقلّه. وقال أبو حنيفة: «لا يصلّى عليه حتّى يكون أكثره خارجاً». (26) لنا: أنّ المقتضي هو الاستهلال فلا اعتبار بكثرة الخارج ولا قلّته. (27) والتقيّة أظهر؛ لما ذكر. عن ابن أبي عقيل أنّه قال بسقوطها قبل البلوغ رأساً، حكاه الشهيد في الذكري. (28) وهو محكي في المنتهى عن سعيد بن جبير. (29) ويدلّ عليه موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه سئل عن المولود ما لم يجرِ عليه القلم، هل يصلّى عليه؟ قال : «لا، إنّما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم»، (30) لكنّه لعدم صحّته، وعدم ضبط عمّار كما مرّ مرارا غير قابل للمعارضة لما ذكر. وقال الشهيد في الذكرى: «ويمكن أن يراد بجري القلم مطلق الخطاب الشرعي، والتمرين خطاب شرعي». (31) وربّما احتجّ عليه على ما نقل عنه بأنّ الصلاة استغفار للميّت ودعاء له، ومن لم يبلغ لا حاجة له إلى ذلك. وفيه: أنّه غير موجّه في مقابل النصّ، وربّما عورض بوجوبها على النبيّ والأئمّة عليهم السلام ولا حاجة لهم إلى شفاعتنا، (32) فتأمّل. ولا فرق عندنا وعند أكثر العامّة في الميّت بين كونه رجلاً أو امرأة، مات حتف أنفه أو شهيد. وقال الحسن البصري: «لا تصلّى على المرأه» على ما حكى عنه في المنتهى، 34 وسيأتي أقوالهم في الشهيد. قوله في حسنة عمر بن اُذينة (33) : (فطيم قد درج) ، إلخ. [ح 3 / 4601] الفطيم: مَن فُطم عن الارتضاع. (34) ودرج: أي مشى مَشي الأطفال على إستهم، (35) وحكى في الذكرى عن الصدوق أنّه ذكر أنّ الصبيّ في سنّ أبناء ثلاث سنين. (36) قوله: (فطعن في جنازة الغلام) [ح 3 / 4601]، أي مات فجأة، ولعلّ موته كان من إصابة عين من عيون الحاضرين، فقد قال ابن الأثير في النهاية: يقال : «طعن في نيطه وفي جنازته، إذا مات». (37) وفي موضع آخر: فيه أي في الحديث : أنّ رجلاً كان له امرأتان، فُرميت إحداهما فيجنازتها، أي ماتت، تقول العرب إذا أخبرت عن موت إنسان: رُمي في جنازته؛ لأنّ الجنازة تصير مرمياً فيها، والمراد بالرمي الحمل والوضع. (38) وفي التهذيب: «في جنان الغلام»، (39) أي قلبه، ولعلّه تصحيف. والسَفَط محرّكة كالجوالق وكالقُفه، (40) أي الصندوق . قوله: (عن يحيى بن عمران) . [ح 4 / 4602] هو الحلبي الكوفي وكان ثقة، (41) لا الهمداني المجهول بقرينة رواية ابن سويد عنه، فإنّه الّذي يروي هذا عنه، فالخبر صحيح بالسند الثاني. وقوله: (فما تقول في الولدان) ، إلى آخره، [ح 4 / 4602] سؤال عن حالهم في القيامة وعن ثوابهم وعقابهم، وملخّص الجواب: أنّهم يعاملون بما علم اللّه تعالى أنّهم كانوا عاملين في الدنيا لو لم يمتهم من الإيمان والكفر، ويكشف عنهما ائتمارهم لأمره تعالى إيّاهم بدخول النار المؤجّج لتكليفهم يوم القيامة وانتهائهم عنه، على ما يظهر من حسنة زرارة الّتي يأتي في باب الأطفال وتحقيق القول فيه يجيء إن شاء اللّه تعالى. قوله في خبر عليّ بن عبد اللّه : (لمّا قبض إبراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) . [ح 7 / 4605] قال طاب ثراه: اُمّه مارية، وهي من جدّة قرية من (42) قرى صعيد معروفة، قال المازري: توفّي وهو ابن ستّة عشر شهرا أو سبعة عشر، (43) ومن طريق العامّة أنّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ إبراهيم ابني مات وإنّ له ظئرين تكملان رضاعه في الجنّة» . (44)

.


1- . في «ب» : «الصبيّ».
2- . اُنظر ح 1 و 5 من هذا الباب.
3- . هو الحديث 6 من هذا الباب. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 329 ، ح 961؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 502 503 ، ح 2758.
4- . الانتصار، ص 175، المسألة 75؛ جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى، ج 3 ، ص 52) .
5- . الاقتصاد، ص 275؛ الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 194)؛ الخلاف، ج 1، ص 709، المسألة 512 ؛ المبسوط، ج 1، ص 180؛ مصباح المتهجّد، ص 524 ؛ النهاية، ص 41.
6- . اُنظر: المعتبر، ج 2، ص 243، المختصر النافع، ص 40 ؛ الجامع للشرائع، ص 120؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 114؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 262؛ تبصرة المتعلّمين، ص 28؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 124 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 25 26 ، المسألة 177 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 228 229؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 299 300 ؛ نهاية الإحكام، ج2، ص 251؛ البيان، ص 28؛ الدروس، ج 1، ص 111، درس 13؛ الذكرى، ج 1، ص 402 ؛ الرسائل العشر لابن فهد، ص 303 ؛ الدرّ المنضود، ص 39 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 405 ؛ رسائل الكركي، ج 1، ص 93 (الرسالة الجعفريّة)؛ روض الجنان، ج 2، ص 815 ؛ مجمع الفائده، ج 2، ص 428 ؛ مدارك الأحكام، ج 4، ص 152.
7- . الذكرى، ج 1، ص 403.
8- . المهذّب، ج 1، ص 128.
9- . غنية النزوع، ص 105.
10- . الوسيلة، ص 118.
11- . المراسم، ص 46 و 79.
12- . أبو الحسن محمّدبن محمّدبن أحمد البصروي، نسبة إلى بصرى قرية دون عكبرا، من تلاميذ السيّد المرتضى، و هو أوّل من فهرس مؤلّفات الشريف المرتضى، و له منه إجازة في سنة 417، سكن بغداد و توفّي بها سنة 443. له من الكتب: المعتمد، المفيد في التكليف، و ديوان شعر. راجع : أمل الآمل، ج 2، ص 235 236، الرقم 703؛ تاريخ بغداد، ج 3 ، ص 454 456، الرقم 1628، إكمال الكمال، ج 7، ص 377 ، الوافي بالوفيات، ج 1، ص 110؛ الذريعة، ج 1، ص 216، الرقم 1132.
13- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 95 96، ح 3119 .
14- . الانتصار، ص 175، المسألة 75.
15- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي. الفقيه، ج 1، ص 167، ح 486 ؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 198، ح 456 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 95، ح 3117 .
16- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 381 ، ح 1589؛ الاستبصار، ج 1، ص 408، ح 1562؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 18 19، ح 4398.
17- . المقنعة، ص 229.
18- . الذكرى، ج 1، ص 404.
19- . المقنع، ص 68.
20- . و حكاه عنه أيضاً العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 299.
21- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 199، ح 459 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 480، ح 1857؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 96، ح 1321.
22- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 331 ، ح 1035؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 97، ح 3123 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 331 ، ح 1036؛ الاستبصار، ج 1، ص 480، ح 1859؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 97، ح 3124 . و في تهذيب الأحكام و بعض نسخ الاستبصار و وسائل الشيعة: «أبو الحسن الماضي» بدل «أبو الحسن الرضا».
24- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 331 ، ح 1037؛ الاستبصار، ج 1، ص 481، ح 1860؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 97، ح 3122 . و راوى الحديث في التهذيب و الاستبصار : «الحُسين بن علي بن يقطين»، و في الوسائل: «الحسين، عن أبيه علي بن يقطين».
25- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . و الحديث لزرارة، لأنّ ابن مسكان رواه عنه، و فيه: «أما إنّه لم يكن يصلّى على مثل هذا» . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 9695، ح 3119 .
26- . البحر الرائق، ج 2، ص 330 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 311 ؛ حاشية ردّ المختار، ج 1، ص 327 ؛ عمدة القاري، ج 7، ص 176.
27- . منتهى المطلب، ج 1، ص 448.
28- . الذكرى، ج 1، ص 404.
29- . منتهى المطلب، ج 1، ص 448.
30- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 199، ح 460 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 480، ح 1858؛ وسائل الشيعه، ج 3 ، ص 97، ح 3125 .
31- . الذكرى، ج 1، ص 405. و نحوه في مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 301 .
32- . الاستدلال و الاشكال مذكوران في مدارك الأحكام، ج 4، ص 153.
33- . في الكافي : + «عن زرارة» .
34- . اُنظر: مجمع البحرين، ج 3 ، ص 414 (فطم) .
35- . اُنظر: صحاح اللغة، ج 1، ص 313 (درج)؛ النهاية، ج 3، ص 116؛ مجمع البحرين، ج 1، ص 411. و لم أعثر على معنى المشي على الإست.
36- . الذكرى، ج 1، ص 405. و المذكور في الفقيه، ج 1، ص 167، ح 487: «صلّى أبو جعفر عليه السلام على ابن له صغير له ثلاث سنين» و الظاهر أنّه مرتبط بقصّة اُخرى رواها الكليني في الحديث 4 من هذا الباب.
37- . النهاية، ج 5 ، ص 141 (نيط) .
38- . النهاية، ج 1، ص 306 (جنز) .
39- . في المطبوع منه، ج 3 ، ص 198، ح 457 : «جنازة الغلام»، لكنّ المنقول عن الكافي في بعض الكتب بلفظ «جنان الغلام» . اُنظر: الحدائق الناضرة، ج 10، ص 370 ؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 328 ؛ منتقى الجمان، ج 1، ص 281.
40- . القاموس المحيط، ج 2، ص 573 (سفط) .
41- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 444، الرقم 1199؛ خلاصة الأقوال، ص 294؛ رجال ابن داود، ص 208.
42- . في «ب»: «بين».
43- . و قيل في مدّة عمره: «ثمانية عشر شهرا». اُنظر : الاستيعاب، ج 1، ص 56 57 ؛ الإصابة، ج 1، ص 318 320 ، الرقم 398 ؛ اُسد الغابة، ج 1، ص 39 .
44- . مسند أحمد، ج 3 ، ص 112؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 77 78؛ مسند أبييعلى، ج 7، ص 205، ح 4195 ؛ كنز العمّال، ج 11، ص 470، ح 32210 .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

. .

ص: 274

. .

ص: 275

باب الغريق والمصعوق

باب الغريق والمصعوقذهب الأصحاب إلى تحريم تجهيز الغريق والمبطون والمصعوق والمدّخن والمهدوم عليه، ووجوب تأخيره ثلاثة أيّام، إلّا أن يتيقّن موتهم قبلها بظهور علاماته، ومنها: انخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخلاع كفّه من ذراعه، واسترخاء قدميه. ولا يجب الانتظار أكثر منها؛ لحصول العلم بالموت إذا لم يصدر منه أفعال الأحياء من الحسّ والحركة فيها، ولا تكون السكتة أكثر منها. ويدلّ عليه الأخبار، وقول الحذّاق من الأطباء. (1) والظاهر جريان الحكم في كلّ من اشتبه موته، وصرّح به العلّامة في المنتهى . (2)

.


1- . و لا يخفى أنّ حكمة الانتظار حصول العلم بموتهم، و ما ورد في الروايات أيضاً ناظر إلى ذلك، و يشهد له قوله عليه السلام في الحديث الأوّل من هذا الباب: «إلّا أن يتغيّر قبل ذلك»، فبمجرّد العلم بموتهم يغسلون و يكفّنون ويدفنون، ففي زماننا هذا الذي يحصل العلم بالموت بالآلات الطبيّة الحديثه بسرعة لا حاجة إلى الانتظار.
2- . منتهي المطلب ، ج 1، ص 427.

ص: 276

باب القتلى

باب القتلى (1)فيه مسائل: الاُولى : المشهور بين الأصحاب عدم جواز غسل الشهيد إذا مات في المعركة بين يدي الإمام عليه السلام أو نائبه مطلقاً وإن كان جنباً أو صبيّاً، (2) وفاقاً لأكثر العامّة. (3) واحتجّوا عليه بما رواه المصنّف في الباب، وما رواه الشيخ عن أبي خالد، قال : «اغسل كلّ الموتى الغريق وأكيل السبع وكلّ شيء، إلّا ما قتل بين الصفّين، فإن كان به رمق، وإلّا فلا». (4) وفي الموثّق عن عمّار، عن جعفر، عن أبيه : «أنّ عليّاً عليه السلام لم يغسّل عمّار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال، قال : ودفنهما في ثيابهما، ولم يصلّ عليهما». (5) وما رواه العلّامة في المنتهى عن جمهور العامّة عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الشهيد يدفن في دمائه ولا يغسّل». (6) وحكى في الذكرى عن السيّد المرتضى في شرح الرسالة وعن ابن الجنيد وجوب غسل الجنب منهم، محتجّين بأخبار النبيّ صلى الله عليه و آله بتغسيل الملائكة حنظلة بن الراهب؛ (7) لمكان خروجه جنباً، وبخبر عيص عن الصادق عليه السلام في الجنب يموت : «يغسّل من الجنابة، ثمّ يغسّل بعد غسل الميّت». (8) وأجاب عن الأوّل بأنّ تكليف الملائكة بذلك لا يوجب تكليفنا به، وعن الثاني بأنّه ظاهر في غير الشهيد، ومع هذا هو معارض بخبر زرارة عن الباقر عليه السلام في الميّت جنباً : «يغسل غسلاً واحدا يجزي عن الجنابة وتغسيل الميّت»، (9) فيجب أن يحمل على الندب؛ للجمع. (10) وذهب إلى ما ذهبا إليه أبو حنيفة وأحمد (11) لخبر قصّة حنظلة. وحكى في العزيز عن أبي حنيفة أنّ الصبيّ منهم يغسل كسائر الموتي، (12) وردّه بما روي من أنّه كان في قتلى بدر واُحد أطفال كحارثة (13) بن النعمان وعمر بن أبي وقّاص (14) وقتل مع الحسين عليه السلام ولده الرضيع، ولم ينقل في ذلك كلّه غسل. ولو اُخرج من المعركة وبه رمق ثمّ مات، فالمشهور بين الأصحاب أنّه كسائر الموتى يغسل ويكفّن، تقضّى الحرب أو طالت مدّة حياته أو قصرت، أكل وشرب أو لا. (15) وقال الشيخ في الخلاف: «إذا خرج من المعركة ثمّ مات بعد ساعة أو ساعتين قبل تقضّي الحرب حكمه حكم الشهيد». (16) واحتجّ عليه بالأخبار العامّة فيمن قتل بين الصفّين. (17) ورجّحه في المنتهى، (18) معلّلاً بما سنرويه عن النبيّ صلى الله عليه و آله . وفي دلالته على ذلك تأمّ. وبه قال الشافعي، (19) وعن مالك: «أنّه إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسّل، وإلّا فلا». (20) وعن أصحاب أبي حنيفة: «إن أكل أو شرب أو أوصى غسّل» . (21) وقد روى الشيخ عن زيد، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه، وإن بقى أيّاماً حتّى تتغيّر جراحته غسّل». (22) وحملت على التقيّة. واعلم أنّ الظاهر من الأخبار أنّ المعتبر في إجراء حكم الشهيد عليه وعدمه إدراك المسلمين إيّاه من غير رمق ومعه، ولم أجد خبرا دالّاً على اعتبار عدم الخروج من المعركة وخروجه. نعم، روى في المنتهى من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال يوم اُحد : «مَن ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟» فقال رجل: أنا أنظر لك يا رسول اللّه ، فنظر فوجده به رمق، فقال له: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات، فقال : أنا في الأموات، فأبلغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنّي السلام. قال : ثمّ لم أبرح أن مات، ولم يأمر النبيّ صلى الله عليه و آله بتغسيل أحد منهم. (23) وهي تدلّ على عدم تغسيله إذا مات في المعركة ولو اُدرك وبه رمق، فكأنّهم لذلك حملوا ما دلّ على عدم تغسيله إذا وجد وبه رمق على ما إذا اُخرج من المعركة معه؛ للجمع، وفيه تأمّل. هذا، وتقييد الشهيد بكونه مع الإمام عليه السلام أو نائبه، ممّا صرّح به الأكثر، منهم: الشيخان، (24) والمحقّق في الشرائع، (25) والعلّامة في المنتهى، (26) والشهيد في الدروس . (27) والظاهر من الأخبار عدم اشتراط ذلك وثبوت الحكم لكلّ قتيل في جهاد واجب، وهو الظاهر من إطلاق العلّامة في الإرشاد، (28) ورجّحه المحقّق في المعتبر حيث قال : «والأقرب اشتراط الجهاد السائغ حسب، فقد يجب الجهاد وإن لم يكن الإمام عليه السلام موجودا، واشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم يعلم من النصّ». (29) وعدّه الشهيد في الذكرى أولى . (30) الثانية تكفينه: قد أجمع أهل العلم على عدم جواز نزع شيء منه، وأنّه لا يجوز تكفينه بكفن جديد إلّا إذا جرّد، واستثنوا من ذلك أسلحة الحرب الحديديّة وغيرها؛ إذ ليست كفناً ولا شبيهاً به، فكان تركها بحالها إضاعة للمال وإسرافاً، ولعدم دخولها في الثياب، فإنّ المعهود منها المنسوج. (31) ولما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه أمر بقتلى اُحد أن ينزع عنهم الجلود والحديد. (32) وفي الذكرى: «رواها رجال الزيدية، فهي ضعيفة». (33) واختلفوا في استثناء أشياء غيرها، فذهب المفيد في المقنعة إلى جواز نزع السراويل والفراء والقلنسوة إن لم تصبها الدم؛ (34) محتجّاً برواية زيد بن عليّ، (35) وهي تدلّ على استثناء العمامة والمنطقة والخفّ أيضاً، وكأنّه قال بذلك. وهو ظاهر الشيخ في الخلاف. (36) والأظهر عدم استثناء شيء من هذه؛ لدخولها تحت الثياب فتدخل في عمومها الواردة في الأخبار المتكثّرة، فتخصيصها بخبر واحد ضعيف، ضعيف . الثالثة الصلاة عليه: قد أجمع الأصحاب على أنّ الشهيد كغيره في وجوب الصلاة عليه وعدمه، (37) وقد تظافرت أخبارهم عليه. وروى العامّة أيضاً عن عقبة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خرج يوماً فصلّى على أهل اُحد صلاته على الميّت، ثمّ انصرف. (38) وعن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى على قتلى اُحد. (39) وعنه صلى الله عليه و آله قال : «صلّوا على من قال لا إله إلّا اللّه ». (40) وهو بعمومه يتناول الشهيد. وبه قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وفي رواية ثانية عنه ذهب إلى استحبابها، وفي اُخرى إلى سقوطها رأساً. وبه قال مالك والشافعي وإسحاق. (41) واحتجّ عليه في العزيز بما رواه جابر وأنس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يصلّ على قتلى اُحد ولم يغسّلهم. (42) وربّما احتجّوا عليه بالقياس على الغسل. واُجيب عن الأوّل بمعارضته لما ثبت من الطريقين أنّه صلى الله عليه و آله صلّى على شهداء اُحد. والجواب عن الثاني أنّه قياس مع الفارق؛ لأنّ الغسل موجب لإزالة الدم عنه بخلاف الصلاة عليه، وهو باطل عندهم أيضاً. لا يقال : قد ورد من طريق الأصحاب أيضاً سقوط الصلاة عليه، فقد سبق في موثّق عمّار: أنّ عليّاً عليه السلام لم يغسل عمّار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال ولم يصلّ عليهما. (43) لأنّا نقول : وروده من باب التقيّة، وربّما احتمل وقوع سهو من الراوي. وفي حكم الشهيد أعضاؤه كما سيأتي في الباب الآتي. وأمّا الموتى الّذين لهم ثواب الشهداء كالغريق والمبطون والمنفوس وأمثالهم ففى المنتهى: أنّهم يغسّلون ويكفّنون ويُصلّى عليهم بلا خلاف، إلّا ما حكي عن الحسن البصري أنّه قال : «النفساء لا يُصلّى عليها». (44) لنا: عموم الأمر بذلك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى على امرأة ماتت في نفاسها. (45) قوله في حسنة (46) إسماعيل بن جابر وزرارة: (كيف رأيت الشهيد) . [ح 2 / 4614] قال طاب ثراه: قيل: أصل الشهادة التبيين، ومنه قوله تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ» ، (47) أي بيّن اللّه ، وشهود الحقّ، إذ بهم يتبيّن. وسُمّي الشهيد بذلك؛ لأنّ اللّه تعالى شهد له بالجنّة، أو لأنّه يشهد يوم القيامة على الاُمم، ويكون على الأوّل بمعنى المشهود له على الحذف والإيصال، وعلى الثاني بمعنى الشاهد. وقيل: هو من الشهود [و] الحضور؛ لأنّه يحضر دار السلام عند زهاق روحه، أو بعد البعث. وقيل: من المشاهدة؛ لأنّه يشاهد عند موته ما أعدّ اللّه سبحانه له من الكرامة، كما قال سبحانه : «فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَ_اهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» (48) . قوله في صحيحة أبان بن تغلب: (فقصر عن رجليه فدعا بإذخر فطرحه عليه) (49) . [ح 2 / 4614] لعلّ تقديم الرأس على الرجلين في الستر بالكفن شرافة الرأس من وجوه، منها: كونه محلّ الحواس الظاهرة والباطنة، وقيل: لأنّ تغيّر الوجه أكثر. قال طاب ثراه: قد وجد مثل ذلك الخبر من طرق العامّة، روى مسلم عن خبّاب بن الأرَت 50 أنّه قال : قتل مصعب بن عمير يوم اُحد، فلم يوجد له شيء يكفّن به إلّا نمرة، وهي نوع من الأكسية تعلّم ، فكنّا إذا وضعناها على رأسه بدت له رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ضعوها ممّا يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر» . (50)

.


1- . في النسخ: + «اذا مات»، ولم يرد فيالكافي.
2- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 174؛ المراسم، ص 45 ؛ المقنعة، ص 84 ؛ الخلاف، ج 1، ص 710، المسألة 514 ؛ و ص 711، المسألة 516 ؛ و ج 5 ، ص 344 ، المسألة 14؛ المبسوط، ج 1، ص 181؛ النهاية، ص 40 ؛ المهذّب، ج 1، ص 54 ؛ الوسيلة، ص 63؛ غنية النزوع، ص 102؛ السرائر، ج 1، ص 30 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 109؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 117؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 371 ، المسألة 139؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 223؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 433 ؛ نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 235 ؛ البيان ، ص 24 ؛ الدروس ، ج 1 ، ص 105 ، درس 10؛ الذكرى، ج 1، ص 320 ؛ روض الجنان، ج 1، ص 299؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 69 72؛ مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 465 472.
3- . اُنظر: كتاب الاُمّ، ج 1، ص 304 ؛ مختصر المزني، ص 37 ؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 151؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 260 261؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 633؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 171؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 331 ؛ المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 183، المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 49 ؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 258 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 320 ؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 401 402 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 2 ، ص 333 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 22 23.
4- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 330 ، ح 967؛ الاستبصار، ج 1، ص 213 214، ح 753 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 490، ح 2721.
5- . الفقيه، ج 1، ص 158، ح 442 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 331 ، ح 968؛ و ج 3 ، ص 332 333 ، ح 1041؛ و ج 6، ص 168، ح 322 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 214، ح 754؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 507 ، ح 2771.
6- . منتهى المطلب، ج 1، ص 433 . و مثله في المغني لابن قد امة، ج 2، ص 401 ؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 333 . عبارته هكذا : «لنا ما رواه الجمهور عن جابر أنّ البني صلى الله عليه و آله أمر بدفن شهداء اُحد في دمائهم» . و مثل عبارة المتن ورد في المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 140، في الرجل يقتل أو يستشهد. يدفن كما هو أو يغسل، ح 13؛ و ج 7، ص 607، ما قالوا في الرجل يستشهد يغسل أم لا، ح 7، والراوي فيها: «ثابت بن عمارة»، و فيهما: «في ثيابه» بدل : «في دمائه».
7- . الفقيه، ج 1، ص 159، ح 445؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 506، ح 2769، كنز العمّال، ج 11، ص 674، ح 33257، المستدرك للحاكم، ج 3، ص 204، السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 15؛ صحيح ابن حبّان، ج 15، ص 496؛ دلائل النبوّة لإسماعيل الأصبهاني، ج 3، ص 917.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 433، ح 1387؛ الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 683؛ وسائل الشيعة، ج 2 ، ص 541 ، ح 2856.
9- . الكافي، باب الميّت يموت و هو جنب أو حائض أو نفساء، ح 1، الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 680، تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1384؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 539 ، ح 2850. و في الجميع: «يجزى ذلك للجنابة و لغسل الميّت».
10- . الذكرى، ج 1، ص 321 322 ، و كلام المرتضى و ابن الجنيد مذكور في المعتبر للمحقّق الحلّي، ج 1، ص 310 311 .
11- . بدائع الصنائع، ج 1، ص 322 ؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 260؛ المبسوط للسرخسي، ج 2، ص 57 58 ، المغني لابن قدامة، ج 2، ص 402 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 333 .
12- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 151، و الجواب المذكور بعده بهذه الخصوصيّات لم يذكر فيه . و هذه العبارات موجودة في الذكرى، ج 1، ص 322 ؛ و تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 373 ؛ و نهاية الإحكام، ج 2، ص 236، و استدلّوا بما ذكر على شمول الحكم للأطفال، و لم يذكروا كلام أبي حنيفة.
13- . في الأصل: «لحارثة» ، و التصويب من سائر المصادر . و استشهاده يوم بدر مذكور في الثقات لابن حبّان، ج 3 ، ص 79؛ و المستدرك للحاكم، ج 3 ، ص 208؛ و سبل الهدى والرشاد، ج 4، ص 97.
14- . كذا في الأصل و مثله في الذكرى و تذكرة الفقهاء و نهاية الإحكام، لكن المذكور في الطبقات الكبرى، ج 3، ص 50 ؛ و إعلام الورى، ج 1، ص 71: «عمير بن أبي وقّاص» و ذكرا أنّه قتل يوم بدر.
15- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 174، المبسوط، ج 1، ص 181؛ النهاية، ص 40 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 433 ؛ الذكرى، ج 1، ص 320 ؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 365 ؛ روض الجنان، ج 1،ص 299 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 82 ؛ مجمع الفائدة، ج 1، ص 202؛ مشرق الشمسين، ص 334 ؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 90.
16- . الخلاف، ج 1، ص 712، المسألة 518 .
17- . اُنظر : الكافي، باب أكيل السبع و الطير و القتيل يوجد بعض جسده و الحريق، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 330 ، ح 967 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 213 214، ح 753؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 490، ح 2721، و ص 506 507 ، ح 2770.
18- . منتهى المطلب، ج 1، ص 433.
19- . المجموع للنووي، ج 5 ، ص 261؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 403، الشرح الكبير، ج 2، ص 335 .
20- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 403 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 335 .
21- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 155 ، و لفظه هكذا: «إن طعم أو تكلّم أو صلّى فهو كسائر الموتى»؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 404.
22- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 332 ، ح 974؛ الاستبصار، ج 1، ص 215، ح 758؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 508 ، ح 2772.
23- . منتهى المطلب، ج 1، ص 433. و القصّة مع تفصيل فيها مذكورة في تاريخ الطبري، ج 2، ص 207، في حوادث السنة الثالثة من الهجرة؛ و باختصار في بدائع الصنائع، ج 1، ص 322 ؛ و المغني لابن قدامة، ج 2، ص 403 ؛ و الشرح الكبير، ج 2، ص 305 .
24- . المقنعة، ص 84 ؛ المبسوط، ج 1، ص 181؛ النهاية، ص 40.
25- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 30 .
26- . منتهى المطلب، ج 1، ص 433. و مثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 117 118؛ و قواعد الأحكام، ج 1، ص 223؛ و نهاية الإحكام، ج 2، ص 236.
27- . الدروس، ج 1، ص 105، درس 10، لكنّه زاد بعده: «و كذا في الجهاد السائغ على الأقرب».
28- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 232.
29- . المعتبر، ج 1، ص 311 .
30- . الذكرى، ج 1، ص 321 .
31- . اُنظر المصادر المتقدّمة في عدم جواز غسل الشهيد في بداية الباب.
32- . عوالى اللآلي، ج 1، ص 177، ح 220؛ مستدرك الوسائل، ج 2، ص 180، ح 1743؛ مسند أحمد، ج 1، ص 247؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 485، ح 1515؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 66، ح 3134 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 14.
33- . الذكرى، ج 1، ص 312 . و الظاهر من عبارة الذكرى أنّ رجال هذه الرواية من الزيديه، و ليس كذلك، نعم هذا التعبير في تضعيف الرواية بذلك موجود في المعتبر ، ج 1، ص 313 ، لكنّه بعد نقل رواية اُخرى سأذكر مصادرها عند نقل كلام المفيد في جواز نزاع السراويل و الفرّاء و القلنسوة .
34- . المقنعة، ص 84 .
35- . هو الحديث 4 من هذه الباب من الكافي. الخصال، ص 333 ، باب الستّة، ح 23؛ الفقيه، ج 1، ص 159، ح 446 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 332 ، ح 972؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 510 ، ح 2777.
36- . اُنظر : الخلاف، ج 1، ص 710، المسألة 514 ؛ فإنّ المجاز فيه خصوص الجلود.
37- . اُنظر: المراسم، ص 45 ؛ الخلاف، ج 1، ص 710؛ و ج 5 ، ص 244؛ المبسوط، ج 1، ص 181؛ النهاية، ص 40 ؛ المعتبر، ج 1، ص 311 ؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 30 ؛ الجامع للشرائع، ص 49 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 118؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 373 374 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 236 237؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 82 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 69؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 90؛ الحدائق الناضرة، ج 2، ص 413.
38- . مسند أحمد، ج 4، ص 149؛ و ص 153 154، صحيح البخاري، ج 2، ص 94؛ و ج 4، ص 176؛ و ج 5 ، ص 40 ؛ و ج 7، ص 173؛ و ص 209؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 67؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 84 ، ح 3223 ؛ سنن النسائي، ج 4، ص 61 62؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 635، ح 2081؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 366 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 14 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 472.
39- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 13؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 469، ح 6356؛ الحدّ الفاصل، ص 321 ؛ المعجم الأوسط، ج 2، ص 167؛ المعجم الكبير، ج 11، ص 139.
40- . المعجم الكبير، ج 12، ص 342 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2، ص 43، ح 1743 1744؛ كنز العمّال، ج 15، ص 580 ، ح 42264.
41- . المغني لابن قدامة ، ج 2، ص 410، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 334 ؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 151؛ عمدة القاري، ج 5 ، ص 172.
42- . فتح العزيز، ج 5 ، ص 151، معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 141، ح 2094، عن أنس؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 3 ، ص 140، ح 17 من باب الرجل يقتل أو يستشهد يدفن كما هو أو يغسل؛ و ج 7، ص 607، في الرجل يستشهد يغسل أم لا، ح 11، عن جابر ؛ مسند الشافعي، ص 357 ؛ كتاب الاُمّ، ج 1، ص 305 عنهما.
43- . الفقيه، ج 1، ص 158، ح 442 مرسلاً؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 331 ، ح 968؛ و ج 3 ، ص 332 333 ، ح 1041؛ الاستبصار، ج 1، ص 214، ح 754؛ و ص 469، ح 1811؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 507 ، ح 2771.
44- . الخلاف، ج 1، ص 714، المسألة 523 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 124؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 405 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 336 . و حكى عنه في تحفة الأحوذي، ج 4، ص 152 أنّه لايصلّى على النفساء تموت من زنا.
45- . مسند أحمد، ج 5 ، ص 19؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 91؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 60؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 479، ح 1493؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 78، ح 3195 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 338 ؛ المعجم الأوسط، ج 7، ص 147؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 182، ذيل 2173.
46- . في ب : «خبر».
47- . آل عمران (3) : 18.
48- . آل عمران (3) : 170 .
49- . إنّ هذا النصّ موجود في رواية إسماعيل بن جابر و زرارة ، و لم يرد في صحيحة أبان ، فلاحظ.
50- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 48 . و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 401 ؛ و ابن أبي شيبة في المصنّف، ج 3 ، ص 147، [باب] مَن كان يكره المسك في الحنوط، ح 24؛ و ج 8 ، ص 487، ح 14؛ و ابن الجارود في المنتقى، ص 138، ح 522 .

ص: 277

. .

ص: 278

. .

ص: 279

. .

ص: 280

. .

ص: 281

. .

ص: 282

. .

ص: 283

. .

ص: 284

باب أكيل السبع والطير والقتيل يوجد بعض جسده والحريق

باب أكيل السبع والطير والقتيل يوجد بعض جسده والحريققد فصّل الشيخان في المقنعة والخلاف القطعة المبانة من الميّت، سواء كان أكيلاً للسبع والطير أو قتيلاً في غير المعركة، فقالا: «إن كان فيه عظم يجب غسله وكفنه ودفنه، ثمّ إن كان صدرا أو مشتملاً عليه تجب الصلاة عليه أيضاً». (1) وتبعهما على ذلك من تأخّر عنهما. (2) واحتجّ عليه في الخلاف بإجماع الفرقة المحقّة، وأخبارهم، وبما روي: أنّ طائرا ألقت يدا بمكّة من وقعة الجمل، فعُرفت بالخاتم، فكانت يد عبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد، فغسّلها أهل مكّة وصلّوا عليها. (3) وقال الشهيد الثاني في شرح الإرشاد: «ولم نقف لها على نصّ بالخصوص، ولكن نَقْل الإجماع من الشيخ كافٍ في ثبوت الحكم، بل ربّما كان أقوى من النصّ». (4) وفي الذكرى: «ويلوح ما ذكره الشيخان من خبر عليّ بن جعفر؛ لصدق العظام على التامّة والناقصة». (5) وهذا التعليل إنّما هو لتطبيق الخبر على الجزء الأوّل ممّا ذكره الشيخان، وهو مبنيّ على ما ذكره أكثر المحقّقين من الاُدباء من إفادة الجمع المضاف عموم كلّ فرد لا عموم المجموع من حيث هو، كما ذهب إليه بعضهم. وفيه تأمّل؛ إذ المتبادر منه في الخبر هو المعنى الثاني ولو مجازا، وأمّا ما ذكراه من وجوب الصلاة على الصدر أو المشتمل عليه، فهذه الصحيحة صريحة فيه. ويدلّ أيضاً عليه مرسلة عبد اللّه بن الحسين، (6) وخبر أحمد بن محمّد بن عيسى رفعه، قال : «المقتول إذا قطّع أعضاؤه يصلّى على العضو الّذي فيه القلب خاصّة». (7) ويؤيّده خبر الفضل بن عثمان الأعور. عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة، قال : «ديته على من يوجد في قبيلته صدره ويداه، والصلاة عليه». (8) فإنّ الظاهر عود الضمير في «عليه» إلى الصدر، وخصّ العظم والعضو التامّ في حسنة جميل بن درّاج، (9) ومرسلة محمّد بن خالد (10) بالصدر. وظهر ممّا ذكروا دوران وجوب الصلاة مع القلب وجودا وعدماً، فلا يبعد وجوبها عليه مجرّدا عن الصدر أيضاً، ولكن لم أجد به تصريحاً من الأصحاب، وكأنّهم لم يتعرّضوا له؛ لضعف الدوران، وعذرهم واضح. وأمّا وجوب غسل العظم المجرّد عن اللحم فقد استندوا فيه إلى دوران الغسل معه وجودا وعدماً كما ذكره الشهيد الثاني وضعّفه. (11) وأقول : يكفي فيه صحيحة عليّ بن جعفر (12) المشار إليه، ولا حاجة له إلى الاستناد بالدوران. وهل الغسل والتكفين الواجبان في الأعضاء هما الواجبان في الميّت؟ ظاهر أكثر الأصحاب ذلك، حيث صرّحوا بأنّ صدر الميّت كالميّت في جميع أحكامه، (13) بل يلزم منه ثبوت التحنيط أيضاً، وهو مشكل؛ لإطلاق الغسل والتكفين في أخبارهما الشاملان لغسل واحد بالقراح وتكفينه بثوبٍ واحد، ويؤيّده أصالة البراءة. وأمّا اللحم المجرّد عن العظم فلا إشكال في عدم وجوب الصلاة عليه. ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم، (14) وصرّح به الأكثر. (15) وهل يجب تغسيله وتكفينه؟ ظاهر الأكثر العدم؛ (16) للأصل. وأفتى في الذكرى بعدم وجوب الغسل ساكتاً عن التكفين، (17) وابن إدريس أفتى بنفي الكفن أيضاً. (18) والظاهر أنّ حكمه حكم السقط الغير التامّ من وجوب لفّه في خرقة ودفنه، و هو منقول عن السلاّر. (19) وأمّا العضو المبان من حيٍّ فالمشهور وجوب غسله وكفنه إن اشتمل على العظم؛ محتجّين عليه بمرفوعة أيّوب بن نوح؛ (20) لأنّ الرجل ظاهره الحيّ. ويدلّ أيضاً عليه حسنة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الأقطع اليد والرجل، قال : «يغسلهما». (21) وموثّقة الحسن بن عليّ، عن رفاعة، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأقطع، قال : «يغسّل ما قطع منه» . (22) بناءً على إرادة تغسيل العضو المقطوع كما هو الظاهر منهما، وصرّح به جماعة منهم جدّي من اُمّي قدّس سرّه في شرح الفقيه، (23) وحملهما الأكثر على غسل ما بقي من المرفق من رأس العضد في الوضوء وجوباً، أو غسل العضد استحباباً على المشهور، ووجوباً على قولٍ استقربه الشهيد في الذكرى (24) . وظاهر بعض قصر الحكم على المبان من الميّت، وبه صرّح في المعتبر، وقطع بدفن المشتمل على العظم المبان من الحيّ بغير غسل محتجّاً بأنّه من جملة لا يغسل ولا يصلّى عليها. (25) واُجيب عنه في الذكرى بأنّ الجملة لم يحصل فيه الموت بخلاف القطعة. (26) وإن لم يكن فيه عظم يقتصر على لفّه في خرقة ودفنه على ما ذكره جماعة منهم المحقّق في الشرائع. (27) وفي المدارك: «والأظهر عدم وجوب اللفّ، كما اختاره في المعتبر؛ (28) لانتفاء الدليل عليه رأساً». (29) وأمّا السقط فالمشهور وجوب غسله وكفنه ودفنه إن تمّت خلقته وولجته الروح. (30) ويدلّ عليه موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال : «نعم». (31) ومرفوعة أحمد بن محمّد، قال : «إذا تمّ للسقط أربعة أشهر غسّل». (32) ومع عدم تمام الخلقة يلفّ في خرقة ويدفن على ما ذكروه. وأمّا الحريق والمجدور وأمثالهما ممّن يخاف من غسلهم سقوط عضو، فإن أمكن صبّ الماء عليهم بغير دلكٍ وجب، وإلّا يُمِّموا. ويدلّ عليه خبر زيد بن عليّ، (33) وما رواه الشيخ عن ضريس، عن عليّ بن الحسين أو عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المجدور والكسير والّذي به القروح يُصَبّ عليه الماء صبّاً». (34) وعن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال : «إنّ قوماً أتوا رسول اللّه عليه السلام فقالوا: يا رسول اللّه ، مات صاحب لنا وهو مجدور، فإن غسّلناه انسلخ، قال : يمّموه» . (35)

.


1- . المقنعة، ص 85 ؛ الخلاف، ج 1، ص 715 716، المسألة 527 ؛ المبسوط، ج 1، ص 182.
2- . اُنظر: غنية النزوع، ص 102؛ إشارة السبق، ص 76؛ المختصر النافع، ص 15؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 30 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 110؛ تبصرة المتعلّمين، ص 31 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 118؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 371 ؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 405 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 434 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 234؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 357 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 83 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 74؛ مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 421 425.
3- . عبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد القرشي الاُموي، و اُمّه جويريّة بنت أبي جهل، و كان مع عائشة في وقعة الجمل، فكان يصلّي بهم إماما، فقتل يوم الجمل، و نُقل انّه لمّا قتل حملت الطيريده حتّى القتها بمكان بعيد، فعرفوه بخاتمه، فصلّوا عليها و دفنوها، و اختلف في تلك المكان، فقيل: «المدينة» ، كما في ترجمته من اُسد الغابة، ج 3 ، ص 308 . و يقال : «باليمامة»، كما فيترجمته من الإصابة، ج 5 ، ص 35 ؛ و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 11، ص 124، شرح الكلام، 213 . و روي «بمكّة» ، كما في فتح العزيز، ج 5 ، ص 145؛ و المجموع للنووي، ج 5 ، ص 253؛ و تلخيص الحبير، ج 5 ، ص 274؛ و الخلاف، ج 1، ص 716، المسألة 527 . و أورده الشهيد في الذكرى، ج 1،ص 317 مردّدا بين مكّة و اليمامة.
4- . روض الجنان ، ج 1، ص 303 .
5- . الذكرى، ج 1، ص 317 ، و خبر عليّ بن جعفر هو الحديث من هذا الباب من الكافي.
6- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 337 ، ح 985؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 137، ح 3225 .
7- . رواه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 317 ، نقلاً عن البزنطي في جامعه . وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 138، ح 3225 .
8- . الفقيه، ج 1، ص 167، ح 484 ؛ تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 329 ، ح 1030؛ و ج 10، ص 213، ح 842 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 135، ح 3218 .
9- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 336 ، ح 984؛ و ج 3 ، ص 329 ، ح 1031؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 136، ح 3222 . و الخبر لمحمّد بن مسلم ؛ لأنّ ابن درّاج يروى عنه.
10- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 337 ، ح 987؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 137، ح 3223 .
11- . روض الجنان، ج 1، ص 310 ؛ فإنّه حكاه عن الشهيد الأوّل ثمّ ضعّفه. و كلامه يوجد في الذكرى، ج 2، ص 100.
12- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 336 ، ح 983؛ و ج 3 ، ص 329 ، ح 1028؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 136، ح 3219 .
13- . اُنظر: تبصرة المتعلّمين، ص 31 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 371 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 72 73؛ الحدائق الناضرة، ج 3 ، ص 422، و ج 10، ص 375 .
14- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي.
15- . اُنظر المصادر التالية.
16- . اُنظر: الجامع للشرائع، ص 49 ؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 405 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 448 ؛ الذكرى، ج 1، ص 317 ؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 73 74؛ الحدائق الناضرة، ج 3 ، ص 427.
17- . الذكرى، ج 1، ص 317 .
18- . السرائر، ج 1، ص 168.
19- . المراسم، ص 46، و المذكور فيه حكم السقط لا اللحم بلا عظم.
20- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . الاستبصار، ج 1، ص 100، ص 325 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 429 430، ح 1369؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 294؛ ح 3689 .
21- . رواه الكليني في باب حدّ الوجه الذي يغسل و الذراعين و كيف يغسل، ح 7 . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 360 ، ح 1085؛ وسائل الشيعة، ج 1،ص ص 480، ح 1273.
22- . هو الحديث 8 من باب المتقدم ذكره من الكافي . وسائل الشيعة، ج 1، ص 479، ح 1271.
23- . روضة المتّقين، ج 1، ص 161، حدّ الوضوء و ترتيبه . و الظاهر من كلامه موافقته للمشهور حيث قال بعد نقل الرواية: «و الظاهر أنّ قوله: «يغسلهما» محمول على التغليب، و أنّ المراد من هذا الأخبار أنّه إذا قطع بعض اليد و بعض الرجل بحيث لايكون موضع الغسل و المسح كلّه مقطوعا بحيث يجب غسل ما بقي من اليدين، و مسح ما بقي من الرجلين» .
24- . الذكرى، ج 2، ص 134 و في هامش الأصل: «فلا احتجاج فيهما . منه».
25- . المعتبر، ج 1، ص 319 .
26- . الذكرى، ج 1، ص 317 .
27- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 30 .
28- . المعتبر، ج 1، ص 319 .
29- . مدارك الأحكام، ج 2، ص 76.
30- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 175؛ المقنعة، ص 83 ؛ الخلاف، ج 1، ص 710، المسألة 513 ؛ غنية النزوع، ص 102؛ إشارة السبق، ص 76 77؛ المختصر النافع، ص 15؛ المعتبر، ج 1، ص 319 320 ؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 30 ؛ الجامع للشرائع، ص 49 ؛ تبصرة المتعلّمين، ص 31 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 234؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 75؛ مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 420 424.
31- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 329 ، ح 962؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 501 502 ، ح 2754.
32- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 328 ، ح 960؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 502 ، ح 2755.
33- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 333 ، ح 976؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 512 ، ح 2782.
34- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 333 ، ح 975؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 512 ، ح 2781.
35- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 333 ، ح 977؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 513 ، ح 2783.

ص: 285

. .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

. .

ص: 289

باب من يموت في السفينة ولا يُقدر على الشطّ، أو يصاب وهو عريان

باب من يموت في السفينة ولا يُقدر على الشطّ، (1) أو يصاب وهو عريانفيه مسألتان: الاُولى: إذا تعسّر نقل الميّت في السفينة إلى الساحل، غسّل وكفّن وحنّط ويصلّى عليه، ثمّ يوضع في خابية ويُوكى رأسها ويطرح في البحر؛ لصحيحة أيّوب بن الحرّ، (2) أو يُثَقّل في رجليه ويُرمى به فيه؛ لمرسلة أبان، (3) وخبر سهل بن زياد، (4) وهو وإن كان مطلقاً إلّا أنّه لابدّ فيه من التقييد بالتثقيل؛ للجمع. وخبر وهب (5) بن وهب القرشي، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلامقال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا مات الميّت في البحر غُسِّل وكفّن وحنّط وثقّل في رجليه حجر ويرمى به في الماء». (6) وفي المنتهى: «لا فرق في ذلك بين الأنهار الكبار والجداول الضيّقة والبحار إذا لم يتمكّن من الشطّ للدفن، وكذا لو خاف اللصوص والسباع لو دُفن في الشطّ». (7) ووافقنا في ذلك أكثر العامّة، (8) وقال بعضهم يُترك يوماً أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد، ثمّ يثقّل ويُرمى به في البحر، وإنّما قال بذلك مع رجاء الساحل في هذه المدّة. (9) وحسّنه في المنتهى. (10) وعن الشافعي أنّه يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل، فربّما وقع إلى قوم يدفنونه. (11) واُورد عليه بأنّ فيه تعريضاً للميّت بالتغيير والهتك، فإنّه ربّما بقى عرياناً على الساحل غير مدفون، وربّما ظفر به المشركون. (12) ثمّ المشهور استحباب أن يستقبل به القبلة حال الإلقاء، وذهب الشهيدان إلى وجوبه؛ لأنّه دفنه، (13) وهو محكي عن ابن الجنيد . (14) الثانية: العاري يجب أن يستر عورته ثمّ يصلّى عليه، فإن لم يوجد له ساتر حفر له ووضع في لحده، فيستر عورته باللبن والحجر وشبههما، ثمّ يصلّى عليه، ولا يدفن قبل الصلاة عليه. ويدلّ عليه موثّقة عمّار. (15) ولا يجب على المسلمين بذل كفن له من غير مخالف؛ للأصل، وانتفاء دليل على الوجوب. نعم، يستحبّ، للأخبار الواردة في فضل تكفينه الشامل لبذل الكفن له، منها: حسنة سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة». (16) والظاهر جواز تكفينه وسائر ما يحتاج تجهيزه، من الزكاة؛ لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن الفضل بن يونس الكاتب، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام فقلت له: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفّن به، أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال : «أعط عياله من الزكاة قدر ما يُجهّزونه فيكونون هم الّذين يجهّزونه». قلت: فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره، فاُجهّزه أنا من الزكاة ؟ قال : «إنّ أبي كان يقول إنّ حرمة بدن المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً، فوار بدنه وعورته وجهّزه وكفّنه وحنّطه، واحتسب ذلك من الزكاة». (17) والظاهر استحبابه؛ حملاً للأمر فيه على الندب، بناءً على ما نصّ عليه الشيخ من أنّ الفضل بن يونس كان واقفياً؛ (18) لما اشتهر من حمل الأوامر في الأخبار الضعيفة على الندب، ولا يبعد القول بوجوبه كما نقل عن بعض الأصحاب؛ (19) لتأيّد الخبر بما هو المشهور من عموم سهم سبيل اللّه ، فتأمّل . قوله في موثّقة عمّار: (لا يصلّى على الميّت بعد ما يدفن) . [ح 4 / 4628] ظاهره عدم جواز الصلاة بعد الدفن مطلقاً وإن لم يكن الميّت ممّن صلّى عليه، وقد سبق القول فيه. (20)

.


1- . الشطّ: جانب النهر. صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1137 (شطط) .
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. الفقيه، ج 1، ص 157، ح 439؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 340، ح 996؛ الاستبصار، ج 1، ص 215 216، ح 762 مرسلاً؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 205 206، ح 3417.
3- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 339 ، ح 993؛ الاستبصار، ج 1، ص 215، ح 759؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 206 207، ح 3419 .
4- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 339 ، ح 994؛ الاستبصار، ج 1، ص 215، ح 760؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 207، ح 3420 .
5- . في هامش الأصل: «وهو أبوالبختري، وضعيف جدّا. منه».
6- . الفقيه، ج 1، ص 157، ح 438 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 339 ، ح 995؛ الاستبصار، ج 1، ص 215، ح 761؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 206، ح 3418 .
7- . منتهى المطلب، ج 1، ص 465.
8- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 5 ، ص 285؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 381 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 381 ؛ فقه السنّة، ج 1، ص 556 .
9- . الشرح الكبير، ج 2، ص 381؛ المغني، ج 2، ص 381، عن عطاء و أحمد.
10- . منتهى المطلب، ج 1، ص 464.
11- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 304 ، فتح العزيز، ج 5 ، ص 251؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 285؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 659 660؛ المغني ، ج 2، ص 381 ، الشرح الكبير، ج 2، ص 381 .
12- . هذا الايراد مذكور في المنتهى للعلّامة، ج 1، ص 464.
13- . الذكرى، ج 2، ص 10 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 841 .
14- . حكاه عنه الشهيد في الذكرى، ج 2، ص 10.
15- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . الفقيه ، ج 1 ، ص 166 ، ح 482 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 179 ، ح 406 ؛ و ص 327 ، ح 1022 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 131 ، ح 3209 .
16- . رواه الكليني في الكافي، باب ثواب من كفّن مؤمنا . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 450، ح 1461؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 48، ح 2993.
17- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 445، ح 1440؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 55 ، ح 3010 .
18- . رجال الطوسي، ص 342 ، الرقم 5093 . و مثله في خلاصة الأقوال، ص 386 .
19- . اُنظر: جامع المقاصد، ج 1، ص 402 403 ؛ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 100؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 120.
20- . في هامش الأصل: «في باب من زاد على خمسين تكبيرات. منه عفي عنه».

ص: 290

. .

ص: 291

. .

ص: 292

باب الصلاة على المصلوب والمرجوم والمرجومة والمقتصّ منه

باب الصلاة على المصلوب والمرجوم والمرجومة والمقتصّ منهظاهر بعض الأصحاب أنّ كلّ من وجب قتله يُؤمر بالاغتسال ويكفّن ويحنّط قبل القتل، ثمّ لا يُغسل بعد موته إلّا أن يكون موته بغير ذلك السبب الّذي اغتسل له، سواء في ذلك المصلوب والمرجوم والمقتصّ منه. (1) ويدلّ عليه صريحاً في الأخيرين خبر مسمع، (2) ورواه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام . (3) وأمّا المصلوب فهو ملحق بهما على المشهور، ولا يبعد الاحتجاج له بصحيحة أبي هاشم الجعفري أو حسنته على اختلاف النسخ على ما سيجيء حيث بيّن فيها الصلاة عليه مصلوباً، ولا تجوز الصلاة على الميّت قبل تغسيله وتكفينه. ويؤيّده خبر السكوني؛ (4) حيث لم يتعرّض فيه لتغسيله وتكفينه بعد إنزاله. وفي المنتهى: من وجب قتله بغير القود (5) هل يؤمر بالاغتسال ؟ الأقرب أنّه ليس كذلك؛ لعدم ورود نصّ بذلك، والقياس باطل، فيدخل تحت عموم الأمر بالتغسيل بعد الموت، وقد أطلق بعض الأصحاب ذلك، (6) وعندي فيه نظر. (7) وفيه تأمّل. (8) وأمّا وجوب الصلاة على هؤلاء فهو مذهب أهل العلم لا مخالف له، (9) إلّا ما حكى طاب ثراه عن بعض من العامّة من أنّه لا يصلّى على المرجوم والمرجومة. (10) هذا، والغسل الواجب على هؤلاء لابدّ فيه من ثلاثة أغسال مشتملة على الخليطين كالغسل بعد الموت على المشهور؛ لكونه بدلاً عنه. (11) وقد قيل: بكفاية غسل واحد بالقراح؛ (12) لإطلاق الأمر به. وهل يتحتّم ذلك، أو يتخيّر بينه وبين غسلهم بعد الموت؟ ظاهر الأخبار وأكثر الفتاوى الأوّل، وربّما قيل بالثاني . (13) قوله: (عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري) . [ح 2 / 4630] وفي بعض النسخ: «عليّ بن إبراهيم، عن أبي هاشم الجعفري» موافقاً لنسخ التهذيب، (14) فالخبر على الأوّل حسن كالصحيح، وعلى الثاني صحيح. والّذي خطر ببالي البالي في حلّ هذا الخبر أنّ المعنى: أنّه إن كان وجه المصلوب إلى القبلة قم في الصلاة عليه مواجهاً للقبلة متجنّباً عمّا بين كتفيه مائلاً عنه إلى منكبه الأيمن، وإن كان ظهره إلى القبلة تجنّب عن وسط صدره ووجهه إلى منكبه الأيسر مواجهاً للقبلة، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن (15) من طرف صدره، وإن كان بالعكس فقم بالعكس مواجهاً للقبلة في الحالين أيضاً. والمراد ممّا بين المشرق والمغرب سمت الكعبة المعروف بالعلامات المقرّرة شرعاً في العراق وما والاها، فالأوامر للاستحباب على حذو ما ورد في الصلاة على الجنازة من استحباب القيام عند رأس الميّت أو صدره متجنّباً عن وسطه، فتأمّل .

.


1- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 30 ؛ البيان، ص 24؛ الذكرى، ج 1، ص 329 ؛ الدروس، ج 1، ص 105، درس 10؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 366 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 82 ، مدارك الأحكام، ج 2، ص 71؛ الجامع للشرائع، ص 50 .
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 334 ، ح 978؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 513 ، ح 2784.
3- . الفقيه، ج 1، ص 157 158، ح 440.
4- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 335 ، ح 981؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 476، ح 2689.
5- . في الأصل: «بالقود»، و التصويب من المصدر.
6- . المثبت من المصدر، و في الأصل: «ذاك».
7- . منتهى المطلب، ج 1، ص 434.
8- . في هامش الأصل: «وجه التأمّل ما ذكر من دلالة خبر مسمع عليه، وضعفه منجبر بعمل الأصحاب، إلّا أن يريد بالنصّ الخبر الصحيح، فتأمّل. منه».
9- . اُنظر: المراسم، ص 46 ؛ الخلاف، ج 1، ص 713، المسألة 521 ؛ و ج 5 ، ص 385 ، المسألة 28؛ المبسوط، ج 1، ص 4 ؛ السرائر، ج 3 ، ص 456 ؛ المعتبر، ج 1، ص 347 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 110 و 582 ؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 434 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 379 ، المسألة 142؛ و ج 2، ص 35 ، المسألة 184؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 238؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 314 ؛ الذكرى، ج 1، ص 329 ؛ و 414 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 117؛ الجامع للشرائع، ص 50 ؛ شرح اللمعة، ج 9، ص 101؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 91؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 72.
10- . المحلّى، ج 5 ، ص 72؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 86 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 11، ص 204؛ فتح الباري، ج 12، ص 117؛ عمدة القاري، ج 20، ص 259؛ تحفة الأحوذي، ج 4، ص 588 ؛ عون المعبود، ج 12، ص 74؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 535 ، ح 6616، كلّهم عن الزهري.
11- . راجع: مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 475 476.
12- . هو ظاهر كلام المفيد في المقنعة، ص 85 ، حيث قال : «فيغتسل كما يغتسل من جنابته».
13- . اُنظر: مفتاح الكرامة، ج 3 ، ص 476.
14- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 327 ، ح 1021؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 130، ح 3208 .
15- . في «أ» + «فقم علي منكبه الأيمن».

ص: 293

. .

ص: 294

باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة من إطعام ثلاثة أيّام وتعزيتهم

باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة من إطعام ثلاثة أيّام وتعزيتهموالمراد من الوجوب هو الاستحباب المؤكّد، والمصيبة في الأصل: ما أصاب الإنسان من خيرٍ أو شرٍّ (1) وخصّت في الاستعمال بالثاني . قوله في حسنة هشام بن سالم : (لمّا قتل جعفر بن أبي طالب) إلخ. [ح 1 / 4632] قال القرطبي (2) شارح [صحيح] مسلم: جعفر يكنّى أبا عبد اللّه رضي اللّه عنه، وكان أكبر من عليّ بعشر سنين، وكان من المهاجرين الأوّلين، هاجر إلى الحبشة وقدم منها على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعانقه، وقال : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر» (3) ؟! وكان قدومه من حبشة في السنة السابعة من الهجرة، واختطّ له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بجنب المسجد، وقال له: «أشبهت خَلقي وخُلُقي». (4) ثمّ غزا غزوة مؤتة بأرض الشام سنة ثمان فقُتل فيها بعد أن قاتل حتّى قُطعت يداه معاً. فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه تعالى أبدله من يديه جناحين يطير بهما في الجنّة حيث شاء»، (5) فمن ثمّ قيل له: ذو الجناحين. ولمّا بلغ النبيّ صلى الله عليه و آله نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزّاها فيه، فدخلت فاطمة تبكي وتقول : «واعمّاه!» فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه تعالى أبدله من يديه جناحين يطير بهما في الجنّة، على مثل جعفر فلتبك البواكي. (6) وأمّا أسماء فهي بنت عميس بن مُعَدّ الخثعمية من خثعم أنمار، وهي اُخت ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله ، واُخت لُبابة اُمّ الفضل زوج العبّاس، واُخت أخواتها وهنّ تسع، وقيل: عشر. هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة، فولدت له محمّدا وعبد اللّه وعوناً، ثمّ هاجرت إلى المدينة، فلمّا قُتل جعفر رضي اللّه عنه تزوّجها أبو بكر وولدت له محمّد بن أبي بكر ثمّ مات عنها فتزوّجها عليّ، فولدت له يحيى بن عليّ، لا خلاف في ذلك. وقيل: كانت أسماء تحت حمزة بن عبد المطّلب، فولدت له ابنة تسمّى أمة اللّه ، وقيل: أمامة، ثمّ خلف عليها بعده شداد بن الهادي الليثي، فولدت له عبد اللّه وعبد الرحمان، ثمّ خلف عليها بعده جعفر، ثمّ كان الأمر على ما ذكر. (7) هذا كلام القرطبي. ثمّ قال طاب ثراه: جريان السنّة بما ذكر في الحديث من باب التأسّي والاقتداء به صلى الله عليه و آله وقد اختلفت الاُمّة في حكم الاقتداء به صلى الله عليه و آله فجعله مالك وأكثر أصحابه وبعض الشافعية واجباً، وقال أكثر الشافعية : ندب، وقال طائفة منهم: هو على الإباحة، وقال حذّاق من المتكلّمين: إن كان الفعل في محلّ القربة فاتّباعه واجب، والحقّ التفصيل الّذي ذكرناه في الاُصول . (8) قوله في حسنة الكاهلي: (كان أبي) . [ح 5 / 4636] يعني أبا عبد اللّه عليه السلام ؛ فإنّ أبا الحسن فيه هو موسى بن جعفر عليهماالسلام بقرينة رواية الكاهلي عنه، وقد وقع التصريح باسمه عليه السلام في الفقيه. (9) والظاهر أنّ اُمّ فروة فيها هي اُمّ أبي عبد اللّه عليه السلام بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. ويحتمل بنت فاطمة بنت الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما. فقد قيل: إنّها كنيته لهما . (10) قوله في خبر المفضّل: (اتركن التعداد) . [ح 6 / 4637] يعني عدّ مدائحة صلى الله عليه و آله لتحريص الحاضرين على البكاء، وإنّما اُمرت صلوات اللّه عليها بذلك مع أنّ عدّ مدائحه صلى الله عليه و آله عبادة؛ لإشعاره بعدم التصبّر، كما سيأتي أنّ «من أقام النوّاحة فقد ترك الصبر». (11) على أنّ مدائحه صلى الله عليه و آله لم تكن مخفيّة محتاجة إلى العدّ .

.


1- . لم أعثر على هذا المعني في كتب اللغة، نعم ورد في مادّة «صوب» من لسان العرب و تاج العروس: «المصيبة: ما أصابك من الدهر».
2- . أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر أبو العبّاس القرطبي المالكي المحدّث، نزيل الإسكندريّة، ولد بقرطبة سنة ثمان و سبعين و خمسمائة ، و قدم و حدّث بها و بمصر، و اختصر الصحيحين، ثمّ شرح مختصر صحيح مسلم و سمّاه المفهم، و كان بارعا في الفقه والعربيّة، عارفا بالحديث، و توفّي بالإسكندريّه سنة ستّ و خمسين و ستّمائة، و كان يعرف في بلاده بابن المزيّن، و له كتاب كشف القناع عن الوجد و السماع. الوافي بالوفيات، ج 7، ص 173.
3- . هذه الفقره رواها كثير من المؤلّفين، منهم: الشيخ الصدوق في المقنع، ص 139؛ و الهداية، ص 153؛ و الطبري في ذخائر العقبى، ص 214؛ و ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، ج 1، ص 276 277، ح 363 ؛ و الطحاوي في شرح معاني الآثار، ج 4، ص 281؛ و الطبراني في المعجم الكبير، ج 2، ص 108؛ و ابن عدي في الكامل، ج 5 ، ص 243، ترجمة عيسى بن عبداللّه بن محمّد بن عمر بن علي ؛ و ابن الأثير في اُسد الغابة، ج 1، ص 287؛ و ابن عنبة في عمدة الطالب، ص 35 ؛ و ابن حبّان في الثقات، ج 2، ص 18.
4- . مسند أحمد، ج 1، ص 108 و 115 و 230؛ و ج 4، ص 342 ؛ صحيح البخاري، ج 3 ، ص 168؛ و ج 4، ص 209؛ و ج 5 ، ص 85 ؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 320 ، ح 3854 ؛ المستدرك للحاكم، ج 3 ، ص 120؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 8 ، ص 5 ؛ و ج 10، ص 226؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 5 ، ص 127؛ صحيح ابن حبّان، ج 11، ص 230، ح 4873 ؛ و ج 15، ص 520 ؛ الآحاد والمثاني، ج 1، ص 275، ح 358 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 7، ما ذكر في جعفر بن أبي طالب، ح 5 7.
5- . اُنظر: أمالي الصدوق، المجلس 20، ح 2؛ و المجلس 70، ح 10؛ الخصال، ص 68 ، باب الاثنين، ح 101؛ ذخائر العقبى، ص 217؛ المستدرك للحاكم، ج 3 ، ص 40 ؛ المعجم الكبير، ج 2، ص 107؛ و ج 11، ص 287؛ الاستيعاب، ج 1، ص 242.
6- . إلى هنا نقله المولى محمّد صالح المازندرانى والد الشارح في شرح الكافي، ج 7، ص 190 نقلاً عن إكمال الإكمال للقرطبي، و غالب الفقرات المذكورة هنا موجود في الاستيعاب، ج 1، ص 242، ترجمة جعفر بن أبي طالب.
7- . راجع: الاستيعاب، ج 4، ص 1784 1785، ترجمة أسماء بنت عميس، وزاد: «وقيل: إنّ الّتي كانت تحت حمزة و شدّاد سلمى بنت عميس لا أسماء اُختها».
8- . اُنظر: الاُمّ للشافعي، ج 1، ص 317 ؛ مختصر المزني، ص 309 ؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 252؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 317 318 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 665؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 178؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 367 ؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 413 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 426 ؛ فناوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة و الإفتاء، ج 9، ص 142؛ فقه السنّة، ج 1، ص 508 .
9- . الفقيه، ج 1، ص 178، ح 529 .
10- . لم أعثر على مصدر ذكر فيه هذه الكنية لفاطمة بنت الحسين.
11- . هو الحديث الأوّل من باب الصبر و الجزع و الاسترجاع.

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

باب المصيبة بالولد

باب المصيبة بالولدالولد بالتحريك يعمّ الذكر والاُنثى، والصغير والكبير، والواحد والمتعدّد، وبالضمّ جمع . قوله: (عن أبي إسماعيل السرّاج) . [ح 1 / 4638] هو عبد اللّه بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري أخو حمّاد بن عثمان، ووثّقه النجاشي (1) والعلّامة في الخلاصة، (2) فالخبر صحيح . قوله في خبر جابر: (درّت دريرة فبكيت) . [ح 2 / 4639] يقال : دَرَّ اللبنُ: إذا جرى من الضرع، (3) يعني درّ اللبن من ضرعي فتذكرت بذلك للقاسم، فبكيت عليه . قوله في خبر السكوني: (إذا قبض روح (4) ولد المؤمن) ، إلخ. [ح 4 / 4641] قال طاب ثراه: في طريق العامّة، ففي صحيح الترمذي : «أنّ الملائكة إذا قبضت روح العبد صعدت بها، فيسألهم اللّه وهو أعلم يقول : أقبضتم ثمرة فؤاد عبدي؟ فيقولون: يا ربّنا وأنت أعلم أجل. فيقول : ماذا قال أبوه؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول : ابنوا له بيتاً وسمّوه بيت الحمد». (5) وقال القرطبي: هذا السؤال تنبيه للملائكة على قولهم: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ» ، وإظهار لصدق قوله تعالى: «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» . (6) قوله في خبر سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر، عن جابر: (من قدّم من المسلمين ولدين يحتسبهما عند اللّه حجباه من النار) إلخ. [ح 6 / 4643] قال طاب ثراه: معنى يحتسبهما يحتسب أجرهما على اللّه ويطلبه عند اللّه ، يعنى يصبر عليه مخلصاً للّه تعالى، ثمّ الظاهر أنّه كلّما ازداد ازداد الأجر، فالثلاثة أجرهم أزيد من الاثنين، وهكذا. وقال القرطبي فيما رواه في شرح [صحيح] مسلم عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال لنسوة من الأنصار : «لا يموت لإحداكنّ ثلاثة من الولد إلّا دخلت الجنّة»: (7) إنّما خصّ الحكم بالثلاثة؛ لأنّها أوّل مراتب الكثرة، فالأجر يكثر بكثرة المصائب، وأوّل الكثرة الثلاث، فإذا زاد على الثلاث فقد تخفّ المصيبة؛ لأنّها صارت عادةً، قال المتنبّي: (8) أنكرتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرَّةًثُمَّ اغتَرَفتُ بها فَصارَت دَيدَنا ويحتمل أنّه لم يذكر ما زاد على الثلاثة؛ لأنّه من باب اُخري. هذا كلامه . قوله في خبر إسماعيل بن مهران، عن عمرو بن شمر، عن جابر: (لمّا توفّى طاهر بن رسول اللّه ) إلخ. [ح 7 / 4644] الجمع بين هذا الخبر وخبر جابر الأوّل يقتضي كون الطاهر لقباً لقاسم ابنه صلى الله عليه و آله ؛ بناءً على ما اشتهر من أنّه والطيّب لقبان لقاسم وإبراهيم ابنه صلى الله عليه و آله ، وأنّ أولاده عليه السلام منحصرة في ستّة: هما وأربع أناث، فالنشر على خلاف اللفّ في قول أبي نصر الفراهي (9) في بيان أولاده عليه السلام : فرزند نبى قاسم و ابراهيم استپس طيّب وطاهر از سر تعظيم است با فاطمه ورقيّه اُمّ كلثومزينب شمرارترا سر تعليم است وقيل: إنّهم كانوا ثمانية: أربعة منهم كانوا ذكورا: عبد اللّه والقاسم والطيّب والطاهر، (10) ولم يثبت، وقد ادّعي أنّهم أربعة، وأنّ اللتين كانتا في بيت عثمان كانتا ربيبتين له عليه السلام من خديجة . (11) قوله في خبر عبد اللّه بن بكير: (صبر أو لم يصبر) . [ح 8 / 4645] أي ما لم يصدر عنه الجزع الّذي يخالف الرضا بقضاء اللّه تعالى، ولو صبر تكون له الدرجات العالية المعدّة للصابرين .

.


1- . رجال النجاشي، ص 143، ترجمة حمّاد بن عثمان ، الرقم 371 .
2- . خلاصة الأقوال، ص 202.
3- . اُنظر: النهاية، ج 2، ص 112 (درر)؛ مجمع البحرين، ج 2، ص 24.
4- . كلمة «روح» لم ترد في الكافي .
5- . سنن الترمذي، ج 2، ص 243، ح 1026، و صدر الحديث فيه هكذا: «إذا مات ولد العبد قال اللّه لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول : أقبضتم ثمرة فؤادي...».
6- . البقرة (2) : 30 .
7- . صحيح مسلم، ج 8 ، ص 39 . و رواه أحمد في مسنده، ج 2، ص 378 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 67.
8- . أبو الطيّب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكندي الكوفي، الشاعر المشهور و أحد مفاخر الأدب العربي، ولد بالكوفة سنة 303 ه ق بالكوفة، و قدم الشام في حال صباه و جال في أقطاره، و اشتغل بفنون الأدب و مهر فيها، و تعاطى قول الشعر من حداثته حتّى بلغ فيه الغاية التي فاق أهل عصره و علا شعراء زمانه، و اتّصل بسيف الدولة و انقطع إليه و أكثر القول في مدحه، ثمّ مضى إلى مصر ، فَمدح بها كافور الخادم، ثمّ خرج من مصر و ورد العراق، ثمّ زار بلاد فارس و مدح فيها ابن العميد، فرحل إلى شيراز ، فمدح عضد الدولة الديلمي، و عاد يريد بغداد فالكوفة، فقتل بالنعمانيّة بالقرب من دير العاقول في سنة 354 ه ق. راجع : تاريخ بغداد، ج 4، ص 324 326 ، الرقم 2074؛ سير أعلام النبلاء، ج 16، ص 199 201، الرقم 139؛ الكنى والألقاب، ج 3 ، ص 139 143؛ معجم المؤلّفين، ج 1، ص 201.
9- . مسعود بن أبي بكر بن حسين بن جعفر الأديب اللغوي، صاحب كتاب نصاب الصبيان الذي اعتنى بشرحه جمع من الفضلاء، حتّى حكي عن السيّد الشريف الجرجاني أنّه كتب عليه تعليقة، و له أيضا نظم الجامع الصغير لمحمّد بن الحسن الشيباني، نظمها عام 617 ه ق، توفّي أبو نصر في سنة 640 ه ق، و قبره بقرية «رج» من نواحي فراه من بلاد سجستان. راجع : الكنى والألقاب، ج 1، ص 164؛ كشف الظنون، ج 2، ص 1954؛ الذريعة، ج 24، ص 165، الرقم 851 ؛ و ص 203، الرقم 1064. و هذا البيتان من نصاب الصبيان.
10- . تاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشّاب، ص 7؛ تحفة الأحوذي، ج 9، ص 52؛ الذريّة الطاهرة للدولابي، ص 67، الرقم 41 ؛ الاستيعاب، ج 1، ص 50؛ و ج 4، ص 1819 ، و ذكر فيهما الاختلاف فيهم.
11- . راجع: الخدعة لصالح الورداني، ص 136.

ص: 298

. .

ص: 299

. .

ص: 300

باب التعزّي

باب الصبر والجزع والاسترجاع

باب التعزّييعنى التسلّي والتصبّر على المصاب، (1) وحكى طاب ثراه عن الغزالي أنّه قال : «وممّا يتسلّى به عن موت الولد أن يقدّر أنّه أراد النقلة إلى بلد يسكنها، وبعث ولده ذلك ليرتاد له المسكن».

باب الصبر والجزع والاسترجاعالصبر على المصائب: هو الرضا بقضاء اللّه والوقوف معها بحسن الأدب وعدم الشكاية عنها إلى غيره تعالى. ولا ينافيه إظهارها إليه تعالى استدعاءا لرفعها، ومنه قول أيّوب عليه السلام : «رَبِّ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَ أَنتَ أَرْحَمُ الرَّ حِمِينَ» (2) ، وقد قال سبحانه فيه : «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (3) . والجزع منها نقيضه، وقد جزع من الشيء وأجزعه غيره. (4) والاسترجاع: هو قول : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» عند نزول مصيبة. وكفاك في فضل الصبر والاسترجاع قوله سبحانه : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّ_آ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَ تٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (5) . قوله في خبر جابر: (الصراخ بالويل والعويل) إلخ. [ح 1 / 4656] الويل: كلمة عذاب. (6) وقيل: هو وادٍ في جهنّم. (7) والصراخ به هو قول : واويلاه، ونحوه. والعويل عطف على الصراخ، وهو: اسم بمعنى البكاء والصراخ من أعول إعوالاً، إذا بكى وصرخ. (8) ويدلّ الخبر على تحريم لطم الوجه والصدر وجزّ الشعر ونحوها في المصائب، وادّعى الإجماع عليه في المبسوط، (9) بل له كفّارة تجيء في محلّه. ومعنى قوله: (ومن لم يفعل ذلك) ، إلى آخره [ح 1 / 4656]: أنّه إذا صدر عنه ما يخالف الشريعة فقد جرى عليه القضاء وحبط أجره. ولا ينافي ذلك ما سبق من ثبوت الأجر له صبرا ولم يصبر؛ لما عرفت من أنّ ذلك إذا لم يصدر عنه أمر يخالف الشريع. وقال طاب ثراه: «وقيل: أي من لم يصبر وجزع لا يكون له ثواب وإن كان له عوض، فيحبط عدم الصبر أجره الّذي هو الثواب دون العوض، بخلاف من صبر فإنّ له الثواب والعوض جميعاً». وكذا الكلام في قوله: «ضرب المسلم يده على فخذه إحباط لأجره» في الخبر الآتي. (10) قوله: (غفر [اللّه ] له كلّ ذنب اكتسب فيما بينهما) . [ح 4 / 4659] أي فيما بين حدوث المصيبة وذكرها، والذنب بعمومه يشمل الكبائر، فتدبّر . قوله: (عن داوود بن رزين) . [ح 5 / 4660] هو غير مذكور فيكتب الرجال، وفي بعض النسخ داوود بن زُربي، وصُحّح في الخلاصة بضمّ الزاي المعجمة والراء الساكنة بعدها والباء الموحّدة، وربّما اُعرب بكسر الزاء، وقد نقل هذا عن ضبط الشهيد الثاني على الخلاصة، (11) ووثّقه الشيخ المفيد في الإرشاد (12) على ما حكى عنه الفاضل الاسترآبادي في رجاله، ووثّقه النجاشي على ما نقل عن الخلاصة (13) ورجال ابن داوود، (14) ولم أجد نصّاً عليه من النجاشي وإنّما قال : «داود بن زربي أبو سليمان الخندقيّ البندار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ذكره ابن عقدة» ثمّ ذكر أنّ راوي كتابه عليّ بن خالد العاقولي. انتهى. (15) ولا من الروايات ما يدلّ عليه، وإنّما يدلّ بعض الأخبار على مدحه، رواه الشيخ الكشّي عليه الرحمة عن حمدويه وإبراهيم بإسنادهما إلى داوود الرقّي في قصّة أمر أبي عبد اللّه عليه السلام داوود بن زربي بغسل أعضاء الوضوء ثلاثاً ثلاثاً؛ صيانة له عن أبي جعفر المنصور، وفيه دعاؤه عليه السلام له ولإخوانه المؤمنين بدخول الجنّة، (16) وقد سبق في محلّه. وهو أحد ممّن روى النصّ على الرضا عليه السلام عن أبيه، روى الكشّي عن حمدويه بإسناده عن الضحّاك بن الأشعث، قال : أخبرني داود بن زربي، قال : حملت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام مالاً فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت له: لِمَ لا تأخذ الباقي؟ قال : إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك»، فلمّا مضى بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام فأخذه منّي. (17) وقال طاب ثراه: تقول آجَره اللّه يَأجُره ويَأجِره من باب نصر وضرب، وأجَرَه إيجارا: أعطاه ثواب عمله. وهمزة الأمر في : «اللّهمّ أجرني على مصيبتي» على الأوّل ساكنة؛ لسقوط همزة الوصل وعود المنقلبة بحالها، والجيم إمّا مضمومة أو مكسورة، وعلى الثاني همزة قطع ممدودة كما في أمِن. وقال المازري: أخلِف بقطع الهمزة وكسر اللّام، يقال لمن ذهب منه ما يتوقّع حصول مثله كالمال والولد: أخلَفَ اللّه عليك، ولمن ذهب منه ما لا يتوقّع مثله كالوالد: خَلَف اللّه عليك بغير همزة، أي كان اللّه عزّ وجلّ خليفة منه عليك. (18) وقوله عليه السلام : «كان له من الأجر مثل ما كان عند أوّل صدمة» بالنظر إلى استجابة قوله : «اللّهمّ أجرني على مصيبتي»، فلا يبعد أن يقال : يخلف اللّه تعالى عليه أفضل منها بالنظر إلى استجابة ما بعده أيضاً؛ لبعد استجابة بعض الدعاء دون بعض، وإنّما لم يذكره عليه السلام اكتفاءً عنه بما ذكره للدلالة عليه. ويؤيّده ما رواه مسلم عن اُمّ سلمة، قالت: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره اللّه عزّ وجلّ: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، اللّهمّ أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف اللّه له خيرا منها». (19) وأصل الصدم الضرب الشديد في الشيء الصلب، ثمّ استعير للأمر المكروه الّذي يأتي فجأة. (20) والمساواة بين الصدمة الاُولى وما بعدها من ذكر المصيبة في الأجر تفضّل من اللّه سبحانه، وإلّا فمشقّة الصبر إنّما هو عند هجوم المصيبة وفي أوّل صدمتها؛ ومنه قيل: «يجب على العاقل أن يلتزم عند مصابه ما لابدّ للأحقّ منه بعد ثلاث أو أزيد» . قوله في خبر عليّ بن عقبة: (ولا شقّ الثياب) . [ح 7 / 4662] لا خلاف بين الأصحاب في تحريم شقّ الثوب على غير الأب والأخ، (21) وإن اختلفوا في وجوب الكفّارة له على ما يأتي في محلّه . قوله في مرسلة يونس بن يعقوب: (وجعل لا يقرّ) . [ح 13 / 4668] من القرار، يعني أنّه عليه السلام كان مضطرباً شديدا حتّى إنّا نتخوّف منه ما نكره من موته عليه السلام فجأة ونحوه، وإنّما كان عليه السلام مضطرباً كذلك لشفقته على صبيّه، واستدعاؤه من اللّه تعالى شفاءه، وهو ممدوح قبل عروض الموت، وربّما فسّر «ما نكره» بالويل والثبور والصياح وشقّ الثوب وأمثالها ممّا يوجب حبط الأجر .

.


1- . اُنظر: تاج العروس، ج 19، ص 674 (عزي) .
2- . الأنبياء (21) : 83 .
3- . ص (38) : 44 .
4- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1196 (جزع) .
5- . البقرة (2) : 155 157 .
6- . صحاح اللغة، ج 1، ص 417 (ويح)؛ و ج 5 ، ص 1846 (ويل) .
7- . اُنظر: مسند أحمد، ج 3 ، ص 75؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 3 4، ح 3212 ؛ المستدرك للحاكم، ج 2، ص 507 و 543 ؛ و ج 4، ص 596 ؛ التبيان، ج 1، ص 321 ؛ مجمع البيان، ج 1، ص 278، كلّهم عن أبي سعيد الخدري.
8- . شرح الشافية لرضى الدين الاستراباذى، ج 4، ص 66.
9- . المبسوط، ج 1، ص 189.
10- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
11- . خلاصة الأقوال، ص 142، و المذكور في المطبوعة منها: «بالزاي المضمومة، و الراء الساكنة، و الباء المنقطة تحتها نقطة». و كسرالراء نقله ابن داود في رجاله، ص 90، الرقم 585 .
12- . الإرشاد، ج 2، ص 248.
13- . خلاصة الأقوال، ص 142.
14- . رجال ابن داود، ص 90، الرقم 585 .
15- . رجال النجاشي، ص 160، الرقم 424. والتوثيق موجود في النسخ المحقّقه، حيث ورد فيها: «... ثقة، ذكره ابن عقدة.
16- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 600 601، الرقم 564 .
17- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 601، الرقم 565 .
18- . لم أعثر على كلام المازري، لكن هذا الكلام مذكور في شرح صحيح مسلم للنووي، ج 6، ص 220 نقلاً عن أهل اللغة.
19- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 37 . و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 65؛ و ابن راهويه في مسنده، ج 4، ص 12.
20- . مجمع البحرين، ج 2، ص 597 (صدم) .
21- . اُنظر: المقنعة، ص 573 ؛ النهاية، ص 573 ؛ المهذّب، ج 2، ص 424 ؛ السرائر، ج 3 ، ص 78؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 36 ؛ تحرير الأحكام، ج 4، ص 370 ؛ مختلف الشيعة، ج 8 ، ص 221؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 289 290؛ الدروس، ج 2، ص 178، درس 154؛ الذكرى، ج 2، ص 56 ؛ المهذّب البارع، ج 3 ، ص 566 ؛ شرح اللمعة، ج 3 ، ص 17؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 104؛ مدارك الأحكام، ج 2، ص 155.

ص: 301

. .

ص: 302

. .

ص: 303

. .

ص: 304

باب ثواب التعزية

باب ثواب التعزيةأي تسلية حزين، سواء كان حزنه لموت حبيب له أو لسببٍ آخر، وقد مرّ بعض أخبار الباب في باب ثواب من عزّى حزيناً. ونعم ما قال طاب ثراه: «الأولى أن يذكر أحاديث هذا الباب في ذيل ذلك الباب»، فتأمّل .

.

ص: 305

باب في السَّلْوة

باب زيارة القبور

باب في السَّلْوةهو طيب النفس والرضا بقضاء اللّه تعالى، يقال : سلوت عنه سلوا من باب قعد، والسلوة اسم منه. (1) والغرض بيان علّة رضاء النفس بموت الأحبّاء القليل ونسيان ما يشاهد مع غاية الحزن حاله . قوله في خبر مهران: (فأنساه لوعة الحزن) . [ح 1 / 4673] اللوعة: حرقة القلب وحزنه، (2) والإضافة على الأوّل من باب إضافة المسبّب إلى السبب، وعلى الثاني بيانيّة .

باب زيارة القبوريستحبّ زيارتها على الرجال، وبه قال أهل العلم من الفريقين، (3) والأخبار متظافرة عليه من الطريقين. في المنتهى: ويجوز للنساء، وعن أحمد روايتان إحداهما الكراهة. (4) لنا: ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «كنت نهيتكم (5) [عن] زيارة القبور فزوروها». (6) وهو بعمومه يتناول النساء. وعن ابن أبي مليكة أنّه قال لعائشة: يا اُمّ المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمان، فقلت لها: قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن زيارة القبور. قالت: قد نهى عنها ثمّ أمر بزيارتها. (7) ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت، فتأتي قبر حمزة وتترحّم عليه وتستغفر له». (8) انتهى. (9) ويدلّ عليه حسنة هشام بن سالم (10) أيضاً. وقال طاب ثراه: لا يبعد تقييده بما إذا كانت مأمونة، وقد صرّح بذلك التقييد الفاضل الأردبيلي، واحتمل أيضاً اختصاص فاطمة صلوات اللّه عليها بذلك لعصمتها وغاية سترها وعفافها. (11) ثمّ قال : وللعامّة فيه ثلاثة أقوال، والأشهر عندهم التحريم، وهو الأظهر من روايتهم: لعن [رسول] اللّه زوّارات القبور . 12 قوله في موثقة سماعة: (ولا تُبنى عندها المساجد) . [ح 2 / 4677] قال طاب ثراه: النهي محمول على الكراهة، ولعلّ الوجه فيه أنّه يوهم السجود على القبر، كما ورد التعليل بذلك في النهي عن اتّخاذ قبور الأنبياء مساجد، (12) ويستفاد منه كراهة الصلاة والقبر بين يدي المصلّي . قوله في حسنة هشام بن سالم: (لم تُر كاشرة) إلخ. [ح 3 / 4678] الكشر: التبسّم، (13) ولا ينافي هذا الخبر خبر يونس المتقدّم؛ لأنّ الظاهر أنّها عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء كلّ جمعة مرّة غداة السبت في حياة أبيها صلى الله عليه و آله وبعده كلّ جمعة مرّتين لغاية حزنها . قوله في حسنة عبد اللّه بن المغيرة: (أنتم لنا فرط ونحن إن شاء اللّه بكم لاحقون) . [ح 5 / 4680] قال طاب ثراه: الفرط بالتحريك: الّذي يتقدّم الواردة، فيهيأ لهم الارسان والأرسية والدلاء، ويمدر الحياض (14) ، ويستقي لهم، وهو فعل بمعنى فاعل كتَبَعٍ وتابع، يقال : رجل فرط وقوم فرط، ومنه قيل للطفل الميّت: اللّهمّ اجعله لنا فرطاً، وأنتم لنا فرط. (15) ثمّ قال : والاستثناء يرجع إلى الحصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور، أي إنّا لاحقون بكم أيّها المؤمنون لا بغيركم، فالشرط على حقيقته؛ لأنّ اللحوق بهم لا بغيرهم أمر غيبي موكول إلى مشيئته سبحانه، هذا ما سنح لي. وقيل: أن يرجع الاستثناء إلى اللحوق، أي الموت وهو لا يشكّ فيه، فيحمل على أنّه تفويض كقوله تعالى : «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ» (16) ؛ لأنّه خبر صدق، أو على أنّه تبرّك وامتثال لقوله تعالى : «وَ لَا تَقُولَنَّ لِشَْىْ ءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذلِكَ غَدًا إِلَا أَن يَشَآءَ اللَّهُ» (17) ، وغلب عليه ذلك حتّى صار تستعمل في المعلوم وإن رجع إلى الموتى المخاطبين، أي إنّا بكم أيّها المؤمنون إن شاء اللّه لاحقون، فيحمل على حقيقته؛ لأنّ إيمانهم أمر غيبيّ لا يعلمه إلّا اللّه تعالى، وقيل: «إن» هنا بمعنى إذ . (18) قوله في صحيحة منصور بن حازم: (السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين) . [ح 7 / 4682] قال طاب ثراه: «من بيان لضمير المخاطبين، والغرض منه تخصيص الدعاء بالمؤمنين، والمضاف إلى ديار محذوف وهو الأهل، وإضافة الديار إلى القوم لاميّة ». قوله: (محمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد) إلخ. [ح 9 / 4684] محمّد بن يحيى هو العطّار، ومحمّد بن أحمد هو محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، وعليّ بن بلال هو أبو الحسن البغدادي من أصحاب الهادي عليه السلام ، وهو ممدوح، ولذا حكم في المنتقى بحسن الرواية، (19) والأكثر حكموا بصحّتها؛ لتوثيق ابن داوود إيّاه، (20) ولكون مدحه مدحاً عظيماً ليس بأقلّ من التوثيق، رواه الكشّي، قال : وجدت بخطّ جبرئيل بن أحمد، حدّثني محمّد بن عيسى اليقطيني، قال : كتب (21) عليه السلام إلى عليّ بن بلال في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين : «بسم اللّه الرحمن الرحيم، أحمد اللّه إليك وأشكر طَوله وعَوده، واُصلّي على النبيّ محمّد وآله صلوات اللّه ورحمته عليهم، ثمّ إنّي أقمت أبا عليّ مقام الحسين (22) بن عبد ربّه، وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده، و (23) الّذي لا يتقدّمه أحد، وقد أعلم أنّك شيخ ناحيتك، فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك، فعليك بالطاعة والتسليم إليه جميع الحقّ قِبلك، وأن تحُضّ مواليّ على ذلك، وتعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته، فذلك توقير علينا ومحبوب لدينا، ولك به جزاء من اللّه وأجر، فإنّ اللّه يعطي من يشاء [ذ ]والإعطاء والجزاء برحمته، وأنت في وديعة اللّه ، وكتبت بخطي». (24) ثمّ الظاهر وقوع سهو من أحد من الرواة في هذا الكتاب وفي التهذيب (25) في قوله: «عليّ بن بلال» وفي قوله: «عن الرضا عليه السلام »، أو من أحد من الرواة في الكشّي والنجاشي في قوله: «محمّد بن علي بن بلال»، وقوله: «عن أبي جعفر عليه السلام ، لوحدة القصّة ظاهرا، فقد روى الكشّي في الصحيح، قال : قال : وجدت في كتاب محمّد بن الحسين بن بندار القمّي بخطّه: حدّثني محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، قال : كنت بفيد، فقال لي محمّد بن عليّ بن بلال : مُرَّ بنا إلى قبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع لنزوره، فلمّا أتيناه جلس عند رأسه مستقبل القبلة والقبر أمامه، ثمّ قال أخبرني صاحب [هذا ]القبر أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول : «من زار قبر أخيه المؤمن، فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر، فقرأ «إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» سبع مرّات، أمن من الفزع الأكبر». (26) وقال النجاشي: قال محمّد بن يحيى العطّار: أخبرنا محمّد بن أحمد بن يحيى، قال : كنت بفيد، فقال لي محمّد بن عليّ بن بلال، إلى آخر ما ذكره الكشّي بعينه. (27) وأبو جعفر في روايتهما هو الجواد عليه السلام ؛ لأنّ ابن بزيع إنّما كان من رجال موسى والرضا والجواد عليهم السلام على ما يظهر من الأخبار وأقوال علماء الرجال. (28) وقال طاب ثراه: «الترديد في «يوم الفزع الأكبر» أو «يوم الفزع» من الراوي». وقال الفاضل الأردبيلي: «الظاهر أنّ المراد أمن القائل، ويحتمل المزور، ويحتملهما أيضاً». (29) أقول : يؤيّد الأخير ما رواه الصدوق عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرّات إلّا غفر اللّه له ولصاحب القبر» . (30)

.


1- . مجمع البحرين، ج 2، ص 412 (سلو) .
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 184 (لوع) .
3- . اُنظر: المقنع، ص 70؛ المقنعة، ص 492 ؛ المبسوط، ج 6، ص 41 ؛ و ج 8 ، ص 60؛ المعتبر، ج 1، ص 339 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 135؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 128؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 467 ؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 292؛ البيان، ص 32 33 ؛ مجمع الفائدة، ج 2، ص 488 ؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 341 ؛ الحدائق الناضرة، ج 4، ص 169؛ فتح العزيز، ج 5 ، ص 246؛ المجموع للنووي، ج 5 ، ص 309 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 656؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 176؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 365 ؛ إعانة الطالبين، ج 2، ص 161؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 424 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 426 ؛ المحلّى، ج 5 ، ص 160؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 164.
4- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 430 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 427.
5- . في الأصل: «كتب عليكم»، و التصويب من مصادر الحديث.
6- . المسند لأحمد بن حنبل، ج 1، ص 145، و ص 452 ؛ و ج 5 ، ص 355 357 ، و ص 361 ، صحيح مسلم، ج 3 ، ص 65؛ و ج 6، ص 82 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 501 ، ح 1571؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 87 ، ح 3235 ، و ص 188 189، ح 3698 ؛ سنن النسائي، ج 4، ص 89 ؛ و ج 7، ص 234؛ و ج 8 ، ص 311 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 654، ح 2159؛ و ج 3 ، ص 69، ح 4518 ؛ و ص 225، ح 5162 ؛ مسند أبييعلى، ج 1، ص 240، ح 278؛ و ج 6، ص 372 ، ح 3705 ؛ و ج 9، ص 202، ح 5299 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 292؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 569 ، ح 6708؛ مسند ابن الجعد، ص 293؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 223، من رخّص زيارة القبور، ح 1 و 3 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 303 304 ، ح 985؛ صحيح ابن حبّان، ج 3 ، ص 261؛ و ج 12، ص 213212، ح 5388 و 5389 ؛ و ص 222، ح 5398 . إلى غير ذلك من المصادر العديدة، و في بعضها: «إنّي نهيتكم» ، و في بعضها: «نهيتكم».
7- . المستدرك للحاكم، ج 1، ص 376 ، السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 78؛ مسند أبييعلى، ج 8 ، ص 284، ح 4871.
8- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 465، ح 1523، و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 180، ح 537 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 224، ح 3468 .
9- . منتهى المطلب، ج 1، ص 468.
10- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . و رواه أيضا في باب إتيان المشاهد و قبور الشهداء من كتاب الجنائز، ح 4 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 223 224؛ ح 3476 .
11- . مجمع الفائدة و البرهان، ج 2، ص 489.
12- . اُنظر: علل الشرائع، ج 2، ص 358 ، الباب 75 ؛ الفقيه، ج 1، ص 178، ح 532 ؛ كنز الفوائد، ص 266؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 235، ح 3497 ؛ و ج 5 ، ص 161، ح 6222.
13- . صحاح اللغة، ج 2، ص 806 (كشر) . و في كتاب العين : «الكشر: بدوّ الأسنان عند التبسّم» .
14- . في هامش الأصل: «مدرت الحياض أمدره: أصلحته بالمدر» . صحاح اللغة ، ج 2، ص 812 (مدر) .
15- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1148 1149 (فرط) .
16- . الفتح (48) : 27 .
17- . الكهف (18) : 23 24 .
18- . اُنظر: عمدة القاري، ج 12، ص 104؛ مجمع البيان، ج 9، ص 211، تفسير سورة الفتح؛ الكشف و البيان، ج 9، ص 64؛ تفسير البغوي، ج 2، ص 450 ؛ تفسير القرطبي، ج 16، ص 290.
19- . منتقى الجمان، ج 1، ص 309 ؛ فإنّه حكم بصحّته عند المشهور.
20- . رجال ابن داود، ص 135، الرقم 1023 و وثّقة أيضا الشيخ الطوسي في رجاله، ص 377 ، الرقم 5578 ، و عدّه من أصحاب الجواد و الهادي و العسكري عليهم السلام .
21- . في هامش الأصل: «يعني الهادى عليه السلام . منه».
22- . في هامش «أ»: «الحسن بن راشد خ ل».
23- . المصدر: «و».
24- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 799 800 ، ح 991.
25- . تهذيب الأحكام، ج 6، ص 104، ح 182.
26- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 836 ، ح 1066.
27- . رجال النجاشي، ص 331 ، ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (893) .
28- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 331 ، الرقم 893 ؛ رجال الطوسي؛ ص 344 ، الرقم 5130 ، في أصحاب الكاظم عليه السلام ؛ ص 364 ، الرقم 5393 في أصحاب الرضا عليه السلام ؛ ص 377 ، الرقم 5590 في أصحاب الجواد عليه السلام .
29- . مجمع الفائدة، ج 2، ص 489.
30- . الفقيه، ج 1، ص 181، ح 541 ؛ وسائل الشيعة، ج 3 ، ص 227، ح 3479 .

ص: 306

. .

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

باب أنّ الميّت يزور أهله

باب أنّ الميّت يزور أهلهالأخبار متظافرة في ذلك، ويظهر منها أنّها يزور بعضهم في كلّ يوم، وبعضهم غبّاً، وبعضهم في كلّ جمعة، وهكذا على اختلاف مراتبها . (1) قوله في خبر عبد الرحيم: (فيأتيهم في بعض صور الطير) . [ح 4 / 4689] قال طاب ثراه: في بعض أخبار العامّة: «أنّ أرواح الشهداء كطير»، (2) وفي بعضها : «هي صورة طير»، (3) وفي بعضها : «نسمة المؤمن طير»، (4) وفي بعضها : «في جوف طير أخضر»، (5) و في بعضها: «في حواصل طير يسرح في الجنّة حيث يشاء». (6) وبالجملة، الأخبار من الطريقين دالّة على تصوّر الأرواح بصور الطيور، واللّه سبحانه قادر على تصويرها بتلك الصور، وهي للطافتها قابلة لذلك، فلا وجه لما ذكره الآبي عن بعضهم من أنّه يبعد حمل تلك الأخبار على ظاهرها؛ لأنّه إذا تغيّرت الأرواح عن صفاتها إلى صفات الطير فليست بأرواح، فلابدّ من تأويلها، إمّا بأنّ التعبير عن الأرواح بالطيور على سبيل التشبيه بسرعة حركتها، أو بأنّ تلك الصور مراكب ممهّدة لها، فتركبها وتسرح حيث شاءت بسير تلك المراكب، واللّه أعلم بحقيقة تلك المراكب، كما هو أعلم بحقيقة راكبها. ويحتمل أن يكون تلك المراكب طيورا من ذهب أو ياقوت، كما جاء في صفة خيل الجنّة، وأنّها مراكب ومجالس لأهل الجنّة في الجنّة. (7) وقد جاء في سدرة المنتهى أنّه إليها تنتهي أرواح الشهداء، (8) وأنّه غشيها فراش من ذهب، (9) والفراش الطيور الصغار، فلعلّ ذلك الفراش من تلك الطيور الّتي تسرح بها أرواح الشهداء والمؤمنين كلّهم الّتي تأوي إليها، وكلّ محتمل غير مستحيل .

.


1- . اُنظر: ح 1، 2 و 5 من هذا الباب من الكافي؛ الفقيه، ج 1، ص 181، ح 542 .
2- . المصنّف لعبد الرزّاق، ج 5 ، ص 263، ح 9554؛ المعجم الكبير، ج 9، ص 209 210؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 91؛ تفسير الثوري، ص 81 ، تفسير سورة آل عمران؛ تفسير القرآن لعبد الرزّاق، ج 1، ص 139، جامع البيان للطبري، ج 4، ص 230.
3- . شرح صحيح مسلم للنووي، ج 13، ص 32 ؛ الديباج على صحيح مسلم للسيوطي، ج 4، ص 478 ؛ التمهيد لابن عبد البرّ، ج 11، ص 63 و 64، الاستذكار له أيضا، ج 3 ، ص 91.
4- . الموطّأ، ج 1، ص 240، ح 49 ؛ مسند أحمد، ج 3 ، ص 460 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 147، ج 376 ؛ المعجم الكبير، ج 19، ص 64؛ تفسير القرآن لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 182، في تفسير الآية 55 من سورة غافر؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 90، ح 523 .
5- . صحيح مسلم، ج 6، ص 38 39 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 566 ، ج 2520؛ المستدرك للحاكم، ج 2، ص 88 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 163؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 8 ، ص 70، كتاب الجنّة، ح 25؛ كنز العمّال، ج 4، ص 308 ، ح 10639. و في الجميع: «خضر» بدل «أخضر».
6- . اُنظر: سنن الدارمي ج 2، ص 206؛ مسند الطيالسي، ص 38 ؛ كتاب الدعاء للطبراني ص 123، ح 325 ؛ كنز العمّال، ج 4، ص 413، ح 1170.
7- . اُنظر: سنن الترمذي، ج 4، ص 87 ، ح 2666؛ المعجم الكبير، ج 4، ص 180؛ كنز العمّال، ج 14، ص 648، ح 39776 ؛ جامع البيان، ج 25، ص 124، في تفسير سورة الزخرف.
8- . مجمع البيان، ج 9، ص 292، في تفسير سورة النجم.
9- . جامع البيان، ج 27، ص 74 و ما بعدها، تفسير سورة النجم؛ تفسير ابن زمنين، ج 4، ص 308 ؛ زاد المسير، ج 7، ص 230؛ تفسير القرطبي، ج 17، ص 96؛ التسهيل، ج 4، ص 76.

ص: 311

. .

ص: 312

باب أنّ الميّت يمثّل له ما له وولده وعمله قبل موته

باب أنّ الميّت يمثّل له ما له وولده وعمله قبل موتهظاهره تجسّم الأعمال، ولا استبعاد بالنظر إلى قدرة اللّه تعالى تقليب الأعراض جواهر، ويحتمل أن يكون تمثيلاً، واللّه أعلم بحقيقة الحال . قوله في خبر سويد: (وأحسنهم رياشاً) إلخ. [ح 1 / 4691] الرياش كالريش: اللباس الفاخر، (1) والخدّ: الشقّ، (2) والمخدّة، حديدة تُخدّ به الأرض، أي تشقّ. (3) والمراد بها هنا إقدامهما على الاستعارة. والقصف: الكسر، وريح قاصف: شديد الصوت، يقال : قصف الرعد وغيره قصفاً، والقصيف: هشيم الشجر. (4) واليافوخ: هو الموضع الّذي يتحرّك من رأس الطفل إذا كان قريب العهد من الولادة. (5) والمِرزبة بالتخفيف: المطرقة الكبيرة، ويقال لها: إرزَبَّة بالهمزة والتشديد أيضاً. (6) والذعر: الخوف. (7) والقنا: جمع القناة، وهي الرمح. (8) والزجّ بالضمّ والشدّ: الحديدة الّتي في أسفله . (9) قال طاب ثراه: عذاب القبر واقع إجماعاً من أهل العلم، إلّا من شذّ من طائفة من متأخّري المعتزلة حيث أنكروه (10) وقالوا كون الميّت يقام ويقعد ولا يرى، ويخاطب ويصيح ولا يسمع خلاف الحسّ، وهذا مثل أن يقال في هذا المقام: أعمدة وفساطيط مغنّيات، ولا يرى ولا يسمع، فإنّ الحسّ يكذّبها. ولو وضع الميّت في القبر على وضع مخصوص وطرح عليه شيء من التراب ونحوه، ثمّ يكشف عنه يرى على ذلك الوضع بعينه والتراب باقٍ بحاله، فدلّ ذلك على أنّه لم يتحرّك، ولم يقم، ولم يقعد، ولم يخاطب، ولم يعاتب، والقول بخلاف ذلك ممّا يكذّبه الرؤية ولا يقبله الرؤية. والجواب عنه: أنّ الحكمة الإلهية مقتضية لاختفاء أحوالات البرزخ عن العيون والأبصار؛ إبقاءً لأساس الاختيار وعدم هدمه بشأئبة الإجبار. وبالجملة، هذه الأبصار الفاترة والعيون الباترة لا تعلّق لهما بما في النشأة الآخرة، كما أنّه لا تعلّق لهما بما هو في عالم الملكوت، ولذلك قيل: ليس عدم إدراك الشيء إدراكاً لعدمه، فإذا أخبر به المخبر الصادق جزمنا به وقلنا سمعاً وطاعة . قوله في خبر أبي جميلة: (حميت عنهم) إلخ. [ح 2 / 4692] يقال : حميته وحميت عنه حماية، أي دفعت الضرّ عنه. (11) وحريبة الرجل: ماله الّذي يعيش به. (12) وفي القاموس: «ثوى بالمكان: أطال الإقامة به، أو نزل». (13) ويؤيّد الثاني إضافة الطول إلى الثواء. وقوله: «ينادي» حال عن القبر . قوله في خبر عمرو بن شمر، عن جابر: (اللّهمّ إن كان ضمرة هزأ) إلخ. [ح 4 / 4694] قال طاب ثراه: «الأسِف بفتح الهمزة وكسر السين : الغضبان». (14) والظاهر من استجابة دعائه عليه السلام أنّ ضمرة قال ذلك على سبيل الإنكار والاستهزاء. وفي تعليق الدعاء بالشرط لا دلالة على جواز مثل هذا القول من باب الملاحة الظرافة. نعم، فيه دلالة على عدم استحقاق الدعاء عليه، والفرق بينهما ظاهر.

.


1- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1008 (ريش) .
2- . غريب الحديث لابن قتيبة، ج 2، ص 209؛ معجم مقائيس اللغة، ج 2، ص 149 (خدّ) .
3- . صحاح اللغة، ج 2، ص 468 (خدد) .
4- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1416 (قصف) .
5- . بحار الأنوار، ج 6، ص 228؛ صحاح اللغة، ج 1، ص18 (أفخ) .
6- . النهاية، ج 2، ص 219 (رزب) .
7- . القاموس المحيط، ج 2، ص 258 (ذعر) .
8- . بحار الأنوار، ج 49، ص 258.
9- . صحاح اللغة، ج 1، ص 318 ؛ مجمع البحرين، ج 2، ص 269 (زجج) .
10- . عمدة القاري، ج 3 ، ص 118، حكى عن القاضي عبد الجبّار في كتاب الطبقات أنّه إنّما أوّلاً ضرار بن عمر من أصحاب واصل بن عطاء، ثمّ قال : «المعتزلة رجلان: أحدهما يجوز ذلك كما وردت به الأخبار. و الثاني يقطع بذلك، و أكثر شيوخنا يقطعون بذلك».
11- . اُنظر: صحاح اللغة، ج 6، ص 2319 (حمي) .
12- . صحاح اللغة، ج 1، ص 108 (حرب) .
13- . القاموس المحيط، ج 1، ص 429 (ثوي) .
14- . مفردات غريب القرآن، ص 17؛ غريب الحديث لابن قتيبة، ج 1، ص 160؛ معجم مقائيس اللغة، ج 1، ص 103 (أسف) .

ص: 313

. .

ص: 314

باب المسألة في القبر ومن يُسأل ومن لا يُسأل

باب المسألة في القبر ومن يُسأل ومن لا يُسألأجمع أهل العلم بل أهل الملل على سؤال منكر ونكير في القبر، (1) والأخبار متظافرة عليه من الطريقين، والظاهر من الأخبار والأقوال أنّ السؤال فيه إنّما هو عن الإيمان والكفر فقط، والثواب والعقاب فيه لهما حسب، والسؤال عن باقي الواجبات والمحرّمات موكول إلى يوم الجزاء، وكذا ثوابها وعقابها، وقد سمعت ذلك من عالم نصراني مشهور عند النصارى بالفضل، معتمد عليه عندهم يقال له: رفائيل. والمواقف للحساب خمسون في كلّ موقف يسأل عن طاعة، فقد . (2) قوله في خبر أبي بكر الحضرمي: (لا يُسئل في القبر إلّا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً) . [ح 1 / 4695] مَن موصولة، ومحض على صيغة الماضي صلته، وربما قرئ على لفظ من الجارّة والمصدر، و على التقديرين محضاً مصدر للتوكيد . ويؤيّد الأوّل ضمير العاقل في الباقون، و رواية عبد اللّه بن القاسم عن أبي بكر الحضرمي، (3) وما سنرويه عن الصادق عليه السلام ، فالمعنى أنّه لا يُسأل في القبر إلّا المؤمن الخالص والكافر الخالص، فالباقون الملهوّ عنهم المستضعفون والمُرجَون لأمر اللّه أظهرا الإسلام أو الكفر أو لا، ولا ينافيه عموم الأمر بالتلقين بحيث يشملهما؛ إذ ذلك لعدم علمنا بحال الموتى وتجويزنا كون كلّ ميّت مؤمن من ماحضي الإيمان. والمعنى على الثاني انحصار السؤال في القبر عن أصل الإيمان والكفر، فالباقون هي ما عدا الإيمان والكفر من الأعمال، وعبّر عنها بضمير العاقل باعتبار أنّ حقيقة السؤال إنّما يتعلّق بفاعليها، فاُعطيت حكمهم. والاحتمال الأوّل لا ينافي هذا الانحصار، بل يحتمل اختصاص السؤال عن المؤمن الخالص والكافر الخالص بالإيمان والكفر، بل هو أظهر لاقتضاء التعليق على الوصف إيّاه، فلا ينافي ما سبق، لكن يظهر من بعض الأخبار المجازات في القبر بالأعمال أيضاً لماحضي الإيمان والكفر، (4) فليوكل علمه إلى اللّه تعالى. قال طاب ثراه: نقل بعض المحقّقين عن الشيخ المفيد قدّس اللّه روحه أنّه قال في شرح كتاب الاعتقادات لابن بابويه: الّذي ثبت من الأخبار في هذا الباب أنّ الأرواح بعد موت الأجساد على ضربين: منها: ما ينقل إلى الثواب والعقاب، ومنها: ما يعطّل فلا يشعر بثواب ولا عقاب، وقد روى عن الصادق عليه السلام ما ذكرناه في هذا المعنى، فسئل عمّن مات في هذه الدار أين تذهب روحه؟ فقال : «من مات وهو ماحض الإيمان محضاً أو ماحض الكفر محضاً (5) نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة، وجوزي بأعماله إلى يوم القيامة، فإذا بعث اللّه من في القبور أنشأ جسمه وردّ روحه إلى جسده وحشره ليوفّيه أعماله»، فالمؤمن ينزل روحه من جسده إلى مثل جسده (6) في الصورة، فيجعل في جنّة من جنان اللّه [يتنعّم فيها] إلى يوم المآب، والكافر ينتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه في الصورة ويجعل في النار، فيعذّب بها إلى يوم القيام. وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى : «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى» (7) ، و [شاهد ما ذكرناه] في الكافر قوله تعالى : «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ» (8) . والضرب الآخر ممن يُلهى عنه وتُعدم نفسه عند فساد جسده فلا يشعر بشيء حتّى يُبعث وهو من لم يمحض الإيمان محضاً ولم يمحض الكفر محضاً. واستدلّ على انعدام نفوس هذا الضرب بعد الموت بأنّه قد بيّن اللّه ذلك عند قوله : «إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَا يَوْمًا» (9) ، فبيّن أنّ القوم عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتّى يظنّ ذلك بعضهم عشرا، (10) وبعضهم يوماً. ولا يجوز ذلك ممّن أُنعِم أو عُذِّب إلى بعثه؛ لأنّ من لم يزل منعماً أو معذَّباً لا يجهل [له] حاله فيما عومل به ولا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته. (11) انتهى . أقول : الظاهر من سياق كلامه قدس سره أنّه أراد بانعدام الضرب الثاني عدم إدراكه لشيء لا انعدامه عن ظرف الوجود، وأنّ حالهم كحال أصحاب الكهف حيث قالوا : «لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» (12) ، فلا يرد عليه ما أورده من أنّ انعدام النفوس العاميّة بعد الموت مذهب جمع من متقدّمي الحكماء، وقد دلّت البراهين العقليّة والنقليّة على بقائها، وما استدلّ به رحمه الله على فنائها لا يدلّ عليه، بل إنّما يدلّ على كونهم غير منعّمين ولا معذّبين تعذيباً وتنعيماً لابدّ من بقائه في الذكر. (13) وعدم بقاء شعورها لا يدلّ على انعدامها كما تشهد عليه المنامات والأحلام الّتي يراها الإنسان ثمّ يمحوا عن ذاكرته بحيث لا يمكنه استرجاعها مع بقاء النفس عند النوم اتّفاقاً، أوَليس الأمر في أصحاب الكهف كحال الّذين ذكرهم اللّه سبحانه في هذه الآية، حيث قالوا: «لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» ؟ قوله في خبر أبي بصير: (في جنازة سعد) إلخ. [ح 6 / 4700] قال طاب ثراه: هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الخزرجي، أسلم بالمدينة، وشهد العقبتين وبدرا وأحدا، ورُمي يوم الخندق بسهمٍ فعاش شهرا، ثمّ انتقص جرحه فمات منه (14) سنة خمس، وكان فاضلاً عابدا متديّناً. وعن ابن عبّاس، قال : قال سعد : ثلاث أنا فيهنّ رجل كما ينبغي، وما سواهنّ أنا رجل من المسلمين: ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله حديثاً قطّ إلّا علمت أنّه حقّ من اللّه ، ولا كنت في صلاة قطّ فشغلت نفسي بغيرها، ولا كنت في جنازة قطّ إلّا حدّثت نفسي بما تقول ويقال لها حتّى انصرف عنها. (15) ومن طريق العامّة عن جابر، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم : «اهتزّ لها عرش الرحمان عزّ وجلّ». (16) وقال بعضهم: العرب تقول فلان يهتزّ للمكارم ولا يعنون أنّ جسمه يضطرب، وإنّما يعنون أنّه يرتاح لها، وذلك مشهور في أشعارهم. (17) والزعارّة بتشديد الراء: شراسة الخلق . (18) قوله: (عن غالب بن عثمان) . [ح 7 / 4701] هو مشترك بين المنقري وكان واقفياً غير موثّق، (19) والهمداني الزيدي، (20) والمراد به هنا هو الأوّل؛ بقرينة رواية ابن فضّال عنه. وفي القاموس: «هو بين ظهريّهم وظهرانيهم ولا تكسر النون وبين أظهرهم، أي وسطهم وفي معظمهم». (21) وقال طاب ثراه: في هذا الخبر وخبر أبي بصير (22) تسعة أذرع، وفي خبر عمرو بن الأشعث (23) سبعة أذرع، وفي آخر مدّ البصر، (24) وقد روى مسلم عن قتادة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «يُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعاً»، (25) ولا تنافي بينها؛ لاختلاف ذلك باختلاف أحوال الموتى. ثمّ إنّ هذا التوسيع محمول على ظاهره، وإنّه يرفع عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه. وقال بعض العامّة: إنّه ضرب مثلٍ واستعارة للرحمة والتنعيم، كما يُقال : برّد اللّه مضجعه. والتنّين كسكّين : حيّة عظيمة . (26) قوله في خبر عمرو بن الأشعث : (يُسأل الرجل في قبره) . [ح 9 / 4703] قال طاب ثراه: «خرج ذكر القبر مخرج الغالب، وإلّا فالغريق والمصلوب وغيرهما أيضاً يُسألون». والخبر ضعيف لضعف عليّ بن حديد، (27) وجهالة عمرو بن الأشعث . (28) قوله في خبر عاصم بن حميد، عن أبي بصير: (وهو قول اللّه عزّ وجلّ: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» ) إلخ. [ح 10 / 4704] قال طاب ثراه: روى مسلم بإسناده عن البراء بن عاذب. عن النبى صلى الله عليه و آله قال : « «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربّك؟ (29) فيقول : ربّي اللّه ، ومحمّد نبيّي، (30) فذلك قوله عزّ وجلّ : «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فِى الْأَخِرَةِ» (31) . (32) وقال القرطبي: «يثبّتهم في الدنيا على الإيمان حتّى يموتوا، وفي الآخرة عن المسائلة ». قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبى بصير: (فيلقيان فيه الروح إلى حقويه) . [ح 12 / 4706] حكى طاب ثراه عن عياض (33) أنّه قال : المعذّب عند أهل الحقّ الجسد بعينه أو جزء منه بعد ردّ الروح إليه أو إلى ذلك الجزء، وخالف في ذلك محمّد بن جرير (34) وعبد اللّه بن كرام (35) وقالا: لا يشترط إعادة الروح في تعذيب الميّت، وهو فاسد؛ لأنّ الألم والإحساس إنّما يكونان في الحيّ. (36) وأقول : ما ذكر من وجه الفساد فاسد، وإلّا لزم أن لا يُعذّب الكافر بعد خروج روحه من جسده بعد السؤال، أو بقاء روحه في جسده إلى يوم القيامة، وتبطلهما الأخبار المتكاثرة والإجماع. والأولى أن يردّد ويقال : إن أرادا بعدم اشتراط إعادة الروح في تعذيبه منع إعادتها وقت السؤال، فيدفعه تظافر الأخبار في ذلك الردّ ، وانعقاد الإجماع عليه قبلهما وبعدهما، ويسلّم ما ذكراه إن أرادا عدم اشتراطها مطلقاً، ولا ينافي هذا إعادتها في خصوص وقت السؤال بالدليل . والجوانح: الأضلاع الّتي تحت الترائب، وهي ممّا يلي الصدر كالضلوع ممّا يلي الظهر والواحدة جانحةَ. (37) واللجلجة: التردّد في الكلام. (38) وقال طاب ثراه : هذا الخبر متّفق عليه بين الخاصّة والعامّة، روى مسلم عن زيد بن ثابت، قال : بينما النبيّ صلى الله عليه و آله في حائط لبني النجّار على بغلة له إذ حادت به، فكادت تلقيه وإذا أقبُر ستّة أو خمسة أو أربعة، فقال : «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا، قال : «فمتى مات هؤلاء؟» فقال : ماتوا في الإشراك، فقال : «إنّ هذه الاُمّة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت اللّه أن يسمعكم [من ]عذاب القبر الّذي أسمع منه» . (39)

.


1- . اُنظر: الذكرى، ج 2، ص 85 ؛ شرح المازندراني، ج 11، ص 436 ؛ فتح الباري، ج 3 ، ص 183 186؛ تحفة الأحوذي، ج 4، ص 155؛ شرح المقاصد للتفتازاني، ج 2، ص 220؛ كشف المراد، ص 299، المقصد السادس، في المعاد ، المسألة الرابعة عشرة في عذاب القبر و الميزان و الصراط .
2- . بعده في «أ» بياض ما يقرب ستّة أسطر.
3- . هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي .
4- . اُنظر: وسائل الشيعة، ج 1، ص 340 ، ح 894 895 ؛ ج 10، ص 35 ، ح 12765؛ و الحديث 6، من هذا الباب من الكافي.
5- . في المصدر: «... أين تكون روحه؟ فقال: من مات و هو ماحض للايمان محضا أو ماحض للكفر محضا».
6- . في هامش الأصل: «أي في قبره بذلك قوله: إلى يوم المآب، عفي عنه . منه».
7- . يس (36) : 26 27 .
8- . غافر (40) : 46 .
9- . طه (20) : 104. وفي النسخة الخطّية : (إلّا عشرا) وهو غلط .
10- . كما في الآية 103، من سورة طه (20) .
11- . تصحيح اعتقادات الإماميّة، ص 88 90.
12- . الكهف (18) : 19 .
13- . اُنظر: التحفة السنيّة، ص 358 ؛ بحار الأنوار، ج 6، ص 270 272، ذيل ح 128.
14- . اُنظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 3 ، ص 420 ؛ الاستيعاب، ج 2، ص 602، الرقم 958؛ اُسدالغابة، ج 2، ص 296؛ تهذيب الكمال، ج 10، ص 300 301 ، ترجمة سعد بن معاذ ، الرقم 2225 ؛ عمدة القاري، ج 13، ص 232، و ج 16، ص 157، و في الجميع و كذا سائر المصادر أنّه أسلم بين العقبتين، ولم أعثر على من قال بإسلامه قبل العقبة الاُولى.
15- . الاستيعاب، ج 2، ص 605؛ الكامل لابن عدي، ج 3 ، ص 234، ترجمة زافر بن سليمان.
16- . مسند أحمد، ج 3 ، ص 296 و 349 ؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 150؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 3 ، ص 586 ، ح 6747؛ صحيح ابن حبّان، ج 15، ص 501 ؛ المعجم الكبير، ج 6، ص 11.
17- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 16، ص 22؛ تحفة الأحوذي، ج 10، ص 235.
18- . صحاح اللغة، ج 2، ص 670 (زعر) .
19- . رجال النجاشي، ص 305 ، الرقم 535 ؛ خلاصة الأقوال، ص 385 ، فانّهما وثقّاه.
20- . رجال النجاشي، ص 305 ، الرقم 836 .
21- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 131 (ظهر) . و كان في الأصل: «هو بين ظهرانيكم...» فصوّبناه حسب المصدر.
22- . هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي.
23- . هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي.
24- . كما في الحديث الأوّل من باب ما ينطق به موضع القبر من الكافي.
25- . صحيح مسلم، ج 8 ، ص 162 . و رواه أحمد في مسنده، ج 3 ، ص 126.
26- . القاموس المحيط، ج 1، ص 382 (تنن)، و فيه: «كسكّيت».
27- . ضعّفه الشيخ في الاستبصار، ج 3 ، ص 95، ذيل ح 525 ؛ و تهذيب الأحكام، ج 7، ص 101، ذيل ح 435 . قال في الأوّل : «هو ضعيف جدّا، لا يعول على ما ينفرد بنقله»، و مثله في الثاني إلّا أنّ فيه «مضعف» بدل «ضعيف» . و انظر أيضا : التحرير الطاووسي، ص 383 384 ، الرقم 269؛ خلاصة الأقوال، ص 367 ؛ رجال ابن داود، ص 360 ، الرقم 336 .
28- . لم يذكر في رجالي النجاشى و الكشّي، و عدّه الشيخ في رجاله، ص 248، الرقم 3471 من أصحاب الصادق عليه السلام ، واكتفي بقوله: «عمروبن الأشعث التميمي مولاهم، كوفي».
29- . في هامش الأصل: «و من نبيّك ظ». و ليس في المصدر.
30- . في المصدر: «و نَبيّي محمّد».
31- . إبراهيم (14) : 27 .
32- . صحيح مسلم، ج 8 ، ص 162. و رواه ابن ماجة في سننه، ج 2، ص 1427، ح 4269 ؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 1، ص 661، ح 2184؛ و البيهقي في إثناب عذاب القبر، ص 31 ، ح 8 .
33- . القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المالكي، أبوالفضل، محدّث، مؤرّخ، ناقد، مفسّر، فقيه، اُصولي، عالم بالنحو و اللغة و كلام العرب و أيّامهم و أنسابهم، شاعر، خطيب، ولد بمدينة «سبتة» في مراكش، و تولّى القضاء بغرناطة، و توفّي سنة 554 ه ق، من آثاره: الإلماع في اُصول الرواية و السماع؛ مشارق الأنوار على صحاح الآثار في تفسير غريب حديث الموطّا و البخاري و مسلم؛ الشفا بتعريف حقوق المصطفى؛ العيون الستّة في أخبار سبتة ؛ التَنبيهات المستنبطة في شرح مشكلات المدوّنة؛ ترتيب المدارك و تقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك؛ العقيدة؛ القواعد. راجع : تاريخ الإسلام، ج 37 ، ص 198 201؛ سير أعلام النبلاء، ج 20، ص 212 218، الرقم 136؛ وفيات الأعيان، ج 8 ، ص 16؛ معجم المؤلّفين، ج 8 ، ص 16 .
34- . أبوجعفر محمّد بن جريربن يزيد الطبرى، مفسّر، مقرئ، محدّث، مؤرّخ، فقيه، اُصولي، ولد بآمل طبرستان في آخر سنة 224 ه ق، و أوّل 225 ه ق، و طوّف البلاد إلى أن استوطن بغداد، و اختار لنفسه مذهبا في الفقه، مكث أربعين سنة يكتب في كلّ يوم منها أربعين ورقة . من تصانيفه: جامع البيان المعروف بتفسير الطبري، تاريخ الامم و الملوك المعروف بتاريخ الطبري، تهذيب الآثار، توفّي سنة 310 ببغداد ، و دفن في داره. راجع : تاريخ بغداد، ج 2، ص 159 165، الرقم 589 ؛ سير أعلام النبلاء، ج 14 ، ص 267 282، الرقم 175 ؛ الأنساب للسمعاني، ج 4، ص 46، ذيل عنوان الطبري .
35- . كذا في الأصل . و مثله في شرح اصول الكافي و شرح صحيح مسلم، و الصحيح: «أبو عبداللّه بن كرام» ، و هو محمّد بن كرام السجستاني، ولد في سجستان، و جاور مكّة خمس سنين، و ورد نيسابور، و كان يقول : «الإيمان هو نطق باللسان فقط»، و قال أتباعه بأنّ اللّه جسم لاكالأجسام و أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تجوز منه الكبائر. فسجن ثمان سنين ثمّ نقي، و مات بأرض بيت المقدس في سنة 251 ه ق. راجع : سير أعلام النبلاء، ج 11، ص 523 524 ، الرقم 146؛ لسان الميزان، ج 5 ، ص 353 356 ، الرقم 1158؛ تاريخ الإسلام، ج 19، ص 310 315 .
36- . شرح المازندراني، ج 11، ص 436. و انظر : شرح صحيح مسلم للنووي، ج 17، ص 201؛ عمدة القاري، ج 3 ، ص 118.
37- . صحاح اللغة، ج 1، ص 360 (جنح) .
38- . صحاح اللغة، ج 1، ص 337 (لجج) .
39- . صحيح مسلم، ج 8 ، ص 161.

ص: 315

. .

ص: 316

. .

ص: 317

. .

ص: 318

. .

ص: 319

. .

ص: 320

. .

ص: 321

باب ما ينطق به موضع القبر

[باب ما ينطق به موضع القبر] (باب) وفي بعض النسخ: «باب ما ينطق به موضع القبر» نطقه يحتمل المقالي، والحالي أظهر . قوله: (عن عبد الرحمان بن أبي هاشم) إلخ. [ح 1 / 4713] عبد الرحمان هذا هو أبو عبد اللّه عبد الرحمان بن محمّد بن أبي هاشم، جليل من أصحابنا، ثقة . (1) لكن سالم مشترك بين ضعيف (2) ومجهول (3) وثقة . (4)

.


1- . رجال النجاشي، ص 236، الرقم 623؛ خلاصة الأقوال، ص 205؛ رجال ابن داود، ص 129، الرقم 954.
2- . هو سالم بن أبي سلمة . اُنظر: رجال النجاشي، ص 190 191، الرقم 509 ؛ رجال ابن الغضائري، ص 65 66، الرقم 61؛ خلاصة الأقوال، ص 355 .
3- . هو سالم بن سلمة. اُنظر ترجمته في معجم رجال الحديث.
4- . هو أبو خديجه و أبو سلمة سالم بن مكرم، اُنظر: رجال النجاشي، ص 188، الرقم501 ؛ اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 641، ح 661 .

ص: 322

باب في أرواح المؤمنين

باب في أرواح المؤمنينأي في بيان مقاماته الرفيعة بعد المفارقة عن الأبدان . قوله: (عن عبادة الأسدي) . [ح 1 / 4716] هو عبادة بن زياد الأسدي الكوفي، زيدي موثّق. (1) وفي بعض النسخ عباية الأسدي، وهو عباية بن ربعى الأسدي، وهو مجهول الحال. (2) وكذا الحسين بن راشد (3) والمرتجل بن معمر، (4) والحبّة العرني. (5) وقال طاب ثراه: قال المازري: الحلقة بسكون اللّام: حلقة القوم وحلقة الباب، (6) وحكى الجوهري فيهما الفتح عن أبي عمرو بن أبي العلا، (7) وهي لغة رديّة . وفي المغرب : «الفتح ضرورة، وقيل: لغة» . (8) وقال الشيباني: «ليس في الكلام فَعَلة بفتح العين إلّا في قولهم: هؤلاء حلقة جمع حالق الشعر» (9) وجمع حلقة بسكون اللّام حِلَق بكسر الحاء وفتح اللّام، مثل بَدرَة وبِدَر. وبه قال الأصمعي. (10) وقيل: حَلَق بفتحهما على غير قياس، (11) وجمعها على اللغة الردية حَلَق بفتحهما. والاحتباء: هو جمع الساقين والفخذين إلى الصدر بعمامة ونحوها. (12) ثمّ قال طاب ثراه: في الحديث دلالة واضحة على بقاءالروح بعد خراب البدن، ولا خلاف فيه بين أصحاب الشرائع، وما قاله طائفة من المبتدعة إنّها تفنى بفنائه، لا اعتداد به ولا دليل عليه، وهي ما يشير الإنسان إليه بقوله: أنا، يعني النفس الناطقة الّتي هي جوهر مجرّد عن المادّة الجسمانيّة وعوارضها، لها تعلّق بالبدن تعلّق التدبير والتصرّف لا تعلّق الجزئيّة والحلول. والموت هو قطع هذا التعلّق وبقاؤها في حدّ ذاتها، وهو مختار أعاظم الحكماء الإلهيّين، وأكابر الصوفية والإشراقيّين، وأكثر المتكلّمين، وأكثر الأشاعرة كالراغب والغزالي والرازي، وإليه مثل بهمينار في التحصيل. وقد تحيّر العقلاء في حقيقتها، واعترف الأكثر بالعجز عن معرفتها حتّى قال بعض الأكابر: إنّ قول أمير المؤمنين عليه السلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (13) معناه أنّه كما لايمكن معرفة النفس لا يمكن معرفة الربّ. ويؤيّده قوله تعالى : «وَ يَسْ_?لُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَ مَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِيلاً» (14) ، ففي الحديث دلالة واضحة على بطلان مذاهب من قال : هي هذا الهيكل المحسوس المعبّر عنه بالبدن. ومن قال : إنّها العضو الصنوبري المعبّر عنه بالقلب. ومن قال : إنّها الدماغ. ومن قال : إنّها الأعضاء الأصليّة المتولّدة من المني. ومن قال : إنّها الماء. ومن قال : إنّها جسم لطيف مشكّل بصورة الإنسان سارٍ فيه كسريان ماء الورد في الورد. ومن قال : إنّها النار والحرارة الغريزيّة. ومن قال : إنّها الأركان الأربعة. ومن قال : إنّها صورة نوعيّة قائمة بمادّة البدن، وهو مذهب الطبيعيّين. ومن قال : إنّها الواجب تعالى شأنه. انتهى. (15) وأقول : بل الظاهر من جلوسهم في واد السلم حلقاً حلقاً مخبتين متحادثين إنّها أجسام لطيفة غير مجرّدة، ولا ينافيه قوله عليه السلام : «أرواح» في جواب قول السائل: أجسام أم أرواح؛ لشيوع إطلاق الروح في الحديث على الجسم اللطيف، ولم يثبت الدليل على تجرّدها .

.


1- . رجال النجاشي، ص 304 ، الرقم 830 ؛ خلاصة الأقوال، ص 384 ؛ رجال ابن داود، ص 252، الرقم 252.
2- . ذكره الشيخ في أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام في رجال الطوسي، ص 71، الرقم 656؛ و في أصحاب الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في ص 95، الرقم 939، ولم يذكر فيه مدحا ولا ذمّا . و نقل عن البرقي أنّه عدّه من خواصّ أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام في خلاصة الأقوال، ص 307 .
3- . الظاهر أنّ الحسين مصحّف عن الحسن على ما في نقد الرجال للتفرشي، ج 2، ص 88 ، الرقم 1441 ؛ و معجم رجال الحديث . و هو أبو علي البغدادي، وثّقه الشيخ في رجاله، ص 375 ، الرقم 5545 ؛ و العلّامة في خلاصة الأقوال، ص 100.
4- . لم يذكر له ترجمة.
5- . ذكره الشيخ في أصحاب أميرالمؤمنين و الإمام المجتبى عليهماالسلام في رجال الطوسي، ص 60، الرقم 518 ، و ص 94، الرقم 929 . ولم يرد في رجالي الكشّي و النجاشي، لكنّه مذكور معروف في رجال العامّة، و غالبهم ضعّفوه.
6- . اُنظر: تكملة حاشية ردّ المختار، ج 2، ص 250.
7- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1462 (حلق) .
8- . المغرب، ص 76 (حلق) .
9- . نقله عن ابن السكّيت في ترتيب إصلاح المنطق، ص 131 (حلقة) .
10- . مجمع البحرين، ج 1، ص 561 (حلق) .
11- . نفس المصدر.
12- . الحبل المتين للشيخ البهائي ، ص 54 .
13- . مطلوب كلّ طالب، ص 5 ، كلمة 6؛ شرح كلمات أميرالمؤمنين لعبد الوهّاب، ص 9، كلمة 6؛ عيون الحكم و المواعظ، ص 430 ؛ شرح مئة كلمة لابن ميثم، ص 57 ، الكلمة الثالثة؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 292 ؛ الحكم المنسوبة إلى أميرالمؤمنين، الرقم 339 .
14- . الإسراء (17) : 85 .
15- . لم أعثر على هذا الكلام بتمامه، ولكن نحوه إلى آخر الآية الشريفة موجود في شرح المازندراني، ج 4، ص 119 120، و في ج 6، ص 70، نقلاً عن الشيخ البهائي في الأربعين. و أمّا الأقوال المذكوره في آخر الكلام، فنقلها العلّامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار، ج 58 ، ص 75 76، عن المحقّق القاساني في روض الجنان مع أقوال اُخرى ، و قال : إنّ المذاهب في حقيقة النفس كما هي الدائرة في الألسنة و المذكورة في الكتب المشهورة أربعة عشر مذهبا، ثمّ ذكر الأقوال. و نحوه كلام الشيخ البهائي قدس سره في أربعون حديثا ، ص 500 ، في شرح الحديث 40، و أشار إلى أنّ الأقوال في حقيقتها متكثّرة، و المشهور أربعة عشر قولاً ذكرها في المجلّد الرابع من الكشكول.

ص: 323

. .

ص: 324

باب آخر في أرواح المؤمنين

[باب آخر في أرواح المؤمنين]وفي بعض النسخ : «باب آخر في أرواح المؤمنين» قوله في حسنة أبي ولّاد: (يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش) . [ح 1 / 4718] قال طاب ثراه: وذلك مثل ما رواه مسلم عن مسروق، قال : سألنا عبد اللّه عن هذه الآية : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَ تَا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ» (1) ، قال : أما إنّا قد سألنا عن ذلك، فقال : «أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثمّ تأوى إلى تلك القناديل، فيطلع عليهم ربّهم اطّلاعةً، فقال : هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أيّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنّة حيث شئنا؟! ففعل بهم ذلك ثلاث مرّات، فلمّا رأوا أنّهم لم يُتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا ربّ، نريد أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتّى نُقتل في سبيلك مرّةً اُخرى، فلمّا رأى أن ليس لهم حاجة تركهم». (2) وفي غير صحيح مسلم : «في حواصل طير». (3) وفي آخر : «كطير». (4) وفي آخر : «صورة طير» . (5) وفي المُوطّا: «إنّما نسمة المؤمن طير». (6) وقال القرطبي: المراد بنسمة المؤمن الشهداء، والنسمة تُطلق على الذات مع الروح، وعلى الروح وحدها، وهو المراد هنا؛ لعلمنا أنّ الجسد يفنى ويأكله التراب. وقيل: المراد بها سائر المسلمين الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب؛ بدليل عموم نسمة المؤمن. ثمّ قال طاب ثراه: أقول : في بعض رواياتنا دلالة واضحة على أنّ أرواح المؤمنين يصوّرون على شكل الطيور كما مرّ في باب أنّ الميّت يزور أهله، وفي هذا الخبر دلالة على أنّهم في أبدان مثاليّة، ولا تنافي بينهما؛ لأنّهم للطافتهم يتشكّلون بأيّ شكل أراد اللّه سبحانه، كما تتشكّل الملائكة والأجنّة والشياطين. وقال بعض مشايخنا قدّس اللّه أرواحهم: (7) قد يتوهّم أنّ القول بتعلّق الأرواح بعد مفارقتهم عن الأبدان العنصريّة بأشباح اُخر قول بالتناسخ. وهذا توهّم سخيف؛ لأنّ التناسخ الّذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلّق الأرواح بعد خراب الأبدان بأبدان اُخر في هذا العالم، إمّا عنصريّة كما يزعمه بعض الناس ويقسّمونه إلى النسخ والمسخ والفسخ والرسخ، أو ملكيّة، إمّا ابتداء أو بعد تردّدها في الأبدان العنصرية على اختلاف آرائهم الواهية المفصّلة في محلّها. وأمّا القول بتعلّقها في عالم البرزخ بأبدان مثاليّة إلى أن تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى أبدانهاالأوّليّة، إمّا بجمع أجزائها المشتّتة، أو بإيجاده من كتم العدم كما أنشأها أوّل مرّة، فليس من التناسخ في شيء، وإن سمّيته تناسخاً فلا مشاحّة في التسمية. قال الفخر الرازي في نهاية العقول : إنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح وردّها إلى الأبدان لا في هذا العالم، والتناسخية يقولون بقدمها وردّها إليها في هذا العالم، وينكرون الآخرة والجنّة والنار، وإنّما كفروا من جهة هذا الإنكار. وقال الآبي في كتاب إكمال الإكمال : قال بعض الفقهاء المتكلّمين: على الحديث الأشبه صحّة أنّها طير أو كطير أو في صورة طير، و بعّده بعضهم، وأنكر أنّها في جوف طير أو في حواصل طير، وليس فيه ما ينكر؛ إذ لا فرق بين كونها طيرا أو في حواصل طير، فإنّ للّه سبحانه أن يجعل أرواح المؤمنين إذا قبضها حيث شاء. نعم، يبعد أن يحمل رواية طير على ظاهرها؛ لأنّه إذا تغيّرت الأرواح عن صفاتها إلى صفات الطير فليست بأرواح. وكذلك استبعد بعضهم أن يكون رواية في جوف طير أيضاً على ظاهرها؛ لأنّ الجوف والحواصل على ما عهد في الدنيا دم ولحم، فيؤول الأمر بذلك إلى القول بالتناسخ. وأيضاً لو كانت في جوف طير لكانت مسجونة معذّبة، فلا يبعد أن يكون أجواف الطيور وحواصلها كناية عن مراكب ممتدّة لاستقرار الأرواح عليها، واللّه سبحانه أعلم بتلك المراكب كما قال : «ما لا عين رأت»، (8) فتنتقل تلك المراكب وتسرح حيث شاءت الأرواح، فعبّر عن الأرواح تارةً بأنّها طير؛ لسرعة حركتها، ولعلّ هذه المراكب طيور حقيقيّة من ذهب أو فضّة أو ياقوت كما في صفة خيل الجنّة، وإن كان كلّها مراكب ومجالس لأهل الجنّة في الجنّة ولأرواح الشهداء والمؤمنين كلّهم قبل البعث. وقد جاء في سدرة المنتهى أنّها إليها تنتهي أرواح الشهداء، وأنّها غشيها فراش من ذهب، والفراش الطيور الصغار، فلعلّ ذلك الفراش من تلك الطيور الّتي تسرح بها أرواح الشهداء، وكلٌّ محتمل غير مستحيل. انتهى. (9) وقال عياض: إنّما جعل الأرواح في جوف طير صيانة لها ومبالغة في إكرامها؛ لتطّلع على ما في الجنّة من المحاسن والنعم كما يطّلع الراكب المظلّل عليه بهودج شفّاف، ويدركون في تلك الحال من روائح الجنّة ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح، وأمّا اللذات الجسمانيّة، فإذا اُعيدت إلى أبدانها استوفت منها ما أعدّ اللّه سبحانه لها، ثمّ إنّ تلك الأرواح ترجع بها تلك الطيور إلى مواضعها المكرّمة المشرّفة المنوّرة الّتي عبّر عنها بالقناديل؛ لكثرة نورها وإشراقها . (10) قوله: (عن الحسين بن أحمد) . [ح 6 / 4723] هو الحسين بن أحمد بن ظبيان؛ بقرينة روايته عن يونس بن ظبيان، وهو مجهول الحال. (11) ونظير الخبر ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بناءً على ما هو ظاهره من أنّه عليّ بن مهزيار عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أرواح المؤمنين، فقال : «في الجنّة على صورة أبدانهم لو رأيتهم لقلت فلان ». (12)

.


1- . آل عمران (3) : 169 170 .
2- . صحيح مسلم، ج 6، ص 38 39 .
3- . سنن الدارمي، ج 2، ص 206؛ مسند الطيالسي، ص 38 .
4- . سنن ابن ماجة، ج 2، ص 163؛ المصنفّ لعبد الرزّاق، ج 5 ، ص 263، ح 9554؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 573 ، كتاب الجهاد، ح 82 ؛ المعجم الكبير، ج 9، ص 209 210.
5- . التمهيد لابن عبدالبرّ، ج 11، ص 63 و 64؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 91.
6- . الموطّأ، ج 1، ص 240، ح 49. و رواه أحمد في مسنده، ج 3 ، ص 460 ؛ و عبد بن حميد في مسنده، ص 147، ح 376 .
7- . هو الشيخ البهائي قدس سره، كما صرّح به العلّامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار، ج 6، ص 227 278، و نهاية كلامه انتهاء كلام الفخر الرازي، و هذا التوهم و ردّه مذكوران في شرح المازندراني، ج 12، ص 315 .
8- . هذه الفقرة وردت في روايات عديدة ذكرت فيها نعم الجنّة . فانظر: الأمالي للصدوق، المجلس 38 ، ح 1؛ و المجلس 66، ح 1؛ و المجلس 80 ، ح 1؛ و المجلس 81 ، ح 1؛ و المجلس 83 ، ح 1؛ ثواب الأعمال، ص 56 ، ثواب صوم رجب؛ فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق، ص 27، ح 12 و 15؛ الفقيه، ج 1، ص 295، ح 905؛ و ج 4، ص 17، ح 4968 ؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 22، ح 50 ؛ و ص 107، ح 189.
9- . لم أعثر عليه بتمامه، لكن بعض فقراتها مذكور في شرح المازندراني كما أشرنا إلى موضعه.
10- . حكى السيوطي في الديباج، ج 4، ص 479 ما يقرب منها نقلاً عن القرطبي في شرح صحيح مسلم، و تجد نحوها في تفسير القرطبي، ج 4، ص 274، في تفسير الآية 169 من سورة آل عمران.
11- . ذكره الشيخ في رجاله، ص 196، الرقم 2465 في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، ولم يذكر له ترجمة ، ولم يقل فيه شيء، ولم يذكر في رجالي الكشّي و النجاشي.
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 466، ح 1527.

ص: 325

. .

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

باب في أرواح الكفّار

باب في أرواح الكفّارأي في ذكر محالّها بعد مفارقتها عن الأبدان في البرزخ، وبيان تعذيبها بالنار، وهي نار خلقها اللّه سبحانه لتعذيبها من غير جهنّم، كما يفهم من بعض أخبار الباب وباب جنّة الدنيا . قوله في حسنة القدّاح: (شرّ ماء بئر على وجه الأرض ماء برهوت) إلخ. [ح 4 / 4728] المراد بالماء هنا البئر، وإلّا فهذه البئر الّتي ببرهوت مملوّة نارا، وقد شاع إطلاقه عليها، ويؤيّده ما ذكره ابن الأثير في نهايته: أنّ في الحديث: شرّ بئر في الأرض برهوت، ثمّ قال : برهوت بفتح الباء والراء: بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها، ويقال : برهوت بضمّ الباء وسكون الراء، فتكون تاؤها على الأوّل زائدة، وعلى الثاني أصليّة، أخرجه الهروي عن عليّ عليه السلام ، (1) وأخرجه الطبراني في المعجم عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله . (2) والهام: جمع هامة مخفّفتي الميم، والمراد منها الأرواح، أرواح الكفّار. وقال ابن الأثير: الهامّة: الرأس، واسم طائر، وهيمن طير الليل، وقيل: هي البومة، وقيل: كانت العرب تزعم أنّ روح القتيل الّذي لا يُدرَك بثأره تصير هامة، فيقول : اسقوني، فإذا أدركت بثأره طارت، وقيل: كانوا يزعمون أنّ عظام الميّت وقيل: روحه تصير هامة، فتطير، ويسمّونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه، وذكره الهروي في الهاء والواو، (3) فذكره الجوهري في الهاء والياء. (4) انتهى. (5) وهذا الخبر ظاهره جواز إطلاق هذا اللفظ على الروح، وخبر السكوني يدلّ على جواز إطلاق الصدا أيضاً عليها، ولم يثبت ما ذكره ابن الأثير من المنع، وحمل الهام على الرؤوس والصدا على الأجساد محتمل، فإنّ الهام أصلها الرؤوس كما عرفت، والصدا أيضاً جاء بمعنى الأجساد، ففي القاموس: «الصدا: الرجل اللطيف الجسد، والجسد بعد الموت». (6) لكنّه بعيد جدّا؛ إذ لم يستعملا في التعبير عن الأرواح قطّ . قوله في خبر السكوني: (شرّ اليهود يهود بَيُسان) . [ح 5 / 4729] في القاموس: «بَيُسان: قرية بالشام، وقرية بمرو، وموضع باليمامة»، (7) والكلّ هنا محتمل.

.


1- . لم أعثر عليه.
2- . النهاية، ج 1، ص 122 (برهوت)، و فيه: «في حديث علي...». و حديث ابن عبّاس رواه الطبراني في المعجم الأوسط، ج 4، ص 179؛ و ج 8 ، ص 112 113؛ و المعجم الكبير، ج 11، ص 81 82 ؛ كنز العمّال، ج 12، ص 225، ح 34779 .
3- . الغريبين، ج 6، ص 1950 (هوم) .
4- . صحاح اللغة، ج 5 ، ص 2063 (هيم) .
5- . النهاية، ج 5 ، ص 283 (هوم) .
6- . القاموس المحيط، ج 2، ص 809 (صدي) .
7- . القاموس المحيط، ج 1، ص 348 (بيس) . و حكاه عنه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 57 ، ص 44، ثمّ قال : «و لعلّ الأوّل أظهر».

ص: 329

باب جنّة الدنيا

[باب جنّة الدنيا]باب وفي بعض النسخ : «باب جنّة الدنيا» يبيّن فيه أنّ الجنّة الّتي فيها أرواح المؤمنين في البرزخ من جنّات الدنيا لا جنّة الخلد، وأنّ النار الّتي فيها أرواح الكفّار هي النار المخلوقة في هذا العالم لا الجحيم، ولا ينافي هذا ما سبق من أنّ أرواح المؤمنين في دار السلام وأرواح الكفّار في بئر برهوت؛ لأنّ الاُولى جنّة عالية، بل ليست بأقلّ من جنّة الآخرة، والثانية مملؤة نارا . قوله : (وسهل بن زياد) [ح 1 / 4730 ]عطف على أحمد بن محمّد، وعليّ بن إبراهيم معطوف على عدّة، وضُرَيس كزبيرهو ضريس بن عبد الواحد بن المختار الكناسي على الظاهر، (1) فالخبر صحيح. وقوله: «ما حال الموحّدين المقرّين بنبوّة محمّد» إلى قوله: «فهؤلاء موقوفون»، يعنى بهم من لم يكن من شأنهم تمييز الحقّ من الباطل، ولا يعاندون أئمّة الحقّ، ولا يعتقدون أئمّة الجور، وهم كالمستضعفين والبله مرجون لأمر اللّه ، موقوفون في البرزخ، وللّه فيهم المشيّة كما يظهر من روايات اُخر. وأمّا الأطفال وأولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم، فلعلّ المراد منهم أطفال غير المؤمنين من سائر فرق الإسلام؛ لما سيأتي من أنّ أطفال المؤمنين مع آبائهم فيالجنّة البتّة .

.


1- . بل الظاهر أنّه ضريس بن عبدالملك بن أعين الشيباني الكناسى و إنّما سمّي به؛ لأنّ تجارته بالكناسة _ و عدّه البرقى من أصحاب الباقر و الصادق عليهماالسلام ، و وثّقة الكشّي في رجاله ، ج 2، ص 601، الرقم 566 ؛ و العلاّمة في الخلاصة، ص 172، و أمّا ضريس بن عبدالواحد بن المختار، فَهو من أصحاب الصادق عليه السلام على ما في رجال الطوسي، ص 227، الرقم 3078 ، ولم يذكره أحد في أصحاب الباقر عليه السلام ، و يشهد له الروايات العديدة التي رواها ضريس بن عبدالملك عن أبي جعفر عليه السلام ، ولم أعثر على رواية عن ضريس بن عبدالواحد مع التصريح باسم والده عن أبي جعفر عليه السلام ، فتأمّل.

ص: 330

باب الأطفال

باب الأطفالأي كيفيّة أحوال أرواحهم، والّذي يظهر من الآيات والأخبار أنّ أطفال المؤمنين يتنعّمون معهم، بل يربّيهم من يشاء اللّه تعالى، ربّما يربّي بعضهم أهل العصمة والطهارة على ما روى الصدوق في الفقيه عن عليّ عليه السلام قال : «أولاد المشركين مع آبائهم في النار ، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنّة». (1) وعن أبي بكر الحضرمي، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» (2) ، (3) قال : «قصرت الأبناء عن أعمال الآباء فألحق اللّه الأبناء بالآباء؛ لتقرّ بذلك أعينهم». (4) وعن أبي بصير قال، [قال أبو عبداللّه عليه السلام ] : «إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرضين ألا أنّ فلان بن فلان قد مات، فإن كان مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دُفع إليه يغذوه، وإلّا دُفع إلى فاطمة عليهاالسلامتغذوه حتّى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته، فتدفعه إليه». (5) وعن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «[إنّ] اللّه [تبارك و] تعالى يدفع إلى إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذوانهم بشجرة في الجنّة لها أخلاف كأخلاف البقرة في قصر من درّة، فإذا كان يوم القيامة اُلبسو وطُيّبوا واُهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنّة مع آبائهم، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» ». (6) بل يظهر من بعض الأخبار أنّهم يشفعون آباءهم، ففي الفقيه: وقال الصادق عليه السلام : «من قدّم أولادا يحتسبهم عند اللّه حجبوه من النار بإذن اللّه عزّ وجلّ». (7) فعموم الأولاد يشمل الصغار. وفي بعض الأخبار: أنّهم يقومون على باب الجنّة لا يدخلونها حتّى يدخلونها آباؤهم ، (8) رواه... (9) . ونقل طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : لا خلاف لأحد في أنّ أولاد المؤمنين مع آبائهم في الجنّة. وعن محيي الدين البغوي أنّه قال : أجمعوا على ذلك في أولاد الأنبياء عليهم السلام وكذا أولاد المؤمنين عند الجمهور، وبعضهم ينكر وجود الخلاف في ذلك. وقال : توقّف بعض المتكلّمين فيه؛ إذ لم يرد عنده قاطع، ولم يثبت عنده الإجماع، وقال : المسألة ليست من العمليّات، فلا يكتفي فيها بالآحاد ولا غلبة الظنون. وقال الآبي: الصواب إنكار الخلاف في ذلك وصحّة الاكتفاء فيه بالآحاد؛ لأنّ المسائل العملية الّتي لا ترجع إلى الذات ولا إلى الصفات يصحّ التمسّك فيها بالآحاد. ثمّ القاطع في ذلك التواتر المعنوي، فمن استقرأ جميع ظواهر القرآن والسنّة يحصل التواتر المذكور. وأمّا أطفال غيرهم، فالأصوب السكوت عنهم والتوقّف فيهم حتّى يظهر حالهم في يوم النشور؛ لعدم قاطع على شيء من الأقوال الآتية فيهم. ولو عدلنا عن ذلك، فالأظهر القول بأنّهم يتنعّمون مع المؤمنين كأطفالهم؛ لتولّدهم أيضاً على الإسلام؛ لقوله تعالى : «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (10) ، وللأخبار المتواترة معنى في أنّ الناس (11) مولود على فطرة الإسلام، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه. (12) ويؤيّدهما ما ورد من أنّهم خدمة أهل الجنّة ، رواه. (13) وروى البخاري أنّه عليه السلام رأى إبراهيم عليه السلام ليلة الإسراء في الجنّة ومعه جملة أولاد المسلمين، قالوا: وأولاد المشركين يا رسول اللّه ؟ قال : «وأولاد المشركين». (14) ونسبه والدي إلى المشهور، ونقله القرطبي عن بعضهم. وأمّا ما سبق عن عليّ عليه السلام من أنّهم مع آبائهم في النار، فمع ضعفه؛ لإرساله، وندرته، وعدم قابليّته للمعارضه لما ذُكر، فيمكن حمله على التقيّة؛ لموافقته لمذهب بعض العامّة على ما حكى عنهم القرطبي. (15) وقال طاب ثراه : «وقيل: يحتمل أنّهم يدخلون النار؛ لتذهب بخبثهم كما تذهب بخبث الحديد، ثمّ بعد ذلك يُخرَجون منها ويدخلون الجنّة». (16) وقال الصدوق: «إنّهم بعد الموت مع آبائهم في النار، لكن لا يصيبهم حرّها كما يصيب آبائهم، فما هم معذّبين بعد الموت إلى إمضاء الحجّة عليهم بالتأجيج». (17) وكذا أحاديث التأجيج ظاهرها التقيّة؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامّة. وقال طاب ثراه: ونقل عن عقيل بن أبي طالب (18) أنّه قال : يدلّ على ضعفه أنّ الآخرة ليست دار تكليف؛ لأنّ المطلوب منه إنّما هو الإيمان بالغيب، والآخرة دار عيان، ولذا لا تنفع التوبة عند الاحتضار، ولا عند طلوع الشمس من مغربها؛ (19) لأنّها ساعة معاينة، وإذا لم ينفع الإيمان عندها فكيف ينفع في الآخرة؟ اُوّل على أنّها إنّما تدلّ على فسقهم بمخالفتهم لأمر خالقهم لا على كفرهم، فكيف يستحقّون به الخلود في الجحيم؟ وقد نقل عن بعض الأصحاب موافقاً لبعض العامّة القول بأنّهم يدخلون النار مع آبائهم بعد الموت من غير تكليف آخر؛ محتجّين بخبر عليّ عليه السلام المذكور، وبأنّه تعالى يعلم من حالهم أنّهم على تقدير البلوغ والتكليف يكفرون؛ متمسّكاً في ذلك بقوله عليه السلام : «اللّه أعلم بما كانوا عاملين» (20) مفسّرين إيّاه بذلك. وقد عرفت حال الأوّل، ويرد الثاني أنّه قد ثبت في الشريعة أنّه لا يعاقب أحد على قصد المعصية قبل فعلها، فكيف يعاقب من شأنه فعلها ؟ قوله في حسنة زرارة: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين) إلخ.[ح 1 / 4732] قال طاب ثراه: مثل هذا الخبر مذكور في طرق العامّة بأسانيد متكثّرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه، قال[وا]: يا رسول اللّه ، أفرأيت من يموت صغيرا؟ قال : «اللّه أعلم بما كانوا عاملين». (21) وقال القرطبي: هذا السؤال إنّما كان عن أولاد المشركين، ومعناه: اللّه أعلم بما جبلهم وطبعهم عليه، فمن خلقه على جبلة المطيع دخل الجنّة، ومن خلقه على جبلة الكفر والفسق دخل النار، وهذا الثواب والعقاب ليس مرتّباً على التكليف، وإنّما هو بحكم علمه ومشيّته. ويحتمل أن يراد: اللّه أعلم أنّهم على تقدير الحياة أيّ شيء يعملون، فيُجزون بذلك، كما دلّ عليه بعض الآثار. ويحتمل أن يراد: أنّه تعالى أعلم بحالهم في الطاعة والعصيان عند التأجيح. أقول : الظاهر من هذه الحسنة هو التفسير الأخير، وليس المراد من المشية في قوله : «للّه فيهم المشية» أنّه إن شاء عذّبهم، وإن شاء غفر لهم، بل المشية التكليفيّة كما هو ظاهر ما بعده. وقال طاب ثراه: أهل الفترة هم الاُمم الّذين كانوا بين رسولين، كالفترة الّتي بين إدريس ونوح، وبين نوح وهود عليهم السلام وكانت ثمانمئة سنة، والّتي بين صالح وإبراهيم عليهماالسلاموكانت ستمئة وثلاثين سنة، ولكنّ الفقهاء إذا تكلّموا في الفترة فإنّما يعنون الّتي بين عيسى عليه السلام ونبيّنا صلى الله عليه و آله وكانت خمسمئة سنة عندنا كما هو المنقول عن الباقر عليه السلام في كتاب الروضة. (22) وذكر البخاري عن سلمان أنّها ستمئة سنة، 23 وهو الّذي أخبر عليه السلام في ذلك الخبر نافع مولى عمر أنّه عقيدته. ثمّ قال : ومثل هذا الخبر ورد في طريق العامّة أيضاً، ذكر ابن ماجه (23) وأبو عمر (24) في التمهيد من أحاديث النبيّ صلى الله عليه و آله : «أنّه يُعرض على اللّه الأصمّ الّذي لا يسمع شيئاً والأحمق والهَرِم ورجل مات في الفترة، فيقول الأصمّ: يا ربّ، جاء الإسلام ولا أسمع شيئاً، ويقول الأحمق: يا ربّ، جاء الإسلام ولا أعقل شيئاً، ويقول الّذي مات في الفترة: ياربّ، ما جاءني من رسول. قال الراوي: وذهب عنّي ما قال الرابع، فيرسل اللّه إليهم أن ادخلوا النار، فوالّذي نفسي بيده، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاماً». (25) وقال بعض فضلائهم: «هذا الحديث ضعيف». وقال بعض آخر منهم: «إنّه ليس من أحاديث الأئمّة وإنّما هو من أحاديث الشيوخ». ونقل عن عقيل بن أبي طالب ما تقدّم، وقال : الحقّ أنّهم غير معذّبين؛ لأنّه لم تقم عليهم الحجّة .

.


1- . الفقيه، ج 3 ، ص 491، ح 4739.
2- . الطور (52) : 21 .
3- . كان في الأصل : «وَالَّذينَ آمنوا أتبعناهم ذريّاتهم بايمان ألحقناهم ذريّاتهم» . فبدّلناه حسب المصدر و الظاهر أنّه كان في المصدر الذي كان عندالشارح هكذا، و أشار في هامش المصدر إلى ذلك نقلاً عن بعض النسخ . و هكذا نقله الشيخ حسن صاحب المعالم في منتقى الجمان، ج 1، ص 315 ، والظاهر أنّه قراءة في الآية .
4- . الفقيه، ج 3 ، ص 490، ح 4733.
5- . الفقيه، ج 3 ، ص 490، ح 4731.
6- . الفقيه، ج 3 ، ص 490، ح 4732. و رواه أيضا في التوحيد، ص 393 394 ، ح 6. و فيهما: «.. كفّل إبراهيم و سارة» بدل «يدفع إلى إبراهيم و سارة» ، و فيهما: «كأخلاف البقر». و ما بين المعقوفات منهما.
7- . الفقيه، ج 1، ص 188، ح 574 . و رواه أيضا في ثواب الأعمال، ص 196؛ و في الأمالي، المجلس 76، ح 6. و رواه الكليني في باب المصيبة بالولد من الكافي، ح 10.
8- . اُنظر: الكافي ، كتاب النكاح، باب فضل الأبكار، ح 1؛ الفقيه، ج 3 ، ص 283، ح 4344 ؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 400 401، ح 1598؛ التوحيد للصدوق، ص 395 ، ح 10؛ معاني الأخبار، ص 206؛ وسائل الشيعة، ج 20، ص 14، ح 24899.
9- . بعده في الأصل بياض بقدر سطر.
10- . الروم (30) : 30 .
11- . الظاهر : «الإنسان» . فتأمّل .
12- . اُنظر: الفقيه، ج 2، ص 49، ح 1668؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 125، ح 20130؛ مسند أحمد، ج 2، ص 233 و 346 و 393 و 410 و 481 ؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 97 و 98 و 104؛ و ج 6، ص 20؛ و ج 7، ص 211؛ صحيح مسلم، ج 8 ، ص 52 و 53 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 416، ح 4714 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 6، ص 202 و 203؛ مسند الطيالسي، ص 311 و 319 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 11، ص 119، ح 20087؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 474 ؛ مسند أبييعلى، ج 2، ص 240، ح 942؛ و ج 11، ص 197، ح 6306، و ص 282، ح 6394، صحيح ابن حبّان، ج 1، ص 336 و 337 و 339 و 342 ؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج 4، ص 227؛ و ج 5 ، ص 160، المعجم الكبير، ج 1، ص 283 284، ح 828 و 830 ، و ص 285، ح 835 .
13- . بعده بياض بقدر سطر. و انظر: مجمع البيان، ج 9، ص 361 ؛ جوامع الجامع، ج 3 ، ص 492، في تفسير الآية من سورة الواقعة؛ تأويل الآيات الظاهرة، ج 2، ص 742؛ بحار الأنوار، ج 5 ، ص 91، ح 5 و 6؛ الكشّاف، ج 4، ص 53 ؛ تفسير الثعلبي، ج 9، ص 204؛ تفسير البغوي، ج 4، ص 281؛ تفسير النسفي، ج 4، ص 207.
14- . صحيح البخاري، ج 8 ، ص 86 ، باب التعبير. و رواه أحمد في مسنده، ج 5 ، ص 9؛ و ابن أبي شيبة في المصنّف، ج 7، ص 238، باب ما قالوا فيما يخبره النبي صلى الله عليه و آله من الرؤيا، ح 11 ؛ و الحارث بن أبي أسامة في مسنده على ما في بغية الباحث، ص 232، ح 735؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 4، ص 392 ، ح 7658؛ و ابن حبّان في صحيحه، ج 2، ص 431 ؛ والطبراني في المعجم الكبير، ج 7، ص 239.
15- . في هامش الأصل: «نقل _ طاب ثراه _ عن القرطبي أنّه قال : اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال : قيل: هم في الجنّة . وقيل: هم في النار . وقيل: تؤجج لهم نار ، فيقال لهم: ادخلوها، فمن أطاع منهم دخل الجنّة . منه». اُنظر: الفقيه، ج 3 ، ص 492، ح 4741 ؛ و ح 6 و 7 من باب الأطفال من الكافي .
16- . شرح المازندراني، ج 10، ص 114، نقلاً عن بعض العلماء.
17- . الفقيه، ج 3 ، ص 492، ذيل ح 4742.
18- . لم أعثر على ترجمته ولا على كلامه.
19- . اُنظر: جامع البيان، ج 8 ، ص 127، تفسير الآية 158، من سورة الأنعام.
20- . ح 1 و 3 و 4 من هذا الباب من الكافي. الفقيه، ج 3 ، ص 491، ح 4740 ؛ التوحيد للصدوق، ص 393 ، ح 5 ؛ معاني الأخبار، ص 407 408، ح 86 .
21- . صحيح مسلم، ج 1، ص 53 . و له مصادر عديدة، اُنظر: مسند أحمد، ج 1، ص 215 و 328 و 341 و 358 ؛ و ج 2، ص 244 و 253 و 259 و 268 و 315 و 347 و 393 و 464 و 471 و 481 و 518 ؛ و ج 5 ، ص 73؛ و ج 6، ص 84 ؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 104؛ و ج 7، ص 210 و 211؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 416، ح 4711 و 4712 و 4714 و 4715 ؛ سنن الترمذي، ج 3 ، ص 303 ، ح 2223؛ سنن النسائي، ج 4، ص 58 60؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 633 634، ح 2076 و 2077 و 2079؛ مسند أبييعلى، ج 4، ص 362 ، ح 2479؛ و ج 10، ص 503 ، ح 6120؛ المستدرك للحاكم ، ج 2، ص 370 ؛ السنن الكبرى، ج 6، ص 202 و 203؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 473 و 474 ؛ مسند عبد بن حميد، ج 3 ، ص 958 959، ح 1671 و 1672؛ منتخب عبد بن حميد، ص 295، ح 950.
22- . الروضة من الكافي، ص 120، ح 93. و مثله في تفسير القمّي، ج 1، ص 232.
23- . لم أعثر عليه في سنن ابن ماجة .
24- . هذا هو الصحيح، وفي الأصل: «أبو عمرو» . و روايته في التهميد، ج 18، ص 127 و 128 و 129 ، و فيه : «المولود» بدل «الأصمّ» ، و مع مغايرة في اللفظ، و أشار إلى هذا الرواية في ص 130.
25- . مسند أحمد، ج 4، ص 24، مسند ابن راهويه، ج 1، ص 122، ح 41 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 16، ص 356 357 ؛ المعجم الكبير للطبراني، ج 1، ص 287، ح 841 ؛ مجمع الزوائد، ج 7، ص 216 عن أحمد و البزّار. و كلام الأحمق في الجميع عدا المعجم الكبير هكذا : «ربّ لقد جاء الإسلام و الصبيان يقذفوني بالبصر». و المذكور هنا نقلاً عن الأحمق، منقول عن الهرم، نعم لم يذكر في المعجم الكبير للطبراني كلام الأحمق، و نسب كلامه المذكور هنا إلى الأصمّ .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

. .

ص: 334

. .

ص: 335

. .

ص: 336

باب النوادر

باب النوادريذكر فيه أخبار متفرّقة متعلّقة بالأبواب السابقة من أحكام الموتى . قوله في خبر منصور الصيقل: (وجدا وجدته على ابن لي) . [ح 3 / 4742] الوجد: الحزن، (1) وفي التعبير عن الحزن به هنا لطيفة . قوله في مرسلة عليّ بن إبراهيم: (ولولا هول المطّلع لسرّني أن أكون مكانك) . [ح 4 / 4743] المُطّلع بفتح اللّام: مكان الاطّلاع من موضع عال، يقال : مُطّلع هذا الجبل من مكان كذا، أي مأتاه ومَصعده، (2) والمراد منه يوم القيامة، أو ما يُشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الآخرة، فشبّهه بالمُطّلع الّذي يُشرف عليه من موضعٍ عال . قوله في موثّقة عمّار: (لا يبقى له لحم ولا عظم إلّا طينته الّتي خلق منها) إلخ. [ح 7 / 4746] قال طاب ثراه: مثل ذلك موجود في طرق العامّة، روى مسلم عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «كلّ ابن آدم يأكله التراب إلّا عجب الذنب، منه خُلق ومنه يركب». (3) وعنه عليه السلام قال : «إنّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبدا، فيه يركب يوم القيامة». قالوا: أي عظم هو يا رسول اللّه ؟ قال : «عجب الذنب». (4) وقال عياض: العجب بفتح العين وإسكان الجيم: هو العظم الّذي أسفل الصُّلب، وهو رأس العُصعُص، ثمّ قال : قال الباجي (5) : هو أوّل ما خلق من بني آدم، وهو الّذي يبقى ليعاد تركيب الخلق عليه . (6) قوله في خبر يزيد بن خليفة: (فجعله بين مِشجَب له) . [ح 8 / 4747] المِشجب بكسر الميم وسكون السين المعجمة وفتح الجيم والباء الموحّدة : خشبات توضع عليها الثياب والقِرَب وأشباهها. (7) ويقال : آمنتُ الأسير بالمد ، أي أعطيته الأمان. والأمنة بفتح الهمزة وسكون الميم: اسم منه، والظاهر أنّ قوله : «آمنته» بصيغة الخطاب، وأنّ الخبر بمعنى الأمر عبّر عنه به رعاية للأدب، وحرصاً على صدور الأمن عنه صلى الله عليه و آله ، والضمير في «أبي» له عليه السلام ، وفي «آمنته» على صيغة المصدر للمغيرة، وضمير المفعول في «أعادها» لهذه الكلمة المذكورة بعده، أعني قوله: «أني آمنته»: وقد «جعلت لك ثلاثاً»، أي أمهلتك ثلاث ليال لتخرجه من المدينة. وضمير الفاعل في قوله: «وهو يعدهنّ» لأبي عبد اللّه عليه السلام ، فهو من كلام الراوي. ويحتمل عوده إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، فيكون من كلام أبي عبد اللّه عليه السلام . وعن الفاضل الأمين الاسترآبادي أنّه قال : من محتملات هذا الحديث أن يكون «آمنته» بصيغة المتكلّم، فيدّعي عثمان أنّه أعطى عمّه الأمان الشرعي حتّى يخلّصه من القتل، ويكون «أنّي آمنته» بدلاً عن الضمير المؤنّث المذكور في الموضعين، ويكون «إلّا إنّه يأتيه» متعلّقاً بقوله عليه السلام «ما آمنه»، وضمير «أنّه» لعثمان، وضمير «يأتيه» للنبيّ صلى الله عليه و آله . انتهى . والمراد بالجهاز في قوله: «وأثقله جهازه» ما هيّأه له عثمان، والوجس كالوعد الفزع في القلب، أو السمع من صوت، أو غيره. (8) والمراد أنّه أعيا عن المشي بسبب ثقل ما جهّز عثمان له على ظهره. والسُّمر بضم الميم: شجر معروف يقال له بالفارسية : (خار مغيلان) واحده سَمُرَة. (9) والبُهر: التعجّب. (10) و «أقني» بالقاف على صيغة الأمر المؤنّث، أي احفظي حياك. وفي بعض النسخ : «أفني» بالفاء على صيغة الماضي من الفناء مقروناً بهمزة الاستفهام للتقريع . قوله في خبر عمر بن يزيد: (إذا حضر الميّت أربعون رجلاً) إلخ. (11) [ح 14 / 4753] قال طاب ثراه: الظاهر أنّ الحكم مترتّب على هذا العدد، وقد ورد مثل ذلك في روايات العامّة أيضاً إلّا أنّ في بعضها : «مئة رجل»، (12) وفي بعضها : «صفوف»، (13) وفي بعضها : «اُمّة»، (14) وفي بعضها : «أربعون رجلاً». (15) وفي بعضها لم يذكر العدد، وهو ما رواه مسلم عن أنس بن مالك في حديث طويل أنّه صلى الله عليه و آله مرّ بجنازة فأثنى عليه خيرا، وقال : «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنّة، ومن أثنيتم عليه شرّا وجبت له النار». (16) وقال بعضهم: يرجع الأمر في ذلك إلى قبول شهادة جمع من المسلمين مع استحباب الكثرة، والظاهر عدم قبول شهادتهم على الشرّ إلّا أن تكون شهادتهم مطابقة للواقع بأن يكون الميّت منافقاً ومخالفاً للحقّ كما قال القاضي القرطبي: أنّ ذلك في المنافق وأخبارنا خالية عنه . قوله في خبر عامر بن عبد اللّه : (عذق) . [ح 15 / 4754] العَذق بالفتح : النخلة بحملها، وبالكسر العنقود منها . (17) قوله في حسنة هشام بن سالم: (فإنّه لم يكثر ذكره إنسان إلّا زهد في الدنيا) . (18) [ح 18 / 4757] قال طاب ثراه: ولذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أكثروا ذكر هادم اللذّات». (19) وقال عليّ عليه السلام : «اُوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة [عنه]» . (20) قوله في خبر داود: (لِد للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب) . [ح 19 / 4758] اللّام في المواضع الثلاثة للعاقبة، كما في قوله تعالى : «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَنًا» (21) . قوله في خبر جابر: (فتعتّب عليه) إلخ. [ح 26 / 4765] يقال : عتب عليه، أي وجد عليه وغضب، والتعتّب مثله. (22) قال طاب ثراه: قيل: إدريس عليه السلام هو الجدّ الأعلى لنوح عليه السلام ، واختلفت روايات العامّة في أنّه مرسل أم لا بعد الاتّفاق على نبوّته عليه السلام ، ففي بعضها دلالة على أنّه كان مرسلاً أيضاً، وأكثرهم عملوا به، واستدلّوا له بقوله تعالى : «وَ إِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» (23) زعماً منهم أنّ الياس هو إدريس، وقد قُرئ (وأنّ إدريس) (24) وعلى هذا لم يكن جدّا لنوح عليه السلام ؛ لأنّ الياس من ذرّيّته، بل من ذرّيّة إبراهيم؛ لقوله تعالى : «وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَاهَآ إِبْرَ هِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَ هَارُونَ وَكَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ» (25) ، فقد قيل: إنّ الضمير في ذرّيته لنوح بناءً على أنّه أقرب، (26) ولأنّ يونس ولوطاً من جملة الذرّيّة، ليسا من ذرّيّة إبراهيم عليه السلام ، فإنّ يونس هو ابن متّى من بني أعمامه، ولوطاً هو ابن هاران الأصغر (27) ابن أخيه عليه السلام . وفي بعضها دلالة على أنّه ليس بمُرسل، وإليه مال ابن بطّال. (28) وقال ابن عطيّة: 29 إنّه الأشهر. وامتغص بالغين المعجمة والصاد المهملة من المغص بالسكون: وهو وجع في الأمعاء. (29) وفي بعض النسخ بالعين المهملة والضاد المعجمة، يقال : امتعضت، إذا غضبت وشقّ عليك أمر . (30) قوله في خبر زرارة: (الحياة والموت خلقان من خلق اللّه تعالى) . [ح 34 / 4773] الخلق هنا بمعنى التقدير كما قيل في قوله تعالى : «خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ» (31) ، فلا ينافي كون الموت عدمياً على ما هو الحقّ من أنّه عدم الحياة عمّا من شأنّه أن يكون حيّاً. (32) وقيل: إنّه وجودي؛ محتجّاً بهذا الحديث، وبالكلام المجيد المُشار إليه، وبحديث ذبحه يوم القيامة في صورة كبش، المنقول من الطريقين. (33) وهؤلاء قد اختلفوا فيجوهريّته وعرضيّته، ذهب بعضهم إلى الثاني بناءً على أنّه نقلة من دار إلى دار، فيكون من مقولة الحركة. وربّما قيل بالأوّل؛ لقوله عليه السلام : «فإذا جاء الموت فدخل في الإنسان لم يدخل في شيء، إلّا وخرجت منه الحياة»؛ بناءً على أنّ الدخول والخروج من سمات الجواهر . قوله في خبر بريد الكناسي: (قد سُفي عليه) إلخ. (34) [ح 38 / 4777] يقال : سَفَتِ الريح، إذا ذرته. (35) وقوله: «مُهطِعاً إلى صوت الداعي»، أي مادّا عنقي مُصَوّباً رأسي متوجّهاً إلى صوت الداعي. قال الجوهري: يقال : هطع الرجل يهطع هطوعاً، إذا أقبل ببصره على الشيء ولا يقلع عنه، وهو مهطع، إذا مدّ عنقه وصوّب رأسه . (36) قوله في خبر السكوني: (من أشراط الساعة) . [ح 39 / 4778] الشَرَط بالتحريك: العلامة ، وجمعه أشراط . (37) قوله في مرفوعة محمّد بن يحيى: (مَوتٌ دَفيفٌ) . [ح 41 / 4780] دَفَّت عليه الاُمور: تتابعت، ودَفَّف تدفيفاً: أسرع. (38) وفي بعض النسخ: «دفيق» بالقاف أخيرا، يقال : دفق اللّه روحه، إذا مات . (39) قوله في خبر القدّاح: (هَمَلَت عين رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالدموع) . [ح 45 / 4784] أي سال دمعه، وهذا الخبر يدلّ على عدم كراهية البكاء في المصاب، بل يدلّ بعض الأخبار على رجحانه؛ معلّلاً بأنّه يزيل حزن القلب، وهذا إذا لم يصدر عنه ما يوجب سخط الربّ من قول أو فعل أو يشعر بعدم الرضا بقضائه تعالى شأنه. وقال طاب ثراه: ونظير ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد اللّه بن عمر: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بكى لسعد بن عبادة وبكى أصحابه، فقال : «ألا تسمعون أنّ اللّه لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم» . (40) قد فرغت من شرح كتاب الطهارة والجنائز بحمد اللّه وحسن توفيقه في يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل من شهور ستّة وتسعين بعد الألف قائلاً: ربّ صلّي على محمّد وأهل بيته الطاهرين المعصومين، وأحينا على ملّتهم ما أحييتنا، وتوفّنا على ملّتهم إذا توفّيتنا، واحشرنا في زمرتهم، وارزقنا شفاعتهم، وأوردنا حوضهم، واسقنا بكأسهم، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على خير خلقه محمّدٍ وآله المعصومين . وأنا العبد محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني . ثمّ فرغت من تحرير هذه النسخة بعد المراجعة والإصلاح في شهر محرّم الحرام سنة 1114 .

.


1- . كتاب العين، ج 6، ص 169 (وجد) .
2- . النهاية، ج 3 ، ص 132 (طلع) .
3- . صحيح مسلم، ج 7، ص 210. و رواه النسائي في السنن، ج 4، ص 111 112؛ و في السنن الكبرى، ج 1، ص 666، ح 2204؛ و ابن حبّان في صحيحه، ج 7، ص 408 . و نحوه مالك في الموطّأ، ج 1، ص 240، ح 48.
4- . صحيح مسلم، ج 8 ، ص 210. و رواه أحمد في مسنده، ج 2، ص 315 .
5- . في هامش الأصل: «هو ابن باجه، منه». أقول : أبوالوليد سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبى الباجي من كبار علماء الأندلس و فقهائها على مذهب مالك، ولد في باجة بالأندلس في سنة 403، ثمّ رحل إلى المشرق في سنة (426 ه . ق) فأقام بالحجاز ثلاثة أعوام، و ببغداد ثلاثة أعوام، و بالموصَل عاما، و في دمشق و حلب مدّة، و عاد إلى الأندلس فولّي القضاء في بعض أنحائها، و توفّي سنة 474 ه . ق . من كتبه: إحكام الفصول في أحكام الأصول، الإشارة، اختلاف الموطآت، التسديد، التعديل و التجريح، تفسير القرآن، الحدود، السراج، شرح فصول الأحكام، شرح المدوّنة، الناسخ و المنسوخ . راجع : الأنساب للسمعاني، ج 1، ص 246، (الباجي)، سير أعلام النبلاء، ج 16، ص 377 ، الرقم 268؛ الأعلام، ج 3 ، ص 125، معجم المؤلّفين، ج 4، ص 261.
6- . حكاه عنه السيوطي في تنوير الحوالك، ص 247، شرح الحديث 567 . وانظر : شرح صحيح مسلم للنووي، ج 18، ص 92.
7- . راجع: النهاية، ج 2، ص 445 (شجب)؛ مجمع البحرين، ج 2، ص 482 (شجب) .
8- . القاموس المحيط، ج 4، ص 577 (وجس) .
9- . القاموس المحيط، ج 2، ص 610 (سمر) ، و لم يذكر فيه معناه بالفارسيّة .
10- . القاموس المحيط، ج 1، ص 131 (بهر) . و فيه: «العجب» بدل «التعجّب».
11- . هذا هو الحديث 14 من هذا الباب، و فيه: «عمرو بن يزيد» بدل «عمر بن يزيد».
12- . مسند أحمد، ج 3 ، ص 266؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 53 ؛ سنن النسائي، ج 4، ص 75 و 76؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 644، ح 2118 2119؛ سنن الترمذى، ج 2، ص 247، ح 1034؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 30 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 3 ، ص 174؛ مسند أبييعلى، ج 7، ص 363 364 ، ح 4398 ؛ و ج 8 ، ص 286، ح 4874 ؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج 6، ص 144 و 154؛ كنز العمّال، ج 15، ص 581 ، ح 42269 و 42270.
13- . سنن الترمذى، ج 2، ص 246، ح 1033؛ مسند أبييعلى، ج 12، ص 215، ح 6831؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 30 ؛ كنزالعمّال، ج 15، ص 580 و 581 ، ح 42265 . و في الجميع: «ثلاثة صفوف».
14- . مسند أحمد، ج 6، ص 331 و 334 ؛ سنن النسائي، ج 4، ص 76، السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 645، ح 2120؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 3 ، ص 203، باب في الميّت ما يتبعه من صلاة الناس عليه، ح 2 ؛ المعجم الكبير، ج 23، ص 437 ؛ و ج 24، ص 19 و 20؛ كنزالعمّال، ج 15، ص 581 ، ح 42268.
15- . مسند أحمد، ج 1، ص 277 278؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 30 ؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 53 ؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 72 73، ح 3170 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 352 ؛ المعجم الأوسط، ج 8 ، ص 369 .
16- . مسند أحمد، ج 3 ، ص 186؛ صحيح مسلم، ج 3 ، ص 53 ؛ سنن النسائي، ج 4، ص 49 50 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 629، ح 2059؛ مسند الطيالسي، ص 275؛ كنز العمّال، ج 15، ص 678 679، ح 42705 .
17- . مجمع البحرين، ج 3 ، ص 145 (عذق) .
18- . و الحديث لأبي عبيدة، و أما خبر هشام بن سالم ، فهو الحديث 17 من هذا الباب ، و متنه مغاير لما ذكره.
19- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 75، ح 325 ؛ وسائل الشيعه، ج 2، ص 435 436، ح 2572.
20- . نهج البلاغة، الخطبة 188.
21- . القصص (28) : 8 .
22- . صحاح اللغة، ج 1، ص 175 (عتب) .
23- . الصافّات (37) : 123 .
24- . جامع البيان، ج 23، ص 115؛ تفسير السمرقندي، ج 3 ، ص 143؛ تفسير الثعلبي، ج 8 ، ص 158؛ تفسير السمعاني، ج 4، ص 412 ؛ تفسير البغوي، ج 4، ص 36 ؛ تفسير النسوي، ج 4، ص 27؛ تفسير الرازي، ج 26، ص 161؛ تفسير القرطبي، ج 15، ص 115 و 120. عمدة القاري، ج 5 ، ص 222 نقلاً عن مصحف ابن مسعود . و مثله في التبيان للشيخ الطوسي، ج 8 ، ص 524 ؛ و في جوامع الجامع، ج 3 ، ص 17؛ و المحرّر الوجيز، ج 4، ص 484 عن ابن مسعود و الأعمش ؛ و في مجمع البيان، ج 8 ، ص 328 عن ابن مسعود و يحيى و الأعمش و الحكم بن عيينة ؛ و في زاد المسير، ج 6، ص 307 عن ابن مسعود و أبي العالية و أبي عثمان النهدي .
25- . الأنعام (6) : 83 86 .
26- . اُنظر: فتح الباري، ج 6، ص 266؛ البحر المحيط، ج 7، ص 358 ؛ تفسير الثعلبي، ج 8 ، ص 158؛ تعليق التعليق لابن حجر، ج 4، ص 9 10؛ عمدة القاري، ج 15، ص 222 224.
27- . في هامش الأصل: «هاران الأكبر عمّ إبراهيم عليه السلام . منه عفي منه». اُنظر: عمدة القاري، ج 12، ص 30 ؛ تفسير الثعلبي، ج 6، ص 283؛ تفسير البغوي، ص 251؛ البحر المحيط، ج 6، ص 305 ؛ تاريخ الطبري، ج 1، ص 171.
28- . أبوالحسن عليّ بن خلف بن بطال البكري القرطبي ثمّ البلنسي ، و يعرف بابن اللجّام ، محدّث فقيه ، توفّي في سنة 449 ه . من آثاره: الاعتصام في الحديث، و شرح الجامع الصحيح للبخاري . راجع : سير أعلام النبلاء، ج 18، ص 47، الرقم 20؛ هدية العارفين، ج 1، ص 688؛ الأعلام، ج 4، ص 258؛ معجم المؤلّفين، ج 7، ص 87 .
29- . مجمع البحرين، ج 4، ص 217 (مغص) .
30- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1107 (معض) .
31- . الملك (67) : 2 .
32- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 158 159؛ بحار الأنوار، ج 67، ص 230 231، الأمثل، ج 17، ص 36 .
33- . اُنظر: تفسير القمّي، ج 2، ص 50 ؛ مجمع البيان، ج 6، ص 424، الصافي، ج 3 ، ص 282، تفسير الآية 39 ، من سورة مريم؛ الكافي، ج 8 ، ص 128؛ الخصال، ص 442، باب العشرة، ح 34 ؛ تحف العقول، ص 24، حكم النبى صلى الله عليه و آله ؛ مسند أحمد، ج 2، ص 261 و 369 ؛ و ج 3 ، ص 9؛ صحيح البخاري، ج 5 ، ص 236 237؛ صحيح مسلم، ج 8 ، ص 152 153؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 6، ص 393 و 394 ، ح 11316 و 11317؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1447، ح 4327 ؛ سنن الترمذي، ج 4، ص 95 96، ح 2682؛ و ص 376 377 ، ح 5165 ؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 83 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 286، ح 914؛ مسند ابن المبارك، ص 61، ح 132؛ مسند أبييعلى، ج 5 ، ص 278، ح 2898؛ صحيح ابن حبّان، ج 16، ص 486 487، المعجم الأوسط، ج 4، ص 83 84 .
34- . في المطبوعة منه : «يزيد الكناسي» .
35- . مجمع البحرين، ج 2، ص 385 (سفو) .
36- . صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1307 (هطع) . و فيه: «و هو مهطع» بدل «و أهطع».
37- . القاموس المحيط، ج 2، ص 697 (شرط) .
38- . القاموس المحيط، ج 2، ص 193 (دفف)، و فيه: «أدَفّت» بدل «دفّت».
39- . القاموس المحيط، ج 2، ص 194 (دفق)، و فيه: «أماته» بدل «إذا مات».
40- . صحيح مسلم، ج 3 ، ص 40. و رواه البخاري في صحيحه، ج 2، ص 85 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 69؛ و الطحاوي في شرح معاني الآثار، ج 4، ص 292؛ و ابن حبّان في صحيحه، ج 7، ص 431 ؛ كنز العمّال، ج 15، ص 611، ح 42429.

ص: 337

. .

ص: 338

. .

ص: 339

. .

ص: 340

. .

ص: 341

. .

ص: 342

. .

ص: 343

. .

ص: 344

. .

ص: 345

كتاب الصلاة

اشاره

كتاب الصلاة

.

ص: 346

. .

ص: 347

باب فضل الصلاة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله البررة المعصومين ، صلاة دائمة بدوام السماوات والأرضين ، وسلاماً كثيرا مؤبّدا أبد الآبدين .

كتاب الصلاةالواجبة والمندوبة ، اليوميّة وغيرها . والصلاة في اللغة : الدعاء (1) ، وشرعاً : أفعال مخصوصة مبدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم .

باب فضل الصلاةقد أجمع أهل العلم على أنّها أفضل العبادات ، وأنّها معراج المؤمن (2) ، وقربان كلّ تقي 3 ، وأنّه لا شيء بعد المعرفة أفضل منها (3) ، لا سيما الفرائض اليوميّة . قوله : (حدّثني محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن وهب) . [ح 1 / 4786] محمّد بن يحيى هذا هو أبو جعفر العطّار . وأحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّه بن سعد بن مالك بن أحوص الأشعري أبو جعفر شيخ القمّيّين ، لقى الرضا والجواد والهادي عليهم السلام (4) . والحسن بن محبوب السرّاد ، ويُقال له : الزرّاد، كوفي (5) . معاوية بن وهب البجلي أبو الحسن الكوفي (6) ، وكلّهم ثقاة جلائل ، وينابيع العلوم وعيونها . وابن محبوب على ما ذكر الشيخ أبو عمرو الكشّي رحمه الله ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وأقرّوا لهم بالعلم والفقه (7) . قوله في صحيحة زيد الشحّام : (فيسبغ الوضوء) . [ح 2 / 4787] قال طاب ثراه : المراد بإسباغ الوضوء فعله بجميع الشرائط والأركان المعتبرة في الصحّة وفي كماله . قوله : (ياويلاه) إلخ . [ح 2 / 4787] قال طاب ثراه : الويل : كلمة يقال عند الوقوع في المهلكة، وتلحقه الألف للندبة، والهاء للسكت (8) . وفي قول إبليس هذا دلالة على أنّه كان مأمورا بالسجود للّه تعالى ؛ تعظيماً لآدم وشكرا لإيجاده تعالى إيّاه ؛ لأنّه وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار . قوله في خبر يزيد بن خليفة : (نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض) . [ح 4 / 4789] الظاهر أنّ الظرف لغو متعلّق بنزلت ، وإدراج الأعنان في الطرفين لبيان كثرتها . ويحتمل أن يكون مستقرّا من الرحمة ، فيكون أتمّ في ذلك البيان ، وأوفق لما ورد في ثواب كلمة لا إله إلّا اللّه وأمثالها من أنّه يملأ ما بين السماء والأرض (9) . وأيّده طاب ثراه بقوله عليه السلام في الخبر الّذي بعده : «وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى اُفق السماء» ، والأعنان من السماء : نواحيها ، وعنانها بالكسر : ما بدا لك إذا نظرت إليها (10) . والاُفق على مثال عسر وعسر ورجل : الناحية، والطرف ، وجمعه الآفاق (11) . قوله في خبر أبي حمزة : (ونظر اللّه إليه. أو قال. أقبل اللّه عليه) . [ح 5 / 4790] أمثال هذه الأفعال إذا نُسبت إليه تعالى يُراد بها آثارها وما يترتّب عليها . قوله : (عن ابن مسكان، عن إسماعيل بن عمّار) . [ح 7 / 4792] في بعض النسخ: «ابن سنان» بدلاً من «آبن مسكان» ، وهو محتمل لعبد اللّه ومحمّد المشترك بين المجهول والثقة 13 . وإسماعيل هو أخو إسحاق بن عمّار ، ولقد ورد مدحه فقد روى المصنّف قدس سره في باب البرّ بالوالدين في الصحيح عن عمّار بن حنّان ، قال : خبّرت أبا عبد اللّه عليه السلام ببرّ إسماعيل ابني بي ، فقال : «لقد كنت اُحبّه ، وقد ازددت له حبّاً» (12) . وروى الكشّي رحمه الله بإسناده عن زياد القندي ، قال : كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا رأى إسحاق بن عمّار وإسماعيل بن عمّار قال : «وقد يجمعهما لأقوام»، يعني الدنيا والآخرة (13) . وقد ثبت فطحيّة عمّار (14) ، وأمّا إسماعيل فلم ينقل عنه أحد هذه ، فالخبر على نسخة الأصل حسن . ثمّ الظاهر أنّ المراد بالصلاة الفريضة اليومية ، ولا بُعد فيكونها أفضل من الحجّ مع اشتماله على صلاة فريضة . ويحتمل تعميم الفريضة ، فيخصّ أفعال الحجّ بما عدا صلاته . لا يقال : هذا ينافي ما ثبت من أنّ أفضل الأعمال أحمزها (15) ؛ لزيادة مشقّة في الحجّ ليست في الصلاة . لأنّا نقول : هذا مخصّص بأفراد نوع واحد من العمل كالوضوء والصوم في الشتاء والصيف ، ولا يعدو إلى ما تعدّد، فربّما يكون الأخفّ معه أفضل ، كما يظهر من تتبّع أخبار ثواب الأعمال . قوله : (جماعة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى) . [ح 8 / 4793] لفظ جماعة قائمة مقام عدّة ، وقد سبق أنّ العدّة الّتي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى منهم محمّد بن يحيى العطّار ، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن إدريس ، وهم ثقات ، فالخبر صحيح . ولعلّ إطراقه صلى الله عليه و آله لانتظار الوحي . وقال طاب ثراه : ويحتمل أن يكون للتفكّر في إجابة المسؤول ؛ لأنّه أمر عظيم ، أو للتنشيط . والسجود محتمل لمعناه الحقيقي، وللصلاة ، فعلى الأوّل يدلّ على أنّ طول السجود أفضل من كثرته بلا تطويل ومن طول القيام، والشافعي فضّل طول القيام في الصلاة؛ معلّلاً بأنّ ذكر القيام إنّما هو القرآن ، وهو أفضل الأذكار (16) . قوله في مرسلة إبراهيم بن عمر : (صلاة المؤمن بالليل) إلخ. [ح 10 / 4795] قال طاب ثراه : يحتمل أن يكون تفسير الحسنات بصلاة الليل باعتبار أنّها فرد من الحسنات ، أنّ الحسنات منحصرة فيها ؛ لاحتمالها الصلوات الخمس أيضاً بدليل صدر الآية . وقد جاء في روايات العامّة تفسيرها بالصلوات الخمس (17) . وقال بعضهم نقلاً عن مجاهد : إنّها سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر (18) ، ولعلّه أيضا باعتبار أنّها فرد من الحسنات .

.


1- . صحاح اللغة، ج 6، ص 2402 (صلا) .
2- . هذه العبارة مع كثرة تداولها على الألسن لم ترد في المصادر الروائيّة، و أقدم مصدر وردت فيه هذه العبارة و نسب إلى النبي صلى الله عليه و آله تفسير الرازي، ج 1، ص 266، ولم أجده في مصادر الإماميّة، والظاهر أنّها من عبارات علمائنا المتأخّرين.
3- . الكافي، باب فضل الصلاة، ح 1؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 133.
4- . رجال النجاشي، ص 81 82 ، الرقم 198؛ خلاصة الأقوال، ص 61 62؛ رجال ابن داود، ص 44، الرقم 131.
5- . الفهرست، ص 96، الرقم 162؛ رجال الطوسي، ص 334 ، الرقم 4978 ؛ و ص 355 ، الرقم 5251 ؛ خلاصة الأقوال، ص 97.
6- . رجال النجاشي، ص 412، الرقم 1097، الفهرست، ص 248، الرقم 738؛ رجال الطوسي، ص 303 ، الرقم 4459 ؛ خلاصة الأقوال، ص 274؛ رجال ابن داود، ص 191، الرقم، 1590.
7- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 830 ، الرقم 1050.
8- . اُنظر: صحاح اللغة، ج 5 ، ص 1846 (ويل) .
9- . اُنظر: الكافي، كتاب الدعاء، باب التسبيح و التهليل، ح 3 ؛ الدعوات للراوندي، ص 54 ، ح 136؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 185، ح 9070.
10- . النهاية، ج 3 ، ص 313 ؛ القاموس المحيط، ج 3 ، ص 332 (عنن) .
11- . اُنظر: صحاح اللغة، ج 4، ص 1446 (أفق) . و فيه: «رجل أفقي بفتح الهمزه والفاء ما إذا كان من آفاق الأرض» .
12- . الكافي ، باب البرّ بالوالدين من كتاب الايمان و الكفر، ح 12، و رواه الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب الزهد، ص 34 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة، ج 21، ص 488، ح 27665.
13- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 705، ح 752.
14- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 524 ، ح 471 ؛ الفهرست، ص 189، الرقم 526 ؛ معالم العلماء، ص 122، الرقم 601؛ خلاصة الأقوال، ص 381 ؛ رجال ابن داود، ص 263، الرقم 360 .
15- . بحارالأنوار، ج 79، ص 229 ، و قال : «الخبر المشهور بين العامّة و الخاصّة أنّ أفضل الأعمال أحمزها» ؛ و ج 82 ، ص 332 ، ذيل ح 12 نقلاً عن الشيخ البهائي؛ تفسير الرازي، ج 2، ص 217؛ صحاح اللغة، ج 3 ، ص 875 ؛ مجمع البحرين، ج 1، ص 573 (حمز)؛ شرح المواقف، ج 8 ، ص 285. و في غريب الحديث لابن قتيبة، ج 1، ص 71 : سئل ابن عبّاس أيّ الأعمال أفضل؟ قال : أحمزها.
16- . الأذكار النوويّة، ص 56 57 ، باب أذكار السجود . و راجع: المجموع للنووي، ج 2، ص 168؛ و ج 3 ، ص 267 271؛ و ج 4، ص 45 و 414 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 340 .
17- . اُنظر: مسند أحمد، ج 1، ص 71و 386 و 430 و 445 و 449 ؛ و ج 5 ، ص 244 و 437 ؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 133 134؛ و ج 5 ، ص 214 215؛ صحيح مسلم، ج 8 ، ص 101 و 102، سنن ابن ماجة، ج 1، ص 447 448، ح 1398؛ و ج 2، ص 1421، ح 4254 ؛ سنن الترمذي، ج 4، ص 352 353 ، ح 5113 ؛ و ص 354 ، ح 5117 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 8 ، ص 241؛ و ج 8 ، ص 322 ؛ مسند الطيالسي، ص 90 91؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 8 ، ص 197، ح 15؛ تفسير الثوري، ص 135؛ تفسير القرآن لعبد الرزّاق، ج 2، ص 314 . جامع البيان، ج 2، ص 171 174؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج 6، ص 2092؛ معاني القرآن للنحّاس، ج 3 ، ص 386 .
18- . جامع البيان، ج 12، ص 13.

ص: 348

. .

ص: 349

. .

ص: 350

. .

ص: 351

. .

ص: 352

باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها

باب من حافظ على صلاته أو ضيّعهامحافظتها أداؤها في أوقات فضيلتها والشرائط المعتبرة في صحّتها وفي كمالها ، وتضييعها فعلها لا كذلك وإن كانت مجزية مسقطة للقضاء . قوله في خبر يونس بن عمّار : (الرجل يكون في صلاته خالياً) إلخ. [ح 3 / 4801] أي من العجب ، ويقال : خسأت الكلب ، أي طردتها (1) . ودلّ الخبر على أنّ حدوث العجب في أثناء الصلاة غير مخلّ بصحّتها ، لكنّه مجهول (2) ، فلا اعتماد عليه . قوله : (عن فضالة عن حسين بن عثمان) . [ح 4 / 4802] فضالة هذا هو ابن أيّوب الأزدي ، وكان ثقة (3) ، وقد ادّعى بعض الأصحاب إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (4) . والحسين مشترك بين ثقات هم : حسين بن عثمان الأحمسي الكوفي ، والحسين بن عثمان بن زياد الرؤاسي أخو حمّاد بن عثمان الملقّب بالناب ، والحسين بن عثمان بن شريك العامري الوحيدي. (5) والخبر موثّق بسماعة بن مهران ، والقول المنسوب إلى الصلاة إمّا بلسان المقال ، وذلك إمّا بحياة يخلقها اللّه تعالى فيها ، أو بخلق كلام فيها كما خلق في الهواء المحيط بموسى عليه السلام ، أو بلسان الحال ، أو الإسناد مجازي ، والمراد إسناده بخفضه؟ وقد قيل : هذه الوجوه في شهادة الأعمال كلّها . قوله : (عن عمر بن اذينة) . [ح 6 / 4804] هو عمر بن محمّد بن اُذينة نسب إلى جدّه (6) ، وقيل : اسمه محمّد بن عمر بن اُذينة غلب عليه اسم أبيه (7) ، وكان ثقة (8) . وقال حمدويه : سمعت أشياخي منهم العبيدي وغيره أنّ ابن اُذينة كوفي هرب من المهدي ومات باليمن، ولذلك لم يرو عنه كثير (9) . والظاهر أنّ التشبيه في قوله عليه السلام : «كنقر الغراب» متعلّق بالسجود فقط ، ووجه الشبه الهيئة المنتزعة منهما . وقال طاب ثراه : النقر كناية عن سرعة حركته وعدم طمأنينته وخشوعه تشبيهاً بنقر الغراب ثمّ قال _ : ويمكن أن يستنبط منه وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود ، ولا خلاف فيه بين أصحابنا ، بل قال الشيخ رحمه الله في الخلاف : إنّها ركن (10) . ولا دليل عليه . ووافقنا في الوجوب أكثر أهل الخلاف (11) ، وقال بعضهم بعدمه محتجّاً بقوله : «اركعوا واسجدوا» (12) حيث لم يوجب زائدا على مسمّاهما (13) . والجواب : أنّ عدم ذكرها فيه لا يدلّ على عدم وجوبها، وقد ثبت من أخبار مذكورة في كتبهم أيضاً كقوله صلى الله عليه و آله : «اركع حتّى تطمئنّ راكعاً» ، ومثله في السجود (14) . قوله في حسنة حريز : (لا تتهاون بصلاتك) إلخ. (15) [ح 7 / 4805] التهاون : أعمّ من الترك ومن الإخلال بالشرائط ، والمراد من قوله عليه السلام : «ليس منّي» في الموضعين نفي غاية الارتباط ، كما قال عليه السلام لبيان تحقّقها في سلمان : «سلمان منّا أهل البيت» (16) . اللّهمّ إلّا أن يُراد بالاستخفاف بالصلاة، وبالشرب اعتقاد حلّيّة ترك الصلاة وشرب الخمر ، فالمراد حينئذٍ نفي الدين عنهما وإثبات الكفر لهما ، والمراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة ، وعلى الأوّل فالصلاة عامّة ، ويظهر من بعض الأخبار كفر التارك للصلاة من غير عذر مطلقاً وإن لم يستحلّ تركها (17) . روى المصنّف قدس سره في باب الكفر من اُصول الكتاب : «أنّ الزاني لا يُسمّى كافرا ؛ لغلبة الشهوة عليه ، فلا يكون مستخفّاً ، وتارك الصلاة يُسمّى كافرا ؛ لأنّه لا يكون له لذّة ، وإذا نفيت اللّذة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر» (18) . وقد دلّ قوله تعالى في تارك الحجّ : «وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (19) على كفر تاركه أيضاً مطلقاً ، ولا يبعد استثناؤهما من سائر ضروريّات الدين ، لكنّ الأصحاب أوّلوهما (20) ، فتدبّر .

.


1- . صحاح اللغة، ج 1، ص 47 (خسأ) . و فيه: «طردته» بدل «طردتها».
2- . اُنظر: معجم رجال الحديث، ج 20، ص 225 226، الرقم 13839.
3- . رجال النجاشي، ص 310 311 ، الرقم 850 ؛ رجال الطوسي، ص 342 ، الرقم 5092 ؛ خلاصة الأقوال، ص 230؛ نقد الرجال، ج 4، ص 15، الرقم 4102.
4- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 831 830 ، الرقم 1050.
5- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 53 ، الرقم 119؛ و ص 54 ، الرقم 122، اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 670، ح 694. خلاصة الأقوال، ص 117 118.
6- . رجال النجاشي، ص 283، الرقم 572 . و فيه: «عمر بن محمّد بن عبدالرحمان بن اُذينة».
7- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 626، ح 612؛ رجال الطوسي، ص 313 ، الرقم 4655 ؛ خلاصة الأقوال، ص 211.
8- . الفهرست، ص 184، الرقم 503 ؛ رجال الطوسي، ص 339 ، الرقم 5047 ؛ معالم العلماء، ص 120، الرقم 585 .
9- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 626، ح 612.
10- . الخلاف، ج 1، ص 348 ، المسألة 98 ، و قال فيه : «الطمأنينة في الركوع ركن من أركان الصلاة»؛ وفي ص 359: «الطمأنينة في السجود ركن».
11- . فتح العزيز، ج 3 ، ص 386 و 478 ؛ و ج 4، ص 144؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 396 و 410 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 355 و 363 ؛ مواهب الجليل، ج 2، ص 45 ؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 1، ص 241؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 133؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 162؛ البحر الرائق، ج 1، ص 523 ؛ المغني، ج 1، ص 541 ؛ كشّاف القناع، ج 1، ص 468، نيل الأوطار، ج 2، ص 294.
12- . الحجّ (22) : 77.
13- . المجموع للنووي، ج 3 ، ص 410، تحفة الفقهاء، ج 1، ص 133، بدائع الصنائع، ج 1، ص 162؛ البحر الرائق، ج 1، ص 523 ؛ المغني، ج 1، ص 541 .
14- . مسند أحمد، ج 2، ص 437 ؛ و ج 4، ص 340 ؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 184 و 192؛ و ج 7، ص 132 و 226؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 11؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 336 337 ، ح 1060 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 196، ح 856 ؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 186 187، ح 302 ؛ سنن النسائي، ج 2، ص 124 125 و 193؛ و ج 3 ، ص 60؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 220، ح 640؛ و ص 308 ، ح 958؛ و ص 391 ، ح 1237؛ مسند أبييعلى، ج 11، ص 451، ح 6577؛ و ص 499497، ح 6622 و 6623؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 15 و 37 و 62 و 122 و 126 و 372 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 5 ، ص 212 213.
15- . والحديث لزرارة؛ لأنّ حريزا رواه عنه.
16- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 70، الباب 31 ح 282؛ الاختصاص، ص 341 ؛ المستدرك للحاكم، ج 3 ، ص 598 ؛ المعجم الكبير، ج 6، ص 213؛ الدرر لابن عبدالبرّ ، ص 170؛ كنز العمّال، ج 11، ص 690، ح 33340 .
17- . عوالى اللآلي، ج 2، ص 224، ح 36 ؛ مسند أحمد، ج 5 ، ص 355 ؛ مسند أبييعلى، ج 7، ص 137، ح 4100 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 323 .
18- . الكافي، كتاب الايمان و الكفر، باب الكفر، ح 9. ولا يخفى أنّ المذكور هنا منقول بالمعنى .
19- . . آل عمران (2) : 97 .
20- . اُنظر: شرح المازندراني، ج 2، ص 347 ؛ التفسير الصافي، ج 1، ص 362 ، تفسير الآية 97، من سورة آل عمران؛ الميزان، ج 3 ، ص 355 .

ص: 353

. .

ص: 354

. .

ص: 355

باب فرض الصلاة

باب فرض الصلاةالفرض يطلق على معنيين : أحدهما وهو الأكثر _ : الواجب مطلقاً ، سواء ثبت وجوبه بالقرآن أم بالسنّة . وثانيهما : ما ثبت وجوبه بالقرآن ، وأكثر أخبار الباب يدلّ على إرادة هذا المعنى . وتطلق السنّة أيضاً على معنيين متقابلين لما ذكر : أحدهما : المندوب ، وثانيهما : ما ثبت وجوبه بالسنّة ، وربّما تطلق على السنّة النبويّة والطريقة الشرعيّة مطلقاً . قوله في صحيحة زرارة : «قال اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله : «أَقِمِ الصَّلَوةَ ...» ) إلخ. [ح 1 / 4815] قد بيّن عليه السلام في الخبر دلائل وجوب الصلوات الخمس من القرآن المجيد ، وذكر منها ثلاث آيات: إحداها: قوله جلّ ذكره : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَ قُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا» (1) ، والمراد بإقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في أفعالها من قولهم : أقام العود ، إذا قوّمه وأزال اعوجاجه ، أو المواظبة عليها من قامت السوق ، إذا نفقت ، وأقمتها إذا جعلتها نافقة ومنه قوله : أقامت غزالة سوق الضرابلأهل العراقين حولاً قميطاً . (2) فإنّه إذا حوفظ عليها كانت كالنافق الّذي يرغب فيه ، وإذا ضيّعت كانت كالكاسد الّذي يرغب عنه . وقيل : هو التشمير لأدائها والتهيّؤ له من غير توان من قولهم : قام بالأمر وأقامه ، إذا جدّ فيه وتجلّد ، ضدّ قعد عنه وتقاعد . وقيل : هو أداؤها عبّر عنه بالإقامة ، لاشتمالها على القيام ، كما يعبّر عنها بالركوع والسجود (3) . واللّام في «لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» للتوقيت ، مثلها في قولهم في التواريخ : لثلاث خلون من شهر كذا ، وقد اختلف أهل العلم في تفسير الدلوك ، والمشهور بينهم أنّه الزوال ، ودلّ عليه هذا الخبر ، وما يرويه المصنّف قدس سرهفي باب وقت الظهر والعصر عن يزيد بن خليفة (4) ، وصحيحة عبيد بن زرارة (5) عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ» قال : «إنّ اللّه فرض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا أنّ هذه قبل هذه» . (6) وما روي من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أتاني جبرئيل لدلوك الشمس فصلّى بي الظهر» (7) ، وفسّره الجوهري أيضاً بذلك مستشهدا بهذه الآية (8) . ويؤيّده اشتقاقه من الدلك ، لأنّ الإنسان يدلك عينيه عند النظر إليها في ذلك الوقت ليدفع شعاعها . وبه قال أكثر الأصحاب (9) ، وهو المشهور من مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ومنقول عن ابن عبّاس وأبي هريرة والشافعي وأصحابه (10) . وعلى هذا فيُستفاد منه الفرائض اليومية كلّها . وعن ابن مسعود : أنّه الغروب (11) ، ونقله بعض العامّة عن عليّ عليه السلام (12) ، ولم يثبت . ونقله الجوهري قولاً (13) ، ورجّحه صاحب الكشّاف حيث قال : «دلكت الشمس : غربت ، وقيل : زالت» (14) . ونقل الشيخ أبو عليّ الطبرسي في مجمع البيان عن الشيخ أبي جعفر الطوسي أنّه فسّره بغروب الشفق (15) . والغسق محرّكة _ : الظلمة الشديدة (16) ، وهو نصف الليل على ما يظهر من هذا الخبر، وفي الكشّاف : «الغسق : الظلمة ، وهو وقت صلاة العشاء» (17) . وفسّر في القاموس بظلمة أوّل الليل (18) . وقرآن الفجر : صلاته (19) ، قال الزجّاج في قوله : «وَ قُرْءَانَ الْفَجْرِ» فائدة عظيمة هي أنّها تدلّ على أنّ الصلاة لا تكون إلّا بقراءة» (20) . وفي كنز العرفان : وقال بعض الحنفيّة: فيه دلالة على ركنيّة القراءة كما دلّ تسميتهما ركوعاً وسجودا على كونهما ركنين، وليس بشيء؛ لأنّ التسمية لغوية ، وكونها ركناً أو غيره شرعيّة ، فإنّ القراءة ، جزء سواء كانت ركناً أو غير ركن ، فالركنيّة مستفادة من دليل خارج . وسمّاه مشهودا لأنّه تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، ويكتب في الديوانين (21) ، وظاهر الآية توسعة وقت الظهرين والعشائين ، ويجيء القول فيها في الباب الآتي إن شاء اللّه تعالى . الثانية: قوله تعالى : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَ زُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّ_?اتِ ذَ لِكَ ذِكْرَى لِلذَّ كِرِينَ» (22) ، وفيه دلالة على وجوب ثلاث صلوات بناءً على ما دلّ عليه الخبر . حيث فسّر عليه السلام «طرفي النهار» بوقت المغرب والغداة ، و «زلفاً من الليل» بوقت العشاء الآخرة ، وهو منقول عن ابن العبّاس والجبائي والحسن (23) . وربّما يستخرج منه الخَمس بأجمعها ، فقد حكى في مجمع البيان عن مجاهد أنّه فسّر طرفي النهار بوقت صلاة الغداة والظهر والعصر، بناءً على أنّ ما بعد الزوال أحد طرفي النهار وطرفه الآخر من طلوع الفجر إلى الزوال ، فأراد بالطرف النصف ، وفسّر زلفاً بوقت العشائين (24) . وفي كنز العرفان : ويحتمل قولاً ثالثاً بناءً على أنّ النهار اسم لما بين الصبح الثاني وذهاب الشفق المغربي ، وأنّ المراد بطرفي النهار نصفا النهار ، فصلاة الفجر في النصف الأوّل وباقي الصلوات الفرائض في النصف الثاني ، وحمل زلفاً من الليل على نوافل الليل وعلى هذا يكون زلفاً عطفا على الصلاة لا على طرفي النهار، وعلى الأوّلين يكون عطفاً على طرفي النهار (25) . والزلفى بمعنى القربي (26) ، أي ما يتقرّب بها إلى اللّه عزّ وجل ، فسّره به أكثر المفسّرين (27) . وفي القاموس : «الزلفة : الطائفة من الليل جمعها كغرف وغُرَفات [و غُرُفات و غُرْفات]، أو الزلف : ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل» (28) . وظاهر هذه الآية أيضاً توسعة أوقات الصلوات المستنبطة منها . الثالثة: قوله تعالى : «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» (29) باب المفاعلة قد يجيء لبيان كثرة الفعل وإن لم يكن بين فاعلين . وقال طاب ثراه : المحافظة يقتضي طرفين، فقيل : هو بين العبد والربّ ، فكأنّه قيل : احفظ الصلاة حفظك اللّه الّذي هو الآمر بها كقوله تعالى : «فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ» (30) . وقيل : هو بين العبد والصلاة ، فإنّ مَن حفظ الصلاة حفظته عن المحرّمات : «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ» (31) ، بل عن الفتن والمحن أيضاً: «وَاستَعينُوا بِالصَبرِ وَالصَّلاة» (32) . انتهى . ولا يخفى ما في هذه التكلّفات البعيدة ، فإنّ المحافظة إنّما يقتضي مشاركة فاعلين في فعل واحد ، وهو حفظ الصلوات . واختلفوا في تفسير الوسطى ، فقال طائفة من الخاصّة والعامّة : هي الظهر (33) ، وبه ينطق هذا الخبر . وربّما علّل ذلك بوجوه ثلاثة : الأوّل : أنّها أوّل صلاة صلّاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله (34) ، وذلك يدلّ على زيادة شرافتها . الثاني : أنّها في وسط النهار ، وهو ساعة زيادة الحرّ واشتداده ، فكانت أشقّ وأحمز ، فكانت أفضل . وأيضاً في هذه الساعة تُفتح أبواب السماء ، ويُستجاب فيها الدعاء (35) . والثالث : أنّها في وسط صلاتين بالنهار صلاة الصبح وصلاة العصر ، وهذا الوجه مبنيّ على أخذ الوسطى من التوسّط ، والأوّل على أنّها بمعنى الفضلى من الوسط بمعنى الخيار (36) ، والأوسط يحتمل الأمرين ، بل المعنى العامّ الشامل لهما . وقال طائفة : هي العصر (37) ، لأنّها بين صلاتين بالنهار وصلاتين بالليل ، ولأنّها في وقت يشتغل الناس بمعاشهم ، فمن ترك شغله واشتغل بها كان أكثر ثواباً، ولاحتمال مظنّة الترك، فلذلك بالغ فيها ، ولقوله عليه السلام : «الموتور أهله وماله من ضيّع صلاة العصر»، وهو مذكور في الفقيه (38) ، وفي صحيح مسلم أيضاً بطرق متعدّدة . ويؤيّده ما ورد في القراءة الشاذّة : (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى صلاة العصر) . (39) هذا إذا كانت صلاة العصر في تلك القراءة بدون الواو وكما في خبر الكتاب ، وأمّا إذا كانت معها كما في التهذيب فلا . (40) تأييد فيها ، ورواها مسلم أيضاً في صحيحهمعها ، فقد روى بإسناده عن أبي يونس مولى عائشة أنّها أمرت أن أكتب لها مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذنّي «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» قال : فلمّا بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ : «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَ_نِتِينَ» ، وقالت : سمعتها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله (41) . وعن البراء بن عازب ، قال : نزلت هذه الآية : «حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وصلوة العصر» فقرأناها ما شاء اللّه ، ثمّ نسخها اللّه ، فنزلت «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» فقال رجل كان جالساً : هي إذن صلاة العصر ، فقال البراء : قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها [اللّه ] (42) . ويؤيّده أيضاً ما روته العامّة أنّه صلى الله عليه و آله قال يوم الخندق : «لعن اللّه المشركين شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» (43) . وقالت طائفة : هي المغرب ؛ لأنّ الثلاث بين الاثنتين والأربع (44) . وقال طائفة : هي العشاء ؛ لتوسّطها بين ليليّة ونهاريّة (45) . وقال طائفة : هي الصبح (46) ؛ لتوسّطها بين ليلتين ونهاريّتين وبين الضياء والظلام ، ولشهادة ملائكة الليل وملائكة النهار وكتابتهما في العملين وثبتهما في الدفترين، ولزيادة المشقّة فيها ؛ لأنّها تفعل وقت طيب النوم في الشتاء للدثار وفي الصيف لطيب الهواء . وعن بعض الزيديّة : أنّها الجمعة (47) . وقال بعض المحقّقين : هي مبهمة أبهمها اللّه سبحانه ؛ ليحافظ على كلّ الصلوات طمعا (48) في إدراك فضيلتها (49) . وقال طائفة : هي الصلوات الخمس كلّها على أن يكون اسم التفضيل بمعنى أصل الفعل ، أو إرادة تفضيلها على غير الفرائض اليوميّة (50) . ثمّ إنّ هذه الآية مجملة في الصلوات الخمس ولا دلالة فيها على عددها ، وربّما استدلّ بها عليه بأنّ الصلوات أقلّها ثلاث ، والصلاة الوسطى تدلّ على شيء زائد تحرّزا عن لزوم التكرار ، وذلك الزائد إمّا رابعة أو خامسة ، والأوّل باطل لاستلزامه أن لا يكون للمجموع وسطى ، هذا خلف ، والثاني هو المطلوب ، وهو كماترى. وقد وردت آيات اُخرى في الباب : الاُولى: قوله تعالى في سورة طه : «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِهَا وَ مِنْ ءَانَآىءِ الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى» (51) بناءً على ما ذكره الأصحاب وغيرهم ، ففي مجمع البيانفسّر : «قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ» بصلاة الفجر ، و «قَبْلَ غُرُوبِهَا» بصلاة العصر، و «ءَانَآىءِ الَّيْلِ» على قول بأوّل الليل المغرب والعشاء الآخرة ، و «أَطْرَافَ النَّهَارِ» بالظهر ، وقال : «سمّي وقت الظهر أطراف النهار ، لأنّ وقتها عند الزوال (52) ، وهو طرف النصف الأوّل وطرف النصف الثاني»، نقله عن قتادة والجبائي (53) . وقال المحقّق الأردبيلي : قبل طلوع الشمس إشارة إلى صلاة الفجر ، وقبل غروبها إلى صلاتي الظهر والعصر ، لأنّهما واقعتان في النصف الأخير من النهار [...]. وقد تناول التسبيح في آناء الليل صلاة العتمة ، وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار في صلاة الفجر إرادة الاختصاص كما اختصّت في قوله سبحانه: «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» عند بعض المفسّرين . ويحتمل إرادة صلاة الليل المشهورة من آناء الليل، أو مطلق الصلاة ليلاً ، فإنّها عبادة مطلوبة جدّا ، وإرادة نافلة الفجر أيضاً ، وكذا من أطراف النهار أيضاً بحمل الأمر على الرجحان المطلق (54) . وفي كنز العرفان : قال المفسّرون ، المراد من الآية إقامة الصلوات الخمس في هذه الأوقات ، فقبل طلوع الشمس إشارة إلى الفجر ، وقبل غروبها إشارة إلى الظهرين ؛ لكونهما في النصف الأخير من النهار ، ومن آناء الليل إشارة إلى العشائين . وقال ابن عبّاس : المراد من آناء الليل صلاة الليل كلّه ، واختلف في أطراف النهار ، فقيل: الفجر والمغرب (55) . وفيه نظر ؛ لأنّ طرف الشيء. منه غير خارج عنه (56) . وكأنّه بناه على الاحتمال المتقدّم . ثمّ قال : وقيل : الظهر لأنّ وقته عند الزوال وهو طرف النصف الأوّل نهاية وطرف النصف الثاني بداية، وقيل : العصر أعادها لأنّها الوسطى كما تقدّم ، وإنّما قال أطراف النهار لأنّ أوقات العصر تقع في النصف الأخير من النهار ، فيصدق على كلّ ساعة أنّها طرف ، أو أنّه جمعه للأمن من الالتباس نحو «صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» (57) ، وقول الشاعر : ظهراهما مثل ظهور الترسين (58) . الثانية : قوله تعالى في سورة الروم : «فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِى السَّمَاوَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ» (59) . ذكر المفسّرون أنّ الخبر فيه بمعنى الأمر ، وحكى في كنز العرفان : أنّه سئل ابن عبّاس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال : نعم ، وقرأ هذه الآية ؛ «تُمْسُونَ» : صلاتا المغرب والعشاء ، و «تُصْبِحُونَ» : صلاة الفجر ، و «عَشِيًّا» : صلاة العصر ، و «تُظْهِرُونَ» (60) : صلاة الظهر (61) . وقال المحقّق الأردبيلي : ويحتمل أن يراد بالأوّل المغرب ، وبعشيّاً : العشاء ، وبتظهرون: الظهرين . وغير ذلك ، مثل : أن يراد بعشيّا : المغرب والعشاء ، وبتمسون : العصر ، وبتظهرون: الظهر فقط (62) . الثالثة: قوله سبحانه في سورة ق : «وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبَارَ السُّجُودِ» (63) بناءً على ما ذكر في مجمع البيان من أنّ «قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ» إشارة إلى صلاة الفجر ، و «قَبْلَ الْغُرُوبِ» إلى الظهر والعصر ، ونقله عن قتادة وابن زيد، و «مِنَ الَّيْلِ» إلى المغرب والعشاء الآخرة . ونقل عن مجاهد؛ أنّه عمّمه بحيث يشمل صلاة الليل المندوبة أيضاً . وحكى في أدبار السجود أقوالاً ، فقد قيل : إنّها الركعتان قبل الفجر، نقله عن أمير المؤمنين وابنه الحسن عليهماالسلام ، ورواه عن ابن عبّاس مرفوعاً إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وعن الحسن والشعبي (64) . وعلى هذا فالمراد بالسجود صلاة الليل والشفع والوتر . ويؤيّده ما ورد من فعل نافلة الفجر قبله بعد الفراغ من هذه الصلوات حتّى قيل : إنّ وقتها اختيارا ذلك ، وإنّما وسعت إلى طلوع الحمرة المشرقيّة رخصة ، وقيل: إنّها الوتر من آخر الليل، وهو مروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (65) . وقيل : إنّها النوافل بعد الفرائض ، نقله عن ابن زيد والجبائي ، وعن ابن عبّاس ومجاهد أنّها التسبيح بعد كلّ صلاة (66) . الرابعة: قوله سبحانه في سورة الطور : «وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبَارَ النُّجُومِ» (67) ، فقد نقل في مجمع البيانعن أبي زيد أنّ معناه: صلّ بأمر ربّك حين تقوم من منامك . وعن ابن عبّاس والحسن (68) أنّ المراد من هذه الصلاة الركعتان قبل الفجر . وعن زيد بن أسلم: أنّ معناه حين تقوم من نوم القائلة ، وهي صلاة الظهر . ونقل عن مقاتل أنّ قوله : «مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ» صلاة المغرب والعشاء الآخرة . وقد فسّره هو بصلاة الليل ، وأيّده بما رواه زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامفي هذه الآية ، قالا : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقوم من الليل ثلاث مرّات ، فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من آل عمران الّتي آخرها : «إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» (69) ، ثمّ يفتتح صلاة الليل». ونقل عن ابن عبّاس والضحّاك (70) أنّ قوله: «وَ إِدْبَارَ النُّجُومِ» إشارة إلى صلاة الفجر . وقال : وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام (71) . فالمراد بالتسبيح في هذه الأوقات الصلاة كما ظهر . ويؤيّده أنّ وجوب التسبيح في هذه الأوقات منفي في غير الصلاة إجماعاً . هذا ، وقوله عليه السلام في هذه الصحيحة : «وأنزلت هذه الآية في تفسير قوله تعالى : «وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ» (72) » صريح في أنّ المراد بالقنوت فيه هو المعنى المصطلح . وفي مجمع البيان أيضاً : «القنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام» (73) . وقد فسّره به صاحب الكشّاف والبيضاوي ، حيث قال الأوّل : «أي «وَقُومُواْ لِلَّهِ» في الصلاة، [ «قَانِتِينَ» ] ذاكرين اللّه في قيامكم ، والقنوت أن يذكر اللّه قائماً» (74) . وقال الثاني : «وَقُومُواْ [لِلَّهِ]» في الصلاة [ «قَانِتِينَ» ] ذاكرين [له] في القيام ، والقنوت الذكر فيه (75) و هو ظاهر ابن عبّاس ، فإنّه قال على ما نقل عنه _ : إنّ معناه داعين (76) . وعن ابن المسيّب : أنّ المراد به القنوت في الصبح (77) . والتخصيص من غير مخصّص . واختلف الأصحاب في وجوبه واستحبابه ، فذهب ابن أبي عقيل إلى الأوّل فقد نقل عنه في المختلف أنّه قال : «من ترك القنوت متعمّدا بطلت صلاته وعليه الإعادة ، ومن تركه ساهياً لا شيء عليه» (78) . وهو المحتمل من كلام الصدوق ، حيث قال : «القنوت سنّة واجبة من تركها متعمّدا في كلّ صلاة فلا صلاة له» (79) . بناءً على إرادة أيّ صلاة من قوله: «كلّ صلاة» ردّا على ما ذهب إليه بعض العامّة من ثبوته في صلاة الصبح فقط (80) . ويحتمل أن يريد به الاستحباب المؤكّد بناءً على ما هو الظاهر من لفظ الكلّ ، فيكون غرضه بطلان صلاة من لا يقنت في شيء من الصلوات عمدا (81) ، فتأمّل . والمشهور هو الاستحباب (82) حملاً للأمر في الآية عليه ؛ للجمع بينه وبين الأخبار الدالّة على عدم وجوبه المؤيّدة بالأصل . ونفاه أكثر العامّة في الفرائض مطلقاً (83) ، وقال بعضهم بثبوته في الصبح فقط على ما مرّت الإشارة إليه ، وذهب أكثرهم إلى استحبابه في خصوص الوتر، وهؤلاء فسّروا القنوت في الآية بمعان اُخر ، فإنّ القنوت قد جاء بمعنى طول القيام (84) ، والخشوع (85) ، والإخلاص (86) ، والسكوت (87) ، فقد نقل طاب ثراه عن أبي عبد اللّه الوساني (88) من عظماء علمائهم أنّه قال : أي طائعين ، وقيل : ساكتين (89) . وفي الكشّاف حكى من عكرمة أنّه قال : كانوا يتكلّمون في الصلاة فنهوا عنه (90) . وروى مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : كنّا نتكلّم في الصلاة ، يكلّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتّى (91) نزلت : «وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ» ، فاُمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (92) . ولذلك قال المحقّق الأردبيلي : «حمله على القنوت المتعارف محلّ تأمّل» (93) . قوله : (وبإسناده عن حمّاد) . [ح 2 / 4816] قد مرّ في أوّل الباب للمصنّف ثلاثة أسانيد إلى حمّاد ، والظاهر أنّ سنده إليه في هذا الخبر وفي الأخبار التي بعده تلك الأسانيد بأجمعها . وقوله : (والصلاة على الميّت) [ح 3 / 4817] عطف على «عشرة أوجه» ، وإنّما لم يجعل الصلاة على إحدى عشر وجهاً تنبيهاً على أنّ الصلاة على الميّت ليست على حدّ باقي الصلوات ، بل إنّما هي دعاء على معناها اللغوي (94) ، كما هو المشهور بين الأصحاب . ويؤيّده صحّتها من غير طهارة من الحدثين . وربّما قيل : إنّها صلاة بالمعنى الشرعي ، فيعتبر فيها ما يعتبر في باقي الصلوات إلّا ما استثني ، وعدّ صلاة كسوف الشمس والقمر أو صلاة العيدين واحدة ، ووجوه صلاة الخوف صلاة ذات الرقاع وصلاة بطن النخلة وصلاة المطاردة ، ويجيء تفاصيلها في محلّها . قوله في صحيحة زرارة : (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض) إلخ . [ح 5 / 4819] المراد بالفرض هنا ما ثبت وجوبه من القرآن ، وبالتوجّه تكبيرة الافتتاح ، ويستفاد وجوبها من قوله تعالى : «وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ» (95) ، واستفادة البواقي سوى الدعاء من قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (96) ، و «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ» (97) وقوله : «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (98) ، «وَ ارْكَعُواْ مَعَ الرَّ كِعِينَ» (99) ، «وَ اسْجُدُواْ لِلَّهِ» (100) . وأمّا الدعاء فلا يبعد أن يراد به القنوت ، وهو مستفاد من قوله سبحانه : «وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ» (101) ، فهذا الحديث يؤيّد وجوبه . قوله في حسنة حمّاد بن عيسى : (للصلاة أربعة آلاف حدّ) . [ح 6 / 4820] لقد حملوا الحدّ في هذا الخبر والباب في الرواية الاُخرى على واجبات الصلاة ومندوباتها ، ولذا ألّف الشهيد قدس سرهالألفيّة والنفليّة ، وذكر في الاُولى ألف مسألة في واجبات الصلاة ، وفي الثانية ثلاثة آلاف في مندوباتها .

.


1- . . الإسراء (17) : 78 .
2- . غزالة امرأة شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني الحروري، من شهيرات النساء في الشجاعة و الفروسيّة ، ولدت في الموصل، و خرجت مع زوجها على عبدالملك بن مروان (سنة 76 ه .ق .) أيّام ولاية الحجّاج على العراق، فكانت تقاتل في الحروب قتال الأبطال، قتلها خالدبن عتّاب الرياحي في معركة على أبواب الكوفة في (سنة 77 ه . ق.) راجع : الأعلام للرزكلي، ج 5 ، ص 118.
3- . جميع المعاني مذكورة في الكشّاف، ج 1، ص 129 131 . و في تفسير البيضاوي، ج 1، ص 115 117، و الاستشهاد بالبيت المذكور أيضا موجود فيهما . و قد ذكر هذه المعاني في مجمع البحرين، ج 3 ، ص 563 .
4- . هو الحديث الأوّل من الباب المذكور . و رواه الشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 1، ص 360 ، ح 932؛ و تهذيب الأحكام، ج 2، ص 20، ح 56 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 133، ح 4720.
5- . في هامش الأصل: «في طريقها الضحّاك ، ولعلّه أبو مالك الحضرمي، ويؤيّده حكم العلّامة بصحّة الخبر في المختلف والمنتهى، وكذا المحقّق الأردبيلي قدس سره . منه طاب ثراه» .
6- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 25، ح 72 تمام الحديث . و رواه أيضا في الاستبصار، ج 1، ص 261، ح 938 ، ولم يذكر فيه وقت العشائين . وسائل الشيعة، ج 4، ص 157، ح 4793 . و في الجميع: «افترض» بدل «فرض».
7- . جامع البيان، ج 15، ص 171، ح 17030 بزيادة «حين زالت» بعد قوله: «لدلوك الشمس»؛ تفسير الثعلبي ، ج 6، ص 120 ، و لفظه هكذا: «أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت الشمس فصلّى بي الظهر» . و مثله في الكشّاف، ج 2، ص 462 ؛ و تفسير الرازي، ج 21، ص 25؛ و تفسير البيضاوي، ج 3 ، ص 461 ؛ و تفسير البحر المحيط، ج 6، ص 68؛ الدرّ المنثور، ج 4، ص 195.
8- . صحاح اللغة، ج 4، ص 585 (دلك) .
9- . الخلاف، ج 1، ص 255، المسألة 2؛ المبسوط، ج 1، ص 73؛ السرائر، ج 1، ص 197؛ الرسائل التسع للمحقّق الحلّي، ص 104؛ المعتبر، ج 2، ص 27؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 302 ، مختلف الشيعة، ج 2، ص 12؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 38 ؛ الذكرى، ج 2، ص 322 ؛ مجمع الفائدة ج 2، ص 13؛ مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 33 .
10- . الخلاف، ج 1، ص 255، المسألة 2؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 1، ص 364 ، باب أوّل وقت الظهر؛ تفسير السمعاني، ج 3 ، ص 267 عن ابن عبّاس، تفسير البغوي، ج 3 ، ص 128 عن ابن عبّاس و جماعة؛ أحكام القرآن لابن العربي، ج 3 ، ص 209، عن أبي هريرة و ابن عباس و طائفة؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 25، عن ابن عبّاس و الشافعي و جماعة ؛ تفسير القرطبي، ج 10، ص 303 ، عن ابن عبّاس و أبي هريرة و غيرهما.
11- . الخلاف، ج 1، ص 256؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 346 ، تفسير السمعاني، ج 3 ، ص 267؛ تفسير البغوي، ج 3 ، ص 128 ؛ أحكام القرآن لابن العربي، ج 3 ، ص 209؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 25؛ التفسير الرازي، ج 21، ص 25؛ شرح معاني الآثار، ج 1، ص 155؛ تفسير القرطبي، ج 10، ص 303 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 141.
12- . الخلاف، ج 1، ص 256؛ أحكام القرآن لابن العربي، ج 3 ، ص 209 ، المجموع للنووي، ج 3 ، ص 25، التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 21، ص 25؛ تفسير القرطبي، ج 10، ص 303 .
13- . صحاح اللغة، ج 4، 1584 (ذلك) .
14- . الكشّاف، ج 2، ص 462.
15- . مجمع البيان، ج 6، ص 283؛ التبيان، ج 6، ص 510 . ولم يفسّر الشيخ الدلوك بغروب الشفق، ولم ينقل عنه الطبرسى ذلك، و كلامه هكذا: «...مَن قال : إنّ دلوك الشمس هو الغروب لا دلالة فيها عليه عنده؛ لأنّ من قال ذلك يقول : إنّه يجب إقامة المغرب من عند المغرب إلى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق».
16- . لم أعثر على مَن فسّر الغسق بالظلمة الشديدة، بل الموجود في كتب اللغة : «ظلمة الليل» . اُنظر : غريب الحديث للحربي، ج 2، ص 715؛ النهاية، ج 3 ، ص 366 . و في بعضها: «ظلمة أوّل الليل» . راجع : صحاح اللغة، ج 4، ص 1537 (غسق)؛ القاموس المحيط، ج 3 ، ص 393 (غسق) .
17- . الكشّاف، ج 2، ص 462.
18- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 393 (غسق) .
19- . اُنظر: تفسير العيّاشي، ج 2، ص 309 310 ، ح 137 و 138 و 139 و 141؛ تفسير القمّي، ج 2، ص 25، التبيان، ج 6، ص 509 .
20- . حكاه عنه ابن الجوزي في زاد المسير، ج 5 ، ص 53 ؛ و الطبرسي في مجمع البيان، ج 6، ص 283؛ و المحقّق الأردبيلي في زبدة البيان، ص 58 .
21- . اُنظر: الكافي، باب وقت الفجر، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 37 ، ح 116؛ الاستبصار، ج 1، ص 275، ح 995؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 212، ح 4947.
22- . هود (11) : 114 .
23- . اُنظر: مجمع البيان، ج 5 ، ص 344 ؛ جامع البيان، ج 12، ص 166 و 169؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 1، ص 453 454، ح 1771؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج 6، ص 2091، ح 11263؛ الدرّ المنثور، ج 3 ، ص 351 ؛ فتح القدير، ج 2، ص 532 ، ولم أعثر على كلام الجبائي.
24- . مجمع البيان، ج 5 ، ص 344 .
25- . كنزالعرفان، ج 1، ص 73.
26- . مجمع البحرين، ج 2، ص 286 (زلف) .
27- . اُنظر: الكشّاف، ج 2، ص 297؛ التبيان، ج 8 ، ص 554 ، تفسير سورة ص ؛ مجمع البيان، ج 8 ، ص 383 ، الميزان، ج 11، ص 58 .
28- . القاموس المحيط، ج 2، ص 467 (زلف) .
29- . البقرة (2) : 238 .
30- . البقرة (2) : 152 .
31- . العنكبوت (29) : 45 .
32- . البقرة (2) : 45.
33- . اُنظر: المبسوط للشيخ الطوسي، ج 17، ص 75؛ الخلاف، ج 1، ص 294، المسألة 40 ؛ جواهر الفقه، ص 19؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 330 ؛الجامع للشرائع، ص 61؛ الذكرى، ج 2، ص 288؛ رسائل الشهيد الثاني، ص 95، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 434؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 401 ؛ فتح الباري، ج 8 ، ص 146؛ الاستذكار، ج 2، ص 190؛ الميزان، ج 2، ص 258.
34- . تدلّ عليه روايات ، منها: ح 1، من هذا الباب من الكافي ؛ و ح 536 من كتاب الروضة؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 132؛ معانى الأخبار، ص 332 ، باب معنى الصلاة الوسطى، ح 5 ؛ الفقيه، ج 1، ص 196، ح 600؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 241، ح 954؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 10 11، ح 4385.
35- . اُنظر: الكافي، كتاب الجهاد، باب وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام في السرايا، ح 5 ؛ الخصال، ص 303 ، باب الخمسة، ح 79، و ص 618، حديث أربعمئة؛ علل الشرائع، ج 2، ص 603، ح 70؛ الفقيه، ج 1، ص 227، ح 679؛ تحف العقول، ص 108؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 173، ح 341 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 61، ح 4507 ؛ و ج 7، ص 65، ح 8740 ؛ و ج 15، ص 63، ح 19992.
36- . مجمع البيان، ج 1، ص 416، ذيل الآية 143، من سورة البقرة؛ جامع البيان، ج 2، ص 10؛ أحكام القرآن لابن العربي، ج 1، ص 61؛ و ج 2، ص 157؛ زاد المسير، ج 1، ص 138؛ التسهيل، ج 1، ص 86 .
37- . منهم السيّد المرتضى في جوابات المسائل الميافارقيّات (رسائل المرتضى، ج 1، ص 275) .
38- . الفقيه، ج 1، ص 218، ح 654. و رواه أيضا في علل الشرائع، ج 2، ص 356 ، الباب 70، ح 4 ؛ و معاني الأخبار، ص 171 . و رواه الشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 1، ص 259، ح 930؛ و تهذيب الأحكام، ج 2، ص 256، ح 1018 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 152، ح 4776 ؛ و ص 153، ح 4782 ؛ و ص 154، ح 4785.
39- . اُنظر: تفسير القمّي، ج 1، ص 79؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 537 ؛ تفسير السمرقندي، ج 1، ص 183؛ البرهان للزركشي، ج 1، ص 336 ؛ الدرّ المنثور، ج 1، ص 304 .
40- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 241، ح 954؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 11، ح 385 ، و فيهما أيضا بدون الواو.
41- . صحيح مسلم، ج 2، ص 112. و رواها أيضا بدون الواو و كذا غيره، و قد ذكرنا مصادره آنفا.
42- . صحيح مسلم، ج 2، ص 112 113. و رواه أحمد في مسنده، ج 4، ص 301 ؛ و الحاكم في المستدرك، ج 2، ص 281؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 1، ص 459.
43- . لم أعثر عليها بهذا اللفظ، و الموجود في المصادر هكذا: «شغولنا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ اللّه قبورهم و بيوتهم نارا» أو نحو ذلك . اُنظر: مسند أحمد، ج 1، ص 81 82 و 113 و 126 و 146؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 112 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 1، ص 460 ؛ ج 2، ص 220؛ مسند الطيالسي، ص 48 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 1، ص 152، ح 360 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 1، ص 576 ، ح 2192؛ مسند أبييعلى، ج 1، ص 314 ، ح 390 .
44- . حكاه المحقّق في المعتبر؛ والعلّامة في منتهى المطلب، ج 4، ص 158 بلفظ «قيل» . و مثله في المغني لابن قدامة، ج 1، ص 388 . و في الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 434: «و قال قوم، هي المغرب» . و حكاه النووي في المجموع، ج 3 ، ص 61، عن قبيصة بن ذؤيب، و استُدِلَّ له أيضا بأنّ الصلاة الأولى هي الظهر، فتكون المغرب هي الوسطى.
45- . حكاه العلّامة في المنتهى، ج 4، ص 158؛ و ابن قدامة في المغني، ج 1، ص 189؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير، ج 1، ص 435 ؛ و النووي في المجموع، ج 3 ، ص 61. و نسبه الخطّاب الرعيني في المواهب الجليل، ج 2، ص 35 إلى أحمد بن عليّ النيسابوري .
46- . مجمع البيان، ج 2، ص 127 عن معاذ و ابن عباس و جابربن عبداللّه و عطاء و عكرمه و مجاهد و الشافعي، و حكي عن مالك و الشافعي، و نسب إلى بعض الصحابة . اُنظر: الخلاف، ج 1، ص 294، المعتبر، ج 2، ص 52 ، تفسير القرطبي، ج 3 ، ص 211، السنن الكبرى للبيهقى، ج 1، ص 461 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 1، ص 477 ؛ شرح معاني الآثار، ج 1، ص 170 و 171؛ المصَنّف لابن أبي شيبة، ج 2، ص 389 ، ح 21؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 262؛ تحفة الأحوذي، ج 1، ص 457 ؛ عمدة القاري، ج 5 ، ص 89 ؛ فتح الباري، ج 2، ص 55 ، شرح صحيح مسلم للنووي، ج 5 ، ص 128، الجوهر النقي، ج 1، ص 461، إعانة الطالبين، ج 1، ص 139؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 61.
47- . مجمع البيان، ج 2، ص 127؛ ذخيرة المعاد للسبزواري، ج 1، ص 183.
48- . في النسخة : «طمعها» ، والصحيح ما اُثبت .
49- . مواهب الجليل، ج 2، ص 35 ، عن الربيع بن خثيم؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 61، نيل الأوطار، ج 1، ص 394 ، عن زيد بن ثابت و الربيع بن خثيم و سعيد بن المسيّب و نافع و شريح.
50- . المجموع للنووي، ج 3 ، ص 61؛ مواهب الجليل، ج 2، ص 35 ، نقلاً عن النقّاش في تفسيره؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 394 ؛ مجمع البيان، ج 2، ص 128.
51- . طه (20) : 130 .
52- . في هامش الأصل: «وفسّرها هو بصلاة الليل . منه» .
53- . مجمع البيان، ج 7، ص 66. و حكاه الشيخ الطوسي في التبيان، ج 7، ص 222؛ و ابن الجوزي في زاد المسير، ج 5 ، ص 230 عن قتادة.
54- . زبدة البيان، ص 59 ، نقلاً عن الكشّاف، ج 2، ص 559 .
55- . حكاهما الطبرسي في مجمع البيان، ج 2، ص 508 .
56- . كنزالعرفان، ج 1، ص 76.
57- . التحريم (66) : 4 .
58- . البيت لخطام المجاشعي المعروف بالراجز، و قبله: «و مهمهين قذفين مرّتين». اُنظر: صحاح اللغة، ج، 1، ص 266 (مرت)؛ و لسان العرب، ج 13، ص 63؛ و خزائة الأدب، ج 2، ص 275.
59- . الروم (30) : 17 18 .
60- . في النسخة : + «دون» .
61- . الكشّاف، ج 3 ، ص 217؛ جوامع الجامع، ج 3 ، ص 8 ؛ الدرّ المنثور، ج 5، ص 154.
62- . زبدة البيان، ص 59 .
63- . ق (50) : 39 40 .
64- . مجمع البيان، ج 9، ص 249 250.
65- . مجمع البيان، ج 9، ص 250.
66- . المصدر السابق.
67- . الطور (52) : 48 49 .
68- . كذا في الأصل، و في المصدر : «قتادة» بدل «الحسن».
69- . آل عمران (3) : 194 .
70- . المصدر: «وقتادة».
71- . وقع في النقل هنا سهو ؛ فإنّ المروي عنهما عليهماالسلام الركعتان قبل صلاة الفجر ، لا نفس صلاة الفجر . لاحظ: مجمع البيان، ج 9، ص 283.
72- . البقرة (2) : 238 .
73- . مجمع البيان، ج 2، ص 128.
74- . الكشّاف، ج 1، ص 376 .
75- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 537 .
76- . اُنظر: تفسير البغوي، ج 1، ص 221؛ المحرّر الوجيز، ج 1، ص 324 ؛ تفسير القرطبي، ج 3 ، ص 214؛ تفسير الثعالبي، ج 1، ص 481.
77- . تفسير البيضاوي، ج 1، ص 537 ؛ تفسير أبي السعود، ج 1، ص 235.
78- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 173 ؛ المعتبر، ج 2، ص 243.
79- . الفقيه، ج 1، ص 316 . و مثله كلام والده في فقه الرضا عليه السلام ، ص 127.
80- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 245؛ فتح العزيز، ج 2 ، ص 436 ، مواهب الجليل، ج 2، ص 243 و 244؛ المغني، ج 1، ص 787؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 346 ؛ المبسوط، ج 1، ص 165؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 273.
81- . لكنّ الظاهر من كلامه في المقنع، ص 115 وجوبه في كلّ صلاة ، حيث قال : «إيّاك أن تدع القنوت ؛ فإنّ من ترك قنوته متعمّدا فلاصلاة له» . و قال في الهداية، ص 127: «من ترك القنوت متعمّدا فلا صلاة له».
82- . اُنظر: الانتصار، ص 152؛ الناصريّات، ص 230؛ رسائل المرتضى، ج 1، ص 276؛ الخلاف، ج 1، ص 295، المسألة 40، و ص 379 ، المسألة 137؛ المبسوط، ج 1، ص 113؛ المهذّب، ج 1، ص 94؛ جواهر الفقه، ص 19 و 256؛ الوسيلة، ص 95 96؛ المختصر النافع، ص 33 ؛ المعتبر، ج 2، ص 243؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 71؛ كشف الرموز، ج 1، ص 164؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 117؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 256؛ تبصرة ا لمتعلّمين، ص 49 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 262؛ تذكرة الفقهاء، ج 3 ، ص 255؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 280؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 173؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 289؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 508 ؛ البيان، ص 96؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 31 ؛ الذكرى، ج 3 ، ص 281؛ الرسائل العشر لابن فهد، ص 159؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 331 ، رسائل الكركي، ج 1، ص 107، روض الجنان، ج 2، ص 748 ؛ شرح اللعمة، ج 1، ص 632.
83- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 3 ، ص 61 62؛ المبسوط للسرخي، ج 1، ص 165؛ المحلّى، ج 4، ص 146؛ الخلاف، ج 1، ص 532 ، المسألة 270؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 117؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 107 108؛ نيل الأوطار، ج 2، ص 393 395 ؛ و ج 3 ، ص 53 .
84- . المجموع للنووي، ج 3 ، ص 62؛ البحر الرائق، ج 2، ص 74؛ حاشية ردّ المختار، ج 2، ص 7 و 18، شرح معاني الآثار، ج 1، ص 171؛ التمهيد، ج 1، ص 136؛ مجمع البيان، ج 1، ص 360 ؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 537 538 ؛ غريب الحديث لأبي عبيد الهروي، ج 3 ، ص 133 (قنت)؛ غريب الحديث لابن قتيبة، ج 1، ص 17؛ أحكام القرآن لابن العربي، ج 1، ص 301 .
85- . عمدة القاري، ج 7، ص 185؛ جامع البيان، ج 2، ص 773؛ أحكام القرآن لابن العربي، ج 1، ص 301 ؛ تفسير الرازي، ج 6، ص 163؛ تفسير ابن كثير، ج 4، ص 51 ؛ المحلّى، ج 4، ص 7.
86- . تفسير البحر المحيط، ج 7، ص 165.
87- . أحكام القرآن لابن العربي، ج 1، ص 301 ؛ تفسير الرازي، ج 6، ص 163؛ المغني، ج 1، ص 390 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامه، ج 1، ص 435 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 2، ص 331 ، ح 3574 ؛ التمهيد، ج 1، ص 136؛ التبيان، ج 1، ص 4274 ، فقه القرآن، ج 1، ص 106؛ جامع البيان، ج 2، ص 772 و 774؛ معاني القرآن للنحّاس، ج 1، ص 240.
88- . أبو عبداللّه محمّد بن خلف محمد بن خلف الوسائي من فقهاء المالكيّة، توفّي سنة 485 ه ق . له تعليقة على المدوّنة في فروع المالكيّة لأبي عبداللّه عبدالرحمان بن القاسم المالكى. راجع : كشف الظنون، ج 2، ص 1644 .
89- . لم أعثر عليه، و المعنيان معا مذكوران في زبدة البيان، ص 50 ولم يذكر قائلهما.
90- . الكشّاف، ج 1، ص 376 .
91- . في الأصل: «فقد» بدل «حتّى»، و التصويب من المصدر.
92- . صحيح مسلم، ج 2، ص 71. و نحوه في صحيح البخاري، ج 5 ، ص 162؛ و صحيح ابن حبّان، ج 6، ص 27؛ والمعجم الكبير للطبراني، ج 5 ، ص 193.
93- . زبدة البيان، ص 50 ، و لفظه هكذا: «و استدلّ بها على وجوب القنوت فيها، و فيه تأمّل».
94- . صحاح اللغة، ج 6، ح 2402 (صلا) .
95- . المدّثّر (74) : 3 .
96- . الإسراء (17) : 78.
97- . المائدة (5) : 6 .
98- . البقرة (2) : 144 .
99- . البقرة (2) : 43 .
100- . فصّلت (41) : 37 .
101- . البقرة (2) : 238.

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

. .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

. .

ص: 365

. .

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

. .

ص: 369

. .

ص: 370

. .

ص: 371

. .

ص: 372

باب المواقيت أوّلها وآخرها وأفضلها

باب المواقيت أوّلها وآخرها وأفضلهاأجمع أهل العلم على أنّ لكلّ من الصلوات الخمس وقتاً محدودا لا يجوز تقديمها عليه ، ولا تأخيرها عنه، إلّا ما حكاه الشيخ في الخلاف عن ابن عبّاس من جواز استفتاح صلاة الظهر قبل الزوال بقليل (1) ، وحكاه في المنتهى عنه في خصوص المسافر ، ونسبه إلى الحسن والشعبي أيضاً (2) ، وأنّ ذلك الوقت في الظهرين من الزوال إلى الغروب . ويدلّ عليه ما تقدّم في الباب السابق ، وما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن البرقي ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر ، إلّا أنّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» (3) . وعن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقي والعبّاس بن معروف جميعاً ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر والعصر ، فقال : «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس» (4) . وعن موسى بن بكر، عن زرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ وجل أوّله، حين يدخل وقت الصلاة فصلّ الفريضة ، فإنّ لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشمس» (5) . وعن داوود بن أبي يزيد ، وهو داوود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس» (6) . وسيأتي بعض آخر من الأخبار فيه . وفي العشائين من غروب الشمس إلى نصف الليل ؛ لما تقدّم في الباب السابق، وما يأتي في باب وقتهما . وفي الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ؛ لما تقدّم وما يأتي في بابه . وحكى في الخلاف (7) عن ابن جرير وأبي ثور والمزني القول بدخول وقت العصر بعد أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله (8) . وعن أبي حنيفة في رواية : أنّ آخر وقت الظهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله ، ثمّ ما بعد ذلك وقت للعصر . وعن أبي يوسف في رواية شاذّة : أنّ وقت الظهر إلى المثل ، ووقت العصر بعد أن يصير ظلّ كلّ شي، مثليه ، وما بين المثل والمثلين ليس بوقت لواحدة من الصلاتين (9) . واختلفوا في توسعتها وتضيقها في الاختبار، فالأشهر والأظهر هو الأوّل، وبه قال ابن إدريس (10) ، وهو محكي في المختلف عن ابن الجنيد (11) ؛ لأخبار متكثّرة دلّت على تعلّق وجوبها بجميع أجزاء الوقت من غير تقييد ، وقد تقدّم بعضها وسيأتي بعض آخر . وقال الشيخ في المبسوط : لكلّ صلاة وقتان أوّل وآخر ، فأوّل الوقت وقت من لا عذر له ولا ضرورة تمنعه ، والوقت الآخر وقت من له عذر أو به ضرورة ، والأعذار أربعة أقسام : السفر ، والمطر، والمرض، وأشغال يضرّ به تركها في باب الدين أو الدنيا . والضرورات خمسة : الكافر إذا أسلم ، والصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت ، والمجنون إذا أفاق ، وكذلك المغمي عليه (12) . وبه قال الشيخ المفيد أيضاً ففي المقنعة : «ولكلّ صلاة من الفرائض الخمس وقتان : أوّل وآخر ، فالأوّل وقت لمن لا عذر له (13) ، والثاني لأصحاب الأعذار» ، وحكاه في المختلف عن ابن أبي عقيل وابن البرّاج (14) وأبي الصلاح (15) أيضاً (16) . وحكاه في الخلاف عن الشافعي والأوزاعي والليث بن سعد والثوري والحسن بن صالح بن حي وأبي يوسف ومحمّد وأحمد بن حنبل ، إلّا أنّهم قالوا : «لا يدخل وقت العصر إلّا بعد أن يخرج وقت الظهر الّذي هو أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله» (17) . واحتجّ من قال من الأصحاب بذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان (18) ، وخبر إبراهيم الكرخي ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام متى يدخل وقت الظهر؟ قال : «إذا زالت الشمس» فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال : «من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، إنّ وقت الظهر ضيّق ليس كغيره» . قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال : «إنّ آخر وقت الظهر أوّل وقت العصر». فقلت : فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال : «وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وذلك من علّة ، وهو تضييع» . فقلت له : لو أنّ رجلاً صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام كان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : «إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم تقبل منه ، كما لو (19) أنّ رجلاً أخّر العصر إلى وقت أن تغرب الشمس متعمّدا من غير علّة لم تقبل منه ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً ، وحدّد حدودا في سنّته للناس، فمن رغب عن سنّة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض اللّه » (20) . باب المواقيت أوّلها وآخرها وأفضلها

.


1- . الخلاف، ج 1، ص 255.
2- . منتهى المطلب، ج 4، ص 128. و حكاه عنهم المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 57 .
3- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 26، ح 73.
4- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 24، ح 68؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 126، ح 4696.
5- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 24 25، ح 69؛ الاستبصار، ج 1، ص 260 261، ح 935؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 373 ، ح 983؛ و ج 4، ص 119 120، ح 4676.
6- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 25، ح 70؛ الاستبصار، ج 1، ص 261، ح 936؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 127، ح 4698.
7- . الخلاف، ج 1، ص 258 259، المسألة 4.
8- . المجموع للنووي، ج 3 ، ص 21؛ مختصر المزني، ص 11.
9- . اُنظر: المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 142 143؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 79 80 .
10- . السرائر، ج 1، ص 95.
11- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 10.
12- . المبسوط، ج 1، ص 72.
13- . المقنعة، ص 93.
14- . المهذّب، ج 1، ص 69.
15- . الكافي في الفقه، ص 137 138.
16- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 4.
17- . الخلاف، ج 1، ص 257، المسألة 4. و انظر: كتاب الاُمّ، ج 1، ص 90؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 79؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 122؛ المغني، ج 1، ص 382 384 ؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 33 و 74.
18- . هو الحديث 3 من هذا الباب . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 39 40 ، ح 124 ؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 373 ، ح 982.
19- . اُضيفت من المصدر.
20- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 26، ح 74؛ الاستبصار، ج 1، ص 258، ح 926؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 149، ح 4772.

ص: 373

. .

ص: 374

. .

ص: 375

ومثلهما خبر يزيد بن خليفة الّذي يأتي في الباب الآتي (1) . وهذه الأخبار مع عدم كونها نصّاً في المدّعى بتمامه، يحتمل حملها على أنّ فعلها في أوّل الوقت فضل كما هو المشهور ؛ للجمع بينها وبين ما تقدّم . ويؤيّده صحيحة معاوية بن عمّار أو معاوية بن وهب (2) ، وحسنة عمر بن اُذينة عن زرارة ، أو صحيحته (3) ، وروايتي قتيبة الأعشى (4) ، وبكر بن محمّد الأزدي (5) ، وصحيحة حريز عن زرارة (6) ، ورواية منصور بن حازم (7) ، وما رواه الشيخ عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «الصلوات المفروضات في أوّل وقتها إذا اُقيم حدودها أطيب ريحاً من قضيب الآس حين يُؤخذ من شجره في طيبه وريحه وطراوته، فعليكم بالوقت الأوّل» (8) . وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «إذا دخل وقت صلاة فُتحت أبواب السماء لصعود الأعمال، فما أحبّ أن يصعد عمل أوّل من عملي، ولا يكتب في الصحيفة أحد (9) أوّل منّي» (10) . وعن سعيد بن الحسن ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «أوّل الوقت زوال الشمس، وهو وقت اللّه الأوّل وهو أفضلهما» (11) . وقد ورد في بعض الأخبار التصريح بعدم اختصاص آخر الوقت بحال الاضطرار ، رواه حمّاد، عن ربعي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّا لنقدّم ونؤخّر ، وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنّما الرخصة للناسي والمريض والمدنف (12) والمسافر والنائم [في تأخيرها] (13) » بناءً على ما هو الظاهر من أنّ قوله : «وإنّما الرخصة» إلى آخره من تتمّة المقول . ويؤيّده خبر داوود الصرمي ، قال : كنت عند أبي الحسن[الثالث] عليه السلام [يوما فجلس يحدّث حتّى غابت الشمس ، ثمّ دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت و قد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب ، ثمّ دعا بالماء فتوضّأ وصلّى] . (14) بل أكثر ما ذكروه من الأخبار ظاهرة في أفضليّة أوّل الوقتين . واعلم أنّهم ما أرادوا باختصاص الوجوب في الاختيار بأوّل الوقت أنّ الصلاة بتركها فيه يصير قضاء ، بل يكون مؤدّياً فيما بعده أيضاً ، ولكن يكون آثماً بتأخيره ، ولو فعلها في آخر الوقت لعفي عنه إثم التأخير . صرّح بذلك الشيخ المفيد في المقنعة (15) . وتظهر فائدة الخلاف فيما لو اخترم مع التأخير قبل فعلها في الوقت الثاني ، فيُعاقب على تركها ، وفسّره الشيخ في التهذيب بمعنى يرجع إلى تأكّد الاستحباب ، فقال في ذيل الجمع بين الأخبار : إذا ثبت أنّها في أوّل الوقت أفضل ولم يكن هناك منع ولا عذر فإنّه يجب أن يفعل ، ومتى لم يفعل والحال على ما وصفناه استحقّ اللوم والتعنيف . ولم نرد بالوجوب ما يستحقّ بتركه العقاب ؛ لأنّ الوجوب على ضروب عندنا : منها ما يستحقّ بتركه العقاب ، ومنها ما يكون الأولى فعله ، ولا يستحقّ بالإخلال به العقاب وإن كان يستحقّ به ضرب من اللوم والعنف (16) . هذا ، وينبغي أن يستثنى من تلك الفضيلة صلاة العشاء ، فإنّه يظهر من بعض الأخبار أفضليّة تأخيرها إلى ثلث الليل ، وكذا صلاة العصر ، فإنّ الأفضل تأخيرها إلى أن يصير الفيء مثل الشاخص ، على ما يظهر من الأخبار، ومن فعل الرسول صلى الله عليه و آله والصحابة ، حيث كانوا يفصلون بين الصلاتين فيهما بما ذكر ولا يصلّونهما في وقتٍ واحد إلّا نادرا ، بل يستحبّ تأخير الظهر أيضاً عن أوّل الوقت في الصيف لا سيّما في البلاد الحارّة ؛ لما سيأتي في ذيل حديث : «أبرِد أبرِد» (17) . إلّا أن يقال : حرارة الهواء أيضاً من الأعذار . قوله في حسنة زرارة: (قلت: إنّ جبرئيل أتاه في اليوم الأوّل بالوقت الأوّل) إلخ. [ح 1 / 4824] ظاهر هذا الخبر أنّ المراد بالوقتين ما سبق من وقت الفضيلة ووقت الإجزاء، ويحتمل أن يكونا أوّل وقت الفضيلة وآخر ذلك الوقت، على حذو ما رواه الشيخ في الاستبصارمن أخبار نزول جبرئيل عليه السلام بالوقتين. فقد روى عن الحسن بن محمّد ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أتى جبرئيل عليه السلام النبيّ صلى الله عليه و آله بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح، ثمّ أتاه من الغد حين زاد [في] الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ [قامتان ]فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه من (18) حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح، ثمّ قال : ما بينهما وقت» (19) . وعنه عن أحمد بن أبي بشر ، عن معاوية بن مسيرة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أتى جبرئيل عليه السلام » ، وذكر مثله، إلّا أنّه قال بدل القامة والقامتين: ذراع كذا وذراعين (20) . وعنه عن ابن رباط ، عن مفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله » وساق الحديث، لكن ذكر بدل القامة والقامتين قدمين وأربعة أقدام (21) . وفي الموثّق عن ذريح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أتى جبرئيل عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال : صلّ الفجر حين ينشقّ الفجر، وصلّ الاُولى إذا زالت الشمس، وصلّ العصر بُعَيدها، وصلّ المغرب إذا سقط القرص، وصلّ العتمة إذا غاب الشفق. ثمّ أتاه جبرئيل عليه السلام من الغد فقال : اسفِر بالفجر فأسفر، ثمّ أخّر الظهر حين كان الوقت الّذي صلّى فيه العصر ، وصلّى العصر بعيدها ، وصلّى المغرب قبل سقوط الشفق وصلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل» ، ثمّ قال : «ما بين هذين الوقتين وقت، وأوّل الوقت أفضله» ، ثمّ قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لولا أنّي أكره أن أشقّ على اُمّتي لأخّرتها إلى نصف الليل» (22) . وخبر بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال : «إن اللّه يقول في كتابه [لإبراهيم] : «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا» (23) ، فهذا أوّل الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل» (24) . قوله في صحيحة الفضيل: (والجمعة ممّا ضيق فيها ، فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول) . [ح 2 / 4825] والسرّ في ذلك استحباب تقديم نوافل الظهرين فيه على الزوال كما يأتي في محلّه .

.


1- . هو الحديث الأوّل من ذلك الباب.
2- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
3- . هو الحديث 5 من هذا الباب، والترديد بين كونها صحيحة أو حسنة ناش ممّا قيل في عليّ بن إبراهيم من عدم التصريح بتوثيقة، و الحقّ وثاقته . اُنظر ترجمته في معجم رجال الحديث.
4- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
5- . هو الحديث 7 من هذا الباب.
6- . هو الحديث 8 من هذا الباب.
7- . هو الحديث 9 من هذا الباب.
8- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 40، ح 128؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 18 119، ح 4672.
9- . اُضيفت من المصدر .
10- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 41، ح 131؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 119، ح 4673.
11- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 18، ح 50 . الاستبصار، ج 1، ص 246، ح 880 ؛ و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1 ، ص 217، ح 650 مرسلاً . وسائل الشيعة، ج 4، ص 120، ح 4677.
12- . المدنف: من براه المرض حتّى أشرف على الموت. لسان العرب؛ ج 9، ص 107 (دنف) .
13- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 41، ح 132؛ الاستبصار، ج 1، ص 262، ح 939؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 139، ح 4737 . و ما بين الحاصرتين منهم.
14- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30 ، ح 90؛ الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 955؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 196، ح 4904 . و ما بين المعقوفتين من المصدر.
15- . المقنعة، ص 94.
16- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 41، ذيل ح 132، و فيه: «العتب» بدل «العنف».
17- . الفقيه، ج 1، ص 223، ح 672؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 142، ح 4745 ؛ و ص 247، ح 5052 .
18- . المصدر «من».
19- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 252 253، ح 1001؛ الاستبصار، ج 1، ص 257، ح 922؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 157، ح 4794.
20- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 253، ح 1002؛ الاستبصار، ج 1، ص 257، ح 923؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 158، ح 4795.
21- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 253، ح 1003؛ الاستبصار، ج 1، ص 257 258، ح 924؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 158، ح 4796.
22- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 253 254، ح 1004؛ الاستبصار، ج 1، ص 257 258، ح 924؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 158، ح 4797.
23- . الأنعام (6) : 76 .
24- . الفقيه، ج 1، ص 219، ح 657؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30 ، ح 88 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 953؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 174، ح 4832.

ص: 376

. .

ص: 377

. .

ص: 378

. .

ص: 379

باب وقت الظهر والعصر

باب وقت الظهر والعصرأجمع أهل العلم على أنّ ما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت لمجموع صلاتي الظهر والعصر (1) . ويدلّ عليه أخبار متظافرة: منها: ما رواه المصنّف في الباب. ومنها: ما تقدّم في ذيل الباب السابق. ومنها: خبر عبيد بن زرارة المتقدّم في تفسير قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (2) . (3) ومنها : ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة» (4) . ومنها: ما روي في الاستبصار عن الصباح بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين» (5) . وعن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (6) . وعن منصور بن يونس، عن العبد الصالح عليه السلام قال : سمعته يقول : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (7) . وعن مالك الجهني ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر ، فقال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (8) . والمشهور بين الأصحاب اختصاص أوّل الوقت بمقدار الطهارة وأداء الظهر بها ، وآخر الوقت بمقدار صلاة العصر بها ، واشتراك ما بينهما بينهما ؛ لما تقدّم عن داود بن فرقد (9) ، ولما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ، ثمّ يخرج في سفر ، قال : «يبدأ بالزوال فيصلّيها ، ثمّ يصلّي الاُولى بتقصير ركعتين ؛ لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضر الاُولى» . وسُئل: فإن خرج بعدما حضرت الاُولى؟ قال : «يصلّي الاُولى أربع ركعات ، ثمّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات ؛ لأنّه خرج من منزله بعدما حضرت الاُولى ، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير وهي ركعتان ؛ لأنّه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر» (10) . وفي الصحيح عن ابن سنان والظاهر أنّه عبد اللّه ، [عن ابن مسكان]، عن الحلبي قال : سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاُولى حتّى صلّى العصر ، قال : «فليجعل صلاته الّتي صلّى الاُولى ، ثمّ ليستأنف العصر». قال : قلت: فإن نسي الاُولى والعصر جميعاً ثمّ ذكر عند غروب الشمس؟ فقال : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها ، ثمّ ليصلّ الاُولى بعد ذلك على أثرها» (11) . وفي الصحيح عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر» (12) . وما رواه المصنّف في أبواب الحيض في الصحيح عن الفضل بن يونس ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام قلت: المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس ، كيف تصنع بالصلاة؟ قال : «إذا رأت الطهر بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلّا العصر ؛ لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم، فلم يجب عليها أن تصلّي الظهر ، وما طرح اللّه عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر» . قال : «وإذا رأت المرأة الدم بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر ، فضيّعت صلاة الظهر ، فوجب عليها قضاؤها» (13) . وفي الصحيح عن معمّر بن عمر ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض تطهر عند العصر الاُولى. قال : «لا، إنّما تصلّي الصلاة الّتي تطهر عندها» (14) . واحتجّ العلّامة في المختلف على اختصاص أوّل الوقت بالصلاة الاُولى بقوله: لنا أنّ القول باشتراك الوقت من حين الزوال بين الصلاتين مستلزم للمحال فيكون محالاً، والملازمة ظاهرة ، وبيان صدق المقدّمة الاُولى أنّه مستلزم لأحد محالين ، إمّا تكليف ما لا يطاق أو خرق الإجماع ، واللّازم بقسميه باطل اتّفاقاً فالملزوم مثله. بيان استلزامه لأحدهما : أنّ التكليف حين الزوال إمّا أن يقع بالعبادتين معاً أو بإحداهما ، إمّا لا بعينها أو بواحدة معيّنة ، والأوّل يستلزم تكليف ما لا يطاق ؛ إذ لا يتمكّن المكلّف من إيقاع فعلين متضادّين في وقت واحد. والثاني مستلزم خرق الإجماع ؛ إذ لا خلاف في أنّ الظهر مرادة بعينها حين الزوال لا لأنّها إحدى الفعلين. والثالث يستلزم إمّا المطلوب أو خرق الإجماع ؛ لأنّ تلك المعيّنة إن كانت هي الظهر ثبت الأوّل ، وإن كانت هي العصر ثبت الثاني (15) . وكذا المشهور هذا التفصيل من الاختصاص والاشتراك في العشائين ؛ لما رواه الشيخ عن داوود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (16) . وعن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن نام الرجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء» (17) . وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن نام الرجل ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة» (18) . وقال طاب ثراه: وذهب الصدوق إلى اشتراك الظهر والعصر في أوّل الوقت (19) ، وهو الظاهر من كلام الفاضل الأردبيلي حيث قال : وذلك غير بعيد (20) . والظاهر قولهما بذلك في العشائين أيضاً (21) . والدليل عليه الأخبار الّتي أشرنا إليها ممّا دلّ على دخول وقت الصلاتين بالزوال والغروب ، والتفصيل طريق الجمع. وتظهر فائدة الاختصاص والاشتراك في مواضع: منها: ما إذا صلّى العصر نسياناً قبل الظهر ظنّاً منه أنّه صلّاها ، فعلى المشهور يجب إعادة العصر لو وقعت أوّل الزوال المختصّ بالظهر، واجزاؤها لو وقعت في المشترك ، فيصلّي الظهر بعدها. ويؤيّده ما رواه صفوان بن يحيى في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر، فقال : «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول : إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها ، وإلّا صلّى المغرب ثمّ صلّاها» (22) . وهو وإن كان شاملاً لما لو صلّى العصر نسياناً في أوّل الزوال أيضاً إلّا أنّهم خصّوه بما لو صلّيت في الوقت المشترك بناءً على اقتضاء اختصاص أوّل الوقت بالظهر عدم إجزاء العصر فيه مطلقاً. فأمّا ما تقدّم في خبر الحلبي المتقدّم من قوله عليه السلام : «فليجعل صلاتة التي صلّى الاُولى ثمّ ليستأنف العصر» ، فهو وإن كان شاملاً لما لو صلّى العصر نسياناً قبل الظهر في الوقت المشترك بل يكون ظاهرا فيه ، إلّا أنّه حمل على ما إذا تذكّر الاُولى في أثناء العصر ، فإنّه يعدل حينئذٍ إلى الظهر ويستأنف العصر. ومنها: ما إذا لم يصلّ الظهرين إلى أن يبقى من الوقت مقدار أربع ركعات ، فيصلّي العصر ويقضى الظهر. ودلّت عليه الأخبار المتقدّمة ، وحمل عليه في التهذيب صحيحة إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال في الرجل يؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر: «إنّه يبدأ بالعصر ثمّ يصلّي الظهر» (23) . ولو بقي من الوقت مقدار خمس ركعات فاتّفقوا على أنّه يصلّيهما معاً ، واختلفوا في كونهما أداءً وقضاءً على أقوال : أشهرها الأوّل (24) ، وهو أظهر ؛ لقوله عليه السلام : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (25) . وفي خبر آخر: «من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت» (26) . وعن السيّد المرتضى أنّه اختار الثاني معلّلاً بأنّ آخر الوقت الركعة الأخيرة ، فإذا وقعت فيه الاُولى وقعت في غير وقتها (27) . وثالثها : التوزيع على معنى أنّ ما وقع في الوقت يكون أداءً ، وما وقع في خارجه يكون قضاءً. واختلفوا أيضاً في أنّه حينئذٍ يصير مقدار أربع ركعات منه وقتاً للظهر ويبقى مقدار ركعة منه للعصر ، أم تقع ركعة من الظهر في وقتها وثلاث ركعات في خارج وقتها كما في العصر؟ وتظهر فائدة الخلاف في المغرب والعشاء إذا لم تُصلّيا إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار أربع ركعات ، فعلى الأوّل يجب فعلهما فيهما ؛ لصيرورة مقدار ثلاث ركعات من ذلك الزمان وقتاً للمغرب ؛ للضيق ، ويبقى ركعة للعشاء ، فيؤدّي بقيتها خارج الوقت. وعلى الثاني تُصلّى العشاء خاصّة ، وتُقضى المغرب ؛ لخروج وقتها أجمع. وقال السيّد عميد الدين (28) : إنّ هذه الفائدة ليست بشيء؛ لأنّ المقتضى لصيرورة مقدار ثلاث ركعات من وقت العصر وقتاً للظهر في الفرض المذكور ليس مجرّد ضيق الوقت ، بل الضيق مع إدراك مقدار ركعة من الظهر في الوقت المشترك ، وتلك العلّة منتفية في الفرض المفروض في العشائين (29) . أقول : يؤيّد ما ذكره قدس سره ما تقدّم في مرسلة داود بن فرقد من أنّه إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار أربع ركعات يخرج وقت المغرب ، فإنّه ظاهر في أنّه يصلّي العشاء حينئذٍ ، وهذا الوقت الأوّل في الظهر لغير المتنفّل ، فأمّا المتنفّل فأوّل الزوال بمقدار أداء نافلة الظهر مختصّ بها، ثمّ يدخل وقت الظهر ، وبعدها بمقدار أداء نافلة العصر وقت لها ، ثمّ يدخل وقت العصر ، ويتفاوت وقت النافلتين باختلافهما طولاً وقصرا ؛ لخبري عمر بن حنظلة (30) وصحيحي ذريح (31) وعبد اللّه بن مسكان (32) ، وخبر مسمع بن عبد الملك (33) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة بن مهران ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا زالت الشمس فصلّ ثماني ركعات ، ثمّ صلّ الفريضة أربعاً ، فإذا فرغت من سبحتك قصّرت أو طوّلت فصلّ العصر» (34) . وفي الموثّق عن عمر بن حنظلة ، قال : كنت أقيس الشمس عن أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : «يا عمر ، ألا اُنبّئك بأبين من هذا؟» قال : قلت: بلى جُعلت فداك. قال : «إذا زالت الشمس فقد وقع الظهر ، إلّا أنّ بين يديها سبحة وذلك إليك ، فإن أنت خفّفت فحين تفرغ من سبحتك ، وإن طوّلت فحين تفرغ من سبحتك» (35) . وفي الموثّق عن ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سأل أبا عبد اللّه عليه السلام اُناسٌ وأنا حاضر ، فقال : «إذا زالت الشمس فهو وقت لا تحبسك منها إلّا سبحتك تطيلها أو تقصّرها». فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الاُولى إذا كانت على قدمين ، والعصر على أربعة أقدام. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «النصف من ذلك أحبّ إليّ» (36) . وفي الصحيح عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام : روي عن آبائك : القدم والقدمين ، والأربع ، والقامة والقامتين ، وظلّ مثلك ، والذراع والذراعين؟ فكتب عليه السلام : «لا ، القدم والقدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة ، وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمّ صلّ الظهر ، فإذا فرغت كانت بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمّ صلّ العصر» (37) . وعلى ذلك حُمل ما ورد من أنّ وقت الظهر والعصر بعد الزوال بقدم وقدمين وذراع وذراعين ، رواه الشيخ في الصحيح عن فضيل بن يسار وزرارة وبكير ابني أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام، أنّهما قالا: «وقت الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت العصر بعد ذلك قدمان ، وهذا أوّل الوقت إلى أن يمضي أربعة أقدام للعصر» (38) . وعن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال : «ذلك من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس». وقال زرارة: قال لي أبو جعفر عليه السلام حين سألته عن ذلك _ : «إنّ حائط مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان قامة ، فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر». ثمّ قال : «أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟» فقلت: لِمَ جعل ذلك؟ قال : «لمكان الفريضة، فإنّ لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفيء ذراعاً ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة». قال ابن مسكان: وحدّثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المراد وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منها (39) . وفي الموثّق عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر؟ فقال : «إذا كان الفيء ذراعاً» (40) . وعن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «وقت الظهر على ذراع» (41) . وعن إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : قد سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر، قال : «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك ، إلّا في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها حين تزول الشمس» (42) . وفي الموثّق عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي الظهر على ذراع ، والعصر على نحو ذلك» (43) . وفي الموثّق عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : «بعد الزوال بقدم ونحو ذلك ، إلّا في السفر أو يوم الجمعة ، فإنّ وقتها إذا زالت» (44) . وفي موثّق عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت: لم؟ قال : «لمكان الفريضة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعاً ، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (45) . وعن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قال : قلت: لم؟ قال : «لمكان الفريضة ، قال : لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه» (46) . وعن عبد اللّه بن محمّد ، قال : كتبت إليه: جُعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام أنّهما قالا: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ، إلّا أنّ بين يديها سبحة إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت». وروى بعض مواليك عنهما : «أنّ وقت الظهر على قدمين، ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال، فإن صلّيت قبل ذلك لم يجزيك»، وبعضهم يقول : «يجزي ، ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام»، وقد أحببت جُعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت. فكتب: «القدمان والأربعة أقدام صواب جميعاً» (47) . وعن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كان حائط مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قامة ، فإذا مضى من فيئه ذراعاً صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ، ثمّ قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت: لا. قال : «من أجل الفريضة ، إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (48) . وعن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كان الفيء في الجدار ذراعاً صلّى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلّى العصر» . قلت : الجُدران تختلف ، منها قصير، ومنها طويل. قال : «إنّ جدار مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يومئذٍ قامة ، وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلّا يكون تطوّع في وقت فريضة» (49) . وأمّا ما دلّ على دخول وقت العصر إذا صار الفى ء قامة، فمحمول على أوّل وقت الفضيلة ؛ لما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس» (50) . واختلفت الأخبار والأقوال في تحديد الوقت ، فالمشهور أنّه للظهر من الزوال إلى أن يصير الفيء للشاخص مثله، وللعصر إلى أن يصير مثليه ؛ لخبر يزيد بن خليفة (51) ، ومرسلة يونس (52) ، وصحيحة أحمد بن محمّد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر، فكتب: «قامة للظهر وقامة للعصر» (53) . وحسنة (54) أحمد بن عمر، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر والعصر، فقال : «وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين» (55) . وموثّق زرارة ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام لعمرو بن سعيد بن هلال : «إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (56) . والأفضل فيالحَرّ تأخيرهما إلى آخر وقت فضيلتها ليكون الهواء أبرد ؛ لموثّق عبد اللّه بن بكير، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت صلاة الظهر بالقيظ، فلم يجبني ، فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال : «إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره ، فخرجت من ذلك فاقرأه منّي السلام وقلّ له : إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (57) . ولما روى الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «كان المؤذّن يأتي النبيّ صلى الله عليه و آله في الحرّ في صلاة الظهر ، فيقول له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أبرِد أبرِد» (58) . وما رواه البخاري بإسناده عن أبي هريرة ونافع مولى عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا اشتدّ الحرّ فابردوا بالصلاة ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم» (59) . وعن أبي ذرّ ، قال : أذّن مؤذّن النبيّ صلى الله عليه و آله الظهر فقال : «أبرد أبرد ، [أ] و [قال]: انتظر انتظر» . وقال : «شدّة الحرّ من فيح جهنّم ، فإذا اشتدّ الحرّ فابردوا عن الصلاة» حتّى رأينا فيء التلول (60) . وعن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم ، فاشتكت النار إلى ربّها ، فقالت : ياربّ ، أكل بعضي بعضاً ، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، أشدّ ما تجدون من الحرّ وأشدّ ما تجدون من الزمهرير» (61) . وعن أبي سعيد ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أبردوا بالظهر ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم» (62) . وعن أبيذرّ ، قال : كنّا مع النبيّ صلى الله عليه و آله فأراد المؤذّن أن يؤذّن فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أبرد» ، ثمّ أراد أن يؤذّن فقال : «أبرد» حتّى رأينا فيء التلول ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم، فإذا اشتدّ الحرّ فأبرد بالصلاة» (63) . ورواها مسلم أيضاً في صحيحه مع أخبار اُخرى بهذا المعنى (64) ، وهي ظاهرة في أنّ المراد بالإبراد التأخير إلى أن يبرد الهواء . وقال الصدوق رضى الله عنه: يعني عجّل عجّل . وأخذ ذلك من البريد (65) . وقد ورد في بعض الأخبار أنّ آخر ذلك الوقت في العصر ستّة أقدام ونصف من الزوال، رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن جعفر ، قال : قال الفقيه عليه السلام : «آخر وقت العصر ستّة أقدام ونصف» (66) ، وهو محمول على تأكّد الاستحباب ، فإنّ الصلاة في أوّل وقت فضيلتها أفضل ، وهكذا كلّما قرب من أوّل وقتها إلى آخره ؛ لخبر محمّد بن الفرج ، قال : كتبت أسأل عن أوقات الصلاة ، فأجاب: «إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك ، واُحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ، ثمّ صلّ سبحتك، واُحبّ أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام ، فإن عجّل بك أمر فابدأ بالفريضتين واقض النافلة بعدهما ، فإذا طلع الفجر فصلّ الفريضة ثمّ اقض بعد ما شئت» (67) . وخبر محمّد بن حكيم، عن العبد الصالح عليه السلام قال : سمعته وهو يقول : «إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامتان»، قلت : في الشتاء والصيف؟ قال : «نعم» (68) . محمول على ذلك. وذهب الشيخ المفيد في المقنعة إلى امتداد ذلك الوقت في الظهر إلى أن يصير الفيء قدمين (69) ، وكأنّه تمسّك في ذلك بما سيأتي عن إبراهيم الكرخي ، وسيأتي جوابه أيضاً. و قيل: احتجّ عليه بأخبار الذراع والذراعين ونظائرها ، وهو بعيد ؛ لصراحة أكثرها في أنّ المراد بها أوّل وقت فضيلتهما كما عرفت . على أنّه قال بذلك في الظهر ولم يقل في العصر بالأربعة الأقدام ، وتلك الأخبار دالّة على ذلك أيضاً . وذهب الشيخ في التهذيب إلى انتهاء وقت الاختيار للظهر ؛ إذا صار الفئ أربعة أقدام محتجّاً برواية إبراهيم الكرخي ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام متى يدخل وقت الظهر؟ قال : «إذا زالت الشمس»، فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال : «من بعدما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، إنّ وقت الظهر ضيّق ليس كغيره»، قلت: فمتى يدخل وقت العصر؟ قال : «إنّ آخر وقت الظهر هو أوّل وقت العصر»، قلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال : «وقت العصر إلى أن تغرب الشمس وذلك من علّة وهو تضييع»، فقلت له: لو أنّ رجلاً صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام ، كان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : «إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم تقبل منه ، كما لو أنّ رجلاً أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمّدا من غير علّة لم يقبل منه، إنّ رسول اللّه وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً وحدّ لها حدودا في سنّته للناس ، فمن رغب عن سنّةٍ من سننه الموجبات مثل من رغب عن فرائض اللّه [تعالى]» (70) . والظاهر أنّه من باب تأكّد الاستحباب. واعلم أنّ زوال الشمس ميلها عن دائرة نصف النهار ، والضابط في معرفة ذلك الدائرة الهنديّة، وصفتها على ما في المنتهي : أن يسوّي موضعاً من الأرض خالياً من ارتفاع وانخفاض، و تدير عليه دائرة بأيّ بُعد شئت ، وتنصب على مركزها مقياساً مخروطاً محدّد الرأس ، يكون ذلك المقياس بقدر ربع (71) قطر الدائرة بحيث يحصل عند المركز زوايا قوائم ، ويعرف ذلك بأن يقدّر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من ثلاث مواضع ، فإن تساوت الأبعاد فهو عمود ، ثمّ ترصد ظلّ المقياس قبل الزوال حين يكون خارجاً من محيط الدائرة نحو المغرب ، فإذا انتهى رأس الظلّ محيط الدائرة يريد الدخول فيها تعلم عليه علامة ، ثمّ ترصده بعد الزوال قبل خروج الظلّ من الدائرة ، فإذا أراد الخروج عنها تعلم عليه علامة، وتصل ما بين العلامتين بخطٍّ مستقيم ، وتنصّف ذلك الخطّ ، وتصل بين مركز الدائرة ومنتصف الخط [بخطّ] ، فهو خطّ نصف النهار ، وإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الّذي قلنا إنّه خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء ، لم تزل (72) ، وإذا ابتدأ رأس الظلّ يخرج عنه فقد زالت الشمس (73) . وهذه الضابطة مأخوذة من قول الصادق عليه السلام المروي في التهذيب عن أحمد بن محمّد بن عيسى مرفوعاً عن سماعة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جُعلت فداك ، متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً وشمالاً كأنّه يطلب شيئاً ، فلمّا رأيت ذلك تناولت عودا ، فقلت : هذا تطلب؟ قال : «نعم»، فأخذ العود فنصب بحيال الشمس ، ثمّ قال : «إنّ الشمس إذا طلعت كان الفئ طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول الشمس فإذا زالت زادت ، فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر ، ثمّ تمهّل قدر ذراع وصلّ العصر» (74) . وعن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن سليمان بن داوود ، عن عليّ بن أبي حمزة ، قال : ذُكر عند أبي عبد اللّه عليه السلام زوال الشمس ، قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيُقام فما دام ترى الظلّ ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظلّ بعد النقصان فقد زالت» (75) . والظلّ قد ينعدم عند الوصول إلى خطّ نصف النهار المذكور في بعض البلاد ، كما إذا كان عرض البلد مساويا لميل الشمس عن معدّل النهار، فإنّ الشمس حينئذٍ يكون مسامتاً للرأس عند الوصول إلى دائرة نصف النهار ، فينعدم الظلّ عند الوصول إلى ذلك الخطّ رأساً ، وحينئذٍ يعتبر حدوثه بعد الانعدام ، وفي غير ذلك الموضع يبقى الظلّ ويختلف باختلاف عروض البلاد ، فكلّما كان عرضها أكثر كان هو أطول وباختلاف الأزمان. ففي الشتاء يكثر ، وفي الصيف يقلّ (76) . وقد ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام الإرشاد إلى هذا الاختلاف . روى عبداللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تمّوز على قدم ونصف ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف، وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف ، وفي النصف من تشرين الأوّل على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من آيار على قدم ونصف، [و في النصف من حريزان على نصف قدم]» (77) . فالظاهر أنّ الغرض بيان اختلاف الظلّ في الشهور وأنّه يزداد الظلّ في النصف من حزيران إلى النصف من كانون الأوّل يوماً فيوماً وشهرا فشهرا ، وبنسبة تلك الزيادة ينقص من النصف الآخر من كانون الأوّل إلى النصف من حزيران يوماً يوماً وشهرا شهرا بعينها من غير تفاوت، وإلّا فما ذكر فيه لا يستقيم في موضع من المواضع ؛ إذ الموضع الّذي يكون الظلّ فيه في النصف من حزيران على نصف قدم كما في الكوفة وحواليها لا يكون في النصف الأوّل من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، بل أقلّ منه بكثير ، وكذا باقي الشهور . والنصف من حزيران هو أوائل السرطان ، والنصف من تموز أوائل أسد ، والنصف من آب أوائل السنبلة ، والنصف من أيلول أوائل الميزان ، والنصف من تشرين الأوّل أوائل العقرب، والنصف من تشرين الآخر أوائل القوس ، والنصف من كانون الأوّل أوائل الجدي ، والنصف من كانون الآخر أوّل الدلو ، والنصف من شباط أوّل الحوت تقريباً ، والنصف من آذار أوائل الحمل ، والنصف من نيسان أوائل الثور ، والنصف من آيار أوائل الجوزا . قوله في خبر يزيد بن خليفة : (إنّ عمربن حنظلة إلى قوله _ : إذا لا يكذب علينا) . [ح 1 / 4833] فيه توثيق عمر بن حنظلة ، لكنّه ضعيف بيزيد (78) . وعن الشهيد الثاني أنّه قال في شرح الدراية: «إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل ، لكنّ أمره عندي سهل ؛ لأنّي حقّقت توثيقه في محلٍّ آخر» (79) . وعن ولده المبرور الشيخ حسن أنّه قال : ومن عجيب ما اتّفق له أنّه قال في شرح بداية الدراية: إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب عليه بجرح ولا تعديل ، ولكنّه حقّق توثيقه من محلٍّ آخر. ووجدت بخطّه في بعض فوائده ما صورته : عمر بن حنظلة غير مذكور بجرحٍ ولا تعديل ، ولكن الأقوى عندي أنّه ثقة لقول الصادق عليه السلام في حديث الوقت : «إذا لا يكذب علينا» . والحال أنّ الحديث الّذي أشار إليه ضعيف الطريق ، فتعلّقه به [في هذا الحكم] مع ما علم من انفراده [به] غريب ، ولولا الوقوف في الكلام الأخير لم يختلج في الخاطر أنّ الاعتماد في (80) ذلك على هذه الحجّة (81) . والسبحة : خرزات التسبيح يعدّ بها الدعاء. وصلاة التطوّع (82) . قوله في مرسلة يونس : (سألته عمّا جاء في الحديث : أن صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعاً وذراعين وقدماً وقدمين من هذا ، ومن هذا، فمتى هذا ، وكيف هذا؟) إلخ. [ح 7 / 4839] في التهذيب (83) : «العصر» بدل «الظهر» ، والظاهر هو الجمع بينهما بدليل أنّ هذه الأخبار في الظهرين وقد سبقت ، والظاهر تعلّق الجارّين بقوله : «جاء» وأنّ مجروريهما إشارتان إلى الرواة . وتوهّم السائل أنّ المراد بالقامة الّتي جعلت مقياساً في تلك الأخبار قامة الشاخص، وبالظلّ الظلّ الباقي عند الزوال، وأنّ المراد بيان أنّ أوّل الزوال الّذي هو أوّل الوقت للظهر إذا صار الظلّ الباقي عند الزوال بقدر قامة الشاخص ، وأوّل وقت العصر إذا صار الظلّ الباقي مع الفئ الزائد قامتين . وكذا حال الذراع والذراعين والقدم والقدمين ، فزعم أنّ هذه الأخبار متناقضة وغير مطّردة ؛ إذ قد يبقى عند الزوال أقلّ ممّا ذكر ، فأجاب عليه السلام : بأنّ المراد بيان أوّل وقت الفضيلة للصلاتين للمتنفّل، وأنّ القامة في خبر القامة والقامتين ليست هي قامة الشاخص الّذي له الظلّ ، بل المراد بها الظلّ الباقي عند الزوال ، والمماثلة معتبرة بين الفيء الزائد والظلّ الباقي، وهو يختلف بحسب اختلاف الفصول ، فقد يبقى الظلّ عند الزوال بقدر ذراع وهو سبعا الشاخص ، وقد يبقى أقلّ وأكثر . والخبر الّذي اعتبر فيه المماثلة بين الفيء الزائد وقامة الظلّ الباقي إنّما وردت عنهم عليهم السلام في زمان كان الظلّ الباقي فيه ذراعات ، فصارت القامة والقامتان والذراع والذراعان متّحدين في ذلك الزمان ، وكانت القامة الّتي اعتبر المماثلة بين الفيء الزائد وبينها أيضاً ذراعاً . وأمّا في زمان يكون الظلّ الباقي المعبّر عنه بالقامة فيه أقلّ من ذراع أو أكثر، فحينئذٍ لا تعتبر المماثلة بين الفيء الزائد والظلّ الباقي ، بل الوقت حينئذٍ محصور بالذراع والذراعين، فتتوافق أخبار القامة والقامتين وأخبار الذراع والذراعين ، ويبقى خبر القدم والقدمين ، ولم يتعرّض عليه السلام للجواب عنه ، والظاهر أنّه مبنيّ على ما إذا قلّ زمان النافلة. وقوله عليه السلام في صدر الجواب : (إنّما قال الظلّ قامة) إلخ [ح 7 / 4839] ، يعني إنّما أراد بالقامة الّتي هي المقياس الظلّ الباقي ، ولم يرد قامة الظلّ ، يعني قامة الشاخص الّذي له الظلّ . وفي بعض النسخ : «إنّما قال ظلّ القامة»، فالمعنى أيضاً أنّه إنّما اُريد بالقامة الّتي هي المقياس الظلّ الباقي من قامة الشاخص ولم يرد القامة الّتي له الظلّ ، واللّه أعلم بحقيقة كلام وليّه. وقد جمع الشيخ في التهذيب بين الأخبار المختلفة المشار إليها بتأويلات اُخرى قال : وليس لأحد أن يقول كيف يمكنكم العمل على هذه الأحاديث مع اختلاف لفظها (84) وتضادّ معانيها ؛ لأنّ بعضها يتضمّن ذكر القامة ، وبعضها يتضمّن ذكر الذراع ، وبعضها يتضمّن ذكر القدم ، وهذه مقادير مختلفة؛ لأنّ اللفظ وإن اختلف فإنّ المعاني ليست مختلفة من وجوه: أحدها: إنّا بيّنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، إلّا لمن يصلّي السبحة، والسبحة تختلف باختلاف المصلّين ، فمن صلّى بقدر ما تصير الشمس على قدم فذاك (85) وقته ، ومن صلّى على ذراع فذاك [حينئذ] وقته ، ومن صلّى إلى أن تصير الشمس على قامة فذاك وقته. وقد صرّح بهذا أبو عبد اللّه عليه السلام في الخبر الّذي قدّمناه عن منصور بن حازم بقوله: «ألا اُنبّئكم بأبين من هذا؟» ثمّ قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، إلّا أن بين يديها سبحة ، فإن أنت خفّفت فحين تفرغ منها ، وإن أنت طوّلت فحين تفرغ منها» (86) . والثاني: أن يكون جميع ما تضمّنت هذه الأخبار من ذكر القامة المراد به الذراع وقد بيّنوا عليهم السلام ، روى ذلك عليّ بن الحسن الطاطري، عن محمّد بن زياد ، عن عليّ بن حنظلة ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «القامة والقامتان : الذراع والذراعان في كتاب عليّ عليه السلام » (87) . وعنه عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «القامة هي الذراع» (88) . وعنه عن محمّد بن زياد ، عن عليّ بن أبيحمزة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال له أبو بصير: كم القامة؟ قال : فقال : «ذراع، إنّ قامة رحل رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت ذراعاً» (89) . والثالث: أنّ الشخص القائم الّذي يعتبر به الزوال يختلف ظلّه بحسب اختلاف الأوقات، فتارةً ينتهي الظلّ منه في القصور حتّى لا يبقى بينه وبين أصل العمود المنصوب أكثر من قدم، وتارةً ينتهي إلى حدّ يكون بينه وبينه ذراع، وتارةً يكون مقداره مقدار الخشب المنصوب، فإذا رجع الظلّ إلى الزيادة وزاد مثل ما كان قد انتهى إليه من الحدّ فقد دخل الوقت ، سواء كان قدماً أو ذراعاً ، أو مثل الجسم المنصوب ، فالاعتبار بالظلّ في جميع الأحوال لا بالجسم المنصوب. والّذي يدلّ على هذا المعنى ما رواه محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن سعيد ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عمّا جاء في الحديث : أن صلّ العصر إذا كانت الشمس قامة و قامتين وذراعاً وذراعين» إلى آخر الخبر المذكور (90) . وأورد على الوجه الأخير الشيخ بهاء الملّة والدين في الحبل المتين: بأنّ الظلّ الّذي يبقى عند الزوال مختلف في البلدان بل ففي البلد الواحد باختلاف الفصول. ففي الصيف قد تكون الأفياء يسيرا أقلّ من عشر الشاخص ، بل قد تعدم، وفي الشتاء قد تكون مساوية للشاخص، بل قد يكون أزيد منه بكثير على ما يقتضيه اختلاف البلدان في العرض ، فلا يستقيم التحديد المذكور ؛ لأنّه يقتضي اختلافاً فاحشاً في الوقت ، بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنه الوقت ، كما إذا كان الباقي شيئاً يسيرا حدّا ، بل يستلزم الخلوّ عن التوقيت في اليوم الّذي تسامت الشمس فيه رأس الشخص ؛ لانعدام الظلّ الأوّل حينئذٍ . وأمّا الرواية المذكورة فضعيفة السند ، متهافتة المتن ، قاصرة الدلالة ، ولا تعويل عليها أصلاً (91) .

.


1- . اُنظر: الناصريّات، ص 189؛ رسائل المرتضى، ج 1، ص 273، مختلف الشيعة، ج 2، ص 6؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 54 ؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 327 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 56 ؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 24؛ شرح اللعمة، ج 1، ص 138 139؛ الحداق الناضرة، ج 6، ص 100 101.
2- . الإسراء (17) : 78.
3- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 24 و 26، ح 68 و 73؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 126؛ ح 4696.
4- . الفقيه، ج 1، ص 216، ح 648 . و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 54 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 125، ح 4692.
5- . الاستبصار، ج 1، ص 245 246، ح 874 . و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 243، ح 964 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 127، ح 4699.
6- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 244، ح 965؛ الاستبصار، ج 1، ص 246، ح 875 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 127، ح 4700.
7- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 244، ح 966؛ الاستبصار، ج 1، ص 246، ح 876 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 127، ح 4701.
8- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 244، ح 967؛ الاستبصار، ج 1، ص 246، ح 877 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 128، ح 4702.
9- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 127، ح 4698.
10- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 18، ح 49 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 222، ح 785؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 85 ، ح 4577.
11- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 269 270، ح 1074؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 292 293، ح 5190 .
12- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 390 ، ح 1202؛ الاستبصار، ج 1، ص 143، ح 487 ؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 363 ، ح 2371.
13- . هذا هو الحديث الأوّل من ذلك الباب . و رواه الشيخ في الاستبصار، ج 1، ص 142، ح 485 ؛ و في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389 ، ح 1199 . وسائل الشيعة، ج 2، ص 359 ، ح 2360.
14- . هذا هو الحديث الثاني من ذلك الباب . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 389 ، ح 1198؛ و الاستبصار، ج 1، ص 141 142، ح 484 ؛ وسائل الشيعة، ج 2 ، ص 362 ، ح 2368.
15- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 7 8 .
16- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 28، ح 82 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 263، ح 945؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 184، ح 4860.
17- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270، ح 1076؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 288، ذيل ح 5182 .
18- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270، ح 1077؛ الاستبصار، ج 1، ص 288، ح 1054؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 288، ح 5186 .
19- . اُنظر: الفقيه، ج 1، ص 215 216، ح 646 و 647 ، الهداية، ص 127 128.
20- . مجمع الفائدة والبرهان، ج 2، ص 12 13.
21- . قال في زبدة البيان، ج 1، ص 93: «و أقول : إنّه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك، أى على وسعة الوقت على الوجه المشهور، بأن يقال : إنّ اللّه سبحانه جعل دلوك الشمس الذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتا للصوات الأربع، إلّا أنّ الظهر و العصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب، و المغرب و العشاء الآخرة اشتركا في الوقت من المغرب إلى الغسق».
22- . الكافي، باب من نام الصلاة أوسها عنها، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 269، ح 1073؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 289، ح 5185 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 271، ح 1080 . و رواه أيضا في الاستبصار، ج 1، ص 289، ح 1056؛ وسائل الشيعة، ج 4 ، ص 129، ح 4708.
24- . اُنظر: الخلاف، ج 1، ص 273، المسألة 14؛ المعتبر، ج 1، ص 237، و ج 2، ص 46 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 59 و 104؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 374 ، و ج 4، ص 108.
25- . رواه الشهيد في الذكرى، ج 2، ص 252؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 218، ح 4962 . و ورد الحديث في مصادر العامّة، منها: مسند الشافعي، ص 69؛ مسند أحمد، ج 2، ص 271؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 145؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 102؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 251، ح 1121؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 1 ، ص 387 ؛ و ج 3 ، ص 202؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 1، ص 537 ، ح 1742؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 2، ص 281، ح 3369 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 348 .
26- . رواه المحقّق في المعتبر، ج 2 ، ص 47 ؛ و العلّامة في منتهى المطلب، ج 4، ص 109؛ و الشهيد في الذكرى، ج 4، ص 133 . ولم أعثر على الحديث بهذا اللفظ في المصادر الروائيّة.
27- . رسائل المرتضى، ج 2، ص 350 .
28- . عبدالمطّلب بن محمّد بن عليّ بن الأعرج الحسيني الحلّي، عميد الدين، فقية اُصولي، متكلّم، ولد بالحلّة في ليلة 15 شعبان سنة 681 ه . ق . و هو ابن اُخت العلّامة الحلّي و تلميذه . توفّي ببغداد ليلة 10 شعبان سنة 754 ه . ق. ودفن بالنجف الأشرف . من تصانيفه: تبصرة الطالبين ، شرح أنوار الملكوت ، شرح مبادي الاُصول ، كنزالفوائد في شرح القواعد ، منية اللبيب في شرح التهذيب. راجع : معجم المؤلّفين، ج 6، ص 176؛ أعيان الشيعة، ج 1، ص 138؛ الذريعة، ج 8 ، ص 106، الرقم 394 ؛ و ج 13، ص 168، الرقم 571 ؛ و ج 14، ص 153؛ و ... .
29- . لم أعثر عليه.
30- . هما الحديثان 1 و 4 من هذا الباب.
31- . هو الحديث 3 من هذا الباب.
32- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
33- . هو الحديث 8 من هذا الباب.
34- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 245 246، ح 976؛ الاستبصار، ج 1، ص 249، ح 895 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 134، ح 4725.
35- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 246، ح 977؛ الاستبصار، ج 1، ص 249، ح 896 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 133، ح 4723.
36- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 246، ح 978؛ الاستبصار، ج 1، ص 249 250، ح 897 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 134، ح 4726.
37- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 249، ح 990؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 254، ح 913؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 134 135، ح 4727.
38- . الفقيه، ج 1، ص 216، ح 649 ، تهذيب الأحكام، ج 2، ص 255 ، ح 1012، الاستبصار، ج 1، ص 248، ح 892 ؛ إلى قوله: «و وقت العصر بعد ذلك قدمان» . وسائل الشيعة، ج 4، ص 140 141، ح 4741 و 4742.
39- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19 20، ح 55 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 248، ح 888 صدره؛ و ص 250، ح 899 بتمامه؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 142، ح 4743 و 4744.
40- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 244 245، ح 972؛ الاستبصار ، ج 1، ص 247، ح 886 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 145، ح 4758.
41- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 245، ح 973؛ الاستبصار، ج 1، ص 247، ح 887 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 145 146، ح 4759.
42- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 21، ح 59 ، و فيه: «حين تزول»؛ و ص 244، ح 971؛ و ج 3 ، ص 13، ح 45، الاستبصار، ج 1، ص 247، ح 885 ؛ و ص 412، ح 1577؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 144، ح 4751.
43- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 248 ، ح 987؛ الاستبصار، ج 1، ص 253، ح 910؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 147، ح 4764.
44- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 244، ح 970؛ الاستبصار، ج 1، ص 247، ح 884 ، و فيه في آخره: «زالت الشمس»؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 145، ح 4757.
45- . الكافي، باب التطوّع في وقت الفريضة و الساعات الّتي لا يصلّى فيها ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 245، ح 974؛ الاستبصار، ج 1، ص 249، ح 893 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 146، ح 4760.
46- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 245، ح 975؛ الاستبصار، ج 1، ص 249، ح 894 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 146، ح 4761.
47- . تهذيب الأحكام، ج 2: ص 249، ح 989؛ الاستبصار، ج 1، ص 254، ح 912؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 148، ح 4770.
48- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 250، ح 992؛ الاستبصار، ج 1، ص 255، ح 915؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 147، ح 4767.
49- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 250 251، ح 993؛ الاستبصار، ج 1، ص 255 256، ح 916؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 148، ح 4768.
50- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 53 ؛ و ص 263، ح 1046؛ الاستبصار، ج 1، ص 271، ح 981؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 126 127، ح 4697 ؛ و 138 139، ح 4736، و ص 222، ح 4978.
51- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
52- . هو الحديث 7 من هذا الباب.
53- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 21، ح 61؛ الاستبصار، ج 1، ص 248، ح 890 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 144، ح 4752.
54- . في هامش الأصل: «حسنة بالحسن بن عليّ الوشّاء . منه طاب ثراه» .
55- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 52 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 247، ح 883 ؛ و ص 259 260، ح 931؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 143، ح 4749.
56- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 22، ح 62؛ الاستبصار، ج 1، ص 248، ح 891 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 144 ، ح 4753.
57- . هذا نفس الحديث المتقدّم.
58- . الفقيه، ج 1، ص 223، ح 672؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 142، ح 4745 ؛ و ص 247، ح 5052 .
59- . صحيح البخاري، ج 1، ص 135. و ورد الحديث في : مسند الشافعي، ص 27؛ مسند أحمد، ج 2، ص 238 و 285؛ و ج 3 ، ص 9، و ص 53 ، و 59 ؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 274؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 222، ح 677؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 100 ، ح 401 ؛ السنن الكبرى، ج 1، ص 437 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 1، ص 465، ح 1488؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 420 ؛ مسند أبييعلى، ج 10، ص 270 271، ح 5871 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 373 374 و 375 . و رواه الشيخ الصدوق في علل الشرائع، ج 1، ص 247، الباب 181؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 142، ح 4746.
60- . صحيح البخاري، ج 1، ص 135 . و رواه أحمد في مسنده، ج 5 ، ص 176؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 1، ص 438 ؛ و ابن خزيمة في صحيحه، ج 1، ص 169.
61- . صحيح البخاري، ج 1، ص 135؛ و ج 4، ص 89 . و رواه الشافعي في مسنده، ص 27 ؛ و أحمد في مسنده، ج 2، ص 277 و 503 ؛ و الدارمي في سننه، ج 2، ص 340 ؛ و مسلم في صحيحه، ج 2، ص 108؛ و البيهقي فيالسنن الكبرى، ج 1، ص 437 ؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 6، ص 504 ، ح 11640؛ و الحميدي فيمسنده، ج 2، ص 421 ؛ و أبويعلى في مسنده، ج 10، ص 270 272، ح 5871 ؛ و الطبراني في مسند الشاميّين، ج 4 ، ص 175، ح 3038 ، مع مغايرة جزئيّة في عبارة بعضها.
62- . صحيح البخاري، ج 1، ص 135 136 . و رواه أحمد في مسنده، ج 3 ، ص 52 ؛ و ابن ماجة في سننه، ج 1، ص 223، ح 679 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 1، ص 437 ؛ و أبويعلى في مسنده، ج 2، ص 480، ح 335 .
63- . صحيح البخاري، ج 1، ص 136 . و رواه أحمد في مسنده، ج 5 ، ص 167؛ و ابن حبّان فيصحيحه، ج 4، ص 376 .
64- . اُنظر: صحيح مسلم، ج 2، ص 107 108.
65- . الفقيه، ج 1، ص 223، ح 672.
66- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 256، ح 1014؛ الاستبصار، ج 1، ص 259، ح 927؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 153، ح 4781.
67- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 250، ح 991؛ الاستبصار، ج 1، ص 255، ح 914؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 148 149، ح 4771.
68- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 251، ح 994؛ الاستبصار، ج 1، ص 256 ، ح 926؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 148، ح 4796.
69- . المقنعة، ص 92، و لفظه هكذا: «و وقت الظهر من بعد زوال الشمس إلى أن يرجع الفيء سبعي الشاخص».
70- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 76، ح 74. و رواه أيضا في الاستبصار، ج 1، ص 258 259، ح 926 . وسائل الشيعة ج 4، ص 149، ح 4772.
71- . في المصدر: «نصف» بدل «ربع».
72- . المثبت من المصدر، و في الأصل: «ثمّ تزول».
73- . منتهى المطلب، ج 4، ص 41 42.
74- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 27، ح 75؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 162، ح 4803 ؛ و ص 163، ح 4804.
75- . نفس المصدر، ح 76.
76- . اُنظر: منتهى المطلب، ج 4، ص 42.
77- . الفقيه، ج 1، ص 223 224، ح 673 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 276، ح 1096 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 163، ح 4805 . و ما بين الحاصرتين من المصادر.
78- . اُنظر: رجال الطوسي، ص 346 ، الرقم 5171 ؛ خلاصة الأقوال، ص 417، و المذكور فيهما أنّه واقفي، ولم أعثر على تضعيفه في الرواية، كما لم أعثر على توثيق له . وانظر ترجمته في معجم رجال الحديث.
79- . الرعاية، ص 131.
80- . في المصدر: «على» بدل «في».
81- . منتقى الجمان، ج 1، ص 19.
82- . صحاح اللغة، ج 1، ص 372 (سبح) .
83- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 24، ح 67؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 150 151، ح 4774.
84- . في المصدر: «ألفاظها».
85- . في المصدر: «فذلك» . و كذا في المورد الذي بعد التالي، و في التالي : «فكذلك».
86- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 22، ح 63 . و هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 4، ص 131 132، ح 4715.
87- . رواه أيضا في الاستبصار، ج 1، ص 251، ح 900 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 144، ح 4754.
88- . رواه أيضا في الاستبصار، ج 1، ص 251، ح 901 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 145، ح 4755.
89- . رواه أيضا في الاستبصار، ج 1، ص 251، ح 902 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 145، ح 4756.
90- . الكافي، ج 3 ، ص 277، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 24، ح 67؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 150، ح 4774.
91- . الحبل المتين، ص 140، و في المذكور هنا تلخيص.

ص: 380

. .

ص: 381

. .

ص: 382

. .

ص: 383

. .

ص: 384

. .

ص: 385

. .

ص: 386

. .

ص: 387

. .

ص: 388

. .

ص: 389

. .

ص: 390

. .

ص: 391

. .

ص: 392

. .

ص: 393

. .

ص: 394

. .

ص: 395

. .

ص: 396

. .

ص: 397

. .

ص: 398

. .

ص: 399

. .

ص: 400

. .

ص: 401

باب وقت المغرب والعشاء الآخرة

باب وقت المغرب والعشاء الآخرةفيه مسائل : الاُولى : اختلف الأصحاب في أوّل وقت المغرب، فقال الشيخ المفيد في المقنعة : عندنا أنّ أوّل وقت المغرب مغيب الشمس . وعلامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق المقابل للمغرب في السماء ، وذلك أنّ المشرق مطلّ على المغرب ، فما دامت الشمس ظاهرة فوق أرضنا هذه فهي تلقي ضوئ [ها] على المشرق في السماء ، فترى حمرتها فيه ، فإذا ذهبت الحمرة فيه علم أنّ القرص قد سقط وغاب . وبه قال الشيخ في النهاية (1) والتهذيب (2) ، وهو أحد وجهي الجمع بين الأخبار له في الاستبصار ، والمشهور بين المتأخّرين. ويدلّ عليه ما رواه في الاستبصار عن عبد اللّه بن صباح (3) ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام : يتوارى القرص ويقبل الليل ، ثمّ يزيد الليل ارتفاعاً ، وتستر عنّا الشمس ، وترتفع فوق الليل حمرة ، ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، فاُصلّي حينئذٍ وأفطر إن كنت صائماً أو انتظر حتّى تذهب الحمرة الّتي فوق الليل؟ فكتب إليّ: «أرى أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك» (4) . وعن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين تغيب الحمرة من مطلع الشمس ، فجعله هو الحمرة الّتي من قبل المغرب ، فكان يصلّي حين يغيب الشفق» (5) . وعن محمّد بن شريح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن وقت المغرب؟ فقال : «إذا تغيّرت الحمرة في الاُفق وذهبت الصفرة [و قبل أن تشتبك النجوم]» (6) . ويؤيّدها خبر بريد بن معاوية (7) ، وقد رواها الشيخ في الاستبصار عن المصنّف بهذين السندين، وبسند آخر أيضاً وهو : أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن عروة (8) . وما رواه في الصحيح عن أبي اُسامة أو غيره ، قال : صعدت حَرَّةَ جبل أبي قبيس والناس يصلّون المغرب ، فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد اللّه عليه السلام فأخبرته بذلك ، فقال لي: «ولِمَ فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت! إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلمها ، وإنّما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على الناس أن يبحثوا» (9) ، فإنّ الظاهر من قوله عليه السلام : «إنّما عليك مشرقك ومغربك» : أنّه انظر إلى مشرقك ، فإذا لم تر حمرة فصلّ المغرب ، وانظر إلى مغربك ، فإذا لم تر الشفق فصلّ العشاء. ومثله في هذا المعنى خبر سماعة بن مهران ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام [في المغرب]: إنّا ربّما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل ، وقد سترنا منها الجبل. قال : فقال : «ليس عليك صعود الجبل» (10) . ويؤيّده أيضاً ما رواه عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال لي: «مسّوا بالمغرب قليلاً ، فإنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب من عندنا» (11) . وعن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سأله سائل عن وقت المغرب؟ قال : «إن اللّه يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام : «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا» (12) فهذا أوّل الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل» (13) . ولمّا لم تكن هذه الأخبار صحيحة ولا بعضها صريحاً في المطلوب ، وكانت معارضة بأخبار غير عديدة ، مشتملة على الصحيح والحسن ، دالّة على دخول وقتها بغيبوبة القرص ، ذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط (14) ، والصدوق في علل الشرائع (15) إلى كفاية غيبوبة القرص. ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب من حسنة زرارة (16) ، وخبر يزيد بن خليفة (17) ، وصحيحتي عبد اللّه بن سنان وزيد الشحّام (18) ، ورواية زرارة والفضيل (19) ، وخبري عبيد بن زرارة (20) وإسماعيل بن مهران (21) ، وما سبق من قولهم عليهم السلام : «وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة» (22) . وخبر داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت العشاء الآخرة» ، إلى آخر الخبر (23) ، وقد مضى. وخبر عليّ بن الحكم، عمّن حدّثه، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه سُئل عن وقت المغرب ، فقال : «إذا غاب كرسيّها» ، قلت : وما كرسيّها؟ قال : «قرصها» ، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال : «إذا نظرت إليه فلم تره» (24) . وخبر زيد الشحّام ، قال : قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام : اُؤخّر المغرب حتّى تستبين النجوم؟ قال : فقال : «خطّابيّة؟! إنّ جبرئيل نزل بها على محمّد صلى الله عليه و آله حين سقط القرص» (25) . ورواية محمّد بن أبي حمزة، عن جارود ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «يا جارود ، ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشيء نادَوا به ، أو حدّثوا بشيء أذاعوه ، قلت لهم : مسّوا بالمغرب قليلاً فتركوها حتّى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن اُصلّيها إذا سقط القرص» (26) . وعن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الصباح بن سيابة، وأبي اُسامة ، قالا: سألوا الشيخ عن المغرب ، فقال بعضهم: جعلني اللّه فداك ، ننتظر حتّى يطلع كوكب؟ فقال : «خطّابية؟! إن جبرئيل نزل بها على محمّد صلى الله عليه و آله حين سقط القرص» (27) . وعن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس» (28) . وصحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل» ، الخبر (29) . وخبر عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا توارى القرص وكان وقت الصلاتين»، الخبر (30) . وقد تقدّما. وخبر عبد اللّه بن سنان، عن عمرو بن أبي نصر ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المغرب: «إذا توارى القرص كان وقت الصلاة وافطر» (31) . وموثّق أبان، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حتّى تغيب حاجبها» (32) . وخبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس» (33) . وخبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم» (34) . وموثّق إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب، قال : «ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق» (35) . والأوّلون تارةً حملوا غيبوبة القرص في هذه الأخبار على غيبوبته عن الاُفق الحقيقي ، وقالوا : علامته ذهاب الحمرة المشرقيّة ، وبذلك جمعوا بينها وبين ما سبق من الأخبار الأوّلة، ويشعر به بعض تلك الأخبار ، لكن يأبى عنه مرسلة عليّ بن الحكم من هذه الأخبار. واُورد عليه بأنّ هذا الجمع إنّما يكون جيدا لو تكافأت الأخبار من الطرفين ، وهذه الأخبار أكثر ، ومشتملة على الصحيح والحسن ، بخلاف الأوّلة فإنّه ليس فيها حسن فضلاً عن صحيح. وربما حملوا الأخيرة على التقيّة . ويظهر جوابه ممّا ذكر . والأولى حمل الأوّلة على الفضيلة كما يشعر به قوله عليه السلام : «خذ بالحائطة لدينك». فإن قيل: الأمر فيه للوجوب. قلت: لا نسلّم وجوب الأخذ بالاحتياط؛ لانتفاء دليل يعتدّ به عليه بل كونه للاستحباب هنا أظهر وإن قيل: إنّ الأمر حقيقته الوجوب ؛ لما يستفاد من خبر جارود . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «أوّل وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامته أن يسودّ اُفق السماء من جانب المشرق ، وذلك إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجوّ واشتباك النجوم» (36) . ويردّه بعض ما تقدّم من الأخبار ، وصحيحة ذريح ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ اُناساً من أصحاب أبي الخطّاب يمسون بالمغرب حتّى تشتبك النجوم، قال : «أبرأ إلى اللّه ممّن فعل ذلك متعمّدا» (37) . ويؤيّدها خبر محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «قال ملعون ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها» (38) . وكأنّه تمسّك بما رواه الشيخ عن محمّد بن عليّ ، قال : صحبت الرضا عليه السلام في السفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق ، يعني السواد (39) . وعن أبي همام إسماعيل بن همام ، قال : رأيت الرضا عليه السلام وكنّا عنده لم يصلّ المغرب حتّى ظهرت النجوم، ثمّ قال : «فصلّى بنا على باب دار ابن أبي محمود» (40) . وعن داوود الصرمي ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام يوماً فجلس يحدّث حتّى غابت الشمس ، ثمّ دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب ، ثمّ دعا بالماء فتوضّأ وصلّى (41) . وفي الموثّق عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب ، قال : قال لي: «مسّوا بالمغرب قليلاً ، فإنّ الشمس تغيب عندكم من قبل أن تغيب عندنا» (42) . وفيه: أنّ تأخير المعصوم إيّاها لا يدلّ على عدم دخول وقتها قبل فعله عليه السلام وإنّما يدلّ على جواز التأخير ، وأمّا الأمر بالتأخير قليلاً فليتحقّق [ب]ذهاب الحمرة المشرقية. وعن ابن البرّاج أنّه حكى عن بعض الأصحاب أنّه لا وقت لها إلّا واحدا ، وهو سقوط القرص (43) ، وهو ظاهر ما تقدّم من الأخبار الّتي دلّت على أنّ جبرئيل عليه السلام أتى النبيّ عليه السلام لكلّ صلاة بوقتين غير صلاة المغرب ، فإنّ وقتها واحد وهو سقوط القرص (44) ، وقد عرفت أنّها محمولة على تأكّد الاستحباب . الثانية: اختلفوا في آخره (45) أيضاً ، فقد حكى العلّامة في المختلف (46) عن السيّد المرتضى أنّه قال في الجمل بامتداد وقتها إلى أن يبقى إلى نصف الليل مقدار أربع ركعات (47) ، ونقله عن ابن الجنيد وابن زهرة (48) وابن إدريس (49) ، وهو قول عامّة المتأخّرين (50) . ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وغسق الليل انتصافه» (51) فيما تقدّم في باب فرض الصلاة، وما رويناه من مرسلة داود بن فرقد، وصحيحة عبيد بن زرارة. وقال المفيد في المقنعة: «آخره أوّل وقت العشاء» (52) ، وقد فسّره بذهاب الحمرة المغربية . وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، فقد قال فيه: «أوّل وقت المغرب إذا غابت الشمس وآخره إذا غاب الشفق وهو الحمرة» (53) . ومنقول في المختلف (54) عن ابن البرّاج (55) ، ومحكي في الخلاف عن أبي حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي بكر بن المنذر ، إلّا أنّ أبا حنيفة فسّر الشفق بالبياض (56) ، قال : «وحكى أبو ثور هذا المذهب [عن الشافعي] ولم يصحّحه أصحابه» (57) ، ولعلّهم أرادوا بذلك وقت الاختيار . وقد صرّح بذلك الشيخ في المبسوط (58) وستعرفه ، وهو المشهور من مذهبه . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن زرارة والفضيل (59) ، وما رواه أيضاً أنّ لها وقتين ، آخر وقتها سقوط الشفق (60) ، وما تقدّم من مكاتبة إسماعيل بن مهران (61) ، وعن بكر بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السلام (62) ، وعن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام (63) . وحملت في المشهور على وقت الفضيلة ؛ لعموم بعض ما تقدّم من الأخبار ، وخصوص ما تقدّم عن داود والصرمي (64) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن جميل بن درّاج ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ماتقول في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّه لا بأس»، قلت: فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّه لا بأس» (65) . وقال الشيخ في المبسوط والنهاية: «آخره غيبوبة الشفق للمختار ، وربع الليل للمضطرّ» (66) ، وهو منقول في المختلف (67) عن أبي الصلاح (68) وابن حمزة (69) . وبه قال الصدوق في الفقيه (70) . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن عمر بن يزيد (71) ، والشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين ، قال : سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق ، أيؤخّرها أءلى أن يغيب الشفق؟ قال : «لا بأس بذلك في السفر ، وأمّا في الحضر فدون ذلك شيئاً» (72) . وعن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن الرضا عليه السلام قال : «إنّ أبا الخطّاب قد كان أفسد عامّة أهل الكوفة ، وكانوا لا يصلّون المغرب حتّى يغيب الشفق ، وإنّما ذلك للمسافر والخائف أو لصاحب الحاجة» (73) . وعن محمّد بن عذافر، عن عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت المغرب؟ فقال : «إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل». قال : قال لي هذا وهو شاهد في بلده (74) . وعن عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فأمرُّ بالمساجد فاُقيمت الصلاة ، فإن أنا نزلت اُصلّي معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة. فقال : «ائت منزلك وانزع ثيابك ، وإن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ وصلّ ، فإنّك في وقت إلى ربع الليل» (75) . والأظهر حمل هذه أيضاً على الفضيلة ؛ لما عرفت ، ولئلّا تطرح أخبار النصف. الثالثة: أوّل وقت العشاء على المشهور بعد صلاة المغرب وإن لم يذهب الشفق ، ذهب إليه السيّد المرتضى في الناصريّات (76) ، وحكاه عن مالك (77) . ونسب في المختلف (78) إلى ابن الجنيد (79) وأبي الصلاح (80) وابن البرّاج (81) وابن زهرة (82) وابن حمزة (83) وابن إدريس (84) ، وهو مذهب عامّة المتأخّرين (85) . وقال المفيد في المقنعة : إنّه مغيب الشفق (86) ، وبه قال الشيخ في الخلاف (87) والمبسوط (88) والنهاية (89) وكتابي الأخبار (90) ، ونسب في المختلف (91) إلى ابن أبي عقيل وسلاّر (92) . لنا ما رواه المصنّف عن عبيد بن زرارة (93) ، وما تقدّم من صحيحة عبيد بن زرارة (94) وخبر آخر عنه (95) ، وخبر داود بن فرقد (96) ، وموثقة جميل (97) . وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة» (98) . وما رواه الشيخ عن عبد اللّه وعمران بن عليّ الحلبيين ، قالا: كنّا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، وكان منّا من يضيق بذلك صدره ، فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، فقال : «لا بأس بذلك»، قلنا: وأيّ شيء الشفق؟ فقال : «الحمرة» (99) . وعن إسحاق البطيخي ، قال : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، ثمّ ارتحل (100) . احتجّ الشيخ على ما ذهب إليه بصحيحة عمران بن عليّ الحلبي (101) . ويدلّ أيضاً عليه خبر يزيد بن خليفة (102) ، ومكاتبة عليّ بن الريّان (103) ، وما تقدّم عن بكر بن محمّد (104) ، وحملت في المشهور على الفضيلة ؛ للجمع إبقاء للأخبار الأوّلة على ظاهرها لكثرتها وشهرتها. وقد أوّل قدس سرهم الأخبار الأوّلة ، فقال في التهذيب: هذه الأخبار يحتمل وجهين : أحدهما: أن تكون مخصوصة بحال الاضطرار ، وهو لمن يعلم أو يظنّ أنّه إن لم يصلّ في هذا الوقت وانتظر سقوط الشفق لم يتمكّن من ذلك ، ولحائل يحول بينه وبين الصلاة أو مانع يمنعه منه (105) . واستند فيه بحسنة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس بأن تعجّل العشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (106) . وصحيحة محمّد بن عليّ الحلبي، [عن عبيداللّه الحلبي]، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن تؤخّر المغرب في السفر حتّى يغيب الشفق، ولا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (107) . وصحيحة ابن مسكان، عن أبي عبيدة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ، ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ، ثمّ أقام مؤذّنه ، ثمّ صلّى العشاء ، ثمّ انصرفوا» (108) . والثاني: أن يكون رخصة [للدخول في الصلاة] لمن يعلم أنّه يسقط الشفق قبل فراغه من الصلاة (109) . واستدلّ له بخبر إسماعيل بن أبي رباح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (110) . الرابعة: آخره ، واختلف فيه أيضاً ، فالمشهور أنّه انتصاف الليل ، وحكاه في المختلف (111) عن السيّد المرتضى (112) وابن الجنيد (113) وابن زهرة (114) وسلاّر (115) ، وبه قال ابن إدريس (116) ، ونسبه الشيخ في الخلاف (117) إلى الرواية . وقال المفيد: «آخره ثلث الليل» (118) ، وهو قول الشيخ في النهاية (119) والخلاف (120) ، وحكاه في المختلف (121) عن جمله (122) واقتصاده (123) أيضاً وعن ابن البرّاج (124) . وقال في المبسوط: إنّه ثلث الليل للمختار ، ونصفها للمضطرّ (125) ، واختاره في كتابي الأخبار (126) ، وحكى في المختلف (127) عن ابن أبي عقيل أنّه ربع الليل ، وحكى في المبسوط عن بعض أصحابنا من غير أن يعيّن قائله أنّ آخره للمضطرّ طلوع الفجر (128) . ويدلّ على الأوّل ما تقدّم من صحيحة أبي عبيدة وأمثالها ، وما رواه الشيخ عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لولا أنّي أخاف أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل، فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه» (129) . وفي الموثّق عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «آخر وقت العتمة نصف الليل» (130) . وعن الحسين بن هاشم ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل أو ذلك التضييع» (131) . واحتجّ الشيخ على ما ذهب إليه في المبسوط بالاحتياط ، وبما رواه المصنّف عن يزيد بن خليفة (132) ، وبقوله عليه السلام في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : «وآخر وقت العشاء ثلث الليل» (133) ؛ حملاً لهما على وقت الاختيار للجمع . والأوّلون حملوهما على وقت فضيلتها ، وهو أظهر ؛ لكون أخبار النصف أكثر وأشهر . ويشعر بذلك خبر ابن مسكان عن الحلبي الّذي مرّ قبيل هذا . وحكى في المختلف (134) عن ابن أبي عقيل أنّه احتجّ على ما ذهب إليه بمكاتبة إسماعيل بن مهران (135) . وأنت خبير بعدم دلالته على مدّعاه أصلاً ؛ إذ لا تعرّض فيها بآخر وقت العشاء رأساً . وفي المختلف (136) : «واحتجّ من قال ببقاء الوقت في الاضطرار إلى طلوع الفجر بما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس» (137) . وهو أحد وجهي الجمع للشيخ في كتابي الأخبار ، وفي الوجه الآخر حمله على وقت النوافل (138) . ولولا ضعف الخبر لكان القول به قويّاً ، والاحتياط في الضرورة الأداء والقضاء معاً بعد نصف الليل . قوله في مرسلة ابن أبي عمير: (فإذا جازت قمّة الرأس) . [ح 4 / 4844] القمّة : أعلى الرأس وأعلى كلّ شيء (139) . قوله : (عن عبد اللّه بن عامر) . [ح 8 / 4848] هو أبو محمّد عبد اللّه بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعري ، عمّ الحسين بن محمّد بن عامر بن عمران الأشعري، وثّقه النجاشي (140) والعلّامة في الخلاصة (141) ، فالخبر صحيح . قوله في موثّقة عليّ بن فضال : (فقال : الحمرة) . [ح 10 / 4850] قال طاب ثراه : دلّ هذا الخبر والّذي بعده على أنّ الشفق هو الحمرة ، وهو مذهب علمائنا والشافعي (142) ومحدّثيهم ، والمشهور عن مالك (143) ، وفي رواية عنه : أنّه البياض (144) . وبه قال أبو حنيفة (145) والأوزاعي (146) . وقال بعض اللغويين منهم : أنّه يطلق عليهما (147) . وقوله عليه السلام : (لو كان البياض كان إلى ثلث الليل) [ح 10 / 4850] إمّا محمول على المبالغة، أو بالنظر إلى بعض البلاد والأزمان ، وإلّا فقد لا يبقى إلى ثلث الليل ، وقد يبقى زائدا عليه . وقد ذكر أرباب الهيئة أنّ انتهاء غروبه إذا كان انحطاط الشمس عن الاُفق بثماني عشرة درجة . وظاهر أنّ ذلك القدر قد يكون ثلث قوس الليل ، وقد يكون زائدا عليه ، وقد يكون أقلّ منه بحسب اختلاف العروض والفصول . قوله في صحيحة عمران بن عليّ الحلبي : (متى تجب العتمة؟) . [ح 11 / 4851] قد شاع إطلاق العتمة على العشاء الآخرة في رواياتنا ، وفي بعض روايات العامّة أيضاً : «لو يعلمون (148) ما في العتمة» ، الخبر (149) . وقال طاب ثراه : كره الشيخ هذه التسمية وتسميته صلاة الصبح بالفجر ، ولا أعلم دليله . نعم، ورد في بعض روايات العامّة النهي عن التسمية الاُولى ، وصرّح بعض أفاضلهم بكراهتها (150) . وقال بعضهم: الأعراب كانوا يسمّونها عتمة لأنّهم كانوا يعتمون بحلاب الإبل ، فإنّهم إنّما يحلبونها بعد الشفق وبدو الظلام (151) ، وهذا الوقت يسمّى عتمة ، فأطلقته العرب على هذه الصلاة ، فجاء النهي عن اتّباعهم في ذلك . قوله في خبر أبي بصير: (لولا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العشاء إلى ثلث الليل) . [ح 13 / 4853] قال طاب ثراه : روى مسلم نظيره عن عائشة ، قال : اعتمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات ليلة حتّى عامّة الليل ، فقال : «إنّه لوقتها لولا أن أشقّ على اُمّتي» (152) . وقيل: معنى اعتمّ أخّرها إلى أن دخلت العتمة ، وهي الظلمة (153) ، وقيل: معناه دخل في العتمة (154) كما يقال : أصبح ، إذا دخل في الصبح. والمراد بعامّة الليل كثير منها لا أكثرها ، وقال الخطّابي : «إنّما اختار التأخير ليقلّ حظّ النوم، وليطول الانتظار للصلاة» (155) . قوله في مكاتبة عليّ بن الريّان : (ووقت صلاة العشاء الآخرة) . [ح 15 / 4855] هي في مقابلة العشاء الاُولى ، وهي صلاة المغرب ، وقد يسمّى وقت المغرب أيضاً عشاء ، بل من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، ففي القاموس : «والعشاء أوّل الظلام ، أو من المغرب إلى العتمة ، أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر» (156) . واندفع بذلك ما نقله أبو عبد اللّه الآبي عن الأصمعي من عدم جواز هذه التسمية حقيقةً ؛ معلّلاً بأنّه ليس هناك عشاء اُولى وإن قوي العشاءان من باب التغليب كالقمرين (157) . والظاهر أنّ قوله : «وقصرة النجوم» من باب التغليب ، فإنّ الشيخ قد روى هذا الخبر بعينه (158) وليس هو فيه .

.


1- . النهاية، ص 59 .
2- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 259، ذيل ح 1031.
3- . كذا في الأصل و المصدر . و الصحيح عبداللّه بن وضّاح كما في تهذيب الأحكام . و هو مترجم في : رجال النجاشي، ص 215، الرقم 560 ؛ و خلاصة الأقوال، ص 200؛ و رجال ابن داود، ص 124، الرقم 913، ولم يرد بعنوان «عبداللّه بن صباح» في الرجال.
4- . الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 952. و رواه في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 259، ح 1031 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 176، ح 4840، و ج 10، ص 124، ح 13015.
5- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 259، ح 1033؛ الاستبصار، ج 1، ص 266 267، ح 960؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 175 176، ح 4836. و كان في الأصل: «عبداللّه بن سنان» بدل «عمّار الساباطي»، فصوّبناه حسب المصادر.
6- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 257، ح 1024؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 176، ح 4838.
7- . هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي.
8- . الاستبصار، ج 1، ص 265، ح 956 و 957. و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 29، ح 84 و 85 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 172؛ ح 4827 ؛ و ص 175، ح 4833.
9- . الاستبصار، ج 1، ص 266، ح 961. و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 220 221، ح 662؛ و في أماليه، المجلس 19، ح 12 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 198، ح 4912.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 226، ح 962؛ الاستبصار، ج 1، ص 266، ح 962. و رواه الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 218، ح 656 . وسائل الشيعة، ج 4، ص 198، ح 4911.
11- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 258، ح 1030؛ الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 951؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 176، ح 4839.
12- . الأنعام (6) : 76 .
13- . الفقيه، ج 1، ص 219، ح 657؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30 ، ح 88 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 953؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 174، ح 4832.
14- . المبسوط، ج 1، ص 74.
15- . علل الشرائع، ج 1، ص 263، الباب 182.
16- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي.
17- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
18- . هما الحديثان 7 و 8 من هذا الباب.
19- . هو الحديث 9 من هذا الباب.
20- . هو الحديث 12 من هذا الباب.
21- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
22- . الفقيه، ج 1، ص 216، ح 648؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 54 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 125، ح 4692 ؛ و ص 183 184، ح 4857.
23- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 184، ح 4860.
24- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 27 28، ح 79؛ الاستبصار، ج 1، ص 262، ح 942؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 181، ح 4851.
25- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 28، ح 80 ؛ و ص 32 ، ح 98؛ الاستبصار، ج 1، ص 262، ح 943؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 191، ح 4888.
26- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 259، ح 1032؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 177، ح 4841.
27- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 258، ح 1027؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 190، ح 4886.
28- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 258، ح 1026؛ الاستبصار، ج 1، ص 263، ح 947؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 182، ح 4854.
29- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 25، ح 72؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 157، ح 4793.
30- . الاستبصار، ج 1، ص 262، ح 941. و فيه «كان» ليس قبله واو» ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 27، ح 78 . و فيه: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 181، ح 4850.
31- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 27، ح 77؛ الاستبصار، ج 1، ص 262، ح 940؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 183، ح 4856.
32- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 258، ح 1025؛ الاستبصار، ج 1، ص 263، ح 946؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 182 ، ح 4853.
33- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 258، ح 1026، الاستبصار، ج 1، ص 263، ح 947؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 182 ، ح 4854.
34- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 257، ح 1023؛ الاستبصار، ج 1، ص 263، ح 948، وسائل الشيعة، ج 4، ص 182، ح 4852.
35- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 258، ح 1029؛ الاستبصار، ج 1، ص 263 264، ح 950؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 182 183، ح 4855.
36- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 21 و 40.
37- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 33 ، ح 102 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 268، ح 970 .
38- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 333 ، ح 100؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 192، ح 4890.
39- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 29، ح 86 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 265، ح 958؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 175، ح 4834.
40- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30 ، ح 89 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 954؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 195 196، ح 4903.
41- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30 ، ح 90؛ الاستبصار، ج 1، ص 264؛ ح 955؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 196، ح 4904.
42- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 258، ح 1030؛ الاستبصار، ج 1، ص 264، ح 951؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 176، ح 4839.
43- . المهذّب، ج 1، ص 69.
44- . هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة، ج 4، ص 187، ح 4872.
45- . في هامش الأصل: «أي آخر وقت المغرب . منه».
46- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 19 20.
47- . لم أعثر عليه في الجمل، و تجدها في جوابات المسائل الميافارقيّات (رسائل المرتضى، ج 1، ص 274) .
48- . الغنية، ص 69 70.
49- . السرائر، ج 1، ص 195.
50- . اُنظر: إشارة السبق، ص 84 85 ؛ المعتبر، ج 2، ص 40 ؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 47 ؛ كشف الرموز، ج 1، ص 126؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 56 ؛ تبصرة ا لمتعلّمين، ص 37 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 178، قواعد الأحكام، ج 1، ص 246 247؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 68؛ الدروس، ج 1، ص 139، درس 25؛ الذكرى، ج 2، ص 339 ؛ الرسائل العشر لابن فهد، ص 149؛ المهذّب البارع، ج 1، ص 284؛ روض الجنان، ج 2، ص 486 .
51- . هو الحديث الأوّل من باب فرض الصلاة من الكافي . وسائل الشيعة، ج 4، ص 10 11، ح 4385.
52- . المقنعة، ص 93.
53- . الخلاف، ج 1، ص 261، المسألة 6.
54- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 20.
55- . جواهر الفقه، ص 255.
56- . الخلاف، ج 1، ص 261، المسألة 6، المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 144؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 124؛ البحر الرائق، ج 1، ص 427 ؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 29 30 ؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 392 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 439 ؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 403.
57- . المجموع للنووي، ج 3 ، ص 29 30 .
58- . المبسوط، ج 1، ص 74.
59- . هو الحديث 9 من هذا الباب.
60- . هو الحديث 8 من هذا الباب.
61- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي.
62- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 174، ح 4832.
63- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 182، ح 2852.
64- . تقدّم آنفا.
65- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 33 ، ح 101؛ الاستبصار، ج 1، ص 268، ح 969؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 196 197، ح 4907.
66- . المبسوط، ج 1، ص 74 75؛ النهاية، ص 59 .
67- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 20.
68- . الكافي في الفقه، ص 137.
69- . الوسيلة، ص 83 . و كان في الأصل: «ابن أبي حمزة» ، فصوّبناه حسب المصدر.
70- . الفقيه، ج 1، ص 219، ذيل الحديث 655.
71- . هو الحديث 14 من هذا الباب.
72- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 32 ، ح 97؛ الاستبصار، ج 1، ص 267، ح 967؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 197، ح 4909.
73- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 33 ، ح 99؛ الاستبصار، ج 1، ص 268، ح 968؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 192، ح 4889، و في الجميع: «و لصاحب الجاجة».
74- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 31 ، ح 94؛ و ص 260، ح 1034؛ الاستبصار، ج 1، ص 267، ح 964؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 195، ح 4902.
75- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30 31 ، ح 91؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 196، ح 4905.
76- . الناصريّات، ص 197.
77- . لم أعثر عليه، و الموجود في المصادر أنّه قائل بوجوب العشاء بذهاب الشفق . اُنظر: المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 56 ؛ الموطّأ، ج 1، ص 13؛ الخلاف، ج 1، ص 263.
78- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 24.
79- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 42.
80- . الكافي في الفقه، ص 137.
81- . المهذّب، ج 1، ص 69.
82- . الغنية، ص 69.
83- . الوسيلة، ص 83 .
84- . السرائر، ج 1، ص 195.
85- . اُنظر: جامع الخلاف والوفاق، ص 57 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 312 ، المسألة 32 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 246؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 311 ؛ الذكرى، ج 2، ح 343 ؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 18؛ مفتاح الفلاح، ص 201؛ مفتاح الكرامة، ج 5 ، ص 93، و ادّعى عليه الإجماع.
86- . المقنعة، ص 57 .
87- . الخلاف، ج 1، ص 262، المسألة 7.
88- . المبسوط، ج 1، ص 75.
89- . النهاية، ص 59 .
90- . اُنظر: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 30 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 264 .
91- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 24.
92- . المراسم، ص 62.
93- . هو الحديث 12 من هذا الباب.
94- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 157، ح 4793.
95- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 181، ح 4850.
96- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 184، ح 4860.
97- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 33 ، ح 101؛ الاستبصار، ج 1، ص 268، ح 969؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 196 197، ح 4907.
98- . الفقيه، ج 1، ص 216، ح 648 . و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 54 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 125، ح 4692.
99- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ح 105؛ الاستبصار، ج 1، ص 271، ح 979؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 203، ح 4925.
100- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ح 106؛ الاستبصار، ج 1، ص 271، ح 980؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 204، ح 4926.
101- . هو الحديث 11 من هذا الباب . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ح 103؛ الاستبصار، ج 1، ص 270 271، ح 977؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 204، ح 4928.
102- . هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي.
103- . هو الحديث 15 من هذا الباب.
104- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 174، ح 4832.
105- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ذيل ح 106.
106- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ح 107؛ الاستبصار، ج 1، ص 272، ح 983؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 203، ح 4923 ؛ و ص 219، ح 4966.
107- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ح 108؛ الاستبصار، ج 1، ص 272، ح 984؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 202، ح 4920.
108- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ح 109؛ الاستبصار، ج 1، ص 272، ح 985؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 202، ح 4922.
109- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 35 .
110- . نفس المصدر، ح 110؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 206، ح 4932.
111- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 27.
112- . جوابات المسائل الميافارقيّات (رسائل المرتضى، ج 1، ص 274) .
113- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 42.
114- . الغنية، ص 69 70.
115- . المراسم، ص 62.
116- . السرائر، ج 1، ص 195.
117- . الخلاف، ج 1، ص 265، المسألة 8 .
118- . المقنعة، ص 97.
119- . النهاية، ص 59 .
120- . الخلاف، ج 1، ص 265.
121- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 27.
122- . الجمل والعقود، ص 59 .
123- . الاقتصاد، ص 256.
124- . المهذّب، ج 1، ص 69.
125- . المبسوط، ج 1، ص 75.
126- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 33 ، ذيل ح 102؛ الاستبصار، ج 1، ص 270، ذيل ح 976 .
127- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 28.
128- . المبسوط، ج 1، ص 75.
129- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 261 262، ح 1041؛ الاستبصار، ج 1، ص 272 273، ح 986؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 185، ح 4863.
130- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 262، ح 1042؛ الاستبصار، ج 1، ص 273، ح 987؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 185، ح 4864.
131- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 262، ح 1043؛ الاستبصار، ج 1، ص 273، ح 988؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 185، ح 4865.
132- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
133- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 262 263، ح 1045؛ الاستبصار، ج 1، ص 269، ح 973؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 156 157، ح 4792.
134- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 29.
135- . هو الحديث 16 من هذا الباب.
136- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 30 .
137- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 256، ح 1015؛ الاستبصار، ج 1، ص 260، ح 933؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 159، ح 4798.
138- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 248؛ الاستبصار، ج 1، ص 253 .
139- . صحاح اللغة، ج 5 ، ص 2015 (قمم) .
140- . رجال النجاشي، ص 218، الرقم 570 .
141- . خلاصة الأقوال، ص 201.
142- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 93؛ فتح العزيز، ج 3، ص 27 و 32؛ المجموع للنووي، ج 3، ص 35 و 38، روضة الطالبين، ج 1، ص 292، فتح الوهّاب، ج 1، ص 54 ؛ المغني، ج 1، ص 392.
143- . المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 191؛ الموطّأ، ج 1، ص 13؛ المغني، ج 1، ص 392 ؛ نيل الأوطار؛ ج 1، ص 388 ؛ الاستذكار، ج 1، ص 71؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 439.
144- . لم أعثر عليه.
145- . الاستذكار، ج 1، ص 71؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 342 ؛ نيل الأوطار، ج 1، ص 411 ؛ الثمر الداني، ص 94؛ الناصريّات، ص 195. الخلاف، ج 1، ص 261 و 263؛ المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 144؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 124؛ البحر الرائق، ج 1، ص 427 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 439 ؛ المغني، ج 1، ص 392 .
146- . نيل الأوطار، ج 1، ص 411 ؛ المغني، ج 1، ص 392 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 439 ؛ الخلاف، ج 1، ص 263 264.
147- . النهاية، ج 2، ص 487.
148- . في الأصل: «تعلمون»، و التصويب حسب المصادر.
149- . مسند أحمد، ج 2، ص 278، 303 ، 375 ، 533 ؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 141، 152، 159، 176؛ و ج 3 ، ص 165؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 31 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 269؛ و ج 2، ص 23؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 476، ح 1511، و ص 509 ، ح 1635؛ صحيح ابن خزيمة، ج 2، ص 366 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 544 ؛ و ج 5 ، ص 527 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 1، ص 428 ؛ و ج 10، ص 288. و في بعضها: «علموا» بدل «تعلمون».
150- . اُنظر: مواهب الجليل، ج 2، ص 30 ؛ الثمر الداني، ص 93 94؛ كشّاف القناع، ج 1، ص 200؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 5 ، ص 143؛ عمدة القاري، ج 5 ، ص 60؛ عون المعبود، ج 13، ص 255؛ الإنصاف، ج 1، ص 437.
151- . صحيح مسلم، ج 2، ص 118؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 5 ، ص 143؛ فتح الباري، ج 2، ص 37 .
152- . صحيح مسلم، ج 2، ص 116 . و رواه أحمد في مسنده، ج 6، ص 150؛ و الدارمي في سننه، ج 1، ص 276، و النسائي في السنن، ج 1، ص 267؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 1، ص 376 و 450 ؛ و عبدالرزّاق في المصنّف، ج 1، ص 557 ، ح 2114؛ و ابن راهويه في مسنده، ج 2، ص 464 465، ح 494 ؛ و ابن خزيمة في صحيحه، ج 1، ص 179؛ و الطحاوي في شرح معاني الآثار، ج 1، ص 158.
153- . شرح صحيح مسلم للنووي، ج 5 ، ص 137؛ حاشية السندي على النسائي، ج 1، ص 270.
154- . فتح الباري، ج 2، ص 38 ؛ عمدة القاري، ج 5 ، ص 60؛ تفسير البحر المحيط، ج 4، ص 449 ؛ النهاية، ج 3 ، ص 181.
155- . عنه الشوكاني في نيل الأوطار، ج 1، ص 415 ؛ والنووي في شرح صحيح مسلم، ج 5 ، ص 138.
156- . القاموس المحيط، ج 4، ص 362 (عشأ) .
157- . لم أعثر عليه . وانظر : الثمر الداني ملأزهري ؛ فإنّه حكى هذا القول عن عياض و غيره.
158- . الاستبصار، ج 1، ص 269 . و فيه: «عند قصر النجوم». و مثله في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 261، ح 1038 إلّا أنّ فيه: «و العشاء عند اشتباكها».

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

. .

ص: 406

. .

ص: 407

. .

ص: 408

. .

ص: 409

. .

ص: 410

. .

ص: 411

. .

ص: 412

. .

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

. .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

. .

ص: 419

. .

ص: 420

باب وقت الفجر

باب وقت الفجرأجمع أهل العلم على أنّ وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني (1) . ويدلّ عليه أخبار كثيرة قد تقدّم بعضها في الأبواب السابقة ، ومنها : ما ذكره المصنّف في الباب. ومنها : ما رواه الشيخ عن هشام بن الهذيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام ، قال : سألته عن وقت صلاة الفجر؟ فقال : «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء» (2) . وفي الحسن عن عليّ بن عطيّة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الصبح هو الّذي إذا رأيته معترضاً كأنّه بياض [نهر] سوراء» (3) . ثمّ المشهور امتداد وقتها إلى طلوع الشمس اختيارا ، وأنّ الأفضل فعلها قبل الشفق ، ذهب إليه المفيد في المقنعة (4) وابن إدريس (5) وعامّة المتأخّرين ، ونقل في المختلف (6) عن جمل (7) الشيخ واقتصاده (8) وعن السيّد المرتضى (9) وسلاّر (10) وابن الجنيد (11) وابن البرّاج (12) وابن زهرة (13) ، ونقل في الخلاف (14) عن أبي حنيفة (15) ، وحكاه طاب ثراه عن أكثر العامّة (16) . ويدلّ على الأوّل قول الصادق عليه السلام في خبر عبيد بن زرارة المتقدّم : «ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس» (17) . وما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (18) . وعن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة» (19) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلّي [المكتوبة من] الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس ، وذلك في المكتوبة خاصّة ، فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة ، وقد جازت صلاته (20) . وإن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلّي حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها . و [يدلّ] على الثاني ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي بصير المكفوف ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال : «إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء»، قلت: فمتى تحلّ الصلاة؟ فقال : «إذا كان كذلك». فقلت: ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : «لا إنّما نعدّها صلاة الصبيان». ثمّ قال : «لم يكن يحمد الرجل أن يصلّي في المسجد ثمّ يرجع فينبّه أهله وصبيانه» (21) . وذهب الشيخ في الخلاف (22) والمبسوط (23) إلى أنّ وقتها للمختار إلى طلوع الشفق ، وللمضطرّ إلى طلوع الشمس ، وهو ظاهره في النهاية حيث خصّ امتداد وقتها إلى طلوع الشمس بذوي الأعذار (24) ، وبذلك جمع في التهذيب بين الأخبار. ونقل في المختلف (25) عن ابن أبي عقيل (26) وابن حمزة (27) ومنقول عن الشافعي ، وهو ظاهر حسنة الحلبي (28) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لكلّ صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما : وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنّه وقت من شغل ونسى أو سها أو نام، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلّا من عذر أو علّة» (29) . ويؤيّدهما قوله عليه السلام : «وقت الفجر حين يبدو حتّى يضيء» في خبر يزيد بن خليفة (30) ، وحملت هذه في المشهور على وقت الفضيلة ؛ للجمع . ويشعر به كلمة «لا ينبغي» في خبر ابن سنان. وهل الأفضل فعلها عند طلوع الفجر، أو تأخيرها إلى إسفار الصبح وتجلّل الضوء السماء؟ اختلفت الأخبار في ذلك ، فيدلّ على الأوّل عموم ما رواه الشيخ عن زرارة، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «اعلم أنّ أوّل الوقت أبدا أفضل ، فتعجّل الخير ما استطعت ، وأحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ ما دام العبد عليه وإن قلّ» (31) . وخصوص ما رواه المصنّف عن إسحاق بن عمّار (32) . ويؤيّده ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم ، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلّون ، وآتيناهم وهم يصلّون» (33) . وفي بعض الأخبار ترجيح رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي ركعتي الصبح هي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً» (34) ، فإنّ الظاهر من الإضاءة الحسنة الإسفار. والظاهر أنّ الأوّل للمنفرد ، والثاني لإمام القوم ، فإنّ الأفضل له التأخير لاجتماعهم .

.


1- . المقنعة، ص 94؛ المراسم، ص 62؛ الاقتصاد، ص 256؛ الخلاف، ج 1، ص 266 و 267، المسألة 9 و 10؛ المبسوط، ج 1، ص 75؛ مصباح المتهجّد، ص 26؛ المهذّب، ج 1، ص 69؛ الوسيلة، ص 83 ؛ الغنية، ص 70؛ إشارة السبق، ص 85 ؛ المعتبر، ج 2، ص 44 ؛ كشف الرموز، ج 1، ص 126؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 57 ؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 243؛ تبصرة المتعلّمين، ص 37 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 178؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316 ، المسألة 35 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 247؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 88 ؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 311 ؛ الدروس، ج 1، ص 140، درس 25؛ الذكرى، ج 2، ص 349 ؛ الرسائل العشر لابن فهد، ص 649؛ الدرّ المنضود، ص 28؛ روض الجنان، ج 2، ص 488 ؛ شرح اللعمة، ج 1، ص 486 ؛ مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 61.
2- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 37 ، ح 118؛ الاستبصار، ج 1، ص 275، ح 996؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 212، ح 4946.
3- . تهذيب الأحكام، ج 4، ص 185، ح 515 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 275، ح 997؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 210، ح 4942.
4- . المقنعة، ص 95.
5- . السرائر، ج 1، ص 195.
6- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 30 31 .
7- . الجمل و العقود، ص 59 .
8- . الاقتصاد، ص 256.
9- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 45.
10- . المراسم، ص 62.
11- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 45.
12- . المهذّب، ج 1، ص 69.
13- . الغنية، ص 70.
14- . الخلاف، ج 1، ص 267.
15- . المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 141.
16- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 3 ، ص 43 44 ؛ الثمر الداني، ص 87 ؛ المبسوط، ج 1، ص 141؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 99؛ المغني، ج 1، ص 395 ؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 442.
17- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 159، ح 4798.
18- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 36 ، ح 114؛ الاستبصار، ج 1، ص 275، ح 998؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 208، ح 4938.
19- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 38 ، ج 119؛ الاستبصار، ج 1، ص 275 2760، ح 999؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 217، ح 4960.
20- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 38 ، ح 120 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 276، ح 1000؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 208، ح 4939.
21- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 39 ، ح 122؛ الاستبصار، ج 1، ص 276، ح 1002؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 213، ح 4948.
22- . الخلاف، ج 1، ص 267، المسألة 10.
23- . المبسوط، ج 1، ص 75.
24- . النهاية، ص 59 60.
25- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 31 .
26- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 45.
27- . الوسيلة، ص 83 . و كان في الأصل: «ابن أبي حمزة» ، فصوّبناه حسب المصدر.
28- . هذا هو الحديث 5 من هذا الباب.
29- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 39 ، ح 123؛ الاستبصار، ج 1، ص 276 277، ح 1003؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 119، ح 4675.
30- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
31- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 41 ؛ ح 130.
32- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
33- . صحيح مسلم، ج 2، ص 113. و رواه أحمد في مسنده، ج 2، ص 312 و 486 ؛ و البخاري في صحيحه، ج 1، ص 139؛ و ج 4، ص 81 ؛ و ج 8 ، ص 177 و 196195؛ و النسائي في سننه، ج 1، ص 240، و في السنن الكبرى، ج 1 ، ص 175، ح 459 ؛ و ج 4، ص 418 419، ح 7760؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 1، ص 465 ؛ و أبويعلى في مسنده، ج 11، ص 228، ح 6342، و الطبراني في مسند الشاميّين، ج 4، ص 276 277، ح 3275 .
34- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 36 ، ح 111؛ الاستبصار، ج 1، ص 273 274، ح 990؛ وسائل الشيعة، ج 4 ، ص 211، ح 4945.

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلّى لغير القبلة

باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلّى لغير القبلةفيه مسألتان: الاُولى: قد سبق أنّهم أجمعوا على وجوب فعل الصلوات في أوقاتها المحدودة الّتي تقدّمت ، وعلى أنّه لا يجوز تقديمها على تلك الأوقات ولا تأخيرها عنها ، سوى ما حكي عن ابن عبّاس من تجويزه الاستفتاح بصلاة الظهر قبل الزوال بقليل بحيث يدخل الوقت فيها (1) . وهل يقوم الظنّ بدخول الوقت مقام العلم به مع تعذّره ؟ اختلفوا فيه ، فقد قال الشهيد في الذكرى: إنّه يبني حينئذٍ على الأمارات المفيدة للظنّ الغالب أو يصبر حتّى يتيقّن (2) . واحتجّ عليه بقوله عليه السلام : «اجتهد رأيك» في خبر سماعة (3) ، بناءً على شمول ذلك الاجتهاد في الوقت والقبلة جميعاً. وفيه: أنّ الظاهر أنّ قوله: «وتعمّد القبلة جهدك» تفسير لذلك ، وقد عدّ من تلك الأمارات ارتفاع أصوات الديك وتجاوبها وصياحها ثلاثة أصوات ولاء ، وتمسّك في ذلك بخبر عبد اللّه الفرّإ (4) ، ومرسل الحسين بن المختار (5) . ولا يعدّ فيه إذا علم من عادتها مصادفة الوقت كما حكي عن بعض العامّة (6) . وعن العلّامة أنّه نفى ذلك من الأمارات مطلقاً وإن علم من عادتها ذلك ، وهو محجوج بالخبرين ، وعدّ منها ما لو كان له أوراد من صلاة أو درس علم أو قراءة قرآن أو صنعة استفيد بها الظنّ (7) . وعن ابن الجنيد أنّه قال : «ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلّا عند تيقّنه بالوقت» (8) ، وكأنّه تمسّك بالاحتياط . ويؤيّده موثّق سماعة ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «إيّاك أن تصلّي قبل أن تزول ، فإنّك تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل أن تزول» (9) ، فإنّ ظاهر التعليل يشعر بأنّ النهي إنّما هو مع الشكّ في دخول الوقت. وعلى الأوّل لو ظهر خلاف ظنّه وتبيّن وقوع الصلاة بأجمعها قبل الوقت، فلا ريب في وجوب الإعادة عليه؛ لخبر أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (10) ، وعموم رواية أبي بصير (11) . وإذا تبيّن دخول الوقت في أثنائها فالمشهور إجزاء تلك الصلاة ولو كان ذلك في التشهّد الثاني. واحتجّوا عليه بخبر إسماعيل بن أبي رباح (12) ، وبأنّه متعبّد بظنّه ، خرج منه إذا لم يدرك شيئاً من الوقت وبقي الباقي . وحكى في الذكرى (13) عن السيّد المرتضى أنّه قال : «لابدّ من وقوع جميع الصلاة في الوقت ، ومتى صادف شيء من أجزائها خارج الوقت بطلت عند محقّقي الأصحاب ومحصّيلهم ، وقد وردت به روايات» (14) . وقد أشار بالروايات إلى ما أشرنا إليه من خبري زرارة وأبي بصير ، والأوّل ظاهر في وقوع جميع الصلاة في الليل ، والثاني لابدّ من حمله على ذلك ؛ للجمع . وعلى مذهب ابن الجنيد لاريب في وجوب الإعادة عليه حينئذٍ ، بل إن طابق ظنّه الواقع؛ لعدم تجويزه الدخول في الصلاة بمجرّد ذلك الظنّ ، لكن يفهم من كلامه عدم وجوبها مع المطابقة حيث قال على ما حكى عنه في الذكرى: «ومن صلّى أوّل صلاته أو جميعها قبل الوقت ، ثمّ أيقن ذلك استأنفها» (15) . الثانية: قد أجمع أهل العلم على وجوب الاستقبال في الصلوات الواجبة ، يوميّة كانت أو غيرها مع الإمكان ، قال اللّه سبحانه : «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (16) . وقال : «وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (17) . وقال : «وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ» (18) . وقال : «سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» (19) . والمراد بالشطر الجانب والناحية (20) ، قال هُذَيل (21) : أقولُ لاُمّ زِنباعٍ أقرّيصُدورَ العيس نحو بَني تميم وقال لقيط الأيادي (22) : فقد أظَلّكُمُ مِن شطر ثَغرِكُمُهول [ له ] (23) ظُلمٌ تَغشاكم قِطَعا وروى الشيخ عن محمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا» (24) ، قال : «أمره أن يقيم وجهه للقبلة ، ليس فيه شيء من عبادة الأوثان خالصاً مخلصاً» (25) . وبهذا السند عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (26) ، قال : «هذه القبلة أيضا» (27) . وبالسند عن ابن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : متى صرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الكعبة؟ فقال : «عند رجوعه من بدر» (28) . وفي الموثّق عن أبي جميلة ، عن محمّد بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله : «وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» ، قال : «مساجد محدَثة فاُمروا (29) أن يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام» (30) . وعن الطاطري عن محمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن قوله تعالى : «وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ» (31) ، أمره به؟ قال : «نعم ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقلّب وجهه في السماء، فعلم اللّه عزّ وجلّ ما في نفسه ، فقال «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا» (32) . (33) وعنه عن وهيب، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهماالسلام في قوله تعالى : «سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» (34) ، فقلت: اللّه أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس ؟ قال : «نعم ، ألا ترى أنّ اللّه تعالى يقول : «وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَ إِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» ؟» (35) ثمّ قال : إن بني عبد الأشهل (36) أتوهم (37) وهم في الصلاة قد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس ، فقيل لهم : إنّ نبيّكم قد صرف إلى الكعبة ، فتحوّل النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة ، فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين ، فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين» (38) . وبسندين أحدهما صحيح عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما فرض اللّه من الصلوات؟ فقال : «الوقت والطهور والركوع والسجود والقبلة والدعاء والتوجّه» ، قلت: فما سوى ذلك؟ فقال : «سنّة في فريضة» (39) . ثمّ المشهور بين الأصحاب لا سيّما المتأخّرين أنّ القبلة هي الكعبة عينها لمن يتمكّن من العلم بها من دون مشقّة عاديّة كالمصلّي في بيوت مكّة لغيره. وذهب إليه السيّد المرتضى (40) ، والعلّامة في أكثر كتبه (41) ، والمحقّق في المعتبروالنافع (42) . والأظهر اعتبار جهة المسجد الحرام للافاقي ، وكأنّهم أرادوا بجهة الكعبة هذه ، أمّا الأوّل، فلأنّ القبلة حقيقة هيالكعبة ؛ لأنّها كانت قبلة إبراهيم عليه السلام وكان تقلّب وجهه عليه السلام في السماء انتظارا لنزول الوحي بتغيير القبلة عن بيت المقدس إلى هذه ، فمع إمكان التوجّه إليها ينبغي تعيّنها. وأمّا الثاني، فلما سبق من الآيات والأخبار ، فإنّها صريحة في وجوب التوجّه إلى جهة المسجد الحرام ؛ ولتعذّر التوجّه إلى عينها فيهم ، ولأنّ الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا كانوا يصلّون جماعة في الآفاق ، وربّما كان صفوفهم أطول من طول المسجد الحرام ، لا سيما الكعبة . والمراد بالجهة السمت الّذي تكون فيه الكعبة يقيناً بحيث يكون كلّ جزء منه محتملاً لأن يكون الكعبة فيه ، ويقطع بأنّ الكعبة ليست خارجة عن مجموع تلك الأجزاء ، وذلك يكون متّسعاً كثيرا ، وهو السرّ فيما ورد من الأمر بجعل الجدي على قفاه من غير تقييد بموضع خاصّ ، ولذلك عدّوا جعل الجدي خلف المنكب الأيمن علامة للقبلة للكوفة وما والاها من البلاد إلى خراسان (43) مع اختلاف درجات تلك البلاد طولاً ، المستلزم لاختلاف الخطوط المخرجة من مواضع قيامهم إلى الكعبة. وقال الشيخان في المقنعة (44) والنهاية (45) والمبسوط (46) والخلاف (47) : الكعبة قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة للافاقي، وقد ادّعى في الخلافإجماع الفرقة عليه ، محتجّين بما رواه عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ اللّه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا» (48) . وعن أبي العبّاس بن عقدة، عن الحسين بن محمّد بن حازم ، قال : حدّثنا تغلب بن الضحّاك ، قال : حدّثنا بشر بن جعفر الجعفي أبو الوليد ، قال : سمعت جعفر بن محمّد عليهماالسلام يقول : «البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة للناس جميعاً» (49) . ويؤيّدهما ما رواه الشيخ عن محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد رفعه ، قال : قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام : لِمَ صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال : «لأنّ للكعبة ستّة حدود ، أربعة منها على يسارك ، واثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار» (50) . وعن المفضّل بن عمر أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه؟ فقال : «إنّ الحجر الأسود لمّا اُنزل به من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور ، نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال ، كلّه اثنا عشر ميلاً ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة [لقلّة] أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجاً عن حدّ القبلة» (51) . وهذه الأخبار مع عدم صحّة سندها مخالفة لظاهر الآيات والأخبار المتكثّرة المقدّمة المشتملة على الصحيح، فلا يعتمد عليها . على أنّ العلّامة والمحقّق قد فسرّاها في المنتهى (52) والمعتبر (53) باتّحاد قبلة الكوفة وخراسان ، وإنّا نقطع بخروج بعضهم عن حدّ الحرم إذا صلّوا على خطوط محاذية . وحمل الشهيد في الذكرى الأوّلين على أنّ المراد بالمسجد والحرم جهتاهما ، وقال : «وإنّما ذكرهما على سبيل التقريب إلى إفهام المكلّفين إظهارا لسعة الجهه» (54) . فإن قيل: قد ورد في بعض الأخبار : أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة ، رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «لا صلاة إلّا إلى القبلة» قلت له: أين حدّ القبلة؟ قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة [كلّه]» (55) . قلنا : ذلك في قبلة المتحيّر إذا صلّى بالتحرّي ثمّ بان أنّه صلّى بغير القبلة ، لموثّقة عمّار (56) وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً وشمالاً، قال : «قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة» (57) . وقد عرفت أنّ أهل مكّة أمكنهم القطع بالقبلة ، وأمّا الآفاقي فإنّما يعتبر له الظنّ بأمارة شرعيّة كقبلة المعصوم مشاهدة ، والنجوم «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (58) . وقد اعتبر الجدي في بعض الأخبار في بعض البلاد ، رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن القبلة؟ قال : «ضع الجدي قفاك وصلّ» (59) . وفي بعض النسخ : «وصلّه» بهاء السكت. ومع فقد تلك الأمارات لغيم ونحوه، فالمشهور اعتبار التحرّي ، كما يدلّ عليه خبر سماعة (60) وصحيحة زرارة (61) وسليمان بن خالد (62) . والظاهر جواز الاعتماد حينئذٍ على اعتبار طول البلاد وعرضها المستفادين من الزيج، وعلى الآلتين المعروفتين بقطب نما وقبلة نما و إن كانت هذه كلّها مبنية على قول الفلاسفة الذين لم يثبت إيمانهم ، لاسيّما عدالتهم ، فإنّ المعتمد إنّما هو الظنّ الحاصل من مطابقتها للأمارات الشرعيّة لا أقوالهم . ولو صلّى بالتحرّي ثمّ ظهر خلاف ما ظنّه في أثناء الصلاة فقد قال الشيخ في المبسوط مدّعياً عدم الخلاف فيه _ : يحوّل وجهه إلى القبلة إن كان ما ظنّه فيما بين المشرق والمغرب، وإن كان مشرّقاً أو مغرّباً أو مستدبرا يقطع الصلاة ويستأنفها (63) . واحتجّ عليه بموثّقة عمّار (64) حملاً لدبر القبلة على ما يشمل المشرق والمغرب بقرينة المقابلة ، ولقوله عليه السلام : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» ، فإنّه يفهم منه كون المشرق والمغرب مصلّيا إلى غير جهة القبلة. وحملوا عليه ما رواه الشيخ عن القاسم بن الوليد ، قال : سألته عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال : «يستقبلها إذا أثبت ذلك ، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها» (65) . أقول : واستظهر في المقابلة تخصيص المستدبر بما عدا المشرّق والمغرّب وجعلهما من أفراد الشقّ الأوّل ؛ لشيِوع استعمال نظائره بين المشرق والمغرب فيما إذا كان الجهتين أيضاً داخلاً في الحكم ، كما قيل في قوله تعالى : «لَهُ مَا فِى السَّمَاوَ تِ وَ الْأَرْضِ» (66) إنّ معناه : له السماوات والأرض وما فيهما ، وفي قوله عزّ وجلّ : «خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا» (67) إنّ معناه : خلق لانتفاعكم الأرض وما فيها ، إلى غير ذلك. وإن تبيّن ذلك بعد الفراغ منها، فقال الشيخ في النهاية: إن كان الوقت باقياً وجب عليه إعادة الصلاة ، وإن كان الوقت خارجاً لم تجب عليه إعادتها، وقد رويت رواية : أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة ، وهذا هو الأحوط وعليه العمل (68) . وظاهره ترجيح الرواية والقول بها فتوى أيضاً كما نسب إليه في المختلف (69) ، وهو ظاهره في كتابي الأخبار أيضاً (70) . وذهب إليه المفيد في المقنعة (71) ، ونقل عن سلاّر (72) وأبي الصلاح (73) وابن البرّاج (74) . وذهب ابن إدريس إلى الأوّل (75) ، وهو ظاهر الصدوق (76) ، ومنقول عن السيّد المرتضى (77) وابن الجنيد (78) ورجّحه العلّامة في المنتهى (79) والمختلف (80) . ويدلّ عليه ، صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (81) ، وصحيحة سليمان بن خالد (82) . وما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين ، قال : سألت عبدا صالحا عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة ، ثمّ طلعت الشمس وهو في وقت ، أيعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ وإن كان قد تحرّى القبلة بجهد ، أتجزيه صلاته؟ فقال : «يعيد ما كان في وقت ، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة [عليه]» (83) . وعن محمّد بن الحصين ، قال : كتبت إلى عبد صالح: الرجل يصلّي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة ، فيصلّي حتّى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس ، فإذا هو قد صلّى لغير القبلة أيعتدّ بصلاته أم يعيدها؟ فكتب عليه السلام : «يعيدها ما لم يفته الوقت ، أوَ لَم يعلم أنّ اللّه يقول وقوله الحقّ: «فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (84) . (85) وعن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك» (86) . فإن قيل : قد روى الشيخ في الموثّق عن عمرو بن يحيى ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّنت القبلة وقد دخل في وقت صلاة اُخرى، قال : «يعيدها قبل أن تُصلّى هذه الّتي قد دخل وقتها» (87) . وفي الموثّق عن معمر بن يحيى ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّن القبلة وقد دخل وقت صلاة اُخرى، قال : «يصلّيها قبل أن يصلّي هذه الّتي دخل وقتها إلّا أن يخاف فوت الّتي دخل وقتها» (88) . وهما يدلّان على وجوب الإعادة في خارج الوقت أيضاً. قلنا : المراد بالّتي صلّاها على غير القبلة الاُولى من المشتركتين في الوقت كالظهرين والعشائين، وبوقت صلاة اُخرى وقت فضيلتها ، فيكون وقت إجزاء الّتي صلّاها على غير القبلة . والآخرون تمسّكوا برواية عمّار (89) على ما يظهر من الخلاف (90) . وفيه: إنّها إنّما وردت فيما إذا تبيّن الخطأ في أثناء الصلاة ، وحمل ما إذا فرغ منها عليه قياس صرف ، بل مع الفارق . وإطلاق القولين يقتضي شمول الحكمين للمشرق والمغرب أيضاً ، ووجوب الإعادة عليه في الوقت ، والمشهور عدمه ، بل ادّعي الإجماع عليه في التنقيح (91) ، ونسبه في المنتهى (92) إلى أهل العلم ، واحتجّ عليه بقوله عليه السلام «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (93) . وبصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له : الرجل يقوم من الصلاة ، الخبر (94) ، وقد تقدّم فلابدّ من تخصيص القولين بغيره من المستدبر على ما ذكرنا ، أو المشرّق والمغرّب أيضاً من المشرق والمغرب على المشهور ، وقد صرّح بذلك العلّامة في المنتهى (95) والمختلف (96) ، بل يظهر من المنتهى إجماع الأصحاب على ذلك التفصيل في المشرّق والمغرّب ، فقد قال : إنّه يعيد في الوقت ولا يعيد خارج الوقت ، ذهب إليه علماؤنا ، وقال مالك وأحمد والشافعي في أحد القولين وأبو حنيفة: لا يعيد مطلقاً. وقال الشافعي في القول الآخر : تلزمه الإعادة مطلقاً (97) . ومع تعذّر التحري فقد قال الشيخان : «متى أطبقت السماء بالغيم ولم يتمكّن الإنسان من استعلام القبلة أو كان محبوساً في بيت أو بحيث لا يجد دليلاً على القبلة فليصلّ إلى أربع جهات مع الاختيار ، ومع الضرورة إلى أيّ جهة شاء» (98) . وبه قال ابن إدريس (99) ، وحكى عن ظاهر ابن الجنيد (100) وعن أبي الصلاح (101) وابن حمزة (102) وابن البرّاج (103) ورجّحه العلّامة في المختلف (104) . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ بسندين عن إسماعيل بن عبادة ، عن خداش ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: جعلت فداك ، إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : «ليس كما يقولون إذا كان كذلك فليصلّ إلى أربع وجوه» (105) . وإليه أشار المصنّف بقوله : «و روي أنّه يصلّي إلى أربع جوانب» (106) . وربّما استدلّ له بتوقّف الاستقبال الواجب عليه . والظاهر وجوب كون الجهات الأربع على خطّين مستقيمين متقاطعين على زوايا قوائم ، وقد صرّح بذلك جماعة ؛ لأنّ الغرض من ذلك وقوع صلاة منها إلى القبلة أو ما يقرب منها . ونقل في المدارك قولاً بالاجتزاء بالأربع كيفما اتّفق ، واستبعده جدّا (107) . وعن ابن أبي عقيل أنّه يستقبل حينئذٍ أيّ جهة شاء ، ونفى في المختلف عنه البعد (108) ، وهو ظاهر الصدوق (109) ، وإليه مال الشهيد في الذكرى (110) ، وقوّاه المحقّق الأردبيلي (111) ؛ لمرسلة ابن أبي عمير (112) . وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (113) . وربما احتجّ عليه بقوله تعالى: «وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (114) زعماً منهم أنّه في قبلة المتحيّر ، مستندين بما روي عن جابر أنّه قال : بعث النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمسريّة كنت فيها وأصابتنا ظلمة ، فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة منّا : قد عرفنا القبلة ، هي هنا قبل الشمال فصلّوا وخطّوا خطوطاً ، وقال بعضنا : القبلة هنا قبل الجنوب فخطّوا خطوطاً ، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فلمّا رجعنا من سفرنا سألنا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمعن ذلك فسكت ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية (115) . واُجيب بأنّ المقصود من الآية الكريمة بضميمة ما قبلها قوله تعالى: «وَ مَنْ أَظْ_لَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَ_جِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعَى فِى خَرَابِهَآ أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَا خَآئِفِينَ» أنّ الأرض المنقسمة إلى المشرق والمغرب ، أي النصف الّذي فيه محلّ طلوع الشمس والنصف الّذي فيه محلّ غروبها كلّها ملك للّه تعالى ، ففي أيّ مكان صلّيتم وتولّيتم فيه شطر المسجد الحرام ، ثمّ جهة اللّه الّتي جعلها قبلة لكم وأمركم أن تجعلوا وجوهكم إليها حيث ما كنتم. والغرض أنّكم إن منعتم عن الصلاة في المسجد الحرام فصلّوا في أيّ بقعة من الأرض كنتم ، فقد جعلت لكم الأرض مسجدا ، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطر المسجد الحرام ، وقد فسّر بذلك في الكشّاف (116) . وقيل : إنّها نزلت في صدر الإسلام ثمّ نسخت (117) . وفي مجمع البيان : «أنّها نزلت في التطوّع على الراحلة حيث توجّهت حال السفر» ، وقال : [«و أمّا الفرائض فقوله: «وَ حَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» ، يعني أنّ الفرائض لا تصلّيها إلّا إلى القبلة، و هذا] هو مروي عن أئمّتنا صلوات اللّه عليهم (118) . قوله في خبر [أبي] عبد اللّه الفراء : (وقال فصّله) . [ح 2 / 4864] الها للسكت ، وفي بعض نسخ التهذيب بغير هاء (119) . قوله في صحيحة سليمان بن خالد : (ثمّ يضحى) . [ح 9 / 4871] يقال : ضحى بالضاد المعجمة كسعى ورضي ضحوا وضحياً، إذا أصابته الشمس (120) . وأضحت السماء ، إذا انقشع عنها الغيم . وفي بعض النسخ بالمهملة ، والصحو : ذهاب الغيم ، يقال : يوم وسماء صحو (121) . وصحا السكران واليوم كرضى وأصحيا (122) . قوله في حسنة الحلبي : (أمّا إذا كان بمكّة فلا) [ح 12 / 4874] بل كان يتوجّه فيها إلى الكعبة وبيت المقدس جميعاً ؛ إذ التوجّه إليهما معاً كان متصوّرا فيها ، بخلاف المدينة فإنّ من توجّه إلى بيت المقدس فيها كان مستدبرا للكعبة.

.


1- . الخلاف، ج 1، ص 255.
2- . الذكرى، ج 2، ص 390 .
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
4- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
5- . هو الحديث 5 من هذا الباب.
6- . فتح العزيز، ج 3 ، ص 58 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 296.
7- . حكاه عنه الشهيد في الذكرى، ج 2، ص 391 .
8- . الذكرى، ج 2، ص 392 . و حكاه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 47.
9- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 141، ح 549 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 167 168، ح 4815.
10- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
11- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
12- . هو الحديث 11 من هذا الباب.
13- . الذكرى، ج 2 ، ص 392 .
14- . جوابات المسائل الرسّيّة (رسائل المرتضى، ج 2، ص 350) .
15- . الذكرى، ج 2، ص 392 .
16- . البقرة (2) : 144 .
17- . البقرة (2) : 149 .
18- . البقرة (2) : 143 .
19- . البقرة (2) : 142 .
20- . زبدة البيان، ص 63؛ ذخيرة المعاد، ج 1، ص 214؛ تفسير القرطبي، ج 2، ص 159.
21- . أبو جندب بن مرّة الهذلي الجاهلي أخو أبي خراش الهذلي الصحابي، قالها يخاطب بها امرأته اُمّ زنباع في قصّة ذكرها أبو الفرج في الأغاني، و هذا البيت و البيت التالي مذكوران في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 42، و فيه: «شطر» بدل «نحو»، وانظر : الأغاني لأبي الفرج، ج 21، ص 46.
22- . لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي من أهل الحيرة، كان يحسن الفارسيّة ، و اتّصل بكسرى سابور ذي الأكتاف، فكان من كتابه و المطّلعين على أسرار دولته، و كتب لقيط إلى بني أياد أبياتا ينذرهم و يخذرهم بأنّ كسرى وجّه جيشا لغزهم، فاطّلع كسرى على ذلك فسخط على لقيط ، و قطع لسانه ثمّ قتله، له ديوان شعر مطبوع . اُنظر: الأعلام، ج 5 ، ص 244؛ التنبيه و الإشراف للمسعودي، ص 175 176؛ الكامل في التاريخ، ج 1، ص 393 . و الاستشهاد بالبيت مذكور في : المقنعة، ص 95؛ و المعتبر، ج 2، ص 65؛ و تهذيب الأحكام، ج 2، ص 43 .
23- . ما بين المعقوفتين اُضيف من المقنعة و سائر المصادر .
24- . الروم (30) : 30 .
25- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 42 43، ح 133؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 295 296، ح 5194 .
26- . الأعراف (7) : 29 .
27- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 43، ح 134؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 296، ح 5195 .
28- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 43 ، ح 135؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 297، ح 5199 .
29- . في هامش الأصل: «إلى يوم القيامة . منه ره» .
30- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 43، ح 136؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 296، ح 5197 .
31- . البقرة (2) : 143.
32- . البقرة (2) : 144.
33- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 43، ح 137؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 296، ح 5196 .
34- . البقرة (2) : 142.
35- . البقرة (2) : 143.
36- . في هامش الأصل: «كانوا يهودا».
37- . في هامش الأصل: «أي المسلمين» .
38- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 43 44 ، ح 138 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 297 298، ح 5200 .
39- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 139 140، ح 543 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 109 110، ح 4642، و ص 295، ح 5193 . و رواه الكليني في باب فرض الصلاة، ح 5 .
40- . رسائل المرتضى، ج 3 ، ص 29.
41- . تبصرة المتعلّمين، ص 39 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 185؛ تذكرة الفقهاء، ج 3 ، ص 6؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 61؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 162.
42- . المعتبر، ج 2، ص 65؛ المختصر النافع، ص 23.
43- . اُنظر: منتهى المطلب، ج 4، ص 170؛ الألفيّة النفليّة ، ص 53 ؛ البيان، ص 53 ؛ الذكرى، ج 3 ، ص 164؛ شرح اللعمة، ج 1، ص 508 ؛ زبدة البيان، ص 64؛ مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 129.
44- . المقنعة، ص 95 96.
45- . النهاية، ص 62 63.
46- . المبسوط، ج 1، ص 77.
47- . الخلاف، ج 1، ص 295، المسألة 41.
48- . الفقيه، ج 1، ص 272، ح 844 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 44، ح 139؛ علل الشرائع، ج 2، ص 415 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 303 304 ، ح 5216 و 5218 .
49- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 44، ح 140؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 304 ، ح 5217 .
50- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 44 ، ح 141. و رواه الكليني في الحديث 6 من باب النوادر . وسائل الشيعة، ج 4، ص 305 ، ح 5220 .
51- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 40 45، ح 142؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 305 ، ح 5221 .
52- . منتهى المطلب، ج 4، ص 163.
53- . المعتبر، ج 2، ص 65.
54- . الذكرى، ج 3 ، ص 159.
55- . الفقيه، ج 1، ص 278، ح 855 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 300 ، ح 5207 ، و ص 312 ، ح 5242 ، و ص 314 ، ح 5247 .
56- . هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي.
57- . الفقيه، ج 1، ص 276، ح 848 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 48، ح 157؛ الاستبصار، ج 1، ص 297، ح 1095؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 300 ، ح 5207 ، و ص 312 ، ح 5242 ، و ص 314 ، ح 5246 .
58- . النحل (16) : 16 .
59- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45، ح 143؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 306 ، ح 5223 .
60- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
61- . هو الحديث 7 من هذا الباب.
62- . هو الحديث 9 من هذا الباب.
63- . المبسوط، ج 1، ص 81 81 . و مثله في الخلاف، ج 1، ص 305 ، المسألة 51 .
64- . هو الحديث 8 من هذا الباب.
65- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 48، ح 158؛ الاستبصار، ج 1، ص 297، ح 1096؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 314 ، ح 5248 .
66- . النور (24) : 64 .
67- . البقرة (2) : 29 .
68- . النهاية، ص 64.
69- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 72 73.
70- . اُنظر: الاستبصار، ج 1، ص 296، باب من صلّى إلى غير القبلة... ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 47، ح 151 و ما بعده ؛ فإنّه في الأوّل لم يختر شيئا بل نقل الروايات حسب، و في الثانى نقل كلام المفيد المصرّح فيه بلزوم الإعادة فيما إذا صلّى مستدبر القبلة، ثمّ روى الأحاديث، ولم يظهر لي ترجيحه للإعادة بعد الوقت .
71- . المقنعة، ص 97.
72- . المراسم، ص 61.
73- . الكافي في الفقه، ص 139.
74- . المهذّب، ج 1، ص 87 .
75- . السرائر، ج 1، ص 205.
76- . الفقيه، ج 1، ص 276، ح 846 .
77- . الناصريّات، ص 203.
78- . حكاه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 69.
79- . منتهى المطلب، ج 4، ص 202.
80- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 69.
81- . هو الحديث 3 من هذا الباب.
82- . هو الحديث 9 من هذا الباب.
83- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 48، ح 155؛ الاستبصار، ج 1، ص 296، ح 1093؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 316 ، ح 5252 .
84- . البقرة (2) : 115 .
85- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 49، ح 160؛ الاستبصار، ج 1، ص 297، ح 1097؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 316 317 ، ح 5254 .
86- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 48، ح 156؛ الاستبصار، ج 1،ص 297، ح 1094؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 316 ، ح 5253 .
87- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 46، ح 149؛ الاستبصار، ج 1، ص 297، ح 1098؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 313 ، ح 5245 .
88- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 46 47، ح 150 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 297 298، ح 1099 .
89- . هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي.
90- . الخلاف، ج 1، ص 305 .
91- . التنقيح الرائع للفاضل المقداد، ج 1، ص 177.
92- . منتهى المطلب، ج 4، ص 195.
93- . الفقيه ، ج 1، ص 276، ح 848 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 48، ح 157، الاستبصار، ج 1، ص 297، ح 1095؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 314 ، ح 5246 .
94- . هذا نفس الحديث المتقدّم ؛ فإنّ العلّامة صرّح بذلك ، ولم يستدلّ إلّا برواية واحدة ، حيث قال : «.. و هو قول أهل العلم؛ لقوله عليه السلام : ما بين المشرق و المغرب قبلة. رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية لمن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام » .
95- . منتهى المطلب، ج 4، ص 195.
96- . مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 69.
97- . اُنظر: عمدة القاري، ج 4، ص 143، المغني لابن قدامة، ج 1، ص 480 481 ؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 492.
98- . قاله المفيد في المقنعة، ص 96، و الطوسي في النهاية، ص 63.
99- . السرائر، ج 1، ص 205.
100- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 67.
101- . الكافي في الفقه، ص 139.
102- . الوسيله، ص 86 .
103- . المهذّب، ج 1، ص 85 .
104- . مختلف الشيعة، ج 2 ، ص 67.
105- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45، ح 144؛ الاستبصار، ج 1، ص 295؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 311 ، ح 5239 . و في جميع المصادر: «لأربع وجوه» بدل «إلى أربع وجوه».
106- . هذا هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي.
107- . مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 138.
108- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 67.
109- . نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 67. و انظر: الفقيه، ج 1، ص 276، ح 846 .
110- . الذكرى، ج 3 ، ص 182.
111- . مجمع الفائدة والبرهان، ج 2، ص 67.
112- . كذا في الأصل، و استدلّ في المصدر بصحيحة معاوية بن عمّار ، و قد تقدّمت آنفا. وسائل الشيعة، ج 4، ص 314 ، ح 5246 .
113- . الفقيه، ج 1، ص 276، ح 847 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 311 ، ح 5236 .
114- . البقرة (2) : 115 .
115- . مجمع البيان، ج 1، ص 358 ، تفسير الآية 115 من سورة البقرة؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 75؛ أسباب النزول للواحدي ، ص 23.
116- . الكشّاف، ج 1، ص 306 . و مثله في زبدة البيان، ص 68.
117- . حكاه الأردبيلي في زبدة البيان، ص 69.
118- . مجمع البيان، ج 1، ص 358 .
119- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 255، ح 1010؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 171، ح 4825.
120- . اُنظر: القاموس المحيط، ج 4، ص 354 (ضحو) .
121- . لسان العرب، ج 7، ص 293 (صحا) .
122- . القاموس المحيط، ج 4، ص 351 .

ص: 425

. .

ص: 426

. .

ص: 427

. .

ص: 428

. .

ص: 429

. .

ص: 430

. .

ص: 431

. .

ص: 432

. .

ص: 433

. .

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

باب الجمع بين الصلاتين

باب الجمع بين الصلاتينالظاهر أنّ المراد بالجمع بينهما مقابل التفريق الشائع بين العامّة وهو فعلهما في وقت واحد، سواء كان مع فصل النافلة أو بدونه ، وسواء كان ذلك الوقت وقت إجزائهما أم وقت فضيلتهما جميعاً بأن يصلّي الاُولى آخر وقت فضيلتها ، والثانية أوّله ، ويظهر من الشهيد أنّ الثالثة لا تسمّى جمعا كما سيأتي ، ويظهر من خبري محمّد بن حكيم (1) تخصيصه بما إذا لم يتطوّع بينهما . والمشهور بين الأصحاب جوازه اختيارا (2) ، وحكاه في الذكرى (3) عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي موسى وجابر وسعد بن أبي وقّاص وابن المنذر وعائشة، وقال : ورواه العامّة عن عليّ عليه السلام (4) . وعن معظم العامّة عدم جوازه لغير عذر (5) . ويدلّ على المذهب المنصور أخبار متظافرة من الطريقين ، فمن طريق الأصحاب موثّق عبد اللّه بن بكير ، وما رواه الصدوق في كتاب علل الشرائع باسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى الظهر والعصر مكانه من غير علّة ولا سبب، فقال له عمر وكان أجرأ القوم عليه _ : أَحَدَثَ في الصلاة شيء؟ قال : لا ، ولكن أردت أن اُوسّع على اُمّتي» (6) . وعن عبد الملك القمّي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت: أجمع بين الصلاتين من غير علّة؟ قال : «قد فعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أراد التخفيف عن اُمّته» (7) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟ قال : «لا بأس» (8) . ومن طريق العامّة ماروى في الذكرى (9) . عن ابن عبّاس : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم جمع بين الظهرين والعشائين من غير خوف ولا سفر» (10) ، وفي لفظ آخر: «من غير خوف ولا مطر» (11) . وقال : كلاهما في الصحاح. وعن عبد اللّه بن شقيق العقيلي ، قال : قال : دخل رجل على ابن عبّاس للصلاة فسكت ثلاثاً، ثمّ قال في الثالثة لا اُمّ لك ، أتعلّمنا بالصلاة؟ ! كنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم (12) . ومنها : ماروى في العلل عن صالح عن ابن عباس : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير مطر ولا سفر ، قال : فقيل لابن عبّاس: ما أراد به؟ قال : التوسّع لاُمّته (13) . وعن طاووس، عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر والحضر (14) . وعن عكرمة عن ابن عبّاس ، وعن نافع عن عبداللّه بن عمر: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمصلّى بالمدينة مقيماً غير مسافرجميعاً وتماماً جمعاً (15) . ومنها: ما رواه طاب ثراه عن مسلم ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس ، قال : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر (16) . وبإسناد آخر عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عنه ، قال : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير : فسألت سعيد بن جبير لِمَ فعل ذلك؟ فقال : سألت ابن عبّاس كما سألتنى، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من اُمّته (17) . عن عبد اللّه بن شقيق ، قال : خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة، قال : فجاء رجل من بني تميم لا يعبّر ولا يثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن عبّاس : أتعلّمني السنّة لا اُمّ لك؟ ! ثم قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد اللّه بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته (18) . وبإسناد آخر عنه ، قال : جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر (19) . وقال : وله روايات اُخر بهذا المضمون ، ومنها : ما رواه البخاري عن ابن أمامة ، قال : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز ، ثمّ دخلنا على أنس وهو يصلّى العصر ، فقلنا : ما هذه الصلاة؟ فقال : العصر ، وهذه صلاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالّتي كنّا نصلّي معه (20) . وحكى في الذكرى عن معظم العامّة الغير المجوّزين له من غير عذر أنّهم احتجّوا بأنّ المواقيت ثبتت تواترا من قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وفعله (21) . وأجاب عنه بأنّكم قائلون بجواز الجمع في السفر والعذر ، فلو كان الوقت غير مضروب للفريضة الثانية لاستحال فعلها كما استحال جمع الصبح والظهر والعصر والمغرب في وقت أحدها (22) . وفيه تأمّل. نعم ، يعارضون بما ذكر من الأخبار المنقولة عنهم ، وجمهورهم قد طرحوا هذه الأخبار وأوّلوها بتأويلات فاسدة ، فقد قال طاب ثراه: نقل المازري عن الترمذي أنّه قال في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الاُمّة على ترك العمل به إلّا حديث ابن عبّاس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ، وحديث قتل شارب الخمر (23) . ثمّ قال المازري: وهو كما قال في حديث شارب الخمر ، فإنّه حديث دلّ الإجماع على نسخه ، وأمّا حديث ابن عبّاس فلم يجمعوا على ترك العمل ، بل لهم فيه تأويلات ولم يفسّروها . وقال محيي الدين البغوي: فمنهم من يؤوّل على أنّ هذا الجمع كان لعذر المطر . ويردّه ما في بعض رواياته من غير خوف ولا مطر . وقيل : إنّه كان في غيم صلّى الظهر ثمّ انكشف الغيم ، فتبيّن أنّ وقت العصر دخل فصلّاها. وفيه : أنّه لا يجزي ذلك في المغرب والعشاء (24) . وأقول : فيه تأمّل . نعم ، يردّه حديث خطبة ابن عبّاس ، ولعلّه أراد محيي الدين أيضا . هذا ، ثمّ قال : و قيل : إنّ هذا الجمع كان من مرض ونحوه . ويردّه : اشتغال ابن عبّاس بالخطبة وصبره عليها . ثمّ قال : والّذي ينبغي أن يحمل عليه أنّه صلّى الاُولى في آخر وقتها ، والثانية في أوّل وقتها، فصارت صورته صورة الجمع . وهذا أيضاً ضعيف ؛ لأنّه خلاف الظاهر من استدلال ابن عبّاس بالحديث وتصديق أبي هريرة له . وقول ابن الشقيق : «فحاك صدري منه شيء» كالصريح في ضدّه. أقول : وقد ردّه في الذكرى بأنّ هذا لا يسمّى جمعاً (25) ، وفيه تأمّل . هذا ، والظاهر أنّ الجمع من باب الرخصة وإن كان ذلك مع فعل النوافل بين الصلاتين ، إلّا فيما استثني بدليل من ظهري الجمعة وعرفة وعشائي المزدلفة. قال الشهيد في الذكرى: الأقرب استحباب تأخير العصر إلى أن يخرج وقت فضيلة الظهر ، إمّا المقدّر بالنافلتين والظهر ، وإمّا المقدّر بما سلف من المثل والأقدام وغيرهما ؛ لأنّه معلوم من حال النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى أنّ رواية الجمع تشهد بذلك ، وقد صرّح به المفيد في باب عمل الجمعة ، قال : «وعدم الجمع في سائر الأيّام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل ، وقد ثبتت السنّة به إلّا في يوم الجمعة ، فإنّ الجمع بينهما أفضل ، وكذا في ظهري عرفة وعشائي المزدلفة». وعن ابن الجنيد أنّه قال : لا نختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر الّتي صلّاها مع الزوال إلّا مسافرا أو عليلاً أو خائفاً ما يقطعه عنها ، بل الاستحباب للحاضر أن يقدّم بعد الزوال وقبل فريضة الظهر شيئاً من التطوّع إلى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعاً من وقت زوالها ، ثمّ يأتي بالظهر ويعقّبها بالتطوّع من التسبيح أو الصلاة ليصير الفيء أربعة أقدام أو ذراعين ، ثمّ يصلّي العصر. بل نسب الشهيد ذلك إلى علمائنا أجمع حيث قال بعد ما نقلنا عنه _ : والأصحاب في المعنى قائلون باستحباب التأخير ، وإنّما لم يصرّح بعضهم به اعتمادا على صلاة النافلة بين الفريضتين ، وقد رووا ذلك في أحاديثهم كثيرا ، مثل : حديث إتيان جبرئيل عليه السلام بمواقيت الصلاة. وأشار ببعض هذه الاخبار ، ثمّ قال : ولم أقف على ما ينافي استحباب التفريق من رواية الأصحاب ، سوى ما رواه عبّاس الناقد (26) . مشيرا إلى ما رواه المصنف إلى قوله _ : وهو إن صحّ أمكن تأويله بجمع لا يقتضي طول التفريق ، لامتناع أن يكون ترك النافلة بينهما مستحبّاً ، أو يحمل على ظهري الجمعة ، وأمّا باقي الأخبار فمقصورة على جواز الجمع ، وهو لا ينافي استحباب التفريق . وبالجملة ، كما علم من مذهب الإماميّة جواز الجمع بين الصلاتين مطلقاً علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنّفات بذلك، انتهى (27) . ولم أجد مصرّحاً باستحباب الجمع من غير عذر إلّا ماروى في الذكرى عن المحقّق من استحبابه مع فعل النوافل بين الفرضين حيث قال : وأورد على المحقّق تلميذه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري وكان أيضاً تلميذ ابن طاوس (28) _ : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إن كان يجمع بين الصلاتين ولا حاجه إلى أذان للثانية ؛ إذ هو للإعلام ، وللخبر المتضمّن أنّه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان ، وإن كان يفرّق فلم ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقّق: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يجمع تارةً ويفرّق اُخرى، ثمّ ذكر الروايات المذكورة ، ثمّ قال : وإنّما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا أتى بالنوافل والفرضين فيه ؛ لأنّه مبادرة إلى تفريغ الذمّة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاتين . انتهى (29) . هذا حكم الجمع للمختار ، وأمّا مع العذر من السفر والمطر ونحوهما فجوازه أظهر ، واتّفقوا عليه ، وهو المشهور بين العامّة (30) . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن عبد اللّه بن سنان (31) ، وعن صفوان الجمّال (32) . وخبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان في الليلة المطيرة يؤخّر من المغرب ويعجّل من العشاء ، فيصلّيهما جميعاً ويقول : من لا يَرْحم لا يُرْحم» (33) . وصحيحة أبي عبيدة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ، ثمّ مكث قدر مايتنفّل الناس ، ثمّ أقام مؤذّنه ثمّ صلّى العشاء» (34) . وقال طاب ثراه: روى مسلم ثمانية أخبار كلّها صريحة فيه ، منها: ما رواه عن سالم بن عبد اللّه : أنّ أباه قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إذا عجّله السير في السفر يؤخّر صلاة المغرب حتّى يجمع بينها وبين صلاة العشاء (35) . ومنها: مارواه عن أنس ، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخّر الظهر حتّى يدخل أوّل وقت صلاة العصر ، فيجمع بينهما ، ويؤخّر المغرب حتّى يجمع بينها وبين العشاء حتّى يغيب الشفق (36) . وحكى الشيخ في الخلاف جوازه في السفر عن الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق (37) ، وفي الحضر للمطر عن الشافعي مطلقاً ، وعن مالك في خصوص المغرب والعشاء، (38) وكأنّه جعل السبب فيه الظلمة والطين معاً ، إلّا أنّه حكى عن الشافعي أنّه اختلف قولاه في الإملاء والجديد فيما إذا صلّى في بيته ، فجوّزه في الأوّل ولم يجوّزه في الثاني ، وفيما إذا كان الطريق إلى المسجد تحت ساباط لا يناله المطر إذا خرج إلى المسجد على قولين ، وعن أبي حنيفة عدم جوازه أصلاً ، إلّا الحاجّ يوم عرفة وليلة مزدلفة ، وأوجبه فيهما ، سواء كان الحاجّ مقيماً من أهل مكّة أو مسافرا من غيرها ، فعنده لا جمع إلّا لحقّ النسك (39) . وحكى صاحب العزيز أيضا عنهم مثل ذلك ، إلّا أنّه حكى عن الشافعي قولاً بعدم جواز الجمع بين السفر القصير ، والظاهر أنّه أراد بالسفر القصير ما كان أقلّ من ثمانية فراسخ ، حيث تعرّض للخلاف في أنّ سبب الجمع يوم عرفة وليلة مزدلفة هل هو السفر والنسك ؛ لاشتغال الحاجّ في الأوّل بالدعاء وفي الثانية بالإفاضة ، ثمّ قال : فإن قلنا بالمعنى الأوّل فهل يجمع المكّي؟ فيه قولان ؛ لأنّ سفره قصير ، ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفي بالمزدلفة ، فإنّهما في وطنهما . وهل يجمع كلّ واحد منهما بالبقعة الاُخرى؟ فيه القولان ، وإن قلنا بالثاني جاز لجميعهم الجمع (40) . وقال طاب ثراه : ولا فرق في الجمع للمطر بين الأمكنة عندنا وعند بعض العامّة ، وقال بعضهم ؛ يختصّ ذلك بمساجد المدينة ، وخصّه بعضهم بمسجده صلى الله عليه و آله ، وبعضم بالمسجدين الحرمين ، وبعضهم بالبلاد المطيرة الباردة . ولا وجه لهذه التخصيصات لا عقلاً ولا نقلاً . ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ الجمع مع الجماعة أفضل أو التفريق مع الانفراد؟ فقيل بالأوّل ؛ ترجيحاً لفضل الجماعة، وقيل بالثاني ؛ ترجيحاً لفضل الوقت. قوله : (محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد اللّه بن بكير) . [ح 1 / 4875] الظاهر أنّ أحمد بن محمّد هذا هو أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ لأنّه الّذي يروي كثيرا عن عليّ بن الحكم، منها : ما رواه الشيخ في التهذيب (41) والصدوق في الفقيه في صفة تيمّم عمّار وتمعّكه حيث صرّحا بابن عيسى. ويحتمل أحمد بن محمّد بن خالد البرقي بن أبي عبد اللّه ؛ لأنّه أيضاً قد يروي عن عليّ بن الحكم على ما ذكره النجاشي حيث قال : عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي أبو الحسن الضرير مولى، له ابن عمّ يُعرف بعليّ بن جعفر بن الزبير [روى عنه] ، له كتاب ، أخبرنا أبو عبد اللّه بن شاذان ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا سعد عن محمّد بن إسماعيل وأحمد بن أبي عبد اللّه (42) ، عن عليّ بن الحكم بكتابه (43) . وعليّ بن الحكم هو عليّ بن الحكم بن الزبير الكوفي بقرينة رواية أحمد بن محمّد عنه ، وهو ثقه جليل القدر ، فلا يضرّ إشراك بينه وبين عليّ بن الحكم الأنباري الّذي لم يتعرّض أرباب الرجال لحاله ، بل قيل باتّحادهما ، وهو ظاهر النجاشي حيث قال في ترجمة أبي شعيب المحاملي : «إنّه كوفي ثقة، من رجال أبي الحسن موسى عليه السلام ، مولى عليّ بن الحكم بن الزبير الأنباري» (44) . حكي ذلك عن الخلاصة أيضا (45) . وقد عدّ العلّامة بعض الأخبار المشتمل سنده عليه صحيحاً (46) . واندفع بذلك اعتراض الشهيد الثاني عليه بأنّ عليّ بن الحكم مشترك (47) ، فكيف يكون الخبر صحيحاً؟! ونقل طاب ثراه عن المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه أنّه قال في بعض حواشيه : هذا الاعتراض غير وارد ؛ لاحتمال علم القائل مثل العلّامة بكونه الثقة. والظاهر أنّه ثقة لثبوت نقل أحمد بن محمّد بن عيسى عن الثقة دون غيره (48) . وعلى ما ذكر فالخبر موثّق بعبد اللّه بن بكير (49) . قوله : (عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد) . [ح 2 / 4876] قال طاب ثراه: عليّ بن محمّد هذا هو عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني ؛ لنقل المصنّف عنه كثيرا ونقله عن سهل بن زياد. قوله في خبر محمّد بن حكيم : (إذا جمعت بين الصلاتين ولا تطوّع بينهما) . [ح 3 / 4877] يظهر منه اختصاص الجمع بما إذا لم تفصل النافلة بين الصلاتين. ومثله قوله في خبره الآخر : (الجمع بين الصلاتين إذا لم تكن بينهما تطوّع) . [ح 4 / 4878] ولعلّ المراد بالتطوّع النوافل المقرّرة مع الأدعية المستحبّة المنقولة فيها ، وبعد كلّ ركعتين منها ، بحيث إذا فرغ منها دخل وقت فضيلة الثانية ، فإنّه حينئذٍ لا يسمّى جمعاً قطعا ، فلا ينافي ما سبق من شمول الجمع لما إذا فصلت النافلة بينهما. ويؤيّده خبر عبد اللّه بن سنان (50) ، [و] ما يأتي في كتاب الحجّ من أنّ الإمام عليه السلام جمع بين العشائين في جمع في سنة بغير نافلة بينهما ، وفي سنة اُخرى مع فصل أربع ركعات بينهما (51) ، مع كون الجمع مستحبّاً فيه، بل واجباً على ما قيل. وقال طاب ثراه: لو صلّاهما في وقت واحدة منهما مع الفصل بزمان كثير ، لكن لا بحيث يخرج وقت تلك الواحدة ، هل يؤذّن للثانية أم لا؟ يفهم من كلام الفاضل الأردبيلي أنّ الأذان لو كان للإعلام بدخول الوقت لايؤذّن، وإن كان للإعلام بالصلاة نفسها يؤذّن ، إلّا أن يقال : إنّ هذا داخل في قاعدة الجمع فيسقط ، ولكنّه غير معلوم ؛ إذ لا يطلق عليه الجمع لغةً وشرعاً على ما هو الظاهر (52) .

.


1- . هما حديثان 3 و 4 من هذا الباب.
2- . اُنظر: الخلاف، ج 1، ص 588 ، المسألة 351 ؛ المبسوط، ج 1، ص 140؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 103؛ المعتبر، ج 2، ص 484 ؛الجامع للشرائع، ص 93؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 399 400 ؛ الذكرى، ج 2، ص 331 و 335 و 336 ، و ج 4، ص 335 ؛ مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 46.
3- . الذكرى، ج 2، ص 331 . و لم يذكر فيه «ابن المنذر» ، و الظاهر أنّ ابن المنذر حكى الأقوال كما في المجموع للنووي، ج 4، ص 371 .
4- . اُنظر: المصنّف لعبد الرزّاق، ج 2، ص 555 ، ح 4435 و 4437 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 286؛ التمهيد، ج 12، ص 214؛ الخلاف، ج 1، ص 590 ؛ المجموع للنووي، ج 4، ص 371 ؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 153؛ مسند أحمد، ج 1، ص 251.
5- . اُنظر: المغني، ج 2، ص 120؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2 ، ص 116؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 138؛ الاستذكار، ج 2 ، ص 211؛ التمهيد، ج 12، ص 210.
6- . علل الشرائع، ج 2، ص 321 ، الباب 11، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 221، ح 4972.
7- . علل الشرائع، ج 2، ص 321 ، الباب 11؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 221، ح 4973.
8- . الاستبصار، ج 1، ص 272، ح 982؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 204، ح 4927.
9- . الذكرى، ج 2، ص 331 332 و 336 .
10- . مسند الشافعي، ص 214، صحيح مسلم، ج 2، ص 151؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 271، ح 1210؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 392 ؛ سنن النسائي، ج 5 ، ص 290؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 491، ح 1573؛ صحيح ابن خزيمة، ج 2، ص 85 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 166 و 167؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 471.
11- . مسند أحمد، ج 1، ص 223 و 354 ؛ صحيح مسلم، ج 1، ص 152؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 271 272، ح 1211؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 121، ح 187، و ج 5 ، ص 392 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 290؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 491، ح 1573 و 1574؛ السنن الكبرى للبيهقى، ج 3 ، ص 167؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 2 ، ص 334 ، باب من قال يجمع المسافر بين الصلاتين، ح 5 ؛ المعجم الأوسط للطبرانى، ج 5 ، ص 113؛ المعجم الكبير، ج 10، ص 326 327 ؛ ناسخ الحديث و منسوخه، ص 318 .
12- . صحيح مسلم، ج 2 ، ص 153؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3 ، ص 168.
13- . علل الشرائع، ج 2، ص 322 ، الباب 11، ح 6؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 221 222، ح 4975.
14- . علل الشرائع، ج 2، ص 322 ، الباب 11، ح 7 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 222، ح 4976. و رواه أحمد في مسنده، ج 1، ص 360 .
15- . علل الشرائع، ج 2، ص 322 ، الباب 11، ح 8 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 222، ح 4977.
16- . صحيح مسلم، ج 2، ص 151. و رواه أبو داود في سننه، ج 1 ، ص 271، ح 1210؛ و النسائي في سننه، ج 1، ص 290؛ و في السنن الكبرى، ج 1، ص 491، ح 1573؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 166؛ و ابن خزيمة في صحيحه، ج 2، ص 85 ؛ و ابن حبّان في صحيحه، ج 4، ص 471.
17- . صحيح مسلم، ج 2 ، ص 151. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 166؛ و ابن الجعد في مسنده ، ص 384 .
18- . صحيح مسلم، ج 2، ص 152 153 . و رواه أحمد في مسنده، ج 1، ص 251؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 168.
19- . صحيح مسلم، ج 2، ص 152. و رواه أحمد في مسنده، ج 1، ص 223.
20- . صحيح البخاري، ج 1، ص 138. و رواه مسلم في صحيحه، ج 2، ص 110؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 1، ص 443 ؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 1، ص 467، ح 1496؛ و ابن حبّان في صحيحه، ج 4، ص 384 385 ؛ و الطبراني في المعجم الأوسط، ج 8 ، ص 150.
21- . اُنظر: المغني، ج 1، ص 378 ؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 427.
22- . الذكرى، ج 2، ص 336 .
23- . حكاه النووي في شرح صحيح مسلم، ج 5 ، ص 218؛ و العيني في عمدة القاري، ج 5 ، ص 32 .
24- . جميع الأقوال و الأجوبة موجود في شرح صحيح مسلم للنووي، ج 5 ، ص 218. و انظر: تحفة الأحوذى، ج 1، ص 476 ؛ فتح الباري، ج 2، ص 19.
25- . الذكرى، ج 2، ص 336 .
26- . هذا هو الحديث 6 من باب الجمع بين الصلاتين من الكافي. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 263، ح 1049 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 223، ح 4979.
27- . الذكرى، ج 2، ص 332 335 .
28- . كان في الأصل: «جمال الدين بن يوسف...» و «ابن أبي طاووس»، و التصويب حسب المصدر.
29- . الذكرى، ج 2، ص 335 .
30- . اُنظر: بداية المجتهد، ج 1، ص 139 140؛ الخلاف، ج 1، ص 588 589 ، فتح العزيز، ج 2، ص 74؛ و ج 4، ص 473 ؛ المجموع للنووي، ج 4، ص 336 و 378 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 498 ؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 127؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 271؛ المغني، ج 2، ص 112 122؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 115 122؛ تلخيص الحبير، ج 4، ص 469 ؛ نيل الأوطار، ج 3 ، ص 260.
31- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
32- . هو الحديث 5 من هذا الباب.
33- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 32 ، ح 96؛ الاستبصار، ج 1، ص 267، ح 966؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 197، ح 4910.
34- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 35 ، ح 109؛ الاستبصار، ج 1، ص 272، ح 985؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 203، ح 4922.
35- . صحيح مسلم، ج 2، ص 150. و رواه البخاري في صحيحه، ج 2، ص 39 ؛ و النسائي في سننه، ج 1، ص 287؛ و في السنن الكبرى، ج 1، ص 489، ح 1567؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 165؛ و الطبراني في المعجم الكبير، ج 12، ص 220؛ و في مسند الشاميّين، ج 1، ص 65، ح 70؛ و ج 4، ص 230، ح 3152 .
36- . صحيح مسلم، ج 2، ص 151. و رواه النسائي في السنن الكبرى، ج 1، ص 489، ح 1566؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 3 ، ص 161؛ و ابن خزيمة في صحيحه، ج 2، ص 84 .
37- . الخلاف، ج 1، ص 589 ، المسألة 351 . و انظر: فتح العزيز، ج 4 ، ص 469، المجموع للنووي، ج 4، ص 371 ؛ إعانة الطالبين، ج 2، ص 114؛ المغني، ج 2، ص 112؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 114 115؛ فتح الباري، ج 2، ص 477.
38- . الخلاف، ج 1، ص 591، المسألة 353. وانظر: الاُمّ، ج 1، ص 95؛ معرفة السنن و الآثار، ج 2، ص 455؛ المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 115؛ الاستذكار، ج 2، ص 211؛ فتح العزيز، ج 4، ص 470.
39- . فتح العزيز، ج 4، ص 470 ؛ المجموع للنووي، ج 4، ص 371 ؛ إعانة الطالبين، ج 2، ص 114؛ المغني، ج 2، ص 112؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 2، ص 115، فتح الباري، ج 2، ص 477.
40- . فتح العزيز، ج 4، ص 472 473.
41- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207، ح 598 .
42- . في هامش الأصل: «هو كنية محمّد بن خالد البرقي . منه» .
43- . رجال النجاشي، ص 274، الرقم 718.
44- . رجال النجاشي، ص 456، الرقم 1240.
45- . خلاصة الأقوال، ص 177.
46- . نسب ذلك الشهيد الثاني إلى تذكرة الفقهاء، ولم أعثر عليه . اُنظر التعليق التالي.
47- . مسالك الأفهام، ج 7، ص 59 .
48- . اُنظر: مجمع الفائدة والبرهان، ج 1، ص 230 231.
49- . لأنّ عبداللّه بن بكير من الفحطيّة . اُنظر: اختيار معرفة الرجال، ج 2 ، ص 653، ج 639؛ الفهرست، ص 173 ، الرقم 461 ؛ معالم العلماء، ص 112، الرقم 517 .
50- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
51- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 190، ح 632؛ الاستبصار، ج 2، ص 256، ح 901؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 15، ح 18472. و رواه الكليني في باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها، ح 2.
52- . مجمع الفائدة والبرهان، ج 2، ص 167.

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

باب الصلوات الّتي تُصلّى في كلّ وقت

باب الصلوات الّتي تُصلّى في كلّ وقتأراد قدّس سرّه بيان أنّ بعض الصلوات غير موقّتة بوقت محدود ، بل لها أسباب خاصّة تصلّى عند عروض تلك الأسباب وإن كان في الأوقات المكروهة الخمسة الآتية في الباب الآتي ، وعدّ منها خمس صلوات ولا اختصاص لتلك الخمس بهذا الحكم ، بل هو جار فيما عداها أيضا من الصلوات سوى النوافل المبتدأة على المشهور . لكن تفسير كلّ وقت في خبر أبي بصير (1) ما بين الفجر إلى طلوع الشمس و ما بعد العصر يقتضي الفرق بين الأوقات الخمسة في ذلك ، كما هو مذهب الشيخ في الخلاف (2) ، حيث أفتى بعدم كراهية غير النافلة المبتدأة في الوقتين ، وكراهية مطلق الصلوات عند طلوع الشمس وعند غروبها وقيامها في غير يوم الجمعة ، وسنحكي عبارته في الباب الآتي ، وهو ضعيف لا سيّما في الصلوات الخمس ؛ لصحيحة معاوية بن عمّار (3) وحسنة زرارة (4) من غير معارض صريح ، وعموم النهي عن الصلاة في تلك الأوقات مخصّص بالنوافل المبتدأة. وقد نقل إجماع أهل العلم على عدم كراهة صلاة الكسوف (5) . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق الأخبار الواردة في وجوبها عند حدوثه والصلاة على الميّت . وقد ورد في الأخبار الأمر بتعجيل تجهيزه وهو مستتبع لوقوعها في هذه الأوقات ، وذهب إليه الشافعي وأحمد (6) في إحدى الروايتين عنه محتجّين بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمأنّه قال : «إنّي لأرى طلحة (7) قد حدث فيه الموت ، فأذنوني به وعجّلوا ، فإنّه لا ينبغي لجيفة مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله» (8) . والمشهور بين العامّة أنّها لا تجوز عند طلوع الشمس وقيامها وغروبها (9) ، وهو رواية اُخرى عن أحمد (10) . واحتجّوا عليه بما نقلوه عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتّى تميل الشمس ، وحين تضيّفت الشمس للغروب حتّى تغرب (11) . وفي المنتهى : «معنى قوله : تضيّفت ، أي مالت ، يقال : تضيّفت فلاناً ، إذا ملت إليه ونزلت به» (12) . وفيه : أنّ الصلاة فيه ليست صريحة في صلاة الميّت ، فلو صحّ الخبر ينبغي أن تحمل على النافلة المبتدأة . ويدلّ على عدم كراهة صلاة الإحرام فيها زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق أخبارها ، وهو المشهور بين العامّة خلافا لأبي حنيفة ، وكذا صلاة الطواف وإن كانت نغلاً (13) . وفي المنتهى: يصلّي صلاة الطواف في أوقات النهي وإن كانت نفلاً ، ذهب إليه علماؤنا وفعله الحسن والحسين عليهماالسلام وابن عمر وابن الزبير وعطا وطاوس وابن عبّاس ومجاهد والقاسم بن محمّد بعد الصبح والعصر ، وفعله عروة بعد الصبح ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأبو ثور (14) . وأنكر ذلك أبو حنيفة ومالك (15) ، ونقل طاب ثراه عن الترمذي أنّه روى عن جبير بن مطعم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : «يا بني عبد مناف ، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلّى في أيّ ساعة من ليل أو نهار» (16) . وكذا قضاء الفرائض ، بل يجب عند الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف عموم ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسى صلوات لم يصلّها أو نام عنها؟ فقال : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلوات الّتي قد حضرت ، وهذه أحقّ فليقضها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (17) . وعن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار ، كلّ ذلك سواء» (18) . وعن ابن أبي يعفور ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «صلاة النهار يجوز قضاؤها أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار» (19) . وخصوص ما رواه في الصحيح عن أحمد بن النضر ، قال : سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر؟ قال : «نعم فاقضه ، فإنّه من سرّ آل محمّد عليهم السلام » (20) . وعن سليمان بن هارون ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قضاء الصلاة بعد العصر ، قال : «[نعم] إنّما هي النوافل فاقضها متى ما شئت» (21) . والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «هي» راجع إلى الصلاة المشهور كراهتها في هذا الوقت ، و«النوافل»: النوافل المبتدأة. وما روته العامّة عنه صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال : «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها ما لم يتضيّق وقت حاضرة» (22) . وعن أبي حنيفة كراهته عند طلوع الشمس (23) ؛ محتجّاً بعموم أخبار النهي في ذلك الوقت ، وبما رواه مسلم : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلملمّا نام عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس أخّرها حتّى انتصف النهار (24) . واُجيب عن الأوّل بتخصيص العمومات ؛ لما عرفت. وعن الثاني بمنع الخبر ؛ لعدم استقامته على طريقة أهل العدل. وفي المنتهى: وقال أصحاب الرأي: «لا تقضى فوائت الفرائض في الأوقات الثلاثة المنهي عنها للوقت» (25) . وأمّا قضاء النوافل فالمشهور بين الأصحاب أنّه أيضا كقضاء الفرائض ؛ لعموم ما ذكر من الأخبار ، وخصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن يغيب الشفق. فكتب إليّ: «لا يجوز إلّا للمقتضي ، فأمّا لغيره فلا» (26) . وفي الحسن عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، قال : «نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمّد صلى الله عليه و آله وسلم المخزون» (27) . وعن عبد اللّه بن عون الشامي ، قال : حدّثني عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل ، يقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر؟ قال : «لا بأس بذلك» (28) . وكرهه الشيخان في المقنعة (29) والنهاية (30) عند طلوع الشمس وغروبها ، وكأنّهما تمسّكا بعموم النهي في ذينك الوقتين ، وقد عرفت ما فيه.

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
2- . الخلاف، ج 1، ص 520 ، المسألة 263.
3- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
4- . هو الحديث 3 من هذا الباب.
5- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 188، المسألة 493.
6- . الخلاف، ج 1، ص 721، المسألة 540 ؛ المعتبر، ج 2، ص 359 ، المجموع للنووي، ج 4، ص 168؛ و ج 5 ، ص 111؛ عمدة القاري، ج 8 ، ص 124؛ المغني، ج 2، ص 416.
7- . في الأصل: «ظلمة»، و التصويب من المصدر.
8- . سنن أبي داود، ج 2، ص 70، ح 3159 ؛ الاستذكار، ج 3 ، ص 123؛ أسد الغابة، ج 3 ، ص 57 .
9- . المجموع للنووي، ج 4، ص 164؛ الإقناع، ج 1، ص 148؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 316 .
10- . المغني، ج 2، ص 417.
11- . مسند أحمد، ج 4، ص 152؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 333 ؛ صحيح مسلم، ج 2، 208؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 486، ح 1519؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 77، ح 3112 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 275 و 277؛ و ج 4، ص 82 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 482، ح 1543، و ص 484، ح 1548 و ص 649، ح 2140؛ مسند أبييعلى، ج 3 ، ص 292 293، ح 1755؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 22؛ معرفة السنن والآثار، ج 2 ، ص 280، و ما بين الحاصرتين من المصادر، و في الجميع: «تضيّف» بدل «تضيّفت».
12- . منتهى المطلب، ج 4، ص 141.
13- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 57 ؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 304 ؛ تحفة الأحوذى، ج 3 ، ص 514 ، حاشية ردّ المختار، ج 2، ص 542 ؛ فتح الباري، ج 3 ، ص 391 .
14- . منتهى المطلب، ج 4، ص 149. و انظر: المغني، ج 1، ص 749؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1 ، ص 800 .
15- . فتح الباري، ج 3 ، ص 391 ، تنقيح التحقيق، ج 1، ص 201؛ المغني، ج 1، ص 749؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 800 .
16- . سنن ابن ماجة، ج 1 ، ص 398 ، ح 1254؛ سنن الترمذي، ج 2 ، ص 178 ، ح 869 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 284، السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 487، ح 1561؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 461 ؛ و ج 5 ، ص 92؛ مسند الحميدي، ج 1، ص 255؛ ح 561 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4 ، ص 257، الباب 78 من كتاب الحجّ، ح 1؛ و ج 8 ، ص 420، الباب 103 ، ح 1؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 421 ؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 234، ح 2612.
17- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 159، ح 341 ؛ و ج 2، ص 172، ح 685؛ و ص 266، ح 1059؛ الاستبصار، ج 1، ص 286، ح 1046؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 274، ح 5146 .
18- . تهذيب الأحكام، ج 2 ، ص 172 173، ح 691؛ و ج 3 ، ص 168، ح 369 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 290، ح 1062؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 243، ح 5042 ؛ و ص 277، ح 5157 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 174، ح 692؛ الاستبصار، ج 1، ص 290، ح 1063؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 243، ح 5041 .
20- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 174، ح 693؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 244، ح 5046 .
21- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 173، ح 690؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 290، ح 1061؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 243، ح 5040 .
22- . لم أعثر على حديث بهذا اللفظ إلّا في : المعتبر، ج 2، ص 60؛ و منتهى المطلب، ج 4، ص 139. و كان في الأصل «من فاته»، وَ التصويب حسب السياق و المصدرين.
23- . المغني، ج 1، ص 748؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 1، ص 797.
24- . منتهى المطلب، ج 4، ص 147 . و فيه: «أخّرها حتّى ابيضّت الشمس». رواها و نسب إلى مسلم، ولم أعثر عليه في صحيح مسلم. و مثله في كشّاف القناع، ج 1، ص 549 550 ، و قال : «متّفق عليه».
25- . منتهى المطلب، ج 4، ص 146.
26- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 175، ح 696؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 291، ح 1068؛وسائل الشيعة، ج 4 ، ص 235، ح 5018 .
27- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 173، ح 689؛ الاستبصار، ج 1، ص 290، ح 1060؛ وسائل الشيعة، ج 4 ، ص 243 244، ح 5043 .
28- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 173، ح 687 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 289، ح 1058؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 242 243، ح 5039 .
29- . المقنعة، ص 144.
30- . النهاية، ص 62.

ص: 451

. .

ص: 452

. .

ص: 453

. .

ص: 454

. .

ص: 455

باب التطوّع في وقت الفريضة، والساعات الّتي لا يُصلّى فيها

باب التطوّع في وقت الفريضة، والساعات الّتي لا يُصلّى فيهافيه مسألتان : الاُولى: النافلة الغير الراتبة وقضاء الرواتب منها ، هل يجوز فعلهما قبل الفريضة في وقتها؟ اختلف الأصحاب فيه ، فقد قطع الشيخان (1) وأتباعهم بالمنع منه ، وبه قال المحقّق ، وأسنده في المعتبر إلى علمائنا (2) . واحتجّوا عليه بصحيحة زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : اُصلّي نافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : «لا ، إنّه لا تصلّى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوّع حتّى تقضيه؟» قال : قلت: لا. قال : «فكذلك الصلاة». قال : فقايسني وما كان يقايسني (3) . وخبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ، مالي لا أراك تطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ قال : فقلت : إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضه فلا تطوّع» (4) . ورواية سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : «إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع» (5) . وخبر أديم بن الحرّ ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة» . قال : وقال : «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها» (6) . وبقوله عليه السلام : «ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» فيما رويناه في الباب السابق في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، ويرويه المصنّف في الباب الآتي. (7) وبقولهم عليهم السلام : «لا صلاة لمن عليه صلاة» (8) . وذهب الشيخ في التهذيب إلى جواز ركعتين للإمام إذا انتظر حضور جماعة ، وأسنده إلى فعل النبيّ صلى الله عليه و آله (9) . وبذلك جمع بين ما ذكر من الأخبار وبين خبر عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «لكلّ صلاة مكتوبة ركعتان نافلة (10) إلّا العصر ، فإنّه تقدّم نافلتها وهي الركعتان اللّتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر ، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من صلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة الّتي حضرت ركعتين نافلة لها ، ثمّ اقض ما شئت» (11) . ويظهر من خبر إسحاق بن عمّار (12) جوازها مطلقاً للمأموم إذا انتظر الإمام ، والأظهر القول بالكراهة مطلقاً كما هو ظاهر الشهيد في الذكرى (13) ، للجمع بين ما ذكر وبين خبر سماعة (14) ، وهو أحسن من جمع الشيخ ؛ للتصريح في هذا الخبر بجوازها للمنفرد. ويؤيّده حسنتا محمّد بن مسلم (15) . ولا ينافي الكراهة ورود الأمر به في خبر عمّار المتقدّم ، بناءً على ما تقرّر من أنّ الكراهة في العبادات بمعنى كونها أقلّ ثواباً . ويظهر من ابن أبي عقيل تخصيص المنع بالصبح والمغرب والجمعة ، فإنّه قال على ما حكى عنه في الذكرى _: قد تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام أنّهم قالوا : «ثلاث صلوات إذا دخل وقتهنّ لا يصلّى بين إحداهنّ نافلة : الصبح ، والمغرب ، والجمعة إذا زالت الشمس» . وحكى فيه عن الجعفي أيضاً مثله ، ثمّ قال : «فإن صحّ هذا صلح للحجّة» (16) ؛ إشعارا بتمريضه . وعن المحقّق أنّه نقل جوازها قبل المغرب عن جماعة من الأخباريّين من العامّة محتجّين بما روي في الصحيحين عن عبد اللّه بن مغفل، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «صلّوا قبل المغرب ركعتين» ، قاله ثلاثاً ، وفي الثالثة : «لمن شاء» كراهة أن يتّخذها الناس سنّة (17) . وما روي عن أنس ، قال : صلّيت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله (18) . وعورضوا بما روي عن ابن عمر ، قال : ما رأيت أحدا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّيهما (19) . وعن عمر أنّه كان يضرب عليهما (20) ، ثمّ قال : «والإثبات أصحّ استنادا ، وشهادة ابن عمر على النفي وفعل عمر جاز أن يستند إلى اجتهاده» (21) . وأمّا النوافل اليومية الّتي تُصلّى بعد دخول وقت الفرائض قبل فعلها فلا تظننّ أنّها وقعت في أوقات الفرائض ، لما سبق من أنّ وقت فريضة الصبح بعد الفراغ من نافلته ، ووقت فريضة الظهر والعصر بعد قدم وقدمين أو ذراع وذراعين ، ووقت فريضة العشاء بعد الفراغ من المغرب ونافلتها وبعد ذهاب الشفق . نعم ، لو لم تصلّ حتّى دخل وقت الفرائض ربّما تزاحم بها الفرائض ، كما يأتي في محلّه أنّه لو خرج الوقت وقد تلبّس من النافلة بركعة زاحم بالركعة الاُخرى بالفريضة مطلقاً ، إلّا أنّه ذكر المحقّق أنّه يتمّها مخفّفة . (22) وقال ابن إدريس: إنّه يتمّ الأربع بعد المغرب إذا ذهبت الحمرة بعد التلبّس بها (23) ، ومتى صلّى أربع ركعات من صلاة الليل تزاحم بها فريضة يصحّ بما بقى منها ، بل بالشفع والوتر أيضاً. الثانية: الأوقات الّتي تكره الصلاة فيها في الجملة ، والمشهور بين الأصحاب كراهة النوافل المبتدأة وعدم كراهة غيرها من الفرائض والنوافل المسبّبة (24) . وفي العزيز : قولهم : صلاة لها سبب ، ما أرادوا به مطلق السبب ؛ إذ ما من صلاة إلّا ولها سبب ، ولكن أرادوا به أنّ لها سبباً متقدّماً على هذه الأوقات أو مقارناً لها. وبقولهم: صلاة لا سبب لها أنّه ليس لها سبب متقدّم أو مقارن (25) ، فعبّروا بالمطلق عن المقيّد . وقد يفسّر قولهم: لا سبب لها بأنّ الشارع لم يخصّها بوضع وشرعيّة ، بل هي الّتي يأتي بها الإنسان ابتداءً ، وهي النوافل المطلقة . (26) وهذا المعنى هو المشهور عندنا . وقد اختلفوا في الأوقات المكروهة ، فقال العلّامة في المنتهى: «يكره ابتداء النوافل في خمسة أوقات: ثلاثة للوقت عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها نصف النهار ، إلّا يوم الجمعة، واثنان للفعل بعد الصبح ، وبعد العصر» (27) . وبه قال الشيخ في المبسوط (28) ، ونقل في المختلف (29) عن اقتصاده (30) أيضاً ، وهو المشهور . وفي العزيز : الأوقات المكروهة خمسة: وقتان تعلّق النهي فيهما بالفعل ، وهما : بعد صلاة الصبح حتّى تطلع الشمس ، وبعد صلاة العصر حتّى تغرب الشمس ، ووجه تعلّق النهي فيهما بالفعل أنّ صلاة التطوّع فيهما مكروهة لمن صلّى الصبح والعصر دون من لم يصلّهما ، ومن صلّاهما فإن عجّلهما في أوّل الوقت طال في حقّه وقت الكراهة وإن أخّرهما قصّر . وثلاثة أوقات يتعلّق النهي فيها بالزمان ، وهي : من طلوع الشمس حتّى ترتفع قيد رمح ، ويستولي سلطانها بظهور شعاعها ، فإنّ الشعاع يكون ضعيفاً في الابتداء ، وعند استواء الشمس حتّى تزول ، وعند اصفرار الشمس حتّى يتمّ غروبها. (31) واستفاد الكراهة في هذ الأوقات من مجموع أخبار متعدّدة: منها: مرفوعة إبراهيم بن هاشم (32) وخبر الحسين بن مسلم (33) . ومنها: ما رواه الشيخ عن محمّد الحلبي، عن أبي عبداللّه قال : «لا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان» . وقال : «لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب» (34) . وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا صلاة بعد العصر حتّى المغرب، ولا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس» (35) . ومنها: أخبار النهي عن صلاة الصبح ، وهو عند قيام الشمس إلى الزوال ، ويجى ء في محلّها. وأخبار العامّة أيضاً خالية عن هذا الجمع ، بل يستفاد الجميع من مجموع أخبار ، ففي بعضها : «أن تطلع الشمس بين قرني الشيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفّار ، فاقصر عن الصلاة حين تطلع ، وأنّ الشمس تغرب بين قرني الشيطان ، فحينئذٍ يسجد لها الكفّار ، فاقصر عن الصلاة حين تغرب» (36) . وفي بعضها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، ثمّ إذا استقرّت قارنها، وإذا زالت فارقها ، وإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها» . ونهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الصلاة في تلك الأوقات (37) . وعن عقبة بن عامر ، قال : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع ، وإذا تضيّفت للغروب ، ونصف النهار (38) . وقد سبق . وروي أنّ [ابن] عبّاس قال : شهد لي رجال مرضيّون أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن الصلاة بعد الصبح حتّى تشرق الشمس ، وبعد العصر حتّى تغرب الشمس (39) . وأبو سعيد قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا صلاة بعد الصبح حتّى ترتفع الشمس ، لا صلاة بعد العصر حتّى تغيب الشمس» (40) . وعن عبد اللّه بن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا بدا حاجب الشمس فأخّروا الصلاة حتّى يبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخّروا الصلاة حتّى تغيب» (41) . وروى مسلم عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن الصلاة بعد العصر حتّى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتّى تطلع الشمس (42) . وإنّما حمل النهي في هذه الأخبار على الكراهة ؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن الفرج ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام أسأله عن مسائل ، فكتب إليّ: «وصلّ بعد العصر من النوافل ما شئت ، وصلّ بعد الغداة من النوافل ما شئت» (43) . والصدوق قال : روى لي جماعة من مشايخنا عن أبي الحسن محمّد بن جعفر الأسدي رضى الله عنه أنّه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه: «وأمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس : إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني شيطان، فما اُرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة ، فصلّ» (44) . وما رواه مسلم بإسناده عن عليّ عليه السلام أنّه دخل فسطاطه فصلّى ركعتين بعد العصر (45) . ونقلوا عن عبد اللّه بن الزبير وأبيه والنعمان بن بشير وأبي أيّوب وعائشة : أنّ عليّاً عليه السلام صلّى بعد العصر ركعتين (46) . وعن اُمّ سلمة ، قالت: دخل عليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد العصر فصلّى ركعتين (47) . وعن عائشة ، قالت: واللّه ، ما ترك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ركعتين عندي بعد العصر (48) . وقال السيّد المرتضى في الناصريّات : «عندنا أنّه يجوز أن يصلّى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها كلّ صلاة لها سبب متقدّم ، وإنّما لا يجوز أن يبتدأ بالنوافل» (49) . والظاهر أنّه أراد بعدم الجواز الكراهة ، وخصّها في الجمل على ما نُقل عنه بثلاثة أوقات ، قال : «الأوقات المكروهة للصلاة : ابتداءً عند طلوع الشمس ، وعند قيامها نصف النهار قبل الزوال إلّا في يوم الجمعة خاصّة ، وعند غروبها» (50) . وهو ظاهر ابن الجنيد أيضاً على ما نقل عنه أنّه قال : «ورد النهي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها» ، وأباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط (51) . وخصّ الشيخ في النهاية طلوع الشمس وغروبها بالذكر ، وعمّم النافلة بحيث يشمل قضاءها أيضاً ، فقد قال : ومن فاتته شيء من صلاة النوافل فليقضها أيّ وقت شاء من ليلٍ أو نهارٍ ، ما لم يكن وقت فريضة أو عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، فإنّه يكره له صلاة النوافل وقضاؤها في هذين الوقتين (52) . وقد صرّح قبل ذلك بقضاء صلاة ركعتي الإحرام وركعتي الطواف في جميع الأحوال . وعن المفيد أيضاً كراهية قضاء النوافل في الوقتين (53) . وفرّق الشيخ في الخلاف بين ما تُكره الصلاة فيه لأجل الوقت ، وما تُكره لأجل الفعل ، فقد قال : الأوقات الّتي تكره فيها الصلاة خمسة : وقتان تكره الصلاة فيهما لأجل الفعل : بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى غروبها، وثلاثة لأجل الوقت : عند طلوع الشمس، وعند قيامها ، وعند غروبها . والأوّل إنّما تُكره ابتداء الصلاة فيه نافلة ، فأمّا كلّ صلاة لها سبب من قضاء فريضة أو نافلة أو صلاة زيارة أو تحيّة مسجد أو صلاة إحرام أو صلاة طواف أو نذر أو صلاة كسوف أو جنازة ، فإنّه لا بأس به ولا تكره . وأمّا ما نهي فيه لأجل الوقت فالأيّام والبلاد والصلوات فيه سواء ، إلّا يوم الجمعة، فإنّ له أن يصلّي عند قيامها النوافل (54) . وحكى فيه عن الشافعي أنّه استثنى من البلدان مكّة وأجاز الصلوات فيها أيّ وقت شاء (55) . وعن مالك أنّه منع في الموطّأ النوافل المستحبّة أيضاً في هذه الأوقات ، وأنّه جوّزها في المدوّنة. ونقل طاب ثراه عن المازري أنّه قال : أجمعت الاُمّة على كراهية التنفّل لغير سبب في الوقتين : عند طلوع الشمس ، وعند غروبها، وقال : بالغ أبو حنيفة في المنع عن الصلاة عند الطلوع حتّى أنّه قال : لو صلّى ركعة من فرض اليوم عنده فسدت ، لا لأنّ الصلاة لا تدرك بإدراك ركعة في الوقت، بل للنهي عن فعلها عند الطلوع. (56) وأورد عليه الآبي بورود الخبر الصحيح في أنّ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح (57) . وأقول : الأولى التوقّف في غير صلاة الضحى ، لا سيما في الوقتين : طلوع الشمس وغروبها، فإنّ أكثر الأخبار والواردة فيهما ظاهرها التقيّة ، وهو ظاهر الصدوق حيث قال في الفقيه: وقد روي نهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ؛ لأنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، إلّا أنّه روى لي جماعة من مشايخنا رحمهم اللّه عن محمّد بن جعفر الأسدي رضي اللّه عنه. وذكر ما روينا عنه (58) . ورجع الشيخ المفيد (59) عمّا نقلنا عنه ، وقال بجوازها في الوفتين من غير كراهية على ما نقل عنه صاحب المدارك أنّه قال : وقد أكثر (60) الثقة الجليل أبو جعفر محمّد بن النعمان في كتابه المسمّى بافعل ولاتفعلمن التشنيع على العامّة في روايتهم ذلك عن النبيّ صلى الله عليه و آله وقال : إنّهم كثيرا مّا يخبرون عن النبيّ صلى الله عليه و آله بتحريم شيء وبعلّة تحريمه ذلك ، وتلك العلّة خطأ لا يجوز أن يتكلّم بها النبيّ صلى الله عليه و آله ولا يحرّم اللّه من قبلها شيئاً، فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين: عند طلوع الشمس حتّى يلتئم طلوعها ، وعند غروبها ، فلولا أنّ علّة النهي عنها أنّها تطلع بين قرني شيطان لكان ذلك جائزا ، فإذا كان آخر الحديث موصولاً بأوّله وآخره فاسد فسد الجميع ، وهذا جهل من قائله ، والأنبياء عليهم السلام لا يجهلون ، فلمّا فسدت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت أنّ التطوّع فيهما جائز (61) . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . نعم صلاة الضحى كراهتها كالشمس في رابعة النهار ، ويأتي القول فيها في محلّها . قوله في مرفوعة إبراهيم بن هاشم : (أنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان) . [ح 7 / 4890] قال طاب ثراه: القرنان : جانبا الرأس . قيل : إنّ الشيطان ينتصب قائماً عند طلوع الشمس ؛ لتطلع بين قرنيه ليوهم عساكره أنّه يسجد الساجدون لها . والقرن أيضاً : الجماعة ، كأنّ الشمس تطلع بين فريقين من أصحاب يمينه وأصحاب يساره . قوله في خبر الحسين بن مسلم : (إذا ذرّت وإذا كُبّدت) . [ح 8 / 4891] قال الجوهري : ذرّت الشمس تذرّ ذرورا : طلعت . ويقال : ذرّ البقل ، إذا طلع من الأرض (62) . وفي القاموس : كبد السماء : وسطها كالكبيداء ، وتكبّدت الشمس: صارت في كبيدائها (63) . والمراد هنا وقت قيام الشمس إلى الزوال ، وهو لعلّه وقت صلاة الضحى ، ولعلّ المراد بقوله عليه السلام : «فإنّ الشيطان يريد أن يوقعك» (64) بالعين المهملة أو بالفاء على اختلاف النسخ _ : أنّه يريد أن يوسوسك ، ويجعلك بحيث يقطع السبل عنك دون سبيل طاعتك إيّاه ، فيكون تعليلاً لعدم حسن فعل الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة وحسن فعلها بعد الزوال .

.


1- . قاله المفيد في المقنعة، ص 141 ؛ و الطوسي في النهاية، ص 62.
2- . المعتبر، ج 2، ص 59 .
3- . ذكرى الشيعة، ج 2، ص 424 ؛ روض الجنان، ج 2، ص 498 ؛ مستدرك الوسائل، ج 3 ، ص 160، ح 3266 .
4- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 167، ح 661؛ و ص 247، ح 982؛ الاستبصار، ج 1، ص 252، ح 906؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 227، ح 4989.
5- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 167، ح 660؛ الاستبصار، ج 1، ص 292، ح 1071، وسائل الشيعة، ج 4، ص 228، ح 4993.
6- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 167 168، ح 663؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 228، ح 4992.
7- . هو الحديث 3 من الباب الآتي.
8- . رسائل المرتضى، ج 2، ص 363 ؛ الخلاف، ج 1 ، ص 386 ؛ المبسوط، ج 1، ص 127؛ الغنية، ص 99؛ الرسائل التسع للمحقّق الحلّي، ص 123؛ ولم أعثر عليه في المصادر الروائيّة.
9- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 265 266، ذيل ح 1058.
10- . في المصدر: «نافلة ركعتين».
11- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 273، ح 1086؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 284 285، ح 5174 .
12- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي.
13- . الذكرى، ج 2، ص 403.
14- . هو الحديث 3 من هذا الباب.
15- . هما حديثان 5 و 6 من هذا الباب.
16- . الذكرى، ج 2، ص 302 .
17- . مسند أحمد، ج 5 ، ص 55 ؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 54 55 ؛ و ج 8 ، ص 162؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 289، ح 1281؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 474 ؛ صحيح ابن خزيمة، ج 2، ص 267؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 457 ؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 273، ح 1030.
18- . سنن أبي داود، ج 1، ص 289، ح 1282. و ورد بلفظ «كنّا نصلّي» في : مسند الطيالسي، ص 285؛ المعجم الأوسط، ج 1، ص 160 . وورد بلفظ: «صلّينا» في : سنن الدارقطني، ج 1، ص 275، ح 1038.
19- . سنن أبي داود، ج 1، ص 289، ح 1284؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 476 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 256، ح 804 .
20- . المصنّف لعبد الرزّاق، ج 2، ص 426، ح 3951 ؛ و ص 433، ح 3977 ؛ مسند ابن راهوية، ج 3 ، ص 894 ، ح 1031؛ كنز العمّال، ج 4، ص 49، ح 21812، و 21813، و ص 181، ح 22473.
21- . الذكرى، ج 2 ، ص 300 .
22- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 48.
23- . عنه في الذكرى، ج 2، ص 367 ؛ و مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 75.
24- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 50 ؛ المعتبر، ج 2، ص 60؛ جامع المقاصد، ج 2، ص 34 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 148؛ مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 104؛ الحدائق الناضرة، ج 6، ص 304 .
25- . في المصدر: «ولا مقارن».
26- . فتح العزيز، ج 3 ، ص 109.
27- . منتهى المطلب، ج 4، ص 139. و مثله في تحرير الأحكام، ج 1 ، ص 180.
28- . المبسوط، ج 1، ص 76.
29- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 57 .
30- . الاقتصاد، ص 256 257.
31- . فتح العزيز، ج 3، ص 102 105.
32- . هو الحديث 8 من هذا الباب.
33- . هو الحديث 9 من هذا الباب.
34- . الاستبصار، ج 1 ، ص 290، ح 1065؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 235 236، ح 5016 .
35- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 174، ح 695؛ الاستبصار، ج 1، ص 290، ح 1066؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 235، ح 5017 .
36- . مسند أحمد، ج 4، ص 111 و 112؛ الأحاديث الطوال للطبراني، ص 37 ؛ مسند الشاميّين، ج 1، ص 86 87 ، ح 1847؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 46، ص 258.
37- . السنن الكبرى، ج 2، ص 454 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 2 ، ص 262؛ مسند الشافعي، ص 166؛ سنن النسائي، ج 1، ص 275؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 482، ح 1542.
38- . تقدّم تخريجه . و كان في الأصل: «ترفع» و التصويب من مصادر الحديث.
39- . صحيح البخاري، ج 1، ص 145؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 207 نحوه؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 451 ؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 333 ؛ مسند الطيالسي، ص 7؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 288، ح 1276؛ كنز العمّال، ج 8 ، ص 179، ح 22465.
40- . صحيح البخاري، ج 1، ص 146؛ مسند أحمد، ج 3 ، ص 45 و 95؛ مسند أبييعلى، ج 2، ص 489، ح 352 .
41- . صحيح مسلم، ج 2، ص 207 208؛ مسند أبييعلى، ج 10، ص 49 50 ، ح 5683 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 2، ص 249، الباب 189، ح 10؛ شرح معاني الآثار، ج 1، ص 152 153 . وورد بمغايرة جزئيّة في: مسند أحمد، ج 2، ص 19 و 106، صحيح البخاري، ج 1، ص 145؛ سنن النسائي، ج 1، ص 279؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 484، ح 1550؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 453 ؛ المعجم الكبير، ج 12، ص 254؛ كنز العمّال، ج 7، ص 415، ح 19587.
42- . صحيح مسلم، ج 2، ص 207 . و رواه الشافعي في مسنده، ص 166، و أحمد في مسنده، ج 2 ، ص 462.
43- . الاستبصار، ج 1، ص 289 290، ح 1059؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 173، ح 688؛ و ص 275، ح 1091؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 235 236، ح 5020 .
44- . الفقيه، ج 1، ص 497 498 ، ح 1427. و عنه الشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 1، ص 291 ، ح 1067؛ و تهذيب الأحكام، ج 2 ، ص 175، ح 697؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 236، ح 5023 .
45- . كتاب الاُمّ، ج 7، ص 176 177؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 459 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 2، ص 280؛ كنز العمّال، ج 8 ، ص 245، ح 22757 عن ابن جرير.
46- . منتهى المطلب، ج 4، ص 140، ولم يرد فيه أنّهم رووا فعل علي عليه السلام لذلك، بل ورد فيه: «و هو مرويّ عن الزبير و ابنه و النعمان بن بشير و أبي أيّوب و عائشة...»، و هذه العبارة ظاهرة في أنّهم أيضا يفعلون ذلك بعد العصر . اُنظر: المحلّى، ج 3 ، ص 2 3 ؛ المصنّف، ج 2، ص 434، ح 3979 .
47- . مسند أحمد، ج 6، ص 293، و 310 ؛ المسند للشافعي، ص 85 ، و 167؛ السنن الكبرى، ج 2، ص 457، و ص 484 485 ؛ مسند الحميدي، ج 1، ص 141؛ مسند ابن راهويه، ج 4، ص 179، ح 1970؛ منتخب مسند عبد بن حميد ، ص 442، ح 1531؛ الآحاد والمثاني، ج 5 ، ص 425، ح 3084 ؛ صحيح ابن خزيمة، ج 2، ص 761؛ شرح معاني الآثار، ج 1، ص 302 ؛ المعجم الكبير، ج 23، ص 248، و 258، و 273، و 290.
48- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 458 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 2، ص 772.
49- . الناصريّات، ص 199.
50- . الجمل والعقود، ص 61.
51- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 58 .
52- . النهاية، ص 82 .
53- . المقنعة، ص 212.
54- . الخلاف، ج 1، ص 520 ، المسألة 263.
55- . كتاب الاُمّ، ج 1، ص 174؛ مختصر المزني، ص 19؛ المغني لابن قدامة، ج 1، ص 759؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 805 .
56- . المعتبر، ج 2، ص 60؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 58 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 338 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 153.
57- . اُنظر: الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 444 ؛ المغني، ج 1، ص 396 .
58- . الفقيه، ج 1، ص 496 497، ح 1427.
59- . كذا في الأصل، و الظاهر عدم تماميّة هذه النسبة؛ لأنّ كتاب «افعل ولا تفعل» الذي ينقل عنه هذا المطلب، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن النعمان المسمّى بمؤمن الطاق ، من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، لا للشيخ المفيد. قال النجاشي في ترجمة محمّد بن عليّ بن النعمان من رجاله، ص 325 ، الرقم 886: «و له كتاب افعل لا تفعل . رأيته عند أحمد بن الحسين بن عبيداللّه رحمه الله ، كتاب كبير حسن...». و انظر: كشف الحجب والأستار، ص 424، الرقم 2339؛ الذريعة، ج 2، ص 261، الرقم 1061.
60- . في الأصل: «أدرك» ، و التصويب من المصدر.
61- . مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 108 109.
62- . صحاح اللغة، ج 2، ص 663 (ذرر)
63- . القاموس المحيط، ج 1، ص 332 (كبد) .
64- . في هامش الأصل : «يوقفك خ ل» .

ص: 456

. .

ص: 457

. .

ص: 458

. .

ص: 459

. .

ص: 460

. .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

. .

ص: 464

. .

ص: 465

. .

ص: 466

. .

ص: 467

باب من نام عن الصلاة أو سها عنها

باب من نام عن الصلاة أو سها عنهاأراد قدّس سرّه بيان وجوب القضاء إذا تركت الصلاة الواجبة عمدا أو نسياناً أو بالنوم ، أو صلّيت بغير طهارة من الحدث وإن تكثّرت ؛ ردّا على بعض العامّة ، فقد نقل طاب ثراه عن بعضهم أنّ الناسي لا يقضي ما كثر للمشقّة ، كما أنّ الحائض لا تقضيها لهذه العلّة ، وحكى عن مالك وأبي عبد الرحمان الشافعي أنّ المتعمّد لترك الصلاة أو ترك شرط من شرائطها لا تقضى (1) ؛ محتجّاً بقوله عليه السلام : «من نام عن الصلاة أو نسيها فليقضها» (2) ، ثمّ قال : والجواب عنه : أنّ دليل الخطاب ليس بحجّة ، لا سيما إذا تصوّر له فائدة اُخرى كالتنبيه من الأدنى إلى الأعلى ؛ لأنّه إذا قضى الناسي مع عدم الإثم فالمتعمّد أحرى به . ولو قاسوا ذلك على قتل الصيد عمدا، فالجواب أنّ هذا القياس ليس بأولى من القياس بالأولويّة المذكورة ، والأخبار من الطريقين شاهدة على الأوّل ، ذكر في الباب بعضها ، وقد سبق بعض آخر . ثمّ رتّب المصنّف عليه أحكاماً: الأوّل : استحباب الأذان والإقامة لأوّل الورد ، ثمّ الإقامة وحدها للبواقي مع تعدّده . ويدلّ عليه حسنة حريز عن زرارة (3) ، ويأتي تمام القول فيه في باب الأذان والإقامة . الثاني: ترتّب الفائتة على الحاضرة في السعة ، وقد اختلف الأصحاب فيه ، وهذا الخلاف مبنيّ على الخلاف في تضيّق وقت الفائتة عند الذكر وتوسعته ، فذهب الشيخان (4) وابن إدريس (5) إلى الأوّل ، وحكاه في المختلف (6) عن السيّد المرتضى في الجمل (7) وفي المسائل الرسّيّة (8) ، وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلاّر (9) وابن البرّاج (10) وأبي الصلاح (11) حتّى أنّ السيّد (12) وابن إدريس (13) منعا من الاشتغال بغيرها من المباحات عند الذكر ، بل عن أكل ما يزيد عن سدّ الرمق وغيره من المندوبات والواجبات الموسّعة . وهو منقول عن أبي حنيفة ومالك وأحمد (14) . وعلى ما ذهبوا وجب تقديم الفائتة على الحاضرة مع السعة ، تعدّدت أم اتحدّدت ، ليوم الذكر كانت أو لغيرها . وقد صرّح جماعة منهم بذلك (15) . ولو صلّى الحاضرة بعد الذكر في سعة قبل القضاء وجب إعادتها ؛ لكونها منهيّاً عنها ، والنهي في العبادات يوجب الفساد . وقد صرّح بذلك السيّد (16) على ما نقل عنه في المختلف (17) . واحتجّ هؤلاء على ما ذهبو إليه بقوله تعالى : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (18) بناءً على أنّ المراد بالصلاة الفائتة وبالذكر ذكر فواتها ، وأنّ اللّام للتوقيت كما يشعر به رواية عبيد بن زرارة (19) ، [عن أبيه]. ومثلها ما رواه مسلم عن أنس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلّها إذا ذكرها ، فإن اللّه عزّ وجلّ يقول : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (20) . واحتجّوا أيضاً بحسنتي زرارة (21) وخبر أبي بصير (22) ورواية صفوان بن يحيى (23) ، وقد عدّها العلّامة صحيحاً (24) ، وفيه نظر . ويؤيّدها بعض آخر من أخبار الباب ، وبما سبق ممّا رويناه عن الشيخ عن زرارة وغيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال : «يصلّيها إذا ذكرها في أيّة ساعة ذكرها ليلاً أو نهارا». (25) وعن نعمان الرازي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاته شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها، قال : «فليصلّ حين ذكره» (26) . وأيّدوها بالاحتياط . وذهب بعض الأصحاب إلى الثاني ، وهو مختار الصدوقين (27) ، ونسبه العلّامة في المختلف (28) اءلى والده وأكثر معاصريه من المشايخ ، بل عدّ الصدوق تقديم الحاضرة (29) أولى . والمشهور عند هؤلاء استحباب تقديم الحاضره ؛ لعموم ما دلّ على أفضليّة فعل الفرائض في أوّل أوقاتها ، على ما سبق . وخصوص ما رواه الشيخ في كتابي الأخبار في الصحيح عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن نام رجل ونسى أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصلّيهما كليهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ، ثمّ المغرب ، ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس» (30) . وروى مثله في الصحيح عن أبي بصير عنه عليه السلام (31) . وعن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: يفوت الرجل الاُولى والعصر والمغرب ، وذكر ذلك عند العشاء الآخرة. قال : «يبدأ بالوقت الّذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل ، ثمّ يقضي ما فاته الأوّل فالأوّل» (32) . ويؤيّدها أصالة البراءة . وربّما احتجّ عليه بعموم قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (33) بناءً على دلالته على التخيير بين كلّ جزء من أجزاء الوقت ، فيكون تخصيص أحد الأجزاء به ترجيحاً من غير مرجّح ، وبقوله سبحانه : «أَقِيمُوا الصَّلَوةَ» (34) بالتقريب المذكور. وفيه: أنّ الظاهر أنّهما على ما سبق . وقد أجاب العلّامة عن احتجاج الأوّلين بمنع كون اللّام في الآية للتوقيت ؛ لاحتمال إرادة أقم الصلاة لطلب ذكري لا غير ، بل عدّه أرجح ؛ لإشعاره بأنّها عبادة لابدّ من كونها خالصة له سبحانه ، ثمّ بالمنع من حملها على الفائتة ، وجوّز حملها على الحاضرة ، بل عدّه أولى؛ لندرة الفائتة ، وبمنع دلالتها على التضيّق لو سلم إرادة الفائتة منها ؛ مستندا بأن وجوبها عند الذكر أعمّ من كونه مضيّقا أو موسّعاً . وقال : «هذا الأخير هو الجواب عن الروايات» . وعن الاحتياط بأنّه معارض بأصالة البراءة، والاحتياط في الحاضرة ؛ لجواز تجدّد العذر عن أدائها لو قدّم الفائتة ، وبالأمر بالمسارعة إلى تقديم الصلاة في أوّل وقتها ، وبأنّ الاحتياط لا يقتضي الوجوب ، وإنّما يقتضي الأولويّة ، ونحن نقول بها ؛ إذ عندنا الأفضل تقديم الفوائت (35) . وقال في المختلف (36) بمضايقة وقت فائتة اليوم واحدة كانت أو متعدّدة ، وجواز تقديم الحاضرة على فائتة غيره ، وأراد باليوم النهار والليلة المستقبلة . واحتجّ على الأوّل بما رواه المصنّف من حسنة حريز عن زرارة (37) ، وخبر صفوان بن يحيى (38) ، وعدّهما صحيحين ؛ بناءً على ما ستعرفه وتعرف ما فيه . ويردّه عموم ما ذكر من الأخبار ، وخصوص خبر جميل بن درّاج المتقدّم (39) . وعلى الثاني بعموم قوله سبحانه : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ...» (40) ، الآية، وبصحيحتي عبد اللّه بن سنان (41) وأبي بصير (42) المتقدّمتين . وبرواية عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل تفوته المغرب حتّى تحضره العتمة ، فقال «إن حضرت العتمة وذكر أنّ عليه صلاة المغرب ، فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ ، وإن أحبّ بدأ بالعتمة ، ثمّ صلّى المغرب بعدها» (43) ، بناءً على أنّ المراد بالمغرب مغرب غير ذلك اليوم ، وعدم جواز إرادة مغرب ذلك اليوم ؛ لأنّ وقت العتمة إن كان مضيّقاً وجب تقديمها ، وإلّا وجب تقديم المغرب ، فلا يتأتّى التخيير أصلاً. وحمل عليه صحيحة سعد بن سعد ، قال : قال الرضا عليه السلام : «يا فلان ، إذا دخل الوقت عليك فصلّها ، فإنّك لا تدري ما يكون» (44) . وذهب المحقّق إلى وجوب تقديم الفائتة المتّحدة دون المتعدّدة (45) . وربّما استدلّ لكلّ من هذه الأقوال بأدلّة عقليّة ضعيفة لا طائل تحتها ، وأنت خبير برجحان قول الصدوقين ؛ لدلالة أخبار كثيرة مشتملة على الصحاح عليه . وما عارضها من الأخبار أكثرها غير نقي السند ، ومع ذلك طريق الجمع يقتضي حمل هذه على الاستحباب ، فهو أظهر لا سيما في فائتة اليوم والفائتة الواحدة مع سعة وقت الحاضرة. وأمّا مع تضيّقه فلا ريب في عدم جواز تقديم الفائتة . ولو ظنّ سعة وقت الحاضرة ودخل في الفائتة فظهر التضيّق، فقد نقل طاب ثراه أنّه قال في النهاية : «عدل إلى الحاضرة مع الإمكان ، فإن تعذّر قطعها وصلّى الحاضرة إن بقي من الوقت مقدار ركعة ، ولو كان أقلّ أتمّ وقضى الحاضرة» (46) . الثالثة: ترتّب الفوائت بعضها على بعض ، وقد أجمع الأصحاب على وجوبه إذا علم الترتيب (47) ، ونسبه في المنتهى (48) إلى أحمد وأبي حنيفة (49) . ويدلّ عليه حسنة حريز عن زرارة (50) ، وما رويناه من صحيحتي ابن سنان (51) وأبي بصير (52) ، وخبر جميل (53) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء ، وكان عليك قضاء صلوات ، فابدأ بأوّلهنّ ، فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة» (54) . وبأنّها فاتت مرتبة، فوجب قضاؤها كذلك ، لقوله عليه السلام : «من فاتته صلاة فريضة فليقضها» (55) . وفيه تأمّل . واستدلّ أحمد بما نقلوه عنه صلى الله عليه و آله أنّه فاتته أربع صلوات فقضاهنّ مرتّبات ، وقد قال : «صلّوا كما رأيتموني» (56) ، فقد نقلوا عن أبي عبيدة بن عبد اللّه عن أبيه: أنّ المشركين شغلوا النبيّ صلى الله عليه و آله عن أربع صلوات يوم الخندق حتّى ذهب من الليل ما شاء اللّه ، قال : فأمر بلالاً فأذّن وأقام وصلّى الظهر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى العصر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى المغرب ، ثمّ أمره فأقام فصلّى العشاء (57) . وهذا الخبر مردود ؛ لأنّ ما اشتهر بينهم أنّه صلى الله عليه و آله قال : «لعن اللّه المشركين شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» (58) . وقد سبق ، وظاهره اشتغالهم عن صلاة العصر فقط ، فتأمّل. وأمّا مع جهل الترتيب، فقد ذهب جماعة منهم العلّامة في التحرير (59) والقواعد (60) حيث جعل التكرير أحوط ، والشهيد في أكثر كتبه إلى سقوط الترتيب (61) ، وهو منقول عن أبي حنيفة (62) . وأوجب في الذكرى تقديم ما ظنّ سبقه معلّلاً بأنّه راجح ، فلا يعمل بالمرجوح (63) . وزاد في الدروس : الوهم (64) . وذهب الأكثر إلى وجوبه محتجّين بعموم خبري زرارة المتقدّمين ، وبما تقدّم من قوله عليه السلام : «فليقضها كما فاتته» ، فقالوا بوجوب تكرير الفوائت إلى أن يحصل الترتيب بيقين . وصرّحوا بأنّه يصلّي ظهرا بين عصرين أو بالعكس لو فاتتا من يومين ، وصلّى الثلاث قبل المغرب وبعدها لو فاتت أيضاً من ثالث ، والسبع قبل العشاء وبعدها لو فاتت أيضاً من رابع، والخمس عشرة قبل الصبح وبعدها لو فاتت أيضاً من رابع ، والخمس عشرة قبل الصبح وبعدها لوفاتت ايضا من خامس، وهكذا (65) . والأظهر الأوّل ؛ للزوم الحرج والعسر المنفيّين إذا تكثّرت . وأمّا الخبران فعمومهما ممنوع ، بل ظاهرهما في صورة العلم بالترتيب . والمتبادر من قوله : «فليقضها كما فاتته» قضاؤها تماماً وقصرا لا من كلّ جهة ، وإلّا لوجب قضاء ما فات عن المريض جالساً ومضطجعاً ، ولم يقل به أحد . وذهب الشافعي إلى سقوطه مطلقاً وإن علمه؛ قياساً على قضاء رمضان (66) ، وهو كما ترى. وهل يترتّب الفائتة غير اليوميّة من الفرائض كالمنذورة وصلاة الآيات وغيرهما على اليوميّة؟ نسبه طاب ثراه إلى بعض الأصحاب ، وقال العلّامة في القواعد : «لا ترتيب بين الفرائض اليوميّة وغيرها من الواجبات ، ولا بين الواجبات أنفسها» (67) . وهو الأظهر لانتفاء دليل على الترتيب فيها ، فإنّ الأخبار الواردة في الترتيب ظاهرها اليوميّة ، والأصل العدم . قوله في حسنة زرارة (68) : (لأنّهما جميعاً قضاء) . [ح 1 / 4892] تعليل للأمر بالابتداء بالاُولى ، والغرض أنّه ليس تقديم الاُولى موجباً لفوات الثانية كما في تقديم المغرب على الغداة . وقوله عليه السلام : «فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس» لبيان جواز تأخير القضاء للاشتغال بتعقيب صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ، فإنّه أفضل من القضاء ، فلا ينافي ما سبق من عدم كراهية القضاء في الأوقات المكروهة . قوله في خبر عبيد بن زرارة : (فإنّ اللّه تعالى يقول : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (69) ) . [ح 4 / 4895] قال طاب ثراه: المصدر إمّا مضاف إلى الفاعل، فقيل : معناه لذكري إيّاها في الكتب السالفة وأمري بها . وقيل : لذكري لك بالمدح والثناء. أو إلى المفعول، فقيل : معناه لذكرك إيّاي خاصّة ، لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري . وقيل : لأوقات ذكري ، وهي مواقيت الصلاة ، واللّام للتوقيت كما في قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ...» (70) . وقيل : لذكر صلاتي (71) ، وهذا أنسب بسياق الحديث . ثمّ قال : قيل : فيه دلالة على حجّيّة شرع مَن قبلنا ؛ لأنّ الآية إنّما خوطب بها موسى عليه السلام ، واُجيب بأنّ الخلاف فيها إنّما يكون في احتجاج غير الشارع به ، أمّا احتجاجه به فهو إدخال في شريعته . قوله في خبر سماعة : (فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رقد عن صلاة الفجر) إلخ. [ح 8 / 4899] قال طاب ثراه: هذه الحكاية مذكورة في طرق العامّة بطرق متعدّدة : منها : ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، قال : عرّسنا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلم نستيقظ حتّى طلعت الشمس ، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم : «ليأخذ كلّ رجل برأس راحلته ، فإنّ هذا منزل حضرنا فيه الشيطان». قال : ففعلنا ، ثمّ دعا بماء فتوضّأ ثمّ سجد سجدتين . قال يعقوب _ وهو من رجال السند _ : ثمّ صلّى سجدتين ، ثمّ اُقيمت الصلاة فصلّى الغداة (72) . واختلفوا في توجيه الانتقال والتنحّي ، فقيل : لأنّ الشمس كانت طلعت فأمرهم بالانتقال حتّى ترتفع . وقيل : الوجه ما أشار إليه بقوله: «هذا منزل حضرنا فيه الشيطان» (73) . وقيل : إنّه أثقل كراهية للموضع الّذي أصابتهم فيه الغفلة كما نهى عن الصلاة بأرض بابل ؛ معلّلاً بأنّها ملعونة (74) . وقيل : لتقوم بحركة الرحيل من غمرة النوم ، ويأخذ في اُهبة الصلاة . وقيل : الأمر بذلك منسوخ بقوله تعالى : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (75) . واعترض عليه بأنّ الآية مكيّة والقضيّة بعد الهجرة بأعوام (76) . ثمّ قال : بقى هنا شيء، وهو : أنّ هذا ينافي ما ورد من طرق العامّة والخاصّة من قوله عليه السلام : «تنام عيني ولا ينام قلبي» (77) ، فقيل : المعنى : ولا ينام قلبي في الأكثر ، ولا ينافي منامه نادرا لمصلحة لما أراد اللّه عزّ وجلّ من بيان القضاء ، قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «فصارت اُسوة وسنّة» (78) . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ما ذكر في كتب العامّة: «ولو شاء اللّه لأيقظنا ، ولكن أراد اللّه أن يكون سنّة لمن بعدكم» (79) . وقيل : المعنى لا يستغرقه النوم حتّى يحدث منه حدث . وقال محيي الدين : وعندي أنّه لا تعارض بينهما ، لأنّه أخبر أنّ عينيه تنامان وهما اللّتان نامتا هنا ؛ لأنّ طلوع الفجر إنّما يُدرك بالعين لا بالقلب . وقال المازري: إنّه يريد بذلك الجواب أنّ القلب إنّما يُدرك به الحسّيّات المتعلّقة به كالآلام ، والفجر لا يُدرك به وإنّما يُدرك بالعين (80) . قوله في خبر سعيد الأعرج : (وقالوا : لا تفرغ بصلاة (81) ) . [ح 9 / 4900] قال طاب ثراه : هذا استفهام للتوبيخ والتقريع ، أي تفرغ لفوات صلاتك خوفاً من الإثم بالتفريط .

.


1- . اُنظر: بداية المجتهد، ج 1، ص 146.
2- . سنن الدارمي، ج 1، ص 280؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 114، ح 177 و 187 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 294 ؛ مسند الشافعي، ص 166؛ مسند أحمد، ج 3 ، ص 243، و 269؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 138 و 142؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 227، ح 697، و ص 228، ح 698؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 107، ح 435، و ص 109، ح 442 ؛ سنن النسائي، ج 1، ص 293 و 296 ؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 493، ح 1582، و ص 494، ح 1586؛ مسند أبييعلى، ج 5 ، ص 241240، ح 2854، و ص 242، ح 2856، و ص 409 ، ح 3086 ؛ صحيح ابن خزيمة، ج 2، ص 96 و 97 و 255 ؛ مسند ابن الجعد، ص 455 ؛ السنن الكبرى، ج 2، ص 217 و 218 و 230 و 456. و غالبها خالية عن فقرة النوم، و في الجميع: «فليصلّها» بدل «فليقضها».
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
4- . قاله الشيخ المفيد في المقنعة، ص 211 ؛ و الشيخ الطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 126.
5- . السرائر، ج 1، ص 272.
6- . مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 3 6.
7- . رسائل المرتضى، ج 3، ص 38.
8- . رسائل المرتضى، ج 2، ص 364 .
9- . المراسم، ص 88 .
10- . المهذّب، ج 1، ص 125.
11- . الكافي في الفقه، ص 149 150.
12- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى)، ج 3 ، ص 38 .
13- . السرائر، ج 1، ص 274.
14- . فتح العزيز، ج 3 ، ص 524 و 525 .
15- . اُنظر: فتح العزيز، ج 3 ، ص 526 ؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 70؛ المغني، ج 1، ص 267؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 132.
16- . رسائل المرتضى، ج 2، ص 364 .
17- . مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 4.
18- . طه (20) : 14 .
19- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
20- . صحيح مسلم، ج 2، ص 142. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 2، ص 456 ؛ و في معرفة السنن والآثار، ج 2، ص 268؛ و أبويعلي في مسنده، ج 5 ، ص 465.
21- . هما حديثان 1 و 3 من هذا الباب.
22- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
23- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
24- . مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 6.
25- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 171، ح 681؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 284، ح 5172 .
26- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 171، ح 680؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 244، ح 5045 .
27- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 140؛ الفقيه، ج 1، ص 355 ، ذيل ح 1029.
28- . مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 5 .
29- . هذا هو الظاهر الموافق لقولهم و للأدلّة المذكورة بعده، و في الأصل: «الفائتة»، فالتصويب حسب السياق و الأدلّة.
30- . الاستبصار، ج 1، ص 288، ح 1053 ، و فيه: «ابن مسكان» بدل «ابن سنان»؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270، ح 1076؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 288، ح 5182 .
31- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270، ح 1077 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 288، ح 1054 ؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 288، ح 5181 .
32- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 352 353 ، ح 1462؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 257، ح 10578.
33- . الإسراء (17) : 78 .
34- . البقرة (2) : 43، و 83 ، و 110؛ النساء (4) : 77؛ الأنعام (5) : 72؛ يونس (10) : 87 ؛ النور (24) : 56 ؛ الروم (30) : 31 ؛ المزمّل (73) : 20. و تقريب الاستدلال بهاعلى ما في مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 9 : إنّ الأمر للوجوب ولا وجوب لغير الفرائض المعيّنة ، فيتعيّن الأمر بها، و إيجابها عامّ فلا يتخصّص بوقت ولا بحال إلّا بدليل.
35- . مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 17 18.
36- . مختلف الشيعة، ج 3 ، ص 6.
37- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
38- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
39- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 352 353 ، ح 1462؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 257، ح 1058.
40- . الإسراء (17) : 78.
41- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270، ح 1077؛ الاستبصار، ج 1، ص 288، ح 1053 ، و فيه «ابن مسكان» بدل «ابن سنان» . وسائل الشيعة، ج 4، ص 288، ح 5182 .
42- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270، ح 1077؛ الاستبصار، ج 1، ص 288، ح 1054، وسائل الشيعة، ج 4، ص 288، ح 5186 .
43- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 271، ح 1079؛ الاستبصار، ج 1، ص 288، ح 1055؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 288 289، ح 5183 .
44- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 272، ح 1082؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 119 ، ح 4674.
45- . حكاه عنه في مدارك الأحكام، ج 4، ص 298.
46- . نهاية الإحكام، ج 1، ص 324 .
47- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 4 ، ص 296.
48- . تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 351 352 .
49- . اُنظر: المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 154؛ فتح العزيز، ج 3 ، ص 525 526 و 527 ؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 70.
50- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
51- . وسائل الشيعة ، ج 4، ص 288، ح 5182 .
52- . نفس المصدر، ح 5186 .
53- . وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 257، ح 10578.
54- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 158، ح 340 . و هذا نفس الحديث الأوّل من هذا الباب . وسائل الشيعة، ج 4، ص 290، ح 5187 .
55- . المعتبر، ج 2، ص 323 و 331 و 332 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 352 ؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 445 ؛ و ج 2، ص 266 و 291؛ الذكرى، ج 2، ص 190؛ عوالى اللآلي، ج 3 ، ص 107، ح 150.
56- . مسند الشافعي، ص 55 ؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 286؛ صحيح البخاري؛ ج 1، ص 155؛ و ج 7، ص 77؛ و ج 8 ، ص 133؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 345 ؛ و ج 3 ، ص 120؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 6؛ صحيح ابن خزيمة، ج 1، ص 206 و 295؛ صحيح ابن حبّان، ج 4، ص 541 و 543 ؛ و ج 5 ، ص 191 و 504 ؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 279، ح 1055 و 1056، و ص 338 339 ، ح 1296.
57- . سنن الترمذي، ج 1، ص 115، ح 179؛ سنن النسائي، ج 2، ص 17 18؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 1، ص 403.
58- . مسند أحمد، ج 1، ص 113 و ح 1146؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 112؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 220؛ الحدّ الفاصل، ص 235، ح 131.
59- . تحرير الأحكام، ج 1، ص 309 .
60- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 331 .
61- . الألفيّة و النفليّة، ص 76؛ البيان، ص 152؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 37 .
62- . فتح العزيز، ج 3 ، ص 526 527 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 1، ص 244؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 134؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 147.
63- . الذكرى، ج 2، ص 434.
64- . الدروس، ج 2، ص 84 .
65- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 4، ص 297 . و العبارات المذكورة هنا منه.
66- . بداية المجتهد، ج 1، ص 147؛ عمدة القاري، ج 5 ، ص 91؛ الاستذكار، ج 1، ص 90؛ فتح العزيز، ج 3 ، ص 525 ؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 128؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 231؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 147.
67- . قواعد الأحكام، ج 11، ص 311 . و نحوه في تحرير الأحكام، ج 1، ص 309 .
68- . في هامش الأصل: «وعدّها العلّامة صحيحة بناء على توهّم ابن بزيع من محمّد بن إسماعيل، و قد مرّ مرارا أنّ محمّد بن إسماعيل الذي روى المصنّف عنه هو البندار النيسابوري. منه طاب ثراه».
69- . طه (20) : 14.
70- . الإسراء (17) : 78.
71- . اُنظر : الكشّاف، ج 2، ص 532 ؛ جوامع الجامع، ج 2، ص 478 ؛ تفسير الرازي، ج 22، ص 20؛ تفسير البيضاوي، ج 4، ص 44 ؛ بحارالأنوار، ج 85 ، ص 288.
72- . صحيح مسلم، ج 2، ص 138. و رواه أحمد في مسنده، ج 2، ص 429 ؛ و النسائي في سننه، ج 1، ص 298؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 2، ص 218، و 484483 ؛ و ابن أبي شيبة في المصنّف، ج 1، ص 513 ، باب الرجل ينسى الصلاة أو ينام عنها، ح 3 ؛ و ج 8 ، ص 371 ؛ كتاب الردّ على أبي حنيفة، الباب 14، ح 4 ؛ و أبو يعلى في مسنده، ج 11، ص 72، ح 6208.
73- . تنوير الحوالك، ص 34 ، المحلّى، ج 3 ، ص 26 27.
74- . شرح المازندراني، ج 5 ، ص 62. و حديث النهي عن الصلاة في أرض بابل تجده في : سنن أبي داود، ج 1، ص 118، ح 490 ؛ و السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 451 ؛ كنز العمّال، ج 8 ، ص 193، ح 22512.
75- . طه (20) : 14.
76- . عمدة القاري، ج 4، ص 29.
77- . مسند أحمد، ج 2، ص 251 و 438 ؛ صحيح البخاري، ج 4، ص 168؛ صحيح ابن حبّان، ج 3 ، ص 297؛ المنتقى من السنن، ص 16.
78- . هذا فقرة من الحديث 9 من هذا الباب.
79- . الاستذكار، ج 1، ص 76 ؛ التمهيد، ج 6، ص 392 ؛ عمدة القاري، ج 4، ص 28؛ الشفاء، ج 2، ص 154؛ نصب الراية، ج 2، ص 183 . و نحوه في السنن الكبرى للنسائي، ج 5 ، ص 268، ح 8854 .
80- . شرح المازندراني، ج 5 ، ص 62.
81- . كذا ، والموجود في الكافي : «وقالوا : لا تتورّع لصلواتك» .

ص: 468

. .

ص: 469

. .

ص: 470

. .

ص: 471

. .

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

. .

ص: 475

. .

ص: 476

. .

ص: 477

. .

ص: 478

باب بناء مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله

باب بناء مسجد النبيّ صلى الله عليه و آلهأي بيان كميّة ساحته وارتفاع جدرانه ، وكيفيّة وضع اللبن في بنائها والتغييرات الواقعة فيه. قال طاب ثراه: كان مسجد رسول اللّه عليه السلام على هيئته الّتي كان في عهده صلى الله عليه و آله إلى أن تقلّد عثمان أمر الخلافة فغيّره . قال بعض العامّة : كسره وزاد فيه حتّى أدخل فيه بيوت أزواجه ، ومن جملتها البيت الّذي دفن فيه صلى الله عليه و آله ، واُدير على القبر المشرّف حائط مرتفع ؛ لئلّا يظهر في المسجد فيتّخذ مسجدا ، ثمّ بنوا جدارين من ركني القبر الشماليّين ووضعوهما على زواية مثلّثة من جهة الشمال حتّى لا يتصوّر استقبال القبر في الصلاة (1) . قوله في حسنة عبد اللّه بن سنان : (فاُقيمت فيه سواري) إلخ. [ح 1 / 4903] السواري : جمع سارية ، وهي الاسطوانة (2) . والعوارض : جمع العارضة ، وهي سعفة (3) النخل مع ورقها (4) . والخصف : جمع الخصفة محرّكة ، وهي حصير من خوص (5) . ويقال : وكف البيت يكفّ وكيفا ووكفا وتوكافا: قطر (6) . والعريش : البيت الّذي يستظلّ به من خشب ونبات (7) . وكلمة «لا» الداخلة عليه نفي لما سأله السائل.

.


1- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 5 ، ص 14؛ نيل الأوطار، ج 2، ص 140.
2- . النهاية، ج 2، ص 365 (سري) .
3- . في هامش الأصل: «سعفة: شاخ»!
4- . اُنظر: صحاح اللغة، ج 3 ، ص 1086 (عرض) .
5- . تاج العروس، ج 127 ص 174 (خصف) .
6- . القاموس المحيط، ج 3 ، ص 206 (و كف) .
7- . اُنظر: النهاية، ج 3 ، ص 207 ؛ مختار الصحاح، ص 223؛ مجمع البحرين، ج 3 ، ص 153 (عرش) .

ص: 479

باب ما يستر به المصلّي ممّن يمرّ بين يديه .

باب ما يستر به المصلّي ممّن يمرّ بين يديهاتّفق أهل العلم إلّا ما سيحكى على استحباب السترة بين المصلّي والمارّة ؛ لأخبار متظافرة من الطريقين : منها : ما رواه المصنّف قدس سره من صحيحة معاوية بن وهب (1) وخبري أبي بصير (2) . ومنها : خبر عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وضع قلنسوة وصلّى إليها» (3) . ومن طريق العامّة ما رواه في المنتهى عن أبي جحيفة (4) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ركزت له العنزة ، فتقدّم وصلّى الظهر ركعتين ، يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يمنع (5) . وعن طلحة بن عبيد اللّه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذ وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخّرة الرحل فليصلّ ولا يبال من وراء ذلك» (6) . وحُملت تلك الأخبار على الاستحباب ؛ استنادا إلى الإجماع على عدم الوجوب . ويدلّ عليه مرفوعة محمّد بن مسلم (7) ، وما روته العامّة من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى بمكّة وليس بينه وبين المطاف سترة (8) . وعن ابن عبّاس ، قال : أقبلت على حمار أتان والنبيّ صلى الله عليه و آله يصلّي بالناس بمنى إلى غير جدار (9) . وعنه أنّه قال صلّى النّبي صلى الله عليه و آله في فضاء ليس بين يديه شيء (10) . وعن الفضل بن العبّاس، قال : كنّا ببادية فأتانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه العبّاس ، فصلّى في صحراء وليس بين يديه سترة ، وكلب وحمار لنا يعبثان بين يديه ما يأبى ذلك (11) . وإطلاق الأخبار والفتاوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين مكّة وغيرها . وحكى في المنتهى (12) عدم استحباب السترة بمكّة محتجّاً بما ذكر من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله فيها . ودفعه واضح. ونقل الشهيد في الذكرى (13) عن العلّامة أنّه قال في التذكرة : لا بأس أن يصلّي في مكّة إلى غير سترة ؛ معلّلاً بما ذكر ، وبأنّ الناس يكثرون هناك لأجل المناسك ويزدحمون به ، وبه سمّيت بكّة ؛ لتباكّ الناس ، فلو منع المصلّي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس. قال : وقال : «وحكم الحرم كلّه كذلك». واحتجّ عليه بما تقدّم من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله بمنى ، وبأنّ الحرم محلّ المشاعر والمناسك (14) . أقول : على ذلك لا يختصّ الحكم بالحرم بل يجري في عرفات ، بل في غيرها أيضاً من مواضع اجتماع الناس للعبادة . والظاهر أنّ مراده نفي تأكّد الاستحباب لا نفيه رأساً ؛ للجمع بين ما ذكر وما روى في الذكرى عن صحاح العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بالأبطح ، فركّزت له عنزة، وعن أنس وأبي جُحَيْفَة (15) . ونعم ما قال الشهيد : «ولو قيل : السترة مستحبّة مطلقاً ، ولكن لا يمنع المارّ في مثل هذه الأماكن لما ذكر ، كان وجهاً» (16) . ونقل طاب ثراه عن ابن عبد السلام القول بوجوبها، وعن بعض علمائهم أنّه قال : إنّما أخذ الوجوب من التأثيم بمرور المارّة بين يديه . وردّه بعضهم بأنّهم اتّفقوا على أنّه لا يأثم بتركها إن لم يمرّ بين يديه أحد ، فلو كانت واجبة لأثم بتركها مطلقاً. انتهى . واتّفقوا على أنّه لا يقطع صلاته مرور المارّة بين يديه ؛ لأصالة عدم القطع، وانتفاء دليل عليه، بل قد ورد التصريح بعدمه في خبر ابن يعفور ، وخبر أبي بصير (17) الّذي بعده . وما رواه الصدوق من أنّه صلى الله عليه و آله كان يصلّي وعائشة معترضة بين يديه (18) . وما رواه جمهور العامّة عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يقطع الصلاة شيء ، وادرأوا ما استطعتم فإنّما هو شيطان» (19) . وعن زينب بنت اُمّ سلمة (20) ، قالت : مررت بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله فلم يقطع صلاته (21) . وما نقلوه أنّه صلى الله عليه و آله صلّى إلى ميمونة واُمّ سلمة (22) . وفي المنتهى عن عائشة ، قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاته من الليل كلّها وأنا معترضة بينه وبين القبلة (23) . وحكى في المنتهى (24) عن أحمد في أحد الروايتين عنه : أنّه يقطعها الكلب الأسود ، وفي رواية اُخرى : والمرأة والحمار أيضاً (25) ؛ متمسّكاً بما رواه أبو هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخّرة الرحل» (26) . وهو مع ضعفه معارض بالأخبار المتكثّرة المتقدّمة ، وقد حمله أكثرهم على المبالغة وخوف إفساد الصلاة بالشغل بها ، وعلى أنّ معنى قطع الصلاة قطع الإقبال عليها والشغل بها ، فإنّ المرأة تفتن، والحمار يزلزل بقبح صوته ولجاجته وقلّة تأنّيه عند دفعه ، والكلب يشوّش بقبح صوته وخوف عاديته . فروع: الأوّل : قال العلّامة في المنتهى: «يستحبّ أن يدنو من سترته» (27) . واحتجّ عليه بما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أقلّ ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز ، وأكثر ما يكون مربط فرس» (28) . وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها ، لا يقطع الشيطان عليه [صلاتَه]» (29) . وبأنّ قربه من السترة أصون لصلاته ، وأبعد من أن يمرّ بينه وبينها شيء يتشاغل به عن العبادة (30) . وأظنّ أنّي رأيت في بعض الكتب المبسوطة نقلاً عن شاذّ من العامّة أنّه قدّر رمي سهم زاعماً أنّه لو رمى سهماً على المارّة في البين وقتل كان دمه هدرا (31) . وقال طاب ثراه : واختلفت العامّة في تحديده ، فقيل بما ذكر ، وقيل : قدر رمي الحجر ، وقيل : قيد رمح ، وقيل : قدر المطارد له بالسيف ، وأخذت كلّها من الأمر بمقاتلة المارّ كما ورد في بعض أخبارهم (32) ، وقيل: ما لا يشوّش المرور فيه على المصلّي ، وحدّه بنحو من عشرين ذراعاً ، وأخذ ذلك من تحديد مالك حريم البئر بما لا يضرّ البئر الآخر (33) ، وقال ابن العربي : «والجميع غلط ؛ لأنّ المصلّي إنّما يستحقّ قدر ركوعه وسجوده» (34) . الثاني : هل يجوز دفع المارّة بغير الإشارة من المشي إليه والضرب والرمي ونحوهما ؟ الظاهر لا ؛ لأنّ الغرض من السترة صيانة الصلاة عمّا ينقصها ، فكيف يجوز ما عسى أن ينقصها؟! والمراد بقوله عليه السلام : «ولكن ادرأوا ما استطعتم» في موثّق ابن أبي يعفور (35) وأضرابه: الدفع بالإشارة ونحوها. ويظهر من العلّامة في المنتهى جواز ذلك في الفلاة ، بل استحبابه ، ففيه : لو مرّ إنسان بين يدي المصلّي فالّذي يقتضيه المذهب أنّه إن كان يصلّي في طريق مسلوك فليس له أن يردّه ؛ لأنّ المكروه قد صدر عنه لا من المارّ ، وإن لم يكن كذلك بأن يكون في فلاة يمكنه السلوك بغير ذلك الطريق ، فهل يستحبّ له أن يردّه أم لا ؟ أقربه الاستحباب ؛ لأنّه يكون أمرا بمعروف مندوب (36) . ونسبه إلى الجمهور (37) . واحتجّ عليه بقوله عليه السلام : «ولكن ادرأوا ما استطعتم» . وبما رواه الجمهور عن أبي سعيد ، قال سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : «إذا كان أحدكم يصلّي إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ، فإن أبي فليقاتله ، فإنّما هو شيطان» (38) . وعن اُمّ سلمة قالت : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يصلّي في حجرتها ، فمرّ بين يديه عبد اللّه أو عمر بن أبي سلمة ، فقال بيده فرجع ، فمرّت زينب بنت اُمّ سلمة ، فقال بيده هكذا فمضت (39) . ويفهم من قوله : «يمكنه السلوك بغير ذلك الطريق» ، عدم جواز ردّه مع عدم الإمكان ، وقد صرّح بذلك في نهايته على ما قيل : إنّه قال : لو لم يجد المارّ طريقاً سواه جاز المرور ولا يدفعه المصلّي [عنه] (40) . وإطلاق كلامه يشمل ما إذا لم يضع سترة . وحكى طاب ثراه عنه أنّه قال في نهايته : «لو لم يجعل بين يديه سترة لم يكن له دفع المارّ على إشكال» (41) . وعن بعض العامّة أنّه قال : واتّفقوا على أنّ هذه المدافعة إنّما هي لمن صلّى إلى سترة أو حيث يأمن المرور . والظاهر استحباب الدفع وعدم وجوبه ، لم أجد مخالفاً له من الأصحاب ، للأصل ، ولمرفوعة محمّد بن مسلم (42) . وعن بعض العامّة أنّه قال : لو قيل بوجوب الدفع لو لم يكن إجماع على استحبابه ما بعد ، والردّ مخصوص بالمارّ، فبعد العبور لا يجوز ردّه ؛ لأنّه أمر بمرور ثان ، وبه يشعر بعض ما ذكر من الأخبار ، حيث ورد فيه : «فأراد أحد أن يجتاز أو يمرّ بين يديه فليدفعه» (43) ، وبعد العبور ليس مريدا للاجتياز ولا للمرور بين يديه . وحكاه في المنتهى (44) عن الشعبي وإسحاق (45) . وعن ابن مسعود أنّه قال : يردّه من حيث جاء؛ معلّلاً بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بردّه (46) ، ولم تثبت. وهل يضمن بالدفع بالجائز لما يوجبه من القود والديّة، أو هدر؟ لم أجد فيه تصريحاً من الأصحاب ، وظاهر بعض العامّة أنّه هدر على ما تقدّم . الثالث : يستحبّ أن تكون السترة مقدار ذراع ارتفاعاً ؛ لخبري أبي بصير (47) . وحكى في المنتهى (48) عن الثوري وأصحاب الرأي من العامّة (49) وعن الشافعي ومالك وأحمد استحباب قدر عظم الذراع (50) ، وأمّا حجمها فليس له حدّ ، بل يكفي ما يظهر به حريم صلاته ولو كان خطّاً. قال طاب ثراه: اكتفى به العلّامة في النهاية (51) ؛ معلّلاً بأنّ القصد بالسترة إظهار حريم لصلاته ، وهو يظهر بذلك . أقول : ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن محمّد بن إسماعيل، عن الرضا عليه السلام في الرجل يصلّي قال : «يكون بين يديه كومة من تراب أو يخطّ بين يديه بخطّ» (52) . وعن السكوني، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرحل، فإن لم يجد حجرا، فإن لم يجد فسهماً، فإن لم يجد فليختطّ في الأرض بين يديه» (53) . ومن طريق العامّة عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا صلّى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً ، فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصاً فليخطّ خطّاً ، ثمّ لا يضرّ من مرّ أمامه» (54) . وبه قال جمع من العامّة . وقال الشافعي في الجديد: «يخطّ بالعراق ولا يخطّ بمصر ، إلّا أن تكون فيه سنّة تُتّبع» (55) . ولم أجد له وجهاً ، وأنكره أبو حنيفة مطلقاً (56) محتجّاً بما حكى بعضهم عن ابن جريج: خطّ في الحصباء خطّاً ، وصلّى إليه ، فرأته اُمّه فقالت : واعجباً بجهل هذا الشيخ بالسنّة ، فقال : وما رأيت من جهلي ؟ قالت : صلاتك إلى الخطّ ، حدّثتني مولاتي عن أسماء، عن اُمّ سلمة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «الخطّ باطل» ، فذهب بها إلى مولاتها فأخبرته بذلك ، فقال : اعتقيها ، فقالت: إن أحبّت. قالت: لا ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا اتّقى العبد ربّه ونصح مواليه فله أجران» ، ولا أحبّ أن أنقص أجرا (57) . واختلف في صفة الخطّ ، فقيل : يجعل كالمحراب ، وقيل : قائماً إلى القبلة ، وقيل : من المشرق إلى المغرب (58) ، وهو موافق لمذاهب العامّة . وأمّا البعير والفرس ونحوهما من الحيوانات فقال العامّة : يجوز أن يستتر بها إجماعاً. ورواياتنا خالية عن ذكرها ، ولهم روايات في ذلك ، فمنها : ما رواه مسلم عن ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يعرّض راحلته ويصلّي إليها (59) . وعن ابن نمير أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى إلى بعير (60) . ومنهم من اعتبر أن يكون على غلظ الرمح (61) . قوله في مرفوعة محمّد بن مسلم : (وفيه ما فيه) . [ح 5 / 4910] من كلام أبي حنيفة للاعتراض على موسى عليه السلام بناءً على ما زعمه من لزوم دفع المارّ. قال طاب ثراه: محصّل جواب موسى عليه السلام : أنّ ضرر المرور إمّا توهّم كون العبادة للمارّ ، وإمّا توهّم توسّطه بين المصلّي وربّه ، وإمّا توهّم شغل المصلّي عن ربّه ، والكلّ مندفع بما ذكر . أمّا الأوّل فواضح فإنّ العبادة للأقرب ، وأمّا الثاني فلأنّ حريم القرب لا تقبل الواسطة . وأمّا الثالث فلأنّ الانفصال ينافي كمال الاتّصال فلا معنى للشغل عنه ، وفيه إشارة إلى أنّ المصلّي لابدّ أن يكون مستغرقاً في بحار المراقبة والمشاهدة بحيث لا يخطر بباله غيره سبحانه فضلاً من أن يشغله عنه. انتهى . وقوله : (وهذا تأديب منه صلوات اللّه عليه ، لا أنّه ترك الفضل) . [ح 5 / 4910] من كلام محمّد بن مسلم أو المصنّف ، والأخير أظهر ؛ لعدم ذكره في الخبر في الذكرى (62) . والظاهر أنّ كلمة : (هذا) إشارة إلى دعاء موسى عليه السلام المستفاد من قوله عليه السلام : «ادعوا لي موسى» ، والضمير في : (منه) عائدا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وفي : (أنّه) لموسى عليه السلام إن قُرئ«ترك» بصيغة الماضي ؛ ولعدم النهي المستفاد من قوله : «لم تنههم» إن قُرئ الترك مصدرا . والمعنى أنّه عليه السلام إنّما دعا موسى عليه السلام وحكى له ما اعترضه عليه أبو حنيفة ليجيبه جواباً شافياً يسكته تأديباً منه عليه السلام أبا حنيفة وأضرابه ، ممّن جوّز المشي إلى المارّ وضربه، بل قتله على ما سبق من مذاهبهم ، لا لأنّ موسى عليه السلام ترك الفضل بعدم نهيه بتلك الأنواع من النهي ؛ إذ لا فضيلة في ذلك وإنّما الفضل في وضع الأنواع من النهي ، إذ لا فضيلة في ذلك، وإنّما الفضل في وضع السترة ولعلّه وضعها عليه السلام .

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
2- . و هما ح 2 و 3 (ذيله) من هذا الباب.
3- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 323 ، ح 1320 و فيه: «عبداللّه بن المغيرة، عن غياث، عن أبي عبداللّه عليه السلام » ؛ و ص 379 ، ح 1578، و فيه : «عبداللّه بن سنان، عن غياث، عن أبي عبداللّه عليه السلام » ؛ الاستبصار، ج 1، ص 406، ح 1550 و فيه: «عبداللّه بن غياث، عن أبي عبداللّه عليه السلام »؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 137، ح 6143.
4- . في الأصل: «عن أبي محنفة»، و التصويب من المصدر و من ترجمة الرجل، و هو وهب بن عبيداللّه السوائي، كان يقوم تحت منبر أميرالمؤمنين عليه السلام يوم الجمعة، مات سنة 74 ه ق.
5- . منتهى المطلب، ج 4، ص 331 . و الحديث رواه مسلم في صحيحه، ج 2، ص 54 . و مع مغايرة رواه ابن حبّان في صحيحه، ج 6، ص 103 104 ؛ و أحمد في مسنده، ج 4، ص 308 ؛ و النسائي في سننه، ج 2، ص 73، و في السنن الكبرى، ج 1، ص 277، ح 848 ؛ و ج 5 ، ص 477، ح 9641؛ و ابن خزيمة في صحيحه، ج 2، ص 27، ح 841 ؛ والطبراني في المعجم الكبير، ج 22، ص 105.
6- . سنن الترمذي، ج 1، ص 210، ح 334 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 6، ص 141؛ كنز العمّال، ج 7، ص 349 ، ح 19217.
7- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي.
8- . مسند أحمد، ج 6، ص 399 ، سنن أبي داود، ج 1، ص 448، ح 2016؛ السنن الكبرى، ج 2، ص 273.
9- . صحيح البخاري، ج 1، ص 27 و 126 و 209.
10- . مسند أحمد، ج 1، ص 224؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 273؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 1، ص 312 ، باب من رخّص في الفضاء أن يصلّى بها، ح 2؛ مسند أبييعلى، ج 4، ص 469، ح 2601؛ المعجم الأوسط، ج 3 ، ص 264؛ المعجم الكبير، ج 12، ص 116؛ كنز العمّال، ج 8 ، ص 210، ح 22590.
11- . معرفة السنن والآثار، ج 2، ص 121، ذيل ح 1056، السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 278؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 167، ح 718 . و في الجميع: «فما بالى ذلك».
12- . منتهى المطلب، ج 4، ص 337 .
13- . الذكرى، ج 3 ، ص 104.
14- . تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 420 . و في المذكور هنا تلخيص و تغيير.
15- . في الأصل: «أبي محنفة»، و التصويب من المصدر . و تقدّم حديثه . ولم أعثر على حديث أنس.
16- . الذكرى، ج 3 ، ص 103 104.
17- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي. و راجع: الخلاف، ج 1، ص 437 438 ؛ المعتبر، ج 2، ص 265؛ تذكرة الفقهاء، ج 3 ، ص 300 ، المسألة 332 ؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 337 ؛ الذكرى، ج 3 ، ص 105.
18- . الفقيه، ج 1، ص 247، ح 748 . و فيه: «مضطجعة» بدل «معترضة». و اللفظ المذكور هنا من الكافي، باب المرأة تصلّي بحيال الرجل...، ح 6؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 122، ح 6096 و 6097.
19- . سنن أبي داود، ج 1، ص 167، ح 719؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 2، ص 31 ، ح 2367؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 1، ص 313 ، باب من قال لا يقطع الصلاة شيء...، ح 1؛ شرح معاني الآثار، ج 1، ص 463 و 464، بنقص قوله: «فإنّما هو شيطان»؛ و مثله في المعجم الأوسط للطبراني، ج 7، ص 377 .
20- . زينب بنت اُم سلمة و أبوه أبو سلمة بن عبدا الأسد بن هلال المخزومي، ولدت بأرض الحبشة، و كان اسمها برّه فسمّاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله زينب، ماتت سنة 73 ه . ق. (اُسد الغابة، ج 5 ، ص 468) .
21- . منتهى المطلب، ج 4، ص 338 .
22- . لم أعثر عليه.
23- . صحيح مسلم، ج 2، ص 60. و مع مغايرة في مسند الشافعي، ص 59 ؛ مسند أحمد، ج 6، ص 37 و 50 و 86 و 192 و 199 و 205؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 307 ، ح 956؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 166، ح 711؛ سنن النسائي، ج 2، ص 67؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 273، ح 835 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 275 و 279 و 311 ؛ و ج 3 ، ص 46 و 107؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 2، ص 32 ، ح 2376؛ مسند الحميدي، ج 1، ص 91، ح 171؛ و ص 93، ح 177؛ مسند أبييعلى، ج 7 ، ص 463، ح 4490 ؛ صحيح ابن خزيمة، ج 2، ص 18، ح 822 ؛ و ص 20، ح 292.
24- . منتهى المطلب، ج 4، ص 337 338 .
25- . المجموع للنووي، ج 3 ، ص 250؛ المغني ج 2، ص 80 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 630 و 631، المحلّى، ج 4، ص 11؛ نيل الأوطار، ج 3 ، ص 11؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 212، ذيل ح 337 ؛ حواشي الشرواني و العبادي على تحفة المحتاج، ج 2، ص 160.
26- . صحيح مسلم، ج 2، ص 60 . و رواه عبداللّه بن مغفل في: مسند أحمد، ج 5 ، ص 57 . و أنس في: المصنّف لابن أبي شيبة، ج 1، ص 315 ، الباب 60، من كتاب الصلاة، ح 4.
27- . منتهى المطلب، ج 4، ص 336 . و مثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 214؛ و تذكرة الفقهاء، ج 2 ، ص 419 ؛ و نهاية الإحكام، ج 1، ص 350 .
28- . الفقيه، ج 1، ص 387 ، ح 145؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 137، ح 6144.
29- . سنن أبي داود، ج 1، ص 162، ح 695؛ مسند أحمد، ج 4، ص 2؛ سنن النسائي، ج 2، ص 62؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 271، ح 824 ؛ المستدرك، ج 1، ص 251 252؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 272؛ مسند الحميدي، ج 1، ص 196، ح 401 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 1، ص 312 ، الباب 57 من كتاب الصلاة، ح 1؛ صحيح ابن حبّان، ج 6، ص 136. و كان في الأصل: «سترته»، و التصويب من المصادر، و كذا ما بين الحاصرتين منها.
30- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 2 ، ص 69؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 623.
31- . لم أعثر عليه.
32- . اُنظر: مسند أحمد، ج 3 ، ص 34 و 44 و 49 و 63؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 328 ؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 129؛ و ج 4، ص 92؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 57 و 58 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 163، ح 697 و 700؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 267 و 268، مسند أبييعلى، ج 2، ص 435 436، ح 1240؛ و ص 443، ح 1248؛ صحيح ابن خزيمة، ج 2، ص 15، ح 816 ، و ص 15 17، ح 817 819 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 6، ص 133.
33- . لم أعثر على مَن قال بعشرين ذراعا في حريم البئر، ولم أجد رواية في ذلك، و أقلّ ما ورد في ذلك عشرة أذرع، ثمّ خمس و عشرون ذراعا، ثمّ أربعون ذراعا، ثمّ خمسون ذراعا . اُنظر: المجموع للنووي، ج 15، ص 216 218، البحر الرائق، ج 1، ص 163؛ المحلّى، ج 8 ، ص 239؛ سنن ابن ماجة، ج 27 ص 831 ، باب حريم البئر، ح 2486 و 2487؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 6، ص 155؛ معرفة السنن والآثار، ج 4، ص 538 ، ح 3763 ؛ سنن الدارقطني، ج 4، ص 141، ح 4473.
34- . حكاه عنه الرعيني في مواهب الجليل، ج 2، ص 236.
35- . هو الحديث 3 من هذا الباب.
36- . منتهى المطلب، ج 4، ص 339 .
37- . المجموع للنووي، ج 3 ، ص 249؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 76.
38- . مسند أحمد، ج 3 ، ص 63؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 129؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 58 ، كنز العمّال، ج 7، ص 348 ، ح 19212.
39- . مسند أحمد، ج 6، ص 294؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 305 ، ح 948؛ المصنّف لابن أبى شيبة، ج 1، ص 317 ، الباب 67 من كتاب الصلاة، ح 9.
40- . نهاية الإحكام، ج 1، ص 351 .
41- . المصدر السابق.
42- . هو الحديث 4 من هذا الباب.
43- . صحيح البخاري، ج 1، ص 129؛ و ج 8 ، ص 31 .
44- . منتهى المطلب، ج 4، ص 340 .
45- . المغني لابن قدامة، ج 2، ص 77؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1، ص 608.
46- . نفس المصدرين المتقدّمين؛ عمدة القاري، ج 4، ص 292.
47- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
48- . منتهى المطلب، ج 4، ص 332 .
49- . المغني، ج 2 ، ص 68؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 622.
50- . نفس المصدرين.
51- . نهاية الإحكام، ج 1، ص 350 .
52- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 377 ، ح 1574؛ الاستبصار، ج 1، ص 407، ح 1555؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 137، ح 5141 .
53- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 378 ، ح 1577؛ الاستبصار، ج 1، ص 407، ح 1556؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 137، ح 6142.
54- . سنن أبي داود، ج 1، ص 161، ح 689؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 270؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 419، ح 1436. وورد بمغايرة جزئيّة في: مسند أحمد، ج 2، ص 249؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 303 ، ح 943؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 436 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 6، ص 125، و في ص 138 مثل ما في المتن؛ معرفة السنن والآثار، ج 2، ص 118، ح 1048.
55- . منتهى المطلب، ج 4، ص 333 334 ؛ المغني، ج 2، ص 70؛ الشرح الكبير، ج 1، ص 624؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 419 ؛ الاستذكار، ج 2، ص 281؛ التمهيد، ج 4، ص 198. و عبارة المتن مأخوذة من منتهى المطلب، و ظاهرها يوهم الفرق بين البلدين، مع أنّ الشافعي لا يقول بذلك، بل المنقول عنه أنّه كان بالعراق قائلاً بالخطّ، ولم يقل به بعد ذهابه إلى مصر، و يشهد لما قلنا ما نقل عنه في غير المنتهى بلفظ: «و قال الشافعي بالخطّ بالعراق، و قال بمصر لا يخطّ المصلّي خطّا إلّا أن يكون فيه سنّة تتّبع».
56- . المصادر المتَقدّمة؛ الاستذكار، ج 2، ص 281؛ التمهيد، ج 4، ص 198، المعتبر، ج 2، ص 267، إلّا أنّ في منتهى المطلب: «يكره الخطّ».
57- . لم أعثر عليه.
58- . روضة الطالبين، ج 1، ص 399 .
59- . مسند أحمد، ج 2، ص 3 و 141؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 1، ص 420، الباب 155 من كتاب الصلاة، ح 5 .
60- . صحيح مسلم، ج 2، ص 55 56 .
61- . شرح صحيح مسلم للنووي، ج 4 ، ص 216؛ الاستذكار، ج 2، ص 280؛ التمهيد، ج 4، ص 198؛ مواهب الجليل، ج 2، ص 234؛ حاشية الدسوقي، ج 1، ص 246، كلّهم عن مالك.
62- . الذكرى، ج 3 ، ص 105.

ص: 480

. .

ص: 481

. .

ص: 482

. .

ص: 483

. .

ص: 484

. .

ص: 485

. .

ص: 486

. .

ص: 487

. .

ص: 488

. .

ص: 489

باب المرأة تصلّي بحيال الرجل والرجل يصلّي والمرأة بحياله

باب المرأة تصلّي بحيال الرجل والرجل يصلّي والمرأة بحيالهذهب الشيخان وأتباعهما إلى أنّه يحرم أن يصلّي الرجل والمرأة في مكانٍ واحد ، إلّا أن يتقدّم الرجل أو يكون بينهما حائل أو عشرة أذرع (1) ، وهو محكيّ في التنقيح (2) عن ابن حمزة (3) ، وفي المهذّب (4) عنهم وعن أبي الصلاح (5) وعن مقنع الصدوق (6) وهو ظاهر أكثر ما رواه المصنّف . ورواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل ، يصلّيان جميعاً؟ فقال : «لا ، ولكن يصلّي الرجل ، فإذا فرغ صلّت المرأة» (7) . وفي الموثّق عن عبد اللّه بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : اُصلّي والمرأة إلى جنبي وهي تصلّي؟ قال : «لا، إلّا أن تتقدّم هي أو أنت ، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة» (8) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه سئل عن الرجل ، يستقيم أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس ، وإن كانت تصيب ثوبه ، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» (9) . واحتجّ عليه الشيخ بإجماع الفرقة ، وبالاحتياط؛ معلّلاً باشتغال الذمّة بالصلاة بيقين ولا يتحقّق البراءة يقيناً بهذه الصلاة. وفيه: منع الإجماع ؛ لما سيجيء ، وأنّ الاحتياط إنّما يقتضى الأولويّة لا الوجوب . وأمّا كفاية الحائل؛ فلأنّهما حينئذٍ لم يصلّيان في مكانٍ واحد ، ولذلك اعتبر الأكثر وجوب كون الحائل ساترا بحيث يمنع رؤية أحدهما للآخر في جميع أحوال الصلاة. وقال الصدوق في الفقيه : «ولا بأس بأن يكون بين يدي الرجل والمرأة وهما يصلّيان مرفقة أو شيء» (10) . وقد صرّح جماعة منهم بفساد صلاتهما مع المقارنة ، وفساد صلاة من تأخّر في تكبيرة الافتتاح بناءً على اقتضاء النهي في العبادة ذلك . ويؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن إمام كان في الظهر، فقامت امرأة بحياله تصلّي معه ، وهي تحسب أنّها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال : «لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها» (11) ؛ بناءً على كون العلّة في إعادة المرأة محاذاتها للرجل كما هو ظاهر السؤال، وعدم فساد صلاة القوم فهو مبني على ما هو ظاهر الخبر من تقدّمهم في الشروع فيها. واحتمل بعيدا أن تكون العلّة اقتداءها صلاة العصر بصلاة الظهر كما هو مذهب بعض الأصحاب (12) . والمشهور بين الأصحاب منهم المحقّق (13) وابن إدريس (14) ، والشهيد في الذكرى (15) واللمعة (16) ، والعلّامة في المنتهى (17) والمختلف (18) _ كراهية ذلك ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (19) ، ومنقول في المختلف (20) عن مصباح السيّد المرتضى (21) ، وفي المنتهى (22) عن الشافعي (23) وأحمد. ولو صلّى أحدهما مع كون الآخر بحياله قائماً أو قاعدا أو مستلقياً أو مضطجعاً فلا كراهة عندنا وعند أكثر العامّة ، إلّا إذا كان ذلك الآخر مواجها على ما اشتهر ، لمرسلة ابن رباط (24) ، ومثلها ما رواه الصدوق من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها حتّى يسجد (25) . وما رواه مسلم عن عروة، عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله يصلّي صلاته من اللّيل كلّها وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة (26) . ونقل طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال : يقطع الصلاة؛ معلّلاً بأنّ المرأة خوف الفتنة ، وباشتغال المصلّي بها ، واعتذر عن الخبر بالفارق بينه صلى الله عليه و آله وبين غيره؛ بأنّ استيلاءه صلى الله عليه و آله على نفسه ومالكيّته لرأيه يمنع الاشتغال ويزيل الخوف ، وهي في موقعه لو كان هناك دليل قاطع على القطع ، وليس فليس.

.


1- . قاله المفيد في المقنعة، ص 52 ؛ و الطوسي في المبسوط، ج 1، ص 86 ؛ و الخلاف، ج 1، ص 423، المسألة 171؛ و النهاية، ص 100 . غنية النزوع، ص 82 .
2- . التنقيح، ج 1، ص 185.
3- . الوسيلة، ص 89 .
4- . المهذّب البارع، ج 1 ، ص 335 .
5- . الكافي في الفقه، ص 120.
6- . المقنع، ص 82 .
7- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 231، ح 907؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 325 ، ح 5286 ؛ و ج 5 ، ص 131، ح 6125.
8- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 231، ح 909؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 122، ح 6097، و ص 124 125، ح 6104.
9- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 231، ح 911؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 122، ح 6098؛ و ص 128، ح 6118.
10- . الفقيه، ج 1، ص 247، ذيل ح 748. و المرفقه بالكسر : المخدّة. صحاح اللغة، ج 4، ص 1482 (رفق) .
11- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232، ح 913؛ و ج 3 ، ص 50 51 ، ح 173؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 399 ، ح 11006.
12- . لم أعثر على القائل بالفساد.
13- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 57 ؛ المعتبر، ج 2، ص 110.
14- . السرائر، ج 1، ص 267.
15- . الذكرى، ج 3، ص 83.
16- . اللمعة الدمشقيّة، ص 27.
17- . منتهى المطلب، ج 4، ص 304 306 .
18- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 111.
19- . الفقيه، ج 1، ص 247.
20- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 111.
21- . حكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 267.
22- . منتهى المطلب، ج 4، ص 304 .
23- . اُنظر: مختصر المزني ، ص 16.
24- . هو الحديث 6 من هذا الباب.
25- . الفقيه، ج 1، ص 247، ح 748؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 122، ح 6096.
26- . صحيح مسلم، ج 2، ص 60. و رواه أحمد في مسنده، ج 6، ص 37 . و تقدم سائر تخريجاته في باب ما يستر به المصلّى ممّن يمرّ بين يديه.

ص: 490

. .

ص: 491

. .

ص: 492

باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث

باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبثأي استحباب خشوع القلب والتوجّه إلى اللّه تعالي بشراشره حتّى كأنّه يره ، ولا يلتفت في الصلاة بكليّته بحضور البال وتدبّر ما يقول فيها ، والإعراض عمّا سوى اللّه وعن عبادته ، وخضوع الأعضاء والجوارح بصرفهما فيما امر به فيها من النظر في القيام إلى موضع السجود ، وفي الركوع إلى بين يديه ، وفي السجود إلى طرف أنفه ، ووضع اليد في القيام على فخذيه بحذاء ركبتيه ، وفي الركوع على ركبتيه ، وفي السجود على الأرض بكفيّه ، ووضع الرجلين قائماً بحيث يحاذي أصابعه القبلة ، ويكون بينهما أربع أصابع إلى شبر ، ووضع وركه الأيسر على الأرض بين السجدتين وفي التشهّدين ، وغير ذلك ممّا يدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب ويرويه في باب القيام والقعود في الصلاة ، وكراهية العبث في الصلاة باليد والرأس ولحيته ونظائرها ممّا ينافي ما ذكر ، وترك الخشوع وفعل العبث وإن لم يكونا موجبين لنقض الصلاة وعدم إجزائها ، إلّا أنّهما موجبان لنقصها وعدم قبولها . وقوله عليه السلام : (فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه) [ح 1 / 4918] بمعنى أنّه لا يكتب في ديوان أعمالك المقبولة إلّا ما كان مع الخشوع ، ولذلك جعلت النوافل اليوميّة ضعف فرائضها ؛ لأنّ الإنسان يكون غافلاً غالباً عن ثلثي صلاته ، فيقوم ثلث النافلة المقبول مقام ثلثي الفريضة الغير المقبولين. قوله في حسنة زرارة : (فعليك بالإكباب) إلخ. (1) [ح 1 / 4918] قال طاب ثراه : في الصحاح : «أكبّ فلان على الأمر يفعله» (2) ، والمقصود هنا فعلها مع حضور القلب . وفي نسخة : «فعليك بالإقبال». وفيه أيضاً : «التكفير : أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفّر العلج للدهاقين ، يضع يده على صدره ويتطأمن له» (3) ، والمراد به هنا وضع اليمنى على اليسرى على الصدر . وهو حرام عند أكثر علمائنا (4) ؛ لوقوع النهي عنه في هذا الخبر (5) ، وفي مرسلة حريز الّتي يرويها المصنّف في باب القيام والقعود . (6) وقال أبو الصلاح (7) والمحقّق في المعتبر (8) : إنّه مكروه ، والأوّل أظهر ؛ لعدم معارض للنهي المذكور . واتّفقت العامّة على عدم وجوبه (9) ، واختلفوا في استحبابه وكراهته ، فقال مالك في قول وجمهورهم بالأوّل ؛ معلّلين بأنّه صفة الخاشع ، وقد بالغوا في ذلك حتّى أنّهم عدّوا تركه من علامات الرفض . وقال مالك في قوله الآخر وجماعة منهم بالثاني (10) ؛ لما سيأتي . وربّما علّلوه بأنّ من فعله يخاف أن يعتقد وجوبه . وقيل : لئلّا يظهر من خشوعه خلاف الباطن . وخيّر جماعة منهم الأوزاعي بينه وبين الإرسال. (11) واختلف رواياتهم في صفته ، ففي بعضها : «وضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى» (12) ، وفي بعضها: «إن شاء أمسك بالكفّ وبالرسغ» (13) . واختار بعض مشايخهم أن تكون السبّابة والوسطى ممتدّتين على الذراع ، واختلفوا في محلّ وضعهما، فقيل : على الصدر ، وقيل : على النحر . وقال مالك : فوق السرّة ، وقيل : تحتها، وقيل : ليس لوضعها محلّ معروف (14) . انتهى. وقد ورد ذكرها من طرق العامّة أيضاً إلّا أنّهم أوّلوه بمعنى آخر ، ففي نهاية ابن الأثير : التكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه ، ومنه حديث أبي معشر : أنّه كان يكره التكفير في الصلاة ، وهو الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع . انتهى. (15) وأوّله طائفة من فقهائهم بضمّ اليدين ووضعها في حال الركوع بين الركبتين . وواضعه عمر بن الخطّاب في عهده حيث ما رأى علجا فعل ذلك عنده لتعظيمه ، فاستحسنه وابتدعه في الصلاة لتعظيم الربّ تعالى شأنه. (16) وتفسير السكر بسكر النوم يدلّ على استحباب النوم قبل الصلاة إذا غلبه ، وذلك في السعة ، وقد ورد ذلك في طرق العامّة . قال طاب ثراه : روى مسلم بإسناده عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتّى يذهب عنه النوم ، فإنّ أحدكم إذا صلّى وهو ناعس لعلّه يذهب ليستغفر فيسبّ نفسه» (17) . ولا اختصاص لذلك بالصلاة ، بل جار في تلاوة القرآن وغيرها من العبادات اللسانيّة؛ للاشتراك في العلّة. وعن أبي هريرة أنّه قال [قال] رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدرِ ما يقول فليضطجع» (18) . وقيل : المراد بقوله «استعجم» : «أنّه استغلق ولم ينطق به بلسانه ؛ لغلبة النعاس ، فلابدّ له من أن يترك ويضطجع ؛ لئلّا تبدّل القرآن» (19) . قوله في مرسلة الحسن بن أبي الحسن الفارسى : (إنّ اللّه تعالى كره لكم أيّتها الاُمّة أربعاً وعشرين خصلة) . [ح 2 / 4919] روى الصدوق في الخصال عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه عزّ وجلّ كره لكم أيّتها الاُمّة أربعاً وعشرين خصلة ، ونهاكم عنها: كره لكم العبث في الصلاة ، وكره المنّ في الصدقة ، وكره الضحك بين القبور ، وكره التطلّع في الدور ، وكره النظر إلى فروج النساء وقال : يورث العمى ، وكره الكلام عند الجماع وقال : يورث الخرس يعني في الولد _ ، وكره النوم قبل العشاء الآخرة ، وكره الحديث بعد العشاء الآخرة ، وكره الغسل تحت السماء بغير مئزر ، وكره المجامعة تحت السماء ، وكره دخول الأنهار إلّا بمئزر ، وقال : في الأنهار عمّار وسكّان من الملائكة ، وكره دخول الحمّامات إلّا بمئزر ، وكره الكلام بين الأذان والإقامة في الصلاة الغداة حتّى تنقضى الصلاة، وكره ركوب البحر [في هيجانه] ، وكره النوم فوق سطح ليس بمحجّر وقال : من نام على سطح ليس بمحجّر فقد برئت منه الذمّة ، وكره أن ينام الرجل في بيت وحده ، وكره للرجل أن يغشى امرأته وهي حائض ، فإن غشاها فخرج الرجل مجذوماً أو أبرص فلا يلومنّ إلّا نفسه ، وكره أن يغشى الرجل امرأته وقد احتلم حتّى يغتسل من احتلامه الّذي رأى ، فإن فعل فخرج الرجل مجنوناً فلا يلومنّ إلّا نفسه ، وكره أن يكلّم مجذوماً إلّا أن يكون بينه وبين المجذوم قدر ذراع ، وقال : فرّ من المجذوم كفرارك (20) من الأسد ، وكره البول على شطّ نهر جار ، وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة وقد أينعت يعني أثمرت _ وكره أن يتنعّل الرجل وهو قائم ، وكره أن يدخل الرجل البيت المظلم إلّا أن يكون بين يديه نار ، وكره النفخ في الصلاة.» (21) قوله في الحسنة الثانية عن حريز ، عن زرارة : (قال : إذا استقبلت بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة) ، [ح 6 / 4923 ]أي إذا دخلت في الصلاة المفروضة ؛ بقرينة قوله عليه السلام : «فإنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه و آله في الفريضة «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (22) » والإنصراف عن القبلة إمّا بكلّ البدن أو بالوجه ، وكلّ منهما إمّا يسير ، وهو أن لا يبلغ حدّ اليمين واليسار ، وإمّا كثير ، وهو أن يبلغ الاستدبار ، وإمّا متوسّط ، وهو أن يبلغ اليمين واليسار. وقد صرّح بعض أصحابنا : أنّ الانصراف بكلّ البدن مبطل مطلقاً ولم ينقل خلافاً فيه ، منهم الشيخ عليّ في شرح القواعد (23) ، ولهم أدلّة وظواهر ليس هذا موضع ذكرها. وأمّا الانصراف بالوجه فظاهر هذا الخبر أنّه أيضاً كذلك ، وكذا ظاهر خبر الحلبي الآتي في باب ما يقطع الصلاة عن أبي عبد اللّه عليه السلام من قوله : «وإن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (24) . وظاهر خبر أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام : «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد [الصلاة] (25) »، لكن الأظهر تخصيصه بإخراج اليسير والمتوسّط ؛ لأنّ اليسير لم يقل أحد من الأصحاب بإبطاله ، وكذا المتوسّط إلّا قليل منهم فخر المحقّقين ، والأكثر على أنّه مكروه . وممّا يدلّ على ذلك مؤيّدا بما ذكرنا صحيحة عليّ بن جعفر في زيادات التهذيبعن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن الرجل يكون في صلاته ، فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء ، هل يصلح أن ينظر فيه أو يمسّه؟ قال : «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس ، وإن كان في مؤخّره فلا يلتفت ، فإنّه لا يصلح» (26) ، فإنّ قوله : «لا يصلح» لا يصلح أن يكون محمولاً على الكراهة ؛ لثبوتها في الجانبين أيضاً بالاتّفاق ، بل هو محمول على التحريم . وحسنة الحلبي المذكورة في باب ما يقطع الصلاة عن أبي عبد اللّه عليه السلام من قوله : «فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً» (27) ، فإنّ ظاهر التفاحش الاستدبار. وأمّا رفع النظر إلى السماء فمكروه اتّفاقاً ، فينبغي حمل النهي الوارد فيه على الكراهة . وقال طاب ثراه: قد ورد مثله من طرق العامّة ، روى مسلم بإسناده عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لينتهينّ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في الصلاة» (28) . وفي خبر آخر: «لينتهينّ أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء» (29) . وقال بعضهم : إذا رفعه للاعتبار فلا بأس ، وهو تحكّم ؛ لعدم دلالة أثر عليه.

.


1- . الموجود في المطبوعة من المصدر: «بالإقبال» بدل «بالإكباب».
2- . صحاح اللغة ج 1، ص 208 (كبب) .
3- . صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 808 (كفر) .
4- . المقنع ، ص 75 ؛ الانتصار ، ص 141 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 321_323 ، المسألة 74 ؛ النهاية ، ص 73 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 237 ؛ إشارة السبق ، ص 92 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 266 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 3 ، ص 251 ، و ص 295 ، المسألة 330 ؛ مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 191 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 311 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 506 ؛ البيان ، ص 98 ؛ الذكرى ، ج 3 ، ص 393 ؛ المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 391 ؛ روض الجنان ، ج 2، ص 882 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 566 _ 567 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 459 .
5- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب .
6- . هو الحديث 9 من ذلك الباب .
7- . الكافي في الفقه ، ص 125 .
8- . المعتبر ، ج 2 ، ص 256 . وتردّد في الشرائع ، ج 1 ، ص 72 .
9- . اُنظر : فتح العزيز ، ج 1 ، ص 282 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 512 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 201 ؛ الجوهر النقي ، ج 2 ، ص 30_31 ؛ البحر الرائق ، ج 1 ، ص 528 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 513_515 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 513 515 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 115_116 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 279 ؛ التمهيد ، ج 20 ، ص 74 ؛ تنقيح التحقيق ، ج 1 ، ص 138 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 321_322 .
10- . اُنظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 321_323 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 313 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 3 ، ص 252 .
11- . تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 252 و 296 ؛ الاستذكار ، ج 2 ، ص 291 ؛ التمهيد ، ج 20 ، ص 75 .
12- . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 180 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 28 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 498 .
13- . مسند أحمد ، ج 4 ، ص 318 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 169 ، ح 727 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 126 ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 1 ، ص 310 ، ح 963 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 28 .
14- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 313 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 514 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 514_515 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 203_204 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 115 .
15- . النهاية ، ج 4 ، ص 188 (كفر) .
16- . جواهر الكلام ، ج 11 ، ص 19 ؛ مصباح الفقيه ، ج 2 ، ص 402 .
17- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 190 . ورواه ابن ماجة في السنن ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1370 ؛ وأبو داود في السنن ، ج 1 ، ص 295 ، ح 1310 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 3 ، ص 16 ؛ وفي معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 308 ، ح 1375 .
18- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 190 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 318 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 437 ، ح 1372 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 295 ، ح 1311 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 16 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 5 ، ص 20 ، ح 8044 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 6 ، ص 321 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 2 ، ص 500 ، ح 4221 .
19- . الديباج على مسلم ، ج 2 ، ص 388 .
20- . في المصدر : «فرارك» .
21- . الخصال ، ص 520 ، ح 9 . ورواه أيضا في الفقيه ، ج 3 ، ص 556 ، ح 4913 ؛ وفي الأمالي ، المجلس 50 ، ص 50 ، ح 3 .
22- . البقره (2) : 144 و 149 و 150 .
23- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 74 .
24- . هذا هو الحديث 2 من ذلك الباب . و رواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1541 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 200 ، ح 783 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 239 ، ح 9217 .
25- . الفقيه ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1057 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 286 ، ح 782 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 313 ، ح 5244 ؛ و ج 7 ، ص 245 ، ح 9236 ؛ و ص 281 ، ح 9341 .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 333 ، ح 1374 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 245 ، ح 9234 .
27- . وهو الحديث 10 من ذلك الباب .
28- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 29 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 101 و 108 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 283 ؛ وابن أبي شيبة في المصنّف ، ج 2 ، ص 143 ، الباب 58 من كتاب الصلاة ، ح 1 ؛ والطبراني في المعجم الكبير ، ج 2 ، ص 201 ؛ كنز العمّال ، ج 7 ، ص 501 ، ح 19967 .
29- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 29 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 282 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 378 ؛ كنزالعمّال ، ج 2 ، ص 96 ، ح 3303 ، و ج 7 ، ص 501 ، ح 19968 .

ص: 493

. .

ص: 494

. .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

. .

ص: 498

باب البكاء والدعاء في الصلاة

باب البكاء والدعاء في الصلاةالبكاء لأمر اُخروي من أفضل العبادات لاسيّما في الصلاة ؛ لما رواه المصنّف عن بيّاع السابري (1) ، وما رواه الشيخ في الاستبصار عن النعمان ، عن عبد السلام ، عن أبي حنيفة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البكاء في الصلاة ، أيقطع الصلاة؟ قال : «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميّتاً فصلاته فاسدة» (2) . وما رواه الصدوق عن منصور بن يونس بزرج أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتّى يبكي ، قال : «قرّة عين واللّه ». وقال : «إذا كان ذلك فاذكرني عنده» (3) . ويؤيّدها عموم البكاء فيما وصّى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «كثرة البكاء للّه يبني لك بكلّ دمعة ألف بيت في الجنّة» (4) . وما روي من أنّه : «ما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا البكاء من خشية اللّه عزّ وجلّ ، فإنّ القطرة منه تطفئ بحارا من النيران ، ولو أنّ باكياً بكى في اُمّة لرحموا ، وكلّ عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاث أعين : عين بكت من خشية اللّه ، وعين غضّت عن محارم اللّه ، وعين باتت ساهرة في سبيل اللّه » (5) . وأمّا البكاء للاُمور الدنيويّة فهو مكروه مطلقاً خصوصاً في الصلاة ، بل قد يحرم فيها وذلك إذا اشتمل على صوت وعويل ، بل قالوا : إنّه حينئذٍ يفسد الصلاة . واستدلّ عليه بأنّه فعل خارج عن الصلاة فيكون قاطعاً كالكلام ، وظاهر خبر أبي حنيفة المتقدّم بطلان الصلاة به مطلقاً وإن لم يشتمل على صوت وعويل . ولكن الخبر ضعيف ؛ لاشتماله على عدّة من الضعفاء . وحمل المشتمل منه على الصوت على الكلام قياس محض ، فالأظهر الكراهة مطلقاً ؛ حملاً للرواية عليها. وأمّا الدعاء فيجوز ، بل يستحبّ في الصلاة . واحتجّ عليه السيّد المرتضى في الانتصار (6) بإجماع الطائفة ، وبعموم الأمر في قوله سبحانه: «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَ_نَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» (7) . وقوله تعالى: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (8) . و يدلّ عليه خصوص أكثر ما رواه المصنّف في الباب . ويتأكّد عند تلاوة آية رحمة سؤالها وعند قراءة آية غضب الاستعاذة منه ؛ لخبر سماعة في مرسلة البرقي: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته ، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو ذكر النار سأل اللّه الجنّة وتعوّذ باللّه من النار». (9) ويستحبّ ذلك للمأموم أيضاً عند سماع الآيتين من الإمام ؛ لحسنة الحلبي (10) . ويظهر من الانتصار وفاق غير مالك من العامّة على عدم جوازه، حيث قال : وممّا يظنّ انفراد الإماميّة به وهو مذهب مالك عدم جواز الدعاء في الصلاة المكتوبة أين شاء المصلّى منها ، وحكى ابن وهب عن مالك أنّه قال : لا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة في أوّلها وأوسطها وآخرها (11) ، وقال ابن القاسم : كان مالك يكره الدعاء في الركوع ولا يرى به بأساً في السجود (12) . انتهى (13) . ويجوز الدعاء بغير العربية من اللغات أيضاً فيها ؛ لعموم قوله عليه السلام : «كلّما كلّمت اللّه به في الصلاة الفريضة فلا بأس» (14) ، فإنّه كما شمل المطالب يشمل اللغات أيضاً ، ومثله قول أبي جعفر الثاني عليه السلام : «لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجى ربّه عزّ وجلّ». (15) وبه قال الصدوق في الفقيه ، واحتجّ عليه بهذا الخبر ، ثمّ قال : ولو لم يرد هذا الخبر لكنت اُجيزه بالخبر الّذي روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (16) ، والنهي عن الدعاء بالفارسيّة غير موجود . وحكاه عن شيخه محمّد بن حسن الصفّار ، ونقل عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن سعد بن عبد اللّه أنّه كان يقول : «لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسيّة» (17) . وفي المنتهى : «ولا نعرف حجّة سعد في ذلك» (18) .

.


1- . هو الحديث 2 من هذا الباب .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 317 ، ح 1295 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1558 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 248 ، ح 9243 .
3- . الفقيه ، ج 1 ، ص 317 ، ح 940 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 247 ، ح 9240 .
4- . الكافي ، ج 8 ، ص 79 ، ح 33 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 175 ، ح 713 ؛ دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 347 ، ح 1296 .
5- . الفقيه ، ج 1 ، ص 318_319 ، 941_942؛ وروى الفقرة الاُولى من الحديث إلى قوله : لرحموا الكليني في الكافي ، باب البكاء من كتاب الدعاء ، ح 1 ؛ والصدوق في ثواب الأعمال ، ص 167 ، باب ثواب البكاء من خشية اللّه .
6- . الانتصار ، ص 153 .
7- . الإسراء (17) : 110 .
8- . غافر (40) : 60 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 124 ، ح 471 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 68_69 ، ح 7368 .
10- . هو الحديث 3 من هذا الباب .
11- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 178 ، ح 769 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 297 .
12- . المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 72 .
13- . الانتصار ، ص 152_153 .
14- . هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 325 ، ح 1330 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 264 ، ح 9290 .
15- . الفقيه ، ج 1 ، ص 316 ، ح 936 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 326 ، ح 1337 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 289 ، ح 7995 و 7996 .
16- . الفقيه ، ج 1 ، ص 317 ، ح 937 .
17- . الفقيه ، ج 1 ، ص 316 .
18- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 300 (ط قديم) .

ص: 499

. .

ص: 500

. .

ص: 501

باب بدو الأذان والإقامة وفضلهما وثوابهما

باب بدو الأذان والإقامة وفضلهما وثوابهماالأذان لغةً : الإعلام (1) ، قال تعالى شأنه: «وَأَذَ انٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ» . (2) وشرعاً : أذكار مخصوصة شرّعت للإعلام بأوقات الصلاة الخمس اليوميّة ، وقد يكون الغرض منه اجتماع الناس لها كأذان الجماعة ، وربما يكون لمجرّد الذكر وإعظام الصلاة ، ومنه أذان المنفرد والقاضي ، وكلّ ذلك يستفاد من الأخبار الّتي تأتي متفرّقة. والإقامة في الأصل مصدر أقام بالمكان ، إذا ثوى به . وأقام الشيء ، إذا أدامه . ومنه قوله سبحانه: «يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ» (3) . ونقل شرعاً إلى أذكار معهودة عند القيام إلى تلك الصلاة ؛ لإعظامها. (4) واختلف أهل العلم في مبدأ وضعهما، فذهب الأصحاب إلى أنّهما إنّما ثبتا بوحي إلهي وتعليم نبوى، خلافاً لأهل الخلاف حيث زعموا أنّهما ثبتا برؤيا عبد اللّه بن زيد الأنصاري، وربّما نسبوا تلك الرؤيا إلى اُبي بن كعب وعمر بن الخطّاب أيضاً، فقد حكى السيّد المرتضى في الناصريّات: أنّ عبد اللّه بن زيد الأنصاري (5) كان بين النائم واليقظان إذ أتاه آت وعليه ثوبان أخضران ، فقام على جذم الحائط (6) فقال : اللّه أكبر اللّه أكبر، إلى قوله: قال عبد اللّه : ثمّ مكث هنيئة فأقام مثل ذلك ، إلّا أنّه زاد في آخره: قد قامت الصلاة. فأتى عبد اللّه النبيّ صلى الله عليه و آله فأخبره بذلك فقال له: «لقّنها بلالاً». (7) ونقل طاب ثراه عن أبيّ عبد اللّه الآبي أنّه قال : لمّا بنى رسول اللّه صلى الله عليه و آله المسجد وكانت الصحابة يتحيّنون الصلاة (8) ، أي يقدّرون حينا يأتون فيه للصلاة ، وصار ضبط الوقت مشكلاً عليهم ، شاورهم صلى الله عليه و آله فيما يجعل علماً على الوقت، فذكروا أشياء ، يعني النار والبوق والناقوس. فقال بعضهم: النار والبوق شعار اليهود، والناقوس شعار النصارى ، فإن اتّخذنا أحدها التبس أوقاتنا وأوقاتهم. فقال عبد اللّه بن زيد: إنّي رأيت الأذان في المنام. ثمّ قال : وفي مراسيل أبي داود : أنّ عمر رأى مثل ذلك فقال : والّذي بعثك بالحقّ ، لقد رأيت مثل الّذي [رأى]. (9) وقد قيل : إنّ اُبي بن كعب قال : إنّي رأيته في النوم، فعند ذلك قال عمر لمّا رأى قبول الرؤيا: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بألفاظ الأذان؟ فقال صلى الله عليه و آله قم يا بلال وناد بالصلاة. (10) وحكى العلّامة في المنتهى عن عبد اللّه بن زيد أنّه قال : لمّا أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالناقوس ليجمع به الناس طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلت: يا عبد اللّه ، أتبيع الناقوس؟ فقال : وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة. فقال : ألا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى. قال : تقول : اللّه أكبر ، إلى آخر الأذان. ثمّ استأخر غير بعيد ، ثمّ قال : تقول : إذا قمت إلى الصلاة : اللّه أكبر ، إلى آخر الإقامة، فلمّا أصبحت أتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبرته بما رأيت ، فقال : «إنّها رؤيا حقّ إن شاء اللّه ، فقم مع بلال ، فألق عليه ما رأيت ، فليؤذّن به ، فإنّه أندى (11) صوتاً منك ، فقمت مع بلال ، فجعلت ألقي عليه ويؤذّن ، فسمع ذلك عمر بن الخطّاب وهو في بيته ، فخرج يجرّ رداءه ، فقال : يا رسول اللّه ، والّذي بعثك بالحقّ لقد رأيت مثل الّذي رأى ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلله الحمد.» (12) ونقل عن بعض الأصحاب الإجماع على لعن من ادّعى أنّ ثبوت الأذان بالرؤيا. وعن ابن أبي عقيل أنّه قال : أجمعت الشيعة على أنّ الصّادق عليه السلام لعن قوماً زعموا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخذ الأذان عن عبد اللّه بن زيد. (13) وعن كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهم : «أنّه سئل عن قول الناس في الأذان . إنّ السبب فيه رؤيا عبد اللّه بن زيد، فأخبر النبيّ صلى الله عليه و آله فأمر بالأذان. فقال : «الوحي ينزل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد اللّه بن زيد؟! والأذان وجه دينكم»، وغضب وقال : «بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : أهبط اللّه عزّ وجلّ ملكاً حتّى عرج برسول اللّه صلى الله عليه و آله »، وساق الحديث ، إلى أن قال : «فبعث اللّه ملكاً لم يُر في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده ، فأذّن مثنى ، وأقام مثني ، ثمّ قال : جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى الله عليه و آله : يا محمّد ، هكذا أذّن للصلاة». (14) وفي العلل في الصحيح عن أبي الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمّد بن النعمان الأحول وعمر بن اُذينة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّهم حضروه ، فقال : «يا عمر بن اُذينة ، ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وصلاتهم؟» فقلت: جعلت فداك ، إنّهم يقولون : إنّ اُبي بن كعب الأنصاري رآه في النوم. فقال : «كذبوا واللّه ، إنّ دين اللّه عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم»، الخبر. (15) وقد اعترف عبد اللّه بن زيد بأنّ الأذان كان بتعليم الرسول صلى الله عليه و آله على ما روي من طريقهم أنّه قال : علّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً الأذان والتكبير في أوّله أربع مرّات. (16) والّذي يظهر من أخبار أهل البيت عليهم السلام أنّهما شرّعا في المعراج ، فقد عرفت خبر دعائم الإسلام . ويدلّ أيضاً عليه حسنة عمر بن اُذينة ، وما يرويه المصنّف في باب النوادر في الحسن عن عمر بن اُذينة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل (17) . وقد رواه الصدوق في العلل (18) في الصحيح الّذي ذكرنا صدره . وما يرويه في كتاب الروضة عن أبي الربيع الشامي ، قال : حججت مع أبي جعفر عليه السلام في السنة الّتي كان حجّ فيها هشام بن عبد الملك ، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب ، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس ، فقال نافع: يا أمير المؤمنين ، مَن هذا الّذي قد تداكّ الناس عليه؟ فقال : هذا نبيّ أهل الكوفة ، هذا محمّد بن عليّ. فقال : أشهد لآتينّه ولأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ. قال : فاذهب إليه واسأله لعلّك تخجله، فجاء نافع حتّى اتّكأ على الناس ، ثمّ أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال : يا محمّد بن عليّ ، إنّي قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلّا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ. قال فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال : «سل عمّا بدا لك». فقال : أخبرني كم بين عيسى وبين محمّد صلى الله عليه و آله من سنة؟ قال : «أخبرك بقولي أو بقولك؟». قال : أخبرني بالقولين جميعاً. فقال : أمّا في قولي فخمسمئة سنة، وأمّا في قولك فستمئة سنة». قال : فأخبرني عن قول اللّه تعالى لنبيّه: «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَ_نِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ » (19) مَن الّذي سأله؟ وكان بينه وبين عيسى خمسمئة سنة؟ قال : فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية: «سُبْحَ_نَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِى بَ_رَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَ_تِنَآ» (20) ، فكان من الآيات الّتي أراها اللّه تعالى محمّدا صلى الله عليه و آله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر اللّه تعالى الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ أمر جبرئيل عليه السلام فأذّن شفعاً وأقام شفعاً ، وقال في أذانه : حيّ على خير العمل ، ثمّ تقدّم محمّد صلى الله عليه و آله فصلّى بالقوم ، فلمّا انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا له نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأنّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا». فقال نافع: صدقت يابا جعفر. الحديث. (21) وروي عن عليّ بن السندي ، عن ابن أبي عمير ، عن زرارة والفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لمّا اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل عليه السلام وأقام ، فتقدّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله » [وصّف الملائكة والنبيّون خلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ]. قال : فقلنا له: كيف أذّن؟ فقال : «اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه . والإقامة مثلها إلّا أنّ فيها: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة بين حيّ على خير العمل وبين اللّه أكبر، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً فلم يزل يؤذّن بها حتّى قبض اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ». (22) وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «لمّا اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله حضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل عليه السلام فلمّا قال : اللّه أكبر قالت الملائكة: اللّه أكبر اللّه أكبر ، فلمّا قال صلى الله عليه و آله : أشهد أن لا إله إلّا اللّه قالت الملائكة : خلع الأنداد، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه قالت الملائكة: [نبيّ] بعث ، فلمّا قال : حيّ على الصلاة قالت الملائكة: حثّ على عبادة ربّه ، فلمّا قال : حيّ على الفلاح قالت الملائكة: أفلح من اتّبعه». (23) وفي كتاب العلل عن أبي الصلت الهروي ، عن الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لمّا عرج بي إلى السّماء أذّن جبرئيل عليه السلام مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى» ، الحديث. (24) وعن ابن طاوس أنّه نقل عن تفسير محمّد بن عبّاس بن مروان (25) : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله في حديث المعراج قال : «ثمّ قام جبرئيل عليه السلام فوضع سبّابته اليمنى في اُذنه اليمنى ، فأذّن مثنى مثنى حتّى إذا قضى أذانه أقام مثنى مثنى» (26) . ثمّ نزل الوحي بهما في هذا العالم كما يدلّ عليه حسنة منصور بن حازم. (27) وأمّا فضلهما فدلّت عليه الأخبار من الطريقين ، فمن طريق العامّة منها ما نقلوه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «المؤذّنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة» (28) . وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأوّلون والآخرون : رجل نادى بالصلاة الخمس في كلّ يوم وليلة ، ورجل يؤمّ قوماً وهم به راضون ، وعبد أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه». (29) وما رواه مسلم في صحيحه عن طلحة بن يحيى ، عن عمّه ، قال : كنت عند معاوية بن أبي سفيان فجاءه المؤذّنون يدعوه إلى الصلاة ، فقال معاوية: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : [المؤذّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» . (30) عن جابر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول :] «إنّ الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتّى يكون مكان الروحاء». قال سليمان : فسألته عن الروحاء ، فقال : هي من المدينة ستّة وثلاثون ميلاً. (31) ومن طريق الأصحاب ، منها : ما رواه المصنّف من حسنة الحلبي (32) ، وهو يحيى على ما صرّح به في التهذيب (33) ، وقد رواه فيه بسندٍ صحيح عن محمّد بن مسلم عنه عليه السلام إلّا أنّه ذكر : «صفّ واحد» بدلاً عن «صفّ من الملائكة» في السندين جميعاً . (34) ومرسلة ابن أبي نجران (35) ، وخبرى محمّد بن مروان (36) وعبد اللّه بن سنان (37) ، ورواية هشام بن إبراهيم (38) ، وخبر سليمان الجعفري (39) . وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من أذّن في مصر من أمصار المسلمين [سنة] وجبت له الجنّة». (40) وعن سعد الأسكاف ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «من أذّن سبع سنين احتساباً جاء يوم القيامة ولا ذنب له». (41) وعن عيسى بن عبد اللّه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «للمؤذّن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحّط بدمّه في سبيل اللّه . قال : قلت يا رسول اللّه ، إنّهم يجتلدون على الأذان، قال : كلّا إنّه سيأتي زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم ، وتلك لحوم حرّمها اللّه على النار». (42) وعن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مَن أذّن عشر سنين محتسباً يغفر اللّه له مدّ بصره وصوته في السّماء ، ويصدّقه كلّ رطب ويابس سمعه ، وله بكلّ من يصلّي بصوته حسنة». (43) وعن سليمان بن جعفر ، عن أبيه ، قال : دخل رجل من أهل الشام على أبي عبد اللّه عليه السلام قال له: «إنّ أوّل من دخل الجنّة بلال». قال : ولم؟ قال : «لأنّه كان أوّل من أذّن». (44) وما رواه في المنتهى عن سلمان الفارسي أنّه قال : إذا كان الرجل بأرض قي (45) فأقام الصلاة صلّى خلفه ملكا[ن] ، فإذا أذّن وأقام صلّى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه ، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده ، ويؤمّنون على دعائه. (46) وما رواه الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة لا يُرى طرفاهما، ومن صلّى بإقامة صلّى خلفه ملك». (47) وعن العبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال : «من أذّن وأقام صلّى وراءه صفّان من الملائكة ، وإن أقام بغير أذان صلّى عن يمينه واحد وعن شماله واحد». ثمّ قال : «اغتنم الصفّين». (48) وقال : وروي: «من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلّى بإقامة بغير أذان صلّى خلفه صفّ واحد من الملائكة ، والصفّ ما بين المشرق والمغرب». (49) وعن عبد اللّه بن عليّ ، قال : حملت متاعى من البصرة إلى مصر فقدمتها ، فبينا أنا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طوال شديد الأدمة (50) ، أبيض الرأس واللحية ، عليه طمران (51) أسود والآخر أبيض ، قلت: من هذا؟ قالوا: بلال مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخذت ألواحي (52) فأتيته ، فسلّمت عليه ، فقلت: السلام عليك أيّها الشيخ. فقال : [و] عليك السلام يرحمك اللّه . قلت: حدّثني بما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : وما يدريك من أنا؟ فقلت: أنت بلال مؤذّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : فبكى وبكيت حتّى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي. قال : ثمّ قال : يا غلام من أيّ البلاد أنت؟ قلت من أهل العراق. قال : بخ بخ، فمكث ساعة (53) ، ثمّ قال : اكتب يا أخا أهل العراق: بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «المؤذّنون اُمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم ، لا يسألون اللّه [عزّوجلّ] شيئاً إلّا أعطاهم ، ولا يشفعون في شيء إلّا شفّعوا». قلت: زدني رحمك اللّه . (54) قال : اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن أربعين عاماً [محتسبا] بعثه اللّه يوم القيامة آمناً وله عمل أربعين صدّيقاً عملاً مبرورا متقبّلاً». قلت: زدني رحمك اللّه . قال : اكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن عشرين عاماً بعثه اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة وله من النور مثل نور السماء». (55) قلت: زدني يرحمك اللّه . قال : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن عشر سنين أسكنه اللّه عزّ وجلّ مع إبراهيم [الخليل] عليه السلام في قبّته أو في درجته _». قلت: زدني رحمك اللّه . (56) قال : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن سنة واحدة بعثه اللّه يوم القيامة وقد غفرت ذنوبه كلّها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد». قلت: زدني رحمك اللّه . (57) قال : نعم فاحفظ واعمل واحتسب ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن في سبيل اللّه صلاةً واحدة إيماناً واحتساباً وتقرّباً إلى اللّه عزّ وجلّ غفر اللّه ما سلف من ذنوبه ، ومنّ عليه بالعصمة فيما بقي من عمره ، وجمع بينه وبين الشهداء في الجنّة». قلت: زدني رحمك اللّه [حدّثني] بأحسن ما سمعت. قال : ويحك يا غلام ، قطّعت أنياط (58) قلبي ، وبكى وبكيت حتّى أنّي واللّه لرحمته ، ثمّ قال : اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه عزّ وجلّ الناس في صعيد واحد بعث اللّه عزّ وجلّ إلى المؤذّنين بملائكة من نور ، معهم ألوية وأعلام من نور ، يقودون جنائب (59) ، أزمّتها (60) زبرجد أخضر ، وحقائبها (61) المسك الأذفر ، يركبها المؤذّنون ، فيقومون عليها قياماً ، يقودهم الملائكة ينادون بأعلى صوتهم بالأذان». ثمّ بكى بكاءً شديدا حتّى انتحب (62) وبكيت ، فلمّا سكت قلت : ممّ بكاؤك؟ قال : ذكّرتني أشياء سمعت حبيبي وصفيّي عليه السلام يقول : «والذي بعثني بالحق نبيّا ، إنّهم ليمرّون على الخلق قياماً على النجائب ، فيقولون : اللّه أكبر اللّه أكبر ، فإذا قالوا ذلك سمعت لاُمّتي ضجيجاً» ، فسأله اُسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو؟ قال : «التسبيح والتحميد والتهليل ، فإذا قالوا أشهد أن لا إله إلّا اللّه قالت اُمّتي : إيّاك نعبد (63) في الدنيا ، فيقال لهم (64) : صدقتم . فإذا قالوا : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه قالت اُمّتي : هذا الّذي أتانا برسالة ربّنا جلّ جلاله وآمنّا به ولم نره . فيقال : لهم صدقتم ، هذا الّذي أدّى إليكم الرسالة من ربّكم وكنتم به مؤمنين ، فحقيق على اللّه أن يجمع بينكم وبين نبيّكم ، فينتهى بهم إلى منازلهم ، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ». ثمّ نظر إليّ فقال : إن استطعت ولا قوّة إلّا باللّه أن لا تموت إلّا مؤذّناً فافعل. الحديث في صفة الجنّة. (65) قوله في خبر إسماعيل الجعفي : (الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً) إلخ . [ح 3 / 4934] هو موثّق ليس بصحيح بأبان بن عثمان (66) ، وربّما ظنّ ضعفه بمحمّد بن عيسى عن يونس (67) ، وقد سبق جوابه . والمراد بالحرف الكلمة ، وعدّ الأذان ثمانية عشر حرفاً مبنيّ على زيادة التكبير مرّتين على المرّتين المزبورتين فيما سبق . وقد وقع التصريح بذلك في خبر حريز ، عن زرارة (68) ، وخبر إسحاق بن عمّار عن المعلّى بن خنيس ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يؤذّن فقال : «اللّه أكبر أللّه أكبر اللّه أكبر أللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه » (69) . وما رواه الصدوق في الفقيه عن الفضل بن شاذان من العلل عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «إنّما اُمر الناس بالأذان لعلل كثيرة ، منها : أن يكون تذكيرا للناس ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه ، ويكون المؤذّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ومرغّباً فيها ، مقرّا له بالتوحيد ، مجاهرا بالإيمان ، معلناً بالإسلام ، مؤذّناً لمن ينساها ، وإنّما يقال له مؤذّن لأنّه يؤذن بالصلاة ، وإنّما بدأ [فيه] بالتكبير وختم بالتهليل ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه ، واسم اللّه في التكبير في أوّل الحرف ، وفي التهليل في آخره ، وإنّما جعل مثنى مثنى ليكون تكرارا في آذان المستمعين مؤكّدا عليهم ، إن سها عن الأوّل لم يسه عن الثاني؛ ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان ، فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، وجعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً ؛ لأنّ الأذان إنّما يبدو غفلة ليس من قبله كلام ينبّه المستمع له ، فجعل الأوّلتان تنبيهاً للمستمعين لما بعده في الأذان ، وجعل بعد التكبير الشهادتان لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد، والإقرار للّه تعالى بالوحدانيّة ، والثاني الإقرار للرسول صلى الله عليه و آله بالرسالة وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ؛ ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتين شهادتين ، كما جعل في سائر الحقوق شاهدان ، فإذا أقرّ للّه عزّ وجلّ بالوحدانيّة وأقرّ للرسول صلى الله عليه و آله بالرسالة فقد أقرّ بجملة الإيمان ؛ لأنّ أصل الإيمان ؛ إنّما هو [الإقرار] باللّه وبرسوله ، وإنّما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ، ودعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما هو فتح باسمه». (70) وما رواه العامّة عن عبد اللّه بن زيد ، قال : علّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً الأذان والتكبير في أوّله أربع مرّات (71) ، وقد تقدّم . وعدّ الإقامة سبعة عشر حرفاً بناه على نقص تهليل من آخرها عمّا سبق ، وقوله مرّة واحدة. ويؤيّده ما دلّ على توحيد التهليل في آخرها ظاهرا من صحيحة معاذ بن كثير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان ، فخشى إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلّا اللّه ، وليدخل في الصلاة» . (72) وهذه الطريقة فيهما هو المشهور بين الأصحاب لا سيّما المتأخّرين منهم ، ونسبت في الناصريات (73) والمنتهى (74) إلى علمائنا وإجماعهم ، وقد أجمعوا على تثنية باقي فصولهما. وقال الشيخ في النهاية مشيرا إلى الخبر المذكور في العنوان: هذا هو المعمول عليه (75) ، وقد نقل ذلك عن فقه الرضا عليه السلام لكن مع تربيع التكبير في أوّل الإقامة أيضاً (76) . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «التهليل في آخر الإقامة مرّة واحدة إذا كان المقيم قد أتى بها بعد أذان، فإن كان قد أتى بها بغير أذان ثنّاه» . (77) والظاهر أنّه أراد بالأذان أذاناً يربّع التكبير في أوّله ، وأنّه بذلك جمع بين خبر الجعفي (78) وما دلّ على أنّ الإقامة مثنى مثنى. ومن الأخبار ما دلّ على تربيع التكبير في أوّل الأذان والإقامة وتثنية التهليل في آخرهما جميعاً ، رواه الشيخ والصدوق عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه حكى لهما الأذان ، فقال : «اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه ». والإقامة كذلك. (79) فبضميمة قد قامت الصلاة مرّتين المعتبرة فيها إجماعاً تصير فصول الإقامة عشرين ، ومع الأذان ثمانية وثلاثين فصلاً . ونسبه الشيخ في المبسوط إلى بعض علمائنا من غير أن يعيّن قائله . (80) وعلى المشهور حمل التشبيه فيه على مشاركتهما في أكثر الفصول . ويؤيّده اعتبار قد قامت الصلاة مرّتين في المشبّه ، وهو غير مذكور فيه . ومنها ما دلّ على تثنية الفصول كلّها في الأذان والإقامة جميعاً ، ففي صحيحة أبي همّام الآتية عن قريب: «الأذان والإقامة مثنى مثنى» . (81) وفي صحيحة صفوان بن مهران ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى» ، الحديث (82) وسيأتي تتمّته ، بل أصل وضعه على ذلك على ما ظهر من أحاديث المعراج. ومنها: ما دلّ على تثنيتها كلّها في الأذان وتوحيدها في الإقامه ، ففي الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة واحدة» ، (83) ولعلّه ورد تقيّة ؛ لموافقته لمذهب بعض العامّة ، أو في حال الضرورة ، أو عذر ، ولا يبعد الجمع بتخصيصه بما إذا أذّن معها لصحيحة أبي همّام ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى»، وقال : «إذا أقام مثنى مثنى ولم يؤذّن أجزأ في الصلاة المكتوبة ، ومن أقام الصلاة واحدة واحدة ولم يؤذّن لم يجزه إلّا بأذان». (84) ومنها: ما يفهم منه جواز توحيد فصولهما ، رواه يزيد (85) مولى الحكم ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لئن أقمتم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن اُؤذّن واحدة واحدة». (86) ومنها : ما دلّ على توحيد أكثر فصول الإقامة ، رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الإقامة مرّة مرّة ، إلّا قوله اللّه أكبر فإنّه مرّتان» (87) ، وحمله على التقيّة ، وعلى ما إذا كان المصلّى مستعجلاً . وأيّد الباقي بما دلّ على جواز ذلك في الأذان حال الاستعجال من صحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له: لِمَ تكبّر واحدة واحدة؟ فقال : «لا بأس به إذا كنت مستعجلاً». (88) ومنها: [ما دلّ] على تثنية فصولهما ، لكن بتوحيد التهليل في آخر الإقامة ، فقد نقل عن كتاب دعائم الإسلام أنّه روى فيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى، وتفرد الشهادة في آخر الإقامة، تقول : لا إله إلّا اللّه مرّة واحدة» . (89) وقال الشيخ في النهاية بعدما أفتى بالقول المشهور _ : وقد روي سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الروايات ، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلاً ، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلاً. فأمّا من روى سبعة وثلاثين فصلاً [فإنّه يقول في أوّل الإقامة أربع مرّات اللّه اكبر ، ويقول في الباقى كما قدّمناه ، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلاً] يضيف إلى ما قدّمناه من قول لا إله إلّا اللّه مرّة اُخرى في آخر الإقامة ، ومن روى اثنين وأربعين فصلاً فإنّه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرّات ، وفي أوّل الإقامة أربع مرّات ، وفي آخرها أيضاً مثل ذلك أربع مرّات ، ويقول : لا إله إلّا اللّه مرّتين في آخر الإقامة . ثمّ قال : «فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً» . (90) ونقل ذلك عن المحقّق (91) والشهيد أيضاً . أقول : قد ظهر من أحاديث المعراج أنّهما كانا موضوعين مثنى مثنى . ويدلّ أيضاً على تثنية فصولهما صحيحا أبي همام وصفوان المتقدّمين . وفي خصوص الأذان صحيحة عبد اللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان فقال : «تقول : اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه ». (92) ويؤيّدها ما روي في الفقيه أنّه لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله امتنع بلال من الأذان ، وقال : لا اُؤذّن لأحد بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ فاطمة عليهاالسلامقالت ذات يوم: «إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي عليه السلام بالأذان» ، فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان ، فلمّا قال : اللّه أكبر اللّه أكبر ذكرت أباها عليه السلام وأيّامه ، فلم تتمالك من البكاء ، فلمّا بلغ إلى قوله : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه شهقت فاطمة شهقة وسقطت لوجهها وغشي عليها، فقال الناس لبلال : أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الدنيا ، وظنّوا أنّها قد ماتت ، فقطع أذانه ولم يتمّه ، فأفاقت فاطمة عليهاالسلاموسألته أن يتمّ الأذان فلم يفعل ، وقال : يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان ، فأعفته عن ذلك. (93) بل دلّ خبر ابن أبي عمير [عن عمر بن أذينة] ، عن زرارة والفضيل المتقدّم (94) على أنّهما كانا مثنى مثنى حتّى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فالظاهر رجحان هذه الطريقة . وحمل جماعة منهم بهاء الملة والدين هذه الأخبار على تثنية أغلب فصولهما (95) بناءً على ترجيحهم خبر إسماعيل الجعفي (96) ، وهو مع بعده لا يجري في صحيحة عبد اللّه بن سنان وأكثر أخبار المعراج. وأبعد منه ما ذكره الشيخ في التهذيب (97) والعلّامة في المنتهى (98) من أنّ المقصود منها إنّما كان تفهيم السائل كيفيّة التلفّظ لا تعريف العدد . هذا ، ويظهر من بعض الأخبار قصر فصولهما في السفر ، والظاهر أنّه من باب التخفيف ، رواه الشيخ عن القاسم بن عروة ، عن بريد (99) بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة واحدة». (100) وعن عبد الرحمان بن أبي عبداللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة» . (101) فإن قيل : تشبيهه بقصر الصلاة يؤذن بوجوبه. قلنا : التشبيه إنّما هو في كمّيّته لا في كيفيّته . وأيضاً يشعر بذلك تفسيره عليه السلام ذلك بقوله: «الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة واحدة». ويؤيّده لفظ الإجزاء في خبر نعمان الرازي ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر» (102) ، ولم أجد تصريحاً من الأصحاب بهذا التقصير. وفي بعض الأخبار ترك الأذان فيه ، وهو أيضاً لنفي تأكّد الاستحباب ، رواه محمّد بن مسلم والفضيل بن يسار في الموثّق عن أحدهما عليهماالسلام قال : «يجزيك إقامة في السفر» (103) ؛ بقرينة لفظ الإجزاء . وما روته العامّة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يؤذّن له في السفر والحضر . (104) وصرّح بذلك العلّامة في المنتهى حيث قال : «ورخّص للمسافر في ترك الأذان والاجتزاء بالإقامة ، وحكاه عن أهل العلم» (105) ، وعلّله أيضاً بأنّ السفر مظنّة المشقّة ، وخفّف فيه بعض الواجب فبعض النفل أولى . وظاهره ذلك في مطلق الصلوات ، ولا يبعد تخصيص الرخصة في المسألتين بالصلوات المقصورة ؛ للجمع بين ما ذكر وبين صحيحة صفوان بن مهران المتقدّم صدرها : «الأذان مثنى مثنى [والإقامة مثنى مثنى] ، ولابدّ في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر ؛ لأنّه لا يقصّر فيهما في حضر ولا سفر ، ويجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل» . (106) وخبر ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يجزيك في السفر إقامة واحدة ، إلّا الغداة والمغرب» . (107) وظاهر (108) التشبيه في خبرى بريد بن معاوية وعبد الرحمان بن أبي عبد اللّه المتقدّمين. واختلف العامّة في كمّيّة فصولهما ، ففي الوجيز : «الأذان مثنى [مثنى] والإقامة فرادى» . (109) وفي فتح العزيز : الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى ، إلّا أنّ المؤذّن كان يقول قد قامت الصلاة مرّتين ، وقولنا : الأذان مثنى مثنى ليس المراد أنّ جميع كلماته مثنّاة ، لأنّ كلمة لا إله إلّا اللّه في آخره لا يؤتى بها إلّا مرّة واحدة ، وكلمة التكبير يؤتى في أوّله أربع مرّات ، خلافاً لمالك حيث قال : لا يؤتى بالتكبير في أوّله إلّا مرّتين . لنا: أنّ أبا محذورة كذلك حكاه عن تلقين رسول اللّه صلى الله عليه و آله إيّاه ، وكذلك هو في قصّة رؤيا عبد اللّه بن زيد في الأذان ، وهي مشهورة . وقولنا : الإقامة فرادى لا نعني به أنّ جميع كلماته موحّدة ، بل كلمة التكبير مثنّاه في الابتداء والانتهاء ، وكذلك كلمة الإقامة. هذا قوله في الجديد ، وفي القديم : لا يقولون (110) هذه الكلمات أيضاً إلّا مرّة واحدة ، وقال مالك : لما روي أنّه أمر بلالاً أن يشفّع الأذان ويوتر الإقامة . وحجّة الجديد ما قدّمناه من خبر ابن عمر ، ومنهم من يقتصر في حكاية القديم على إفراد كلمة الإقامة دون التكبير . وحكي عن محمّد بن إسحاق [بن خزيمة] من الشافعيّة أنّه قال : «إن رجّع في الأوّل ثنّى الإقامة ، وإلّا إفردها ؛ جمعاً بين الأخبار [في الباب] ». وذكر في التهذيب أنّه قول للشافعي ؛ لما روي عن أبي محذورة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله علّمه [الأذان] تسع عشر كلمة . هذا كلامه (111) . وسيأتي معنى الترجيع في الأذان . واعلم أنّه أجمع الأصحاب على وجوب حيّ على خير العمل في الأذان والإقامة في أصل وضعهما وعدم نسخه (112) ، وإنّما أسقطها الثاني معتذرا بأنّ الناس إذا سمعوا أنّ الصلاة خير الأعمال اشتغلوا بها ويدعوا الجهاد . وفي الذكرى : روي عن سهل بن حنيف وعبد اللّه بن عمر والباقر والصادق عليهماالسلام أنّهم كانوا يؤذّنون بحيّ على خير العمل . وفي حديث ابن عمر أنّه سمع أبا محذورة (113) ينادى بحيّ على خير العمل في أذانه عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وعليه شاهدنا آل الرسول صلى الله عليه و آله . وعليه العمل بطربستان واليمن والكوفة ونواحيها وبعض بغداد . وقال ابن أبي عبيد : إنّما أسقط حيّ على خير العمل مَن نهى عن المتعتين وعن بيع اُمّهات الأولاد خشية أن يتّكل الناس بزعمه على الصلاة ويدعوا الجهاد. (114) وفي الانتصار : «قد روت العامّة في ذلك ممّا كان يقال في بعض أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله ، وإنّما ادّعى أنّ ذلك نُسخ ورُفع ، وعلى من ادّعى ذلك الدلالة ، وما يجدها». (115) وكان ابن النّباح يقول في أذانه: حيّ على خير العمل ، فإذا رآه عليّ عليه السلام قال : مرحباً بالقائلين عدلاً و بالصلاة مرحبا وأهلاً. (116) وفي كتاب العلل عن محمّد بن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن حيّ على خير العمل لم تُركت من الأذان؟ فقال : «تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟» قال : أريدهما جميعاً. فقال : «أمّا العلّة الظاهرة فلئلّا يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة ، وأمّا الباطنة فلأنّ خير العمل الولاية ، فأراد من أمر بترك حيّ على خير العمل من الأذان أن لا يقع حثّ عليها ودعاء إليها». (117) وعن محمّد بن مروان ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أتدري ما تفسير حيّ على خير العمل؟» قال : قلت: لا. قال : «دعاؤك إلى البرّ، أتدري برّ من؟» قلت: لا. قال : «دعاؤك إلى برّ فاطمة وولدها عليهم السلام ». (118) وهل تجوز شهادة الولاية فيهما بعد الشهادتين ؟ الظاهر ذلك إذا لم يقصد جزئيّتها منهما ؛ لأنّها من أركان الإيمان ، راجح ذكرها في جميع الأحوال حتّى في الصلاة . ولا دليل على المنع عنها فيما إذا لم يقصد هذه ، ولذا قال الشيخ في المبسوط: «لا يأثم بها»، ومثلها شهادة أنّ محمّدا وآله خير البريّة. (119) وقطع الشيخ في النهاية بتخطئة قائل الاُولى ساكتاً عن الثانية. (120) ونسبهما الصدوق في الفقيه إلى وضع المفوّضة ، فقد قال : المفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا أخبارا وزادوا بها في الأذان : «محمّد وآل محمّد خير البريّة»، مرّتين . وفي بعض رواياتهم [بعد أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ] : «أشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه » مرّتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : «أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً» مرّتين ، ولاشكّ في أنّ عليّاً وليّ اللّه وأنّه أمير المؤمنين حقّاً ، وأنّ محمّدا وآله صلوات اللّه عليهم خير البريّة ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ، وإنّما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا. (121) أقول : لا ريب فيما ذكره من أنّ هذه الأخبار موضوعة وأنّ واضعها ملعون ، وإنّما نجوّزها بقصد التبرّك ولا مانع منه ، إلّا إذا اشترط تتابع الفصول وتواليها ، ولا دليل عليه. قوله في صحيحة معاوية بن وهب : (قال : ما نعرفه) . [ح 6 / 4937] أجمع الأصحاب على أنّ التثويب والترجيع غير مسنونين في الأذان ، واختلفوا في جوازهما ، فالمشهور ذلك مع الكراهة ، وبه قال السيّد في الانتصار . (122) وظاهر الشيخ في النهاية (123) والخلاف (124) التحريم ، لكن في الخلاف اقتصر على ذكر التثويب ، وقد قال به السيّد أيضاً في الناصريّات ؛ محتجّاً بأنّ الأذان عبادة متلّقاة من الشارع ، فالزيادة عليها بدعة كالنقصان ، وكلّ بدعة حرام . (125) وهو ظاهر العلّامة أيضاً في المنتهى ، حيث قال : «التثويب في أذان الغداة وغيرها غير مشروع» ، (126) ونسبه إلى أكثر علمائنا وإلى الشافعي. (127) واحتجّ عليه بخلوّ أخبار الأذان الّتي عندنا ، وما روته العامّة عن عبد اللّه بن زيد في أصل وضع الأذان عنه (128) ، وحكى عن أكثر العامّة استحبابه محتجّين بما نقلوه عن أبي محذورة ، قال : قلت: يا رسول اللّه ، علّمني سنّة الأذان. فقال : قوله بعد حيّ على خير العمل: «فإن كان في صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم». (129) وأجاب عنه: بأنّ أبا محذورة ضعيف عند أهل الحديث منهم ، وقال : «والعجب أنّ أبا حنيفة لا يعمل بخبر الواحد فيما يعمّ به البلوى ، وعمل برواية أبي محذورة مع ما فيها من المطاعن ومعارضتها لروايات صحاح ». ونقل عن جماعة منهم إنكار هذه الرواية ، (130) ونسب بعض الأصحاب استحباب الترجيع أيضاً إلى أكثر العامّة . (131) واختلف في تفسيرهما ، فقال الشيخ في المبسوط: الترجيع بتكرير التكبير والشهادة في أوّل الأذان ، يعني قولهما زائدين على المقرّر. والتثويب يقول : الصلاة خير من النوم ، (132) وهذا التفسير منقول عن ابن حمزة . (133) وقال ابن إدريس : التثويب : تكرير الشهادتين دفعتين . (134) وفي المنتهى : قول : الصلاة خير من النوم ، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وفي الاُخرى : أنّه قول المؤذّن بين أذان الفجر وإقامته حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح مثنى مثنى . (135) وحكى في الخلاف عن بعض أصحابه أنّه قول المؤذّن بعد الأذان : حيّ على الفلاح . (136) ويظهر من الخلاف أنّ أصل وضع التثويب عندهم كان على قول الصلاة خير من النوم مرّتين فيما بين الأذان والإقامة (137) . ولعلّهم تمسّكوا في ذلك بما روى في المنتهى عنهم عن بلال أنّه أذّن ، ثمّ جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يؤذنه بالصلاة ، فقيل له : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نائم ، فقال بلال : الصلاة خير من النوم ، مرّتين . (138) والظاهر جواز الترجيع بالتفسير الّذي في المبسوط ؛ لزيادة التنبيه والإعلام ؛ أو لانتظار الجماعة عنه ، بل يجوز تكرير الحيّعلات أيضاً لذلك ؛ لما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «لو أنّ مؤذّناً أعاد في الشهادة وفي حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين والثلاث ، وأكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد جماعة القوم ، لم يكن به بأس» (139) . وكأنّه لذلك اقتصر السيّد في الناصريات (140) والشيخ في الخلاف (141) على المنع من التثويب . وأمّا التثويب أعني: قول الصلاة خير من النوم ، فالظاهر تحريمه مطلقاً، وتكريره بدعة ؛ لما عرفت . ويؤيّده هذه الصحيحة . وقد ورد في بعض الأخبار جوازه ، بل استحبابه أيضاً ، فقد روى الشيخ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام : «قال كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خيرٌ من النوم ، ولو ردّدت ذلك لم يكن به بأس». (142) وعن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «النداء والتثويب في الإقامة من السنّة» ، (143) وحملهما على التقية ؛ مستندا بإجماع الطائفة على ترك العمل بهما ، وبهذه الصحيحة ، وبصحيحة زرارة ، قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : «يا زرارة ، تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين ، وإن شئت زدت على التثويب حيّ على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم» . قال : فلو كان ذكر الصلاة خيرٌ من النوم من السنّة لما سوّغ له العدول عمّا هو السنّة إلى تكرار اللفظ، وتكرار اللفظ ، إنّما يجوز إذا اُريد به تنبيه إنسان على الصلاة أو انتظار آخر وما أشبه ذلك . (144) على أنّهما غير صريحين في هذه الدعوى ، أمّا الأوّل ؛ فلاحتمال أن يكون قوله عليه السلام ذلك في غير الأذان والإقامة لتنبيه النائمين. وأمّا الثاني، فلأنّ التثويب فيه محتمل لتكرير الفصول زائدا على المقرّر كما عرفت أنّه أحد تفسيره . وقال طاب ثراه : يحتمل أن يكون التثويب هنا بمعنى حيّ على خير العمل ، فإنّه ورد بهذا الإسم كما صرّح به الفاضل الأردبيلي (145) . ويحتمل أن يكون بمعنى قد قامت الصلاة ، ويؤيّده أنّه فسّره عيسى بن دينار (146) بالإقامة فيما رواه مسلم عنه صلى الله عليه و آله : «إذا ثوّب بالصلاة أدبر الشيطان» (147) ، حيث قال : ثوّب بالصلاة ، أي اُقيمت (148) . ويحتمل أن يكون بمعنى تشبيه فصوله بفصول الإقامة. ويؤيّده قول الطبري في تفسير هذا الحديث : ثوّب ، أي صرّح بالإقامة مرّة بعد مرّة ، وكلّ مردّد صوته بشيء مثوّب ، ومنه قيل للمنزل مثابة ؛ لأنّ الناس يرجعون إليه مرّة بعد مرّة. (149) وهذه التأويلات تجري فيما رواه المحقّق مثل الخبرين على ما نقل عنه أنّه قال في كتاب أحمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : حدّثني عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «الأذان : اللّه أكبر اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه » ، وقال في آخره : «لا إله إلّا اللّه » مرّة ، ثمّ قال : «إذا كنت في أذان الفجر فقل : الصلاة خيرٌ من النوم بعد حيّ على خير العمل ، وقل بعده اللّه أكبر اللّه أكبر : لا إله إلّا اللّه ، ولا تقل في الإقامة : الصلاة خيرٌ من النوم، إنّما هو في الأذان (150) . وقد عمل بمضمون هذه الأخبار جماعة ، فعن الجعفي أنّه يقول في أذان الصبح بعد حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل : الصلاة خيرٌ من النوم مرّتين ، وليستا من أصل الأذان. (151) وعن ابن الجنيد أنّه قال : «لا بأس به في صلاة الصبح» (152) ، وقال السيّد في الانتصار (153) والشيخ في المبسوط (154) بكراهتها على خلاف ما ذهب إليه في الناصريات (155) والنهاية (156) والخلاف (157) ، فأنّهما حرّماها فيها على ما سبق . قوله في حسنة زرارة : «إذا أذّنت فافصح بالألف والهاء»، إلخ . (158) المراد كلّ ألف وهاء فيه كالألف والهاء في الجلالة والهاء في أشهد ، والألف في الفلاح ، وإفصاحهما : إظهار الحرفين وحركتهما وسكونهما ، ففي التهذيب عن خالد بن نجيح ، عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف» . (159) وعن زرارة في الحسن ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «الأذان جزمه بإفصاح الألف والهاء، والإقامة حدر». (160) وروى في المنتهى عن الرّسول صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا يؤذّن لكم من يدغم الهاء» قلنا : كيف يقول؟ قال : «يقول أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه » . (161) وربّما توهّم أنّ المراد بالإفصاح إظهار الحركة فقط ، فقال : المراد بالهاء هاء إله لا هاء أشهد ولاهاء اللّه ؛ لأنّهما مبنيّتان ، وهو منقول عن ابن إدريس . (162) ولا اختصاص لاستحباب الإفصاح بالحرفين ، بل ينبغي إفصاح كلّ حرف منه ، لأنّه جود والجودة مطلوب للشارع في القراءات والأدعية والأذكار ، ولذا رغّب في الأذان بالترتيل في خبر الحسن بن السري (163) ، وهو حفظ الوقوف وأداء الحروف عن مخارجها. قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة : (أيجزي أذان واحد؟) (164) [ح 9 / 4940] . المشهور استحبابهما في الفرائض اليوميّة أداءً وقضاءً ، سفرا وحضرا على كلّ مكلّف ، وتأكّده على الرجال لا سيما في الصبح والمغرب والجمعة والجماعة ، ذهب إليه الشيخ في أكثر كتبه ، (165) والسيّد في الناصريّات (166) وابن إدريس (167) وعامّة المتأخّرين (168) ، وهو منقول عن سلّار (169) ، ومحكى عن أبي حنيفة وأكثر الشافعيّة. (170) وقال المفيد في المقنعة: وإذا كانت صلاة جماعة كان الأذان والإقامة [لهما] واجبين ، ولا يجوز تركهما في تلك الحال ، ولا بأس أن يقتصر الإنسان إذا صلّى وحده بغير إمام على الإقامة ويترك الأذان في ثلاث صلوات ، وهي : الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، ولا يترك الأذان والإقامة في المغرب والفجر ؛ لأنّهما صلاتان لا تقصران في السفر (171) . وعن ابن أبي عقيل وجوبهما في الصبح والمغرب والجمعة ، ووجوب الإقامة في الجميع على الرجال ، ووجوب التكبير والشهادتين فقط على النسوان وبطلان الصلاة بتركهما في مواضع الوجوب (172) . وعن السيّد المرتضى أنّه قال في جمله تجب الإقامة على الرجال في كلّ فريضة والأذان على الرجال والنساء في الصبح والمغرب ، وعلى الرجال خاصّة في الجمعة والجماعة . (173) وذهب الشيخ في المبسوط والنهاية إلى وجوبهما في الجماعة (174) ، وهو منقول عن أبي الصلاح (175) وابن البرّاج (176) وابن حمزة (177) ، ومحكي في المنتهى (178) عن بعض كتب السيّد المرتضى (179) . والظاهر أنّ هؤلاء ما عدا ابن أبي عقيل أرادوا بذلك فوات فضيلة الصلوات المذكورة وفضيلة الجماعة بتركهما لا عدم إجزاء الصلاة ، وظاهرٌ في ذلك كلام الشيخ في النهاية حيث قال : «ولا يجوز ترك الأذان والإقامة معاً في صلاة الجماعة ، فمن تركهما فلا جماعة له». (180) وصرّح به في المبسوط فقد قال : «متى صلّى جماعة بغير أذان وإقامة لم يحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية». (181) وفي المهذّب: «المراد بالوجوب في الجماعة الشرطيّة في فضيلة الجماعة لا في صحّة الصلاة» (182) . واحتجّوا على ما ذهبوا إليه في المواضع المذكورة بهذا الخبر ، وصحيحة صفوان بن مهران (183) المتقدّمة في عدد فصولهما ، وخبر صباح بن سيابة ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تدع الأذان والإقامة في الصلاة كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنّه ليس فيهما تقصير» . (184) وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «إنّ أدنى ما يجزي من الأذان تفتتح الليل بأذان وإقامة وتفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان. وجمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الظهر والعصر بعرفة بأذانٍ واحد وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بجمع (185) بأذانٍ واحد وإقامتين» (186) . وموثّق سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تصلّي الغداة والمغرب إلّا بأذان وإقامة، ورخّص في سائر الصلوات [بالإقامة] ، والأذانُ أفضلُ» (187) . وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن. (188) وموثّق عبداللّه بن بكير ، عن الحسن بن زياد ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة». (189) وصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان». (190) وحُملت هذه الأخبار في المشهور على تأكّد استحبابهما في هذه الصلوات بخصوصها ، أمّا في الأذان فالجمع بينها وبين صحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، فقال : «ليس به بأس» . (191) ويؤيّدها عموم صحيحة عبيداللّه بن عليّ الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل ، هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : «نعم لا بأس به». (192) وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة، قال : «فليمض على صلاته ، فإنّما الأذان سنّة». (193) وأمّا في جانب الإقامة أيضاً فلصحيحة حمّاد بن عثمان في تعليم الصلاة حيث قام عليه السلام مستقبل القبلة وكبّر من غير أن يؤذّن ويقيم (194) ؛ إذ لو وجبا لما تركهما عليه السلام في ذلك المقام . وقد روى الجمهور أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال للّذي علّمه الصلاة: «إذا أردت الصلاة فاحسن الوضوء ثمّ استقبل القبلة فكبّر» (195) ، ولم يأمره بالأذان والإقامة . وربّما يظهر من بعض الأخبار وجوبهما في مطلق اليوميّة ، وهو أيضاً محمول على ضرب من التأكّد ؛ لما ذكر [وما ]رواه عمّار الساباطي ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «لابدّ للمريض أن يؤذّن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلّم [به]» . سُئل: فإن كان شديد الوجع؟ قال : «لابدّ من أن يؤذّن ويقيم لأنّه لا صلاة إلّا بأذان وإقامة». (196) ويُفهم من خبر جميل بن درّاج (197) وموثّق أبي مريم الأنصاري (198) عدم استحبابهما على النساء وأنّها تكتفي بالتكبير والشهادتين من الإقامة . ويؤكّدهما ما ورد في الفقيه من قول الصادق عليه السلام : «ليس على النساء أذان ولا إقامة ، [ولاجمعة] ، ولا استلام الحجر ، ولا دخول الكعبة ، ولا الهرولة بين الصفا والمروة ، ولا الحلق ، إنّما يقصرن من شعورهنّ». (199) والظاهر أنّ المراد منها نفي تأكّد استحبابهما عليها ؛ لإطلاق أكثر الأخبار المذكورة ، و لما قال الصدوق بعد ما نقلت عنه: وفي خبر آخر قال الصادق عليه السلام : «ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة، وتكفيها الشهادتان ، ولكن إن أذّنت وأقامت فهو أفضل». (200) ولصحيحة عبد اللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : «حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ». (201) ويؤيّدهما صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : النساء ليس عليهنّ أذان؟ فقال : «إذا شهدت الشهادتين فحسبها» . (202) وربّما حمل الأذان المنفي عنهنّ على الإعلامي. وفيه : أنّه لا يتأتّى ذلك في الإقامة وقد ورد نفيها أيضا ، أو أن تحمل الإقامة على الإقامة لجماعة الرجال . وهذا الجمع لابدّ منه في كلامي العلّامة أيضاً في المنتهى حيث تناقضا ظاهرا ، فإنّه قال : «ليس على النساء أذان ولا إقامة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّها عبادة شرعيّة يتوقّف توجّه التكليف بها على الشرع ، و لم يرد» (203) . وأيّده بخبر جميل ، وعدّه صحيحاً بناءً على ما عرفت مرارا في محمّد بن إسماعيل الّذي يروى المصنّف عنه ، ثمّ قال بلا فصل : فروع: الأوّل : يجوز ان تؤذّن المرأة للنساء ويعتدّون به ، ذهب إليه علماؤنا ، وقال الشافعي : إن أذّنّ وأقمن فلا بأس (204) . وقال عطا ومجاهد والأوزاعي : إنّهنّ يقمن . (205) لنا : ما رواه الجمهور عن عائشة أنّها كانت تؤذّن وتقيم (206) ، وعن اُمّ ورقة (207) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أذن لها أن تؤذّن وتؤمّ لنساء أهل دارها (208) ، وصحيحة عبد اللّه بن سنان مشيرا إلى ما رويناه _ (209) ولأنّه تصحّ إمامتها مع أنّ منصب الإمامة أعظم من التأذين. (210) الثاني: قال علماؤنا : إذا أذّنت المرأة أسرّت بصوتها ، لئلّا تسمعه الرجال ، وهو عورة. الثالث: قال الشيخ : إنّه يعتدّ بأذانهنّ للرجال ، وهو ضعيف ، لأنّها إن جهرت ارتكبت معصية، والنهي يدلّ على الفساد ، وإلّا فلا اجتزاء ؛ لعدم السماع . انتهى . والجمع بحمل النفي على نفي التأكّد؟ كلامه الأوّل صريح في نفي المشروعيّة ، وظاهر فروعه استحبابه لهنّ مطلقاً على ما يظهر من استدلالاته . وتخصيص الأوّل بالمنفردة والثانية بالإمام منهنّ أيضاً بعيد ؛ لما عرفت . وحمل الأوّل على الأذان الإعلامي أيضاً بعيد ؛ لضميمة نفي الإقامة أيضاً ، فتدبّر لعلّه يظهر لك تأويل حسن. واختلفت العامّة أيضاً في المسألة ، وقد عرفت بعض أقوالهم . وفي المنتهى (211) عن عطا ومجاهد وجوبهما على الأعيان (212) ؛ لما رواه مالك بن الحويرث ، قال : أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله أنا ورجل نودّعه ، فقال : «إذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكما ، وليؤمّكما أكبركما» (213) بناءً على دلالة الأمر على الوجوب وظهوره في العيني . وأجاب عنه بمنع ذلك مؤيّدا بما سيأتي ، وبورود الأمر فيه بالإمامة أيضاً ، وهي مندوبة اتّفاقاً . وأقول : لو سلّم الدلالة على الوجوب فهو يدلّ على وجوبهما في الجماعة خاصّة ، وكونه كفائيّاً على الإمام والمأموم . وفي العزيز : واختلفوا في الأذان والإقامة ، أهما سنّتان أم فرضا كفاية على ثلاثة أوجه ، أصحّها أنّهما سنّتان ؛ لأنّهما للإعلام والدعاء إلى الصلاة ، فصار كقوله : الصلاة جامعة في العيدين ، ولأنّه صلى الله عليه و آله جمع بين الصلاتين وأسقط الأذان عن الثانية ، فلو كان الأذان واجباً لما تركه لسنّة. و[الوجه] الثاني : أنّهما فرضا كفاية ، لما روي أنّه صلى الله عليه و آله قال : «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم» (214) ، وظاهر الأمر الوجوب ، ولأنّه من شعائر الإسلام فليؤكّد بالفريضة. والثالث: أنّهما مسنونان في غير الجمعة وفرضا كفاية فيها ؛ لأنّها اختصّت بوجوب الجماعة فيها ، فاختصّت بوجوب الدعاء إليها. وبالوجه الثالث قال ابن خيران (215) ، ونسبه القاضي ابن كج (216) والشيخ أبوحامد (217) إلى أبي سعيد الاصطخري (218) ، ونسب آخرون إلى أبي سعيد الوجه الثاني دون الثالث . (219) وحكى فيه القول الثاني عن بعض أصحاب أحمد ، ومن تعليق الشيخ أبي حامد : أنّ مالكاً يقول بوجوب الأذان وبلزوم الإعادة ما بقي الوقت . (220) [وقال أيضا:] وفي جماعة النساء ثلاثة أقوال حكاها في النهاية أصحّها وهو نصّه في الاُمّ والمختصر _ : أنّه يستحبّ لهنّ الإقامة دون الأذان ، أمّا أنّ الأذان لا يستحبّ فإنّه للإبلاغ والإعلام ، ولا يحصل ذلك إلّا برفع الصوت ، وفي النساء رفع الصوت خوف الافتتان ، وقد روي عن ابن عمر أنّه قال : ليس على النساء أذان . (221) وأمّا أنّ الإقامة تستحبّ فلأنّها لاستفتاح الصلاة واستنهاض الحاضرين ، فيستوي فيها الرجال والنساء. ولو أذّنت على هذا القول من غير رفع الصوت لم يكره وكان ذكر اللّه تعالى. والثاني : أنّه لا أذان ولا إقامة ، أمّا الأذان فلما سبق ، وأمّا الإقامة فلأنّها تبع للأذان. والثالث : إنّه يستحبّ الأذان والإقامة ؛ لما روي عن عائشة أنّها كانت تؤذّن وتقيم ، ثمّ لا يختصّ هذا الخلاف بما إذا صلّين جماعة ، بل هو جار في المرأة المنفردة لكن بالترتيب على الرجال ، فإن قلنا لا يؤذّن الرجل المنفرد فالمرأة أولى ، وإن قلنا يؤذّن ففي المرأة هذا الخلاف. وفيه في مواضع اُخر : المنفرد في الصحراء أو في المصر هل يؤذّن؟ الجديد أنّه يؤذّن ؛ لما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لأبي سعيد الخدري: «إنّك رجل تحبّ الغنم والبادية ، فإذا دخل عليك وقت الصلاة فأذّن وارفع صوتك ، فإنّه لا يسمع صوتك حجر ولا شجر ولا مدر إلّا شهد لك يوم القيامة» . (222) وحكي عن القديم أنّه لا يؤذّن ؛ لأنّ المقصود من الأذان الإبلاغ والإعلام ، وهذا لا ينتظم في المنفرد . وقال بعض أصحابنا: إن كان يرجو حضور جمع أذّن ، وإلّا فلا. وحمل حديث أبي سعيد على أنّه كان ينتظر حضور غلمانه ومن معه في البادية. فإن قلنا : لا يؤذّن المنفرد ، فهل يقيم؟ فيه وجهان: أحدهما : لا ، كالأذان ، وأصحّهما : نعم ؛ لأنّها للحاضرين فيقيم لنفسه. (223) قوله في صحيحة عمرو بن أبي نصر : (قلت: في الإقامة قال : لا) . [ح 10 / 4941] ظاهره تحريم التكلّم فيها ، ومثله خبر أبي هارون (224) ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «لا تتكلّم إذا أقمت للصلاة ، فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» . (225) بل الخبران يدلّان على تحريمه بعد الإقامة أيضاً ، وظاهر بعض الأخبار تحريمه على الحاضرين بعد قول : قد قامت الصلاة، رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرّم الكلام على أهل المسجد ، إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شيء وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان» . (226) وفي الموثّق عن سماعة ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا أقام المؤذّن فقد حرم الكلام ، إلّا أن يكون القوم ليس يعرف لهم [إمام (227) ]» . وهو ظاهر الشيخين في المقنعة (228) والنهاية (229) ، ومنقول في المختلف (230) عن جمل السيّد المرتضى (231) ومحكي عن ابن الجنيد (232) ، واستثنوا من ذلك ما يتعلّق بالصلاة . والباقون حملوا هذه الأخبار على الكراهة جمعاً بينها وبين خبر محمّد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم في أذانه وفي إقامته ، فقال : «لا بأس به». (233) وخبر الحسن بن شهاب ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «لا بأس بأن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء». (234) وصحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : «سألت أبا عبداللّه عن الرجل يتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال : «نعم». (235) ويؤيّده ورود النهي عن الإيماء باليد أيضاً في خبر أبي هارون (236) فيها ، وهو ليس بحرام اتّفاقا في الصلاة أيضاً. قوله في حسنة الحلبي: (لا بأس أن يؤذّن الرجل من غير وضوء ولا يقيم إلّا وهو على وضوء) . [ح 11 / 4942] ومثلها ما رواه الشيخ بسند صحيح عن ابن سنان ، قال : «لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهور ، ولا تقيم إلّا وأنت على وضوء». (237) وعن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن محمّد الحلبي ، قال : «لا بأس أن يؤذّن وهو على غير وضوء ، ولا يقيم إلّا وهو على وضوء». (238) وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلامأنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «لا بأس بأن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا بأس بأن يؤذّن الرجل وهو جنب ، ولا يقيم حتّى يغتسل» (239) . أمّا الأوّل فلم نجد له مخالفا . وما حكى في المنتهى (240) عن السيّد المرتضى أنّه قال : «يجوز الأذان بغير وضوء ومن غير استقبال للقبلة إلّا في الشهادتين» (241) ، فالظاهر تعلّق الاستثناء بالجملة الأخيرة على ما هو المشهور في الاستثناء المتعقّب بجمل متعدّدة. وكذا فيما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد وهو ابن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرّجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته أوعلى غير طهور، فقال : «نعم ، إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس». (242) ولو سلّم تعلّقه بالجميع فالظاهر إرادة تأكّد استحباب الطهارة في الشهادتين. وأمّا الثاني فيه قال السيّد المرتضى في الجمل والمصباح على ما نقل عنه في المختلف (243) والمنتهى (244) أنّه قال فيهما: «لا تجوز الإقامة إلّا على وضوء واستقبال» (245) . والمشهور خلافه ، والأوّل أقوى دليلاً ؛ لظهور الأخبار المذكورة من غير معارض ، ولموافقته للاحتياط . وظاهر ما رواه المصنّف من خبري أحمد بن محمّد بن أبي نصر (246) وسليمان بن صالح (247) وجوب القيام والاستقبال فيها. ويؤكّد الأوّل ما رواه الشيخ عن يونس الشيباني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له : اُؤذّن وأنا راكب؟ قال : «نعم». قلت: فاُقيم وأنا راكب؟ قال : «لا». قلت: فاُقيم ورجلى في الركاب؟ قال : «لا». قلت: فاُقيم وأنا قاعد؟ قال : «لا». قلت: فاُقيم وأنا ماشٍ؟ قال : «نعم ، ماش إلى الصلاة». قال : ثمّ قال : «إذا قمت إلى الصلاة فأقم مترسّلاً فإنّك في الصلاة». قال : قلت: قد سألتك اُقيم وأنا ماشٍ قلت: نعم ، فيجوز أن أمشي في الصلاة؟ قال : «نعم ، إذا دخلت من باب المسجد فكبّرت وأنت مع إمامٍ عادل ، ثمّ مشيت إلى الصلاة أجزأك ، وإذا [كان] الإمام كبّر [للركوع] كنت معه في الركعة ؛ لأنّه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معهم في الركوع». (248) وعن ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب ويقيم وهو على الأرض قائم» (249) . وعن أحمد بن محمّد ، عن عبد صالح ، قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ، ولا يقيم إلّا وهو قائم». وقال : «وتؤذّن وأنت راكب ، ولا تقيم إلّا وأنت على الأرض» (250) . وعن أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : لابأس أن تؤذّن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولاتقيم وأنت راكب أو جالس ، إلّا من علّة أو تكون في أرض ملصة». (251) ويُفهم من نفي البأس عن الجلوس والركوب في الأذان استحباب القيام فيه أيضاً ضرباً من الاستحباب ، ولم أجد مخالفاً. وبذلك جمع بين ما ذكر وما رواه الشيخ عن حمران ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان جالساً، قال : «لا يؤذّن جالساً إلّا راكب أو مريض». (252) ويؤكّد الثاني بعض ما تقدّم من الأخبار ، ووجوب هذه الاُمور الثلاثة فيها ظاهر الشيخين في المقنعة (253) والنهاية (254) ، ووجوب الطهارة والاستقبال فيها محكي عن السيّد المرتضى (255) ، وقد سبق، وحكى في الدروس (256) عنه وجوب القيام فيها ، ووجوب القيام والاستقبال أيضاً أقوى دليلاً؛ لظهور ما ذكر من الأخبار فيه من غير معارض . وكأنّهم حملوا تلك الأخبار في المشهور على الكراهية ؛ معتمدين على قول الأكثر ، أو لاستبعاد وجوب التكبير مع استحباب ذي الكيفيّة ، كما اعترض العلّامة في المختلف على القائلين بالوجوب بأنّ ذلك الاستحباب لا يجامع ذلك الوجوب . ويرد على الأوّل أنّ الشهرة لا تخصّص الأخبار المتعدّدة إلّا إذا بلغت حدّ الإجماع . وعلى الثاني ما قاله المحقّق الشيخ عليّ في مسألة وجوب الاستقبال في النافلة ، من: أنّ المراد بالوجوب هنا أحد أمرين : إمّا كونه شرطا للشرعيّة مجازا لمشاركته الواجب في كونه لابدّ منه ، فمع المخالفة يأثم بفعل النافلة إلى غير القبلة ، أو كون وجوبه مشروطا بفعل النافلة ، بمعنى أنّه إن فعل النافلة وجب الاستقبال ، فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال وبفعلها إلى غير القبلة معا . (257) وفرّع في المنتهى على استحباب الاستقبال في الأذان استحباب الاستمرار عليه ، وكراهة الالتفات يميناً وشمالاً في أثنائه ؛ معلّلاً بالإجماع على استحباب الاستقبال فيه ، فيستحبّ في أبعاضه ، وبما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ مؤذّنيه كانوا يؤذّنون مستقبلي القبلة (258) ، وحكى عن أبي حنيفة أنّه قال : يستحبّ له أن [يدور بالأذان في المأذنة. (259) وعن الشافعي أنّه قال : يستحبّ أن] يلتفت يميناً عند قوله : حيّ على الصلاة ، وعن يساره عند قوله : حيّ على الفلاح (260) ؛ محتجّاً بأنّ بلالاً أذّن كذلك . (261) وأجاب بأنّه معارض بما ذكرنا ، وباحتمال أن يكون غالطاً في اعتقاده ذلك ، ويجوز أن يكون التفاته لأسباب اُخرى. (262) قوله في خبر ابن مسكان عن أبي بصير : (فليدخل معهم في أذانهم) إلخ . [ح 12 / 4943] كما يسقط الأذان حينئذٍ يسقط الإقامة أيضاً ؛ لما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم ، أيؤذّن ويقيم؟ قال : «إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام» (263) . ولا اختصاص له بالمنفرد ، بل جاز في الجماعة الثانية أيضاً ؛ لإطلاق الخبرين . بل هو ظاهر ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن أبي عليّ ، قال : كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه رجل ، فقال : جعلت فداك ، صلّينا في المسجد الفجر ، وانصرف بعضنا وبقي بعض في التسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن ، فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «أحسنت ادفعه عن ذلك ، وامنعه أشدّ المنع» . فقلت : فإن دخلوا وأرادوا أن يصلّوا جماعة؟ قال : «يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر لهم إمام» (264) . وقد وقع التصريح بذلك في خبر عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم السلام قال : «دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس ، فقال عليّ عليه السلام : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ، ولا يؤذّن ولا يقيم» . (265) وسقوط الأذان والإقامة حينئذٍ هو المشهور ، لكنّ الأكثر قيّدوه بالجماعة الثانية ، وهو ضعيف ؛ لظهور أكثر ما ذكر من الأخبار في المنفرد . والمراد بتفرّق الصفّ تفرّق الجميع وانصرافهم عن مواضعهم ، ويدلّ عليه إطلاق البعض الباقي في خبر الحسين بن سعيد . ثمّ الظاهر أنّ هذا الترك من باب الاستحباب وإن كان ظاهر خبر أبي عليّ الوجوب ؛ لأنّه قائل بحمل الأمر فيه على الندب بناءً على إطلاق استحبابه في أخبار متكثّرة لا تقبل هذه معارضتها . والسرّ في الحكم رعاية حرمة الجماعة الاُولى ؛ لتقدّمهم ومسارعتهم إلى العبادة ، فالظاهر اختصاصه بمن أراد أن يصلّي صلاتهم ، وقد صرّح به الشيخ في المبسوط (266) . وهل غير المسجد في ذلك كالمسجد؟ يحتمل ذا ؛ نظرا إلى عدم الفرق بينهما في ذلك في الاعتبار ، ويؤيّده إطلاق خبر الكتاب . وقيّده جماعة منهم العلّامة في المنتهى (267) بالمسجد ، وهو ظاهر المحقّق (268) ، وهو أظهر ؛ لتقييد أكثر الأخبار بالمسجد ، ولما روى في المهذّب عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن رجل نسي الأذان حتّى أقام الصلاة ، قال : «لا يضرّه ، ولا تقام الصلاة في المسجد الواحد مرّتين ، فإن كان في غير مسجد وأتى قوم قد صلّوا ، فأرادوا أن يجمعوا الصلاة فعلوا » (269) . واعلم أنّه يسقط الأذان والإقامة في مواضع اُخرى : منها: أذان الإمام إذا سمع أذان المنفرد ، على ما ذكره جماعة ، بل ذكر صاحب المداركأنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (270) . واحتجّوا عليه بفعل النبيّ والأئمّة عليهم السلام ومن بعدهم ، وبخبر صالح بن عقبة ، عن أبي مريم الأنصاري ، قال : صلّى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا أزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلمّا انصرف قلت له : عافاك اللّه ، صلّيت بنا في قميص بلا أزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال له : «إنّ قميصي كثيف ، فهو يجزي على أن لا يكون عليّ أزار ولا رداء» ، وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم ، فلم أتكلّم أجزأني ذلك . (271) والظاهر سقوط الإقامة هنا أيضاً ؛ لصراحة الخبر فيه . وكذا ظاهره اشتراط سقوطهما بعدم تكلّم الإمام ، ولكن أطلقه الأصحاب ، وإطلاق كلامهم يقتضي عدم اشتراط اتّخاذ موضع الصلاة ، وقد ظهر في ذلك . ورواه الشيخ عن عمرو بن أبي خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال : كنّا معه فسمع أذان جار له بالصلاة فقال : قوموا ، فقمنا معه ، فصلّينا بغير أذان ولا إقامة ، قال : «يجزيكم أذان جاركم» (272) . لكنّه مروي عن جماعة من الزيديّة . (273) وأمّا المنفرد إذا تجدّد إمامته فالظاهر عدم سقوطهما عنه ؛ لأصالة عدمه ، وانتفاء دليل عليه. ولا يجوز حمله على ما إذا سمع أذان المنفرد ؛ لما ذكر في الذكرى من «أنّ الاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نيّة السامع للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد» (274) . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف بعد ذلك الخبر في الموثّق عن عمّار الساباطي (275) ، وهو ظاهر الشهيد (276) ، وصرّح به الشيخ في النهاية حيث قال : «ومن أذّن وأقام ليصلّي وحده ، ثمّ جاء قوم أرادوا أن يصلّوا جماعة فعليه إعادة الأذان والإقامة معاً ، ولا يدخل بما تقدّم منهما في الصلاة» (277) . وبه قال في المبسوط أيضاً (278) . واستقرب المحقّق السقوط ، معلّلاً بأنّه «إذا اجتزأ بأذان غيره فبأذانه أولى» (279) . ويظهر ضعفه ممّا ذكر . ومنها : أذان الثانية إذا جمع بين الصلاتين ؛ لما تقدّم في باب الجمع بين الصلاتين . ومن الجمع المسقط له الظهران بعرفة ، [و] العشاءان بمزدلفة ، والصلاتان يوم الجمعة ؛ لاستحباب الجمع بينهما فيه بناءً على استحباب تقديم نوافل الظهرين في ذلك اليوم على ما تقرّر في محلّه . ونسبه في التهذيب (280) إلى المقنعة ، وهو مخالف لما وجدته فيها حيث قال في فصل صلاة الجمعة بعد أن أورد تعقيب الصلاة الاُولى _ : «ثمّ قم ، فأذّن للعصر وأقم للصلاة (281) . وقال بعد ما يفصّل وقت صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس ، ووقت صلاة العصر فيه وقت الظهر في سائر الأيّام ، وذلك لما جاء عن الصادقين عليهم السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يخطب أصحابه في الفئ الأوّل ، فلمّا زالت الشمس نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال له : يا محمّد ، قد زالت الشمس فصلّ ، ولا يلبث أن يصلّي بالناس ، فإذا فرغ من صلاته أذّن بلال للعصر ، فجمع بهم العصر وانصرف أهل البوادي والأطراف والأباعد ممّن كان يحضر المدينة للجمعة إلى منازلهم ، فأدركوها قبل الليل فلزم بذلك [الفرض] ، وتأكّدت به السنّة» . (282) والظاهر أنّه عمل بهذه الرواية ، ونقل عنه أنّه قال في الأركان باستحباب الأذان لها ، وهو منقول عن ابن البرّاج . (283) وفصّل ابن إدريس ، فذهب إلى سقوطه عمّن صلّى الجمعة ومن صلّى الظهر محتجّاً بانعقاد الإجماع على استحباب الأذان لكلّ صلاة من الخمس ، خرج عنه المجمع عليه ، وهو من صلّى الجمعة ، فيبقى الباقي في العموم (284) . وفيه تأمّل . ومستند المشهور عموم ما سبق ممّا دلّ على سقوط الأذان الثاني للجمع ، وخصوص ما ثبت من مداومة مؤذّن النبيّ صلى الله عليه و آله على الاقتصار على الإقامة للعصر في ذلك اليوم (285) . وما رواه حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلام قال : «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (286) ؛ بناءً على أنّ المراد منه أذان العصر ، فقد ذكر في الذكرى : أنّه سمّى ثالثاً بالنظر إلى الأذان والإقامة للاُولى . (287) وفي المنتهى : «إنّما سمّي ثالثاً باعتبار الإقامة» (288) ، يعنى الإقامة للاُولى ، فهو راجع إلى ما ذكر في الذكرى ، فأطلق الأذان على الإقامة تغليباً . وقد ورد ذلك الإطلاق في بعض الأخبار . فإن قلت : لِمَ لم يعدّ ثالثاً بالنظر إلى الأذان الإعلامي وأذان الجماعة للاُولى قلت : لسقوط الأذان الإعلامي في ذلك اليوم ، فقد ذكر جماعة منهم والدي طاب ثراه أنّه إنّما كان أذان يوم الجمعة في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله عند جلوسه على المنبر للخطبة ، وهو أذان الجماعة ، ثمّ ينزل بعد الخطبة ويقيم المؤذّن ، فيصلّي الجمعة ، ثمّ يصلّي العصر بإقامة من غير أذان ، ولم يكن أذان للإعلام في ذلك اليوم ، وكان ذلك مستمرّا في عهد الأوّل والثاني ، فلمّا قام الثالث زاد أذاناً آخر بالزوراء للإعلام بالوقت ، وأبقى الأذان عند الجلوس على المنبر بحاله كما كان . (289) وروى البخاري عن السّائب بن يزيد ، قال : كان النداء يوم الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبي بكر وعمر ، فلمّا كان عهد عثمان و كثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء . (290) وفي المنتهى (291) : قال الشيخ (292) : «روي أنّ أوّل من فعل ذلك عثمان» (293) ، وقال عطا : «إنّ أوّل من فعل ذلك معاوية» (294) ، وقال الشافعي : ما فعله النبيّ صلى الله عليه و آله وأبو بكر وعمر أحبّ إليّ وهو السنّة (295) . وأقول : لعلّ السرّ في هذا السقوط أنّه لم يكن حاجة إلى الإعلام في ذلك اليوم ؛ لأنّ النّاس يتبكّرون إلى المسجد كما هو المستحبّ في الشريعة ، والظاهر أنّ هذا الأذان للصلاة الاُولى وإن كان الجمع في وقت فضيلة الثانية كما هو المستفاد من خبر ابن سنان المتقدّم ، ولا يستبعد ذلك لأنّ الأذان قد يكون للذكر والإعظام لا لإعلام الوقت . وفي المنتهى : فإذا صلّى في وقت الاُولى أذّن لها ثمّ أقام للاُخرى ؛ لأنّه لم يدخل وقت يحتاج فيه إلى الإعلام ، وإن جمع بينهما في وقت الثانية أذّن للثانية ، ثمّ صلّى الاُولى ؛ لأنّها مترتّبة عليها ، ولايعاد الأذان للثانية (296) . وفي شرح اللمعة : «الأذان لصاحبة الوقت ، فإن جمع في وقت الاُولى أذّن لها وأقام ، ثمّ أقام للثانية ، وإن جمع في وقت الثانية أذّن أوّلاً بنية الثانية ، ثمّ أقام للاُولى ، ثمّ أقام للثانية (297) ، فتأمّل . وظاهر بعض الأخبار أنّ الجمع المسقط للأذان الثاني إنّما هو في ما إذا لم يقع بين الصلاتين نافلة ولو ركعتين ، رواه المصنّف في الجمع بين الصلاتين عن محمّد بن حكيم بسندين (298) ، وقد سبق القول فيه . ومنها أذان الثانية وما بعدها إذا قضى صلوات متعدّدة في وقت واحد . ودلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى الصلوات [وهو جنب] اليوم واليومين والثلاثة ، ثمّ ذكر بعد ذلك ، قال : «يتطهّر ويؤذّن ويقيم في أوّلهنّ ، ثمّ يصلّي ويقيم بعد ذلك في كلّ صلاة ، فيصلّي بغير أذان حتّى يقضي صلاته» (299) . وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا نسيت صلاة أوصلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلاة فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها و أقم ، ثمّ صلّها ، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة» ، الحديث (300) . وقد تقدّم من المصنّف في باب من نام عن الصلاة (301) . وربّما احتجّ عليه بما روته العامّة عن أبي عبيدة بن عبد اللّه ، عن أبيه : أنّ المشركين شغلوا النبيّ صلى الله عليه و آله عن أربع صلوات يوم الخندق حتّى ذهب من الليل ما شاء اللّه ، قال فأمر بلالاً فأذّن وأقام فصلّى الظهر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى العصر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى المغرب ، ثمّ أمره فأقام فصلّى العشاء (302) . وهو غير مستقيم عند من هو على الصراط المستقيم ، وهل سقوط الأذان في هذه المواضع من باب الرخصة أو الوجوب؟ الظاهر الثاني؛ لأنّه عبادة توقيفيّة ، ولا نصّ على جوازه فيها ، مع ظهور الأخبار المذكورة في تحريمه . وعدّه في المنتهى أظهر في مسألة الجمع بين الصلاتين في غير يوم الجمعة ، وفيه عدّه أقوى . وقيل بالأوّل وأنّ التأذين هو أفضل ، ونسبه العلّامة في المنتهى إلى أحمد (303) ، وإلى أحد أقوال الشافعي (304) . واحتجّ به بقوله عليه السلام : «من فاتتهُ صلاة فليقضها كما فاتته» (305) ، وبموثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة ، هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : «نعم». (306) وفيه نظر ؛ إذ الظاهر أنّ التشبيه في الأوّل في مجرّد القصر والتمام على ما مرّ مرارا . والمتبادر من الإعادة في الثاني الإعادة في الوقت . على أنّ الظاهر من الصلاة فيه الواحدة . وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض الأصحاب القول بأنّ الأولى تركه في البواقي (307) . واختلفت العامّة فيه ، فنسب المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (308) إلى بعضهم القول بأنّ تركه أولى في البواقي ، وعن بعضهم أنّ تركه أفضل مطلقا (309) . وفي العزيز : في الفائتة ثلاثة أقوال : الجديد : أنّه لا يؤذّن لها ؛ لما روي عن أبي سعيد الخدري ، قال : حبسنا عن الصلاة يوم الخندق حتّى كان بعد المغرب هويّاً من الليل ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً ، فأقام للظهر فصلّاها ، ثمّ أقام للعصر فصلّاها ، ثمّ أقام للمغرب فصلّاها ، ثمّ أقام للعشاء فصلّاها ، ولم يؤذّن لها مع الإقامة . (310) والقديم : أنّه يؤذّن [لها] ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد ؛ لما روي أنّه صلى الله عليه و آله كان في سفر ، فقال : «احفظوا علينا صلاتنا»، يعني الفجر ، فضرب على آذانهم ، فما أيقظهم إلّا حرّ الشمس ، فقاموا فساروا هنيئة ، ثمّ نزلوا فتوضّأوا وأذّن بلال فصلّوا ركعتي الفجر وركبوا (311) . وقال في الإملاء : إنّ أمل اجتماع قوم يصلّون معه أذّن ، وإلّا فلا . قال الأئمّة : الأذان في الجديد حقّ الوقت ، وفي القديم حقّ الفريضة ، وفي الإملاء حقّ الجماعة ، وهذا الخلاف في الأذان . وأمّا الإقامة فنأتي بها على الأقوال . هذا كلامه (312) . قوله في موثّقة عمّار الساباطي : (ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل عارف) . [ح 13 / 4944] الظاهر أنّ المراد بالأذان أذان الجماعة ، بقرينة قوله عليه السلام : «فإن علم الأذان فأذّن به ، وإن لم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به» على ما في الكتاب وفي بعض نسخ التهذيب (313) ، وفي الأصل فيه : «ولا يعتدّ به» بدلاً عن قوله : «ولا يقتدى به» فلا تأييد فيه . ويدلّ أيضاً على عدم جواز الاعتداد بأذانهم للصلاة ما رواه المصنّف عن معاذ بن كثير (314) ، فلا ينافي ما دلّ على جواز الاعتماد في دخول الوقت على الأذان الإعلامي من أهل الخلاف إذا كانوا موثوقين ، رواه ذريح المحاربي في الصحيح قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت» . (315) وأمّا الفاسق منّا فالمشهور جواز الاعتداد به ، والظاهر أنّهم قالوا بذلك في أذان الجماعة والصلاة ، لا الإعلامي ، حيث علّلوه بأنّه مؤمن مكلّف يصحّ منه الأذان لنفسه ، فيصحّ الاعتداد به لغيره . ولا ينافي ذلك عدم الاعتماد على أذانه في الوقت ، لما ورد في الاعلامي من أنّ المؤذّن أمين، والفاسق ليس محلّاً للأمانة. روى ذلك عيسى بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه السلام قال : «المؤذّن مؤتمن والإمام ضامن» (316) . ولا يبعد الاعتماد على أذانه في الوقت أيضاً إذا كان موثوقاً به ، فإنّه ليس بأقلّ من المخالف اعتمادا ، وعن ابن الجنيد أنّه منع الاعتداد بأذان الفاسق مطلقاً؛ محتجّاً بما ذكر من أنّ المؤذّنين اُمناء . (317) وأمّا الصبيّ ، فالمشهور جواز الاعتداد بأذانه إذا كان مميّزا ، و نسبه في المنتهى إلى علمائنا (318) . ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «ولا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم» في خبر إسحاق بن عمّار المتقدّم (319) في ذيل حسنة الحلبي . وقوله عليه السلام : «ولا بأس أن يؤذّن الغلام الّذي لم يحتلم» في صحيحة عبد اللّه بن سنان (320) الآتية في ذيل خبر معاذ بن كثير ، وهو محكي في المنتهى (321) عن الشافعي (322) وعن إحدى الروايتين عن أحمد (323) ، وحكي عن أبي حنيفة اعتبار البلوغ فيه أذان أذّن للرجال (324) ، وإنّما قيّدوا الصبي بالمميّز ؛ لأنّه لا أثر لعبادة غير المميّز. قوله في خبر محمّد بن مسلم : (إن كان ذكر قبل أن يقرأ) إلخ . [ح 14 / 4945] ظاهره جواز قطع الصلاة لناسي الأذان قبل أن يقرأ ، ويحتمل أن يكون المراد منه قبل الفراغ من القراءة كما هو المشهور حيث قيّدوه بما قبل الركوع . ويؤيّده صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثمّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف ، فأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك» (325) . واُلحق به الإقامة لهذه الصحيحة ، بل ذهب الشيخ في المبسوط إلى استحباب القطع والاستئناف لتدارك الإقامة إذا ذكرها قبل الفراغ من الصلاة (326) ؛ محتجّاً بصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : «إن كان فرغ من صلاته فقد تمّت صلاته ، وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد» (327) . ويحتمل أن يكون المراد منه قبل الشروع في القراءة ، لرواية الحسين بن أبي العلاء في الصحيح بناءً على ما نقل عن السيّد جمال الدين من تزكيته إيّاه في البشرى (328) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يستفتح صلاة المكتوبة ، ثمّ ذكر أنّه لم يقم ، قال : «فإن ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ يقيم ويصلّي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته» (329) . وكأنّه لذلك قال ابن الجنيد على ما نقل عنه بجواز الرجوع ما لم يقرأ عامّة السورة (330) ، لكنّه لا يدلّ على اشتراط عامّة السورة يعني أكثرها بل ظاهره كفاية قراءة شيء منها في ذلك . وإنّما حملوا الأمر في هذه الأخبار على الاستحباب ؛ للجمع بينها وبين ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة ، قال : «ليس عليه شيء» (331) . وعن نعمان الرازي ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام وسأله أبو عبيدة الحذّاء عن حديث رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتّى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : «إن كان دخل المسجد ومن نيّته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف» (332) . وعن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: رجل ينسى الأذان والإقامة حتّى يكبّر، قال : «يمضي على صلاته ولا يعيد» (333) . وعن زكريّا بن آدم ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جُعلت فداك ، كنت في الصلاة فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أنّي لم أقم، فكيف أصنع؟ قال : «اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، ثمّ امض في قراءتك وصلاتك وقد تمّت صلاتك». (334) واختلاف مواضع القطع في الأخبار المتقدّمة مبني على مراتب الاستحباب . وأمّا العامد لتركهما ، فعلى المشهور لا يجوز له قطع الصلاة الواجبة ، خرج منه قطعها بالمنسي منهما بالنصّ ، فيبقى الباقي على عدم الجواز. وأطلق الشيخ في المبسوط استحباب الإعادة ما لم يركع من غير تقييد بالناسي (335) ، وهو ظاهر ابن أبي عقيل على ما حكي عنه في الدروس (336) ، وهو بعيد . وأبعد منه ما ذهب إليه في النهاية من عكس الأوّل فقد قال : من ترك الأذان والإقامة متعمّدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذّن وليقم ما لم يركع ، ثمّ يستأنف الصلاة ، وإن تركهما ناسيا حتّى دخل في الصلاة ثمّ ذكر مضى في صلاته ولا إعادة عليه (337) . وتبعه ابن إدريس في ذلك (338) ، وكأنّهما تمسّكا في النسيان بالأخبار المتقدّمة الدالّة على عدم القطع فيه ، وأمّا ما ذكراه في العمد فلم أجد مستندا له ، فتأمّل. قوله في صحيحة زرارة : (أعاد على الأوّل الّذي أخّره) . [ح 15 / 4946] يعني يبنيه على المقدّم الّذي قاله أخيرا ، ويتمّ ما بعده ولا حاجة إلى إعادة ذلك المقدّم ، وهو يدلّ على وجوب الترتيب في الأذان كما هو المشهور ، ومثله الإقامة ، بل هو فيها آكد ؛ لما ورد في خبر عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إن نسي الرجل من الأذان حرفاً حتّى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة ، فليس عليه شيء ، وإن نسي حرفاً من الإقامة عاد إلى الحرف الّذي نسيه ، ثمّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة». (339) قوله في خبر معاذ بن كثير : (فليقل قد قامت الصلاة) إلخ . [ح 22 / 4953] أيّده في المنتهى بأنّ ذلك أهمّ فصول الإقامة (340) ، وهو المشهور. وقال الشيخ: «وروى إنّه يقول : حيّ على خير العمل دفعتين» (341) . وعلّله في المنتهى بأنّ فيه تحصيلاً لكمال السنّة (342) ، وأيّده بصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وإذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (343) . ولا بأس أن يؤذّن الغلام الّذي لم يحتلم ، والظاهر التخيير بين الأمرين ، والجمع مع سعة الوقت أفضل. قوله في صحيحة عمران بن عليّ : (سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان قبل الفجر) إلخ . [ح 23 / 4954] يدلّ على جواز التأذين للصلاة قبل الفجر للمنفرد . وظاهره الاكتفاء به للصلاة ، وهو جيّد لأنّ الأذان للوقت على ما هو المستفاد من الأخبار المتكثّرة . وفي الفقيه : وسأل معاوية بن وهب أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان فقال : «اجهر وارفع به صوتك ، وإذ أقمت فدون ذلك ، ولا تنتظر بأذانك وإقامتك إلّا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا (344) » (345) . ولم أجد تصريحاً من أحد من الأصحاب به . نعم ، صرّح جماعة منهم الشيخ في الخلاف والنهاية بجوازه للإعلام ؛ لينتبه النائمون ، ويتأهّب السامعون ، لكن مع إعادته بعده (346) ؛ لصحيحة ابن سنان وهو عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: إنّ لنا مؤذّناً يؤذّن بليل ، فقال : «أما إنّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، فأمّا السنّة فإنّها ينادي مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلّا الركعتان» (347) . ومضمر ابن سنان ، قال : سألت عن النداء قبل طلوع الفجر ، فقال : « لا بأس ، فأمّا السنة مع الفجر ، وأنّ ذلك لينفع الجيران» ، يعني قبل الفجر (348) . وعن ابن أبي عقيل أنّه ادّعى تواتر الأخبار عليه (349) . وعنه أنّه كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله مؤذّنان ، أحدهما : بلال والآخر ابن اُمّ مكتوم، وكان أعمى ، وكان يؤذّن قبل الفجر ، ويؤذّن بلال إذا طلع الفجر ، وكان عليه السلام يقول : « إذا سمعتم أذان بلال فكفّوا عن الطعام والشراب » (350) . وهو محكي في الناصريات (351) والخلاف (352) عن جماعة من العامّة منهم الشافعي وأبو يوسف ومالك (353) . ومنعه السيّد في ذلك الكتاب وابن إدريس (354) ، وهو منقول في الخلاف (355) عن أبي حنيفة (356) ، وعلّل ذلك بأنّ الأذان إنّما يكون للإعلام بدخول الوقت . واُورد عليه بمنع الحصر مستندا بما ذكر ، وربّما احتجّ عليه بما رواه الجمهور من أنّ بلالاً أذّن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبيّ صلى الله عليه و آله أن يعيد (357) . وعن عياض بن عامر ، عن بلال أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لا تؤذّن حتّى يستبين لك الفجر هكذا» ومدّ يده عرضاً (358) . واُجيب عن الأوّل بأنّا نقول بموجبه ؛ إذ يستحبّ الإعادة على ما عرفت ، وليس فيه نهي عن التأذين قبل الفجر . وعن الثاني بأنّه عليه السلام إنّما نهى بلالاً عن ذلك لأنّه كان وظيفته الأذان الإعلامي ، وكان الناس يعتمدون على أذانه في الوقت ، ولا ينافي ذلك استحبابه من غيره . ويؤيّده أنّ ابن اُمّ مكتوم كان يداوم عليه ولم يمنعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قطّ (359) . وفي المنتهى: «وينبغي لمن يؤذّن قبل الفجر أن يجعل لنفسه ضابطاً ، فيؤذّن في الليالي كلّها في وقتٍ واحد ؛ لئلّا تنتفي الفائدتان» (360) . قوله في خبر أحمد بن أبي نصر : (القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلّها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها) . [ح 24 / 4955] ظاهره اختصاص استحباب الفصل بينهما بالنافله بما إذا كان الأذان والإقامة للصلاة الّتي تتقدّم نافلة موظّفة عليها . ويدلّ على استحباب الفصل بالموظّفة في الفجر صحيحة عبد اللّه بن سنان (361) المتقدّمة قبيل هذا . ويؤيّده صحيحة عمران الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما، فقال : «إذا كنت إماماً تنتظر جماعة فالأذان قبلهما ، وإن كنت وحدك فلا يضرّك أقبلهما أذّنت أو بعدهما» (362) . وفي الظهرين خبر أبي علي صاحب الأنماط ، عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن عليهم السلام ، قال : قال : «تؤذّن للظهر على ستّ ركعات ، وتؤذّن للعصر على ستّ ركعات بعد الظهر» (363) . وعلى عدم استحبابه بنافلة مبتدأة ما تقدّم من كراهيتها في وقت الفريضة ، فينبغي أن يخصّ عموم الركعتين فيما سيأتي عن سليمان بن جعفر ، فلا وجه لما ذكره جماعة من استحباب الفصل بركعتين من غير تقييد . ويظهر من مرفوعه جعفر بن محمّد بن يقظان (364) استحباب الجمع بينهما ، عموماً . ويؤكّدها عموم صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : سمعته يقول : «اُفرّق بين الأذان والإقامة بجلوس أو بركعتين» (365) . فإن قلت : يفهم من بعض الأخبار عدم استحبابه في صلاة المغرب ، رواه سيف بن عميرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «بين كلّ أذانين قعدة ، إلّا المغرب فإنّ بينهما نفساً» (366) . قلنا: الخبر لعدم صحّته ؛ لاشتماله على سيف (367) وعلى الإرسال لا يقبل المعارضة لما ذكر من العموم ، وخصوص خبر سعدان بن مسلم ، عن أبي إسحاق الحريري ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «من جلس فيما بين الأذان والإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه » (368) . على أنّه يمكن حمله على عدم تأكّد الاستحباب ؛ لضيق وقت المغرب . ويدلّ بعض الأخبار على استحباب الذكر بينهما ، رواه عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ... يقول : إلى قوله _ : سئل ما الّذي يجزي من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال : «يقول : الحمد للّه » (369) . وفي الذكرى عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يردّ» (370) . وفي بعضها استحباب الدعاء مع الجلوس ، وهو خبر محمّد بن يقظان ، وقد رواه الشيخ في التهذيب عن المصنّف بهذا السند بعينه هكذا : قال : «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس: اللّهمّ اجعل قلبي بارّا ، وعمل سارّا ، ورزقي دارّا ، واجعل لي عند قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرارا ومستقرّا» (371) . وفي نهايته : «وإذا سجد الإنسان بين الأذان والإقامة يقول في سجوده : اللّهمّ اجعل قلبي بارّا، وعملى سارّا ، ورزقي دارّا ، واجعل لي عند قبر نبيّك صلى الله عليه و آله مستقرّا وقرارا» (372) . وفي الذكرى بعد ما ذكر استحباب هذا الدعاء في الجلوس بينهما : «ويستحبّ قوله ساجدا» (373) . وفي المصباح الصغير للشيخ: وإذا سجد بين الأذان والإقامة قال فيها : لا إله إلّا أنت ، ربّي سجدت لك خاضعاً خاشعاً ذليلاً ، فإذا جلس قال : سبحان من لا تبيد معالمه ، سبحان من لا ينسى من ذكره، سبحان من لا يخيب سائله ، سبحان من ليس له حاجب يغشى ولا بوّاب يرشى ولا ترجمان يناجى ، سبحان من اختار لنفسه أحسن الأسماء ، سبحان من فلق البحر لموسى ، سبحان من لا يزداد على كثرة العطاء إلّا كرماً وجودا ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره. وإن قال في سجدة بين الأذان والإقامة: اللّهمّ اجعل قلبي بارّا ، وعملى سارّا ، ورزقي دارّا، واجعل لي عند قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله مستقرّا وقرارا، أجزأه ، والكلّ حسن (374) . قوله في خبر إسماعيل بن جابر : (إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كان يؤذّن ويقيم غيره) . [ح 25 / 4956] لم أجد مخالفاً لذلك من الأصحاب ، وهو المشهور بين العامّة ، وعن بعضهم عدم جوازه، (375) ، محتجّاً بما نقلوه عن أبان بن الحارث الصيداوي ، قال : أمرني النبيّ صلى الله عليه و آله فأذّنت فجعلت أقول : أقيم يا رسول اللّه ، وهو ينظر ناحية المشرق ويقول : «لا» حتّى طلع الفجر ، ثمّ انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه ، فتوضّأ فأراد بلال أن يقيم ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ أخا صيدا قد أذّن ومن أذّن فهو يقيم»، قال : فأقمت (376) . وفيه: منع صحّة الخبر ؛ لاشتماله على التأذين للجماعة قبل طلوع الفجر ، ولم أجد قولاً بذلك من أحد من العلماء. نعم ، ورد خبر في ذلك منفرد ، وقد سبق . ولو سلّمت فيحتمل الحمل على الأفضليّة. قوله في خبر الحسن بن السرّي: (الأذان ترتيل والإقامة حدر) . [ح 26 / 4957] في بعض نسخ التهذيب (377) : «ترسيل» بدل «ترتيل»، وهما بمعنى واحد، ففي نهاية ابن الأثير : «ترسّل الرجل في كلامه ومشيه ، إذا لم يعجل ، وهو والترتيل واحد» (378) . والإسراع في الإقامة يتحقّق بتقصير الوقف على الفصول لا تركه ؛ لكراهة إعرابها حتّى لو ترك الوقف فالتسكين أولى على ما صرّح به جماعة منهم الشهيد الثاني في شرح اللمعة (379) ، وقد سبق حدر الإقامة في خبر متعدّد ، وقال الشهيد في الذكرى : ولا ينافي حدر الإقامة قوله : «وأقم مترسّلاً» ؛ لإمكان حمله على ترسّل لا تبلغ ترسّل الأذان ، أو على ترسّل لا حركة فيه ولا ميلاً عن القبلة كما في حديث سليمان بن صالح عن الصادق عليه السلام : «وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة» (380) . قوله في مرفوعة ابن أبي نجران : (على كثبان المسك) . [ح 27 / 4958] الكثبان بضمّ الكاف : جمع كثيب كرغفان ورغيف . وقال الجوهري : انكثب الرمل : اجتمع ، ومنه سُمّي الكثيب وهي تلال الرّمل (381) . قوله في خبر ربعي بن عبد اللّه : (قال : مثل ما يقول في كلّ شيء) . [ح 29 / 4960] و[مثله] من طريق العامّة (382) . يستحبّ حكاية الأذان عندنا وعند أكثر العامّة (383) ؛ تأسيّاً بالنبيّ صلى الله عليه و آله . وفي الذكرى: وروى محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أنّه قال : «لابدّ من ذكر اللّه على كلّ حال ، ولو سمعت المنادى بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر اللّه تعالى وقل كما يقول المؤذّن» (384) . وروى أبو سعيد الخدري أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذّن» (385) . وروى ابن بابويه أنّ حكايته تزيد في الرزق (386) . انتهى (387) . وعن بعض العامّة وجوبها (388) ، وكأنّهم تمسّكوا بظاهر الأمر في خبر الخدري. واقتصر بعضهم على استحبابها إلى آخر الشهادتين (389) ؛ معلّلاً بأنّ القصد من الحكاية تحصيل ثواب ذكر الأذان، وهو كماتري. وإطلاق الأخبار يقتضي استحبابها ولو في القراءة والصلاة. ونقل طاب ثراه عن بعض الأصحاب التخيير في الصلاة والحكاية والمضي فيها، وهو مذهب الشيخ في الخلاف حيث قال بعدم استحبابها فيها ، فريضةً كانت أو نافلةً، ولو حكاها لا تبطل الصلاة ؛ معلّلاً بأنّه يجوز الدعاء فيها عندنا (390) . وعن بعض العامّة : أنّ الأولى تركها في مطلق الصلاة (391) . وعن الحنفيّة عدم جوازها فيها مطلقاً (392) ، وعن بعضهم تركها في الفريضة دون النافلة (393) . ومنع الشهيدان في الذكرى (394) وشرح اللّمعة (395) حكاية الحيّعلات بناءً على أنّها ليست ذكرا فتلحق بكلام الآدميّين، وقالا: يبدّلها بالحوقلة ، وهو منسوب في المبسوط إلى الرواية (396) ، ولم أجدها من طريق الأصحاب. نعم روى مسلم في صحيحه عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب ، عن أبيه ، عن جدّه عمر بن الخطّاب ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا قال المؤذّن اللّه أكبر [اللّه اكبر ]فقال أحدكم : اللّه أكبر [اللّه اكبر] ، ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، ثمّ قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، ثمّ قال : حيّ على الصلاة قال : لا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، ثمّ قال حيّ على الفلاح قال : لا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، ثمّ قال : اللّه أكبر اللّه أكبر قال : اللّه أكبر اللّه أكبر، ثمّ قال : لا إله إلّا اللّه قال : لا إله إلّا اللّه من قلبه دخل الجنّة» (397) . وهو منقول عن الشافعي مع القول بإفسادها للصلاة (398) . والمتبادر من الحكاية هو قول كلّ فصل بعد المؤذّن أو معه، و هو مذهب الأصحاب وأكثر العامّة ، وعن بعضهم تجويزها قبل المؤذّن (399) ، وهو ضعيف جدّا. قوله في خبر عبد اللّه بن سنان: (يا بلال أعل فوق الجدار) . [ح 31 / 4962] في المنتهى : يستحبّ أن يؤذّن على مرتفع؛ لأنّه أبلغ في رفع الصوت ، فيكون النفع به أتمّ. وفي المبسوط : «يكره الأذان في الصومعة». وفيه أيضاً : «لا فرق بين أن يكون الأذان على المنارة أو على الأرض» (400) . والأولى ما اخترناه من استحباب العلوّ. انتهى (401) وقد روي عن عليّ بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الأذان في المنارة ، أسنّة هو؟ فقال : «إنّما كان يؤذّن للنبيّ صلى الله عليه و آله في الأرض ولم يكن يومئذٍ منارة» (402) ، وهو لا يناسب استحباب العلوّ . والأمر برفع الصوت في هذا الخبر وفي الأخبار المتعدّدة المتقدّمة يقتضي استحباب كون المؤذّن صيّتاً. ويستحبّ كون المؤذّن صيّتا، وعلّل في المنتهى بأنّ القصد به الإعلام والنفع بالصّيت فيه أبلغ ، ثمّ قال : ولا نعرف فيه خلافاً ، روى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لعبد اللّه بن زيد : «ألقه على بلال ، فإنّه أندى صوتاً منك» (403) . واختار عليه السلام أبا محذورة للأذان ؛ لكونه صيّتا (404) . ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «المؤذّن يغفر له مدّ صوته بشهادة كلّ شيء سمعه» (405) . وعن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من أذّن عشر سنين محتسباً يغفر له مدّ بصره وصوته في السماء ، ويصدّقه كلّ رطب ويابس سمعه ، وله من كلّ من يصلّي معه في مسجده سهم ، وله من كلّ من يصلّي بصوته حسنة» (406) . وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (407) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا أذّنت فلاتخفينّ صوتك ، فإنّ اللّه يأجرك مدّ صوتك». انتهى (408) . والظاهر عدم اختصاصه بالأذان الإعلامي ولا بأذان الجماعة ؛ لعموم بعض الأخبار ، وقد سبق في خبر محمّد بن راشد ، عن هشام بن إبراهيم ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : أنّ رفع الصوت بالأذان في البيت يوجب رفع العلل والأمراض ، ويورث كثرة الولد (409) ، وظاهره في المنفرد. قوله في خبر جعفر بن محمّد بن يقطان: (اللّهمّ اجعل قلبي بارّا) إلخ. [ح 32 / 4963] البارّ بتشديد الرّاء : اسم فاعل من البرّ يعني محسناً مطيعاً (410) ، والدارّ أيضاً بتشديد الرّاء من درّ اللّبن ، إذا زاد وكثر جريانه من الضّرع (411) ، والقارّ أيضا بالتشديد من القرار ، أي مستمرّا غير منقطع ، أو من القرّ بمعنى الهنيء المريء الّذي فيه قرّة العين (412) . والمستقرّ والقرار قيل : هما مترادفان على أن يكون المستقرّ مصدرا ميميّاً ، والظاهر أنّه اسم مكان هو محلّ القرار (413) . ونقل عن الشهيد (414) : أنّ المستقرّ في الدنيا والقرار في الآخرة ؛ محتجّاً بقوله سبحانه: «وَ لَكُمْ فِى الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» (415) ، «وَ إِنَّ الْأَخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ» (416) ، والمراد أن يكون مسكنه في الحياة ومدفنه بعد الممات في المدينة المقدّسة (417) . قوله في خبر سليمان الجعفري: (ويستحبّ من أجل الشيطان) . [ح 35 / 4966] أي الشيطان الّذي يعبث بالصبيان. وعن الصادق عليه السلام قال : «إذا تغوّلت لكم الغول فأذّنوا» (418) ، وفي القاموس : ساحرة الجن وشيطان يأكل الناس (419) ، وفي بعض النسخ : «الصبيان» بدل «الشيطان».

.


1- . النهاية ، ج 1 ، ص 34 (أذن) .
2- . التوبة (9) : 3 .
3- . المائدة (5) : 55 ؛ الأنفال (8) 3 ؛ النمل (27) : 3 ؛ لقمان (31) : 4.
4- . اُنظر: الذكرى، ج 3 ، ص 197.
5- . عبداللّه بن زيد بن عبد ربّه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، أبومحمّد المدني، شهد العقبة و بدرا والمشاهد كلّها، روي عن النّبي صلى الله عليه و آله ، و روي عنه ابنه محمّد و عن ابنه عبداللّه بن محمّد و سعيد بن المسيّب وعبدالرحمان بن أبي ليلي، قال البخاري: لانعرف له إلّا حديث الأذان، مات سنة اثنتين و ثلاثين، وله أربع وستّون سنة. تهذيب الكمال، ج 14، ص 540_541 ، الرقم 3282 .
6- . الجذم: الأصل، أراد بقيّة حائط، أو قطعة من حائط. النهاية، ج 1، ص 252 (جذم) .
7- . الناصريّات ، ص 185 . والحديث بتمامه في سنن أبي داود، ج 1، ص 124_125، ح 507 .
8- . أي يطلبون حينها، والحين : الوقت. النهاية، ج 1، ص 470 (حين) .
9- . اُنظر: مسند أحمد، ج 4، ص 43 ؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 268_269 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 233، ح 706؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 120_122، ح 499 ؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 122، ح 189 ؛ السنن الكبرى، ج 1، ص 390_391 ؛ خُلق أفعال العباد للبخاري، ص 34_36 ؛ صحيح ابن خزيمة، ج 1، ص 189 ؛ السنن للدار قطني، ج 1، ص 245، ح 900، و ص 249، ح 924.
10- . لم أعثر على رواية اُبيّ بن كعب في مصادر العامّة، نعم ورد ذلك في رواياتنا نقلاً عنهم . اُنظر: باب النوادر من كتاب الصلاة من الكافي، ح 1 ؛ علل الشرائع، ج 2، ص 312 ، الباب 1 ، باب علل الوضوء والأذان والصلاة، ح 1 .
11- . أي أرفع و أعلى صوتا . النهاية لابن الأثير ، ج 5 ، ص 37 (ندا) .
12- . منتهى المطلب، ج 4، ص 430. وتقدّم تخريجه آنفا ذيل كلام والده نقلاً عن أبي عبداللّه الآبي.
13- . نقله في الذكري، ج 3 ، ص 195 ؛ مدارك الأحكام، ج 3 ، ص 256 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 370 ، ح 6816.
14- . دعائم الإسلام، ج 1، ص 142 ؛ مستدرك الوسائل، ج 4، ص 18، ح 4062.
15- . علل الشرائع، ج 2، ص 312 ، الباب 1: علل الوضوء والأذان والصلاة، ح 1.
16- . منتهى المطلب، ج 4، ص 375 .
17- . هو الحديث الأوّل من ذلك الباب.
18- . علل الشرائع، ج 2، ص 312 ، علل الوضوء والأذان والصلاة، ح 1.
19- . الزخرف (43) : 45.
20- . الإسراء (7) : 1.
21- . الكافي، ج 8 ، ص 120_121، ح 93.
22- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 60، ح 210 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 305 306 ، ح 1134 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 416، ح 6970.
23- . الفقيه، ج 1، ص 281_282، ح 864 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 417، ح 6971.
24- . علل الشرائع، ج 1، ص 5_6، الباب 7، ح 1. ورواه أيضا في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1، ص 237_238، باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار النادرة في فنون شتّى (26)، ح 22 ؛ وفي كمال الدين، ص 254_255، الباب 23، ح 4 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 420، ح 6978، و ص 438_439، ح 7028.
25- . محمّد بن العبّاس بن عليّ بن مروان بن الماهيار، أبو عبداللّه البزّاز، المعروف بابن الجُحام، من أجلّة علماء الإماميّة في القرن الرابع، قال النجاشي: «ثقة ثقة، من أصحابنا، عين، سديده كثير الحديث، له كتاب المقنع في الفقه، كتاب الدواجن، كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام . وقال جماعة من أصحابنا: إنّه كتاب لم يصنّف في معناه مثله . وقيل : «إنّه ألف ورقة». نقل ابن طاووس يسيرا منها في سعد السعود، وأخذ السيّد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي تلميذ الشيخ الأجلّ نورالدين عليّ بن عبدالعالي الكركي، تفسيره «تأويل الآيات الظاهرة» من هذا الكتاب ، ونقل عنه في مطاوي كتابه . اُنظر: رجال النجاشي، ص 379 ، الرقم 1030؛ الكنى والألقاب، ج 1، ص 400 ؛ الذريعة، ج 3 ، ص 305 ، الرقم 1130 .
26- . سعد السعود، ص 100.
27- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
28- . صحيح مسلم، ج 2، ص 5 ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 240، ح 725 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق، ج 1، ص 483، ح 1859_1861 ؛ مسند ابن راهويه ، ج 1 ، ص 197 ، ح 151 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 555 557 ؛ المعجم الأوسط، ج 7، ص 61 ؛ المعجم الكبير، ج 17، ص 282 ؛ مسند الشهاب، ج 1، ص 165_166، ح 234 ؛ كنزالعمّال، ج 7، ص 682، ح 20895 ؛ وص 687، 20923 و 20924.
29- . سنن الترمذي، ج 4، ص 100_101، ح 2692 ؛ كنزالعمّال، ج 10، ص 810 ، ح 43240.
30- . صحيح مسلم، ج 2، ص 5 . وما بين الحاصرين من المصدر، وقد سقط من الأصل فاستدركناه.
31- . نفس المصدر.
32- . هو الحديث 8 من هذا الباب.
33- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 52 ، ح 173 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 381 ، ح 6850.
34- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 52 ، ح 174 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 381 ، ح 6851.
35- . هو الحديث 27 من هذا الباب.
36- . هو الحديث 28 من هذا الباب.
37- . هو الحديث 31 من هذا الباب.
38- . هو الحديث 33 من هذا الباب.
39- . هو الحديث 35 من هذا الباب.
40- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 283، ح 1126، وما بين الحاصرتين منه . ورواه الصدوق في ثواب الأعمال، ص 31 ؛ وفي الفقيه، ج 1، ص 285، ح 881 مرسلاً . وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 371 ، ح 6817.
41- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 283، ح 1128. ورواه الصدوق في ثواب الأعمال، ص 31 ؛ والفقيه، ج 1، ص 286، ح 883 . وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 371 ، ح 6819.
42- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 283، ح 1130 . ورواه الصدوق في ثواب الأعمال، ص 32 ؛ والفقيه، ج 1، ص 283 ، ح 869 . وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 372 ، ح 6820.
43- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 284، ح 1131. ورواه الصدوق في الخصال، ص 448، باب العشرة، ح 50 ؛ وثواب الأعمال، ص 32 ؛ والفقيه، ج 1، ص 285 286، ح 882 بلفظ: «المؤذّن يغفر اللّه له مدّ بصره و مدّ صوته...» . وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 372_373 ، ح 6821 . وفي المصدر: «إنّ أوّل من سبق إلى الجنّة».
44- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 284، ح 1133 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 373_374 ، ح 6823 . وفي المصدر: «إنّ أوّل من سبق إلى الجنّة».
45- . اَلقيّ : الأرض القفر الخالية . النهاية لابن الأثير ، ج 4 ، ص 136 (قيي) .
46- . منتهى المطلب ، ج 4، ص 427. والحديث رواه ابن قدامة في المغني، ج 1، ص 432_433 . ونحوه في السنن الكبرى للبيهقي، ج 1، ص 406.
47- . الفقيه، ج 1، ص 287، ح 889 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 382 ، ح 6854.
48- . الفقيه ، ج 1 ، ص 287 ، ح 888 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 382_383 ، ح 6853 .
49- . الفقيه ، ج 1 ، ص 287 ، ح 887 . ورواه أيضا في ثواب الأعمال ، ص 33 بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 382 ، ح 6855 .
50- . في هامش الأصل : «الادمة في الناس : السمرة الشديدة» . مجمع البحرين [ج 1 ، ص 53 (أ دم)] . السُمَرة _ بالضم _ : منزلة بين البياض والسواد» : القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 51 (سمر) .
51- . في هامش الأصل : «الطمر بالكسر _ : هو الثوب الخلق العتيق أو الكساء البالي من غير الصوف . مجمع البحرين [ج 3 ، ص 61 (طمر)]» .
52- . في المصدر : «ألواحا» .
53- . في المصدر : «ثمّ سكت ساعة» .
54- . في المصدر : «يرحمك اللّه » ، وكذا التالي.
55- . في المصدر : «مثل زنة السماء» . وفي الأمالي : «مثل نور سماء الدنيا» .
56- . في المصدر : «يرحمك اللّه عزّوجلّ» .
57- . في المصدر : «يرحمك اللّه » ، وكذا التالي .
58- . في هامش الأصل : «اليناط ككتاب _ : عرق غليط يَنُطّ به القلب إلى الوتين ، فيناط القلب هو ذلك العرق [الّذي يعلّق القلب به] . مجمع [البحرين ، ج 4 ، ص 398 (نيط)]» . وأيضا في هامش الأصل : «عِرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه . القاموس المحيط ، [ج 4 ، ص 274]» .
59- . الجنائب : جمع جنيبة ، وهي فرس تقاد ولاتركب . المصباح المنير ، ص 111 (جنب) . وفي الأمالي : «نجائب» .
60- . الأزمّة : جمع زمام ، وهو _ على ما قال بعضهم _ في الأصل الخيط الذي يشدّ في البرَة أو الخشاش ، ثمّ يشدّ إليه المقود ، ثمّ سمّي به المقود نفسه . اُنظر : المصباح المنير ، ص 256 (زمم) .
61- . في متن الأصل : «خفائفها» . وجعل ما أثبتناه نسخة ، وهو موافق للمصدر .
62- . في المصدر : «انتحبت» . والنحيب : أشدّ البكاء ، و نحب فلان من باب ضرب _ : بكى . وانتحب أي تنفّس شديدا و رفع صوته بالبكاء .
63- . في المصدر : «إيّاه كنّا نعبد» .
64- . المصدر : «لهم» .
65- . الفقيه ، ج 1 ، ص 292_295 ، ح 905 . ورواه أيضا في الأمالي ، المجلس 38 ، ح 1 .
66- . أبان بن عثمان الأحمر كان يسكن الكوفة وكان من الناووسيّة على ما في اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 640 ، ح 660 .
67- . حكاه ذلك الصدوق عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد . اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 81 و 125 و 424 و 427 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 433 ؛ و ج 5 ، ص 396 .
68- . هو الحديث 5 من هذا الباب .
69- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 61 ، ح 212 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 306 307 ، ح 1136 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 415 ، ح 6967 .
70- . الفقيه ، ج 1 ، ص 299 ، ح 914 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 418 ، ح 6975 .
71- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 375 .
72- . هو الحديث 22 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 281 ، ح 1116 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 443 ، ح 7040 .
73- . الناصريّات ، ص 180 ، المسألة 67 .
74- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 379 .
75- . النهاية ، ص 68 .
76- . فقه الرضا عليه السلام ، 96_97 . والموجود فيه تثنية التكبير في أوّل الإقامة لاتربيعه .
77- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 135.
78- . هو الحديث 3 من هذا الباب . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 413 ، ح 6962.
79- . الفقيه ، ج 1 ، ص 289 290 ، ح 897 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 60 61 ، ح 211؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 306 ، ح 1135؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 416 ، ح 6970.
80- . المبسوط ، ج 1 ، ص 99 . والظاهر أنّ هذا البعض الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 290، حيث قال ذيل رواية أبي بكر الحضرمي : «هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه».
81- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 423 ، ح 6987.
82- . هذا هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 67 ، ح 217؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 307 ، ح 1141؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 414 ، ح 6965.
83- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 61 ، ح 214؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 307 ، ح 1138؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 415 ، ح 6968.
84- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 280 ، ح 1111؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 423 ، ح 6987.
85- . في الأصل: «بريد» . و مثله في وسائل الشيعة . و المثبت من التهذيب و الاستبصار ، و هذا موافق لترجمته في رجال الطوسي ، ص 149 ، الرقم 1656.
86- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 601 ، ح 218؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 308 ، ح 1142؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 423 424 ، ح 2988.
87- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 61 ، ح 215؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 307 ، ح 1139؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 425 ، ح 6991. وفي الاستبصار : «قول اللّه اكبر» .
88- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 62 ، ح 216؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 307 ، ح 1140؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 425 ، ح 6992.
89- . دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 144؛ مستدرك الوسائل ، ج 4 ، ص 41 42 ، ح 4135.
90- . النهاية ، ص 68 69.
91- . المعتبر ، ج 2 ، ص 140.
92- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 59 ، ح 209؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 305 ، ح 1133؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 414 ، ح 6966.
93- . الفقيه ، ج 1 ، ص 297 298 ، ح 907.
94- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 60 ، ح 210؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 305 ، ح 1134؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 416 ، ح 6970.
95- . الحبل المتين ، ص 210.
96- . هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي.
97- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 61 ، ذيل ح 212.
98- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 377 .
99- . ما أثبتناه هو الصحيح الموافق للمصدر . و في الأصل: «يزيد».
100- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 62 ، ح 219؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 308 ، ح 1143؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 424 ، ح 6990.
101- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 51 ، ح 170؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 385 ، ح 6867.
102- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 62 ، ح 220؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 308 ، ح 1144؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 425 ، ح 6993.
103- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 52 ، ح 172؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 385 ، ح 6865.
104- . الاستذكار ، ج 1 ، ص 402 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 432 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 393 .
105- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 426.
106- . هذا هوالحديث 4 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 414 ، ح 6965.
107- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 51 ، ح 168؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 300 ، ح 1107؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 387 ، ح 6872.
108- . هذا هو الصحيح . و في الأصل: «والظاهر». و تقدّم الخبران آنفا.
109- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 157 ، و ما بين الحاصرتين منه.
110- . في المصدر: «لايقول».
111- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 159 164. و كان في الأصل: «شرح العزيز» ، فصوّبناه.
112- . ذكرت هذه الفقرة في جميع الكتب الفقهيّة . اُنظر على سبيل المثال : فقه الرضا عليه السلام ، ص 96 97؛ المقنعة ، ص 101 102 ، الانتصار ، ص 137؛ رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 219؛ و ج 3 ، ص 30 ؛ الكافي للحلبي ، ص 120 و 121 ؛ المراسم ، ص 67 و 68 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 278 و 279 ؛ النهاية ، ص 68؛ مصباح المتهجّد ، ص 29؛ المهذّب ، ج 1 ، ص 88 ؛ الغنية ، ص 72؛ السرائر ، ج 1 ، ص 213؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 140؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 59 ؛ الجامع للشرائع ، ص 71؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 60 61؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 250 251؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 44 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 224؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 41 42 ؛ منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 374 ؛ الدروس ، ج 1 ، ص 161 ، درس 36 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 28؛ الذكرى ، ج 3 ، ص 199 .
113- . أبو محذورة القرشي الجمعي ، واختُلف في اسمه ، أسلم بعد غزوة حنين ، تأذّن لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مكّه ، أمره النبي صلى اللّه عليه و آله بذلك ، ثمّ توفّي في سنة تسع و خمسين. راجع : المعارف ، ص 306 ؛ اُسدالغابة ، ج 1 ، ص 150.
114- . الذكرى ، ج 3 ، ص 214 215. راجع: المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 1 ، ص 464 ، ح 1797؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 244 ، الباب 19 ، باب من كان يقول في أذانه حيّ على خير العمل؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 424 ، باب ما روي في «حيّ على خير العمل» .
115- . الانتصار ، ص 137. و انظر: السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 425 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1071.
116- . الفقيه ، ج 1 ، ص 287 288 ، ذيل ح 890 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 418 ، ح 6973. و ابن النبّاح هو عامر بن النبّاح مؤذّن أمير المؤمنين عليه السلام .
117- . علل الشرائع ، ج 2 ، ص 368 ، باب نوادر علل الصلاة ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 420 ، ح 6977.
118- . نفس المصدر ، ح 5 ؛ معاني الأخبار ، ص 42 ، باب معنى حروف الأذان و الإقامة ، ح 3 .
119- . المبسوط ، ج 1 ، ص 99.
120- . النهاية ، ص 69. والموجود فيه تخطئتهما لا خصوص قائل الأولى.
121- . الفقيه ، ج 1 ، ص 290 291 ، ذيل ح 897 . و المفوّضة هم الذين قالوا: إنّ اللّه فوّض خلق الدنيا إلى محمّد صلى الله عليه و آله ؛ أي اللّه تعالى خلق محمّدا صلى الله عليه و آله ، و فوّض إليه خلق الدنيا ، فهو الخلّاق لها بما فيها. و قيل: فوّض ذلك إلى عليّ عليه السلام . راجع : شرح المواقف ، ج 8 ، ص 388 ؛ مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 438 (فوض) .
122- . الانتصار ، ص 137.
123- . النهاية ، ص 67.
124- . الخلاف ، ج 1 ، ص 286 287 ، المسألة 30 ، و ص 288 ، المسألة 31 .
125- . الناصريّات ، ص 182 184 ، المسألة 69 . و لفظه مغايرة للمذكور هنا . والظاهر أنّها مأخوذة من مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 131.
126- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 381 382 .
127- . الاُمّ ، ج 1 ، ص 104؛ مختصر المزني ، ص 12؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 92؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 310 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 148؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 18.
128- . مسند أحمد ، ج 4 ، ص 42 43 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 125؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 232 ، ج 706؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 390 391 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 268 269.
129- . مسند أحمد ، ج 3 ، ص 408 409 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 121 ، ح 500 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 394 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 578 579 ؛ المعجم الكبير ، ج 7 ، ص 174؛ كنزالعمّال ، ج 7 ، ص 696 ، ح 20972.
130- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 62؛ الجوهر النقي ، ج 1 ، ص 393 .
131- . اُنظر: الخلاف ، ج 1 ، ص 278 279 ، المسألة 19؛ المعتبر ، ج 1 ، ص 144؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 61؛ تنقيح التحقيق ، ج 1 ، ص 108؛ السيرة الحلبيّة ، ج 2 ، ص 306 .
132- . المبسوط ، ج 1 ، ص 95.
133- . الوسيلة ، ص 92.
134- . السرائر ، ج 1 ، ص 212.
135- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 381 .
136- . الخلاف ، ج 1 ، ص 287.
137- . الخلاف ، ج 1 ، ص 286.
138- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 383 . و رواه الشيخ الطوسي في الخلاف ، ج 1 ، ص 287 . والحديث في: مسندأحمد ، ج 4 ، ص 43 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 270؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 237 ، ح 716؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 422 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 472 ، ح 1820؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 236 ، الباب 5 من كتاب الأذان ، ح 5 ؛ كنز العمّال ، ج 8 ، ص 358 ، ح 23254.
139- . هذا هو الحديث 34 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 63 64 ، ح 255؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 309 ، ح 1149؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 428 ، ح 6999.
140- . الناصريّات ، ص 183 ، المسألة 69 .
141- . الخلاف ، ج 1 ، ص 288 ، المسألة 31 .
142- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 63 ، ح 222؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 308 ، ح 1146؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 427 ، ح 6997.
143- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 67 ، ح 221؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 308 ، ح 1145 . و فيه : «الأذان» بدل «الإقامة» . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 427 ، ح 6996.
144- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 309 ، ح 1148. والحديث إلى قوله: «و تهليلتين» هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . وراجع : تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 61 ، ح 213؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 414 415 ، ح 6963.
145- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 2 ، ص 179 180.
146- . عيسى بن دينار بن واقد الغافقي ، أبو عبداللّه القرطبي ، فقيه الأندلس في عصره و أحد علمائها المشهورين ، أصله من طليطلة ، صحب عبدالرحمان بن القاسم الغتقي صاحب مالك بن أنس و تفقّه عليه و سكن قرطبه ، و كانت الفتياتدور عليه بالأندلس ، لا يتقدّمه أحد ، توفّي سنة 212 بطليطلة . من آثاره : كتاب الهديّة في الفقه. راجع : الأعلام ، ج 5 ، ص 102؛ معجم المؤلّفين ، ج 8 ، ص 24؛ سير أعلام النبلاء ، ج 10 ، ص 439 ، الرقم 140.
147- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 6.
148- . اُنظر: شرح صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 92؛ الديباج على مسلم ، ج 2 ، ص 258 ، عون المعبود ، ج 2 ، ص 150.
149- . اُنظر: صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 95 (ثوب) . ولم أعثر على كلام الطبري.
150- . المعتبر ، ج 2 ، ص 145؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 427 ، ح 6998.
151- . حكاه عنه الشهيد في الذكرى ، ج 3 ، ص 238.
152- . حكاه عنه في الذكرى ، ج 3 ، ص 201.
153- . الانتصار ، ص 137.
154- . المبسوط ، ج 1 ، ص 95.
155- . الناصريّات ، ص 44.
156- . النهاية ، ص 67.
157- . الخلاف ، ج 1 ، ص 286 ، المسألة 30 . قال فيه بالكراهة.
158- . هذا هوالحديث 7 من هذا الباب من الكافي .
159- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 58 ، ح 204 . و رواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 283 ، ح 871 . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 408 ، ح 6947.
160- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 58 ، ح 203؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 429 ، ح 7001.
161- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 408. و رواه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 75. والحديث رواه الدارقطني فى¨ الإفراد على ما في المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 445 ؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 415 416.
162- . السرائر ، ج 1 ، ص 214.
163- . هو الحديث 26 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 65 ، ح 232؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 429 ، ح 7002.
164- . عليّ بن أبي حمزة رواه عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهماالسلام .
165- . الاقتصاد ، ص 259؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 284 ، المسألة 28؛ الرسائل العشر ، ص 142 و 156 و 179؛ مصباح المتهجّد ، ص 25.
166- . الناصريّات ، ص 177.
167- . السرائر ، ج 1 ، ص 208.
168- . راجع: مفتاح الكرامة ، ج 6 ، ص 367 368 .
169- . المراسم ، ص 60.
170- . الخلاف ، ج 1 ، ص 284 ، المسألة 28 ؛ المجموع للنووي، ج 3 ، ص 82 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 105؛ بدايه المجتهد ، ج 1 ، ص 89 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 10.
171- . المقنعة ، ص 97.
172- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 257. و نسب هذا القول في الذكرى ، ج 3 ، ص 225 إلى ابن الجنيد.
173- . رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 29 ، و عبارته هكذا: «الأذان و الإقامة يجبان على الرجال دون النساء في كلّ صلاة جماعة في سفر أو حضر ، و يجب عليهم فرادى سفرا و حضرا في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة ، و الإقامة من السنن المؤكّدة ، و إن كانت بحيث ذكرنا وجوبها أوكد من سائر المواضع».
174- . المبسوط ، ج 1 ، ص 95؛ النهاية ، ص 64 65.
175- . الكافي في الفقه ، ص 120.
176- . المهذّب ، ج 1 ، ص 88 ، و كلامه صريح باختصاصه بالرجال.
177- . الوسيلة ، ص 91.
178- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 411.
179- . رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 29.
180- . النهاية ، ص 64 65.
181- . المبسوط ، ج 1 ، ص 95.
182- . المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 343 .
183- . هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 414 ، ح 6965.
184- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 49 ، ح 161؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 299 ، ح 1104؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 386 ، ح 6871.
185- . في هامش الأصل: «يعني مشعرالحرام».
186- . الفقيه ، ج 1 ، ص 286 ، ح 885 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 386 ، ح 6869.
187- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 51 ، ح 167؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 299 300 ، ح 1106؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 384 385 ، ح 6863.
188- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 50 ، ح 165؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 385 ، ح 6864.
189- . نفس المصدر ، ح 164؛ و ح 6866 من الوسائل.
190- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 50 ، ح 166؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 384 ، 6862.
191- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 51 ، ح 169؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 300 ، ح 1108؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 384 ، ح 6874.
192- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 51 52 ، ح 171؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 384 ، ح 6861.
193- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 285 ، ح 1139؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 304 ، ح 1130؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 434 ، ح 7013.
194- . الكافي ، باب افتتاح الصلاة ، ح 8 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 300 ، ح 915؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 81 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 459 ، ح 7077.
195- . المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 428 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 392 ؛ كتاب الأربعين للنسوي ، ص 63 ، ح 24؛ التمهيد ، ج 9 ، ص 182.
196- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 282 ، ح 1123؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 300 ، ح 1109؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 444 ، ح 7044. و رواه مع مغايرة الصدوق في علل الشرائع ، ج 2 ، ص 329 ، ح 1 من الباب 25.
197- . هو الحديث 18 من هذا الباب.
198- . هو الحديث 19 من هذا الباب.
199- . الفقيه ، ج 1 ، ص 298 ، ح 908.
200- . نفس المصدر ، ح 909.
201- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 58 ، ح 202؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 405 ، ح 6937.
202- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 58 59 ، ح 201؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 405 406 ، ح 6938.
203- . هو الحديث 18 من هذا الباب من الكافي.
204- . معرفة السنن و الآثار ، ج 1 ، ص 434 ، ح 572 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 433 434 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 390 .
205- . المغني ، ج 1 ، ص 433 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 390 .
206- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 408 ؛ المستدرك ، ج 1 ، ص 103.
207- . اُمّ ورقة بنت عبداللّه بن الحارث بن عويمربن نوفل الأنصاريّة ، و يقال لها: اُمّ ورقة بنت نوفل ، فنسبت إلى جدّها الأعلى . كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يزورها و يسميّها الشهيدة ، و هي الّتي استأذنت النبيّ صلى الله عليه و آله في الخروج إلى بدر ، وقالت: لعلّ اللّه يرزقني الشهادة ، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اقعدي في بيتك ؛ فإنّ اللّه سيهدي إليك الشهادة في بيتك ، و أمرها أن تؤمّ أهل دارها ، و كانت تؤمّ أهل دارها حتّى غمّها غلام لها و جارية كانت دبّرتها أي قالت لها: أنت حرّة دَبّر وفاتي فقتلاها في إمارة عمر. اُنظر: الاستيعاب، ج 4 ، ص 1965 ، الرقم 4224 ؛ الإصابة ، ج 8 ، ص 489 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 130 . و انظر: المصادر التاليه ؛ كنز العمّال ، ج 13 ، ص 629628 ، ح 37593 .
208- . مسند أحمد ، ج 6 ، ص 405 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 142، ح 592 ؛ مسند ابن راهويه ، ج 5 ، ص 235؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 89 ؛ المعجم الكبير ، ج 25 ، ص 135 136؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 388 ، ح 1491.
209- . قوله : «مشيرا إلى ما رويناه» من كلام المؤلّف . والحديث في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 51 _52 ، ح 171 .
210- . قوله : «من التأذين» لم يرد في المنتهى ، وإنّما أضافه المؤلّف .
211- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 409 411.
212- . المغني ، ج 1 ، ص 427 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 10؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 104.
213- . صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 502 و 503 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 2 ، ص 3 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 427 . وورد مع مغايرة في: مسند أحمد ، ج 5 ، ص 53 ؛ صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 215؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 313 ، ح 979؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 132 ، ح 205؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 77؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 280 ، ح 856 ، و ص 499 ، ح 1598؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 411 ؛ و ج 3 ، ص 67؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 246 ، الباب 23 من كتاب الأذان ، ح 3 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 206؛ المعجم الكبير ، ج 19 ، ص 288 و 289.
214- . مسند الشافعي ، ص 55 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 286؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 155؛ و ج 7 ، ص 77؛ و ج 8 ، ص 133؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 345 .
215- . أبو علي حسين بن صالح بن خيران الفقيه الشافعي ، من كبار العلماء ببغداد ، عرض عليه القضاء فلم يتقلّد ، توفّي سنة عشرين و ثلاثمئة. راجع : الوافي بالوفيات ، ج 12 ، ص 235؛ تاريخ الإسلام ، ج 23 ، ص 617.
216- . القاضي أبوالقاسم يوسف بن أحمد بن الدينوري ، شيخ الشافعيّة ، و كان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعيّة ، و له أموال و حشمة، و تصانيف كثيرة قتلته الحراميّة بالدينور في سنة خمس و أربعمئة. راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 17 ، ص 183 184 ، الرقم 104 ؛ الأعلام ، ج 8 ، ص 14؛ معجم المؤلّفين ، ج 13 ، ص 273.
217- . أبو حامد أحمد بن أبي طار محمّد بن أحمد الإسفرايني ، الفقيه الشافعي ، انتهت إليه الرئاسة ببغداد ، وكان بمحضر درسه أكثر من ثلاثمئة فقيه ، علّق على مختصر المزني تعاليق ، و له في مذهب الشافعي التعليقة الكبرى و كتاب البستان . أخذ الفقه عن أبي الحسن بن المرزبان ، ثمّ عن أبي القاسم الداركي ، واتّفق أهل عصره على تقديمه ، و كانت ولادته سنة أربع و أربعين و ثلاثمئة ، و قدم بغداد في سنة ثلاث و ستّين و ثلاثمئة، و توفّى سنّة ستّ وأربعمئة ببغداد ، و دفن في داره ، ثمّ نقل إلى باب حرب. راجع : وفيات الأعيان ، ج 1 ، ص 72 74؛ هدية العارفين ، ج 1 ، ص 71.
218- . أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى الإصطخري ، الفقيه الشافعي ، كان قاضي قمّ ، و تولّى حسبة بغداد، و استقضاه المقتدر العبّاسي على سجستان ، فسار إليها ، فوجد غالب مناكحاتهم بغير إذن الولي ، فأنكرها و أبطلها عن آخرها ، و كانت ولادته في سنة 244 ه. ق ، و توفّي سنة 328 ه. ق . له مصنّفات في الفقه ، منها كتاب الأقضية. راجع : وفيات الأعيان ، ج 2 ، ص 74 75 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 24 ، ص 226 227 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 37 38 .
219- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 136 138.
220- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 140.
221- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 146 147.
222- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 408 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 3 ، ص 127 ، ح 5022 .
223- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 140 142 .
224- . هذا هو الحديث 20 من هذا الباب.
225- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 55 ، ح 191؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 301 ، ح 1112؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 394 ، ح 6895.
226- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 55 ، ح 189؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 301 302 ، ح 1116؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 395 ، ح 6899.
227- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 55 ، ح 189؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 302 ، ح 1117؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 395 ، ح 6899 ، و ما بين الحاصرتين من المصدر.
228- . المقنعة ، ص 98.
229- . النهاية ، ص 66 67.
230- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 125.
231- . رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 30 .
232- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 136.
233- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 54 ، ح 186؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 301 ، ح 1113؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 395 ، ح 6900.
234- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 301 ، ح 188؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 301 ، ح 1115؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 395 ، ح 6902.
235- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 54 ، ح 187؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 301 ، ح 1114؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 395 ، ح 6901.
236- . هو الحديث 20 من هذا الباب من الكافي.
237- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 53 ، ح 179؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 392 ، ح 6887.
238- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 153 ، ح 180؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 391 ، ح 6886.
239- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 53 54 ، ح 181 . و رواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 289، ح 896 مرسلاً عن عليّ عليه السلام . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 440 ، ح 7032.
240- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 404.
241- . رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 30 . ولم يرد فيها استثناء الشهادتين.
242- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 56 ، ح 196؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 403، ح 6928.
243- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 124.
244- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 404.
245- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 30) . و حكاه من المصباح المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 128.
246- . هو الحديث 24 من هذا الباب من الكافي.
247- . هو الحديث 21 من هذا الباب.
248- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 282 283 ، ح 1124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 404 405 ، ح 6930. وورد فيها: «لم تكن معه في الركوع».
249- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 56 ، ح 193؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 402 ، ح 6925.
250- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 56 ، ح 195؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 307 ، ح 1119؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 402 ، ح 6923.
251- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 56 ، ح 192، وسائل الشيعة ، ح 5 ، ص 403 ، ح 6929. و أرض ملصة: كثيرة اللصوص. معجم مقائيس اللغة ، ج 5 ، ص 205 (لص) .
252- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 57 ، ح 199 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 302 ، ح 1120؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 404 ، ح 6932.
253- . المقنعة ، ص 98 و 99.
254- . النهاية ، ص 66.
255- . رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 30 .
256- . الدروس ، ج 1 ، ص 163 ، درس 36 .
257- . جامع المقاصد، ج 2 ، ص 60.
258- . المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 439 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 1، ص 402.
259- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 180؛ مواهب الجليل ، ج 2 ، ص 97 . و فيه : «يجوز» بدل «يستحبّ».
260- . المغني ، ج 1 ، ص 439 ، الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 403 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 106؛ فتح الوهاب ، ج 1 ، ص 63؛ الإقناع ، ج 1 ، ص 129 .
261- . صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 326 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 439.
262- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 404 405.
263- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 281 ، ح 1120؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 430 ، ح 7004.
264- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 55 ، ح 190؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 415 ، ح 11052.
265- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 281 ، ح 1119؛ و ج 3 ، ص 56 ، ح 191؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 430 ، ح 7005؛ و ج 8 ، ص 415 ، ح 11053.
266- . المبسوط ، ج 1، ص 98.
267- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 414 . و مثله في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 62؛ و تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 222.
268- . المختصر النافع ، ص 27؛ المعتبر، ج 2، ص 136 137.
269- . المهذّب البارع ، ج 1، ص 344 345 ؛ عوالى اللآلي ، ج 3 ، ص 79 ، ح 53 .
270- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 300 .
271- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 280، ح 1113؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 391 ، ح 5485 ؛ و ج 5 ، ص 437 ، ح 7023.
272- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 285 ، ح 1141؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 437 ، ح 7024. و كان في الأصل: «عمروبن أبي نصر» ، و التصويب حسب المصدر.
273- . منهم عمروبن خالد . اُنظر : رجال ابن داود ، ص 290.
274- . الذكرى ، ج 3 ، ص 230.
275- . هو الحديث 13 من هذا الباب.
276- . الذكرى ، ج 3 ، ص 229.
277- . النهاية ، ص 65.
278- . المبسوط ، ج 1، ص 98.
279- . المعتبر ، ج 2 ، ص 137. لكنّه صرّح في الشرائع ، ج 1 ، ص 59 بلزوم الإعادة.
280- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 18.
281- . المقنعة ، ص 162.
282- . المقنعة ، ص 164 165.
283- . حكاه عنهما ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 305 .
284- . السرائر ، ج 1 ، ص 304 305 .
285- . سيأتي الحديث.
286- . هذا هوالحديث 5 من باب تهيئة الإمام للجمعة... من الكافي. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 19 ، ح 67؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 400 ، ح 9687.
287- . الذكرى ، ج 3 ، ص 232.
288- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 336 .
289- . عون المعبود ، ج 3 ، ص 305 ؛ أضواء البيان ، ج 8 ، ص 142.
290- . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 219. و رواه ابن ماجة في السنن ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1135. و نحوه الترمذي في السنن ، ج 2 ، ص 14 ، ح 515 ؛ و ابن أبي شيبة في المصنّف، ج 1 ، ص 251 ، الباب 31 من كتاب الأذان ، ح 2؛ كنز العمّال ، ج 8 ، ص 363 ، ح 23281. و الزواء : موضع عند سوق المدينة قرب المسجد. راجع : معجم البلدان، ج 3 ، ص 156.
291- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 336 .
292- . المبسوط ، ج 1 ، ص 149.
293- . تقدّم آنفا.
294- . كتاب الاُمّ ، ج 1 ، ص 224.
295- . المصدر المتقدّم.
296- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 418.
297- . شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 578 579 .
298- . ح 3 و 4 من ذلك الباب.
299- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 159 160 ، ح 342 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 254 ، ح 10576.
300- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 158 ، ح 340 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 290 ، ح 5187 .
301- . هوالحديث الأوّل من ذلك الباب.
302- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 375 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 17؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 506 ، ح 1626؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 403.
303- . المغني ، ج 1 ، ص 429.
304- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 416. وانظر المصدر المتقدّم.
305- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 164 ، ذيل ح 353 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 672 ، المسألة 446 ، والظاهر أنّ هذه العبارة متخذ من قوله عليه السلام : «يقضي ما فاته كما فاته» . الكافي ، باب من يريد السفرأ و يقدم من سفر متى يجب عليه التقصير أوالتمام ، ح 7؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 162 ، ح 350 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 218 ، ح 10621.
306- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 167 168 ، ح 367 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 270 271 ، ح 10628.
307- . الذكرى ، ج 3 ، ص 230 231.
308- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 171.
309- . المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 128.
310- . مسند أحمد ، ج 3 ، ص 49 ؛ مسند الشافعي ، ص 32 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 402 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 2 ، ص 88 ؛ و ج 3 ، ص 100 101.
311- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 298؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 139؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 108 ، ح 437 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 216؛ مسند ابن الجعد ، ص 450 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 214.
312- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 149 151. و كتاب الإملاء في الفقه الشافعي لعبد الرحمان بن أحمد بن محمّد السرخسى الموزي ، المتوفّى سنة 494 ه . ق. راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 19 ، ص 154 155 ، الرقم 80 ؛ معجم المؤلّفين، ج 5 ، ص 121.
313- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 277 ، ح 1101؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 432 433 ، ح 7008.
314- . هو الحديث 22 من هذا الباب.
315- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 284 ، ح 1136 . و رواه الصدوق مرسلاً في الفقيه ، ج 1 ، ص 291 ، ح 899 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 378 ، ح 6841.
316- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 282 ، ح 1121؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 378 ، ح 6842.
317- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 136.
318- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 395 .
319- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 53 ، ح 181؛ و ج 3 ، ص 29 ، ح 103؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 424 425 ، ح 1632؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 440 ، ح 7032؛ و ج 8 ، ص 322 ، ح 10789.
320- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 280 ، ح 1112؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 440 ، ح 7031.
321- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 395 .
322- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 188؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 100؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 414.
323- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 100؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 313 .
324- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 100؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 150.
325- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 278 ، ح 1103؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 434 ، ح 7015.
326- . المبسوط ، ج 1 ، ص 95.
327- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 279 ، ح 1110؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 433 ، ح 7012.
328- . بشرى المحقّقين في الفقه كتاب كبير مبسوط ، للسيّد جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر ابن طاووس العلوي الحسني ، المتوفّى سنة 673 في الحلّة ، و دفن بها . و قد تقدّمت ترجمته في باب الوضوء من سؤر الحائض و الجنب و اليهودي و النصراني و الناصب. و كلامه هذا حكاه عنه ابن داود في رجاله ، ص 79 ، الرقم 468.
329- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 278 ، ح 1105؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 304 ، ح 1129؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 435 ، ح 7017.
330- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 127.
331- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 285 ، ح 1139؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 434 ، ح 7013. ولا يخفى أنّ ذيل الحديث مربوط بحديث داود بن سرحان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، و هو الحديث 1140 من تهذيب الأحكام و ح 7014 من الوسائل . و أمّا الذيل الذي في صحيحة عبيد بن زرارة فهكذا: «قال : فليمض في صلاته ، فإنّما الأذان سنّة».
332- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 279 ، ح 1107؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 303 ، ح 1122؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 436 ، ح 7020.
333- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 279 ، ح 1106؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 302 303 ، ح 1121؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 436 ، ح 7019.
334- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 278 ، ح 1104؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 304 ، ح 1128؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 435 ، ح 7018.
335- . المبسوط ، ج 1 ، ص 95.
336- . لم أعثر عليه في الدروس . و انظر: الذكرى ، ج 3 ، ص 232.
337- . النهاية ، ص 65.
338- . السرائر ، ج 1 ، ص 209.
339- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 280 ، ح 1114؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 442 ، ح 7036.
340- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 428 . و مثله في نهاية الإحكام ، ج 1، ص 431 ؛ و تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 85 . و انظر: المعتبر ، ج 2 ، ص 147.
341- . المبسوط ، ج 1 ، ص 99؛ النهاية ، ص 66.
342- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 434 ، و لفظه هكذا: «إذا نقص المؤذّن من أذانه شيئا ، أتمعته أنت مع نفسك؛ تحصيلاً لكمال السنّة».
343- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 280، ح 1112؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 437 ، ح 7022.
344- . أي أسرع بها من غيرتأنّ و ترتيل. مجمع البحرين، ج 1 ، ص 474 (حدر) .
345- . الفقيه ، ج 1 ، ص 284 285 ، ح 876 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 388 389 ، ح 6877.
346- . الخلاف، ج 1 ، ص 269 ، المسألة 12؛ النهاية ، ص 66. و كان في الأصل: «في الخلاف في النهاية» ، فصوّبناه.
347- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 53 ، ح 177؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 390 391 ، ح 6883. و كان في الأصل: «فقال لنا: إنّ ذلك» ، و التصويب من المصدر.
348- . المصدر ، ح 178؛ و الوسائل ، ح 6884.
349- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 133.
350- . المصدر. و الحديث مع مغايرة في اللفظ في الفقيه ، ج 1 ، ص 297 ، ح 906؛ ووسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 389 ، ح 6878.
351- . الناصريّات ، ص 182.
352- . الخلاف ، ج 1، ص 269 ، المسألة 12.
353- . اُنظر: فتح العزيز ، ج 3 ، ص 35 36 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 89 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 134؛ المغني ، ج 1 ، ص 421 ، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 1 ، ص 407 ؛ المحلّى ، ج 3 ، ص 119؛ نيل الأوطار، ج 2، ص 32 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 90؛ تفسير القرطبي، ج 6 ، ص 229.
354- . السرائر ، ج 1 ، ص 28 . و الموجود فيه الجواز و لزوم الإعاده بعد دخول الوقت.
355- . الخلاف ، ج 1 ، ص 269.
356- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 36 ، و سائر المصادر المتقدّمة آنفا.
357- . الناصريّات ، ص 182؛ مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 133؛ الذكرى ، ج 3 ، ص 237. و ورد الحديث في سنن أبي داود ، ج 1، ص 130 ، ح 532 ؛ والسنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 383 ؛ ومنتخب مسند عبد بن حميد ، ص 250؛ وشرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 139؛ وسنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 252 ، ح 943 . و في جميع مصادر العامّة: «... فأمره النبي صلى الله عليه و آله أن يرجع فينادي: ألا إنّ العبد نام» ثلاث مرّات.
358- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 130 ، ح 534 ؛ معرفة السنن و الآثار للبيهقي ، ج 1 ، ص 415 ، ذيل ح 543 ؛ كنز العمّال ، ج 7 ، ص 693 ، ح 20959.
359- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 134 135 .
360- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 426.
361- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 390 391 ، ح 6883.
362- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 285 ، ح 1142؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 448 ، ح 7025.
363- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 286 ، ح 1144؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 449 ، ح 7056.
364- . هو الحديث 32 من هذا الباب.
365- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 64 ، ح 227؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 397 ، ح 6907.
366- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 64 ، ح 229؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 309 ، ح 1150؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 398 ، ح 6913.
367- . كذا قال الشارح ، والحقّ وثاقة سيف بن عميرة ؛ على ما في رجال النجاشي ، ص 198 ، الرقم 504 ؛ الفهرست الشيخ الطوسي ، ص 140 ، الرقم 333 ؛ معالم العلماء ، ص 91 ، الرقم 377 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 160 ، رجال ابن داود ، ص 108 ، الرقم 751.
368- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 64 65 ، ح 231؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 309 310 ، ح 1151؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 399 ، ح 6915.
369- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 280 ، ح 1114؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 398 ، ح 6910؛ و ص 449 450 ، ح 7075.
370- . الذكرى ، ج 3 ، ص 213. و أورده الراوندي في الدعوات ، ص 36 ، ح 87 . و ورد الحديث في مصادر العامّة ، منها : مسند أحمد ، ج 3 ، ص 119 و 155 و 254؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 128 ، ح 521 ؛ سنن الترمذي، ج 1 ، ص 137 ، ح 212؛ و ج 5 ، ص 334 335 ، ح 3664 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 410 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 6 ، ص 22؛ مسند الطيالسي ، ص 282؛ مسند أبييعلى ، ج 6 ، ص 353 ، ح 3679 ؛ و ج 7 ، ص 142 143، ح 4109 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 222.
371- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 64 ، ح 230. و هوالحديث 32 من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 401 ، ح 6921.
372- . النهاية ، ص 67.
373- . الذكرى، ج 3 ، ص 213.
374- . مصباح المتهجّد ، ص 29 30 ، ح 29 و 32 .
375- . في هامش الأصل : «حكى طاب ثراه هذا القول عن النووي . منه طاب ثراه» .
376- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 126 ، ح 514 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 399 .
377- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 65 ، ح 232 . و المطبوع منه موافق للكافي . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 429 ، ح 7002.
378- . النهاية ، ج 2 ، ص 223 (رسل) .
379- . شرح اللمعة ، ج 1، ص 582 .
380- . الذكرى ، ج 3 ، ص 208. و حديث سليمان بن صالح هوالحديث 21 من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 56 57 ، ح 197؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 404 ، ح 6933.
381- . صحاح اللغة ، ج 1، ص 209 (كثب) .
382- . سيأتي قريبا حديث أبي سعيد.
383- . اُنظر: الخلاف ، ج 1 ، ص 285 ، المسألة 29 ، المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 116؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 418 ؛ المحلّى ، ج 3 ، ص 148؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 91.
384- . الفقيه، ج 1 ، ص 288 ، ح 892 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 314 ، ح 826 ؛ و ج 5 ، ص 454 ، ح 7067.
385- . مسند أحمد ، ج 3 ، ص 6؛ صحيح البخاري، ج 1 ، ص 152؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 238 ، ح 720؛ مسند الشافعي ، ص 33 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 272؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 4 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 128 ، ح 522 ؛ سنن التزمذي ، ج 1 ، ص 134 ، ح 208؛ سنن النسائي، ج 2 ، ص 23؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 509 ، ح 1637.
386- . الفقيه ، ج 1 ، ص 292 ، ح 904؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 455 ، ح 7069.
387- . الذكرى ، ج 3 ، ص 203 . و في الأصل حديث أبي سعيد مقدّم على رواية محمّد بن مسلم.
388- . المحلّى ، ج 3 ، ص 148 ، المسألة 330 .
389- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 120؛ مواهب الجليل ، ج 2 ، ص 106؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 88 .
390- . الخلاف ، ج 1 ، ص 286 ، المسألة 29.
391- . حكي ذلك عن الشافعي . اُنظر: الخلاف ، ج 1، ص 285؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 61؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 118.
392- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 88 .
393- . المصدر المتقدّم؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 118؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 285 286 نقلاً عن مالك.
394- . الذكرى ، ج 3 ، ص 204.
395- . شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 585 .
396- . المبسوط ، ج 1 ، ص 97.
397- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 4. و رواه أيضا أبو داود في سننه، ج 1 ، ص 259 ، ح 527 ؛ والنسائي في السنن الكبرى ، ج 6 ، ص 15 ، ح 9868؛ و ابن خزيمة في صحيحه ، ج 1 ، ص 218؛ و الطحاوي في شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 144؛ و ابن حبّان في صحيحه ، ج 4 ، ص 582 .
398- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 118 . و يعني من البطلان خصوص ما إذا حكى الحيّعلات. و انظر: كتاب الاُمّ ، ج 1 ، ص 108.
399- . المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 60؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 198.
400- . المبسوط ، ج 1 ، ص 96.
401- . منتهى المطلب، ج 4 ، ص 401.
402- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 284 ، ح 1134؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 230 ، ح 6412 ، و ص 410 ، ح 6956.
403- . مسند أحمد ، ج 4 ، ص 43 ؛ سنن الدارمي ، ج 1، ص 269؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 706 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 120 121 ، ح 499 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 122 ، ح 189؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 391 و 399 و 427 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 189؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 142؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 573 ؛ كتاب الأوائل للطبراني ، ص 116؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 249 ، ح 924.
404- . المغني ، ج 1 ، ص 426 ؛ كشّاف القناع ، ج 1 ، ص 276.
405- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 53 ، ح 175 . و فيه: «ويشهد» بدل «بشهادة». و هذا هو الحديث 28 من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 374 ، ح 6827.
406- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 284 ، ح 1131. و رواه الصدوق في الخصال ، ص 448 ، باب العشرة ، ح 50 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 373 374 ، ح 6821.
407- . تهذيب الأحكام ، ج 2، ص 58 ، ح 205؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 410 ، ح 6955.
408- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 400 401.
409- . هو الحديث 33 من هذا الباب من الكافي . و رواه أيضا في كتاب العقيقة ، باب الدعاء في طلب الولد ، ح 9. و رواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 292 ، ح 903 ؛ والطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 59 ، ح 207؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 412 ، ح 6960.
410- . اُنظر: جوامع الجامع ، ج 2 ، ص 446 ؛ مجمع البيان ، ج 6 ، ص 408.
411- . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 24 (درر) .
412- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 485 (قدر) .
413- . اُنظر: مجمع الفائدة ، ج 2 ، ص 179؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 288.
414- . روض الجنان ، ج 2،ص 654 . و حكاه عنه في مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 288.
415- . البقرة (2) : 36 .
416- . غافر (40) : 39 .
417- . اُنظر: مفتاح الفلاح ، ص 46 ؛ مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 486 (قرر) .
418- . الفقيه ، ج 3 ، ص 298 ، ح 910؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 455 ، ح 7071.
419- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 27 (غول) .

ص: 502

. .

ص: 503

. .

ص: 504

. .

ص: 505

. .

ص: 506

. .

ص: 507

. .

ص: 508

. .

ص: 509

. .

ص: 510

. .

ص: 511

. .

ص: 512

. .

ص: 513

. .

ص: 514

. .

ص: 515

. .

ص: 516

. .

ص: 517

. .

ص: 518

. .

ص: 519

. .

ص: 520

. .

ص: 521

. .

ص: 522

. .

ص: 523

. .

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

ص: 528

. .

ص: 529

. .

ص: 530

. .

ص: 531

. .

ص: 532

. .

ص: 533

. .

ص: 534

. .

ص: 535

. .

ص: 536

. .

ص: 537

. .

ص: 538

. .

ص: 539

. .

ص: 540

. .

ص: 541

. .

ص: 542

. .

ص: 543

. .

ص: 544

. .

ص: 545

. .

ص: 546

. .

ص: 547

. .

ص: 548

. .

ص: 549

. .

ص: 550

. .

ص: 551

. .

ص: 552

. .

ص: 553

. .

ص: 554

. .

ص: 555

. .

ص: 556

. .

ص: 557

. .

ص: 558

. .

ص: 559

. .

ص: 560

. .

ص: 561

. .

ص: 562

. .

ص: 563

. .

ص: 564

. .

ص: 565

. .

ص: 566

. .

ص: 567

. .

ص: 568

باب القول عند دخول المسجد والخروج منه

باب القول عند دخول المسجد والخروج منهأي عند إرادة الدخول فيه والخروج عنه ، كما في قوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ» (1) ، ومنه قوله عليه السلام في خبر يونس (2) ، وحسنة عبد اللّه بن سنان: «إذا دخلت وإذا خرجت» (3) ، وفي حسنة معاوية بن وهب: «إذا قمت إلى الصلاة» (4) .

.


1- . المائدة (5) : 6.
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
3- . هو الحديث 2 من هذا الباب.
4- . هو الحديث 3 من هذا الباب.

ص: 569

فهرس المطالب .

ص: 570

. .

ص: 571

. .

ص: 572

. .

ص: 573

. .

ص: 574

. .

ص: 575

. .

المجلد 3

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

تتمة كتاب الصلاة

اشاره

تتمة كتاب الصلاة

.

ص: 6

. .

ص: 7

باب افتتاح الصلاة والحدّ في التكبير وما يقول عند ذلك

باب افتتاح الصلاة والحدّ في التكبير وما يقول عند ذلكذكر العلّامة في المنتهى (1) إجماع المسلمين على وجوب التكبير للإحرام في الصلاة ، وعلى كونه ركنا من أركانها أيضا ، إلّا أنّه استثنى منهم الزهري والأوزاعي وسعيد بن المسيّب والحسن وقتادة والحكم ، وحكى عنهم نفي ركنيّته ، وأنّهم قالوا : لو أخلّ به المصلّي عامدا بطلت صلاته ، ولو أخلّ به ناسيا أجزأته تكبيرة الركوع (2) . وحكى طاب ثراه عن بعض منهم القول باستحبابه وتحقّق الدخول في الصلاة بالنيّة ، وهو محكي في الانتصار عن الزهري ، (3) وهو ظاهر أخبار نادرة تجيء مع تأويلها في باب السهو في افتتاح الصلاة . ويدلّ عليه _ زائدا على ما رواه المصنّف _ ما سيأتي من صحيحتي زيد الشحّام ومحمّد بن مسلم ، صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن أدنى ما يجزي في الصلاة من التكبير ، قال: «تكبيرة واحدة». (4) وأراد المصنّف بالافتتاح تكبيرة الإحرام وما زاد عليها من التكبيرات المستحبّة ، وهو الشائع في الأخبار وكلام الأصحاب، فقد أجمع الأصحاب على استحباب افتتاحها بسبع تكبيرات، منها تكبيرة الإحرام، (5) وعدّه السيّد في الانتصار من متفرّدات الإماميّة . (6) ويدلّ عليه حسنة حريز عن زرارة ، (7) وحسنة الحلبي ، (8) وما رواه الصدوق ، حيث قال في الفقيه: وإنّما جرت السنّة في افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات ؛ لما رواه زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الصلاة ، وقد كان الحسين عليه السلام أبطأ عن الكلام حتّى تخوّفوا أنّه لا يتكلّم ، وأنّه يكون به خرس، فخرج به عليه السلام حامله على عاتقه ، وصفّ الناس خلفه ، فأقامه على يمينه ، فافتتح رسول اللّه صلى الله عليه و آله [الصلاة ، فكبّر الحسين عليه السلام ، فلمّا سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ] (9) تكبيره عاد فكبّر وكبّر الحسين عليه السلام حتّى كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع تكبيرات ، وكبّر الحسين عليه السلام ، فجرت السنّة بذلك». (10) وقد روى هشام بن الحكم لذلك علّة اُخرى ، وهي : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا اُسري به إلى السّماء قطع سبع حجب ، فكبّر عند كلّ حجاب تكبيرة ، فأوصله اللّه عزّ وجلّ بذلك إلى منتهى الكرامة. (11) وذكر الفضل بن شاذان لذلك علّة اُخرى ، وهي : أنّه إنّما صارت التكبيرات في أوّل الصلاة سبعا ؛ لأنّ أصل الصلاة ركعتان ، واستفتاحهما بسبع تكبيرات : تكبيرة الافتتاح ، وتكبيرة الركوع ، وتكبيرتي السجدتين ، وتكبيرة الركوع في الثانية ، وتكبيرتي السجدتين، فإذا كبّر الإنسان في أوّل صلاته سبع تكبيرات ثمّ نسي شيئا من تكبيرات الافتتاح من بعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص. (12) وما رواه الشيخ في التهذيب عن حفص ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين عليه السلام فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين عليه السلام التكبير ، فلم يزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكبّر ويعالج الحسين عليه السلام التكبير ، ولم يحر ، حتّى أكمل سبع تكبيرات ، فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة» ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «فصارت سنّة». (13) وفي الصحيح عن زيد الشحّام ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الافتتاح؟ فقال: «تكبيرة تجزيك». قلت: فالسبع؟ قال: «ذلك الفضل». (14) واحتجّ عليه السيّد في الانتصار (15) بإجماع الطائفة ، وبأنّ وقت الافتتاح داخل في عموم الأحوال الّتي أمرنا فيها بالأذكار بقوله سبحانه: «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا» ، (16) وهذا أكثر مراتب الفضل. وقد ورد خمس وثلاث أيضا. روى الشيخ عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الإمام يجزيه تكبيرة واحدة ويجزيك ثلاث مترسّلاً (17) إذا كنت وحدك». (18) وفي الصحيح عن الحلبي ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أخفّ ما يكون من التكبير في الصلاة، قال: «ثلاث تكبيرات ، فإن كانت قراءة قرأت ب «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» و «قُلْ يَ_أَيُّهَا الْكَ_فِرُونَ» ، وإذا كنت إماما فإنّه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها وتسرّ ستّا». (19) وعن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة ، وإن شئت ثلاثا و إن شئت خمسا ، وإن شئت سبعا ، فكلّ ذلك مجز عنك غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلّا بتكبيرة». (20) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «التكبيرة الواحدة في [إفتتاح] الصلاة تجزي ، والثلاث أفضل ، والسبع أفضل كلّه». (21) وإطلاق الصلاة في الأخبار يقتضي استحبابها في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة . وقد ورد في بعض الأخبار استحبابها في بعض المندوبات منطوقا ، وفي جميعها مفهوما، فقد روي في الوافي عن كتاب فلاح السائل ، عن التلعكبري، عن محمّد بن همّام ، عن عبد اللّه بن علاء المذاري ، عن ابن شمون ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال : «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير في أوّل الزوال ، وصلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وقد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوّع أن تكبّر تكبيرة لكلّ ركعتين» . (22) ويفهم من لفظ الإجزاء أنّها مستحبّة في سائر النوافل وهو ظاهر مذهب المفيد حيث قال في المقنعة : والسنّة في التوجّه بسبع تكبيرات في سبع صلوات : الأوّلة من كلّ فريضة ، والأوّلة من نوافل الزوال ، والأوّلة من نوافل المغرب ، والأوّلة من الوتيرة ، والأوّلة من نوافل الليل، والمفردة بعد الشفع ، وهي الوتر ، والأوّلة من ركعتي الإحرام للحجّ والعمرة ، ثمّ هو فيما بعد هذه الصلوات مستحبّ وليس تأكيده كتأكيده في ما عددناه. (23) وهو ظاهر السيّد في الانتصار ، (24) ومحكى عن ظاهر جمله (25) أيضا ، ومنقول عن ابن طاووس وعن ظاهر ابن الجنيد ، (26) بناء على أنّهم سنّوا استحبابها من غير تقييد . وبه صرّح بن إدريس حيث قال: «يستحبّ التوجّه بسبع تكبيرات منها واحدة فريضة ، وهي تكبيرة الإحرام ، بينهن ثلاثة أدعية في جميع الصلوات المفروضات والمندوبات» . (27) وقيّده الأكثر بالمواضع السبعة الّتي عدّه المفيد فيها مؤكّدا . وبه قال الشيخ في النهاية (28) والمبسوط (29) صريحا . وقال في الخلاف : «يستحبّ [عندنا استفتاح الصلاة بسبع تكبيرات ]في مواضع مخصوصة من النوافل» . (30) وخصّها في الفقيه في النوافل بستّ بإسقاط الوتيرة من السبع نفلاً عن رسالة والده . (31) وعن السيّد مرتضى: أنّه قال في المسائل المحمّدية: «إنّما يستعمل في الفرض دون النوافل» . (32) وبه قال الشيخ في التهذيب فإنّه بعد ما حكى عن عليّ بن بابويه ما نقلنا عنه قال: «ولم أجد به فيما عدا الفرائض خبرا مسندا». (33) وحكى ابن إدريس عن بعض اختصاصه بالفرائض اليوميّة . (34) ويستحبّ ثلاثة أدعية بين السبع ، منها : دعاء التوجّه على ما دلّ عليه ما رواه المصنّف من حسنة الحلبي. (35) وقد ورد في بعض الأخبار ولاؤها ، رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام _ أو قال: سمعته _ استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء (36) . وهو أدون فضلاً . وظاهر الخبرين المذكورين في قصّة الحسين عليه السلام (37) أنّ الأوّل من السبع كانت تكبيرة الإحرام. والمشهور تخيير المصلّي في ذلك وفي جعلها إحدى البواقي ، وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بما ذكر ، وورود دعاء التوجّه بعد السبع في حسنة الحلبي زعما منهم أنّه مختصّ بما بعد التحريمة . وقد صرّح جماعة بها، منهم الشهيد في اللمعة حيث قال _ بعد ما ذكر السبع _ : «ويتوجّه بعد التحريمة» . (38) وقال الشهيد الثاني في الشرح : «أي يدعو بدعاء التوجّه ، وهو : وجّهت وجهى للّذي فطر السّماوات والأرض إلى آخره بعد التحريمة ، حيث ما فعلها» . (39) وكأنّه بذلك قال . وفي الذكرى : «أنّ الأفضل جعلها الأخيرة» . (40) وقال صاحب المدارك : «لا أعرف مأخذه» . (41) واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب وجوب كلمة : (اللّه أكبر) بعينها في تكبيرة الإحرام، وعدم انعقاد الصلاة بتغييرها وبغيرها وإن أفاد معناها اختيارا. (42) ويدلّ عليه فعل النبيّ صلى الله عليه و آله ، وقوله عليه السلام إيّاه في مقام التعليم في حسنة حمّاد، (43) ونسبه العلّامة في المنتهى (44) إلى أحمد ، (45) وهو محكي في الانتصار (46) عن مالك. (47) ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه قال: «ينعقد بقوله : «اللّه الأكبر» وإن كان فعله مكروها». (48) وحكى في الانتصار عن الشافعي التخيير بينهما. (49) وعن أبي حنيفة ومحمّد الانعقاد بكلّ لفظ يقصد به التعظيم والتفخيم وبقول اللّه . (50) وعن أبي يوسف الانعقاد بألفاظ التكبير مطلقا، وعدّ منها : اللّه الكبير. (51) وعن الزهري الانعقاد بالنيّة فقط ، (52) ثمّ قال: «دليلنا على ما ذهبنا إليه : الإجماع ، وأيضا فإنّ الصلاة في الذمّة بيقين ولا يسقط إلّا بيقين مثله ، ولا يقين في سقوطها عن الذمّة إلّا باللفظ الّذي اخترناه.» (53) ويستحبّ أيضا أن يقال بين الإقامة والتكبيرات السبع: يا محسن قد أتاك المسيء ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء ، وأنت المحسن وأنا المسيء ، فبحقّ محمّد وآل محمّد صلّ على محمّد وآل محمّد و تجاوز عن قبيح ما تعلم منّي. وإذا قال ذلك يقول اللّه : ملائكتي ، اشهدوا أنّي قد غفرت له ، وأرضيت عنه أهل تبعاته. على ما نقل عن ابن طاووس في كتاب فلاح السائل. (54) قوله في حسنة زرارة : (ترفع بذلك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا ترفعهما كلّ ذلك) .] ح 1 /4971] ذلك : إشارة إلى الرفع المستفاد من الفعل ، أي لا ترفعهما كثيرا كما هو في بعض النسخ. وفي المنتهى : «يستحبّ رفع اليدين بالتكبير بلا خلاف بين أهل العلم في فرائض الصلوات ونوافلها». (55) وحكى طاب ثراه عن المازري أنّه ادّعى إجماع الاُمّة عليه ، لكنّه حكى عن داود وجوبه متمسّكا بورود الأمر به ، وتأسّيا بالنبيّ صلى الله عليه و آله . (56) وذهب السيّد في الانتصار (57) إلى وجوبه في كلّ تكبيرات الصلوات محتجّا بأنّ الإجماع وتيقّن براءة الذمّة ، وبما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه رفع يديه في كلّ خفض ورفع وفي السجود ، (58) وعدّ ذلك من منفردات الإماميّة مستندا بأنّ أبا حنيفة وأصحابه والثوري نفوه في غير تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوع ورفع الرأس منه، (59) ومالكا نفاه مطلقا ، (60) وقال: إنّهم ادّعوا نسخه والأخبار فيه متظافرة من الطريقين . فمن طريق الأصحاب منها : ما رواه المصنّف في الباب، ومنها : ما سبق في بعض الأخبار، ومنها : ما سيأتي. ومنها : ما رواه في الصحيح ، عن معاوية بن عمّار ، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلاً. (61) وفي الصحيح عن صفوان بن مهران ، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام إذا كبّر للصلاة رفع يديه حتّى يكاد ويبلغ اُذنيه. (62) وعن ابن سنان _ وطريقه إليه صحيح _ قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام [يصلّي] يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح. (63) وعن زرارة ، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «رفعك يديك في الصلاة زينها». (64) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يرفع يديه إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من السجود ، وإذا أراد أن يسجد الثانية. (65) وفي الصحيح عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : في الرجل يرفع يديه كلّما أهوى للركوع والسجود ، قال: «هي العبودية». (66) وعن سيف ين عميرة، عن منصور بن حازم ، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام [يصلّي] افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه ، واستقبل القبلة ببطن كفّيه. (67) ومن طريق العامّة ، منها : ما روي عن ابن عمر ، قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وبعد ما رفع رأسه من الركوع . (68) وهو حجّة الشافعي. (69) وعن وائل بن حجر ، (70) ومالك بن حويرث ، عنه صلى الله عليه و آله : أنّه كان يرفع يديه إذا كبّر حتّى يحاذي اُذنيه. (71) وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «رفع الأيدي من الاستكانة»، قلت: وما الاستكانة؟ قال: «ألا تقرأ هذه الآية: «فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَ مَا يَتَضَرَّعُونَ» (72) » . (73) وربّما احتجّ عليه بقوله سبحانه: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» (74) بناءً على ما رواه الشيخ عن ابن سنان _ وطريقه إليه صحيح _ عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» ، قال : «هو رفع يديك حذاء وجهك». (75) وفي مجمع البيان عن عمر بن يزيد ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في قوله: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» : «هو رفع يديك حذاء وجهك». (76) وعن جميل ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : «فصلّ لربّك وانحر» ، فقال بيده هكذا ، يعنى استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة. (77) وعن حمّاد بن عثمان ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ما النحر؟ فرفع يديه إلى صدره ، فقال: «هكذا» ، ثمّ رفعهما فوق ذلك فقال: «هكذا» ، يعني استقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة. (78) وعن مقاتل بن حيّان ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «لمّا نزلت هذه السورة قال النبيّ صلى الله عليه و آله لجبرئيل عليه السلام : ما هذه النحيرة الّتي أمرني بها ربّي؟ قال: ليست بنحيرة ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنّه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع ، فإنّ لكلّ شيء زينة وأنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة». (79) وله تفسيرات اُخرى ، ففي مجمع البيان : أمره سبحانه بالشكر لهذه النعمة الجليلة (80) [بأن قال : فصلّ صلاة العيد]؛ لأنّه عقّبها بالنحر ، أي وانحر هديك واُضحيتك. عن عطاء وعكرمة وقتادة . وقال أنس بن مالك : كان النبيّ صلى الله عليه و آله ينحر قبل أن يصلّي ، فأمره أن يصلّي ، ثمّ ينحر . وقيل: معناه : فصلّ لربّك صلاة الغداة المفروضة بجمع ، وانحر البدن بمنى؛ عن سعيد بن جبير ومجاهد . وقال محمّد بن كعب : إنّ اُناسا كانوا يصلّون لغير اللّه فأمر اللّه تعالى نبيّه أن تكون صلاته ونحره للبدن تقرّبا إليه خالصا له . وقيل : معناه : صلّ لربّك الصلاة المكتوبة ، واستقبل القبلة بنحرك ، وتقول العرب: منازلنا تتناصر ، أي هذا ينحر هذا ، يعنى يستقبله ، وأنشد. أبا حكم ها أنت عمّ مجالدوسيّد أهل الأبطح المتناحر أي ينحر بعضه بعضا ، وهذا قول الفرّاء . وأمّا ما رووه عن عليّ عليه السلام أنّ معناه ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة فممّا لا يصحّ عنه؛ لأنّ جميع عترته الطاهرة عليهم السلام قد رووه عنه بخلاف ذلك ، وهو أنّ معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة. (81) وقد ورد في بعض الأخبار ما دلّ ظاهرا على عدم استحبابه على غير الإمام ، رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال: قال: «على الإمام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» ، وحمله على نفي شدّة تأكّده على غيره. (82) واختلفوا في حدّ الرفع، فالمشهور بين الأصحاب أن غايته حيال الاُذنين ، أعنى حذاء الخدّين على ما فسّر به في حسنة زرارة، عن أحدهما عليهماالسلام. (83) ويدلّ على ذلك كثرة الأخبار المتقدّمة. ويدلّ على عدم استحبابه _ زائدا على ذلك _ صريحا ما رواه المصنّف من حسنتي زرارة ، (84) وموثّق سماعة عن أبي بصير ، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا دخلت المسجد فاحمد اللّه واثن عليه ، وصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله ، فإذا افتتحت الصلاة فكبّرت فلا تجاوز اُذنيك ، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك». (85) وهو اختيار أبي حنيفة. (86) وقال الصدوق: «يرفعهما إلى النحر لا يجاوز بهما إلى الاُذنين»، (87) وكأنّه تمسّك بالأخبار المُشار إليها في تفسير الآية الكريمة المذكورة. وعن ابن أبي عقيل أنّه يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خدّيه لا يجاوز بهما اُذنيه. (88) وحدّه الشافعي إلى المنكبين. (89) وأمّا كيفيّته فقد قال طاب ثراه: «عندنا أنّه يستقبل القبلة ببطن كفّيه ويبسطهما بسطا مّا». ويدلّ على الأوّل رواية منصور بن حازم المتقدّمة، (90) وعلى الثاني ما رواه المصنّف من حسنة الحلبي. (91) وقال بعض العامّة: يرفعهما مبسوطتين بطونهما إلى السماء، (92) وبعض آخر منهم : بطونهما إلى الأرض. (93) ثمّ قال: فإن قلت : ما معنى الرفع؟ قلت : في الفقيه : سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن معناه فقال عليه السلام : «معناه ، اللّه الأكبر الواحد الأحد الّذي ليس كمثله شيء ، لا يُلمس بالأخماس، ولا يُدرك بالحواس». (94) وقد سمعت بعض المشايخ يقول: تفسير ذلك أنّ رفع اليدين كناية عن رفعة اللّه سبحانه بالنسبة إلى جميع ما عداه، فيكون واحدا ليس مثله شيء؛ إذ لو كان له شريك لم يكن رفيعا بالنسبة إليه، وكذا يكون أحدا ، أي غير متجزّ؛ إذ لو كان له جزء لاحتاج إليه ضرورة ، فلا يكون رفيعا بالنسبة إليه ، بل كان الأمر بالعكس؛ لأنّ المحتاج إليه أرفع من المحتاج ، ويكون غير ملموس بالأخماس ، وغير مُدرك بالحواسّ؛ لأنّ الملموس والمُدرَك لا محالة إمّا عرضان أو جوهران متجزّيان ، فهما محتاجان إلى الموضوع والجزء، فلا يكون أرفع منهما. وفي حكمته أقوال اُخر ، فقيل: إشارة إلى الاستسلام كالأسير إذا غلب مدّ يديه . وقيل: إلى الاستهوال ؛ لما دخل فيه . وقيل : إلى نبذ الدنيا وراءه والإقبال بكلّيّته إلى الصلاة ومناجاة ربّه عزّ وجلّ. (95) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (التكبير في صلاة الفرض الخمس خمس وتسعون تكبيرة) .[ح 5 /4975] خمس منها واجبة ، وهي تكبيرات الإحرام على ما سبق، والبواقي مستحبّة على المشهور ؛ لأصالة البراءة ، وعدم دليل صالح على وجوبها. وعن ابن أبي عقيل وجوب تكبير الركوع والسجود (96) ؛ محتجّا بورود الأمر بهما في صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : اللّه أكبر واركع»، (97) وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سجدت فكبّر». (98) واُجيب بحمل الأمر فيهما على الندب ؛ لما سبق ممّا دلّ على الندب ظاهرا ، وأضاف سلّار إلى هذين التكبيرين تكبير القيام والقعود والتشهّدين، (99) وقد سبق أنّ السيّد في الانتصار قال بوجوب تكبيرات الصلاة كلّها ؛ محتجّا بالإجماع ، وتيقّن البراءة، وبالخبر النبويّ. (100) قوله في حسنة الحلبي: (ثمّ كبّر ثلاث تكبيرات) إلخ.] ح 7 /4977] كلمة «ثمّ» للترتب الذكري، وهذا الترتيب والتكبيرات والأدعية هو المشهور. وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال _ بعد ذكر هذا الترتيب _: ويستحبّ أيضا في الاستفتاح أن يُقال _ بعد التكبيرات الثلاث الاُوّل _ : اللّهمّ أنت الملك الحقّ ، إلى آخره، ثمّ يكبّر تكبيرتين ويقول: لبّيك ، إلى آخره ، ثمّ يكبّر تكبيرتين ويقول: وجّهت وجهي للّذي فطرني _ إلى قوله _ وأنا من المسلمين ، الحمد للّه ربّ العالمين ، ثمّ يقول: اللّه أكبر _ سبعا _ ، وسبحان اللّه _ سبعا _ ، ولا إله إلّا اللّه _ سبعا _ من غير رفع يديه. قال: وقد روى ذلك جابر عن أبي جعفر عليه السلام ، والحلبي وأبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام . ومهما اختار من ذلك أجزأه، وهذا التكبير والتسبيح والتهليل لم ينقل في المشهور. انتهى. (101) وفي القواعد : «والتوجّه بستّ تكبيرات غير تكبيرة الإحرام بينها ثلاثة أدعية». (102) و[به] قال المحقّق. (103) ولبّيك في الأصل : ألبِّ لَكَ إلبابين ، أي أقيم لخدمتك إقامة بعد إقامة ، بمعنى إقامة كثيرة متتالية ، من ألّب بالمكان إذا أقام به ، حذف الفعل واُقيم المصدر مقامه ، وردّ إلى الثلاثى ، واُضيف إلى المفعول فحذف اللّام، أو من لبّ بالمكان بمعنى ألبّ به ، وهو أظهر لقلّة الإعلال . (104) وسعديك أيضا في الأصل أسعدك إسعادين ، أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، بمعنى مساعدة كثيرة . (105) وحنانيك أيضا في الأصل تحنّن عليّ حنانا بعد حنان ، بمعنى حنانا كثيرا ، فعل بهما ما فُعِل في لبّيك ، والحنان كسحاب : الرّحمة ، والرزق ، والبركة ، والوقار ، ورقّة القلب . (106) وسبحانك أيضا في الأصل : اُسبّحك سبحانا ، أي اُنزّهك عمّا لا يليق بك ، (107) اُقيم المصدر مقام الفعل المحذوف واُضيف إلى مفعوله ، وهي من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال. وتباركت ، أي كثرت صفات جلالك وسمات جمالك ، وتعاليت عن إدراك الأوهام والعقول وعن مشابهة ما سواك وعمّا يقول الظالمون فيك علوّا كبيرا. ومعنى كون الخير في يديه سبحانه والشرّ ليس إليه ؛ أنّه يهيّج الدواعي إلى الخير في قلوب المطيعين ويهيّئ الأسباب الموجبة لسهولة صدوره عنهم ، ويخلّي العاصين وأنفسهم وبعد هدايتهم ظاهرا وباطنا ؛ لعدم استعدادهم كما ورد في الأخبار: «أنا أولى بحسناتك منك»، (108) وهذا هو الواسطة بين الجبر والتفويض، وقيل : معناه : «لا يصعد إليك الشرّ ، وإنّما يصعد إليك الطيّب والعمل الصالح». (109) قوله في حسنة حمّاد بن عيسى : (لا تحسن أن تصلّي) .[ح 8 /4978] كأنّه ترك المستحبّات في الصلاة كما يشعر به نفي الإحسان ، فإنّه الطمأنينة والاعتدال . وأكثر المستحبّات المستفادة من هذا الحديث مختصّة بالرجال ؛ لمضمر زرارة ، قال: «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرّج بينهما، وتضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها ؛ لئلّا تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يقعد الرجل، فإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ، ثمّ تسجد لاطية بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض، فإذا نهضت انسلّت انسلالاً لا ترفع عجيزتها أوّلاً». (110) وخبر ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، قال: «المرأة إذا سجدت تضممت ، والرجل إذا سجد تفتّح». (111) ورواية عبد اللّه بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها». (112) وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، قال: سألته عن جلوس المرأة في الصلاة، قال: «تضمّ فخذيها». (113) وضعف هذه الأخبار منجبر بعمل الأصحاب. ويؤيّده التستّر المطلوب في النساء. وقال طاب ثراه: قال المازري : هُنَيّته بضمّ الهاء وفتح النون وتشديد الياء : تصغير هَنَة ، وأصله هنوة ، فلمّا صغّرت قيل : هنيوة ، فاجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فانقلبت الواو ياءً، فاجتمع المثلان ، فوجب الإدغام، ومن همز فقد أخطأ ، وأمّا عند الطبري فصحيح. وقال عياض: الهمز روية الجمهور . انتهى. (114) والترتيل : التأنّي وتبيين الحروف ، مأخوذ من قولهم : ثَغر رتَل ومرتّل إذا كان مفلّجا. (115) وتعدية سمع باللّام لتضمين معنى الإجابة. وقال طاب ثراه: الأفضل أن يكبّر للسجود في حال القيام، وهذا الخبر صريح فيه . وما وقع في خبر المعلّى عن الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: «كان عليّ بن الحسين عليهماالسلامإذا هوى ساجدا انكبّ وهو يكبّر» (116) من باب الجواز.

.


1- . منتهى المطلب ، ص 267 ط قديم .
2- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 291 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 506 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 96 ، عمدة القاري ، ج 5 ، ص 268 .
3- . الانتصار ، ص 40 . وانظر : عمدة القاري ، ج 5 ، ص 268 ، و سائر المصادر المتقدّمة .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 66 ، ح 238 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 10 ، ح 7209 .
5- . اُنظر : المقنعة ، ص 111 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 315 ، المسألة 65 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 104 و 131 ؛ النهاية ، ص 73 و 120 ؛ المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 92 و 98 ؛ الوسيلة ، ص 94 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 237 ؛ المختصر النافع ، ص 33 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 154 ؛ كشف الرموز ، ج 1 ، ص 164 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 256 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 48 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 239 و 261 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 117 ، المسألة 212 ؛ مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 185 _ 186 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 458 .
6- . الانتصار ، ص 139 .
7- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
8- . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
9- . الإضافة من المصدر .
10- . الفقيه ، ج 1 ، ص 305 ، ح 917 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 22 _ 23 ، ح 7241 .
11- . الفقيه ، ج 1 ، ص 305 ، ح 918 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 23 ، ح 7242 .
12- . الفقيه ، ج 1 ، ص 305 _ 306 ، ح 319 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 22 ، ح 7243 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 67 ، ح 243 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 67 ، ص 7238 .
14- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 66 ، ح 241 ؛ وسائل الشيعة ، ح 6 ، ص 9 ، ح 7206 .
15- . الانتصار ، ص 139 .
16- . الأحزاب (33) : 41 .
17- . مترسّلاً يعنى متأنّيا متثبّتا ؛ يقال : ترسّل الرجل في كلامه و مشيه ، إذا لم يجعل . الوافي ، ج 8 ، ص 640 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 287 ، ح 1150 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 10 ، ح 7207 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 287 ، ح 1151 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 33 ، ح 7273 .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 66 ، ح 239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 21 ، ح 7240 ، وص 34 ، ح 7276 .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 66 ، ح 242 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 10 ، ح 7208 .
22- . الوافي ، ج 8 ، ص 638 ، ذيل ح 6764 ؛ فلاح السائل ، ص 130 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 4 ، ص 139 ، ح 4329 .
23- . المقنعة ، ص 111 .
24- . الانتصار ، ص 139 ، المسألة 37 .
25- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 31) .
26- . حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 185 .
27- . السرائر ، ج 1 ، ص 237 .
28- . النهاية ، ص 69 .
29- . المبسوط ، ج 1 ، ص 104 .
30- . الخلاف ، ج 1 ، ص 315 ، المسألة 65 .
31- . لم أعثر عليه في الفقيه ، وحكاه عنه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 94 ، ذيل ح 349 .
32- . رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 277 .
33- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 94 ، ذيل ح 349 . وقوله : «فيما عدا الفرائض» غير موجود فيه .
34- . السرائر ، ج 1 ، ص 238 .
35- . هو الحديث السابع من هذا الباب .
36- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 287 ، ح 1125 . و رواه الصدوق في الخصال ، ص 347 ، باب السبعة ، ح17 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 21 ، ح 7239 .
37- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 22 _ 23 ، ح 7241 و 7242 .
38- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 31 .
39- . شرح اللمعة ، ج1 ، ص 630 .
40- . الذكرى ، ج3 ، ص 262 .
41- . مفتاح الكرامة ، ج7 ، ص 24 .
42- . اُنظر : الانتصار ، ص 140 ؛ المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 102 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 62 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 252 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 45 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص112 ، المسألة 209 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 271 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 453 ؛ الذكرى ، ج 3 ، ص 256 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 319 ؛ مفتاح الكرامة ، ج 7 ، ص 8 .
43- . هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي . أمالي الصدوق ، المجلس 64 ، ح 13 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 300 ، ح 915 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 81 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 459 _ 461 ، ح 7077 و 7078 .
44- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 268 ، ط قديم .
45- . فتح العزيز ، ج 1 ، ص 267 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 292 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 1 ، ص 505 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 505 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 268 .
46- . الانتصار ، ص 140 .
47- . المدونّة الكبرى ، ج 1 ، ص 62 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 267 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 101 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 130 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 292 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 505 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 505 ؛ المحلّى ، ج 3 ، ص 233 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 268 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 96 ؛ مواهب الجليل ، ج2 ، ص 305 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 36 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 123 .
48- . الذكرى ، ج 3 ، ص 256. و حكاه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 152 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 113 .
49- . كتاب الاُمّ ، ج 1 ، ص 122 ؛ مختصر المزني ، ص 14 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 365 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 291 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 36 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 123 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 505 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 505 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 101 .
50- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 266 _ 267 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 35 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 130 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 505 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 505 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 101 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 268 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 96 .
51- . المبسوط ، ج 1 ، ص 35 _ 36 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 130 ؛ البحر الرائق ، ج 1 ، ص 533 _ 534 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 505 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 268 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 96 .
52- . عمدة القاري ، ج 5 ، ص 268 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 96 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 290 .
53- . الانتصار ، ص 140 .
54- . فلاح السائل ، ص 155 . و الدعاء مذكور في مصباح المتهجّد ، ص 30 ، ح 31 .
55- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 284 . و مثله في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 119 ، المسألة 213 .
56- . اُنظر: المحلّى ، ج 3 ، ص 234 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 271 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 305 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 319 ، المسألة 70 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 511 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 189 .
57- . الانتصار ص 147 _ 149 ، المسألة 45 .
58- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 93 ؛ و ج 4 ، ص 317 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 285 و 314 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 170 ، ح 730 ؛ و ص 173، ح 744؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 187 _ 188 ، ح 303 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 222 .
59- . المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 14 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 512 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 193 ؛ المحلّى ، ج 4 ، ص 87 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 272 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 270 ، ذيل ح 1083 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 408 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 319 .
60- . المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 68 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 193 ؛ المحلّى ، ج 4 ، ص 87 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 272 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 408 .
61- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 65 ، ح 234 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 26 ، ح 7251 . و كان في الأصل : «حين يفتتح» ، و المثبت من الأصل .
62- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 65 _ 66 ، ح 235 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 26 ، ح 7250 .
63- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 66 ، ح 236 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 26 _ 27 ، ح 7252 .
64- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 76 ، ح 481 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 297 ، ح 8012 .
65- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 75 ، ح 279 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 296 _ 297 ، ح 8010 .
66- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 75 ، ح 480 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 297 ، ح 8011 .
67- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 66 ، ح 240 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 27 ، ح 7255 .
68- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 8 و 18 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 300 ؛ صحيح مسلم ، ج2 ، ص 6 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 221 ، ح 646 وص 307 ، ح 652 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 172 ؛ المعجم الكبير ، ج 12 ، ص 249 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 296 ، ح 1123 .
69- . كتاب الاُمّ ، ج 7 ، ص 211 .
70- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 13 .
71- . سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 285 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص7 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 25 ؛ الآحاد والمثاني ، ج 2 ، ص 180 ، ح 922 ؛ المعجم الكبير، ج 19 ، ص 284 _ 285 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 48 ، ح 2697 .
72- . المؤمنون (23) : 76 .
73- . كنز العمّال ، ج 2 ، ص 557 ، ح 4721 نقلاً عن ابن أبي حاتم و ابن حبّان و ابن مردويه ؛ المستدرك للحاكم ، ج 2 ، ص 538 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 76 .
74- . الكوثر (108) : 2 .
75- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 66 ، ح 237 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 27 ، ح 7253 .
76- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 460 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 30 ، ح 7265 .
77- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 460 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 30 ، ح 7266 .
78- . المصدر المتقدّم ؛ عوالي اللآلي ، ج 2 ، ص 46 ، ح 120 .
79- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 461 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 30 ، ح 7263 .
80- . في المصدر : «على هذه النعمة العظيمة» .
81- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 460 .
82- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص287 ، ح 1153 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 27 ، ح 7256 .
83- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
84- . ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
85- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 65 ، ح 233 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 245 ، ح 6454 .
86- . الخلاف ، ج 1 ، ص 230 ، المسألة 72 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 269 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 307 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 199 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 110 .
87- . الفقيه ، ج 1 ، ص 304 ، ذيل ح 916 .
88- . حكاه عنه الشهيد في الذكرى، ج 3، ص 259.
89- . كتاب الاُمّ ، ج 1 ، ص 126 ؛ مختصر المعاني ، ص 14 ؛ فتح العزيز ، وج 3 ، ص 269 ؛ و ج 4 ، ص 192 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 305 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 338 و 423 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 126 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 199 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 512 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 512 .
90- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 27 ، ح 7255 .
91- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
92- . حاشية الدسوقي ، ج 1 ، ص 247 .
93- . قاله مالك ، اُنظر : المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 68 .
94- . الفقيه ، ج 1 ، ص 306 ، ح 921 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 28 ، ح 7259 ، وفيهما : «معناه اللّه أكبر الواحد ...» .
95- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 96 .
96- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 170 ؛ والشهيد في الذكرى ، ج 3 ، ص 375 .
97- . هذا هو الحديث الأوّل من باب الركوع من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 77 ، ح 289 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 295 ، ح 8008 .
98- . الحديث الأوّل من باب السجود من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 79 ، ح 295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 339 ، ح 8124 .
99- . المراسم العلويّة ، ص 69 .
100- . الانتصار، ص 147 _ 148.
101- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 188 .
102- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 272 .
103- . المختصر النافع ، ص 33 .
104- . اُنظر : شرح الرضي على الكافية ، ج 1 ، ص 330 ؛ رياض السالكين ، ج 3 ، ص 120 ؛ و ج 7 ، ص 358 .
105- . شرح الكافية للرضي ، ج 1 ، ص 330 .
106- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 216 (حنن) .
107- . شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج 3 ، ص 203 .
108- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 351؛ قرب الإسناد ، ص 347 _ 348 ، ح 1257 ؛ و ص 354 ، ح 1267 ؛ الكافي ، باب المشية و الإرادة ، ح 6 ؛ و باب الجبر و القدر ، ح 3 ؛ و باب الاستطاعة ، ح 12 ؛ التوحيد للصدوق، ص 338 ، الباب 55 ، ح 6 ، وص 362 _ 363 ، ح 10 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 46 .
109- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 6 ، ص 59 .
110- . باب القيام و القعود من الكافي ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 94 ، ح 350 . و ورد الحديث في علل الشرائع ، ج 2 ، ص 355 ، الباب 68 ، ح 1 عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 462 _ 463 ، ح 7080 .
111- . باب القيام و القعود من الكافي ، ح 8 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 95 ، ح 353 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 342 ، ح 8130 .
112- . باب القيام و القعود من الكافي ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2 ، ص 94 ، ح 351 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 341 _ 342 ، ح 8129 .
113- . باب القيام و العقود من الكافي ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 95 ، ح 352 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 391 ، ح 8260 .
114- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 96 .
115- . تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 71 ؛ النهاية لابن الأثير ، ج 2 ، ص 194 (رتل) ؛ عمدة القاري ، ج 20 ، ص 53 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 405 ؛ الحبل المتين ، ص 214 .
116- . باب القيام و القعود من الكافي ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 383 ، ح 8246 .

ص: 8

. .

ص: 9

. .

ص: 10

. .

ص: 11

. .

ص: 12

. .

ص: 13

. .

ص: 14

. .

ص: 15

. .

ص: 16

. .

ص: 17

. .

ص: 18

. .

ص: 19

. .

ص: 20

. .

ص: 21

. .

ص: 22

. .

ص: 23

. .

ص: 24

باب قراءة القرآن

باب قراءة القرآنأجمع أهل العلم على وجوب القراءة في الصلاة واشتراطها بها ، إلّا ما حكي في الخلاف عن الحسن بن صالح بن حيّ، (1) وفي المنتهى عن الأصمّ أيضا ، (2) وفي الذكرى عن ابن عليّة أيضا من عدم اشتراطها بها ، بل عدم وجوبها فيها. (3) وأجمعوا أيضا على عدم كونها ركنا عدا ما حكاه الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا من غير أن يعيّن قائله. (4) ويدلّ على الأوّل ما رواه المصنّف في الباب ، ومن طريق العامّة عن عبادة بن الصامت ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال «لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب» . (5) وربّما احتجّ عليه بظاهر الأمر في قوله تعالى: «فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ» ، (6) وقوله عزّ وجلّ: «فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» (7) حيث دلَا على وجوبها عينا ، وليست واجبة في غير الصلاة فتكون واجبة فيها. واُجيب عنه بأنّ سياق الكريمتين يقتضي كون الأمر بها في الليل إمّا وجوبا كفائيّا ؛ لئلّا تندرس المعجزة ، وللاطّلاع على دلائل التوحيد وغيره من اُصول الدين وفروعه، وإمّا استحبابا، فقيل : أقلّه في اللّيلة خمسون آية ، وقيل : مئة ، وقيل : مئتان ، وقيل : ثلث القرآن ، بل حمل بعض القراءة على صلاة الليل تسمية لها ببعض أجزائها حملاً للأمر على النّدب، وقيل : إنّها كانت واجبة ونسخ وجوبها بالفرائض اليوميّة. (8) وعلى الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام قال: «إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض الركوع والسجود والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته ولا شيء عليه». (9) وفي الموثّق عن منصور بن حازم ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها. فقال: «أليس قد أتممت الركوع والسجود؟». قلت: بلى. قال: «قد تمّت صلاتك إذا كنت ناسيا». (10) وغير ذلك من الأخبار الّتي تجيء في باب السهو في القراءة. واحتجّ من قال بركنيّتها بقوله عليه السلام : «لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها» فيما رواه المصنّف في آخر الباب في صحيحة محمّد بن مسلم ، (11) وبما رويناه عن عبادة بن الصّامت. وأجاب عنه في الذكرى بأنّ المراد منهما نفي الكمال، (12) ولا يبعد حملها على من تركهما متعمّدا. ثمّ إنّهم اختلفوا في القدر الواجب منها في الصلوات الواجبة في حال الاختيار، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف وكتابي الأخبار وجوب الحمد وسورة كاملة في الثنائيّة وفي الاُوليين من الثلاثيّة والرباعيّة. (13) وبه قال في المبسوط أيضا ، إلّا أنّه قال: غير أنّه إن قرأ بعض سورة لا يحكم ببطلان الصلاة. (14) وحكي عن ابن الجنيد إجزاء بعض سورة ، (15) وإليه ميل العلّامة في المنتهى . (16) وفي الخلاف حكى عن بعض الأصحاب استحباب السورة. (17) وقد ذهب إليه في النهاية (18) وبه قال المحقّق في المعتبر ، (19) وحكاه في المختلف (20) عن ابن الجنيد وسلّار ، (21) وهو منقول عن مالك (22) والثوري ، (23) وإحدى الروايتين عن أحمد (24) والشافعي وأكثر أصحابه ، (25) وعن بعض من أصحابه أنّه بدل السورة قدر آيها من القرآن (26) و كأنّه أراد قدرا قصر سورة ؛ وفاقا لما حكى أبو بكر بن المنذر عن عثمان بن أبي العاص أنّه قال: لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات بعدها. وهذا قدر أقصر سورة. (27) وفي رواية اُخرى عن أحمد إجزاء آية ، مقدار آية واحدة عن الحمد والسورة معا ، (28) وهو منقول عن أبي حنيفة في أحد القولين ، (29) وفي القول الآخر : أنّه يجزي مقدار ثلاث آيات من أيّ سورة. (30) ويدلّ على المشهور أكثر أخبار الباب ، وهو ظاهر الأخبار الواردة في تفضيل السّور المقروءة بعد الحمد في الصلاة ، وتأتي في محلّه. وما رواه الجمهور عن أبي قتادة : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقرأ في الركعتين الأوّلتين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطوّل في الاُولى ويقصّر في الثانية، وكذا في العصر والصبح، يطوّل في الاُولى منهما ويقصّر في الثانية. (31) وأمر معاذا فقال: «اقرأ بالشمس وضحاها ، وسبّح اسم ربّك الأعلى ، والليل إذا يغشى». (32) وفي المنتهى : قد تواتر عنه صلى الله عليه و آله أنّه صلّى بالسورة بعد الحمد وداوم عليها، وقد قال صلى الله عليه و آله : «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي». (33) واحتجّ من قال من الأصحاب بإجزاء بعض السورة بما رواه أبو بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ أنّه سُئل عن السورة ، أيصلّي الرجل بها في ركعتين من الفريضة؟ فقال: «نعم إذا كانت ستّ آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الاُولى ، والنصف الآخر في الركعة الثانية». (34) وإسماعيل بن الفضل ، قال: صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام وأبو جعفر عليه السلام فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر المائدة ، فلمّا سلّم التفت إلينا فقال: «إنّما أردت أن اُعلّمكم». (35) وسعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن رجل قرأ ركعة في الحمد ونصف سورة، هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ فقال: «يقرأ الحمد ، ثمّ يقرأ ما بقي من السورة». (36) وحمل الشيخ الخبر الأوّل على التقيّة مستندا بالخبر الثاني مدّعيا ظهوره فيها، وحمل الصحيحة على النافلة محتجّا عليه بصحيحة عليّ بن يقطين ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن تبعيض السورة، قال: «أكره ، ولا بأس به في النافلة» (37) على إرادة التحريم من الكراهة، وهو جمع جيّد . وربّما احتجّ بصحيحة عمر بن يزيد ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أيقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟ فقال: «لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات». (38) وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهم السلام ، قال: سألته عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين في الفريضة وهو يحسن غيرها ، فإن فعل فما عليه؟ قال: «إذا أحسن غيرها فلا يفعل ، وإن لم يحسن غيرها فلا بأس». (39) واحتجّ من قال باستحباب السورة بصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إنّ فاتحة الكتاب وحدها تجزي في الفريضة». (40) وصحيحة عليّ بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» . (41) وحملتا على حال الضرورة والمرض ؛ إذ حينئذٍ يجوز الاكتفاء بالحمد ، اتّفاقا ؛ لخبر الصيقل ، (42) وصحيحة عبد اللّه بن سنان ، (43) وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوّلتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا». (44) وتمسّك من قال من العامّة بإجزاء غير الحمد من أيّ آي بالآيتين المذكورتين بتقريب ما ذكر ، وبما رواه أبو داود ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اخرج فناد في المدينة أنّه لا صلاة إلّا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب [فمازاد]». (45) وما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال للأعرابي: «ثمّ اقرأ ما تيسّر لك من القرآن» . (46) وبأنّ فاتحة الكتاب مساوية لآيات القرآن في الأحكام ، فكذا في الصلاة. والجواب عن الأوّل ما عرفت. وربّما اُجيب عنه باحتمال نزولهما قبل الفاتحة ؛ لكونهما مكيّتين ، وقد قيل في الفاتحة : إنّها مدنيّة . (47) وعن الخبرين بأنّهما من الأخبار الآحاد وغير قابلين ؛ لما ثبت عند أهل العلم من قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» . (48) على أنّ الثاني منهما معارض بما رواه الشافعي بإسناده عن رفاعة بن رافع أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال للأعرابي: «ثمّ اقرأ باُمّ القرآن وما شاء اللّه أن تقرأ» . (49) ودفع الثالث واضح . وكلّ من أوجب السورة أوجب تأخيره عن الحمد كما هو ظاهر الحمد ، بل من استحبّه أيضا قال بذلك بمعنى الاشتراط . وقالوا بوجوب إعادة القراءة على ما يحصل معه الترتيب إذا خالفه نسيانا وتذكّر في وقتها، وإذا خالفه عمدا فقطع الشهيد الثاني في المسالك ببطلان الصلاة ، (50) وهو ظاهر الأكثر . (51) وفي الذكرى : فإن خالف عمدا أعاد، وإن كان ناسيا أعاد السورة بعد الحمد . (52) وكأنّه أراد بالإعادة في العمد إعادة الصلاة . وأمّا الركعة الثالثة من المغرب والأخيرتين من الرباعية فالمشهور التخيير بين القراءة والتسبيح فيها ، ويجيء القول فيه في بابه . والمشهور وجوب قراءة الحمد في النافلة بمعنى اشتراطها بها ، واستحباب السورة في نفسها . ويظهر ذلك من بعض أخبار الباب . وفي المدارك : قال العلّامة في التذكرة: «لا يجب قراءة الفاتحة فيها ؛ للأصل» ، (53) فإن أراد الوجوب المصطلح فحقّ ؛ لأنّ الأصل إذا لم يكن واجبا لم يجب أجزاؤه، وإن أراد ما يعمّ الوجوب الشرطي بحيث تنعقد النافلة من دون قراءة الحمد فهو ممنوع. (54) قوله في صحيحة معاوية بن عمّار: (إذا قمت للصلاة اقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم) إلخ.[ح 1 /4979] تدلّ على وجوب قراءة البسملة في الحمد وفي كلّ سورة في الصلاة كما هو مذهب الأصحاب . ويدلّ أيضا عليه خبر يحيى بن عمران الهمداني ، (55) وما سنرويه عن صفوان والكاهلي . وفي حديث المعراج _ وقد سبق _ : «فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح قال اللّه عزّ وجلّ : الآن وصلت إليّ فسمّ باسمى ، فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فمن أجل ذلك جعل بسم اللّه الرحمن الرحيم في أوّل السورة _ : إلى قوله _ : فلمّا بلغ «ولا الضّالّين» قال النبيّ صلى الله عليه و آله : الحمد للّه ربّ العالمين شكرا ، فقال العزيز الجبّار: قطعت ذكري فسمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم اللّه الرحمن الرحيم بعد الحمد في استقبال السورة الاُخرى، فقال له: اقرأ قل هو اللّه أحد». (56) ويؤيّدها ما سيأتي من استحباب الجهر بالبسملة ، وما رواه جمهور العامّة عن أبي هريرة : أنّه قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاته ، ثمّ قرأ الحمد للّه ربّ العالمين ، ثمّ قال : والّذي نفسى بيده ، إنّي لأشبهكم صلاة برسول اللّه صلى الله عليه و آله . (57) وعن ابن المنذر : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرأ في الصلاة بسم اللّه الرحمن الرحيم. (58) وظاهر هذه الأخبار أنّ البسملة جزء من الحمد والسورة ، وقد ورد التصريح به فيما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم ، هي الفاتحة؟ قال: «نعم». قلت: بسم اللّه الرحمن الرحيم من السبع؟ قال: «نعم هي أفضلهنّ». (59) وفي مجمع البيان عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لي: يا محمّد ، ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، فافرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بأزاء القرآن ، وأنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش ، وأنّ اللّه تعالى خصّ محمّدا وشرّفه بها ولم يشرك فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام ، فإنّه أعطاه منها بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: « إِنِّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ » ، (60) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله ، منقادا لأمرها مؤمنا بظاهرها وباطنها ، أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ حرف منها حسنة ، كلّ واحدة منها أفضل له من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ، ومن استمع إلى قارئيقرأها كان له بقدر ثلث ما للقارئ ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعروض له ، فإنّه غنيمة لا يذهبنّ أوانه فتبقى في قلوبكم الحسرة». (61) وفي موضع آخر منه وفي تفسير العياشي: روى محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوله تعالى: «وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِى وَ الْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ» ، (62) قال: «فاتحة الكتاب يثنى فيها القول». قال: «وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنّة فيها «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» الآية الّتي يقول اللّه تعالى فيها: «وَ إِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَ لَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا» ، (63) و «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» دعوى أهل الجنّة حين شكروا اللّه من الثواب ، و «مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ» قال جبرئيل : ما قالها مسلم إلّا صدّقه اللّه وأهل سمائه ، و «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» إخلاص للعبادة و «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» أفضل ما طلبت العباد حوائجهم ، «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» صراط الأنبياء ، وهم الّذين أنعم عليهم ، «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» اليهود ، «وَ لَا الضَّآلِّينَ» النصارى». (64) ونقل طاب ثراه عن أبي هريرة ، عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إذا قرأتم الحمد فأقرؤوا بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إنّها اُمّ الكتاب والسبع المثاني ، وبسم اللّه الرحمن الرحيم آية منها». (65) وعنه أنّه صلى الله عليه و آله قال: «فاتحة الكتاب سبع آيات ، اُولاهنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم». (66) وعن اُمّ سلمة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قرأ في الصلاة «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» وعدّها آية، [و ] «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» آيتين، إلى آخرها. (67) وعن ابن عبّاس أنّه قال: إنّ لكلّ شيء أساسا ، وأساس القرآن فاتحة الكتاب ، وأساس الفاتحة بسم اللّه الرحمن الرحيم. (68) وعنه أنّه قال: سرق الشيطان من الناس مئة وثلاث عشر آية حين ترك بعضهم قراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم في أوائل السور . (69) وهي جزء من الحمد ومن كلّ سورة عند الأصحاب عدا ابن الجنيد ، فإنّه قال على ما حكى عنه في المدارك : إنّها جزء من الحمد دون باقي السور ؛ محتجّا بما سيجى ء من الأخبار مع تأويلها. (70) واتّفق أرباب التفسير على أنّ السبع المثاني هي الفاتحة ، وقالوا : سمّيت بذلك لأنّها سبع آيات ، (71) ويثنى في الصلاة أو في النزول حيث نزلت بمكّة وبالمدينة ؛ لما عدوّها سبعا مع البسملة ، وإن اختلفوا في أنّها آية مستقلّة أو جزء آية ، فقال طاب ثراه : هي عند أبي حنيفة آية مستقلّة في كلّ موضع وقعت ، وليست جزءا من سورة، (72) وعند الشافعي آية من الفاتحة. (73) وعنه أيضا أنّها آية من كلّ سورة، (74) وعنه أيضا أنّه قال: لا أدري هل هي آية من الفاتحة؟ واختلف أصحابه في تأويل ذلك ، وأنّه هل شكّ في أنّها آية أو بعض آية مع قطعه بأنّها منها. وعنه أيضا أنّها آية من القرآن حكما لا نطقا. وعند مالك ليست آية ولا جزءا منها ولا قرآنا أصلاً . (75) انتهى. ونقل عن أبي حنيفة أنّه احتجّ على ما ذهب إليه بأنّها لو كانت آية لتواترت. (76) وبما رواه أبو هريرة ، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: «قال اللّه تعالى: قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» قال اللّه تعالى: حمدني عبدي، فإذا قال: «الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» قال اللّه تعالى: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: «مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ » قال اللّه : مجّدنى عبدي، فإذا قال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » قال اللّه : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل. (77) ووجّهه لوجهين: أحدهما : أنّه لو كانت البسملة من سورة الحمد لعدّها مبتدئا بها. وثانيهما : إنّه حينئذٍ لم يتحقّق التنصيف؛ إذ يلزم أن يكون أربع آيات منها مختصّة به سبحانه، وآيتان منها مختصّتين بالعبد؛ لاشتراك آية منها ، وهي قوله تعالى «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » ، بخلاف ما لو لم نعتبرها منها ، فإنّه يكون المختصّ به سبحانه ثلاثا ، والمختصّ بالعبد أيضا ثلاثا على أن يكون «صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» آية مشتملة بناءً على ما ثبت من الإجماع على كون الحمد سبعا، فمن عدّ البسملة آية منها جعل «صِرَ طَ الَّذِينَ ...» إلى آخر السورة آية واحدة، ومن لم يعدّها منها عدّها آيتين كما أشرنا إليه. والجواب: عن شبهة التواتر: أنّه قد ثبت ذلك عندنا وعندكم ، وعدم حصول العلم لكم بذلك ، للشبهة العارضة لكم من ذلك الخبر وغيره. وعن الخبر أمّا عن الوجه الأوّل فيجوز أن يكون البسملة أيضا مذكورة فيه ، وأسقطها من أسقطها على ما هو دأبهم فيما يخالف عقيدتهم. ويؤيّده أنّه على ما رواه في المنتهى هكذا عن عبد اللّه بن زياد بن سمعان ، عنه صلى الله عليه و آله قال: «يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم اللّه الرحمن الرّحيم ، فيذكرني عبدي»، (78) وساق الحديث . على أنّه في بيان خصائص الحمد. وهذا هو السرّ فيما ورد من طريقنا من نظير هذه الرواية في الحمد من غير ذكر البسملة ، رواه الصدوق عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجورا مضيّعا ، وليكن محفوظا مدروسا ، فلا يضمحلّ ولا يجهل ، وإنّما بدأ بالحمد دون سائر السور ؛ لأنّه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد ، وذلك أنّ قول اللّه عزّ وجلّ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» إنّما هو أداء لما أوجب اللّه عزّ وجلّ على خلقه من الشكر ، وشكر لما وفّق عبده من الخير. «رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» توحيد له وتمجيد وإقرار بأنّه هو الخالق المالك لا غيره. «الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه على جميع خلقه. «مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ» إقرار له بالبعث والحساب والمجازات، وإيجاب ملك الآخرة له كإيجاب ملك الدنيا. «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» رغبة وتقرّب إلى اللّه تعالى وإخلاص بالعمل دون غيره. «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» استزادة من توفيقه وعبادته ، واستدامة لما أنعم [اللّه ]عليه ونصره. «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ» استرشاد لدينه ، واعتصام بحبله ، واستزادة في المعرفة لربّه عزّ وجلّ ولعظمته وكبريائه. «صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» توكيد في السؤال والرغبة ، وذكر لما تقدّم من نعمه على أوليائه ، ورغبة في مثل تلك النعم. «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفّين به وبأمره ونهيه. «وَ لَا الضَّآلِّينَ» اعتصام من أن يكون من الّذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة من أمر الدنيا والآخرة ما لا يجمعه شيء من الأشياء». (79) وأمّا عن الوجه الثاني فلأنّ التنصيف يجوز أن يكون بالنظر إلى الحروف ؛ لتقارب حروف المختصَّيْنِ لو كانت البسملة جزءا من الحمد ، فحروف المختصّ الأوّل ناقصة عن حروف المختصّ الثاني بحرفين إن اعتبرناها كتابة ، ويتعاكس إن اعتبرناها تلفّظا ، مع أنّ النصف في أمثال هذه المواضع في الأخبار بمعنى الشطر والجزء. وأجاب العلّامة عنه في المنتهى بقوله : قسمة الصلاة ليست قسمة للسورة ، وأراد التساوي في قسمة الصلاة لا قسمة السورة. ويؤيّده اختصاص اللّه تعالى بثلاث آيات أوّلاً ، ثمّ مشاركته مع العبد في الرابعة ، وحينئذٍ لا يبقى التنصيف في السورة ثابتا ، فتأمّل. ويتفرّع على ذلك الخلاف الخلاف في بطلان الصلاة بتركها عمدا ، واعتبار نيّة البسملة بقصد الحمد والسورة، فلو قرأ لا عن قصد أو بقصد سورة ، ثمّ أراد قراءة غير تلك السورة لابدّ من إعادتها عندنا، (80) وعند غيرنا لا، واستثنى الأصحاب من صورة الإعادة ما لو اعتاد قراءة سورة خاصّة في الصلوات. (81) قال طاب ثراه: وأمّا العامّة فقد اختلف من يجعلها آية في أنّه هل يقرأها في الصلاة؟ فالمشهور عند الفرقة الثانية أنّه يقرأها في النفل دون الفرض، وقيل: يقرأها ولا يتركها بحال. وقال بعض أفاضلهم: المتحصّل في قراءتها في الفرض من المذاهب أربعة: الكراهة، والاستحباب ، والجواز ، والوجوب، انتهى. فأمّا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون إماما ، فيستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال: «لا يضرّه ، ولا بأس به». وفي الموثّق عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة ، يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم، قال: «نعم ، إذا افتتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح ، ثمّ يكفيه ما بعد ذلك». (82) وفي الصحيح عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبي ، وبسند آخر عن محمّد بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال: «نعم ، إن شاء سرّا ، وإن شاء جهرا». قالا: أفيقرأها مع السورة الاُخرى؟ فقال: «لا». (83) وفي الموثّق عن مسمع ، قال: صلّيت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فقرأ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ » ثمّ قرأ السورة الّتي بعد الحمد ولم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرّحيم ، ثمّ قرأ سورة اُخرى. (84) وبها احتجّ ابن الجنيد على ما حكينا عنه. (85) وعلى المشهور حملت الاُولى والثالثة على عدم الجهر بها أو النسيان ، والثانية على النافلة، لجواز تبعيض السورة فيها ، والرابعة إنّه عليه السلام كان يقرأها ولم يسمع مسمع. واُجيب أيضا بأنّها إنّما تدلّ على جواز تركها في السورة ، وهو لا يستلزم عدم جزئيّتها منها ، وأنّ ابتناءه على عدم وجوب قراءة سورة كاملة كما هو مذهب بعض الأصحاب . والأظهر حمل كلّها على التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة. قوله : (عن يحيى بن أبي عمران) . [ح 2 /4980] غير مذكور ، والظاهر يحيى بن عمران كما في نسخ التهذيب (86) وكتب الرجال ، (87) و هو مجهول الحال . وقوله : (مرّتين) [ح 2 /4980] متعلّق بالكتب ، يعنى أنّه عليه السلام كتب : «يعيدها يعيدها» رغما لأنف العبّاسي ، والضمائر عائد إلى الصلاة وظاهره وجوب إعادتها في الوقت وخارجه. قوله في خبر فرات بن أحنف: (أوّل كتاب نزل من السماء بسم اللّه الرحمن الرّحيم، [... وإذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم ]سترتك) . [ح 3 /4981] على صيغة المتكلّم فالمنزل هو مجموع ما في الخبر، والغرض من ذكره في الباب بيان فضيلة البسملة لا كونها جزءا من السور أو القرآن . ويحتمل أن يكون على صيغة المؤنّث من الماضي ، فيحتمل حينئذٍ أن يكون المنزل هو بسم اللّه الرحمن الرّحيم فقط، فيدلّ على جزئيتها من القرآن. وفي بعض النسخ : «أوّل كلّ كتاب» ، (88) وهو يؤيّد الثاني. قوله في صحيحة أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمّد بن مسلم: (إلّا الجمعة تقرأ فيها الجمعة والمنافقين) . [ح 4 /4982] ظاهره وجوب قراءتهما في صلاة الجمعة كما نقل عن السيّد المرتضى. (89) ويدلّ عليه أيضا صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس في القراءة شيء موقّت إلّا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين». (90) وحسنة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ اللّه أكرم بالجمعة المؤمنين ، فسنّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشارة لهم، والمنافقين توبيخا للمنافقين، ولا ينبغي تركهما ، فمن تركهما متعمّدا فلا صلاة له». (91) وحسنة عمر بن يزيد ، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «من صلّى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفرٍ أو حضرٍ». (92) وخبر عبد الملك الأحول ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من لم يقرأ في الجمعة بالجمعة والمنافقين فلا جمعة له». (93) وحُملت تلك الأخبار على تأكّد الاستحباب، ونفي الجمعة على نفي كمالها، وإعادتها على الاستحباب ظهرا؛ لعموم صحيحة صفوان ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «قل هو اللّه أحد تجزي في خمسين صلاة». (94) وخصوص صحيحة عليّ بن يقطين ، عن أبيه ، قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا، قال: «لا بأس بذلك». (95) ويؤيّدهما موثّقة سماعة ، عن أبي بصير ، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الفجر بسورة الجمعة وقل هو اللّه أحد، وفي الجمعة بالجمعة والمنافقين» (96) . (97) وقد ورد التصريح باستحبابهما في خبر حريز وربعي رفعاه إلى أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كانت ليلة الجمعة يستحبّ أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون، وفي صلاة الصبح مثل ذلك، وفي صلاة الجمعة مثل ذلك، وفي صلاة العصر مثل ذلك». (98) والمشهور استحباب قراءتهما في ظهري يوم الجمعة أيضا ؛ لهذا الخبر ، ولحسنة عمر بن يزيد المتقدّمة ، فإنّ صلاة الجمعة في السفر لا يكون إلّا ظهرا ركعتين بغير خطبة ولا جماعة واجبة. وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سألته عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا ، أجهر بالقراءة؟ فقال: «نعم»، وقال: «اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة». (99) وما سيأتي في خبر رجاء: أنّ الرضا عليه السلام كان يقرأ في الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة بالجمعة والمنافقين ، (100) بل ظاهر حسنة عمر بن يزيد المشار إليها الوجوب في ظهرها، ووجوبهما فيه وفي العصر ذلك اليوم ، وهو منسوب في الشرائع إلى بعض الأصحاب من غير أن يعيّن قائله. (101) وقال صاحب المدارك: القائل بذلك في الظهر ابن بابويه في كتابه الكبير على ما نقله في المعتبر. (102) وهذه عبارته: واقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورةَ الجمعة وسبّح، وفي صلاة الغداة والظهر والعصر سورة الجمعة والمنافقين، فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة، فإن قرأت نصف السورة ، فتمّم السورة ، واجعلها ركعتين نافلة ، وسلّم فيهما، وأعد صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين ، [ولا بأس أن تصلّي العشاء والغداة والعصر بغير سورة الجمعة والمنافقين] إلّا أنّ الفضل في أن تصلّيهما بالجمعة والمنافقين. (103) انتهى. (104) وإنّما حملت تلك الأخبار الواردة في الظهر على الاستحباب ؛ لرواية عليّ بن يقطين ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيها؟ قال: «اقرأ فيها بقل هو اللّه أحد». (105) و بما ذكر يظهر ما في قول صاحب المدارك حيث قال: والمعتمد استحباب قراءتهما في الجمعة خاصّة[ ...] وأمّا الاستحباب في صلاة الظهر فلم أقف على رواية تدلّ بمنطوقها عليه. نعم ، روى عمر بن يزيد _ وذكر الخبر ثمّ قال _ : قال الشيخ في التهذيب: المراد بهذا الخبر الترغيب ، (106) واستدلّ على ذلك برواية عليّ بن يقطين، وذكر الخبر . (107) هذا والمستفاد من مرفوعة حريز وربعي المتقدّمة استحباب قراءة المنافقين في ثانية العشاء، وهو منقول عن ابن أبي عقيل ، (108) وكذا في ثانية الفجر. (109) والمشهور استحباب سبّح اسم ربّك الأعلى في العشاء ، والتوحيد في الفجر، (110) وهو أفضل لصحيحة أبي بصير ، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو اللّه أحد». (111) وخبر البزنطي ، عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «يقرأ في ليلة الجمعة الجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الغداة الجمعة وقل هو اللّه أحد». (112) وروى الصدوق في كتاب العيون عن رجاء بن أبي الضحّاك أنّه يقول: بعثني المأمون في إشخاص عليّ بن موسى الرّضا عليهماالسلام وأمرني أن آخذ به على طريق البصرة والأهواز [وفارس]، ولا آخذ به على طريق قم، وأمرني أن أحفظه بنفسي في الليل (113) والنهار حتّى أقدم به عليه، فكنت معه من المدينة إلى مرو ، فواللّه ، ما رأيت رجلاً أتقى للّه عزّ وجلّ منه ، ولا أكثر ذكرا للّه عزّ وجلّ في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفا للّه تعالى منه ، [و ]كان إذا أصبح صلّى الغداة ، ثمّ إذا (114) سلّم جلس في مصلّاه يسبّح اللّه ويحمده ، ويكبّره ويهلّله ، ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى تطلع الشمس ، ثمّ يسجد (115) سجدة يبقى فيها حتّى يتعالى النهار ، ثمّ أقبل على الناس يحدّثهم ويعظهم إلى قرب الزوال ، ثمّ جدّد وضوءه وعاد إلى مصلّاه ، فإذا زالت الشمس قام فصلّى ستّ ركعات ، قرأ في الركعة الاُولى الحمد وقل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو اللّه أحد، ويقرأ في الأربع في كلّ ركعة الحمد وقل هو اللّه أحد، ويسلم في كلّ ركعتين ، ويقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ثمّ يؤذّن ويصلّي ركعتين ، ثمّ يقيم ثمّ يصلّي الظهر ، فإذا سلّم سبّح اللّه وحمده و كبّره وهلّله ما شاء اللّه ، ثمّ سجد سجدة الشكر يقول فيها مائة مرّة : «شكرا للّه »، فإذا رفع رأسه قام فصلّى ستّ ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد وقل هو اللّه أحد ، ويسلّم في كلّ ركعتين ، ويقنت في ثانية كلّ ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة، ثمّ يؤذّن ، ثمّ يصلّي ركعتين ، ويقنت في الثانية ، فإذا سلّم قام يصلّي العصر، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يسبّح اللّه ويحمده ويكبّره ويهلّله ما شاء اللّه ، ثمّ سجد سجدة يقول فيها مائة مرّة : «حمدا للّه ». فإذا غابت الشمس توضّأ وصلّى المغرب ثلاثا بأذانٍ وإقامة ، وقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يسبّح اللّه ويحمده ويكبّره ويهلّله ما شاء اللّه ، ثمّ يسجد سجدة الشكر ، ثمّ يرفع رأسه ولم يتكلّم حتّى يقوم ويصلّي أربع ركعات بتسليمتين ، ويقنت في كلّ ركعتين (116) في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، وكان يقرأ في الاُولى من هذه الأربع: الحمد وقل يا أيّها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو اللّه أحد، ويقرأ في الركعتين الباقيتين الحمد وقل هو اللّه أحد، ويجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء اللّه ، ثمّ يفطر ، ثمّ يبيت حتّى يمضي من الليل قريب من الثلث ، ثمّ يقوم فيصلّي العشاء الآخرة أربع ركعات ، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يذكر اللّه عزّ وجلّ ويسبّحه ويحمده ويكبّره ويهلّله ما شاء اللّه ، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ، ثمّ يأوي إلى فراشه. فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار ، فاستاك ، ثمّ توضّأ ، ثمّ قام إلى صلاة الليل ، فيصلّى ثمان ركعات ، يسلّم في كلّ ركعتين ، يقرأ في الأوّلتين منها في كلّ ركعة الحمد مرّة وقل هو اللّه أحد ثلاثين مرّة ، ثمّ يصلّي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات ، يسلّم في كلّ ركعتين ، وفي كلّ ركعتين يقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة وبعد التسبيح ، ويحتسب بها من صلاة الليل ، ثمّ يقوم فيصلّي الركعتين الباقيين ، يقرأ في الاُولى الحمد مرّة وسورة الملك، وفي الثانية الحمد وهل أتى على الإنسان، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلّ ركعة الحمد وقل هو اللّه أحد ثلاث مرّات ، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلّم قام فصلّى ركعة الوتر يتوجّه فيها ، ويقرأ فيها الحمد مرّة وقل هو اللّه أحد ثلاث مرّات، وقل أعوذ بربّ الفلق مرّة، وقل أعوذ بربّ الناس مرّة واحدة، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة ، ويقول في قنوته: «اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد ، اللّهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولّنا فيمن تولّيت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا شرّ ما قضيت ، فإنّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنّه لا يذلّ من واليت ، ولا يعزّ من عاديت ، تباركت وتعاليت». ثمّ يقول: «أستغفر اللّه وأسأله التوبة» سبعين مرّة. فإذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء اللّه ، فإذا قرب الفجر قام فصلّى ركعتي الفجر يقرأ في الاُولى الحمد وقل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو اللّه أحد، فإذا طلع الفجر أذّن وأقام وصلّى الغداة ركعتين ، فإذا سلّم جلس في التعقيب حتّى تطلع الشمس ، ثمّ سجد سجدة الشكر حتّى يتعالى النهار. وكانت قراءته في جميع المفروضات في الاُولى الحمد وإنّا أنزلناه، وفي الثانية الحمد وقل هو اللّه أحد ، إلّا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة، فإنّه كان يقرأ فيها بالحمد وسورة الجمعة والمنافقين ، وكان يقرأ في صلاة العشاء ليلة الجمعة في الاُولى الحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية الحمد وسبّح اسم ربّك الأعلى، وكان يقرأ في صلاة الغداة يوم الإثنين ويوم الخميس في الاُولى الحمد وهل أتى على الإنسان، وفي الثانية الحمد وهل أتيك حديث الغاشية. وكان يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء وصلاة الليل والشفع والوتر، ويخفي القراءة في الظهر والعصر. وكان يسبّح في الاُخراوين يقول: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر» ثلاث مرّات، وكان قنوته في جميع صلواته : «ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم ، إنّك أنت الأعزّ [الأجلّ] الأكرم». وكان إذا أقام في بلدة عشرة أيّام صائما لا يفطر ، فإذا جنّ الليل بدأ بالصلاة قبل الإفطار. وكان في الطريق يصلّي فرائضه ركعتين ركعتين إلّا المغرب ، فإنّه كان يصلّيها ثلاثا ، ولا يدع نافلتها ، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفرٍ ولا حضرٍ. وكان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئا. وكان يقول بعد كلّ صلاة يقصّرها: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر» ثلاثين مرّة، ويقول : «إنّ هذا تمام الصلاة». وما رأيته (117) صلّى الضحى في سفرٍ ولا حضرٍ، وكان لا يصوم في السفر شيئا . وكان عليه السلام يبدأ في دعائه بالصلاة على محمّد وآله ويكثر من ذلك في الصلاة وغيرها . وكان يكثر بالليل في فراشه [من] تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو النار بكى وسأل اللّه الجنّة وتعوّذ باللّه من النار. وكان عليه السلام يجهر ببسم اللّه الرحمن الرّحيم في جميع صلاته بالليل والنهار. وكان إذا قرأ قل هو اللّه أحد قال سرّا : «اللّه أحد» ، فإذا فرغ منها قال: «كذلك اللّه ربّنا» ثلاثا. وكان إذا قرأ «قُلْ يَ_أَيُّهَا الْكَ_فِرُونَ» (118) قال في نفسه سرّا : «كذلك يا أيّها الكافرون»، فإذا فرغ منها قال : «ربّي اللّه وديني الإسلام» ثلاثا. وكان إذا قرأ والتين والزيتون قال عند الفراغ منها: «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين». وكان عليه السلام إذا قرأ لا أقسم بيوم القيامة قال عند الفراغ منها: «سبحانك اللّهمّ بلى». وكان عليه السلام يقرأ في سورة الجمعة: «قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَةِ» لِلْذينَ اتّقوا «وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّ زِقِينَ» . (119) وكان إذا فرغ من الفاتحة قال: «الحمد للّه ربّ العالمين»، وإذا قرأ سبّح اسم ربّك الأعلى قال سرّا: «سبحان ربّي الأعلى»، وإذ قرأ يا أيّها الّذين آمنوا قال: «لبّيك اللّهم لبّيك» سرّا. وكان عليه السلام لا ينزل بلدا إلّا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم ، فيجيبهم ويحدّثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فلمّا وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه ، فأخبرته بما شاهدته منه في ليله ونهاره وظعنه وإقامته ، فقال لي: يا ابن [أبي] الضحّاك ، هو خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم ، فلا تخبر أحدا بما شاهدت منه ؛ لئلّا يظهر فضله إلّا على لساني ، وباللّه أستعين على ما أنوي من الرفع منه والإشادة به. (120) وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : القراءة في الصلاة فيها شيء موقّت؟ قال: «لا ، إلّا الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين». قلت له: فأيّ السور تقرأ في الصلوات؟ قال: «أمّا الظهر والعشاء الآخرة تقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء، وأمّا الغداة فأطول ، فأمّا الظهر والعشاء الآخرة فسبّح اسم ربّك الأعلى ، والشمس وضحيها ونحوهما، (121) وأمّا العصر والمغرب فإذا جاء نصر اللّه ، وألهيكم التكاثر ونحوهما، وأمّا الغداة فعمّ يتساءلون ، وهل أتيك حديث الغاشية ، ولا أقسم بيوم القيامة ، وهل أتى على الإنسان حين من الدهر». (122) وعن أبان عن عيسى (123) بن عبد اللّه القمّي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي الغداة بعمّ يتساءلون وهل أتيك حديث الغاشية ولا أقسم بيوم القيامة وشبهها، وكان يصلّي المغرب بقل هو اللّه أحد وإذا جاء نصر اللّه والفتح وإذا زلزلت . وكان يصلّي العشاء الآخرة بنحو ممّا يصلّي في الظهر ، والعصر بنحو من المغرب». (124) وعن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، قال: أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام أن أقرأ المعوّذتين في المكتوبة. (125) وعن صابر مولى بسام ، قال: أمّنا أبو عبد اللّه عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ المعوّذتين. (126) وعن أبي جعفر محمّد بن أبي طلحة خال سهل بن عبد ربّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قرأت في صلاة الفجر بقل هو اللّه أحد وقل يا أيّها الكافرون، وقد فعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (127) وعن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام اُصلّي بقل هو اللّه أحد؟ فقال: «نعم ، قد صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كلتا الركعتين بقل هو اللّه أحد، لم يصلّ قبلها ولا بعدها بقل هو اللّه أحد أتمّ منها». (128) وفي الصحيح عن صفوان ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «قل هو اللّه أحد تجزي في خمسين صلاة». (129) وقال طاب ثراه: «قد وقع في بعض روايات العامّة أنّه صلى الله عليه و آله افتتح في صلاة الفجر بسورة المؤمنين، (130) وفي بعضها من ستّين آية إلى مئة، (131) وقال بعضهم هي أطول من الظهر» . انتهى. (132) و[السور] الطوال في الفجر مطلوب إذا لم يخف فوات الوقت ، فعن عامر بن عبد اللّه ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «من قرأ شيئا من (ال حم) في صلاة الفجر فاته الوقت» . (133) وفي بعض النسخ : «الحواميم» بدل «آل حم». قال الجوهري: ال حم سور في القرآن. قال ابن مسعود: ال حم ديباج القرآن. قال الفرّاء: إنّما هو كقولك آل فلان وآل فلان ، كأنّه نسب السورة كلّها إلى حم. قال الكميت: وجدنا لكم في آل حم آيةتأوّلها منّا تقي ومعرب وأمّا قول العامّة : «الحواميم» فليس من كلام العرب. وقال أبو عبيدة: الحواميم سور في القرآن على غير القياس، وأنشد: وبالحواميم الّتي قد سبّعت. قال: والأولى أن يجمع بذوات حم . (134) ونسخة الخبر حجّة عليهم إلّا أن يريدوا بالشاذّ النادر الفصيح كما قالوا في أبى يأبى. وعن محسن الميثمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تقرأ في صلاة الزوال (135) في الركعة الاُولى الحمد وقل هو اللّه أحد، وفي الركعة الثانية الحمد وقل يا أيّها الكافرون، وفي الركعة الثالثة الحمد وقل هو اللّه أحد وآية الكرسي، وفي الركعة الرابعة الحمد وقل هو اللّه أحد وآخر البقرة «ءَامَنَ الرَّسُولُ...» إلى آخرها، (136) وفي الركعة الخامسة الحمد وقل هو اللّه أحد والخمس آيات من آل عمران «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ...» إلى قوله: «إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» ، (137) وفي الركعة السادسة الحمد وقل هو اللّه أحد وثلاث آيات السخرة «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَ_وَ تِ وَالأَْرْضَ» إلى قوله: «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» ، (138) وفي الركعة السابعة الحمد وقل هو اللّه أحد والآيات من سورة الأنعام «وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنَّ» إلى قوله: «وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» ، (139) وفي الركعة الثامنة الحمد وقل هو اللّه أحد وآخر سورة الحشر من قوله: «لَوْ أَنزَلْنَا هَ_ذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ» ، إلى آخرها. (140) فإذا فرغت قلت: اللّهم مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب ، سبع مرّات ، ثمّ تقول : أستجير باللّه من النّار ، سبع مرّات». (141) قوله في حسنة جميل : (ولا تقل آمين) .[ح 5 /4983] قال طاب ثراه: فيه دلالة على تحريم التأمين بعد الحمد، ويؤكّده رواية الحلبي ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : أقول (آمين) إذا فرغت من فاتحة الكتاب؟ قال: «لا». (142) وصحيحة معاوية بن وهب، قال: قلت: أقول (آمين) إذا قال الإمام «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّآلِّينَ» ؟ قال: «هم اليهود والنصارى»، ولم يُجِبْ في هذا. (143) فعدوله عليه السلام عن جواب ما سأله السّائل إلى تفسير المغضوب عليهم ولا الضالّين دلالة واضحة على انتهى. ويؤيّدها صحيحة جميل بن درّاج ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين؟ قال: «ما أحسنها» (144) وأخفضَ الصوت بها، بناءً على ما هو الظاهر من كون «ما» نافية و«أحسنها» على صيغة المتكلّم من المضارع ، وكون «اخفض» على صيغة الماضي من كلام جميل ، وفاعله ضمير أبي عبد اللّه عليه السلام ، وإنّما أخفض عليه السلام صوته بكلمته «ما أحسنها» خوفا من سماع بعض الحاضرين ممّا عدا جميل إيّاها تقيّةً منه ، وهو مشهور بين الأصحاب مطلقا ، إماما كان المصلّي أو مأموما أو منفردا ، بل نسبه العلّامة في المنتهى إلى علمائنا (145) مؤذّنا بإجماعهم. وقد صرّح الشيخ في الاستبصار (146) والسيّد المرتضى في الانتصار (147) بذلك الإجماع، ونقل عن ابن الجنيد جوازه ؛ محتجّا بصحيحة جميل بناءً على قراءة «ما أحسنها» بصيغة التعجّب ، و «اخفض» على صيغة الأمر على أن يكون من كلامه عليه السلام . (148) وفيه ما عرفت من الظاهر ، ولو سلّم هذا الاحتمال فالاُولى حملها على التقيّة كما فعله غيره ممّن فهم هذا المعنى منها . وهذا القول منقول عن المحقّق الأردبيلي ، (149) وإليه ميل المحقّق في المعتبر (150) على ما نُقل عنه، (151) واحتمله صاحب المدارك مستندا بكثرة استعمال النهي في الكراهة ، خصوصا مع مقابلته بأمر الندب . (152) ولعلّ العلّة في مرجوحيّته لزوم التشبّه باليهود والنصارى كما يومي إليه صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة. وأشعر بذلك كلام المفيد في المقنعة ، قال: «ولا يقل بعد فراغه من الحمد : آمّين كقول اليهود وإخوانهم والنصّاب»، (153) ولا ينافي كونها دعاء؛ لأنّها اسم فعل بمعنى اللّهم استجب (154) طلبا لاستجابة ما اشتملت الفاتحة عليه من الدعاء. وعلى القول الأوّل هل تبطل الصلاة بها أم لا؟ الظاهر العدم؛ لأنّ النهي إنّما تعلّق بأمرٍ خارج عن العبادة. وصرّح الأكثر بالإبطال، بل ادّعى في الانتصار إجماع الأصحاب عليه ، واحتجّ عليه فيه. (155) وفي المنتهى (156) والخلاف (157) بالخبرين ، وبقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميّين» (158) مدّعين أنّها من كلامهم ؛ لأنّها ليس بقرآن ولا دعاء ، وإنّما هي اسم للدعاء. واُورد عليه بأنّ الخبرين إنّما يدلّان على التحريم لا إبطال (159) الصلاة ، والتحريم لا يستلزم الإبطال ، لما ذكر، وبأنّ الوجه الثاني مبنيّ على كون أسماء الأفعال موضوعا للفظ الأفعال لا لمعناها على ما ادّعاه بعض. والأكثر صرّحوا بأنّها موضوعة لمعناها، ولو سلّم ذلك فلا تخرج عن كونها دعاء. وعن ابن زهرة أنّه احتجّ عليه بأنّه فعل كثير خارج عن الصلاة ، وبأنّها إنّما يكون على دعاء تقدّمها، والقاري لا يجب عليه قصد الدعاء مع القراءة ، فلا معنى لها حينئذٍ، وإذا انتفى جوازها عند عدم قصد الدعاء انتفى عند قصد القراءة والدعاء جميعا؛ لأنّ أحدا لم يفرّق بينهما . (160) وهو كماترى. وحكى في المنتهى استحبابها للإمام والمأموم، عن ابن عمر وابن الزبير وعطا والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي ، وعن مالك أنّها لاتسنّ للإمام ، (161) محتجّين بما رواه أبو هريرة : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «إذا قال الإمام: «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّآلِّينَ» فقولوا : آمين، فإنّ الملائكة تقول : آمين [وإنّ الإمام يقول : آمين ،] فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدّم من ذنبه». (162) وعن أبي هريرة: إذا أمّن الإمام فأمّنوا. (163) وعن وائل بن حجر ، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا قال: «وَ لَا الضَّآلِّينَ» قال : «آمّين» ورفع بها صوته. (164) وأجاب عن الحديثين الأوّلين بالمنع من صحّة سندهما مستندا بأنّ أبا هريرة اتّفق له مع عمر بن الخطاب واقعة شهد فيها عليه باللّه أنّه عدوّ اللّه وعدوّ المسلمين ، وحكم عليه بالخيانة ، وأوجب عليه عشرة آلاف دينار ، ألزمه بها بعد ولايته البحرين ، (165) ونقل عن أبي حنيفة أنّه لم يعمل بروايته. وعن الثالث أنّ مالكا أنكر الرواية ، فلو كانت حقّة لما خفيت (166) عنه. (167) قوله في موثّق ابن بكير عن زرارة: (إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، فأمّا النافلة فلا بأس) . [ح 10 /4988] ظاهره جواز القران بين السورتين في الفريضة ، ويؤكّده خبر عليّ بن يقطين ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة. قال: «لا بأس». (168) ويؤيّدهما أصالة الجواز. وبه قال الشيخ في الاستبصار، (169) وعدّه المحقّق في الشرائع أشبه ، (170) ورجّحه جماعة من المتأخّرين منهم صاحب المدارك. (171) وذهب جماعة منهم السيّد المرتضى ، (172) والشيخ في النهاية ، (173) والعلّامة في القواعد إلى تحريمه؛ (174) لخبر سيف بن عميرة عن منصور بن حازم ، (175) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، قال: سألته عن رجل يقرأ السورتين في ركعة، قال: «لا ، لكلّ سورة ركعة». (176) وخبر عمر بن يزيد ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أقرأ سورتين في ركعة؟ قال: «نعم». قلت: أليس يقال لكلّ سورة حقّها من الركوع والسجود؟ فقال: «ذلك في الفريضة ، فأمّا النافلة فليس به بأس». (177) وموثّقة ابن بكير ، عن زرارة ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة، فقال: «إنّ لكلّ سورة حقّا ، فاعطها حقّها من الركوع والسجود». وقلت: فيقطع السورة؟ فقال: «لا بأس [به]». (178) وهؤلاء حملوا الكراهة في خبر الكتاب على التحريم ؛ لشيوع استعمالها فيه في الأخبار ، وهو حسن لكن يأبى عنه نفي البأس في خبر عليّ بن يقطين ، (179) فالجمع بالكراهة أظهر. وتوقّف العلّامة فيه في المنتهى . (180) والظاهر تحقّق القران بقراءة ما زاد على سورة ولو آية ؛ لعموم قوله عليه السلام : «ولا بأكثر» في خبر منصور بن حازم. (181) ثمّ القائلون بالتحريم اختلفوا في بطلان الصلاة به ، فصرّح به الشيخ في النهاية ، (182) والعلّامة في القواعد (183) ؛ بناءً على دلالة النهى في العبادات على الفساد ، ولكونه فعلاً كثيرا خارجا عن الصلاة. واُورد على الأوّل بأنّ النهي إنّما توجّه إلى أمرٍ خارج عن الصلاة؛ لأنّ القراءة الواجبة فيها قد تمّت بالسورة الاُولى. وعن الثاني بمنع كونه فعلاً كثيرا، لا سيّما في السور القصار وآية قصيرة. أقول: على أنّ الفعل الكثير إنّما يبطل الصلاة لو لم يكن دعاءً ولا قرآنا ، وكذلك جاز في القنوت وغيره من أحوال الصلاة قراءة الآيات المشتملة على الدعاء و[غير ]الدعاء وإن كانا كثيرين ولم يكونا مبطلين ، فلِمَ لا يجوز أن يكون حال القراءة أيضا غير مبطل وإن كان حراما؟! وظاهر الشيخ في المبسوط عدم البطلان بذلك مع تحريمه حيث قال: «قراءة سورة [كاملة] بعد الحمد واجبة، غير أنّه إن قرأ بعض سورة أو قرن بين سورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصلاة» (184) . واستثني من ذلك القران بين الضّحى وألم نشرح، وبين الفيل والإيلاف، محتجّين بصحيحة زيد الشحّام ، قال: صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام الفجر ، فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة. (185) وخبر المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لاتجمع بين سورتين في ركعة واحدة ، إلّا الضحى وألم نشرح ، وسورة الفيل والإيلاف». (186) وما روى في مجمع البيان عن العيّاشي بإسناده عن المفضل بن صالح ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة ، إلّا الضحى وألم نشرح ، وألم تر كيف ولإيلاف قريش». (187) واستنبط جماعة من الفحول من هذه الأخبار اتّحاد كلّ اثنتين من تينك السورتين ، فقد قال الصدوق في الفقيه : موسّع عليك أيّ سورة [قرأت] في فرائضك إلّا أربع سور ، وهي: سورة الضحى وألم نشرح؛ لأنّهما جميعا سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف؛ لأنّهما جميعا سورة واحدة. (188) وقال الشيخ في الاستبصار : «لأنّ هاتين السورتين سورة واحدة عند آل محمّد عليهم السلام ، وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا ، ولا يفصل بينهما ببسم اللّه الرحمن الرّحيم». (189) وحكاه العلّامة في المنتهى (190) عن شيخنا المفيد (191) والسيّد المرتضي. (192) وقد بالغ الشيخ في الاستبصار حيث قال: «لا تعاد البسملة في الثانية» ، (193) وهو محكي عن تبيانه (194) أيضا . والأظهر إعادتها _ ولو قيل بالاتّحاد _ لإثباتها في المصاحف ، وليس في هذه الأخبار تصريح بسقوطها ولا ظهور. نعم ، روى في مجمع البيان عن اُبي بن كعب أنّه لم يفصل بين الأخيرتين بالبسملة في مصحفه، (195) وفعله ليس بحجّة ، بل لا يبعد القول بوجوب هذا القران ، فإنّ تلك الأخبار إنّما دلّت (196) على الجواز ؛ لأنّه قد تقرّر في محلّه أنّ الأمر الوارد بعد النهي إنّما دلّ على الجواز والإباحة، كما في قوله تعالى: «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ» (197) بعد النهي عن الاصطياد في حال الإحرام، وإليه أشار العلّامة في المنتهى حيث قال: «وهاتان الروايتان _ مشيرا إلى الأوّلتين من تلك الأخبار _ غير دالّتين على مطلوبهم ؛ إذ أقصى ما يدلّان عليه الجواز ، أمّا الوجوب فلا» . (198) ويؤيّده إطلاق مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا ، عن زيد الشحّام، قال: صلّى أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ في الاُولى والضحى ، وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك. رواها الشيخ في التهذيب وحملها على النافلة ، (199) وليس ذلك أولى من حمل تلك على الجواز . وأبعد من ذلك الاحتجاج بها على الاتّحاد. نعم ، روى في مجمع البيان عن أبي العبّاس ، عن أحدهما عليهماالسلامقال: «ألم تر كيف فعل ربّك ولإيلاف سورة [واحدة]». (200) وهو مع ندرته وعدم دلالته على الوحدة في الأوّلتين لا يقبل المعارضة لإثبات كلّ منها فى¨ المصاحف بترجمة وبسملة ، بل الاستثناء في تلك الأخبار أيضا يقتضي التعدّد. قوله في خبر أبي هارون المكفوف : (أنّ الحمد سبع آيات) إلخ.[ح 14 /4992] قال طاب ثراه: لم يختلف العامّة والخاصّة في أنّ الحمد سبع آيات ، وإنّما اختلفوا في أنّ البسملة هل هي آية منها أم لا؟ فمن جعلها آية منها جعل «صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» آية واحدة، ومن لم يجعلها آية مستقلّة جعل «صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» آية وما بعدها آية . (201) وأمّا أنّ قل هو اللّه أحد ثلاث آيات فلا ينطبق على قول أصلاً ؛ لأنّ من جعل البسملة آية من كلّ سورة يعدّها خمس آيات ، والباقون أربعا ، لكنّ الخبر ضعيف لا يعتمد عليه. قوله في موثّقة عمّار : (قال في الرجل ينسى حرفا من القرآن) إلخ .[ح 18 /4996] قال طاب ثراه: فيها دلالة على أنّ القرآن لا يقرأ في الركوع والسجود ، لأنّ المراد بقوله : «ولكن إذا سجد فليقرأه» (202) أنّه إذا فرغ من السجود فليقرأه . ويؤيّده ما رواه مسلم عن ابن عبّاس أنّه قال صلى الله عليه و آله : «نهيت أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا ، أمّا الركوع فعظّموا فيه الربّ ، وأمّا السجود فاجتهدوا في الدعاء ، فقمن أن يستجاب لكم». (203) وقال بعض العامّة أجاز القراءة فيهما بعض السلف ، وكرهها الجمهور. وقيل في توجيه الكراهة: إنّ الركوع والسجود حالتا ذلّ ، فخصّا بالذكر ، فكره أن يجمع بين كلام الخالق وكلام المخلوق في موضع واحد ، فيكونا سواء. (204) قوله في خبر سماعة : (سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: «وَ لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَ لَا تُخَافِتْ بِهَا» (205) قال: المخافة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديدا) .[ح 21 /4999] وفي مجمع البيان أيضا في تفسير هذه الآية عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الجهر بها رفع الصوت شديدا ، والمخافة ما لم تسمع اُذنيك ، واقرأ قراءة وسطا ما بين ذلك». (206) وفي خصوص الإخفات حسنة عمر بن اُذينة وابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، (207) وصحيحة الحلبي. (208) واعلم أنّ ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الجهر والإخفات في المواضع المعهودة ، وهو منقول في المنتهى (209) عن ابن الجنيد ، والسيّد المرتضى في المصباح، (210) واشتهر ذلك بين العامّة ، بل أجمع عليه فقهاؤهم . ودلّ أيضا عليه صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة ، هل عليه أن لا يجهر؟ قال: «إن شاء جهر ، وإن شاء لم يفعل» . (211) وهو ظاهر ما رواه الشيخ من حسنة عبد اللّه بن يحيى الكاهلي ، قال: صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام في مسجد بني كاهل ، فجهر مرّتين ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وقنت في الفجر ، وسلّم واحدة ممّا يلي القبلة» . (212) ويؤيّده الأصل ، ومرسلة ابن فضّال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالإجهار». (213) وإطلاق صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته ، ويحرّك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال: «لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهّم توهّما». (214) ويعارضها صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، في رجل جهر فيما لا ينبغى الإجهار فيه ، أو أخفى فيما لاينبغي الإخفات فيه ، فقال: «أيّ ذلك فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه قد تمّت صلاته». (215) ويؤيّدها ظاهر ما سيأتي في صحيحة صفوان ، «فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرحمن الرّحيم وأخفى ما سوى ذلك». (216) وما رواه الصدوق في العلل عن محمّد بن حمزة ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : لأيّ علّة تجهر في صلاة الفجر والمغرب وصلاة العشاء الآخرة وسائر الصلوات مثل الظّهر والعصر لا يجهر فيها؟ ولأيّ علّة صار التسبيح في الرّكعتين الأخيرتين أفضل من القرآن؟ (217) قال «لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا اُسري به إلى السماء كان أوّل صلاة فرضها اللّه عليه صلاة الظهر يوم الجمعة، فأضاف اللّه عزّ وجلّ إليه الملائكة تصلّي خلفه ، وأمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلى الله عليه و آله أن يجهر بالقراءة ؛ ليبيّن لهم فضله، (218) ثمّ افترض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة ، وأمره أن يخفي القراءة ؛ لأنّه لم يكن وراءه أحد، ثمّ افترض عليه المغرب ، ثمّ أضاف إليه الملائكة ، فأمره بالإجهار، وكذلك العشاء الآخرة، فلمّا كان قرب الفجر افترض اللّه عزّ وجلّ عليه الفجر ، وأمره بالإجهار ؛ ليبيّن للناس فضله كما بيّن للملائكة، فلهذه العلّة يجهر فيها». فقلت: لأيّ شيء صار التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال : «لأنّه لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما يظهر من عظمة اللّه عزّ وجلّ فدهش وقال : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ، فلذلك العلّة صار التسبيح أفضل من القراءة». (219) ورواه أيضا في الفقيه ، قال: وسأل محمّد بن عمران أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: لأيّ علّة تجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهر فيها؟ إلى آخر الخبر بعينه. (220) والظاهر أن محمّد بن حمزة في نسخة العلل من تصحيف النسّاخ ، فإنّ نسخ الفقيه أضبط. وفي المنتهى (221) محمّد بن حمران ، وهو أظهر. (222) ونقل مثله عن الفضل عن الرضا عليه السلام . (223) وفي خبر رجاء بن أبي الضحّاك المتقدّم : وكان يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء وصلاة الليل والشفع والوتر والغداة ، ويخفي القراءة في الظهر والعصر. (224) وفي خبر محمّد بن قيس الّذي نرويه في باب القراءة في الركعتين الأخيرتين والتسبيح فيهما في حكاية فعل أمير المؤمنين عليه السلام السرّ في الركعتين الأوّلتين من الظهر والعصر. (225) وروى الشيخ في باب كيفيّة الصلاة من أبواب زيادات كتاب الصلاة في الصحيح عن عليّ بن يقطين ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة ، قال: «لا بأس»، وعن تبعيض السورة ، قال: «أكره ذلك ، ولا بأس به في النافلة» ، وعن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يُقتدى به؟ قال: «إن قرأت فلا بأس، وإن سكت فلا بأس». (226) والمشهور بين الأصحاب وجوبهما ؛ عملاً بالأخبار الأخيرة، بل ادّعى في الخلاف عليه الإجماع ، (227) ونسبه في المنتهى إلى ابن أبي ليلى. (228) وحمل الشيخ صحيحة عليّ بن جعفر الأوّلة على التقيّة، (229) وصحيحته الثانية على قراءة من يصلّي خلف من لا يقتدى به ، (230) ومرسلة ابن فضّال على النافلة ، (231) وجوّز في الذكرى حمل السنّة فيها على ما ثبت وجوبه بالسنّة. (232) واحتجّ الشهيد على الوجوب بفعل النبيّ صلى الله عليه و آله ووجوب التأسّي به. (233) واُجيب عنه بأنّ التأسّي فيما لا يعلم وجهه إنّما يكون مستحبّا لا واجبا كما مرّ مرارا. (234) وإذ قد تقرّر تقديم ما يوافق ظاهر الآيات من الأخبار المتعارضة وإن وافق مذهب العامّة على ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة المشهورة ، (235) يظهر رحجان القول الأوّل بحمل الأخيرة على الاستحباب ، ورجّحه صاحب المدارك ، (236) وربّما تكلّف في تأويل الآية بما يوافق المشهور ؛ اعتمادا على ما حكاه الطبرسي (237) في مجمع البيان عن أبي مسلم : أنّ معناها لا تجهر بصلاتك كلّها ولا تخافت بها كلّها ، «وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً» بأن تجهر بصلاة الليل والغداة، وتخافت بالظهرين (238) . وهو كما ترى . وربّما تعسّف في تأويلها بما أخرجها عن محلّ النزاع ، فقيل : معناها لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك ، ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك. ونقلوه عن الحسن. (239) وفي مجمع البيان : روي أنّ النبيّ عليه السلام كان إذا صلّى فجهر في صلاته ، فاستمع له المشركون ، فشتموه وآذوه ، فأمره سبحانه بترك الجهر ، وكان ذلك بمكّة في أوّل الأمر، وبه قال سعيد بن جبير ، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام . (240) وقال طاب ثراه: وقال بعض العامّة : المراد بها القرآن مطلقا؛ محتجّا بما في صدر الآية من قوله تعالى: «وَ قُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَ نَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً» . (241) وقال بعضهم: المراد بها الدعاء، واحتجّ له بقوله سبحانه قبل ذلك: «قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمانِ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» ، إلّا أنّها نسخت بقوله تعالى: «وَاذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ» . (242) وقال بعضهم: المراد بها الصلاة نفسها ، والمراد : لا تحسنها في العلانية رياءً ، ولا تسئها في السرّ. أو المعنى لا تسئها جهرا ولا تتركها سرّا . (243) واتّفقت العامّة على عدم وجوبهما سوى ما حكيناه عن ابن أبي ليلى. (244) وحكى في المنتهى عن أكثرهم استحباب الجهر في غير الظهرين على الإمام ، ونفوه في المأموم معلّلين باستحباب الإنصات له . وأمّا المنفرد فعن الشافعي أنّه يستحبّ عليه ؛ لأنّه غير مأمور بالإنصات ، وعن أحمد عدمه معلّلاً بأنّه غير مأمور بإسماع غيره . (245) وإطلاق كلام الأكثر يقتضي اطّراد الحكم في القضاء ، وبه صرّح العلّامة في المنتهى مدّعيا إجماعنا عليه حيث قال: «حكم القضاء حكم الأداء في الجهر والإخفات بلا خلاف عندنا ، سواء كان القضاء مفعولاً في ليل أو نهار». (246) واحتجّ عليه بقوله عليه السلام : «من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» . (247) وفيه ما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ الظاهر المتبادر منه التشبيه في خصوص القصر والإتمام لا من كلّ وجه. ويؤيّده إطلاق أخبار القضاء ، وأصالة عدم الوجوب. واعلم أنّ المشهور بين الفريقين من الأصحاب استحباب الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات في الحمد والسورة ، صرّح بذلك الشيخ في النهاية (248) والخلاف (249) والمبسوط ، (250) وبه قال الشهيد ، وفي الذكرى (251) حكاه عن جمل السيّد المرتضى ، (252) وعدّ ذلك من شعار الشيعة ، وخصّه ابن إدريس بالركعتين الأوّلتين من الظهرين (253) وابن الجنيد بالإمام ، (254) والتخصيص من غير مخصّص يعتدّ به ؛ لما ستعرف من إطلاق الأخبار . ونقل في المختلف (255) عن أبي الصلاح وجوبه في أوّلتي الظهرين في الحمد والسورة ، (256) وعن ابن البرّاج وجوبه في غيرهما أيضا ، (257) وهو ظاهر الصدوق. (258) واحتجّ على القول المشهور بخبر صفوان ، (259) وروى الشيخ في الصحيح عنه ، قال : صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام أيّاما ، فكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم اللّه الرحمن الرّحيم ، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرحمن الرّحيم وأخفى ما سوى ذلك. (260) ويؤيّدهما عموم خبر حنّان بن سدير ، قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام فتعوّذ بإجهار ، ثمّ جهر ببسم اللّه الرحمن الرّحيم. (261) وما رواه الشيخ مرسلاً عن أبي حمزة ، قال: قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام: «يا ثمالي ، إنّ الصلاة إذا اُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام، (262) فيقول: هل ذكر ربّه؟ فإن قال : نعم ذهب ، وإن قال: لا ركب على كتفيه، فكان إمام القوم حتّى يفرغوا». (263) قال: فقلت: جُعلت فداك، أليس يقرأون القرآن؟ قال: «بلى، ليس حيث تذهب يا ثمالي ، إنّما هو الجهر ببسم اللّه الرحمن». (264) ويدلّ أيضا عليه ما سبق في خبر رجاء من قوله: وكان عليه السلام يجهر ببسم اللّه الرحمن في جميع صلواته بالّليل والنهار. (265) وما رواه الشيخ في المصباح عن أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه قال: «علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرّحيم». (266) ولمّا كانت أكثر هذه الأخبار واردة في الإمام ذهب ابن الجنيد إلى ما حكينا عنه؛ محتجّا بأصالة المخافته بها فيما يخافت به ، لأنّها بعض السورة ، خرج ما إذا كان المصلّي إماما بتلك الأخبار. (267) وفيه أنّ التخصيص الذكري لا يفيد تخصيص الحكم ، فما في بعض ما ذكر من الأخبار من العموم يبقى على حاله. واحتجّ ابن إدريس على ما نقلنا عنه بأنّه لا خلاف في وجوب الإخفات في الأخيرتين، فمن ادّعى استحباب الجهر في بعضها وهو البسملة فعليه الدليل. (268) والجواب: إنّ كلّ ما دلّ على استحباب الجهر بها شامل للأخيرتين أيضا. واحتجّ الموجبون _ على ما نقل عنهم _ بمداومة النبيّ صلى الله عليه و آله على الجهر بها. وفيه ما سبق من أنّ فعله صلى الله عليه و آله فيما لا يعلم جهته إنّما يدلّ على الاستحباب. ويؤيّده عموم ما رواه الشيخ بسندين صحيحين ، أحدهما عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، وثانيهما عن محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام إنّهما سألاه عمّن يقرأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم حين يريد يقرأ بفاتحة الكتاب، قال: «نعم ، إن شاء سرّا وإن شاء جهرا». (269) ويسقط استحباب الجهر بها في مقام التقيّة ؛ لما رواه الشيخ في الاستبصار بسند صحيح عن زكريا بن إدريس القمّي ، وهو كان وجها، فالخبر حسن ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلّي بقوم يكرهون أن يجهر ، أيجوز أن يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم. فقال: «لا يجهر». (270) وعن ابن أبي عقيل أنّه قال: تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام أن لا تقيّة في الجهر بالبسملة ، (271) وهو أعلم بما قال. والقائلون بوجوب الجهر والإخفات استثنوا صلاة الجمعة أجمع _ ويأتي في محلّه _ وصلاة الظهر يوم الجمعة بعضهم ، وقالوا باستحباب الجهر فيها أيضا ، وبه قال الشيخ، (272) ونسبه الصدوق إلى الرخصة ، (273) واختاره المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد. (274) ويدلّ عليه صحيحة عمران الحلبي ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول وقد سُئل عن الرّجل يصلّي الجمعة أربع ركعات ، أيجهر فيها بالقراءة؟ قال: «نعم ، والقنوت في الثانية». (275) وحسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سألته عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدى أربعا ، أجهر بالقراءة؟ فقال: «نعم» ، وقال: «اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة». (276) وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: قال لنا : «صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة واجهروا بالقراءة»، فقلت له: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال: «اجهروا بها». (277) وخبر محمّد بن مروان ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الظهر يوم الجمعة [كيف نصلّيها] في السفر؟ قال: «تصلّيها في السفر ركعتين ، والقراءة فيها جهرا». (278) وفي المختلف: وكثرة الرواية تدلّ على الشهرة، (279) وقيل: لا يجوز مطلقا، اختاره المحقّق في المعتبر (280) ؛ لصحيحة ابن أبي عمير ، عن جميل ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الإمام إنّما يجهر إذا كانت خطبة». (281) وقيل: يستحبّ إذا صلّيت جماعة لا إنفرادا. وقال السيّد المرتضى في المصباح على ما نقل عنه في المختلف: والمنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة ، فقد روي أنّه يجهر بالقراءة استحبابا ، وروي أنّ الجهر إنّما يستحبّ لمن صلّاها مقصورة بخطبة أو صلّاها ظهرا أربعا في جماعة ، ولا جهر على المنفرد. (282) وقال ابن إدريس: وهذا الثاني هو الّذي يقوى في نفسي وأعتقده وأفتي به؛ لأنّ شغل الذمّة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل شرعي ؛ لأصالة براءة الذمّة، والرواية مختلفة فوجب الرجوع إلى الأصل، ولأنّ الاحتياط يقتضي ذلك ؛ لأنّ تارك الجهر تصحّ صلاته إجماعا ، وليس كذلك الجاهر بالقراءة. (283) قوله في صحيحة عمرو بن أبي نصر: (يرجع من كلّ سورة إلّا من قل هو اللّه أحد وقل يا أيّها الكافرون) .[ح 25 /5003 ]ومثلها ما روى في التهذيب عن محمّد بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل قرأ في الغداة سورة قل هو اللّه أحد. قال: «لا بأس، ومن افتتح بسورة ، ثمّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس ، إلّا قل هو اللّه أحد ، فلا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا أيّها الكافرون» . (284) وفي الموثّق عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أراد أن يقرأ في الصلاة سورة ، فأخذ في اُخرى، قال: «فليرجع إلى السورة الاُولى ، إلّا أن يقرأ بقل هو اللّه أحد». (285) ويستفاد منها أمران: أحدهما: جواز الرجوع من سورة إلى اُخرى ، وظاهرها جواز ذلك قبل الإتمام ، وينبغى تقييدها بما إذا لم يتجاوز ثلثيها ؛ لموثّق عبد اللّه بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، في الرجل يريد أن يقرأ السورة ، فيقرأ غيرها، فقال : «له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها». (286) والظاهر وفاق الأصحاب على عدم جواز العدول إذا جاوز النصف، بل قال جماعة _ منهم ابن إدريس (287) والعلّامة في النهاية (288) على ما حكى المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (289) _ بكفاية بلوغ النصف في عدم جوازه، ولم أجد شاهدا لهم من الأخبار. وثانيهما: عدم جواز العدول عن الجحد والتوحيد مطلقا ، وينبغي تقييد ذلك بغير صلاة الجمعة وظهرها حيث تأكّد الجمعة والمنافقين فيهما، بل قيل بوجوبهما فيهما . ويدلّ على ذلك التقييد صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلامفي الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة ، فيقرأ قل هو اللّه أحد ، قال: «يرجع إلى سورة الجمعة». (290) وموثّقة ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة ، قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل صلّى الجمعة وأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو اللّه أحد ، قال: «يعود إلى سورة الجمعة». (291) وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللّه أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع ، إلّا أن يكون يوم الجمعة ، فإنّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها». (292) ولكنّ الظاهر جواز ذلك العدول وإن جاوز النصف والثلثين ، وقيّده المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد بعدم التجاوز عن النصف. (293) وفيه تأمّل ؛ إذ الوجه في ذلك العدول فضيلة الجمعة والمنافقين في ذلك اليوم ، فمتى كان محلّ العدول باقيا ينبغي جوازه. ويؤيّده ما ورد من العدول إلى النافلة إذا ذكر بعد إتمام التوحيد ، رواه صباح بن صبيح ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقل هو اللّه أحد. قال: «يتمّها ركعتين ثمّ يستأنف». (294) وهذا كلّه على تقدير قراءة المعدول عنها نسيانا ، وأمّا مع العمد فالظاهر عدم جواز العدول ؛ للزوم القِران المحرّم في الفريضة. صرّح بذلك جماعة منهم المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد. (295) قوله في خبر صابر : (هما من القرآن) .[ح 26 /5004] في الذكرى : أجمع علماؤنا وأكثر العامّة على أنّ المعوذتين _ بكسر الواو _ من القرآن العزيز ، وأنّه يجوز القراءة بها في فرض الصلاة ونفلها. وروى منصور بن حازم ، قال: أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام أن أقرأ المعوّذتين في المكتوبة. (296) وعن مولى سام ، قال: أمّنا أبو عبد اللّه عليه السلام (297) ونقل الخبر بعينه ، ثمّ قال: وعن ابن مسعود : أنّهما ليسا من القرآن وإنّما أنزلتا لتعويذ الحسنين عليهماالسلام . (298) وخلافه انقرض واستقرّ الإجماع الآن من العامّة والخاصّة على ذلك . (299) وقال طاب ثراه: روى مسلم بإسناده عن عقبة بن عامر ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ألم تر آيات اُنزلت الّليلة لم ير مثلهن قطّ؟ ! قل أعوذ بربّ الفلق ، وقل أعوذ بربّ الناس» . (300) وله رواية اُخرى بهذا المضمون ، (301) قال بعض علمائهم : «ألم تر» كلمة تعجّب وبين معنى التعجّب بقوله : «لم ير مثلهنّ» ، والأظهر في معناه أنّه لم تنزل سورة تكون آياتها كلّها تعويذا غيرهما، ولذا كان صلى الله عليه و آله يتعوّذ من الجنّ والإنس بغيرهما ، فلمّا نزلتا ترك التعوّذ بما سواهما ، ولمّا سحر النبيّ صلى الله عليه و آله استشفى بهما. (302) وإن اُريد لم ير مثلهنّ في الفضل فلا يعارض بما روى في الحمد وآية الكرسى ونحوهما ؛ لأنّه عام مخصوص . (303) وقال الأصحاب وأكثر العامّة لفظة : قل ، من السورتين ، وزعم بعضهم أنّهما ليست منهما، وإنّما أمره عليه السلام أن يقول أعوذ . (304) وهو كما ترى ؛ لظهور الأخبار في كونها جزءا منهما ، وللإجماع على كتبها في المصاحف بخطّها مع التزامهم أن لا يكتب غير القرآن فيها بخطّها.

.


1- . الخلاف ، ج 1 ، ص 327 ، المسألة 80 و 81 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 330 .
2- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 271 ، ط قديم ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 330 ، و الأصم هو أبوبكر عبدالرحمن بن كيسان ، فقيه معتزلى مفسّر ، مات نحوسنة 225 . (الأعلام ، ج 3 ، ص 232) .
3- . الذكرى ، ج 3 ، ص 299 ؛ فتح الباري ، ج 3 ، ص 37 ، عن الأصم و إبراهيم بن عليه في ركعتي الفجر ؛ عمدة القاري ، ج 7 ، ص 228 عنهما في ركعتي الفجر . و ابراهيم بن إسماعيل بن عليّه المتكلّم الجهمي له مؤلّفات في الفقه ، توفّي بمصر سنة 218ه ق. (تاريخ الإسلام ، ج 15 ، ص 52).
4- . المبسوط ، ج 1 ، ص 105 .
5- . كتاب الاُمّ ، ج 1 ، ص 129 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 5 ، ص 11 ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 314 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 184 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 9 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 273 ، ح 837 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 189 ، ح 822 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 156 ، ح 247 ؛ و ص 194 ، ذيل ح 310 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 38 .
6- . المزّمّل (73) : 20 .
7- . المزّمّل (73) : 20 .
8- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 475 و 476 (قرأ).
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 146 ، ح 569 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 353، ح 1335 ؛ و رواه الكليني في باب السهو في القراءة من الكافي ، ح 1 ؛ و رواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 345 ، ح 1005 عن زرارة، عن أحدهما عليهماالسلام ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 87 ، ح 7414 و 7415 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 2 ، ص 146 ، ح 570 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1336 ؛ و رواه الكليني في الكافي ، باب السهو في القراءة ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 90 ، ح 7424 ، و في الجميع : «إذا كان نسيانا ، بدل «إذا كنت ناسيا» . نعم هذا موافق لنصّ الرواية في الخلاف ، ج 1 ، ص 335 .
11- . هو الحديث 28 من هذا الباب .
12- . الذكرى ، ج 3 ، ص 353 .
13- . الخلاف ، ج 1 ، ص 335 ، المسألة 86 ؛ الاستبصار ؛ ج 1 ، ص 314 ، باب أنّه لا يقرأ في الفريضة بأقلّ من سورة و لا بأكثر منها .
14- . المبسوط للطوسى، ج 1 ، ص 75 .
15- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 142 ؛ و منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 272 ط قديم ، و المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 174 .
16- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 272 .
17- . الخلاف ، ج 1 ، ص 236 ، المسألة 86 .
18- . النهاية ، ص 75 .
19- . المعتبر ، ج 2 ، ص 171 _ 172 .
20- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 142 .
21- . المراسم العلويّة ، ص 69 .
22- . الموطّأ ، ج 1 ، ص 65 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 166 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 388 .
23- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 388 .
24- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 388 .
25- . الخلاف ، ج 1 ، ص 335 _ 336 ، المسألة 86 .
26- . كتاب الاُمّ ، ج 1 ، ص 131 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 162 .
27- . الخلاف ، ج 1 ، ص 336 ؛ المحلّى ، ج 3 ، ص 243 .
28- . المغني، ج 1، ص 520؛ عمدة القاري، ج 6، ص 11.
29- . الخلاف ، ج 1 ، ص 328 ، المسألة 81 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 327 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 520 .
30- . تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 212 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 327 .
31- . الحديث مع مغايرة في صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 185 ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 311 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 37 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 185 ، ح 798 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 166 ؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 336 _ 337 ، ح 1050 ؛ والسنن الكبرىللبيهقي ، ج 2 ، ص 83 .
32- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 42 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 273 ، ح 836 ؛ و ص 315 ، ح 986 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 173 ؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 6 ، ص 513 ، ح 11667 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 393 .
33- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 272 ، ط قديم . و الحديث في مسند الشافعي ؛ ص 55 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 286 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 155 ؛ و ج 7 ، ص 77 ؛ و ج 8 ، ص 133 ؛ السنن الكبرى للبيهقى ، ج 2 ، ص 345 ؛ وج 3 ، ص 120 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 207 و 295 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 541 ؛ وج 5 ، ص 191 و504 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 279 _ 280 ، ح 1055 و 1056 ؛ وص 338، ح 1297 .
34- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 294 ، ح 1182 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 316 ، ح 1175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 46 ، ح 7302 .
35- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 294 ، ح 1183 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 316 ، ح 1176 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 46 ، ح 7301 .
36- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 295 _ 296 ، ح 1191 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 316 ، ح 1177 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 45 ، ح 7299 .
37- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 296 ، ح 1192 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 316 ، ح 1178 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 44 ، ح 7297 .
38- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 71 ، ح 262 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 315 ، ح 1173 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 47 _ 48 ، ح 7306 .
39- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 71 _ 72 ، ح 263 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 315 ، ح 1174 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 47 ، ح 7304 .
40- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 71 ، ح 260 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 40 ، ح 7288 .
41- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 71 ، ح 259 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 314 ، ح 1169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 40 ، ح 7286 .
42- . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
43- . هو الحديث التاسع من هذا الباب .
44- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 71 ، ح 261 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 315 ، ح 1172 و 7287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 40 ، ح 7287 .
45- . سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 188 ، ح 819 ؛ سنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 37 ، و ما بين الحاصرتين منهما .
46- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 437 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 184 و 192 ؛ و ج 7 ، ص 132 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 11 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 336 ، ح 1060 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 196 ، ح 856 ، وص 197 _ 198 ، ح 860 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 187 ، ح 302 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 124 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 308 ، ح 958 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2، ص 10 و 37و 122و 126 و 134 و 372 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 11 ، ص 449 ، ح 6577 ، و ص 497 _ 498 ، ح 6622 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 235 و 299 .
47- . تفسير مقاتل بن سليمان ، ج 1 ، ص 24 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 1 ، ص 39 ؛ البيان لأبي عمرو الداني ، ص 133 ؛ تفسير المقباس ، ص 2 .
48- . بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 125 و 189 ؛ سبل السلام ، ج 2 ، ص 104؛ نيل الأوطار، ج 2، ص 231 و 235؛ و ج 4، ص 103؛ المعتبر، ج 2، ص 166 و 172 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ص 63 ، ح 167 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 196 ؛ و ج 2 ، ص 218 ؛ و ج 3 ، ص 82 .
49- . مسند الشافعي ، ص 34 _ 35 . ورواه أبو داود في سننه ، ج 1 ، ص 197 ، 859 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 374 ؛ وابن حبّان في صحيحه ، ج 5 ، ص 88 .
50- . مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 205 .
51- . اُنظر : قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 273 ؛ جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 255 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 351 ؛ ذخيرة المعاد ، ج 1 ، ص 273 ؛ كشف اللثام ، ج 4 ، ص 27 ؛ مفتاح الكرامة ، ج 7 ، ص 146 .
52- . الذكرى ، ج 3 ، ص 310 .
53- . تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 130 .
54- . مدارك الأحكام ، ج3 ، ص 337 .
55- . هو الحديث الثانى من هذا الباب .
56- . علل الشرائع ، ص 315 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 465 _ 468 ، ح 7086 .
57- . سنن النسائي ، ج 2 ، ص 134 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 232 ؛ المنتقى من السنن ، ص 56 ، ح 184 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 251 و 342 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 304 ، ح 1155 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 516 .
58- . المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 521 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 517 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 168 .
59- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 289 ، ح 1157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 57 ، ح 7337 .
60- . النمل (27) : 29 _ 30 .
61- . مجمع البيان ، ج 1 ، ص 48 _ 49 . و رواه الصدوق في أماليه ، المجلس 33 ، ح 3 ؛ و عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 270 ، الباب 28 ، ح 60 .
62- . الحجر (15) : 87 .
63- . الإسراء (17) : 46 .
64- . مجمع البيان ، ج 1 ، ص 72 _ 71 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 22 ، ح 17 .
65- . المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 522 ؛ الشرح كبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 519 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 45 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 310 ، وفيهما : « ... إنّها امّ القرآن واُمّ الكتاب والسبع المثاني ، وبسم اللّه الرحمن الرحيم إحداها» .
66- . تفسير الرازى¨ ، ج 1 ، ص 196 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 18 . و نحوه في السنن الكبرى للبيهقى ، ج 2 ، ص 45 ؛ المعجم الأوسط ، ج 5 ، ص 208 ؛ كنز العمّال ، ج 1 ، ص 560 ، ح 2519 .
67- . السنن الكبرى للبيهقى ، ج 2 ، ص 44 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 1 ، ص 512 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 249 _ 250 .
68- . مجمع البيان ، ج 1 ، ص 47 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 1 ، ص 128 ؛ تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 113 .
69- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 244 ؛ روض الجنان ، ص 265 ؛ المستصفى للغزالي ، ص83 ؛ الإحكام للآمدي ، ج 1 ، ص163 ، و مع مغايرة في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 50 .
70- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 340 . و حكاه أيضا عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 180 ؛ و الشهيد في الذكرى ، ج 3 ، ص 299 .
71- . اُنظر : أسباب النزول للواحدي ، ص 12 ؛ تفسير الواحدي ، ج 1 ، ص 597 ؛ تفسير الرازي ، ج 19، ص 207 ؛ تفسير القرطبي ، ج 10 ، ص 54 ؛ تفسير الجلالين ، ص 344 ؛ تفسير مقاتل بن سليمان ، ج 1 ، ص 27 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 19 ، ح 2 ؛ و ص 22 ، ح 17 ؛ و ج 2 ، ص 249 ، ح 34 ؛ و ص 250 ، ح 37 ؛ و ص 251 ، ح 40 ؛ تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 377 ؛ التبيان ، ج 6 ، ص 352 ؛ مجمع البيان ، ج 1 ، ص 42 و 47 و 71 ؛ وج 6 ، ص 129 ؛ تفسير غريب القرآن للطريحي ، ص 15 ، و يظهر من بعضها عدم الاتّفاق في ذلك .
72- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 334 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 218 ؛ عمدة القاري ، ج 19 ، ص 302 ؛ عون المعبود ، ج 2 ، ص 345 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 321 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 437 .
73- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 333 و 334 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 347 ، مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 157 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 15 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 522 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 519 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 284 ؛ عون المعبود ، ج 2 ، ص 345 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 1 ، ص 509 _ 510 ؛ الدراية ، ج 1 ، ص 131 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 438 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 231 .
74- . المجموع للنووي ، ص 334 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 347 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 15 ؛ الجوهر النقي ، ج 2 ، ص 40 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 522 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 102 ؛ تنقيح التحقيق ، ج 1 ، ص 144 .
75- . المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 522 ؛ نيل الأوطار ، ج2 ، ص 218 .
76- . اُنظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 103 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 335 .
77- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 285 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 9 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 189 ، ح 821 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 136 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 38 .
78- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 271 ، ط قديم ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 309 ، ح 1176 .
79- . الفقيه ، ج 1 ، ص 310 ، ح 926 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 38 ، ح 7282 .
80- . اُنظر : تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 249 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 150 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 275 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 479 ؛ جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 281 ؛ روض الجنان ، ص 270 ؛ الحدائق الناضرة ، ج 8 ، ص 222 ؛ مفتاح الكرامة ، ج 7 ، ص 276 ؛ بحار الأنوار ، ج 82 ، ص 18 .
81- . راجع : مفتاح الكرامة ، ج 7 ، ص 280 .
82- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 69 ، ح 250 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 313 ، ح 1162 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 61 ، ح 7350 .
83- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 68 _ 69 ، ح 249 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 312 ، ح 1161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 61 ، ح 7349 .
84- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 288 ، ح 1154 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 310 _ 311 ، ح 1158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 62 ، ح 7351 .
85- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 174 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 142 ، فإنّهما حكيا عنه عدم وجوب قراءة السورة بعد الحمد .
86- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 69 ، ح 252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 58 ، ح 7341 .
87- . راجع: معجم رجال الحديث ، ج 21 ، ص 28 _ 30 ، الرقم 1372 و 373 .
88- . الموجود في المطبوع من الكافي و الوسائل هكذا .
89- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 184 ، و الشهيد في الذكرى ، ج 3 ، ص 338 .
90- . رواه الكليني في باب القراءة يوم الجمعة و ليلتها في الصلوات ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 154 ، ح 7600 .
91- . هذا هو الحديث الرابع من باب القراءة يوم الجمعة و ليلتها في الصلوات من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 6 ، ح 16 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 414 ح 1583 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 154 ، ح 7602 .
92- . هذا هو الحديث السابع من باب القراءة يوم الجمعة و ليلتها في الصلوات من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 7 ، ح 21 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 414 _ 415 ، ح 1588 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 159 ، ح 7618 .
93- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 7 ، ح 17 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 414 ، ح 1584 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 155 ، ح 7606 .
94- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 96 ، ح 360 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 48 ، ح 7308 .
95- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 7 ، ح 19 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 414، ح 1586 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 157 ، ح 7611 .
96- . الكافي ، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها في الصلوات ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 119 _ 120 ، ح 7498 .
97- . في هامش الأصل : «وجه التأييد أنه عليه السلام شارك الجمعة مع الفجر والعشاء في الأمر بقراءة الجمعة ، وفي الصلاتين قراءتها مستحبّة اتفاقا ففي الجمعة أيضا كذلك . منه طاب ثراه» .
98- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 7 ، ح 18 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 414 ، ح 1585 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 119 ، ح 7499 .
99- . الكافي ، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها في الصلوات ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 14 ، ح 49 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1593 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 160 ، ح 7622 .
100- . الفقيه ، ج 1 ، ص 306 _ 308 ، ح 992 ؛ عيون الأخبار ، ج 2 ، ص 195 ، الباب 44 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 117 ، ح 7496 .
101- . شرائع الأحكام ، ج 1 ، ص 65 .
102- . المعتبر ، ج 2 ، ص 183 .
103- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 366 . والإضافة من المصدر .
104- . المقنع ، ص 146 _ 147 .
105- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 8 ، ح 23 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1590 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 157 ، ح 7612 ، وفي الجميع : «ما أقرأ فيهما؟ قال : اقرأ فيهما» .
106- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 8 ، ذيل ح 23 .
107- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 367 .
108- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 159 .
109- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 157 .
110- . الكافي للحلبي ، ص 152 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 620 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 223 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 365 _ 366 .
111- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 6 ، ح 14 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 413 ، ح 1582 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 118 _ 119 ، ح 7498 .
112- . قرب الإسناد ، ص 360 ، ح 1287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 156 ، ح 7610 ، وفيهما : «تقرأ» بدل «يقرأ» .
113- . في المصدر : «بالليل» .
114- . في المصدر : «وإذا» بدل «ثمّ إذا» .
115- . في الأصل : «سجد» والتصويب من المصدر .
116- . المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «كلّ ركعة» .
117- . المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «رأيت» .
118- . في المصدر : «وكان إذا قرأ الجحد» .
119- . الجمعة (62) : 11 .
120- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 194 _ 197 ، الباب 44 ، ح 5 ، وما بين المعقوفات منه .
121- . في الأصل : «نحوها»، و كذا التالي ، و المثبت موافق للمصدر .
122- . . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 95 ، ح 354 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 155 ، ح 7604 .
123- . في هامش الأصل : «وهو ممدوح. منه رحمه الله» .
124- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 95 _ 96 ، ح 355 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 116 _ 117 ، ح 7494 .
125- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 96 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 115 ، ح 7490 .
126- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 96 ، ح 357 . ورواه الكليني في الكافي ، باب قراءة القرآن ، ح 26 ، بزيادة «هما من القرآن» في آخره ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 115 ، ح 7489 .
127- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 96 ، ح 358 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 81 ، ح 7402 .
128- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 96 ، ح 359 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 49 ، ح 7309 .
129- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 96 ، ح 360 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 48 ، ح 7308 .
130- . مسند الشافعي ، ص 155 _ 156 ؛ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 411 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 2 ، ص 210، ح 1192 .
131- . سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 189 ، ذيل ح 305 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 205 ؛ المحلّى ، ج 4 ، ص 101 .
132- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 101 و 108 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 40 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 166 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 337 ، ح 1052 .
133- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 295 ، ح 1189 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 111 ، ح 8478 .
134- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1907 (حمم) .
135- . في هامش الأصل : «أي في نوافله» .
136- . البقرة (2) : 285 _ 286 .
137- . آل عمران (3) : 190 _ 194 .
138- . الأعراف (7) : 54 _ 56 .
139- . الأنعام (6) : 100 _ 103 .
140- . الحشر (59) : 21 _ 24 .
141- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 73 _ 74 ، ح 272 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 63 ، ح 7353 .
142- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 74 _ 75 ، ح 276 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 318 ، ح 1186 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 67 ، ح 7364 .
143- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 75 ، ح 278 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 319 ، ح 1188 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 67 ، ح 7363 .
144- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 75 ، ح 277 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 318 ، ح 1187 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 68 ، ح 7366 .
145- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 281 ، ط قديم .
146- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 319 ، ذيل ح 1187 .
147- . الانتصار ، ص 144 .
148- . حكاه عنه الشهيد في الذكرى ، ج 3 ، ص 287 و 349 ؛ والدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 174 ، الدرس 40 .
149- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 2 ، ص 235 .
150- . المعتبر ، ج 2 ، ص 186 .
151- . حكاه عنه في الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 174 ، الدرس 40 ، والمدارك ، ج 3 ، ص 372 .
152- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 374 .
153- . المقنعة ، ص 105 ، وفيه : «وإخوانهم النصّاب» .
154- . ذا هو الظاهر، وفي الأصل : «اسم فعل اللّهم بمعنى استجب» .
155- . الانتصار ، ص 144 .
156- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 281 .
157- . الخلاف ، ج 1 ، ص 334 .
158- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 447 و 448 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 70 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 360 ؛ المصنّف ، ج 2 ، ص 321 ، الباب 268 من كتاب الصلاة ، ح 3 ؛ الآحاد والمثاني ، ج 3 ، ص 82 ، ح 1398 ؛ المعجم الكبير ، ج 19 ، ص 402 _ 403 .
159- . هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «لإبطال» .
160- . الغنية ، ص 81 _ 82 .
161- . المعتبر ، ج 2 ، ص 185 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 373 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 1 ، ص 528 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 528 .
162- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 233 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 284 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 144 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 322 ، ح 999 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 2، ص 97، ح 2645 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1، ص 289 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 106 _ 107 ، ح 1804 ، و ما بين الحاصرتين من المصادر .
163- . مسند الشافعي ، ص 37 و 212 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 190 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 17 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 212 ، ح 936 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 158 ، ح 250 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 144 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 322 ، ح 1000 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 219 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 55 و 57 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 286؛ وج 3، ص 37.
164- . سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 329 ؛ المعجم الكبير ، ج 22 ، ص 21 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 212 ، ح 932 .
165- . اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 187 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 163 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 3 ، ص 335 ، ترجمة أبي هريرة ؛ الفائق ، ج 1 ، ص 91 ، باب الباء مع الراء ؛ معجم البلدان ، ج 1 ، ص 348 (البحرين) ؛ فتوح البلدان ، ج 1 ، ص 100 .
166- . هذا هو الظاهر ، و في الأصل : «لما خفت» ، و في المصدر : «لما خفي» .
167- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 281 ، ط قديم .
168- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 296 ، ح 1192 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 317 ، ح 1181 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 52 ، ح 7320 .
169- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ذيل ح 1181 .
170- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 65 .
171- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 354 _ 355 .
172- . جوابات المسائل الموصليّات (رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 220) .
173- . النهاية ، ص 75 _ 76 .
174- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 272 .
175- . هو الحديث 21 من هذا الباب من الكافي .
176- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 69 _ 70 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 50 ، ح 7312 .
177- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 70 ، ح 257 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 316 ، ح 1179 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 51 ، ح 7316 .
178- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 73 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 50 ، ح 7314 .
179- . تقدّم آنفا .
180- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 276 ط قديم .
181- . هو الحديث 21 من هذا الباب من الكافي .
182- . النهاية ، ص 75 _ 76 .
183- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 272 .
184- . المبسوط ، ج 1 ، ص 107 .
185- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 72 ، ح 266 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 317 ، ح 1182 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 54 ، ح 7326 .
186- . المعتبر ، ج 2 ، ص 188 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 149 ، ولم ينسب فيهما المفضّل إلى أبيه .
187- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 449 تفسير سورة قريش ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 55 ، ح 7330 .
188- . الفقيه ، ج 1 ، ص 306 ، ذيل ح 921 .
189- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 317 ، ذيل ح 1182 .
190- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 276 ط قديم .
191- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 187 .
192- . الانتصار ، ص 146 ، المسألة 43 .
193- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 371 ، وعبارته هكذا : «ولايفصل بينهما ببسم اللّه الرحمن الرحيم» .
194- . التبيان ، ج 10 ، ص 371 ، تفسير سورة الانشراح .
195- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 449 ، تفسير سورة قريش .
196- . في النسخ : «دلّا» .
197- . المائدة (5) : 2 .
198- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 276 ط قديم .
199- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 72 ، ح 265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ، ص 54 _ 55 ، ح 7328 .
200- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 449 ، في تفسير سورة قريش ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 55 ، ح 7331 .
201- . اُنظر : مجمع البيان ، ج 1 ، ص 50 ؛ التبيان ، ج 1 ، ص 25 ؛ جامع البيان ، ج 1 ، ص 74 .
202- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 162 ، ح 636 ؛ وص 297 ، ح 1195 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 313 ، ح 1164 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 93 ، ح 7431 .
203- . صحيح المسلم ، ج 2 ، ص 48 . وقوله : «فقمن» بمعنى جدير .
204- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 414 و 433 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 105 _ 106 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 197 .
205- . الإسراء (17) : 110 .
206- . مجمع البيان ، ج 6 ، ص 304 .
207- . هو الحديث السادس من هذا الباب .
208- . هو الحديث 15 من هذا الباب .
209- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 277 .
210- . حكاه عنهما المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 178 .
211- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 162 ، ح 636 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 313 ، ح 1164 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 85 ، ح 7411 .
212- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 288 ، ح 1155 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 311 ، ح 1157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 58 ، ح 7339 .
213- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 289 ، ح 1161 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 314 ، ح 1165 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 77 ، ح 7393 .
214- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 97 و365 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 321 ، ح 1196 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 97 _ 98 ، ح 7443 ؛ و ص128 ، ح 7524 .
215- . الفقيه ، ج 1 ، ص 344 ، ح 1003 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 162 ، ح 635 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 313 ، ح 1163 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 86 ، ح 7412 .
216- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 68 ، ح 246 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 310 _ 311 ، ح 1154 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 57 ، ح 7336 ؛ و ص 134 ، ح 7543 .
217- . في المصدر : «القراءة» بدل «القرآن» .
218- . المثبت من المصدر ، و في الأصل : «... بالقراءة لهم ليبيّن فضله» .
219- . علل الشرائع ، ج 2 ، ص 322 _ 323 ، الباب 12 ، ح 1 .
220- . الفقيه ، ج 1 ، ص 309 ، ح 924 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 83 ، ح 7407 .
221- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 370 ط قديم .
222- . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 359 ، الرقم 965 ؛ رجال الطوسي ، ص 281 ، الرقم 4059 ؛ إيضاح الاشتباه ، ص 268 ، الرقم 576 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 262 ، الرقم 121 .
223- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 277 .
224- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 194 _ 197 ، الباب 44 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 85 ، ح 7410 .
225- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 97 ، ح 362 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 125 ، ح 7517 .
226- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 296 ، ح 1192 .
227- . الخلاف ، ج 1 ، ص 371 _ 372 ، المسألة 130 .
228- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 277ط قديم .
229- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 162 ، ح 636 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 313 ، ح 1164.
230- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 97 ، ح 365 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 321 ، ح 1196 .
231- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 313 _ 314 ، ح 1165 ؛ فإنّه جعل عنوان الباب «باب الجهر في النوافل بالنهار» .
232- . الذكرى ، ج 3 ، ص 320 ، المسألة الثانية عشرة من مسائل القراءة .
233- . المصدر المتقدّم .
234- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 357 .
235- . كتاب فضل العلم من الكافي ، باب اختلاف الحديث ، ح 10 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 218 ، ح 514 ؛ وسائل الشيعة ، ج 27 ، ص 106 ، ح 33334 .
236- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 358 .
237- . كان بالأصل : «الطبري» ، فصوّبناه .
238- . مجمع البيان ، ج 6 ، ص 304 . وحكاه الزمخشري في الكشّاف ، ج 2 ، ص 470 .
239- . مجمع البيان ، ج 6 ، ص 304 .
240- . مجمع البيان ، ج 6 ، ص 304 .
241- . الإسراء (17) : 106 .
242- . الأعراف (7) : 110 .
243- . اُنظر: التبيان ، ج 6 ، ص 534 ؛ زبدة البيان ، ص 129_130 .
244- . حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 277 ط قديم . وانظر : المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 1 ، ص 683 .
245- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 277 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 390 ، بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 166 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 170 ؛ حاشية ردّ المختار ، ج 1 ، ص 505 .
246- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 277 .
247- . عوالي اللآلي ، ج 2 ، ص 54 ، ح 143 . وتجد ما بمعناه في الكافي ، باب من يريد السفرأ ويقدم من سفر ... ، ح 7 .
248- . النهاية ، ص 76 .
249- . الخلاف ، ج 1 ، ص 331 ، المسألة 83 .
250- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 105 .
251- . الذكرى ، ج 3 ، ص 332 .
252- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 32) .
253- . السرائر ، ج 1 ، ص 218 .
254- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 155 ، وقال : أفتى بذلك في كتاب الأحمدي .
255- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 155 .
256- . الكافي في الفقه ، ص 117 .
257- . المهذّب ، ج 1 ، ص 92 .
258- . الفقيه ، ج 1 ، ص 308 .
259- . هو الحديث 20 من هذا الباب من الكافي .
260- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 68 ، ح 246 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 310 _ 311 ، ح 1154 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 57 ، ح 7336 .
261- . في هامش الأصل : «في باب كيفيّة من أبواب الزيادات من التهذيب [ج 2 ، ص 289 ، ح 1158] ، منه رحمه الله» ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 75 ، ح 7386 ، و ص 134 ، ح 7545 .
262- . في هامش الأصل : «يعني الشيطان الّذي هو موكّل على الإمام ، منه رحمه الله» .
263- . في المصدر : «ينصرفوا» بدل «يفرغوا» .
264- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 290 ، ح 1162 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 75 ، ح 7387 .
265- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 194 _ 197 ، الباب 44 ، ح 5 .
266- . مصباح المتهجّد ، ص 788 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 52 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 478 ، ح 19643 .
267- . اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 155_156 .
268- . السرائر ، ج 1 ، ص 218 .
269- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 68_69 ، ح 249 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 312 ، ح 1161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 61 ، ح 7349 .
270- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 68 ، ح 248 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 312 ، ح 1160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 60 _ 61 ، ح 7348 .
271- . حكاه عنه في الذكرى ، ج 3 ، ص 333 .
272- . الخلاف ، ج 1 ، ص 632 ، المسألة 407 .
273- . الفقيه ، ج 1 ، ص 308 ، ذيل ح 922 .
274- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 269 .
275- . الفقيه ، ج 1 ، ص 418 ، ح 1133 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 14_ 15 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1594 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 160 ، ح 8620 ؛ وص 270_271 ، ح 7935 .
276- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 14 ، ح 49 ؛ الكافي ، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها في الصلوات ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 155 ، ح 7603 .
277- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 15 ، ح 51 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1595 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 161 ، ح 7625 .
278- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 15 ، ح 52 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1596 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 161 ، ح 7626 .
279- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 164 .
280- . المعتبر ، ج 2 ، ص 176 .
281- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 15 ، ح 53 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1597 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 161 ، ح 7627 .
282- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 162 .
283- . حكاه عن ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 298 .
284- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 190 ، ح 753 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 99_100 ، ح 7448 .
285- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 242 ، ح 651 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 153 ، ح 7598 .
286- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 293 ، ح 1180 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 101 ، ح 7451 .
287- . السرائر ، ج 1 ، ص 297 .
288- . نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 478_479 .
289- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 278_279 .
290- . الكافي ، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها في الصلوات ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 241_243 ، ح 649 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 152_153 ، ح 7596 .
291- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 242 ، ح 651 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 153 ، ح 7598 .
292- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 242 ، ح 650 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 153 ، ح 7597 .
293- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 280 .
294- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 8 ، ح 22 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1589 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 159 ، ح 7619 .
295- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 280 .
296- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 96 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 115 ، ح 7490 .
297- . نفس المصدر ، ح 357 ؛ و ح 7489 من الوسائل .
298- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 130 ؛ تأويل مختلف الحديث ، ص 30 ؛ الإتقان ، ج 1 ، ص 214 .
299- . الذكرى ، ج 3 ، ص 356 .
300- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 200 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 158 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 330 ، ح 1026 ؛ المعجم الكبير ، ج 17 ، ص 350_351 . وكان في الأصل : «قال لي أبو عبداللّه عليه السلام » ، فصوّبناه حسب المصادر .
301- . مسند أحمد ، ج 4 ، ص 144 و 151 و 152 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 462 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 200 ؛ سنن الترمذي ، ج 4 ، ص 244 ، ح 3066 ؛ و ج 5 ، ص 122 ، ح 3426 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 394 .
302- . شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج 11 ، ص 65 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 8 ، ص 173 ؛ فيض القدير ، ج 3 ، ص 73 .
303- . شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج 11 ، ص 65 .
304- . المصدر المتقدّم ؛ فيض القدير ، ج 3 ، ص 74 .

ص: 25

. .

ص: 26

. .

ص: 27

. .

ص: 28

. .

ص: 29

. .

ص: 30

. .

ص: 31

. .

ص: 32

. .

ص: 33

. .

ص: 34

. .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

. .

ص: 39

. .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

. .

ص: 48

. .

ص: 49

. .

ص: 50

. .

ص: 51

. .

ص: 52

. .

ص: 53

. .

ص: 54

. .

ص: 55

. .

ص: 56

. .

ص: 57

. .

ص: 58

. .

ص: 59

. .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

. .

ص: 63

. .

ص: 64

. .

ص: 65

. .

ص: 66

. .

ص: 67

. .

ص: 68

. .

ص: 69

. .

ص: 70

. .

ص: 71

. .

ص: 72

. .

ص: 73

باب عزائم السجود

باب عزائم السجودقال الشيخ في الخلاف : «سجدات القرآن خمسة عشر موضعا ، أربعة منها فرض على ما قلناه ». (1) مشيرا إلى الأربعة المذكورة في كلامه السابق ، فقد قال قبل ذلك : سجود التلاوة في جميع القرآن مسنون مستحبّ إلاّ أربع مواضع، فإنّها فرض، وهي : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربّك ، وما عداها مندوب للقارئ والمستمع . وقال الشافعيّ : الكلّ مسنون ، وبه قال عمر وابن عبّاس ومالك والأوزاعيّ ، وقال أبو حنيفة : الكلّ واجب على القاري والمستمع . (2) ثمّ قال : تفصيلها _ يعنى تفصيل الخمسة عشر موضعا _ : في آخر الأعراف ، و في الرعد ، وفي النحل ، وفي بني إسرائيل ، وفي مريم وفي الحجّ سجدتان، وفي الفرقان : «وزادهم نفورا» ، وفي النمل، وفي ألم تنزيل ، وفي حم السجدة ، وفي (ص) ، وفي النجم ، وفي انشقّت ، وفي «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» . وبه قال أبو إسحاق وأبو العبّاس بن سريج . وقال الشافعيّ في الجديد : وسجود القرآن أربعة عشر كلّها مسنونة ، وخالف في (ص) وقال : إنّه سجود شكر لا يجوز فعله في الصلاة . وقال في القديم : أحد عشر سجدة ، فأسقط سجدات المفصّل ، وهي : سجدة النجم ، وانشقت ، واقرأ باسم ربّك . وبه قال ابن عبّاس واُبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والحسن البصريّ ومجاهد ومالك . وقال أبو حنيفة : أربع عشر سجدة ، فأسقط الثانية في الحجّ، وأثبت سجدة من (ص). (3) انتهى . واختلف الأصحاب في وجوب هذه السجدات الأربع بمجرد السماع بعد ما أجمعوا على وجوبها بالتلاوة . والسماع : الاستماع ، ذهب إليه الأكثر ، بل ادّعى ابن إدريس عليه الإجماع . (4) ويدلّ عليه ما رواه المصنّف من خبري أبي بصير ، (5) وخبر أبي عبيدة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : «إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها». (6) والأظهر تخصيص هذه الأخبار بالمستمع ؛ لما رواه المصنّف في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، (7) وهو ظاهر ما نقلناه عن الشيخ ، وظاهر العلّامة في القواعد حيث قال في أحكام الحائض : «لو تلت السجدة أو استمعت سجدت ». (8) وقال المحقّق الشيخ عليّ في شرحه : «يفهم منه عدم وجوب السجدة بالسماع ، وقد صرّح في هذا الموضع » (9) وبه قال واستقواه والدى طاب ثراه . هذا ، والأخبار المذكورة تدلّ على عدم اشتراط هذه السجدة بالطهارة ، ويؤيّدها الأصل ، وهو مذهب الشيخ . وقال في النهاية : «ولا يجوز للحائض أن تسجد ». (10) واحتجّ عليه بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه في الموثّق عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : «لاتقرأ ولا تسجد» . (11) وحمل في كتابي الأخبار الأوّلة على الاستحباب ، والأخير على جواز الترك، واستبعده العلّامة في المختلف لخروجه عن القولين . (12) وقال طاب ثراه : ولعلّ وجه الخروج أنّ القائل بعدم الاشتراط يوجب السجود ، والقائل بالاشتراط لا يجوّزه. ويتعدّد السجود بتكرّر موجبه ولو في مجلس واحد؛ لوجوب تكرّر المسبّبات بتكرّر الأسباب إلّا ما استثني . ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم ، فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد ، قال : «عليه أن يسجد كلّما سمعها ، وعلى الّذي يعلّمه أيضا أن يسجد». (13) ثمّ المشهور عدم جواز قراءة العزائم في الفرائض ؛ لاستلزامه إمّا زيادة السجود فيها عمدا، أو ترك السجود المأمور به ؛ لما رواه المصنّف عن زرارة ، (14) وما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : «من قرأ : اقرأ باسم ربّك ، فإذا ختمها فليسجد ، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع ، وإن ابتليت مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع ، ولا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع» . (15) وعدم صحّتهما لاشتمال الأوّل على القاسم بن عروة، وهو مجهول الحال ، (16) وعلى ابن بكير وهو كان فطيحا وإن كان موثّقا ، (17) والثاني على عثمان بن عيسى وسماعة ، وهما كانا واقفيّين وإن كان الأوّل ممدوحا (18) والثاني موثّقا ، (19) منجبر بعمل الأصحاب . وعن ابن الجنيد أنّه قال بالجواز ، وأنّه في النافلة يسجد في موضع القراءة ، وفي الفريضة يومي عند بلوغ آية السجدة ، فإذا فرع قرأها وسجد . (20) وقيل: عند بلوغها الإيماء مع ترك قراءتها مستندا بقوله : «فإذا فرغ قرأها وسجد». (21) وهذا التوجيه غير بعيد على مذهبه ، فإنّه لا يوجب قراءة السورة ، فالظاهر أنّه يجوّز التبعيض ، ولم أجد نصّا على التفصيل الّذي ذكره لو حمل على ظاهره . نعم ، روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد ، كيف يصنع؟ قال : «يقدّم غيره فيتشهّد ويسجد وينصرف هو وقد تمّت صلاتهم». (22) ولا يبعد حمل الإمام فيها على إمام من أهل الخلاف ، فيكون المأموم مصلّيا لنفسه قارئا في نفسه . وفي خبره الآخر : أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة والنجم ، أيركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : «يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ويركع ، ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» . (23) ولا يبعد حملها على جاهل المسألة وكونه معذورا ، كما يشعر به آخر الخبر . ومن جوّز الاقتصار على بعض السورة أو الزيادة عليها فالظاهر جواز قراءتها عندهم إلى آية السجدة وتركها بلا بدل ، أو الرجوع إلى سورة اُخرى . وقد وردا في موثّق عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يسمع السجدة في الساعة الّتي لا يستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر ، فقال : «لا يسجد» ، وعن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ، فقال : «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها ، وإن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع الّتي فيها السجدة وفيرجع إلى غيرها»، وعن الرجل يصلّي مع قوم لا يقتدى بهم فيصلّي لنفسه، وربّما قرأوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها ، فكيف يصنع؟ قال : «لا يسجد». (24) وأمّا النافلة فيجوز قراءة تلك العزائم فيها ، ويسجد لها في محلّه . ويدلّ عليه بعض ما تقدّم من الأخبار ، وخصّ بها عموم ما رواه المصنّف في الحسن عن الحلبيّ، (25) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهم السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع ويسجد ، قال : «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» . (26) وعن وهب بن وهب، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام أنّه قال : «إذا كان آخر السورة السجدة أجزاك أن تركع بها» . (27) ويؤيّدها أصالة الجواز من غير نصّ على المنع. قوله في خبر سماعة عن أبي بصير : (إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام) إلخ . [ح 4 /5010] لعلّ المراد بذلك الإمام الّذي لا يعدّ بعض العزائم عزائم ، ولا يوجب السجود لآية سجدتها ، ويقرأ هذا العزيمة ، وقد سبق أنّ بعضهم لا يوجبون سجدة النجم واقرأ باسم ربّك ، وإلاّ فهم يوجبون السجود الواجب في محلّه ، ولا يجيزون تأخيره إلى الفراغ من الصلاة ، وهذا التأويل لابدّ منه في خبري سماعة وعمّار المتقدّمين. قوله في حسنة الحلبيّ : (ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمّ يركع) .[ ح 5 / 5011] لعلّ إعادة الفاتحة من باب الندب ؛ ليكون الركوع عن قراءة.

.


1- . الخلاف ، ج 2 ، ص 427 ، المسألة 176 .
2- . فتح العزيز ، ج 4 ، ص 185 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 652 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 778 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 58 و 61 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 235 ؛ عمدة القاري ، ج 7 ، ص 95 .
3- . الخلاف، ج 1، ص 427 _ 428، المسألة 176. وانظر: فتح العزيز، ج 4 ، ص 185 ؛ المجموع، ج 4 ، ص 59 _ 60 ؛ بدائع الصنائع، ج 1، ص 193؛ المغني، ج1، ص 648 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 787؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 179.
4- . السرائر ، ج 1 ، ص 226 .
5- . هما ح 2 و 4 من هذا الباب من الكافي .
6- . الحديث الثالث من باب الحائض والنفساء تقرآن القرآن . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 129 ، ح 353 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 115 ، ح 385 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 340 ، ح 2308 .
7- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
8- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 216 .
9- . جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 319 .
10- . النهاية ، ص 25 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 292 ، ح 1172 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 320 ، ح 1193 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 341 ، ح 2311 .
12- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 170 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 293 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 245 ، ح 785 .
14- . هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
15- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 292 ، ح 1174 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 320 ، ح 1191 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 102 ، ح 7455 .
16- . في رجال ابن داود ، ص 153 ، الرقم 1214 : « ... كان وزير أبي جعفر المنصور ، ممدوح» . وغيره لم يذكر فيه ذلك واكتفوا بترجمته .
17- . اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 635 ، الرقم 639 ؛ الفهرست ، ص 173 ، الرقم 461 .
18- . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 300 ، الرقم 817 ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 860 ، ح 1117 .
19- . رجال النجاشي ، ص 193 ، الرقم 517 .
20- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 175 .
21- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 353 .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 293 ، ح 1178 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 106 ، ح 7464 .
23- . قرب الإسناد ، ص 202 ، ح 776 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 106 ، ح 7463 .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 293 ، ح 1177 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 105 _ 106 ، ح 7462 ، وص 243 ، ح 7845 .
25- . هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 292 _ 293 ، ح 1176 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 104 ، ح 7459 .
27- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 292 ، ح 1173 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 319 ، ح 1190 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 102 ، ح 7456 .

ص: 74

. .

ص: 75

. .

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

باب القراءة في الركعتين الأخيرتين والتسبيح فيهما

باب القراءة في الركعتين الأخيرتين والتسبيح فيهماأجمع أهل العلم على عدم وجوب قراءة سورة زائدة على الحمد في الثالثة من المغرب وفي الأخيرتين من الرباعيّات ، وعلى عدم استحبابها أيضا ، إلّا ما نقل في العزيز عن الشافعيّ من أنّه استحبّ في الجديد أقصر سورة محتجّا بما روى عن أبي سعيد الخدريّ: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الاُوليين في كلّ ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخيرتين قدر خمسة عشر آية، وفي العصر في الركعتين الاُوليين في كلّ ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الأخيرتين قدر نصف ذلك. (1) وأجمع الأصحاب على ما ادّعى في الذكرى (2) على تخيير المصلّي في تلك الركعات بين قراءة الحمد وحدها والتسبيح مطلقا، إماما كان أو منفردا. ويدلّ عليه _ زائدا على ما رواه المصنّف _ ما رواه الشيخ في الصحيح عن يوسف بن عقيل، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا صلّى يقرأ في الاُوليين من صلاته الظهر سرّا، ويسبّح في الاُخريين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء، وكان يقرأ في الاُوليين من صلاته العصر سرّا و يسبّح فيالاُخريين على نحو من صلاته العشاء، وكان يقول: إنّ أوّل صلاة أحدكم الركوع». (3) وفي الصحيح عن عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: «تسبّح وتحمد اللّه وتستغفر لذنبك، وإن شئت فاتحة الكتاب، فإنّها تحميد ودعاء». (4) وفي الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يجزيك التسبيح في الاُخريين»، قلت: أيّ شيء تقول أنت؟ قال: «أقرأ فاتحة الكتاب». (5) وعن محمّد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام :أيّما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: «القراءة أفضل». (6) وعن عليّ بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين، ما أصنع فيهما؟ فقال: «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فاذكر اللّه ، فهو سواء»، فقلت: أيّ ذلك أفضل؟ قال: «هما واللّه سواء، فإن شئت سبّحت، وإن شئت قرأت». (7) وفي الصحيح عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين فاتحة الكتاب، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل». (8) وفي الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للّه وسبحان اللّه ولا إله إلّا اللّه ». (9) وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات، يقول: سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، سبحان اللّه ». (10) وقد تقدّم فيما رويناه عن محمّد بن عمران، فقلت: لأيّ شيء صار التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال: «لأنّه لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما يظهر من عظمة اللّه عزّ وجلّ فدهش وقال: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر». (11) وفي الذكرى (12) : وقال ابن بابويه: قال الرضا عليه السلام : «إنّما جعلت القراءة في الركعتين الأوّلتين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرض اللّه تعالى من عنده وبين ما فرضه من عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (13) وعن فقه الرضا عليه السلام أنّه قال: «واقرأ في الركعتين الأخيرتين إن شئت الحمد وحده، وان شئت سبّحت ثلاث مرّات». (14) و روى العامّة عن عليّ عليه السلام قال: «اقرأ في الأوّلتين وسبّح في الأخيرتين». (15) وقد سبق في خبر رجاء بن أبي الضحّاك، (16) وسيأتي في بعض أخبار اُخرى. وإطلاق ما ذكر من الأخبار يقتضي التخيير ولو كان مسبوقا غير مدرك للركعتين الأوّلتين مع الإمام. ويؤكّده ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عمر بن اُذنية، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل بعض القراءة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل ما أدرك أوّل صلاته إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه باُمّ الكتاب، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنّما هو تسبيح وتحليل ودعاء ليس فيهما قراءة، وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام فقرأ ام الكتاب ثمّ قعد فتشهد، ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة». (17) واختلفوا في مقامين: الأوّل: في الأفضليّة، ثمّ في الأفضل، فظاهر الشيخ في النهاية (18) والمبسوط (19) تساويهما مطلقا، حيث حكم بالتخيير بينهما من غير تعريض لتفضيل أحدهما. وقد قيل مثل ذلك في الجمل (20) على ما نقل عنه. (21) ويدلّ عليه خبر عليّ بن حنظلة (22) المتقدّم، وذهب الصدوق إلى أنّ التسبيح أفضل مطلقا، كما سيظهر ممّا نحكيه عن الفقيه، (23) وهو منسوب إلى أبيه أيضا، (24) وسنروي كلامه. ويدلّ عليه بعض ما تقدّم من الأخبار، ومداومة الرضا عليه السلام عليه على ما سبق في خبر رجاء، (25) وما سيأتي من صحيح حريز. (26) وقال الشهيد في اللمعة: «والحمد أولى»، (27) وهو عامّ للإمام والمنفرد. ويدلّ عليه خبر معاوية بن عمّار، (28) وما رويناه من صحيحة عبد اللّه بن سنان (29) ومحمّد بن حكيم. (30) وفصّل جماعة بين الإمام والمنفرد، ففضّل الشهيد في الدروس (31) القراءة في الأوّل والتسبيح في الثاني، وفضّل الشيخ في الاستبصار (32) القراءة في الأوّل وسوّى بينهما في الثاني، وبذلك جمعا بين الأخبار تفصيلاً للقراءة للإمام؛ لدلالة ما رواه المصنّف عن معاوية بن عمّار، (33) وما رويناه من صحيحة منصور بن حازم (34) عليه. ويؤيّدهما أنّه قد يكون في المأمومين مسبوق غير مدرك للركعتين الأوّلتين مع الإمام، فلو سبّح في الأخيرتين لما أدرك القراءة أصلاً. ولهذا فصّل ابن الجنيد في الإمام أيضا، فقال _ على ما نقل عنه في المختلف _ : يستحبّ للإمام المتيقّن أنّه لم يدخل في صلاته أحد ممّن سبقه بركعة من صلاته، ولم يدخل أن يسبّح في الأخيرتين ليقرأ فيها من لم يقرأ في الاُوليين من المأمومين، وإن علم بدخوله أو لم يأمن ذلك قرأ فيهما الحمد؛ ليكون أوّل صلاة الداخل بقراءة، والمأموم يقرأ فيهما والمنفرد يجزيه أيّهما فعل. (35) والظاهر أفضليّة القراءة لمن سها عنها في الاُوليين؛ لما رواه الحسين بن حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الاُولى، قال: «اقرأ في الثانية» قلت: أسهو في الثانية، قال: «اقرأ في الثالثة»، قلت: أسهو في صلاتي كلّها، قال: «إذا حفظت الركوع والسجود تمّت صلاتك». (36) ويؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الّذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال: «لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات». (37) وإنّما حملناه على الفضل مع أنّ ظاهره الوجوب لصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوّلتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ، قال: «أتمّ الركوع و السجود؟» قلت: نعم، قال: «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها». (38) وهذا هو المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في الخلاف حيث قال: «فإن نسي القراءة في الأوّلتين قرأ في الأخيرتين»، (39) بل نسب العلّامة في المختلف إليه تعيّن القراءة حينئذٍ مستندا بعين هذه، واحتجّ عليه بما رويناه من الخبرين الأوّلين. (40) وحكى التخيير هنا أيضا عن جماعة منهم الشيخ في المبسوط (41) وابن أبي عقيل، واختاره محتجّا بصحيحة معاوية بن عمّار المذكورة. وأجاب عن خبر [حسين بن] حمّاد بأنّ طريق حديثنا _ يعنى خبر معاوية بن عمّار _ صحيح، وهذا يحتاج إلى تصحيح طريقه، ومع ذلك فنحن نقول بموجبه؛ إذ الأمر بالقراءة لا ينافي التخيير، فإنّ الواجب المخيّر مأمور به. وعن صحيحة محمّد بن مسلم بأنّه غير معمول به؛ إذ القراءة ليست ركنا، فيحمل على ترك الفاتحة عمدا. (42) والّذي يظهر ممّا ذكر من الأخبار والجمع بينها رجحان التسبيح للمنفرد ورجحان القراءة للإمام لا سيما إذا علم أنّ في المأمومين مسبوقا. لا يقال: قد ورد النهي عن القراءة في صحيحة الحلبيّ المتقدّم (43) وظاهره التحريم، وهو مطلق؛ لأنّا نحمل النهي على التنزيه مقيّدا بالمنفرد. وحمله الشيخ في الاستبصار على ظاهره معتقدا بأنّ غير القراءة لا يجوز. (44) وربّما قيل: إنّ جملة: «لا تقرأ فيها» حاليّة، والمعنى إذا قمت في الركعتين الأخيرتين وأنت غير قارّ فيهما فقل كذا وكذا. هذا، وفي تعليقات المولى المرحوم المبرور مولانا عبد اللّه الشوشتريّ قدس روحه و نور اللّه مرقده على التهذيب: والّذي يحضرني في توقيعات صاحب الأمر عليه السلام الّتي ذكرها صاحب الاحتجاج: أنّ أحاديث جواز قراءة التسبيح بدل الفاتحة منسوخة ب«لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»، وعلى هذا فالأحوط ترك النسخ. انتهى. (45) وفيه تأمّل فإنّ الأخبار المذكورة منقولة عن الأئمّة عليهم السلام ولا نسخ في عهدهم، وهو خبر واحد لا يقبل المعارضة للأخبار المتكثّرة. الثاني: في كيفيّة التسبيح وكمّيّته، فظاهر المصنّف إجزاء التسبيحات الأربع مرّة واحدة، بل تعيّنه حيث اكتفى في الباب بذكر ما يدلّ عليه، ويدلّ عليه أيضا ما رويناه عن الصدوق. لكن الخبرين ضعيفان، أمّا خبر الصدوق فلما سبق، وأمّا خبر الباب (46) فلرواية المصنّف إيّاه عن محمّد بن إسماعيل بغير واسطة، وقد مرّ مرارا أنّه البندقيّ النيشابوريّ، وهو مجهول الحال. لكن صحّحه جماعة منهم الشهيد في الذكرى، (47) والعلّامة في المختلف، (48) وهو ضعيف. وربّما احتجّ له بما نقل عن كتاب جمال الاُسبوع بإسناده الصحيح عن محمّد بن الحسن الصّفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد اللّه البرقيّ يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال له رجل: جعلت فداك، أخبرني عن قول اللّه تبارك وتعالى وما وصف من الملائكة: «يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» ثمّ قال: «إنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيما» ، كيف لا يفترون وهم يصلّون على النبيّ صلى الله عليه و آله ؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا خلق محمّدا أمر الملائكة، فقال: انقصوا من ذكري بمقدار الصلاة على محمّد، فقول الرجل صلّى اللّه على محمّد في الصلاة مثل قوله سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر». (49) وفيه تأمّل. ونقل في المختلف عن عليّ بن بابويه أنّه قال: وسبّح في الآخراوين، إماما كنت أو غير إمام، تقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه _ ثلاثا_. (50) ولعلّه أراد ثلاث تسبيحات بأن يقول المذكور مرّة واحدة بقرينة أنّه احتجّ عليه _ على ما نقل عنه _ بما رواه محمّد بن حمران، عن الصادق عليه السلام قال: «وصارالتسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه عزّوجلّ، فدهش وقال: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه ، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة». (51) فلا يرد عليه ما أورده فيه بقوله: وليس فيه دلالة ناصّة على المراد؛ إذ لم ينصّ فيه على التسع. نعم، يردّ عليه أنّ الخبر على ما رويناه آنفا مشتمل على التكبير أيضا، فيكون دليلاً على الأربع وسنشير إليه. وحكى فيه (52) عن أبي الصلاح أنّه أوجب تسع تسبيحات. (53) ويدلّ عليه ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا، إماما كنت أو غير إمام» قلت: فما أقول فيهما؟ فقال: «إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه ثلاث مرّات تكملة تسع تسبيحات، ثمّ تكبّر وتركع». (54) وما رواه في الذكرى عن حريز، عن زرارة، عن الباقر عليه السلام قال: إن كنت إماما فقل: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه ثلاث مرّات، ثمّ تكبّر وتركع». (55) ورواه ابن إدريس أيضا في السرائر (56) في الصحيح في كتاب الصلاة، وذهب الشيخ في المبسوط (57) إلى وجوب عشر تسبيحات، وهو منقول في المختلف (58) عن جمله (59) أيضا، وعن سلّار (60) وابن البرّاج، (61) وهو ظاهر ابن إدريس. (62) ويجزي المستعجل أربع وغيره عشرة. ويدلّ عليه حسنة حريز على ما رويت في باب نوادر الكتاب من السرائر. (63) وقال المفيد في المقنعة: والتسبيح فيهما أن تسبّح بعشر تسبيحات، تقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه ، ثمّ تعيدها ثانية و ثالثة، وتقول في آخر التسبيح الثالث: واللّه أكبر وتركع بها، وإن سبّح أربع تسبيحات في كلّ ركعة منهما فقال: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر أجزاه ذلك، ثمّ تركع بالتكبير. (64) وبذلك جمع بين الأخبار، وظاهره التخيير بين التسع والأربع وأنّ الواحدة من العشر المذكور للركوع. وقال الشيخ في النهاية: ويقول سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ثلاث مرّات». (65) فقد أوجب اثنتى عشر تسبيحة، ورجّحه الشهيد في الذكرى، (66) وحكاه فيه (67) والعلّامة في المختلف (68) عن الاقتصاد، (69) وإليه ذهب الصدوق في الفقيه على ما في أكثر نسخه المصحّحة، حيث قال: وقل في الركعتين الأخيرتين إماما كنت أو غير إمام: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ثلاث مرّات، وإن شئت قرأت في كلّ ركعة منهما الحمد، إلّا أنّ التسبيح أفضل. (70) ويدلّ عليه ما نقل عن فقه الرضا عليه السلام أنّه قال: «تقرأ فاتحة الكتاب وسورة في الركعتين الأوّلتين وفي الركعتين الاُخراوين الحمد وحده، وإلّا فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا، تقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر تقولها في كلّ منهما ثلاث مرّات». (71) وما تقدّم في خبر رجاء من قوله: وكان عليه السلام يسبّح في الاُخراوين، يقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ثلاث مرّات، (72) وهذا الخبر و إن كان ضعيفا جدّا _ فإنّه مرويّ عن تميم بن عبد اللّه عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ عنه ولم يتعرّض لذكر تميم أكثر أرباب الرجال، وضعّفه العلّامة في الخلاصة (73) على ما نقل عنه، وأحمد بن عليّ هذا هو أحمد بن عليّ بن مهدي بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمّد بن عليّ الرقيّ الأنصاريّ، ورجاء بن أبي الضحّاك غير مذكور في كتب الرجال الّتي رأيناها _ ولكن عمل بمضمونه الأكثر، منهم الصدوق وحكم بصحّته، وفي شرح الفقيه (74) حكم الصدوق بصحّة الخبر مع أنّ رجاء كان شرّ خلق اللّه والساعي في قتله صلوات اللّه عليه، فيمكن ان يكون ورد إليه من طريق اُخرى صحيحة ما يؤيّده واعتمد عليه. لكن الظاهر أنّه كان عنده ثقة واعتمد عليه كما في سائر الموثّقين. وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال: السنّة في الأواخر التسبيح، وهو أن يقول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر سبعا أو خمسا، وأدناه ثلاثا في كلّ ركعة. (75) ولم أجد مستندا له، وكأنّه حمل التسبيح هنا على التسبيح في الركوع والسجود، فتأمّل. وقد ظهر ممّا ذكر أنّ أظهر الأقوال التسع؛ لصحّة خبرها وصراحة متنه فيها. وأمّا خبر العشر فهو أيضا وإن كان صحيحا إلّا أنّ اختلاف متنه بسند واحد يوجب ضعف العمل به، ولكن لمّا كان كلّ من التسبيحات الأربع ذكرا مطلوبا في الصلاة _ لا سيّما وقد صحّ التسبيح المطلق من أخبار متعدّدة قد سبقت، بل وقع التصريح في خبر أبي بصير (76) المتقدّم بإجزاء «سبحان اللّه » ثلثا _ جاز العمل بكلّ من هذه. وقال الشهيد في اللمعة: «ويجزي في غيرهما _ يعنى غير الاُوليين _ الحمد وحدها أو التسبيح أربعا أو تسعا أو عشرا». (77) وفي شرحها: «وجه الاجتزاء بالجميع ورود النصّ الصحيح بها». (78) ولعلّه أراد بالنصّ الصحيح ما ذكرناه من ورود النصّ الصحيح بالتسبيحة المطلقة بحيث يشمل كلاً من تلك الأفراد، وإلّا فقد عرفت حال سند مستند أكثرها، فتدبّر.

.


1- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 355 . والحديث رواه أحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 85 ؛ ومسلم في صحيحه ، ج 2 ، ص 37 _ 38 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 64 .
2- . اُنظر : الذكرى ، ج 4 ، ص 457 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 97 ، ح 362 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 125 ، ح 7517 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 98 ، ح 368 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 321 ، ح 1199 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 107 _ 108 ، ح 7467 .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 35 ، ح 124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 126 ، ح 7520 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 98 _ 99 ، ح 370 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 322 ، ح 1201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 125 _ 126 ، ح 7518 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 98 ، ح 369 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 108 ، ح 7469 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 99 ، ح 371 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 322 ، ح 1202 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 126 ، ح 7519 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 99 ، ح 372 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 322 ، ح 1203 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 124 _ 125 ، ح 7515 ، وفي الجميع : «اللّه أكبر» بدل : «لا إله إلّا اللّه » .
10- . الفقيه ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 109 ، ح 7473 .
11- . الفقيه ، ج 1 ، ص 309 ، ح 924 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 123 ، ح 7511 .
12- . الذكرى ، ج 3 ، ص 357 .
13- . الفقيه ، ج 1 ، ص 308 ، ح 923 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 38 ، ح 283، و ص 124 ، ح 77512 .
14- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 108 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 4 ، ص 202 ، ح 4492 .
15- . المعتبر ، ص 165 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 124 ، ح 7513 .
16- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 110 ، ح 7474 .
17- . الفقيه ، ج 1 ، ص 393 ، ح 1163 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1683 ؛ و تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 45 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 388 ، ح 10977 .
18- . النهاية، ص 76.
19- . المبسوط ، ج 1 ، ص 106 .
20- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 181) .
21- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 146 .
22- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 108 ، ح 7469 .
23- . الفقيه ، ج 1 ، ص 309 ، ح 924 .
24- . حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 148 .
25- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 110 ، ح 7474 .
26- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 109 ، ح 7471 .
27- . اللمعة الدمشقية ، ص 29 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 598 .
28- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
29- . وسائل الشيعة، ج 6، ص 126، ح 7520.
30- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 125 ، ح 7518 .
31- . الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 175 ، الدرس 41 .
32- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 322 ، باب التخيير بين القراءة والمتسبيح بين الركعتين الأخيرتين .
33- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
34- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 126 ، ح 7519 .
35- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 148 _ 149 .
36- . الفقيه ، ج 1، ص 344 _ 345 ، ح 1004 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 148 ، ح 579 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 355 ، ح 1342 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 93 ، ح 7430 .
37- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 146 ، ح 573 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1339 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 37 ، ح 7280 و ص 88 ، ح 7417 .
38- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 146 ، ح 571 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1337 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 92 ، ح 7428 .
39- . الخلاف ، ج 1 ، ص 341 ، المسألة 93 .
40- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 149 _ 150 ، فإنّه حكى عن المبسوط بعد القول بأولويّة القراءة فيما إذا نسي القرآن في الأوّلتين : «وقد روي أنّه إذا نسي في الأوّلتين القراءة تعيّن في الأخيرتين» . وكلامه هذا في المبسوط ، ج 1 ، ص 149 .
41- . المبسوط ، ج 1 ، ص 149 .
42- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 151 .
43- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 124 _ 125 ، ح 7515 .
44- . الاستبصار ، ج 1، ص 322 ، ح 1203 .
45- . لم أعثر عليه ، والظاهر الحاشية على التهذيب للمولى عبد اللّه بن حسين التستري الاصفهاني المتوفّي في 16 من المحرّم 1021 ، قال في الرياض : أنّها مفيدة ، وينقل عنه المحدّث الجزائري في شرحه للتهذيب . الذريعة ، ج 6 ، ص 51 ، الرقم 255 .
46- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
47- . الذكرى ، ج 3 ، ص 314 .
48- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 147 .
49- . جمال الاُسبوع ، ج 2 ، ص 146 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 5 ، ص 329 ، ح 6012 .
50- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 146. وهذا الكلام مذكور في الهداية ، ص 135 ولم ينسبه إلى والده .
51- . الفقيه ، ج 1، ص 309 ، ح 924 .
52- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 146 .
53- . الكافي في الفقه ، ص 117 .
54- . الفقيه ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 122 _ 123 ، ح 7509 .
55- . الذكرى ، ج 3 ، ص 314 .
56- . السرائر ، ج 1 ، ص 219 .
57- . المبسوط ، ج 1 ، ص 106 .
58- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 146 .
59- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 181) .
60- . المراسم العلويّة ، ص 72 .
61- . المهذّب ، ج 1 ، ص 94 _ 95 ، وفيه : «أو يسبّح ثلاث تسبيحات يقول في كلّ واحدة منها: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر» .
62- . السرائر ، ج 1 ، ص 222 .
63- . اُنظر : السرائر ، ج 1 ، ص 222 .
64- . المقنعة ، ص 113 .
65- . النهاية ، ص 76 .
66- . الذكرى ، ج 3 ، ص 315 .
67- . الذكرى ، ج 3 ، ص 314 .
68- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 145 .
69- . الاقتصاد ، ص 261 .
70- . الفقيه ، ج 1 ، ص 319 ، بعد الحديث 944 .
71- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 105 .
72- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 110 ، ح 7474 .
73- . خلاصة الأقوال ، ص 329 . وضعّفه أيضا ابن الغضائري في رجاله ، ص 45 ، الرقم 21 .
74- . روضة المتّقين ، ج 2 ، ص 295 .
75- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 145 .
76- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 109 ، ح 7473 .
77- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 29 .
78- . شرح اللمعة ، ج 1، ص 595 .

ص: 79

. .

ص: 80

. .

ص: 81

. .

ص: 82

. .

ص: 83

. .

ص: 84

. .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

باب الركوع وما يقال فيه من التسبيح والدعاء وإذا رفع الرأس منه

باب الركوع وما يقال فيه من التسبيح والدعاء وإذا رفع الرأس منهالركوع لغة: الانحناء والانخفاض، قال الشاعر (1) : لا تهن الكريم (2) علّك أنتركع يوما والدّهر قد رفعه (3) وشرعا: انحناء خاصّ بقصد الخضوع والخشوع والتواضع للّه عزّوجلّ. ووجوب الركوع وكذا السجود في الصلوات مجمع عليه بين أهل العلم، بل هو من ضروريّات الدين المبين، والأخبار فيه متظافرة من الطريقين. وربّما استدلّ له بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا» (4) ؛ لدلالة الأمرين على وجوبهما، ولا وجوب لهما في غير الصلاة إجماعا، فالمراد وجوبهما فيها. واتّفق أهل العلم على كونهما ركنين في مطلق الصلوات وفي كلّ الركعات منها، (5) عدا ما ذكره الشيخ قدس سرهمن عدم ركنيّتهما في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة، ويأتي القول فيه في باب السهو فيهما. ووجب الذكر فيهما عند الأصحاب أجمع وإن اختلفوا في تفصيله كما ستعرفه في باب أدنى ما يجزي من التسبيح فيهما. ويجب الانحناء في الركوع اختيارا إلى أن يصل اليدان عين الركبتين عند أهل العلم كافّة، إلّا ما نقل عن أبي حنيفة من إجزاء مطلق الانحناء. (6) والظاهر إجزاء الانحناء إلى أن تصل رؤوس الأصابع إلى الركبتين واستحباب الزائد عليه، بحيث أمكن معه تمكّن اليدين منهما. لنا: ما رواه المصنّف من صحيحة زرارة وحسنته عن أبي جعفر عليه السلام . (7) وما رواه الشيخ في الصحيح، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «مكّن راحتيك من ركبتيك». (8) و في الحسن عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام لمّا علّمه الصلاة: ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه. (9) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار وابن مسلم والحلبيّ قالوا: «وبلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحبّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك». (10) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام : «وتمكّن راحتيك من ركبتيك، تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، وبلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، فإذا وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك واُحبّ إلى أن تمكّن كفّيك من ركبتيك، فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرّج بينها». (11) وادّعى العلّامة في المنتهى (12) إجماع أهل العلم على استحباب وضع اليدين على الركبتين، إلّا ما نقله عن ابن مسعود من أنّه كان إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه محتجّا بما رواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كان يفعل كذلك. (13) وقال: والجواب عنه: أنّ ما قلناه أكثر رواة، ولو صحّ فهو منسوخ، وروى مصعب بن سعد بن أبي وقّاص، قال: صلّيت إلى جنب أبي فطبّقت يدى وجعلتهما بين ركبتي، فضرب أبي في يديّ، فلمّا انصرف قال: يا بنيّ، إنّا كنّا نفعل ذلك فاُمرنا أن نضرب بالأكفّ على الركب. (14) هذا في حال الاختيار، وأمّا في حال العذر والاضطرار فإنّما يجب الانحناء مهما أمكن؛ لما ذكر في المنتهى (15) من أنّ الزيادة عليه يستلزم تكليف ما لا يطاق. ووجوب الإتيان بالمقدور لا يسقط الزائد. ولو لم يتمكّن منه رأسا أومأ بالرأس ثمّ بالعين. وكذا في السجود إلّا أنّه فيه لو أمكن رفع ما يسجد عليه وجب؛ لما رواه إبراهيم الكرخيّ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود، فقال: «ليؤمِ برأسه إيماء، وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤمِ برأسه نحو القبلة إيماء». (16) ولصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن المريض، فقال: «يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه، هو أفضل من الإيماء»، (17) الحديث، ويأتي تتمّته. والطمأنينة في الركوع والسجود بقدر الذكر الواجب واجبة عند الأصحاب، بل عدّها الشيخ في الخلاف (18) ركنا، ونسب ركنيّتها إلى الشافعيّ، ونقل فيه عن أبي حنيفة عدم وجوبها. (19) وفي الذكرى: وكان الشيخ يقصر الركن فيها على استقرار الأعضاء وسكونها، والحديث دالّ عليه، ولأنّ مسمّى الركوع لا يتحقّق يقينا إلّا به، أمّا الزيادة الّتي يوازي الذكر الواجب، فلا إشكال في عدم ركنيّتها. (20) وحينئذ يرتفع الخلاف من البين. قوله في صحيحة حريز: (سبحان ربّي العظيم وبحمده) إلخ. [ح1/ 5015] قال طاب ثراه: قال بعض المتأخّرين من علمائنا: سبحان: مصدر سبّح بمعنى نزّه، ولا يكاد يستعمل إلّا مضافا منصوبا بفعل مضمر، فمعنى سبحان ربّي: اُنزّهه تنزيها عمّا لا يليق بجناب قدسه وعزّ جلاله، والإضافة إلى المفعول. وربّما جوّز كونه مضافا إلى الفاعل بمعنى التنزّه. وقال بعض العامّة: السبحان والتسبيح مصدرا سبّح بمعنى نزّه. وقال بعضهم: سبحان من سبّح في الأرض، إذا ذهب فيها وأبعد، والمصدر منه سبّح وسباح كفلّس وكتاب. وسبحان على هذا القول يحتمل أن يكون جمع سباح، كحسبان في جمع حساب، أو جمع سبيح صيغة مبالغة، كقضبان جمع قضيب، ومعناه على هذا التعجّب من كمال التنزّه كقول الأعشى: سبحان من علقمة الفاخريقول العجب منه إذ يفخر وقال بعض المتأخّرين منا: الواو في قوله وبحمده حاليّة، والتقدير: وأنا متلبّس بحمده على التوفيق لتنزيهه والتأهيل لعبادته، كأنّه لما أسند التنزيه إلى نفسه أوهم ذلك تبجّحا وفرحا، فعقّبه بذلك؛ ليزول ذلك الوهم على قياس ما قيل في «وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ» . وقال بعض العامّة: معنى وبحمده، أي بهدايته لي، سبّحته لا بحولى وقوّتي، وهو راجع إلى ما ذكر، لا أنّ الحمد مفسّر بالهداية. (21) انتهى وقوله: «وأنت منتصب» جملة حالية، والأصل تقديمه على قوله: «سمع اللّه » أو تأخيره عن «الحمد للّه ربّ العالمين»، وتوسيطه بينهما للتنبيه على جواز انفكاك أحدهما عن الآخر. وفي المدارك: «فيه ردّ على ابن زهرة (22) وأبي الصلاح (23) حيث ذهبا إلى أنّه يقول: «سمع اللّه لمن حمده» في حال ارتفاعه من الركوع (24) ». والكبرياء: غاية العظمة، (25) والظاهر أنّه عطف على الجبروت والعظمة؛ رفع بالابتداء وللّه خبره. ولعلّ الأمر بالجهر في قوله: «وتجهر بها صلاتك» مختصّ بالإمام والمنفرد، وإلّا فالمأموم يستحبّ له خفض الصوت في جميع الأذكار؛ لئلّا يخلّط على الإمام وغيره من المأمومين. ويدلّ عليه الخبر الآتي. وقوله: «ثمّ ترفع يديك بالتكبير» يدلّ على اعتبار مقارنة الرفع للتكبير كما دلّ عليه الأخبار وصرّح به بعض العلماء الأخيار، والأفضل وقوع التكبير في حال الانتصاب ولو قارنه للهوي إلى السجود جاز، ولكنّه ترك الفضل. قوله في خبر جميل: (ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال: سمع اللّه لمن حمده؟ قال: «يقول الحمد للّه ربّ العالمين») . [ح2 / 5016] قال طاب ثراه: التسميع مستحبّ على الإمام والمأموم والمنفرد عند علمائنا أجمع، (26) ودلّت عليه ظواهر النصوص، ولكن المأموم إذا قال عند تسيمع الإمام: الحمد للّه ربّ العالمين أجزأه؛ لهذا الخبر. وكذا لو قال: ربّنا لك الحمد؛ لخبر محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام . (27) ونسب العلّامة أيضا في المنتهى استحباب التسميع على الإمام والمأموم والمنفرد إلى علمائنا أجمع وإلى الشافعيّ وأبي يوسف وأحد قولي أحمد وإلى محمّد وابن سيرين وابن بردة، وحكي عن إسحاق وقول لأحمد وجوبه؛ لقوله عليه السلام : «لا تتمّ صلاة أحدكم _ إلى قوله _ ثمّ يقول سمع اللّه لمن حمده». وأجاب عنه بأن المراد بذلك لا تتمّ صلاته بأجمعها الشاملة للواجب والندب، وقد روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه لم يقله في صلاته، إلّا أنّ أحمد إنّما قال بالقولين في غير المأموم، وعن ابن مسعود وابن عمر ومالك وأبي حنيفة وأحمد والثعلبيّ: أنّه لا يسوغ للمأموم ذلك، ثمّ قال: ويستحبّ الدعاء بعد التسميع بأن يقول: الحمد للّه ربّ العالمين، أهل الجبروت والكبرياء، والعظمة للّه ربّ العالمين، سواء كان إماما أو مأموما وهو فتوى علمائنا، وقال الشافعيّ: يقول بعد التسميع: ربّنا لك الحمد، إماما كان أو مأموما. وقال أبو حنيفة يقولها المأموم خاصّة دون الإمام والمنفرد. وفي وجوبها عند أحمد ولان.. (28) وقال طاب ثراه: قال الشيخ: لو قال: ربّنا ولك الحمد يفسد صلاة. واختلوا في الواو فأسقطها الشافعيّ؛ لأنّها للعطف ولا شيء يعطف عليه هنا. (29) وقال بعض الأفاضل: «وهو حقّ؛ لأنّ الواو قد تزاد لغة، (30) ثمّ قال: «معنى «سمع اللّه لمن حمده» أجاب دعاء [من] حمده (31) ». وقيل: إنّه حثّ على الأمر على ما قلناه بتأكّد الواو؛ لأنّ «ربّنا» جواب له بمعنى ربّنا استجب لنا ولك الحمد. وعلى ما قيل فالوجه إسقاط الواو؛ لأنّه امتثال على ما حثّ عليه. وفي المدارك: وهذه الكلمة محتملة بحسب اللفظ الدعاء والثناء، وفي رواية المفضل (32) عن الصادق عليه السلام تصريح بكونها دعاء، فإنّه قال له: جعلت فداك، علّمني دعاء جامعا، فقال لي: «أحمد اللّه فإنّه لا يبقى أحد يصلّي إلّا دعا لك يقول: سمع اللّه لمن حمده» (33) . (34) قوله في صحيحة أبي بصير: (من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له) . [ح4 / 5018] قال طاب ثراه: إقامة الصلب واجبة في حال النيّة وتكبيرة الافتتاح والقراءة وبعد الرفع من الركوع وبين السجدتين وفي حال التشهّد، والنصّ شامل لجميعها. وقوله: «فلا صلاة له» محمول على نفي الحقيقة؛ إذ إقامة الصلب معتبره في حقيقة الصلاة شرعا، فينتفي بانتفائها. قوله: (إذا رفعت رأسك من الركوع فاقم صلبك) [ح6 / 5020] يدلّ على وجوب الطمأنينة في رفع الرأس من الركوع، فإنّ إقامة الصلب بمعنى أن يرجع كلّ عضو إلى مستقرّه، ولا حدّ لهذه الطمأنينة سوى هذا الاستقرار كما صرّح به في الذكرى. (35) ومثلها الانتصاب المذكور في صحيحة حمّاد. (36) والمشهور بين الأصحاب أنّ ذلك الرفع وهذه الطمأنينة ليسا ركنين، وهو محكي عن أبي يوسف، (37) وذهب الشيخ في الخلاف (38) إلى ركنيّتهما محتجّا بإجماع الفرقة، وصحيحة حمّاد وبالخبر الّذي تضمّن تعليم النبيّ صلى الله عليه و آله الصلاة للّذي دخل المسجد، حيث قال: «ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما»، (39) وبطريقة الاحتياط. وفيه: أنّ الخبرين إنّما يدلّان على الوجوب لا الركنيّة، والاحتياط معنى آخر. وعن أبي حنيفة أنّ ذلك الرفع ليس واجبا أصلاً. (40) وهذا الخلاف بعينه جارٍ في رفع الرأس من السجدة الاُولى إلى أن يجلس مستويا، والاطمينان في الجلوس، والمشهور وجوبهما وعدم كونهما ركنين. وعدّهما في الخلاف ركنين محتجّا بنحو ممّا ذكر من الإجماع، والخبر الدالّ على وجوبهما من طرقنا، وبالخبر المشار إليه في تعليم النبيّ صلى الله عليه و آله حيث قال: «ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا»، (41) وحكاه عن الشافعيّ، وحكى عن أبي حنيفة أنّه إنّما يجب القدر الّذي يصدق عليه اسم الرفع. ولو رفع رأسه مقدار ما يدخل السيف بين وجهه وبين الأرض أجزاه، قال: وربّما نقلوا عنه أنّ الرفع لا يجب أصلاً، فلو سجد ولم يرفع رأسه حتّى حفر تحت جبهته حفرة فحطّ جبهته إليها أجزاه. (42)

.


1- . هو الأضبط بن قريع السعدي، على ما في شرح الشافية لابن الحاجب ، ج 4 ، ص 160 .
2- . كذا بالأصل ، وفي سائر المصادر : «لاتهين الفقير» .
3- . اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 191 ؛ منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 113 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 396 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 18 ؛ لسان العرب ، ج 5 ، ص 133 (ركع) ؛ صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 1222 ؛ كنز العرفان ، ج 1 ، ص 124 .
4- . الحجّ (22) : 77 .
5- . اُنظر: المبسوط ، ج 1 ، ص 109 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 67 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 240 ؛ مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 367 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 275 ؛ الاستذكار ، ج 2 ، ص 316 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 18 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 96 .
6- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 281 ، وفي ط الحديثة ، ج 5 ، ص 114 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 165 ، المسألة 247 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 373 .
7- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 77 _ 78 ، ح 289 ، وص 83 ، ح 308 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 295 _ 296 ، ح 8008 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 81 ، ح 301 ، وهذا الحديث الثامن من باب افتتاح الصلاة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 460 ، ح 7077 .
10- . المعتبر ، ج 2 ، ص 193 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 35 ، ح 8116 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 83 _ 84 ، ح 308 ، وهذا هو الحديث الأوّل من باب القيام والقعود في الصلاة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 295 _ 296 ، ح 8008 .
12- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 285 ، وفي ط الحديثة ، ج 5 ، ص 134 .
13- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 174 ، ح 747 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 78 _ 79 ؛معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 564 ، ح 799 ؛ كنز العمّال ، ج 8 ، ص 123 ، ح 22203 .
14- . صحيح مسلم ، ج 2، ص 69 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 215 ، ح 621 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 83 .
15- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 115 .
16- . الفقيه ، ج 1 ، ص 365 _ 366 ، ح 1052 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 307 ، ح 951 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 484 ، ح 7123 ؛ وج 6 ، ص 375 ، ح 8221 .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 311 ، ح 1264 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 364 ، ح 5803 .
18- . الخلاف ، ج 1 ، ص 348 ، المسألة 98 .
19- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 368 _ 369 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 408 _ 409 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 541 . وحكي في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 162 عن أبي حنيفة وجوبها .
20- . الذكرى ، ج 3 ، ص 367 .
21- . لم أعثر عليه ، وانظر : عمدة القاري ، ج 23 ، ص 25 ؛ شرح اُصول الكافي للمولى صالح ، ج 10 ، ص 463 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 1 ، ص 226 ؛ بحار الأنوار ، ج 81 ، ص 191 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 393 _ 394 .
22- . الكافي في الفقه ، ص 142 .
23- . الغنية ، ص 84 .
24- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 398 _ 399 .
25- . النهاية ، ج 4 ، ص 140 (كبر) .
26- . اُنظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 346 ، المسألة 95 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 111 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 224 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 180 ، المسألة 255 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 398 .
27- . الذكرى ، ج 3 ، ص 378 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 216 ؛ روض الجنان ، ص 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 322 ، ح 8087 .
28- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 286 ، و في ط الحديثة ، ج 5 ، ص 137 _ 139 . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 550 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 550 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 419 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 404 _ 406 .
29- . المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 1 ، ص 549 .
30- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 292 .
31- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 121 .
32- . في الأصل : «الفضل» والتصويب من المصدر .
33- . الكافي ، ج 2 ، ص 503 ، كتاب الدعاء ، باب التحميد والتمجيد ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 322 ، ح 8085 .
34- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 399 .
35- . الذكرى ، ج 3 ، ص 370 .
36- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 459 ، ح 7077 .
37- . اُنظر : بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 105 ؛ البحر الرائق ، ج 1 ، ص 523 ؛ عمدة القاري ، ج 4 ، ص 122 ، وج 6 ، ص 65 .
38- . الخلاف ، ج 1 ، ص 351 ، المسألة 102 .
39- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 437 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 184 و 192 ؛ وج 7 ، ص 226 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 196 ، ح 856 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 186 _ 187 ، ح 302 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 220 ، ح 640 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 37 و 62 و 122 و 126 .
40- . فتح العزيز ، ج 3 ، ص 402 ؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة ، ج 1 ، ص 547 .
41- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 437 ، وسائر المصادر المتقدّمة آنفا .
42- . الخلاف ، ج 1 ، ص 360 ، المسألة 117 . وانظر : فتح العزيز ، ج 3 ، ص 477 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 440 .

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

. .

ص: 95

. .

ص: 96

. .

ص: 97

باب السجود والتسبيح والدعاء فيه في الفرائض

باب السجود والتسبيح والدعاء فيه في الفرائض والنوافل وما يقال بين السجدينفي المنتهى: «السجود في اللغة: الخضوع والانحناء، وفي الشرع: عبارة عن وضع الجبهة على الأرض». (1) والخضوع والمطأطأة، (2) يقال: سجدت النخلة، إذا مالت، وسجدت الناقة: طاطات رأسها. (3) وقيل: إنّما السجود هو الخضوع واستعمل في الثلاثة الباقية مجازا؛ لأنّها لازمة للخضوع، ورجّح هذا بأن المجاز خير من الاشتراك عند التعارض. وقال بعض المحقّقين: إنّه حقيقة لغوية في الجميع؛ لصدق الخضوع والانحناء عليها، والأقوال جارية في جميع الألفاظ المستعملة في الشرع في غير المعنى اللغوي ظاهرا. قوله في حسنة الحلبيّ: (وأجرني) [ح1/ 5024] قال طاب ثراه: ويحتمل أن يكون هذا أمرا من الأجر، تقول: آجر[ه] اللّه يأجُره ويأجِره من باب طلب وضرب، وأن يكون أمرا من الإيجار، يقال: آجره اللّه إيجارا وهما بمعنى أعطاه أجر عمله، وأن يكون أمرا من إلاجارة، تقول: أجاره اللّه من العذاب، أي أنقذه منه، فهمزته على الأوّل همزة وصل والجيم مضمومة أو مكسورة، وعلى الأخيرين همزة قطع، لكن على الثاني ممدودة كهمزة آمن، وعلى الثالث مفتوحة كما في أقم، فإنّه مأخوذ من تأجور فعل به ما فعل بتأقوم . قوله في خبر حفص: (يتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر) . [ح2 / 5025] في نهاية ابن الأثير (4) : التخوية: هي إلقاء الخواء بين الأعضاء بأن يفرّق الفخذين بين الساقين، وبين البطن والفخذين، وبين الجنبين والعضدين، وبين العضدين والساعدين، وبين الركبتين والمرفقين، وبين الرجلين. وهذا مختصّ بالرجال كما يستفاد من الأخبار، وستأتي. قوله في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء: (إلّا بدّلت سيّئاتي حسنات) [ح4 / 5027 ]مستثنى عن مقدّر تقديره أسألك بحقّ حبيبك محمّد صلى الله عليه و آله وما أسألك شيئا إلّا أن تبدّل سيّئاتي حسنات، وكذا نظائره. وفي القاموس: «سفع السموم وجهه: لفحه لفحا يسيرا». (5) وفيه: لفحة: أحرقه. (6) ونسبته عليه السلام السيّئة والذنب إلى نفسه المقدّسة من باب التواضع للّه عزّ وجلّ، أو مبني على ما ثبت من قولهم عليهم السلام : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين». (7) وقيل: هو من باب التعليم. قوله في خبر عبد اللّه بن سليمان: (إنّ الصلاة على نبيّ اللّه كهيئة التكبير والتسبيح) . [ح5 / 5028] الظاهر أنّ المراد أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله تقوم مقام التكبير والتسبيح في ذكر الركوع والسجود بناء على ما هو الأصحّ من إجزاء مطلق الذكر فيهما. ويؤيّده ما رواه الشيخ عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله وأنا ساجد؟ فقال: «نعم، هو مثل سبحان اللّه واللّه أكبر». (8) ويحتمل أن يكون المراد بيان جوازها فيهما زائدا على ذكرهما، وضمير هي عائد إلى الصلاة عليه، وضمير إيّاه إليه صلى الله عليه و آله . قوله في موثّق إسحاق بن عمّار: (فسمعت لحنينه) [ح9 / 5032] بالحاء المهملة في أكثر النسخ المصحّحة، وهو من حنين الناقة وصوتها في انزاعها إلى ولدها. وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة، وهو أصوب، ففي النهاية: «أنّه كان يسمع خنينه في الصلاة، الخنين: ضرب من البكاء دون الانتحاب، وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف كالحنين من الفم». (9) وفي القاموس: «الخنين كالبكاء في الأنف والضحك في الأنف». (10) قوله في خبر عبد اللّه بن هلال: (قد فعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) . [ح11 / 5034] قال طاب ثراه: روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال في صلاته: «اللّهمّ انج الوليد بن الوليد (11) وسلمة بن هشام (12) وعياش بن أبي ربيعة (13) والمستضعفين من المؤمنين، (14) واشدد وطأتك على مضر ورعل، وذكوان». (15) وقنت أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى وعمرو بن العاص ومعاوية وأبي الأعور وأشياعهم. (16) وروي أنّه لعن الأربعة في قنوته. (17) ولا نزاع بين العامّة والخاصّة في جواز الدعاء على الكفّار واللّعن عليهم وإن انتحلوا ملّة الإسلام، وإنّما الخلاف في الدعاء على أهل المعاصي من المسلمين، ولم يحضرني الآن تصريح الأصحاب وتفاصيل أقوالهم. وأمّا العامّة فمنهم من أجاز و منهم من منع، قال المانع: إنّما يدعى لهم إلّا أن يكونوا منتهكين لحرمة الدين وأهله. وقيل: إنّما يدعى على أهل الانتهاك في حين الانتهاك، وأمّا بعده فإنّما يدعى لهم بالتوبة. (18) قوله في خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام : (أبوء إليك بالنعم) إلخ. [ح12 / 5035] في نهاية ابن الأثير: «أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، أي ألتزم وأرجع وأقرّ، وأصل البواء اللزوم (19) ». وقال طاب ثراه: قال الخطّابي: في الاستعاذات المذكورة في الحديث معنى لطيف، استعاذ من الشيء: انتهى إلى ما لا ضدّ له استعاذته منه، فقال: واعوذ بك منك. وقيل: الأولى أن لا يستعاذ به منه؛ لما في حديث المرأة الّتي استعاذت منه صلى الله عليه و آله فأبعدها عنه، بل إنّما يستعاذ به من عقوبته، فالتقدير أعوذ بك من عقوبتك، وقد سبق تأويل استغفار المعصومين عليهم السلام . والعامّة أيضا صرّحوا بأنّه يحتاج إلى التأويل، فقال عياض: قال ذلك تواضعا، وقال بعضهم: قال ذلك تعليما للاُمّة. (20) وقال القرطبي: معنى كلّ ذلك عندي أنّه ممكن أن يقع منه، ودليل الإمكان التكليف؛ لأنّ الأنبياء عليهم السلام مكلّفون؛ ولولا إمكان الوقوع ما كلّفوا، وإذا كان ممكنا فعليه الخوف، فلذلك يعدّون الممكن كالواقع، فيستعيذون منه ويستغفرون ويتوبون. قوله في خبر جعفر بن عليّ: (وألصق جؤجؤه بالأرض) [ح14 / 5037] الجؤجؤ كهُدهد: الصدر. (21) قوله في خبر عبد اللّه بن جندب: (اللّهمّ إنّي اُنشدك دم المظلوم) إلخ. [ح17 / 5040] في نهاية ابن الأثير: في الحديث: نشدتك اللّه والرّحم، أي سألتك باللّه وبالرحم، يقال: نشدتك اللّه وأنشدك اللّه وباللّه وناشدتك اللّه و باللّه ، أي سألتك وأقسمت عليك، و نشدته نشدة و نشدانا و منا شدةً، و تعديته إلى مفعولين إمّا لأنّه بمنزلة دعوت، حيث قالوا: نشدتك اللّه و باللّه ، كما قالوا دعوت زيدا و بزيد، أو لأنّهم ضمّنوه معنى: ذكرّت، فإمّا أنشدتك باللّه فخطأ. (22) و فيه أيضا: في حديث عبدالرحمن بن عوف: كان لي عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله و أي، أي و عد. و قيل: الوأي: التعريض بالعدة من غير تصريح. و قيل: هو العدة المضمونة. و أصل الوأي الوعد الّذى يوثقه الرجل على نفسه و يعزم على الوفاء به. و منه حديث وهب: «قرأت في الحكمة أنّ اللّه تعالى يقول: إنّي قد وأيت على نفسي أن أذكر من ذكرني» عدّاه بعلى؛ لأنّه أعطاه معنى جعلت على نفسي. (23) و اللام في لتظفرنّهم للتأكيد، و هي هنا بمنزلة لام جواب القسم، و تعييني المذاهب، أي تعجزني طريق النجاة. و بما رحبت، أي برحبها و سعتها، و الجهد بالضم: الوسع و الطاقة، و بالفتح المشقّة. و قيل: المبالغة و الغاية. و قيل: هما لغتان في الوسع و الطاقة، فإمّا في المشقّة و الغاية فالفتح لا غير، و يقال: جهد الرجل فهو مجهود، إذا وجد مشقّة. (24) وبلغ مجهودي، أي وصل مشقّتي غاية طاقتي. قوله في خبر محمّد بن سليمان: (تغرغر دموعه) إلخ. [ح19 / 5042] الغرغرة: ترديد الماء إلى الحلق. (25) و الأكمه: الّذى يولد أعمى. (26) و الأكنع: بالنون الأشلّ، و قد كنعت أصابعه كنعا، إذا تشنّجت و يبست. (27) او العقم بالضم: هزمة تقع في الرحم فلا يقبل الولد، عقم كفرح و نصر و كرم، و عقّمه اللّه تعقيما. (28) و «بؤت إليك بذنبي»، أي رجعت عنه و اعترفت و أقررت به فتب عليّ انّك أنت التوّاب الرّحيم. قوله: (و كان أبو جعفر عليه السلام يقول و هو ساجد: لا إله إلّا أنت حقّا حقّا) إلخ. [ح21 / 5044] حقّا نصب على المصدر لفعل مقدّر لازم الحذف، أي حقّ ذلك حقّا، والثاني تأكيد للأوّل وتعبّدا ورقّا منصوبان على العلّيّة.

.


1- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 142 .
2- . كذا بالأصل ، والظاهر أنّ الصحيح : «التطأطؤ» . اُنظر التعليق التالي .
3- . اُنظر : بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 162 ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج 1 ، ص 15 .
4- . كذا بالأصل ، وهذا سهو من القلم ؛ فإنّ هذه العبارات من نهاية الأحكام للعلّامة الحلّي ، ج 1 ، ص 492 _ 493 ، ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 195 ، المسألة 267 . لا من النهاية لابن الأثير.
5- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 38 (سفع) .
6- . اُنظر : القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 247 (لفح) .
7- . في كشف الخفاء للعجلوني ، ج 1 ، ص 357 ، ح 1137 : «هو من كلام أبي سعيد الخزّاز كما رواه ابن عساكر في ترجمته ، وهو من كبار الصوفيّة ، مات في سنة مئتين وثمانين ، وعدّه بعضهم حديثا وليس كذلك» .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 314 ، ح 1279 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 326 ، ح 8098 .
9- . النهاية ، ج 2 ، ص 85 (خنن) .
10- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 220 (خن) ، ولفظه هكذا : «والخنين كالبكاء أو الضحك في الأنف» . والمذكور هنا من صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2109 .
11- . الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي أخو خالد، شهد بدرا مع المشركين فأيسر، ثمّ فدي، ثم أسلم وحبس بمكّة، ثمّ فرّ منها إلى المدينة وشهد مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله عمرة القضيّة. اُسد الغابة، ج 5، ص 92 _ 93.
12- . سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل وابن عمّ الخالد بن الوليد ، أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ، ومنع من الهجرة إلى المدينة ، وعذّب في اللّه عزّوجلّ ، ولم يشهد بدرا لذلك ، وهاجر سلمة إلى المدينة بعد غزوة الخندق ، وشهد مؤتة وعاد منهزما ، ولم يزل بالمدينة حتّى توفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فخرج إلى الشام مجاهدا فقتل بمرج الصفر سنة أربع عشرة . وقيل : بل قتل بأجنادين في جمادي الاُولى قبل وفاة أبي بكر . اُنظر: اُسد الغابة ، ج 2 ، ص 341 .
13- . عيّاش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل لاُمّة وابن عمّه ، أسلم قديما قبل أن يدخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة ، ثمّ عاد إلى مكّه ، وهاجر إلى المدينة ، فقدم عليه أخواه لاُمّه أبو جهل والحارث إبنا هشام، فذكرا له أن اُمّه حلفت أن لايدخل رأسها دهن ولا تستظلّ حتّى تراه ، فرجع معهما فأوثقاه وحبساه بمكّه ، قتل عيّاش يوم اليرموك . وقيل: مات بمكّة . اُسد الغابة ، ج 4 ، ص 161 .
14- . في هامش الأصل : «هم كانوا اُسراء في أيدي المشركين . (منه رحمه الله) .
15- . ورد بهذا اللفظ في السرائر ، ج 1 ، ص 228 ثمّ قال : «رَعل بالراء غير المعجمة المكسورة والعين غير المعجمة المسكنة واللام ، وذكوان بالذال المعجمة ، وهما قبيلتان من بني سليم» . وأيضا بهذا اللفظ في المعتبر ، ج 2 ، ص 239 وزاد : «وأرسل عليهم سنين كسني يوسف» . والحديث في غالب المصادر ورد بغير كلمتي : «رعل وذكوان». اُنظر : مسند الشافعي ، ص 185 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 239 و 255 و 418 و 470 و 502 و 521 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 374 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 194 _ 195 ، وج 2 ، ص 15 ، و ج 3 ، ص 234 ، وج 4 ، ص 122 ، وج 5 ، ص 171 ، و ج 7 ، ص 118 و 165 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 134 _ 135 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 394 ، ح 1244 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 225 ، ح 660 .
16- . الذكرى ، ج 3 ، ص 291 ؛ أمالي الطوسي ، المجلس 43 ، ح 9 .
17- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 335 . وانظر: اُصول الستّة عشر ، ص 88 ، أصل محمّد بن المثنّى .
18- . اُنظر : عمدة القاري ، ج 7 ، ص 27 .
19- . النهاية ، ج 1 ، ص 159 (بوأ) .
20- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 6 ، ص 56 ؛ عمدة القاري ، ج 20 ، ص 23 .
21- . النهاية ، ج 1 ، ص 232 (جؤجؤ) .
22- . النهاية ، ج 5 ، ص 53 (نشد) .
23- . النهاية ، ج 5 ، ص 144 (وأي) .
24- . النهاية ، ج 1 ، ص 320 (جهد) .
25- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 102 (غرغر) .
26- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2247 (كمه) .
27- . النهاية ، ج 4 ، ص 204 (كنع) .
28- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 152 (عقم) .

ص: 98

. .

ص: 99

. .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

باب أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود وأكثره

باب أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود وأكثرهقد سبق إجماع الأصحاب على وجوب الذكر مجملاً في الركوع والسجود، واختلفوا في كيفيّته وكمّيّته على أقوال، فالأكثر على إجزاء مطلق الذكر. وبه قال الشيخ في المبسوط (1) وفي الجُمَل (2) أيضا على ما نقل عنه، ونسبه الشهيد في الذكرى (3) إلى الحليّين الأربعة: ابن إدريس (4) وسبطه يحيى (5) والفاضلين (6) رحمهم اللّه ، وهو ظاهر المحقّق في المعتبر. (7) وهو في غاية القوّة؛ لصراحة حسنة هشام بن الحكم (8) فيه، وما تقدّم في الكتاب في باب الركوع، وما يقال فيه عن هشام حيث دلّ على إجزاء التهليل بدل التسبيح. وقد ضمّ إليه في التهذيب (9) الحمد للّه بالعطف، وفي الذكرى (10) اللّه أكبر أيضا؛ ولخبر مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «لا يجزى الرجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلاً، وليس له ولا كرامة أن يقول سبح سبح سبح». (11) وذهب جماعة منهم الشهيد في الذكرى (12) إلى تعيّن التسبيح، واختلفوا في كيفيّته، وظاهر الشيخ في الخلاف وجوب التسبيحة المطلقة حيث قال: «التسبيح في الركوع والسجود واجب». (13) واحتج عليه بإجماع الفرقة، وطريقه الاحتياط، وبأنّه صلى الله عليه و آله قد سبّح فيهما بغير خلاف، وقد قال: «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي». (14) وبما رواه عقبة بن عامر، قال: فلمّا نزلت: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» (15) قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اجعلوها في ركوعكم»، فلمّا نزلت: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأْعْلَى» (16) قال: «اجعلوها في سجودكم»، (17) وقال: «هذا أمر يقتضى الوجوب». ثمّ قال: «وأقلّ ما يجزي من التسبيح فيهما تسبيحة واحدة، وثلاثا أفضل من الواحدة إلى السبع، فإنّها أفضل». (18) واحتجّ عليه بإجماع الفرقة، وبما رواه عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، قال: سألته عن الركوع والسجود، كم يجزي فيه من التسبيح؟ قال: «ثلاث، ويجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض». (19) ويدلّ أيضا عليه خبر أبي بكر الحضرميّ (20) وابن بكير، (21) وما رواه الشيخ عن القاسم بن عروة، عن هشام بن سالم، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التسبيح في الركوع والسجود، فقال: «تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، وفي السجود: سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة ثلاث، والفضل في سبع». (22) وظاهر المفيد في المقنعة وجوب ثلاث تسبيحات تامّات بضميمة وبحمده اختيارا، وإجزاء سبحان اللّه «ثلاثا للمريض والمستعجل، وواحدة في غاية الضرورة، فقد قال في باب كيفيّة الصلاة: «ويقول في ركوعه: اللّهمّ ركعت _ إلى قوله _ سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاث مرّات، وإن قالها خمسا فهو أفضل، وسبع مرّات أفضل». (23) وقال في الباب الّذي بعده مشيرا إلى العليل والمستعجل: «ويجزيهما في تسبيح الركوع أن يقولا: سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، فإن قالاهما مرّة أجزأهما ذلك مع الضرورات، وكذلك يجزيهما في تسبيح السجود». (24) وهو ظاهر ما رواه المصنّف عن أبي بكر الحضرميّ، (25) وما رواه الصدوق عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا سجد أحدكم فليباشر بكفّيه الأرض _ إلى قوله _ ثمّ يقول: سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات، فإن قلتها خمسا فهو أحسن، وإن قلتها سبعا فهو أفضل، ويجزيك ثلاث تسبيحات، تقول: سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، وتسبيحة تامّة تجزي للمريض والمستعجل»، (26) الحديث. وفي المختلف: «وأوجب أبو الصلاح (27) التسبيح ثلاث مرّات على المختار وتسبيحة على المضطرّ وإنّ أفضله سبحان ربّي العظيم، ويجوز سبحان اللّه ، وكذا أوجبه في السجود (28) ». وهو ظاهر صحيحة عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسجد، كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال: «ثلاث، وتجزيه واحدة». (29) وذهب الشيخ في التهذيب (30) إلى وجوب سبحان ربّي العظيم وبحمده، وسبحان ربّي الأعلى وبحمده مرّة، أو سبحان اللّه ثلاثا، وكأنّه قال بذلك في حال الاختيار، وذهب إليه الشهيد في اللمعة مصرّحا بذلك وبإجزاء مطلق الذكر في الاضطرار. (31) ويدلّ عليه صحيحة حريز بن عبد اللّه ، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: قلت له: ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟ فقال: «ثلاث تسبيحات في ترسّل واحد، وواحدة تامّة تجزي». (32) وما رواه الصدوق في الفقيه قال: وسأل أبو بصير أبا عبد اللّه عليه السلام عن علّة الصلاة، كيف صارت ركعتين وأربع سجدات؟ قال: «لأنّ ركعتين من قيام بركعتين من جلوس، وإنّما يقال في الركوع: سبحان ربّي العظيم وبحمده، وفي السجود: سبحان ربّي الأعلى وبحمده؛ لأنّه لما أنزل اللّه تبارك وتعالى: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» (33) قال النبيّ صلى الله عليه و آله : اجعلوها في ركوعكم، فلمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» (34) قال النبيّ صلى الله عليه و آله : اجعلوها في سجودكم». (35) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: ثلاث تسبيحات مترسّلاً، تقول: سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، سبحان اللّه ». (36) وعن داود الأبزاريّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أدنى التسبيح ثلاث مرّات وأنت ساجد لا تعجّل بهن». (37) وعن أبي بصير، قال: سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال: «ثلاث تسبيحات». (38) وعن سماعة، قال: سألته عن الركوع والسجود، هل نزل في القرآن؟ فقال: «نعم، قول اللّه عزّ وجلّ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا» »، (39) فقلت: كيف حدّ الركوع والسجود؟ فقال: «أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، ثلاثا، ومن كان يقدر على أن يطوّل الركوع والسجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح اللّه وتحميده وتمجيده والتضرّع، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربّه وهو ساجد، فأمّا الإمام فإنّه إذا قام بالناس فلا ينبغي له أن يطوّل بهم، فإن في الناس الضعيف ومن له الحاجة، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا صلّى بالناس خفّ بهم». (40) وهذا هو أحد وجهي الجمع بين الأخبار للشيخ في الاستبصار. (41) وظاهر السيّد في الانتصار (42) إجزاء تسبيحة صغرى حيث أطلق وجوب التسبيح. والأظهر ما قاله الهشامان (43) من إجزاء مطلق الذكر وأنّ ما عداه من الأخبار وردت على مراتب الفضل، والأكثر صرّحوا باستحباب التكبيرة الكبرى زائدة على الثلاث إلى السبع والسبعين. ويدلّ على السبع ما تقدّم عن هشام بن سالم، (44) وعلى الزائد عليها إلى أربع وثلاثين ما رواه المصنّف عن ابن بكير، (45) وإلى الستّين ما رواه من صحيحة أبان تغلب، (46) ولم أجد خبرا في خصوص السبعين. نعم، خبر سماعة المتقدّم يدلّ على استحباب ما أطاق. وفي الوافي نقلاً عن الكافي (47) عن حفص بن غياث، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يتخلّل ببساتين الكوفة، فانتهى إلى نخلة فتوضّأ عندها، ثمّ ركع وسجد وأحصيت في سجوده خمسمئة تسبيحة، ثمّ استند إلى النخلة فدعا بدعوات، ثمّ قال: «يا حفص، إنّها واللّه النخلة الّتي قال اللّه تعالى لمريم عليهاالسلام: «وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا َنِيًّا» »، (48) ، ثمّ نفى الاستبعاد عن كونها عليهاالسلامببيت المقدس، ووضعها تحت تلك النخلة معلّلاً بأنّ الأرض تطوى للأولياء. (49) وأيّد ذلك بما رواه الثماليّ، عن السجّاد عليه السلام في قوله تعالى «فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكانا قَصِيًّا» (50) : «خرجت من دمشق حتّى أتت كربلا، فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ثمّ رجعت من ليلتها». (51) و أقول: لا يبعد أن يقال في رفع الاستبعاد أن تكون نخلتها عليه السلام نابتة من جذع النخلة نقله وأنبته ببيت المقدس أحد من أولياء اللّه وأحبّائه، ولعلّ في لفظ الجذع إشعارا بذلك. ويستحبّ كون التسبيحات وترا على ما صرّح به الأكثر؛ محتجّين بما ثبت من قولهم عليهم السلام : «إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر». (52) ولا يعارضه الخبران الأخيران؛ لأنّ جواز الزوج لا ينافي أفضليّة الوتر. وهذا الاستحباب للمنفرد، فأمّا الإمام فيستحبّ له التخفيف، إلّا أن يعلم الإمام أنّ المأمومين كلّهم راضون بالتطويل غير شاقّ هو عليهم، ويستفاد ذلك من خبري سماعة (53) وأبي بصير (54) المتقدّمين وما روى في المدارك: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا صلّى بالناس خفّف بهم، إلّا أن يعلم منهم الانشراح لذلك». (55) وقال طاب ثراه: والعامّة أيضا اختلفوا في المسألة، فقال بعضهم بتعيّن التسبيح، يقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، وفي السجود: سبحان ربّي الأعلى محتجّا بما روي عن عقبة بن عامر وقد مرّ، وقال بعضهم: يجب الذكر من غير تعيين. (56)

.


1- . المبسوط ، ج 1 ، ص 111 .
2- . الجمل العمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 182) .
3- . الذكرى ، ج 3 ، ص 367 .
4- . السرائر ، ج 1 ، ص 224 .
5- . الجامع للشرائع ، ص 83 .
6- . المحقّق في المعتبر ، والعلّامة في تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 250 ؛ ومختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 165 .
7- . المعتبر ، ج 2 ، ص 196 .
8- . الحديث الثامن من باب الركوع ومايقال فيه من الكافي .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 302 ، ح 1217 .
10- . الذكرى ، ج 3 ، ص 368 _ 369 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 77 ، ص 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 302 ، ح 8027 .
12- . الذكرى ، ج 3 ، ص 367 _ 368 .
13- . الخلاف ، ج 1 ، ص 348 _ 349 ، المسألة 99 .
14- . مسند الشافعي ، ص 55 ، السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 345 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 286 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 155 ؛ و ج 7 ، ص 77 ، وج 8 ، ص 133 .
15- . الواقعة (56) : 74 و 96 ؛ الحاقّة (69) : 52 .
16- . الأعلى (87) : 1 .
17- . مسند أحمد ، ج 4 ، ص 155 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 299 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 287 ، ح 887 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 199 ، ح 869 ؛ المستدرك ، ج 1 ، ص 225 ؛ وج 2 ، ص 477 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 86 ؛ علل الشرائع ، ص 333 ، الباب 30 ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 313 ، ح 1273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 327 ، ح 1801 .
18- . الخلاف ، ج 1 ، ص 349 ، المسألة 100 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 76 ، ح 284 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 323 ، ح 1206 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 300 ، ح 8020 .
20- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
21- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 76 ، ح 282 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 322 _ 323 ، ح 1204 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 299 ، ح 8018 .
23- . المقنعة ، ص 105 .
24- . المقنعة ، ص 143 .
25- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
26- . الفقيه ، ج 1 ، ص 312 _ 313 ، ح 929 .
27- . الكافي في الفقه ، ص 118 _ 119 .
28- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 165 .
29- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 76 ، ح 285 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 323 ، ح 1207 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 300 ، ح 8021 .
30- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 80 ، ذيل الحديث 299 .
31- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 29 و 30 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 614 _ 615 و 621 .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 76 ، ح 283 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 323 ، ح 1205 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 299 _ 300 ، ح 8019 .
33- . الواقعة (56) : 74 و 96 ؛ الحاقّة (69) : 52 .
34- . الأعلى (87) : 1 .
35- . الفقيه ، ج 1 ، ص 314 _ 315 ، ح 931 و 932 .
36- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 77 ، ح 288 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 324 ، ح 1212 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 303 ، ح 8028 .
37- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 79 _ 80 ، ح 298 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 323 ، ح 1209 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 303 ، ح 8031 .
38- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 80 ، ح 299 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 323 _ 324 ، ح 1210 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 303 _ 304 ، ح 8032 .
39- . الحجّ (22) : 77 .
40- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 77 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 305 ، ح 8036 .
41- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 324 ، ح 1211 .
42- . الانتصار ، ص 149 .
43- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ، و ح 8 من باب الركوع و ما يقال فيه من التسبيح ... .
44- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 299 ، ح 8018 .
45- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
46- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
47- . الكافي ، ج 8 ، ص 143 _ 144 ، ح 111 .
48- . مريم (19) : 25 .
49- . الوافي ، ج 8 ، ص 714 _ 715 .
50- . مريم (19) : 22 .
51- . تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 73 ، ح 139 ؛ وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 517 ، ح 19725 .
52- . الكافي ، باب صفة الوضوء ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 360 ، ح 1083 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 388 ، ح 1021 ، و ص 436 ، ح 1142 .
53- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 305 ، ح 8036 .
54- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 303 _ 304 ، ح 8032 ، وقد تقدّم ولم يرد فيه ما يرتبط بالتخفيف للإمام .
55- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، 397 ، وبهذا اللفظ ورد في المعتبر ، ج 2 ، ص 203 . وانظر: السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 117 .
56- . اُنظر : المبسوط ، ج 1 ، ص 21 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 413 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 1 ، ص 561 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 105 _ 106 .

ص: 103

. .

ص: 104

. .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

. .

ص: 109

باب ما يسجد عليه وما يكره

[باب ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود وأكثره]قوله في حسنة هشام بن الحكم: (قال أنفة للّه ) . [ح5 / 5053] الأنفة: التنزيه والاستكبار، (1) وقد سبق القول في سبحان اللّه .

[باب ما يسجد عليه وما يكره]أراد قدس سره بالكراهة الحرمة. المشهور بين الأصحاب وقوع الجبهة على الأرض أو ما أنبتته ممّا لا يؤكل ولا يلبس في السجود في حال الاختيار، (2) وأرادوا بالمأكول والملبوس العادي منهما، وهو _ على ما [ذكر] المحقّق الشيخ عليّ (3) _ : ما صدق عليه اسم المأكول والملبوس عرفا لكونهما الغالب ولو في بعض الأقطار، فلو أكل أو لبس نادرا أو في محلّ الضرورة لا يمنع، ومنه العقاقير الّتي تجعل في الأدوية، وأمّا العقاقير الّتي تجعل في الأطعمة فهو من القسم الأوّل. ويدلّ عليه _ زائدا على ما رواه المصنّف _ ما روى في التهذيب والفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: قلت له: أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟ قال: «السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلّا ما اُكل أو لبس»، فقلت له: وما العلّة في ذلك؟ قال: «لأنّ السجود خضوع للّه عزّ وجلّ ولا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة اللّه عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أهل الدنيا الّذين اغترّوا بغرورها». (4) وروى الشيخ عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سمعته يقول: «السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما اُكل أو لبس». (5) وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكلّ نبات إلّا التمرة». (6) وعن ياسر الخادم، قال: مّر بي أبو الحسن عليه السلام وأنا اُصلّي على الطبري، (7) وقد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه، فقال لي: «ما لك لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض؟». (8) وفي الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ذكر أنّ رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام سأله عن السجود على البوريا والخصفة والنبات، قال: «نعم». (9) ثمّ الأفضل السجود على الأرض. وعن إسحاق بن الفضل أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن السجود على الحصر والبواري، قال: «لا بأس وأن يسجد على الأرض أحبّ إلىّ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يحبّ ذلك أن تمكّن جبهته من الأرض، فأنا اُحبّ لك ما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحبّه». (10) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المريض، فقال: يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه هو أفضل من الإيماء، إنّما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان الّتي كانت تعبد من دون اللّه وإنّا لم نعبد غير اللّه قط، فاسجد على المروحة أو على عود أو على سواك». (11) وعن طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام أنّه كان لا يسجد على الكمّين ولا على العمامة. (12) وعن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال: سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلّى خز ومثله من الديباج، يصلح للرجل النوم عليه والتكاء والصلاة؟ قال: «يفترشه ويقوم عليه، ولا يسجد عليه». (13) والأرض أفضل ممّا أنبتته؛ لما مرّ في بعض الأخبار، ولأنّ معنى الذلّة والخضوع في السجدة عليها أظهر وأكثر، وأفضلها تربة الحسين عليه السلام ؛ لما رواه الشيخ في المصباح عن معاوية بن عمّار، قال: كان لأبي عبد اللّه عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللّه عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على السجّادة وسجد عليه، ثمّ قال: «إنّ السجود على تربة أبي عبد اللّه عليه السلام يخرق الحجب[السبع]». (14) وقد جَوَّزوا السجود على الثوب وعلى بعض الجسد للضرورة وللتقيّة، لما رواه الشيخ عن عيينة بيّاع القصب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ، فأكره أن اُصلّي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ فقال: «نعم، ليس به بأس». (15) وعن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي، فكيف أصنع؟ قال: «تسجد على بعض ثوبك» قلت: ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله، قال: «اسجد على ظهر كفّك فإنّها أحد المساجد». (16) وعن القاسم بن الفضيل، قال: قلت للرضا عليه السلام : جعلت فداك، الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد قال: «لا بأس به». (17) وعن أحمد بن عمر، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره ممّا لا يسجد عليه فقال: «لا بأس به». (18) وعن محمّد بن القاسم، قال: كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام : هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشيء يكره السجود عليه؟ فقال «نعم لا بأس به». (19) وعن منصور بن حازم، عن غير واحد من أصحابنا، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أنسجد عليه؟ فقال: «لا، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا وكتّانا». (20) وعن أبي بصير، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسجد على المسح، فقال: «إذا كان في تقيّة فلا بأس». (21) وفي الصحيح عن عليّ بن يقطين، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الرجل يسجد على المسح والبساط، فقال: «لا بأس إذا كان في حال تقيّة». (22) ولا يشترط في المنع عن السجود على المأكول والملبوس كونهما مأكولاً وملبوسا بالفعل على المشهور، بل يكفي كونهما كذلك بالقوّة، ولا يجوز السجود على الصوف والشعر والوبر والجلد، ولا على القطن والكتّان، ولا على الحنطة والشعير قبل الغزل والنسج والطحن والخبز. ويستفاد ذلك ممّا رواه المصنّف في الحسن عن زرارة. (23) وحكي عن العلّامة أنّه جوز في التذكرة (24) السجود على الحنطة والشعير قبل طحنهما معلّلاً بحيلولة القشر _ وهو غير مأكول _ بين الجبهة وما يؤكل منهما. وضعّف بجريان العادة بأكل دقيقهما (25) غير منخولين، بل بأكلهما لاسيما الحنطة من غير أن يجعلا دقيقين، فقشرهما أيضا يكون مأكولاً عاديّا، غايته أن يكون مأكولاً بالتبع، ولا فارق بينه وبين قشر التفّاح والعنب ونحوهما من الثمار. وعن السيّد المرتضى (26) أنّه جوّز مع الكراهة في بعض رسائله السجود على القطن والكتّان ولو بعد غزلهما. ويستفاد من تعليله تجويزه إيّاه في المنسوج منهما أيضا، وقد حرّمه في الانتصار (27) مدّعيا إجماع الطائفة عليه، ونقل عنه تحريمه في الجمل (28) أيضا، ونسب تحريمه مطلقا في المختلف (29) إلى علمائنا أجمع، وتمسّك في الجواز على ما نقل عنه في المدارك (30) بأنّه لو كان السجود على المنسوج من القطن والكتّان محرّما محظورا لجرى في القبح ووجوب الإعادة مجرى السجود على النجاسة، ومعلوم أنّ أحدا لا ينتهي إلى ذلك، وأجاب عنه بمنع الملازمة، ثمّ منع بطلان اللازم. نعم، يدلّ عليه ما رواه الشيخ بسند صحيح عن داود الصرميّ، قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة؟ فقال: «جائز». (31) وعن الحسين بن عليّ بن كيسان، قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام عن السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة ولا ضرورة، فكتب إلىّ: «ذلك جائز». (32) لكنّهما لعدم صحّتهما ومعارضتهما للأخبار المتكثّرة المتقدّمة المشتملة على الصحيح لا يجوز العمل بهما. وحمل الشيخ في الاستبصار الأوّل على ما يحصل معه ضرورة اُخرى من الحرّ والبرد ونحوهما، وقيّد الضرورة المنفيّة في الثاني على ضرورة تبلغ هلاك النفس وإن كان هناك ضرورة اُخرى من الحرّ والبرد وشبههما. وأقول: لا يبعد حملهما على التقيّة، ولا ينافيه قوله من غير تقيّة، لإمكان علمه عليه السلام بأن السائل سيحتاج إلى أن يفعل مثل ما تفعله العامّة، وإن أبيت عليك بقصة داود بن زربي وداود بن رزين الّتي مرّت في باب الوضوء. (33) ونقل صاحب المدارك عن المحقّق (34) أنّه حمل الأخبار الأوّلة على الكراهة وقال: «وهو محتمل، لكن هذه الأخبار لا تخلو عن ضعف في سند أو قصور في دلالة، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة الدالّة على المنع، المؤيّدة بعمل الأصحاب». (35) والمشهور عدم جواز السجود على المستحيل من الأرض بحيث يسلب عنه اسمها كالمعادن، ومنها: القفر والقير والصاروج. ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الحسن عن زرارة (36) وعن محمّد بن عمرو بن سعيد. (37) ونقل عن جماعة منهم الصدوق جوازه على القير والقفر؛ لما روى في الفقيه عن معاوية بن عمّار أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة على القار، فقال: «لا بأس به». (38) وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار، قال: سأل المعلّى بن خنيس أبا عبد اللّه عليه السلام _ وأنا عنده _ عن السجود على القفر وعلى القير، فقال: «لا بأس». (39) وقد روى منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «القير من نبات الأرض»، (40) وهي محمولة على التقيّة. ومنها: الملح فلا يجوز السجود عليه؛ لخروجه عن اسم الأرض، ولأنّه مأكول عادي. ومنها: الذهب والفضّة؛ لما ذكر، ولما رواه المصنّف عن يونس بن يعقوب. (41) وعدّ الأكثر من المستحيل من الأرض المنضّج والمطبوخ منها كالخزف والآجرّ والجصّ والنورة وأشباهها، وحرّموا السجدة عليها. ولا ريب في استحالتها لكن يشكل الحكم بتحريم السجدة على كلّ مستحيل؛ لدلالة صحيحة الحسن بن عليّ (42) على جواز السجود على الجصّ، ولا فارق بينه وبين ما عداه ممّا ذكر. وربّما منع استحالتها مدّعيا لإطلاق اسم الأرض على المحترقة منها. لا يقال: ورد المنع عن السجود على الزجاجة فيما رواه المصنّف عن محمّد بن الحسين. (43) لأنا نقول: وقع التصريح في الخبر بأنّ العلّة ليست هي الطبخ والاحتراق، بل امتزاجها من الملح والرمل. فإن قيل: يدلّ خبر محمّد بن خلّاد على المنع من السجدة على السبخة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن السجود على الثلج، فقال: «لا تسجد في السبخة ولا على الثلج». (44) وما العلّة فيه إلّا كونها مستحيلة من الأرض. قلنا: لا نسلّم ذلك، بل الظاهر أنّ العلّة عدم استقرار الجبهة، ولعلّ لفظ الخبر يشعر بذلك حيث عدّى السجدة بالسبخة بكلمة «في» دون «على» عكس ما فعله في الثلج. وقد قطع جماعة بجوازه على الخزف وأضرابه حتّى أنّ العلّامة احتجّ في التذكرة (45) _ على ما نقل عنه _ على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه. وأمّا الوحل فإذا منع من استقرار الجبهة فلايجوز السجود عليه؛ لخبر عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه سأله عن حدّ الطين الّذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال: «إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض». (46) وخبره الآخر: أنّه سأله عن الرجل يصيبه المطر وهو لا يقدر أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافّا، قال: «يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود إيماء». (47) ولأنّه ليس أرضا صرفا، بل ممتزج منها ومن الماء الّذي هو مشروب مزجا لا يتميّز أحدهما عن صاحبه. وإن لم يمنع منه فيجوز السجود عليه؛ لأنّ الماء القليل لا يخرج التراب عن اسم الأرض، وأطلق جماعة المنع منه. (48) ولا يجوز السجود على الثلج؛ لأنّه ليس بأرض ولا ما أنبت منه، ولمرسل منصور بن حازم (49) وخبر محمّد بن خلّاد (50) المتقدّمين. فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد، عن داود الصرميّ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قلت له: إنّي أخرج في هذا الوجه وربّما لم يكن موضع اُصلّي فيه من الثلج، فكيف أصنع؟ قال: «إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه، وإن لم يمكنك فسوّه واسجد عليه». (51) فإنّما يدلّ على جوازه في حال الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات. وأمّا القرطاس فالمتّخذ منه من القطن والكتّان يجوز السجود عليه اتّفاقا؛ لكونه من نبات الأرض. ومنع الشهيد في اللمعة (52) والعلّامة في التذكرة (53) _ على ما نقل عنه _ السجود على (54) المتّخذ من الحرير منه؛ لكونه ليس أرضا ولا من نباتها. ويظهر من الذكرى توقّفه فيه حيث قال: «وفي النفس من القرطاس شيء من حيث اشتماله على النورة المستحيلة، إلّا أن يقال: الغالب جوهر القرطاس أو أنّ جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض». (55) والأشهر والأظهر الجواز مطلقا؛ لإطلاق صحيحة جميل بن درّاج (56) وصحيحة صفوان الجمّال، قال رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس، وأكثر ذلك يومى ء إيماء». (57) بل ولو كان مكتوبا بالمداد ونحوه؛ لخبر عليّ بن مهزيار، قال: سأل داود بن فرقد أبا الحسن عليه السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها، هل يجوز السجود عليها؟ فكتب: «يجوز». (58) واعتبر الشهيد الثاني في شرح اللمعة (59) ملاقاة الجبهة لما يقع عليه اسم السجود خاليا من الكتابة؛ نظرا إلى أنّ المراد ليس أرضا ولا نابتا منها. ويظهر من تعليله ذلك تجويزه السجود على نفس الكتابة إذا كانت ممّا يصحّ السجود عليه كالتراب ونحوه، والظاهر كراهة ذلك أيضا؛ نظرا إلى شغل النظر بالكتابة. كما أنّه يكره الصلاة وفي محلّ السجود مصحف مفتوح، ولصحيحة جميل بن درّاج. (60) قوله في صحيحة الحسن بن محبوب: (إنّ الماء والنار قد طهّراه) . [ح3 / 5057] يدلّ على تحقّق الاستحالة بهذا التغيير، ويؤيّده ما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في عجين عجن وخبز، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة؟ قال: «لا بأس، أكلت النار ما فيه». (61) وعن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن الزبير، عن جدّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدوابّ فتموت، فيعجن من مائها، أيوكل ذلك الخبز؟ قال: «إذا أصابته النار فلا بأس بأكله». (62) ونسبه العلّامة في المنتهى إلى الشيخ في هذه المسألة وفي مسألة طهارة اللبن المضروب من الطين النجس بعد جعله آجرّا محتجّا بهذه الصحيحة، وقال: وفي الاستدلال بها إشكال من وجهين: أحدهما: أنّ الماء الّذي يحلّ به غير مطهّر إجماعا، والثاني: أنّه حكم بنجاسة الجصّ ثمّ بتطهيره. وفي نجاسة دخان الأعيان النجسة إشكال. _ ثمّ قال: _ والأقرب أن يقال: النار أقوى إحالة من الماء، فإذا كان الماء مطهّرا فالنار أولى منه. (63) انتهى. ولا يبعد أن يقال في دفع الإشكال الأوّل: إنّ المطِّهر إنّما هو النار، وذكر الماء على سبيل الاستطراد أو للتنظيف ونحوه، وإليه أشار الشيخ في النهاية حيث قال: «فإن استعمل شيء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به ويخبز لم يكن به بأس؛ لأنّ النار قد طهرّته». (64) وفي دفع الإشكال الثاني: إنّ مراد السائل أرض الجصّ الّذي يطرح عليها العذرة الرطبة واليابسة وعظام الموتى الرّطبة واليابسة ويوقد عليها، كما هو الشائع في طبخها. وذهب جماعة بعدم حصول الاستحالة بهذا التغيّر، ومنهم الشيخ في موضع آخر من النهاية، حيث قال: «لنا: أنّ النار لا تطهّر هذا العجين». (65) واحتج عليه في المنتهى (66) بما رواه زكريّا بن آدم، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم؟ قال: فقال: «فسد»، قلت: أبيعه من اليهود والنصارى واُبيّن لهم؟ قال: «نعم، فإنّهم يستحلّون شربه»، (67) فلو كانت النار تطهّر لبيّنه. وما رواه في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا _ وما أحسبه إلّا حفص بن البختريّ _ قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام في العجين يعجن من الماء النجس، كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة». (68) وأنت خبير بعدم صراحة الخبرين في مدّعاه، فإنّهما إنّما دلّا على جواز بيعه من مستحلّيه، ولا ريب فيه، ولا ينافي ذلك تطهيره بالنضج. على أنّ خبر زكريا صريح في تطهير النار الدم على ما رواه الشيخ في التهذيب، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير، قال: «يهرق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب، واللحم اغسله وكله»، قلت: فإنّه قطر فيه الدم؟ قال: «الدم تأكله النار إن شاء اللّه تعالى»، قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، قال: فقال: «فسد»، قلت: أبيعه من اليهود والنصارى واُبيّن لهم؟ قال: «نعم،فإنّهم يستحلّون شربه»، قلت: والفقّاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شيء من ذلك؟ قال: فقال: «أكره أن آكله إذا قطر في شيء من طعامي»، (69) فلا يبعد تخصيص الخبرين بالخمر وشبهها من المسكرات؛ لغلظة حرمتها، فتأمّل. قوله في خبر الحلبيّ: (دعا أبي بالخمرة) . [ح4 / 5058] في نهاية ابن الأثير: في حديث اُمّ سلمة، قال لها وهي حائض: «ناوليني الخمرة» هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلّا في هذا المقدار، سمّيت خمرة لأنّ خيوطها مستورة بسعفها. وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عبّاس، قال: جاءت فأرة فأخذت تجرّ الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الخمرة الّتي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم، وهذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبيرة من نوعها. (70) قوله في خبر عمرو بن سعيد: (لا تسجد على القير ولا على الصاروج) .[ ح6/5060] راواه الشيخ في الاستبصار بهذا السند، وفيه: «لا تسجد على القير ولا على القفر ولا على الصاروج»، (71) والقفر: هو رديّ القير والمستعمل منه مرارا، (72) والصاروج: هو النورة بأخلاطها. (73) قوله في خبر محمّد بن (74) عليّ بن الريّان: (فتوقف أصحابنا) . [ح7 / 5061] لعلّ وجه توقّفهم ذكره عليه السلام الخيوطة والسيورة بلفظ الجمع مع تاء الوحدة، واستشهد عليه السلام على ذلك بقول تأبّط شرّا (75) اطمينانا لقلوبهم، ولفظة «كأنّها» من المصراع الأوّل، والبيت هكذا: وأطوي على الخمص الحوايا كأنّهاخيوطة ما ري تغار وتفتل والخمص بضمّين: جمع خميص كرغيف ورغف، ورجل خميص الحشا: ضامر البطن. (76) والحوايا: جمع الحويّة وهي كغنيّة استدارة كلّ شيء، (77) والمراد هنا ما استدار عليه أضلاع الجنبين، وأغار: شدّ الفتل. (78) وإنّما جاز السجود على المعمولة من الخيوطة لاستتارها بالخوص، وينبغي تخصيص المعمول من السيورة بما إذا منعت اليسور من وقوع مسمّى الجبهة على الخوص، فإن كانت مغطّاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صحّ السجود عليه، وصرّح به الشهيد في الذكرى. (79) قوله في خبر غياث بن إبراهيم: (لا يسجد الرجل على شيء ليس عليه سائر جسده) . [ح10 / 5064] لم أجد قولاً بتحريم ذلك ولا بكراهته. نعم، قالوا باستحباب وضع المساجد السبعة على ما يصحّ السجود عليه، واستدلّوا له بهذا الخبر، ولا بعد في تأويله بذلك. وحمله الشيخ في الاستبصار على التقيّة؛ لموافقته لمذهب بعض العامّة، قال: وليس عليه العمل؛ لأنّه يجوز أن يقف الإنسان على ما لم يسجد عليه. (80) قوله في خبر عليّ بن جعفر: (والثيّل) [ح13 / 5067] هو في أكثر النسخ المصحّحة بالثاء المثلّثة ثمّ الياء المشدّدة المثناة من تحت، وهو نوع من النبات. (81) وفي بعض النسخ الاُولى بالنون، وفي القاموس: النيل: نبات العظلم، ونبات آخر ذو ساق صلب وشعب دقاق وورق صغار مرصَّغة من جانبين». (82) وفيه أيضا: «العظلم كزبرج: نبت يصبغ به أو [هو] الوسمة». (83)

.


1- . اُنظر : مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 23 (أنف) .
2- . اُنظر : مصباح المتهجد ، ص 28 ؛ الجامع للشرائع ، ص 69 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 74 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 248 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 436 ، المسألة 102 ؛ منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 351 ؛ الذكرى ، ج 3 ، ص 138 _ 139 .
3- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 159 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 234 ، ح 925 إلى قوله : «إلّا ما أكل أو لبس» ، ولم يذكر العلّة ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 272 ، ح 843 . ورواه أيضا في علل الشرائع ، ص 341 ، الباب 42 ، ح 1 . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 343 ، ح 6740 .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 234 ، ح 924 ، وص 313 ، ح 1274 . ورواه الصدوق في علل الشرائع ، ص 341 ، الباب 42 ، ح 3 ؛ والفقيه ، ج 1 ، ص 268 ، ح 830 . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 344 ، ح 6741 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 311 ، ح 1262 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 261 ، ح 804 . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 345 ، ح 6748 .
7- . لعلّه كتّان منسوب إلى طبرستان . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 376 (طبر) .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 235 ، ح 927 و ص 308 ، ح 1249 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 331 ، ح 1243 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 348 ، ح 6755 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 311 ، ح 1261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 346 ، ح 6749 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 311 ، ح 1263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 368 ، ح 6813 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 311 ، ح 1264 ؛ وج 3 ، ص 177 ، ح 398 . ورواه الصدوق فيالفقيه ، ج 1 ؛ ص 363 ، ح ، 1039 . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 364 ، ح 6802 .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 310 ، ح 1255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 363 ، ح 6798 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 373 _ 374 ، ح 1553 . ورواه الكليني في الكافي ، كتاب الزي والتجمّل والروءة ، ح 8 . وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 378 ، ح 5445 .
14- . مصباح المتهجّد ، ص 733 _ 734 ، ح 824 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 366 ، ح 6808 .
15- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 306 ، ح 1239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 350 ، ح 6761 .
16- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 306 ، ح 1240 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 333 ، ح 1249 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 351 ، ح 6765 .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 306 _ 307 ، ح 1241 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 333 ، ح 1250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 350 ، ح 6762 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 307 ، ح 1242 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 333 ، ح 1251 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 350 ، ح 6763 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 307 ، ح 1243 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 333 ، ح 1252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 350 _ 351 ، ح 6764 .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 308 ، ح 1247 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 332 ، ح 1247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 351 _ 352 ، ح 6767 .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 307 ، ح 1244 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 332 ، ح 1245 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 349 _ 350 ، ح 6760 .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 235 ، ح 930 ؛ وص 307 ، ح 1245 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 332 ، ح 1244 ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 270 _ 271 ، ح 835 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 349 ، ح 6758 .
23- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
24- . تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 437 .
25- . هذا هو الظاهر المناسب للسياق ، وفي الأصل : «دَقيقها» .
26- . جوابات المسائل الموصليات الثانية (رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 174) .
27- . الانتصار، ص 136، مسألة 34.
28- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 29) .
29- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 116 .
30- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 246 _ 247 . وهذا الاستدلال حكاه في المختلف ، ج 2 ، ص 117 عن السيّد المرتضى .
31- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 307 _ 308 ، ح 1246 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 332 ، ح 1246 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 348 ، ح 6756 .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 308 ، ح 1248 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 333 ، ح 1253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 348 ، ح 6757 .
33- . وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 443 ، ح 1171 .
34- . المعتبر ، ج 2 ، 119 .
35- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 248 .
36- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
37- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
38- . الفقيه ، ج 1 ، ص 271 ، ح 836 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 354 ، ح 6777 .
39- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 303 ، ح 1224 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 334 ، ح 1255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 354 ، ح 6776 .
40- . الفقيه ، ج 1 ، ص 457 ، ح 1323 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 355 ، ح 6779 .
41- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
42- . كذا بالأصل ، وليس في أحاديث الباب رواية عن الحسن بن عليّ ، نعم رواية الحسن بن محبوب تدلّ على ذلك ، وهى الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
43- . الحديث 14 من هذا الباب من الكافي .
44- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 310 ، ح 1257 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 335 _ 336 ، ح 1262 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 164 ، ح 6229 .
45- . تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 177 .
46- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 312 ، ح 1267 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 447 ، ح 1300 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 143 ، ح 6163 .
47- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 175 ، ح 390 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 142 ، ح 6158 .
48- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 248 .
49- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 351 _ 352 ، ح 6767 .
50- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 164 ، ح 6229 .
51- . الكافي ، باب الصلاة في الكعبة ... والمواضع الّتي تكره الصلاة فيها ، ح 14 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 261 ، ح 802 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 310 ، ح 1256 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 336 ، ح 1263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 164 ، ح 6231 .
52- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 27 ، حيث خصّه بالقرطاس المتّخذ من النبات ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 557 .
53- . التذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 437 .
54- . في الأصل: «وعلى»، والظاهر زيادة «و».
55- . الذكرى ، ج 3 ، ص 145 .
56- . الحديث 12 من هذا الباب من الكافي .
57- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 309 ، ح 1251 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 334 ، ح 1258 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 355 ، ح 6781 .
58- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 309 ، ح 1250 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 334 ، ح 1257 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 355 _ 356 ، ح 6782 .
59- . شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 560 .
60- . الحديث 12 من هذا الباب من الكافي .
61- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 414 ، ح 1304 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 29 ، ح 75 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 175 ، ح 439 .
62- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 413 _ 414 ، ح 1303 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 29 ، ح 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 175 ، ح 438 .
63- . منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 288 .
64- . النهاية ، ص 8 .
65- . النهاية ، ص 590 . ولفظه مغاير لما نحن فيه والمعنى واحد .
66- . منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 215 .
67- . الكافي ، ج 6 ، كتاب الأشربة ، أبواب الأنبذة ، باب المسكر يقطر منه في الطعام ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 279 ، ح 820 ، و ج 9 ، ص 119 ، ح 512 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 470 ، ح 4204 ، وج 25 ، ص 358 _ 359 ، ح 32119 .
68- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 414 ، ح 1305 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 29 ، ح 76 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 242 _ 243 ، ح 628 .
69- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 279 ، ح 820 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 470 ، ح 4204 .
70- . النهاية ، ج 2 ، ص 77 (خمر) . والحديث في سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 529 ، ح 5247 .
71- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 334 ، ح 1254 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 353 ، ح 6773 .
72- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 534 (قفر) .
73- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 325 (صرج) وفيه : «النورة وأخلاطها» .
74- . كذا في الأصل ، و في الكافي : - «محمدبن» .
75- . تأبّط شرّا هو ثابت بن جابر بن سفيان أبو زهير الفهمي من مضر ، شاعر عداء ، من فتّاك العرب في الجاهليّة ، كان من أهل تهامة ، له ديوان شعر ، توفّي نحو سنة 80 ه ق . الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 97 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 3 ، ص 99 .
76- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 1038 (خمص) .
77- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 321 .
78- . تاج العروس ، ج 7 ، ص 327 .
79- . الذكرى ، ج 3، ص 142 .
80- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 335 ، ذيل الحديث 1261 ، ومثله في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 305 ، بعد الحديث 1233 ، واللفظ له .
81- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 165 (ثيل) .
82- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 62 .
83- . القاموس المحيط ، ج 10 ، ص 152 .

ص: 110

. .

ص: 111

. .

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

. .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

. .

ص: 118

. .

ص: 119

. .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

. .

ص: 123

باب وضع الجبهة على الأرض

[باب وضع الجبهة على الأرض]أجمع أهل العلم على وجوب السجود على الجبهة إلّا ما حكي عن أبي حنيفة من إجزاء ما لو سجد على أنفه، وعن ابن المنذر أنّه قال: «لا أعلم أحدا سبقه إلى هذا»، (1) وقد سبق بعض الأخبار في ذلك، وسيأتي بعض آخر. واختلفوا في وجوب السجود على باقي المساجد السبعة: الكفّين والركبتين وإبهامي الرجلين، نسب في الذكرى (2) إلى إجماع الأصحاب [على ]وجوبه، إلّا أنّه حكى عن السيّد المرتضى (3) أنّه اجتزى عن الكفّين بمفصلهما عند الزندين، وهو منقول عن أحمد وعن أحد قولى الشافعيّ وعن أبي حنيفة ومالك، وقول آخر للشافعيّ عدم وجوبه. (4) واحتجّ الأصحاب بقوله تعالى: «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ» (5) بناء على ما فسّره أكثر المفسّرين، حيث قالوا: المراد بالمساجد هنا الأعضاء السبعة، وهو منقول في مجمع البيان (6) عن سعيد بن جبير والفرّا والزجّاج، وفيه: وروي أنّ المعتصم سأل أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليهم السلام عن قوله تعالى: «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ» ، فقال: «هي الأعضاء السبعة الّتي يسجد عليها». (7) ويدلّ أيضا عليه صحيحة زرارة، قال: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : السجود على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين، وترغم بأنفك إرغاما، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبيّ صلى الله عليه و آله ». وما روى في الذكرى (8) والمنتهى (9) عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اُمرت بالسجود على سبعة أعظم: اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة». (10) وفي المنتهى عنه صلى الله عليه و آله : «اُمرت أن أسجد على سبعة آراب». (11) وعن أبي داود عن ابن عمر: إنّ اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يده، وإذا رفعه فليرفعهما. (12) ووجوب السجود على اليدين يستلزم وجوبه على البواقي؛ لعدم القائل بالفصل. ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الاستبصار عن هارون بن خارجة، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام وهو ساجد وقد رفع قدميه من الأرض وإحدى قدميه على الاُخرى؛ (13) لما ذكره قدس سرهمن أنّه يجوز أن يكون عليه السلام إنّما فعل ذلك لضرورة دعته إليه دون حال الاختيار. وحكى في المنتهى (14) عن أبي حنيفة أنّه احتجّ على ما ذهب إليه بقوله عليه السلام : «سجد وجهي»، (15) وقال: لو ساواه غيره لما خصّه بالذكر، وبأن وضع الجبهة على الأرض يسمّى سجودا بخلاف غيره، فينصرف الأمر المطلق إليه، وبأنّه لو وجب غيره لوجب كشفه، كما وجب كشف الجبهة. وأجاب عن الأوّل بأن التخصيص الذكري لا ينفي ما عداه، لاسيما إذا كان لذلك التخصيص فائدة ظاهرة كإظهار كثرة الخشوع، ثمّ قال: والعجب أنّ أبا حنيفة لم يجوّز العمل بالمفهوم، وقد عمل به هنا، وهل هذا إلّا مناقضة. وعن الثاني بأن وضع الجبهة على الأرض كما سمّي سجودا سُمّي وضع باقي الأعضاء أيضا سجودا، كما في قوله عليه السلام : «سجد عظمي ولحمي وما أقلّته قدماي». (16) وعن الثالث بمنع الملازمة. وقياس باقي المساجد على الوجه قياس مع الفارق، فإنّ الجبهة هي الأصل في السجود دون غيرها. واختلفوا في القدر المعتبر من الجبهة في الوضع فالأكثر على كفاية المسمّى منها، وهو ظاهر حسنة زرارة، (17) وما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن حدّ السجود، فقال: «ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب، ما وضعت منه أجزأك». (18) وما رواه الصدوق عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك». (19) واعتبر ابن إدريس (20) مقدار الدرهم منه، وهو منسوب إلى الصدوق. (21) واحتجّ لهما في المسالك بصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال: سألته عن المرأة تطول قصّتها، فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطّيها الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: «لا حتّى تقع جبهتها على الأرض». (22) ويؤيّده خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلامقال: «انّ عليّا عليه السلام كان يكره أن يصلّي على قصاص شعره حتّى يرسله إرسالاً»، (23) فإنّ الظاهر أنّ ذلك ليتمكّن جبهته على الأرض. وحملهما على الاستحباب طريق الجمع. وربّما احتجّ عليه بصحيحة زرارة، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال: قلت له: الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال: «إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبه وقصاص شعره فقد أجزا عنه»، (24) وهو محلّ تأمّل، فإنّه مجمل، بل ظاهره الأوّل. فظاهر العلّامة وقوع هذا الخلاف في باقي الأعضاء السبعة أيضا حيث قال بعد ذكر ذلك الخلاف: «وكذا البحث في بقية الأعضاء». (25) واعتبر صاحب المدارك فيها المسمّى وقال: «لا نعرف فيه خلافا». (26) وظاهر ما تقدّم من الأخبار وجوب وضع الإبهامين من الرجلين على الأرض وعدم كفاية إصبع اُخرى منهما، وهو مذهب الأكثر. وقال الشيخ في المبسوط: «إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأ»، (27) وظاهره إجزاء غير إلابهامين. وعن ابن زهرة: أنّه يسجد على أطراف القدمين، (28) وعن أبي الصلاح أطراف أصابع الرجلين، (29) وكأنّهم تمسّكوا بقوله صلى الله عليه و آله : «وأطراف القدمين» فيما رويناه عن ابن عبّاس. وفي الذكرى: «والرواية عن النبيّ صلى الله عليه و آله مشعرة بإطلاق الأصابع». (30) وظاهر ما تقدّم من الأخبار عدم وجوب الإرغام بالأنف، وفي بعضها تصريح بكونه سنّة. ويؤيّدها ما رواه الشيخ عن محمّد بن مصادف، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إنّما السجود على الجبهة، وليس على الأنف سجود». (31) وهو المشهور بين الأصحاب، بل نسبه في المنتهى (32) إلى علمائنا أجمع، وحكاه عن عطا وطاووس وعكرمة والحسن وابن سيرين والشافعيّ وأبي ثور ومحمّد وأبي يوسف وإحدي الروايتين عن أحمد. (33) ونقل بعض الأصحاب عن السيّد المرتضى (34) وجوبه، وحكاه في المنتهى (35) عن سعيد بن جبير، وفي رواية اُخرى عن أحمد. (36) ويدلّ عليه ما رواه المصنّف من مرسلة عبد اللّه بن المغيرة، (37) وما رواه الشيخ في الموثّق عن حمّاد، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام، قال: قال عليّ صلوات اللّه عليه: «لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين». (38) وما روته العامّة عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة» وأشار بيده إلى الأنف. (39) وفي رواية اُخرى عنه، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة والأنف واليدين والركبتين والإبهامين». (40) وعن عكرمة (41) : عدّ هذه الأعضاء سبعة مبنى على كون مجمع الجبهة والأنف عضوا واحدا، كما هو أحد قولي أبي حنيفة. (42) وعن ابن عبّاس، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة». (43) وحملت على الاستحباب للجمع. وأجاب في المنتهى (44) عن الخبر الأوّل العامي بأنّه لا يجوز أن يشار إلى الأنف ويراد من الجبهة إيّاه، وإلّا لتعيّن السجود عليه دون الجبهة، فلعلّ الراوي رأى محاذاة يديه عليه السلام لأوّل الجبهة فتوهّم الأنف. وعن الثاني منها بأن قوله عليه السلام : «اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم» ثمّ عدّ الأنف دليل على أنّه غير مراد بأمر الوجوب، وإلّا لكان المأمور به ثمانية أعضاء. وعن الثالث بأنّها مرسلة، قاله أحمد بن حنبل، (45) فلا تعويل عليها، والظاهر تحقّق الإرغام بمسمّاه من أيّ جزء من الأنف. وحكى في المنتهى (46) عن السيّد المرتضى أنّه اعتبره بطرف الأنف الّذي يلي الحاجبين، (47) والإرغام ليس هو وضع الأنف على التراب كما هو مفهومه في اللغة، (48) بل يشمل وضعه على الأرض بواسطة أيضا وإن كان ذلك أولى. [قوله] في خبر معاوية بن عمّار: (إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها) إلخ. [ح3 /5071] في القاموس: «النبكة محركة وتسكّن: أكمة محدّدة الرأس وربّما كانت حمراء، أو أرض فيها هبوط وصعود، أو التلّ الصغير (49) ». ويؤكّد الخبر ما رواه الشيخ عن الحسين بن حمّاد، قال: قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو موضع مرتفع أحرّك وجهي إلى مكان مستو؟ قال: «نعم، جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه». (50) وعن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته من الأرض، قال: «يحرّك جبهته حتّى تمكّن، فينحّي الحصى عن جبهته، ولا يرفع رأسه». (51) ويؤيّدها أن الرفع ثمّ الوضع موجب لمزيد سجود عمدا. لا يقال: يعارض ذلك ما رواه الشيخ عن المفضّل بن صالح، عن الحسين بن حمّاد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسجد على الحصى، قال: «يرفع رأسه حتّى يستمكن». (52) وعن معاوية بن حكيم، عن أبي مالك الحضرميّ، عن الحسين بن حمّاد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال: «ارفع رأسك ثمّ ضعه». (53) لأنّا نقول: هذان الخبران مع وحدتهما لكون راويهما الحسين بن حمّاد قد عرفت أنّه روى خلافه موافقا لأخبار متعدّدة، فالظاهر وقوع سهو من أحد من رواته، وحمله العلّامة في المنتهى (54) على ما إذا كان موضع ارتفاع الجبهة أزيد من لبنة، وخصّ الأوّلة بما إذا كان ارتفاعه قدر لبنة فما دون، فارقا بينهما بأنّه على الأوّل لا تصلح سجدته شرعا بناء على اشتراط عدم علوّ موضع الجبهة عن موضع القيام بأزيد من لبنة فرفع الرأس ثمّ وضعه غير مستلزم لزيادة سجدة شرعيّة، بخلاف الثاني؛ لصحّة سجدته شرعا. وحمل الشيخ في الاستبصار الأوّلة على ما إذا تمكّن من جرّ الجبهة، والأخيرين على ما إذا لم يتمكّن منها. (55) واحتمل بعض الأصحاب حمل الأوّلة على الاستحباب، وهذان تأويلان مبنيّان على أن لا يكون رفع الرأس اليسير موجبا لتعدّد السجدة ولا بعد فيه بشهادة العرف. قوله في حسنة عبد اللّه بن سنان: (ولكن يكون مستويا) . [ح4 / 5072] رواه الشيخ في التهذيب (56) في الصحيح، وهو إنّما يدلّ على استحباب المساواة، وعدّ جماعة _ منهم المحقّق (57) _ من مستحبّات السجود أن يكون موضع سجوده موافقا لموقفه أو أخفض، ولم أرَ دليلاً على استحباب الخفض. نعم، يدلّ على جوازه موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض، فقال: «إذا كان الفراش غليظا قدر آجرّة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا». (58) وفي المنتهى: لا يجوز أن يكون موضع سجوده أعلى من موقف المصلّى بما يعتدّ به، قال الشيخ: فإن زاد بمقدار لبنة لم يكن به بأس، وإن زاد لم يجز. (59) وذهب إليه علماؤنا أجمع؛ لأنّ العلوّ المعتدّ به يخرج بسببه المصلّي عن الهيئة المنقولة عن الشارع. (60) انتهى. والتقدير الّذي ذكره الشيخ يدلّ عليه ما رواه عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفعة، فقال: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس». (61) وأشار المصنّف إلى هذا الخبر بقوله: «وفي حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة، إلى آخره». (62) والمراد باللبنة على ما ذكره طاب ثراه والمحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد: المعتادة في زمان صاحب الشرع وقدّرت بأربع أصابع مضمومة تقريبا». (63) واعتبر جماعة مثلها في جانب الخفض أيضا، فلم يجوّزوه أزيد من مقدار لبنة. (64) واستحسنه صاحب المدارك (65) مستشهدا بموثّقة عمّار المتقدّمة. وظاهر الأكثر عدم اشتراط مساواة موضع الجبهة لغير موضع القدمين من مواضع الأربعة الباقية، ولا كون التفاوت بقدر لبنة فما دون؛ لعدم دليل عليه يعتدّ به واشترطه المحقّق في المعتبر، (66) ونقل طاب ثراه عن الشهيد (67) أنّه قال: كما يجب عدم علوّ المسجد عن الموقف بأزيد من اللبنة كذلك يجب عدم علوّه عن باقي المساجد السبعة كذلك محتجّا بقوله عليه السلام فيما رويناه عن عبد اللّه بن سنان: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»، فإنّ البدن يشمل الكلّ. ويرد عليه ما أورده بعضهم من أنّ الخبر غير صحيح؛ لوجود النهدي في طريقه وهو مجهول الحال، وبأنّ مفهومه إنّما هو وجود البأس في ارتفاعه عنها بأزيد من لبنة، وهو أعمّ من التحريم ومن الكراهة، فيشكل الاستدلال به على الخاصّ. (68) واستثنى جماعة الأرض المنحدرة، وصرّحوا بجواز الصلاة فيها وإن كان التفاوت بأزيد من لبنة، (69) وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بصلاة ذات الرقاع الّتي كانت واقعة في سفح الجبل. وفي المدارك: «لا فرق في ذلك بين الأرض المنحدرة وغيرها؛ لإطلاق النصّ (70) ». قوله في خبر مصادف: (لا تفعل ولكن احفر حفرة) . [ح6 / 5074] المشهور بين الأصحاب وجوب ذلك مع الإمكان وأنّه مقدّم على السجدة على الجبين ما لم يستوعب المانع الجبهة محتجّين بهذا الخبر، وبأنّ الواجب السجدة على بعض الجبهة ومسمّاها، وهو يتحقّق بذلك، ومع التعذّر أو الاستيعاب يسجد على أحد الجبينين، وهو منسوب إلى أكثر العامّة. ولم أجد نصّا عليه، واحتجّ عليه في المنتهى: بأنّ الجبهة مع الجبينين كالعضو الواحد، فيقوم أحدهما مقامها للعذر، وبأن السجود على أحدهما أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء، والإيماء يجزي مع تعذّر السجود على الجبهة، فالجبين أولى. (71) ثمّ الأكثر على التخيير بين الجبينين. وأوجب الصدوق تقديم الأيمن على الأيسر، (72) ومع تعذّرهما يسجد على الذقن على المشهور؛ لمرسلة عليّ بن محمّد. (73) وأوجب الصدوق (74) السجود على ظهر الكفّ مقدّما عليه. ولم أجد دليلاً عليه، بل ظاهر هذه المرسلة وجوب السجود على الذقن مع تعذّر الجبهة وإن أمكن السجود على الجبين. ويؤيّده كون هذه سجدة في الاُمم السالفة كما علّل به في الخبر، وقد نقل هذا في شرح الفقيه (75) قولاً من بعض الأصحاب من غير أن يعيّن قائله. قوله في خبر عبد الملك بن عمرو: (رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام سوّى الحصى حين أراد السجود) [ح8 / 5076] ومثله ما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس بن يعقوب، قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يسوّى الحصى في موضع سجوده بين السجدتين، (76) وظاهرهما عدم كراهة هذا الفعل في الصلاة. وأظهر في ذلك مرفوعة عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك ولا برأسك، ولا تعبث بالحصى وأنت تصلّي، إلّا أن تسوّي حيث تسجد [فلا بأس] (77) » حيث استثنى التسوية ممّا نهي عنه نهي تنزيه. ولا يبعد القول بأدنى كراهة؛ لمنافاتها للإقبال والخشوع، ولما رواه طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلامقال: «إنّ عليّا عليه السلام كره تنظيم الحصى في الصلاة». (78) ونقل طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال: إنّهم اتّفقوا على كراهته (79) مستندين بما رواه مسلم بإسناده: أنّه سأل النبيّ صلى الله عليه و آله عن المسح في المسجد، يعنى الحصى، قال: «إن كنت فاعلاً فواحدة»، (80) وبأنّه مناف للتواضع. وقالوا: المصحّح لفعل الواحدة إزالة ما تتأذّى به أو خشية أن يعلق منها بوجهه. قوله في خبر محمّد بن مسلم: (فقال: لا) . [ح9 / 5077] وقد ورد مثله من طريق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «أربع من الجفاء: أن ينفخ في الصلاة، وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف (81) »، الخبر. والنهي محمول على الكراهة عند الفريقين، وهو وجه الجمع بينهما وبين ما رواه إسحاق بن عمّار، عن رجل من بني عجل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود، فقال: «لا بأس». (82) وقد رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام مرسلاً. (83) ومنشأ الكراهة احتمال أذى الغير على ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «يكره ذلك خشية أن يؤذّي من إلى جانبه». (84) وقيل: إنّها لكونه منافيا للتواضع، ونقل طاب ثراه عن بعض العامّة كراهية مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف منها مستندا بالحديث النبويّ المذكور، (85) ولم أجد من طريقنا نهيا عنه، بل روى الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ قال: «نعم، قد كان أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب». (86)

.


1- . المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة ، ج 1 ، ص 557 ؛ تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 346 ، وانظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 113 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 90 ؛ التمهيد ، ج 23 ، ص 62 ؛ شرح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 208 .
2- . الذكرى ، ج 3، ص 387 .
3- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 32) .
4- . تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 185 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 426 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 112 ؛ المغني والشرح الكبير ، لابني قدامة ، ج 1 ، ص 555 .
5- . الجنّ (22) : 18 .
6- . مجمع البيان ، ج 10 ، ص 152 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 299 ، ح 1204 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 327 ، ح 1244 ، وص 329 ، ح 1232 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 343 ، ح 8134 .
8- . الذكرى ، ج 3 ، ص 387 _ 388 .
9- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 351 .
10- . المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة ، ج 1 ، ص 555 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 2 ، ص 192 ؛ المعجم الكبير ، ج 11 ، ص 358 .
11- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 351 ، والمذكور فيه «سبعة أعظم» . والحديث بلفظ «سبعة آراب» في فتح العزيز ، ج 3 ، ص 454 ؛ وسنن أبي داود ، ج 1 ، ص 204 ، ح 891 .
12- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 6 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 204 ، ح 893 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 229 ، ح 679 ، والمجتبى له أيضا ، ج 2 ، ص 207 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1، ص 226 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 101 .
13- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 329 ، ح 1233 . ورواه أيضا في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 301 ، ح 1214 . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 344 ، ح 8137 .
14- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 286 _ 287 .
15- . مسند الشافعي ، ص 40 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 95 و 102 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 185 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 335 ، ح 1054 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 176 _ 177 ، ح 760 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 149 _ 150 ، ح 3481 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 32 .
16- . أورده المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 207 .
17- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 85 ، ح 313 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 355 _ 356 ، ح 8171 .
19- . الفقيه ، ج 1 ، ص 271 ، ح 840 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 356 ، ح 8173 .
20- . السرائر ، ج 1 ، ص 225 ، والمذكور فيه انّ ذلك مجز لمن كان في جبهته علّة .
21- . المقنع ، ص 87 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 269 .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 313 _ 314 ، ح 1276 ؛ مسائل عليّ بن جعفر ، 239 ، ح 560 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 363 ، ح 6800 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 298 ، ح 1203 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 363 ، ح 6779 ؛ وج 6 ، ص 344 ، ح 8135 .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 85 ، ح 314 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 271 ، ح 837 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 363 ، ح 6797 ، وج 6 ، ص 355 ، ح 8170 .
25- . تحرير الأحكام ، ج1 ، ص 254 ؛ منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 148 .
26- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 404 .
27- . المبسوط ، ج 1 ، ص 112 .
28- . الغنية ، ص 80 .
29- . الكافي في الفقه ، ص 119 .
30- . الذكرى ، ج 3 ، ص 388 .
31- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 298 ، ح 1200 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 326 ، ح 1220 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 343 ، ح 8133 .
32- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 159 .
33- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 425 ؛ تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 346 ؛ المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة ، ج 1 ، ص 556 .
34- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 32) .
35- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 159 .
36- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 425 ؛ المغني والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 556 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 91 .
37- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
38- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 298 ، ح 1202 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 327 ، ح 1223 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 344 ، ح 8136 . وكان في الأصل : «الجبينين» ، والتصويب حسب مصادر الحديث .
39- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 305 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 302 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 198 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 52 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 209 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 231 ، ح 684 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 252 .
40- . المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة ، ج1 ، ص 556 ، وفيهما : «والركبتين» بدل «والقدمين» . وباللفظ المذكور رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 343 ، ح 8134 .
41- . كذا بالأصل، والمذكور في المصادر كالمنتهى ، ج 5 ، ص 159 ؛ والمغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 1 ، ص 556 بعد قوله : «وعن عكرمة» ذكر الحديث التالي عن ابن عبّاس ، وفي الأخيرين بعد نقل الرواية عن عكرمة : «ورواه أبو بكر بن عبد العزيز والدارقطني في الإفراد متَّصلاً عن عكرمة عن ابن عبّاس عن النبيّ» .
42- . اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 187 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 3 ، ص 272 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 90 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 424 _ 425 .
43- . سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 341 ، ح 1304 ، إلّا أنّ فيه : «الجبين» بدل «الجبهة» .
44- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 161 .
45- . اُنظر : المغني ، ج 1 ، ص 556 .
46- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 162 .
47- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 32) ، والمذكور فيه أنّه من وكيد السنن .
48- . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 198 (رغم) .
49- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 321 (نبك) .
50- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 312 ، ح 1269 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 330 ، ح 1239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 353 ، ح 8165 .
51- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 312 ، ح 1270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 353 _ 354 ، ح 8166 .
52- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 310_ 311 ، ح 1260 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 354 ، ح 8168 .
53- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 302 ، ح 1219 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 330 ، ح 1237 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 354 ، ح 8167 .
54- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 153 .
55- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 330 ، ذيل الحديث 1240 .
56- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 85 ، ح 315 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 357 ، ح 8175 .
57- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 69 .
58- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 307 ، ح 949 . ورواه الكليني في الكافي ، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 358 _ 359 ، ح 8180 .
59- . المبسوط ، ج 1 ، ص 115 ؛ النهاية ، ص 83 .
60- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 151 .
61- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 313 ، ح 1271 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 358 ، ح 8179 .
62- . ذيل الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
63- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 299 .
64- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 309 ؛ البيان ، ص 87 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 219 .
65- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 407 .
66- . المعتبر ، ج 2 ، ص 208 .
67- . الذكرى ، ج 3 ، ص 149 _ 150 .
68- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 2 ، ص 134 .
69- . اُنظر : الذكرى ، ج 3 ، ص 394 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 219 .
70- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 408 .
71- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 146 .
72- . المقنع ، ص 86 .
73- . هي الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
74- . المقنع ، ص 86 _ 87 .
75- . لم أعثر عليه في روضة المتّقين . وانظر : لوامع صاحبقراني ، ج 3 ، ص 450 .
76- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 301 ، ح 1215 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 373 ، ح 8215 .
77- . الكافي ، باب الخشوع في الصلاة وكراهيّة العبث ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 262 ، ح 9284 .
78- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 298 ، ح 1203 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 363 ، ح 6799 .
79- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 99 .
80- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 74 _ 75 .
81- . المعتبر ، ج 2 ، ص 262 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 297 . ونحوه في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 285 ؛ والمعجم الكبير للطبراني ، ج 9 ، ص 300 ؛ والمصنّف لعبد الرزّاق ، ج 2 ، ص 26 ، ح 2346 ؛ والمصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 510 ، الباب 279 من كتاب الصلاة ، ح 3 .
82- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 302 ، ح 1220 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 329 ، ح 1234 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 350 _ 351 ، ح 8157 .
83- . الفقيه ، ج 1 ، ص 271 ، ح 841 .
84- . الفقيه ، ج 1 ، ص 271 _ 272 ، ح 842 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 351 ، ح 8158 .
85- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 99 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 37 ؛ فتح الباري ، ج 3 ، ص 64 ؛ عمدة القاري ، ج 7 ، ص 285 .
86- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 301 _ 303 ، ح 1216 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 373 ، ح 8214 .

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

. .

ص: 130

. .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

. .

ص: 134

. .

ص: 135

باب القيام والقعود في الصلاة

[باب القيام والقعود في الصلاة]أطبق علماء الإسلام على وجوب القيام في الصلاة الواجبة في حال التكبير والقراءة والقنوت والركوع، والقعود فيما بين السجدتين والتشهّد مع الاختيار. واحتجّوا على وجوب القيام بقوله تعالى: «وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» (1) بناء على أن المراد بالقيام القيام في الصلاة بقرينة ما قبله «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى» . على أنّه ليس بواجب في غيرها. وما في حسنة حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المذكورة في تعليم الصلاة: فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا. (2) وبما رواه الشيخ عن حريز ورجل، (3) عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: قلت له: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» (4) ؟ قال: «النحر: الاعتدال في القيام». (5) وفي الحسن عن جميل بن درّاج أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المريض الّذي يصلّي قاعدا، فقال: «إنّ الرجل ليوعك (6) ويحرج ولكنّه أعلم بنفسه، ولكن إذا قوي فليقم». (7) وفي الحسن عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ» ، (8) قال: «الصحيح يصلّي قائما وقعودا، و المريض يصلّي جالسا وعلى جنوبهم، الّذي يكون أضعف من المريض الّذي يصلّي جالسا». (9) ومن طريق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لرافع بن خديج: «صلّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا». (10) وادّعى العلّامة في المنتهى (11) إجماع علماء الإسلام على كونه ركنا، وليس على إطلاقه ركنا؛ لأنّ ذلك ينافي ما ثبت من وجوب سجدة السهو للقعود في موضع القيام. والتحقيق ما نقله المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد عن الشهيد أنّه قال في بعض فوائده: «القيام بالنسبة إلى الصلاة على أنحاء: القيام إلى النيّة، فإنّه لما وجب وقوع النيّة في حال القيام اتّفاقا وجب تقدّمه عليها [زمانا يسيرا ليقطع بوقوعها في حال القيام]، وهذا شرط للصلاة؛ لتقدّمه عليها (12) ». والقيام في النيّة، وهو مردّد بين الركن والشرط كالنيّة، والقيام في التكبير، وهو ركن كالتكبير، والقيام والقراءة (13) من حيث هو قيام فيها كالقراءة واجب غير ركن، والقيام المتّصل بالركوع، وهو الّذي يركع عنه ركن قطعا، والقيام من الركوع وهو واجب غير ركن؛ إذ لو هوى من غير رفع وسجد ساهيا لم تبطل صلاته، والقيام في القنوت مستحبّ كالقنوت. _ وما ذكر من التحقيق بالقبول حقيق سوى ما ذكر من ركنيّة القيام حال التكبير، فإنّه بالشرط أشبه، فإن الركن إنّما يكون جزءا، وهذا القيام خارج عن الصلاة مقارن لأوّل جزء منها، فإنّ أوّل الصلاة إنّما هو التكبير كما يدلّ عليه قولهم عليهم السلام : «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (14) ». وقد سبق عن الشيخ القول بركنيّة القيام من الركوع أيضا، وإنّما يكون القيام واجبا ركنا مع القدرة عليه، فلو عجز عنه قام القعود والاضطجاع والاستلقاء على الترتيب في الوجوب والركنيّة. وأمّا القعود فواجب في الموضعين وليس ركنا عند الأصحاب، إلّا ما نقلناه سابقا عن الشيخ من ركنيّة الجلوس بين السجدتين، وما يظهر من كلامه الّذي يأتي عن قريب من المبسوط من استحبابه، ويستفاد ذلك من بعض ما ذكر من الأخبار، ويأتي بعض آخر في محلّهما. وليس واجبا في غيرهما إجماعا عدا ما نقل في المختلف (15) عن السيّد المرتضى (16) من وجوبه بعد السجدة الثانية أيضا محتجّا بالإجماع والاحتياط، وما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الاُولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا، ثمّ قم». (17) وعن عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الاُولى جلس حتّى يطمئنّ ثمّ يقوم. (18) وعن الأصبغ بن نباتة عن عليّ عليه السلام قال: كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئنّ ثمّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين، كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما نهض (19) الإبل؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، إنّ هذا من توقير الصلاة». (20) وحملت هذه الأخبار في المشهور على الاستحباب؛ للجمع بينها وبين ما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة، قال: رأيت أبا جعفر وأبا عبد اللّه عليهماالسلام إذا رفعا رؤوسهما من0 السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا. (21) وعن رحيم، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جعلت فداك، أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الاُولى والثانية تستوي جالسا، ثمّ تقوم، فنصنع كما تصنع؛ قال: «لا تنظروا إلى ما أصنع ولكن اصنعوا ما تؤمرون». (22) وما رواه الجمهور عن وائل بن حجر، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: إذا رفع رأسه من السجود واستوى قائما بتكبيرة. (23) وقال طاب ثراه: جلسات الصلاة أربع: الجلسة بين السجدتين، واتّفقت الاُمّة عامّة على وجوب قدر ما يقع به الفصل. والمستحبّ فيه التورّك عندنا وعند أكثرهم. وقال جماعة من سلفهم: يجلس على صدور قدميه ويلصق عقبيه بإليتيه، (24) وهو الإقعاء المنهي عنه عندنا. (25) وفي التشهّد الاُولي، وهو واجب بقدر التشهّد عندنا وعند أحمد وطائفة من محدّثيهم لوجوب هذا التشهّد عندهم؛ لاجماعنا وتظافر النصوص عليه، وسنّة عند أكثرهم، وفي التشهّد الأخير، (26) وهو واجب عندنا بقدر التشهّد والسلام أيضا عند من قال بوجوبه، وعند أكثرهم بقدر السلام، وصفته فيهما أيضا التورّك عندنا وعند مالك، وقال أبو حنيفة: يجلس فيهما على قدمه اليسرى والشافعيّ في الاُولى منهما كأبي حنيفة، وفي الثانية كمالك. (27) ووجّه ذلك أصحابه بأنّ به يتذكّر الإمام إذا أشكل عليه هل هو في التشهّد الأوّل والأخير، وبها أيضا يعرف الداخل هل تمّت الصلاة أم لا. وبعد السجدة الثانية قبل القيام وهو مستحبّ عند الأصحاب، إلّا السيّد المرتضى (28) فإنّه أوجبها كما نقل عنه بعض المتأخّرين وأثبته من العامّة الشافعيّ وأنكره الباقون. (29) قوله في صحيحة زرارة: (إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرّج بينهما) إلخ. [ح1 / 5079] الأمر للندب، ويدلّ على استحباب التورّك وهيئتة، فإنّه على ما فسّره جماعة منهم الشيخ: أن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا، ويفضي بمقعدته إلى الأرض، ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظهر قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى. (30) ويؤكّده خبر حمّاد بن سنان في تعليم الصلاة حيث قال: ثمّ قعد على فخذه الأيسر، قد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر. (31) وخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك، واجلس على يسارك». (32) وعن السيّد المرتضى أنّه قال في المصباح: يجلس مماسّا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى للأرض، رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر، وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض، ويستقبل بركبتيه معا القبلة. (33) وعن أحمد أنّه يجلس مفترشا، وهو أن يثنّي رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها، ليكون طرف أصابعها إلى القبلة. (34) قوله في مضمرة حريز عن زرارة: (فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها) إلخ. [ح2 / 5080] قال طاب ثراه: ظاهره أنّ الواجب عليها أن تنحني إلى أن تصل يداها إلى فخذيها فوق ركبتيها، والتعليل يؤيّده، وعمل به الأكثر. وقيل: يجب عليها أن تنحني قدر ما ينحني الرجل مراعية لتلك الهيئة. قوله في موثّقة أبي بصير: (لا تقع بين السجدتين) . [ح3 / 5081] النهى محمول على الكراهة في المشهور، وكذا يكره بعد السجدة الثانية في الركعة الثالثة (35) وفي التشهّدين. قال المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد: «هو عندنا أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه». (36) وبه فسّر في المعتبر، (37) وهو ظاهر كلام الصدوق على ما ستعرف. ونقل في الذكرى عن بعض الأصحاب: «هو أن يقعد على عقبيه ويجعل يده على الأرض»، (38) وفسّره ابن الأثير في النهاية بأن يجلس على وركيه وينصب ساقيه وفخذيه وركبتيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب. (39) ويؤيّد الأوّلين قوله عليه السلام : «وإيّاك والقعود على قدميك» في حسنة زرارة. (40) ويؤيّد الثالث صحيحة الحلبيّ ومحمّد بن مسلم وابن عمّار أنّهم قالوا: قال: «لا تقعِ في الصلاة كإقعاء الكلب». (41) والظاهر كراهته بجميع المعاني، وإنّما حملوا النهي في هذه الأخبار على الكراهة؛ للجمع بينهما وبين صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس بالإقعاء [في الصلاة فيما] بين السجدتين»، (42) وقد ادّعى الشيخ في الخلاف (43) الإجماع عليها، ونقلها العلّامة في المنتهى (44) عن جمل الشيخ، (45) وعن معاوية بن عمّار ومحمّد بن مسلم من قدمائنا، (46) ونفى الكراهة جماعة من الأصحاب وغيرهم، نقله العلّامة في المنتهى (47) عن مبسوط الشيخ (48) وعن ابن بابويه (49) والسيّد المرتضى (50) وابن عبّاس وابن الزبير وابن عمر. (51) واحتجّ الشيخ عليه بصحيحة الحلبيّ، وأجاب بعدم استلزام نفي البأس لنفي الكراهة. (52) وعبارة المبسوط على ما رأيته غير آبية عن قوله بالكراهة، حيث قال: ويستحبّ أن يجلس بين السجدتين جلسة الاستراحة، ثمّ يسجد الثانية، فإذا رفع رأسه جلس جلسة الاستراحة، والأفضل أن يجلس متورّكا وإن جلس بين السجدتين وبعد الثانية مقعيا كان أيضا جائزا. (53) والشهيد (54) حرمّه في التشهّد، ولا يأبى كلامه عن الكراهة في باقي المواضع حيث قال: في الفقيه: ولا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، ولا بأس به بين الاُولى والثانية وبين الثالثة والرابعة، ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين؛ لأنّ المقعي ليس بجالس إنّما يكون قد جلس بعضه على بعض، فلا يصبر للدعاء والتشهّد. (55) قوله في خبر ابن خنيس: (كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام إذا هوى ساجدا انكبّ وهو يكبّر) . [ح5 / 5083] قال طاب ثراه: إنّما كبّر عليه السلام مقارنا للانكباب لبيان جوازه، وإلّافقد مرّفي النصوص أنّ الأفضل أن يكبّر في حال انتصاب الظهر واستقامته. قوله في مرسلة حريز: (لا تكفّر) إلخ. [ح9 / 5087] لقد ورد النهي عن التكفير في الصلاة في أخبار متعدّدة غيرها، منها: ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام في حديث طويل قد أشرنا إليه سابقا من قوله عليه السلام : «ولا تكفّر فإنّما يفعل ذلك المجوس». (56) وفيما رواه المصنّف عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام _ إلى قوله _ : «ولا تكفّر فإنّما ذلك يفعل المجوس (57) »، الخبر. وقد ورد مثلها من طرق العامّة أيضا، وفسّره الأصحاب بأن يضع يديه على صدره، واضعا اليمنى على اليسرى؛ لصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامقال: قلت: الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى، فقال: «ذلك التكفير، لا تفعل». (58) والمشهور بين الأصحاب تحريمه إلّا في التقيّة، (59) وخالفهم أبو الصلاح (60) وابن الجنيد (61) على ما نقل عنهما حيث عدّه الأوّل مكروها، والثاني تركه مستحبّا، واستوجهه المحقّق في المعتبر. (62) واختلف الأوّلون في بطلان الصلاة به، الظاهر العدم؛ لتعلّق النهي بأمر خارج عن العبادة. وتردّد فيه المحقّق. (63) وفي المدارك: «القول بالبطلان هو المشهور بين الأصحاب، ونقل الشيخ (64) والمرتضى (65) فيه الإجماع (66) ». وفسّره العامّة بوضع اليدين منضمّة الكفّين بين الركبتين في الركوع، وهو معنى التطبيق المكروه عندنا وعندهم، (67) ويقال: احتفز في ركوعه وسجوده بالحاء المهملة والفاء والزّاي، أي تضامّ أعضاؤه والتصق بعضها ببعض، (68) وهو مكروه في الرجال.

.


1- . البقرة (2) : 238 .
2- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 459 ، ح 7077 .
3- . في الأصل : «حريز و رجل» ، والتصويب من المصدر .
4- . الكوثر (108) : 2 .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 84 ، ح 309 ؛ وهذا هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 489 ، ح 7137 .
6- . في هامش الأصل : «الوعك : أدنى الحمّى» .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 169 ، ح 673 ؛ وهذا هو الحديث الثالث من باب صلاة الشيخ الكبير والمريض من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 495 ، ح 7153 .
8- . آل عمران (3) : 191 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 169 ، ح 672 ؛ وج 3 ، ص 176 ، ح 396 ؛ وهذا هو الحديث 11 من باب صلاة الشيخ الكبير والمريض . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 481 ، ح 7113 .
10- . المعتبر ، ج 2 ، ص 158 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 89 ، والمذكور فيهما : «رافع بن خديج» ، وفي مصادر العامّة : «عمران بن حصين» . اُنظر الحديث في : مسند أحمد ، ج 4 ، ص 426 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 41 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 216 ، ح 952 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 231 ، ح 369 .
11- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 8 .
12- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 200 _ 201 ، ومابين الحاصرتين منه .
13- . كذا بالأصل ، والظاهر : «والقيام حال القراءة» .
14- . الكافي ، باب النوادر من كتاب الطهارة ، ح 2 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 33 ، ح 68 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 366 ، ح 963 و 966 .
15- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 171 .
16- . الانتصار ، ص 150 .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 82 ، ح 303 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 328 ، ح 1229 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 346 ، ح 8144 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 82 ، ح 302 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 328 ، ح 1228 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 346 ، ح 8142 .
19- . كذا بالأصل ، وفي المصدر : «تنهض» .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 314 ، ح 1277 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 347 ، ح 8146 .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 83 ، ح 305 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 328 _ 329 ، ح 1231 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 346 ، ح 8143 .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 82 _ 83 ، ح 304 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 328 ، ح 1230 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 347 ، ح 8147 .
23- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 440 .
24- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 442 .
25- . اُنظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 360 ، المسألة 118 ؛ مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 188 _ 189 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 415 .
26- . اُنظر : فتح العزيز ، ج 3 ، ص 503 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 462 .
27- . اُنظر : المغني ، ج 1 ، ص 562 _ 563 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 564 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 211 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 19 و 81 .
28- . الانتصار، ص 150.
29- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 440 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 484 _ 486 .
30- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 183) ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 214 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 70 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 257 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 197 .
31- . الكافي ، باب افتتاح الصلاة والحدّ في التكبير وما يقال عند ذلك ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 461 ، ح 7078 .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 83 ، ح 307 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 346 _ 347 ، ح 8145 ، وص 391 _ 392 ، ح 8261 .
33- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 215 .
34- . المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 1 ، ص 563 .
35- . هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «والثالثة» .
36- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 310 .
37- . المعتبر ، ج 2 ، ص 218 .
38- . الذكرى ، ج 3 ، ص 268 _ 269 .
39- . النهاية ، ج 4 ، ص 89 (قعا) ، ولفظه هكذا : «الإقعاء أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض ، وينصب ساقيه وفخذيه ، ويضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب» .
40- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
41- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 83 ، ح 306 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 328 ، ح 1227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 348 ، ح 8149 .
42- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 301 ، ح 1212 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 327 _ 328 ، ح 1226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 348 ، ح 8150 .
43- . الخلاف ، ج 1 ، ص 360 ، المسألة 118 .
44- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 168 _ 169 .
45- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 185) .
46- . حكاه عنهما المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 218 .
47- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 169 .
48- . المبسوط ، ج 1 ، ص 113 .
49- . الفقيه ، ج 1 ، ص 314 ، ذيل الحديث 929 .
50- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 218 .
51- . المغني لابن قدامة ، ج 1، ص 564 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 602 .
52- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 170 . ومثله في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 190 .
53- . المبسوط ، ج 1 ، ص 113 .
54- . كذا بالأصل ، والصحيح : «الصدوق» بقرينة كلامه التالي .
55- . الفقيه ، ج 1 ، ص 314 ، بعد الحديث 929 .
56- . علل الشرائع ، ص 358 ، الباب 74 ، ح 1 .
57- . الكافي ، باب الخشوع في الصلاة وكراهيّة العبث ، ح 1 .
58- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 84 ، ح 310 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 265 ، ح 9295 .
59- . اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 191 .
60- . الكافي في الفقه ، ص 125 .
61- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 192 .
62- . المعتبر ، ج 2 ، ص 257 .
63- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 72 .
64- . الخلاف، ج 1، ص 322.
65- . الانتصار ، ص 141 .
66- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 459 .
67- . اُنظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 347 ، المسألة 97 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 224 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 297 ؛ مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 193 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 541 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 540 ؛ المحلّى ، ج 3 ، ص 106 .
68- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 173 (حفز) .

ص: 136

. .

ص: 137

. .

ص: 138

. .

ص: 139

. .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

باب التشهّد في الركعتين الأوّلتين والرابعة والتسليم

[باب التشهّد في الركعتين الأوّلتين والرابعة والتسليم]فيه مسألتان: الاُولى: التشهّد. وهو تفعّل من الشهادة، وهي الخبر القاطع، وإنّما سمّي تشهّدا لاشتماله على الشهادتين. ومذهب أهل البيت عليهم السلام وجوبه في كلّ ثنائيّة مرّة وفي كلّ ثلاثيّة ورباعيّة مرّتين، وهو محكي في المنتهى (1) عن أحمد والليث بن سعد وإسحاق، (2) وعن الشافعيّ أنّ الأوّل سنّة والثاني فرض، (3) وعن أبي حنيفة استحبابهما جميعا. (4) لنا مداومة النبيّ صلى الله عليه و آله عليهما، وقد قال عليه السلام : «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي (5) »، وبعض الأخبار المذكورة في الباب. وصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما يجزي من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال: «أن تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له»، قلت: فما يجزي من التشهّد في الركعتين الأخيرتين؟ فقال: «الشهادتان». (6) وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام : التشهّد الّذي في الثانية يجزي أن أقوله في الرابعة؟ قال: «نعم». (7) وصحيحة أبي بصير، قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام فلمّا كان في آخر تشهّده رفع صوته حتّى أسمعنا، فلمّا انصرف قلت: كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهّده من خلفه؟ قال: «نعم»، (8) وما سيأتي عن زرعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام . وما نقله العامّة عن ابن عبّاس أنّه صلى الله عليه و آله أمره بالتشهّدين. (9) وعن ابن مسعود أنّه قال: علّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله التشهّد في وسط الصلاة وآخرها. (10) وفي بعض أخبارنا ما يشعر بكونه ركنا، رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال: بسم اللّه فقط فقد جازت صلاته، وإن لم يذكر شيئا من التشهّد أعاد الصلاة». (11) وقال: الوجه في هذا الخبر: أنّه إذا ذكر أنّه قال: بسم اللّه فقد تمّت صلاته ويتمّ الشهادتين على جهة القضاء، ولا يعيد الصلاة، وإذا لم يذكر شيئا من التشهّد أصلاً أعاد الصلاة إذا كان تركه متعمّدا، وليس في الخبر أنّه إذا لم يذكره ناسيا أو معتمدا. ولا يخفى تكلّف ما قال وتعسّفه. والأظهر وقوع سهو من عمّار فيه بناء على عدم ضبطه، كما مرّت الإشارة إليه. واحتجّ الشافعيّ على ما نقل عنه في المنتهى (12) بأن التشهّد الأوّل يسقط بالسهو، فكان كالمندوبات. (13) وإنّما استدلّ بذلك بناء على ما زعم من عدم وجوب تدارك منسيّة بعد الصلاة، وهو ممنوع؛ لما يأتي في محلّه. على أنّه لا يوجب تدارك القراءة المنسيّة أيضا، مع أنّه قائل بوجوبها على ما سبق من إجماع أهل العلم عليه، إلّا ما حكيناه عن الحسن بن صالح بن حيّ والأصمّ، (14) وكأنّه لذلك التعليل قال أبو حنيفة باستحباب التشهّد الثاني أيضا (15) ؛ لعدم وجوب تداركه أيضا عنده. وصورة التشهّد الواجب على القول الأظهر والأشهر: أشهد أنّ لا إله إلّا اللّه ، أو بضميمة وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، أو رسوله، أو عبده ورسوله على التخيير، ثمّ الصلاة على محمّد وآله عليهم السلام . ويستحبّ ما زاد عليه؛ لرواية سورة، (16) وما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : التشهّد في الصلاة؟ قال: «مرّتين»، قال: قلت: وكيف مرّتين؟ قال: «إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ تنصرف»، قال: قلت: قول العبد: التحيّات للّه والصلوات الطيّبات [للّه ؟ قال]: «هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد به ربّه». (17) وفي رواية عبد الملك بن عمرو الأحول، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «التشهّد في الركعتين الأوّلتين: الحمد للّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّل شفاعته وارفع درجته». (18) وفي رواية أبي بصير عنه عليه السلام : «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك [له] وأنّ محمّدا رسوله». (19) ويؤيّدها خبر يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «التشهّد في كتاب عليّ عليه السلام شفع». (20) ويستحبّ أن يزاد ما رواه الصدوق عن زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : «فإذا فرغت من القنوت فاركع واسجد، وإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية فتشهّد وقل: بسم اللّه وباللّه والحمد للّه والأسماء الحسنى كلّها للّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، ثمّ انهض إلى الثالثة _ إلى قوله _ : فإذا صلّيت [الركعة] الرابعة فتشهّد وقل في تشهّدك: بسم اللّه وباللّه والحمد للّه ، والاسماء الحسنى كلّها للّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون، التحيّات للّه ، والصلوات الطيّبات الطاهرات الزاكيات الناعمات الغاديات الرائحات المباركات الحسنات للّه ، ما طاب وطهر وزكى وخلص ونمى فللّه ، وما خبث فلغيره، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، وأشهد أنّ الجنّة حقّ، وأن النار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور، وأشهد أنّ ربّي نعم الربّ وأنّ محمّدا نعم الرسول اُرسل، وأشهد أنّ ما على الرسول إلّا البلاغ المبين، السلام عليك أيّها النبي ورحمة اللّه وبركاته، السلام على محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيين، السلام على الأئمّة الرّاشدين المهديّين، السلام على جميع أنبياء اللّه ورسله وملائكته، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين». (21) وفي الذكرى: وأفضله ما رواه زرعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللّه وباللّه والحمد للّه ، وخير الأسماء للّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الرّب، وأنّ محمّدا نعم الرسول، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّل شفاعته في اُمّته وارفع درجته، ثمّ تحمد اللّه مرّتين أو ثلاث، ثمّ تقوم، فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللّه وباللّه والحمد للّه وخير الأسماء للّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، وأنّ محمّدا نعم الرسول، التحيّات للّه ، الصلوات الطاهرات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات للّه ، ما طاب وزكى وطهر وخلص فللّه ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ وأن محمّدا نعم الرسول، وأشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور، الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه ، الحمد للّه ربّ العالمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، (22) وترحّم على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد واغفرلنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للّذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوفٌ رحيم، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وامنن عليّ بالجنة وعافني من النار، اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات، لا تزد الظالمين إلّا تبارا. ثمّ قل: السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السلام على أنبياء اللّه ورسله، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين، السلام على محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيين لا نبي بعده، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين. (23) وفي المنتهى: قال أحمد وإسحاق أفضله ما رواه عبد اللّه بن مسعود، قال: علّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله التشهد كما يعلّمني السورة: «التحيّات للّه والصلوات الطيّبات، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله». (24) وقال مالك: أفضله تشهّد عمر بن الخطاب: التحيّات للّه والصلوات الطيّبات، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. (25) وقال الشافعيّ: أفضله ما روي عن ابن عبّاس، قال كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعلّمنا التشهد كما يعلّمنا السورة من القرآن فيقول: «قولوا: التحيّات المباركات الصلوات الطيّبات للّه ، سلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، سلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ». (26) انتهى. (27) وفي الخلاف: وقال مالك: الأفضل ما روي عن عمر بن الخطاب أنّه علّم الناس على المنبر التشهّد فقال: قولوا: التحيّات للّه ، الزاكيات للّه ، الصلوات للّه ، الطيّبات للّه ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. (28) وظاهر الشافعيّ وأحمد وجوب التحيّات في الجملة حيث قالا _ على ما حكى عنهما في المنتهى (29) _ : «المجزي من التشهّد أن يقول: التحيّات للّه ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله». (30) وأمّا الصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام فهي واجبة في التشهّدين بإجماع الأصحاب على ما ادّعى في المنتهى (31) وحكي عن الشهيد في الذكرى، (32) بل عدّها الشيخ في الخلاف (33) ركنا من أركان الصلاة، ونسب ركنيّتها في التشهّد الأخير إلى الشافعيّ وابن مسعود [وأبو مسعود ]البدريّ الأنصاريّ عقبة بن [بن عمرو وابن] (34) عمر وجابر وأحمد وإسحاق. (35) والظاهر أنّه قدس سرهأراد بالركنيّة هنا كونها جزء من التشهّد والصلاة، وأنّها ليست بمجرّد ذكر النبيّ صلى الله عليه و آله ، لا المعنى المصطلح بقرينة أنّه قال بعد ذلك بأدنى فصل: «من ترك التشّهد والصلاة على النبيّ ناسيا قضى ذلك بعد التسليم وسجد سجدتي السهو». (36) وأمّا الشافعيّ فأراد بها المصطلح، فقد حكي عنه وجوب قضاء الصلاة إذا ترك الصلاة فيه منسيا على ما حكى عنه في المنتهى. وقال باستحباب الصلاة على الآل مطلقا. ونقل السيّد في الناصريّات (37) عن أبي حنيفة ومالك والثوريّ والأوزاعيّ استحباب الصلاة عليه صلى الله عليه و آله أيضا في التشهّدين جميعا. (38) وظاهر ابن الجنيد وجوبها في أحد التشهّدين حيث قال _ على ما حكى عنه في الذكرى _ : «تجزي الشهادتان إذا لم يحلّ من الصلاة على محمّد وآله في أصل التشهّدين». (39) واقتصر الصدوق في المقنع (40) على ذكر الشهادتين في التشهّد، ولم يذكر الصلاة مطلقا على ما حكى عنه صاحب المدارك، وظاهره عدم وجوبها، وهو ظاهره في الفقيه (41) أيضا حيث اكتفى في الباب بذكر ما هو خال عنها. واستدلّ لوجوبها بخبر عبد الملك بن عمرو (42) المتقدّم؛ لإشتماله عليها وبما روى في المنتهى (43) عن كعب الأحبار، (44) قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول في الصلاة: «اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيد (45) »، وقد قال صلى الله عليه و آله : «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي». (46) وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن ابن مسعود الأنصاريّ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل». (47) وفي الخلاف: عن عائشة أنّها سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «لا تقبل صلاة إلّا بطهور وبالصلاة عليّ». (48) وفي المقنعة روى عن مضمرات سماعة في المصلّي خلف غير العدل يجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم. (49) وروى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من صلّى ولم يصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله وتركه متعمّدا فلا صلاة له». (50) وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كالصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله من تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، ومن صلّى ولم يصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله فترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له إنّ اللّه بدأ بها قبل الصلاة فقال: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى» (51) ». (52) وفي الصحيح عن أبي بصير وزرارة، قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إنّ من تمام (53) الصوم إعطاء الزكاة، كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله تمام الصلاة؛ لأنّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله ». (54) وهذه الأخبار تدلّ على وجوب الصلاة في التشهّد، وانعقد بها الإجماع على عدم وجوبها في غير التشهّد. وفي الناصريّات: وممّا يدلّ على وجوب الصلاة على النبيّ فيها قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيما» ، (55) فأمر بالصلاة عليه وأجمعنا على أنّ الصلاة عليه لا تجب في غير الصلاة، فلم يكن موضع يحمل عليه إلّا الصلاة. (56) واحتجّ العلّامة أيضا في المنتهى (57) بذلك، ثمّ عارض الإجماع المذكور بقول الكرخيّ بوجوبها في العمر مرّة، وقول الطحاويّ بوجوبها كلّما ذكر. (58) وأجاب بسبق الإجماع عليهما. واحتجّ فيه أيضا بما رواه العامّة عن فضّال بن عبيد أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجلاً يدعو في صلاته لم يمجّد ربّه ولم يصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «عجّل هذا»، ثمّ دعاه النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ تمجيد ربّه والثناء عليه، ثمّ ليصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ ليدع بعده بما شاء». (59) وفيه تأمّل. والظاهر من الأخبار أنّها ليست جزءا من التشهّد؛ لخلوّ أكثر الأخبار عنها. وما اشتمل عليه خبر عبد الملك بن عمرو (60) فهو غير صريح في جزئيّتها فيبتني وجوبها فيه على وجوبها كلّما ذكر اسمه صلى الله عليه و آله ، وقد تقدّمت هذه المسألة. واحتجّ أبو حنيفة وأضرابه على عدم وجوبها بأنّ الوجوب شرعي ولم يثبت. (61) وبما رواه ابن مسعود: أن النبيّ صلى الله عليه و آله علّمه التشهّد على ما سبق من الشهادتين من غير صلاة، ثمّ قال: «إذا قلت هذا فقد تمّت صلاتك». (62) وأجاب في المنتهى (63) عن الأوّل بالمنع من عدم ورود الشرع بها لما سبق من الدلائل. وعن الثاني بأن هذه الزيادة _ يعنى «إذا قلت هذا فقد تمّت صلاتك» _ من كلام ابن مسعود كما قاله الدارقطنيّ، (64) وبأنّه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله ، ويحتمل أيضا أن يكون مراده فقد قارب التمام، كما في قوله عليه السلام : «من وقف بعرفة فقد تمّ حجّه». (65) هذا وقد وردت أخبار مختلفة مخالفة لما ذكر، وهي لندرتها وعدم صحّة أكثرها غير قابلة للمعارضة لما ذكر. على أنّها قابلة للتأويل، فمنها: رواية زرارة (66) المتقدّمة حيث دلّت على إجزاء شهادة التوحيد في التشّهد الأوّل. ونقل طاب ثراه عن المحقّق الأردبيليّ (67) أنّه قال: لم يذكر عليه السلام الشهادة بالرسالة فيها للشهرة والظهور. ولا يخفى بعد هذا التأويل عن سياق الحديث. ومنها: روايتا بكر بن حبيب (68) دلّتا على أنّه يكفي في التشهّد قول: الحمد للّه ونحوه بناء على أنّ السؤال كان عن ماهيّة التشهّد. ومثلهما ما رواه الشيخ في التهذيب عن حبيب الخثعميّ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللّه أجزأه». (69) وقال طاب ثراه: يحتمل أن يكون المراد فيها نفي وجوب الزيادات على الشهادتين من التحيّات والأدعية. ومنها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: «تمّت صلاته، وإنّما التشهّد سنّة في الصلاة، فليتوضّأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهّد». (70) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد، قال: «ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، وإن شاء ففي بيته، وإن شاء حيث شاء قعد فتشهّد، ثمّ يسلّم، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته». (71) والظاهر ورودهما على التقيّة؛ لما سبق من أن مذهب أبي حنيفة وجماعة من العامّة استحباب التشهّدين. وقال الشيخ في الخبر الأوّل: «يحتمل أن يكون إنّما سأل عمّن حدث بعد الشهادتين وإن لم يستوف باقي تشهّده» (72) واحتمل في الاستبصار (73) ذلك في الخبر الثاني أيضا. وأمّا قوله عليه السلام : «وإنّما التشهّد سنّة» فمعناه ما زاد على الشهادتين، ويكون ما أمره به من إعادته بعد أن يتوضّأ محمولاً على الاستحباب. وفي الخبر الثاني: الوجه في هذا الخبر أن نحمله على من دخل في صلاته بتيّمم، ثمّ أحدث ناسيا قبل الشهادتين، فإنّه يتوضّأ إذا كان قد وجد الماء ويتمّ الصلاة بالشهادتين، وليس عليه إعادتها، كما أنّ عليه إتمامها لو أحدث قبل ذلك. (74) ومنهم من حمل الحديث في الخبرين على المطر وقالوا: الإحداث هو إمطار أوّل السنة، (75) والمعنى من صلّى بتيمّم ووجد الماء بإمطار السماء بعد السجود وقبل التشهّد ينصرف ويتؤضّأ ويتشهّد وجوبا، وسيأتي القول فيه تفصيلاً. وظاهر الأخبار عدم وجوب قول «وحده لا شريك له» في شهادة التوحيد؛ لخلوّ أكثر الأخبار عنه، وما اشتمل عليه يحتمل الاستحباب. ويؤيّده أصالة البراءة، وهو ظاهر الأكثر. وتردّد العلّامة (76) في وجوبه على ما حكى عنه طاب ثراه. الثانية : التسليم. واختلف في وجوبه أو استحبابه أيضا، فذهب جماعة _ منهم السيّد المرتضى (77) والشهيد (78) _ إلى الأوّل، وهو منقول في المنتهى (79) عن أبي الصلاح (80) وابن أبي عقيل (81) وابن زهرة، (82) وعن الشافعيّ (83) ومالك (84) وأحمد، (85) وعدّ في المنتهى أقرب، (86) وفي الشرائع أصحّ، (87) بل قال السيّد في الناصريّات: «إنّه ركن من أركان الصلاة»، (88) والشافعيّ أيضا قال بركنيّتة على ما نقل عنه الشيخ في الخلاف. (89) وذهب المفيد في المقنعة (90) إلى استحبابه، وبه قال الشيخ في النهاية (91) والاستبصار، (92) وهو ظاهره في التهذيب، (93) ومنقول عن ابن إدريس (94) وابن البّراج، (95) ومنسوب إلى أكثر المتأخّرين، وعدّ في الخلاف (96) أظهر، وفي القواعد (97) أقرب، وفي المدارك (98) : المعتمد، وهو أقوى. وفي الذكرى: وقال الراونديّ في الرائع، ورام الجمع بين قولي من قال بوجوب التسليم وندبه: إذا قال السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه ونحو ذلك، فالتسليم الّذي يخرج به من الصلاة حينئذٍ مسنون، وقام هذا التسليم المندوب مقام قول المصلّي إذا خرج من صلاته: السلام عليكم ورحمة اللّه وإن لم يذكر ذلك في التشهّد يكون التسليم فرضا. (99) وردّه بأنّه قد ثبت عدم جواز الخروج بالسلام على النبيّ صلى الله عليه و آله وذكر ما دلّ عليه. وحكى في المنتهى (100) عن أبي حنيفة أنّه قال: ليس التسليم من الصلاة، وليس الخروج به منها متعيّنا، بل يخرج منها بكلّ ما ينافيها، سواء كان من فعل المصلّي _ كالتسليم والحدث _ أو لا كطلوع الشمس أو وجود الماء للمتيمّم المتمكّن من استعماله. (101) واحتجّ السيّد (102) على وجوبه بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»، (103) وقال: قوله: «تحليلها التسليم» دلّ على أنّ غير التسليم لا يكون تحليلاً لهما. وبما رواه سهل بن سعد الساعديّ: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يسلّم في الصلاة عن يمينه وعن شماله، (104) وقد قال صلى الله عليه و آله : «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي». (105) وما رواه عبد اللّه بن مسعود وقال: ما نسيت من الأشياء فلم أنس تسليم رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن يمينه وشماله: «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته». (106) وما روته عائشة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يسلّم في الصلاة عن يمينه وشماله: «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته». (107) وربّما احتجّ عليه بصحيحة حمّاد المذكورة في تعليم الصلاة حيث سلّم عليه السلام في صلاته وقد قال له: «هكذا صلّ». (108) والجواب عن الخبر الأوّل إن استفاد حصر التحليل في التسليم من تعريف الخبر بناء على ما جوّزه صاحب الكشّاف من إفادته حصر المبتدأ على الخبر ففيه أنّ الأشهر بين أرباب البيان، والأظهر من استعمالات البلغاء من أهل اللسان أنّه إنّما يفيد حصر الخبر على المبتدأ، ولا ريب في أنّ التسليم محلّل للصلاة ومخرج عنها، ولا ينافي ذلك جواز الخروج بغيره. وإن استفاده من المصدر المضاف إلى الصلاة _ بناء على ما قيل من أنّه يفيد العموم _ ففيه ما اُورد عليه من منع العموم مستندا بأنّ تلك الإضافة قد تكون للجنس والعهد الذهني والخارجي أيضا. وإن استفاده من وقوع التسليم خبرا عن التحليل فوجب كونه مساويا للمبتدأ أو أعمّ منه، فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ أعمّ، كما قرّره صاحب المدارك، (109) ففيه أيضا المنع؛ إذ قد يقع الأخصّ خبرا عن الأعمّ، وإن كان الشائع الأوّلين فلا يتمّ الاستدلال به. وإن استفاده من أفراد الخبر بناء على ما قيل من أنّه إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى أنّ الّذي صدق عليه أنّه تحليل للصلاة صدق عليه التسليم، ففيه: أنّه إنّما يتمّ ذلك لو أفاد تحليلها العموم، وقد عرفت ما فيه. على أنّ الخبر ضعيف؛ لأنّه رواه الصدوق (110) والشيخ (111) مرسلاً، ورواه المصنّف (112) مسندا، وفي الطريق سهل بن زياد. وعن البواقي: أنّ فعلهم عليهم السلام لا يدلّ على الوجوب كما مرّ مرارا، وأن أرادوا مداومة النبيّ صلى الله عليه و آله فهو أيضا كذلك؛ لأنّهم عليهم السلام كانوا كثيرا مّا يداومون على بعض المستحبّات. على أنّ خبر حمّاد مشتمل على كثير من المستحبّات، فلعلّ التسليم أيضا منها. وقد استدلّ له بما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في رجل صلّى الصبح، فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف، قال: «فليخرج فليغسل أنفه ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإنّ آخر الصلاة التسليم». (113) واُجيب عنه بضعف السند مستندا باشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره، (114) ووقف عثمان بن عيسى (115) وسماعة، (116) ثمّ بمنع الدلالة، فإنّ كون التسليم آخر الصلاة لا يقتضي وجوبه؛ إذ الأفعال تشتمل الواجب والمندوب، وببطلان الصلاة بزيادة ركعة عمدا، وببطلان صلاة المسافر إذا صلّاها تامّة عامدا عالما بوجوب القصر، فإنّ السلام لو لم يكن واجبا لخرج عنها بالتشهّد، فلا يضرّ تلك الزيادة. والجواب عنه بالمعارضة والحلّ، أمّا الأوّل فلأنّه معارض بصحّة الصلاة بزيادة ركعة خامسة إذا جلس في الرابعة بقدر التشهّد، تشهّد من غير سلام أو لم يتشهّد أصلاً على ما يجيء في محلّه، فلو كان السلام جزءا من الصلاة ينبغي القول بعدم صحّة هذه الصلاة؛ لزيادة أركان فيها. وأمّا الحلّ فنقول: آخر التشهّد مخرج ما لم يقصد عدم الخروج ولم يفعل ما يدلّ على عدمه، وها هنا قد فعل ما دلّ على عدمه. ونقل طاب ثراه هذا الحلّ عن بعض المتأخّرين، ثمّ قال: وأمّا الجواب بأنّ القائل بالاستحباب يقول بعدم الخروج إلّا بنيّته بالسلام أو بفعل المنافي كما هو مفهوم في الذكرى فليس بشيء؛ لأنّ قصد الخروج والتخيير بين التسليم وفعل المنافي لم يثبت. وقد تمسّك بعضهم بقوله تعالى: «وسلّموا تسليما» (117) بناء على أنّ الأمر للوجوب، ولا وجوب له في غير الصلاة إجماعا، فيجب فيها قطعا. واُجيب بالمنع من الدلالة على المدّعي، والمتبادر من الآية أنّ المراد من التسليم الانقياد للنبيّ صلى الله عليه و آله . واستدلّ النافون للوجوب بما تقدّم في صحيحة زرارة (118) وإن كان الحدث بعد الشهادتين. وبقوله عليه السلام : «وإن كان الحدث بعد التشهّد فقد مضت صلاته» (119) فيما رواه المصنّف في الحسن عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، (120) وبما رواه الشيخ عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يصلّي ثمّ يجلس، فيحدث قبل أن يسلّم، قال: «تمّت صلاته». (121) ولا يضرّ وجود أبان بن عثمان الناووسيّ في طريقه؛ لنقل الكشّي رحمه الله إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه. (122) على أنّه لم يثبت كونه ناووسيّا. (123) وبصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام، قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام، ويطوّل الإمام التشهّد فيأخذ الرجل البول أو يتخوّف على شيء يفوت أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: «يتشهّد وينصرف [ويدع الإمام]». (124) وحسنة الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: «إذا التفتَّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان [الالتفات ]فاحشا، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد». (125) وخبر الحسن بن الجهم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل صلّى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال «إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأن محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلا يعيد، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد». (126) واتفقوا على استحباب قول السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته قبل السلام المخرج، ويشعر به ما رواه المصنّف من صحيحة الحلبيّ. (127) وما نرويه عن الشيخ من خبرى أبي كهمش وأبي بصير، ولم أعثر على قول بوجوبه سوى ما حكاه الشهيد في الذكرى (128) عن صاحب الفاخر، (129) فقد نقل عنه كلاما ظاهره وجوب ذلك. لكن حكى عنه أنّه قال في موضع آخر: «من شهد الشهادتين وأحدث أو أعجلته حاجة فانصرف قبل أن يسلّم إمامه وقبل أن يسلم هو إن كان وحده فقد تمّت صلاته»، وهو ينافي وجوبه. ولم أعثر على القول بكونه مخرجا أيضا إلّا ما نقل في الذكرى (130) عن الراونديّ من جواز الاكتفاء به في الخروج. واختلفوا في السلام المخرج هل هو: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، أو السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته؟ فالمشهور بين المتأخّرين التخيير، وإليه مال الشهيد في الذكرى (131) والدروس. (132) واحتجّ عليه بالجمع بين إجماع الاُمّة على جواز الخروج بالثانية، والأخبار المتكثّرة على جواز الخروج بالاُولى وقال: لكنّه لم يقل به أحد، وذهب السيّد المرتضى (133) وأبو الصلاح (134) على ما نقل عنهما إلى تعيّن قصد الخروج بالثانية. ويظهر من الدروس (135) أنّ كلّ من قال بوجوب التسليم عيّن الخروج بالثانية و أنّ كلّ من جوّزه بالاُولى فهو من القائلين بندبيّته، ونقل في المدارك (136) عنه أنّه قال في البيان: إنّ السلام علينا لم يوجبه أحد من القدماء، وأنّ القائل بوجوب التسليم يقول باستحبابها، كالتسليم على الأنبياء والملائكة، وأنّها غير مخرجة من الصلاة، والقائل بندب التسليم يجعلها مخرجة. (137) وحكى في الذكرى عن يحيى بن سعيد أنّه قال في الجامع: «التسليم الواجب الّذي يخرج به من الصلاة: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين»، (138) ثمّ قال: وفي هذا القول خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله. [و] الاحتياط بالإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين باديا بالسلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين لا بالعكس، فإنّه لم يأتِ به خبر منقول ولا مصنّف مشهور، سوى ما في بعض كتب المحقّق رحمه اللّه ، (139) ويعتقد ندب السلام علينا ووجوب الصيغة الاُخرى، وإن أبى المصلّي إلّا إحدى الصيغتين فالسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته مخرجة بالإجماع. (140) انتهى. والعامّة اتّفقوا على الثاني (141) ولم يعرفوا الأوّل أصلاً على ما نقل عنهم. (142) ويدلّ على الخروج بالأوّل صحيحة الحلبيّ، (143) ورواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت إماما فإنّما التسليم أن تسلّم على النبيّ عليه السلام وتقول: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمّ تؤذّن القوم وأنت مستقبل القبلة فتقول السلام عليكم، وكذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين»، (144) الحديث، وسيأتي. وخبر أبي كهمس عنه عليه السلام قال: سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت وأنت جالس: السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته انصرف هو أو لا؟ قال: «لا، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف». (145) ورواية ميسّر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «شيئان يفسد الناس بهما [صلاتهم...] ثانيهما: قول الرجل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين». (146) ويدلّ على الثاني صحيحة عليّ بن جعفر، قال: رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمّد بن جعفر يسلّمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام: «عليكم ورحمة اللّه السلام عليكم ورحمة اللّه ». (147) ورواية عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة، قال: «يقول السلام عليكم». (148) ثمّ الجمع بين الأخبار يقتضى استحباب قوله: «ورحمة اللّه وبركاته» على تقدير وجوب التسليم، وهو منقول (149) عن الصدوق (150) وابن أبي عقيل وابن الجنيد، (151) وأوجبه أبو الصلاح (152) على ما نقل عنه، وادّعي الإجماع على استحباب قوله: «وبركاته». (153) قوله في خبر بكر بن حبيب: (لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا) . [ح 1/5088] قال طاب ثراه: الظاهر نفي وجوب صورة مخصوصة قالت بها العامّة، ونبّه على ذلك بأنّ الفرقة المحقّة من أصحاب الرسول وآله تركوها ولم يقولوا بها، فلو كانت هي واجبة كما قالته العامّة لزم هلاك (154) هذه الفرقة المحقّة بتركهم الواجب. قوله في صحيحة أبي بصير: (إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك؛ لأنّ عن يسارك من يسلم عليك) . [ح 7 /5094] ولتحمل عليه صحيحة عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن كنت تأمّ قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة»، (155) كما يشعر به التعليل في صحيحة أبي بصير. ووقع التصريح به في صحيحة منصور بن حازم، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «الإمام يسلّم واحدة ومن وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن على شماله أحد سلّم واحدة». (156) ورواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت إماما فإنّما التسليم أن تسلّم على النبيّ صلى الله عليه و آله وتقول: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثمّ تؤذّن القوم، فتقول وأنت مستقبل القبلة: السلام عليكم، وكذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين مثل ما سلّمت وأنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت، وسلّم على من [على] يمينك وشمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الّذين على يمينك، ولا تدع التسليم على يمينك اءن لم يكن على شمالك أحد». (157) وفي المدارك: ونقل عن ابني بابويه (158) أنّهما جعلا الحائط عن يسار المصلّي كافيا في استحباب التسليمتين. وقال في الذكرى: ولا بأس باتّباعهما؛ لأنّهما جليلان لا يقولان إلّا عن ثبت (159) . (160) وأمّا الإمام فيسلّم واحدة كما يفهم من الأخبار المذكورة. ولا ينافيها رواية خبر أبي بصير المتقدّم؛ لدلالته على أنّ الثاني لإعلام المأمومين بالخروج عن الصلاة لا لتتميمها. والظاهر تساوي الاستقبال إلى القبلة والالتفات إلى اليمين بالنظر إليه في تلك التسليمة في الفضيلة؛ للجمع بين صحيحتي أبي بصير وعبد الحميد بن عواض المذكورين. وكذا الظاهر تساوي الأمرين بالنظر إلى المنفرد أيضا؛ للجمع بين صحيحة ابن عواض المتقدّمة وبين ما رواه طاب ثراه عن جامع البزنطيّ عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة على يمينك». (161) ثمّ الظاهر من كون التسليم مستقبلاً وعن اليمين وعن الشمال الالتفات إليها بصفحة الوجه في حال السلام، والمشهور بين المتأخّرين _ منهم العلّامة في النهاية (162) على ما نقل عنه تبعا للشيخ في النهاية (163) _ أنّه الإيماء بمؤخّر العين إليها. ونقل طاب ثراه عن العلّامة أنّه قال في بعض كتبه: أنّه يؤمي المأموم بمؤخّر العين إلى اليمين والشمال، والمنفرد إلى اليمين، والإمام بصفحة وجهه إلى اليمين. (164) واُورد عليه بأن هذا التفصيل ممّا لا دليلّ عليه. وعن بعض العامّة أنّه قال: المشهور عندنا أنّ الإمام يسلّم واحدة، وبه قال كثير من السلف، وعن مالك: أنّه يسلّم ثنتين، وبه قال الشافعيّ والحنفيّ. (165) وعلى تقدير الواحدة قبالة وجهه، ويتيامن قليلاً، وعلى تقدير التثنية فالثانية عن يساره، وقال بعضهم: إن كان فيه أحد. (166) قوله في خبر سماعة: (فانصرف) [ح 8 /5095] يدلّ على استحباب الخروج عن المصلّى عن جانب اليمين. وقال طاب ثراه: وهو مذهب أكثر العامّة؛ (167) لما رواه مسلم عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان ينصرف عن يمينه، (168) يعنى إذا صلّى، وروى أربعة أخبار غيره بهذا المضمون. وقال المازريّ: مذهبنا أنّه يستحبّ أن ينصرف في جهة حاجته، فإن لم تكن له حاجة واستوت الجهات فالأفضل اليمين. (169)

.


1- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 176 .
2- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 450 و 462 ؛ المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة ، ج 1 ، ص 571 و 573 .
3- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 450 و 462 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 571 و 573 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 572 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 106 و 115 .
4- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 450 و 462 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 571 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 106 .
5- . مسند الشافعي ، ص 55 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 345 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 279 _ 280 ، ح 1056 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 177 ، ح 1142 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 100 _ 101 ، ح 374 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 341 ، ح 1284 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 396 ، ح 8272 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 101 ، ح 377 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 342 ، ح 1287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 397 ، ح 8274 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 102 ، ح 382 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 401 ، ح 8283 .
9- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 178 ، وكان في الأصل : «ابن غياث» بدل «ابن عبّاس» ، والتصويب حسب المصدر ، ولم أعثر عليه في مصادر العامّة .
10- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 459 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 319 ، ح 1303 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 343 _ 344 ، ح 1293 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 403 ، ح 8290 .
12- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 179 .
13- . المغني ، ج 1 ، ص 571 .
14- . تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 128 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 9 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 330 .
15- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 462 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 106 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 571 .
16- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 101 _ 102 ، ح 379 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 342 ، ح 1289 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 397 ، ح 8275 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 92 ، ح 344 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 393 ، ح 8264 .
19- . أورده المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 223 .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 102 ، ح 380 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 398 ، ح 7276 .
21- . الفقيه ، ج 1 ، ص 318 _ 319 ، ح 944 .
22- . في هامش الأصل : «هكذا في النسخة التي رأيت ، و الظاهر سقوط : «و بارك على محمّد و آل محمّد بعد الصلاة ، منه» . أقول : وهذه الفقرة موجودة في تهذيب الأحكام ، وزاد : «وسلّم على محمّد وآل محمّد» .
23- . الذكرى ، ج 3 ، ص 409 _ 410 . والحديث في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 99 _ 100 ، ح 373 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 393 _ 394 ، ح 8265 .
24- . المغني ، ج 1 ، ص 573 . والحديث في مسند أحمد ، ج 1 ، ص 414 ؛ وصحيح البخاري ، ج 7 ، ص 136 ؛ والسنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 138 .
25- . المدونّة الكبرى ، ج 1 ، ص 143 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 573 _ 574 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 573 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 457 ؛ مواهب الجليل ، ج 2 ، ص 250 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 106 .
26- . المغني والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 574 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 509 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 455 . والحديث في: مسند أحمد ، ج 1 ، ص 292 ، وصحيح مسلم ، ج 2 ، ص 14 ، وسنن ابن ماجة ، ج1 ، ص 291 ، ح 900 ؛ وسنن أبي داود ، ج 1 ، ص 221 ، ح 974 ، وسنن الترمذي ، ج 1 ، ص 178 ، ح 289 .
27- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 183 _ 184 .
28- . الخلاف ، ج 1 ، ص 368 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 510 _ 511 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 456 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 143 .
29- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 183 .
30- . الخلاف ، ج 1 ، ص 372 ، المسألة 131 عن الشافعي وحده ؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 143 ؛ المغني والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 575 .
31- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 186 .
32- . الذكرى ، ج 3 ، ص 406 .
33- . الخلاف ، ج 1 ، ص 369 ، المسألة 128 .
34- . ما بين الحاصرتين من الخلاف .
35- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 467 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 579 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 579 .
36- . الخلاف ، ج 1 ، ص 371 ، المسألة 129 .
37- . الناصريّات ، ص 229 .
38- . اُنظر : فتح العزيز ، ج 3 ، ص 503 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 467 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 321 ؛ تفسير القرطبي ، ج 14 ، ص 235 _ 236 .
39- . الذكرى ، ج 3 ، ص 412 .
40- . المقنع ، ص 96 .
41- . الفقيه، ج 1، ص 319.
42- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 393 ، ج 8264 .
43- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 188 .
44- . هذا هو الصحيح ، وفي الأصل «كعب الأحبار» ومثله في المصدر ط القديم ، وصحّحه محقّق الكتاب في طبعته الجديدة .
45- . الأمالى للصدوق ، المجلس 61 ، ح 5 ؛ الأمالي للطوسي ، المجلس 15 ، ح 15 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 197 ، ح 9101 ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 241 و 243 و 244 ، و ج 5 ، ص 274 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 309 ؛ صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 118 ؛ وج 6 ، ص 27 ، و ج 7 ، ص 156 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 16 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 221 ، ح 976 _ 978 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 301 _ 302 ، ح 482 ؛ سنن النسائي ، ج 3 ، ص 47 .
46- . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 155 . وقد تقدّم .
47- . سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1328 .
48- . الخلاف ، ج 1 ، ص 371 . والحديث رواه الدار قطني في سننه ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1326 .
49- . لم أعثر عليه في المقنعة ، والحديث في الذكرى ، ج 3 ، ص 407 _ 408 ، ثم قال : «وهذه الرواية عبارة المقنعة» .
50- . الخلاف ، ج 1 ، ص 371 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 159 ، ح 625 ؛ وج 4 ، ص 108 _ 109 ، ح 314 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 343 ، ح 1292 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 408 _ 409 ، ح 8298 .
51- . الأعلى (87) : 14 .
52- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 159 ، ح 625 ؛ وج 4 ، ص 108 _ 109 ، ح 314 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 343 ، ح 1292 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 999 ، ح 8301 .
53- . هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «إتمام» .
54- . الفقيه ، ج 2 ، ص 183 ، ح 2085 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 407 ، ح 8297 ؛ وج 9 ، ص 318 ، ح 12214 .
55- . الأحزاب (33) : 56 .
56- . الناصريّات ، ص 229 .
57- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 186 .
58- . اُنظر : المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 29 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 138 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 213 .
59- . مسند أحمد ، ج 6 ، ص 18 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 580 ؛ المعجم الكبير ، ج 18 ، ص 307 ؛ تلخيص الحبير ، ج 3 ، ص 504 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 290 .
60- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 393 ، ح 8264 .
61- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 188 .
62- . مسند الطيالسي ، ص 36 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 346 ، ح 1321 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 38 .
63- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 188 .
64- . سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 346 ، ذيل الحديث 1320 .
65- . للحديث مصادر ، منها : السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 431 ، ح 4046 .
66- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 396 ، ح 8272 .
67- . الحدائق الناضرة ، ج 8 ، ص 444 و 449 .
68- . هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
69- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 101 ، ح 376 ، و ص 319 ، ح 1305 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 341 ، ح 1286 ، و ص 344 ، ح 1294 . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 399 ، ح 8279 .
70- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 318 ، ح 1300 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 342 ، ح 1290 ، وص 402 ، ح 1534 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 411 ، ح 8305 .
71- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 318 ، ح 1301 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 343 ، ح 1291 ، وص 402 ، ح 1535 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 410 ، ح 8304 .
72- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 318 .
73- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 342 .
74- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 318 .
75- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 164 (حدث) .
76- . تذكرة الأحكام ، ج 3 ، ص 235 .
77- . الناصريّات ، ص 43 ؛ جوابات المسائل الميارفافيات (رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 276) .
78- . الألفيّة والنفليّة ، ص 62 ؛ البيان ، ص 94 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 183 ، الدرس 44 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 30 ؛ الذكرى ، ج 3 ، ص 243 .
79- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 198 .
80- . الكافي في الفقه ، ص 119 .
81- . وحكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 233 .
82- . الغنية ، ص 81 .
83- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 473 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 1 ، ص 588 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 194 .
84- . المغني والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 588 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 194 .
85- . المغني والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 588 .
86- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 198 .
87- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 70 .
88- . الناصريّات ، ص 209 .
89- . الخلاف ، ج 1 ، ص 376 .
90- . المقنعة ، ص 139 .
91- . النهاية ، ص 89 .
92- . الاستبصار، ج 1، ص 345، باب 198.
93- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 320 ، ذيل الحديث 1306 .
94- . السرائر ، ج 1 ، ص 241 .
95- . المهذّب ، ج 1 ، ص 95 .
96- . الخلاف ، ج 1 ، ص 376 .
97- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 279 .
98- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 430 .
99- . الذكرى ، ج 3 ، ص 421 _ 422 .
100- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 198 .
101- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 64 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 233 .
102- . الناصريّات ، ص 211 .
103- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام ، ص 521 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 397 _ 398 ، ح 1039 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 123 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 175 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 101 ، ح 275 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 22 ، ح 61 ، وص 147 ، ح 618 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 5 ، ح 3 .
104- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 338 .
105- . مسند عبد بن حميد ، ص 6 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 541 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 279 _ 280 ، ح 1056 .
106- . المعجم الأوسط ، ج 4 ، ص 318 _ 319 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1336 .
107- . الناصريّات ، ص 212 .
108- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 459 _ 460 ، ح 7077 .
109- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 432 .
110- . الفقيه ، ج 1 ، ص 33 ، ح 68 .
111- . لم أعثر عليه في كتب الشيخ و نسبه إليه في وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 417 ، ذيل الحديث 8317 .
112- . الكافي، ج 3 ، ص 69 ، باب النوادر، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 366 ، ح 963 .
113- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 320 ، ح 1307 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 345 ، ح 1032 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 416 ، ح 8313 .
114- . الثقة هو يحيى بن القاسم الأسدي (رجال النجاشي ، ص 441 ، الرقم 1187) ، وكذا ليث بن البختري (رجال ابن الغضائري ، ص 111 ، الرقم 165) ، و عند الاطلاق ينصرف أبو بصير إليهما ، فلا وجه لاحتمال غيرهما حتّى يشمل غير الثقة .
115- . رجال النجاشي ، ص 300 ، الرقم 817 .
116- . رجال الطوسي ، ص 337 ، الرقم 5021 ، ووثّقهُ النجاشي في رجاله ، ص 193 ، الرقم 517 .
117- . الأحزاب (33) : 56 .
118- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 410 ، ح 8304 .
119- . هذه العبارة وردت في الكافي ، باب من أحدث قبل التسليم ، ح 2 . ولفظ التهذيب ، ج 2 ، ص 318 ، ح 1301 : «بعد الشهادتين» بدل «بعد التشهّد» .
120- . نفس الرواية المتقدّمة عن الكافي .
121- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 320 ، ح 1306 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 345 ، ح 1301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 424 ، ح 8341 .
122- . اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 673 ، الرقم 705 .
123- . مجمع الفائدة للأردبيلي ، ج 2 ، ص 280 ، و ج 8 ، ص 216 .
124- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 349 ، ح 1446 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 413 ، ح 11047 ، وما بين الحاصرتين منهما .
125- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 323 ، ح 1322 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 405 _ 406 ، ح 1547 ؛ ورواه الكليني في الكافي ، باب ما يقطع الصلاة من الضحك والحدث و ... ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 424 ، ح 8343 ، و ج 7 ، ص 244 ، ح 9235 .
126- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 354 _ 355 ، ح 1467 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1531 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 234 _ 235 ، ح 9206 .
127- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
128- . الذكرى ، ج 3 ، ص 421 .
129- . محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم الجعفي الكوفي المعروف بأبي الفضل الصابوني ، والمشهور بين الفقهاء بصاحب الفاخر والجعفي من قدماء أصحابنا و أعلام فقهائنا ، و من كبار الطبقة السابعة ممّن أدرك الغيبتين الصغرى والكبرى ، من آثاره كتاب الفاخر ، وهو كتاب كبير يشمل على الاُصول والفروع والخطب وغيرها ، وكتاب تفسير القرآن ، وكتاب المحبّر وكتاب التحبير ، ويظهر من بعض كتب التراجم أنّه كان زيديا ثم استبصر ، وسكن مصر . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 374 ، الرقم 1022 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 265 ، الرقم 147 .
130- . الذكرى ، ج 3 ، ص 421 ، حكاه عن الرائع للراوندي ، ولم أعثر عليه .
131- . الذكرى ، ج 3 ، ص 432 .
132- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 183 ، الدرس 44 .
133- . لم أعثر عليه .
134- . اُنظر : الكافي في الفقه ، ص 119 .
135- . اُنظر : الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 183 _ 184 ، الدرس 44 .
136- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 434 .
137- . البيان ، ص 94 .
138- . الجامع للشرائع ، ص 84 .
139- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 70 .
140- . الذكرى ، ج 3 ، ص 432 _ 433 .
141- . اُنظر : فتح العزيز ، ج 3 ، ص 519 _ 524 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 473 ؛ المغني والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 588 .
142- . تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 245 .
143- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
144- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 93 ، ص 349 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 347 ، ح 1307 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 421 ، ح 8330 .
145- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 316 ، ص 1292 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 426 ، ح 8347 .
146- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 316 ، ص 1290 . ورواه الصدوق في الخصال ، ص 50 ، باب الاثنين ، ح 59 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 409 ، ح 8301 ؛ وج 7 ، ص 286 ، ح 9359 .
147- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 317 ، ح 1297 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 419 ، ح 8324 .
148- . رواه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 236 نقلاً عن جامع البزنطي ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 421 ، ح 8333 .
149- . حكاه عنهم المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 236 ، والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 246 .
150- . الفقيه ، ج 1 ، ص 320 ؛ المقنع ، ص 96 .
151- . حكاه عنهما المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 236 .
152- . الكافي في الفقه ، ص 119 .
153- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 205 .
154- . في الأصل : «هلاكة» ، والمناسب ما اُثبت .
155- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 92 _ 93 ، ح 345 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 346 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 416 ، ح 8312 صدره ، و ص 419 _ 420 ، ح 8325 بتمامه .
156- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 93 ، ح 346 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 346 ، ح 1304 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 420 ، ح 8326 .
157- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 93 _ 94 ، ح 349 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 347 ، ح 1307 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 421 ، ح 8330 .
158- . المقنع ، ص 96 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 319 .
159- . الذكرى ، ج 3 ، ص 434 .
160- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 440 .
161- . رواه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 237 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 421 _ 422 ، ح 8334 .
162- . نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 504 .
163- . النهاية ، ص 72 .
164- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 279 ؛ منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 208 .
165- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 481 ؛ مواهل الجليل ، ج 2 ، ص 231 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 30 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 138 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 194 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 588 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 589 .
166- . المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 143 .
167- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 489 _ 490 ؛ المحلّى ، ج 4 ، ص 263 .
168- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 153 .
169- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنوي ، ج 5 ، ص 220 ؛ فتح الباري ، ج 2 ، ص 280 _ 281 .

ص: 145

. .

ص: 146

. .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

. .

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

. .

ص: 156

. .

ص: 157

. .

ص: 158

. .

ص: 159

. .

ص: 160

. .

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

. .

ص: 166

. .

ص: 167

. .

ص: 168

باب القنوت في الفريضة والنافلة ومتى هو وما يجزى منه

باب القنوت في الفريضة والنافلة ومتى هو وما يجزى منهلا خلاف بين الأصحاب في ثبوت القنوت في الصلوات الخمس وغيرها من الفرائض والنوافل. ويدلّ عليه أخبار الباب ممّا تقدّم بعضها في بعض الأبواب السابقة ويأتي بعضها في بعض الأبواب الآتية. واختلفوا في وجوبه واستحبابه، فالأظهر والأشهر الثاني؛ للجمع بين ما ظاهره الوجوب وبين صحيحة البزنطيّ عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام في القنوت: «إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت». قال أبو الحسن عليه السلام : «وإذا كانت التقيّة فلا تقنت وأنا أتقلّد هذا (1) ». (2) وحسنة عبد الملك بن عمرو، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: «لا قبله ولا بعده». (3) ولابدّ من حمل نفيه رأسا على نفي وجوبه؛ إذ مطلق الرجحان متّفق عليه ومدلول أخبار متكثّرة. وذهب ابن أبي عقيل إلى الأوّل حيث قال _ على ما نقل عنه في المختلف (4) _ : «من ترك القنوت متعمّدا بطلت صلاته وعليه الإعادة»؛ محتجّا بقوله تعالى: «قُومُوا للّه ِ قانِتِين» . (5) وربّما نسب هذا القول إلى الصدوق، وكلامه في الفقيه غير صريح في ذلك، فإنّه قال: «القنوت سنّة واجبة من تركها متعمّدا في كلّ صلاة فلا صلاة»؛ (6) له إذا يحتمل أن يكون مراده بطلان صلاة من تركه في جميع الصلوات، لابناؤه عن الرغبة عنه. ويدلّ عليه قوله عليه السلام في رواية وهب بن عبد ربّه، قال: «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له». (7) واُجيب بمنع كون الأمر للوجوب، ولو سلّم فنحمله فيه على الندب للجمع. وربّما قيل: إنّه أمر بالدعاء في حال القيام مطلقا، فلا يدلّ على القنوت المخصوص. على أنّ القنوت يجيء لمعان، منها: الطاعة، (8) فلعلّه المراد هنا. وقال طاب ثراه: واختلفت العامّة وأخبارهم فيه، فقد روى مسلم (9) ستّة أخبار في أنّه صلى الله عليه و آله قنت في الصلاة، وفي اثنين أنّه قنت في الظهر والعشاء الآخرة والصبح، وفي اثنين أنّه قنت في المغرب والصبح. وفي الخلاف: روى الشافعيّ عن سفيان بن عينية، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: لما رفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأسه من الركعة الثانية من الصبح قال: «اللّهمّ انج الوليد بن الوليد وسليمان بن هشام وابن ربيعة والمستضعفين بمكّة، واشدد وطأتك على مضر وذعل وذكوان، واجعل عليهم سنين كسنى يوسف». (10) وهذا خبر صحيح ذكره البخاريّ في صحيحه. (11) وروى الدارقطنيّ بإسناده رفعه إلى أنس بن مالك، قال: ما زال رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقنت في الفجر حتّى فارق الدّنيا. (12) وروى البراء بن عازب، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يصلّي صلاة مكتوبه إلّا قنت فيها. (13) وروي عن عليّ عليه السلام : أنّه قنت في صلاة المغرب ودعا على أناس وأشياعهم. (14) وقال طاب ثراه: المعروف من مذهب مالك أنّه مستحبّ في الفجر، (15) وحكى الطبريّ الإجماع على أنّ تركه فيها غير مفسد، ونقل عن بعضهم القول بوجوبه فيها وبفسادها بتركه عمدا، وقال المازريّ: هو مشروع في الصبح، وأما في غيرها ففيه ثلاثة أقوال، الصحيح أنّه إذا نزلت نازلة من عدوّ أو قحط أو وباء أو عطش أو ضرّ ظاهر في الناس ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات. وقال بعضهم: اختلف القائلون بالقنوت في الفجر في قنوت الوتر، فقال بعضهم: لا يقنت فيه جملة، وهو رواية المصريّين عن مالك، وقال ابن مسعود والحسن: يقنت في وتر السنة كلّها، وقال أبو حنيفة: لا يقنت إلّا في وتر رمضان، وقال الشافعيّ: يقنت في النصف الأخير من رمضان فقط من ليلة ستّة عشر، وقيل: من خمسة عشر، ورواه المدنيّون عن مالك، وقال قتادة: يقنت في وتر السنة كلّها إلّا في النصف الآخر من رمضان. وأمّا القنوت في غير الفجر والوتر فغير معمول به، إلّا أن ينزل بالناس أمر فرخّص فيه الشافعيّ وبعض السّلف. (16) وهو واحد قبل الركوع في الركعة الثانية، إلّا فيما استثني من صلاة الجمعة والعيدين والآيات والوتر، كما يعرف كلّ في محلّه على المشهور، بل ادّعى في المنتهى (17) إجماع علمائنا عليه. ويدلّ عليه أكثر أخبار الباب. وفي الخلاف: محلّ القنوت قبل الركوع، وهو مذهب مالك والأوزاعيّ وابن أبي ليلى وأبي حنيفة، (18) وبه قال في الصحابة ابن مسعود وأبو موسى الأشعري، (19) وقال ابن عمر: كان بعض أصحاب النبيّ يقنت قبل الركوع وبعضهم بعده، وانفرد بأن قال: يكبّر إذا أراد أن يقنت، ويقنت ثمّ يكبر للركوع، (20) وقال الشافعيّ بعد الركوع، (21) وبه قال أبو عثمان النهديّ (22) و أنّه أخذ ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان، (23) وذكر رابعا نسيه الراويّ. (24) انتهى. وروى مسلم في صحيحة في خمسة أخبار أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قنت في صلاة الفجر بعد رفع الرأس من الركوع، وفي واحد أنّه قنت في العشاء بعده، وفي ثلاثة أخبار أنه قنت في صلاته بعد الرفع. وعن أنس بن مالك: أنّه قال: القنوت قبل الركوع. (25) ونقل عن المحقّق أنّه مال في المعتبر (26) إلى التخيير بين فعله قبل الركوع وبعده. ويدلّ عليه خبر إسماعيل الجعفيّ ومعمّر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «القنوت قبل الركوع، وإن شئت بعده». (27) وهو مع عدم صحّته وقلّة القائل به قد أوّله الفاضل الأردبيليّ على ما نقل عنه بحمله على القضاء؛ (28) إذ قضاؤه بعد الركوع على تقدير نسيانه قبله مستحبّ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم وزرارة، قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسى القنوت حتّى يركع، قال: «يقنت بعد الركوع، فإن لم يذكر فلا شيء عليه». (29) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت ينساه الرجل، فقال: «يقنت بعد ما يركع وإن لم يذكره حتّى ينصرف فلا شيء عليه». (30) بل يستحبّ قضاؤه لو لم يذكره إلّا بعد السجود، لكن بعد الانصراف من الصلاة؛ لما ذكر في الباب من رواية حريز، عن زرارة، (31) وما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، في الرّجل إذا سها في القنوت: «قنت بعد ما ينصرف وهو جالس». (32) وقال المفيد في المقنعة: «ولو لم يذكر القنوت حتّى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ»، (33) وهو تقييد من غير دليل. لكن القضاء غير مؤكّد لو لم يذكره حتّى ينصرف من الصلاة، وعليه يحمل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة؛ للجمع بينها وبين هذين الخبرين. وأمّا الدعاء فيه فيجوز بكلّ ما يخطر بباله، ويجوز بغير العربية على ما سبق؛ لصحيحة إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت وما يقال فيه؟ فقال: «ما قضى اللّه على لسانك ولا أعلم فيه شيئا مؤقّتا». (34) لكن الأفضل هو المنقولات، والأفضل منها كلمات الفرج على ما اشتهر بين الأصحاب، (35) ولم أجد في فضيلتها في جميع الصّلوات خبرا. نعم، رواها الصدوق في قنوت الوتر ويوم الجمعة، قال: وقال أبو جعفر عليه السلام : «القنوت في يوم الجمعة تمجيد اللّه والصلاة على نبيّ اللّه وكلمات الفرج، ثمّ هذا الدعاء والقنوت في الوتر كقنوتك في يوم الجمعة، ثم تقول قبل دعائك لنفسك: اللّهم تمّ نورك»، (36) الدعاء. وروي عن معروف بن خربوذ، عن أحدهما عليهماالسلامقال: «قل في قنوت الوتر: لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السماوات السّبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم، سبحان اللّه ربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم، اللّهمّ أنت اللّه نور السماوات»، (37) الدعاء. وفي المدارك: وروى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «القنوت يوم الجمعة في الركعة الاُولى بعد القراءة، تقول في القنوت: لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السماوات السّبع وربّ الأرضين السّبع وما فيهنّ وما بين بينهنّ وربّ العرش العظيم، الحمد للّه ربّ العالمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وآله كما هديتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد وآله كما أكرمتنا به، اللّهمّ اجعلنا ممّن اخترته لدينك وخلقته لجنّتك، اللّهمّ لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب». (38) وذكر الشيخ (39) وأكثر الأصحاب أنّ أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج. وقال ابن إدريس: وروي أنّها أفضله. (40) ولم أقف على ما نقله من الرواية، لكن لا ريب في استحباب القنوت بها لأنّها ثناء وذكر، وصورتها: «لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السّماوات السّبع وربّ الأرضين السّبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين»، روى ذلك زرارة في الحسن عن أبي جعفر عليه السلام . (41) وذكر المفيد رحمه اللّه وجمع من الأصحاب أنّه يقول قبل التحميد: وسلام على المرسلين. (42) وسئل عنه المصنّف في الفتاوى فجوزه؛ لأنّه بلفظ القرآن، ولا ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه عنها ليس بجيّد. (43) انتهى. كلام صاحب المدارك، وقد سبق في باب تلقين الميّت، وعرفت أنّه ورد هذه الكلمة فيها في التلقين، ولعلّ هذا القدر كاف في الإدخال، فتأمّل. قوله في موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه : (وفي الوتر الاستغفار) .[ح 9 /5107] قال طاب ثراه: هذا محمول على الأفضليّة، وقد روى صحيحا في التهذيب في قول اللّه عزّ وجلّ: «وَ بِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (44) في الوتر في آخر الليل سبعين مرّة». (45) وفي الفقيه صحيحا: «من قال [في وتره إذا أوتر]: استغفر اللّه وأتوب إليه سبعين مرّة وواظب عليها سنة كتبه اللّه [عنده] من المستغفرين بالأسحار، ووجبت له [الجنّة و ]المغفرة] من اللّه عزّوجل]». (46)

.


1- . في هامش الأصل : «نقل عن الشيخ الجليل بهاء الملّة والدين أنّه قال في تفسير قوله عليه السلام : فأنا أتقلّد هذا : يعني گناهش به گردن من . منه رحمه الله» .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 91 ، ح 340 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 340 ، ح 1281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 269 ، ح 7931 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 91 ، ح 337 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 339 ، ح 1287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 269 ، ح 7932 .
4- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 173 .
5- . البقرة (2) : 238 .
6- . الفقيه ، ج 1 ، ص 315 . وقال في الهداية ، ص 127 : «من ترك القنوت متعمّدا فلا صلاة له» .
7- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ، و مثله في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 90 ، ح 335 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 339 ، ح 1276 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 263 ، ح 7911 ، و ص 265 ، ح 7915 .
8- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 261 (قنت) .
9- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 135 _ 136 ، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة ...» .
10- . الخلاف ، ج 1 ، ص 381 . والحديث في مسند الشافعي ، ص 185 .
11- . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 195 ؛ وج 2 ، ص 15 ؛ وج 3 ، ص 234 ؛ وج 4 ، ص 122 ؛ وج 5 ، ص 171 ؛ وج 7 ، ص 118 و 165 .
12- . سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 28 ، ح 1676 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 162 .
13- . سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 27 ، 1671 . ورواه البيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 198 .
14- . الخلاف ، ج 1 ، ص 382 . ونحوه في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 245 .
15- . المدوَّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 102 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 787 .
16- . اُنظر : الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 719 _ 721 و ص 725 _ 727 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 165 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 73 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 266 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 11 _ 12 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 273 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 784 ؛ منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 214 .
17- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 226 .
18- . تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 203 ؛ عمدة القاري ، ج 6 ، ص 73 ؛ الاستذكار ، ج 2 ، ص 294 ؛ الكافي لابن عبدالبرّ ، ص 44 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 797 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 721 .
19- . عمدة القاري ، ج 6 ، ص 73 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 721 .
20- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 498 و 501 .
21- . تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 203 ؛ المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 506 ؛ الاستذكار ، ج 2 ، ص 294 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 720 .
22- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 498 ؛ المحلّى ، ج 4 ، ص 141 .
23- . المحلّى ، ج 4 ، ص 141 .
24- . الخلاف، ج 1، ص 382، المسألة 138.
25- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 135 _ 136 .
26- . المعتبر ، ج 2 ، ص 245 .
27- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 92 ، ح 343 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 341 ، ح 1283 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 267 ، ح 7926 .
28- . مجمع الفائدة ، ج 2 ، ص 304 .
29- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 160 ، ح 628 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 344 ، ح 1295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 287 _ 288 ، ح 7989 .
30- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 160 ، ح 629 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 344 ، ح 1296 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 288 ، ح 7990 .
31- . الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 160 _ 161 ، ح 631 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 345 ، ح 1298 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 287 ، ح 7987 .
33- . المقنعة ، ص 139 مع مغايرة في اللفظ والمعنى واحد . وحكاه عنه في مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 448 واللفظ له .
34- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 314 _ 315 ، ح 1281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 277 ، ح 7956 .
35- . اُنظر : مصباح المتهجّد ، ص 39 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 228 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 259 ؛ اللمعة الدمشقية ، ص 31 ؛ الذكرى ، ج 3 ، ص 289 ؛ مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 445 .
36- . الفقيه ، ج 1 ، ص 487 ، ح 1404 .
37- . الفقيه ، ج 1 ، ص 490 ، ح 1409 .
38- . الكافي ، باب القنوت في صلاة الجمعة والدعاء فيه ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 18 ، ح 64 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 275 ، ح 7952 .
39- . الاقتصاد ، ص 263 ؛ عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر ، ص 148) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 113 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 39 .
40- . السرائر ، ج 1 ، ص 228 .
41- . كتاب الجنائز من الكافي ، باب تلقين الميّت ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 288 ، ح 839 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 459 ، ح 2645 .
42- . المقنعة ، ص 74 و 107 و 124 .
43- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 445 _ 446 .
44- . الذاريات (51) : 18 .
45- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 130 ، ح 498 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 280 ، ح 7967 .
46- . الفقيه ، ج 1 ، ص 489 ، ح 1405 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 279 ، ح 7962 و مابين الحاصرات من المصدر .

ص: 169

. .

ص: 170

. .

ص: 171

. .

ص: 172

. .

ص: 173

. .

ص: 174

. .

ص: 175

باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء

باب التعقيب بعد الصلاة والدعاءاتّفق أهل العلم على استحباب تعقيب الصّلوات الواجبات منها والمندوبات بتلاوة القرآن والدّعوات، والأفضل منها المنقول، وأفضله التكبير ثلاثا، رافعا يديه عند كلّ تكبير، ثمّ قول: لا إله إلّا اللّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلّ شيء قدير. (1) ففي الوافي: (2) روى ابن طاوس في كتاب فلاح السائل (3) عن أبي أحمد جعفر بن أحمد القمّيّ بإسناده عن المفضّل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : لأيّ علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثا؟ قال: «انّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثا»، وقال: «لا إله إلّا اللّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد، يحيى ويميت، وهو على كلّ شيء قدير»، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول، فإنّه من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا القول كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر اللّه تعالى على تقوية الإسلام وجنده». (4) وبإسناده عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا سلّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثا». (5) ثمّ تسبيح فاطمة عليهاالسلام، وكفاك شاهدا على فضله ما رواه المصنّف في الباب. (6) والأفضل الجلوس فيه في المصلّى وإن كان يجوز مع الانصراف عنه ويتأكّد ذلك في الامام إذا علم أنّ فيهم مسبوقا؛ لحسنة حريز عن أبي بصير. (7) وقال طاب ثراه: الظاهر من روايات العامّة ومذاهبهم أنّ الأفضل للإمام أن يتنحّى عن مصلّاه. روى مسلم بأسانيد متعدّدة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا سلّم لم يقعد إلّا مقدار أن يقول: «اللّهمّ أنت السلام ومنك السّلام، تباركت ذا الجلال والإكرام». (8) وقال بعض علمائهم: استحبّ الفقهاء تنحّي الإمام عن محلّه عقيب سلامه؛ لأنّه موضع فضيلة استحقّه بسبب الإمامة، فيزول بزوالها. وقيل: ليراه من لم يسمع سلامه. وقال بعض الشافعيّة: إنّما يستحبّ التنّحي عن موضع الإمامة في صلاة بعدها راتبة، وأمّا الّتي لا راتبة بعدها فلا يستحبّ، (9) فإنّه يروى أنّه صلى الله عليه و آله كان يقعد في الصبح حتّى تطلع الشمس، (10) وكان بعضهم يقول: يكفي في تنحيّه الانحراف الذي يخالف هيئة الجلوس الذي كان له. قوله في خبر منصور بن يونس: (من صلّى صلاة فريضة وعقّب إلى اُخرى فهو ضيف اللّه ) إلخ.] ح 3 /5116] الظاهر أنّ المراد من الصلاتين المشتركتين في الوقت _ كالظهرين والعشائين _ فلا يشمل مثل الفجر والظهر والعصر والمغرب، فإنّ ذلك فيهما غير مستحبّ لأدائه إلى كراهة العبادة على النفس غالبا. وقد روى المصنّف في باب الاقتصاد في العبادة عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ هذا الدّين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة اللّه إلى عباده، فيكونوا كالراكب المنبتّ (11) الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى». (12) وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا علي، إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض على نفسك عبادة ربّك، إنّ المنبتّ _ يعنى المفرّط _ لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما، واحذر حذر من يتخوّف أن يموت غدا». (13) وفي النهاية الأثيريّة: يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته: قد انبتّ من البتّ، وهو القطع، وهو مطاوع بتّ، يقال: بتّه وأبتّه: يريد أنّه بقى في طريقه عاجزا لم يقضِ وطره، وقد اُعطب ظهره. (14) وقال طاب ثراه: وهل الجلوس في المصلّى انتظارا للاُخرى من غير تعقيب، أو لدفع مشقّة الرجوع عن نفسه، أو بعد دارٍ، داخل في الحكم أم لا؟ الأولى الدخول. وقال بعض العامّة: داخل بشرط أن لا يتحدّث بحديث غير علم وأن لا ينام اختيارا، وأمّا الانتظار إلى ذلك في دويرة المسجد فالأقرب عدم الدخول فيه. قوله في خبر أبي بصير: (قال: في تسبيح فاطمة عليهاالسلام تبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين، ثمّ التحميد ثلاثا وثلاثين، ثمّ التسبيح ثلاثا وثلاثين) .[ح 9 /5122] هذا الترتيب في إذكاره هو المشهور، ومثله صحيحة محمّد بن عذافر، قال: دخلت مع أبي على أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح الزهراء عليهاالسلام، فقال: «اللّه أكبر» حتّى أحصى أربعا وثلاثين مرّة، ثمّ قال: «الحمد للّه » حتّى بلغ سبعا وستّين، ثمّ قال: «سبحان اللّه » حتّى بلغ مئة، يحصيها بيده جملة واحدة. (15) وما رواه البخاري في صحيحه عن شعبة، قال: أخبرني الحكم، قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: حدّثنا عليّ: «أنّ فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى ممّا تطحن، فبلغها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُتي بسبي، فأتته تسأله خادما، فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبيّ صلى الله عليه و آله فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم، فقال: «على مكانكما»، حتّى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: «ألا أدلّكما على خير ممّا سألتماه؛ إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا أربعا وثلاثين، وأحمدا ثلاثا وثلاثين وسبّحا ثلاثا وثلاثين فإنّ ذلك خير لكما ممّا سألتماه». (16) وقد ورد من طريق الأصحاب في تلك القصّة تقديم التسبيح على التحميد، والظاهر وقوع سهو من رواتنا في النقل؛ لموافقة ما نقلوه للأخبار المذكورة. والقول بالفصل بين التعقيب والنوم كما احتمله بعض بعيد جدّا. رواه الصدوق رضى الله عنهأنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعد: «ألا اُحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ أنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرّ شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّما أنت فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ صلى الله عليه و آله فوجدت عنده حدّاثا، فاستحت فانصرفت، فعلم عليه السلام أنّها جاءت لحاجة، فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا؛ لمكاننا، [ثمّ قال: السلام عليكم فسكتنا]، ثمّ قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثا، فإن أذن له وإلّا انصرف، فقلنا: وعليك السلام يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُدخل، فدخل وجلس عند رؤوسنا، فقال: يا فاطمة، ما كانت حاجتك أمس عند محمّد، فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، فأخرجت رأسي فقلت: أنا واللّه أخبرك يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّها استقت بالقربة حتّى أثّرت في صدرها، وجرت بالرحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّما أنت فيه من هذا العمل. قال: أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبّحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وأحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة، فأخرجت فاطمة عليهاالسلام رأسها فقالت: وقد رضيت عن اللّه وعن رسوله، رضيت عن اللّه وعن رسوله». (17) وقد ورد في بعض أخبار العامّة في التعقيب تأخير التكبير أيضا. قال طاب ثراه: روى مسلم بأسانيد متعدّدة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «معقّبات لا يخيب قائلهنّ أو فاعلهنّ دبر كلّ صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحه، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة». (18) وورد في بعض أخبارهم التكبير أيضا ثلاثا وثلاثين، روى مسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عنه صلى الله عليه و آله قال: «تسبّحون وتكبّرون وتحمدون في دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين مرّة». (19) وبسند آخر عن أبي هريرة، عنه صلى الله عليه و آله قال: «من سبّح اللّه في دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد اللّه ثلاثا وثلاثين وكبّر اللّه ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون _ قال _ : تمام المئة لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كان مثل زبد البحر». (20) ويستحبّ اتّخاذ سبحة من تربة الحسين عليه السلام لعدّ تلك الأذكار وغيرها، فقد روى الشيخ في المصباح عن الصادق عليه السلام قال: «من أراد الحجر من تربة الحسين عليه السلام فاستغفر ربّه مرّة واحدة كتب اللّه له سبعين مرّة، فإن أمسك السبحة ولم يسبّح بها ففي كلّ حبّة منها سبع مرّات». (21) وعن عبد اللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: «لا يخلو المؤمن من خمس: سواك، ومشط، وسجّادة، وسبحة فيها أربع وثلثون حبّة، وخاتم عقيق». (22) قوله في خبر الخيبريّ : (في دبر كلّ صلاة) . [ح 10 /5123] قال طاب ثراه: قال المازريّ: المشهور لغة والمعروف رواية في [لفظ] دبر كلّ صلاة هو ضمّ الدال والباء، وقال المطرزيّ: أمّا الجارحة فبالضمّ، وأمّا دبر الّتي بمعنى آخر الأوقات من الصلاة وغيرها فالمعروف فيه الفتح. (23) قوله في مرسلة محمّد بن جعفر: (فيصله ولا يقطعه) . [ح 12 /5125] الوصل في التحميدات والتسبيحات ظاهر، وأمّا في التكبيرات فالظاهر أنّه وصل كلمة اللّه ثانيا وثالثا، وهكذا براء أكبر المقدّم عليها واقفا على الراء من غير سكوت وتوقّف ولا إسقاط للهمزة، على خلاف القاعدة في الوقف، وإنّما جوّز ذلك هنا للتسهيل. وقال طاب ثراه: لعلّ المراد أنّه لا يقطعه بكلام أجنبي أو بفصل من الزمان. قوله في خبر داود العجليّ: (قلن الحور العين) .] ح 22 /5135] قال طاب ثراه: قد أجاز بعض النحاة لحوق ضمير التثنية والجمع إلى الفعل إذا تقدّم على الفاعل، وقالوا: هي لغة بني الحارث، ومن كلامهم: أكلوني البراغيث، ونسبوا إلى الأخفش أنّه حمل عليه قوله تعالى: «وَ أَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ» . (24) واُورد عليه بأنّ الأخفش لا يجعل الواو ضميرا بل علامة، والفرق بين العلامة والضمير أنّ العلامة حرف والضمير اسمُ والأخفش بصريّ، والبصريّون لا يجيزون عود الضمير إلى ما بعده، إلّا في الأبواب الخمسة المعروفة الّتي ليس هذا شيئا منها. وحكي عن ابن الربيع أنّه قال: _ في أنّ مثل هذا الواو هل هي ضمير أو علامة؟ _ ثلاثة أقوال، ثالثها: أنّها ضمير إن تقدّم الاسم نحو: الزيدون قاموا، وحرف إن تقدّم الفعل نحو: قاموا الزيدون، وسيبويه وأكثر النحاة لم يجوّزوا ذلك اللحوق، وأوّلوا الآية بأنّ الاسم الظاهر ليس بفاعل، بل هو بدل عن الضمير، وكأنّه لما قيل: وأسرّوا النجوى، قيل: من هم؟ قيل: الّذين ظلموا. (25) قوله في مرفوعة أحمد بن محمّد: (سبع مرّات) إلخ] ح 23 /5136]، قيد لمسح اليد والدعاء. وفي الصّحاح: كبست البئر: طممتها. (26) قوله في خبر عبد الملك القمّيّ: (واسألك أن تعصمني من معاصيك) . [ح 26/5139] قال طاب ثراه: العصمة بمعنى المنع، يقال: عصمه الطعام، أي منعه من الجوع، واعتصمت باللّه ، أي امتنعت بلطفه من المعصية، وبمعنى الحفظ، يقال: عصمته إذا حفظته. (27) وفيه دلالة على جواز طلب العصمة عن المعاصي مطلقا، خلافا لبعض العامّة فإنّه إنّما جوزه من نوع معيّن منها لا مطلقا، مستدلّاً بأن العصمة عند المتكلمين عدم خلق القدرة على المعصية، (28) وهو مختصّ بالأنبياء عليهم السلام ، ومن ثمة أنكر بعض ملوك أفريقيّة على الخطباء قولهم: (ورضي اللّه عن الإمام المهدي المعصوم) حتّى بدّلوا ذلك بالمعصوم. وفيه: أنّه لو سلّم أنّ العصمة ما ذكر فهو معنى اصطلاحي لطائفة، والمعنى اللغوي وهو أعمّ مقدّم؛ إذ الشرع لا يبتني على اصطلاح طائفة مخصوصة.

.


1- . علل الشرائع ، ص 360 ، الباب 78 ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 320 ، ح 945 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 452 ، ح 8420 .
2- . الوافي ، ج 8 ، ص 791 .
3- . حكاه عنه في البحار ، ج 83 ، ص 22 ، ح 22 ؛ ومستدرك الوسائل ، ج 5 ، ص 51 _ 52 ، ح 5342 . ولم أعثر عليه في فلاح السائل .
4- . علل الشرائع ، ص 360 ، الباب 78 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 452 _ 453 ، ح 8420 .
5- . لم أعثر عليه ، ورواه عنه المجلسي في بحارالأنوار ، ج 83 ، ص 22 ، والنوري في مستدرك الوسائل ، ج 5 ، ص 52 ، ح 5343 .
6- . ح 6 و 7 و 13 و 14 و 15 من هذا الباب من الكافي .
7- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
8- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 95 .
9- . فيض القدير ، ج 5 ، ص 181 .
10- . صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 373 .
11- . المنبتّ : الذي أتعب دابّته حتّى عطب ظهره ، فبقي منقطعا به ، و يقال للرجل إذا انقطع في سفره و عطبت راحلته . لسان العرب ، ج 2 ، ص 7 (بتت) .
12- . الحديث الأوّل من ذلك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 109 _ 110 ، ح 269 .
13- . الحديث السادس من ذلك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 110 ، ح 270 .
14- . النهاية ، ج 1 ، ص 92 (بت) .
15- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 444 ، ح 8398 .
16- . صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 48 . ونحوه في مسند أحمد ، ج 1 ، ص 136 .
17- . الفقيه ، ج 1 ، ص 320 _ 321 ، ح 947 ؛ علل الشرائع ، ص 366 ، الباب 88 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 446 ، ح 8402 .
18- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 98 .
19- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 97 .
20- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 98 .
21- . مصباح المتهجّد ، ص 735 .
22- . نفس المصدر .
23- . كما قلت في المقدّمة : إذا يقول : «قال طاب ثراه» يريد والده قدس سره ، وقد يصرّح بذلك ، ولكن هذه الجملات بتمامها مذكورة في مرآة العقول ، ج 1 ، ص 175 ، و مابين الحاصرتين منه .
24- . الأنبياء (21) : 3 .
25- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 133 .
26- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 969 (كبس) .
27- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1986 (عصم) .
28- . اُنظر : مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 57 ؛ الملل والنحل ، ج 1 ، ص 102 .

ص: 176

. .

ص: 177

. .

ص: 178

. .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

. .

ص: 182

باب من أحدث قبل التسليم

باب من أحدث قبل التسليمظاهر المصنّف شمول قبل التسليم لما قبل الشهادة أيضا، والخبران المذكوران صريح في ذلك، ويؤكّدهما ما رواه الشيخ في الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يحدث بعدما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: «تمّت صلاته، وإنّما التشهّد سنّة، فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد». (1) وظاهر المصنّف العمل بها. واحتمل في الوافي (2) حملها على الرخصة، ويحتمل ورودها على التقيّة، والأكثر _ ومنهم الشيخ في الاستبصار _ حملوها على من أحدث بعد التشهّد الواجب وقبل زياداته المندوبة؛ للجمع بينها وبين خبر الحسن بن الجهم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل صلّى الظهر والعصر، فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: «إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه فلا يعيد، وإن كان لم يشهد قبل أن يحدث فليعد». (3) ويؤيّده ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع، كيف يصنع؟ قال: «ان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شيء ولم ينقض وضوءه، وإن خرج متلطّخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة». (4) وإليه ذهب الشيخ في الخلاف، قال: «إذا سبقه الحدث ففيه روايتان: إحداهما يعيد الصلاة، والاُخرى يعيد الوضوء ويبني على صلاته _ إلى قوله _ : والّذي أعمل عليه وأفتي به الرواية الاُولى». (5) وعدّة في المبسوط أحوط، (6) وبه قال السيّد المرتضى في الناصريّات، (7) وحكاه عن جديد الشافعيّ؛ (8) محتجّا بالإجماع والاحتياط، وبما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله من قوله: «إنّ الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين إليتية، فلا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا». (9) وما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا صلاة إلّا بطهور». (10) وما رواه أبو داود بإسناده عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضّأ، وليعد صلاته». (11) وربّما احتجّ عليه بأن الطّهارة شرط في الصلاة، وبزوال الشرط يزول المشروط، (12) وبأن الإجماع واقع على أن الفعل الكثير يبطل الصلاة، وهو حاصل هنا بالطهارة. (13) واُجيب عن الأوّل منهما بأنّه أن اُريد باشتراط الصلاة بالطهارة اشتراط وقوع جميع أجزاء الصلاة مع الطهارة فالشرط حاصل على تقدير البناء أيضا، وإن أُريد اشتراط بقاء الطهارة الّتي دخل بها في الصلاة إلى آخرها فهو عين المدّعى. وعن الثاني منهما بالمنع من كون الطّهارة فعلاً كثيرا، ثمّ يمنع كون كلّ فعل كثيرٍ مبطلاً. وما ادّعى من الإجماع غير مسموع؛ لكونه دعوى الإجماع في موضع يتنازع فيه. وفصّل المفيد والشيخ في قول آخر بين المصلّي بالتيمّم والطهارة المائيّة، ففي المقنعة: ولو كان متيمّما دخل في الصلاة فأحدث ما ينقض الوضوء من غير تعمّد ووجد الماء كان عليه أن يتطهّر بالماء ويبني على ما مضى من صلاته ما لم ينحرف عن القبلة إلى استدبارها، أو تكلّم عامدا بما ليس من الصلاة. (14) ومثله في نهاية الشيخ، (15) وبذلك جمع بين الأخبار في التهذيب، وهو منقول عن ابن أبي عقيل. (16) واستندوا في ذلك بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال: قلت له: رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم، فصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب الماء، قال: «يخرج ويتوضّأ ثمّ يبني على ما مضى من صلاته الّتي صلّى بالتيمم». (17) وصحيحتهما الاُخرى، قال: قلت له: رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة، فتيمّم وصلّى ركعتين، ثمّ أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضّأ ثمّ يصلّي؟ قال: «لا، ولكنّه يمضي في صلاته ولا ينقضها؛ لمكان أنّه دخلها وهو على طهور بتيمّم»، قال زرارة: فقلت له: دخلها وهو متيمّم فصلّى ركعة وأحدث، فأصاب ماء؟ قال: «يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته الّتي صلّى بالتيمّم». (18) ولم يعمل بهما الأكثر. ونقل في شرح الفقيه (19) عن بعض الأصحاب أنّه حمل الأحداث فيهما على الأمطار، وهو ليس ببعيد، فقد ذكر الجوهريّ أنّ الأحداث أمطار أوّل السنّة، (20) ومثله في القاموس. (21) ويؤيّده التفريع في قوله: فأصاب الماء. وفي الخلاف: والرواية الاُخرى رواها الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذىً أو ضربانا؟ فقال: «انصرف ثمّ توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا، وإن تكلّمت ناسيا فلا شيء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا»، قلت: فإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: «نعم وإن قلب وجهه عن القبلة». (22) وهي صحيحة. ومثلها خبر أبي سعيد القمّاط، قال: سمعت رجلاً يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وجد في بطنه غمزا وأذىً أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الاُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، قال: فقال: «إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك، فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلّي [فيه]، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام». قال: قلت: وإن التفت يمينا وشمالاً أو ولّى عن القبلة؟ قال: «نعم كلّ ذلك واسع، إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة، فإنّما عليه أن يبني على صلاته». (23) وهما دالّتان على البناء مطلقا ولو كان مصلّيا بالطهارة المائيّة، وهو منسوب في الناصريات (24) إلى مالك وأبي حنيفة والشافعيّ في القديم، (25) وحملتا في المشهور على التقيّة، وقد نقل عن بعض الأصحاب حمل الأمر بالوضوء فيهما على الاستحباب بناء على أنّ الأزّ والغمز ليسا بحدثين ناقضين للطّهارة. وردّ بأنّ تجديد الوضوء مع بقاء الطهارة الاُولى هنا غير مفيد لدفع ضرر الأزّ والغمز، بل هو أعظم محذورا من إتمام الصلاة بالوضوء الأوّل كما كان؛ للزوم زيادة الصبر عليهما في الصلاة فبالضرورة يكونان كنايتين عن وقوع الحدث. ولعلّ هذا مراد السيّد رضى الله عنهبقوله: «لو لم يكن الأزّ والغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف والوضوء» (26) على ما سنحكي عنه، وإلّا فلم يقل أحد بنقضهما للوضوء. ويستفاد من المدارك أنّ السيّد المرتضى والشيخ حكما بمضمون الخبرين في قول، حيث قال _ بعدما نقل القولين الأوّلين _: ونُقل عن الشيخ والمرتضى أنّهما قالا: «يتطهّر ويبني على ما مضى من صلاته». (27) ثمّ قال: واحتجّ القائلون بالبناء مطلقا بصحيحة الفضيل بن يسار، وذكر الخبر، قال: وقال المرتضى: لو لم يكن الأزّ والغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف [والوضوء]. (28) ولا يبعد القول بالتخيير مطلقا للجمع، لكنه لم ينقل عن أحد. والظاهر على القول بالبناء اشتراطه بعدم وقوع حدث آخر عنه بعد ذلك؛ لأنّه لا نصّ على المعفو عنه، وهو منسوب في الخلاف (29) إلى أبي حنيفة، وحكى فيه عن الشافعيّ أنّه قال في قوله القديم بالبناء هنا أيضا معلّلاً بأن هذا الحديث قد طرأ على حدث، فلم يكن له حكم.

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 318 ، ح 1300 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 342 ، ح 1290، و ص 1402 ، ح 1534 و فيه : «عبيد بن زرارة» بدل «زرارة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 411 ، ح 8305 .
2- . الوافي ، ج 8 ، ص 867 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 205 ، ح 596 ؛ وج 2 ، ص 354 ، ح 1467 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1531 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 234 _ 235 ، ح 9206 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 11 ، ح 20 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 82 ، ح 258 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 259 ، ح 672 .
5- . الخلاف ، ج 1 ، ص 409 _ 410 ، المسألة 157 .
6- . المبسوط ، ج 1 ، ص 117 .
7- . الناصريّات ، ص 232 .
8- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 74 _ 75 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 187 .
9- . مسند أحمد ، ج 3 ، ص 96 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 254 ، مع مغايرة في اللفظ .
10- . الفقيه ، ج 1 ، ص 33 ، ح 67 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 _ 50 ، ح 144 ، و ص 209 ، ح 605 ؛ وج 2 ، ص 140 ، ح 545 و 546 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 55 ، ح 160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 315 ، ح 829 ، وص 365 ، ح 960 ، وص 366 ، ح 965 ، وص 372 ، ح 981 ؛ وج 2 ، ص 203 ، ح 1929 .
11- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 227 ، ح 1005 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 255 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 6 ، ص 8 .
12- . المعتبر، ج 2، ص 251.
13- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 456 .
14- . المقنعة ، ص 61 .
15- . النهاية ، ص 48 .
16- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 441 .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 204 _ 205 ، ح 594 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 236 ، ح 9210 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 205 ، ح 595 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 167 _ 168 ، ح 580 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3926 .
19- . لم أعثر عليه في روضة المتّقين ، وتجده في ملاذ الأخيار ، ج 2 ، ص 175 .
20- . لم أعثر عليه في صحاح اللغة .
21- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 164 (حدث) .
22- . الخلاف ، ج 1 ، ص 411 إلى قوله : «ناسيا» . والحديث بتمامه رواه في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 332 ، ح 1370 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1533 . و رواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 367 ، ح 1060 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 236 ، ح 9209 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 355 ، ح 1468 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 237 ، ح 9211 .
24- . الناصريّات ، ص 232 .
25- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 74 ؛ فتح العزيز ، ج 4 ، ص 2 .
26- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 251 _ 252 .
27- . قاله الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 410 . وعنه وعن المرتضى في المعتبر ، ج 2 ، ص 250 . وجعل الشيخ البطلان أحوط .
28- . مدارك الأحكام ، ج 3 ، ص 455 _ 457 .
29- . الخلاف ، ج 1 ، ص 412 ، المسألة 158 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 74 .

ص: 183

. .

ص: 184

. .

ص: 185

. .

ص: 186

. .

ص: 187

باب السهو في افتتاح الصلاة

باب السهو في افتتاح الصلاةقد سبق وجوب تكبيرة الافتتاح في الصلاة وأنّها ركن من أركانها، فوجب إعادة الصلاة بتركها ولو نسيانا. ويدلّ عليه _ زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره _ ما رواه الشيخ في الموثّق عن عبد اللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبّر حتى افتتح الصلاة، قال: «يعيد». (1) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام في الّذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته، فقال: «إذا استيقن أنّه لم يكبّر [فليعد] ولكن كيف يستيقن؟». (2) وفي الصحيح عن ذريح المحاربيّ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتّى يركع، قال: «يعيد». (3) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم الآخر عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى قرأ، قال: «يكبّر». (4) وفي الصحيح عن عليّ بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام (5) عن رجل نسي أن يفتتح الصلاة حتّى يركع، قال: «يعيد الصلاة». (6) وعن أحمد بن محمّد] بإسناده عن عمّار بن موسى] قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: «يعيد الصلاة، ولا صلاة بغير افتتاح». وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتّى قام وافتتح الصلاة وهو قائم، ثمّ ذكر، قال: «يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد، وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة وهو قاعد، فعليه أن يفتتح صلاته ويقوم، فيفتتح الصلاة وهو قائم، ولا يعتدّ بافتتاحه وهو قاعد». وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم، ثمّ ذكر، قال: «يقعد ويفتتح بالصلاة ولا يعتدّ بافتتاحه الصلاة وهو قائم». (7) وقد ورد ما يعارض ذلك، رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة، فقال: «أليس كان من نيّته أن يكبّر؟» قلت: نعم. قال: «فليمض في صلاته». (8) وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال: قلت له: رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع، فقال: «أجزأه». (9) وفي الموثّق عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبّر، فبدأ بالقراءة، فقال: «إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبّر، وإن ركع فليمض في صلاته». (10) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: قلت له: الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح، فقال: «إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع، وإن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبيرة قبل القراءة وبعد القراءة»، قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال: «فليقضها ولا شيء عليه». (11) وحمل في كتابي الأخبار الأخيرة على أنّ الضمير في قوله عليه السلام : «فليقضها» للصلاة لا للتكبيرة، والشيء المنفي على العقاب، والأوّلة على الشكّ، وهو لا يتمّ في خبر أبي بصير؛ لاستلزامه اعتبار الشكّ في التكبير بعد التجاوز عن محلّه، وهو مخالف لما صرّح به الأصحاب من عدم اعتبار الشكّ بعد التجاوز عن محلّ المشكوك، وسيجيء، وما سنرويه من صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، حيث سأل فيها عن رجل شكّ في التكبير وقد قرأ، وأجاب عليه السلام بأنّه يمضي. (12)

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 142 _ 143 ، ح 556 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1325 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 13 ، ح 7220 .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 143 ، ح 558 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1327 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 13 ، ح 7219 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 143 ، ح 561 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1328 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 13 ، ح 7221 ، وفي الجميع متن الحديث موافق للحديث التالي ، ففي المذكور وقع الخلط بين الحديثين .
4- . كما قلنا آنفا متن الحديث موافق لحديث ذريح ، وأمّا رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام فلم أعثر عليه .
5- . في الأصل : «أبا عبد اللّه » ، والتصويب من المصدر .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 143 ، ح 560 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 351 _ 352 ، ح 1329 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 13 ، ح 7222 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 353 _ 354 ، ح 1466 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 503 _ 504 ، ح 7174 ، ومابين الحاصرتين منهما . وكان في الأصل قبل الفقرة الأخيرة من الحديث هكذا : «وعن ابن محبوب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام » ، فحذفناه .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 144 ، ح 565 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1330 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 15 ، ح 7226 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 144 ، ح 566 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1334 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 16 ، ح 7231 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 145 ، ح 568 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1332 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 15 ، ح 7227 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 145 ، ح 567 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 372 ، ح 1331 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 343 ، ح 1001 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 14 ، ح 7225 .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 352 ، ح 1459 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 237 ، ح 10524 .

ص: 188

. .

ص: 189

. .

ص: 190

باب السهو في القراءة

باب السهو في القراءةقد سبق وفاق أهل العلم على أنّ القراءة ليست ركنا من الصلاة. ويدلّ عليه _ زائدا على ما رواه المصنّف _ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود»، ثمّ قال: «القراءة سنّة، والتشّهد سنّة، فلا تنقض السنّة الفريضة». (1) وعن زرارة، عن أحدهما عليهماالسلامقال: «إنّ اللّه تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود، والقراءة سنّة، فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصلاة، ومن نسي فلا شيء عليه». (2) وما رواه الشيخ من موثّقة سماعة، عن أبي بصير، قال: «إذا نسي أن يقرأ في الاُولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود، وإن كانت الغداة فنسي أن يقرأ فيها فليمض في صلاته». (3) وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوّلتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ، قال: «أتمّ الركوع والسجود؟» قلت: نعم، قال: «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها». (4) وفي الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إنّ اللّه فرض من الصلاة الركوع والسجود، ألا ترى لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي». (5) وخبر الحسين بن حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الاُولى؟ قال: «اقرأ في الثّانية»، قلت: أسهو في الثانية؟ قال: «اقرأ في الثالثة»، قلت: أسهو في صلاتي كلّها؟ قال: «إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمّت صلاتك». (6) ومضمر سماعة، قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال: «فليقل: أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم، إنّ اللّه هو السميع العليم، ثمّ ليقرأها ما لم يركع، فإنّه لا صلاة له حتّى يقرأ بها في جهر أو إخفات، وأنّه إذا ركع أجزأه إنشاء اللّه ». (7) فأمّا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن الّذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال: «لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات»، (8) فهو مخصوص بتاركها عمدا؛ للجمع. وأمّا ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: قلت له: رجل نسي القراءة في الركعتين الأوّلتين فذكرها في الأخيرتين، فقال: «يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الّذي فاته في الأوّلتين في الأخيرتين [ولاشيء عليه]»، (9) فالمراد من القضاء معناه اللغوى، ومن القراءة وما عطف عليه ما يجب منها في الأخيرتين، والغرض رجحان القراءة حينئذٍ على التسبيحات فيهما.

.


1- . الفقيه ، ج 1 ، ص 339 _ 340 ، ح 991 ؛ الخصال ، ص 283 _ 284 ، باب الخمسة ، ح 35 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 152 ، ح 597 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 470 _ 471 ، ح 7090 ؛ وج 6 ، ص 91 ، ح 7427 وص 401 ، ح 8284 .
2- . الفقيه ، ج 1 ، ص 345 ، ح 1005 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 87 ، ح 7414 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 146 ، ح 572 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1338 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 90 _ 91 ، ح 7425 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 146 ، ح 571 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1337 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 92 ، ح 7428 .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 147 ، ح 575 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 310 ، ح 1153 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 42 ، ح 7292 .
6- . الفقيه ، ج 1 ، ص 344 _ 345 ، ح 1004 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 148 ، ح 579 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 355 ، ح 1342 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 93 ، ح 7430 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 147 ، ح 574 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1340 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 89 ، ح 7420 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 146 ، ح 573 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1339 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 88 ، ح 7417 .
9- . الفقيه، ج 1، ص 344، ح 1003؛ وسائل الشيعة، ج 6، ص 94، ح 7433، ومابين الحاصرتين منهما.

ص: 191

. .

ص: 192

باب السهو في الركوع

باب السهو في الركوعقد سبق أنّ الركوع ركن في مواضعه مطلقا. ويدلّ عليه _ زائدا على ما رواه المصنّف _ ما رواه الشيخ في الاستبصار عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي أن يركع، قال: «عليه الإعادة». (1) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسي أن يركع، قال: «يستقبل حتّى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه». (2) وفي الصحيح عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة». (3) فأمّا صحيحة حكم بن حكيم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو أكثر منها ثمّ يذكر، فقال: «يقضي ذلك بعينه»، قلنا: يعيد الصلاة؟ فقال: «لا»، (4) فالمراد من الركعة فيها الركعة التامّة، ومن الأكثر من السجدة سجدتان أو أكثر، لكن من الركعات المتعدّدة، كلّ منها من ركعة أو التشهّد، ولا ريب في صحّة الصلاة حينئذٍ ووجوب تدارك ما فات منها بعدها. وأمّا صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء»، (5) فهي مخصوصة بما إذا كان ذكر الركوع في محلّه. وقال الشيخ في المبسوط: تبطل الصلاة بتركه في الاُوليين من كلّ صلاة وفي الثالثة من المغرب، وأمّا في الأخيرتين من الرباعيّات فلا تبطل بتركه سهوا، بل يحذف السجدتين أو إحداهما ويعود إليه. (6) وبذلك جمع بين الأخبار في التهذيب (7) والاستبصار. (8) واستدلّ له في التهذيب بخبر الحكم بن مسكين، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، [قال:] «فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبنى على صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلّا بعدما فرغ وانصرف فليقم وليصلّ ركعة وسجدتين ولا شيء عليه». (9) وبصحيحة عيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: «يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو». (10) ولا يخفى عدم صراحة الصحيحة في ما ادّعاه، بل الظاهر المتبادر من الركعة فيها الركعة التّامة، ونسيانها غير مبطل للصلاة كما قلناه في صحيحة الحكم بن حكيم. وأمّا خبر الحكم بن مسكين فهو مع ندرته وعدم صحّته غير صريح في التفصيل الّذي ادّعاه، بل هو شامل لنسيان الركوع في الركعتين الأوّلتين أيضا، فلا يجوز الاستدلال به عليه. نعم، يمكن حمله عليه إن كان له شاهد، وكأنّه لذلك لم يفعل في الاستبصار كذلك، بل أورده أيضا معارضا ثمّ أوّله بما ذكر من التفصيل. ولمّا لم يكن له شاهد من الأخبار لم يجز ذلك، فلو قيل به لينبغي القول به مطلقا، كما قال به بعض الأصحاب على ما حكاه عنه في المبسوط (11) من غير أن يعيّن قائله. وحكاه في الجمل (12) والاقتصاد (13) أيضا كذلك على ما نقل عنهما في المختلف. (14) وقد فصّل في النهاية تفصيلاً آخر وأجرى الحكم في ركوع الركعتين الأوّلتين أيضا، فقد قال: فإن تركه _ يعني الركوع _ ناسيا ثمّ ذكر في حال السجود وجب الإعادة، فإن لم يذكر حتّى صلّى ركعة اُخرى ودخل في الثالثة ثمّ ذكر أسقط الركعة الاُولى وبنى كأنّه صلّى ركعتين، وكذلك إن كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في الثالثة أسقط الثانية وجعل الثالثة ثانية وتمّم الصلاة، فإن لم يذكر أصلاً مضى في صلاته وليس عليه شيء. (15) وكأنّه تمسّك فيه بعموم ما روي في الصحيح عن الحسين بن عليّ الوشّا، عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «الإعادة في الركعتين الأوّلتين، والسهو في الركعتين الأخيرتين» (16) ونظائره من الأخبار التي يأتي في الشكّ في عدد الركعتين الأوّلتين، وهي مختصّة بذلك في عددهما. وفصّله عليّ بن بابويه تفصيلاً آخر على ما نقل عنه في المختلف أنّه قال: وإن نسيت الركوع وذكرت بعد ما سجدت في الركعة الاُولى فأعد صلاتك؛ لأنّه إذا لم يثبت لك الاُولى لم تثبت لك صلاتك، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل الثالثة ثانية والرابعة ثالثة. (17) وقد حكاه عن ابن الجنيد إلّا أنّه قال: إعادة الصلاة أفضل إذا كان السهو في الركعتين الأوّلتين، ويفهم منه جريان الحكم في الركعة الاُولى أيضا _ كما هو قول الشيخ في النهاية (18) _ فقد قال: لو صحّت له الاُولى وسها في الثانية لم يمكنه استدراكه كأن أيقن وهو ساجد أنّه لم يكن ركع، فأراد البناء على الركعة الاُولى الّتي صحّت له رجوت أن يجزيه ذلك، ولو أعاد إذا كان في الأوّلتين وكان الوقت واسعا كان أحبّ إليّ. (19) ولم أجد لهما مستندا أصلاً. نعم، الاحتياط يقتضي إتمام الصلاة هذه ثمّ إعادتها؛ خروجا من الخلاف. قوله في حسنة زرارة: (إذا استيقن أنّه قد زاد في الصلاة المكتوبة ركعة) . الظاهر بالنظر إلى عنوان الباب والفتاوى حمل الركعة على الركوع.

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 149 ، ح 584 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 356 ، ح 1346 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 313 ، ح 8059 .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 149 ، ح 583 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 356 ، ح 1347 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 313 ، ح 8057 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 148 ، ح 580 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 355 ، ح 1343 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 313 ، ح 8058 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 150 ، ح 588 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 357 ، ح 1350 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 314 ، ح 8061 ؛ وج 8 ، ص 200 ، ح 10419 .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 350 ، ح 1450 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 316 ، ح 8066 ؛ وج 8 ، ص 244 ، ح 10545 .
6- . المبسوط ، ج 1 ، ص 109 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 149 ، ذيل الحديث 584 .
8- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 356 ، ذيل الحديث 1348 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 149 ، ح 585 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 356 ، ح 1348 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 314 ، ح 8062 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 149 ، ح 586 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 315 ، ح 8063 .
11- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 119 .
12- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 186) .
13- . الاقتصاد ، ص 265 .
14- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 357 .
15- . النهاية ، ص 88 .
16- . الكافي، باب السهو في الركعتين الأوّلتين، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 177، ح 709؛ الاستبصار، ج 1، ص 364، ح 1386؛ وسائل الشيعة، ج 8، ص 190، ح 10384.
17- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 363 .
18- . النهاية ، ص 88 .
19- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 363 .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

باب السهو في السجود

باب السهو في السجودالمشهور أنّهما معا ركن، بمعنى بطلان الصلاة بزيادة سجدتين وبنقصانهما جميعا في ركعة واحدة من أيّ الركعات. ويظهر من الشيخ في النهاية (1) الفرق بين الأمرين وبطلان الصلاة بالثاني مطلقا، وتخصيص فسادها بالأوّل بما إذا زيدتا في الركعتين الأوّلتين على ما يفهم ممّا نقلنا عنه. وحكى عنه في المختلف (2) التصريح بذلك فينقصانهما أيضا في الجمل (3) والاقتصاد، (4) فقد نقل أنّه قال فيهما: «من ترك ناسا سجدتين في ركعة من الاُوليين أعاد الصلاة، وإن كانتا من الأخيرتين بنى على الركوع في الاُولى وأعاد السجدتين». وحكى أيضا عنه أنّه قال في موضع من المبسوط: «من ترك سجدتين من ركعة من الركعتين الأوّلتين حتّى يركع فيما بعدها أعاد على المذهب الأوّل، وعلى الثاني يجعل السجدتين في الثانية الأوّلة وبنى على صلاته». (5) وأشار بالمذهب الثاني إلى ما نقله عن بعض الأصحاب من التلفيق، وقد تقدّم أيضا قولا عليّ بن بابويه وابن الجنيد من تخصيص فساد الصلاة بالأوّل بالركعة الاُولى. و يدلّ على القول المشهور ما سبق من قوله عليه السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود». (6) وما رواه الشيخ عن عليّ بن إسماعيل، [عن رجل]، عن معلّى بن خنيس، قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسي السّجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته، ثمّ يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، ونسيان السجدة في الأوّلتين والأخيرتين سواء». (7) وفي المختلف: ولأنّهما ركن، وترك الركن مبطل، والمقدّمتان إجماعيّتان؛ ولأنّ ترك الركوع إذا كان مبطلاً مطلقا أبطل ترك السجدتين، والمقدّم حقّ فالتالي مثله، والشّرطية إجماعية؛ إذ لا قائل بالفرق، وبيان صدق المقدّم ما تقدّم. (8) وأشار به إلى ما دلّ على بطلان الصلاة بترك الركوع مطلقا. وأمّا الشيخ فكأنّه استند في المنقول عنه بعموم صحيحة عليّ بن الوشّا المتقدّمة، وقد عرفت جوابه. واستدلّ له في المختلف (9) بأنّ السجدتين مساويتان للركوع في جميع الأحكام، وقد ثبت جواز التلفيق فيه فليجر هنا أيضا. و أجاب عنه بمنع الحكم في الركوع. وضعّفه أيضا صاحب المدارك بأنّه مجرّد دعوى عارية من الدليل. (10) هذا، ويظهر من خبر المعلّى أنّه إذا ذكرهما قبل الركوع ولو بعد القراءة يسجد ويعيد القراءة، ويسجد للسهو بعد الانصراف من الصلاة؛ لزيادة القيام والقراءة، وهو المشهور بين الأصحاب. وقال المفيد في المقنعة: «إن ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كلّ حال، وإن نسي واحدة منهما ثمّ ذكرها فيالركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها، ثمّ قام». (11) ونقل في الذكرى (12) مثله عن أبي الصلاح. (13) وظاهرهما بطلان الصلاة بترك السجدتين ولو ذكرهما قبل الركوع، وبه قال ابن إدريس. (14) وردّ بأنّ القيام والقراءة إن كانا انتقالين عن محلّ السجود لم يعد إلى الواحدة أيضا، وإلّا عاد إليهما مطلقا، ولا فارق من النصّ. وأمّا إحدى السجدتين فالمشهور بين الأصحاب _ منهم الشيخ في أكثر كتبه (15) _ أنّ نسيانها موجب للتدارك في الصلاة إن ذكرها قبل الركوع، وبعدها إن ذكرها بعده، سواء كانت من الأوّلتين أم الأخيرتين. ويدلّ عليه عموم أكثر أخبار الباب، وخصوص ما رواه الشيخ في الاستبصار عن محمّد بن سنان، عن أبي بصير، (16) وفي التهذيب عنه عن ابن مسكان عن أبي بصير _ وهو الظاهر _ قال سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها مالم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو». (17) وفي الموثّق عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل نسى فذكرها بعد ما قام وركع، قال: «يمضي في صلاته ولا يسجد حتّى يسلّم، فإذاسلّم سجد مثل ما فاته»، قلت: وإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره». (18) و في الصحيح عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنّه قد تركها فليسجد بعدما يقعد قبل أن يسلّم، وإن كان شاكّا فليسلّم ثمّ ليسجدها، وليتشهّد تشهّدا خفيفا، ولا يسمّيها نقرة، فإنّ النقرة نقرة الغراب». (19) وفي الصحيح عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي أن يسجد سجدة من الثانية حتّى قام فذكرها وهو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمضِ على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها، فإنّها قضاء». (20) وعن محمّد بن منصور، قال: سألته عن الذي ينسي السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شكّ فيها، فقال: «إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلّا مرّة واحدة، فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة، وتضع وجهك مرّة واحدة، وليس عليك سهو». (21) وفرّق الشيخ رحمه اللهفي كتابي الأخبار فخصّ ذلك بالركعتين الأخيرتين من الرباعيّة وقال: تبطل الصلاة بتركهما في غيرهما، مستندا بما رواه المصنّف في الصحيح وغيره عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، (22) وقد رواه الشيخ رحمه اللهفي التهذيب بهذا السند عنه، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يصلّي ركعتين، ثمّ ذكر في الثانية وهو راكع أنّه ترك سجدة في الاُولى، قال: «كان أبو الحسن عليه السلام يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الاُولى فلم تدرِ واحدة أو ثنتين استقبلت حتّى يصحّ لك ثنتان، وإذا كان (23) في الثالثة والرابعة فترك سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود». (24) وهو مطرح؛ لندرته وعدم قابليّته للمعارضة للأخبار المتكثّرة. واحتمل في المختلف إرادة الإتيان بالسجود المشكوك فيه من الاستقبال لا استقبال الصلاة، وقال: قوله عليه السلام : «إذا كان في الثالثة والرابعة فترك سجدة» راجعا إلى من تيقّن ترك السجدة في الأوّلتين، فإنّ عليه إعادة السجدة؛ لفوات محلّها، ولا شيء عليه لو شكّ بخلاف مالو كان الشكّ في الاُولى؛ لأنّه لم ينتقل عن محلّ السجود فيأتي بالمشكوك فيه. (25) وأنت خبير بعدم إمكان ما ذكره من الاحتمال على ما رواه المصنّف؛ لصراحته في استقبال الصلاة، والظاهر سقوط لفظ «الصلاة» فيما رواه الشيخ من الرواة أو من قلمه قدس سرهسهوا. واعلم أنّ الشكّ فيما ذكر في هذه الأبواب من التكبير والركوع والسجود يوجب التدارك إن كان قبل الانتقال إلى فعل آخر من أفعال الصلاة، ولا أتركه إن كان بعده على المشهور، وهذه قاعدة مطّردة في جميع أفعال الصلاة وأذكارها، بل في مقاماتها أيضا؛ لصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة، قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في التكبير وقد قرأ؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في القراءة وقد ركع؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال: «يمضي على صلاته»، ثمّ قال: «يا زرارة، إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء». (26) وفي آخر صحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّمة، وقال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إن شكّ في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن شكّ في السجود بعدما قام فليمض، كلّ شيء ممّا جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه». (27) وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّما شككت فيه بعدما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد». (28) وصحيحة الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حمّاد بن عثمان: أشكّ وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا؟ فقال: «قد ركعت فامض». (29) وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال: سألته عن رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال: «يمضي في صلاته». (30) وموثّقة أبان بن عثمان _ ويعدّ كالصحيح لإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (31) _ عن عبد الرّحمان بن أبي عبداللّه ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل [أ]هوى إلى السجود فلايدري أركع أم لم يركع؟ قال: «قد ركع». (32) ومثله موثّقه الآخر عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أستتمّ قائما فلا أدري أركعت أم لا؟ قال: «بلى قد ركعت فامض في ذلك، (33) فإنّما ذلك من الشيطان»، (34) بناء على أنّ القيام المحكوم باستتمامه القيام بعد السجود لا بعد القراءة كما لا يخفى. وصحيحة عمران (35) الحلبيّ، قال: قلت الرجل يشكّ وهو قائم، فلا يدري أركع أم لا؟ قال: «فليركع». (36) وموثّق أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل رفع رأسه من السجود فشكّ قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»، قلت: «فرجل نهض من سجوده قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد». (37) والانتقال إلى مقدّمات الأفعال ليس في حكم الانتقال إليها، فلا يضرّ في اعتبار الشكّ الهويّ إلى السجود قبل أن يضع الجبهة على الأرض والنهوض إلى القيام قبل أن يستتمّ قائما؛ للتبادر. ويشعر به بعض ما ذكر من الأخبار، فليحمل على السجود الهويّ إليه في موثّق أبان بن عثمان المتقدّم. وإطلاق هذه الأخبار يقتضي جريان الحكم في الركن و في الركعتين الأوّلتين أيضا كما هو المشهور. وفصّل الشيخ رحمه اللهفي النهاية (38) فجعل الشكّ في الركوع والسجود في الأوّلتين مبطلاً، واستقربه العلّامة في التذكرة (39) على ما نقل عنه صاحب المدارك (40) معلّلاً بأنّ ترك الركن سهوا كعمده، فالشكّ فيه في الحقيقة شكّ في الركعة؛ إذ لا فرق بين الشكّ في فعلها وعدمه وبين الشكّ في فعلها على وجه الصحّة والبطلان. وأورد عليه بقوله: «وحاصل ما ذكره: أنّ الشكّ في الركن على هذا الوجه شكّ في إعداد الأوّلتين، وهو ممنوع». وقدخالف أيضا فيها في الشكّ في السجدة في الركعتين الأخيرتين، فأوجب تداركها مالم يركع حيث قال في الأخيرتين: فإن شكّ في السجدتين وهو قاعد أو قد قام قبل أن يركع فسجد السجدتين _ إلى قوله _ : فإن شكّ بعدما يركع مضى في صلاته وليس عليه شيء، وإن شكّ في واحدة من السجدتين وهو قاعد أو قائم قبل الركوع فليسجد، فإن كان شكّه فيها بعد الركوع مضى في صلاته وليس عليه شيء. (41) وفي المختلف: احتجّ الشيخ (42) بالاحتياط، فإنّ الذمّة مشغولة بالصلاة قطعا، فلايخرج عن عهدة التكليف إلّا بيقين، ومع الشكّ في الصلاة لا يقين. وما رواه الفضل بن عبد الملك في الصّحيح، قال: قال لي: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك». (43) وعن عنبسة بن مصعب، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام (44) : «إذا شككت في الأوّلتين فأعد»، (45) وهو يتناول صورة النزاع؛ ولأنّ الركوع جزء ماهيّة الركعة، والشكّ في الجزء يستلزم الشكّ في الماهية. ولو شكّ في الركعة الاُولى أو الثانية بطلت صلاته إجماعا، فكذا لو شكّ في الملزوم. ولأنّ مسمّى الركعة إنّما يتمّ بالركوع؛ لاستحالة صدق [المشتقّ بدون] المشتقّ منه، فإذا شكّ في المشتقّ منه حصل الشكّ في المشتقّ. والجواب عن الروايتين: أنّا نقول بموجبهما وهو الشكّ في العدد، والاحتياط معارض بالبراءة، والشكّ فيالجزء لا يستلزم الشكّ في باقي الأجزاء، والإعادة منوط بالشكّ في جميع الأجزاء، وهو مسمّى الركعة، وهو الجواب عن الأخير. (46) انتهى. ومثل الخبرين في الدّلالة على قول الشيخ وفي الجواب ما رواه الصّدوق عن عامر بن جذاعة أنّه قال: «إذا سلمت الركعتان الأوّلتان سلمت الصلاة». (47) وصحيحة الوشّا، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام : «الإعادة في الركعتين الأوّلتين والسّهو في الركعتين الأخيرتين»، (48) وغيرها من الأخبار الّتي تأتي في الشكّ في عددهما. هذا، وقد ذكر الشيخ في النهاية (49) أنّه إذا شكّ في الأخيرتين في الركوع قائما يركع، فإن ذكرفي حال ركوعه أنّه كان قد ركع أرسل نفسه إلى السجود من غير أنّ يرفع رأسه. وتبعه الأكثر، لكنّهم أطلقوا ذلك من غير تقييد بالركعتين الأخيرتين. (50) ومقتضى ركنيّة الركوع بطلان الصلاة بذلك، كما اختاره العلّامة فيالمختلف، (51) وعدّه المحقّق في النافع (52) والشرائع (53) أشبه. على أنّه تغيير لهيئة الصلاة المتلقّاة من الشارع. ويؤيّده عموم خبر أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، (54) خرج عنه ما خرج بدليل وبقي الباقي. وخصوص ما تقدّم ممّا دلّ على بطلان الصلاة بزيادة الركوع، وهو ظاهر ابن أبيعقيل، فإنّه قال _ على ما حكي عنه _ : «ومن شكّ في الركوع وهو قائم ركع، فإن استيقن بعد ركوعه أعاد الصلاة». (55) وفي المختلف: احتجّ الشيخ بأنّه مع الذكر قبل الركوع ينحني، فكذا قبل الانتصاب؛ لأنّه فعل لابدّ منه، فلا يكون مبطلاً. والجواب: أنّ انحناءه بنيّة الركوع غير الانحناء بنيّة السّجود، فالأوّل مبطل بخلاف الثاني. (56) ولو ذكر بعدما تدارك ما شكّ فيه من السّجود وأنّه كان قد فعله بطلت الصلاة إن كان ما تداركه سجدتين؛ لتحقّق زيادة الرّكن، وإن كان سجدة واحدة فاختلف في بطلان الصلاة بها، والمشهور العدم؛ معلّلين بأنّ هذاالتدارك وإن كان عمدا لكنّه لما كان بسبب الشكّ في فعلها كان بمنزلة السهو. ولأنّه فعل مأمور به بمقتضى الأخبار، فلا يستعقب الإعادة. ولعموم قوله عليه السلام : «لا يعيد صلاته من سجدة» (57) في ما تقدّم. و خصوص ما سبق عن عبيد بن زرارة، قال: سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل شكّ فلم يدر أسجد اثنتين أم واحدة، فسجد اُخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال: «لا واللّه ، لا يفسد الصلاة زيادة سجدة»، وقال: «لا يعيدالصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة». (58) وحكى في المختلف (59) عن السيّد المرتضى (60) وابن أبي عقيل وأبي الصّلاح (61) بطلان الصلاة بذلك حملاً لها على الركوع. وأجاب عنه بالفرق بأنّ الركوع ركن بخلاف السّجدة الواحدة وبهذا القول أفتى المصنّف في ذيل باب من شكّ في صلاته كلّها، وكأنّه تمسّك بأنّه عامد وتلك الزيادة فليس في حكم زيادتها سهوا.

.


1- . النهاية ، ص 88 .
2- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 366 .
3- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 186 و 188) .
4- . الاقتصاد، ص 265.
5- . المبسوط ، ج 1 ، ص 120 .
6- . وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 371 _ 372 ، ح 980 ؛ وج 4 ، ص 312 ، ح 5241 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 154 ، ح 606 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1363 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 366 ، ح 8197 .
8- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 367 .
9- . نفس المصدر .
10- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 220 .
11- . المقنعة ، ص 138 .
12- . الذكرى ، ج 4 ، ص 38 .
13- . الكافي في الفقه ، ص 119 .
14- . السرائر ، ج 1 ، ص 241 .
15- . الخلاف ، ج 1 ، ص 454 ، المسألة 198 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 120 .
16- . والمذكور فيه : «محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير» كما في التهذيب .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 152 ، ح 598 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 358 _ 359 ، ح 1360 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 365 _ 366 ، ح 8196 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 153 _ 154 ، ح 604 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1362 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 364 ، ح 8194 ؛ وج 8 ، ص 245 ، ح 10548 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 156 ، ح 609 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 360 ، ح 1366 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 370 ، ح 8208 .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 153 ، ح 602 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1361 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 364 ، ح 8193 .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 155 ، ح 607 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 360 ، ح 1365 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 366 ، ح 8198 .
22- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
23- . ي هامش الأصل : «كنت ، منه» .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 154 ، ح 605 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 360 ، ح 1364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 365 ، ح 8195 .
25- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 369 .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 352 ، ح 1459 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 237 ، ح 10524 .
27- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 153 ، ح 602 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1359 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 317 _ 318 ، ح 8071 ، وص 369 ، ح 8205 .
28- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 352 ، ح 1460 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 246 ، ح 10551 .
29- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 151 ، ح 593 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1355 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 317 ، ح 8068 ، والمذكور في هذه الرواية : «امض» ، وأمّا قوله عليه السلام : «قد ركعت فامض» فقد ورد في رواية صفوان ، عن حمّاد بن عثمان ، وهي الرواية التالية في هذه المصادر .
30- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 151 ، ح 595 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1357 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 318 ، ح 8072 .
31- . اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 673 ، الرقم 705 .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 151 ، ح 596 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1358 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 318 ، ح 8073 .
33- . كذا بالأصل ، وفي المصادر : «فامض في صلاتك» .
34- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 151 ، ح 592 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 357 ، ح 1354 ؛ وسائل الشيعة، ج 6 ، ص 317 ، ح 8070 .
35- . في الأصل «حمران» ، والتصويب من مصادر الحديث .
36- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 150 ، ح 589 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 357 ، ح 1351 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 315 _ 316 ، ح 8064 .
37- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 153 ، ح 603 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 361 _ 363 ، ح 1371 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 369 ، ح 8207 .
38- . النهاية ، ص 92 .
39- . تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 316 .
40- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 248 .
41- . النهاية ، ص 92 _ 93 .
42- . المبسوط ، ج 1 ، ص 122 .
43- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 ، ح 707 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 190 ، ح 10387 .
44- . في هامش الأصل : «هو مضمر في التهذيب ، منه قدس سره» .
45- . الكافي ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 176 ، ح 701 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 363 ، ح 1378 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 190 _ 191 ، ح 10388 .
46- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 359 _ 360 .
47- . الفقيه ، ج 1 ، ص 346 _ 347 ، ح 1010 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 188 ، ح 10377 .
48- . الكافي ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 ، ح 709 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1386 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 190 ، ح 10384 .
49- . النهاية ، ص 92 .
50- . اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 357 _ 358 .
51- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 360 .
52- . المختصر النافع ، ص 44 .
53- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 87 .
54- . الكافي ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 194 ، ح 764 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 376 ، ح 1429 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 231 _ 232 ، ح 10509 .
55- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 390 ؛ والعلّامة في تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 301 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 318 ؛ ومختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 360 .
56- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 361 .
57- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 319 ، ح 8077 .
58- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 156 ، ح 611 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 319 ، ح 8077 .
59- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 373 _ 374 .
60- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 36) .
61- . الكافي في الفقه ، ص 119 .

ص: 196

. .

ص: 197

. .

ص: 198

. .

ص: 199

. .

ص: 200

. .

ص: 201

. .

ص: 202

. .

ص: 203

. .

ص: 204

. .

ص: 205

باب السهو في الركعتين الأوّلتين

باب السهو في الركعتين الأوّلتينأراد قدس سره الشكّ في عدد الاُوليين وكذا في الباب الآتي، وفي المنتهى: لو شكّ في عدد الثنائيّة [كالصبح] وصلاة السفر والجمعة والكسوف وفي الثلاثيّة وفي الاُوليين من غيرها من الرباعيّات أعاد، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ابن بابويه، فإنّه جوّز له البناء على الأقلّ والإعادة. (1) وعدّ ذلك في الانتصار (2) من منفردات الإماميّة، واحتجّ عليه بإجماع الطائفة، وكأنّه لم يعتدّ بمخالفة الصدوق؛ لتحقق الإجماع قبله وبعده. ويدلّ عليه _ زايدا على ما رواه المصنّف في هذا الباب والذيبعده _ وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أباجعفر عليه السلام عن رجل شكّ في الركعة الاُولى، قال: «يستأنف». (3) وعن إسماعيل الجعفيّ وابن أبي يعفور عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهم السلام أنّهما قالا: «إذا لم تدرِ أواحدة صلّيت أم ثنتين فاستقبل». (4) وفي الصحيح عن موسى بن بكر، قال سألهُ الفضيل (5) عن السهو، فقال: «إذا شككت في الأوّلتين فأعد». (6) وقال في صلاة المغرب: «إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك». (7) وفي الصّحيح عن رفاعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لا يدري أركعة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يعيد». (8) وفي الصّحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سهوت في الرّكعتين الأوّلتين فأعدها حتّى تثبتهما». (9) وقال: «إذا سهوت في المغرب فأعد صلاتك». (10) وفي الصّحيح عن البقباق، قال: قال لي: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك». (11) وقد سبق في بعض الأخبار ذلك ويأتي بعض آخر في الباب الآتي. وربّما احتجّ عليه بالاحتياط؛ لاشتغال الذمّة بها بيقين، فلابدّ من حصول البراءة أيضا بيقين، وهو إنّما يتحقّق بالإعادة. والاحوط البناء على الأقلّ ثمّ الإعادة، وقد ورد في البناء على الأقلّ أخبار متكثّرة من الطريقين، وهو منقول في المنتهى (12) عن الشافعيّ، (13) وفي إحدى الروايتين عن الثوريّ، (14) وعن أحمد أيضا، لكن في المنفرد وفي الإمام في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الاُخرى عنه أنّه يبني على غالب ظنّه . (15) فمن طريق العامّة ما رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا شكّ أحدكم في صلاته فليلغ الشكّ وليبنِ على اليقين ». (16) وأبو سعيد الخدريّ ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا شكّ أحدكم فليلغ الشكّ وليبنِ على اليقين» . (17) ومن طريق الأصحاب صحيحة عليّ بن يقطين ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لايدري كم صلّى واحدة أم اثنتين [أم ثلاثا]؟ قال : يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهّد تشهّدا خفيفا ». (18) وموثّقة عبد الكريم بن عمرو، عن عبد اللّه بن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة ؟ قال: «يتمّ بركعة ». (19) وخبر الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة ؟ قال : «يتمّ »، كذا في الاستبصار (20) وفي بعض الكتب بضميمة «بركعة ». (21) وخبر عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام في الرجل لا يدري أركعة صلّى أم اثنتين ؟ قال : «يبني على الركعة ». (22) وخبر محمّد بن أبي حمزة عن الجبليّ (23) وعليّ عن أبي إبراهيم عليه السلام في السهو في الصلاة ، قال: «يبني على اليقين ويأخذ بالحزم، ويحتاط في الصلاة كلّها». (24) وخبر إسحاق بن عمّار، قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : «إذا شككت فابن على اليقين »، قال : قلت : هذا أصل ؟ قال : «نعم». (25) ورواية عنبسة، قال: سألته عن الرجل لا يدري ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثا؟ قال: «يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها فاتحة الكتاب ، ويسجد سجدتي السهو ». (26) ورواية سهل بن اليسع، عن الرضا عليه السلام أنّه : [قال] «يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهّد تشهّدا خفيفا». (27) وجمع الصدوق (28) بينهما وبين الأخبار المتقدّمة بالتخيير، وقال: الأصل فيه الإعادة والبناء على الأقلّ من باب الرخصة على ما مرّت الإشارة إليه. وله قول آخر في المقنع على ما سيجيء في الباب الآتي. وحملها الشيخ في كتابي الأخبار على الشكّ في النوافل، وقال في الاستبصار: «النوافل عندنا لا سهو فيها ويبني المصلّى إن شاء على الأقلّ، وإن شاء على الأكثر، والبناء على الأقلّ أفضل». (29) وفي المختلف: (30) أنّ البناء على اليقين إنّما يتحقّق بالإعادة. وهذا التأويل لا يجرى في أكثر ما ذكر من الأخبار. وحكى في المختلف عن عليّ بن بابويه أنّه قال: «فإن شككت فلم تدرِ واحدة صلّيت أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صلّيت ركعتين من قيام وركعتين من جلوس». (31) وظاهره أنّه يبني على الأكثر ثمّ يحتاط بما ذكر. ولم أعثر على مستند له. نعم، في الفقيه: وقد روي أنّه _ يعني الرضا عليه السلام _ قال: «يصلّي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس». (32) وحكى أيضا عنه أنّه قال: «إذا شككت في الركعة الاُولى والثانية فأعد صلاتك، فإن شككت مرّة اُخرى فيهما وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها واجعلها ثانية، فإذا سلّمت صلّيت ركعتين [من قعود ]باُمّ القرآن، وإن ذهب وهمك إلى الاُولى جعلتها الاُولى وتشهّدت في كلّ ركعة، فإذا استيقنت بعدما سلّمت أنّ التي بنيت عليها كانت ثانية وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء؛ لأنّ التشهّد حائل بين الرابعة والخامسة، وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صلّيت ركعة من قيام وإلّا ركعتين وأنت جالس». (33) ويدلّ على ما ذكر من اعتبار الظنّ الذي عبّر عنه بذهاب الوهم ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع، أفهمت؟» قلت : نعم، (34) وما سيأتي من اعتبار ذلك في الركعتين الأخيرتين. وحكى في المنتهى (35) عن أبي حنيفة أنّه قال: إن كان أوّل ما أصابه أعاد الصلاة، وإن تكرّر تحرّى وعمل على ما يؤدّي تحرّيه إليه. (36) وفي رواية عن الثوريّ أنّه يتحرّى، (37) محتجين بما رواه ابن مسعود: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «إذا شكّ أحدكم فليتحرَّ الصّواب وليبن عليه ويسجد سجدتي السهو». (38) وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينتظر، أحرى ذلك إلى الصواب، فليبن عليه». (39) والتفصيلان المنقولان من غير مفصّل إذا ما دلّ على اعتبار الظنّ مطلق غير مقيّد بالمرّة الثانية، وكذا ما دلّ على التحرّي. وصرّح بعض الأصحاب بوجوب التحرّي وعدم بطلان الصلاة بمجرد الشكّ، وهو حري بالقبول؛ لما دلّ على أنّ الفقيه لا يعيد الصلاة، رواه الشيخ في باب الزيادات من التهذيب في الصحيح عن عبد اللّه الحجّال، عن إبراهيم بن محمد الأشعري، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «ما أعاد الصلاة فقيه قط، يحتال لها ويدبّرها حتّى لا يعيدها». (40) ويؤيّده ما تقدّم من الخبرين. وفي المختلف: نقل الشيخ (41) وغيره عن بعض علمائنا إعادة الصلاة بكلّ سهو يلحق الركعتين الأوّلتين، سواء كان في أفعالهما أو في عددهما، وسواء كان في الأركان من الأفعال أو غيرها. (42) انتهى . قال به المفيد في المقنعة ، حيث قال في باب أحكام السّهو في الصلاة : «وكلّ سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأوّلتين من فرائضه حتّى يلتبس عليه ما صلّى منهما أو ما قدّم وأخّر من أفعالهما فعليه لذلك إعادة الصلاة ». (43) وفي النسيان وافق المشهور في الباب الذي قبله ، قال : وإن نسي واحدة منهما _ يعني من السّجدتين _ ثمّ ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها، ثمّ قام فاستأنف القراءة أو التسبيح إن كان مسبّحا في الركعتين الأخيرتين على ما قدّمناه، وإن لم يذكرها حتّى يركع الثانية قضاها بعد التسليم وسجد سجدتي السهو . (44) وإن ترك التسبيح في الركوع والسّجود لم يكن عليه شيء . والسرّ في الفرق بين الأوّلتين والأخيرتين في الشكّ أنّ الأوّلتين وجبا أوّلاً من اللّه تعالى ، والأخيرتين إنّما وجبتا ثانيا بسؤال الرّسول صلى الله عليه و آله كما سبق . وفي الناصريّات : أنّ الركعتين الاُوليين أوكد من الاُخريين من وجوه : منها : أنّ الاُوليين واجبتان في كلّ صلاة من الصلوات الخمس ، وليس كذلك الاُخريان . ومنها : أنّ تكبيرة التحريم الذي (45) يدخل بها في الصلاة في الاُوليين دون الاُخريين . ومنها : أنّهم أجمعوا على وجوب القراءة في الاُوليين ولم يجمعوا في الاُخريين على مثل ذلك ؛ لأنّ الشيعة الإماميّة توجب القراءة في الاُوليين دون الاُخريين ، والشافعيّ يوجبها في الكلّ، فقد أوجبها لا محالة في الأوّلتين وأبو حنيفة يوجبها في ركعتين من الصلاة غير معيّنتين ، (46) فهو على التحقيق موجب لها على ضرب من التخيير ، فصحّ أن الإجماع حاصل على إيجاب القراءة فيهما ، فجاز لأجل هذه المزيّة أن لايكون فيهما سهو وإن جاز في الآخرتين . (47) وقد ذكر نحو منه في الانتصار . (48)

.


1- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 19 . وقال المحقّق البحراني في الحدائق الناضرة ، ج 9 ، ص 192 بعد نقل هذه النسبة إلى الصدوق عن العلّامة : «إنّا لم نقف عليها في كلامه ، بل الموجود فيه ما يخالفها ويطابق القول المشهور» .
2- . الانتصار ، ص 155 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 176 ، ح 700 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 363 ، ح 1377 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 190 ، ح 10385 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 176 ، ح 702 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 363 _ 364 ، ح 1379 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 191 ، ح 10390 .
5- . في الأصل : «الفضل» ، والمثبت من مصادر الحديث .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 176 ، ح 703 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1380 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 192 ، ح 10393 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 179 ، ح 719 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 370 ، ح 1407 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 195 ، ح 10407 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 ، ح 705 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1382 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 190 ، ح 10386 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 ، ح 706 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1383 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 191 ، ح 10389 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 180 ، ح 721 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 370 ، ح 1408 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 195 ، ح 10404 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 ، ح 707 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 190 ، ح 10387 .
12- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 20 .
13- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 106 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 620 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 691 .
14- . كذا بالأصل ، وفي المصدر : «أبو ثور» بدل «الثوري» وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 667 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 691 .
15- . اُنظر : الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 691 .
16- . لم أعثر عليه ، والمذكور في المصادر عن أبي سعيد ، وانظر تخريج التالي .
17- . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 382 ، ح 1210 ؛ سنن النسائي ، ج 3 ، ص 27 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 205 ، ح 584 ، وص 368 ، ح 1161 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 2 ، ص 110 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 187 ، ح 745 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 374 ، ح 1420 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 227 ، ح 10494 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 178 ، ح 712 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 365 ، ح 1389 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 192 ، ح 10396 .
20- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1387 . ومثله في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 ، ح 710 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 192 ، ح 10394 .
21- . كذا ورد في رواية عبد اللّه بن أبي يعفور ، وهي الحديث التالي في المصادر المذكورة .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 177 _ 178 ، ح 711 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 365 ، ح 1388 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 192 ، ح 10397 .
23- . كذا بالأصل والموجود في المصادر : «محمّد بن أبي حمزة ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج» .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 344 ، ح 1427 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 213 ، ح 10455 ، والمذكور فيهما : «تبني» و«تأخذ» و«تحتاط بالصلاة» .
25- . الفقيه ، ج 1، ص 351 ، ح 1025 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 212 ، ح 10452 .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 353 ، ح 1463 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 193 ، ح 10398 .
27- . الفقيه ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1023 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 223 ، ح 10480 .
28- . الفقيه ، ج 1 ، ص 351 .
29- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 365 ، ذيل الحديث 1389 . ومثله في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 178 ، ذيل الحديث 713 .
30- . اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 379 .
31- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 379 .
32- . الفقيه ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1024 ، ولفظه هكذا : «وقد روي : أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جلوس» ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 223 ، ح 10481 .
33- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 117 .
34- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 183 ، ح 730 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 211 ، ح 10449 .
35- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 20 .
36- . بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 158 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 111 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 668 .
37- . المجموع، ج 4، ص 111؛ عمدة القاري، ج 4، ص 140.
38- . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 105 باب فضل استقبال القبلة ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 84 و 85 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 383 ، ح 1212 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 230 ، ح 1020 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 369 ، ح 1164 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 335 _ 336 .
39- . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 383 ، ح 1212 مع مغايرة طفيفة في اللفظ .
40- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 351 ، ح 1455 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 247 _ 248 ، ح 10056 .
41- . المبسوط ، ج 1 ، ص 120 .
42- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 369.
43- . المقنعة ، ص 145 .
44- . المقنعة ، ص 138 .
45- . كذا بالأصل ، وفي المصدر : «الّتي» .
46- . المغني ، ج 1 ، ص 525 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 524 _ 525 ؛ فتح العزيز ، ج 3 ، ص 312 _ 313 .
47- . الناصريّات ، ص 250 .
48- . الانتصار ، ص 142 _ 143 .

ص: 206

. .

ص: 207

. .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

. .

ص: 211

. .

ص: 212

باب السهو في الفجر والمغرب

باب السهو في الفجر والمغربوفي بعض النسخ : والصلاة في السفر . قد سبق أنّ المشهور بطلان الصلاة بالشكّ في عدد ركعات هذه الصلاة كالشكّ في الركعتين الأوّلتين، و أنّه لم يخالف في ذلك إلّا الصدوقان . (1) ويدلّ عليه _ زائدا على ما سبق ومنه ما اُشير إليه من أخبار الباب _ ما رواه الشيخ في كتابي الأخبار في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : سألته عن السهو في المغرب ، قال: «يعيد حتّى يحفظ أنّها ليست مثل الشفع ». (2) وفي الصّحيح عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا سهوت في المغرب فأعد الصلاة ». (3) وعن فضيل ، قال : سألته عن السهو ، قال : «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك ». (4) وعن عنبسة بن مصعب ، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد ». (5) وفي الموثّق عن سماعة ، قال : سألته عن السهو في صلاة الغداة ، قال : «إذا لم تدرِ واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها ، والجمعة أيضا إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأنّها ركعتان، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة ». (6) وفي الصحيح عن العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يشكّ في الفجر، قال: «يعيد »، قلت : المغرب ؟ قال : «نعم ، والوتر والجمعة» من غير أن أسأله . (7) وفي الحسن عن حفص بن البختريّ وغيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله . (8) وجمع الصدوق بما ذهب إليه بين هذه الأخبار وبين خبر عمّار الساباطيّ بطريق الحكم بن مسكين _ وهو مجهول الحال _ ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل شكّ في المغرب فلم يدرِ ركعتين صلّى أم ثلاثه ، قال : «يسلّم ثمّ يقوم ، فيضيف إليها ركعة» ثمّ قال «هذا واللّه ممّا لا يقضي أبدا». (9) وفي بعض نسخ الاستبصار : «ممّا لا يقضي لي أبدا »، (10) وهو أظهر . وخبره الآخر قال : سألت أبا عبد اللّه عن رجل لم يدرِ صلّى الفجر ركعتين أو ركعة، قال: «يتشهّد وينصرف ثمّ يقوم فيصلّي ركعة، فإن كان صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعا ، وإن كان صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة، وهذا واللّه ممّا لا يقضي أبدا ». (11) والأظهر طرح الخبرين ؛ لندرتهما ومعارضتهما للأخبار المتكثّرة، ولفتوى الأكثر، ولأنّ روايهما عمّار وقد مرّ مرارا أنّه لعدم ضبطه لا يعتمد على ما تفرّد بروايته . وحكى في المختلف (12) عنه أنّه قال في المقنع : إذا شككت في المغرب فلم تدرِ أفي ثلاث أنت أم في أربع وقد أحرزت الثنتين في نفسك وأنت في ثلاث من الثلاث والأربع فأضف إليها ركعة اُخرى ولا تعتدّ بالشكّ، فإن ذهب وهمك إلى الثالثة فسلّم وصلّ ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس . (13) محتجا برواية عمّار المتقدّمة . وأجاب عنه بالطعن في السند ، ثمّ بالحمل على نوافل المغرب . أقول : على أنّها لا تنطبق على مدّعاه .

.


1- . حكاه العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 344 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 7 ، ص 19 عن الصدوق .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 179 ، ح 717 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 370 ، ح 1406 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 194 ، ح 10402 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 180 ، ح 721 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 370 ، ح 1408 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 195 ، ح 10404 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 179 ، ح 719 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 195 ، ح 10407 .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 179 ، ح 718 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1393 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 194 ، ح 10403 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 179 ، ح 720 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1394 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 195 ، ح 10406 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 180 ، ح 722 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1395 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 195 ، ح 10405 ، وص 230 _ 231 ، ح 10506 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 180 ، ح 723 ، وهو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1396 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 193 _ 194 ، ح 10399 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 182 ، ح 727 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1412 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 196 ، ح 10409 .
10- . الموجود في المطبوعة منه: «... يقضي لي أبدا».
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 182 ، ح 728 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1397 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 196 ، ح 10410 .
12- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 389 .
13- . المقنع ، ص 100 _ 101 .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

باب السهو في الثلاث والأربع

باب السهو في الثلاث والأربعالمشهور بين الأصحاب _ ومنهم السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار _ تعيّن البناء على الأكثر ، ثمّ الاحتياط فيما إذا تعلّق الشكّ بالركعتين الأخيرتين من الرباعية . وقال الصدوق بالتخيير بينه وبين البناء على الأقلّ، (1) وظاهر السيّد رضى الله عنهفي الناصريّات تعيّن البناء على الأقلّ كما ستعرف ، ونسبه في الانتصار إلى جميع فقهاء العامّة مع سجود سهو في المسائل الثلاث التي ذكرها في الباب، وهي المرويّة في الباب ، وقد سكت عن ذكر ما سواها ، ونسبه في المنتهى (2) إلى الشافعيّ . (3) وفي الانتصار : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من شكّ فلم يدرِ كم صلّى ، اثنتين أم ثلاثا واعتدل في ذلك ظنّه أنّه يبني على الأكثر، وهي الثلاث ، فإذا سلّم صلّى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مقام ركعة واحدة ، فإن كان الذي بنى عليه هو الصحيح كان ما صلّاه نافلة، وإن كان ما أتى به الثلاث كانت الركعة جبرانا لصلاته، وكذلك القول فيمن شكّ فلا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا . ومن شكّ بين اثنتين وثلاث وأربع بنى أيضا على الأكثر، فإذا سلّم صلّى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس حتّى إن كان بناؤه على الصحيح فالذي فعله نافلة ، و إن كان الذي صلّاه اثنتين كانت الركعتان من قيام جبرانا لصلاته، وإن كان الذي صلاة ثلاثة فالركعتان من جلوس ، وهما مقام واحدة جبران صلاته . وباقي الفقهاء يوجبون البناء على اليقين _ وهو النقصان _ ويوجبون في هذا الموضع سجدتي السهو ، ويقولون : إن كان ما بنى عليه من النقصان هو الصحيح فالذي أتى به تمام صلاته ، وإن كان بنى على الأقلّ وقد صلّى على الحقيقة أكثر كان ذلك نافلة . والحجّة فيما ذهبنا [إليه]: إجماع الطائفة ؛ ولأنّ الاحتياط أيضا فيه؛ لأنّه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد ، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته . فإذا قيل : وإذا بنى على الأكثر كما تقولون لا يأمن أن يكون إنّما فعل الأقلّ ولا ينفع ما فعله من الجبران؛ لأنّه منفصل من الصلاة وبعد التسليم. قلنا : ما ذهبنا إليه أحوط على كلّ حال ؛ لأنّ الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجرى مجرى الإشفاق من تقديم السّلام في غير موضعه ؛ لأنّ العلم بالزيادة في الصلاة مبطل لها على كلّ حال . (4) هذا كلامه أعلى اللّه مقامه. وظاهر السيّد في الناصريّات تعيّن البناء على الأقلّ، فقد قال _ في شرح قول ناصر الحقّ: «من شكّ في الاُوليين استأنف الصلاة ، ومن شكّ في الاُخريين بنى على اليقين»: هذا مذهبنا والصحيح عندنا ، وباقي الفقهاء يخالفونا في ذلك ولا يفرّقون بين الشكّ في الأوّلتين والآخرتين ، وما كان عندنا أنّ أحدا ممّا عدا الإمامية يوافق على هذه المسألة . والدليل على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتكرّر، وأيضا فإنّ الركعتين الأوّلتين أوكد من الآخرتين من وجوه . وذكر الوجوه التي نقلنا عنه سابقا ، ثمّ قال : فجاز لأجل هذه المزيّة أن لا يكون فيهما سهو وإن جاز في الآخرتين . وأيضا فإنّ إيجاب الإعادة في الأوّلتين مع الشكّ فيهما استظهار للفرق واحتياط له، وذلك أولى وأحوط من جواز السّهو فيهما. (5) ولا يبعد أن يقال: غرضه من ذلك إنّما هو الفرق بين الأوّلتين والآخرتين بقبول الأخيرتين للشكّ دون الأوّلتين لا بالبناء على الأقلّ أيضا في الأخيرتين على ما يشعر به باقي عباراته . ويدل على القول المشهور عموم ما رواه الصدوق رضى الله عنه قال : وقال أبو عبد اللّه عليه السلام لعمّار بن موسى : «يا عمار ، أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت ». (6) وما رواه الشيخ في التهذيب عن عمّار ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شيء من السهو ، فقال : «ألا اُعلّمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك [شيء؟ قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك] في هذه شيء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت ». (7) وبسند آخر عنه ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل بالأكثر ، فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت ». (8) وخصوص ما سيأتي في مسائل هذا الشكّ ، وأورد المصنّف في الباب من أخبار ذلك الشكّ ما يتعلّق بثلاث مسائل منه : الاُولى: الشكّ بين الثلاث والأربع، و[رواياته]: صحيحتا الحسين بن أبي العلاء (9) ومحمّد بن مسلم (10) وموثّقة عبد الرحمن بن سيّابة وأبي العبّاس البقباق (11) وحسنة الحلبيّ (12) ورواية جميل بن درّاج . (13) وعن ابن الجنيد (14) التخيير بين ما ذكر وبين البناء على الأقلّ من غير شيء ؛ للجمع بين ما اُشير إليه وبين حسنة زرارة (15) الصريحة فى البناء على الأقلّ . ويؤيّدها ما سبق من موثّقة عمّار ، قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : «إذا شككت فابن على اليقين »، قال : قلت : هذا أصل ؟ قال : «نعم ». (16) وربّما احتجّ عليه _ على ما نقل في المختلف _ بأنّ الأصل عدم الإتيان ، فجاز فعله أو فعل بدله . وأجاب عنه بانّه إن اعتبر الأصل ووجب المصير إليه وجب عليه الإتيان بنفس الفعل ، ولا يجزيه بدله وإلاّ سقط اعتباره بالكلّيّة؛ إذ مراعاته لا يقتضي الانتقال إلى البدل ، لا وجوبا ولا جوازا. (17) و مرسلة جميل (18) صريحة في التخيير في الاحتياط بين ما ذكر من الأمرين . وفي المدارك : وهي ضعيفة بالإرسال ، وبأنّ من جملة رجالها عليّ بن حديد ، وهو مطعون فيه ، فالأصحّ تعيين الركعتين من جلوس، كما هو ظاهر اختيار ابن أبي عقيل والجعفي ؛ لصحّة مستنده . (19) ويمكن دفعه بأنّ الضعف منجبر بعمل أكثر الأصحاب ، وبأنّ الركعة من قيام أوفق بالمبدل منه ، وهو ظاهر قوله عليه السلام : «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت » (20) ونظائره فيما تقدّم من الأخبار . الثانية : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين . ويدلّ على القول المشهور فيها من وجوب البناء على الأكثر والاحتياط بركعتين قائما بعد التسليم _ زائدا على العمومات المتقدّمة _ صحيحتا عبد الرحمن بن أبي يعفور (21) ومحمّد بن مسلم (22) وحسنة الحلبيّ، (23) وما رواه المصنّف قدس سره في باب السهو في الركعتين الأوّلتين من حسنة زرارة ، (24) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعتين ، فلا يدري ركعتان هي أو أربع ؟ قال : «يسلّم ثمّ يقوم ، فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ، ويتشهّد وينصرف ، وليس عليه شيء» . (25) وليحمل قوله عليه السلام في حسنة زرارة : «يركع ركعتين وأربع سجدات »، (26) ونظيره في خبر جميل ، (27) وفيما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا لم تدرِ أربعا صلّيت أم ركعتين ، فقم واركع ركعتين ، ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ، ثمّ تسلّم بعدهما ». (28) على أنّه يفعل الركعتين بعد التسليم للاحتياط ؛ للجمع بينها وبين ما ذكر من الأخبار. والصدوق جمع بين هذه الأخبار وتلك بالقول بالتخيير على ما سبق ذلك القول عنه ، ونقل عنه في المختلف (29) أنّه قال في المقنع بوجوب إعادة الصلاة بذلك ، وكأنّه تمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الرجل لايدري صلّى ركعتين أم أربعا ، قال : «يعيد الصلاة ». (30) وحملها الشيخ في التهذيب على ما إذا وقع هذا الشكّ في صلاة الغداة والمغرب . الثالثة : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، وعلى المشهور يجب فيه البناء على الأكثر ، ثمّ الاحتياط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس ؛ لمرسلة ابن أبي عمير . (31) وقال الشيهد قدس سره في الذكرى : وقال ابنا بابويه وابن الجنيد : يصلّي ركعة من قيام وركعتين من جلوس ، وهو قويّ من حيث الاعتبار ؛ لأنّهما ينضمّان حيث تكون الصلاة اثنتين ويجتزى ء بإحداهما حيث تكون ثلاثا، إلّا أنّ النقل والاشتهار يدفعه . (32) أقول : ويدلّ على ما ذهبوا إليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا؟ فقال: «يصلّي ركعة من قيام ثمّ يسلّم ، ثمّ يصلّي ركعتين وهو جالس ». (33) وهو أظهر؛ لأنّ مستنده أصحّ ، لأنّ مراسيل ابن أبي عمير وإن عدّت صحيحة _ لزعمهم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة _ إلّا أنّ فيه كلاما قد ذكرناه سابقا . نعم، لا يبعد القول بالتخيير كما ذهب إليه الصدوق ؛ للجمع . وفي المدارك : وهل يجوز أن يصلّي بدل الركعتين جالسا ركعة قائما ؟ قيل : نعم ؛ لتساويهما في البدليّة ، بل الركعة من قيام أقرب إلى حقيقة المحتمل فواته من الركعتين من جلوس ، واختاره الشهيدان . (34) وقيل : لا ؛ لأنّ فيه خروجا عن النصوص . وحكى [الشهيد] في الذكرى (35) عن ظاهر المفيد في المسائل الغريّة، وعن سلّار تعيّن الركعة من قيام ، (36) ولم نقف على مأخذه . (37) وبقي في الباب مسألة لم يذكر المصنّف خبرها فيه ، وهي الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والمشهور أنّه موجب للبناء على الأكثر ، ثمّ الاحتياط بركعتين جالسا أو ركعة قائما . وفي الذكرى : «لم أقف على خبر صحيح فيه، وادّعى ابن أبي عقيل تواتر الأخبار فيه ». (38) وهو غريب ، والموجود فيه الأخبار العامّة التي رويناها ، وحمل عليه ما رواه المصنّف في باب السهو في الركعتين في حسنة زرارة، عن أحدهما عليه السلام قال : قلت : رجل لم يدرِ اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ فقال : «إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة ، مضى في الثالثة، ثمّ صلّى الاُخرى ولا شيء عليه ويسلّم». (39) وأورد عليه في المدارك (40) بضعف سند الأوّل ؛ لاشتماله على جماعة من الفطحيّة ، وبأنّ الخبر الثاني إنّما دلّ على البناء على الأقلّ حيث حكم عليه السلام بالمضي في الثالثة إذا كان الشكّ بعد دخوله فيها ، وهي الركعة المتردّدة بين الثالثة والرابعة ، ولا يجوز حمل الثالثة على الركعة المتردّدة بين الثانية والثالثة ؛ لأنّ ذلك شكّ في الاُوليين ، وهو مبطل إجماعا ، فيرجع إلى الشكّ بين الثالثة والرابعة والمضي في الثالثة ، بأنّ يضم ّ إليها ركعة اُخرى ، بل يفهم منه بطلان الصلاة قبل الدخول في الثالثة ولو بعد إكمال السجدتين . وأيّد ذلك بصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا، قال: «يعيد»، قلت: أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه ، فقال : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع ». (41) وعن الصدوق أنّه قال في المقنع (42) بوجوب الإعادة لهذه الصحيحة . وحملها الشيخ في كتابي الأخبار، (43) على الشكّ في صلاة المغرب، والعلّامة في المنتهى (44) على ما إذا لم يكمل السجدتان . وقد ورد في بعض الأخبار البناء على الأقلّ ، رواه الشيخ في الاستبصار عن محمّد بن سهل ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري أثلاثا صلّى أم اثنتين ، قال : «يبني على النقصان، ويأخذ بالجزم ويتشهّد بعد انصرافه تشهّدا خفيفا ، كذلك في أوّل الصلاة وآخرها ». (45) وحمله على ما ذهب وهمه إلى النقصان . والأظهر حمله على التقيّة ؛ لقوله عليه السلام : «كذلك في أوّل الصلاة وآخرها » فإنّه يدلّ على البناء على الأقلّ في الركعتين الأوّلتين أيضا ، كما هو مذهب العامّة . وحكى في المختلف (46) عن عليّ بن بابويه أنّه قال فيمن شكّ بين الاثنتين والثلاث : إن ذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها رابعة، فإذا سلّمت صلّيت ركعة بالحمد وحدها ، وإن ذهب وهمك إلى الأقلّ فابن عليه ، وتشهّد في كلّ ركعة ، ثمّ اسجد سجدتي السّهو [بعد التسليم] ، فإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت بنيت على الأقلّ وتشهّدت في كلّ ركعة، وإن شئت بنيت على الأكثر وعملت ما وصفناه، يعني الاحتياط بركعة قائما. وردّه بأنّه في صورة غلبة الظنّ لا حاجة إلى الاختيار، وأيّده بخبر عبد الرحمن بن سيّابة وأبي العباس ، (47) حيث لم يوجب عليه شيئا مع غلبة الظنّ بالأقلّ والأكثر. ويمكن أن يجاب عمّا أورده عليه بأنّه أراد بالوهم الظنّ الضعيف ، لا الغالب منه القائم مقام العلم ، وحينئذٍ لا بعد في البناء على المظنون مع الاحتياط بركعة في الشقّ الأوّل من ترديد ، وسجدة سهو في الثاني منه . ويؤيّده قوله عليه السلام في مقطوعة محمّد بن مسلم في الشكّ بين الاثنتين والأربع : «إن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم ، ثمّ قرأ فاتحة الكتاب »، (48) إلى آخره ، فإنّه يدلّ على البناء على الأكثر إذا ذهب وهمه إليه ، ثمّ الاحتياط بركعتين ، وإيجاب سجدتي السهو على ما ذهب وهمه إلى الأربع في الشكّ بين الثلاث والأربع في حسنة الحلبيّ ، (49) وعلى من وهمه ذهب إلى التمام في خبر إسحاق المتقدّم : «إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع ». (50) وكأنّه لذلك قيّد جماعة من الأصحاب الظنّ الذي أجروا عليه حكم العلم بالغالب منه ، ومنهم المحقّق في الشرائع ، (51) ولو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه بنى على الظنّ وكان كالعلم ، (52) وهو الذي يعبّر عنه بالظنّ المتاخم للعلم ، والظاهر وفاق الكلّ في اعتبار الظنّ الغالب مطلقا عدا ابن إدريس (53) على ما نقل عنه في الذكرى (54) من أنّ ظاهره أن غلبة الظنّ إنّما يعتبر فيما عدا الأوّلتين وأنّ الأوّلتين تبطل الصلاة بالشكّ فيهما وإن غلب الظنّ . هذا ، ويفهم من حسنة زرارة عن أحدهما (55) _ المتقدّمة _ بطلان الصلاة إن كان الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، وقبل دخوله في ركعة اُخرى غير المتردّدة بينهما ولو كان في السجدة الثانية من المتردّدة . وفي المدارك : وظاهر الأصحاب أنّ كلّ موضع تعلّق فيه الشكّ بالاثنتين يشرط فيه إكمال السجدتين؛ محافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الاُوليين . ونقل عن بعض الأصحاب الاكتفاء بالركوع ؛ لصدق مسمّى الركعة ، وهو غير واضح . قال في الذكرى : نعم لو كان ساجدا في الثانية ولمّا يرفع رأسه وتعلق الشكّ لم أستبعد صحّته ؛ لحصول مسمّى الركعة . (56) وهو غير بعيد . (57) قوله في مضمر أبي بصير : (ثمّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ) .[ح 1/5165] ظاهره تعيين الفاتحة في صلاة الاحتياط ، ومثله أكثر أخبار الباب، ويؤيّدها : أنّها صلاة منفردة ولا صلاة إلّا بها ، وهو مختار الأكثر ، (58) وذهب المفيد في المقنعة (59) وابن إدريس (60) إلى التخيير بينها وبين التسبيح بناء على أنّها بدل عن الركعتين الأخيرتين ، وقد ثبت في مبدلها التخيير ، والبدل في حكم المبدل منه ، ومثلها تخلّل ما ينافي بينها _ كالتكلّم عمدا _ فعلى الأوّل لا ينافي ذلك . ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو ». (61) وعلى الثاني يعيد الصلاة ، وبه قال الأكثر ، وهو ظاهر المفيد رحمه الله في الرّسالة الغريّة ، فإنّه قال _ على ما نقل عنه في المختلف _ ؛ وإن اعتدل ظنّه في الرابعة والثالثة بنى على الرّابعة وتشهّد وسلّم ، ثمّ قام من غير أن يتكلّم ، فصلّى ركعة واحدة بفاتحة الكتاب . (62) وحكى عنه أنّه قيّد بذلك في سائر الفروض ، ثمّ نقل الاحتجاج عليه بما ذكر، و بالفاء التعقيبيّة في قوله عليه السلام : «فقم واركع ركعتين» في صحيحة أبي بصير (63) المتقدّمة موجّها إيّاه بأنّ إيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث. وأورد عليه في الذكرى بأنّ ذلك إنّما يدلّ على الفوريّة ، ولا يلزم من ذلك بطلان الصلاة بتخلّل الحدث الذي هو المدّعى . (64) وقال ابن إدريس في السرائر : لو أحدث بعد التسليم قبل صلاة الاحتياط لم يفسد صلاته ، بل يجب عليه الإتيان بالاحتياط ؛ لأنّه ما أحدث في الصلاة ، بل أحدث بعد خروجه من الصلاة بالتسليم ، والاحتياط حكم آخر متجدّد غير الصلاة وإن كان من توابعها . (65) ويظهر من كلامه بذلك وممّا نقلنا عنه سابقا من التخيير فيه بين القراءة والتسبيح أنّه جعل له جهتين: جهة البدليّة وجهة الانفراد، فليست بدلاً محضا ، ولا صلاة منفردة من وجه ، وهو اختيار العلّامة على ما حكى عنه ولده في الإيضاح (66) أنّه سمع منه ذلك مذاكرة ، فلا يرد عليه ما ذكره في المختلف بقوله : والعجب أنّه جوّز التسبيح وجوّز تخلّل الحدث ، وهما حكمان متضادّان ؛ لأنّ جواز التسبيح إنّما هو باعتبار كونها تماما محضا ، وجواز تخلّل الحدث باعتبار كونها صلاة منفردة من كلّ وجه . (67) نعم، يرد عليه أنّ التخيير المذكور وجوازها مع تخلّل الحدث كلّ منهما يحتاج إلى نصّ ، ولا نصّ على ما ذكره من الفرق ، بل الأمر بالعكس على ما عرفت . قوله في حسنة زرارة عن أحدهما عليهماالسلام : (يركع ركعتين وأربع سجدات) . [ح 3/5167] قد ذكر الشيخ في الاستبصار (68) والعلّامة في المنتهى (69) هذا الخبر في ذيل الأدلّة على أنّ الشاكّ بين الاثنتين والأربع يبني على الأكثر ، فقد حملا قوله عليه السلام : «يركع ركعتين وأربع سجدات» على صلاة الاحتياط . وعلى هذا يكون المراد من قوله : «قام فأضاف إليها اُخرى أيضا» صلاة الاحتياط ، و الظاهر من الخبر البناء على الأقلّ كما سبقت الإشارة إليه . قوله في صحيحة ابن أبي يعفور : (وإن تكلّم فليسجد) .[ح 4 /5168] ظاهره أنّ ذلك السجود للتكلّم ، فيفهم منه عدم وجوبه بمجرّد الشكّ ، وهو ظاهر الأكثر . ويؤيّده أصالة البراءة ، وخلّو أكثر أخبار الشكّ عنه ، وعموم الشيء المنفي في بعض أخباره ، فيمكن تقييد ما دلّ على وجوبه من صحيحة أبي بصير المتقدّمة بما إذا وقع ونحوه ممّا يوجب سجدة السهو ، إذا وقع في الصلاة فيما بين الاحتياط والصلاة . وحكى طاب ثراه عن المحقّق الأردبيليّ (70) أنّه حمل السجدة فيها على الندب .

.


1- . حكاه عنه العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 344 ؛ ومختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 382 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 7 ، ص 59 .
2- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 59 .
3- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 111 .
4- . الانتصار ، ص 155 _ 156 ، المسألة 54 .
5- . الناصريّات ، ص 249 _ 250 .
6- . الفقيه ، ج 1 ، ص 340 ، ح 992 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 212 ، ح 10451 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 349 ، ح 1448 ومابين الحاصرتين منه ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 213 ، ح 10453 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 193 ، ح 762 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 376 ، ح 1426 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 213 ، ح 10454 .
9- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
10- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
11- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
12- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
13- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
14- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 382 .
15- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
16- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 212 ، ح 10452 .
17- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 382 _ 383 .
18- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
19- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 259 .
20- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 212 ، ح 10451 .
21- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
22- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
23- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي .
24- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
25- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 185 ، ح 737 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 372 ، ح 1314 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 221 ، ح 10474 .
26- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
27- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
28- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 185 ، ح 738 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 221 ، ح 10476 .
29- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 387 .
30- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 186 ، ح 741 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1417 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 221 ، ح 10475 .
31- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
32- . الذكرى ، ج 4 ، ص 77 .
33- . الفقيه ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1021 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 222 ، ح 10479 .
34- . الذكرى ، ج 4 ، ص 77 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 295 .
35- . الذكرى ، ج 4 ، ص 77 .
36- . المراسم العلويّة ، ص 87 .
37- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 262 .
38- . الذكرى ، ج 4 ، ص 87 .
39- . الحديث الثالث من ذلك الباب . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 375 ، ح 1423 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 192 _ 193 ، ح 759 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 214 ، ح 10457 .
40- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 255 _ 256 .
41- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 193 ، ح 760 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 375 ، ح 1424 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 215 ، ح 10459 .
42- . المقنع ، ص 101 .
43- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 193 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 375 .
44- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 61 .
45- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 193 ، ح 761 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 375 ، ح 1425 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 213 _ 214 ، ح 10456 .
46- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 380 .
47- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
48- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
49- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
50- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 183 ، ح 730 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 211 ، ح 10449 .
51- . شرائع الاسلام ، ج 1 ، ص 89 .
52- . هذه العبارة من شرائع الاسلام .
53- . السرائر ، ج 1 ، ص 245 .
54- . الذكرى ، ج 4 ، ص 54 .
55- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
56- . الذكرى، ج 4، ص 80 .
57- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 275 .
58- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 264 .
59- . المقنعة ، ص 146 .
60- . السرائر ، ج 1 ، ص 254 .
61- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 219 ، ح 10470 .
62- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 415 .
63- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 221 ، ح 10476 .
64- . لم أعثر عليه في الذكرى ، بل هذا الايراد مذكور في مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 266 .
65- . السرائر ، ج 1 ، ص 256 .
66- . إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 142 .
67- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 417 .
68- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1416 .
69- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 63 .
70- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 182 .

ص: 216

. .

ص: 217

. .

ص: 218

. .

ص: 219

. .

ص: 220

. .

ص: 221

. .

ص: 222

. .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

. .

ص: 226

باب من سها في الأربع والخمس ولم يدر زاد أم نقص أو استيقن أنّه زاد

باب من سها في الأربع والخمس ولم يدر زاد أم نقص أو استيقن أنّه زادفيه مسألتان: الاُولى: الشكّ بين الأربع والخمس ، فإن كان ذلك بعد السجدتين صحّت صلاته ويسجد للسّهو ؛ لاحتمال الزيادة على المشهور بين الأصحاب ؛ لصحيحتي عبد اللّه بن سنان (1) وشعيب عن أبي بصير ، (2) وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «إذا لم تدرِ أربعا صلّيت أو خمسا أم زدت أو نقصت ، فتشهّد وسلّم واسجد سجدتي السّهو بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» . (3) وما روى في المنتهى من طرق العامة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا شكّ أحدكم فلم يدر خمسا صلّى أو أربعا فليطرح الشكّ وليبنِ على اليقين ، ثمّ يسجد سجدتين» . (4) ويؤيّدها أصالة البراءة و أصالة عدم الزيادة . وحكى في المختلف (5) عن الصدوق أنّه قال في المقنع : «فإن لم تدر صلّيت أربعا أم خمسا أم زدت أم نقصت فتشهّد وسلم ، وصلّ ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك »، (6) و أنّه نسب الأوّل إلى الرواية . وكأنّه تمسّك بخبر أبي جميلة، عن زيد الشحّام ، قال : سألته عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات ، قال : «إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد، وإن كان لا يدري إذا دام نقص فليكبّر وهو جالس ، ثمّ ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ، ثمّ ليتشهّد »، (7) الحديث وسيأتي . وهو مع ضعفه معارض بأخبار متكثّرة . والشيخ في الخلاف أوجب الإعادة . (8) ولو شكّ بين الأربع وما زاد على الخمس فقد حكى في المختلف (9) عن ابن أبي عقيل صحّة الصلاة كذلك ، وقال : «لم نقف لغيره في ذلك على شيء »، واحتمله معلّلاً بأنّ رواية الحلبيّ (10) تدلّ عليه من حيث المفهوم . أقول : ويدلّ أيضا عليه عموم حسنة زرارة، (11) وموثّقة سماعة، (12) وصحيحة شعيب عن أبي بصير . (13) واحتمل البطلان أيضا مستندا بأنّ الزيادة مبطلة فلا يقين بالبراءة، و ببطلان القياس. (14) و فيه: أنّ الزياده إنّما ثبت إبطالها للصلاة إذا كانت متيقّنة، وأمّا مع احتمالها فلا دليل على كونها مبطلة ؛ لعدم نصّ عليه، بل العمومات تدلّ على الصحّة كما عرفت ، ولم يحمل محلّ النزاع على الشكّ بين الأربع والخمس ، بل استند فيه بما ذكر من العمومات . نعم ، الاحتياط في أن يتمّ الصلاة كذلك ثمّ يعيدها . وظاهر صحيحة الحلبيّ (15) أنّ ذلك فيما إذا كان الشكّ بعد السجدتين حيث قال عليه السلام : «فتشهّد» بالفاء التعقيبية ، فينتفي الحكم فيما إذا كان بعد الركوع ، فينبغي أن يحكم ببطلان الصلاة حينئذٍ ؛ لتردّده بين المحذورين : الإكمال المعرّض للزيادة ، والهدم المعرّض للنقصان ، وهو المشهور . ورجّح الشهيد في اللمعة (16) الصّحة محتجّا بقولهم عليهم السلام : «ما أعاد الصلاة فقيه ، يحتال فيها ويدبّرها حتّى لا يعيدها» . واستدلّ أيضا له بأصالة عدم الزيادة ومنع تأثير احتمال الزيادة في البطلان ؛ إذ لو أثّر لأثّر في جميع صورها . الثانية : ما لو زاد ركعة خامسة سهوا ، ومنه ما لو شكّ بين الأربع والخمس ، ثمّ علم الخمس بعد إكمال الصلاة ، واختلف فيه ، فذهب الشيخ في الخلاف (17) والمبسوط (18) والنهاية (19) إلى بطلان الصلاة بها مطلقا ، تشهّد في الرابعة أو لا ، جلس فيها بقدره أو لا . ونقله العلّامة في المختلف (20) عن الصدوق ، قال : وقال أبو جعفربن بابويه : «وإن استيقنت أنّك صلّيت خمسا فأعد الصلاة »، (21) وهو ظاهر المصنّف قدس سره حيث اكتفى في الباب ما هو ظاهر فيه من حسنة زرارة وبكير (22) وموثّقة أبان بن عثمان . (23) وفصّل الشيخ في الاستبصار (24) فقال بالصحّة لو جلس في الرابعة وتشهّد محتجا بأنّ هذا المصلّي لم يخلّ بواجب من واجبات الصلاة ، وإنّما أخلّ بالتسليم ، وهو ليس بفرض ، وبذلك جمع بين ما اُشير إليه وما رواه بإسناده عن محمد بن عبد اللّه بن هلال، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل استيقن بعدما صلّى الظهر أنّه صلّى خمسا ، قال : «كيف استيقن؟» قلت : علم ، قال : «إن كان علم أنّه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامّة فليسلّم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة ويسجد سجدتي السهو وتكونان ركعتي نافلة ولا شيء عليه». (25) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن رجل صلّى خمسا فقال : «إن كان جلس في الرابعة قدر التشهّد فقدّ تمّت صلاته» . (26) ومثلهما ما روى في الفقيه في الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في رجل صلّى خمسا ، فقال : «إن كان جلس في الرابعة مقدار التشهّد فعبادته جائزة». (27) ويؤكّدها مفهوم ما سيأتي من صحيحة العلاء عن محمّد بن مسلم . (28) ورجّحه ابن إدريس (29) لما ذكر . ونقل في المختلف (30) عن ابن الجنيد أنّه اكتفى بالجلوس في الرابعة مقدار التشهّد وإن لم يتشهّد ، كما هو ظاهر الخبرين ، وعدّه أقرب؛ محتجا بأنّه بجلوسه عقيب الرابعة مقدار التشهّد قد أكمل صلاته ، ويكون قيامه عن صلاة نسي تشهّدها وأكمل عددها فلا تعدّ زيادة فيها ، بل تكون الركعة الزائدة خارجة عنها ، ولم ينقص منها إلّا التشهّد ، ونسيانه غير مبطل لها ؛ لأنّه ليس ركنا. وهو منسوب في الخلاف (31) والمبسوط (32) إلى بعض أصحابنا ، ونسبه الصدوق (33) إلى الرواية على ما نقل عنه في المختلف ، (34) وهو ظاهره في الفقيه (35) حيث اكتفى فيه بذكر الخبرين . وبه قال جماعة من المتأخّرين ، (36) ومنسوب في المنتهى (37) إلى أبي حنيفة ، (38) وأنت خيبر بأنّه لو اعتبر ذلك الاعتبار في الصحّة لزم الصحّة لو صلّى ستّا أيضا ، مع أنّه حكي فيه عن الصدوق أنّه قال : «وروي أنّه متى استيقن أنّه صلّى ستّا فليعد الصلاة »، (39) وأفتى به في الفقيه ، فقد قال : «ومن استيقن أنّه قد صلّى ستّا فليعد الصلاة ». (40) على أن كونه خارجا عن الصلاة بذلك القيام محلّ نظر على ما سبق ، بل يرد ذلك على ما اعتبر في الاستبصار (41) أيضا ، فالوجه الاعتماد على الرواية ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الخبرين المتعارضين إذا كان أحدهما مطلقا والآخر مقيّدا لابدّ من حمل المطلق على المقيّد ، والعمل بالمقيّد في محلّ القيد، وبالمطلق في غيره ، والقيد إنّما هو الجلوس بقدر التشهّد لا التشهّد ، فما عدّ في المختلف (42) أقرب هو أظهر القولين ؛ لذلك ، لا لما ذكره أيضا . وفي الخلاف : وإنّما قوّينا الإعادة مطلقا لأنّ الصلاة قد ثبتت في ذمّته ، فلا تبرأ منها إلّا بإعادتها. وأيضا فإنّ هذه الأخبار _ يعني الأخيرة _ تضمّنت الجلوس مقدار التشهّد من غير ذكر التشهّد ، وعندنا أنّه لابدّ من التشهّد ولا يكفي الجلوس بمقداره ، وإنّما يعتبر ذلك أبو حنيفة ، فلأجل ذلك تركناها . (43) هذا ، وإطلاق ما ذكر من الأخبار المقيّدة يقتضي عدم وجوب ضمّ ركعة اُخرى إلى الخامسة كما هو ظاهر الأكثر من القائلين بالصحّة ، وكأنّهم حملوا الإضافة في خبر محمّد بن مسلم (44) على الندب، وتردّد فيه العلّامة في المنتهى . (45) وقد ورد في بعض أخبار الزيديّة الصحّة مطلقا من غير تقييد بما ذكر ، رواه الشيخ في الاستبصار عن سعد ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسن بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه ، عن عليّ عليه السلام قال : «صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله الظهر خمس ركعات ثمّ انتقل ، فقال له بعض القوم : يا رسول اللّه ، هل زيد في الصلاة شيء ؟ قال: وما ذاك ؟ قال : صلّيت بنا خمس ركعات ، قال : فاستقبل القبلة وكبّر وهو جالس ، ثمّ سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ، وكان يقول : هما المرغمتان» . (46) وورد مثله من طريقنا أيضا، ففي صحيحة العلاء، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن رجل صلّى الظهر خمسا ، فقال : «إن كان لا يدري جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهّد ، ثمّ يصلّي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ، فيضيفهما إلى الخامسة ، فتكون نافلة» . (47) وهما _ مع ضعف الأوّل وتضمينه لسهو النبيّ صلى الله عليه و آله وإضمار الثاني _ يحتمل أن يكون ورودهما على التقيّة لموافقتهما لمذهب الشافعيّ ومالك وإسحاق وعطا وأبي هريرة والنخعيّ والليث وأبي ثور على ما نقل عنهم في المنتهى . (48) وفي الاستبصار : الوجه فيه _ يعني الأوّل _ أنّ نحمله على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما سجد سجدتين لأنّ قول واحد لا يوجب علما ، فيحتاج إلى أن يستأنف الصلاة ، وإنّما يقتضي الشكّ ، ومن شكّ في الزيادة ففرضه أن يسجد سجدتي السهو . (49) ولمّا كان القولان الأخيران مشهورين بين العامّة قد ذهب إلى كلّ منهما فحول علمائهم ، فالظاهر ورود الأخبار الأخيرة كلّها على التقيّة ؛ لمخالفتها لمقتضى القواعد من بطلان الصلاة بزيادة الركوع والسجدتين ولو سهوا ، فالقول الأوّل أظهر ، والاحتياط واضح . قوله في حسنة زرارة : (فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين) . [ح 1 /5174] ظاهر المصنّف أنّه حمل الزيادة على زيادة ركعة ، ونقصانها بمعنى عدم زيادتها نظرا إلى عنوان الباب ، لكنّ إطلاق الخبر يقتضي عمومها ، فيقتضي وجوب سجدتي السهو للشكّ في كلّ زيادة ونقيصه . والأصحاب اختلفوا في مواضع وجوبهما على أقوال ، فعن عليّ بن بابويه وجوبهما في موضعين : نسيان التشهّد والشكّ بين الثلاث والأربع إذا ذهب وهمه إلى الأربع . (50) وعن ابن أبي عقيل في موضعين غيرهما فقط : التكلّم ، والشكّ بين الأربع والخمس وما زاد عليها . (51) وظاهر الصدوق في المقنع (52) على ما حكى عنه في المختلف (53) حصرهما في موضعين غيرها : القيام موضع القعود ، وعكسه ، و أنّه نسيهما وترك التشهّد إلى الرواية . وفي الفقيه جزم بهما فيه أيضا ، وزاد الشكّ بين الزيادة والنقيصة مطلقا . (54) وأوجبهما المفيد في المقنعة (55) في ثلاثة مواضع : نسيان سجدة واحدة إذا ذكرها بعد الركوع، ونسيان التشهّد الأوّل كذلك ، والتكلّم ساهيا . وظاهره انحصارهما حيث لم يذكر في باب أحكام السّهو في الصلاة غيرها . وفي المسائل الغريّة أيضا أوجبهما في هذه المواضع الثلاثة ، إلّا أنّه ذكر بدل نسيان السجدة الواحدة الشكّ في زيادة سجدة واحدة أو ركوع بعد تجاوز محلّه ، وقال _ على ما نقل عنه _ : «وليس لسجدتي السّهو موضع في الشكّ في الصلاة إلّا في هذه الثلاثة المواضع، والباقي بين مطرح أو متدارك بالجبران أو فيه إعادة ». (56) وحصرهما الشيخ في الخلاف في أربعة مواضع : التكلّم ناسيا ، والتسليم في غير محلّه ، ونسيان السجدة الواحدة حتّى يركع ، ونسيان التشهّد الأوّل كذلك ، وقال : «فأمّا ما عدا ذلك فهو كلّ سهو يلحق الإنسان ولا يجب عليه سجدتا السهو ، فعلا كان أو قولاً ، زيادة كان أو نقصانا ، متحقّقة كانت أو متوهّمة وعلى كلّ حال ». (57) وهو منقول عن سلّار ، (58) إلّا أنّه أبدل التسليم بالقيام في محلّ القعود ، وعكسه . وفي المبسوط (59) ذكرهما في هذه الأربعة إلّا أنّه خصّ تسليم الركعتين الأوّلتين بالذكر ، وزاد الشكّ بين الأربع والخمس . وعنه أنّه قال في الجمل (60) مثله غير أنّه أسقط التشهّد . وظاهر المصنّف على ما سيذكره حصرهما في خمسة مواضع : التسليم في التشهّد الأوّل ناسيا ، وتخلل التكلّم بين الصلاة والاحتياط بركعتين ، والتكلّم ناسيا في الصلاة ، ونسيان التشهّد ، والشكّ بين الأربع والخمس . وعن أبي الصّلاح أيضا وجوبهما في خمسة مواضع : الشكّ بين كمال الفرض وما زاد عليه ، والقيام موضع القعود وعكسه ، والتكلّم ناسيا ، ونسيان سجدة ، والتسليم ساهيا عن ركعة أو اثنتين . (61) وإليه ذهب السيّد المرتضى أيضا ، إلّا أنّه ذكر نسيان التشهّد بدلاً عن التسليم على ما حكى عنه في المختلف (62) أنّه قال في الجمل : سجود السهو في خمسة مواضع : في السجدة ، ونسيان التشهّد ولم يذكره حتّى يركع ، وفي الكلام ساهيا ، وفي القعود حالة القيام وبالعكس ، وفي الشكّ بين الأربع والخمس . (63) وعن ابن البرّاج (64) وابن حمزة (65) وجوبهما في هذه الخمسة المنقولة عن الجمل ، وأنّ الأوّل زاد التسليم ، وهو الذي اختاره ابن إدريس ، (66) و أنّ الثاني زاد السهو عن سجدتين من الركعتين الأخيرتين . والعلّامة أوجبهما في المختلف (67) في سبعة مواضع : التكلّم ، والتسليم ، والتشهّد ، والسجدة الواحدة ، والقيام والقعود في غير محلّهما ، والشكّ بين الأربع والخمس ، وزيادة الأفعال ونقصانها . وقد حكى في الخلاف (68) عن بعض الأصحاب وجوبهما في كلّ زيادة ونقيصة . وفي الدروس: «لم أجد قائله ولا مأخذه »، (69) وسيأتي مأخذه . وظهر ممّا ذكر أنّ ما يجب فيه سجدتا السهو بين الأصحاب دائر بين ثمانية مواضع: أحدها : التكلّم ناسيا ، وسيأتي الكلام فيه في الباب الآتي . وثانيها : الشكّ بين الأربع ، الخمس . ويدل عليه عموم حسنة زرارة، (70) ومضمرة سماعة ، (71) وخصوص صحيحتي عبد اللّه بن سنان (72) وأبي بصير، (73) و صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا أو نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهّد هما تشهدا خفيفا» . (74) واحتجّ المانع _ على ما حكى عنه في المختلف _ (75) بأصالة براءة الذمّة . وفيه : أنّ الأصل يترك إذا كان دليل على خلافه ، وقد عرفت الدليل . وثالثها: التسليم ، ولم أجد فيه خبرا ، بل ينفيه عموم الشيء المنفي في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة ، فسلم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : «يتمّ ما بقي من صلاته ولا شيء عليه» . (76) وتخصيص الشيء بالإعادة والإثم من غير مخصّص . واحتجّ المثبتون بأنّه كلام غير مشروع صدر نسيانا عن المصلّي، فيدخل تحت الكلام . (77) وفيه : أن المتبادر من الكلام ما ليس بقرآن ولا دعاء ، ولا ريب في أنّ التسليم دعاء . ورابعها : نسيان سجدة واحدة ، ولم أجد فيه أيضا نصّا، والأصل ينفيه ، بل نفيه هنا أظهر ؛ لخبر أبي بصير ، قال : سألت عمّن نسي سجدة ويذكرها وهو قائم ، قال : «يسجدها إذا ذكرها مالم يركع ، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو» . (78) وخامسها : نسيان التشهّد ؛ لما يأتي في الباب الآتي من حسنتي الفضيل بن يسار (79) والحلبيّ الثانية منها، (80) وصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين ، فقال : «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى ركع فليتّم الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلّم ويسجد سجدتي السهو» . (81) وصحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما، فقال : «إن ذكر وهو قائم في الصلاة فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتّم صلاته ، ثمّ يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلّم» . (82) وأمّا نفيهما فيما رواه الشيخ من موثّقة محمّد الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة ، فنسي التشهّد ، فقال : «يرجع فيتشّهد» ، فقلت : أيسجد سجدتي السهو ؟ فقال : «لا ، ليس في هذا سجدتا السهو »، (83) ففيما إذا ذكر التشهّد قبل الركوع ورجع وتشهّد كما هو ظاهر الخبر . وسادسها : القيام في موضع القعود وعكسه ؛ لرواية عمّار الساباطّي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو ، فقال له : «إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت أن تقرأ فسبّحت أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو» . (84) وصحيحة معاوية بن عمّار التي رواها المصنّف في الباب الآتي . (85) وسابعها : كلّ زيادة ونقيصة . ويدل عليه مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان ». (86) وثامنها : الشكّ في زيادة الأفعال ونقصانها ، فقد روى المفيد على ما نقل عنه في المختلف (87) وجوبهما على من لم يدر زاد سجدة ، أو نقص سجدة أو زاد ركوعا ، أو نقص ركوعا ، وكان الذكر بعد تجاوز محلّه . واحتجّ به عليه ، وربما احتجّ عليه بقوله عليه السلام أم : «نقصت أم زدت » في صحيحة الحلبّي (88) وحسنة زرارة . (89) وأورد عليه بأنّ ما قبل هذا القول في الخبرين شاهد على أنّ المراد به الشكّ في زيادة ركعة ونقصانها . فروع: الأوّل: إذا تعدّد موجب السهو فالظاهر تعدّده أيضا مطلقا _ اختلف جنس الموجب أو اتّحد ، بناء على تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب _ لتيقّن البراءة . وعدّة الشيخ في الخلاف (90) والمبسوط (91) أحوط ، والعلّامة في المختلف (92) أقرب ، واحتجّ عليه باستلزام تداخل الأسباب الترجيح بلا مرجح أو تخلّف المعلول عن علّته التّامة ، أو تعدّد العلل المستقلّة على معلول واحد شخصي ؛ لأنّ أحدهما إن لم يؤثّر لزم الأوّل لتساويهما في التأثير ، ولا مرجّح لأحدهما، وإن أثّر كلّ منهما فالمعلول إما مستند بأحدهما فقد تخلّف عن الآخر ، وهو الثاني ، وإن استند بهما جميعا لزم الثالث . ويمكن دفعه بأنّ العلل الشرعيّة إنّما تكون معرّفات ، فيختار الثالث ، ولا محذور في اجتماعهما . وفصّل ابن إدريس ، فقال : إن تجانسا اكتفى بالسجدتين ؛ لعدم الدليل على التعدّد، ولقولهم عليهم السلام : «من تكلّم في صلاته ساهيا يجب عليه سجدتا السّهو» ، ولم يقولوا دفعة أو دفعات ، فأمّا إذا اختلف الجنس فالأولى عندي _ بل الواجب _ الإتيان عن كلّ جنس بسجدتي السهو ؛لعدم الدليل على تداخل الأجناس ، بل الواجب إعطاء كلّ جنس ما تناوله اللفظ ؛ لأنّه قد تكلّم و قام في حالة قعود، وقالوا عليهم السلام : «من تكلّم يجب عليه سجدتا السهو ، ومن قام في حال قعود يجب عليه سجدتا السهو» ، وهذا قد فعل الفعلين ، فيجب عليه امتثال الأمرين ، ولا دليل على التداخل ؛ لأنّ الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف من محقّق . (93) الثاني : قال الصدوق في الفقيه : «سجدتا السهو بعد التسليم في الزيادة والنقصان» ، (94) قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «سجدتا السهو بعد السلام وقبل الكلام»، (95) وهو إشارة إلى ما رواه الشيخ في الموثّق عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام قال : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» . (96) ويدلّ أيضا عليه حسنة عبد اللّه بن سنان ، (97) وصحيحة أبي بصير ، (98) وما تقدّم من صحيحة سليمان بن خالد ، (99) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الآتية في الباب الآتي. (100) وفي خبر سهو النبيّ صلى الله عليه و آله : «فأتمّ بهم الصلاة وسجد سجدتي السهو ». (101) وفيما تقدّم في حسنة الفضيل بن يسار ، قال : «فإذا سلّم [سجد] سجدتين وهو جالس» . (102) وفي خبر عليّ بن أبي حمزة : «فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» . (103) وفي حسنة الحلبيّ : «فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم» . (104) وفي صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : «يسجد سجدتين بعد التسليم». (105) ويؤيّدها ما روى في المنتهى (106) من طرق العامّة عن أبي داود وعن عبد اللّه بن جعفر ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من سها في صلاة فليسجد سجدتين بعد ما يسلّم» . (107) وعن ثوبان ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لكلّ سهو سجدتان بعد التسليم». (108) واحتجّ أيضا فيه بأنّ السجدتين ليستا من الصلاة إجماعا ، فزيادتهما فيها يستدعي زيادة ركن فيها ، وهو مبطل ؛ لما تقدّم ، ولأنّه تغيير لهيئة الصلاة ، فإنّ السجود لا يتبع التشهّد في شيء من صور الصلاة . واختاره الشيخ في كتبه. (109) ونقل في المختلف (110) عن سلّار (111) وظاهر عليّ بن بابويه وأبي الصلاح ، (112) وحكى فيه عن بعض أصحابنا أنّهما قبل التسليم محتجا برواية أبي الجارود ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : متى أسجد سجدتي السهو ؟ قال : «قبل التسليم ، فإذا سلّمت فقد ذهبت حرمة صلاتك» . (113) وحملها الأوّلون على التقيّة مع ضعفها وعدم قابليّتها للمعارضة؛ لما ذكر من الأخبار المتكثرة أكثرها صحيحة . ونقل عن بعض أصحابنا فيه وفي المختلف (114) عن ابن الجنيد : أنّ ذلك إذا كان السهو بالزيادة ، وإن كان بالنقيصة فقبل التسليم؛ محتجا بصحيحة سعد بن سعد الأشعري ، قال : قال الرضا عليه السلام : «في سجدتي السهو إذا نقصت فقبل التسليم ، فإذا زدت فبعده» . (115) ومثلها خبر صفوان بن مهران الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن سجدتي السهو ، فقال : «إذا نقصت فقبل التسليم ، فإذا زدت فبعده» . (116) وحملهما الصدوق والشيخ على التقيّة. (117) ولا يبعد القول بالتخيير في النقيصة . وما ذكر من استلزامه لزيادة الركن في الصلاة مندفع بأنّ هاتان السجدتان ليستا من الصلاة ، وإنّما يكون زيادة السجدتين مبطلاً لها إذا وقعتا بقصد كونهما منها . واختلف العامّة أيضا في المسألة ، فقد نقل في المنتهى (118) القول الأوّل عن ابن مسعود وعمّار وسعد بن أبي وقاص و النخعيّ وابن أبي ليلى وأبي حنيفة والثوريّ ، والقول الثاني عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري (119) وسعيد بن المسيّب وربيعة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعيّ والقول الثالث عن مالك والمزني و إسحاق وأبي ثور وأحمد في إحدى الروايات عنه . (120) ويستفاد من أكثر ما ذكر من الأخبار وجوب وقوعهما قبل الكلام ، وإليه ذهب الفاضل الأردبيليّ ، ولكن قال : ولولم يفعل فالأولى الفعل متى يذكر ، وكذا لوترك عمدا ؛ لما في رواية عمّار ، قال : «يسجدها متى تذكّر» . (121) وفي المنتهى : لو نسي سجدتي السّهو سجدهما متى ذكر ، سواء تكلّم أو لم يتكلّم ، وسواء ذكر بعد مدّة طويلة أو قصيرة ، وسواء خرج من المسجد أولم يخرج ، وبه قال الشافعيّ في القديم والأوزاعيّ ، و [قال]في الجديد : مالم يطل الفصل. وقال أبو حنيفة : مالم يتكلّم . وقال مالك : إن كان بزيادة سجدهما ولو بعد شهر، وإن كان لنقصان فإن ذكرهما قريبا أتى بهما ، وإن تطاول أعاد الصلاة . وقال ابن شبرمة : إذا خرج من المسجد أعاد الصلاة . وقال الحسن البصريّ وابن سيرين: إذا صرف وجهه عن القبلة لم يسجد . وقال أحمد : إن لم يطل الفصل أتى به ، وإن طال لم يأت به . (122) لنا : ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه سجد بعد التسليم والكلام ، رواه مسلم عن ابن مسعود : أن النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى الظهر خمسا ، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقيل : أحدث في الصلاة شيء ؟ فقال : «وما ذاك ؟» فقالوا صلّيت خمسا ، فثنى رجليه و استقبل القبلة ، فسجد بهم سجدتين . (123) ولأنّه مأمور بالسّجود لقوله عليه السلام : «لكلّ سهو سجدتان (124) » فيبقى في العهدة حتّى يأتي به . ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينسى سجدتي السّهو ، قال : «يسجدهما متى ذكر» . (125) وأنّه جبران النقصان عبادة فلا تبطل بتطاول أوّل الفصل كجبران الحجّ . (126) الثالث : قال ابن إدريس : لو نسي التشهّد الأوّل ولم يذكره حتّى ركع في الثالثة مضى في صلاته ، فإذا فرغ قضاه وسجد سجدتي السّهو [...] فإن أحدث بعد سلامه وقبل الإتيان بالتشهّد المنسي وقبل سجدتي السّهو لم تبطل صلاته بحدثه الناقض لطهارته بعد سلامه منها ؛ لأنّه بسلامه انفصل منها ، فلم يكن حدثه في صلاته ، بل بعد خروجه منها بالتسليم الواجب عليه . _ قال : _ فإذا كان المنسي هو التشهّد الأخير وأحدث ما ينقض طهارته قبل الإتيان [به ]فالواجب عليه إعادة صلاته من أوّلها مستأنفا لها ؛ لأنّه بعد في قيد صلاته [لم] يخرج منها ، ولا فرغ بسلام يجب عليه ، بل ما فعله من السّلام هنا في غير موضعه كلا سلام ، بل هو في قيد السلام بعد لم يخرج منها بحال ، فليلحظ الفرق بين المسلّمين والتسليمتين ، فإنّه واضح للمتأمّل المحصّل . (127) وفي المختلف : أقول : هذا الكلام في غاية السقوط ، أمّا حكمه أوّلاً بصحّة الصلاة قبل الإتيان بالتشهّد فغير معتمد ؛ لأنّه قد نسي جزءا منها ، فيجب عليه الإتيان به قبل الحدث ، لئلّا يكون فارقا بين أجزاء الصلاة لحدثه ، وأمّا فرقة بين التسليمتين فغير جدير لأنّ التسليم مع نسيان التشهّد وقع في محلّه ، وإنّما يجب عليه قضاء التشهّد . (128) الرابع : ظاهر أكثر الأخبار أنّ سجدتي السّهو لا يجب فيهما تكبير ولا تسبيح ولا تشهّد ولا تسليم ، بل الواجب إنّما هو سجدتان فقط . وإليه ذهب العلّامة في المختلف (129) حيث عدّه أقرب ، وحمل ما دلّ على التكبير لهما والذكر فيهما والتشهّد والتسليم بعدهما على الاستحباب محتجا بأصالة براءة الذمّة ، وبما رواه عمّار السّاباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن سجدتي السّهو وهل فيهما تسبيح أو تكبير ؟ فقال : «لا، إنّهما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه؛ ليعلم من خلفه أنّه قد سها ، وليس عليه أن يسبّح فيهما ، ولا فيهما تشهّد بعد السجدتين» ، (130) وقد سبق الحديث . وأوجب في المنتهى (131) التشهّد والتسليم ، ونسبه إلى علمائنا أجمع ووجوب الأوّل إلى ابن مسعود والنخعي وقتادة والحكم والثوريّ والأوزاعيّ والشافعيّ وأحمد وأصحاب الرأي (132) ؛ محتجين بما رواه أبو داود والترمذيّ عن عمران (133) بن الحصين : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نسي فسجد سجدتين، فتشهّد ثمّ سلّم . (134) وهو لو صحّ يدلّ على وجوب التسليم أيضا ، ونسب وجوب الثاني إلى أكثر الجمهور . واحتجّ على وجوبهما بقول أبي عبد اللّه عليه السلام فى صحيحة الحلبيّ : «يتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» ، (135) وبخبر عمران (136) بن الحصين ، وبأنّه سجود يشتمل على التسليم ، فيجب فيه التشهّد كسجود الصلاة . واُثبت الأوّل بقوله عليه السلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ سلّم بعدهما» ، (137) وقد قال فيه باستحباب التكبير؛ محتجّا بأصالة البراءة، وبخبر عمّار المتقدّم ، (138) وهو ظاهر الصدوق في المقنع ، فإنّه قال على ما نقل عنه في المختلف : ليس فيهما قراءة ولا ركوع ، بل يتشهّد خفيفا ويقول فيهما : بسم اللّه وباللّه ، السّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ، وإن شاء قال : بسم اللّه وباللّه ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، فهو مخيّر بين القولين جميعا ، أيّهما قال أصاب السنّة ، ثمّ رفع رأسه فيجلس ، ثمّ يعود إلى السجود فيقول ذلك مرّة اُخرى ، ثمّ يرفع رأسه فيجلس ويتشهّد ويسلّم . (139) وظاهر الشيخ في المبسوط وجوب التكبير أيضا ، فقد قال فيه : فإذا أراد أن يسجد سجدتي السهو استفتح بالتكبير وسجد عقيبه ويرفع رأسه ، ثمّ يعود إلى السجدة الثانية ويقول فيها: بسم اللّه وباللّه ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ، وغير ذلك من الأذكار، ثمّ يتشهّد بعدهما تشهّدا خفيفا ، يأتي بالشهادتين والصلاة على النبيّ وآله، ويسلّم بعده . (140) وعن السيّد المرتضى أنّهما سجدتان بعد التسليم بغير ركوع ولا قراءة ، يقول في كلّ واحدة منهما : بسم اللّه وباللّه ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، ويتشهّد تشهّدا خفيفا ويسلّم . (141) ومثله عن سلّار (142) وأبي الصلاح (143) وظاهر ابن إدريس . (144) والظّاهر عدم القول بوجوب خصوص هذا الذكر ، بل القائلون بوجوب الذكر يقولون باستحبابه . ويدلّ على رجحانه خبر الحلبيّ ، (145) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في سجدتي السّهو : «بسم اللّه وباللّه وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد» ، وسمعته مرّة اُخرى يقول فيهما : «بسم اللّه وباللّه السّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته» . (146) قوله في حسنة زرارة : (وسمّاهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله المرغمتين) [ح1 / 5174] لإرغامهما أنف الشيطان ، فيقول : واويلاه ! أطعتَ وعصيتُ وسجدتَ و أبيتُ، أو للتنبيه على أنّه ينبغي للساجد أن يرغم أنفه فيهما . ويؤيّد الأوّل مضمر معاوية بن عمّار (147) في الباب الآتي .

.


1- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
3- . الفقيه ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1019 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 380 ، ح 1441 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 196 ، ح 772 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 224 _ 225 ، ح 10486 .
4- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 69 . وبهذه العبارة أورده أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 346 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 398 ؛ والحديث _ مع مغايرة _ ورد في مسند أحمد ، ج 3 ، ص 83 ؛ وصحيح مسلم ، ج 2 ، ص 84 ؛ والسنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 331 .
5- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 391 .
6- . المقنع ، ص 102 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 352 ، ح 1461 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 203 _ 204 ، ح 10430 .
8- . اُنظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 448 ، ولم أعثر على هذا القول فيه .
9- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 391 _ 392 .
10- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 224 _ 225 ، ح 10486 .
11- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
12- . الحديث الرابع من هذا الباب .
13- . الحديث السادس من هذا الباب .
14- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 392 .
15- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي .
16- . اللمعة الدمشقية ، ص 36 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 709 .
17- . الخلاف ، ج 1 ، ص 451 ، المسألة 196 .
18- . المبسوط، ج 1، ص 121.
19- . النهاية ، ص 92 .
20- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 393 .
21- . المقنع ، ص 103 .
22- . الحديث الثاني من هذا الباب .
23- . الحديث الخامس من هذا الباب .
24- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 377 ، ذيل الحديث 1431 ؛ ومثله في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 194 ، ذيل الحديث 766 .
25- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 194 ، ح 765 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 377 ، ح 1430 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 232 ، ح 10512 .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 194 ، ح 766 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 377 ، ح 1431 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 232 ، ح 10511 .
27- . الفقيه ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1016 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 232 ، ح 10513 .
28- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 233 ، ح 10514 .
29- . السرائر ، ج 1 ، ص 245 _ 246 .
30- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 393 .
31- . الخلاف ، ج 1 ، ص 451 .
32- . المبسوط ، ج 1 ، ص 451 .
33- . المقنع ، ص 103 .
34- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 393 .
35- . الفقيه ، ج 1 ، ص 349 .
36- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 221 .
37- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 367 .
38- . المجموع للنووي ، 4 ، ص 337 _ 338 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 227 _ 228 ؛ المغني ، ج 2 ، ص 107 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 100 .
39- . المقنع ، ص 103 .
40- . الفقيه ، ج 1 ، ص 357 .
41- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 377 .
42- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 394 .
43- . الخلاف ، ج 2 ، ص 453 ، ذيل المسألة 196 .
44- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 232 ، ح 10512 .
45- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 16 .
46- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 349 _ 350 ، ح 1449 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 377 ، ح 1432 .
47- . الفقيه ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1017 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 233 ، ح 10514 و 10516 .
48- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 15 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 139 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 684 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 666 .
49- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 377 _ 378 ، ذيل الحديث 1432 .
50- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 422 ؛ والشهيد في الذكرى ، ج 4 ، ص 86 .
51- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 392 .
52- . المقنع ، ص 109 _ 110 .
53- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 421 _ 422 .
54- . الفقيه ، ج 1 ، ص 341 ، ذيل الحديث 993 .
55- . المقنعة ، ص 148 .
56- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 420 .
57- . الخلاف ، ج 1 ، ص 459 ، المسألة 202 .
58- . المراسم العلويّة ، ص 87 .
59- . المبسوط ، ج 1 ، ص 121 _ 122 .
60- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 189) .
61- . الكافي في الفقه ، ص 148 _ 149 .
62- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 421 .
63- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 37) .
64- . المهذّب ، ج 1 ، ص 156 .
65- . الوسيلة ، ص 102 .
66- . السرائر ، ج 1 ، ص 259 .
67- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 423 _ 428 .
68- . الخلاف ، ج 1 ، ص 457 .
69- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 207 ، الدرس 53 .
70- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
71- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
72- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
73- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
74- . الفقيه ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1019 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 196 ، ح 772 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 380 ، ح 1441 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 224 _ 225 ، ح 10486 .
75- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 425 .
76- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 191 _ 192 ، ح 757 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 200 _ 201 ، ح 10422 .
77- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 423 .
78- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 152 ، ح 598 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1360 ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 346 ، ح 1008 وفيه : « ... عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام » وذكر الحديث ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 365 _ 366 ، ح 8196 .
79- . الحديث الثاني من ذلك الباب.
80- . الحديث الثامن من ذلك الباب .
81- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 158 ، ح 618 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 362 _ 363 ، ح 1374 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 402 ، ح 8286 .
82- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 159 ، ح 624 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 363 ، ح 1375 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 402 ، ح 8287 .
83- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 158 ، ح 622 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 363 ، ح 1376 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 406 ، ح 8296 .
84- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 353 ، ح 1466 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 250 ، ح 10562 .
85- . الحديث التاسع من ذلك الباب من الكافي .
86- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 155 ، ح 608 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1367 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 251 ، ح 10563 .
87- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 420 ، حكاه عن الرسالة الغريّة .
88- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 224 _ 225 ، ح 10486 ، و ص 234 _ 235 ، ح 10518 .
89- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
90- . الخلاف ، ج 1 ، ص 458 ، المسألة 201 .
91- . المبسوط ، ج 1 ، ص 123 .
92- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 428 .
93- . السرائر ، ج 1 ، ص 258 .
94- . الفقيه ، ج 1 ، ص 341 ، بعد الحديث 993 .
95- . نفس المصدر ، ح 994 .
96- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 195 ، ح 768 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 380 ، ح 1440 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 208 ، ح 10440 .
97- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
98- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
99- . وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 402 ، ح 8286 .
100- . الحديث الرابع من ذلك الباب .
101- . الحديث الأوّل من الباب الآتي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 201 _ 202 ، ح 10424 .
102- . الكافي ، باب من تكلّم في صلاته ... ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 405 ، ح 8293 .
103- . الحديث السابع من الباب المتقدم ذكره من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 344 _ 345 ، ح 1430 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 244 ، ح 10546 .
104- . الحديث الثامن من الباب الآتي من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 344 ، ح 1429 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 406 ، ح 8295 .
105- . الحديث التاسع من ذلك الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 250 ، ح 10561 .
106- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 82 .
107- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 233 ، ح 1033 ، ولفظه : «من شك في صلاته ...» .
108- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 234 ، ح 1038 ، ولفظه : « ... بعد ما يسلم» . ورواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 250 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 337 .
109- . منها : الخلاف ، ج 1 ، ص 448 ، المسألة 195 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 125 .
110- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 431 .
111- . المراسم العلويّة ، ص 88 .
112- . الكافي في الفقه ، ص 148 .
113- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 195 ، ح 770 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 380 ، ح 1440 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 208 ، ح 10442 .
114- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 432 .
115- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 195 ، ح 769 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 380 ، ح 1439 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 208 ، ح 10441 .
116- . الفقيه ، ج 1 ، ص 341 ، ح 995 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 208 ، ح 10443 .
117- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 195 ، ذيل الحديث 770 .
118- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 80 _ 81 .
119- . هذا هو الصحيح الموافق للمصدر ، و في متن الأصل : «الخيبري» ، وفي هامشه : «الخدري ل» .
120- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 154 _ 155 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 673 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 697 _ 699 .
121- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 162 _ 163 .
122- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 160 _ 161 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 686 _ 687 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 699 و 704 .
123- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 85 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 448 ؛ و البخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 105 ؛ و ج 2 ، ص 65 ؛ و ج 8 ، ص 133 ؛ و ابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 380 ، ح 1205 ؛ وأبو داود في سننه ، ج 1 ، ص 230 ، ح 1019 ؛ والترمذي في سننه ، ج 1 ، ص 243 _ 244 ، ح 390 ؛ والنسائي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 203 _ 204 ، ح 578 ، وص 372 ، ح 1177 ، مع مغايرة في الفاظ بعضها .
124- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 280 . وتقدّم سائر تخريجاته .
125- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 353 _ 354 ، ح 1466 .
126- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 84 _ 86 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 250 _ 251 ، ح 10562 .
127- . السرائر ، ج 1 ، ص 257 _ 259 .
128- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 436 .
129- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 434
130- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 196 ، ح 771 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 381 ، ح 1442 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 235 ، ح 10519 .
131- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 75 و 77 .
132- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 159 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 687 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 703 .
133- . في الأصل : «عمّار» ، والتصويب من المصدر .
134- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 234 ، ح 1039 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 245 ، ح 393 .
135- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 234 _ 235 ، ح 10518 .
136- . في الأصل : «عمّار» ، والتصويب من المصدر .
137- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 195 ، ح 767 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 207 ، ح 10439 ، و ص 224 ، ح 10483 .
138- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 235 ، ح 10519 .
139- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 433 . وانظر : المقنع ، ص 110 .
140- . لمبسوط ، ج 1 ، ص 125 .
141- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 37) .
142- . المراسم العلويّة ، ص 188 .
143- . الكافي في الفقه ، ص 148 .
144- . السرائر ، ج 1 ، ص 258 _ 259 .
145- . في هامش الأصل : «و يأتي هذا الخبر في الباب الآتي بأدنى تغيير لفظي في الحسن . منه» .
146- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 196 ، ح 773 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 342 ، ح 997 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 234 ، ح 10517 .
147- . الحديث التاسع من ذلك الباب .

ص: 227

. .

ص: 228

. .

ص: 229

. .

ص: 230

. .

ص: 231

. .

ص: 232

. .

ص: 233

. .

ص: 234

. .

ص: 235

. .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

. .

ص: 245

. .

ص: 246

باب من تكلّم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمّها أو يقوم في موضع الجلوس

باب من تكلّم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمّها أو يقوم في موضع الجلوسفيه مسائل : الاُولى : التكلّم في الصلاة عمدا يبطل الصلاة إجماعا على ما ادّعى في الاستبصار (1) والمنتهى . (2) ويدلّ عليه أخبار متكثّرة ، منها : صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «وإن تكلّم فليعد صلاته» . (3) وحسنة الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «فإن لم يقدر [على ماء] حتّى ينصرف [ب]وجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته ». (4) وأمّا مع السّهو فإنّما يوجب سجدة السّهو. وادّعى في المنتهى (5) عليه الإجماع ، ولم ينقل فيه خلافا إلّا عن أبي حنيفة (6) من قوله ببطلان الصلاة . ويدلّ عليه عموم قوله عليه عليه السلام : «رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» ، (7) وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج . (8) وفي حكم التكلّم في الصلاة نسيانا التكلّم فيما بين الصلاة والاحتياط ولو عمدا ؛ لرواية سماعة بن مهران ، (9) وصحيحة سعيد الأعرج، (10) وبعض ما سيأتي من الأخبار . ولا ينافي وجوب سجدة السّهو ما روى زرارة في الصحيح، عن أبي جعفر عليه السلام في الرّجل يسهو في الركعتين ويتكلّم ، قال : «يتمّ ما بقي من صلاته ، تكلّم أولم يتكلّم ولا شيء عليه» . (11) وعقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه في رجل دعاه رجل وهو يصلّي فسها فأجابه بحاجته ، كيف يصنع ؟ قال : «يمضي على صلاته ويكبّر تكبيرا كثيرا» ؛ (12) لأنّ الظاهر أنّ المراد في الأوّل نفي الإثم والإعادة والسكوت عن سجدة السّهو فيهما ، لا ينا في وجوبها بدليل آخر . وحكى في المنتهى (13) عن أبي حنيفة أنّه احتجّ على وجوب الإعادة بأنّه لا يجوز في الصلاة شيء من كلام الآدميين ، (14) وبأنّ ما أوجب البطلان عمدا أوجبه سهوا ، كالحدث . والجواب عن الأوّل أنّه لا كلام في حرمة الكلام فيها عمدا ، وهو لا يدلّ على بطلان الصلاة به لاسيما إذا وقع سهوا . وعن الثاني منع كلّيّة الصغرى بمنع القياس خصوصا إذا كان مع الفارق، وهو استلزام الحدث فساد شرطها الذي هو الطهارة بخلاف الكلام . الثانية : ما إذا نقص ركعة فما زاد نسيانا ، وقد اختلف الأصحاب في البناء والإعادة بذلك، فظاهر ابن أبي عقيل وأبي الصلاح (15) وجوب الإعادة مطلقا حتّى في الرباعيّة، ومن غير تخلّل ما ينقض الصلاة عمدا وسهوا أو عمدا فقط على ما هو ظاهر ما حكاه عنهما في المختلف . (16) والمشهور بين الأصحاب البناء في جميع الصلوات ، واختلفوا في أنّه هل يشترط ذلك بشرط أم لا ؟ ثمّ اختلفوا في الشرط، فظاهر الصدوق في الفقيه (17) عدم اشتراطه بشيء ، وهو محكي في المختلف (18) عن مقنعه أيضا ، وأنّه قال فيه : فإن صلّيت ركعتين ثمّ قمت فذهبت في حاجة لك فأضف إلى صلاتك ما نقص منها ولو بلغت الصّين ، ولا تعد الصلاة ، فإنّ إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرّحمان . (19) ويدلّ عليه ما روى في الفقيه عن عمّار بن موسى السّاباطيّ : أنّ من سلّم في ركعتين من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء الآخرة ثمّ ذكر فليبن على صلاته ولو بلغ الصّين ولا إعادة عليه . (20) وقال أيضا : وسأل عبيد بن زرارة أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الغداة ركعة ويتشهّد وينصرف ويذهب ويجيء ، ثمّ ذكر أنّه إنّما صلّى ركعة ، قال : «يضيف إليها ركعة» . (21) وما روى في التهذيب عن جعفر بن بشير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد بن زراة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعة من الغداة ثمّ انصرف وخرج في حوائجه ثمّ ذكر أنّه إنّما صلّى ركعة ، قال: «يضيف إليها ركعة». (22) و ما روى في التهذيب عن جعفر بن بشير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعة من الغداة ثمّ، انصرف و خرج في حوائجه، ثمّ ذكر أنّه صلّى ركعة، قال: «فليتمّ ما بقي» . (23) وفي الصحيح عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر وهو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلد من البلدان أنّه صلّى ركعتين ، قال : «يصلّي ركعتين» . (24) وفي الموثّق عن عمّار ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : «يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلّم ، ويسجد سجدتي السّهو و قد جازت صلاته» . (25) وخبر جعفر بن بشير، عن الحارث بن المغيرة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّا صلّينا المغرب فسها الإمام فسلّم في الركعتين فأعدنا الصلاة ، فقال : «لِمَ أعدتم ؟ أليس قد انصرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ركعتين فأتمّ بركعتين ، ألا أتممتم؟» . (26) ويؤيّدها عموم ما رواه صفوان في الصحيح عن العيص ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها ثمّ ذكر أنّه لم يركع ، قال : «يقوم فيركع ويسجد سجدتين ». (27) واشترط الشيخ في النهاية في صلاة الغداة أن لا يتخلّل الناقض للصلاة مطلقا ولو عمدا فقط _ كالتكلم _ حيث قال : فإن صلّى ركعة من صلاة الغداة وجلس وتشهّد وسلّم ، ثمّ ذكر أنّه كان قد صلّى ركعة ، قام فأضاف إليها ركعة اُخرى ما لم يتكلّم أو يلتف عن القبلة أو يحدث ما ينقض الصلاة، فإن فعل شيئا من ذلك وجبت عليه الاعادة . (28) ولم يذكر غير صلاة الغداة ، والظاهر أنّه يعمّم الحكم لا سيّما لصلاة المغرب وللركعتين الأوّلتين من الرباعيّة ، وينفي اشتراط التكلّم أخبار متكثّرة دلّت على البناء مع تخلّل التكلّم ، كرواية سماعة بن مهران، (29) وصحيحة سعيد الأعرج، (30) وبعض ما سبق من الأخبار ، وما روى في التهذيب عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن زيد الشحّام ، قال : سألته عن الرجل _ إلى قوله _ : «وإن هو استيقن أنّه صلّى ركعتين أو ثلاثا ثمّ انصرف ، فتكلّم فلم يعلم أنّه لم يتمّ الصلاة ، فإنّما عليه أن يتمّ الصلاة ما بقيّ منها ، فإنّ نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله صلّى بالنّاس ركعتين ، ثمّ نسي حتّى انصرف ، فقال له ذو الشمالين : يا رسول اللّه ، أَحَدَثَ في الصلاة شيء ؟ فقال : أيّها الناس ، أصدق ذو الشمالين ؟ فقالوا : نعم ، لم تصلِّ إلّا ركعتين ، فقام فأتمّ ما بقي من صلاته» . (31) وقد سبق صدر الحديث . وفي الفقيه في الصحيح عن عليّ بن النعمان الرازيّ ، قال كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا إمامهم وصلّيت بهم المغرب ، فسلّمت في الركعتين الأوّلتين ، فقال أصحابي : إنّما صلّيت بنا ركعتين ، فكلّمتهم وكلّموني فقالوا : أمّا نحن فنعيد ، فقلت: لكنّي لا اُعيد وأتمّ بركعة ، ثمّ سرنا ، فأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام فذكرت له الذي كان من أمرنا ، فقال : «أنت كنت أصوب منهم فعلاً ، إنّما يعيد الصلاة من لا يدري ما صلّى ». (32) وعن القاسم بن بريد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة ، فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ ركعتين ، فقال : «يتمّ ما بقي من صلاته» ؛ (33) ولذلك قوّى في المبسوط البناء مع تخلل التكلّم ، واقتصر على اشتراط عدم تخلّل الحدث والاستدبار ونحوهما من نواقض الصلاة عمدا وسهوا ، حيث ذكر أوّلاً وجوب الإعادة مع التكلّم والاستدبار ، ثمّ قال : وفي أصحابنا من قال : إنّه إذا نقض عامدا لا ساهيا لم يكن عليه إعادة الصلاة ؛ لأنّ الفعل الذي يكون بعده في حكم السّهو ، ثمّ قال: وهو الأقوى عندى ، وسواء كان ذلك في صلاة الغداة أو المغرب أو صلاة السّفر أو غيرها من الرّباعيّات . (34) ويدلّ على ما اشترطه في المبسوط ما رواه في التهذيب في الصحيح عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : سأل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلمّا فرع الإمام خرج مع الناس ، ثمّ ذكر أنّه قد فاتته ركعة ، قال : «يعيدها ركعة [واحدة] يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة ، فإذا حوّل وجهه بكلّيّة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالاً» . (35) وروى الصدوق في الفقيه عن عبيد بن زرارة مثله بعينه . (36) وقال العلّامة في المختلف : «والأقرب عندي التفصيل ، فإن خرج المصلّي عن كونه مصلّيا بأن يذهب ويجيء أعاد ، وإلّا فلا ». (37) و يدلّ على ما ذهب إليه صحيحة ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام ، قال : «يستقبل» قلت : فما يروي الناس ؟ فذكر له حديث ذي الشمالين ،فقال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يبرح من مكانه ، ولو برح استقبل» . (38) وخبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعتين ، ثمّ قام فذهب في حاجته ، قال : «يستقبل الصلاة» ، فقلت : ما بال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يستقبل حين صلّى ركعتين ؟ فقال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم ينتقل من موضعه» . (39) ورواية يعقوب بن يزيد ، عن عليّ بن النعمان ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت : أجيء إلى الإمام وقد سبقني بركعة في الفجر ، فلمّا سلّم وقع في قلبي أنّي قد أتممت ، فلم أزل ذاكر اللّه حتّى طلعت الشمس ، فلمّا طلعت نهضت فذكرت أنّ الإمام قد سبقني بركعة ، قال : «فإن كنت في مقامك فأتمّ بركعة ، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة ». (40) ولا يبعد الجمع بين الأخبار بالقول بالتخيير بين البناء والإعادة فيما إذا تخلّل ما ينافي الصلاة ، كما يشعر به قوله عليه السلام : «إنّما كان يجزيك أن تقوم فتركع ركعة»، (41) فيما رواه المصنّف قبل ذلك في باب السّهو في الفجر والمغرب ، وقوله عليه السلام : «يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة» (42) في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة . والظاهر استحباب سجود السّهو في هذه المسألة ؛ لخلوّ أكثر أخبارها عنه ، بل ينفيه عموم الشيء المنفي في بعضها ، ولم يتعرّض الأكثر أيضا له . واعلم أنّه اختلف الأصحاب في سهو النبيّ صلى الله عليه و آله في العبادات وغيرها ممّا عدا تبليغ الرسالة ، فقد أنكره الشيخ قدس سرهمستندا بموثّق عبد اللّه بن بكير، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : هل سجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله سجدتي السهو قطّ؟ فقال : «لا، ولا يسجدهما فقيه» . (43) وحمل أخباره على التقيّة؛ لموافقته لمذهب العامّة؛ متمسّكا بأنّه لم يكن في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجل يقال له ذو الشمالين ، وقال : إنّما وضع حكايته العامّة ، ثمّ قال : «وإنّما ذكرناها في كتابنا ؛ لأنّ ما يتضمّنه من الأحكام معمول بها ». (44) ولا بعد فيما ذكره قدس سره ؛ لأنّ بعض العامّة كان له يد طولى في وضع الحديث ، بل كان ذا اليدين فيه ، ونقل طاب ثراه عن السيّد المرتضى رضى الله عنه أنّه قال في الذريعة : خبر ذي اليدين خبر خبيث باطل ، مقطوع على فساده ؛ لأنّه يتضمّن كذب النبيّ صلى الله عليه و آله وسهوه ، ثمّ قال: اشتماله على تكذيبه عليه السلام مبني على ما نقلوه : أنّه عليه السلام لمّا صلّى الظهر والعصر ركعتين قال له ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه ؟ فقال : «كلّ ذلك لم يكن» ، فقال ذو اليدين : بل بعض ذلك قد كان ، فأقبل على الناس فقال : «أصدق ذو اليدين؟» فقالوا نعم . (45) و اُجيب عن اشتماله على تكذيبه عليه السلام بأنّه عليه السلام إنّما أراد كلّ ذلك لم يكن في ظنّي ، ولو صرّح بذلك لم يكن كذبا . وقد بالغ الصدوق وشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد في جوازه حتّى إنّه قال في الفقيه : إنّ الغلاة والمفوّضة _ لعنهم اللّه _ ينكرون سهو النبيّ صلى الله عليه و آله ، وادّعى أنّ سهوه ليس كسهونا ، إنّ سهونا من أنفسنا ومن الشيطان ، وسهوه من اللّه عزّ وجلّ ؛ ليعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يتّخذ ربّا معبودا ، وليعلم الناس لسهوه حكم، السّهو. وكذب من أنكر ذلك الرجل وهذا الخبر بأنّ الرجل معروف ، وهو أبو محمّد عمير بن عبد عمر ، والمعروف بذي اليدين ، وقد نقل عنه المخالف والموافق ، و قال : وقد أخرجت عنه أخبارا في كتاب وصف قتال القاسطين [بصفّين] وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبيّ صلى الله عليه و آله والردّ على منكريه إن شاء اللّه تعالى . (46) وحكى عن شيخه أنّه قال : «أوّل درجة من الغلوّ نفي السهو عنه ». وروى في كتاب العيون بإسناده عن أبي الصلت الهروي ، قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ في سواد الكوفة قوما يزعمون أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يقع عليه السّهو في صلاته ، قال: «كذبوا لعنهم اللّه ، إنّ الذي لا يسهو هو اللّه الّذي لا إله هو ». (47) وأمّا تبليغ الرسالة فقد أجمع أصحابنا على عدم جواز السهو عليه السلام فيه ، فقد قال الصّدوق : إنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبيّ صلى الله عليه و آله فيها ما يقع على غيره ، وهو مستعبد بالصّلاة كغيره ممّن ليس بنبيّ، وليس كلّ من سواه بنبيّ كهو ، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوّة ، والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ؛ لأنّها عبادة مخصوصة ، والصلاة عبادة مشتركة وبها ثبتت له العبوديّة . (48) وفي الوافي : يستفاد من كتب العامّة أنّ ذا اليدين المذكور في حديث السهو يدعى بالخرباق بالخاء المعجمة والباء الموحّدة . وهذا لا ينافي ما قاله الصدوق رحمه الله من أنّ اسمه عمير ؛ لجواز أن يكون الخرباق لقبه . (49) وحكى طاب ثراه عن صاحب النقود (50) أنّه قال : «ذو اليدين لقب صحابي كان في يديه طول ، واسمه خرباق بكسر الخاء المعجمة والباء الموحّدة ». (51) والظاهر أنّ المراد بالفقيه في موثّقة زرارة المتقدّمة الأئمّة عليهم السلام ، وإلّا فلا ريب في وقوع السّهو عن غيرهم من الفقهاء ، وقد اختلف في جوازه عليهم أيضا ؛ لاشتراكهم معه عليهم السلام في المانع عنه ، وهو العصمة من اللّه سبحانه ، وقد ورد في تضاعيف الأخبار وقوع السهو عنهم في بعض العبادات ، فعلى قول الشيخ هو أيضا محمول على التقيّة ، واللّه تعالى يعلم حقيقة حال نبيّه ووليّه عليهم السلام . قوله في خبر سماعة : (من حفظ سهوه) إلخ [ح1 / 5180]، يعني من نسي فعلاً من أفعال الصلاة أو شكّ فيه ثمّ ذكره في وقته وأتى به في محلّه ، فليس عليه سجدتا السّهو ، ويفهم منه وجوبهما على من لم يحفظ ما نسيه في محلّه، فعلّله بسجدة النبيّ عليه السلام لذلك . قوله في حسنة الحلبيّ : (قال: يقول في سجدتي السهو) إلخ.[ح5 / 5184] قال طاب ثراه : «يجوز أن يعود ضمير «قال» إلى أبي عبد اللّه عليه السلام وضمير «يقول» إلى السّاهي ، وأن يعود الأوّل إلى الحلبيّ والثاني إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهو الأنسب بقوله ». وسمعته مرّة اُخرى يقول : «وقيل : السلام في قوله «السّلام عليك» من أسماء اللّه تعالى ، أي اللّه حفيظ عليك كما يقال : اللّه معك» . وقيل : من السلامة والنجاة ، كما في قوله تعالى : «فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ» . (52) وقيل : من الاستسلام ، أي الانقياد لك ، كما في قوله تعالى : «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجا مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيما» (53) . (54) وبعض هذه الوجوه لا يتعدّى بعلى فيضمّن ما يتعدّى بها ، وهذه الوجوه تجري في السّلام من الصلاة أيضا . قوله في صحيحة سعيد الأعرج : (وكان يدعى ذا الشمالين) .[ح6 / 5185] قال طاب ثراه : هذا صريح في أنّ ذا اليدين وذا الشمالين واحد ، وقال جماعة من العامّة _ منهم الزهريّ _ : إنّهما اثنان معلّلاً بأنّ ذا اليدين من بني سليم وذا الشماليين خزاعيّ ، وصرّحوا بأنّ ذا اليدين قتل ببدر . (55)

.


1- . الاستبصار، ج 1، ص 378، ذيل الحديث 1435.
2- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 279 ؛ وج 7 ، ص 66 .
3- . الكافي ، باب ما يقطع الصلاة ، ح 9 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 323 _ 324 ، ح 1323 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 264، ح 687 ؛ و ج 7 ، ص 238 _ 239 ، ح 9215 .
4- . الكافي ، باب ما يقطع الصلاة ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 200 ، ح 783 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1541 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 239 ، ح 9217 .
5- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 285 .
6- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 85 .
7- . وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 373 ، ح 5430 .
8- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
9- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
10- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 191 ، ح 756 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1434 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 200 ، ح 14018 .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 351 ، ح 1456 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 206 ، ح 10433 .
13- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 286 .
14- . السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 198 ، ح 556 ، و ص 362 ، ح 1141 .
15- . الكافي في الفقه ، ص 148 .
16- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 374 .
17- . الفقيه ، ج 1 ، ص 347 .
18- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 398 .
19- . لم أعثر عليه في المقنع بهذه العبارة ، والموجود فيه هكذا : «وإن صلّيت ركعتين ثمّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولاتبن على ركعتين» .
20- . الفقيه ، ج 1 ، ص 347 ، ح 1012 .
21- . الفقيه ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1013 .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 346 ، ح 1437 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 367 ، ح 1399 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 210 ، ح 10447 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 347 ، ح 1439 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 368 ، ح 1402 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 210 ، ح 10446 .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 347 ، ح 1440 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 368 ، ح 1403 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 204 ، ح 10432 .
25- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 354 ، ح 1466 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 203 ، ح 10427 .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 180 ، ح 825 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 198 ، ح 10415 .
27- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 350 ، ح 1451 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 200 ، ح 10421 .
28- . النهاية ، ص 90 .
29- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
30- . الحديث السادس من هذا الباب .
31- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 352 ، ح 1461 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 203 _ 204 ، ح 10430 .
32- . الفقيه ، ج 1 ، ص 437 ، ح 1011 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1411 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 181 ، ح 726 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 199 ، ح 10416 .
33- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 191 _ 192 ، ح 757 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 200 _ 201 ، ح 10422 .
34- . المبسوط ، ج 1 ، ص 121 .
35- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 184 ، ح 732 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 368 ، ح 1401 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 209 ، ح 10445 .
36- . الفقيه ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1200 .
37- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 398 .
38- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 345 _ 346 ، ح 1434 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 200 ، ح 10420 .
39- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 346 ، ح 1435 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 201 ، ح 10423 .
40- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 183 ، ح 731 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 367 _ 368 ، ح 1400 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 209 ، ح 10444 .
41- . الحديث الثالث من ذلك الباب .
42- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 209 ، ح 10445 .
43- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 350 _ 351 ، ح 1454 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 202 ، ح 10426 .
44- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 351 ، ذيل الحديث 1454 .
45- . اُنظر : الذريعة ، ج 2 ، ص 554 .
46- . الفقيه ، ج 1 ، ص 359 _ 360 ، ذيل الحديث 1031 .
47- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 219 ، الباب 46 ، ح 5 .
48- . الفقيه ، ج 1 ، ص 359 .
49- . الوافي ، ج 8 ، ص 957 .
50- . صاحب النقود هو محمّد بن محمود بن أحمد البابرتي أكمل الدين الحنفي ، ويقال : محمّد بن محمّد بن محمود ، صنّف النقود والردود شرحا لمختصر ابن الحاجب ، وشرح عقيدة نصير الدين الطوسي ، وشرح مشارق الأنوار للصغاني ، مات سنة 786ه . ق بمصر . الدرر الكامنة ، ج 14 ، ص 250 ، الرقم 686 ؛ كشف الظنون ، ج 2 ، ص 1854 ؛ الأعلام ، ج 7 ، ص 42 .
51- . لم أعثر عليه .
52- . الواقعة (56) : 91 .
53- . النساء (4) : 65 .
54- . اُنظر : شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج 11 ، ص 111 ؛ شرح سنن النسائي للسيوطي ، ج 3 ، ص 40 .
55- . اُنظر : عمدة القاري ، ج 4 ، ص 264 ؛ الاستيعاب ، ج 2 ، ص 475 ، الرقم 427 .

ص: 247

. .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

باب من شكّ في صلاته كلّها ولم يدر أزاد أو نقص

باب من شكّ في صلاته كلّها ولم يدر أزاد أو نقص ، ومن كثر عليه السّهو في النافلة وسهو الإمام ومن خلفهفيه مسائل : الاُولى : من شكّ في الصلاة ولم يدر كم صلّى ، ركعة أو ركعتين أو ثلاثا فما فوقها ، فالمشهور بين الأصحاب بطلان صلاته، (1) وقد سبق ظهور كلام الصدوق في البناء على الأقلّ . ويدل على الأوّل صحيحة صفوان، (2) ومضمرة زرارة وأبي بصير، (3) وصحيحة ابن أبي يعفور . (4) وقال طاب ثراه: ويدلّ عليه أخبار اُخر غير مذكورة في الكتاب ، مثل صحيحة عليّ بن النعمان: «إنّما يعيد من لا يدري ما صلّى» ، وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام، قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلّى شيئا أم لا، قال : «يستقبل»، (5) والأخبار الدالّة على أنّ الشكّ في الاُوليين مبطل ، (6) ولعدم إمكان البناء على شيء إذا لم يعلم شيئا أصلاً ، والبناء على ما هو المعلوم من النيّة والتكبير بعيدٌ جدّا ، مع علمه بأنّه قد فعل شيئا . وبالجملة ، الأخبار الصحيحة والإجماع والاعتبار أدلّة على بطلان الصلاة في هذا الفرض ، فيجب تأويل ما دلّ على خلافه كصحيحة عليّ بن يقطين في التهذيب والاستبصار ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري كم صلّى ، واحدة أم اثنتين ، قال : «يبني على الجزم ، ويسجد سجدتي السهو ، ويتشهّد تشهّدا خفيفا ». (7) والشيخ أوّله بأن حمل البناء على الجزم على الإعادة ، وحمل السجود على الاستحباب . وأورد عليه الفاضل الأردبيليّ (8) بانّ الإعادة لا يسمّى بناء ، واستحباب السجود على تقدير البطلان بعيد ، ثمّ أوّله بوجهين : الأوّل : أنّ المراد بالصّلاة النافلة ، وبالبناء على الجزم البناء على الواحدة ، والسجود لاحتمال الزيادة . الثاني : أن المراد بالصلاة الفريضة ، لكن إذا ظنّ بالواحدة ، ويمكن حمله على صورة كثرة الشكّ وعلى التقيّة ؛ لأنّه موافق لمذهب أكثر العامّة ورواياتهم ، فقد روى مسلم بإسناده عن أبي هريرة : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ أحدكم إذا جاء يصلّي جاءه الشيطان فيلبّس عليه حتّى لا يدري كم صلّى ، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس ». (9) وعنه أيضا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتّى لا يسمع الأذان ، فإذا قُضي الأذان أقبل ، فإذا ثوّب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل حتّى يخطر بين المرء ونفسه يقول : اذكر كذا ، اذكر كذا حتّى يظلّ الرجل إن يدري كم صلّى ، فليسجد سجدتين وهو جالس» . (10) قال عياض في شرح هذا الحديث : وأمّا من لم يدركم صلّى ، واحدة أو أكثر ولم تتقدّم له يقين في إكمال صلاته ، فقال مالك والأكثر : يبني على يقين ويطرح الشكّ ، ثمّ يسجد للسّهو قبل السّلام . وقال الحسن وطائفة : من لم يدركم صلّى يعيد مرّة بعد اُخرى حتّى يتيقّن الأكثر . وقال بعضهم : يعيد ثلاث مرّات ، فإن شكّ في الرابعة فلا إعادة عليه . (11) الثانية : كثير السهو . الظاهر بالنظر إلى الأخبار أن مراد المصنّف من كثرة السّهو المعنى العام الشامل لكثرة الشكّ وكثرة النّسيان ، وذهب أكثر الأصحاب إلى عدم اعتبار الشكّ مع كثرته مطلقا ، بمعنى أنّه لا يلتفت إلى ما شكّ فيه من فعل أو ركعة ، بل يبني على وقوعه وإن كان في محلّه حتّى لو فعله بطلت الصلاة ، إلّا أن يستلزم الزيادة ، فيبني على المصحّح . ويدلّ عليه مضمرة أبي بصير (12) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، (13) ورواية ابن سنان، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك». (14) وفي الفقيه عن الرضا عليه السلام : «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامضِ في صلاتك ولا تعد» . (15) قال طاب ثراه : قد استفيد من هذه الأخبار البناء على فعل ما شكّ فيه ، وهو مذهب أكثر علمائنا ، منهم العلّامة حيث قال في النهاية : «لا حكم للسّهو إذا كثر وتواتر ، بل يبني على وقوع ما شكّ فيه »، (16) وقال الفاضل الأردبيليّ: «الاحتياط البناء على الأقلّ »، (17) وهو مخيّر بينه وبين البناء على الأكثر . وكذا ذهبوا إلى عدم اعتبار النسيان مع كثرته بمعنى أنّه لا سجدة للسّهو عليه لو فعل ما يوجبه ، لكن لو ترك فعلاً وذكره في محلّه استدركه . ولو زاد أو نقص ركنا أعاد الصلاة على ما صرّح به بعض . ويدل على عدم اعتباره أكثر ما ذكر من الأخبار؛ لشمول السهو له أيضا ، لكن ظاهر التعليل الذي ورد فيها سقوط أحكام الشكّ والسّهو جميعا مع الكثرة حتّى الاحتياط وسجود السهو والإعادة فيما يوجب زيادة الركن ونقصانه ، فلا وجه لما ذكرهُ المحقّق الأردبيليّ على ما نقل عنه والدي من قوله : «الظاهر أنّ المراد بالسّهو في هذه الأخبار الشكّ الموجب للإعادة أو التلافي قبل محلّه ؛ لأنّه أمر بالمضي في الصلاة »، (18) يعني لا يترك الصلاة على الأوّل ، ولا يرجع إلى مقتضاه على الثاني ، فهذه الأخبار إنّما تدلّ على عدم بطلان الصلاة وعدم الرجوع إلى المشكوك فيه مع عدم فوات محلّه بعد الكثرة ، لا على سقوط الاحتياط أيضا لو اقتضاه الشكّ الكثير ؛ للأدلّة الدالّة على وجوبه مطلقا مع عدم التعارض بينها وبين هذه الأخبار ، ولا لما نقله صاحب المدارك عن بعض الأصحاب وعدّه أظهر ، حيث قال : وهل تؤثّر الكثرة في سقوط سجدات السّهو ؟ قيل : نعم ، وهو خيرة الذكرى (19) ؛ دفعا للجرح . وقيل : لا ، و هو الأظهر ؛ لأنّ أقصى ما يدلّ عليه الروايات المتقدّمة وجوب المضي في الصلاة وعدم الالتفات إلى الشكّ ، فتبقى الأوامر المتضمّنة للسجود بفعل موجبه سالمة من المعارض ». (20) وعموم الصلاة فيها يشمل صلاة الاحتياط ، فلا حكم للشكّ مع الكثرة فيها أيضا . ويحتمل أن لا يعتبر فيها في المرّة الاُولى ؛ لما سنذكره في مسألة السّهو في السّهو . قال طاب ثراه : ثمّ سقوط حكم الشكّ بعد الكثرة هل هو حتمي أو رخصة وتخفيف ؟ ذهب طائفة إلى الأوّل ؛ لحمل الأمر بالإمضاء والنهي عن الإعادة على الوجوب والتحريم ، فهذه الأخبار تخصّص الأدلّة الدالّة على وجوب التدارك والإعادة حتّى قال العلّامة في النهاية : «لو سها فيالقراءة وهو قائم أو في سجدة وهو جالس وقد بلغ حدّ الكثرة لم يلتفت ، فإن تدارك احتمل البطلان ؛ لأنّه فعل ما ليس من الصلاة فيها »، (21) ونقل عن بعض الأصحاب أنّ التلافي بعد الكثرة مبطل ؛ لأنّه زيادة منهيّة ، ولو علم بعده أنّه كان متروكا وفعله وقع في محلّه . وقال الفاضل الأردبيليّ إلى الثاني ، وقال : «الجمع بين الأخبار بهذا الوجه أولى من التخصيص ». (22) ولا يرد عليه : أنّ الزيادة فعل كثير وهو مبطل ؛ لأنّ المبطل هو الفعل الكثير الذي يخرج به المصلّي عن كونه مصلّيا، وليس بظاهر يحقّقه في كلّ زيادة . وينبغي القول في حدّ الكثرة ، فقال صاحب المدارك : واختلف الأصحاب فيما يتحقّق به الكثر ، فقال الشيخ في المبسوط: «قيل : حدّه أن يسهو ثلاث مرّات متوالية ». (23) وبه قال ابن حمزة ، (24) وقال : حدّه أن يسهو في شيء واحد أو في فريضة واحدة ثلاث مرّات ، فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة . وأنكر في المعتبر هذا القول ، وقال : «إنّه يجب أن يطالب هذا القائل بمأخذه ، فإنّا لا نعلم لذلك أصلاً في لغة ولا شرع »، (25) والأصحّ ما اختاره المصنّف _ يعني المحققّ _ من الرجوع في ذلك إلى العادة ؛ لأنّها المحكّمة فيما لا يرد عليه تقدير من الشارع. لا يقال : قد روى ابن بابويه في الصحيح عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «وإذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن يكثر عليه السهو» ، (26) وليس المراد ب«كلّ» الدّوام قطعا ، وإلّا لم يتحقّق الكثرة ؛ لأنّ الصلاة المتعاقبة داخلة في حيّز «كلّ» إلى انقضاء تكليف المصلّي ، بل المراد أنّه لا يسلم للمصلّي ثلاث بغير سهو ، فيكون ذلك تقديرا شرعيا للكثرة ، فلا يتّجه الرجوع فيها إلى العادة . لأنّا نقول : أقصى ما تدلّ عليه [الرواية] تحقّق الكثرة بذلك ، وهو مطابق للعرف لا حصر الكثرة في هذا المعنى . قال في الذكرى : ويظهر من قوله في حسنة حفص بن البختريّ : «ولا على الإعادة إعادة» (27) إنّ السهو يكثر بالثانية ، إلّا أن يقال : يختصّ بموضع وجوب الإعادة ، وهو كذلك ، إلّا أنّي لا أعلم بمضمونها قائلاً . (28) انتهى عبارة المدارك . ويظهر من بعض الأخبار تحقق الكثرة بكثرة متعلّق شكّ واحد، ولا بعد فيه ، لكن لم أجد قائلاً به ، رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عليّ بن أبي حمزة _ والظاهر أنّه الثماليّ _ عن العبد الصّالح عليه السلام ، قال : سألته عن رجل يشكّ فلا يدري أواحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، يلتبس عليه صلاته، قال : «كلّ ذا ؟» قلت : نعم ، قال : «فليمض في صلاته ويتعوّذ باللّه من الشيطان الرجّيم، فإنّه يوشك إن يذهب عنه ». (29) وحمله تارة على النوافل ، واُخرى على من تحقّق كثرته قبل ذلك ؛ لما سبق منه بطلان الصلاة إذا تعلّق الشكّ بالواحدة والاثنتين، ولخصوص صحيحة ابن أبي يعفور ، (30) ولا قائل بالتخيير . وأمّا انقطاع حكم الكثرة فيحتمل تحقّقه بعدم السهو في صلاة واحدة ، ويحتمل تحقّقه في الثلاث كذلك والرابعة ، وذهب إلى كلّ فريق . (31) الثالثة : السهو في النافلة . لو سها فيها بما يوجبُ سجدة السهو في الفريضة لم يجب عليه السجود ؛ لمرسلة يونس (32) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام، (33) وخبر الحسن بن زياد الصيقل (34) عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يصلّي الركعتين من الوتر ، يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع، فيذكر وهو راكع ، قال : «يجلس من ركوعه فيتشهّد ، ثمّ يقوم فيتمّ» ، قال : قلت : أليس قلت في الفريضة : «إذا ذكر بعدما يركع مضى ، ثمّ سجد سجدتين بعد ما ينصرف ويتشهّد فيهما» ؟ قال : «ليس النافلة مثل الفريضة» . (35) ويؤيّدهما صحيحة عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ ، قال : سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة ، فلم يجلس بينهما حتّى قام فركع في الثالثة ، قال : «يدع ركعة ويجلس ويتشهّد ويسلم، ثمّ يستأنف الصلاة بعد ». (36) وقال الشيخ في الخلاف : «لا سهو في النافلة ، وبه قال ابن سيرين . وقال باقي الفقهاء : حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو ». (37) واستدلّ على المذهب المختار بإجماع الفرقة ، وأصالة البراءة ، ثمّ قال: «وأخبارنا في هذا الباب أكثر من أن تحصى ». (38) والشاكّ في عدد ركعاتها مخيّر بين البناء على الأقلّ والأكثر ، فالأوّل أفضل ، أمّا جواز الأوّل فلأنّه المتيقّن ، وأمّا الثاني فقال المحقّق في المعتبر : «إنّه متّفق عليه بين الأصحاب ». (39) وفي المدارك : واستدلّ عليه بأنّ النافلة لا تجب بالشروع ، فكان للمكلّف الاقتصار على ما أراد ، وهو ضعيف ؛ إذ ليس الكلام في جواز القطع ، وإنّما هو في تحقّق الامتثال بذلك ، وهو يتوقّف على الدليل ؛ إذ مقتضى الأصل عدم وقوع ما تعلّق به الشكّ . (40) أقول : ويؤيّد ما ذكره من الضعف ما روي أنّه يبني على الأقلّ على ما نقله المصنّف . الرابعة: سهو الإمام والمأموم . لو سها الإمام خاصّة انفرد بمقتضاه من السجود له أو التلافي ، ولا يجب على المأموم متابعته ؛ لأنّهما إنّما وجبا على الإمام لمعنى لم يوجد في المأموم ، فليس عليه شيء ، والمتابعة إنّما تجب عليه في أفعال الصلاة ؛ لما رواه الشيخ عن عمّار السّاباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يدخل مع الإمام و قد صلّى الإمام للإمام ركعة أو أكثر ، فسها الإمام ، كيف يصنع الرجل ؟ قال : «إذا سلّم الإمام يسجد سجدتي السّهو ، ولا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا قام، وثنى على صلاته وأتمّها وسلّم سجد الرجل سجدتي السّهو ». (41) وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن رجل يصلّي خلف إمام لا يدري كم صلّى ، هل عليه سهو ؟ قال : «لا» . (42) نعم ، لو تعدّد المأمومون وحفظوا كلّهم يبني الإمام على حفظهم في عدد الركعات وبالعكس ؛ لمرسلة يونس . (43) ولو اختصّ السهو بالمأموم اختصّ بالعمل بمقتضاه ؛ لاختصاصه بالسبب ، ويجب عليه ذلك، وليس حفظ الإمام مسقطا لحكم السّهو عنه ؛ لفعله السبب فيجب المسبّب . ولما رواه الشيخ من صحيحة عبد الرّحمان بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفا ، قال : «يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتين» ، (44) الحديث ، فإنّ الظاهر أن القائل مأموم . وعن منهال القصّاب ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام، فقال : «إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب» ، (45) أي لا تخف من العامّة حيث قالوا بسقوط سجود السهو عن المأموم . وفي الوافي : إنّه من الهيبة بمعنى الاحتشام ، بمعنى أنّه لا تحتشم من السجدة ، فإنّه لا عار في السجدة . (46) وربّما قرئ : «ولا تهبّ» بتشديد الباء من هبّه هبّا وهبّةً ، بمعنى قطعه، أي لا تقطع الصلاة لذلك السهو ، بل اسجد له. وفي الموثّق عن عمّار السّاباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال يعيد الصلاة، ولا صلاة بغير افتتاح» . (47) وفي الموثّق عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له : أيضمن الإمام الصلاة ؟ قال : «ليس بضامن». (48) وفي الصحيح عن معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أيضمن الإمام صلاة الفريضة ؟ فإنّ هؤلاء يزعمون أنّه يضمن ، فقال : «لا يضمن ، أيّ شيء يضمن؟ إلّا أن يصلّي بهم جنبا أو على غير طهر» . (49) وعن الحسين بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام ، فقال : «إنّ الإمام ضامن للقراءة، وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه ، إنّما يضمن القراءة» . (50) ويدلّ على الحكمين جميعا قوله عليه السلام في مرسلة يونس : «فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم» . (51) وما ذكر هو المشهور بين الأصحاب . وقال الشيخ قدس سره في الخلاف : إذا سها خلف من يقتدي به تحمّل الإمام عنه سهوه ، وكان وجوده كعدمه . وبه قال جميع الفقهاء ، وروي ذلك عن ابن عبّاس . وقال إسحاق : هو إجماع إلّا ما حكي عن مكحول الشاميّ أنّه قال : إن قام مع قعود إمامه سجد للسهو ، (52) _ ثمّ احتجّ على ما ذهب إليه بالإجماع _ ، وقال : قول مكحول لا يعتدّ به ؛ لأنّه محجوج به ، ثمّ إنّه مع ذلك قد انقرض . (53) وعن السيّد المرتضى أنّه قال في المصباح : «ليس على المأموم إذا سها سجدتا السهو». (54) واحتجّوا عليه بمرسلة يونس، (55) وحسنة حفص، (56) وبقوله عليه السلام : «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الافتتاح» في خبر محمّد بن سهل . (57) ويؤيّدهما موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل ينسى و هو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا ، فقال : «ليس عليه شيء» . (58) وخبر عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل سها خلف إمام بعدما افتتح الصلاة ، فلم يقل شيئا ولم يكبّر ولم يسبّح ولم يتشهّد حتّى يسلّم، فقال : «جازت [صلاته]» . (59) وما رواه العامّة عن عمر بن الخطاب أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ليس على من خلف الإمام سهو ، والإمام كافله» . (60) وخصّص هذه الأخبار بما إذا شكّ المأموم في عدد الركعات مع حفظ الإمام ، ولو اُبقيت على ظاهرها من العموم فالظاهر أنّها وردت على التقيّة . بقى هنا مسألة رواها المصنّف في الباب ولم يذكرها في العنوان ، وهو السهو في السهو ، والمشهور أنّه لا أثر له ، وفسّر بأمرين : أن يسهو عن السهو ، فيقول : لا أدري هل سهوت أم لا ؟ أو يسهو في ما يوجبه السهو ، كما لو شكّ هل أتى بسجدة من سجدتي السهو أو بهما ، فإنّه يبني على أنّه فعل ما شكّ فيه ، وكما لو شكّ في عدد الرّكعتين المنسيّتين أو الاحتياط، فيبني على فعل ما شكّ فيه أو على الأقلّ على احتمال ، وعدّ الثاني في المنتهى أقرب ، (61) ووجّهه الفاضل الأردبيليّ بأنّه مناسب لقوله عليه السلام : «ولا على الإعادة إعادة»، وأنّ للثاني فائدة ليست للأوّل . (62) واعلم إن كلّاً من السّهوين يحتمل النّسيان والشكّ ، فالاحتمالات أربعة : أحدها : حملها على النّسيان ، والظاهر أنّه حينئذٍ لا سجدة للسّهو إذا ترك في موجبه ما يوجبها في الصلاة الأصليّة ، كأن ترك سجدة واحدة منه لا مطلقا ، فلو ترك ركعة من الركعتين المنسيّتين وجب تداركها عليه . واحتمال العموم بعيد . والثاني : إرادة الشكّ منهما ، فلو شكّ في عدد ركعتي الاحتياط لا يلتفت إليه ، بل يبني على وقوعه ، إلّا أن يستلزم الزيادة [البطلان] (63) فيبني على المصحّح . والثالث : حمل الأوّل على الترك نسيانا ، والثاني على الشكّ، بمعنى أنّه لو ترك نسيانا في موجب الشكّ ما يوجب سجود السهو سقط ذلك السجود عنه لا مطلقا ، فلو ترك ركعة من الاحتياط فعله. والرابع : عكسه فيبني على وقوع ما شكّ فيه . وفي المدارك : وأكثر هذه الأحكام مطابق لمقتضى الأصل . نعم يمكن المناقشة في الحكم بالبناء على وقوع الفعل المشكوك فيه إذا كان في محلّه ، لعدم صراحة الرواية في ذلك ، وأصالة عدم فعل ما تعلّق به الشكّ ، وإن كان المصير إلى ما ذكروه غير بعيد . (64) وقوله عليه السلام : «ولا على الإعادة إعادة» (65) الظّاهر أنّه تأكيد لعدم السّهو في السّهو بمعنى أنّه لو سها في موجب السّهو الذي يوجب الإعادة ما يوجبها لا يعتدّ به ولا يعيد . وقال طاب ثراه : قال الفاضل الأردبيليّ : لعلّ المراد نفي استحباب الإعادة ثانيا في موضع استحبّ فيه الإعادة ، كمن صلّى منفردا ثمّ أعاده مع الجماعة استحبابا فلا يعيد مرّة اُخرى . ويحتمل أن يكون المراد أنّه على تقدير الإعادة لقصور أولشكّ أو سهو، أو عدم طهارة ثوب لا يوجب مثله الإعادة أو يوجب ، لا ينبغي الإعادة إلّا مع الموجب . (66) فجميع مواضع السّهو هذا إلى الباب من كلام المصنّف فرّعه على ما ذكره في الأبواب السابقة ، وقد خالف في بعض المواضع ما يستفاد ممّا تقدّم من الأخبار ، وما اشتهر بين الأصحاب ، وقد حقّقنا القول في موجبات سجدة السّهو وفي السهو في التشهّد وفي الشكّ في الاثنتين والأربع وما ذكره بعده .

.


1- . اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 379 .
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- . الحديث الثالث من هذا الباب .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 189 ، ح 748 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 227 ، ح 10493 .
6- . تقدّمت رواياته في باب السهو في الركعتين الأوّلتين .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 187 ، ح 745 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1420 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 227 ، ح 10494 .
8- . مجمع الفائدة ، ج 3 ، ص 100 .
9- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 82 _ 83 ، باب السهو في الصلاة والسجود له . ورواه أحمد في مسنده ، ج 2 ، ص 241 و 273 و 283 و 284 ؛ والبخاري في صحيحه ، ج 2 ، ص 67 ؛ و أبو داود في سننه ، ج 1 ، ص 232 ، ح 1030 .
10- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 83 . ورواه الدارمي في سننه ، ج 1 ، ص 350 _ 351 ؛ والبخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 151 ؛ و ج2 ، ص 67 .
11- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 57 _ 58 ؛ عمدة القاري ، ج 7 ، ص 312 .
12- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
13- . الحديث الثامن من هذا الباب .
14- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 343 ، ح 1423 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 228 ، ح 10497 .
15- . الفقيه ، ج 1 ، ص 339 ، ح 988 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 229 ، ح 10500 .
16- . نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 533 .
17- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 146 .
18- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 142 .
19- . الذكرى ، ج 4 ، ص 57 .
20- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 272 .
21- . نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 533 .
22- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 146 .
23- . المبسوط ، ج 1 ، ص 122 .
24- . الوسيلة ، ص 102 .
25- . المعتبر ، ج 2 ، ص 394 .
26- . الفقيه ، ج 1 ، ص 339 ، ح 990 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 229 ، ح 10501 .
27- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 344 ، ح 1428 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 243 ، ح 10542 .
28- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 272 _ 274 .
29- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 374 ، ح 1421 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1022 . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 228 _ 229 ، ح 10498 .
30- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 187 ، ح 743 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1418 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 226 ، ح 10490 .
31- . اُنظر : مفتاح الكرامة ، ج 9 ، ص 446 _ 448 .
32- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
33- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
34- . في هامش الأصل: «والطريق إليه صحيح ، منه ره».
35- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 189 _ 190 ، ح 751 . ورواه الكليني في باب صلاة النوافل ، ح 22 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 404 _ 405 ، ح 8292 .
36- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 189 ، ح 750 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 231 ، ح 10507 .
37- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 161 .
38- . الخلاف ، ج 1 ، ص 465 _ 466 .
39- . المعتبر ، ج 2 ، ص 395 _ 396 .
40- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 274 .
41- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 353 _ 354 ، ح 1466 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 241 ، ح 10539 .
42- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 350 ، ح 1453 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 239 _ 240 ، ح 10533 .
43- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
44- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 191 ، ح 755 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 206 ، ح 10435 .
45- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 353 ، ح 1464 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 241 ، ح 10538 .
46- . الوافي ، ج 8 ، ص 994 ، وفيه : «لا عار في السهو» .
47- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 353 _ 354 ، ح 1466 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 241 ، ح 10539 .
48- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 279 ، ح 819 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 353 _ 354 ، ح 10881 .
49- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 277 _ 278 ، ح 813 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 373 ، ح 10937 .
50- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 279 ، ح 820 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 353 ، ح 10880 .
51- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 54 ، ح 187 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 242 _ 243 ، ح 10540 .
52- . بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 157 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 143 .
53- . الخلاف ، ج 1 ، ص 464 ، المسألة 206 .
54- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 394 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 37 ؛ ومثله قال في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 41) .
55- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
56- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
57- . الفقيه ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1206 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 144 ، ح 563 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 14 ، ح 7223 ؛ وج 8 ، ص 240 ، ح 10534 .
58- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 278 ، ح 816 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 240 ، ح 10536 .
59- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 278 ، ح 817 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 240 ، ح 10537 .
60- . سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 365 ، ح 1398 .
61- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 29 .
62- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 135 .
63- . زيادة منّا لتقويم المعنى .
64- . مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 269 .
65- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 243 ، ح 10542 .
66- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 135 .

ص: 257

. .

ص: 258

. .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

. .

ص: 264

. .

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

باب ما يقبل من صلاة الساهي

باب ما يقبل من صلاة الساهيلا خلاف في أنّ الصلاة إذا كانت مع شرائطها تكون مجزية مسقطة للقضاء ، وأمّا قبولها فهو تابع لتوجّه النّفس والإقبال إليها والاشتغال بها غيرها ، والتذكّر للمعبود والتوجّه بشراشره إليه تعالى شأنه ، والغفلة عمّا سواه ، وللتنبيه على ذلك التفت سبحانه عن الغيبة إلى الخطاب في «إيّاك نعبد» (1) للإشارة إلى أنّ الحامد والعابد ينبغي أن يتوجّه إلى المعبود والمحمود بحيث كلّما ذكر وصفا من أوصافه تعالى ازداد توجّهه إليه سبحانه إلى أن يصل في مقام القرب إليه جدّا كأنّه يشاهده ويراه فيخاطبه، ومختلفة في الحسن والقبول باختلاف التوجّهات القلبيّة ، ولمّا كان في الغالب ثلث الصلاة مقبولة لحصول شرائط قبولها جعلت النافلة مثلي الفريضة ؛ ليكون الثلث المقبول من تلك تداركا للثلثين¨ الغير المقبولين من هذه .

.


1- . الفاتحه (1) : 5 .

ص: 269

باب ما يقطع الصلاة من الضحك والحدث و

باب ما يقطع الصلاة من الضحك والحدث والإشارة والنسيان وغير ذلكالغرض من وضع الباب بيان التروك الواجبة في الصلاة ، وصرّح ببعض منها في العنوان وأجمل الباقي ، وذكر أخبارَ بعضها في الباب وترك البواقي ؛ لأنّه قد ذكرها في الأبواب المتفرّقة ، وهي كثيرة : منها : الضحك المشتمل على الصوت الّذي يعبّر عنه بالقهقهة ، وتبطل لها الصلاة إذا وقعت عمدا ، وهو مذهب أهل العلم على ما ذكر في المنتهى . (1) وقال المحقّق الشيخ عليّ : «ولولم يملك نفسه فالظاهر البطلان أيضا . نعم ، لا يأثم ». (2) وأمّا التبسّم _ وهو الضحك الذي لا صوت معه _ فلا يبطل الصلاة ، بل هو مكروه. ويدلّ عليهما مضمرة زرعة عن سماعة على ما في بعض النسخ ومضمرة سماعة . (3) وفي الفقيه : وقال الصّادق عليه السلام : «لا يقطع التبسّم الصلاة وتقطعها القهقهة، ولا تنقض الوضوء ». (4) وعلى الأوّل خاصّة حسنة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام . (5) وروى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من قهقه فليعد صلاته» . (6) وعن جابر بن عبد اللّه أنّه صلى الله عليه و آله قال : «القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة» . (7) ومنها : الرعاف، وفي حكمه خروج الدم من أيّ عضو ، وهو غير مبطل للصلاة في نفسه ، بل إنّما تجب إزالته مهما أمكن من غير أن يصدر منه ما يبطلها من الانصراف عن القبلة والتكلّم والفعل الكثير . وفي المنتهى : «ذهب إليه علماؤنا ». (8) ويدلّ عليه حسنة الحلبيّ، (9) وصحيحة محمّد بن مسلم، (10) وموثّقة سلمة أبي حفص، (11) وصحيحة معاوية بن وهب البجليّ ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرعاف ، أينقض الوضوء ؟ قال : «لو أنّ رجلاً رعف في صلاته فكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء ، فتناوله فقال برأسه فغسله، فليبن على صلاته لا يقطعها» . (12) وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال: سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم [يصلّي المكتوبة فيعرض ليه رعاف، كيف يصنع؟ قال: «يخرج فإن وجد ماء قبل أن يتكلّم فليغسل الرعاف ثمّ ليعد فليبن على صلاته»]. (13) فأمّا خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا تقطع الصلاة إلّا رعاف أو رزّ (14) في البطن ، فبادروا بهنّ ما استطعتم» ، (15) وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرعاف والحجامة والقيء ، قال : «لا ينقض هذا شيئا من الوضوء ولكن ينقض الصلاة» ، (16) وما سيأتي عن عليّ بن جعفر محمولة على دم يحتاج إزالته إلى احد ما ذكر. واحتمل في المنتهى حملها على الاستحباب ، (17) وفي الاستبصار (18) حملها على التقيّة ؛ لأنّ كثيرا من العامة يقولون بنقضه للوضوء المتتبّع لبطلان الصلاة . وظاهر الفتاوى والأخبار وجوب الإزالة مهما أمكن وإن قلّ عن الدرهم ، ولا يبعد تقييدهما بما زاد عنه ؛ لما دلّ عن العفو عن مقدار الدرهم منه ، وقد سبق . ويشعر به لفظ السيلان في صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يكون به الثؤلول وهو في صلاته أو نيتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويقدحه ، قال : «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» . وعن الرجل يكون في صلاته فرماه رجل فشجّه ، فسال الدم ، فانصرف فغسله ولم يتكلّم حتّى رجع إلى المسجد ، هل يعتدّ بما صلّى أو يستقبل الصلاة؟ قال : «يستقبل الصلاة ولا يعتدّ بشيء ممّا صلّى» . (19) وإنّما تجب إزالة الرعاف إذا خرج من الأنف ، وأمّا لو كان في باطنه فلا يجب عليه شيء ، كما يدلّ عليه الحسنة الثانية عن الحلبيّ . (20) وفي حكم الرّعاف القيء في عدم النقص ، لكن هو طاهر لا يحتاج إلى تنظيفه في الصلاة كما هو ظاهر بعض ما اُشير إليه من الأخبار . ومنها : الحدث . ولا خلاف بين أهل العلم في إبطاله للصلاة إذا وقع عمدا في أيّ جزء من الصلاة ، إلّا ما حكاه في المنتهى (21) عن أبي حنيفة (22) من عدم بطلانها به لو وقع عقيب قعوده قدر التشهّد بناء على عدم وجوب التشهّد عنده . وأمّا الناسي ومن سبقه الحدث فالمشهور بين الأصحاب وجوب استئناف الصلاة عليه مطلقا ، وبه قال الشافعيّ في الجديد، ومالك وأحمد في إحد[ى] الروايتين عنه . (23) وقال الشيخ في الخلاف : «إذا سبقه الحدث ففيه روايتان : إحداهما يعيد الصلاة ، والاُخرى يعيد الوضوء ويبني على صلاته ، والذي أعمل عليه واُفتي به الرواية الاُولى » (24) ومثله قال في المبسوط (25) إلّا أنّه جعل الاُولى أحوط ، وقد سبق عن الشيخ أنّ المتيمّم منه مع وجدان الماء يتوضّأ ويبني . (26) وعن ابن أبي ليلى وأحمد في رواية اُخرى والشافعيّ في القديم أنّه يتوضّأ ويبني على صلاته . وعن الثوريّ : إذا كان حدثه من رعاف أو فيء توضّأ وبنى ، وإن كان من بول أو ريح أو ضحك أعاد الوضوء والصلاة . وعن أحمد : إن كان حدثه من السبيلين أعاد الوضوء [و] الصلاة ، وإن كان من غيرهما بنى. وعن أبي حنيفة : إن كان منيّا بطلت صلاته ، وإن كان دما فإن كان بغير فعله مثل أن شجّه إنسان أو فسده بطلت صلاته ، وإن كان بغير فعل إنسان _ كالرعاف _ لم تبطل صلاته . (27) والدليل على ما ذكرنا رواية أبي بكر الحضرميّ ، (28) وما رواه الشيخ عن الحسن (29) بن الجهم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل صلّى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : «إن كان قال : أشهد أن لا إله الّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه فلا يعد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» . (30) وعن عمّار، (31) عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع فليس عليه شيء ولم ينقض وضوءه ، وإن كان متلطّخا بالعذرة فعليه أن يعيد وضوءه، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة» . (32) وروى الجمهور عن عليّ بن طلق، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا فسا أحدكم وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضّأ وليعد الصلاة». (33) وعن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «فيمن وجد في بطنه رزّا فلينصرف ، وليغتسل أو ليتوضّأ وليستقبل صلاته». (34) وفي الصحاح : الرزّ: الصوت [الخفي]. (35) وعنه عليه السلام قال : «إنّ الشيطان يأتي أحدكم في الصلاة فيقول : أحدثت أحدثت ، فلا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» . (36) ولأنّ الطهارة شرط لصحّة الصلاة، ويفسد المشروط بفساد شرطه. ومنها : الإشارة . ولا خلاف في جوازها للحاجة بالعين واليد والحاجب ونحوها ، سواء كانت الحاجة متعلّقة بالصلاة أو بغيرها . ويدلّ عليه حسنة الحلبيّ ، (37) وما رواه الشيخ عن أبي الوليد ، قال: كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله أبو ناجية بن حبيب ، (38) فقال له: جعلت فداك ، إنّ لي رحا أطحن فيها ، فربّما قمت في ساعة من الليل فأعرف من الرحا أنّ الغلام قد نام فأضرب الحائط لاُوقِظَهُ ، فقال : «نعم ، أنت في طاعة اللّه عزّ وجلّ تطلب رزقه» . (39) وعن محمّد بن بجيل ، قال : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي فمرّ به رجل وهو بين السجدتين ، فرماه أبو عبد اللّه عليه السلام بحصاة ، فأقبل إليه الرجل. (40) وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل في صلاته يستأذن إنسان على الباب ، فيسبّح فيرفع صوته ، فتسمع جاريته فتأتيه، فيريها بيده أنّ على الباب إنسانا ، هل يقطع ذلك صلاته ؟ وما عليه ؟ فقال: «لا بأس ، لا يقطع ذلك صلاته» . (41) و روى العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا نابكم أمر فليسبّح الرّجال ولتصفق النساء ». (42) وفي لفظ آخر : «من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان اللّه ، فإنّه لا يسمعه أحد يقول سبحان اللّه إلّا التفت» . (43) وعن عليّ عليه السلام أنّه قال : «كنت إذا استأذنت على النبيّ صلى الله عليه و آله إن كان في صلاة سبّح ، وإن كان في غير صلاة أذن» . (44) وعنه عليه السلام أنّه قال له رجل (45) من الخوارج وهو في صلاة الغداة ، فناداه «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ، (46) قال : فأنصت له حتّى تمّ فإجابه وهو في الصلاة : « «إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» (47) ». (48) وعن عطاء بن السّائب ، قال : استأذنّا على عبد الرّحمان بن أبي ليلى وهو يصلّي ، فقال: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ» ، (49) فقلنا : كيف صنعت ؟ فقال : استأذنّا على عبد اللّه بن مسعود وهو يصلّي ، فقال : «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ» . (50) وبه قال الشافعيّ . (51) وقال أبو حنيفة : إن قصد بالتسبيح ونحوه مصلحة الصلاة كإعلام الإمام شيئا نسيه لم تبطل صلاته ، وإلّا بطلت؛ محتجّا بأنّه مع عدم قصد هذه المصلحة خطاب آدمي، فكان داخلاً تحت عموم النهي عن الكلام فلو قال : «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ» ، (52) فإنّ صلاته باطلة وإن وجدت هذه الصورة في القرآن . (53) واُجيب بأنّ القصد لا يخرجه عن كونه قرآنا وتسبيحا إذا قصدهما أيضا ، كما أن من دعا بأنّه من القرآن لا يخرج عن كونه قارئا ، بل يسمّى داعيا قارئا . (54) ومنها : الالتفات يمينا وشمالاً ومستدبرا . وقد سبق تفصيله ، وأمّا الفرقعة ونقض الأصابع فقد أجمع الأصحاب على كراهتهما وعدم بطلان الصلاة بهما ، (55) فقوله عليه السلام في الفرقعة في خبر مسمع : «أما إنّه حظّه من صلاته» (56) محمول على نقص ثواب الصلاة لا نقصها. وكذا النهي عن النقض في صحيحة محمّد بن مسلم (57) محمول على الكراهة . قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : (إن احتمل الصبر) إلخ . [ح3 / 5205] قال طاب ثراه : المراد باحتمال الصبر القدرة على الإتيان بحدود الصلاة تامّة ، فإن لم يقدر على ذلك حرم الدخول عليه إن خاف أن يفوت شيء من الواجبات ، وكره إن خاف فوات شيء من المرغّبات ، وقد وقع مثل ذلك في طريق العامّة أيضا . وقال مالك : إن شغله عن ذلك فأحبّ إليّ أن يعيد أبدا ، واختلف أصحابه في معنى شغله ، فقيل : معناه أن يعجّل لأجله ، وقيل : أن يصلّي ولا يدري كيف صلّى ، فأمّا إن شغله ولم يمنعه من إقامة حدودها فصلّاها ضامّا لوركيه فهذا يعيد في الوقت ، وقال الشافعيّ : في هذا وجب عليه الإعادة ، وأجمعوا على أنّه إن بلغ ما لا يعقل معه ولا يضبط حدودها لا يجزيه ، ويقطع الصلاة ولا يدخلها في تلك الحائل . (58) قوله في حسنة حمّاد عن الحلبيّ : (والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلّي تصفّق بيدها) .[ ح7 / 5209] قال طاب ثراه : الصفق : الضرب الذي يسمع له صوت ، وكذلك التصفيق ، (59) والصفق باليد يشمل بظاهره الضرب بالكفّ على الكفّ ، والضرب بإصبعي اليمنى على باطن اليسرى ، والضرب بظاهر إحداهما على ظاهر الاُخرى ، والضرب باليمنى أو اليسرى على الأفخاذ ، والضرب ببطن الكفّ الأيمن على ظهر الكفّ الأيسر ، والضرب ببطن الأصابع على ظهر أصابع الاُخرى . والعلّامة في النهاية خصّه بهذين الضربين ، ثمّ قال : ولا ينبغي أن تضرب البطن على البطن ؛ لأنّه لعب ، ولو فعلته على وجه اللعب بطلت صلاتها مع الكثرة ، وفي القلة إشكال ينشأ من تسويغ القليل ، ومن منافاة اللعب للصلاة. (60) وقد يعلّل تخصيصهنّ بالتصفيق بأنّ أصواتهنّ عورة . وعلى هذا يجوز لهنّ التنبيه بالتسبيح والقرآن للمحارم . والفرق المذكور مذكور في كتب العامّة أيضا، روى مسلم بإسناده عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «والتسبيح للرجال، والتصفيق للنساء» . (61) وعن سهل الساعديّ أنّه صلى الله عليه و آله قال : «من نابه شيء في الصلاة فليسبّح ، وإنّما التصفيق للنساء» . (62) وهو مذهب الشافعيّ (63) وأحد قولي مالك، والمشهور عنه أنّهن أيضا يسبّحن مثل الرجال ، والتصفيق منهنّ مذموم ، ورأى أن قوله صلى الله عليه و آله : «من نابه شيء فليسبّح» محمول على عمومه ، وأنّ قوله عليه السلام : «فإنّما التصفيق للنساء» ورد في الذمّ له في الصلاة مطلقا، (64) يعني أنّه من فعل النساء ولهوهنّ في غيرها ، ولا يخفى بعده وعدم جريانه في الحديث الأوّل ، وحمله على الإنكار مستنكر . وهذا الفرق محمول على الأفضليّة دون الوجوب ، فإذا جاز ذلك جاز له التصفيق . وصرّح به العلّامة في النهاية . (65) وجاز لهنّ أيضا التسبيح ونحوه إذا آمنت من سماع الأجنبيّ صوتها ، والظاهر من الأخبار أنّه [إن] لم يقصد بالتسبيح والقرآن إلّا التنبيه صحّت صلاته . واحتمل العلّامة بطلانها . (66) قوله في حسنة حمّاد عن الحلبيّ : (إذا كان الالتفات فاحشا) .[ ح10 / 5212] المراد بالالتفات الفاحش التفات بوجهه أو بجسده عن القبلة حدّا ينافي الاستقبال ، وقد سبق ذلك الحدّ .

.


1- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 292 .
2- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 349 .
3- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- . الفقيه ، ج 1 ، ص 367 ، ح 1062 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 251 ، ح 9250 .
5- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
6- . المعتبر ، ج 2 ، ص 255 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 286 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 174 ، ح 612 بلفظ : «من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة» .
7- . سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 182 ، ح 648 و عبارته هكذا : «الضحك ينقض الصلاة ولاينقض الوضوء» ؛ كنز العمّال ، ج 7 ، ص 490 ، ح 19917 .
8- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 326 .
9- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
10- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
11- . الحديث 11 من هذا الباب من الكافي .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 327 _ 328 ، ح 1344 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 241 ، ح 9122 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 328 ، ح 1345 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 403 ، ح 1537 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 241 ، ح 9223 .
14- . كذا بالأصل ومثله في الاستبصار . والرزّ في الأصل : الصوت الخفي ، ويريد به القرقرة . وقيل : هو غمز الحدث وحركته للخروج . راجع: النهاية ، ج 2 ، ص 219 . هذا وفي التهذيب : «أزّ» ، والأزّ : شدّة الحركة .
15- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 328 ، ح 1347 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 403 ، ح 1539 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 242 ، ح 9225 .
16- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 328 ، ح 1346 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 403 ، ح 1538 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 262 ، ح 680 .
17- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 327 _ 328 .
18- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 404 ، ذيل الحديث 1542 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 378 ، ح 1576 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 404 ، ح 1542 ؛الفقيه ، ج 1 ، ص 254 _ 255 ، ح 776 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 504 ، ح 4297 ؛ وج 7 ، ص 242 ، ح 9226 .
20- . الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي .
21- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 270 .
22- . المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 481 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 127 .
23- . فتح العزيز ، ج 4 ، ص 4 _ 5 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 74 و 76 .
24- . الخلاف ، ج 1 ، ص 409 _ 412 ، المسألة 157 ، والمذكور هنا اختصار منه .
25- . المبسوط ، ج 1 ، ص 117 .
26- . الخلاف ، ج 1 ، ص 141 _ 142 ، المسألة 89 .
27- . الخلاف ، ج 1 ، ص 409 _ 410 ، المسألة 157 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 74 و 76 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 232 ؛ التمهيد ، ج 1 ، ص 188 _ 190 .
28- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
29- . في الأصل : «الحسين» ، والتصويب من المصدر .
30- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 354 _ 355 ، ح 1467 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1531 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 234 _ 235 ، ح 9206 .
31- . في الأصل : «حمّاد» ، والتصويب من مصادر الحديث .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 206 ، ح 597 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1532 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 259 ، ح 672 . وورد الحديث في ص 82 من الاستبصار ، ح 258 ، وص 11 من تهذيب الأحكام ، ح 20 ، وفيهما : «سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع ، كيف يصنع؟ قال : إن كان نظيفا ...» .
33- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 53 ، ح 205 ، و ص 227 ، ح 1005 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 255 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 6 ، ص 8 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 160 ، ح 554 .
34- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 256 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 6 ، ص 272 .
35- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 879 (رزز) .
36- . عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 380 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 228 ، ح 434 .
37- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
38- . كذا بالأصل ، ومثله في هامش بعض نسخ الكافي ، وفي المصدر : «ناجية أبو حبيب» .
39- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 325 ، ح 1329 . ورواه الكليني في الكافي ، باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث ، ح 8 . وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 256 _ 257 ، ح 9266 .
40- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 327 ، ح 1342 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1078 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 258 ، ح 9269 .
41- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 331 ، ح 1363 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 256 ، ح 9264 .
42- . سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 317 ؛ السنن الكبرى ، ج 3 ، ص 123 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 6 ، ص 40 ؛ المعجم الكبير ، ج 6 ، ص 130 .
43- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 69 ؛ وج 3 ، ص 166 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 246 .
44- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 79 و 103 .
45- . هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «لرجل» بدل «له رجل» .
46- . الزمر (39) : 65 .
47- . الروم (30) : 60 .
48- . المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 146 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 245 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 344 _ 345 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 8 ، ص 731 ، باب ما ذكر في الخوارج ، ح 11 .
49- . يوسف (12) : 99 .
50- . المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 710 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 621 ، كلاهما عن أبي بكر الخلّال .
51- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 82 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 669 _ 670 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 618 .
52- . مريم (19) : 12 .
53- . بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 235 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 201 ، والمصادر المتقدمة آنفا .
54- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 324 .
55- . اُنظر : إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 268 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 50 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 282 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 402 ؛ اللمعة ، ص 32 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 654 ؛ مفتاح الكرامة ، ج 8 ، ص 162 .
56- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 265 ، ح 9292 .
57- . الحديث 12 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 244 ، ح 9231 .
58- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 105 _ 106 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 656 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 603 .
59- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 1507 (صفق) .
60- . نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 517 .
61- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 27 . ورواه البخاري في صحيحه ، ج 2 ، ص 60 ؛ وأحمد في مسنده ، ج 2 ، ص 261 و 376 و 432 و 440 و 473 و 492 و 507 و 529 ؛ وج 5 ، ص 338 ؛ والدارمي في سننه ، ج 1 ، ص 317 ؛ وابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 329 ، ح 1034 ، و ص 329 ، ح 1035 ، و ص 330 ، ح 1035 ؛ وأبو داود في سننه ، ج 1 ، ص 230 ، ح 367 ؛ والنسائي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 193 ، ح 534 ، و ص 195 ، ح 543 ، وص 359 ، ح 1130 _ 1133 .
62- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 25 _ 26 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 338 ؛ والبخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 167 ؛ وأبو داود في سننه ، ج 1 ، ص 213 ، ح 940 .
63- . فتح العزيز ، ج 4 ، ص 114 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 158 ؛ عمدة القاري ، ج 7 ، ص 278 .
64- . المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 100 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 158 ؛ فتح الباري ، ج 3 ، ص 62 ؛ عمدة القاري ، ج 7 ، ص 278 .
65- . نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 517 .
66- . تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 279 .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

. .

ص: 274

. .

ص: 275

. .

ص: 276

. .

ص: 277

. .

ص: 278

باب التسليم على المصلّي والعطاس في الصلاة

باب التسليم على المصلّي والعطاس في الصلاةالمشهور جواز السّلام على المصلّي من غير كراهية ، ووجوب الرّد عليه ، حتّى أنّه قال بعض: لولم يردّ واشتغل بالصّلاة بطلت صلاته ؛ لاقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه ، واستلزام النهي في العبادات الفساد . وفيه تأمّل ؛ لعدم ثبوت المقدّمتين على ما تقرّر في الاُصول . وقد نقل المحقّق الشيخ إجماع الأصحاب على وجوب الردّ . (1) ويدلّ عليه قوله سبحانه: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ» . (2) وخصوص خبر سماعة، (3) وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت : السّلام عليك ، فقال: «السلام عليك»، فقلت : كيف أصبحت ؟ فسكت ، فلمّا انصرف قلت : أيردّ السّلام وهو في الصلاة ؟ فقال : «نعم مثل ما قيل له ». (4) وصحيحة منصور بن حازم عن [أبي] عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا سلّم عليك الرّجل تردّه (5) خفيا كما قال ». (6) ورواية البزنطيّ في جامعه عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّ عمّارا سلّم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فردّ عليه». (7) ورواية عمّار السّاباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المصلّي ، فقال : «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك ». (8) وإنّما حملنا الأخبار على الوجوب مع أنّ ظاهرها إنّما هو مطلق الرجحان ؛ لأنّ وجوب الردّ قد ثبت بالدليل فصار كالأصل ، ولا مخصّص له بغير الصلاة ، فرجحانه _ بل جوازه _ مستتبع لوجوبه. والظاهر جواز السّلام له بكلّ لفظ من ألفاظه ، وأن ما ورد في خبر سماعة (9) من التعيين من باب الأفضليّة . وقال طاب ثراه : والعلّامة تردّد في المنتهى (10) في وجوب الردّ عن غير «سلام عليكم» من صيغه الاُخَر ، ومن الأصحاب من جزم بعدم جوازه ؛ لأنّه خلاف ما نطق به القرآن ، فيكون كلاما أجنبيّا لا يجوز في الصلاة إلّا أن يقصد الدعاء ويكون المخاطب مستحقّا له ، فحينئذٍ يجوز له الردّ لجواز الدعاء في الصلاة . (11) انتهى. وعبارة المنتهى هكذا : لو سلّم عليه بغير قولهُ «سلام عليكم» قيل لا تجوز إجابته إلّا أن يقصد الدعاء ويكون مستحقّا ، وعندي فيه تردّد ينشأ من قول الباقر عليه السلام : «يقول مثل ما قيل له» (12) وذلك عامّ. لا يقال : إنّ مقصوده عليه السلام قوله «سلام عليكم» ؛ لأنّه منطوق القرآن . لأنّا نمنع ذلك ، لأنّ كيفيّة التسليم عليه عليه السلام في صلاته كانت «السّلام عليكم» ، وبه أجاب عليه السلام وليس هو منطوق القرآن . (13) وظاهره ترجيح الجواز ، وأراد بمنطوق القرآن قوله سبحانه في بيان تسليم ملائكة الرّحمة على المؤمنين : «سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ» ، (14) «سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ» ، (15) «سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ» ، (16) «سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ» ، (17) «[و]سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» ، (18) ونظائرها . (19) وكلّما وقع التسليم فيه فهو بهذه الصيغة، ولعلّ وجه ترجيح هذه الصيغة فيه إفادته التعظيم ؛ إذ لابدّ من جعل التنكير فيه لذلك لتصحيح وقوع النكرة مبتدأ ، فهو كالنصّ فيه بخلاف المعرفة ، ولا يخفى أنّه لا يدلّ على تعيينه ، فكيف يعارض العموم المذكور . ثمّ قال طاب ثراه : وفي صحيحة محمّد بن مسلم (20) دلالة على أنّه لا يجوز له الرّد في نحو كيف أصبحت ، وكيف أمسيت ممّا هو تلطّف وسؤال عن الحال . وأمّا الردّ في نحو صباحك الخير ، ومساؤك الخير ، فقيل : يجوز بل يجب ؛ لأنّه تحيّة عرفا ، فيندرج تحت الآية . والجواب: إنّه لا نسلّم أنّه تحيّة في عرف الشرع ، بل قيل : إنّه تحيّة الجاهليّة ، (21) ولو سلّم فلا نسلّم اندراجه تحت الآية ؛ لانّ التحيّة في الآية فسّرت بالسّلام ، وكذا في اللغة ، ففي مجمع البيان : التحيّة : السّلام ، (22) وفي القاموس مثله. (23) والحقّ عدم الجواز ؛ لأنّ كلّ ما ليس بصلاة فهو حرام فيها ، إلّا ما دلّ الدليل على جوازه فيها كالدّعاء والسلام ، وهذا لم يقم الدليل على جوازه فيها ، وكذا الظاهر جواز رفع الصوت إلى حدّ يسمع المسلّم عليه تحقّقا أو تقديرا ، بل هو أحوط؛ لانّ المشهور بين الأصحاب وجوب إسماع الردّ بأحد المعنيين ، وهو المفهوم من كلام العلّامة في المنتهى ؛ لأنّ مقصود الشارع جبر خاطره والعوض له، ولأنّه قصد المسلّم وهو إنّما يتمّ مع الإسماع ، ولأنّه المتبادر من وجوب الردّ. وظاهر الأدلّة المذكوره أنّه لا فرق في وجوب الردّ بين أن يكون المسلّم بالغا أو مميّزا أو امرأة ذات محرم أو أجنبية . ومن الأصحاب من قال بعدم وجوب ردّ سلام الأجنبيّة ؛ لأنّ استماع صوتها حرام ، والشارع لا يأمر بردّ الجواب عن الحرام. (24) ولا يكره السّلام على المصلّي بل يستحبّ ؛ لعموم قوله تعالى: «وَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتا فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» ، (25) أي على أهل دينكم، (26) أو بعضكم على بعض. (27) وصرّح بعض المتأخّرين بأنّ الأولى هو الترك إذا استشعر أنّ المصلّي ممّن يضطرّ به أدنى شيء ويشوّشه . (28) ولا خلاف بين الأصحاب في جواز تحميد المصلّي ، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله عند عطاسه وعطاس غيره ، أمّا التحميد ففي المنتهى: «هو مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وبه قال الشافعيّ وأبو يوسف وأحمد ، وقال أبو حنيفة : تبطل صلاته ». (29) ويدلّ عليه حسنة الحلبيّ، (30) وموثّقة أبي بصير، (31) وعموم صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا عطس الرّجل [فيالصلاة] فليقل الحمد للّه » . (32) وروى أبو داود بإسناده عن عامر بن ربيعة ، قال عطس شابّ من الأنصار خلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو في الصلاة ، فقال: «الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا حتّى يرضى ربّنا وبعد الرضى من أمر الدنيا والآخرة »،[فلمّا انصرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «من القائل كلمة، فإنّه لم يقل بأسا»]. (33) ويؤيّدها ما دلّ على رجحان مناجاة الرّب تبارك وتعالى . وأمّا الصلاة عليه وآله عليه السلام فيدلّ على استحبابه عموم ما تقدّم ممّا دلّ على استحبابها ، وفي الصلاة خصوصا وخصوص موثّقة أبي بصير . (34) وكذا يستحبّ تسميت العاطس بقوله: يرحمك اللّه وأمثاله إذا كان مؤمنا؛ لما دلّ على جواز الدعاء في الصلاة . قوله: (عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ) .[ح1 / 5215] قال طاب ثراه : نقل في التهذيب (35) هذا الحديث عن عثمان بن عيسى عنه عليه السلام بلا واسطة ، وما في الكتاب أصحّ ؛ إذ لم ينقل أحد من أصحاب الرّجال رواية عثمان عنه عليه السلام بلا واسطة ، ولم يعدّوه من أصحابه عليه السلام .

.


1- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 355 .
2- . النساء (4) : 86 .
3- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 329 ، ح 1349 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 267 ، ح 9302 .
5- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «ترد عليه».
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 332 ، ح 1366 . ونحوه في الفقيه ، ج 1 ، ص 368 ، ح 1065 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 268 ، ح 9304 .
7- . المعتبر ، ج 2 ، ص 263 ؛ منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 316 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 331 ، ح 1365 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 368 ، ح 1064 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 268 ، ح 9305 .
9- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
10- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 318 .
11- . قاله المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 264 _ 265 .
12- . وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 267 ، ح 9302 .
13- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 318 .
14- . الزمر (39) : 73 .
15- . النحل (16) : 32 .
16- . الصافّات (37) : 79 .
17- . الصافّات (37) : 109 .
18- . الصافّات (37) : 181 .
19- . مثل الآية 54 من سورة الأنعام (6) ؛ والآية 64 من سورة الأعراف (7) .
20- . وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 267 ، ح 9302 .
21- . جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 357 .
22- . مجمع البيان ، ج 3 ، ص 147 .
23- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 322 .
24- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 121 .
25- . النور (24) : 61 .
26- . فقه القرآن ، ج 1 ، ص 156 .
27- . مجمع البيان ، ج 1 ، ص 291 ؛ و ج 7 ، ص 274 .
28- . مجمع الفائدة والبرهان ، ج 3 ، ص 121 .
29- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 313 . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 709 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 618 _ 619 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 221 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 235 .
30- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
31- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 332 ، ح 1367 ، ومابين الحاصرتين منه ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 271 ، ح 9312 .
33- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 179 ، ح 774 .
34- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
35- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 328 ، ح 1348 ، ونقل في هامشه عن نسخة زيادة «عن سماعة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 267 _ 268 ، ح 9303 .

ص: 279

. .

ص: 280

. .

ص: 281

. .

ص: 282

. .

ص: 283

باب المصلّي يعرض له شيء من الهوامّ فيقتله

باب المصلّي يعرض له شيء من الهوامّ فيقتلهاتّفق الأصحاب على جواز قتل الهوامّ في الصلاة إذا لم يشتمل على فعل كثير من غير كراهة ، بل قد يجب قتل (1) بعض المؤذيات ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم، (2) وحسنة الحلبيّ، (3) وخبر حريز ، (4) وما رواه الشيخ عن الحسين بن أبي العلا ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يرى الحيّة والعقرب وهو يصلّي المكتوبة، قال : «يقتلها» . (5) وعن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرّجل يكون في الصلاة فيرى الحيّة بحياله ، يجوز له أن يتناولها فيقتلها ؟ فقال : «إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها ، وإلّا فلا» . (6) وروى الجمهور عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحيّة والعقرب . (7) وعن أبي رافع أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قتل العقرب وهو في الصلاة ، (8) وحكى في المنتهى عن النخعيّ أنّه قال بكراهة قتل الحيّة والعقرب . (9)

.


1- . في الأصل : «فعل» و المناسب ما اُثبت .
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 330 ، ح 1357 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 368 ، ح 1067 . وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 273 ، ح 9319 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 331 ، ح 1364 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 369 ، ح 1072 . وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 273 _ 274 ، ح 9320 .
7- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 233 و 248 و 255 و 473 و 475 و 490 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 354 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 394 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 209 ، ح 921 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 241 ، ح 388 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 256 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 266 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 189 ، ح 520 ، وص 358 ، ح 1125 و 1126 .
8- . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1247 .
9- . منتهى المطلب ، ج 5 ، ص 294 . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 663 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 1 ، ص 609 .

ص: 284

باب بناء المساجد وما يؤخذ منها والحدث فيها

باب بناء المساجد وما يؤخذ منها والحدث فيهافضيلة بناء المساجد لا يحتاج إلى بيان ؛ لظهورها وتواتر أخبارها. قال طاب ثراه : بناء المساجد من شعائر الإسلام ، لا سيّما الجامع في البلد، وهومستحبّ استحبابا مؤكّدا كالأذان . وقال بعض العامّة بوجوبه ؛ لأنّ الجمعة واجبة وشرطها الجامع على المشهور ، والجامعة مستحبّة وسنّتها الجامع وإقامة السنن الواجبة واجبة على أهل المصر ؛ لأنّها لو تركت ماتت ، وهو ليس بشيء؛ لأنّ الشرطيّة ووجوب إقامة السنن ممنوعتان . قوله في خبر أبي الجارود : (عن المسجد يكون في البيت) إلخ. [ح2 / 5225] قال طاب ثراه : الظّاهر أنّ المراد بالمسجد هنا موضع تهيّأ للصّلاة في الدور مجرّدا عن الوقفية ، وإلّا لما جاز تغييره والأخذ منه في الملك بلا خلاف من العامّة والخاصّة في ذلك . قوله في خبر العيص : (هل يصلح نقضهما لبناء المساجد [فقال: نعم وفي خير الحلبي: المساجد] (1) المظلّلة) الخ. [ح3 / 5226] ]ح4 / 5227] الظّاهر أنّ المراد بالتظليل التسقيف بالآجرّ واللبن ونحوهما لا مطلق التظليل ، وإلّا لزم الحرج في الحرّ والبرد ؛ ولما رواه الصّدوق مرسلاً عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «[أوّل ما] يبدأ به [قائمنا] سقوف المساجد فيكسرها ويأمر بها، فتجعل عريشا كعريش موسى عليه السلام ». (2) وأشار عليه السلام إليه بقوله : «ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» . وروى الشيخ في الحسن عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنى مسجده بالسميط ، ثمّ إنّ المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول اللّه ، لو أمرت بالمسجد فزيد فيه ، فقال : نعم ، فأمر به فزيد فيه [وبناه بالسعيدة، ثمّ إنّ المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول اللّه ، لو أمرت بالمسجد فزيد فيه. فقال: نعم. فأمر به فزيد فيه] ، وبنى جداره بالاُنثى والذكر ، ثمّ اشتدّ عليهم الحرّ فقالوا: يا رسول اللّه ، لو أمرت بالمسجد فظلّل ، فقال : نعم ، فأمر به فاُقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثمّ طرحت عليه العوارض والخسف والاُذخر، فعاشوا فيه حتّى أصابهم الأمطار ، فجعل المسجد يكفِ عليهم ، فقالوا : يا رسول اللّه ، لو أمرت بالمسجد فطيّن ، فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله : [لا] عريش كعريش موسى عليه السلام ، فلم يزل كذلك حتّى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان جداره قبل أن يظلّل قامة، فكان إذا كان الفى ء ذراعا _ وهو قدر مربض غنم _ صلّى الظّهر ، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر» . وقال السميط : لبنة لبنة ، والبعيدة لبنة ونصف ، والاُنثى والذكر لبنتان مخالفتان . (3) وفي الذكرى : «لعلّ المراد به جميع المسجد أو تظليل خاصّ أو في بعض البلاد ، وإلّا فالحاجة ماسّة إلى التظليل ؛ ليدفع الحرّ والقرّ ». (4) ولا يجوز فيها البول والغائط والجماع ونظيره ، والغسل من الأحداث الموجبة . وأمّا النّوم فإنّه يكره في المسجدين دون باقي المساجد ؛ لحسنة زرارة بن أعين، (5) وإنّما حمل النّهي المستفاد منها على الكراهة ؛ للجمع بينها وبين صحيحة معاوية بن وهب . (6) والمراد بالمسجدين ما كان في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وليس الزّوائد منهما في حكمهما ؛ لهذه الحسنة ، وإن كانت في الفضيلة زيادة على باقي المساجد ، بل كانت مثلهما . ويكره عمل الصنائع فيها كما يشعر به التعليل للنّهي عن بري النَبل فيها في صحيحة محمد بن مسلم . (7) ويكره إنشاد الشّعر فيها؛ لخبر جعفر بن إبراهيم ، (8) ولا يكره ما كان مشتملاً على وعظ ونصيحة ، بل مالم يكن مشتملاً على قبيح كهجاء المؤمنين والتعشّق ونظائرهما ؛ لصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن إنشاد الشعر في الطّواف ، فقال : «ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به». (9) ويكره الغناء فيها ؛ لخبر مسمع أبي سيّار ، (10) ولأنّه حرام والمساجد إنّما بنيت للعبادة . ويكره طرح البزاق والبصاق والتّفل فيها . ولو طرحها استحبّ دفنها في التّراب ، فقد روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن عليّ عليه السلام قال : البزاق في المسجد خطيئة وكفّارتها دفنها» . (11) وعن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: «من وقر بنخامته المسجد لقي اللّه يوم القيامة ضاحكا قد اُعطي كتابه بيمينه». (12) و عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه يقول : «من تنخّع في المسجد ثمّ ردّه في جوفه لم تمّر بداء في جوفه إلّا أبرأته» . (13) وروى مسلم بإسناده عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «البصاق في المسجد خطيئة وكفّارتها دفنها» . (14) وعنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «التفل في المسجد خطيئة وكفّارتها دفنها» . (15) وعن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «عرضت عليّ أعمال العباد فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ؛ ووجدت في مساوي أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن» . (16) وعن عبد اللّه بن الشخّير، عن أبيه ، قال : صلّيت مع رسول اللّه عليه السلام فرأيته تنخّع ، فدلكها بنعله . (17) وعنه أيضا مثله إلّا أنّه قال بنعله اليسرى . (18) وحملت هذه الأخبار على الكراهة والاستحباب المذكورين ؛ للجمع بينها وبين خبر عبد اللّه سنان ، (19) وصحيحة عليّ بن مهزيار ، (20) بل يكره طرح هذه الأشياء في الصلاة أيضا مطلقا وإن لم تقع في المسجد على ما رواه المشهور . وظاهر ما رواه الشيخ عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام قال : «لا يبزقنّ أحدكم في الصلاة قبل وجهه ولا عن يمينه وليبزق عن يساره وتحت قدمه اليسرى» (21) اختصاص الكراهة بالأوّلين من الجهات. قال طاب ثراه : وقال بعض العامّة البصاق في المسجد حرام لمن لم يدفن ؛ لأنّه يقذّر المسجد ويتأذّى منه من يعلق به ، وإن دفنه فقيل : تثبت الخطيئة وكفّرها الدفن ، وقيل : لم يأت خطيئة وإنّما جعل الدّفن كفّارة ؛ لأنّه على تقدير عدم الدفن تثبت الخطيئة ، فلمّا أسقط ما يقدر ثبوته سمّي كفّارة . ورده المازريّ بنصّ الحديث على أنّها في المسجد خطيئة كفّرها الدّفن . وقال بعضهم : هذا القول ليس بباطل ، ودليل صحّته حديث ابن الشخير (22) أنّه رأى النبيّ صلى الله عليه و آله بصق ودلكها بنعله ؛ إذ لا يفعل هو صلى الله عليه و آله ما يكون خطيئة ، ويمكن دفع هذا بأنّه ليس صريحا في أنّه صلى الله عليه و آله فعل ذلك في المسجد . (23) ويكره حطّ البزاق في الصلاة مطلقا وإن لم يكن في المسجد لكن من قبل القبلة واليمين ؛ لما رواه الشيخ في التهذيب عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلامقال : «لا يبزقنّ أحدكم في الصلاة قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره وتحت قدمه اليسرى» . (24) قال طاب ثراه : «البزاق والبصاق لغتان مشهورتان ، وبساق بالسين المهملة شاذّة ، وعدّها جماعة غلطا ». (25) ثمّ قال : لم يفرّق الجوهريّ بين هذه الثلاثة وجعلها بمعنى واحد. (26) والتَفل بفتح التاء المثنّاة وسكون الفاء : البصاق ، (27) ونقل عن ابن مكّي أنّ الناس يغلطون فيه ويقولون بالثاء المثلّثة ، ويضمّون فعله المستقبل ، وإنّما هو بالمثنّاة والكسر ، وهما من الفم والنخامه من الصدر ، ويقال فيها : نخاعة كما يقال : تنخّم ، وتنخّع أوالمخاط من الأنف . (28) ويكره زخرفتها ونقشها لا سيّما بالتصوير ، ولا يبعد استفادتها من خبر عمرو بن جميع . (29) ويكره أشياء اُخر يشملها مرسلة عليّ بن أسباط ، قال : «جنّبوا مساجدكم البيع والشّراء والمجانين والصبيان والأحكام والضالّة والحدود ورفع الصّوت» . (30) لكن كراهة إجراء الأحكام مختصّة بغير المعصوم ، فإنّه غير مأمون من الخطأ والسّهو والنسيان ، بخلاف المعصوم فإنّه مأمون منها . ويدلّ عليه إجراؤها أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة في دكّة تسمّى دكّة القضاء. (31) قوله: (عن الحسين بن المختار) . [ح15 / 5238] عدّ في الخلاصة من الثقات الواقفيّة ، (32) وقيل : قد روى جماعة من الثقات عنه نصّا على الرّضا عليه السلام . (33) وفي إرشاد المفيد في باب النصّ على الرضا عليه السلام : أنّه من خاصّة الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته . (34) وفي الكافي : قال الحسين بن المختار : قال لي الصّادق عليه السلام : «رحمك اللّه » . (35)

.


1- . مابين الحاصرتين من الكافي ، وكأنّ الشارح أراد أوّلاً شرح خبر العيص ، فذكر صدره ، ثمّ ذكر كلمة من خبر الحلبي وشرحه ، وعلى كلّ حال وقع في الأصل الخلط بين الخبرين .
2- . الفقيه ، ج 1 ، ص 236 ، ح 706 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 207 ، ح 6342 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 261 _ 262 ، ح 738 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 205 _ 206 ، ح 6339 .
4- . الذكرى ، ج 3 ، ص 124 .
5- . الحديث 11 من هذا الباب من الكافي.
6- . الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 219 ، ح 6377 .
7- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 217 ، ح 6372 .
8- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 213 ، ح 6361 .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 127 ، ح 418 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 227 ، ح 784 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 402 ، ح 18070 ، مع مغايرة في اللفظ ، والحديث بهذه العبارة مذكورة في مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 402 .
10- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 216 _ 217 ، ح 6370 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 256 ، ح 712 ؛ وفيه : «وكفّارته دفنه» ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 442 ، ح 1704 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 222 ، ح 6388 .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 256 ، ح 713 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 442 ، ح 1705 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 223 ، ح 6392 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 256 ، ح 714 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 442 ، ح 1706 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 223 ، ح 6391 .
14- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 76 _ 77 ؛ ورواه البخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 107 ؛ والدارمي في سننه ، ج 1 ، ص 324 ؛ وأبو داود في سننه ، ج 1 ، ص 115 ، ح 475 ؛ والترمذي في سننه ، ج 2 ، ص 43 ، ح 569 ؛ والنسائي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 264 ، ح 802 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 291 ، وابن حبّان في صحيحه ، ج 4 ، ص 516 _ 517 .
15- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 77 ؛ ورواه أحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 183 و 289 ؛ و ابن الجعد في مسنده ، ص 148 .
16- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 77 ؛ ورواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 178 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 291 .
17- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 77 .
18- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 77 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 4 ، ص 25 ؛ والحاكم في المستدرك ، ج 1 ، ص 256 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 293 ؛ وابن خزيمة في صحيحه ، ج 2 ، ص 45 ، ح 878 .
19- . الحديث 12 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 221 ، ح 6385 .
20- . الحديث 13 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 221 ، ح 6384 .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 257 ، ح 716 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 222 ، ح 6388 .
22- . تقدّمّ آنفا .
23- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 100 _ 101 .
24- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 222 ، ح 6388 ، وتقدّم آنفا .
25- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 100 .
26- . اُنظر : صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1450 (بزق ، بسق ، بصق) .
27- . تاج العروس ، ج 14 ، ص 77 .
28- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 5 ، ص 38 _ 39 ؛ الديباج للسيوطي ، ج 2 ، ص 225 .
29- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 215 ، ح 6365 .
30- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 249 ، ح 682 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 233 ، ح 6419 .
31- . اُنظر : بحارالأنوار ، ج 40 ، ص 277 _ 278 ، ح 42 ؛ و ج 42 ، ص 43 _ 44 ، ح 16 ؛ وج 59 ، ح 2 ؛ وج 80 ، ص 363 .
32- . خلاصة الأقوال ، ص 232 ، في ترجمة كليب بن معاوية الصيداوي ، والمذكور فيه أنّه واقفي ولم يوثّقه .
33- . اُنظر : جامع الرواة ، ج 1 ، ص 254 .
34- . الإرشاد ، ج 2 ، ص 248 .
35- . الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث ، ح 8 . ولا يخفى أنّ هذا الدعاء لا يدلّ على وثاقته ، على أنّ الرواية من نفسه ، فلا يعتمد عليها .

ص: 285

. .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

. .

ص: 289

. .

ص: 290

باب فضل الصلاة في الجماعة

باب فضل الصلاة في الجماعةيدلّ عليه قوله سبحانه : «أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ» ، (1) والأخبار المتكثرّة من الطريقين . واختلف في وجوبها واستحبابها في غير الجمعة والعيدين مع تحقّق شرائط الوجوب ، فذهب الأصحاب وأكثر العامّة إلى الثاني ، ونقله في المنتهى (2) عن مالك وأبي حنيفة وبعض الشافعيّة ، وعن بعض آخر منهم أنّها فرض على الكفاية في اليوميّة وقال : ذهب إليه أبو العباس بن سريج (3) وأبو إسحاق وأكثر أصحابه ، وقال الأوزاعيّ وأحمد وأبو ثور وداود بن المنذر : أنّها فرض على الأعيان فيها . (4) ثمّ القائلون بوجوبها في اليوميّة اختلفوا في اشتراطها بها ، فقال بعض الحنابلة : إنّها شرط فيها ، فلو أخلّ بها بطلت الصلاة كالإخلال بسائر واجباتها ، والأكثر على عدم الاشتراط . (5) ويردّ الوجوب حسنة زرارة، (6) ورواية جابر ، (7) وما رواه الشيخ عن محمّد بن عمارة ، قال : أرسلت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الرّجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة ؟ فقال: «الصلاة في جماعة أفضل» . (8) وما روته العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة» . (9) ولأنّه صلى الله عليه و آله لم ينكر على اللّذين قالا: صلّينا في رحالنا ، (10) ولو كانت واجبة لأنكر عليهما . واحتجّ من قال بوجوبها (11) بقوله تعالى : «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَوةَ» ، (12) وقالوا : لولم تكن واجبة لرخّص فيها حالة الخوف ولم يجوّز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها . وبما رواه أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «والّذي نفسي بيده ، لقد هممت أن آمر بحطب ليحطب، ثمّ آمر بالصّلاة فيؤذّن لها ، ثمّ آمر رجلاً فيؤمّ النّاس ، ثمّ اُخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ». (13) وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من سمع المنادي فلم يمنعه من اتّباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلّاها» . (14) وعن أبي الدرداء، عنه صلى الله عليه و آله قال : «ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيهم الصلاة إلّا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك بالجماعة فإنّ الذئب يأكل القاصية» . (15) وهي محمولة على تأكّد استحبابها ؛ للجمع بينها وبين ما تقدّم . وحمل أيضا عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله الفجر فأقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن اُناس [يسمّيهم] بأسمائهم ، فقال: هل حضروا الصلاة ؟ فقالوا : لا يا رسول اللّه ، فقال : [أ]غُيِّبَ هم ؟ فقالوا : لا ، فقال : أما إنّه ليس من صلاة أشدّ على المنافقين من هذه الصلاة ، وصلاة العشاء الآخرة ، (16) ولو علموا أيّ فضل فيهما لأتوهما ولو حبوا» . (17) وفي الصّحيح عن ابن سنان _ والظّاهر أنّه عبد اللّه _ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «إنّ اُناسا كانوا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبطأوا عن الصلاة في المسجد ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم ، فيوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم» . (18) وهل يجوز نيّة الائتمام بعد تكبيره الافتتاح بقصد الانفراد ؟ الظاهر العدم ؛ لوجوب المتابعة ، ولا متابعة مع السبق . ويؤيّده ما يأتي من جعل المنفرد صلاته نافلة إذا حضر الإمام . وقال الشيخ في الخلاف : يصحّ أن ينقل الصلاة من الانفراد إلى الجماعة وادّعي فيه الإجماع ، (19) ولم يجزم العلّامة في المنتهى (20) بشيء منها . ولابدّ من تعيين الإمام ، فلو نوى بأحد رجلين لا بعينه لم يصحّ صلاته ، وكذا لو نوى بهما معا ؛ لأنّه قد يختلفان في الأفعال . نعم ، لو ظنّ الإمام رجلاً معيّنا ، ثمّ بان أنّه غيره صحّت صلاته إذا كان قابلاً للإمامة . واعلم أنّه قد اختلفت الأخبار في كمّيّة فضل الجماعة ، ففي بعضها أنّه بأربع وعشرين ، (21) وفي بعضها أنّه بخمس وعشرين ، (22) وفي بعضها بسبع وعشرين . (23) وقال طاب ثراه : وروايات العامّة أيضا مختلفة كذلك ، ويمكن أن يقال: الاختلاف باعتبار اختلاف المصلّين ، أو يقال : الأحكام تتجدّد ، أوحى اللّه أوّلاً أن الفضل بأربع وعشرين ، ثمّ تفضّل اللّه سبحانه بزيادة واحدة . وقال بعض العامّة: الفضل الزّائد لمن صلّى العشاء والصبح جماعة والناقص لغيرهما ؛ لحديث : «من صلّى العشاء في جماعة فكأنّما قام ليلة» ، (24) وغيره ممّا دلّ على الترغيب فيهما جماعة . وقال بعضهم : الفضل الزّائد لمن صلّى جماعة في المسجد على الفذّ في غيره ، والفضل الناقص على الفذّ في المسجد . (25) انتهى . أقول : ولا يبعد أن يقال: الأربع والعشرون لبيان الفضيلة الزائدة على فضل الصلاة في نفسها ، والخمس والعشرين للفضيلة الزائدة مع فضل أصل الصلاة على أن تكون واحدة منها لأصل الصلاة ، والأربع والعشرون منها للجماعة ، فيوافق الخبران . وقال الشهيد الثاني في شرح اللّمعة : الصلاة الواحدة تعدل خمسا أو سبعا وعشرين صلاة مع غير العالم ، ومعه ألفا . ولو وقعت في مسجد تضاعفت بمضروب عدده في عددها ، ففي الجامع [مع] غير العالم ألفان وسبعمئة ، ومعه مئة ألف . وروي أنّ ذلك مع اتّحاد المأموم ، فلو تعدّد تضاعف في كلّ واحد بقدر المجموع في سابقه إلى العشرة، (26) ثمّ لا يحصيه إلّا اللّه تعالى . (27) وفي شرح الإرشاد : روى أبو محمّد جعفر بن أحمد القمّيّ نزيل الريّ في كتاب الإمام والمأموم بإسناده المتّصل إلى أبي سعيد الخدريّ ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرؤك السلام وهدى إليك هديّتين ، قلت : وما تلك الهديّتان؟ فقال : الوتر ثلاث ركعات ، والصلاة الخمس في جماعة ، فقلت : يا جبرئيل ، وما لاُمّتى في الجماعة ؟ قال : يا محمّد ، إذا كانوا اثنين كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة وخمسين صلاة ، وإذا كانوا ثلاثة كتب اللّه لكُلّ واحد بكّل ركعة ستمئة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفا ومئتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ألفين وأربعمئة صلاة ، وإذا كانوا ستّة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة [أربعة آلاف وثمانمئة صلاة، وإذا كانوا سبعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ]تسعة آلاف وستمئة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفا ومئتي صلاة، وإذا كانوا تسعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة وثلاثين ألفا وأربعمئة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمئة صلاة ، وإن زادوا على العشرة فلو كانت (28) السّماوات مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتّابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة . يا محمّد تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستّين ألف حجّة وعمرة ، وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرّة ، وركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مئة ألف دينار يتصدّق بها على المساكين ، وسجدة سجدها المأموم مع الإمام في جماعة خير من مئة عتق رقبة» . ثمّ قال قدس سره: «والأخبار في هذا الباب كثيرة خصوصا في الكتاب المومى إليه ». (29) ونقل طاب ثراه عن بعض العامة أنّ الجماعة لا تتفاضل في الثواب، محتجّا بأنّ القياس لا مدخل له في الفضائل . وقال : قد جاء في أحاديثهم : أنّها تتفاضل ؛ ولذلك قال مالك باستحباب إعادة الثلاث في جماعة ، وقال الأوّلون : من صلّى مع واحد أوفي جماعة قليلة لا يعيد الصلاة في جماعة أكثر ولا في إحدى المساجد الثلاث . (30) هذا ، ولا يجب على المأموم إتمام الصلاة على الائتمام، بل يجوز له قصد الانفراد في أثنائها وإتمامها منفردا مع العذر إجماعا من أهل العلم على ما يستفاد من المنتهى (31) ؛ لما ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى في ذات الرقاع بطائفة ركعة ، ثمّ انفردت تلك الطائفة الاُخرى المقابلة له للائتمام به صلى الله عليه و آله . (32) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطوّل الإمام في التشهّد، فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : «يسلّم وينصرف ويدع الإمام» . (33) ومع عدم العذر عندنا ، (34) وفاقا لأحمد في إحدى الروايتين والشافعيّ في أحد القولين ، خلافا لأبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية اُخرى والشافعيّ في قول آخر ، فقد قالوا : تبطل صلاته بذلك . (35) لنا : ما رواه الصدوق ، قال : كان معاذ يؤمّ في مسجدٍ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويطيل القراءة ، وأنّه مرّ به رجل فافتتح سورة طويلة ، فقرأ الرّجل لنفسه وصلّى ثمّ ركب راحلته ، فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك ، فبعث إلى معاذ ، فقال : «يا معاذ ، إيّاك أن تكون فتّانا ، عليك ب «الشَّمْسِ وَ ضُحاها» وذواتها» . (36) وما روي في المنتهى (37) عن جمهور العامّة عن جابر ، قال : كان معاذ يصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله العشاء ، ثمّ يرجع إلى قومه فيؤمّهم وصلّى بهم، فقرأ سورة البقرة ، فتأخّر رجل ، فصلّى وحده ، فقيل له: نافقت يا فلان ، فقال: ما نافقت ولكن يأتيني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبره ، فأتاه النبيّ صلى الله عليه و آله فذكر ذلك له ، فقال : «أفتّان أنت يا معاذ ؟ مرتين ، اقرأ سورة كذا ، وسورة كذا»، وقال : «سورة ذات البروج ، والليل ، والطّارق ، وهل أتاك حديث الغاشية ». (38) ولم يأمره عليه السلام بالإعادة ولا أنكره . ويؤيّدهما صحيحة أبي المغرا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يصلّي خلف إمام ، فسلّم قبل الإمام ، قال : «ليس بذلك بأس» . (39) واحتجّ المخالف بما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عنه». (40) واُجيب عنه بأنّا نقول بموجبه مادام يكون مؤتمّا به ، وأمّا مع نيّة العدول إلى الانفراد فليس الإمام إماما له ، ولا هو مأموما . (41) قوله في خبر جابر : (ليكن الذين يلون الإمام اُولي الأحلام منكم والنُهى) . [ح7 / 5246] قال طاب ثراه : ومثله روى مسلم بإسناده عن أبي مسعود ، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمسح مناكبنا في الصلاة، فيقول: «استووا ولا تختلفوا فتخلف قلوبكم ، وَليَلِيني منكم اُولو الأحلام (42) والنُّهى ، ثمّ الذين يلونهم». (43) وقيل : الأحلام والنهى : العقول . (44) على أنّ الأحلام جمع الحِلم بكسر الحاء وسكون اللام بمعنى الإناءة ، (45) والمراد بها العقل . والنُّهى : جمع نهية بضم النون كظلمة وظُلَم من النّهي ضد الأمر ، سمّي بها العقل لأنّه ينهى صاحبه عن الرّذائل، (46) كما سمّى العقل عقلاً من عقال البعير ؛ لأنّه يعقل صاحبه ، أي يحبسه عنها كما يحبس العقال البعير عن الذهاب ، أو من الانتهاء ، وهو الوقوف عند العامّة وعدم التجاوز عنها ، سمّي بها العقل لأنّه ينتهي بصاحبه إلى ما أمر به ، ولا يتجاوزه كما صرّح به بعض الأفاضل . وقيل : هم البالغون . (47) على أنّ الأحلام جمع الحلم بضمّ الحاء وسكون اللام ، وهو ما يراه النائم ، تقول منه : حلم بالفتح واحتلم. (48) وعلى هذا يفهم منه كراهة تمكين الصبيان في الصف الأوّل ، وإنّما استحبّ تقديم اُولي الأحلام لوجوه : منها : ما أشار إليه في الحديث ، وهو تقويم الإمام إذا نسي أو سها أو تَعَابا . ومنها : استخلاف الإمام إيّاهم عندالضرورة . ومنها : تعظيمهم وتكريمهم ، وقال بعض الأفاضل : لا يختصّ هذا التقديم بالصّلاة [بل] في كلّ مجمع لعلم أو قضاء أو ذكر أو تشاور أو معركة قتال ، فإنّما يلي كبير المجلس الأمثل فالأمثل على طبقاتهم في العلم والعقل والدين والشرف والسنّ مع التساوي فيما ذكر . (49) ويشعر به قول الصّادق عليه السلام : «اعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنّا »، (50) ومن طريق العامة : «أنزلوا الناس منازلهم ». (51)

.


1- . البقرة (2): 43.
2- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 164 _ 165 .
3- . في الأصل : «شريح» ، والتصويب من ترجمة الرجل ومصادر كلامه .
4- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 188 _ 189 ؛ فتح العزيز ، ج 4 ، ص 282 _ 286 ؛ المغني والشرح الكبير ، ج 2 ، ص 2 _ 3 .
5- . المغني ، ج 2 ، ص 4 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 3 .
6- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .
7- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 25 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 240 ، ح 6442 .
9- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 525 ؛ وج 3 ، ص 55 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 158 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 60 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 2 ، ص 513 ، ح 1361 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 403 .
10- . مسند أحمد ، ج 4 ، ص 161 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 317 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 138 _ 139 ، ح 575 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 140 ، ح 219 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 299 ، ح 931 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 300 _ 301 .
11- . المغني والشرح الكبير ، ج 2 ، ص 2 .
12- . النساء (4) : 102 .
13- . مسند الشافعي ، ص 52 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 158 ؛ وج 8 ، ص 127 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 297 ، ح 921 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 55 .
14- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 133 _ 134 ، ح 551 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 245 _ 246 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 75 و 185 .
15- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 196 ؛ وج 6 ، ص 446 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 133 ، ح 547 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 296 _ 297 ، ح 920 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 211 ؛ وج 2 ، ص 482 .
16- . كذا بالأصل ، وفي المصدر : «هذه الصلاة والعشاء» .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 25 ، ح 86 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 294 ، ح 10706 ، ومابين الحاصرات منهما .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 25 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 194 ، ح 6311 ؛ وج 8 ، ص 293 ، ح 10703 .
19- . الخلاف ، ج 1 ، ص 552 .
20- . منتهى المطلب ، ج 4 ، ص 268 .
21- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 302 ، ح 10730 ، و ص 315 ، ح 10769 .
22- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 286 ، ح 10677 ، وص 289 ، ح 10688 .
23- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 65 و 102 و 112 و 156 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 158 _ 159 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 122 .
24- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 125 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 409 ، وفيهما : «فكأنّما قام نصف الليل» ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 407 ، وفيه : «من صلّى العشاء والغداة في جماعة فكأنّما قام اليلل» .
25- . اُنظر : عمدة القاري ، ج 4 ، ص 259 .
26- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 289 _ 290 ، ح 10690 .
27- . شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 790 .
28- . كذا بالأصل ، وفي المصدر : «صارت» .
29- . روض الجنان ، ج 2 ، ص 964 _ 965 .
30- . اُنظر : المغني والشرح الكبير ، ج 2 ، ص 7 _ 8 .
31- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 301 .
32- . مسند الشافعي ، ص 177 ؛ صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 52 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 214 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 278 ، ح 1238 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 47 _ 48 ، ح 1762 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 592 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 253 .
33- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 283 ، ح 842 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1192 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 413 ، ح 11047 .
34- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 301 .
35- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 246 _ 247 ؛ فتح العزيز ، ج 4 ، ص 404 _ 405 .
36- . الفقيه ، ج 1 ، ص 390 ، ح 1154 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 420 ، ح 11065 .
37- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 302 .
38- . مسند أحمد ، ج 3 ، ص 308 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 183 ، ح 790 ؛ ونحوه في صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 172 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 41 _ 42 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 148 .
39- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 55 ، ح 11049 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 414 ، ح 11049 .
40- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 314 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 287 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 176 _ 177 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 97 .
41- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 303 .
42- . ما اُثبت هو الظاهر الموافق للمصادر ، وفي الأصل : «اولو الأرحام» .
43- . صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 30 ؛ ورواه أحمد في مسنده ، ج 4 ، ص 122 ؛ وابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 312 _ 313 ، ح 976 ؛ والنسائي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 286 ، ح 881 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 3 ، ص 97 .
44- . النهاية ، ج 5 ، ص 139 .
45- . عمدة القاري ، ج 13 ، ص 239 ؛ وج 24 ، ص 86 ؛ صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1903 (حلم) .
46- . تاج العروس ، ج 20 ، ص 272 .
47- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 155 .
48- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1903 (حلم) .
49- . اُنظر شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 4 ، ص 155 .
50- . الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب النوادر ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 27 ، ص 79 ، ح 33252 ، وص 137 _ 138 ، ح 33418 .
51- . سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 444 ، ح 4842 .

ص: 291

. .

ص: 292

. .

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

باب الصلاة خلف من لا يقتدى به

باب الصلاة خلف من لا يقتدى بهاتّفق الأصحاب على استحباب حضور جماعة أهل الخلاف تقيّة وصورة الائتمام بهم استحبابا مؤكّدا ، بل قد يجب ، روى الصّدوق في الصحيح عن زيد الشّحام، عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «يا زيد ، خالقوا النّاس بأخلاقهم ، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفريّة رحم اللّه جعفرا ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه ، وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفريّة ، فعل اللّه بجعفر ما كان أسوء ما يؤدّب أصحابه» . (1) وفي الصّحيح عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «من صلّى معهم في الصفّ الأوّل كمن صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الصفّ الأوّل» . (2) وفي الصّحيح عن حفص البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «يحسب لك إذا دخلت معهم ، وإن كنت لا تقتدي بهم، مثل ما يكتب لك إذا كنت مع من يقتدى به» ، (3) وغير ذلك ممّا لا يحصى . وإنّما يفعل معهم صورة الاقتداء وينوى الصلاة فذّا ، (4) ويقرأ في نفسه ولو كانت الصلاة جهريّة ، كما هو ظاهر أكثر أخبار الباب ، وما رواه الشيخ عن محمّد بن إسحاق ومحمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النّفس» . (5) وعن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرّجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر القراءة ، قال : «اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس» . (6) وفي المنتهى : لا يقال : قد روى الشيخ في الموثّق عن بكير بن أعين ، قال : سألت : أبا عبد اللّه عليه السلام عن النّاصب ياُمّنا ، ما نقول في الصلاة معه ؟ فقال : «أمّا إذا جهر فانصت للقرآن واستمع ، ثمّ اركع واسجد أنت لنفسك». (7) وهذا يدلّ على سقوط القراءة معهم . لأنّا نقول : لا يلزم من الإنصات عدم القراءة ؛ لجواز أن ينصت وقت القراءة ويقرأ وقت السكوت ، كما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ عليّا عليه السلام كان في صلاة الصبح ، فقال ابن الكوّاء وهو خلفه : «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ» (8) إلى آخر الآية ، فأنصت عليّ عليه السلام حتّى فرغ منها ، ثمّ عاد في قراءته ، ثمّ أعاد ابن الكوّا الآية ، فانصت عليّ عليه السلام أيضا ، ثمّ قرأ فأعاد ابن الكوّا الآية ، فانصت عليّ عليه السلام أيضا ، ثمّ قال : «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» ، (9) ثمّ أتمّ السورة ، ثمّ ركع ». (10) ويحتمل أيضا أن يكون الإنصات للتقيّة . (11) انتهى . فإن لم يسع قراءة الحمد والسورة يقرأ ما يسعه الوقت ويركع مع الإمام ويسقط وجوب الباقي ؛ لما رواه الشيخ عن عليّ بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهماالسلامفي الرّجل يكون خلف إمام لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة ، قال : «إذا كان قد قرأ اُم الكتاب أجزأه ، يقطع ويركع ». (12) وهو وإن دلّ بالمفهوم على أنّه متى لم يقرأ فاتحة الكتاب لم تجزه الصلاة لكن المفهوم ليس بحجّة ، بل لو لم يقرأ أصلاً أجزأته ويركع بركوع الإمام ، فقد قال الشيخ في التهذيب : «الإنسان إذا لم يلحق بالقراءة معهم جاز له ترك القراءة والاعتداد (13) بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع ». (14) واحتجّ عليه بخبر إسحاق بن عمّار، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم ، فلا يمكنني أن اُؤذّن واُقيم واُكبّر ، فقال لي : «فإن كان كذلك فادخل معهم في الركعة واعتدّ بها ، فإنّها من أفضل ركعاتك» . قال إسحاق : فلمّا سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغلام : انظر اُقيمت (15) الصلاة ؟ فجاءني فقال : نعم، فقمت مبادرا فدخلت المسجد ، فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أوّل صفّ أدركت ، واعتددت بها ، ثمّ صلّيت بعد الانصراف أربع ركعات ، ثمّ انصرفت فإذا خمسة أو ستّة من جيراني قدموا إليّ من المخزوميّين والاُمويّين فأقعدوني، ثمّ قالوا : يا باهاشم ، جزاك اللّه عن نفسك خيرا، فقد _ واللّه _ رأينا خلاف ما ظنّنا بك ، وما قيل فيك ، فقلت : وأيّ شيء ذلك ؟ فقالوا تبعناك حتّى قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنّك لا تقتدي بالصّلاة معنا ، فقد وجدناك قد اعتددت بالصّلاة معنا وصلّيت بصلاتنا ، رضي اللّه عنك وجزاك خيرا . قال : فقلت لهم : سبحان اللّه ، ألمثِلي يقال هذا ؟ قال : فعلمت أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام لم يأمرني بذلك إلّا هو يخاف عليّ هذا وشبهه . (16) وإذا فرغ من القراءة قبل الإمام يسبّح حتّى يركع الإمام، والأفضل أن يبقي آية من السورة حتّى يقرأ متّصلاً بالركوع ؛ لموثقة زرارة، (17) وخبر إسحاق بن عمّار . (18)

.


1- . الفقيه ، ج 2 ، ص 283 ، ح 1128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 430 ، ح 11092 .
2- . أمالي الصدوق ، المجلس 58 ، ح 16 ؛ الاعتقادات ، ص 109 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 382 ، ح 1125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 299 ، ح 10717 .
3- . الفقيه، ج 1، ص 383، ح 1126؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 265 _ 266، ح 752؛ ونحوه في الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 8، ص 299، ح 10719.
4- . الفذّ : الفرد . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 374 (فذذ) .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 36 ، ح 128 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1662 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 364 ، ح 10914 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 36 ، ح 129 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 430 _ 431 ، ح 1663 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 127 _ 128 ، ح 7523 ؛ وج 8 ، ص 363 ، ح 10911 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 35 ، ح 126 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1660 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 368 ، ح 10924 .
8- . الزمر (39) : 65 .
9- . الروم (30) : 60 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 35 _ 36 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 367 ، ح 10923 .
11- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 265 _ 266 .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 36 _ 37 ، ح 130 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1659 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 364 ، ح 10915 ، وكان بالأصل : « ... أجزأته يقطع وركع» ، فصوّبناه حسب المصدر .
13- . في الأصل : «لا اعتداد» ، والمثبت من المصدر .
14- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 37 _ 38 ، ذيل الحديث 132 .
15- . في الأصل : «أقامت» ، والمثبت من المصدر .
16- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 38 ، ح 133 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 431 _ 432 ، ح 1666 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 368 _ 369 ، ح 10925 .
17- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 370 ، ح 10928 .
18- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 370 ، ح 10929 .

ص: 299

. .

ص: 300

. .

ص: 301

باب من يكره الصلاة خلفه ، و

باب من يكره الصلاة خلفه ، والعبد يؤمّ القوم ، ومن أحقّ أن يؤمّأراد قدس سرهبالكراهة المعنى العام الشامل للحرمة بقرينة أخبار الباب، ويتوقّف تحقيق المقام على البحث عن صفات الإمام ، وهي اُمور : الأوّل : البلوغ . والمشهور بين الأصحاب اشتراط الإمامة [به]، و إليه، ذهب الشيخ في كتابي الأخبار (1) والنهاية ، (2) وهو منقول في المنتهى (3) عن أبي حنيفة وأحمد ومالك والثوريّ _ يعنى في الفريضة ؛ لما سيأتي _ وعن الأوزاعي وابن عبّاس وابن مسعود وعطا ومجاهد. (4) في المختلف (5) عن [ابن ]البرّاج (6) وعدّ فيه أقوى؛ محتجا بأنّ غير البالغ ليس من أهل التكليف ، ولا يعدّ فعله طاعة ؛ لأنّها موافقة الأمر ، والصبيّ ليس مأمورا إجماعا، وبأنّ الإمامة مشروطة بالعدالة ، وهي غير متحقّقة فيه ؛ لأنّها هيئة قائمة بالنّفس تقتضي البعث على ملازمة الطّاعات والانتهاء عن المحرّمات ، وكلّ ذلك فرع التكليف ، ولأنّه عالم بعدم المؤاخذة له بما يصدر عنه من القبائح ، فلا يؤمن بطلان صلاته بما يوقعه من الأفعال المنافية لها ؛ إذ لا زاجر له عنه . وبما رواه إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «لا بأس أن يؤذّن قبل أن يحتلم ولا يؤمّ حتّى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه» . (7) وجوّز الشيخ في الخلاف (8) والمبسوط (9) إمامة المراهق المميّز؛ محتجّا بإجماع الفرقة مستندا بأنّهم لا يختلفون في أنّ من هذه صفته تلزمه الصلاة لقوله عليه السلام : «مروهم بالصّلاة لسبع» (10) وهو يدلّ على أنّ صلاتهم شرعيّة ، ولأنّه (11) جاز أنّ يكون مؤذّنا فجاز أن يكون إماما ، وبما رواه طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام، عن عليّ عليه السلام قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤمّ». (12) ومثله ما رواه المصنّف عن غياث بن إبراهيم . (13) وأجاب (14) عنه بمنع الإجماع على تكليف غير البالغ المميّز ، لو ادّعى الإجماع على خلافه لكان أولى ، وإنّ أمر الولي بأمرهم بالصّلاة ليس أمرا لهم ، فإنّ الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء ، ومشروعيّة صلاتهم إن عنى بها أنّها مطلوبة منهم للتمرين فهو مسلّم ولا ينفع ، وإن اُريد بها استحقاق الثواب فهو ممنوع . والرواية ضعيفة فإنّ طلحة بتريّ ، (15) ومتأوّلة بالغلام الذي بلغ بالسنين ولم يحتلم . (16) وغياث بن إبراهيم أيضا بتري (17) وإن وثّقه جماعة . (18) وهذا القول منقول في المنتهى (19) عن الحسن البصريّ وإسحاق وابن المنذر والشافعيّ (20) ؛ محتجين بما رواه عمر بن سلمة ، قال : كنت غلاما حافظا قد حفظت قرآنا كثيرا ، فانطلق أبي وافدا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نفر من قومه ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «يؤمّكم أقرأكم لكتاب اللّه »، فقدّموني ، فكنت اُصلّي بهم وأنا ابن سبع أو ثمان . (21) وأجاب عنه : أوّلاً بضعف السّند مستندا بأنّ الخطّابي كان يضعّف حديث عمر بن سلمة ويقول: لا أدري أيّ شيء هو . (22) وثانيا : بأنّه إنّما استدلّ الائتمام به إلى جماعته ولم ينقله عن الرّسول صلى الله عليه و آله ، فلعلّهم أخطأوا في فهم قوله عليه السلام : «يؤمّكم أقرأكم» بحمله على العموم . وأيّده بقوله في الحديث: وكنت إذا سجدت خرجَت استي . وهذا غير سائغ . (23) ونقل في المنتهى (24) عن أبي حنيفة ومالك والثّوريّ جواز إمامة المراهق في النفل ، وقد منعوه في الفريضة كما عرفت . (25) ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : غير البالغ إذا كان سلطانا مستخلفا للإمام كولّي العهد للمسلمين يكون إماما ، وليس لأحد أن يتقدّم ؛ لأنّه أعلى وذو السلطان بعد الإمام الأكبر ، وأمّا غيره من الصبيان فلا أرى أن يأمّ في الفرائض من هو أسنّ منه . (26) الثاني : العقل . وهو شرط للإمامة بإجماع أهل العلم ؛ لأنّ المجنون غير مكلّف ولا بمميزّ، فلا صلاة له . ولصحيحة أبي بصير، (27) وحسنة زرارة . (28) وفي المنتهى : «ولو أفاق في وقت صحّت إمامته فيه ؛ لأنّه مكلّف حينئذٍ لكنّه يكره لجواز أن يكون قد احتلم حال جنونه ولم يعلم ، ولأنّه ربّما يأخذه الجنون حال الصلاة ». (29) الثالث : الإسلام . وهو مذهب علماء الإسلام ، قال اللّه تعالى : «وَ لَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَ_لَمُوا» (30) والكافر ظالم والاقتداء به ركون إليه واعتماد عليه في القراءة والسّهو . ولأنّ الإمام ضامن لصلاة المأموم ، والكافر ليس أهلاً لها . ولو اقتدى به ظنّا إسلامه فبان كافرا، فقد اختلف في صحّة ما فعله من الصلاة وفسادها ، ويأتي القول فيه . الرّابع : الإيمان . ذهب إليه علماؤنا أجمع (31) ؛ لصحيحة إسماعيل الجعفيّ ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : رجل يحبّ أمير المؤمنين عليه السلام ولا يبرأ من عدوّه ويقول : هو أحبّ إليّ ممّن خالفه ، فقال : «هو مخلّط ، وهو عدو، لاتصل خلفه ولا كرامته إلّا أن تتقيه ». (32) وصحيحة البرقيّ ، قال كتبت إلى أبي جعفر أتجوّز جعلت فداك ، الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدّك صلوات اللّه عليهما ، فأجاب : «لا تصلّ وراءه» . (33) وصحيحة ثعلبة بن ميمون، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة خلف المخالفين ، فقال : «ما هم عندي إلّا بمنزلة الجدر» . (34) وحسنة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ اُناسا رووا عن أمير المؤمنين أنّه صلّى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهنّ بتسليم ، فقال : «يا زرارة ، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى خلف فاسق ، فلمّا سلّم وانصرف قام أمير المؤمنين وصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم» . (35) وخبر إبراهيم بن شعبة، قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى المسح على الخفّين ، أو خلف من يحرّم المسح وهو يمسح ، فكتب: «جامعك وإياهم موضع واحد فلم تجد بدّا من الصلاة فأذّن لنفسك وأقم ، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» . (36) وخبر خلف بن حمّاد، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا تصلّ خلف الغالي وإن كان يقول بقولك ، والمجهول والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا» . (37) وما رواه الشيخ والصدوق عن عليّ بن عليّ بن محمّد الهادي ومحمد بن عليّ الجواد عليهماالسلام أنّهما قالا : «من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلّوا وراءه» . (38) ولما سبق من قوله تعالى: «وَ لَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَ_لَمُوا» (39) بالتقريب المذكور . ولأنّه ليس أهلاً لضمان الصلاة . الخامس : طهارة المولد. وكتب الأصحاب مشحونة بذلك الاشتراط ، قال السيّد المرتضى في الانتصار: «الظّاهر من مذهب الإماميّة أنّ الصلاة خلف ولد الزّنا غير مجزية ؛ للإجماع والاحتياط ». (40) ولم أجد مخالفا من الأصحاب في ذلك . وهو منقول في المنتهى (41) عن أبي حنيفة وأصحابه ، وعن الشافعيّ أنّه قال بكراهة إمامته ، وعن مالك أنّه كره أن يتّخذ إماما راتبا ، وعن أحمد وعطا والحسن والنخعيّ والزّهريّ وعمرو بن دينار وإسحاق الجواز من غير كراهية . (42) فاحتج في المنتهى على عدم الجواز بصحيحة أبي بصير، (43) وحسنة زرارة ، (44) ومثلهما ما رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «خمسة لا يؤمّون النّاس ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة : الأبرص ، والمجذوم ، والأعرابي حتّى يهاجر ، وولد الزنا ، والمحدود». (45) وبأنّ الإمامة فضيلة ، وهو لنقصه لا يجعل له مزيّة على الكامل وبقوله عليه السلام : «إنّه شرّ الثلاثة» ؛ (46) إذ يفهم منه أن شرّه أعظم من شرّ أبويه ، ولا شكّ في أنّ الزنا كبيرة مانعة عن الائتمام به ، فالمنع عن الائتمام بذلك (47) أولى بالمنع عن الائتمام به. واحتجّ المخالف بعموم قوله عليه السلام : «يؤمّكم أقرأكم» . (48) وبما نقلوه عن عائشة أنّها قالت : ليس عليه من وزر أبويه شيء . (49) والجواب عن الأوّل : أنّه مخصوص للجمع. وعن الثاني تسليم عدم تعلّق وزر الزّنا به ، ولا ينافي ذلك الحكم بكونه شرّ الثلاثة . (50) السّادس : العدالة . في المنتهى: (51) العدالة شرط في الإمام ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أحمد في إحدى الرّوايتين ومالك ، (52) ونقله السيّد المرتضى عن أبي عبد اللّه البصريّ (53) محتجا بإجماع أهل البيت عليهم السلام وكان يقول : إنّ إجماعهم حجّة . (54) وفي الرواية الاُخرى عن أحمد أنّها ليست شرطا ، وهو قول الشافعيّ وأبي حنيفة . (55) لنا : ما رواه الجمهور عن جابر ، قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله على منبره يقول : «لا يؤمن امرأة رجلاً ولا فاجر مؤمنا ، إلّا أن يقهره سلطان أو يخاف سوطه أو سيفه» . (56) وقوله عليه السلام في خبر خلف بن حمّاد المتقدّم: «والمجاهر بالفسق». (57) وما تقدّم من حسنة زرارة في حكاية فعل أمير المؤمنين عليه السلام . (58) وما رواه الشيخ عن سعد بن إسماعيل، عن أبيه ، قال : قلت للرضا عليه السلام : رجل يقارف الذّنوب وهو عارف بهذا الأمر ، اُصلّي خلفه ؟ قال : «لا». (59) وعن أبي عليّ بن راشد ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : «إنّ مواليك قد اختلفوا فاُصلّي خلفهم جميعا ؟ فقال : «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه وأمانته» . (60) وما رواه ابن بابويه أيضا عن أبي ذر رحمه الله قال : إنّ إمامك شفيعك إلى اللّه عزّ وجلّ ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا . (61) ولأنّ الفاسق ظالم ، فلا يركن إليه ، ولأنّه ليس أهلاً لضمان الصلاة ، ولأنّه لا يؤمن من إخلاله بشيء من واجبات الصلاة . احتجّ المخالف بقوله عليه السلام : «صلّوا خلف من قال لا إله إلّا اللّه » . (62) وبأنّ الحسنين عليهماالسلام كانا يصلّيان مع مروان ، (63) وابن عمر كان يصلّي مع الحجّاج . (64) وبما رواه أبوذر رضى الله عنه قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «كيف أنت إذا كانت عليك اُمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟» قال : قلت : فما تأمرني؟ قال : «صلّ الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم فصلّ ، فإنّها لك نافلة ». (65) ولأنّه تصحّ صلاته ، فيصحّ الائتمام به كالعدل . والجواب عن الأوّل أنّه مخصوص بما ذكرنا ، وعن الثاني أنّهم فعلوا ذلك تقيّة وخوفا . وحديث أبي ذر لا دلالة [له] على المدّعى ؛ إذ إنّما جوّز له أن يصلّي معهم تطوّعا ، وهو أيضا للتقيّة . على أنّ تأخير الصلاة ليس معصية ، والقياس باطل ؛ إذ صحّة صلاته لا تستلزم صحّة الائتمام به . (66) والمشهور اعتبار العلم بعدالته الحاصل بالمعاشرة أو بإخبار العدول ، ويشعر به بعض ما ذكر من الأدلّة . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «كلّ المسلمين على العدالة إلى أن يظهر منه ما يزيلها »، (67) وهو يشعر بجواز إمامة المجهول حاله إذا علم إسلامه . وردّه بأنّ الفسق مانع ، فلا يخرج عن العهدة إلّا بعد العلم بانتفائه . السابع : الذكورة إذا كان المأموم ذكرا. وفي المنتهى : هو قول عامّة أهل العلم إلّا ما حكي عن أبي ثور والمزني ومحمّد بن جرير (68) الطبريّ ، فإنّهم قالوا بجوازه في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها ، وتقف خلفهم . (69) لنا : ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه » . (70) ولأنّ المرأة مأمورة بالاستتار ، والإمام مأمور بضدّه. ولأنّها لا تؤذّن للرجال فلا تكون إماما لهم كالكافر . احتجّ المخالف بما روي عن اُم ورقة بنت نوفل 71 : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يدورها في بيتها ، فجعل لها مؤذّنا يؤذّن لها ، وأمرها أن تؤمّ أهل دارها ، وذلك عامّ في الرّجال والنّساء . والجواب: [أنّ] [ال ]دار قطني روى أنّه عليه السلام [أمرها] أن تؤمّ نساء أهل دارها . (71) وأيضا فهو محمول على ذلك؛ لما قلنا . انتهى . وأمّا إمامتها للنّساء فهي جائزة مستحبّة على المشهور ويجيء القول فيه . الثامن : قيام الإمام إذا كان المأموم قائما . نسبه في المنتهى (72) إلى علمائنا وإلى إحدى الروايتين عن مالك وإلى محمّد بن الحسن ، وحكى عن أبي حنيفة والشافعيّ ومالك في الرواية الاُخرى أنّه يجوّز ذلك ، وعن الأوزاعيّ وحمّاد بن زيد وإسحاق وأحمد في رواية وابن المنذر أيضا جوازه ، لكن قالوا : يصلّي جالسا كالإمام . (73) وفي رواية اُخرى عن أحمد صحّة صلاته لو صلّى قائما لكن شرط كون الإمام موظّفا لها وأن يكون مرضه مرجوّ الزوال . (74) لنا : ما رواه الجمهور من قوله صلى الله عليه و آله : «لا يؤمّنّ أحد بعدي جالسا» . (75) وما رواه الصدوق عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى بأصحابه جالسا ، فلما فرغ قال : «لا يؤمّنّ أحد بعدي جالسا». (76) وربّما احتجّ عليه بأنّ القيام ركن فلا يصحّ ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه كغيره من الأركان . واحتج الشافعيّ وأضرابه بما روت عائشة : أنّ أبا بكر صلّى بالناس فوجد النبيّ صلى الله عليه و آله عليه من نفسه خفّة ، فخرج بين رجلين ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، فصلّى قاعدا والناس قيام يأتمّون به . (77) واحتجّ أحمد بما رواه أبو هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فلا تختلفوا عليه ، وإذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون» . (78) والجواب عن الأوّل : أنّ حال النبيّ صلى الله عليه و آله ليس كحال غيره ، فإنّ الصلاة معه حال جلوسه أفضل منها حال قيام غيره. ويؤيّده قوله عليه السلام بعدها : «لا يؤمّنّ أحد بعدي جالسا» . وعن الثاني : أن ضعف أبي هريرة على ما مرّ يمنع من العمل بما تفرّد به لا سيّما مع المعارضة لأخبار متعدّدة. وهل فاقد غيره من الأركان والشرائط كفاقده ، فقد جوّز الشيخ في الخلاف للقاعد أن يأتمّ بالمومي ، وللمكتسي أن يأتمّ بالعاري . (79) ومنعه في المختلف، معللاً بأنّ صلاة العاري إنّما تكون بالإيماء ، ولا يتمكّن من الركوع والسجود كما ينبغي ، فيكون كالقاعد لا يصلح إماما للقائم ؛ لإخلاله بالقيام . (80) التاسع : كون الإمام قارئا إذا كان المأموم قارئا . فلا يؤمّ الاُمّي _ وهو من لا يحسن القراءة الواجبة _ من يحسنها ، وهو محكي في المنتهى (81) عن أبي حنيفة وأحمد و أحد أقوال الشافعيّ ، وعن قوله الثاني وعن المزني أيضا جوازه ، وعن قوله الثالث وعن الثوريّ وأبي ثور جوازه في الإخفاتيّة دون الجهريّة . (82) لنا : ما روي في الطريقين من قولهم عليهم السلام : «يؤمّكم أقرأكم»، (83) وسيأتي . ولأنّ القراءة واجبة مع القدرة ، فلو ائتمّ القادر عليها بالعاجز عنها فقد أخلّ بالواجب . ولأنّه ليس أهلاً لتحمّل القراءة. (84) واحتجّ المجوّز مطلقا بقياسيه على ائتمام القائم بالقاعد ، وهو ضعف في ضعف. واستدلّ المفصّل بأنّ المأموم لا تجب عليه القراءة في الجهريّة وتجب في الإخفاتيّة ، والإمام لا يصلح لتحمّلها ، فلا يجوز الائتمام فيما يتحمّلها ، وهو الجهريّة ، ولا يتحقّق التحمّل في الإخفاتيّة ؛ لأنّه يقرأ المأموم نفسه ، لوجوب القراءة عليه فيها . (85) وقد سبق ضعف هذا الوجوب . وهل يجب على الاُميّ الائتمام بالقارئ أو يجوز له أن يكتفي بما يحسن من القراءة أو بدلها من التسبيح ؟ الظاهر العدم ؛ للأصل وعدم نصّ عليه . وحكى في المنتهى (86) عن أبي حنيفة وجوبه محتجا بأنّه يمكنه أن يؤدّي صلاته بقراءة ، والقراءة واجبة، فيجب الطريق إليها . وخالف فيه آخرون من العامة محتجّين بأنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فقال : «قلّ سبحان اللّه والحمد للّه »، (87) ولم يأمره بالائتمام بالقارئ . وفي حكم الاُمّي الأليغ بالياء المثنّاة من تحت والغين المعجمة ، وهو الذي لا يبيّن الكلام ولا يأتي بالحروف على الصحّة . (88) ومنه الذي يبدّل حرفا بحرف آخر ويقال له : الألثغ بالثاء المثلّثة والغين المعجمة (89) كالتّمتام والفأفأ ، وهما اللذين لا يؤدّيان التاء والفاء ، فإنّهما بالنسبة إلى هذين الحرفين كالأخرس . (90) وقال الشيخ في المبسوط : «يكره الصلاة خلف التمتام، وهو الذي لا يؤدّي الفاء» (91) محتجّا بأنّه غير مكلّف بالإتيان بذلك الحرف لعجزه عنه ، فصحّت صلاته وصلاة من خلفه ؛ لأنّها منوطة بصلاة صحيحة وقد حصلت . وأجاب عنه في المختلف (92) بالمنع كما في الأخرس . وفي المنتهى: «الأقرب أنّ الشيخ عنى أنّهما لا يؤدّيان الحرفين إلّا بمشقّة . قال صاحب الصحاح : التمتام : الذي في لسانه تمتمة ، وهو الذي يردّد في التاء ، (93) والفأفاء : هو أن يردّد في الفاء إذا تكلّم» (94) . (95) وأقول : يشعر بذلك قوله «لا يحسن أن يؤدّي» بدلاً عن «لا يؤدّي» ، فإنّ معناه لا يؤدّيه حسنا . ومنه الأرتّ ، وهو على ما ذكره الجوهري (96) الذي في كلامه عجمة ، يعني لا يقدر أن يخرج الحروف من مخارجها . وأمّا الأرثّ (97) وهو _ على ما فسّره الشيخ (98) على ما نقل عنه في المنتهى _ (99) : الذي يلحقه في أوّل كلامه ريح يمنعه من التكلّم ، ثمّ ينطلق لسانه ، فيجوز إمامته. العاشر . أن لا يكون الإمام أعرابيا إذا كان المأموم (100) مهاجرا . والمراد بالأعرابي من لا يعرف محاسن الإسلام من أهل البوادي ، والمهاجر أهل الأمصار العارفين بها، ولم أجد مخالفا لذلك من الأصحاب . واحتجوا عليه بقوله تعالى : «الأَْعْرابُ أَشَدُّ كُفْرا وَ نِفاقا وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ» ، (101) وبصحيحة أبي بصير . (102) ويدلّ أيضا حسنة زرارة، (103) وما تقدّم من خبر الصدوق عن محمّد بن مسلم ، (104) وهو منقول في المنتهى (105) عن مالك، وعن عطا والثوريّ وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي جوازه من غير كراهية ، (106) محتجّين بعموم قوله عليه السلام : «يؤمّكم أقرأكم» . ودفعه واضح . ولو كان الأعرابي عارفا بشرائع الإسلام فلا خلاف في جوازه ؛ عملاً بالعموم السالم عن المعارض ، ولقوله تعالى: «وَ مِنَ الأَْعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ» ، (107) الآية . وكرّهها بعض ، وهو غير مستند . الحادي عشر : الاختتان مع إمكانه . فلا يجوز إمامة الأغلف مع التفريط ولو كان المأموم مثله على المشهور (108) ؛ للفسق ، ولما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليهم السلام قال : «الاًغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ؛ لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلّى عليه إلّا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه». (109) ورواه الصدوق أيضا مرسلاً عن عليّ عليه السلام . (110) وحكى في المختلف (111) عن أبي الصلاح أنّه جوّزها لمثله ، (112) وهو ضعيف لما ذكر ، إلّا أن يريد به من كان معذورا . الثاني عشر : أن لا يكون محدودا قبل توبته . للفسق، ولما تقدّم من خبري أبي بصير (113) ومحمّد بن مسلم . (114) وأمّا بعد توبته فيجوز إمامته مع الكراهة مطلقا على المشهور ، وفي المختلف (115) : «منع أبو الصلاح من إمامة المحدود للبريء وجوّزه لمثله »، (116) والظّاهر أن مراده المحدود بعد التوبة . الثالث عشر : السلامة من الخرس . لضمانه القراءة ، ويجوز إمامته لمثله . ولها شرائط اُخرى قد اختلفوا فيها: منها : البراءة من الجذام والبرص ، فقد اشترطها السيّد المرتضى (117) والشيخ (118) ؛ للخبرين المشار إليهما . وقال المفيد (119) وابن إدريس (120) بكراهتها ، وعدّت في المختلف (121) أقرب؛ للجمع بينهما وبين العمومات وخصوص ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن يزيد، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المجذوم والأبرص يؤمّان الناس ؟ قال : «نعم» ، قلت: هل يبتلي اللّه بهما المؤمن ؟ قال : «نعم ، وهل كتب اللّه البلاء إلّا على المؤمن». (122) والظاهر عدم الفرق بين المأموم المماثل وغيره . ومنها : الحرّيّة ، فذهب الشيخ في النهاية (123) والمبسوط (124) إلى عدم جواز إمامة العبد للأحرار إلّا لمواليه إذا كان أقرأ منهم ، وهو منقول في المختلف (125) عن ابن البرّاج ، (126) وعن الصدوق في المقنع، (127) محتجّين بما رواه السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال : «لايؤّم العبد إلّا أهله» . (128) والمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (129) والاستبصار (130) الجواز مطلقا ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامأنّه سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا ؟ قال : «لا بأس» . (131) وصحيحته بسند آخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله . (132) ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن المملوك يؤمّ الناس ؟ قال : «لا ، إلّا أن يكون هو أفقههم وأعلمهم» . (133) وخبر السكونيّ _ مع ضعفه وعدم قابليّته للمعارضة لما ذكر _ يمكن حمله على الكراهة كما هو ظاهر الشيخ في الاستبصار (134) والعلّامة في المختلف ، (135) ونقلت فيه عن أبي الصلاح . (136) وهذا القول منقول في المنتهى (137) عن الشافعيّ وأحمد والحسن البصريّ وأصحاب الرأي وجماعة اُخرى من العامّة ، (138) محتجّين بما نقلوه : أنّه كان لعائشة غلام يؤمّها ، (139) وأنّه صلّى ابن مسعود وحذيفة وأبو ذرّ وراء أبي سعيد ، وهو كان عبدا لبني أسد. (140) وعن مالك أنّه لم يجوّز إمامته إلّا أن يكون قارئا للاُمّي . (141) ومنها : السلامة من الخصاء إذا كان المأموم سليما منه ، فقد اشترطها أبو الصلاح (142) على ما نقل عنه في المختلف ، (143) ولم أعثر على مستنده ، وكأنّه استند بأنّه عيب ينافي منصب الإمامة ، ففيه ما فيه . والمشهور جوازه مطلقا لأنّ الخصا لا يسلب الرجوليّة ولا يوجب الفسق . ومنها : عدم كونه خنثى لغير المرأة ، فالمشهور اشتراطه لجواز أن يكون امرأة ، فلا تجوز إمامته للرّجال ، وهو ظاهر ، ولا لمثله لجواز أن يكون ذلك المماثل رجلاً . وحكى في المختلف (144) عن ابن حمزة أنّه جوّز إمامتها لمثلها. (145) ومنها : السلامة من اللحن ، فقد قال الشيخ في المبسوط : «يكره إمامة من يلحن في قراءته ، سواء كان في الحمد أو في غيرها ، أحال المعنى أولم يحل »، (146) محتجّا بأنّ صلاته صحيح ، فجاز أن يكون إماما، وردّه في المختلف بالمنع من الملازمة كالآخرين ، وقال : والوجه عندي أنّه لا يصحّ أن يكون إماما ؛ أمّا إذا تعمّد فلأنّ صلاته باطلة ؛ لأنّه لم يقرأ القرآن كما اُنزل ، وأمّا إذا لم يتمكّن فلأنّه بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس ، فكما لا يصحّ إمامة الأخرس لا تصحّ إمامته . (147) وقال ابن إدريس : لا تجوز إمامته إذا تغيّر المعنى بلحنه . (148) ويستحبّ أن لا يكون الإمام فالجا للأصحّاء ؛ لرواية السكونيّ، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال : «لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء» ، (149) وسيأتي تتمّة الخبر ، حملاً للنّهي فيه على الكراهة ؛ لما تقرّر من حمل الأمر والنّهي في الأخبار الضعيفة المخالفة للأصل على النّدب والكراهة ، للمساهلة في أدلّتهما . وهذا إذا صلّى قائما ، فلو عجز وصلّى قاعدا لا تجوز إمامته للقائم ؛ لما مرّ . ويكره أن يأتم المطهّر بالماء بالمتيمّم ، وفي المنتهى: «لا نعرف فيه خلافا إلّا ما حكي عن محمّد بن الحسن الشيبانيّ من المنع من ذلك »، (150) وبذلك جمعوا بين ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبّاد بن صهيب ، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «لا يصلّي المتيمّم بقوم متوضّئين»؛ (151) وعن السكونيّ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا يؤمّ المقيّد المطلقين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ، ولا صاحب التيمّم المتوضّئين»، (152) وبين ما رواه في الصّحيح عن حمزة بن حمران وجميل بن درّاج ، قال : قلت (153) لأبي عبد اللّه عليه السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء يكفيه للغسل، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم ؟ قال : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ، فإنّ اللّه جعل التراب طهورا» . (154) واُيّد ذلك بعموم الأمر بالجماعة ، وبما رواه الجمهور : أنّ عمرو بن العاص صلّى بأصحابه متيّمما وبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك ولم ينكره، وصلّى ابن عبّاس معه بأصحابه وفيهم عمّار بن ياسر وجماعة من الصحابة ولم ينكروه ، (155) وقد فرع على ما ذكر كونه إجماعيّا في المنتهى . (156) ويكره أن يؤمّ المسافر الحاضر ، وفي المنتهى : «وبه قال أبو حنيفة ». (157) وبه قال المفيد (158) والشيخ في الخلاف (159) وابن إدريس ، (160) ونقله في المختلف (161) عن السيّد المرتضى (162) وأبي الصلاح (163) أيضا . وظاهر الشيخ في النهاية (164) والمبسوط (165) اختصاص الكراهة بإمامة المسافر للحاضر حيث إنّه خصّ ذلك بالذكر ، ومثله نقل عن جمله (166) واقتصاده . (167) وهو منقول عن ابن البرّاج (168) وسلّار (169) أيضا ، وعن الشافعيّ (170) وعن الصدوق أنّه قال في المقنع : «لا يجوز أن يصلّي المسافر خلف المقيم ». (171) وعن عليّ ابن بابويه : أنّه قال : «لا يجوز إمامة المتمّم للمقصّر ولا بالعكس ». (172) وفي المنتهى : لنا : أنّ مفارقة الإمام للمأموم مكروهة ، وهي حاصلة هنا على كلا التقديرين . وما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يؤمّ الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي بشيء من ذلك فأمّ قوما حاضرين ، فإذأ اتمّ ركعتين سلّم ثمّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم و [إذا صلّى المسافر خلف المقيم فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم، وإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر والأخيرتين العصر]». (173)

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 29 _ 30 ، ذيل الحديث 104 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 423 _ 424 ، الباب 258 .
2- . النهاية ، ص 113 .
3- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 197 .
4- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 249 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 2 ، ص 54 ؛ نيل الأوطار ، ج 3 ، ص 202 _ 203 .
5- . مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 51 _ 52 .
6- . المهذّب ، ج 1 ، ص 80 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 29 ، ح 103 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 423 _ 424 ، ح 1632 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 322 ، ح 10789 .
8- . الخلاف ، ج 1 ، ص 553 _ 554 ، المسألة 295 .
9- . المبسوط ، ج 1 ، ص 154 .
10- . المعجم الأوسط للطبراني ، ج 4 ، ص 256 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 237 ، ح 880 ؛ كنز العمّال ، ج 16 ، ص 442 ، ح 45335 .
11- . هذا هو الظاهر المناسب لما بعده ، وهكذا ورد في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 52 ، وفي الأصل : «ولأنّهم» .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 29 _ 30 ، ح 104 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 424 ، ح 1633 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 323 ، ح 10790 .
13- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 441 ، ح 7034 ؛ وج 8 ، ص 321 ، ح 10785 .
14- . يعني العلّامة في مختلف الشيعة .
15- . رجال الطوسي ، ص 138 ، الرقم 1464 .
16- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 53 .
17- . رجال الطوسي ، ص 142 ، الرقم 1542 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 441 ؛ رجال ابن داود ، ص 265 ، الرقم 387 .
18- . رجال النجاشي ، ص 305 ، الرقم 833 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 385 و 441 .
19- . منتهى المطلب، ج 6، ص 197.
20- . المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 2 ، ص 54 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 249 .
21- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 141 ، ص 585 .
22- . اُنظر : المغني ، ج 2 ، ص 55 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 54 .
23- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 199 .
24- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 197 .
25- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 249 _ 250 ؛ نيل الأوطار ، ج 3 ، ص 203 .
26- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 51 _ 52 .
27- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 325 ، ح 10796 .
28- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 325 ، ح 10797 .
29- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 197 .
30- . هود (11) : 113 .
31- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 4 ، ص 65 .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 28 ، ح 97 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 309 ، ح 10751 .
33- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 28 ، ح 98 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 310 ، ح 10753 .
34- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 266 ، ح 754 ؛ وهذا الحديث هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ، وفيه : «ثعلبه ، عن زرارة ، قال : سألت ...» ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 309 ، ح 10749 ، وص 366 ، ح 10920 .
35- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 266 ، ح 756 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 350 _ 351 ، ح 9549 .
36- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 276 _ 277 ، ح 807 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 363 ، ح 10912 .
37- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 31 ، ح 109 ، وص 282 ، ح 837 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 310 _ 311 ، ح 10754 ، وكان بالأصل : «معتقدا» بدل «مقتصدا» ، فصوّبناه حسب المصدر .
38- . التوحيد ، ص 101 ، باب معني التوحيد والعدل ، ح 11 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1111 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 283 ، ح 840 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 311 ، ح 10757 .
39- . هود (11) : 113 .
40- . الانتصار ، ص 158 .
41- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 211 .
42- . المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 59 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 58 ؛ فتح الباري ، ج 1 ، ص 155 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 226 .
43- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 422 ، ح 1626 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 321 ، ح 10783 .
44- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 325 ، ح 10797 .
45- . الفقيه ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 322 ، ح 10787 ، وص 324 ، ح 10794 .
46- . معاني الأخبار ، ص 412 ، ح 103 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 241 ، ح 3963 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 2 ، ص 214 _ 215 ؛ وج 4 ، ص 100 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 91 ؛ وج 10 ، ص 57 _ 58 .
47- . هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «فذلك» .
48- . الفقيه ، ج 1 ، ص 285 ، ح 880 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 410 ، ح 6953 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 141 ، ح 585 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 125 .
49- . المستدرك للحاكم ، ج 4 ، ص 100 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 91 ؛ وج 10 ، ص 58 .
50- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 212 .
51- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 206 _ 208 .
52- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 253 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 156 .
53- . حسين بن على بن إبراهيم أبو عبد اللّه المعروف ب«جعل» ، من شيوخ المعتزلة ، مولده في البصرة سنة 288ه ق ، وفاته ببغداد سنة 369ه ق ، وله تصانيف . راجع: الوافي بالوفيات ، ج 13 ، ص 12 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 27 ؛ الأعلام ، ج 2 ، ص 244.
54- . حكاه عنه الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 560 ، المسألة 310 .
55- . اُنظر : بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 156 ؛ المغني والشرح الكبير ، ج 2 ، ص 29 .
56- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 171 ؛ كنزالعمّال ، ج 7 ، ص 721 _ 722 ، ح 21092 .
57- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 310 _ 311 ، ح 10754 ، وص 314 _ 315 ، ح 10767 .
58- . وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 350 ، ح 9550 .
59- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 31 ، ح 110 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 316 ، ح 10773 .
60- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 266 ، ح 755 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 309 ، ح 10750 .
61- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 30 ، ح 107 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 314 ، ح 10765 .
62- . سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 43 ، ح 1743 .
63- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 122 ؛ مسند الشافعي ، ص 55 _ 56 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 271 ، الباب 214 ، ح 2 .
64- . المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 24 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 25 ؛ فتح العزيز ، ج 4 ، ص 336 .
65- . صحيح مسلم، ج 2، ص 120؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3، ص 124؛ كنز العمّال، ج 7، ص 641 ، ح 20672.
66- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 208 .
67- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 88 .
68- . في الأصل : «محمّد بن أبي جرير» ، وهو تصحيف ، وما اُثبت موافق للمصدر .
69- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 255 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 33 .
70- . المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 180 و 184 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 239 ؛ المغني ، ج 2 ، ص 36 و 44 و 73 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 627 ؛ وج 2 ، ص 66 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 118 ، وورد عن ابن مسعود نفسه : المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 3 ، ص 149 ، ح 5115 ؛ المعجم الكبير ، ج 9 ، ص 295 _ 296 .
71- . سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 279 ، ح 2 .
72- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 215 .
73- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 265 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 123 ؛ فتح العزيز ، ج 4 ، ص 320 ؛ الاستذكار ، ج 2 ، ص 172 _ 173 ؛ المغني ، ج 2 ، ص 47 _ 48 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 44 _ 45 ؛ شرح صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 132 _ 133 .
74- . المغني ، ج 2 ، ص 50 .
75- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 80 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 2 ، ص 463 ، ح 4087 و 4088 .
76- . الفقيه ، ج 1 ، ص 381 ، ح 1118 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 345 ، ح 10863 .
77- . المغني ، ج 2 ، ص 48 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 45 _ 46 ؛ والحديث في سنن الدارمي ، ج 1 ، ص287 _ 288 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 169 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 21 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 80 ؛ وج 8 ، ص 151 .
78- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 265 ؛ المغني ، ج 2 ، ص 48 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 46 ؛ والحديث في مسند الشافعي ، ص 58 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 230 و 341 و 376 و 411 ؛ وج 3 ، ص 410 و 162 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 286 _ 287 ، وص 300 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 169 و 177 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 18 _ 20 .
79- . الخلاف ، ج 1 ، ص 545 ، المسألة 283 .
80- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 65 .
81- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 218 _ 219 .
82- . فتح العزيز ، ج 4 ، ص 317 _ 318 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 31 _ 32 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 56 _ 57 .
83- . وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 410 ، ح 6953 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 141 ، ح 585 .
84- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 219 _ 220 .
85- . فتح العزيز ، ج 4 ، ص 318 .
86- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 223 .
87- . السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 421 ، ح 996 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 381 .
88- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 112 .
89- . المجموع للنووي، ج 4، ص 267؛ فتح العزيز، ج 4، ص 318.
90- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 153 ؛ لكن ورد في المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 279 ؛ وروضة الطالبين ، ج 1 ، ص 455 ؛ والمغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 32 . أنّ التمتام هو الّذي يكرّر التاء ، والفأفأ هو الذي يكرّر الفاء .
91- . المبسوط، ج 1، ص 153.
92- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 64 .
93- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 878 (تمم) .
94- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 62 (فأفأ) ، وفيه : «يتردّد» بدل «يردّد» .
95- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 223 _ 224 .
96- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 249 (رتت) .
97- . في الأصل : «الأرضّ» ، والتصويب حسب المصدر .
98- . المبسوط ، ج 1 ، ص 153 .
99- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 224 .
100- . هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «الإمام» بدل «المأموم» .
101- . التوبة (9) : 97 .
102- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 26 _ 27 ، ح 92 .
103- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
104- . الفقيه ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 324 ، ح 10794 .
105- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 234 .
106- . المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 279 ؛ المغني ، ج 2 ، ص 58 _ 59 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 58 .
107- . التوبة (9) : 99 .
108- . اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 4 ، ص 299 ، المسألة 574 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 57 _ 58 .
109- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 30 ، ح 108 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 320 ، ح 10782 .
110- . الفقيه ، ج 1 ، ص 378 _ 379 ، ح 1106 .
111- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 56 .
112- . الكافي في الفقه ، ص 143 _ 144 .
113- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي، ولم يذكر فيه المحدود، والمذكور فيه: «المجذوم والأبرص والمجنون وولدالزنا والأعرابى»، نعم تدلّ عليه رواية الأصبغ بن نباتة؛ وسائل الشيعة، ج 8، ص 322، ح 10789.
114- . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 324 ، ح 10794 .
115- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 56 .
116- . الكافي في الفقه ، ص 143 _ 144 .
117- . جمل العلم والعمل (الرسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 39) . وفي الانتصار ، ص 158 : «كراهيّة إمامتهما» .
118- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 191) ؛ الاقتصاد ، ص 269 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 561 ، المسألة 312 ؛ النهاية ، ص 112 .
119- . لم أعثر عليه .
120- . السرائر ، ج 1 ، ص 280 .
121- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 56 ، والمذكور فيه : «والأقوى عندى كراهة إمامتهم» .
122- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 27 ، ح 93 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 422 _ 423 ، ح 1627 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 322 _ 323 ، ح 10792 .
123- . النهاية ، ص 112 .
124- . المبسوط ، ج 1 ، ص 155 .
125- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 53 .
126- . المهذّب ، ج 1 ، ص 80 .
127- . المقنع ، ص 115 .
128- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 29 ، ح 102 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 423 ، ح 1631 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 326 ، ح 10801 .
129- . الخلاف ، ج 1 ، ص 547 ، المسألة 286 .
130- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 423 ، ذيل الحديث 1631 .
131- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 29 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 326 ، ح 10799 .
132- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 29 ، ح 100 .
133- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 29 ، ح 101 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 326 ، ح 10800 .
134- . الاستبصار ، ج 1 ، ص 423 ، ذيل الحديث 1631 .
135- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 55 وفيه : «المنع من صحّة السند ، والحمل على الاستحباب» .
136- . الكافي في الفقه، ص 144.
137- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 212 _ 213 .
138- . عمدة القاري ، ج 5 ، ص 225 ؛ تفسير القرطبي ، ج 1 ، ص 355 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 290 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 29 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 22 .
139- . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 170 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 2 ، ص 393 _ 394 ، ح 3824 .
140- . المغني ، ج 2 ، ص 29 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 22 .
141- . نفس المصدرين .
142- . الكافي فى الفقه، ص 144.
143- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 61 .
144- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 63 .
145- . الوسيلة ، ص 105 .
146- . المبسوط ، ج 1 ، ص 153 .
147- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 64 .
148- . السرائر ، ج 1 ، ص 281 .
149- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 27 ، ح 94 ، و ص 166 ، ح 362 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 424 ، ح 1635 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 328 ، ح 10807 ، وص 340 ، ح 10846 .
150- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 229 . وانظر : المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 111 ؛ تحفة الفقهاء ، ج1 ، ص 47 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 56 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 143 .
151- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 166 ، ح 361 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 424 ، ح 1634 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 328 ، ح 10808 .
152- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 166 ، ح 362 ، وبسند آخر من طريق الكليني ، ج 3 ، ص 27 ، ح 94 ، وهو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 424 ، ح 1635 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 328 ، ح 10807 ، وص 341 ، ح 10846 .
153- . كذا بالأصل والاستبصار والتهذيب ، وفي الكافي : «قالا : قلنا» .
154- . تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 167 ، ح 365 ؛ ورواه الكليني بإسناده عن حمزة بن حمران و جميل بن درّاج في باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش ، ح 3 . الاستبصار ، ج 1 ، ص 425 ، ح 1638 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 _ 369 ، ح 3941 ؛ وج 8 ، ص 327 ، ح 10803 .
155- . المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 51 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 41 .
156- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 229 .
157- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 227 . وانظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 560 _ 561 ، المسألة 311 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 4 ، ص 301 ، المسألة 577 .
158- . المقنعة ، ص 212 .
159- . الخلاف ، ج 1 ، ص 560 ، المسألة 311 .
160- . السرائر ، ج 1 ، ص 281 .
161- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 55 _ 56 .
162- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 39).
163- . الكافي في الفقه ، ص 144 .
164- . النهاية ، ص 112 .
165- . المبسوط ، ج 1 ، ص 154 .
166- . الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 191) .
167- . الاقتصاد ، ص 269 .
168- . المهذّب ، ج 1 ، ص 80 .
169- . المراسم العلويّة ، ص 85 .
170- . كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 190 ؛ المجموع للنووي ، ج 4 ، ص 287 .
171- . المقنع ، ص 117 .
172- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 62 .
173- . منتهى المطلب ، ج 6 ، ص 227 _ 228 . والحديث في الاستبصار ، ج 1 ، ص 426 ، ح 1643 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 164 ، ح 355 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 330 ، ح 10815 .

ص: 302

. .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

. .

ص: 306

. .

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

. .

ص: 311

. .

ص: 312

. .

ص: 313

. .

ص: 314

. .

ص: 315

. .

ص: 316

. .

ص: 317

. .

ص: 318

. .

ص: 319

. .

ص: 320

. .

ص: 321

. .

ص: 322

. .

ص: 323

كتاب الزكاة

اشاره

كتاب الزكاة

.

ص: 324

. .

ص: 325

باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الزكاةالزكاة تُطلق لغةً على النّماء وعلى الطهارة ، يُقال : زكا المال ، إذا نما ، وقال تعالى شأنه : «أَقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيَّةً» (1) ، وشرعاً : القدر المعلوم من المال الواجب إخراجه عنه على الشرائط ، وقد تُطلق على إخراجه ، وإنّما سمّي زكاة لنماء المال وتطهّره به ؛ ولأنّه يطهّر معطيها ويزكّيه ، قال تعالى شأنه : «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» . (2)

باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوقأي يستحبّ مؤكّدا بقرينة أخبار الباب ، وأراد قدس سره بذلك الحقوق الثابتة في المال مستحبّاً ممّا عدا حقّ الحصاد والجذاذ ، ويذكر هذين الحقّين في بابهما ، ولو ذكر جميع هذه الحقوق المستحبّة في باب واحد لكان أحسن . ووجوب الزكاة في الجملة من ضروريّات دين الإسلام ، والأدلّة عليه من الآيات والروايات متظافرة ، ولنذكر شيئاً منها للتيمّن والتبرّك : قال اللّه تعالى شأنه في كتابه المجيد : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ غَنِىٌّ حَمِيدٌ» (3) ، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ» (4) ، «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّه ِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِاَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ» . (5) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ اللّه فرض الزكاة كما فرض الصلاة». (6) وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد إذ قال : قُم يا فلان ، قم يا فلان ، حتّى أخرج خمسة نفر ، فقال : اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكّون». (7) وروى الجمهور عن أبي هريرة ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفايح من نار ، فأحمى عليها في نار جهنّم ، فتكوى بها جبينه وجنبه وظهره، كلّما بردت اُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد». (8) وكفى في تأكّد وجوبها اقترانها بالصلاة في آيات عديدة ، كقوله تعالى : «أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» . (9) ولقد روى الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ اللّه تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة ، فقال : «أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» ، فمَن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فكأنّه لم يقم الصلاة. (10) وكفى في ذلك ما يجيء في باب منع الزكاة . قوله في حسنة زرارة ومحمّد بن مسلم: (أنّهما قالا لأبي عبداللّه عليه السلام : أرأيت قول اللّه تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ...» (11) ) إلى آخره .[ح 1/5720] تدلّ الآية الكريمة على وجوب صرف الزكاة في الأصناف الثمانية . ومثلها خبر آخر في التهذيب ، قال : ذكر عليّ بن إبراهيم بن هاشم في كتاب التفسير تفصيل هذه الثمانية الأصناف ، فقال : فسّر العالم عليه السلام فقال : «الفقراء : هم الذين لا يسألون ؛ لقول اللّه عزّ وجلّ في سورة البقرة : «لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافا» . (12) والمساكين : هم أهل الديانات ، قد دخل فيهم الرجال والنساء والصبيان . والعاملين عليها : هم السّعاة والجُباة في أخذها وجمعها وحفظها حتّى يؤدّوها إلى مَن يقسّمها . والمؤلّفة قلوبهم ، قال : هم قومٌ وحّدوا اللّه ، وخلعوا عبادة من دون اللّه ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتآلفهم ويعلّمهم ويعرّفهم كيما يعرفوا ، فجعل لهم نصيباً في الصدقات ؛ لكي يعرفوا ويرغبوا . وفي الرقاب : قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ ، وفي الظهار ، وفي الأيمان ، وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما يكفّرون وهم مؤمنون ، فجعل اللّه تعالى لهم سهماً في الصدقات ليكفِّر عنهم . والغارمين: قوم وقد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف ، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدقات. (13) وفي سبيل اللّه : قومٌ يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما يتقوّون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به ، أو في جميع سُبل الخير ، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتّى يقووا على الحجّ والجهاد . وابن السبيل : أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه ، فيقطع عليهم ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» . وقد انعقد إجماع الاُمّة عليه ، ودلّت عليه الأخبار المتكثّرة من الطريقين . الأوّل والثاني : الفقراء والمساكين ويجمعهما على المشهور من لا يملك قوت نفسه وعياله الواجبي النفقة حولاً كاملاً لا بالفعل ولا بالقوّة القريبة بالمقدرة على الاكتساب اللّائق بحاله ولو يوماً فيوماً ، وقد اختلف في أنّ أيّهما أسوأ حالاً؟ فقيل: الفقير أسوأ؛ لتقدّمه على المسكين في الآية ، والتقدّم الذكري يدلّ على شدّة حاجته والاهتمام بذكره ، ولأنّه صلى الله عليه و آله تعوّذ باللّه من الفقر وقد قال : «اللّهُمَّ أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين». (14) ولأنّ الفقير اُخذ من كسر فقرات الظهر ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، أي مكسور فقار الظهر ، (15) وهو يدلّ على بلوغ العسرة غايتها ، وقد قال تعالى في شأن المسكين : «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» . (16) فقال بعضهم : الفقير: هو المحتاج الزَمِن ، والمسكين : هو المحتاج الصحيح ، اختاره الصدوق رضى الله عنه في الفقيه حيث قال : «أمّا الفقراء فهم أهل الزمانة والحاجة ، والمساكين أهل الحاجة من غير أهل الزمانة». (17) وقال آخرون : الفقير : الذي لا شيء له ، والمسكين : الذي له بلغةٌ من العيش . والقول بأنّ الفقير أسوأ هو اختيار الشيخ في المبسوط (18) والجمل (19) وابن إدريس (20) وابن البرّاج (21) وابن حمزة. (22) وقال في النهاية بالعكس ، (23) وبه قال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة ، (24) وابن الجنيد (25) وسلّار (26) ، وحكي ذلك عن أبي حنيفة وجمع آخر من العامّة. (27) ويدلّ عليه وصفه تعالى المسكين بقوله : «ذَا مَتْرَبَةٍ» (28) ، وهو المطروح على التراب لشدّة حاجته. (29) وخبر أبي بصير (30) وصحيحة محمّد بن مسلم. (31) وصرّح بعض أهل اللغة بذلك ، قال يعقوب : «رجل فقير له بلغة ، ومسكين أي لا شيء له». (32) وقال بعض الأصحاب : لا، ما يزيدان ، بل هما مترادفان ، وجعلوا السهام سبعة ؛ منهم المحقّق في الشرائع (33) ، فالعطف حينئذٍ للتفسير . قال الشهيد الثاني قدس سره في شرح اللمعة : ولا ثمرة مهمّة في تحقيق ذلك ؛ للإجماع على إرادة كلّ منهما من الآخر حيث يُفرد ، وعلى استحقاقهما من الزكاة ، ولم يقعا مجتمعين إلّا فيها ، وإنّما الفائدة في اُمور نادرة. (34) واختلف أيضاً في الغناء المانع من الاستحقاق ، فالمشهور ما ذكر من ملك قوت السنة ، و هو ظاهر الشيخ في المبسوط ، (35) ومنقول عن الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه. (36) والدار والخادم والمركوب وما يتعلّق بها وثياب التجمّل وكتب العلم وغير ذلك من الضروريّات غير مناف للاستحقاق ما كانت مناسبة لحاله أو محتاجة إليها ، نصّ عليه الأصحاب ، قال في التذكرة : لا نعلم في ذلك كلّه خلافا ، (37) وتأتي الأخبار في ذلك في باب من تحلّ له الزكاة ومَن لا تحلّ له . وقال في الخلاف : «الغنيّ من مَلَكَ نصاباً يجب فيه الزكاة أو قيمته». (38) ونسبه في المبسوط إلى بعض الأصحاب ، (39) وبه قال أبو حنيفة ، (40) وقد قال بعض العامّة أقوالاً اُخر ، فقيل : الغني : مَن ملكَ خمسين درهماً أو قيمتها ، (41) وقيل مَن ملك أربعين درهماً كذلك. (42) الثالث : العاملون وهم جُباة الصدقات وكاتبها وحاسبها وحافظها والعريف وقسّامها ، والظاهر استحقاقهم للزكاة كسائر الأصناف وإن كان ذلك الاستحقاق لعملهم ، ولا ينافيه غناهم . وقال أبو حنيفة : أخذهم إنّما يكون اُجرة لا استحقاقاً ، محتجّاً بأنّ العامل إنّما يستحقّ بالعمل ، ويستحقّ مع الغناء ، ولا صدقة لغنيّ ، (43) وفيه ما فيه . الرابع : المؤلّفة واختلفوا في تفسيرها ؛ فقال الشيخ في المبسوط : «المؤلّفة قلوبهم عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشيءٍ من مال الصدقات إلى الإسلام ويتآلفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك». (44) وخصّهم ابن الجنيد بالمنافقين ، فقال على ما حكي عنه في المختلف : «المؤلّفة قلوبهم من أظهر الدِّين بلسانه ، وأعان المسلمين وإمامهم بيده ، وكان معهم إلّا في قلبه». (45) وقال ابن إدريس : المؤلّفة ضربان : «مؤلّفة الكفر ، ومؤلّفة الإسلام». (46) وبه قال المفيد أيضاً. (47) وقال الشهيد الثاني قدس سرهفي شرح اللمعة : هم أربع فرق : قومٌ لهم نظراء من المشركين إذا اُعطي المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام ، وقومٌ نيّاتهم ضعيفة في الدِّين ترجى بإعطائهم قوّة نيّتهم ، وقومٌ بأطراف بلاد الإسلام إذا اُعطوا منعوا الكفّار من الدخول أو رغّبوهم في الإسلام ، وقومٌ جاوروا قوماً تجب عليهم الزكاة إذا اُعطوا منها جبوها منهم وأغنوا عن عامل . ثمّ قال : ويمكن ردّ ما عدا الأخير إلى سبيل اللّه ، والأخير إلى العمالة ، وحيث لا نوجب البسط ونجعل الآية لبيان المصرف _ كما هو المذهب المنصور _ تقلّ فائدة الخلاف. (48) وفي المبسوط : «ولا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام» . وقال أيضاً : بسقوط سهمهم في زمان الغيبة؛ مستدلّاً بسقوط الجهاد الذي هو منشأ ثبوت ذلك السهم ، (49) وهو ظاهر هذا الخبر على ما ستعرف ، والظاهر أنّه هنا على الغالب ، فلو احتيج إلى الجهاد يكون ذلك السهم ثابتا . الخامس : الرقاب والمشهور من مذهب الأصحاب أنّهم المكاتبون والعبيد الذين هم تحت الشدّة ، (50) وخصّهم الشافعي بالمكاتبين ، وبه قال سعيد بن جبير والثوري وجماعة منهم ، وخصّهم مالك وأحمد بعبيد تحت الشدّة ، وقال مالك وأحمد وإسحاق : إنّهم العبيد خاصّة ، ولم يشترطوا الضرر والشدّة ، وروي ذلك عن ابن عبّاس والحسن البصري ، (51) وعموم الرقاب يشهد لمذهب الأصحاب. ويؤيّده بعض الأخبار ، بل الظاهر شمولها لما يعتق في الكفّارات مع عدم قدرة من وجب عليه العتق عليه. (52) و يؤيّده ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه السلام قال : «وفي الرقاب قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم ، فليس عندهم ما يكفّرون به ، وهم مؤمنون ، فجعل اللّه تعالى لهم سهماً في الصدقات ليكفّر عنهم». (53) وفي المنتهى : «ذهب إليه جماعة من أصحابنا». (54) وقال الشيخ في المبسوط : «الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة من سهم الفقراء» ، (55) وقيل : إنّه يعطى من سهم الغارمين ؛ لأنّ القصد إبراء ذمّته ممّا يتعلّق بها. (56) والدليل على اعتباره الشدّة في العبيد صحيحة عمرو بن أبي نصر، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمئة والستمئة يشتري منها نسمة يعتقها ، فقال : «إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم» ، ثمّ سكت مليّاً ، ثمّ قال : «إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة ، فيشتريه ويعتقه». (57) السادس : الغارمون وهم المدينون في غير معصية ، ولو أنفقه في المعصية لم يستحقّ من هذا السهم ، تاب أو لم يتب بإجماع الاُمّة ، إلّا ما حكي من أحد قولي الشافعي من استحقاقه إيّاه مع التوبة. (58) نعم ، يجوز الصرف إليه من سهم الفقراء والمساكين بعد التوبة أو مطلقاً على اختلاف القولين في اشتراط العدالة فيهما . ويدلّ على اعتبار عدم الصرف في المعصية من هذا السهم زائداً على الإجماع ما روي عن الرضا عليه السلام قال : «يقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ وجلّ ، وإن أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له على الإمام». (59) وقد استدلّ عليه بأنّ قضاء الدَّين الصارف في المعصية إغراؤه على المعصية . السابع : سبيل اللّه قال الشيخ في المبسوط والخلاف : يدخل فيه الغُزاة ، ومعونة الزوّار والحاجّ ، وقضاء الدّيون عن الحيّ والميّت ، وبناء القناطر والمساجد ، وجميع سُبل الخير ، ومصالح المسلمين . (60) واختاره ابن إدريس ؛ (61) لعموم سبيل اللّه كلّ ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى . ويؤيّده ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه السلام قال : «وفي سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون ، وقوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به ، وفي جميع سبل الخير ، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتّى يقووا على الحجّ والجهاد». (62) ومن طريق العامّة : أنّ رجلاً جعل بعيره في سبيل اللّه ، فأمره النبيّ صلى الله عليه و آله وأن يحمل عليه الحاجّ. (63) وفي النهاية (64) والجمل (65) خصّه بالجهاد مدّعياً انصراف إطلاق (66) السبيل إليه . الثامن : ابن السبيل والمشهور في تفسيره أنّه المسافر المنقطع به سبيله ؛ لفقره وإن كان غنيّاً في بلده ، ويدخل فيه الضيف المسافر على الشرط . وعمّمه ابن الجنيد للمنشئ للسفر أيضاً ، (67) وبه قال الشافعي ، (68) وظاهر ابن السبيل الأوّل ؛ لأنّه إنّما يكون حقيقة فيمن كان في السفر كأنّ الطريق ولدته ، وإنّما يستعمل في المنشئ له مجازاً بالقرينة ولادليل عليه . ويؤيّده ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه السلام أنّه قال : «ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه ، فيقطع عليهم ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال اللّه ». (69) فإنّه يجوز إعطاء منشئ السفر من سهم الفقراء والمساكين مع الصفة . ويعتبر في ابن السبيل كون سفره طاعة أو مباحاً عند الأصحاب وأكثر العامّة. (70) واعتبر ابن الجنيد كونه طاعة ، ومنع إعطاءه في السفر المباح ، (71) وهو من غير مخصّص ، وهو منقول عن الشافعي. (72) ولا يشترط فيه على المشهور كون القصر واجباً عليه ، وإنّما يعتبر صدق المسافر عليه لغةً وعرفاً ؛ لعموم الأدلّة وانتفاء مخصّص يعتدّ به . وعن الشيخ (73) وابن إدريس (74) أنّهما اشترطا أن لا يقيم في موضع عشرة أيّام بالنيّة محتجّين بأنّه يخرج عن كونه مسافر بذلك بناءً على وجوب الإتمام عليه المنوط بالإقامة المنافية لاسم السفر ، وهو ضعيف ؛ لأنّ وجوب الإتمام إنّما يخرجه عن كونه مسافراً سفراً يجب عليه فيه التقصير لا عن كونه مسافراً مطلقاً ، فتأمّل . ثمّ المذهب المنصور أنّ اللّام في الآية لبيان المصرف ، وهو المشهور بين العامّة ، وقد قال بعضهم : إنّها للملك ، وسيأتي تحقيق ذلك في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وقوله عليه السلام : «إنّ الإمام يعطي جميعاً » يعني من سهم المؤلّفة ، فيعطيهم وإن كانوا على مذاهبهم الباطلة ؛ لعلّهم ينقادوا له باطناً ، فإنّ الإنسان عبيد الإحسان ، ولمّا استعجبه زرارة عن إعطاء الزكاة لغير العارف توهّماً منه أنّ العطاء من سهم الفقراء والمساكين ، أجاب عليه السلام بقوله : «لو كان تعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع»؛ لأنّ أكثر الناس اليوم على خلاف الحقّ ، فيجوز إعطاؤهم من سهم المؤلّفة ، وبيّن ذلك بأنّ سهم المؤلّفة عامّ لا يشترط فيها الإيمان ، وذكر استطرادا أنّ سهم الرقاب أيضا عامّ ، وهو كذلك لكن يشترط فيها الإسلام والباقي خاصّ بالمؤمن . وكلمتا : «يؤتون واُوتوا» في قوله عليه السلام : «إنّهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه ولكن اُوتوا من منع من منعهم حقّهم» على بناء المجهول ، أي لم يدخل للفقر والفاقة على الفقراء من جهة قلّة الزكاة المفروضة ، بل إنّما قرّرها اللّه تعالى على حسب حاجتهم وسدّ خلّتهم ، وإنّما دخل عليهم ذلك من جهة منع الأغنياء الزكاة الواجبة عليهم. في صحيحة عبداللّه بن سنان : (وعمّال الطسوق) . [ح 2 / 5721] قال في القاموس : الطسق بالفتح : ما يوضع من الخراج على الجربان وكأنّه مولد . (75) قوله في موثّقة صفوان : (المحروم المحارف الذي قد جرم) ، إلى آخره . [ح 12/5731] المحارف : من لم يحصل من كسبه على شيء ، (76) فالوصف للإيضاح . قوله في خبر محمّد بن سنان عن المفضّل: (فقال : أمّا الظاهرة ففي كلّ ألف خمسة وعشرون) . [ح 13/5732] كأنّ تخصيص الألف بالذكر لشهرته من بين الأعداد، أو لوجوب ألف درهم لأكثر الناس. ومثله قوله عليه السلام في مرسلة عليّ بن حسّان في الباب الآتي : «فلا أفلح من ضيّع عشرين بيتاً من ذهب بخمسة وعشرين درهماً». (77) قوله في خبر عامر بن جذاعة : (فإلى عقدة تباع) . [ح 14/5733] قال الجوهري : العقدة بالضمّ الضيعة ، والعقدة : المكان الكثير الشجر ، أي النخل . (78) قوله في مرسلة عبداللّه بن القاسم : (إنّه ما قدمت فلن يسبقك) . [ح 15/5734] أي لا يفوتك ولا يتجاوز عنك . قوله في رواية أبي بصير : (وكلّما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكلّما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه) .[ح 16/5735] وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقد قال بعضهم باستحباب الإسرار مطلقاً؛ لإطلاق بعض الأخبار، وسيأتي في باب فضل صدقة السرّ .

.


1- . الكهف(18) : 74 . وانظر: منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 470 ط قديم.
2- . التوبة(9) : 103 .
3- . البقرة(2) : 267 .
4- . البقرة(2) : 254 .
5- . التوبة(9) : 34 _ 35 .
6- . الفقيه ، ج 2، ص 3 ، ح 1574؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 8 ، ح 4379.
7- . الكافي ، باب منع الزكاة ، ح 2؛ الفقيه ، ج 2 ، ص12 ، ح 1592؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 111 _ 112 ، ح 327؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 24 ، ح 11426.
8- . صحيح مسلم، ج 3، ص 70، السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 137؛ و ج 7، ص 3.
9- . البقرة(2) : 43 .
10- . الفقيه، ج 2، ص 10، ح 1584؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 22، ح 11421.
11- . التوبة (9): 60 .
12- . البقرة(2) : 273 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 49 _ 50 ، ح 128 ؛ تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 298 مع مغايرة في بعض الألفاظ ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 211 _ 212 ، ح 11862.
14- . عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 39 ، ح 37؛ النهاية ، ج 2 ، ص 385 (سكن) ؛ تاريخ بغداد ، ج 4 ، ص 333 ، ترجمة أحمد بن الحسين بن نصر (2086)؛ التبيان ، ج 8 ، ص 334 ، تفسير سورة الأحزاب؛ كنز العمّال ، ج 6 ، ص 470 ، ح 16592.
15- . معجم مقاييس اللغة ، ج 4 ، ص 443 (فقر).
16- . الكهف(18) : 79 .
17- . الفقيه ، ج 2 ، ص 6 ، ذيل ح 1577.
18- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 246.
19- . الجمل و العقود: الرسائل العشر ، ص 206.
20- . السرائر، ج 1، ص 456.
21- . المهذّب ، ج 1 ، ص 169.
22- . الوسيلة ، ص 126.
23- . النهاية ، ص 184.
24- . المقنعة ، ص 241.
25- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 198.
26- . المراسم العلويّة ، ص 132.
27- . المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 196؛ المبسوط ، ج 3 ، ص 8 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 43؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 419؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 690 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 7 ، ص 313.
28- . البلد(90) : 16 .
29- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 91 (ترب)؛ مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 418.
30- . هو الحديث 16 من هذا الباب من الكافي.
31- . هو الحديث 18 من هذا الباب من الكافي.
32- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 565 .
33- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 120.
34- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 42.
35- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 256.
36- . حكاه عنهم في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 517 .
37- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 275 ، المسألة 188.
38- . الخلاف ، ج 2 ، ص 146 ، المسألة 183.
39- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 257.
40- . الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 693 ؛ المغنيلعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 523 ؛ الخلاف ، ج 4 ، ص 230.
41- . حكي ذلك عن مالك وأحمد ، اُنظر: بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 48؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 692 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 523 .
42- . اُنظر: التمهيد ، ج 4 ، ص 97 _ 98 حكاه عن مالك؛ شرح معاني الآثار ، ج 4 ، ص 373.
43- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 570 ؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 246. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 299؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 44.
44- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 249.
45- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 200.
46- . السرائر ، ج 1 ، ص 457.
47- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 573 ؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 251.
48- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 46.
49- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 249.
50- . الخلاف ، ج 4 ، ص 234؛ المختصر النافع ، ص 59 ، المعتبر ، ج 2 ، ص 574؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 121؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 286؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 72؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 349؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 201؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 241 ، الدرس 64؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 43؛ المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 525؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 216.
51- . اُنظر: الخلاف ، ج 4 ، ص 234 ، المسألة 17؛ الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 74؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 200؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 45 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 698؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 7 ، ص 321؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 312.
52- . كذا .
53- . تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 299؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 50 ، ح 129؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 211 _ 212 ، ح 11862.
54- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 520 .
55- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 250.
56- . المعتبر ، ج 2 ، ص 574 .
57- . الكافي ، باب الرجل يحجّ من الزكاة أو يعتق ، ح 2؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 100 ، ح 282؛ وسائل الشيعة، ج 9 ، ص 291 _ 292 ، ح 12049.
58- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 521 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 575 .
59- . الكافي ، كتاب المعيشة ، باب الدين ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 185 _ 186 ، ح 385؛ وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 336 _ 337 ، ح 23796.
60- . المبسوط للطوسي ، ج 1، ص 252؛ الخلاف ، ج 4 ، ص 236 ، المسألة 21.
61- . السرائر ، ج 3 ، ص 208.
62- . تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 299؛ تهذيب الأحكام ، ج 4، ص 49 _ 50 ، ح 129؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 211 _ 212 ، ح 11826.
63- . المعتبر ، ج 2 ، ص 577 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 10؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 46؛ الدارية ، ج 1 ، ص 265.
64- . النهاية ، ص 184.
65- . الجمل و العقود: الرسائل العشر ، ص 206.
66- . في النسخة : «إنطلاق» ، والصحيح ما اُثبت .
67- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 578 .
68- . الخلاف ، ج 4 ، ص 236؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 249؛ تفسير الثعلبي ، ج 5 ، ص 61 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 237؛ تفسير الرازي ، ج 16 ، ص 113.
69- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 49 _ 50 ، ح 129؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 211 _ 212 ، ح 11862.
70- . اُنظر: المعتبر ، ج 2 ، ص 578 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 205؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 257؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 242 ، الدرس 64 ؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 235؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 214؛ فقه السنّة ، ج 1 ، ص 395؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 184؛ كشّاف القناع ، ج 2 ، ص 327؛ المغني لابن قدامة ، ج 7 ، ص 328 .
71- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 205.
72- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 214.
73- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 257.
74- . السرائر ، ج 1 ، ص 458 ؛ فإنّه نقل ذلك عن بعض الأصحاب ثمّ قال: و هذا ليس بواضح ، و إنّما يخرج من حكم المسافرين في تقصير الصوم و الصلاة ، و لا يخرج من كونه ابن سبيل.
75- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 258 (طسق).
76- . النهاية ، ج 1 ، ص 370 (حرف).
77- . الحديث 12 من ذلك الباب.
78- . صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 510 (عقد).

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

. .

ص: 329

. .

ص: 330

. .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

. .

ص: 334

. .

ص: 335

. .

ص: 336

. .

ص: 337

باب منع الزكاة

باب منع الزكاةقال في المنتهى : مَن منع الزكاة عُرِّف وجوبها وبُيّن له ، واُلزم بأدائها ، فإن امتنع قُوتل على ذلك ، وهذا حكم من نشأ في بادية لم يخالط أهل الإسلام أو كان قريب العهد بالإسلام ، فأمّا مَن نشأ بين المسلمين وعرف أحكامهم إذا أنكر وجوبها جهلاً به كان مرتدّاً عن الإسلام ؛ لإنكاره ما علم من الدِّين بالضرورة ثبوته ، أمّا لو منعها عالماً بوجوبها غير مستحلّ بل معتقدا لتحريم ما ارتكبه ، فإنّها تُؤخذ منه من غير زيادة عليها ، وهو قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم . و قال إسحاق [بن راهوية] : تُؤخذ منه و شطر ماله، و به قال النخعي و الشافعي في القديم. (1) لنا : قوله عليه السلام : «ليس في المال حقّ سوى الزكاة» ، (2) وقوله عليه السلام : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفس منه» (3) خرج ما اُجمع على إخراجه ، فيبقى الباقي على المنع . واحتجّ إسحاق والشافعي بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «في كلّ أربعين من الإبل السائمة بنت لبون ، مَن أعطاها موتجراً بها فله أجرها ، ومن منعها فإنّا اخذوها وشطر ماله [عزمة]». (4) والجواب : اتّفق العلماء على نسخه ، فقد روي أنّه كان في ابتداء الإسلام العقوبات في المال ، ثمّ نسخ ذلك. ثمّ [قال]: ويقاتل مانع الزكاة حتّى يؤدّيها ، وهو قول العلماء . روى الجمهور : أنّ أبا بكر قاتل مانع الزكاة ، وأنكر عليه عمر ، وقال له : أتريد أن تقاتل العرب وقد قال رسول صلى الله عليه و آله : «اُمرت أن اُقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلّا اللّه ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا لحقّها ، وحسابهم على اللّه »؟! فقال أبو بكر : الزكاة من حقّها. (5) ومن طريق الخاصّة : ما رواه ابن بابويه عن أبان بن تغلب (6) _ وذكر ما رواه المصنّف عنه (7) وقال _ : إنّ المنع منها فسوق ، فيجب على الإمام إزالته مع قدرة . (8) وهذا حكم مَن كان غير مستحلّ لتركها ، والظاهر عدم الحكم بكفره وإن جاز قتاله . وما دلَّ عليه خبر أبي بصير (9) من نفي الإيمان والإسلام عمّن منع قيراطاً من الزكاة ، فلعلّ المراد منه نفي كمالها، أو مع استحلال تركها ، كنسبة الكفر إلى تارك الحجّ والصلاة ، وهو منسوب في المنتهى (10) إلينا وإلى أحد الروايتين عن الشافعي ، وعن رواية اُخرى عنه أنّه يحكم بكفره ، (11) وهو بعيد . ولا يجوز نهب أموالهم ولا سبي ذراريهم إجماعاً ، وهذا مؤيّد لعدم كفرهم . نعم ، لو كان منكراً لها على الشرط المذكور يلحق بذلك في حكم المرتدّ . قوله في حسنة أبي بصير : (ملعون ملعون مالٌ لا يزكّى) . [ح 8/5747] أي ليس له بركة ويذهب بصاحبه إلى النار ، أو ملعون صاحبه تجوّزاً . قوله في خبر عليّ بن حسّان : (الصلاة خيرٌ من عشرين حجّة ، وحجّة خيرٌ من بيت مملوّ ذهبا ينفقه) . [ح 12/5751] ونتيجة المقدّمتين أنّ الصلاة خيرٌ من عشرين بيتاً من ذهب ينفقه ، ولذا قال : «لا أفلح مَنْ ضيّع عشرين بيتاً من ذهب» ، فهو أجر الصلاة الضائع بترك الزكاة ، وإنّما عبّر عن الزكاة بخمسة وعشرين درهماً ؛ لأنّها زكاة ألف درهم ، وتخصيصه بالذِّكر لما مرّ . قوله في حسنة حريز : (ما من ذي مال ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه اللّه يوم القيامة بقاعٍ قرقر) إلى آخره . [ح 19/5758] وفي بعض النسخ : «بقاع قفر» . قال طاب ثراه : قال الهروي : القاع : المستوي الواسع. (12) والقرقر : أيضاً المستوي الواسع ، فهي صفة مؤكّدة ، (13) والشجاع _ بضمّ الشين وكسرها_ : الحيّة الذَّكر ، (14) ويقال للحيّة أيضاً أشجع ، وقيل : الشجاع نوع من الحيّات أقبحها منظراً. (15) وزاد بعض العامّة في صفته بأن قال له زبيبتان : أي زبدتان في جانبي فمه من السمّ ، ويكون مثلهما في شدقي الإنسان عند كثرة الكلام ، وقيل : هما نابان يخرجان من فِيه ، وقيل : نكتتان سوداوان على عينه ، (16) والأقرع من الحيّات: ما ذهب شعر رأسه من شدّة السمّ. (17) انتهى . وفي المغرب : القضم : الأكل بأطراف الأسنان من باب لبس . (18) وفي الحديث : أيدع يده في فيك يقضمها كأنّها في فِي فحل[يقضمها]. (19) ونقل عن الكرماني (20) شارح البخاري أنّه قال في الحديث : أيدع يده في فيكَ ويقضمها _ بكسر الضاد على الأفصح _ كما يقضم الفحل شعير الحمل. (21) وفي نسخ هذا الكتاب والفقيه (22) : «كما يقضم الفجل» بكسر الفاء والجيم ، وقيل : هو سهو من النسّاخ . والظلف للبقر والغنم ، فالخفّ للبعير . وفي شرح الفقيه: يطأه كلّ ذات ظلف من البقر والغنم الذي لم تخرج زكاته ، أو الأعمّ منهما ومن كلّ محشور، كما قال تعالى : «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» ، (23) والمروي حشرها ليأخذ الضعيف متاعه من القوي ، أو يخلق عوض النعم التي لم يخرج زكاتها نعماً تعذّبه. وينهشه أي يلسعه ، نهشه كمنعه ، ولسعه : عضّه وأخذه بأضراسه ، وبالسين: أخذه بأطراف الأسنان ، والرّبعة : أخصّ من الربع ، والربع بالكسر : ما ارتفع من الأرض ، والمراد هنا أصل أرضه التي كانت فيها النخل والكرم ، والزراعة الواجبة فيها الزكاة. (24) قوله في خبر أبي الجارود : (قيس أنملة) . [ح 22/5761] قال الجوهري : قست الشيء بالشيء : قدّرته به على مثاله ، يقال : بينهما قيس رمح ؛ أي قدر رمح. (25)

.


1- . فتح العزيز، ج 5، ص 526 ؛ المجموع للنووي، ج 5، ص 331؛ و ج 6 ، ص 172؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 2، ص 435 _ 436؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 2، ص 670 ؛ نيل الأوطار، ج 4، ص 180.
2- . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 570 ، ح 1789؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 48؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 209 ، ح 47؛ الجامع الصغير ، ج 2 ، ص 460 ، ح 7641.
3- . عوالي اللآلي ، ج 2 ، ص 113 ، ج 309؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 6 ، ص 289.
4- . فتح العزيز ، ج 5 ، ص 526 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 18 ، ح 6824 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 105 ، و فيهما: «و شطر إبله عزيمة».
5- . مسند الشافعي ، ص 119؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 9 ، ص 121 ، شرح الكلام 149؛ تفسير الرازي ، ج 3 ، ص 147.
6- . الفقيه ، ج 2 ، ص 11 ، ح 1589.
7- . الحديث الخامس من باب منع الزكاة من الكافي.
8- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 470 و 471.
9- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
10- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 471.
11- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 334.
12- . النهاية ، ج 4 ، ص 132 (قيع).
13- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 560 (قوع).
14- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 71؛ النهاية ، ج 2 ، ص 447.
15- . شرح سنن النسائي للسيوطي، ج 5، ص 12.
16- . اُنظر: النهاية ، ج 2 ، ص292 (زبب).
17- . النهاية ، ج 4 ، ص 44 _ 45 (قرع).
18- . المغرب ، ص 213 (قضم) . و مثله في صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2013 (قضم).
19- . كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 6 ، ص 31؛ و المسند له أيضا ، ص 200؛ صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 130؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 9 ، ص 355، ح 17546؛ المجعم الكبير للطبراني ، ج 22 ، ص 2500.
20- . محمّد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني ثمّ البغدادي ، فقيه ، اصولي ، محدّث، مفسّر ، متكلّم ، نحوي ، بياني، ولد في 16 جمادي الآخر من سنة 717 ه ق ، و توفي بطريق الحجّ في مرجعه إلى بغداد في سنة 786ه ق ، فنقل إلى بغداد ، من تصانيفة: حاشية على تفسير البيضاوي ، شرح المواقف للإيجي ، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ، ضمائر القرآن ، شرح لمختصر ابن الحاجب. راجع: معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 129؛ الأعلام ، ج 7 ، ص 153.
21- . اُنظر: صحيح البخاري بشرح الكرماني ، ج 10 ، ص 99 و فيه: «بفتح الضاد المعجمه»، نعم ورد فيه: يقال «قضمت الدابّة شعيرها _ بالكسر _ تقضمه». ومثله في فتح الباري، ج 12، ص 194، و مثله في ج 16 ، ص 218 ، آخر باب غزوة تبوك.
22- . الفقيه ، ج 2 ، ص 9 ، ح 1583.
23- . التكوير(81) : 5 .
24- . روضة المتّقين ، ج 3 ، ص 16. و من قوله: «نَعشه كمنعه» إلى قوله: «أخصّ من الربع» غير موجود فيه.
25- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص968 (قيس).

ص: 338

. .

ص: 339

. .

ص: 340

. .

ص: 341

باب العلّة في وضع الزكاة على ما وضع لم يزد ولم ينقص شيء

باب العلّة في وضع الزكاة على ما وضع لم يزد ولم ينقص شيءإنّ العلّة في ذلك علمه سبحانه بكفاية هذا القدر المقرّر لمعونة الفقراء ونظرائهم من أصناف المستحقّين . قوله : (عن ابن إسماعيل الميثمي) . [ح 2/5764] الظاهر أنّه عليّ بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمّار ، وهو من وجوه المتكلِّمين من أصحابنا، وأوّل مَن تكلّم على مذهب الإماميّة رضي اللّه عنهم ، وصنّف كتباً في الإمامة ، وكلّم أبا الهذيل العلّاف والنظّام في الإمامة. (1) ويحتمل أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار ، وهو واقفي موثّق. (2) ولا يضرّ ضعف السند بسلمة بن الخطّاب (3) والحسن بن راشد (4) ؛ لقوة دلالة المتن على أنّه من كلام المعصوم عليه السلام . ومحصّل سؤال المنصور أنّ الواجب في النصاب الأوّل إنّما كان في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله خمسة دراهم فلِمَ صار اليوم سبعة ؟ وعجز الفقهاء عن جوابه ، إنّما كان لأنّهم حسبوا أنّ دراهم النصاب الأوّل في ذلك اليوم كان باقياً على ما كان في عهده صلى الله عليه و آله . وملخّص جوابه عليه السلام : أنّ عدد الواجب كما تغيّر اليوم فقد تغيّر دراهم النصاب أيضاً ، وذلك لتغيّر وزن الدرهم؛ إذ الدرهم كان في عهده صلى الله عليه و آله موازناً لستّة دوانيق كما صرّح به العلّامة في المنتهى ، قال : الدراهم في بدو الإسلام كانت على صنفين : بغلية وهي السود ، وطبرية ، وكانت السود كلّ درهم منها ثمانية دوانيق ، فجمعها في الإسلام وجُعلا درهمين متساويين ، وزن كلّ درهم ستّة دوانيق ، فصار وزن كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الوقت ، وكلّ درهم نصف مثقال وخمسة ، وهو الدرهم الذي قدّر به النبيّ صلى الله عليه و آله المقادير الشرعيّة في نصاب الزكاة والقطع ومقدار الديات وغير ذلك. (5) ومثله قال في أكثر كتبه ، (6) ونحوه قال المحقّق أيضاً في المعتبر. (7) وفي عهد المنصور نقص من الدرهم سبعاه وكان وزن الدرهم أربعة دوانيق وسبعي دانق ، فكان النصاب الأوّل _ أعني المئتين _ موازناً لمئتي درهم وثمانين درهماً بتلك الدراهم الناقصة ، والخمسة في الزكاة موازنة لسبعة دراهم . وأشار عليه السلام على أنّ الواجب ربع العشر سواء في ذلك النصاب الأوّل وما فوقه ، وبيّن ذلك بالاُوقية ، وقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل في كلّ أربعين اُوقية اُوقية ؛ لأنّ الاُوقية لم تتغيّر عمّا كان في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله . قال الجوهري : الاُوقية في الحديث أربعون درهماً، وكذلك كان فيما مضى. (8) وتمّ الجواب بهذا ، لكنّه عليه السلام أشار إلى معنى آخر زائد عليه بقوله : «وكانت الدراهم خمسة دوانيق» . وحاصله : أنّ هذا التغيّر المذكور ليس بأوّل تغيير وقع في الإسلام في الدراهم ، بل قد وقع تغيير آخر قبل ذلك بنقص سدس عمّا كان في عهده صلى الله عليه و آله وصار وزن كلّ درهم خمسة دوانيق، فكان نصاب الأوّل مئتين وأربعين درهماً ، والواجب فيه ستّة دراهم و محمّد خالد مثل هذا قطّ تعجّباً منه عليه السلام في توريته في قوله : «إنّي أخبرتك أنّي قرأته ، ولم اُخبرك أنّه عندي»؛ عذراً لعدم إرسال كتاب فاطمة صلوات اللّه عليها . هذا خلاصة ما ذكره طاب ثراه ، ثمّ قال طاب ثراه : الاُوقية بضمّ الهمزة وشدّ الياء ويجمع على أواقي ، ومنهم مَن أنكر أن يُقال: وقية بفتح الواو . وحكى الجبائي أنّه يقال: وتجمع على وقايا. (9) وقال الآبي في إكمال الإكمال : قال أبو عبيدة الاُوقية : اسم لوزن مبلغ أربعون درهماً. (10) وبذلك صرّح الجوهري أيضاً ، قال : الاُوقية في الحديث : أربعون درهماً ، وكذلك كان فيما مضى ، فأمّا اليوم فيما يتعارفها الناس ويُقَدِّرُ عليه الأطبّاء فالاُوقية عندهم وزن عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم. (11) وقال صاحب المغرب أيضاً : الاُوقيّة _ بالتشديد_ : أربعون درهماً ، وهي اُفعولة من الوقاية ؛ لأنّها تقي صاحبها من الضرّ . (12) وقيل : هي فعيلة من الأوق ، وهو الثقل ، والجمع : الأواقي بالتشديد والتخفيف . وقد صرّح بذلك بعض علمائنا منهم العلّامة ، قال في النهاية : الاُوقية أربعون درهماً. (13) إذا عرفت هذا فنقول : معنى الحديث أنّ في كلّ ألف وستمئة درهم أربعون درهماً ، وهذا مثل قولهم عليهم السلام : «في كلّ ألف درهم خمسة وعشرون درهماً». (14)

.


1- . رجال النجاشي ، ص 251 ، الرقم 661 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 176.
2- . رجال النجاشي ، ص 74 ، الرقم 179.
3- . رجال النجاشي ، ص 187 ، الرقم 498؛ خلاصة الأقوال ، ص 354.
4- . رجال النجاشي ، ص 38 ، الرقم 76؛ خلاصة الأقوال ، ص 334 _ 335.
5- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 493.
6- . اُنظر: تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 371؛ نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 341.
7- . المعتبر ، ج 2 ، ص 529 .
8- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2527 (وقي).
9- . حكاه عنه في عمدة القاري ، ج 8 ، ص 256.
10- . حكاه عنه أيضا ابن عبدالبّر في الاستذكار ، ج 3 ، ص 127.
11- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2527 _ 2528 (وقي).
12- . المغرب ، ص 268 (وقي).
13- . نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 341.
14- . الخصال ، ص 531، أبواب الثلاثين و ما فوقه ، ح 9؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص24 ، ح 27.

ص: 342

. .

ص: 343

. .

ص: 344

باب ما وضع رسول اللّه _ صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته _ الزكاة عليه

باب ما وضع رسول اللّه _ صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته _ الزكاة عليهلقد أجمع علماء الملّة على وجوب الزكاة في الأشياء التسعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم والذهب والفضّة ، واختلفوا في وجوبها في غير هذه التسعة ، فالمشهور بين الأصحاب العدم ، بل ادّعى في المنتهى إجماع علمائنا عليه. (1) وبه قال الشافعي في قول ، (2) وهو منقول في الانتصار عن ابن أبي ليلى والثوري وابن حيّ من العامّة. (3) ويدلّ عليه _ زائداً على ما رواه المصنّف قدس سره _ ما رواه الشيخ عن عمر بن اُذينة عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن صدقات الأموال ، فقال : «في تسعة أشياء ليس في غيرها شيء : في الذهب والفضّة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة ، وهي الراعية ، وليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء ، وكلّ شيء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شيء حتّى يحول عليه الحول منه يوم ينتج ». (4) وعن عبداللّه بن بكير، عن زرارة، عن أحدهما عليهماالسلام قال : «الزكاة على تسعة أشياء : على الذهب والفضّة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم ، وعفى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمّا سوى ذلك». (5) وعن أبي بصير والحسن بن شهاب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله الزكاة على تسعة أشياء وعفى عمّا سوى ذلك : على الذهب والفضّة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم». (6) وعن عبيداللّه الحلبي، عنه عليه السلام ، قال : سُئل عن الزكاة ، قال : «الزكاة على تسعة أشياء : على الذهب والفضّة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم ، وعفى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمّا سوى ذلك». (7) وعن محمّد بن الطيّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عمّا تجب فيه الزكاة ، فقال : «في تسعة أشياء : الذهب والفضّة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم وعفى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمّا سوى ذلك » ، فقلت : أصلحك اللّه ، فإنّ عندنا حبّاً كثيراً؟ قال فقال : «وما هو؟» قلت : الاُرز ، قال : «نعم ، ما أكثره» ، فقلت : أفيه الزكاة؟ قال : فزبرني ، قال : ثمّ قال : «أقول لك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عفى عمّا سوى ذلك وتقول لي : إنّ عندنا حبّاً كثيراً ، أفيه الزكاة؟!». (8) وعن زرارة وبكير ابني أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «ليس في شيء أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمّص والعدس وسائر الحبوب والفواكه غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه زكاة ، إلّا أن يصير مالاً يُباع بذهب أو فضّة تكنزه ، ثمّ يحول عليه الحول وقد صار ذهباً أو فضّة، فتؤدّي عنه من كلّ مأتي درهم خمسة دراهم ، ومن كلّ عشرين دينار نصف دينار». (9) وروى الصدوق رضى الله عنه في صحيح عبداللّه بن سنان ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «اُنزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» (10) في شهر رمضان ، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله مناديه ، فنادى في الناس : أنّ اللّه تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض اللّه عليكم من الذهب والفضّة والإبل والبقر والغنم ، ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان ، وعفا لهم عمّا سوى ذلك . ثمّ لم يتعرّض لشيء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل ، فصاموا وأفطروا ، فأمر عليه السلام مناديه ، فنادى في المسلمين : زكّوا أموالكم تُقبل صلواتكم . قال : ثمّ وجّه عمّال الصدقة وعمّال الطسوق ، فليس على الذهب شيء حتّى يبلغ عشرين مثقالاً ، ففيه نصف دينار إلى أن يبلغ أربعة وعشرين، ففيه نصف دينار وعُشر دينار ، ثمّ على هذا الحساب متى زاد على العشرين أربعة ففي كلّ أربعة عشر دينار إلى أن يبلغ أربعين مثقالاً ، فإذا بلغ أربعين مثقالاً ففيه مثقال . وليس على الفضّة شيء حتّى يبلغ مئتي درهم ، فإذا بلغت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ومتى زاد عليها أربعون درهماً ففيها درهم ، وليس في النيف شيء حتّى يبلغ أربعين . وليس في القطن والزعفران والخضر والثمار والحبوب زكاة حتّى يُباع ويحول على ثمنها الحول ، وإذا اجتمعت للرجل مئتا درهم ، فحال عليها الحول، فأخرج لزكاتها خمسة دراهم ، فدفعها إلى الرجل ، فردّ درهماً منها ، وذكر أنّه شبه أو زيف فليسترجع منه الأربعة الدراهم أيضاً ؛ لأنّ هذا لم تجب عليه الزكاة ؛ لأنّه كان عنده مئتا درهم إلّا درهم ، [و ليس على ما دون مئتي درهم زكاة]. وليس على السبائك زكاة ، إلّا أن تفرّ بها من الزكاة ، فإن فررت بها فعليك الزكاة . وليس على الحليّ زكاة وإن بلغ مئة ألف ، ولكن تُعيره مؤمناً إذا استعاره منك فهذه زكاته . وليس في النقير زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم». (11) وذهب يونس بن عبد الرحمن اليقطيني إلى وجوبها في كلّ ما أنبتته الأرض ممّا يُكال أو يوزن ، على ما حكاه عنهم المصنّف قدس سره (12) وغيره ، (13) وهو منقول في المختلف عن ابن الجنيد ، (14) وتمسّكا في ذلك بما يرويه المصنّف قدس سرهفي الباب الآتي ، وما يرويه في ذيله ، وهي محمولة على الاستحباب؛ للجمع على ما ستعرف . ويونس قد جمع بين الأخبار بحمل الأخبار الأوّلة على أنّها كانت كذلك في صدر الإسلام ، ثمّ وقع النسخ بثبوتها في كلّ مكيل وموزون . والأوّل أظهر؛ لأصالة عدم النسخ ، وانتفاء دليل يعتدّ به ، بل ظهور بعض ما ذكر من الأخبار في العذر عمّا عدا التسعة في تمام عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وعدم نسخ بعده صلى الله عليه و آله . وهذا معنى قول الشيخ قدس سرهفي الاستبصار : ولا يمكن حمل هذه الأخبار على ما حمل عليه يونس بن عبد الرحمن من أنّ هذه التسعة كانت الزكاة عليها في أوّل الإسلام ، ثمّ أوجب اللّه تعالى بعد ذلك في غيرها من الأجناس ؛ لأنّ الأمر لو كان كذلك لما قال الصادق عليه السلام : «عفا رسول صلى الله عليه و آله عمّا سوى ذلك» ؛ لأنّه إذا وجب فيما عدا هذه التسعة الأشياء بعد إيجابه في التسعة لم يبق شيء معفوّ عنه . انتهى. (15) ولا ينافي ذلك وقوع الأمر فيما عدا تلك الأشياء في بعض الأخبار الأخيرة ؛ لشيوع الأمر الندبي في الأخبار . واحتجّ السيّد في الانتصار بالإجماع وأصالة البراءة ، ثمّ قال : فإن قيل : كيف تدّعون إجماع الإماميّة وابن الجنيد يخالف ذلك ويذهب إلى أنّ الزكاة واجبة في جميع الحبوب [الّتي تخرجها الأرض]و إن زادت على التسعة الأصناف ، وروى في ذلك أخباراً كثيرة عن أئمّتكم عليهم السلام ، وذكر أنّ يونس كان يذهب إلى ذلك ؟ قلنا : لا اعتبار بشذوذ ابن الجنيد ولا يونس و إن كان يوافقه؛ لأنّه قد تقدّم الإجماع عليهما وتأخّر عنهما ، والأخبار التي تعلّق بها ابن الجنيد معارضة بأظهر وأكثر وأقوى منها . انتهى. (16) واختلفت العامّة في المسألة اختلافاً كثيراً ، فقد نقل عن الشافعي أنّه قال في قول ثان بالوجوب في الزيتون زائداً على التسعة ، وفي قول ثالث بالوجوب فيما ييبس ويُقتات ويدّخر مأكولاً ممّا عدا الزيتون ، حكاه السيّد رضى الله عنهفي الانتصار (17) عنه ، وحكى فيه عن أبي حنيفة وزفر [وجوب ]جميع ما تنبته الأرض إلّا الحطب والقصب والحشيش ، وفي موضع آخر عنه وعن أبي يوسف ومالك أنّ وجوبها في كلّ ثمر جمع فيه هذه الأوصاف الكيل والبقاء واليبس ممّا تنبته الآدميّون. (18) واحتجّوا على آرائهم المتشتتة بعموم قوله عليه السلام : «فيما سقت السماء العشر». (19) واُجيب بالتخصيص ؛ لما مرّ على أنّه قد ورد من طريق العامّة عن عبداللّه بن عمر ، قال : إنّما سنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الزكاة في هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب. (20) وعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه بعثهما إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم ، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلّا من هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب. (21) واحتجّ الشافعي على وجوبها في الزيتون بقوله تعالى : «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» (22) عقيب قوله تعالى : «وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ» . (23) واُجيب بحمل الحقّ على غير الزكاة ، وإلّا لزم وجوبها في الرمّان أيضاً، وهو لم يسر بذلك . على أنّ الزكاة إنّما فرضت بالمدينة والآية مكيّة. (24) وقد تشبّث الباقون أيضاً بذلك ؛ لعموم ضمير جمع الزروع وغيرها ممّا ذكر في الآية . واُجيب عنه بما ذكر أخيراً . وقد قال السيّد رضى الله عنهفي الانتصار : عند أصحابنا أنّ ذلك الحقّ إنّما يتناول ما يعطى المسكين والفقير والمجتاز وقت الحصاد من الحفنة والضغث، فقد ورد ذلك عن أئمّتهم عليهم السلام ، فمنه ما روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» قال : «ليس ذلك الزكاة ، ألا ترى أنّه تعالى قال : «وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (25) » . وهذه نكتة منه عليه السلام مليحة ؛ لأنّ النهي عن السرف لا يكون إلّا فيما ليس بمقدّر ، والزكاة مقدّرة . وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام ؛ أنّه قيل : يابن رسول اللّه ، وما حقّه؟ قال : «يناول المسكين والسائل» . والأحاديث بذلك كثيرة (26) . (27) وأيّده أيضاً التأويل المذكور بأنّ الآية تقتضي أن يكون العطاء وقت الحصاد ، والزكاة إنّما تُعطى بعد جفافه وتذريته وتصفيته ، وبما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله من النهي عن الحصاد والجذاذ بالليل ، (28) وإنّما نهى عنه عليه السلام لما فيه من حرمان المساكين والمجتازين .

.


1- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 473.
2- . اُنظر: مختصر المزني ، ص 50 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 337 و 460 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 473.
3- . الانتصار ، ص 206.
4- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 2 ، ح 2؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 2، ح 2؛ و ص 11 ، ح 33؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 57 ، ح 11511.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 2 ، ح 1؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 2، ح 1؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 57 ، ح 11510.
6- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 3 ، ح 3؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 2، ح 3؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 57 _58 ، ح 11515.
7- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 3 ، ح 4؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 3، ح 4؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 58 ، ح 11513.
8- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 4 ، ح 9؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 4 _ 5، ح 9؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 57 ، ح 11514.
9- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 6 ، ح 12؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 63 _64 ، ح 11529.
10- . التوبة(9) : 103 .
11- . الفقيه ، ج 1 ، ص 15 _ 16 ، ح 1598.
12- . الكافي ، باب ما وضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله و على أهل بيته الزكاة عليه ، ح 2.
13- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 4 ، ذيل ح 8 ؛ مجمع الفائدة و البرهان ، ج 4 ، ص 39.
14- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 195.
15- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 4 ، ذيل ح 8 .
16- . الانتصار ، ص 210 _ 211.
17- . الانتصار ، ص 207. وانظر: الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 37؛ مختصر المزني ، ص 47؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 559 و 561 _ 562 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 452؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 91؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 549 _ 550 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 550 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 203.
18- . المحلّى ، ج 5 ، ص 210؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 549 ؛ أضواء البيان ، ج 1 ، ص 502 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 456؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 551 ؛ فتح الباري ، ج 3 ، ص 277؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 220؛ التمهيد ، ج 24 ، ص 166 _ 167.
19- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 233؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 133؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 353؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 130؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 37.
20- . سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 82 ، و فيه عن عمر بدل عبداللّه بن عمر؛ كنز العمّال ، ج 6 ، ص 319 ، ح 15833؛ و ص 536 ، ح 16858.
21- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 125؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص550 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 551 .
22- . الأنعام(6): 141.
23- . الأنعام(6) : 99 .
24- . تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 458؛ تفسير أبي السعود ، ج 3 ، ص 192؛ تفسير الصافي ، ج 2 ، ص 162.
25- . الأنعام(6) : 141 .
26- . فقه القرآن للراوندى ، ج 1 ، ص 216.
27- . الانتصار ، ص 208.
28- . تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 380 ، ح 111؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 201 ، ح 11839.

ص: 345

. .

ص: 346

. .

ص: 347

. .

ص: 348

. .

ص: 349

. .

ص: 350

باب ما يزكّى من الحبوب

باب ما يزكّى من الحبوبأراد قدس سره بالزكاة هنا الزكاة المستحبّة ؛ حملاً للأخبار الواردة فيه على الندب للجمع بينها وبين ما تقدّم على ما هو المشهور بين الأصحاب ، ويؤكّده ما رواه المصنّف، (1) ] و]ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ، وقد جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الصدقة في كلّ شيءٍ أنبتته الأرض ، إلّا الخضر والبقول وكلّ شيء يفسد من يومه». (2) وفي الموثّق عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : في الذرّة شيء ؟ قال : «الذرة والعدس والسلت والحبوب منها مثل ما في الحنطة والشعير، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة». (3) وعن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : هل في الأرز شيء؟ قال : «نعم». (4) قوله في حسنة محمّد بن مسلم: (والسلت) . [ح 1/5769] نقل طاب ثراه عن الآبي أنّه قال في كتاب إكمال الإكمال : السلت : شعير إذا حكّ زال قشره ، (5) واستشكل العلّامة وجوب الزكاة فيه وفي العلس (6) _ وهو نوع من الحنطة _ إذا طحنت خرجت على النصف ، ومنشأ الإشكال أنّهما مسمّيان باسم خاصّ غير الحنطة والشعير ، (7) والمشهور أنّهما نوعان منهما كما دلّ عليه اللغة والعرف. (8)

.


1- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص65 ، ح 176؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 63 ، ح 11526.
3- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 65 ، ح 177؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 64 ، ح 11530.
4- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 65 ، ح 178؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 64 ، ح 11531.
5- . اُنظر: صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 253 (سلت)؛ النهاية ، ج 2 ، ص 388.
6- . العلس : نوع من الحنطة تكون حبّتان في قشر ، وهو طعام أهل صنعاء . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 66 (علس) .
7- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 187؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 474 ط قديم.
8- . اُنظر: الخلاف ، ج 2 ، ص 65 ؛ المقنعة ، ص 245؛ المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص217؛ السرائر ، ج1 ، ص 428 و 429؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 137؛ البيان ، ص 171؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 47.

ص: 351

باب ما لا تجب فيه الزكاة من الخضر وغيرها

باب ما لا تجب فيه الزكاة من الخضر وغيرهاأراد قدس سره بالوجوب هنا معنى الثبوت ، وغرضه نفي وجوبها واستحبابها جميعاً على ما هو مذهب الأصحاب ، ففي المقنعة : لا خلاف بين آل الرسول وشيعتهم أنّ الخضر _ كالقضب وما أشبهه ممّا لا بقاء له _ لا زكاة فيه ، (1) والمراد بنفي الزكاة عدم ثبوتها لا وجوباً ولا استحباباً . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف وبعض ما سبق من الأخبار ما رواه الشيخ عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس على الخضر ولا على البطّيخ ولا البقول وأشباهه زكاة إلّا ما اجتمع عندك من غلّته فبقي عندك سنة». (2) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام قالا : «عفى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الخضر» ، قلت : وما الخضر؟ قال : «كلّ شيء لا يكون له بقاء كالبقل والبطّيخ والفواكه وشبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد» . وقال زرارة : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام في القضب شيء؟ قال : «لا». (3) ومن طريق العامّة عن عليّ عليه السلام ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «ليس في الخضراوات صدقة». (4) وعن عائشة : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة». (5) وبذلك يظهر ضعف ما سبق عن أبي حنيفة وزفر متمسّكين بعموم ما سقت السماء؛ لوجوب تخصيصه لما ذكر . قوله في حسنة الحلبي: (قلت : القضب) إلى آخره . [ح3/5777] القضب : الرطبة ، وهي الإسفست[بالفارسيّة] ، والموضع الذي تنبت فيه مقضبته . (6) والعضاة : كلّ شيء طري. (7) والفرسك : ضرب من الخوخ ليس ينفلق من نواه». (8)

.


1- . المقنعة ، ص 245 ، و في المذكور هنا تلخيص.
2- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 66 ، ح 179؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 69 ، ح 11542.
3- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 66 ، ح 180؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 68 ، ح 11541.
4- . تلخيص الحبير ، ج 5 ، ص 561 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 120 ، ح 7188؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 82 ، ح 1890؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 3 ، ص 278 ، ح 2326؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 129 _ 130؛ كنز العمّال ، ج 6 ، ص 554 ، ح 16921.
5- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 130؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 81 ، ح 1891؛ و ص 112 ، ح 2010.
6- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 203 (قضب).
7- . الموجود في كتب اللغة أنّ العضاة: كلّ شجر يعظم و له شوك. اُنظر: صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2240 (عضه). و يحتمل أن يكون «الغضاة» بالغين المعجمه ، فتكون بمعنى الطري.
8- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1603 (فرسك).

ص: 352

باب أقلّ ما تجب فيه الزكاة من الحرث

باب أقلّ ما تجب فيه الزكاة من الحرثلقد أجمع علماء الملّة على اشتراط النصاب في الزكاة ، وعلى أنّه في الغلّات الأربعة خمسة أوساق ، (1) إلّا ما سيحكى عن بعض العامّة من وجوبها على كلّ قليل وكثير منها. (2) ويدلّ عليه _ زائداً على ما رواه المصنّف في الباب _ صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ، والوسق ستّون صاعاً ، فذلك ثلاثمئة صاع ففيه العُشر ، وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلاً ففيه العشر تامّاً ، وليس فيما دون الثلاثمئة صاع شيء ، وليس فيما أنبتت الأرض شيء إلّا في هذه الأربعة الأشياء». (3) وموثّقة عبداللّه بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهماالسلام قال : «في زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب ليس فيما دون الخمسة أوساق زكاة، فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة ، والوسق ستّون صاعاً ، فذلك ثلاثمئة صاع بصاع النبيّ صلى الله عليه و آله ، والزكاة فيها العشر فيما سقت السماء أو كان سيحاً ، أو نصف العُشر فيما سقي بالغرب والنواضح». (4) وموثّقة عبيداللّه الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال : «في ستّين صاعاً» . وقال في حديث آخر : «ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيباً ، والوسق ستّون صاعاً» . وقال : «في صدقة ما سقي بالغرب نصف الصدقة ، وما سقت السماء والأنهار أو كان بعلاً فالصدقة ، وهو العشر ، وما سقي بالدوالي أو بالغرب فنصف العشر». (5) وخبر سليمان عنه عليه السلام قال : «ليس في النخل صدقة حتّى تبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيباً». (6) وصحيحة الحلبي عنه عليه السلام قال : «ليس فيما دون خمسة أوساق شيء ، والوسق ستّون صاعاً». (7) وموثّقة أبان بن عثمان، عن أبي بصير والحسن بن شهاب ، قالا : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «ليس في أقلّ من خمسة أوساق زكاة ، الوسق ستّون صاعاً». (8) وعن زرارة وبكير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «وأمّا ما أنبتت الأرض من شيء من الأشياء فليس فيه زكاة إلّا أربعة أشياء : البرّ والشعير والتمر والزبيب ، وليس في شيء من هذه الأربعة الأشياء شيء حتّى يبلغ ستّة أوساق ، والوسق ستّون صاعاً ، وهو ثلاثمئة صاع بصاع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم، فإن كان من كلّ صنف خمسة أوساق غير شيء وإن قلّ فليس فيه شيء ، وإن نقص البرّ والشعير والتمر والزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شيء ، فإذا كان يعالج بالرشا والنضح والدلاء ففيه نصف العشر ، وإن كان يُسقى بغير علاج بنهر أو عين أو سماء ففيه العشر تامّاً». (9) وبعض ما سيأتي من الأخبار . ومن طريق العامّة عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة». (10) وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوب الزكاة في أقلّ من ذلك ، وحملت على الاستحباب ، روى الشيخ عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تجب الصدقة إلّا في وسقين ، والوسق ستّون صاعاً». (11) وعن أبي بصير عنه عليه السلام قال : قال : «لا يكون في الحبّ ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتّى يبلغ وسقين ، والوسق ستّون صاعاً». (12) وعن ابن سنان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الزكاة ، في كم تجب في الحنطة والشعير؟ فقال : «في وسق». (13) وعن إسحاق بن عمّار، عن[أبي] إبراهيم عليه السلام ، قال : سألته عن الحنطة والتمر عن زكاتهما ، فقال : «العشر ونصف العشر ، العشر لما سقت السماء ، ونصف العشر فيما سقى بالسواني» ، فقلت : ليس عن هذا أسألك ، إنّما أسألُك فيما خرج منه قليلاً كان أو كثيراً ، ألهُ حدّ يزكّى منه ما خرج منه؟ فقال : «يزكّى منه ما خرج منه قليلاً كان أو كثيراً من كلّ عشرة واحد ، ومن كلّ عشرة نصف واحد» . قلت : الحنطة والتمر سواء؟ قال : «نعم». (14) ولا يبعد حمل الأخيرة على التقيّة ؛ لما اشتهر في ذلك الوقت مذهب [أبي] (15) حنيفة (16) ومجاهد (17) من وجوب الزكاة في قليل الغلّات وكثيرها محتجّين بقوله تعالى : «وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ» ، (18) وبقوله عليه السلام : «فيما سقت السماء العشر» ، (19) ونظائره . وأجاب عنه الآبي _ على ما نقل عنه طاب ثراه _ بأنّ ما ذكرتموه مطلق ، ولنا أحاديث مقيِّدة ، والمطلق يردّ إلى المقيَّد، وأنّ في مقابلة عموم القرآن حديث الخمسة أوسق . ثمّ الواجب العشر أو نصف العشر على التفصيل المستفاد من أكثر الأخبار المذكورة في الباب ، وما رويناه من صحيحة زرارة، وموثّقتي عبداللّه بن بكير وعبيداللّه الحلبي، وخبر زرارة وبكير ، وما رواه الشيخ في التهذيب من صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام قال : «في الزكاة ما كان يعالج بالرشا والدلاء والنضح ففيه نصف العشر ، وإن كان يُسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملاً». (20) ومن طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا (21) العشر ، وما يسقى وبالنصخ نصف العشر». (22) رواه في المنتهى. (23) وروى مسلم عنه صلى الله عليه و آله : «فيما يسقى بالسانية نصف العشر». (24) وعن معاذ ، قال : بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى اليمن ، فأمرني أن آخذ ممّا سقت السماء أو سقى بعلا العشر ، وممّا سقى بدالية نصف العشر. (25) ونسبه العلّامة في المنتهى إلى فقهاء الإسلام. (26) ولو اختلف في السقي فيعتبر الأغلب عندنا ، وهو منقول في المنتهى عن أبي حنيفة وأحمد والثوري وعطاء وأحد قولي الشافعي، وفي قول آخر عنه : أنّه تؤخذ بالقسط ، فإن شرب السيح ثلث السقي _ مثلاً _ كان في ثلثه العشر ، أو الربع كان فيه العشر ، وعلى هذا. (27) وردّه بأنّ اعتبار السقيات وتقسيط الزكاة بعددها ممّا يشقّ جدّاً ، فيسقط اعتباره . وأيّده برواية معاوية بن شريح. (28) ولو تساويا فيسقط الواجب عليهما ، ففي المنتهى : لو سقى نصف السنة بكلفة ونصفها بغير كلفة أخرج من النصف العشر، ومن النصف نصف العشر ، فيجب عليه ثلاثة أرباع العشر ، وهو إجماع العلماء ؛ لأنّ دوام كلّ واحد منهما في جميع السنة يوجب مقتضاه ، فإذا وجد في نصفه [أوجب نصفه] . ويؤيّده خبر معاوية بن شريح ، انتهى. (29) وظاهره _ كالخبر _ اعتبار التساوي والأغلبيّة بحسب الزمان دون عدد السقيات أو النفع والنماء. وقد اعتبر بعض الأصحاب العدد والنفع. (30) ويردّهما الخبر المشار إليه؛ حيث ثبت نصف العشر على أغلبية الزمان من غير استفسار عن العدد والنفع. على أنّ الظاهر أنّ تفاوت الواجب باعتبار تفاوت الكلفة والمشقّة، والنفع إنّما هو من فعل اللّه تعالى لا من العبد، فلا وجه لاعتباره أصلاً. ولو اشتبه التساوي والأغلبيّة فمقتضى أصالة البراءة وجوب نصف العشر، والاحتياط العشر، وأصالة عدم التفاضل ثلاثة أرباع العشر على ما ذكره الشهيد الثاني في شرح اللمعة. (31) وظاهر الخبر العشر ما لم يعلم التساوي والأغلبيّة ، فأظهر الاحتمالات أوسطها ، فتأمّل . نعم ، قد روى الشيخ قدس سره في الموثّق عن سماعة بن مهران، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الزكاة من التمر والزبيب ، فقال : «في كلّ خمسة أوساق وسق، والوسق ستّون صاعاً، والزكاة فيهما سواء». (32) وبسند آخر عن سماعة، قال : سألته عن [الزكاة في] الزبيب والتمر ، فقال : «في كلّ خمسة أوساق وسق، والوسق ستّون صاعاً، والزكاة فيهما سواء ، فأمّا الطعام فالعشر فيما سقت السماء ، وأمّا ما سقي بالغرب والدواني فإنّما عليه نصف العشر». (33) وقال قدس سره : لا تنافي بين هذين الخبرين والأخبار الأوّلة؛ لأنّ الأصل فيهما سماعة، ولأنّه[أيضا ]تعاطى الفرق بين زكاة التمر والزبيب، وزكاة الحنطة والشعير، وقد بيّنا أنّه لا فرق بينهما . ولو سلّم من ذلك لأمكن حملهما على أحد وجهين : أحدهما : أن نحملهما على ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب . والثاني : أن نحملهما على الخمس الذي تجب في المال بعد إخراج الزكاة . واستدلّ عليه برواية عليّ بن محمّد بن عليّ بن شجاع النيسابوري: أنّه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مئة كرّ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً، وبقي في يديه ستّون كرّاً ، ما الذي تجب لك من ذلك ؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع عليه السلام : «لي منه الخمسة ممّا يفضل من مؤونة هذا ». (34) وينبغي أن يعلم أنّ النصاب في الغلّات ألفان وسبعمئة رطل بالعراقي، فإنّ أصل النصاب خمسة أوسق، والوسق ستّون صاعاً، والصاع تسعة أرطال بالعراقي، ومضروب ستّين في خمسة، ثمّ في تسعة يبلغ ذلك . وبالمنّ الشاهي المبني على ألف ومئتي مثقال صيرفي في مئة وثلاثة وخمسون منّاً ونصف مَنّ ونصف ثمن منّ. بيان ذلك: أنّ الرطل العراقي على المشهور بين الأصحاب والمستفاد من الأخبار أحد وتسعون مثقالاً شرعيّاً، وهي ثمانية وستّون مثقالاً وربع مثقال صيرفي، فيحصل من ضرب عدد أرطال النصاب في عدد مثاقيل الرطل مئة ألف وأربع وثمانون ألفاً ومئة وخمسة وسبعون، وهو عدد مثاقيل النصاب قسمة على عدد مثاقيل المنّ خرج ما ذكر . وقال العلّامة في المنتهى : «الرطل تسعون مثقالاً شرعيّاً، فهو سبعة وسبعون مثقالاً صيرفيّاً ونصف مثقال، فيكون النصاب مئة وخمسون منّاً وسبعة أثمان مَنّ ، ويظهر ذلك بأدنى» (35) تأمّل، وهو غير مستند إلى حجّة . وقد أغرب سلطان المحقّقين عليه الرحمة حيث قال في تعليقاته على شرح اللمعة : ولمّا كان المنّ المعمول الشاهي في دار السلطنة أصفهان في سنة ثلاثين وألف عبارة عن ألف ومئتي مثقال صيرفي، كلّ واحد ضعف درهم شرعي، يكون النصاب في الغلّات على ما ذكر مئة وستّة وأربعين منّاً وربع منّ بالمنّ المذكور ، فتدبّر تقف . أقول : وذلك لأنّ دراهم النصاب ثلاثمئة وأحد وخمسون ألفاً، حاصلة من ضرب عدد أرطاله في عدد دراهم الرطل، وهو مئة وثلاثون، ودراهم المنّ على ما ذكرناه ألفان وأربعمئة، وخارج قسمة الأوّل على الثاني مئة وستّة وأربعون من الصحاح، ويبقى ستّمئة نسبتها إلى المقسوم عليه بالربع ، ومنشأ ذلك الغلط السهو في عدّ المثقال الصيرفي ضعفاً للدرهم الشرعي، وليس لذلك بل هو أقلّ من الضعف بقليل ، وعند التحقيق أحد وعشرون مثقالاً صيرفيّاً يساوي أربعين درهماً ، وإذا حسبت دراهم النصاب ونسبتها إلى المثاقيل على هذه النسبة وقسّمت الحاصل على مثاقيل المنّ يصير الخارج على حدّ ما ذكرناه، فتدبّر . قوله في مضمر صفوان وأحمد بن أبي نصر: (وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض) ، إلى آخره . [ح2/5782] يدلّ الخبر على وجوب الزكاة على مستأجر الأرض في جميع ما حصل منها ، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا وإلى مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمّد، وعلى العامل في قدر حصّته، وعلى مالك الأرض بقدر حصّته في الأراضي الخراجيّة، ومثله العامل في المزارعة، وهو منسوب فيه إلى علمائنا وأكثر الجمهور. (36) ووجههما واضح فإنّ الحاصل كلّه في الأوّل في ذمّة المستأجر، ومال الإجارة إنّما يكون في ذمّته، وفي الثاني إنّما يكون للعامل حصّة والباقي لمالك الأرض ، والزكاة في الحرث إنّما يكون على الحاصل . ويدلّ أيضاً عليهما عموم قوله تعالى : «وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ» (37) خرج ما خرج، فبقي الباقي . وحكى في المختلف عن السيّد ابن زهرة أنّه لا زكاة على العامل في حصّته وفي المساقاة، ولا في المزارعة إذا كان البذر من ربّ الأرض، ولا على ربّ الأرض لو كان البذر من العامل ؛ محتجّاً بأنّ ما يأخذه العامل في المساقاة وفي الصورة الاُولى من المزارعة كالاُجرة من عمله، وما يحصل لربّ الأرض في الصورة الثانية منها كاُجرة أرضه، ولا زكاة في الاُجرة. (38) ويردّه ما ذكر. وفي المنتهى عن أبي حنيفة أنّه قال : إنّما تجب الزكاة كلّها في الإجارة على مالك الأرض، وليس على المستأجر شيء ، مستنداً بأنّ الاُجرة عوض عن منفعة الأرض، فإذا حصلت وجبت على صاحب الأرض كما لو زرعها . وردّه بأنّ الزكاة إنّما تجب لمنفعة الزرع لا لمنفعة الأرض ، ولذا تختلف باختلاف أنواع الزراعات. (39) وقد ورد في بعض الأخبار ما يوافقه ، رواه الشيخ في الموثّق عن عبداللّه بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «في زكاة الأرض إذا قبّلها النبيّ صلى الله عليه و آله أو الإمام عليه السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه، وليس على المتقبّل زكاة إلّا أن يشترط صاحب الأرض أنّ الزكاة على المتقبّل، فإن اشترط فإنّ الزكاة عليهم، وليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلّا من كان في يده شيء ممّا[أ] قطعه الرسول صلى الله عليه و آله » (40) وحمله على أنّه لا زكاة عليه لجميع ما أخرجته الأرض ، ولا ينافي ذلك وجوبها عليه فيما يبقى في يده من حصّة من الحاصل ، ولا يخفى بُعد هذا التأويل، والأظهر حمله على التقيّة؛ لشيوع مذهب أبي حنيفة عند الناس في ذلك العصر . وبالجملة، فالخبر لندرته وعدم صحّته من وجهين غير قابل للمعارضة؛ لما تقدّم . وحكى أيضاً عنه أنّه لا زكاة في الأراضي الخراجيّة؛ محتجّاً بقوله عليه السلام : «لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم»، (41) ولأنّهما حقّان سبباهما متنافيان؛ لأنّ النفع جهة الأرض والزكاة وجبت شكراً، فلا يجتمعان كزكاة السائمة والتجارة. (42) وأجاب عن الأوّل بأنّه رواية يحيى بن عنبسة وقد ضعّفوه ، (43) وعن الثاني بالفرق؛ لأنّ زكاة السائمة والتجارة زكاتان، وقد ثبت أنّه لا يزكّى المال من وجهين، والخراج إنّما هو حقّ على الأرض وليس بزكاة ، والزكاة إنّما هو على الزرع ومستحقّاهما أيضاً مختلفان . وقد أجاب أيضاً عن الأوّل بأنّ الخبر محمول على الخراج الذي هو جزية ، وحينئذٍ لا يجتمعان وليس البحث فيه؛ لأنّا نتكلّم في زرع المسلم، وهو كماترى لصراحة الخبر في نفي اجتماعهما في أرض مسلم ، فلا يمكن حمل الخراج فيه على الجزية ، وقد روى الشيخ هنا أيضاً ما يوافق أبا حنيفة ، وحمله على حذو ما سبق على أنّه لا تجب الزكاة لجميع ما أخرجته الأرض ، فقد روى في الصحيح عن رفاعة بن موسى، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدّي خراجها، هل عليه فيها عُشر؟ قال : «لا». (44) وعن أبي كهمس، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه» (45) . (46) والأظهر حملهما أيضاً على التقيّة، أو على الأراضي الخراجيّة التي في أيدي أهل الجزية، فإنّه ليس عليهم سوى الخراج شيء . قوله في حسنة الحلبي : (إذا كان سيحاً) ، إلى آخره . [ح3/5783] السيح: الماء الجاري ، يُقال: ساح الماء يسيح سيحاً، إذا جرى على وجه الأرض. (47) والبعل: السقي بالعروق. (48) والسواني: جمع السانية وهي الناضحة، أي الناقة التي يستقى عليها . (49) والدوالي: جمع الدالية وهي المنجنون يديرها البقر . (50) والغرب: الدلو العظيمة. (51) قوله في حسنة أبي بصير ومحمّد بن مسلم : (فما حرثته فيها فعليك) ، إلى آخره . [ح 4/5784] ظاهره كغيره من الأخبار اشتراط الملك بالزراعة قبل تعلّق الوجوب في زكاة الغلّات ، ويؤيّده أصالة البراءة إذا ملكت بغيرها، وانتفاء دليل على وجوبها حينئذٍ . وفي المنتهى : فلو ابتاع عليه أو استوهب أو ورث بعد بدوّ الصلاح لم تجب عليه الزكاة، وهو قول العلماء كافّة. (52) وكذا ظاهره كغيره عدم استثناء شيء من المؤونات سوى ما أخذه السلطان باسم المقاسمة والخراج [و] البذر المزكّى ، ولم أجد نصّاً على استثناء ما سواه، فالقول بعدمه أظهر ، وإليه ذهب الشيخ يحيى بن سعيد في جامعه، فإنّه قال على ما نقل عنه : والمؤونة على ربّ المال دون المساكين إجماعاً إلّا عطاء، فإنّه جعلها بينه وبين المساكين، ويزكّى ما خرج من النصاب بعد حقّ السلطان. (53) وإليه مال الشهيد الثاني في الروضة. (54) وفي فوائد القواعد أيضاً على ما نقل عنه أنّه قال : «لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة وإثبات الحكم الشرعي بمجرّد الشهرة مجازفة». (55) وحكاه في المنتهى عن الفقهاء الأربعة، (56) وهو ظاهر الشيخ في موضع من المبسوط حيث قال : «وكلّ مؤونة تلحق الغلّات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال دون المساكين». (57) وبه قال في الخلاف أيضاً مدّعياً إجماع من عدا عطاء من أهل العلم عليه، فقال : «كلّ مؤونة تلحق الغلّات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال ، وبه قال جميع الفقهاء إلّا عطاء، فإنّه قال : المؤونة على ربّ المال والمساكين». (58) والظاهر أنّه أراد بالمؤونة ما سوى الخراج؛ لاستثناء الخراج في أكثر الأخبار، ولأنّهم كانوا يجعلون المؤونة قسيماً للخراج في عباراتهم . والمشهور بين المتأخّرين استثناء سائر مؤونات الزراعة ممّا يتعلّق بهذه السنة، سواء كان قبل الزرع كالبذر واُجرة حفر النهر والقناة وتنقيتهما واُجرة الحرّاث والاكار أو بعده كاُجرة الحصاد والجذاذ ونحوهما وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتّى يثاب المالك ونحوها على ما صرّح به بعضهم . وبه قال الصدوق في الفقيه فقد استثنى خراج السلطان ومؤونة القرية. (59) وقال الشيخ المفيد أيضاً : «ولا زكاة على غلّة حتّى يبلغ حدّها ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص والجذاذ، وخروج مؤونتها وخراج السلطان». (60) وقال الشيخ في موضع آخر من المبسوط : «فالنصاب ما بلغ خمسة أوسق بعد إخراج حقّ السلطان والمؤن كلّها». (61) وبه قال في النهاية أيضاً. (62) واختاره ابن إدريس (63) والعلّامة في كتبه. (64) وفي المنتهى نسبه إلى أكثر الأصحاب ، واحتجّ عليه بأنّ الجذاذ مالٌ مشترك بين المالك والفقراء، فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة ، وبأنّ المؤونة سبب للزيادة فتكون على الجميع ، وبأنّ إلزام المالك كلّها حيف (65) عليه وإضرار به[و هو منفي]، ولأنّ الزكاة مواساة فلا يتعقّب الضرر ، وبأنّها[في الغلّاة ]إنّما تجب في النماء والفائدة، وإسقاط حقّ الفقراء [من المؤنة]درء مناف لذلك. وأيّدها بحسنة محمّد بن مسلم المرويّة في آخر الباب، قائلاً: «إنّه إذا ثبت ذلك في الحارس تقديره ثبت في غيره؛ لعدم القول بالفصل». (66) وأنت خبير بعدم جواز تخصيص العمومات بهذه الاستحسانات العقلية ، وأمّا الحسنة فظاهرها أنّه عليه السلام إنّما أمر بترك العذق والعذقين للحارث تبرّعاً وتفضّلاً لقوت عياله، كترك معافارة واُمّ جعرور (67) للمارّة لا لاُجرة ، فلقد تبرّع يبذل بتسعة أعشارها من ماله . وعلى ما ذكرناه من استثناء الخراج فقط فالظاهر اعتبار النصاب بعده كما هو ظاهر بعض الأخبار . وأمّا على القول باستثناء سائر المؤونات، فهل يعتبر النصاب قبل وضع تلك المؤونات أو بعد ؟ أقوال ثالثها: بعد المؤونات السابقة على وقت تعلّق الوجوب ؛ اختاره المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (68) والشهيد الثاني في المسالك، (69) فقد قالا : ويعتبر النصاب بعد المؤونة المتقدّمة على بدو الصلاح دون المتأخّرة ، فعلى هذا لو كان بعد المؤونات المتقدّمة كاُجرة الحارث وقيمة البذر ونحوهما مقدار النصاب وصار أقلّ منه بعد المؤونات المتأخّرة كخراج السلطان واُجرة الحصاد وأمثالهما أخرج الزكاة من الباقي . ورجّح العلّامة في التذكرة الأوّل حيث قال على ما نُقل عنه : «الأقرب أنّ المؤونة لا تؤثّر في نقصان النصاب وإن أثّرت في نقصان الفرض». (70) وقطع في المنتهى بالثاني، فقال : «المؤونة تخرج وسطاً من المالك والفقراء، فما فضل وبلغ نصاباً اُخذ منه العشر أو نصفه». (71) ولا يبعد الجمع بين كلامي الشيخ في المبسوط بذلك . قوله في حسنة حريز : (ويترك معيفارة واُمّ جعرور) [ح 7/5787] معافارة: ضرب من التمر رديء. (72) واُمّ جعرور ويقال له جعرور أيضاً: ضرب من الدقل يحمل رطباً صغاراً لا خير فيه . (73) والدقل: أردأ التمر، ومنه قيل لصغار الناس: جعارير. (74)

.


1- . اُنظر: الانتصار ، ص 285؛ الخلاف ، ح 2 ، ص 58 ، المسألة 69 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 485 و 532 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 7؛ مفتاح الكرامة ، ج 11 ، ص 383.
2- . اُنظر: الخلاف ، ج 2 ، ص 58 ، المسألة 69 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 136.
3- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 13 _ 14 ، ح 34؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 14، ح 40؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 176 ، ح 11776.
4- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 14 ، ح 35؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 14 _ 15، ح 41؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 179 ، ح 11783؛ و ص 185 ، ح 11797.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 14 ، ح 36؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 15، ح 42؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 178 ، ح 11781 صدر الحديث؛ و ص 184 _ 185 ، ح 11796 ذيله.
6- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 18 ، ح 46؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 18 ، ح 52 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 177 ، ح 11778.
7- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 18_ 19 ، ح 48؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 18 ، ح 54 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 177 ، ح 11777.
8- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 19 ، ح 49؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 18 ، ح 55 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 178 ، ح 11780.
9- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 19 ، ح 15؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 177 _ 178 ، ح 11779.
10- . مسند الشافعي ، ص 94 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 25 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 84 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 142 ، ح 7258 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 19 ، ح 2254؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 79 ، ح 1883؛ كنز العمّال ، ج 6 ، ص 323 ، ح 15857.
11- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 17 ، ح 43؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 17 ، ح 49؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 180_ 181 ، ح 11786.
12- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 17_ 18 ، ح 44؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 17 ، ح 50 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 181 ، ح 11788.
13- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 18 ، ح 45؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 18 ، ح 51 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 181 ، ح 11789.
14- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 17 ، ح 42؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 16 ، ح 45؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 184 ، ح 11795.
15- . اُضيف لاقتضاء الضرورة.
16- . الخلاف ، ج 2 ، ص 58؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 564؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 212.
17- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 496.
18- . البقرة(2) : 267 .
19- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 145؛ و ج 3 ، ص 341؛ و ج 5 ، ص 233؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 133؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 580 ، ح 1816؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 42 ، السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 129.
20- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 15 ، ح 43؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 16 ، ح 40؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 177 _ 178 ، ح 11779.
21- . في الأصل: «عذبا» و التصويب من مصادر الحديث. و العثري _ بالتحريك _ : العذي، و هو الزرع الذي لايسقيه إلّا ماء المطر. صحاح اللغة ، ج 2، ص 737 (عثر).
22- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 133؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 76 ، ح 635 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 130.
23- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 498.
24- . صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 67 . و رواه النسائي في سننه ، ج 5 ، ص 42؛ و في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 22 ، ح 2268؛ و البيهقي في السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 130.
25- . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 581 ، ح 1818؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 42 ، و السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 22 ، ح 2269؛ المستدرك ، ج 1 ، ص 401؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 29. مع زيادة في بعضها.
26- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 498.
27- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 498. وانظر: فتح العزيز ، ج 5 ، ص 385؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 560 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 563 ؛ فتح الباري ، ج 3 ، ص 276؛ تحفة الأحوذي ، ج 3 ، ص 234.
28- . هو الحديث السادس من هذا الباب؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 16 ، ح 41؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 15 ، ح 44؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 187 ، ح 11802.
29- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 498. و خبر معاوية بن شريح هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
30- . اُنظر: مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 49.
31- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 35.
32- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 14_ 15 ، ح 37؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 16 ، ح 46؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 186 ، ح 11800.
33- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 15 ، ح 18؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 17_ 18 ، ح 47؛ وهذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 186 ، ح 11800.
34- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 17 ، ح 48؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 186_187 ، ح 11801.
35- . لم أعثر عليه . اُنظر: منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 497.
36- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 502 . وانظر: الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 574 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 535 و 562 _ 563 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 5 ؛ جواهر العقود ، ج 1 ، ص 398 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 592 .
37- . البقرة (2): 267.
38- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 190؛ الغنية ، ص 291 ، فصل في المزارعة و المساقاه.
39- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 502 . و انظر: الخلاف ، ج 2 ، ص 73 و سائر المصادر المتقدّمة آنفا.
40- . تهذيب الأحكام، ج 4، ص 38_ 39، ح 97؛ الاستبصار، ج 2، ص 26، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 189، ح 11806.
41- . بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 57 ؛ الدراية لإبن حجر ، ج 2 ، ص 132 ، ح 736؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 12؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 3 ، ص 287؛ الكامل لا بن عدي ، ج 7 ، ص 255 ، ترجمة يحيى بن عنبسة (2155) ، مع مغايرة في اللفظ في الثلاثة الأخيرة ؛ تاريخ بغداد ، ج 14 ، ص 166 ، ترجمة يحيى بن عنبسه برقم (7475) نحوه.
42- . المبسوط ، ج 2 ، ص 207؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 590 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 575 .
43- . اُنظر: الكامل لابن عدي ، ج7 ، ص 255؛ كتاب المجروحين لابن حبّان ، ج3 ، ص 124؛ كتاب الضعفاء لأبي نعيم ، ص 163، الرقم 276؛ لسان الميزان ، ج 6 ، ص 272 ، ح 953.
44- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 37 ، ح 94؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 25 ، ح 71؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 193 ، ح 11814.
45- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 37 ، ح 95؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 25 ، ح 72؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 193 ، ح 11815.
46- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 500 .
47- . النهاية، ج 2، ص 432 (سيح).
48- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1635 (بعل).
49- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2384 (سنا).
50- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2339 (دلو).
51- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 193 (غرب).
52- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 497.
53- . الجامع للشرائع ، ص 134.
54- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 34 _ 35.
55- . حكاه عنه في مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 142.
56- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 500 .
57- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 217.
58- . الخلاف ، ج 2 ، ص 67 .
59- . الفقيه ، ج 2 ، ص 35 ، ذيل ح 1631.
60- . المقنعة ، ص239.
61- . المبسوط ، ج 1 ، ص 214.
62- . النهاية ، ص 198.
63- . السرائر ، ج 1 ، ص 434.
64- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 154؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 341؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 378؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 191.
65- . المثبت من المصدر، وفي الأصل: «جبر» بدل «حيف».
66- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 500 ، مع مغايرة في بعض الكلمات.
67- . معافارة و اُم جعرور: ضربان رديّان من التمر. مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 207 (عفر).
68- . اُنظر: جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 21.
69- . مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 393.
70- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 154.
71- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 500 .
72- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 207 (عفر).
73- . مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 376 (جعر)؛ النهاية ، ج 1 ، ص 276 (جعر).
74- . الفائق ، ج 1 ، ص 198 ، الجيم مع العين.

ص: 353

. .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

. .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

. .

ص: 365

. .

ص: 366

باب أنّ صدقة الثمرة مرّة واحدة

باب أنّ صدقة الثمرة مرّة واحدةقال طاب ثراه : قيل: سُمّيت الزكاة صدقة لأنّها تدلّ على صدق إيمان المعطي. لا خلاف بين أهل العلم في أنّه لا تجب الزكاة في الغلّات إلّا مرّة واحدة في عام وجودها إلّا ما حكي عن الحسن البصري من وجوبها في كلّ سنة تبقى عنده. (1) وفي المنتهى: «ولا اعتداد بخلافه ؛ لأنّها غير معدّة للنماء فلا تجب فيها الزكاة كالثياب». (2) ويدلّ عليه الحسنة المذكورة في الباب بلا معارضة، ويؤيّدها الأصل .

.


1- . المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 567 _ 568 .
2- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 497.

ص: 367

باب زكاة الذهب والفضّة

باب زكاة الذهب والفضّةوهي واجبة بالنصّ وإجماع أهل العلم، وإنّما يجب بشروط النصاب والحول وسكّة المعاملة إجماعاً ، وسيأتي الأخير في الباب الآتي ، ويستفاد الحول من بعض أخبار الباب وما سنرويه . وأمّا النصاب فلكلّ منهما نصابان : فالنصاب الأوّل للذهب عشرون ديناراً شرعيّاً، كلّ واحد مثقال شرعي، وهو وزن درهم وثلاثة أسباع درهم، ثمّ أربعة دنانير بالغاً ما بلغ، فلا شيء فيما دون العشرين ولا فيما دون الأربعة بعدها . ونصاب الأوّل للفضّة مئة درهم، ثمّ أربعون درهماً كذلك، والدرهم نصف المثقال الصيرفي المتعارف الآن استعماله في الأوزان والمقادير وخمسه. والواجب فيهما ربع العشر، فيجب في عشرين دينار نصف دينار، وفي الأربعة قيراطان، وفي المئتين خمسة دراهم، وفي الأربعين درهم . ويدلّ على ذلك كلّه _ زائداً على ما رواه المصنّف قدس سره _ ما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن زرارة وبكير ابني أعين أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول في الزكاة : «أمّا في الذهب فليس أقلّ من عشرين ديناراً شيء، فإذا بلغت عشرين ديناراً ففيه نصف دينار، وليس في أقلّ من مئتي درهم شيء، فإذا بلغ مئتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مئتي درهم وأربعين درهماً غير درهم إلّا خمسة الدراهم، فإذا بلغت أربعين ومئتي درهم ففيها ستّة دراهم، فإذا بلغت ثمانين ومئتي درهم ففيها سبعة دراهم، وما زاد فعلى هذا الحساب.وكذلك الذهب وكلّ ذهب فإنّما الزكاة على الذهب والفضّة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، وما لم يحل عليه الحول فليس فيه شيء». (1) وعن زرارة، عن أحدهما عليهماالسلام قال : «ليس في الفضّة زكاة حتّى تبلغ مئتي درهم، فإذا بلغت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم، فإذا زادت فعلى حساب ذلك في كلّ أربعين درهماً درهم، وليس في الكسور شيء، وليس في الذهب زكاة حتّى تبلغ عشرين مثقالاً، فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيه نصف مثقال ، ثمّ على حساب ذلك إذا زاد المال في كلّ أربعين ديناراً دينار». (2) وفي الموثّق عن محمّد الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا زاد على المئتي درهم أربعون درهماً ففيها درهم، وليس فيما دون الأربعين شيء» ، فقلت : فما في تسعة وثلاثين درهماً؟ قال : «ليس على التسعة وثلاثين درهماً شيء ». (3) وفي الموثّق عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «في عشرين ديناراً نصف دينار». (4) وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه نصف دينار، وليس فيما دون العشرين شيء ، وفي الفضّة إذا بلغت مئتي درهم خمسة دراهم، وليس في ما دون المئتين شيء، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المئتين فليس فيها شيء حتّى تبلغ الأربعين، [و ليس في شيء من الكسور شيء حتّى تبلغ الأربعين]، وكذلك الدنانير على هذا الحساب». (5) وغير ذلك من الأخبار . روى العامّة عن عاصم بن ضمرة (6) عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ليس عليك في الدنانير شيء حتّى يكون لك عشرون ديناراً، ففيها نصف دينار». (7) وعنه عليه السلام : «على كلّ أربعين ديناراً دينار، وفي كلّ عشرين ديناراً نصف دينار». (8) وعن أبي سعيد الخدري أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة». (9) والاُوقية بالحجاز أربعون درهماً . وعن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «هاتوا ربع العشور من كلّ أربعين درهماً درهماً، وليس عليكم شيء حتّى تبلغ مئتي درهم، فإذا بلغها ففيها خمسة، وما زاد فبحسابه». (10) وعن عمرو بن سعيد، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ليس في أقلّ من عشرين مثقالاً من الذهب ولا في أقلّ من مئتي درهم صدقة». (11) وعن عائشة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يأخذ من عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار، ومن الأربعين [دينارا]دينارا. (12) واختلف في موضعين: أحدهما: النصاب الأوّل للذهب، فما ذكر هو المشهور بين أصحابنا، ومحكي في المنتهى عن الفقهاء الأربعة وأكثر الجمهور. (13) وذهب عليّ بن بابويه رضى الله عنه إلى أنّه أربعون ديناراً (14) ؛ محتجّاً بما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد وفضيل، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامقالا : «في الذهب في كلّ أربعين مثقالاً مثقال، وفي الدراهم في كلّ مئتي درهم خمسة دراهم، وليس في أقلّ من أربعين مثقالاً شيء، ولا في أقلّ من مئتي درهم شيء، وليس في النيف شيء حتّى تتمّ أربعين، فيكون فيه واحداً»، (15) وبأصالة البراءة . و به قال الحسن والزهري على ما نقله الآبي عنهما، وقد نقل عن سليمان بن حرب أيضاً؛ (16) متمسّكين بأنّ النُصب الاُول للأموال الزكاتيّة ليس الواجب في شيء منها مكسوراً، فيجب أن يكون الواجب في النصاب الأوّل من الذهب أيضاً ديناراً، وهو إنّما يكون زكاة أربعين ديناراً . واُجيب عن الأوّل بعدم صحّة الخبر؛ لوجود عليّ بن الحسن بن فضّال وإبراهيم بن هاشم في طريقه، والأوّل فطحي وإن كان موثّقاً ، (17) والثاني ممدوح، (18) فلا تقبل المعارضة؛ للأخبار الصحيحة . والشيخ قدس سره حمل قوله عليه السلام : «ليس فيما دون الأربعين شيء» على نفي ثبوت الدينار، (19) ولا يخفى بُعده . وعن الثاني بضعف البراءة، مع ثبوتها في العشرين بالأخبار الصحيحة ، وضعف الأخير غير محتاج إلى البيان . أقول : ويدلّ عليه أيضاً ما سيأتي في صحيحة زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل عنده مئة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً أيزكّيها؟ قال : «لا ، ليس عليه شيء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتّى يتمّ أربعين ديناراً، والدراهم مئتي درهم ». (20) ولا يخفى بُعد تأويل الشيخ قدس سره ، فالأولى حمل الخبرين على التقيّة . ونقل طاب ثراه عن الآبي أنّه قال في كتاب إكمال الإكمال حكايةً عن بعض سلفهم اعتبار بلوغ قيمة الذهب مئتي درهم، سواء بلغ عشرين ديناراً أم زاد أم نقص، وهو منقول في المنتهى عن مجاهد وعطاء وطاووس؛ محتجّين بأنّه لم يثبت عن النبيّ صلى الله عليه و آله تقدير في نصاب الذهب، فيحمل على الفضّة. (21) ويردّه ما تقدّم من أخبارنا وأخبار العامّة في اعتبار عشرين ديناراً . لا يقال: يدلّ على ذلك حسنة محمّد بن مسلم حيث أحال عليه السلام مقدار النصاب في الذهب على مئتي درهم قيمته ، (22) ويؤيّده قوله عليه السلام في خبر إسحاق بن عمّار: «إنّ عين المال الدراهم، وكلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم ». (23) لأنّا نقول: إنّما أخبر عليه السلام عن قيمة الوقت، وفي الوقت كان قيمة دينار عشرة دراهم؛ لذلك جعل في باب الديات وغيرها من مواضع كثيرة الدينار بإزاء عشرة دراهم. وربّما حملت على التقيّة، وهو بعيد؛ لموافقة فقهائهم الأربعة وغيرهم لنا، واشتهار ما ذهبنا إليه بينهم. وثانيهما: النصاب الثاني لهما، فقد قال بعض العامّة _ كالشافعي ومالك وأحمد وأبي يوسف وجماعة من أتباعهم _ بوجوب الزكاة فيما زاد على العشرين ديناراً قلّ أو كثر (24) ؛ محتجّين بقوله صلى الله عليه و آله : «وما زاد _ أي على العشرين _ فحساب ذلك». (25) واُجيب بتخصيصه بالأربعة؛ لما ذكر من الأخبار . وقال طاب ثراه : «وقد نقل عن بعضهم أنّه لا زكاة فيما زاد على مئتي درهم حتّى تبلغ أربعمئة» . قوله في خبر سماعة: (في كلّ مئتي درهم خمسة دراهم من الفضّة) . [ح 1/5789] قال طاب ثراه : الدرهم ستّة دوانق على ما نقله العامّة والخاصّة، والدانق ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير المقطوع الذنب ، فالدرهم ثمانية وأربعون حبّة، (26) وعليه مدار النصاب والزكاة والديات وغير ذلك، فإذا خالفه درهم البلد زيادة هو [أو ]نقصاناً فطريق معرفة النصاب فيه أن تضرب عدد النصاب الشرعي، وهو مئتان في عدد حبّات الدرهم الشرعي، وتقسّم الحاصل على عدد حبّات الدرهم المجهول النصاب ، فالخارج هو النصاب من تلك الدراهم ، ولو فرضنا أنّ درهم البلد سبعة وأربعون حبّة كان نصابه مئتين وأربعة دراهم واثني عشر جزءاً من سبعة وأربعين جزءً من درهم البلد، ومثل ذلك يجري في الدينار أيضاً لو فرض زيادة دينار البلد أو نقصانه بالنسبة إلى الدينار الشرعي، وهو ثمانية وستّون حبّة من الشعير المتوسّط وأربعة أسباع شعيرة. وما ذكره من عدد حبّات الدانق ممّا قطع به الأصحاب . وفي المدارك : والظاهر أنّ أخبارهم كافية في ذلك، لكن روى الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزي، عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «والدرهم ستّة دوانيق، والدانق وزن ستّ حبّات، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوساط الحبّ، لا من صغاره ولا من كباره»، (27) ومقتضى الرواية أنّ وزن الدانق اثنتا عشرة حبّة من أوساط حبّ الشعير، لكنّها ضعيفة السند بجهالة الراوي. (28) قوله في خبر إسحاق بن عمّار : (فقال : إذا اجتمع الذهب والفضّة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة) .[ج 8/5796] يدلّ على ضمّ كلّ من الذهب والفضّة إلى الآخر، فنصاب في النصاب، وهو مخالف لما أجمع عليه الاّصحاب ، واشتهر بين العامّة . نعم ، ذهب إليه بعض العامّة في مطلق الأجناس الزكوية ، ففي الناصريات: عندنا أنّه لا يضمّ ذهب إلى فضّة، ولا فضّة إلى ذهب، ولا نوع إلى غير جنسه في الزكاة، بل يعتبر في كلّ جنس النصاب بنفسه، وهو قول الشافعي. (29) وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنّه يضمّ الجنس إلى غيره. (30) وردّه بما رواه جابر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ليس فيما دون خمسة أواق صدقة»، (31) فنفى الصدقة عن الورق إذا لم يبلغ خمس أواقي ولم يفصّل بين أن يكون معه ذهب أو لم يكن. (32) وينفيه من طريقنا صحيح زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجلٌ عنده مئة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً ، الحديث. (33) وقد ذكرناه قبل هذا . وموثّق ابن عمّار، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل له مئة درهم وعشرة دنانير، أعليه زكاة؟ قال : «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» ، قلت : لم يفرّ بها، وورث مئة درهم وعشرة دنانير؟ قال : «ليس عليه زكاة» ، قلت : فلا تكسر الدراهم على الدنانير ولاالدنانير على الدراهم؟ قال : «لا». (34) وصحيح زرارة بسندٍ آخر، قال : قلت لأبي جعفر ولابنه عليهماالسلام : الرجل يكون له الغلّة الكثيرة من أصنافٍ شتّى أو مال ليس فيه صنف تجب فيه الزكاة، هل عليه في جميعه زكاة واحدة؟ فقالا : «لا، إنّما عليه إذا تمّ، فكان تجب في كلّ صنف منه الزكاة تجب عليه في جميعه في كلّ صنف منه الزكاة، وإن أخرجت أرضه شيئاً قدر ما لا تجب فيه الصدقة أصنافاً شتّى لم تجب فيه زكاة واحدة» . قال زرارة : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل عنده مئة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً، اُيزكّيها؟ قال : «لا ، ليس عليه شيء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتّى تتمّ أربعين ديناراً، والدراهم مئتي درهم» . قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء . قال : وقلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل كن عنده أربع أنيق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة، أيزكّيهنّ؟ فقال : «لا يزكّي شيئاً منهنّ؛ لأنّه ليس شيء منهنّ تمّ، فليس تجب فيه الزكاة». (35) وقال الشيخ في الاستبصار : الوجه فيها أحد شيئين : أحدهما : أن تكون محمولة على التقيّة؛ لأنّ ذلك مذهب بعض العامّة ، والوجه الثاني: أن تكون مخصوصة بمن يجعل ماله أجناساً مختلفة فراراً به من الزكاة، فإنّه يلزمه الزكاة عقوبةً . وأيّد الثاني بموثّق إسحاق بن عمّار ، (36) وأوّله في التهذيب بالوجه الثاني وبوجهين آخرين : أحدهما: أن تعود الإشارة في قوله عليه السلام : «فبلغ ذلك مئتي درهم» إلى الفضّة خاصّة ، والثاني : أن تكون الإشارة إلى كلّ واحدٍ من الذهب والفضّة . واستند في الأوّل بقوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّه ِ» ، (37) حيث ذكر جنسين وأعاد الضمير إلى أحدهما . وفي الثاني بقوله سبحانه : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً» ، (38) حيث اُريد فاجلدوا كلّ واحدٍ منهم ثمانين . (39) ولا يبعد حملها على زكاة التجارة، ويشعر به قوله عليه السلام : «وكلّ ما عدا الدراهم من ذهبٍ ومتاع فهو عرض مردود إلى الدراهم» ، (40) فتأمّل . قوله في خبر يزيد الصائغ : (إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكِّ) . [ج9/5797] يدلّ على أنّ الزكاة في الدراهم المغشوشة إنّما يجب إذا كان الصافي بقدر النصاب . ويؤيّده خبر، وهو مذهب الأصحاب، (41) وبه قال مالك والشافعي وأحمد ، (42) وقال أبو حنيفة : يعتبر الأغلب، فإن كان هو الفضّة وجب الزكاة، وإن غلب الغشّ كانت كالعروض تعتبر بالقيمة. (43)

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 12 _ 13 ، ح 33؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 140 ، ح 11695؛ و ص 145 ، ح 11709.
2- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 12 ، ح 30؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 144_ 145 ، ح 11707.
3- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 12 ، ح 32؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 145 ، ح 11708.
4- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 6_ 7 ، ح 14؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 12 ، ح 36؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 139 _ 140 ، ح 11692.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 7 ، ح 15؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 144 ، ح 11705.
6- . هذا هو الظاهر الموافق لترجمة الرجل و مصادر الحديث ، و في الأصل: «سمرة».
7- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 492؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 244؛ سنن أبي داود ، ج1 ، ص 353 ، ح 1573؛ السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 138؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 3 ، ص 292 _ 293 ، 2349.
8- . المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 599 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 598 .
9- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 111؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 17. معرفة السنن و الآثار ، ج 3 ، ص 288 ، ح 2342؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 255.
10- . سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1572؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 138؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 34؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 78 ، ح 1881 ، و في بعضها: «فبحساب ذلك» و في بعضها: «فعلى حساب ذلك».
11- . سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 79 ، ح 1885 ، و فيه بدل «صدقة»: «شيءٌ».
12- . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 571 ، ح 1791؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 78 ، ح 1879.
13- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 492 ، وانظر: كتاب الاُمّ ، ج 2 ، ص 24 و 57 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 2؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 245؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 138؛ بدائع الصنائع ، ج 5 ، ص 64 ؛ المحلّى ، ج 6 ، ص66 .
14- . المقنع ، ص 162 _ 163؛ الفقيه ، ج 2 ، ص14.
15- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 11 ، ح 29؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 13 ، ح 39؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 141 ، ح 11697.
16- . اُنظر: الخلاف ، ج 2 ، ص 84 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 17؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 247؛ المحلّي ، ج 6 ، ص 14 و 62 ؛ التمهيد ، ج 20 ، ص 145 و 146؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 137؛ تفسير القرطبي ، ج 8 ، ص 247؛ عمدة القاري ، ج 8 ، ص 254.
17- . اُنظر: رجال النجاشي ، ص 257 _ 258 ، الرقم 676 .
18- . لم يرد فيه مدح و لا قدح. اُنظر: رجال النجاشي ، ص 16، الرقم 18؛ خلاصة الأقوال، ص 49؛ رجال ابن داود ، ص 34. و راجع ترجمته في معجم رجال الحديث.
19- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 13 ، ذيل ح 39.
20- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 92 ، ح 267؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 38 _ 39 ، ح 119؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 141 ، ح 11698.
21- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 429. وانظر: المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 599 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 597 .
22- . هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
23- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 93 ، ح 269؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 29 _ 30 ، ح 121؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 139 ، ح 11691.
24- . الخلاف ، ج 2 ، ص 81 _ 82 ، المسألة 97؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 205؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 244؛ المبسوط للسرخسي ، ج 2 ،ص 190؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 440؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 129.
25- . سنن أبى داود ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1573؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 138؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 5 ، ح 6794 .
26- . اُنظر: فتح العزيز ، ح 11 ، ص 131؛ روضة الطالبين ، ج 4 ، ص 32.
27- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 135_ 136 ، ح 374 . و رواه أيضا في الاستبصار ، ج1 ، ص 121 ، ح 401 بسند آخر عن سليمان بن حفص؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 481 _482 ، ح 1277.
28- . مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 113؛ فإنّ الراوي عن سليمان بن حفص المروزي رجل لم يذكر اسمه.
29- . بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 206؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 18؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، 597 _ 598 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 85 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 19.
30- . المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 18؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 598 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 85 ؛ المبسوط ، ج2 ، ص 192؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 19.
31- . المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 139 ، ح 7250؛ و ص 141 ، ح 7256؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 8 ، ص 229.
32- . الناصريّات ، ص 377.
33- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 92 ، ح 267؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 38 _ 39 ، ح 119؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 141 ، ح 11698.
34- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 94 ، ح 270؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 ، ح 122؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 151 ، ح 11720.
35- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 92 ، ح 267؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 39 ، ح 120؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 180 ، ح 11785.
36- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 ، ح 122.
37- . التوبة(9) : 34 .
38- . النور(24) : 4 .
39- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 93_ 94 ، ذيل ح 269.
40- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 93 ، ح 269؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 39 _ 40 ، ح 121؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 139 ، ح 11691.
41- . اُنظر: شرايع الإسلام ، ج 1 ، ص 115؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 209؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 76 ، المسألة 89 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 135؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 494؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 282؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 385 _ 386؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص122.
42- . المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 9 و 19؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 119؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 11؛ عمدة القاري ، ج 8 ، ص 260 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 135.
43- . فتح العزيز ، ج 6 ، ص 12؛ المبسوط للسرخسي ، ج 2 ، ص 194؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 265؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 17؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 397؛ عمده القاري ، ج8 ، ص 260؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 19؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 524 .

ص: 368

. .

ص: 369

. .

ص: 370

. .

ص: 371

. .

ص: 372

. .

ص: 373

. .

ص: 374

. .

ص: 375

. .

ص: 376

باب أنّه ليس على الحلي وسبائك الذهب ونقر الفضّة والجوهر زكاة

باب أنّه ليس على الحلي وسبائك الذهب ونقر الفضّة والجوهر زكاةبل يشترط كونهما مسكوكين بسكّة المعاملة أو ما كان يتعامل بها لتعليق وجوبها على الدراهم والدنانير ، وبصحيحة عليّ بن يقطين (1) وخبر جميل بن درّاج، (2) فلا زكاة في الحليّ وسبائك الذهب والفضّة وأشباهها ، والحليّ مفرداً بفتح الحاء وسكون اللّام، وجمعاً بضمّ الحاء وكسرها وكسر اللام وشدّ الياء. (3) والمشهور بين الأصحاب عدم وجوب الزكاة فيها وإن تضاعفت قيمته على النصاب محلّاً كان كالخلخال والسوار والخاتم والقرط والدملج للمرأة، والمنطقة والسيف والخاتم من الفضّة للرجل، أو محرّماً كحليّ المرأة للرجال وعكسه. وهو منقول عن الحسن وعبداللّه بن عتبة وقتادة وأبي حنيفة . وعن الشافعي أنّه أوجبها في المحرّم منه، وله في المحلّل قولان ، وعن مالك أنّه يزكّي عاماً واحداً ، وعن أحمد روايتان كأبي حنيفة والشافعي. (4) واختلف فيما إذا قصد به الفرار من الزكاة في أثناء الحول ؛ ففي المنتهى: «لا تجب الزكاة عند الحول، وبه قال الشيخ في النهاية (5) والتهذيب (6) والاستبصار، (7) والسيّد المرتضى في المسائل الطبريّة، (8) والمفيد (9) وابن البرّاج (10) وابن إدريس، (11) وبه قال الشافعي وأبو حنيفة» (12) . (13) ويدلّ عليه إطلاق الأخبار المذكورة في الباب وعمومها، وما رواه الشيخ عن أبي البختري، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحليّ عليه زكاة؟ قال : «إنّه ليس فيه زكاة وإن بلغ مئة ألف، كان أبي يخالف الناس في هذا». (14) وعن السيّد المرتضى والشيخ أنّهما قالا في جمليهما بوجوب الزكاة لو كان الحليّ والسبك ونحوهما في أثناء الحول بقصد الفرار، (15) وهو منقول عن عليّ بن بابويه (16) وابنه في المقنع ، (17) وصرّح ابن أبي عقيل (18) بذلك في الحليّ؛ محتجّين بما رواه الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحليّ فيه زكاة؟ قال : «لا ، إلّا ما فرَّ به من الزكاة». (19) وعن معاوية بن عمّار عنه عليه السلام قال : الرجل يجعل لأهله الحليّ من مئة دينار ومئتي دينار، وأراني[قد]قلت ثلاثمئة، فعليه الزكاة؟ قال : «ليس عليه الزكاة» ، قال : قلت : فإنّه فرَّ [به] من الزكاة؟ قال : «لا يسقط» . (20) وبأنّه يشبه الطلاق في المرض فراراً من مشاركة الزوجة في الميراث مع الورثة، وقتل المورّث لتعجيل الإرث ، فلما يتفرّع عليهما خلاف ما قصده فكذلك هنا . واُجيب عن الخبرين بحملهما على الاستحباب على ما إذا فعل ذلك بعد حلول الحول ، ويشعر به قوله عليه السلام : «لا يسقط» ، فإنّ عدم السقوط مستلزم لتعلّق الوجوب . ويدلّ عليه صريحاً ما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ أباك قال : «مَن فرَّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» ، قال : «صدق أبي ، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، وما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه» ، ثمّ قال لي : «أرأيت لو أنّ رجلاً اُغمي عليه يوماً ثمّ مات، فذهبت صلاته، أكان عليه وقد مات أن يؤدّيها؟» قلت : لا ، [قال] (21) : «إلّا أن يكون أفاق من يومه» ، ثمّ قال لي : «أرأيت لو أنّ رجلاً مرض في شهر رمضان ثمّ مات فيه، أكان يُصام عنه؟» قلت : لا ، قال : «وكذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا ما حمل عليه الحول». (22) وعن الأخيرين ببطلان القياس على أنّه مع الفارق؛ لثبوت حقّ الوارث فيما زاد على ثلث التركة، ولذا منع من الوصيّة بالزائد عن الثلث، والطلاق مسقط له فلا يقبل منه، بخلاف الزكاة فيما نحن فيه، فإنّها لم تثبت بَعْدُ. وكذا القياس على القتل، فإنّ القتل مراد العدم للّه تعالى، فالمنع من الإرث مناسب له بخلاف تصرّف المالك في ماله، فإنّ كونه مراد العدم ممنوع. (23) وبه قال السيّد في الانتصار أيضاً محتجّاً بالإجماع ، ثمّ قال : فإن قيل : قد ذكر عليّ بن الجنيد أنّ الزكاة لا تلزم الفارّ منها ببعض ما ذكرناه، قلنا : الإجماع قد تقدّم ابن الجنيد وتأخّر عنه، وإنّما عوّل ابن الجنيد على أخبار رُويت عن أئمّتنا عليهم السلام تتضمّن أنّه لا زكاة عليه وإن فرّ بماله ، وبإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر منها وأقوى وأولى وأوضح طريقاً، تتضمّن أنّ الزكاة تلزمه ، ويمكن حمل ما تضمّن من الأخبار أنّها لا تلزمه على التقيّة، فإنّ ذلك مذهب جميع المخالفين، ولا تأويل في الأخبار (24) التي وردت بأنّ الزكاة تلزمه إذا فرَّ منها إلّا إيجاب الزكاة ، فالعمل بهذه الأخبار أولى . انتهى. (25) وذهب بعض العامّة إلى وجوب الزكاة في الحليّ إذا بلغت قيمته ألف دينار ، (26) ومالك إلى وجوبها لسنة واحدة ، (27) وفرّق الشافعي بين المحرّم والمحلّل منها، فأوجب الزكاة في الأوّل، وقال بالقولين (28) في الثاني ، (29) وتمسّكوا بأخبار لو سلّمت لا تدلّ على مطلوبهم، مع أنّه ورد في أخبارهم عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ليس في الحليّ زكاة». (30) وعن أبي زبير، قال : سألت جابر بن عبداللّه عن الحليّ فيه زكاة؟ قال : لا ، قلت : إنّ الحليّ يكون فيه ألف دينار ، وقال : إن كان فيه تُعار وتلبس. (31) وعن أحمد أنّه قال : خمسة من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقولون ليس فيه زكاة، (32) وهي تدلّ على عدم وجوب الزكاة فيه مطلقاً . وقد حكي عن بعضهم أنّهم ضمّوا النقار إلى الدراهم ، والسبائك (33) إلى الدنانير ، محتجّين بأنّ الزكاة تجب في قيمة العروض، فيجب فيهما أيضاً، (34) وهو ضعفٌ في ضعف .

.


1- . هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
2- . هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.
3- . اُنظر: مسالك الأفهام ، ج 11 ، ص 282 _ 283.
4- . عمدة القاري ، ج 9 ، ص 33؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 606 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 3 ، ص 228؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 494.
5- . النهاية ، ص 175.
6- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 8 ، بعد الحديث 19.
7- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 8 ، ذيل ح 22.
8- . جوابات المسائل الطبرية (رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 224) ، و الظاهر منه جوبه فيما إذا هرب بها من الزكاة.
9- . المقنعة ، ص 258.
10- . المهذب ، ج 1 ، ص 168.
11- . السرائر ، ج 1 ، ص 442.
12- . المعتبر ، ج 2 ، ص 526 ، الخلاف ، ج 2 ، ص 87 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 6 ، جامع الخلاف و الوفاق ، ص 135.
13- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 495.
14- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 8 ، ح 20؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 158 ، ح 11735.
15- . جمل العلم و العلم (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 75)؛ الجمل و العقود (الرسائل العشر ، ص 205).
16- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 199.
17- . المقنع ، ص 163 ، ومثله في الفقيه ، ج 2 ، ص 15.
18- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 157.
19- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 9 ، ح 24؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 8 ، ح 21؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 162 ، ح 11747.
20- . كذا ، والموجود في المصدر : «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» بدلاً من «لايسقط». و الحديث في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 9 ، ح 25؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 8 ، ح 22؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 157 ، ح 11734.
21- . اُضيف من المصدر.
22- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 10 ، ح 27؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 8 _ 9 ، ح 24؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 161 ، ح 11745.
23- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 499.
24- . كذا في الأصل، و في المصدر: «للأخبار».
25- . الانتصار ، ص 219 _ 220.
26- . المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 607.
27- . المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 607 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 74، ذيل ح 622 . وحكى في عمدة القاري، ج 9، ص 33، عن أنس.
28- . هذا هو الظاهر، ونقل عنه قولان، وفي المصدر «بالقرائن» بدل «بالقولين».
29- . منتهى المطلب، ج 9، ص 494؛ المجموع للنووي، ج 6 ، ص 35؛ روضة الطالبين، ج 2، ص 121 _ 122.
30- . السنن الكبرى للترمذي ، ج 4 ، ص 138؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 82 ، ح 7047؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 92 ، ح 1937.
31- . المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 607 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 619 _ 620 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 3 ، ص 64 ، الباب 45 من كتاب الزكاة ، ح 5 ؛ المدوّنة الكبرى ، ح 1 ، ص 248.
32- . المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 606 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 606 .
33- . النقار: مذاب الغضّة. و السبانك جمع سبيكة: القطعة المستطيلة من الذهب. المجموع للنووي ، ج 14 ، ص 361.
34- . الخلاف ، ج 2 ، ص77 ، المسألة 90؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 6 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 534 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 605 .

ص: 377

. .

ص: 378

. .

ص: 379

. .

ص: 380

باب زكاة مال الغائب و الدين و الوديعة

باب زكاة مال الغائب والدين والوديعةهنا مسائل : الاُولى : المال الغائب. والمراد به ما لم يكن يد المالك عليه ، ولابدّ مَن ينوب منابه، كالموروث عن غائب قبل الوصول إليه ، أو إلى وكيله ، وكالساقط في البحر والضالّ والمغصوب ونحوها . ولا تجب الزكاة فيه إذا لم يكن المالك متمكِّناً منه باتّفاق الأصحاب (1) ؛ لاشتراط المالك التامّ المستتبع للتمكّن من التصرّف في تعلّق الزكاة، ولكن يستحبّ إذا عاد في يده أن يزكّيه لسنة واحدة؛ لحسنة سدير الصيرفي، (2) وخبر رفاعة بن موسى، (3) وصحيحه عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا صدقة على الدّين، ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك». (4) وموثّقة عبداللّه بن بكير، عن زرارة أو عمّن رواه، عنه عليه السلام ، أنّه قال في رجل ماله عنه غايب لا يقدر على أخذه، قال : «لا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، وإن كان يدعه متعمّداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين». (5) وفي الموثّق عن عبداللّه بن بكير، عمّن رواه، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال : «فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ من السنين». (6) وما رواه المصنّف قدس سره في غير هذا الباب عن إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، قال : سألته عن رجل ورث مالاً والرجل غائب، هل عليه زكاة؟ قال : «لا ، حتّى يقدم» . قلت : أيزكّيه حين يقدم؟ قال : «لا ، حتّى يحول عليه الحول[و هو عنده]». (7) وبسند آخر عن إسحاق، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون له الولد، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ، ومات الرجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال : «يعزل حتّى يجيء» . [قلت: فعلى ماله زكاة؟ فقال: لا حتّى يجيء]. قلت : فإذا جاء هو أيزكّيه؟ قال : «لا ، حتّى يحول عليه الحول في يده». (8) وبه قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الاُخرى والشافعي قالا بوجوبها، محتجّين بأنّه مالٌ مملوك ملكاً تامّاً، (9) وكأنّهما لم يعتبرا في الملك التامّ التمكّن من التصرّف . وتلك الأخبار وإن كانت ظاهرة في وجوبها كما ذهب إليه مالك، إلّا أنّها حملت على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على سقوط الزكاة من وجود المقتضي للسقوط في السنين ، أعني عدم التمكّن من التصرّف في السنة أيضاً. ولولا دعوى الإجماع على عدم الوجوب لسنة لكان القول به قويّاً . واحتجّ مالك بأنّ ابتداء الحول كان في يده، ثمّ حصل بعد ذلك في يده، فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد. (10) وفيه ما فيه . الثانية : الدين . وقد اختلف الأصحاب في زكاته إذا كان حالّاً ، والمشهور سقوط الوجوب مطلقاً وإن كان تأخير القبض بتقصير صاحبه؛ لاشتراط الملك في وجوبها، والقرض قبل القبض ليس بمملوك ، ولما رواه المصنّف قدس سره ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا صدقة على الدين». (11) وفي الموثّق عن الحلبي، عنه عليه السلام قال : قلت له : ليس في الدّين زكاة؟ قال : «لا». (12) وفي الصحيح عن إسحاق بن عمّار وصفوان بن يحيى، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : الدَّين عليه زكاة؟ فقال : «لا ، حتّى تقبضه» . قال: قلت : فإذا قبضت أزكّيه؟ قال : «لا، حتّى يحول عليه الحول[في يديه]». (13) ويأتي مثله في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود، وهو منقول في المنتهى عن عائشة وابن عمر وعكرمة وقديم الشافعي، (14) وفي المبسوط: وفي أصحابنا من قال : يخرج لسنة واحدة. (15) وحكى ذلك في المنتهى عن سعيد بن المسيب ، (16) والمشهور استحباب ذلك؛ للجمع بين الأدلّة . وذهب الشيخان في المقنعة (17) والنهاية (18) والمبسوط (19) والخلاف (20) وفي الجمل أيضاً (21) _ على ما نقل عنهما_ بوجوب الزكاة فيه إذا كان التأخير بتقصير المالك ، وهو منقول عن جمل السيّد. (22) واحتجّوا عليه بعموم قوله عليه السلام : «هاتوا ربع عشر أموالكم». (23) ورواية درست، (24) وخبر عبد الحميد بن سعيد_ أو سعد _ ، (25) وخبر عبد العزيز، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يكون له الدَّين أيزكّيه؟ قال : «كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة». (26) وفي المختلف: الجواب _ بعد صحّة السند _ الحمل على الاستحباب؛ جمعاً بين الأدلّة . لا يقال: لِمَ لا يجوز أن يجمع بينها بما فصل في هذين الخبرين _ يعني خبري درست وعبد العزيز_ ؟ لأنّا نقول: لمّا سأله الحلبي عن الدَّين أطلق عليه السلام القول بانتفاء الوجوب ، فلو كان تجب في صورة ما لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. (27) وربّما احتجّ عليه بأنّه مملوك اجتمعت فيه شرائط الوجوب ، وفيه تأمّل . وحكى في المنتهى وجوب الزكاة فيه من غير تقييد بتقريظ المقرض عن الثوري وأبي ثور وأصحاب الرأي وجابر وطاوس والنخعي والحسن والزهري وقتادة وحمّاد والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق ، وقال : ورواه الجمهور عن عليّ عليه السلام . (28) هذا ، وقال صاحب المدارك : واعلم أنّ العلّامة صرّح في التذكرة بأنّه لو كان الدين نعماً فلا زكاة فيه ، ثمّ قال : ومن أوجبه في الدين توقّف هنا؛ لأنّ السوم شرط فيها، وما في الذمّة لا يوصف بكونه سائماً ، ثمّ استشكله بأنّهم ذكروا في السلم في اللحم التعرّض لكونه لحم راعية أو معلوفة، وإذا جاز أن يثبت لحم راعية في الذمّة جاز أن يثبت راعية. (29) وأورد عليه [جدّي في] فوائد القواعد أنّه إنّما يتّجه هذا إذا جعلنا مفهوم السوم عدميّاً، وهو عدم العلف كما هو الظاهر من كلامهم ، أمّا إذا جعلناه أمراً وجوديّاً وهو أكلها من مال اللّه المباح لم يعقل كون ما في الذمّة سائماً . وفي الفرق نظر، فإنّه إذا جاز ثبوت الحيوان في الذمّة جاز ثبوت هذا النوع المخصوص منه، وهو ما يؤكل من المباح، لكن المتبادر من الروايتين المضمّنتين لثبوت الزكاة في الدين بأنّ المراد به النقد، فلا يبعد قصر الحكم عليه؛ لأصالة البراءة من الوجوب في غيره . انتهى. (30) هذا حال المقرض ، وأمّا المقترض فإن بقي الدَّين عنده حولاً فتجب الزكاة عليه؛ لوجود الشرائط فيه . ويدلّ أيضا عليه بعض أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عطيّة، قال : قلت لهشام بن أحمر : أحبّ أن تسأل لي أبا الحسن عليه السلام : أنّ لقوم عندي قروضاً ليس يطلبونها منّي، أفعليَّ فيها زكاة؟ فقال : «لا تقضي ولا تزكّي؟! زكّ» (31) . (32) وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء اللّه ، على مَن الزكاة ، على المقترض أو على المستقرض؟ فقال : «على المقترض؛ لأنّ له نفعه وعليه زكاته». (33) وفي المختلف: قال الشيخ في باب القرض من النهاية : «إن اشترط المقترض الزكاة على القارض وجبت عليه دون المقترض» (34) وبه قال في باب الزكاة من الخلاف، (35) والمفيد في المقنعة (36) والشيخ عليّ بن بابويه في الرسالة (37) وابن إدريس ، (38) واحتجّوا عليه برواية منصور بن حازم ، (39) وقد رواها الشيخ عنه بسندٍ صحيح. (40) واُجيب بأنّها إنّما تدلّ على أنّ المقرض لو تبرّع بالأداء سقط عن المقترض، ولا نزاع فيه، وإنّما النزاع في سقوط الوجوب مع الشرط، وهي غير دالّة عليه. (41) واعلم أنّهم قد حكموا بصحّة هذه الرواية بناءً على ما زعموا من أنّ محمّد بن إسماعيل فيها هو ابن بزيغ وقد مرّ مراراً أنّه البُندقي. الثالثة: في الوديعة . والظاهر أنّه لا تجب الزكاة فيها على المالك إلّا مع القدرة على الأخذ عن المستودع، فلو لم يتمكّن لم تجب؛ لما عرفت . ويؤكّده ما رواه الشيخ قدس سرهعن إبراهيم بن أبي محمود، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : الرجل تكون له الوديعة والدين ولا يصل إليهما، ثمّ يأخذهما، متى تجب عليه الزكاة؟ قال : «إذا أخذهما ثمّ يحول عليهما الحول يزكّي» . (42) وأمّا المستودع فلا تجب عليه؛ لعدم الملك . وأمّا ما يفهم من صحيحة عليّ بن أبي حمزة من وجوب الزكاة على المستودع إذا حرّك الوديعة، (43) فالظاهر أنّ المراد من الوديعة هنالك مال المضاربة . قوله في خبر سماعة: (وإن هو كان يأخذ منه قليلاً قليلاً فليزكّ ما خرج منه أوّلاً فأوّلاً) . [ح4/5811] يشمل قوله : «قليلاً قليلاً» ما إذا كان المأخوذ أقلّ من النصاب، ولا بُعد في استحباب إخراج الزكاة عنه إذا كان مجموع الدَّين نصاباً أو أزيد، ولم أرَ تصريحاً بذلك في كلام أحد ، ولعلّه مبني على وجوب الزكاة في الدين، فليخصّ بما سبق. والغرض من قوله : «وإن كان متاعه ودينه وماله في تجارته» إلى آخره ، بيان حكم زكاة التجارة والتنبيه على علّتها، وهي: أنّ المال إذا كان منقلباً بيده يصير يوماً عرضا، ويوماً نقداً، يشبه النفقة الباقي في يده تمام الحول . وقوله عليه السلام : «ولا ينبغي له أن يعيّن ذلك » بالعين المهملة والنون من العينة، وهو بيع الشيء نسيئة، (44) يعني لا ينبغي أن يبيعه بعد الحول قبل إخراج الزكاة منه إلى أجل إذا انتظر حلول ذلك الأجل لإخراجها؛ للزوم تأخير أدائها عن وقتها . نعم ، يجوز ذلك إن أدّاها من غير ذلك المال . وفي بعض النسخ : «تغيّر» بالمعجمة والراء المهملة، ولعلّه من تغيير النسّاخ، إلّا أن يجعل قوله : «فيؤخّر الزكاة» مفسّراً للتغيير، ولا يبعد أن يقرأ: يعير من الإعارة، كما سيجيء في صحيحة أبي الصباح في الرجل ينسئ أو يعير ، (45) فالمعنى لا ينبغي أن يعير مال التجارة قبل أداء الزكاة، فينتظر هذه تبقى في يد المستعير لاستتباع ذلك لتأخير الزكاة عن وقتها .

.


1- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 196؛ المقنعة ، ص 293؛ رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 74؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 111؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 211؛ جواهر الفقه ، ص 30، المسألة 96؛ السرائر ، ج 1 ، ص 429؛ المعتبر ، ج2 ، ص 490؛ نزهة الناظر ، ص 50 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 18 ، المسألة 11؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 230، الدرس 60 ؛ مسالك الأفهام، ج 1، ص 361.
2- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
3- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
4- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 31 ، ح 78؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 95 ، ح 11608.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 31 ، ح 77؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 28، ح 81 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 95 ، ح 11609 ، و في الوسائل «عن زرارة» بدل «عمّن رواه».
6- . هذه الرواية نفس الرواية نفس المتقدّمة مع اختصار و حذف فيها ، و لم أعثر عليها.
7- . الكافي ، باب المال الذي لايحول عليه الحول في يد صاحبه ، ج 5 ، و ما بين الحاصرتين منه؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 34 ، ح 89 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 94 ، ح 11605.
8- . الكافي ، باب المال الّذي لايحول عليه الحول في يد صاحبه ، ح 1 ، وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص94 _95 ، ح 11604.
9- . اُنظر: منتهى المطلب ، ج 1 ، ص475؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 490؛ الاُم للشافعي ، ج 2 ، ص 55 ؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 502 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 351؛ و ج 6 ، ص 22؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 52 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 296.
10- . المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 256؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 640 ، الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 443؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 475.
11- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 31 ، ح 78؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 95 ، ح 11608.
12- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 32 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 96 ، ح 11613.
13- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 34 ، ح 87 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 28 ، ح 79؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 96 ، ح 11612 ، و في الجميع: «صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمّار».
14- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 476 . وانظر: المعتبر ، ج2 ، ص 491 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 80 ، المسألة 96 ؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 502 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 21 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 442؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 639 .
15- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 211.
16- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 476. وانظر: الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 442؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 639 .
17- . المقنعة ، ص 247.
18- . اُنظر: النهاية ، ص 176.
19- . المبسوط ، ج 1 ، ص 211.
20- . الخلاف ، ج 2 ، ص 80 ، المسألة 96.
21- . الجمل و العقود (الرسائل العشر ، ص 205).
22- . الجمل و العقود (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 74).
23- . المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 15؛ عوالي اللآلي ، ج 3 ، ص 115 ، ح11؛ مستدرك الوسائل ، ج 7 ، ص 78 ، ح 7692. و نحوه في: مسند أحمد ، ج 1 ، ص 132؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 570 ، ح 1790؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1572؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 94؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 3 ، ص260 ، ح 2292؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 78 ، ح 1881.
24- . تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 32 ، ح 81. و هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 97 ، ح 11616 ، و المذكور في الأخيرين : «درست ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ».
25- . هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي. وانظر: رجال النجاشي ، ص 246 ، الرقم 648 «عبدالحميد بن سعد»؛ رجال الطوسي ، ص 340 ، الرقم 5065 «عبدالحميد بن سعيد»؛ و ص 341 ، الرقم 5076 «عبدالحميد بن سعد».
26- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 32 ، ح 82 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 96 _ 97 ، ح 11614.
27- . مختلف الشيعة ، ج 3 ،ص 162 _ 163.
28- . منتهى المطلب، ج 1، ص 476. وانظر: المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 2، ص 638 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 2، ص 442.
29- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 24.
30- . مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 40 _ 41.
31- . ما أثبتناه مذكور في هامش الأصل ، و هو مطابق للمصدر ، و في متن الأصل: «و لا تزكيّه زكّه».
32- . تهذيب الأحكام، ج 4، ص 33، ج 86 ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 102، ح 11630.
33- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 33 ، ج 84 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 102 ، ح 11629.
34- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 163؛ النهاية ، ص 312 ، و لفظه مغاير لعبارة مخلتف الشيعة ، و المعنى واحد.
35- . الخلاف، ج 2، ص 110.
36- . المقنعة ، ص 239.
37- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 198.
38- . السرائر ، ج 1، ص 445.
39- . هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
40- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 32 ، ح 82 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 101 ، ح 11626.
41- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 164.
42- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 34 ، ح 88 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 28 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 95 _ 96 ، ح 11610.
43- . هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 103 ، ح 11632.
44- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 288 (عين).
45- . هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 103 ، ح 11633.

ص: 381

. .

ص: 382

. .

ص: 383

. .

ص: 384

. .

ص: 385

. .

ص: 386

. .

ص: 387

باب أوقات الزكاة

باب أوقات الزكاةأراد قدس سره بقرينة أخبار الباب بيان أوّل أوقات تعلّق الزكاة بالأموال الزكويّة، ووقت وجوب إخراجها، وبيان فوريّة أدائها، وعدم جواز تأخير الإخراج عن وقته ولا تقديمه عليه، ووقت التعلّق فيما يعتبر فيه الحول، أعني ما عدا الغلّات، وهو دخول الشهر الثاني على ما يجيء في الباب الآتي . وأمّا الغلّات فقد اختلف الأصحاب فيه، فذهب المحقّق في الشرائع إلى أنّه إذا سمّي حنطة وشعيرا وتمراً وزبيباً. (1) وفي المنتهى: أنّه في الحبوب وقت اشتدادها، والثمار إذا بدأ صلاحها، (2) وهو المشهور بين المتأخّرين، (3) وفسّروا بدو الصلاح بالإحمرار والإصفرار . وحكى الشهيد الثاني في البيان عن ابن الجنيد والمحقّق أنّهما اعتبرا في الثمرة صيرورتها عنباً أو تمراً ، (4) والظاهر من الأخبار أنّه إذا صار حنطة وشعيرا و عنباً ورطباً بل بسراً ، أمّا الأوّلان فلتعليق الزكاة في أخبارهما منها على الاسمين ، وأمّا الأخيران فلما دلّ على وجوبها فيهما إذا كانا على الشجرة بالخرص والتخمين . والظاهر أنّهما حينئذ لا يكونان تمراً وزبيباً ، ففي صحيحة سعد بن سعد الأشعري[...] وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، متى تجب على صاحبهما؟ قال : «إذا صرم وإذا خرص». (5) بل قد وقع التصريح بوجوبها في الكرم إذا صار عنباً . روى سعد بن سعد في صحيحته الاُخرى، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ والشعير والتمر والزبيب، فقال : «خمسة أوساق بوسق النبيّ صلى الله عليه و آله » ، فقلت : كم الوسق؟ فقال : «ستّون صاعاً» ، فقلت : فهل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال : «نعم إذا خرصه أخرج زكاته». (6) وفي صحيحة هشام، عن سليمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس في النخل صدقة حتّى تبلغ خمسة أوساق، والعنب مثل ذلك حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيباً». (7) وعنه عليه السلام قال : «لا يكون في الحبّ ولا النخل ولا في العنب زكاة حتّى يبلغ» ، (8) الحديث . فلعلّ التعليق على التمر والزبيب فيما عدا هذه الأخبار لخرص النصاب. على أنّ التمر يشمل الرطب؛ لنصّ أهل اللغة على أنّ الرطب نوع من التمر، بل يشمل البسر أيضاً، فقد نصّوا على أنّه أيضاً نوع من التمر. (9) وبذلك احتجّ العلّامة في المنتهى على ما نقلنا عنه منضمّاً إلى أنّ الحبّتين إنّما تسمّيان حنطة إذا اشتدّتا ، (10) ولعلّ مراد المحقّق وابن الجنيد أيضاً من التمر ذلك . وعلى هذا فتلائم الأخبار والفتاوى . وأمّا وقت الإخراج فقد أجمع الأصحاب على أنّه إذا صنعت الغلّة ويبست التمرة ، بل قال في المنتهى : «اتّفق العلماء كافّة على أنّه لا يجب الإخراج في الحبوب إلّا بعد التصفية، وفي التمر إلّا بعد التشميس والجفاف» (11) ونحوه منقول عن التذكرة. (12) والمراد بوقت الإخراج الوقت الذي لا يجوز التأخير عنه، وإلّا فقد صرّحوا بجواز مقاسمة الساعي والمالك قبل الجذاذ وإجزاء دفع الواجب على رؤوس الأشجار . ويدلّ على ذلك العمومات، وخصوص قوله عليه السلام في صحيحة سعد بن سعد الأشعري : «إذا خرصه أخرج زكاته». (13) وربّما احتجّوا عليه بقوله سبحانه : «وَآتُوا الزَّكَاةَ» (14) بناءً على كون الأمر للفور . إذا عرفت هذا فاعرف أنّه إذا أخّر الدفع على المستحقّ بعد وجوب الإخراج ضمن مع إمكان الدفع، وإلّا فلا ، كما هو شأن سائر الأمانات ، ذهب إليه الأصحاب أجمع (15) ؛ محتجّين بحسنة محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتّى يدفعها». (16) ورواية زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل بعث إليه أخ له زكاة ليقسمها فضاعت ، فقال : «ليس على الرسول ولا المؤدّي ضمان» ، قلت : فإن لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت، أيضمنها؟ قال : «لا ، ولكن إن عرف لها أهلاً فتلفت أو فسدت فهو لها ضامن من حين أخّرها». (17) وهو محكي عن الشافعي، (18) وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وفي الاُخرى: لا يسقط الضمان مطلقاً بناءً على ما زعمه من تعلّق الزكاة بالذمّة لا بالعين، (19) مستنداً بجواز إخراج القيمة، فلا يسقط بتلف المال كالدَّين . وبطلانه واضح؛ لما ستعرف من تعلّق الزكاة بالعين، وأنّ جواز دفع القيمة في باب الإرفاق والتسهيل لا لتعلّقها بالذمّة . وعن أبي حنيفة القول بالسقوط مطلقاً ، إلّا أن يكون الإمام قد طالبه فمنعه، (20) زعماً منه أنّها بلغت قبل محلّ الاستحقاق فسقط، كما لو تلفت الثمرة قبل الجذاذ . واُجيب ببلوغها محلّ الاستحقاق بحلول الحول ونحوه . نعم ، يجوز تأخير إخراج بعضها انتظاراً لمستحقّ آخر؛ لصحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في الرجل يخرج زكاته، فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس له المواضع، فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر ، قال : «لا بأس». (21) وموثّقة حسن بن عليّ بن فضّال، عن يونس بن يعقوب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : زكاتي (22) تحلّ عليَّ شهراً، فيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال : «إذا حال الحول فاخرجها من مالك ولا تخلطها بشيء، واعطها كيف شئت» ، قال: قلت : فإذا أنا كتبتها وأثبتّها، يستقيم لي؟ قال : «نعم، لا يضرّك». (23) واعلم أنّه كما لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوب الإخراج، لا يجوز تقديمها أيضاً على وقت تعلّق الوجوب إلّا قرضاً . ودلَّ عليه حسنة عمر بن يزيد (24) وصحيحة زرارة. (25) ويؤيّدهما أنّهما عبادة مؤقّتة، فينبغي أن لا يتقدّم على وقتها كسائر العبادات الموقّتة ، وبه قال جمع من العامّة ، وحكي عن أبي حنيفة والشافعي وأحمد جواز تقديمها ، (26) ونسب ذلك إلى ابن الجنيد (27) والشيخ في بعض أقواله . وقال شيخنا المفيد قدس سره : والأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه كالصلاة ، وقد جاء عن الصادقين عليهماالسلام في تقديمها شهرين قبل محلّها وتأخيرها شهرين [عنه]، وجاء ثلاثة أشهر [أيضا] وأربعة أشهر عند الحاجة إلى ذلك. (28) وكأنّه أراد بالحاجة وجود محتاج صالح ونحو ذلك قبل الوقت أو توقّعه بعده ، ومثله قول المصنّف قدس سره: وقد روي أيضاً أنّه يجوز إذا أتاه من يصلح له الزكاة أن يعجّل له قبل وقت الزكاة، إلّا أنّه يضمنها إذا جاء وقت الزكاة ، وقد أيسر المعطى أو ارتدّ أعاد الزكاة. (29) وقد أشار بذلك إلى ما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان، فيؤخّرها إلى المحرّم ، قال : «لا بأس» . قلت : فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم، فيعجّلها في شهر رمضان ؟ قال : «لا بأس». (30) ومرفوعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يأتيه المحتاج، فيعطيه من زكاته في أوّل السنة؟ فقال : «إن كان محتاجاً فلا بأس». (31) وعن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين». (32) وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يعجل زكاته قبل المحلّ ، فقال : «إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس». (33) وروى العامّة عن عليّ عليه السلام : «أنّ العبّاس سأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخّص له في ذلك». (34) وعنه عليه السلام أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعمر : «إنّا قد أخذنا زكاة العبّاس في الشهر الأوّل للعام». (35) وحملت هذه الأخبار على أدائها قرضاً لا زكاةً، وهو ظاهر المصنّف قدس سره . والشيخ أيّد هذا التأويل بصحيحة عبداللّه بن مسكان، عن أبي جعفر الأحول، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في رجل عجّل زكاة ماله، ثمّ أيسر المعطي قبل رأس السنة ، قال : «يعيد المعطي الزكاة». (36) قوله في خبر الإصبهاني : (إذا قبضته فزكّه) ، إلى آخره . [ح 5/5825] الظاهر أنّ هذا الأمر على الاستحباب ، وقد صرّح بذلك صحيح أبي بصير الذي بعده. وحمله على الوجوب مخصّصاً بما إذا قصر في الاقتضاء وقد حال الحول _ كما هو مذهب السيّد المرتضى والشيخين على ما سبق _ بعيد .

.


1- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 116.
2- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 498 _ 499.
3- . اُنظر: مفتاح الكرامة ، ج 11 ، ص 143.
4- . البيان ، ص 181.
5- . هو الحديث الرابع من هذا الباب؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 194 _ 195 ، ح 11817.
6- . هو الحديث الخامس من هذا الباب ، وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 175 ، ح 11772.
7- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 18 ، ج 46؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص18 ، ح 52 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 177 ، ح 11778.
8- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 17_ 18 ، ح 44؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص17 ، ح 50؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 181 ، ح 11788.
9- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 136 (رطب) ، و ص356 (بلح) ، و ص 589 (بسر).
10- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 499.
11- . نفس المصدر.
12- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 147 ، المسألة 82 .
13- . هو الحديث الخامس من هذا الباب.
14- . البقرة (2) : 43 .
15- . اُنظر: المعتبر ، ج 2 ، ص 553 و 589 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 191؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 511 ؛ نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 403؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 43.
16- . الكافي ، باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد... ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 30 ، ح 1617؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 47 ، ح 125؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 285 _ 286 ، ح 12033.
17- . هو الحديث الرابع من الباب المتقدّم ذكره من الكافي و فيه: «حين يخرجها» بدل «حين أخّرها»؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 48 ، ح 126؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 286 ، ح 12034.
18- . فتح العزيز ، ج 5 ، ص 546 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 17؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 333؛ روضة الطالبين ، ح 2 ، ص 82 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 537 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 382.
19- . المغني لابن قدامة، ج 2 ، ص 537 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 463.
20- . فتح العزيز ، ج 5 ، ص 546 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 17؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 382.
21- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 45 ، ح 118؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 308 ، ح 12091.
22- . المثبت من المصدر ، و في الأصل: «زكاة».
23- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 45 _ 46 ، ح 119؛ و هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 307 ، ح 12088.
24- . هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 305 ، ح 12084.
25- . هوالحديث التاسع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 305 ، ح 12085.
26- . اُنظر: الخلاف ، ج 2 ، ص 43 _ 44 ، المسألة 46؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 499 _ 500 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 682 ؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 530 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 2 ، ص 177؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 312؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 50 ؛ المحلّى ، ج 6 ، ص 95 _ 96 ، المسألة 693 .
27- . حكاه عنه المحقق في المعتبر ، ج 2 ، ص 555 ، و العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 296.
28- . المقنعة ، ص 239 _ 240 ، و ما بين الحاصرات منها.
29- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.
30- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 112؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 94؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 301 _ 302 ، ح 12072.
31- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 113؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 95؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 302 ، ح 12073.
32- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 114؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 96؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 302 ، ح 12074.
33- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 115؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 97؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 302 ، ح 12075.
34- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 104؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 572 ، ح 1795؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1624؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 93 ، ح 673 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 332؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 111؛ و ج 10 ، ص 54 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 49؛ المنتقى لابن الجارود ، ص 98 ، ح 360.
35- . سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 94 ، ح 674 ؛ كنز العمّال ، ج 6 ، ص 552 ، ح 16905، عن الترمذي و سعيد بن منصور.
36- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 45 ، ح 116؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 33 ، ح 98؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 214 ، ح 11867؛ و ص 304 ، ح 12081. و رواه الكليني في الكافي ، باب الرجل يعطي من زكاة من يظنّ أنّه معسر ثمّ يجده موسرا ، ح 2؛ و الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 30 ، ح 1615.

ص: 388

. .

ص: 389

. .

ص: 390

. .

ص: 391

. .

ص: 392

. .

ص: 393

باب

بابيذكر فيه جواز الاشتراط على المشتري أداء زكاة الثمن الذي يبقى عند البائع سنة أو أكثر على ما فهمه الأصحاب رضي اللّه عنهم من الخبرين ، قال الصدوق رضى الله عنه : «وإن بعت شيئاً وقبضت ثمنه، واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر، فإنّ ذلك جائز يلزمه من دونك». (1) واستدلّ عليه بالخبرين المذكورين في الباب . وأيّد بأنّ العبادات الماليّة قابلة للنيابة في الجملة كالحجّ ، وعلى هذا فقوله عليه السلام في صحيحة عبداللّه بن سنان : «إنّما فعل ذلك لأنّ هشاماً كان هو الوالي» (2) يعني أنّه صلوات اللّه عليه إنّما اعتمد على هشام مع فسقه _ بل كفره _ في أداء ما يجب عليه عليه السلام تقيّةً عنه؛ وليطمئن قلبه المنكوس باعتماده عليه السلام عليه . وفيه بعد بقاء المال عنده عليه السلام اشترط على سليمان وهشام أداء الزكاة التي كانت واجبة عليهما لذلك المال في تينك المدّتين، وأنّه كان يعلم أنّهما لم يؤدّيا زكاته في المدّتين، ولا يناسب الإمامة تملّك المال الذي تعلّقت به الزكاة قبل إخراجها . وعلى هذا فمعنى التعليل في الثاني: أنّ هشاماً كان والياً، وما كان دأب الولاة إعطاء الزكاة .

.


1- . الفقيه ، ج 2 ، ص 21.
2- . هذا هو الحديث الثاني من هذا الباب؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 173 _ 174 ، ح 11770.

ص: 394

باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه

باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبهقد اتّفق أهل العلم إلّا نادراً من العامّة على اعتبار الحول في الأنعام والنقدين ، (1) والأخبار عليه متظافرة من الطريقين ، منها: ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب وفي الأبواب السابقة . ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه». (2) وحكى في المنتهى (3) عن ابن عبّاس وابن مسعود أنّهما قالا : «إذا استفاد المال زكّاه في الحال، ثمّ تتكرّر بتكرّر الحول ». (4) وردّه بما رواه الجمهور عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمقال : «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول». (5) وعن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ليس في مال المستفيد زكاة حتّى يحول عليه الحول». (6) واعلم أنّ الحول المعتبر في الزكاة إنّما هو أحد عشر شهراً هلالية، ويحلّ باستهلال الثاني عشر عند علمائنا على ما نسبه العلّامة في المنتهي (7) وغيره. (8) ويدلّ عليه بعض ما اُشير إليه من الأخبار كحسنة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام التي رواها المصنّف في الباب، (9) وفي حسنة اُخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : رجل كانت له مئة درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده وأهله فراراً من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال : «إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة». (10) ثمّ ظاهر الخبرين استقرار الوجوب بذلك من غير توقّف على تمام الشهر الثاني عشر من الحول الثاني دون الأوّل، وهو المستفاد أيضاً ممّا رواه المصنّف في باب أوقات الزكاة عن خالد بن الحجّاج الكرخي من قوله عليه السلام : «فإذا حال الحول من الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل بمثل ما صنعت» ، (11) وهو ظاهر الفاء التعقيبيّة في قولهم عليهم السلام : «فإذا حال الحول فزكّه». (12) ويظهر من الشهيد في الدروس توقّفه عليه حيث قال باحتساب الحول الثاني من آخر الثاني عشر، (13) وكأنّه استند في ذلك بأصالة عدم النقل فيما لا نصّ عليه ، وقد توقّف بعض في ذلك لما اُشير إليه من الوجهين ، وضعفهما واضح ، فتدبّر . قوله في حسنة زرارة : (قلت لأبي جعفر عليه السلام ) الحديث .[ح 4/5836] رواه الشيخ في التهذيب بهذا السند مثله بعينه ، (14) ورواه الصدوق في العلل بسند آخر بزيادة قال في باب نوادر علل الزكاة: أبي رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن معروف، عن أبي الفضل، عن عليّ بن مهزيار، عن إسماعيل بن سهل، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : رجل كانت عنده دراهم أشهر، فحوّلها دنانير، فحالَ عليها منذ يوم ملكها دراهم حولها ، أيُزكّيها؟ قال : «لا» . ثمّ قال : «أرأيت لو أنّ رجلاً دفع إليك مئة بعير وأخذ منك مئتي بقرة، فلبثت عنده أشهراً ولبثت عندك أشهراً، فَمَوَّتَتْ عندك إبله، ومَوَّتَتْ عنده بقرك، أكنتما تزكّيانها؟» فقلت : لا ، قال : «كذلك الذهب والفضّة» . ثمّ قال : «وإن حوّلت برّاً أو شعيراً، ثمّ قلبته ذهباً أو فضّة، فليس عليك فيه شيء، إلّا أن يرجع ذلك الذهب أو تلك الفضّة بعينها أو عينه، فإن رجع ذلك إليك فإنّ عليك الزكاة؛ لأنّك قد ملكتها حولاً» . قلت له : فإن لم يخرج ذلك الذهب من يدي يوماً؟ قال : «إن خلط بغيره فيها فلا بأس، ولا شيء فيما رجع إليك منه» . ثمّ قال : «إن رجع إليك بأسره بعد إياس منه فلا شيء عليك فيه حولاً» . قال : فقال زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : «ليس عليك في النيف شيء حتّى يبلغ ما يجب فيه واحداً، ولا في الصدقة والزكاة كسور، ولا تكون شاة ونصف، ولا بعير ونصف، ولا خمسة دراهم ونصف، ولا دينار ونصف ، ولكن يؤخذ الواحد ويطرح ما سوى ذلك حتّى يبلغ ما يؤخذ منه واحد، فيؤخذ من جميع ماله» . قال: وقال زرارة وابن مسلم : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «أيّما رجل كان له مال وحالَ عليه الحول فإنّه يزكّيه» . قلت له : فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ قال : «ليس عليه شيء إذن» . قال: وقال زرارة عنه أنّه قال : «إنّما هذه بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته، ثمّ خرج في آخر النهار في سفر، فأراد بذلك (15) إبطال الكفّارة التي وجبت عليه» ، وقال : «إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، ولكنّه لو كان يوهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء، بمنزلة من خرج ثمّ أفطر، إنّما لا تمنع الحال عليه، فأمّا ما لم يحلّ عليه فله منعه، ولا يحلّ له منع مال غيره فيما قد يحلّ عليه» . قال زرارة : قلت له : مئتا درهم من خمس اُناس أو عشرة حال عليه الحول وهي عندهم، أيجب عليهم زكاتها؟ قال : «لا ، هي بمنزلة تلك، ليس عليهم شيء حتّى يتمّ لكلّ إنسان منهم مئتا درهم» . قلت : وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضّة وجميع الأموال؟ قال : «نعم» . قال زرارة : وقلت له : رجل كانت عنده مئتا درهم، فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله؛ فراراً[بها] من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر، إلى آخرها. (16) رواه المصنّف بعينه. (17) وأنت خبير بتشويش الخبر واضطرابه وتضادّ بعض منها لبعض، بحيث لا يقبل تأويلاً يعتدّ به ، وأظنّ أنّه سقط كلام من بعض الرواة في مواضع متعدّدة ، فتأمّل تعرف . ولا يتكلّف في تأويله فقد قال طاب ثراه في قوله : «إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان» إلى آخره : التمثيل هذا تفصيل للحكم في هذا المقام، وهو أنّه لو وهب قبل الحول لا شيء عليه، مثل من خرج وأفطر، ولو وهب بعده كان عليه الزكاة مثل من أفطر وخرج لإسقاط الكفّارة، فإنّها لا تسقط. وليس هذا تعليلاً للسابق ولا تنظيراً له ، وكأنّه أشار إلى أنّ في المقام سقط كما أشرنا إليه . وقال في قوله : «ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها»: حيث وهب كلّ ماله فراراً من إخراج بعضه على وجه الزكاة، فدفع ذلك زرارة وقال: إنّه يقدر على ردّ ماله؛ لأنّه شرط ذلك في عقد الهبة . أقول : ويمكن أن يكون المعنى ما أدخل على نفسه من فوات ثواب الزكاة وبركة المال، حيث فعل ما يوجب سقوطها أعظم ممّا حصل له من منعها من العشر أو نصفه ، فقال زرارة : وكيف تسقط عنه الزكاة والحال أنّه قادر على ردّ ماله بسبب الشرط المذكور؟ فكأنّه لم يهبها . وأجاب عليه السلام بأنّ ذلك الشرط فاسد؛ وذلك لمنافاته للهبة، ففيه دلالة على أنّ الشرط الفاسد في ضمن العقد اللازم لا يوجب فساد العقد، بل لا يعتبر ذلك الشرط، وتكون صحّة العقد على حالها . وقال في ذيل قول زرارة : فإن أحدث فيها قبل الحول، قبل إتمام الحول اللغوي بعد دخول الشهر الثاني عشر لكن لا يلائمه . وقوله عليه السلام : «إنّما ذلك إذا اشترى بها داراً»، فإنّه إذا دخل الشهر الثاني عشر، فقد وجب فيه الزكاة، إلّا أن يُراد بقوله عليه السلام : «إذا اشترى» قبل دخول الثاني عشر، وفيه بُعد ؛ لأنّ الكلام على وتيرة واحدة ، فتقييد بعضه بالدخول و بعضه بعدمه خلاف الظاهر، ويأتي القول في مسألة الفرار من الزكاة في بابه إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . اُنظر: المقنعة ، ص 239؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 123؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 12 ، المسألة 6 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 429 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 374؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 315؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 6 .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 35 ، ح 90؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 75 ، ح 11557؛ و ص 170 ، ح 11760.
3- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 486. و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 50 ، المسألة 31.
4- . اُنظر: الخلاف ، ج 2 ، ص 12، المسألة 6 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 361؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 496؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 458.
5- . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 571 ، ح 1792؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 95؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 3 ، ص 50 ، من قال يزكّيه إذا استفاذ ، ح 9؛ كنزالعمّال ، ج 6 ، ص 223 ، ح 15861.
6- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 104؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 76 ، ح 1871؛ كنزالعمّال ، ج 6 ، ص 323 ، ح 15859 ، و في الجميع: «ابن عمر» بدل «ابن عبّاس».
7- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 487.
8- . اُنظر: المعتبر ، ج 2 ، ص 507 .
9- . هو الحديث الرابع من هذا الباب.
10- . نفس المصدر؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 35 ، ح 92؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 163_ 164 ، ح 11749.
11- . الكافي ، باب أوقات الزكاة ، ح 1؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 166 ، ح 11752.
12- . الكافي ، باب ما لا يجب فيه الزكاة ممّا تبت الأرض من الخضر و غيرها ، ح 3.
13- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 232 ، الدرس 61 .
14- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 35 ، ح 92؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 152 ، ح 11721.
15- . في المصدر: «فأراد بسفره ذلك».
16- . علل الشرائع ، ص 374 _ 375 ، الباب 103 ، ح 1.
17- . هو الحديث الرابع من هذا الباب.

ص: 395

. .

ص: 396

. .

ص: 397

. .

ص: 398

باب ما يستفيد الرجل من المال بعد أن يزكّي ما عنده من المال

باب ما يستفيد الرجل من المال بعد أن يزكّي ما عنده من المالأراد قدس سره بيان ثبوت الزكاة فيما يستفاد من المال الزكوي من الربح وإن كان قد زكّى ذلك المال زكاة العين، وأنّه ليس زكاة العين مسقطاً لزكاة التجارة ، وبيان ابتناء حول الربح على حول الأصل بقرينة الخبرين المذكورين في الباب ، فعلى هذا تكون «من» الاُولى للابتداء ، ويحتمل أن تكون هي أيضاً كالثانية بيانيّة للموصول ، فالاستفادة أعمّ من أن تكون من المال الذي عنده كالربح أو من غيره، كما يحصل بهبة أو إرث أو صلح ونحوها، فغرضه بيان الفارق بينها بثبوت الزكاة بحلول الحول في الأوّل دون الثاني . ويدلّ على ذلك كلّه الخبران المذكوران في الباب، فإنّ الظاهر أنّ معنى خبر شعيب (1) : أنّ «كلّ شيء جرّ عليك المال»، أي حصل لك من النصاب بالتجارة «فزكّه» ، وأمّا ما وصل إليك من المنافع بغيرها كالهبة ونحوها فليس عليك فيه زكاة إذا حال حول النصاب ، وإنّما عليك أن تستقبل به حولاً من حين الوصول إذا كان زكويّاً . ومراد السائل في خبر عبد الحميد (2) : أنّ الرجل يكون عنده المال الزكوي للتجارة، ويبقى ذلك المال عنده حولاً ما يتضمّن التماس الربح ويصيب مالاً آخر بعد الحول من ربح ذلك الزائد في أثناء الحول الثاني، فحول الربح هل هو حول الأصل أم يستأنف له حولاً؟ وأجاب عليه السلام بأنّه يبني على حول الأصل، وإذا تمّ حوله زكّاهما جميعاً زكاة العين للحول الأوّل، وزكاة التجارة للحول الثاني ، فيدلّ على ابتناء حول الربح على حول الأصل، ولا بُعد في ذلك لغير معارض صريح له . بل يؤيّده ما يأتي من الأخبار في ثبوت الزكاة للربح من غير بيان حول آخر له، ولا يجوز حمله على النتاج المعتبر فيه الحول المستأنف بالنصّ؛ لأنّ النتاج عين معتبر فيه النصاب كأصله، فليس تبعاً لأصله فليعتبر فيه الحول فيه أيضاً، بخلاف الربح فإنّه لا يعتبر فيه النصاب وإنّما يعتبر النصاب في أصله، فيكون تبعاً له في الحول أيضاً ، فليخصّ قوله عليه السلام : «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول»، بغير النماء ولكن لم أجد قولاً من الأصحاب بذلك ، بل ظاهر المنتهى إجماع الأصحاب على استئناف الحول للربح حيث لم ينقل عن أحدٍ منهم قولاً بخلافه، وإنّما نسب الخلاف إلى العامّة، فقد قال : لو كان عنده متاع قيمته نصاب فزاد في أثناء الحول لم يبن حول الزيادة على الأصل، بل تثبت زكاة رأس المال عند تمام حول الأصل ، وفي الزيادة عند تمام حولها إن بلغت نصاباً، سواء نضّ في أثناء الحول أم لم ينضّ . وقال مالك وإسحاق وأبو يوسف وأبو حنيفة وأحمد : يبني حول الزيادة على الأصل . لنا قوله عليه السلام : «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» ، وهو صادق على الزيادة كصدقه على الأصل . احتجّوا بالقياس ، والجواب قد بيّنا منع الحكم في الأصل. (3) وفصّل في الوجيز فقال : كلّ زيادة حصلت بارتفاع القيمة وجبت الزكاة بحول رأس المال كالنتاج، فإن ردّ إلى النضوض فقدر الربح من الناضّ، لا يضمّ إلى حول الأصل على أحد القولين؛ لأنّه مستفاد من كيس المشتري لا من عين المال. (4)

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
2- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
3- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 507 . وانظر: المعتبر ، ج 2 ، ص 545 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 208؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 624 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 623 _ 624 .
4- . فتح العزيز في شرح الوجيز ، ج 6 ، ص 57 .

ص: 399

. .

ص: 400

باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه والمضاربة

باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه والمضاربةالمشهور بين الأصحاب استحباب زكاة التجارة به ، قال الشيخان (1) والسيّد المرتضى (2) والمحقّق (3) والعلّامة (4) ومَن تأخّر عنهم، ومنقول في المختلف (5) عن ابن أبي عقيل (6) وأبي الصلاح (7) وابن البرّاج، (8) وفي الانتصار عن ابن عبّاس وداود بن عليّ من العامّة ، (9) وظاهر الصدوق في الفقيه وجوبها حيث قال : وإذا كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك له الفضل، فعليك زكاته إذا حال عليه الحول ، وإن لم يطلب منك المتاع برأس مالك فليس عليك زكاته. (10) وقد نسب الوجوب إليه وإلى أبيه. (11) وفي المنتهى : وقال بعض أصحابنا بالوجوب، وهو قول الفقهاء السبعة (12) : سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد[بن ثابت]، والقاسم بن محمّد[بن أبي بكر]، وعبيداللّه بن عبداللّه بن عتبة بن مسعود، وأبوبكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد. (13) وقال السيّد في الانتصار: أبو حنيفة وأصحابه يوجبون في عروض التجارة الزكاة إذا بلغت قيمتها النصاب، وهو قول الثوري والأوزاعي وابن حي والشافعي ، وقال مالك : إن كان إنّما يبيع العرض بالعرض فلا زكاة حتّى ينضّ ماله، وإن كان يبيع بالعين والعرض فإنّه يزكّى ، وقال الليث : إذا ابتاع متاعاً للتجارة فبقي عنده أحوالاً فليس عليه إلّا زكاة واحدة . انتهى. (14) وحكى في المختلف (15) عن بعض الأصحاب أنّه إذا باعه زكّاه لسنة واحدة موافقاً لقول ليث . واحتجّ الأوّلون بما رواه المصنّف قدس سره في الباب من الأخبار؛ حاملين للأوامر فيها على الندب؛ للجمع بينها وبين العمومات المتقدِّمة الدالّة على العفو عمّا سوى الأشياء التسعة، وخصوص خبر إسحاق بن عمّار، (16) وهو على ما رواه الشيخ (17) موثّق. وصحيحة زرارة، قال : كنت قاعداً عند أبي جعفر عليه السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام فقال : «يا زرارة، إنّ أبا ذرّ وعثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال عثمان : كلّ مال من ذهب أو فضّة يُدار ويعمل به ويتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذرّ : أمّا ما اتّجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً ، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، واختصما في ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فقال : القول ما قال أبو ذرّ». (18) وصحيحة سليمان بن خالد، قال : سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن رجل كان له مالٌ كثير، فاشترى به متاعاً ثمّ وضعه، فقال : هذا موضوع، فإذا أحببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي وأفضل منه، هل عليه فيه صدقة وهو متاع؟ قال : «لا ، حتّى يبيعه» ، قال : فهل يؤدّي عنه إذا باعه لما مضى إذا كان متاعاً؟ قال : «لا». (19) وموثّقة عبداللّه بن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا، قالوا : قال عليه السلام : «ليس في المال المضطرب به زكاة» ، فقال له إسماعيل ابنه : يا أبة جعلت فداك، أهلكت فقراء أصحابك ؟ فقال : «أي بُنيّ حقٌّ أراد اللّه أن يخرجه فخرج». (20) واحتجّ من وافقهم من العامّة على الاستحباب بما سنرويه عن سمرة، وعلى نفي الوجوب بقوله صلى الله عليه و آله : «ليس في الجبهة ولا في الكُسْعة ولا في النخّة صدقة» (21) ؛ لعمومها ما اشتري منها للتجارة، منضمّاً إلى عدم القول بالفصل . وفي نهاية ابن الأثير: الجبهة: الخيل ، (22) والكُسعة بالضمّ: الحمير، وقيل الرقيق ، (23) والنخة: الرقيق، وقيل الحمير، وقيل: البقر العوامل ، وتفتح نونها وتُضمّ ،[و قيل: هي كلّ دابّة استعملت ]وقيل: البقر العوامل بالضمّ، وغيرها بالفتح. (24) واحتجّ من قال بالوجوب من الأصحاب بظاهر الأوامر المشار إليها ، فهم قد خصّصوا ما عدا التسعة في أخبار العفو بما عدا مال التجارة، والأخبار الخاصّة المذكورة بما إذا اُدير ولم يبق عين المال طول الحول على ما هو مذهب بعض ، وسيأتي . وفي المنتهى: واحتجّ الموجبون من الجمهور بما ؛ رواه أبو ذر، قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البزّ صدقته»_ بالزاي_ . (25) وعن سمرة بن جندب، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمرنا أن نخرج الزكاة ممّا نعدّه للبيع . (26) وبأنّ عمر أمرنا بالزكاة فيها ولم يعارضه أحد، فكان إجماعاً. (27) وأجاب عنها بحملها على الاستحباب؛ للجمع ، وسيأتي . واستدلّ من قال بوجوبها لسنة بما رواه الشيخ في الموثّق عن العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : المتاع لا اُصيب به رأس المال، عليَّ فيه زكاة؟ قال : «لا» ، قلت : أمسكه سنين ثمّ أبيعه ، ماذا عليَّ؟ قال : «سنة واحدة». (28) ولعلّ ذلك من باب تأكّد الاستحباب؛ للجمع . وعلى أيّ حال فيعتبر في ثبوتها شروط : أحدها : تملّك المال بعقد معاوضة بنيّة الاكتساب. فلو نوى القنية وقت الشراء، ثمّ نوى التجارة، أو ورث مالاً أو استوهب وقصد التجارة عند الانتقال إليه لم تثبت الزكاة ، وهو المشهور عندنا وعند العامّة، فإنّه المتبادر من مال التجارة . ويؤيّده أصالة البراءة فيما سواه ، بل نسبه في المنتهى إلى العلماء كافّة إلّا في رواية عن أحمد محتجّاً بما رواه سمرة، قال : أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن نخرج الصدقة ممّا نعدّه للبيع؛ زعماً منه أنّه بالنيّة يصير كذلك . وأجاب بالمنع من ذلك. (29) وعدّ الشهيد في الدروس كفاية تجدّد نيّة الاكتساب أقوى. (30) ولا يشترط كون الثمن عيناً؛ لعموم الأدلّة ، وهو ظاهر الشهيد في الدروس. (31) وصرّح به العلّامة في المنتهى حيث قال : «لو اشترى سلعة للتجارة بسلعة للقنية جرت في الحول من حين انتقالها إليه» ، وحكاه عن الشافعي وأبي حنيفة وأحمد ، ونقل اشتراطه عن مالك محتجّاً بأنّ زكاة التجارة إنّما تثبت تبعاً لزكاة العين، وبمجرّد النيّة لا تجب كما لو ورث أو غنم أو استوهب ونوى به التجارة. (32) وأجاب بالفارق؛ إذ في المقيس عليه لا تجارة عرفاً وإنّما هو مجرّد نيّة، بخلاف المقيس. (33) وثانيها : الحول . ونسبه في المنتهى إلى علماء الإسلام. (34) ويدلّ عليه خبر محمّد بن مسلم ، (35) وربّما احتجّ عليه بأنّه مال تثبت فيه الزكاة تبعاً لزكاة العين ، فيعتبر فيه الحول كمتبوعه . وثالثها _ النصاب : وفي المنتهى: هو قول علماء الإسلام، فلو ملك للتجارة دون النصاب وحال عليه الحول لم تثبت الزكاة إجماعاً، وهل يشترط وجود النصاب في جميع الحول أم لا ؟ فالذي عليه علماؤنا اشتراطه، وبه قال من الشافعية أبو العبّاس بن شريح وأحمد. (36) والمراد بالنصاب هنا نصاب النقدين؛ لثبوت الزكاة هنا تبعاً لهما، ومن ثمّ يتساويان في قدر المخرج ، وقد صرّح بذلك جماعة من غير نقل خلاف فيه . وقال الشافعي : المعتبر بلوغه آخر الحول. (37) وبه قال مالك. (38) وقال أبو حنيفة : يعتبر طرفي الحول. (39) لنا: أنّه ناقص عن النصاب، فلا تثبت فيه الزكاة ولا يعيد عليه الحول كزكاة العين ؛ ولأنّه مال يعتبر فيه الحول والنصاب، فيجب اعتباره كمال النصاب في جميع الحول كغيره من الأموال ؛ ولأنّه لو وجبت الزكاة مع نقصانه في وسط الحول لوجبت في الزيادة المتجدّدة إذا لم يحل عليها الحول . احتجّوا بأنّه يشقّ التقويم في جميع الحول، فيسقط اعتباره . والجواب: لا نسلّم ثبوت المشقّة مع المعرفة بالأسواق والقيم، ولو سلّم فالمالك يأخذ بالاحتياط أو براءة الذمّة. (40) والمراد بالنصاب هنا نصاب أحد النقدين؛ لثبوت هذه الزكاة تبعاً لهما ، ومن ثمّ يتساويان في قدر المخرج ، وقد صرّح بذلك الأكثر ، والظاهر اعتبار نصاب النقد الذي به اشترى السلعة إن اشتراها بأحدهما، وإلّا فبالنقد الغالب ؛ لأنّ نصاب السلعة يبنى على ما اشتريت به وذلك يقتضي اعتباره ، ولأنّ اعتبار رأس المال الذي يدلّ عليه الأخبار إنّما يعلم بعد الاعتبار بما قوّمت به كذا وربحها ، فمهما أمكن اعتباره بما اشتراها به يعتبر، ولو لم يتمكّن من ذلك، كما إذا اشتراها بعرض، فلابدّ من اعتبار غالب نقد البلد . وجزم به العلّامة في المنتهى] و قال] : وقال الشافعي : إن اشتراها بعرض القنية قوّم بنقد البلد، وإن اشتراها بدنانير أو بدراهم قوّم بهما إن كان الثمن نصاباً، وإن كان دون النصاب ففيه وجهان : أحدهما: يقوّم بالثمن، والثاني: يقوّم بنقد البلد . وقال أبو حنيفة وأحمد : يعتبر الأحظّ للفقراء ؛ محتجّين بأنّ التقويم بالأحظّ للفقراء أنفع لهم ، وأجاب بمعارضة ذلك بأنّه أضرّ للمالك. (41) ثمّ الظاهر أنّ المعتبر النصاب الأوّل لهما وعدم اعتبار النصاب الثاني مطلقاً ولو بعد النصاب الأوّل ؛ لأنّ ظاهر الأخبار ثبوت الزكاة عند الحول مع بقاء رأس المال أيّاً ما كان، بل لولا الإجماع على اعتبار النصاب الأوّل لأمكن القدح في اعتباره أيضاً؛ لعموم الأدلّة ، فتأمّل . ورابعها : بقاء رأس المال طول الحول، سواء زاد أم لا ، كما يدلّ عليه بعض ما اُشير إليه من الأخبار ، فلو طلب بنقيضة بما يعدّ مالاً سقط الاستحباب ، ثمّ إذا بلغ رأس المال لمستأنف الحول . وفي المنتهى: «ذهب إلى ذلك علماؤنا أجمع خلافاً للجمهور». (42) واستثنى في القواعد ممّا طلب بنقيصة أن يبقى عنده أحوالاً كذلك، فاستحبّها لسنة، (43) ولا بأس به لكن بشرط أن يبيعه بعد تلك الأحوال ، وينضّ المال؛ لقوله عليه السلام في مضمر سماعة : «وإن لم يكن أعطى به رأس ماله فليس عليه زكاته حتّى يبيعه، وإن حبسه بعدما حبسه، فإذا هو باعه فإنّما عليه زكاة سنة واحدة». (44) وهو ظاهر موثّقة العلاء (45) التي رويناها ، وهل يشترط بقاء عين السلعة طول الحول كما في زكاة الأعيان، أم لا بل تثبت الزكاة وإن تبدّلت؟ ظاهر الأكثر العدم ، بل صرّح العلّامة بذلك ، وادّعى في التذكرة (46) وولده في الشرح (47) الإجماع عليه على ما نقل عنهما. (48) وعدّه الشهيد في الدروس الأصحّ، (49) وهو ظاهر العمومات وخصوص قوله عليه السلام في حسنة محمّد بن مسلم : «يعمل بها». (50) وفي خبر محمّد بن مسلم : «عملت به» ، (51) فإنّ ظاهر العمل التبديل والتعويض والإرادة . وعن المحقّق أنّه قطع في المعتبر بالاشتراط مستدلّاً بأنّه مال تثبت فيه الزكاة، فيعتبر بقاؤه كغيره، وبأنّه مع التبدّل يكون الثانية غير الاُولى، فلا تجب فيه الزكاة ؛ لأنّه لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول ، (52) وهو ظاهره في الشرائع، حيث قال : «ولابدّ من وجود ما اعتبر فيه الزكاة من أوّل الحول إلى آخره» . (53) أقول : ويؤيّده قوله عليه السلام : «ليس في المال المضطرب به زكاة» فيما تقدّم من موثّقة عبداللّه بن بكير وعبيد وجماعة ، (54) لكنّ الظاهر أنّ المراد منه نفي الوجوب كما سبقت الإشارة إليه ، والقول الأوّل أنسب بتعلّق الزكاة هنا بالقيمة، والثاني أوفق لتعلّقها بالعين . قوله عليه السلام في خبر أبي الربيع : (إن كان أمسكه التماس الفضل) . [ح 1/5841] ظاهر الخبر كغيره تعلّق الزكاة بعين مال التجارة، وأبين في ذلك قوله عليه السلام : «فيه الزكاة» بتذكير الجميع في خبر محمّد بن مسلم، (55) فإنّه لابدّ من عوده إلى المال . ولا ينافي ذلك اعتبار القيمة ولا قوله عليه السلام : «كلّ عرض مردود إلى القيمة» ، (56) فإنّ القيمة والردّ إليها إنّما يعتبر لمعرفة النصاب، وهو ظاهر العلّامة في التذكرة (57) على ما قيل ، ومنقول في المعتبر عن أبي حنيفة ، (58) ومنسوب في العزيز إلى أحد قولي الشافعي في القديم. (59) وحكى في المنتهى (60) عن الشيخ أنّه قال : «زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة وتجب فيها»؛ محتجّاً بأنّ النصاب معتبر من القيمة، وما يعتبر النصاب منه وجبت الزكاة فيه. (61) وبما رواه إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ عرض مردود إلى الدراهم والدنانير». (62) وفيه ما عرفت، وهو مذهب مالك والشافعي في الجديد ، وفي قول آخر له في القديم. (63) وتظهر فائدة الخلاف في مواضع : منها: سقوط الزكاة على الأوّل للعام الثاني وما بعده إذا حال على النصاب أحوال النقص للنصاب في العام الثاني بتعلّق حقّ الفقراء بجزء من عينه، وعدم سقوطها على الثاني؛ لتعلّق الزكاة بذمّته للعام الأوّل ، فبقي النصاب كملاً فيما بعده من الأحوال . ومنها: ضمان المالك للزكاة وعدم ضمانه لها إذا تلف النصاب بعد الحول بغير تفريط منه، فيضمن لها على الثاني؛ لعدم تعلّق التلف بمال الفقراء دون الأوّل ؛ لأنّه قد تلف من مال الفقراء أيضاً كما تلف ماله . ومنها: ما فرّع عليه في المنتهى حيث قال _ بعد نقل تعلّقها بالقيمة _ : «فرع: يجوز بيع عروض التجارة قبل أداء الزكاة؛ لأنّها تجب في القيمة بخلاف زكاة العين». (64) ومنها: ما إذا زادت القيمة بعد الحول كما إذا كانت عنده مئتا قفيز من حنطة يساوي مئتي درهم، ثمّ زادت قيمتها بعد الحول إلى ثلاثمئة ، فعلى الأوّل أخرج خمسة أقفزة أو قيمتها سبعة دراهم ونصفاً؛ لصيرورة ربع عشر العروض حقّاً للفقراء وقد زادت قيمته كما زادت قيمة ما للتاجر . وعلى الثاني يخرج خمسة دراهم أو بقيمتها حنطة ؛ لأنّه إنّما وجب على التاجر عند انقضاء الحول هذه، وتعلّقت هذه بذمّته، والعين كلّها كانت ملكاً له، فإنّما زادت قيمة ماله لا مال الفقراء . ومنها : ما إذا قصرت التركة عن الزكاة وديون الميّت، فيقدّم حقّ أرباب الزكاة من النصاب على الأوّل، ويوزّع عليهم كسائر الديون على الثاني. (65) ثمّ الظاهر جواز الإخراج من العين ومن القيمة على كلا القولين؛ لجواز المبادلة في الزكوات الماليّة اختياراً من باب الإرفاق والتسهيل ، ولم أجد نصّاً من الأصحاب ولا من الأخبار فيه . وقد توهّم أنّ الشيخ أراد ممّا نقلناه عنه وجوب الإخراج من القيمة، واُورد عليه بأنّ تعليقه لا يدلّ على مدّعاه ، (66) وقد عرفت أنّه إنّما أراد بما ذكر تعلّقها بالقيمة، فلا يرد عليه ما أورده . نعم ، اختلف العامّة فيه ؛ فقد حكى في المنتهى (67) عن أبي حنيفة التخيير . وفي [فتح ]العزيز: قطع الجديد بأنّها تخرج من القيمة، ولا يجوز أن تخرج من عين ما في يده ، وبه قال مالك ؛ لأنّ متعلّق الزكاة هو القيمة . وحكى عن القديم قولان : أحدهما مثل هذا، والثاني: أنّه يخرج ربع عشر ما في يده ؛ لأنّه الذي يملكه، والقيمة تقدير . واختلفوا في هذا القول ، منهم مَن قال: إنّه يرخّص ويجوز الإخراج من العين باعتبار القيمة، ولو أخرج [ربع]عشر القيمة جاز ، [...]ومن الأصحاب من استوعب وجعل المسألة على ثلاثة أقوال، أصحّها تعيين العين ، والثاني تعيين القيمة ، والثالث التخيير بينهما. (68)

.


1- . قاله المفيد في المعقنة ، ص 247؛ و الطوسى في النهاية ، ص 176؛ و المبسوط ، ج 1 ، ص 220؛ و الجمل و العقود (الرسائل العشر ، ص 204).
2- . الانتصار ، ص 211.
3- . المختصر النافع ، ص 54 ؛ المعتبر ، ح 2 ، ص 544 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 107.
4- . إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 285؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 71؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص353.
5- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 191.
6- . لم أعثر عليه في غير مختلف الشيعة.
7- . الكافي فى الفقه ، ص 165.
8- . المهذّب ، ج 1 ، ص 167.
9- . الانتصار ، ص 211 . وانظر: المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 47؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 622 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 622 .
10- . الفقيه ، ج 2 ، ص 20.
11- . المقنع، ص 168 ، و حكاه عنهما في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 192.
12- . اُنظر: عمدة القاري ، ج 1 ، ص 38.
13- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 478. وانظر: المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 47 ، الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 622 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص622 .
14- . الانتصار ، ص 211. وانظر: التمهيد ، ج 17 ، ص 129؛ المبسوط للسرخسي ، ج 2 ، ص 190 _ 191؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 47؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص622 .
15- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 192. و نقله أيضا الشيخ في الخلاف ، ج 2 ، ص 91 ، المسألة 106. و الظاهر أنّ القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة ، ص 247 حيث قال: «و قد روي أنّه إذا باعه زكّاه لسنة واحدة ، و ذلك هو الاحتياط».
16- . هو الحديث السادس من هذا الباب.
17- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 69 ، ح 188؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 11 ، ح 31؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 75 ، ح 11558.
18- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 70 _ 71 ، ح 192؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 9 ، ح 27؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 74 ، ح 11555.
19- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 70 ، ح 191؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 9 ، ح 26؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 75 ، ح 11556.
20- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 70 ، ح 190؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 9 ، ح 25؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 75_76 ، ح 11559.
21- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 118؛ غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلّام ، ج 1 ، ص 7.
22- . النهاية ، ج 1 ، ص 237 (جبه).
23- . النهاية ، ج 4 ، ص 173 (كسع).
24- . النهاية ، ج 5 ، ص 31 (نخخ) ، و ما بين الحاصرتين منها.
25- . فتح العزيز ، ج 6 ، ص 39؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 47؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 622 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 622 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 147 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 86 ، ح 1915 ؛ كنزالعمّال ، ج 6 ، ص 307 ، ح 15814. قال النووي: «البزّ ، هو بفتح الباء و بالزاي ، هكذا رواه جميع الرواة ، و صرّح بالزاي الدارقطني و البيهقي».
26- . فتح العزيز ، ج 6 ، ص 40؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 170؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1562؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 147؛ المعجم الكبير ، ج 7 ، ص 253.
27- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 479. وانظر: المعتبر ، ج 2 ، ص 497؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 40.
28- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 69 ، ح 189؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 11 ، ح 32؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 72_ 73 ، ح 11552.
29- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص508 .
30- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 238 ، الدرس 63 .
31- . نفس المصدر.
32- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 205 ، المسألة 136؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 548 ؛ الخلاف ، 2 ، ص 94 _ 95 ، المسألة 108؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 52 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 624 .
33- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 507 .
34- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 507 .
35- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
36- . المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 499؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 19.
37- . تحفة الفقهاء ،ج 1 ، ص 272؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 19.
38- . الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 624 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 624 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 19.
39- . المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 42؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 272؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 51 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 499 و 624 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 624 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 8 .
40- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 507 .
41- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 508 . وانظر: المجموع للنووي ، ح 6 ، ص 63 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 267؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 20؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 629 .
42- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 508 .
43- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 330.
44- . هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 72 ، ح 11549.
45- . وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 72 _ 73 ، ح 11552.
46- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 223 ، المسألة 153.
47- . إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 187.
48- . حكاه عنهما في مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 172.
49- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 238 ، الدرس 63 .
50- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
51- . هو الحديث الخامس من هذا الباب.
52- . المعتبر ، ج 2 ، ص 544 .
53- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 118.
54- . وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 75 ، ح 11559.
55- . هو الحديث الخامس من هذا الباب.
56- . أورده الشيخ في الخلاف ، ج 2 ، ص 96 ؛ ذيل المسألة 109؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 219؛ و في نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 365 _ 366 ، و المحقق في المعتبر ، ج 2 ، ص 550 ، و في الجميع: «كلّ عرض فهو مردود إلى الدارهم و الدنانير».
57- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 219.
58- . المعتبر ، ج 2 ، ص 550 .
59- . فتح العزيز ، ج 6 ، ص 67 .
60- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 508 . و حكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 550 .
61- . الخلاف ، ج 2 ، ص 95 _ 96 ، المسألة 109.
62- . ورد بهذا اللفظ في الخلاف ، ج 2 ، ص 96 ، و المعتبر ، ج 2 ، ص 550، و لفظه في المصادر الروائيّة مغاير لما نحن فيه . اُنظر: تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 93 ، ح 269؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 _ 41 ، ح 121؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 139 ، ح 11691.
63- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج 6 ، ص47؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 271؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 545 .
64- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 508 .
65- . اُنظر: مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 174.
66- . المعتبر ، ج 2 ، ص 550 .
67- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 508 .
68- . فتح العزيز ، ج 5 ، ص 67 _ 68 .

ص: 401

. .

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

. .

ص: 406

. .

ص: 407

. .

ص: 408

. .

ص: 409

. .

ص: 410

باب ما يجب عليه الصدقة من الحيوان وما لا يجب

باب ما يجب عليه الصدقة من الحيوان وما لا يجبأجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في الأنعام الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، بشرائطها . ويدلّ عليه _ زائداً على ما رواه المصنّف في الباب _ ما مرّ ذكره ، والمشهور عدم اشتراط الاُنوثة فيها؛ لعموم الأدلّة . وشرطها سلّار محتجّاً بالبراءة الأصليّة، وبحذف الهاء من العدد في قوله عليه السلام : «في خمس من الإبل» (1) ونظائره ، وقال : إنّ ذلك على إرادة الإناث منه . واُجيب بمعارضة الاحتياط للبراءة، وأنّ تلك الأخبار وإن لم تدلّ على وجوب الزكاة في الذكور إلّا أنّها لا تمنع وجوبها فيها بدليل آخر، وبانعقاد الإجماع قبل سلّار وبعده على العموم. (2) والأحسن في الجواب أن يُقال: إنّ حذف الهاء فيما ذكر لتأنيث لفظ الإبل . قال الجوهري : «الإبل لاواحد لها من لفظها، وهي مؤنّثة؛ لأنّ أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميّين فالتأنيث لها لازم». (3) نعم ، لو نصّ على إرادة الذكور منها يذكر الهاء، نحو عندي ذكور ثلاثة من الخيل ، بل تحذف في بعض صور النصّ على الذكور أيضاً ، فقد قال المحقّق الرضيّ رضى الله عنه : وإن لم يكن المعدود جمعاً بل هو اسم جمع كخيل، أو جنس كتمر، فإن كان مختصّاً بجميع المذكّر كالرهط والنفر والقوم، فإنّها بمعنى الرجال، فالتاء في العدد واجب ، قال اللّه تعالى : «تِسْعَةُ رَهْطٍ» ، (4) وقالوا: ثلاثة رجلة، وهو اسم جمع قائم مقام رجال، وإن كان مختصّاً بجمع الإناث فحذف التاء واجب، نحو : ثلاث من المخاض؛ لأنّها بمعنى حوامل النوق وإن احتملهما كالبط والخيل والغنم والإبل؛ لأنّها تقع على الذكور والإناث، فإن نصصت على أحد المحتملين فالاعتبار بذلك النصّ، فإن كان ذكوراً أثبت التاء ، وإن كان إناثاً حذفتها، كيف وقع النصّ والمعدود، نحو : عندي ذكور ثلاثة من الخيل ، أو عندي من الخيل ذكور ثلاثة ، أو عندي من الخيل ثلاثةٌ ذكورٌ ، أو عندي من الخيل ثلاثة ذكورٍ بالإضافة ، أو عندي ثلاثة ذكور من الخيل ، الّا أن يقع النصّ بعد التمييز، والمميّز بعد العدد، نحو : عندي ثلاث من الخيل ذكور ، فحينئذٍ ينظر إلى لفظ المميّز لا النصّ ، فإن كان مؤنّثاً لا غير كالخيل والإبل والبقر والغنم حذفت التاء. (5) وأجمع الأصحاب على عدم وجوبها في غيرها، وعلى استحبابها في الخيل الإناث السائمة عن كلّ عتيق دينارين، وعن كلّ برذون دينار . ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم وزرارة عنهما عليهماالسلام ، (6) وحسنة زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (7) والاُولى وإن كانت عامّة إلّا أنّها خصّت بالإناث للثانية، وظاهر[هما ]الوجوب لكنّهما حملت[ا] على الندب؛ للجمع بينهما وبين ما تقدّم من نفيها عمّا سوى الأجناس التسعة، وهو المشهور بين العامّة . وأوجب أبو حنيفة في الخيل الإناث والمجتمع منها ومن الذكور عن كلّ فرس ديناراً. (8) ويردّه ما صحّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ليس على المسلم في فرسه وغلامه زكاة» ، (9) وأنّه قال : «ليس في الجبهة ولا في الكسعة ولا في النخّة صدقة». (10) واحتجّ أبو حنيفة بما روي عن جابر، قال : «في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار». (11) واُجيب بحمله على الاستحباب . (12) قوله في صحيحة زرارة : (إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه) . [ح2/5851] المرج: المرعي. (13) ويقال: قنيت الغنم، إذا أقتنيتها لنفسك لا للتجارة ، ومالٌ قِنيان وقُنيانٌ: يتّخذ قُنيةً. (14) قوله في حسنة زرارة ومحمّد بن مسلم: (فقالا : ليس في الرأس شيء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول) . [ح4/5853] يعني زكاة الفطر عند رؤية هلال شوّال . قوله في مرسلة ابن أبي عمير : (فيموت الإبل والبقر والغنم ويحترق المتاع ، قال : ليس عليه شيء) . [ح6/5855] يعني إذا كان التلف بعد الحول بغير تفريط في الإخراج وفي التلف ، ولا خلاف حينئذٍ في سقوط زكاة التالف .

.


1- . اُنظر: الكافي، باب صدقة الإبل، ح 1؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 22 ، ح 55 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 20 _ 21 ، ح 59 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 108 ، ح 11639 _ 11641.
2- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 167.
3- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1618 (أبل).
4- . النمل(27) : 48 .
5- . شرح الرضي على الكافية ، ج 3 ، ص 292.
6- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
7- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
8- . اُنظر: فتح العزيز ، ج 5 ، ص 315؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 339؛ المبسوط ، ج 2 ، ص 188؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 291؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 34؛ فتح الباري ، ج 3 ، ص 258.
9- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 254 و 410 و 432 و 469 و 477؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 127؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 70 ، ح 624 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 117؛ ج 6 ، ص 328؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 34 ، ح 6882 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 242؛ مسند أبي يعلي ، ج 10 ، ص 522 ، ح 6138 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 29؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 65 . و الألفاظ مختلفة و المعنى واحد.
10- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 118.
11- . السنن الكبرى للبيقهي ، ج 4 ، ص 119؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 7 ، ص 338؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 109 ، ح 2000؛ كنزالعمّال ، ج 6 ، ص 321 ، ح 15841.
12- . تذكرة الفقهاء، ج 5، ص 232.
13- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 340 (مرج)
14- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 555 (قنن).

ص: 411

. .

ص: 412

. .

ص: 413

باب صدقة الإبل

باب صدقة الإبلالمشهور بين الأصحاب أنّ لها اثنا عشر نصاباً : خمسة منها خمس، والواجب في كلّ منها شاة، ففي خمس شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع، وفي خمس وعشرين خمس، والسادس ستّ وعشرون بزيادة واحدة على الخامس ، والواجب فيه بنت مخاض ، (1) والسابع ستّ وثلاثون وفيه بنت لبون ، والثامن ستّ وأربعون وفيه حقّة ، والتاسع إحدى وستّون وفيه جذعة ، (2) والعاشر ستّ وسبعون وفيه بنتا لبون ، والحادي عشر إحدى وتسعون وفيه حقّتان ، والثاني عشر مئة وإحدى وعشرون ففي كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون مراعياً لغبطة المستحقّ ، ففي الثالث عشر ثلاث بنات لبون، (3) وفي المئة والثلاثين حقّة وبنتا لبون ، وفي المئة والخمسين ثلاث حقاق ، هكذا . والدليل عليه حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج، (4) ورواها الشيخ رحمه اللهأيضاً بهذا السند (5) وبسندٍ آخر في الصحيح عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، (6) وليس فيها قوله : وقال عبد الرحمن بن الحجّاج : هذا فرق بيننا وبين الناس . وروى في الصحيح عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الزكاة ، فقال : «ليس فيما دون خمس من الإبل شيء، فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشر، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان إلى خمس عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه من الغنم إلى عشرين ، فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمسة وعشرين ، فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض إلى خمسة وثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمسة وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمسة وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمسة وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومئة ، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة، ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار، إلّا أن يشاء المصدّق يعد صغيرها وكبيرها». (7) وعن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام قالا : «ليس في الإبل شيء حتّى تبلغ خمساً ، فإذا بلغت خمساً ففيها شاة، ثمّ في كلّ خمس شاة حتّى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض ، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمسة وثلاثين ، فإذا زادت على خمس وثلاثين فابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت فحقّة إلى ستّين ، فإن زادت فجذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت فحقّتان إلى عشرين ومئة ، فإن زادت ففي كلّ خمسين حقّة، وفي كلّ أربعين ابنة لبون ، وليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف التي سمّيناها ، وكلّ شيء كان من هذه الأصناف من الدواجن (8) والعوامل (9) فليس فيها شيء، وما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شيء حتّى يحول عليها الحول من يوم ينتج». (10) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشر ، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان ، فإذا بلغ خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ،[فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم]، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإن زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقّة _ وإنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها_ إلى ستّين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين ومئة ، فإن زادت على العشرين والمئة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة، وفي كلّ أربعين ابنة لبون». (11) ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال في خمس وعشرين تجب بنت مخاض اُنثى، فإن لم تكن في الإبل فابن لبون ذكر ، فإن لم يكن فخمس شياه، فإن زادت على الخمس والعشرين واحدة ففيها بنت مخاض ، فإن لم يجد فابن لبون ذكر. (12) ولعلّه حمله على ذلك الجمع بين ما ذكر وبين حسنة الفضلاء. (13) وذهب ابن أبي عقيل رضى الله عنه إلى أنّ نصبها أحد عشر بإسقاط السادس وإيجاب فرضه الخامس . وقال : الواجب في خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون؛ متمسّكاً بتلك الحسنة. (14) وقيل : هو ظاهر المصنّف قدس سره، (15) وهو مذهب العامّة كافّة ، (16) ولا يبعد أن يكون فيها سقط من سهو الرواة . وبالجملة، فهذا الخبر لا يصلح للمعارضة لما سبق من الأخبار؛ لكثرتها وصحّة أكثرها ، وربّما جمع الأصحاب بينهما بالتخيير ، وحمل بعض آخر هذا على جواز إعطاء بنت المخاض في الخمس والعشرين من باب القيمة . وقال الشيخ قدس سره في الجمع بينها: «قوله عليه السلام فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض» [يحتمل أن يكون]أراد: «وزادت واحدة» فأهمل ذلك لفهم المخاطب ، ولو صرّح به فقال: في كلّ خمس شاة إلى خمسة وعشرين ففيها خمس شياه، فإذا بلغت خمساً وعشرين وزادت واحدة ففيها ابنة مخاض لم يكن فيه تناقض ، وكلّما صرّح به لم يحصل التناقض جاز تقديره، ولم يقدر إلّا ما دلّت الأخبار المفصّلة عليه. (17) وهذا التأويل ليس ببعيد ، ويؤيّده أنّه لابدّ من تقدير زيادة واحدة على النصب التي بعده على زعم ابن أبي عقيل أيضاً؛ إذ لا خلاف بين أهل العلم في أنّ النصب المذكورة بعده إنّما هي الستّ والثلاثون والستّ والأربعون، وهكذا ، ولعلّ النكتة في إضمارها التنبيه على كون الواحدة الزائدة شرطاً للنصاب لا جزءاً منه كما صرّح به بعض الأصحاب في النصاب الثاني عشر . ثمّ قال قدس سره : ولو لم يحتمل ما ذكره لجاز أن تحمل هذه الرواية على ضرب من التقيّة؛ لأنّها موافقة لمذاهب العامّة ، وقد صرّح بذلك عبد الرحمن بن الحجّاج بقوله : وهذا فرق بيننا وبين الناس. (18) واحتجّ العلّامة (19) بما نقلوه عن أبي بكر أنّه كتب لأنس لمّا وجّهه إلى البحرين : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض ، فإذا بلغت ستّاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون اُنثى ، فإذا بلغت ستّاً وأربعين إلى ستّين ففيها حقّة طروقة الفحل ، فإذا بلغت واحدة وستّين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستّاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت على عشرين ومئة ففي كلّ أربعين بنت لبون ، وفي كلّ خمسين حقّة. (20) وقد ورد في طريقهم أيضاً ما يخالف ذلك عن أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «في خمسة وعشرين من الإبل خمس شياه» ، (21) فلابدّ في الجمع بينهما ببعض الوجوه المذكورة . قوله عليه السلام في حسنة الفضلاء : (ثمّ ترجع الإبل على أسنانها) . [ح1/5857] قيل : المراد أنّه بعد المئة والعشرين ترجع النصب السابقة، فتعدّ الإبل الزائدة خمساً خمساً إلى خمسة وعشرين ، ثمّ النصب التي بعدها إلى ما يوجب الحقّة، ثمّ تعود النصب، وهكذا دائماً ، كما ذهب إليه أبو حنيفة وأتباعه، حيث قالوا : إذا زادت على المئة والعشرين استوفيت الفريضة، فتجب في الخمس شاة، ففي مئة وخمس وعشرين حقّتان وشاة ، وفي مئة وثلاثين حقّتان وشاتان ، وفي مئة وخمس وثلاثين حقّتان وثلاث شياه ، وفي مئة وأربعين حقّتان وأربع شياه ، وفي مئة وخمس وأربعين حقّتان وابنته مخاض ، وفي مئة وخمسين ثلاث حقاق ، ثمّ تستأنف الفريضة، فتجب في الخمس شاة ، وفي مئة وستّين ثلاث حقاق وشاتان ، وفي مئة وخمس وستّين ثلاث حقاق وثلاث شياه ، وفي مئة وسبعين ثلاث حقاق وأربع شياه ، وفي مئة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وابنة مخاض ، وفي مئة وستّة وثمانين ثلاث حقاق وابنة لبون ، وفي مئة وستّة وتسعين أربع حقاق ، وفي مئتين أربع حقاق ، وهكذا. (22) وعلى هذا فيكون وروده على التقيّة؛ لإجماع الأصحاب على عدم اعتبار الاستئناف المذكور، بل اتّفقوا على أنّ بعد آخر النصب يعتبر الأربعون والخمسون، وإنّما قلنا ظاهره ذلك؛ لأنّه يمكن حمله على الإبل لا تتعدّى من الجذعة إلى سنّ فوقها ، بل ترجع إلى بنت اللبون والحقّة، بل قيل: هو المتعيّن. (23) وقال السيّد السند المحقّق الداماد قدّس سرّه الشريف: سياق مغزاه: ثمّ يرجع اعتبار الإبل المعطاة على أسنانها المعتبرة مع حول الحول وبقاء مراتب العقود النصابيّة، مثلاً: إذا خرج من واحدة ومئة وعشرين ثلاث بنات لبون، عن كلّ أربعين بنت لبون بقي له من العقود النصابيّة تسعون مع زيادة كسر ما بين العقدين ، أعني ثمانية وعشرين ، فإذا حال الحول وجب إخراج ما تجب في نصاب تسعين، فتعطى حقّتين طروقتي الفحل لا غير ، وعلى هذا القياس حكم سائر المراتب، واللّه تعالى يعلم. (24) وقوله عليه السلام في تلك الحسنة : (وليس على النيف شيء ولا على الكسر شيء) . [ح1 / 5857] وعلى المشهور في تفسير النيف والكسر أنّهما ما بين النصابين، وأنّ الثاني تأكيد للأوّل . وقيل: الكسر ما دون النصاب الأوّل . وقيل: الكسور الصغار التي لم يحل عليها الحول . وقيل: الثاني تعميم بعد تخصيص بإرادة المعنى العامّ الشامل للمذكورات من الكسر . وأقول : الظاهر أنّ المراد بالكسور الأجزاء من النصف والثلث وأمثالهما؛ ردّاً لمن قال من العامّة بتغيّر الفرض بزيادة جزء من بعير على مئة وعشرين . نقله في المنتهى عن أبي سعيد الاصطخري (25) محتجّاً بأنّ الزيادة مطلقة في الحديث . وأورد عليه بأنّ في الحديث الذي احتجّ به إنّما رفع: فإذا زادت واحدة، وبأنّ سائر الفروض لا تتغيّر بزيادة الجزء ، فكذا هنا. (26) وقال المحقّق الداماد قدس سره : «يعني عليه السلام كما ليس». (27) قوله في حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج : (في خمس قلايص شاة) . [ح2/5858] قال الجوهري : القلوص: النوق الشابّة، وهي بمنزلة الجارية من النساء ، وجمع القلوص: قلص وقلائص، مثل قدُوم وقُدُم وقَدائم. (28) قوله في حسنة زرارة : (ليس في صغار الإبل شيء حتّى يحول عليها الحول من يوم تنتج ) . [ح3/5859] [يدلّ] (29) على أمرين : أحدهما: اشتراط حول غير حول الاُمّهات لها . ويدلّ عليه أيضاً بعض ما سنشير إليه من الأخبار ، ويؤيّده ما دلَّ على عدم وجوب شيء في الأنعام حتّى يحول عليها الحول . وفي المنتهى: وعليه فتوى علمائنا أجمع ، وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي ، (30) وقال أكثر الجمهور: إنّ السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : الأوّل : أن تكون متولّدة منها . الثاني : أن تكون الاُمّهات نصاباً . الثالث : أن توجد معها في بعض الحول ، فلو كانت متولّدة من غيرها، أو كان النصاب ناقصاً فكمل بها، أو وجدت بعد حولان الحول، لم تضمّ إلى الاُمّهات إجماعاً، إلّا أبا حنيفة، فإنّه لم يشترط الأوّل (31) _ إلى قوله _ : واحتجّ المخالف بما رووه عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «السائمة اعتدّ به عليهم بالصغار والكبار». (32) وعن أبي بكر : واللّه لو منعوني عناقاً يؤدّونها إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقاتلتهم عليها. (33) وهو يدلّ على أنّهم كانوا يؤدّون العناق، ولأنّه نماء تابع للأصل في الملك فيتبعه في الحول كأموال التجارة . والجواب عن الأوّل: المراد بالصغار ما إذا حال عليه الحول؛ جمعاً بين الأدلّة . وعن الثاني أنّ الحديث روي: لو منعوني عقالاً ، (34) ومع اختلاف الرواية فلا حجّة. على أنّ المراد بذلك المبالغة في أخذ الواجب . وعن الثالث بالمنع من موجب الحكم في الأصل . انتهى. (35) و[قال] السيّد في الانتصار إلى آخره. (36) والثاني: ابتداء حولها من حين النتاج، يدلّ على أنّ ابتداء حول السخال من حين النتاج . ومثله ما رواه الشيخ عن زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن صدقات الأموال ، فقال : «في تسعة أشياء _ إلى قوله _ : وكلّ شيء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شيء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج». (37) وعن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام قالا : «ليس في الإبل شيء _ إلى قوله _ : وما كان من هذه الأصناف الثلاثة: الإبل والبقر والغنم فليس فيها شيء حتّى يحول عليها الحول من يوم تنتج». (38) وقد روينا الخبرين بتمامها سابقاً . ونسبه في المختلف إلى المشهور، (39) وهو ظاهر المصنّف والسيّد أيضاً كما ستجيء عبارته . وربّما قيل بأنّه من حين الاستغناء عن اللبن بالرعي؛ محتجّين بأنّ السوم معتبر في زكاة الأنعام، وأنّها أيّام الرضاع في حكم المعلوفة بناءً على أنّ اللبن من مال المالك . وعدّه العلّامة في المختلف (40) أقرب ؛ محتجّاً بما ذكر ، وهو المشهور بين المتأخّرين ، (41) وربّما فصّل باعتبار الابتداء من حين النتاج فيما إذا كان اللبن من المعلوفة ، واستقربه الشهيد في البيان (42) ووجهه واضح ، ولكنّ الأوّل أولى؛ للخبر . ثمّ إنّه يستفاد من الخبر عدم انضمام السخال إلى الاُمّهات في الحول ، بل اعتبار حول على حدة لها، وهو ممّا أجمع عليه الأصحاب . قال السيّد رضى الله عنه في الانتصار : وممّا يظنّ انفراد الإماميّة به القول بأنّ السخال والفصلان والعجاجيل لا تضمّ إلى اُمّهاتها في الزكاة وإن بلغت عدد الاُمّهات النصاب، سواء كانت هذه السخال متولّدة عن هذه الاُمّهات التي في ملك صاحبها، أو كانت مستفادة من جهة اُخرى، وليس كذلك ؛ لأنّ النخعي والحسن البصري يذهبان إلى مثل ما ذهبت إليه الإماميّة، ولا يجعلان حول الكبار حولاً للصغار . وأبو حنيفة وأصحابه يضمّون المستفاد إلى الأصل على كلّ حال، ويزكّونه بحول الأصل . والشافعي يضمّ إلى الأصل ما تولّد منه خاصّة بعد أن يبلغ الأصل النصاب. (43) والحجّة لمذهبنا الإجماع المتردّد ، وأيضاً فإنّ الأصل براءة الذمّة من الحقوق ، ولم يثبت بيقين وعلم قاطع أنّ في السخال زكاة مع الاُمّهات وأنّها تضمّ إليها في الحول . ويمكن أن يعارض المخالف بما يروونه عن النبيّ صلى الله عليه و آله من قوله : «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول». (44) وظاهر هذا الخبر أنّ المستفاد لا يضمّ إلى الأصل، ولا يجعل حول الأصل حولاً له ، بل لابدّ في المستفاد إذا كان من الجنس الذي يجب فيه الزكاة أن يستأنف له حول على استقبال حصوله في الملك. وليس لهم أن يحتجّوا بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله من قوله : «ويعدّ صغيرها وكبيرها» ، (45) ولم يفرق بين أحوالها ، وذلك أنّ المراد بهذا الخبر أنّه يعدّ الصغير والكبير إذا حال عليهما الحول ؛ لأنّه لا خلاف في أنّ الحول معتبر ، ومعنى الصغير والكبير هاهنا ليس المراد به ما نقص في سنينه عن الحدّ الذي تجب فيه الزكاة، وإنّما المراد الصغير والكبير ممّا بلغ إلى سنّ الزكاة ، ويجوز أن يُراد بالصغير والكبير هاهنا العالي المنزلة والمنخفض المنزلة والكريم وغير الكريم ، فقد يكون في المواشي الكرائم وغير الكرائم. (46) هذا كلامه قدس سره .

.


1- . المخاض: اسم للنوق الحوامل . و بنت المخاض و ابن المخاض : ما دخل في السنة الثانية ؛ لأنّ اُمّة قد لحقت بالمخاض _ أي الحوال _ و إن لم تكن حاملاً. النهاية، ج 4، ص 306 (مخض).
2- . نقل الطريحي عن سعد بن عبداللّه بن أبي خلف الثقة الجليل في أسنان الإبل: أوّل ما تطرحه اُمّه إلي تمام السنة حوار ، فإذا دخل في الثانية سمّي ابن محاض؛ لأنّ اُمّه قد حملت عليه ، فإذا دخل في الثانية سمّي ابن لبون ؛ وذلك لأنّ اُمّة قد وضعت فصار لها لبن ، فإذا دخل في الرابعة سمّى حقّا و الاُنثى حقّه؛ لأنّه استحقّ أن يحمل عليه ، فإذا دخل في الخامسة سمّي جذعا ، و إذا دخل في السادسة سمّي ثنيّا؛ لأنّه قد ألقى ثنيّة ، فإذا دخل في السابعة فقد ألفى رباعيّته و سمّي رباعيّا... مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 596 (حور).
3- . الظاهر أنّ مراده قدس سره أنّها لو بلغت أكثر من مئة وإحدى وعشرين وأقلّ من مئة وثلاثين ففيها ثلاث بنت لبون.
4- . هو الحديث الرابع من هذا الباب.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 23 ، ح 56 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 22 ، ح 60 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 21 ، ح 53 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص19_20 ، ح 57 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 110 ، ح 11642.
7- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 20_ 21 ، ح 52 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 19 ، ح 56 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 109 ، ح 11640.
8- . الدواجن: جمع داجنة، و هي الشاة الّتي تعلفها الناس في منازلهم، و كذلك الناقة و الحمام البيوتي. مجمع البحرين، ج 2، ص 11 (دجن).
9- . العوامل: جمع عاملة ، و هي الّتى يستقي عليها و يحرث و تستعمل في الاشتغال. مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 252 (عمل).
10- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 21_ 22 ، ح 54 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 20 ، ح 58 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 109 _ 110 ، ح 11641.
11- . الفقيه ، ج 2 ،ص 23 ، ح 1604؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص108 _109 ، ح 11639.
12- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 479 . و حكاه عنه أيضا في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 169.
13- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
14- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 169.
15- . نسب ذلك إليه لعدم روايته ما يدلّ على المشهور.
16- . اُنظر: فتح العزيز ، ج 5 ، ص 316؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 365؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 6 _ 7؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 282 _ 283؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 439 _ 440؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 470 _ 472.
17- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 23 ، ذيل ح 55 مع مغايرة في بعض الألفاظ.
18- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 23.
19- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 480.
20- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 11 _ 12؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 349 _ 350 ، ح 1567؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 18 _ 20 و 27 _ 28؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 9 ، ح 2227 ، و ص 13 ، ح 2235؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 391؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 86 _ 87 .
21- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 92.
22- . اُنظر: المبسوط للسرخسي ، ج 2 ، ص 151؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 282 _ 283؛ عمدة القاري ، ج 9 ، ص 20.
23- . اُنظر: مجمع القائدة و البرهان ، ج 4 ، ص 83 .
24- . اثنا عشر رسالة للمحقّق الداماد ، ج 7 ، ص 76.
25- . المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 382 ؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 318؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 62 ، المسألة 38.
26- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 481.
27- . اثنا عشر رسالة للمحقّق الداماد ، ج 7 ، ص 77.
28- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 1054 (قلص).
29- . اُضيفت لاقتضاء الضرورة.
30- . المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 477؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 457.
31- . الخلاف ، ج 2 ، ص 23؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 482؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص477؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 510 _ 511 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 370 _ 371؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 41 _ 42؛ المحلّى ، ج 5 ، ص 274 _ 275.
32- . فتح العزيز ، ج 5 ، ص 483؛ تلخيص الحبير ، ج 5 ، ص 483؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 52 . و في الجميع: «بالكبار و الصغار».
33- . الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 90 ؛ و ج 4 ، ص 228؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 19 و 36 و 48؛ و ج 2 ، ص 529 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 110 و 125؛ ج 8 ، ص 50 _ 51 ؛ سنن النسائي ، ج 6 ، ص 5 و 6 و 7؛ و ج 7 ، ص 76 _ 77؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 280 ، ح 3431 ، و ص 281 ، ح 3435؛ و ص 281 _ 282 ، ح 3437؛ وج 3 ، ص 4 _ 5 ، ح 4299 ، و ص 5 ، ح 4300 و 4301 ، و ص 5 _ 6 ، ح 4302 ؛ و ج 6 ، ص 67 ، ح 10022؛ و ج 2 ، ص 172 _ 173 ، ح 18718؛ صحيح ابن حبّان ، ج 1 ، ص 449.
34- . مسند الشافعي ، ص 208؛ صحيح البخاري ، ج 8 ، ص 141؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 38؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 347 ، ح 1556؛ سنن الترمذي ، ج 4 ، ص 117 _ 118 ، ح 2734؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 14 _ 15؛ و ج 7 ، ص 77؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 8 ، ح 2223؛ و 280 ، ح 3432؛ صحيح ابن حبّان ، ج 1 ، ص 451؛ مسند أبي يعلى ، ج 1 ، ص 69 ، ح 68 .
35- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 491.
36- . كذ في النسخة ، و الظاهر أنّه هنا من سهو النسّاخ، و سيأتي كلام المرتضى.
37- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 2 ، ح 2؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 11 ، ح 33.
38- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 21_ 22 ، ح 54 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 20 ، ح 58 .
39- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 167.
40- . نفس المصدر.
41- . اُنظر: مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 67؛ مفتاح الكرامة ، ج 11 ، ص 121_ 122.
42- . البيان ، ص 172.
43- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 374؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 477؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 457.
44- . سنن ابن ماجة، ج 1 ، ص 571 ، ح 1792؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 95 . و نحوه في مسند الشافعي ، ص 91 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 148؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1573؛ المصنّف لابن أبي شبيه ، ج 3 ، ص 49 ، الباب 48 من كتاب الزكاة ، ح 1 ، وص 50 ، ح 9.
45- . صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 16 _ 17؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 3 ، ص 196.
46- . الانتصار ، ص 20 _ 21.

ص: 414

. .

ص: 415

. .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

. .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

باب

باب صدقة البقر

[باب]قوله : (باب: أسنان الإبل) . الغرض من الباب إيضاح ما يجب في أكثر نصب الإبل ، وما ذكره المصنّف قدس سره هو المشهور . وقال في القاموس : الحُوار بالضمّ وقد يكسر: ولد الناقة ساعة تضعه، أو إلى أن يفصل عن اُمّه. (1) وقوله : ليس بعدها اسم ؛ يعني اسم خاص ، فلا ينافي أن يُقال له بعد التاسع بازل عام وبازل عامين، وهكذا .

باب صدقة البقرالمشهور بين الأصحاب أنّ له نصابين : الأوّل _ ثلاثون : وفيها تبيع أو تبيعة ، أي البقر الذي تمّ له سنة ودخل في الثانية، سمّي بذلك لأنّه يتبع أُمّه في الرعي أو يتبع اُذنه قرنه، (2) وليس فيما دونها شيء إجماعاً منّا ومن العامّة ، إلّا ما حكي عن الزهري وسعيد بن المسيّب من أنّهما قالا: في كلّ خمس شاة، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة (3) ؛ محتجّين بأنّ البقر عدلت الإبل في باب الهدي والاُضحية ، فكذا في الزكاة. (4) وهو قياس في مقابل النصّ الوارد من الطريقين ، أمّا من طريق الأصحاب فما رواه المصنّف قدس سره ، وأمّا من طريق العامّة فقد روى الجمهور عن معاذ: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمره أن يأخذ من كلّ ثلاثين تبيعاً، ومن كلّ أربعين مسنّة. (5) واُتي بما دون ذلك فقال : لم أومر في الأوقاص بشيء. (6) والوقص على ما فسّره الأصحاب وغيرهم: هو العفو في البقر. (7) على أنّا نقول لِمَ قستماها بالإبل مع أنّها عدلت الغنم أيضاً في باب الهدي والاُضحية ، فلو كانت المساواة فيهما علّة لكان ينبغي أن لا تجب الزكاة فيها في أقلّ من أربعين منها، والفرق تحكّم . الثاني _ أربعون: وفيها مسنّة، وهي من البقر ما تمَّ لها سنتان ودخلت في الثالثة ، (8) ولا خلاف فيه بين الاُمّة ، ثمّ يعتبر بعدهما الثلاثون أو الأربعون مع رعاية غبطة المستحقّ، ففي الستّين يجب تبيعان أو تبيعتان ، وفي الثمانين مسنّتان ، وفي السبعين تبيع أو تبيعة ومسنّة ، وهكذا؛ إذ ليس فيما دون الستّين إلّا المسنّة، والباقي وقص عند الأصحاب وأكثر العامّة ، وعند أبي حنيفة على أحد الأقوال منه، (9) ويأتي عليه الخبران المذكوران . وقال أبو حنيفة في قول ثان: في الزائد على الأربعين تزداد الزكاة بحساب الأربعة ، ففي كلّ بقرة تجب ربع عشرها ، وفي قول ثالث: لا شيء فيما زاد حتّى تبلغ خمسين، فيكون فيها مسنّة وربع (10) ؛ محتجّاً بأدلّة عقليّة على تقدير تسليمها لا تقبل في مقابل النصّ . هذا ، وقال العلّامة رحمه اللهفي المنتهى : نصب البقر أربعة : الأوّل: الثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة ، والثاني: الأربعون وفيه مسنّة ، والثالث: الستّون وفيه تبيعان أو تبيعتان ، والرابع: ما زاد تؤخذ من كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، ومن كلّ أربعين مسنّة كما هو ظاهر الخبر المذكور . (11) لكن يحتمل أن يكون التفصيل للتوضيح وبيان وجوب رعاية الأنفع للفقراء فيما زاد على الأربعين ، والظاهر أنّ النزاع في ذلك لفظي . قوله : (ثمّ ترجع البقر على أسنانها) .[ح1/5860] هذه العبارة مثل المذكورة في الإبل في المعنى، إلّا المعنى الأوّل الذي ذكرناه وقلنا: إنّه من باب التقيّة، وعدم جريانه هنا دليل على أنّه ليس بمقصود ثمّه . قوله : (زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت في الجواميس شيء؟ قال : مثل ما في البقر) . [ح2/5861] رواها في الفقيه (12) في الصحيح، والحكم إجماعي لأهل العلم، ويتألّف النصاب أيضاً منهما، (13) ويخرج في الواجب إن تطوّع المالك وإلّا فتؤخذ بالنسبة .

.


1- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 15 (حور).
2- . معجم مقائيس اللغة ، ج 1 ، ص 363؛ تاج العروس ، ج 11 ، ص 38 (تبع).
3- . هذا هو الظاهر الموافق لجميع المصادر ، و في الأصل: «تبعان» بدل «تبيعة».
4- . اُنظر: الخلاف ، ج 2 ، ص 18 ، المسألة 14؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 502 ، جامع الخلاف و الوفاق ، ص 139؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 73 _ 74؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 468 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 498؛ تفسير القرطبي ، ج 8 ، ص 248.
5- . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 230 و 233 و 240 و 247؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 382 ، سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 576 _ 577 ، ح 1803؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 68 ، ح 619 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 26؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 12، ح 2232؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 389؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 98 ؛ ج 9 ، ص 193؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 21 _ 22 ، ح 6841 .
6- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 99؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 80 ، ح 1887.
7- . اُنظر: صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 1061 _ 1062؛ مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 547 (وقص).
8- . مصباح المتهجّد ، ص 857 ؛ غنية النزوع ، ص 123؛ السرائر ، ج 1 ، ص 450 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 139؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 337 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 478؛ نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 237؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 334 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 415 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 2 ، ص 187 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 495 و 499.
9- . الخلاف ، ج 2 ، ص 19 ، المسألة 15؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 139 _ 140؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 75 _ 76 ، المسألة 46.
10- . المصادر المتقدّمة؛ والمبسوط للطوسي ، ج 2 ، ص 187؛ وتحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 284؛ وبدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 28؛ والبحر الرائق ، ج 2 ، ص 377؛ والاستذكار ، ج 3 ، ص 189؛ والتمهيد ، ج 2 ، ص 276؛ وأحكام القرآن للجصّاص ، ج 3 ، ص 193.
11- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص488.
12- . الفقيه ، ج 2 ، ص 26 ، ح 1607؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 115 _ 116 ، ح 11648.
13- . الكافي للحلبي ، ص 167؛ المراسم العلويّة ، ص 131؛ النهاية ، ص 177؛ السرائر ، ج 1 ، ص 436 و 446؛ الوسيلة ، ص 125؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 113؛ الجامع للشرائع ، ص 129؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 284؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 182؛ نهاية الإحكام ، ج 2 ، ص 328 و 334؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 234 ، الدرس 61 ؛ شرح اللمعة ، ج 3 ، ص 438؛ مدارك الأحكام ، ج 11 ، ص 271.

ص: 424

. .

ص: 425

. .

ص: 426

باب صدقة الغنم

باب صدقة الغنمالمشهور بين الأصحاب _ منهم الشيخ في المبسوط (1) وابن الجنيد (2) رضي اللّه عنهما _ أنّ لها خمسة نصب: الأربعون وفيه شاة ، ثمّ مئة وإحدى وعشرون وفيه شاتان ، ثمّ مئتان وواحدة وفيه ثلاث شياه ، ثمّ ثلاثمئة وواحدة وفيه أربع شياه ، ثمّ أربعمئة ففي كلّ مئة شاة ، وهكذا دائماً ، وهو مذهب المصنّف قدس سرهلما رواه في الباب . وذهب الصدوق (3) والشيخ المفيد (4) على حذو المذاهب الأربعة من العامّة على أنّ نصبها أربعة، الرابعة ثلاثمئة وواحدة وفيه ثلاث شياه ، ثمّ تعتبر المئة؛ مستندين إلى ما رواه الشيخ رحمه اللهعن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومئة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المئتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمئة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مئة شاة، ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلّا أن يشاء (5) المصدّق، ولا يفرّق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرّق، ويعدّ صغيرها وكبيرها». (6) والظاهر أنّ محمّد بن قيس الذي يروي عنه عاصم بن حميد إنّما هو البجلي الثقة، (7) فلا يرد ما يرد عليه من الضعف باعتبار اشتراك محمّد بن قيس بين أربعة أحدهم ضعيف . نعم ، يمكن حمله على التقيّة؛ لشهرته بين العامّة . وربما حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمئة، على أن يكون حكم الثلاثمئة وواحدة مهملاً فيه، وهو في غاية البُعد . وكأنّه تردّد فيهما في كتابي الأخبار حيث ذكر الخبرين من غير تعرّض للجمع بينهما . هذا ، وهنا سؤال مشهور، وهو أنّه على القول الأوّل إذا كان الواجب في ثلاثمئة وواحدة ما تجب في أربعمئة ، وعلى القول الآخر إذا كان الواجب ثلاثمئة وواحدة ما تجب في مئتين وواحدة ، فأيّ فائدة في الزائد؟ وجوابه : أنّ الفائدة تظهر في محلّ الوجوب، فإنّها إذا بلغت ثلاثمئة وواحدة فمحلّ الأربع جميعها ، فإذا زادت إلى ما دون أربعمئة فالوجوب بحاله والزائد عفو ، ولو فرض أنّها بلغت أربعمئة وحال الحول عليها يتعلّق الفرض بهذا المجموع. ويتفرّع على ذلك سقوط جزء من الفريضة لو تلف شيء من محلّها بغير تفريط، وعدم سقوطه لو تلف من العفو شيء وإن لم يكن بتفريط ، فلو تلف ممّا دون الأربعمئة شيء من العفو لم يسقط من الغرض بحسابه؛ لبقاء محلّ الفرض ولو تلف من الأربعمئة شيء يسقط بحسابه . وكذا يتفرّع عليه اختلاف قدر الساقط من الفريضة على تقدير التلف من المحلّين ، فلو تلف من ثلاثمئة وواحدة واحدة يسقط جزء من الثلاثمئة وجزء من الأربع ، ولو تلف من الأربعمئة واحدة يسقط جزء من الأربع ، وهكذا القول في النصابين على القول الآخر . قوله في حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام : (إنّه ليس في الأكيلة شيء ولا في الربّي) إلى آخره .[ج2/5863] المراد بالأكيلة: الشاة المعدّة للأكلَ بقدر الحاجة ، (8) والظاهر أنّها كذلك وإن لم تكن معلوفة . والمشهور في تفسير الربّى: أنّها الوالد إلى خمسة عشر يوماً أو إلى شهر أو إلى خمسين، (9) وشاة اللبن: ما اُعدّت لشرب لبنها كذلك. والفحل: ما يحتاج إليه للضراب . فلو زاد ما عدا الثانية عن قدر الحاجة عدّ الزائد في النصاب ، ثمّ الظاهر من الخبر أنّ الثانية لا تعدّ في النصاب كما هو المشهور، وظاهر خبر سماعة (10) عدم جواز أخذها للعامل ، فتأمّل . قوله في موثّقة إسحاق بن عمّار : «قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال : إذا أجذع) .[ح4/5865] والجذع: ما تمَّ له ستّة أشهر ودخل في السابع ، (11) والغرض أنّها في ذلك السنّ تجري في الحول، وبعد انقضائه تجب فيه الزكاة ؛ وذلك لأنّها في تلك المدّة غالباً تشرب لبن اُمّها ، فهي في حكم المعلوفة إذا بلغت هذا السنّ يجب إخراج الزكاة منها؛ لما سبق من اشتراط الحول فيها . ثمّ المشهور أنّ حول السخال من حين استغنائها عن اللبن بالرعي، وأنّها مدّة الرضاع في حكم المعلوفة مطلقاً وإن حصل اللبن عن السوم؛ إذ اللبن من مال المالك. وتخصيص بعض الأصحاب إيّاه بالحاصل من العلف غير موجّه، وقد سبق القول فيه .

.


1- . المبسوط ، ج 1 ، ص 198 ، و مثله في الخلاف ، ج 2 ، ص 21 ، المسألة 17.
2- . اُنظر: مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 180.
3- . المقنع ، ص 160؛ الهداية ، ص 173 _ 174.
4- . المقنعة ، ص 238.
5- . في الأصل: «شاء» ، و المثبت من المصادر.
6- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 25 ، ح 59 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 23 ، ح 62 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 116 _ 117 ، ح 11650.
7- . اُنظر: رجال النجاشي ، ص 323 ، الرقم 881 ؛ رجال ابن داود ، ص 182 ، الرقم 1486؛ معجم رجال الحديث ، ج 17 ، ص 173 _ 174 ، ترجمة محمّدبن قيس البجلي ؛ وص 175 _ 176 ، ذيل ترجمة محمّد بن قيس الأنصاري.
8- . اُنظر: مجمع البيان ، ج 3 ، ص 268؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 113.
9- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 131؛ تذكرة الفقهاء ،ج 5 ، ص 116 _ 117 ، المسألة 60 .
10- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
11- . اُنظر: السرائر ، ج 1 ، ص 597 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 199؛ تحريرالأحكام ، ج 1 ، ص 369.

ص: 427

. .

ص: 428

باب أدب المصدّق

باب أدب المصدّققد عرفت أنّ المصدّق على صيغة الفاعل من التفعيل إنّما يطلق على آخذ الصدقات وهو العامل ، وأمّا مُعطيها فيُقال له: المتصدّق على صيغة الفاعل من المتفعّل ، والمصّدق بتشديد الصاد أيضاً . على أنّ أصله المتصدّق فقُلبت التاء صاداً واُدغمت. (1) قوله في حسنة بُريد بن معاوية : (ثمّ احدر كلّما اجتمع عندك من كلّ نادي إلينا) إلى آخره .[ح1/5866] «إلينا» متعلّق ب «أحدر» على وزن اضرب . قال الجوهري : يُقال: حدرت السفينة أحدرها، إذا أرسلتها إلى أسفل ، ولا يقال أحدرتها. (2) وقال الجوهري : يُقال أوعزت إليه في كذا، أي تقدّمت، وكذلك وعزّت إليه توعيزاً ، وقد يخفّف فيُقال: وعزت إليه وعزاً. (3) والمصر (4) _ على ما قال ابن السكّيت _ : حلب كلّ ما في الضرع . وقال ابن إدريس رضى الله عنه : سمعت من يقول: ترويح وتغبق بالغين المعجمة والباء، ويعتقد أنّه من الغبوق، وهو الشرب بالعشيّ ، وهذا تصحيف فاحش وخطأ قبيح، وإنّما هو بالعين غير المعجمة والنون المفتوحة، وهو ضرب من سير الإبل[و هو سير] شديد . والمعنى : أنّه لا يُعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق في الساعات التي فيها راحة، ولا في الساعات التي فيها مشقّة ، ولأجل هذا قال : تريح من الراحة، ولو كان من الرواح لقال: تروح، وما كان يقول تريح (5) ؛ ولأنّ الرواح يكون عند العشي أو قريب منه ، والغبوق: هو شرب العشي فلم يبق له معنى ، وأنّ المعنى ما قلناه. (6) وقال الجوهري : يُقال : سحت الشاة تسيح بالكسر سحوحاً وسحوحة سمنت ، وغنم سِحاح. (7) قوله : (عن محمّد بن خالد) . [ح5/5870] هو محمّد بن خالد بن عبداللّه البجلي الكوفي الذي ولّاه المنصور المدينة، وهو مجهول الحال. (8) قوله في خبر عبداللّه بن زمعة : (من بلغت عنده [من الإبل] صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة، فإنّه تُقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إلى عشرين درهماً) إلى آخره . [ح7/5872] ومثله ما روي من طريق العامّة عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ومَن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة، فإنّها تُقبل منه الحقّة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً ، ومَن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده إلّا بنت لبون فإنّها تقبل منه بنت لبون، ويعطي شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقة بنت لبون وعنده حقّة فإنّها تُقبل منه الحقة، ويعطيه المصدّق عشرين درهماً أو شاتين ، ومَن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض، فإنّها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي المصّدق معها عشرين درهماً أو شاتين. (9) والحكم هو المشهور بين الأصحاب، منهم الصدوق رضى الله عنهفي الفقيه ، (10) بل قال في المنتهى : «ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال الشافعي والنخعي وأحمد ومالك». (11) ونقل في المختلف (12) عن عليّ بن بابويه، (13) وعن أبيه في المقنع رضي اللّه عنهما أنّهما جعلا التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المصدّق أو يعطيها ، (14) وكأنّه إنّما جعل الشارع عشرين درهماً معادلاً للشاتين ؛ لأنّ قيمة الشاة كان في ذلك العصر عشرة دراهم ، ويؤيّده جعل عشرة آلاف درهم في باب الديات معادلاً لألف شاة، حيث جعلت دية النفس مئة من الإبل، أو مئتا بقرة، أو مئة حلّة، أو ألف ديناراً، أو ألف شاة، أو عشرة آلاف درهم . ونقل في المنتهى (15) عن الثوري أنّه جعل التخيير بين الشاتين وعشرة دراهم (16) محتجّاً بأنّ قيمة الشاة في الشرع خمسة دراهم؛ مستنداً في ذلك بأنّ نصاب الغنم أربعون ونصاب الدراهم مئتان ، وبما رواه عاصم بن ضمرة، عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «إذا أخذ الساعي مِن الإبل سنّاً فوق سنّ أعطى شاتين أو عشرة دراهم». (17) والجواب عن الأوّل: أنّ التساوي في القيمة غير معتبر في نصب الأشياء التسعة الزكوية؛ لما نرى أنّ أوّل نصب الإبل خمسة وأوّل نصابي الذهب عشرون ديناراً ، مع أنّ البعير ليس مقوّماً بأربعة دنانير بل مقوّماً بعشرة، كما يظهر من باب الدية الملازم مساواة أفراد الواجب فيها . وعن الثاني بأنّ الخبر مع ضعفه معارض بما عرفت . وزعم أبو حنيفة أنّه يخرج قيمة ما وجب عليه أو دون السنّ الواجبة مع التفاضل من الدراهم أيّ قدر كان؛ للجمع بين الحقّين. (18) ثمّ المشهور أنّه مع التفاوت بأكثر من درجة يعتبر القيمة السوقيّة وهو الظاهر؛ لعدم نصّ فيه، فليعتبر قيمة ما وجب عليه أيّاً ما كان . وقال أبو الصلاح على ما نُقل عنه : «إنّه يتضاعف الجبران الشرعي ، فلو وجب عليه بنت مخاض وعنده حقّة دفعها واستردّ أربع شياه أو أربعين درهماً، وبالعكس يدفع بنت مخاض وأربع شياه أو أربعين درهماً، وعلى هذا القياس في البواقي». (19) وهو ظاهر الشيخ في المبسوط حيث قال : «ويجوز النزول من الجذعة إلى بنت المخاض والصعود من بنت المخاض إلى الجذعة على ما قدّر في الشرع بين الأسنان». (20) واستقربه العلّامة في المختلف ، (21) ولو استغربه لكان أقرب . هذا ، وظاهر هذه الأخبار تعيّن هذه التبادل في الأنعام وعدم إجزاء قيمة ما وجب عليه من جنس آخر ، وأمّا غير الأنعام من الأجناس الزكويّة فقد دلّ على جواز إخراج قيمة ما وجب عليه فيها من جنس آخر صحيحة البرقي، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : هل يجوز _ جعلت فداك _ أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما تسوى أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجابه عليه السلام : «أيّما تيسّر يخرج». (22) وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي من زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة ، أيحلّ ذلك له؟ قال : «لا بأس». (23) وبهذا التفصيل ذهب المفيد قدس سره حيث قال في المقنعة : ولا بأس بإخراج الذهب عن الفضّة بالقيمة وإخراج الفضّة عن الذهب بالقيمة، وإخراج الشعير عن الحنطة بقيمتها وإخراج الحنطة عن الشعير بقيمته ، ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلّا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة. (24) إلّا أنّ ظاهره جواز إخراج القيمة مع فقد الأسنان المخصوصة ولو من غير الإبل، والأولى الاقتصار على مورد النصّ، فيخصّ التبادل في النقدين أحدهما بالآخر ، وكذا في الحنطة والشعير، وفي الإبل سنّاً منها بسنّ آخر منها كما هو مدلول النصّ، وعدم جواز التبادل في التمر والزبيب والبقر والغنم مطلقاً ، إلّا إذا تعذّر ما وجب عليه؛ لأنّ الزكاة إنّما تتعلّق بالأعيان ، والواجب شرعاً إنّما يكون منها، فتبديلها بغيرها يحتاج إلى دليل يعتدّ به . وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى (25) وابن إدريس (26) جواز أخذ القيمة في الجميع ، واستوجهه محتجّاً بأنّ المقصود دفع حاجة الفقير، وهو يحصل بدفعها أيضاً ، وبأنّ الصحيحين يدلّان على جواز دفع القيمة في غير الأنعام ، فينبغي أن يجوز فيها أيضاً ؛ لأنّ إخراج القيمة إمّا أن يكون محصّلاً للمصالح المطلوبة شرعاً من الزكاة أو لا ، فإن كان الأوّل أجزأ مطلقاً، وإن كان الثاني امتنع مطلقاً. (27) وهذا القول هو ظاهر ابن الجنيد، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «ولا بأس بأن يخرج عن الواجب من الصدقة ذهباً وورقاً بقيمة الواجب يوم أخذه». (28)

.


1- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1506 _ 1507 (صدوق).
2- . صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 625 (حدر).
3- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 901 (وعز).
4- . ترتيب إصلاح المنطق، ص 345؛ صحاح اللغة، ج 2، ص 817 (مصر).
5- . المثبت من المصدر، و في الأصل: «ترويح».
6- . السرائر ، ج 1 ، ص 465.
7- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 373 (سحح).
8- . اُنظر: رجال الطوسي ، ص 281 ، الرقم 4070.
9- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 123؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 575 ، ح 1800؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 85 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 58 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 98 ، ح 1956.
10- . الفقيه ، ج 2 ، ص 23 ، ذيل ح 1604.
11- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 483. و انظر: المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 456 _ 457؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 405 و 410.
12- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 175.
13- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 196 _ 197.
14- . المقنع ، ص 158.
15- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 483 _ 484.
16- . المغني، ج 2، ص 457؛ الشرح الكبير، ج2، ص 490.
17- . المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 39 ، ح 6902 .
18- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 67 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 457؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 490.
19- . الكافي في الفقه ، ص 167. و حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 176 _ 177 ، اللفظ له.
20- . المبسوط ، ج 1 ، ص195.
21- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 177.
22- . الكافي ، باب الرجل يعطي عن زكاته العوض ، ح1؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 32 ، ح 1623؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 95 ، ح 271؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 167 ، ح 11753.
23- . الكافي ، باب الرجل يعطي عن زكاته العوض ، ح 2؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 31 ، ح 1622؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 95 ، ح 272؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 167 ، ح 11754.
24- . المقنعة ، ص 253.
25- . الانتصار ، ص 215؛ جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج 2 ، ص 75).
26- . السرائر ، ج 1 ، ص 446.
27- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 230 _ 231.
28- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 229 _ 230.

ص: 429

. .

ص: 430

. .

ص: 431

. .

ص: 432

. .

ص: 433

باب زكاة مال اليتيم

باب زكاة مال اليتيملقد اختلف في وجوب الزكاة في أموال الأطفال والمجانين ، فالمشهور بين الأصحاب العدم . ويدّل عليه _ زائداً على ما رواه المصنّف قدس سره في الباب وفي الباب الآتي _ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : سألته عن مال اليتيم ، فقال : «ليس في زكاة». (1) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «ليس في مال اليتيم زكاة». (2) ويؤيّدها الأصل، وانتفاء التكليف الذي هو مناط تعلّق الأحكام الشرعيّة غالباً . وأوجبهما الشيخان (3) في غلّاتهما محتجّين بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم ، وحملت في المشهور على الاستحباب ، فقد اشتهر بين الأصحاب سيما المتأخّرين منهم استحبابها في غلّاتهما ومواشيهما ، (4) وربّما حُملت على التقيّة؛ لموافقتها لمذاهب العامّة . وقد حمل الشيخ قوله عليه السلام في خبر أبي بصير : «وليس على جميع غلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّة زكاة» على نفي الإيجاب ، (5) [حيث قال]: «ونحن لانقول: إنّ على جميع غلّاته زكاة إنّما تجب على الأجناس الأربعة التي هي التمر والزبيب والحنطة والشعير» . ثمّ قال : «وإنّما خصَّ اليتامى بهذا الحكم؛ لأنّ غيرهم مندوبون إلى إخراج الزكاة عن سائر الحبوب، وليس ذلك في أموال اليتامى». (6) وأوجبها المفيد (7) في مواشيهما أيضاً ولم أعثر على مستند له، فإن تشبّث في ذلك بعموم الأخبار الواردة في الأنعام، فيعارض بالعمومات المشار إليها في نفي الزكاة عن أموالهما. وليس تخصيص الثاني أولى من تخصيص الأوّل ، بل الأوّل أولى؛ لاعتضاده بالأصل، وانتفاء التكليف. وإن حملها على الغلّات، فهو قياسٌ باطل عندنا لاسيما مع الفارق، فإنّ النموّ في الغلّات أكثر منه في المواشي، فلا يلزم من إيجابها هناك إيجابه هنا ، بل تدلّ صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامعلى ما رواه الشيخ في الاستبصار على عدم ثبوتها في غلّات الطفل، وهو أشبه كانتفائها عن نقديه ، حيث روي عنهما أنّهما قالا : «مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شيء» ، (8) فتدبّر . بل الظاهر عدم ثبوت الزكاة في غلّات المجنون أيضاً؛ لاقتضاء انتفاء التكليف إيّاه، وانتفاء دليل صالح على ثبوتها؛ لاختصاص النصّ بغلّات الطفل ، وحمل المجنون عليه قياس مع وجود الفارق . قال المحقّق في المعتبر: فإن جمع بينهما بعدم العقل كان جمعا بقيد عدمي لا يصلح للعلّة ، ويمكن الفرق بأنّ الطفل لبلوغه غاية محقّقة فجاز أن يجب في ماله؛ لانتهاء (9) غاية الحجر، وليس كذلك المجنون ، فإذا تحقّق الفارق أمكن استناد الحكم إلى الفارق. (10) وظاهر مذهب المصنّف قدس سره ما حقّقناه حيث عنون الباب بزكاة مال اليتيم فقط ، وذكر ما يدلّ على ثبوتها في غلّاته ، وشرك بين المجنون والمملوك في باب آخر ، وإنّما ذكر فيه ما يدلّ على ثبوت زكاة التجارة في مال المجنون ، فكما لا تجب الزكاة في أموال المملوك لا تجب في باقي أمواله أيضاً . وأوجبها الشافعي في جميع الأشياء المتّسعة من مالهما (11) ؛ بما نقلوه عن عليّ عليه السلام : أنّه كان عنده مال لأيتام بني رافع، فلمّا بلغوا سلّمه إليهم، وكان قدره عشرة آلاف درهم فوزنوه فنقص، فعادوا إليه عليه السلام وقالوا : إنّه ناقص ، قال : «أفحسبتم الزكاة؟» قالوا : لا ، قال : فاحسبوها ، فخرج المال مستوياً ، فقال عليه السلام : «يكون عندي مال لا أؤدّي زكاته ؟!». (12) واُجيب عنه بضعف السند ، ثمّ باحتمال أن يكون عليه السلام إنّما دفع إليهم أموالهم بعد بلوغهم بسنة أو أكثر ، وأخّر الدفع عن بلوغهم للاستيناس برشدهم. (13) وأمّا زكاة التجارة في مالهما وعدمها فهي مبتنية على التا[جر]ونيّة التجارة، فإن كان التاجر هو الوليّ وقصد التجارة لهما فالمشهور بين الأصحاب استحباب الزكاة عنهما ، بل ادّعى في المنتهى عليه الإجماع. (14) ويدلّ عليه _ زائداً على ما رواه المصنّف قدس سره في هذا الباب وفي الباب الآتي _ ما رواه الشيخ عن محمّد بن الفضيل، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل تجب على مالهم زكاة؟ فقال : «لا تجب في مالهم زكاة حتّى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة ، فأمّا إذا كان موقوفاً فلا زكاة عليه». (15) وحمل الوجوب فيه على معناه اللّغوي؛ للإجماع المدّعى على عدم الوجوب، وللوفاق على عدم وجوبها للتجارة المكلّف ، فهنا أولى بالعدم . وعن [أحمد بن عمر بن] أبي شعبة، عن أبيه، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سُئل عن مال اليتيم ، فقال : «لا زكاة عليه إلّا أن يعمل به». (16) وعن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : امرأة من أهلنا مختلطة، عليها زكاة ؟ فقال : «إن كان عمل به فعليها زكاة، وإن لم يعمل به فلا». (17) وعن موسى بن بكر، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها، هل تجب عليه زكاة؟ فقال : «إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة». (18) وما ذكروه جيّد ، والظاهر من أكثر ما ذُكر من الأخبار عدم اشتراط كون التاجر وليّاً شرعيّاً من الأب والجدّ والوصيّ والحاكم، بل كفاية كونه قيّماً حسبيّاً؛ لذكر الأخ فيها وتقييد الأخ بالوصي فيما سيأتي من خبر الربيع في كلام السائل، وهو لا يوجب التخصيص، وهو ظاهر المقنعة حيث قال : ولا زكاة في صامت أموال الأطفال والمجانين من الدراهم والدنانير، إلّا أن يتّجر بها القيّم عليها، فإن اتّجر بها وجب عليه إخراج الزكاة ، فإذا أفادت ربحاً فهو لأربابها، وإن حصل فيها خسران ضمن المتّجر لهم. (19) بل ظاهر إطلاق المتّجر في كلام الشيخ في النهاية عدم اشتراط كونه قيّماً أيضاً، حيث قال : «فإن اتّجر متّجر بمالهم نظراً لهم يستحبّ له أن يخرج من أموالهم الزكاة». (20) لكنّه ممّا صرّحوا بعدم استحباب الزكاة فيما إذا كان المتّجر غير الوليّ على ما ستعرف . والمشهور عدم ضمان التاجر إذا كان وليّاً ناظراً للمصلحة؛ لما سيأتي عن أبي الربيع ، وإن لم يكن وليّاً فالظاهر ضمانه؛ لإطلاق صحيحة الحلبي (21) وخبر سعيد السمّان، (22) خرج ما خرج وبقي الباقي. وهل يجوز له أخذ شيء من الربح؟ الظاهر جوازه بقدر ما يحتاج إليه ، بل ظاهر خبر أبي الربيع كون الربح بينهما، حيث قال : سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخٍ له يتيم وهو وصيّه، أيصلح[له] أن يعمل به؟ قال : «نعم ، يعمل به كما يعمل بمال غيره والربح بينهما» ، قال : قلت : فهل عليه ضمان؟ قال : «لا ، إذا كان ناظراً له». (23) بل لا يبعد جواز جعل أكثر الربح لنفسه مع مراعاة المصلحة؛ لجواز أنواع تصرّفات الوليّ في مال المولّى عليه مع الغبطة. وإن قصد التاجر التجارة لنفسه لا لهما، فإن كان وليّاً مليّا فالمشهور أنّ الربح له، والزكاة المستحبّة عليه، ويضمن المال؛ وذلك لأنّه حينئذٍ يجوز له اقتراض مالهما و بذلك يصير مالاً له، فيصير مشغول الذمّة بذلك المال، ويكون الربح له؛ لأنّه نماء ماله ، ومع فقد أحدهما يكون الربح لهما مع ضمانه للمال، ولا زكاة حينئذٍ؛ لعدم جواز ذلك التصرّف له ، فالمال باق على ملكهما، ويكون الربح لهما، ولا زكاة على مالهما؛ لعدم دليل عليها . ويدلّ أيضاً على ذلك التفصيل ما رواه الشيخ عن منصور الصيقل، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن مال اليتيم يعمل به ، قال : «إذا كان عندك مالٌ وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لامال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال». (24) وعن سماعة بن مهران، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به، أيضمنه؟ قال : «نعم» . قلت : فعليه زكاة؟ قال : «لا ، لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان والزكاة». (25) وعن أسباط بن سالم، عن أبيه، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام قلت : أخي أمرني أن أسألكَ عن مال يتيم في حجره يتّجر به ، قال : «إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف وأصابه شيء غرمه، وإلّا فلا يتعرّض لمال اليتيم». (26) وهذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب ، وظاهر ما نقلناه عن نهاية الشيخ استحبابها من مال الطفل في الشقّ الثاني، وقد صرّح بذلك بعده حيث قال : فإن اتّجر لنفسه دونهم وكان في الحال متمكِّناً من ضمان ذلك المال كانت الزكاة عليه والربح له ، وإن لم يكن متمكِّناً في الحال من مقدار ما يضمن به مال اليتيم (27) وتصرّف فيه لنفسه من غير وصيّة ولا ولاية لزمه ضمانه، وكان الربح لليتيم، ويخرج منه الزكاة. (28) وكأنّه تمسّك بعموم ما دلّ على ثبوتها في الربح لليتيم، وهو مخصّص بخبر سماعة؛ لعموم قوله عليه السلام : «لا» ، حيث يشمل نفيها عن الطفل أيضاً ، والأوّل أولى بالتخصيص؛ لتأيّد الثاني بما ذكر من الأصل وانتفاء التكليف ، وما دلّ على نفيهما من أموالها ، فتأمّل . وقال صاحب المدارك : «واستثنى المتأخّرون من الوليّ الذي تعتبر ملاءته الأب والجدّ فسوّغوا لهما اقتراض مال الطفل مع العسر واليسر، وهو مشكل». (29) انتهى . ولم يجوّز ابن إدريس التجارة بمالهما لنفسه مطلقاً ، قال : ولا يجوز لمَن اتّجر في أموالهم أن يأخذ الربح، سواءً كان في الحال متمكِّناً من مقدار ما يضمن به مال الطفل أو لم يكن ، والربح في الحالين معاً لليتيم، ولا يجوز للوليّ أو الوصيّ أن يتصرّف في المال المذكور إلّا بما يكون فيه صلاح المال ويعود نفعه إليه دون المتصرّف فيه. (30) قوله في صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم : (إنّهما قالا : ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شيء) .[ج3/5878] يفهم منه ثبوت الزكاة في الدَّين من مال الكامل كمال صامته كما ذهب إليه بعض ، (31) وفي الاستبصار : «العين» بدل «الدّين»، (32) وهو أظهر .

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 26 ، ح 61 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 85 ، ح 11581.
2- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 26 ، ح 62 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 85 ، ح 11582.
3- . ذهب إليه المفيد في المقنعة ، ص 238 ، و الطوسي في النهاية ، ص 175؛ والمبسوط ، ج 4 ، ص 59 .
4- . المعتبر ، ج 2 ، ص 487 _ 488.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 29 _ 30 ، ح 73؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 31 ، ح 91؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 86 ، ح 11585.
6- . نفس المصدرين المتقدّمين.
7- . المقنعة ، ص 238.
8- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 29 ، ح 72؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 31 ، ح 90.
9- . في الأصل: «لأنّها»، و التصويب من المصدر.
10- . المعتبر ، ج 2 ، 488 _489.
11- . الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 30؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 329 _ 330؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 493.
12- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج4 ، ص 107 _ 108؛ سنن الدارقطني ، ج2 ، ص 95 _ 96 ، ح 1956.
13- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 472.
14- . منتهي المطلب ، ج 1 ، ص 471.
15- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 27 _ 28 ، ح 67 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 29 ، ح 85 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 88 ، ح 11590.
16- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 27 ، ح 64 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 86 ، ح 11584.
17- . الكافي ، باب زكاة مال المملوك و المكاتب و المجنون ، ح 2؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص30 ، ح 75؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 90 ، ح 11595.
18- . الكافي ، باب زكاة المملوك و المكاتب و المجنون ، ح 3؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص30 _ 31 ، ح 76؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 90 ، ح 11596.
19- . المقنعة ، ص 238.
20- . النهاية ، ص 174. و مثله في المبسوط ، ج 1 ، ص 234.
21- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
22- . هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 87 ، ح 11588.
23- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 30 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 89 ، ح 11592.
24- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 29 ، ح 71؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 30 ، ح 89 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 89 ، ح 11593.
25- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 28 ، ح 69 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 30 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 88 ، ح 11591.
26- . الكافي ، باب التجارة في مال اليتيم و القرض منه ، ح 4؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 341 ، ح 954؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 258 ، ح22469.
27- . كذا في الأصل، و في المصدر: «مال الطفل».
28- . المبسوط للطوسي ، ص 174 _ 175.
29- . مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 19.
30- . السرائر ، ج1 ، ص 441.
31- . في النسخة: + «وقد ذهب».
32- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 31 ، ح 90؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 83 ، ح 11576.

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون

باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنونفيه مسائل : الاُولى : زكاة مال المملوك. فمَن قال بعدم تملّكه قال بعدم وجوب الزكاة عليه؛ لاشتراطه الملك في وجوبها، وتمسّكوا هؤلاء على عدم تملّكه بقوله تعالى : «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً عَبْدا مَمْلُوكا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ» (1) «وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ» ، (2) وقوله سبحانه : «هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ» . (3) وفي المنتهى : «ولو ملّكه مولاه شيئاً لا يملكه؛ لأنّه مالٌ فلا يملك بالتمليك كالبهيمة ، قاله أصحابنا». (4) وقد رجّح هذا القول. وعلى هذا فهل تجب على مولاه؟ المشهور وجوبها عليه (5) ؛ محتجّين بأنّه مالكٌ للمال متمكِّن من التصرّف فيه ، بل يد العبد كيده، لكنّ ظاهر حسنة ابن أبي عمير عن عبداللّه بن سنان، (6) وصريح خبر محمّد بن خالد عنه (7) عدمه ، سواء قلنا يملكه أم لا ، كما قال به الشهيد الثاني في شرح الشرائع ، (8) ومن الأصحاب من قال بأنّه يملك فاضل الضريبة وأضرابها. (9) واختلفوا هؤلاء في وجوبها عليه ، ففي الشرائع : «والمملوك لا تجب عليه الزكاة، سواء قلنا: إنّه يملك أو أحلنا ذلك». (10) وهو المشهور بين الأصحاب؛ لاشتراط تماميّة الملك، وفقدها هنا؛ لكونه محجوراً عليه ممنوعاً من التصرّف بغير إذن من مولاه ، ولأنّه للمولى انتزاعه منه . ويدلّ عليه الخبران المشار إليهما ، ومثلهما ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سأله رجل وأنا حاضر عن مال المملوك، أعليه زكاة؟ قال : «لا ، ولو كان ألف درهم». (11) وحكى في الشرائع عن بعض قولاً بوجوبها عليه ، (12) واحتجّ عليه بأنّه مالكٌ له أنواع التصرّف فيه . وهو كما ترى . وبالجملة، فلا وجه لوجوبها عليه مطلقاً؛ لما عرفت من الأخبار المؤكّدة باشتراط الملك وتماميّتها في وجوبها . وأمّا المولى فظاهر الأصحاب وجوبها عليه على القول بعدم ملك العبد ، وصرّح بذلك جماعة منهم الشيخ في الخلاف (13) والعلّامة في المنتهي (14) والمختلف (15) وغيرهما، (16) محتجّين بما ذكر، وكأنّهم خصّوا الخبرين بما إذا لم يعلم بماله المولى كما هو المتعارف من أحوال المماليك من إخفاء ما في أيديهم عن الموالي ، ويشعر به قوله عليه السلام : «إنّه لم يصل إلى سيّده»؛ لعدم تمكّنه من التصرّف فيه حينئذٍ . وقد وقع هذا الخلاف عند العامّة ؛ ففي الخلاف : وقال الشافعي في الجديد : لا يملك العبد وزكاته على سيّده كما قلناه ، وبه قال أبو حنيفة، وفي القديم يملك، وبه قال مالك. (17) وعلى هذا قال: لا تلزم الزكاة في هذا المال . _ ثمّ قال : _ دليلنا إجماع الفرقة على أنّ العبد لا يملك ، فإذا ثبت ذلك فالمال للسيّد، فتلزمه زكاته أيضاً بلا خلاف بين أصحابنا في أنّ مَن باع مملوكه وله مال أنّه إن علم ذلك كان ماله للمشتري وإن لم يعلم كان للبائع ، فلولا أنّه ملكه لا يملك المشتري ذلك مع علمه ولا جاز له أخذه إذا لم يعلمه. (18) انتهى، فتأمّل فيه . الثانية : زكاة مال المكاتب . أمّا المشروط والمطلق الذي لم يتحرّر منه شيء فبحكم القنّ ، وقد عرفت حال ماله . وأمّا المطلق الذي تحرّر منه شيء فقد اشتهر بين الأصحاب وجوب الزكاة في نصيبه إذا تحقّق شرائطها؛ لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة على الحرّ وخصّوا المكاتب في خبر[أبي] البختري (19) بما لم يتحرّر منه شيء مع ضعفه جدّاً ؛ فإنّ أبا البختري هذا هو وهب بن وهب بن كثير بن زمعة بن الأسود بن المطّلب عبد العزّى، وهو كان عامّياً كذّاباً مذموماً في أخبار متعدّدة على ما يظهر من رجال الشيخ (20) والكشي (21) والغضائري (22) والفهرست (23) والخلاصة ، (24) وذهب إلى نفي الوجوب عنه مطلقاً علماء العامّة كافّة إلّا أبا ثور (25) ؛ لعموم المكاتب بما نقلوا عن ابن عمر وجابر أنّهما قالا : لا زكاة في مال المكاتب. (26) والثالثة : زكاة مال المجنون. وقد سبق، وكان الأولى اقترانه باليتيم .

.


1- . النحل(16) : 75 .
2- . النحل(16) : 76 .
3- . الروم(30) : 28 .
4- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص473.
5- . اُنظر: المعتبر ، ج2 ، ص 489؛ تذكرة الفقهاء ، ج5 ، ص 368 ؛ تحرير الأحكام ، ج1 ، ص 348.
6- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
7- . كذا بالأصل ، و الظاهر أنّ محمد بن خالد مصحّف عن محمّد بن أبي حمزة ، و خبره هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ فإنّه صريح في نفي الزكاة عن المملوك.
8- . مسالك الأفهام ، ج1 ، ص 358.
9- . اُنظر: منتهى المطلب ، ج1 ، ص 472.
10- . شرائع الإسلام ، ج1 ، ص 105.
11- . الفقيه ، ج2 ، ص 36 ، ح 1634.
12- . شرائع الإسلام ، ج1 ، ص 105.
13- . الخلاف ، ج2 ، ص 42 _ 43 ، المسألة 45.
14- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 472 _ 473.
15- . مختلف الشيعة، ج3، ص 156.
16- . قواعد الأحكام ، ج1 ، ص330.
17- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج14 ، ص 797؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج2 ، ص 494؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص438؛ فتح العزيز ، ج5 ، ص 519 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج1 ، ص 248؛ المحلّي ، ج5 ، ص 202؛ بداية المجتهد ، ج1 ، ص 197.
18- . الخلاف ، ج2 ، ص 43.
19- . هو الحديث الرابع من هذا الباب.
20- . رجال الشيخ، ص 317، الرقم 4724، و لم يذكر فيه مدح و لاذمّ، نعم ذكره النجاشي في رجاله، ص 430، الرقم 1155 و اتّصفه بالكذب.
21- . اختيار معرفة الرجال ، ج2 ، ص597 ، الرقم 558 .
22- . رجال ابن الغضائري ، ص 100 ، الرقم 151.
23- . الفهرست ، ص 256 ، الرقم 779.
24- . خلاصة الأقوال ، ص 414 ، الفصل 24.
25- . الخلاف ، ج2 ، ص 41؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 330؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج2 ، ص 495؛ الشرح الكبير ، ج2 ، ص 437؛ المحلّى ، ج5 ، ص 203؛ بداية المجتهد ، ج1 ، ص 197؛ الفتوحات المكيّة ، ج1 ، ص 554 .
26- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج4 ، ص 109؛ معرفة السنن و الآثار ، ج3 ، ص 250؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج4 ، ص 71 ، ح 7004؛ سنن الدارقطني ، ج2 ، ص 93 ، ح 1941؛ كنزالعمّال ، ج6 ، ص 323 ، ح 15858.

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

باب فيما يأخذ السلطان من الخراج

باب فيما يأخذ السلطان من الخراجقد اختلف الأصحاب في المسألة، فذهب الأكثر _ منهم الشيخ في الخلاف _ إلى عدم جواز احتساب ما أخذه السلطان الجائر من العشر باسم المقاسمة والخراج من الزكاة (1) ؛ لرواية أبي اُسامة قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلت فداك إنّ هؤلاء المتصدّقين يأتونا ويأخذون منّا الصدقة، فنعطيهم إيّاها، أيجزي عنّا؟ فقال : «لا، إنّما هؤلاء قومٌ غصبوكم _ أو قال: ظلموكم _ أموالكم، وإنّما الصدقة لأهلها». (2) وظاهر المصنّف _ كالصدوق _ جواز الاحتساب؛ للأخبار التي ذكرها ، ومثلها ما رواه الشيخ عن أبي كهمس، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه». (3) وفي الصحيح عن رفاعة بن موسى، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : الرجل له الضيعة فيؤدّي خراجها ، هل عليه فيها العشر؟ قال : «لا». (4) وعن عبداللّه بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهماالسلام، قال: في زكاة الأرض إذا قبلها النبيّ صلى الله عليه و آله أو الإمام بالضعف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه وليس على المتقبّل زكاة إلّا أن يشترط صاحب الأرض ، أنّ الزكاة على المتقبّل، فإن اشترط فإنّ الزكاة عليهم، وليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلّا من في يده شيء ممّا أقطعه الرسول صلى الله عليه و سلم . وفي الصحيح عن عبيداللّه بن عليّ الحلبي، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صدقة الأموال يأخذها سلطان ، فقال : «لا آمرك أن تعيد». (5) وصرّح الشيخ في التهذيب بجواز الاحتساب واستحباب الإعادة (6) ؛ للجمع بين الأخبار ، وقد جمع أيضاً بينها بحمل ما دلّ على السقوط على سقوط زكاة ما أخذه السلطان وأنّه كالتالف ، وقالوا : إنّما تجب الزكاة فيما بقي بعد إخراج مؤونة السلطان؛ لوقوع التصريح بهذا المعنى في حسنة حريز عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامأنّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها، ما ترى فيها؟ فقال : «كلّ أرض دفعها إليك سلطان فما حرثته فيها [فعليك فيما] أخرج اللّه منها الذي يقاطعك عليه، وليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». (7) ولا يخفى بُعد ذلك التأويل، بل عدم تأتّيه رأساً في بعض ما ذكر من الأخبار ، وتلك الأخبار موافقة لمذاهب جمهور العامّة ، بل قال الشافعي : الأفضل دفعها إلى الجائر اختياراً (8) قياساً له على السلطان العادل . هذا ، ولو أخذ الجائر الزكاة بعد عزل المالك إيّاها وعدم إمكان أدائها إلى المستحقّ تسقط الزكاة حينئذٍ اتّفاقاً مع عدم التفريط، كما إذا أتلفت كذلك من وجه آخر (9) ؛ لأنّها بعد العزل تصير أمانة في يده . قوله في خبر سليمان بن خالد : (فجاز ذي كان) . (10) [ح1/5887] «ذي كان» ذا كما في التهذيب (11) كتبت بالياء على خلاف القياس . وفي الاستبصار فجاز ذلك ، (12) والإشارة إلى عدم الزكاة، أي فساغ عدم الزكاة لهم . قوله : (محمّد بن إسماعيل) . [ح4/5890] هو البندقي المجهول كما مرّ مراراً، وسند الشيخ رحمه اللهإلى صفوان في هذا الخبر صحيح. (13)

.


1- . الخلاف ، ج2 ، ص 32 ، المسألة 32.
2- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 40 ، ح 101؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 28 ، ح78؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 253 ، ح 11957.
3- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 37 ، ح 95؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 25 ، ح72؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 193 ، ح 11815.
4- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 37 ، ح 94؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 25 ، ح71؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 193 ، ح 11814.
5- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 38_ 39 ، ح 97؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 26 ، ح74؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 189 ، ح 11806.
6- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 39 ، ذيل الحديث 97.
7- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 36 _ 37 ، ح 93؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 25 ، ح 70؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 188 ، ح 11803.
8- . تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 321؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 509 ؛ الشرح الكبير ، ج2 ، ص 676 .
9- . اُنظر: منتهى المطلب ، ج1 ، ص 514 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 396؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 323؛ إعانة الطالبين ، ج 2 ، ص 186.
10- . الموجود في المطبوع من الكافي وبعض النسخ : «فجال فكري».
11- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 39 ، ح 98.
12- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 27 ، ح 75؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 252_ 253 ، ح 11955.
13- . اُنظر: نقد الرجال ، ج5 ، ص 338 ، الفائدة الرابعة؛ جامع الرواة ، ج2 ، ص 472.

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

باب الرجل يخلف عند أهله من النفقة ما يكون فيه الزكاة

باب الرجل يعطي من يظنّ أنّه معسر ثمّ يجده موسراً

باب الرجل يخلف عند أهله من النفقة ما يكون فيه الزكاةالمشهور بين الأصحاب _ منهم الشيخان في المقنعة (1) والتهذيب (2) والنهاية (3) _ وجوب الزكاة على المالك في ذلك المال إن كان حاضراً وإلّا فلا ، وهو مذهب المصنّف قدس سره؛ للأخبار المذكورة في هذا الباب ، وربّما اُيّدت بأنّ ذلك المال في معرض الإتلاف، فيكون كالتالف . وقال ابن إدريس : حكمه حكم المال الغائب، فإنّه إن قدر على أخذه متى أراد يجب عليه فيه الزكاة، سواء كان نفقة أو مودعاً أو كنزاً، فإنّه ليس بكونه نفقة خرج عن ملكه ، ولا فرق بينه وبين المال الذي في يد وكيله ومودعه وخزانته . _ وقال _ : إنّما أورده شيخنا في نهايته إيراداً لا اعتقاداً، فإنّه خبر من أخبار الآحاد. (4) واُجيب بمنع مساواة ذلك للمودع؛ لأنّ المودع في معرض الحفظ، وذلك في معرض الإتلاف. (5)

باب الرجل يعطي من يظنّ أنّه معسر ثمّ يجده موسراًفيه مسألتان : الاُولى : من دفع الزكاة بعد تعلّق الوجوب لمَن يظنّه معسراً، ثمّ ظهر له أنّه موسر غير مستحقّ لها . وظاهر المصنّف كالصدوق (6) ضمان المالك بذلك، سواء كان ظنّه مستنداً إلى الاجتهاد والبحث عن حال الآخذ أم لا ، فيجب عليه الاستعادة من الآخذ إن أمكن، وإلّا فمن ماله ، وهو ظاهر شيخنا المفيد قدس سرهأيضاً حيث قال : «ومَن أعطى موسراً شيئاً من الزكاة وهو يرى أنّه معسر، ثمّ تبيّن بعد ذلك يساره، فعليه الإعادة». (7) ويدلّ عليه مرسلة الحسين بن عثمان، (8) ويؤيّدها رواية أبي المغرا، (9) وأنّه إذا ثبت مال الغير في يده من غير الزكاة ودفعه إلى غير مالكه ظنّاً منه أنّه المالك تجب عليه الاستعادة والإعادة . وخالفهم جماعة من الأصحاب في ذلك ، فقال بعضهم بعدم الضمان مطلقاً ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والعلّامة في القواعد ؛ ففي المبسوط: إذا دفع الإمام الصدقة الواجبة إلى من ظاهره الفقر، ثمّ بانَ أنّه كان غنيّاً في تلك الحال فلا ضمان عليه ؛ لأنّه أمين وما تعدّى، ولا طريق له إلى الباطن ، فإن كانت الصدقة باقية استرجعت، سواء كان الإمام شرط حال الدفع أنّها صدقة واجبة أو لم يشترط، فإن كانت تالفة رجع عليه بقيمتها، فإن كان موسراً أخذها ودفعها إلى مسكين آخر ، وإن لم يكن موسراً وكان قد مات فقد تلف المال من المساكين ولا ضمان على الإمام ؛ لأنّه أمين . وإذا تولّى الرجل إخراج صدقته بنفسه فدفعها إلى من ظاهره الفقر، ثمّ بان أنّه غنيّ فلا ضمان عليه أيضاً ؛ لأنّه لا دليل عليه، فإن شرط حال الدفع أنّها صدقة واجبة استرجعها، سواء كانت باقية أو تالفة ، فإن لم يقدر على استرجاعها فقد تلف من مال المساكين. (10) وفي القواعد : ويصدَّق مدّعي الفقر فيه من غير يمين وإن كان قويّاً ذا مال قديم إلّا مع علم كذبه، فإن ظهر استُعيد منه، ومع التعذّر فلا ضمان على الدافع، مالكاً كان أو إماماً أو ساعياً أو وكيلاً. (11) وفصّل بعضهم فقال بعدم الضمان مع الاجتهاد ، وبه مع عدمه ، وهو المشهور بين المتأخّرين منهم المحقّق الشيخ عليّ في الشرح، (12) وهؤلاء لم يفرّقوا في الحكم بين كون الدافع مالكاً أو غيره، من الإمام ونائبه مطلقاً . وربّما فصّل بعض الأصحاب بينهما، فقال بعضهم _ كما نقل عنه في المبسوط _ بعدم ضمان الإمام ونائبه مطلقاً؛ لما سيأتي ، وبضمان المالك مطلقاً إذا أعطاها بنفسه؛ محتجّاً بأنّه كان يمكنه إسقاط الفرض عن نفسه بدفعه إلى الإمام. (13) وذهب العلّامة في المنتهى إلى عدم ضمان الإمام ونائبه مطلقاً، وضمان المالك مع عدم الاجتهاد ، وقال : ولو دفع الإمام أو نائبه إلى من يظنّه فقيراً فبانَ غنيّاً لم يضمن الدافع ولا المالك بلا خلاف ؛ أمّا المالك فلأنّه أدّى الواجب وهو الدفع إلى الإمام، فيخرج عن العهدة، وأمّا الدافع فلأنّه نائب عن نافع الفقراء، أمين لهم، لم يوجد منه تفريط من جهته، ولايضمن، ولأنّه فعل مأمورُ به؛ لأنّ الواجب الدفع إلى من يظهر منه الفقر؛ إذ الإطلاع علي الباطن متعذّر، فيخرج عن العهدة ولا نعلم فيه خلافاً ، وعلى الإمام والنائب أن يستردّ ما دفعه مع ظهور غناه . _ ثمّ قال :_ ولو كان الدافع هو المالك . قال الشيخ في المبسوط : لا ضمان عليه ، والأقرب سقوط الضمان مع الاجتهاد وثبوته مع عدمه. (14) واحتجّ عليه بأنّه أمين في يده مال لغيره، فيجب عليه الاجتهاد والاستظهار في دفعه إلى مالكه. وأيّده بحسنة عبيد بن زرارة (15) التي سيرويها المصنّف في الباب الآتي . وعن زرارة مثله غير أنّه قال : «إن اجتهد فقد برئ، وإن قصر في الاجتهاد بالطلب فلا». (16) وفي التأييد تأمّل يظهر في ذيل ذلك الباب . والمشهور بين الأصحاب تساوي جميع الصفات المعتبرة شرعاً في المستحقّ في ذلك الحكم كما قال في المبسوط ، (17) وإذا دفعها إلى من ظاهره الإسلام ثمّ بانَ أنّه كان كافراً، أو إلى من ظاهره الحرّيّة فبانَ أنّه كان عبداً، أو إلى مَن ظاهره العدالة ثمّ بانَ أنّه كان فاسقاً ، أو بانَ أنّه كان من ذوي القُربى كان الحكم ما قلناه في المسألة الاُولى . وفصّل أبو الصلاح قدس سره وقال _ على ما نقل عنه _ : إن أخرجها إلى من يظنّ به تكامل صفات مستحقّها ثمّ انكشف كونه مختلّ الشروط رجع عليه بها، فإن تعذّر ذلك وكان المنكشف هو الغناء وجب عليه إعادتها ثانيةً ، وإن كان غير ذلك فهي مجزية. (18) وكأنّه قال ذلك للجمع بين الخبر والاعتبار الذي اعتبروه الأصحاب . الثانية : تعجيل دفع الزكاة إلى المستحقّ قبل وقت الوجوب وتأخيرها عن وقته . أمّا الثاني فالظاهر أنّه لاخلاف بين الأصحاب في عدم جوازه مع إمكان الدفع وجوازه مع التعذّر ، فلا يتقدّر بقدره ، وأنّ وجوب الإخراج فوريّ . قال في المنتهى : إذا أهلّ الثاني عشر وجب دفع الزكاة على الفور ، وكذا إذا صفت الغلّة واقتطعت الثمرة وجب الإخراج على الفور ، وهو قول علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد . وقال أبو حنيفة بالتأخير ما لم يطالب به . وبه قال أبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة. (19) واستدلّ على الأوّل بما دلَّ على الأمر بالإخراج في وقته المقتضي للفوريّة، وبما دلّ على الضمان بالتأخير مع إمكان الدفع المستلزم لها بأدلّةٍ اُخرى ، لكن قد ورد في بعض الأخبار جواز تأخيرها شهرين وما زاد إلى أربعة أشهر كما سيأتي. ولا يمكن تقييدها بحال الضرورة؛ إذ جواز التأخير حينئذٍ غير متقدّر بقدر معيّن ، بل إنّما يقدّر بقدر الضرورة كما عرفت ، ولا يبعد ذلك مع الضمان ، وقد وقع التصريح من بعض في جواز التأخير لانتظار مستحقّ آخر أولى ، وأمّا الأوّل فالأشهر بين الأصحاب عدم الجواز بنيّة الزكاة ، وبه قال الشيخ في كتابي الأخبار محتجّاً بما رواه في الحسن عن عمر بن يزيد، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يكون عنده مال، أيزكّيه إذا مضى نصفُ السنة؟ قال : «لا ، ولكن حتّى يحول عليه الحول ويحلّ عليه أنّه ليس لأحدٍ أن يصلّي صلاة إلّا في وقتها ، و كذلك (20) الزكاة، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاءً ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت». (21) وفي الصحيح عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : «لا ، أتصلّي الاُولى قبل الزوال؟». (22) وحكي ذلك عن ربيعة ومالك وداود من العامّة؛ لما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول». (23) وجوّز سلّار وابن أبي عقيل تعجيلها على ما حكي عنهما في المختلف، (24) لكنّ ظاهر سلّار عدم تقديره بقدر، فإنّه قال : «وقد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحقّ». (25) وهو ظاهر المصنّف . ويدلّ عليه إطلاق حسنة الأحول، وصريح ما سنرويه عن الحسين بن عثمان . وقال ابن أبي عقيل بذلك إذا كان قد مضى من السنة ثلثها فصاعداً على ما سيظهر ممّا نحكيه عنه . وقد ورد في بعض الأخبار تحديده بشهرين وثلاثة وأربعة ، وإليه ميل شيخنا المفيد رضى الله عنهقال : والأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه ، وقد جاء رخص عن الصادقين عليهم السلام في تقديمها شهرين قبل محلّها وتأخيرها شهرين[عنه] ، وجاء ثلاثة أشهر وأربعة أشهر عند الحاجة إلى ذلك. (26) والظاهر أنّ قوله : «عند الحاجة» متعلّق بالتأخير وأنّه لم يرد بالحاجة الضرورة، وإلّا لم يتقدّر بهذه المقادير ، بل أراد المصلحة كانتظار مستحقّ أفضل ونحوه . وما ذكره إشارة إلى ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال :[«لا بأس». قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه في المحرّم فجعلها في شهر رمضان؟ قال: «لا بأس» (27) و عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال:] (28) «لابأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين». (29) وعن أبي بصير عنه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يعجّل زكاته قبل المحلّ، فقال : «إذا مضت ثمانية أشهر فلا بأس». (30) ويدلّ بعض الأخبار على جواز تقديمها على الإطلاق ، رواه الحسين بن عثمان، عن رجل، عنه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أوّل السنة ، فقال : «إن كان محتاجاً فلا بأس». (31) وحمل الشيخ قدس سره في الكتابين هذه الأخبار على جواز تقديمها قرضاً ، وأيّده بخبر الأحول. (32) وبما رواه في الصحيح عن ابن مسكان عن الأحول عنه عليه السلام مثله. (33) وكان وجه التأييد أنّه لو لم يكن ذلك التقديم قرضاً بل كان زكاةً لما جاز أخذه بعد حلوله إذا أيسر الآخذ؛ إذ المعتبر باستحقاقه حين الأخذ ، وأنت خبير ببُعد هذا التأويل؛ إذ التقديم قرضاً غير متقدّر بوقت اتّفاقاً، بل يجوز قبل تملّك النصاب أيضاً كما يشعر به كلامه في التهذيب أيضاً حيث قال : وليس لأحدٍ أن يقول: إنّ هذه الأخبار مع تضادّها لا يمكن الجمع بينها ؛ لأنّه يمكن ذلك، لأنّه لا يجوز عندنا تقديم الزكاة إلّا على جهة القرض، ويكون صاحبه ضامناً له متى جاء وقت الزكاة وقد أيسر المعطى، وإن لم يكن أيسر فقد أجزأ عنه، وإذا كان التقديم على هذا الوجه فلا فرق بين أن يكون شهراً أو شهرين أو ما زاد على ذلك. انتهى، (34) فتدبّر. ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال: ومَن أتاه مستحقّ فأعطاه شيئاً قبل حلول الحول وأراد أن يحتسب به من زكاته أجزأه إذا كان قد مضى من السنة ثلثها إلى ما فوق ذلك، وإن كان قد مضى من السنة أقلّ من ثلثها فاحتسب به من زكاته لم يجزءه، بذلك تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام . وأراد بذلك تقديمها فرضاً فلا ينافي ما نقل عنه سابقاً. وقال العلّامة بعد ذلك النقل: وأكثر أصحابنا لم يعتبروا ما اعتبره هذا الشيخ، وهو الأقرب. لنا: أنّه يشتمل على مصلحة، وهو الإقراض، فيكون سائغاً قبل الثلث كبعده، والأخبار التي ادّعى تواترها لم تصل إلينا. (35) وأنت خبير بأنّ الطرفين في كلامه إنّما يتعلّقان بالاحتساب من الزكاة لا بالإعطاء، فيدلّ كلامه على عدم جواز الإعطاء بنيّة الزكاة قبل مضيّ ثلث الحول كما نقلنا عنه سابقاً، وأمّا الإعطاء للقرض فكلامه مطلق، فتدبّر.

.


1- . المقنعة ، ص 258.
2- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 99.
3- . النهاية ، 178 ، و مثله في المبسوط ، ج 1 ، ص 213.
4- . السرائر ، ج 1 ، ص447.
5- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 185.
6- . الفقيه ، ج 2 ، ص 30 ، ح 1616.
7- . المقنعة ، ص 259.
8- . هوالحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
10- . المبسوط ، ج1 ، ص 260 _ 261.
11- . قواعد الأحكام ، ج1 ، ص 348.
12- . جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 30.
13- . المبسوط ، ج1 ، ص 261.
14- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 527 .
15- . هي الحديث الثاني من ذلك الباب.
16- . ذيل الحديث الثاني من ذلك الباب.
17- . المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص261.
18- . الكافي في الفقه ، ص 173.
19- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 510 . وانظر: فتح العزيز ، ج5 ، ص 520 ؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 333؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج2 ، ص 541 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص 668 ؛ المعتبر ، ج2 ، ص 554 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج5 ، ص 289 _ 290؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 3.
20- . في الأصل: «فكذلك» ، و المثبت من المصادر.
21- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 43 ، ح 110؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 31_ 32 ، ح 92؛ و هذا هو الحديث الثامن من باب أوقات الزكاة من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 305 ، ح 12084.
22- . المصادر المتقدّمة ، الحديث التالي منها.
23- . المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 499؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص 682 .
24- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 237.
25- . المراسم العلويّة ، ص 128.
26- . المقنعة ، ص 239 _ 240 ، و ما بين الحاصرتين منها.
27- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 112؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 94؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 301 _ 302 ، ح 12072.
28- . ما بين الحاصرتين سقط في الأصل فوقع الخلط بين الحديثين ، فأثبتناه حسب مصادر الحديث.
29- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 1114؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 96 ، ح 92؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 302 ، ح 12074.
30- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 115؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 97؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 302 ، ح 12075. و المذكور في متن الوسائل: «خمسة أشهر» ، و كتب في الهامش: «في نسخة: ثمانية أشهر».
31- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 ، ح 113؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 95؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 302 ، ح 12073. و كان بالأصل: «عنه عليه السلام عن رجل» ، فصوّبناه حسب المصادر.
32- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 214 ، ح 11867.
33- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 45 ، ح 116؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 33 ، ح 98.
34- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 44 _ 45 ، ذيل ح 115.
35- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 240.

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

. .

ص: 451

. .

ص: 452

باب الزكاة لاتعطى غير أهل الولاية

باب الزكاة لاتعطى غير أهل الولايةلقد أجمع الأصحاب على اعتبار الإيمان، أعني القول بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام في المستحقّين مع وجود المؤمن سوى المؤلّفة (1) ؛ لأنّ الإمامة من اُصول الدِّين وقد علم ضرورة في الملّة الحقّة بثبوتها عن النبيّ صلى الله عليه و آله فجاحدها لا يكون مصدّقاً للرسول صلى الله عليه و آله بجميع ما جاء به، فيكون كافراً. ويدلّ على كفر المخالف الأخبار المتواترة معنىً، ولذا حكم جماعة _ منهم الشيخان (2) وابن إدريس قدس سرهم (3) _ بعدم جواز غسل موتاهم وكفنهم ودفنهم إلّا للتقيّة، والكافر خارج عن المستحقّ غير المؤلّفة، وللأخبار التي ذكرها المصنّف قدس سره هنا وفي باب تفضيل القرابة في الزكاة، ولما رواه الشيخ عن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام أنّهما قالا: «الزكاة لأهل الولاية قد بيّن اللّه لكم موضعها في كتابه». (4) وعن إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوماً فأتاه رجل فقال: إنّي رجلٌ من أهل الري ولي زكاة، فإلى مَن أدفعها؟ فقال: إلينا. فقال: أليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إنّي لا أعرف لها أحداً. فقال: فانتظر بها سنة. قال: إن لم أصب لها أحداً؟ قال: انتظر بها سنتين حتّى بلغ أربع سنين، ثمّ قال له: إن لم تصب لها أحدا فصُرَّها صراراً واطرحها في البحر، فإنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا». (5) وعن عليّ بن بلال قال: كتبت إليه أسأله، هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: «لا تعط الصدقة والزكاة إلّا أصحابك». (6) وعن عمر بن يزيد، قال: سألته عن الصدقة على النصّاب وعلى الزيديّة، فقال: «لا تصدّق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال: الزيديّة هم النصّاب». (7) وعن عبداللّه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلت فداك، ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال: «هي لأصحابك»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قلت: فيعطى السؤال منها شيئاً؟ قال: فقال: «لا واللّه إلّا التراب، إلّا أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة»، ثمّ أومى بيده فوضع إبهامه على اُصول أصابعه. (8) وأمّا مع فقد المؤمن فقد قال في المنتهى: «ولو لم يوجد المؤمن هل تصرف إلى غيرهم؟ فيه قولان، أصحّهما المنع». (9) وظاهره وقوع القول من الأصحاب بجواز دفعها إلى المستضعف ومخالفي الحقّ مع فقد المؤمن. ولم أرَ تصريحاً من القول به في كلام أحدٍ منهم، وينفيه بعض ما تقدّم من الأخبار. وعلى تقدير وقوع ذلك القول لعلّه تمسّك برواية يعقوب بن شعيب، عن العبد الصالح عليه السلام قال: إذا لم يجد [من يحملها إليهم قال: «ي] دفعها إلى من [لا]ينصب»، (10) وهي مطرحة للضعيف ومخالفتها للأخبار الكثيرة. والمشهور أنّه لا فرق في ذلك بين زكاة المال وزكاة الفطرة، ذهب إليه شيخنا المفيد، (11) والسيّد المرتضى (12) وابن الجنيد (13) وابن إدريس (14) رضي اللّه عنهم؛ لقوله عليه السلام في صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري: «ولا زكاة الفطرة»، (15) وغير ذلك ممّا يأتي مع الأخبار المعارضة الدالّة على جواز دفع الفطرة إلى المستضعف مع فقد المؤمن في موضعها، وقد عمل بها الشيخ (16) وأتباعه وجوّزوا ذلك في زكاة الفطرة مع عدم المؤمن؛ للجمع بين الأخبار. وربّما جمع بينها أيضاً بحمل الأخبار الثانية على التقيّة، ويجيء تفصيل القول فيه في محلّه. ويتفرّع على ذلك وجوب الإعادة على مَن أعطى غير المؤمن علماً بأنّه غير مؤمن، كما يدلّ عليه الأخبار، وأمّا لو أعطاه ظانّاً إيمانه فقد سبق القول فيه، وقد اعتبر بعض الأصحاب العدالة فيهم محتجّاً بما رواه المصنّف عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يُعطى من الزكاة شيئاً؟ قال: «لا». (17) واُيّد بأنّه إعانة على الإثم والعدوان، وقد ورد النهي عنها بقوله تعالى: «وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» ، (18) وموادّة له وقد قال تعالى: «لَا تَجِدُ قَوْما يُؤْمِنُونَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ» ، (19) وركون إليه وقد قال تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ» . (20) وأنت خبير بأنّ قياس باقي الكبائر مثل شرب الخمر قياس مع الفارق؛ إذ هو جمّاع الآثام واُمّ الخبائث مع ضعف سند الأصل؛ لجهالة حال داود وإضماره، وإنّما يكون إعطاء الزكاة إعانة على الإثم لو صرفها فيه، بل لو علم أنّه ليصرفها فيه لا مطلقاً، (21) ودخول الفسّاق من الشيعة تحت الآيتين الأخيرتين ممنوع، بل الظاهر منهما الكفّار، ولكن الأحوط منعهم عنها. قوله في حسنة ابن أبي عمير: (في بعض هذه الأهواء الحروريّة) . [ح1/5899] يفهم من عدم التعليل وجوب الإعادة عليه لو كان المعطى مؤمناً، وهو كذلك.

.


1- . اُنظر: فقه الرضا عليه السلام ، ص 199؛ المقنع، ص 165؛ المقنعة ، ص 242؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 224 ، المسألة 3؛ الاقتصاد للشيخ الطوسي ، ص 282؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 132؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 580 ؛ الرسائل التسع للمحقق الحلّي ، ص 207؛ تحريرالأحكام ، ج1 ، ص 410؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 263؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 242 ، الدرس 65 .
2- . ذهبه إليه المفيد في المقنعة ، ص 85 ؛ والطوسي في النهاية ، ص 43؛ و تهذيب الأحكام ، ج1 ، ص 335 ، بعد ح 981؛ والمبسوط ، ج1 ، ص 181.
3- . السرائر ، ج 1 ، ص 158 و 356.
4- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 52 ، ح 135؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 224 ، ح 11888.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 52_53 ، ح 139؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 223 ، ح 11887.
6- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 53 ، ح 140؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 222 ، ح 11883.
7- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 53 ، ح 141؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 222 ، ح 11884.
8- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 53 ، ح 142؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 222_223 ، ح11885.
9- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 523 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 46 ، ح 121؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 223 ، ح 11886.
11- . المقنعة ، ص 242.
12- . الانتصار ، ص 228؛ رسائل المرتضى ، ج1 ، ص289.
13- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 307.
14- . السرائر ، ج1 ، ص 471.
15- . هو الحديث السادس من هذا لباب من الكافي؛ المقنعة ، ص 242؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 52 ، ح 137؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 221 ، ح 11880.
16- . المبسوط ، ج 1 ، ص 242؛ النهاية ، ص 192.
17- . الكافي ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة و من لا يحلّ له ، ح 15؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 249 ، ح 11947.
18- . المائدة(5): 2.
19- . المجادلة(58): 22.
20- . هود(11): 113.
21- . اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج7 ، ص 128 ، الرقم 4422.

ص: 453

. .

ص: 454

. .

ص: 455

باب قضاء الزكاة عن الميّت

باب قضاء الزكاة عن الميّتلا ريب في وجوب إخراج الزكاة من أصل التركة كاُجرة وسائر الديون وفي ذلك والأخبار ناطقة به. قوله في حسنة شعيب العقرقوفي : (فأقضيها أو أؤدّيها) . [ح3/5907] الترديد من الرواي، ويدلّ الخبر على جواز أداء الزكاة عن الميّت تبرّعاً، ولا ريب فيه؛ لأنّه كأداء الدَّين عنه كذلك. قوله في حسنة علي بن يقطين: (قال: يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم) إلى آخره. [ح5/5909] لا خلاف في ذلك وإن كان الوارث واجب النفقة لمورّثهم على تقدير حياته؛ إذ بموته زال وجوب النفقة، والظاهر أنّ إخراج قدر منها إلى غيرهم من باب الندب والاستحباب كما صرّح به بعض الأصحاب. (1)

.


1- . اُنظر: مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 276.

ص: 456

باب أقلّ ما يعطى من الزكاة وأكثره

باب أقلّ ما يعطى من الزكاة وأكثرهلا خلاف بين الأصحاب في أنّه لا حدّ لما يعطى من الزكاة فقير كثرة، وأنّه يجوز إعطاؤه قدر غناه وأزيد دفعةً، (1) وهو المشهور بين العامّة أيضاً. وعن أبي ثور منهم عدم جواز إعطاء ما زاد على غناه، وعن أحمد في إحدى الروايتين عنه عدم جواز إعطاء قدر الغنى أيضاً. (2) ويدلّ على ما ذهبنا إليه ما ذكره المصنّف قدس سرهفي هذا الباب، وما رواه الشيخ عن زياد بن مروان، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: «أعطه ألف درهم». (3) وعن إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أعطي الرجل من الزكاة مئة درهم؟ قال: «نعم»، قلت: مئتين؟ قال: «نعم»، قلت: ثلاثمئة؟ قال: «نعم»، قلت: أربعمئة؟ قال: «نعم»، قلت: خمسمئة؟ قال: «نعم، حتّى تُغنيه». (4) ويؤيّدها إطلاق الأخبار المتكثّرة جانب القلّة، فالمشهور بين الأصحاب أنّه لا حدّ لها أيضاً وإن استحبّ أن لا يكون أقلّ ممّا ورد في النصاب الأوّل من النقدين؛ جمعاً بين صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، (5) ومثلها ما رواه الشيخ عن عبداللّه بن بكير ومعاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: قال: «لا يجوز أن تدفع الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ الزكاة»، (6) وبين صحيحة محمّد بن أبي الصهبان، قال: كتبت إلى الصادق عليه السلام : هل يجوز لي _ يا سيّدي _ إذا أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة الدراهم، فقد اشتبه ذلك عليَّ؟ فكتب: «ذلك جائز». (7) ويؤيّده إطلاق بعض الأخبار، وإليه ذهب السيّد رضى الله عنهفي الجمل (8) على ما نقل عنه في المختلف، (9) وقد حكى عنه أنّه قال في المسائل المصرية (10) بعدم جواز دفع أقلّ من الدرهم. وفصّل الصدوق رضى الله عنه في المقنع، فجوّز إعطاء ما دون النصاب الأوّل من الفضّة دون الذهب. حكى في المختلف عنه أنّه قال: «ويجوز أن يعطى الرجل الواحد الدرهمين، ولا يجوز في الذهب إلّا نصف دينار». (11) ووجهه غير ظاهر. وظاهر الشيخ والمفيد في المقنعة عدم جواز إعطاء أقلّ من خمسة دراهم، قال: «أقلّ ما يعطى الفقير من الصدقة المفروضة خمسة دراهم فصاعداً» (12) ؛ لصحيحة أبي ولّاد (13) ورواية عبداللّه بن بكير ومعاوية بن عمّار. (14) وقال الشيخ في النهاية: أقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة خمسة دراهم أو نصف دينار، وهو أقلّ ما يجب في النصاب الأوّل، فأمّا مازاد على ذلك فلا بأس أن يعطى كلّ واحدٍ ما يجب في نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم أوعشر دينار إن كان من الدنانير، وليس لأكثره حدّ. (15) وإليه ذهب في الكتابين؛ للجمع بين الأخبار حيث حمل صحيحة محمّد بن أبي الصهبان على ما تجب في النصب بعد النصاب الأوّل. (16) وعن سلّار أنّه قال: «أقلّ ما يجزي إخراجه من الزكاة ما يجب في نصاب». (17) وظاهره اعتبار ذلك في الأصناف التسعة الزكوية كلّها. وعن ابن حمزة أنّه قال: «لا يجوز أن يعطى مستحقّ من الذهب والفضّة والمواشي أقلّ من نصاب». (18) ويفهم منه جواز إعطاء أقلّ من نصاب من الغلّات الأربع، وظاهر هؤلاء الوجوب. وعن ابن البرّاج أنّه قال: «أقلّ ما ينبغي دفعه [من الزكاة] إلى مستحقّها هو ما يجب في نصاب واحد». (19) و تنكير النصاب النصاب في كلاميهما يشمل ما يجب في النصاب الثاني من النقدين، وهو منقول في المنتهى عن ابن الجنيد أيضاً، قال: «وقال سلّار: يجوز الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني، وهو درهمان أو قيراطان، وبه قال ابن الجنيد». (20) وفي المختلف عن ابن حمزة أنّه قال: «لا يجوز أن يعطى المستحقّ من الذهب والفضّة والمواشي أقلّ من نصاب». (21) ويفهم منه جواز إعطاء أقلّ من نصاب من الغلّات الأربع. وقال ابن إدريس: اختلف أصحابنا في أقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة في أوّل دفعة، فقال بعض منهم: أقلّ ما يجب في النصاب الأوّل من سائر أجناس الزكاة. وقال بعض منهم: أخصّه بأوّل نصاب الذهب والفضّة فحسب، وقال بعض: أقلّه ما يجب في النصاب[الثاني] من الذهب والفضّة. وذهب بعض آخر إلى أنّه يجوز أن يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل والكثير، ولا يحدّ القليل بحدّ لا يجزي غيره، وهو الأقوى عندي. (22)

.


1- . اُنظر: النهاية ، ص 189؛ مختلف الشيعة ، ج3 ، س 220؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 340؛ منتهى المطلب ، ج1 ، ص 528 ؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 283.
2- . اُنظر: بداية المجتهد ، ج1 ، ص 222 _ 223؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 210 _ 211؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج3 ، ص 177.
3- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 63 ، ح 171؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 260 ، ح 11975.
4- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 63_ 64 ، ح 172؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 260 ، ح 11976.
5- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 62 _ 63 ، ح 168؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 38 ، ح 117؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 257 _ 258 ، ح 11968. و كان في الأصل: «خمسة الدارهم» ، فصّوبناه حسب المصادر.
7- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 63 ، ح 169؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 38 ، ح 118؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 258 ، ح 11969.
8- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج3 ، ص 79).
9- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 227.
10- . لم أعثر عليه في رسالة جوابات المسائل المصريّات ؛ فإنّ موضوعه غير الفروع العمليّة ، نعم هذا القول موجود في جوابات المسائل التبّانيات (رسائل المرتضى ، ج1 ، ص 225).
11- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 226. و لفظه في المقنع، ص 162 هكذا: «و لايجزي في الزكاة أن يعطى أقلّ من نصف دينار».
12- . المقنعة ، ص 243.
13- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
14- . وسائل الشيعة ،ج 9 ، ص 257 ، ح 11968.
15- . النهاية ، ص 189.
16- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 63 ، ح 169؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 38 ، ح 118.
17- . المراسم العلويّة ، ص 133.
18- . الوسيلة ، ص 130.
19- . المهذّب ، ج1 ، ص 172 ، و ما بين الحاصرتين منه.
20- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 530 . و حكاه أيضا عنهما المحقق في المعبتر ، ج2 ، ص 590 . و تقدّم كلام سلّار.
21- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 227؛ الوسيلة ، ص 130. و تقدّم كلام ابن حمزة آنفا.
22- . السرائر ، ج1 ، ص 464.

ص: 457

. .

ص: 458

. .

ص: 459

باب أنّه يعطى عيال المؤمنين من الزكاة إذا كانوا صغاراً و

باب أنّه يعطى عيال المؤمنين من الزكاة إذا كانوا صغاراً و يقضي عن المؤمنين الدِّيون من الزكاةفيه مسألتان: الاُولى: أجمع الأصحاب على جواز دفع الزكاة إلى أطفال المؤمنين، (1) وبه قال أكثر العامّة. (2) ويدلّ عليه _ مضافاً إلى إطلاق الكتاب والسنّة _ ما رواه المصنّف قدس سرهفي هذا في الحسن عن أبي بصير، (3) وعن أبي خديجة، (4) وهو سالم بن مكرم، وقد اختلف كلام الأصحاب في توثيقه وتضعيفه، (5) واستقرب في الخلاصة التوقّف في قبول روايته؛ للتعارض، (6) وظاهر الأدلّة جواز تسليمها إليهم، ولا يبعد جوازه إذا علم أنّهم يصرفونها في المباحات، وقد صرّح به بعض الأصحاب. وصرّح العلّامة في التذكرة بعدم جواز دفعها إليهم وإن كانوا مميّزين مستدلّاً بأنّ الصغير ليس محلّاً لاستيفاء ماله من الغرماء، فكذا هنا، واشترط دفعها إلى الأولياء أو من يقوم مقامهم في القيام باُمورهم. (7) وكذا الظاهر جواز دفعها إليهم، أي وإن كان آباؤهم فسّاقاً واشترطنا العدالة في المستحقّ كما صرّح به السيّد المرتضى رحمه الله (8) واستحسنه العلّامة في المنتهى محتجّاً بأنّ الأولاد في حكم آبائهم في الإيمان والكفر لا في جميع الأحكام. (9) وقال الشيخ قدس سره: و هذا_ يعني جواز إعطائها الأطفال _ إنّما يتمّ إذا لم نعتبر العدالة في المستحقّ، أمّا لو اعتبرناها أمكن عدم الجواز مطلقاً؛ لعدم اتّصافهم بها، والجواز؛ لأنّ المانع الفسق وهو منفيّ عنهم. (10) الثانية: لقد أجمعوا أيضاً على جواز قضاء ديون المؤمنين منها إذا كانت في غير معصية، (11) أحياء كانوا أم أمواتاً، من سهم الغارمين وإن كانوا واجبي النفقة للمعطي، وإليه ذهب أكثر العامّة (12) ؛ لعموم الآية في الغارمين، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، (13) ولما روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «قضى ما عليه من سهم الغارمين إذا أنفقه في طاعة اللّه عزّ وجلّ، وإذا كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له على الإمام». (14) وفي تفسير عليّ بن إبراهيم عن العالم عليه السلام : «الغارمون قومٌ قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم». (15) ولحسنة زرارة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مالٌ كثير؟ فقال: «إن كان أبوه أورثه مالاً ثمّ ظهر عليه دَين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دَين أبيه، فإذا أدّاها من دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه». (16) ويؤيّدها الأخبار الواردة في قصاص الزكاة بالدَّين، وسيأتي في مقامه. واعلم أنّ مهور النساء مطلقاً داخل تحت الدِّيون؛ لعدم مخصّص، خلافاً لابن الجنيد رحمه اللهحيث منع من قضائها إذا كان بالأزواج غنى عنهنّ؛ محتجّاً بأنّ فيه نوع إسراف فلا يعطى؛ لما مرّ في بعض الأخبار من اشتراط عدم صرف الدّين إسرافاً. (17) واُجيب بمنع كونه إسرافاً، والمشهور بينهم أنّه إنّما يجوز قضاء دين الميّت عنها إذا لم يكن له تركة كما يدلّ عليه هذه الحسنة، وصرّح به ابن الجنيد (18) والشيخ في المبسوط. (19) وقال في المختلف: «لا يعتبر ذلك؛ لعموم الأمر باحتساب الدَّين على الميّت من الزكاة، ولأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته، فصار في الحقيقة عاجزاً». (20) وضعفه ظاهر. (21) وإن صرفوها في المعصية فظاهر العلّامة في المنتهى إجماع الأصحاب على عدم جواز قضائها من سهم الغارمين مطلقاً وإن تابوا، (22) واحتجّ عليه بإطلاق الروايتين المذكورتين عن الرضا والعالم عليهماالسلام. (23) وربّما استدلّ عليه بقبح إعانة المستدين في المعصية، وبأنّ قضاء دينه إغراء بالغارم على المعصية؛ لأنّه إذا علم أنّه يقضى عنه عاود الاستدانة للمعصية، ولكن جوّزه المحقّق في المعتبر (24) مع التوبة، ومنشأوه اطّراحه للخبرين؛ لإرسالهما وعدم وقوعهما مسندة في شيء من الاُصول، وعدم اعتماده على الأدلّة العقليّة. على أنّها إنّما تتمّ مع عدم التوبة؛ ولإطلاق باقي الأخبار، وبه قال الشافعي أيضاً. (25) وإن جهل حالهم، هل صرفوها في المعصية أو في الطاعة؟ فالمشهور بين الأصحاب جوازه من سهم الغارمين؛ حملاً لتصرّف المسلم على المشروع (26) وإطلاق الأخبار مع عدم مخصّص صالح. ومنعه الشيخ؛ لما رواه عن رجل من أهل الجزيرة عن الرضا عليه السلام قال: قلت: فهو لا يعلم في ماذا أنفقه، في طاعة اللّه أم في معصية اللّه ؟ قال: «يسعى في ماله فيردّه عليه وهو صاغر». (27) ولاشتراط العلم بانفاقها في الطاعة. وردّ الأوّل بالإرسال، والثاني بالمنع، فإنّ ما يدلّ على اعتبار الصرف في الطاعة على تقدير التسليم لا يدلّ على اعتبار العلم، بل ظاهره كفاية الظنّ، وهو حاصل فيما إذا لم يعلم صرفها في المعصية بناءً على حمل أفعال المؤمنين على الصحّة. ثمّ المشهور بين الأصحاب جواز قضائها وإن صرفت في المعصية من سهم الفقراء بعد التوبة أو قبلها بناءً على الخلاف في اشتراط العدالة في الفقير، ومن سهم سبيل اللّه وإن لم يتب. (28) وذهب أحمد من العامّة إلى عدم جواز قضاء الدَّين عن الميّت مطلقاً محتجّاً بأنّ الغارم هو الميّت ولا يمكن الدفع إليه، والغريم ليس بغارم. (29) واُجيب عنه بأنّ القصد من سهم الغارمين إبراء ذمّة الغارم لا التمليك، ولهذا يجوز للإمام أن يقضي دين الغارم من غير أن يدفعها إليه، والإبراء متحقّق هاهنا. (30)

.


1- . اُنظر: المقنعة ، ص 259؛ النهاية ، ص 186؛ السرائر ، ج1 ، ص 460؛ شرائع الإسلام ، ج1 ، ص 123؛ تذكرة الفقهاء ، ج5 ، ص 279 ؛ مسالك الأفهام ، ج1 ، ص 421 _422؛ مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 240 _ 241.
2- . اُنظر: المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج2 ، ص 510 ؛ المجموع للنووي ، ج6 ، ص 159؛ روضة الطالبين ، ج2 ، ص 76 _ 77؛ كشف القناع ، ج4 ، ص 364.
3- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
4- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
5- . قال النجاشي في رجاله ، ص 188 ، الرقم 501: «ثقة ثقة». وضعفّه الشيخ في الفهرست ، ص 141 ، الرقم 337؛ و ابن شهر آشوب في معالم العلماء ، ص 92 ، الرقم 381.
6- . خلاصة الأقوال ، ص 354 _ 355.
7- . تذكرة الفقهاء ، ج5 ، ص 279 _ 280.
8- . حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ، ج1 ، ص 460.
9- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 524 .
10- . لم أعثر عليه في كتب الشيخ ، و هذه العبارة بعينها موجودة في مسالك الأفهام للشهيد الثاني ، ج1 ، ص 421 _ 422. فيحتمل أن يكون كلمة «الشيخ» مصحّفا عن كلمة «الشهيد».
11- . اُنظر: المبسوط ، ج1 ، ص 251؛ النهاية ، ص 306؛ الوسيلة ، ص 129 و 274؛ السرائر ، ج2 ، ص 34؛ المعتبر ، ج2 ، ص 575 ؛ شرائع الإسلام ، ج1 ، ص 122؛ الجامع للشرائع ، ص 285؛ كشف الرموز ، ج1 ، ص 254؛ تذكرة الفقهاء ، ج5 ، ص 257؛ شرح اللمعة ، ج2 ، ص 47؛ مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 222.
12- . اُنظر: المجموع للنووي ، ج6 ، ص208؛ روضة الطالبين ، ج2 ، ص 180 ، بداية المجتهد ، ج1 ، ص 221؛ تفسير البغوي ، ج2 ، ص 304؛ تفسير الرازي ، ج 16 ، ص 112؛ تفسير الجلالين ، ص 250.
13- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
14- . الكافي، كتاب المعيشة ، باب الدين، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج6 ، ص 185_ 186 ، ح385؛ وسائل الشيعة ، ج18 ، ص 336 ، ح 23796.
15- . تفسير القمّي ، ج1 ، ص 299؛ تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 49_50 ، ح 129؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 211 _ 212 ، ح 11862.
16- . هذا هو الحديث الثالث من «باب نادر» من كتاب الزكاة من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص250 ، ح 11949.
17- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 214.
18- . حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ص 212.
19- . المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 252.
20- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 212 ، و فيه: «و الأقرب عندي عدم الاشتراط ، لنا عموم الأمر بجواز احتساب الدين...».
21- . وجه الضعف تقدثيم الدَّين على الميراث.
22- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 521 .
23- . وسائل الشيعة ، ج18 ، ص 336 ، ح 23796.
24- . المعتبر ، ج2 ، ص 575 .
25- . الخلاف ، ج2 ، ص 235 ، المسألة 20؛ المجموع للنووي ، ج6 ، ص 206.
26- . هذا هو الظاهر، و هذه الكلمة في الأصل غير واضحة.
27- . النهاية ، ص 306. و الحديث في تهذيب الأحكام ، ج6 ، ص 185 _ 186 ، ح 385.
28- . اُنظر: مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 224.
29- . المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج2 ، ص 527 _ 528 .
30- . المعتبر ، ج2 ، ص 576 ؛ منتهى المطلب ، ج1 ، ص 521 .

ص: 460

. .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض

باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعضولا خلاف بين الأصحاب في جواز تفضيل بعض المستحقّين على بعض في الزكاة، ولا في جواز تخصيص صنف من الأصناف الثمانية، بل واحد من صنف بها. وحكي ذلك عن ابن عبّاس وحذيفة، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وزعم الشافعي وجوب التشريك بين الأصناف الثمانية ودفعها إلى ثلاثة من كلّ صنف. (1) ومنشأ النزاع الخلاف في أنّ اللام في قوله: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ» الآية، (2) هل هي لبيان المصرف أو للتمليك؟ والحقّ الأوّل؛ لأصالة عدم الملك، وعموم اللام. ويؤيّده «وَفِي الرِّقَابِ» «وَفِي سَبِيلِ اللّه ِ» ، فإنّ «في» ليس للملكيّة اتّفاقاً، ولا قائل بالفصل. وتخصيص الفقراء بالذِّكر في قوله تعالى: «الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبا فِي الْأَرْضِ» (3) لو كان في الزكاة، وفي قوله تعالى: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» ، (4) لشمول الصدقات الزكاة وعدم ذكر أكثر الأصناف في قوله عزّ وجلّ: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّه َ بِهِ عَلِيمٌ» (5) بناءً على شموله للصدقة المندوبة والواجبة. ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين، فمن طريق الأصحاب بعض ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب وفي الباب الآتي، وحسنة زرارة (6) التي رويناها في الباب السابق، فإنّ ظاهرها صرف جميع الزكاة في دين الأب. وصحيحة عليّ بن يقطين أنّه قال لأبي الحسن عليه السلام : يكون عندي المال من الزكاة، فأحجّ به مواليّ وأقاربي؟ قال: «نعم لا بأس به». (7) وصحيحة عمرو، عن أبي بصير، (8) عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمئة أو الستّمئة، أيشتري منها نسمة ويعتقها؟ فقال: «إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم»، ثمّ مكث مليّاً ثمّ قال: «إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه». (9) ومن طريق الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و سلم أنّه قال لمعاذ: «فإن أجابوك فأعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم». (10) والاكتفاء بالفقراء في مقام الإعلام يعني عدم لزوم الدفع إلى غيرهم. وما روي أنّه صلى الله عليه و آله جاءه مالٌ فجعله في المؤلّفة، (11) كالأقرع بن حابس (12) وعيينة بن حصن (13) وعلقمة (14) وزيد الخيل، (15) وقسّم فيهم الصدقة التي بعث بها عليّ عليه السلام من اليمن، (16) وأنّه أمر لسلمة بن صخر (17) بصدقة قومه[ولو وجب] صرفها إلى الأصناف الثمانية بأسرهم، [لم يجز دفعها الى واحد]. (18) وفي المنتهى: «لأنّ لكلّ واحدٍ منهم قسطا، أو لأنّه يخرج به عن الخلاف». (19) نعم، يستحبّ عندنا. ويستفاد ذلك من صحيحة عمرو عن أبي بصير (20) المتقدّمة. ويستحبّ أيضاً إعطاء جماعة من كلّ صنف فيما ورد فيه لفظ الجمع، ويستحبّ تفضيل ذوي العقل والدين والقرابة والمتعفّفين عن السؤال ونحوها كما ذكره الأصحاب وفهم من بعض الأخبار المذكورة، وما سيأتي في الباب الآتي. قوله في خبر عبداللّه بن سنان: (إنّ صدقة الخفّ والظلف تدفع إلى المتجمّلين، فأمّا صدقة الذهب والفضّة وما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين) . [ح3/5919] المدقع كمحسن: الملصق بالدقعاء، وهو التراب، (21) واستحباب ذلك مصرّحٌ به في كلام الأصحاب. قوله في خبر عنبسة بن مصعب: (فخصصت اُناسا منكم خشينا جزعهم وهلعهم) .[ح5/5921] قال الجوهري: الهلع: أفحش الجزع، وقد هلع بالكسر فهو هلع وهلوع. (22)

.


1- . الخلاف ، ج4 ، ص 227 _ 228 ، المسألة 7؛ المجموع للنووي ، ج6 ، ص 216؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج6 ، ص 557 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص 707؛ و ج 6 ، ص 480؛ الإنصاف ، ج3 ، ص 248؛ تفسير الآلوسي ، ج10 ، ص 124؛ الاستذكار ، ج3 ، ص 207.
2- . التوبة(9): 60 .
3- . البقرة(2): 273.
4- . البقرة(2): 271.
5- . البقرة(2): 215.
6- . وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 250 ، ح 11949.
7- . الفقيه ، ج2 ، ص 35 _ 36 ، ح 1633؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 290 ، ح12045.
8- . في الأصل: «عمرو بن أبي نصر» و التصويب من مصادر الحديث ، و يحتمل أن يكون في نسخة الشارح كذلك ، و عمرو بن أبي نصر أيضا من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام ، وثّقه النجاشى في رجاله ، ص 290 ، الرقم778.
9- . الكافي ، باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ،ح 2 ؛ تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 100 ، ح282؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 291 _ 282 ، ح 12049.
10- . مسندالشافعي ، ص 378؛ مسند أحمد ، ج 1، ص 233؛ سنن الدارمي ، ج1 ، ص 379؛ صحيح البخاري ، ج2 ، ص 108 و 136؛ و ج5 ، ص 109؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 38؛ سنن ابن ماجة ، ج1 ، ص 568 ، ح 1783؛ سنن أبي داود ، ج1 ، ص356_ 357 ، ح1584؛ سنن الترمذي ، ج2 ، ص 69 ، ح 621 ؛ سنن النسائي ، ج5، ص 3 _ 4 اول كتاب الزكاة؛ و ص 55 ؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج2 ، ص 4 _ 5 ، ح 2215؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 96 و... .
11- . المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 529 ؛ المجموع للنووي ، ج6 ، ص 197؛ بدائع الصنائع ، ج2 ، ص 44.
12- . الأقرع بن حابس بن عقال التميمي ، شهد مع النبى صلى الله عليه و آله فتح مكّة و حنينا ، و كان اسمه فراس، فلقّب بالأقرع لقرع كان في رأسه ، و استعمله عبداللّه بن عامر على جيش سيّرة إلى خراسان فاُصيب بالجوزجان هو والجيش، وذلك في خلافه عثمان. راجع: اُسدالغابة ، ج107 _ 110؛ تاريخ الإسلام ، ج3 ، ص 285.
13- . عيينة بن حصن بن خذيقة بن بدر الفزاري ، أسلم بعد الفتح . و قيل: قبله ، و شهد حنينا والطائف ، و كان من الأعراب الجفاة ، و كان ممّن ارتدّ و تبع طليحة الأسدي فاُخذ أسيرا فأطلقه أبوبكر ، مات في خلافة عثمان ، و قيل في خلافة عمر. راجع: اُسد الغابة، ج 4، ص 166 _ 167؛ الإصابة، ج 4، ص 638 _ 641 ، الرقم 6166 .
14- . علقمة بن علاثة بن عوف الكندي العامري ، لمّا عاد النبي من الطائف ارتدّ علقمة و لحق بالشام ، فكما توفّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقبل مسرعا و عسكر في بنى كلاب ، فأرسل إليه أبوبكر جيشا فانهزم منهم و اُسر أهله ، فأطلقهم أبوبكر ، ثمّ أسلم علقمة ، واستعمله عمر على حوران فمات بها. راجع: الاستيعاب ، ج 3 ، ص 1088 ، الرقم 1848 ؛ اسدالغابة ، ج 4 ، ص 13.
15- . زيد بن مهلهل بن زيد الطائي ، قدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفي وفد طيء سنة تسع و أسلم ، و سمّاه ، النبى صلى الله عليه و آله زيد الخير ، و كان شاعرا لسينا شجاعا كريما . قيل: مات عند منصرفه من عند النبي صلى الله عليه و آله . و قيل: بل مات في خلافة عمر. راجع: الاستيعاب ، ج2 ، ص 559 ، الرقم 862 .
16- . مسند أحمد ، ج3 ، ص 4؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج7 ، ص 18؛ مسند الطيالسي ، ص 296؛ السنّة لابن أبي عاصم ، ص 426 ، ح 910؛ مسند أبي يعلى ، ج2 ، ص 290 _ 291 ، ح 189؛ سنن أبي داود ، ج2 ، ص 428 _ 429 ، ح 4764؛ سنن النسائي ، ج 7 ، ص 118.
17- . سلمة بن صخر بن سلمان بن حارثه البياضيّ الأنصاري ، و هو الّذي ظاهر من امرأته ثمّ وقع عليها ، فأمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يكفّر ، و كان أحد البكائين. راجع: الاستيعاب، ج 2، ص 641 _ 642 ، الرقم 1023؛ اُسد الغابة ، ج 2 ، ص 337 _ 338؛ الثقات لابن حبّان ، ج3 ، ص 165 _ 166.
18- . تذكرة الفقهاء ، ج5 ، ص 337؛ المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 529 ؛ نصب الراية للزيلعي ، ج2 ، ص 481 ، ومابين الحاصرات من تذكرة الفقهاء.
19- . منتهى المطلب ،ج1 ، ص 528 .
20- . في الأصل: «عمروبن أبينصر»، و صوّبناه حسب مصادر الحديث ، و قد تقدّم آنفا.
21- . القاموس المحيط ، ج3 ، ص 21 (دقع).
22- . صحاح اللغة ، ج3 ، ص 1308 (هلع).

ص: 464

. .

ص: 465

. .

ص: 466

باب تفضيل القرابة في الزكاة ومن لا يجوز أن يعطوا من الزكاة

باب تفضيل القرابة في الزكاة ومن لا يجوز أن يعطوا من الزكاةلا ريب في استحباب تفضيل القرابة وتخصيصهم بالزكاة إذا كانوا على صفة الاستحقاق، ومن شرائط استحقاقهم أن لا يكونوا واجبي النفقة للمعطي وهم الأبوان وإن علوا والأولاد وإن سفلوا، أو الزوجة. ويدلّ عليه الأخبار الواردة في الباب، وما رواه الشيخ عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسن عليه السلام ، قال: سألته عن الرجل يضع زكاته كلّها في أهل بيته وهم يتولّونك، فقال: «نعم». (1) ولكنّ الأفضل أن يخرج بعضاً منها إلى الأجانب كما ستعرف في رواية أبي خديجة. فأمّا ما رواه المصنّف عن عمران بن إسماعيل بن عمران القمّي (2) من جواز الدفع إلى الأولاد، فمع جهالة الخبر حملها الشيخ قدس سره على من كان فقيراً ذا عيال كثير لا يكون معه ما يكفي عياله، وقال: إذا كان هذه حاله جاز أن يصرف الزكاة في الزائد على قدر قوت عياله توسعةً لهم. واستدلّ عليه بخبر أبي خديجة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «لا تعط من الزكاة أحداً ممّن تعول»، وقال: «إذا كان لرجل خمسمئة درهم وكان عياله كثيراً، قال: ليس عليه زكاة، ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم وكسوتهم، وفي طعام لم يكونوا يطعمونه، وإن لم يكن له عيال وكان وحده فليقسّمها في قومٍ ليس بهم بأس إعفاءً عن المسألة لا يسألون أحداً شيئاً». وقال: «لا تعطين قرابتك الزكاة كلّها ولكن أعطهم بعضاً، واقسم بعضاً في سائر المسلمين». وقال: «الزكاة تحلّ لصاحب الدار والخادم، ومَن كان له خمسمئة درهم بعد أن يكون له عيال، ويجعل زكاة الخمسمئة زيادةً في نفقة عياله ويوسّع عليهم». (3) وربّما حملت على أنّه علم الإمام عليه السلام من حال السائل أنّه غير متمكِّن من النفقة على الأولاد. ووجّهه في المنتهى بوجهين آخرين أيضاً في غاية البُعد، أحدهما: جواز أن يكون النساء والرجال من ذوي الأقارب أطلق عليهم اسم الولد مجازاً بسبب مخالطتهم للأولاد. والثاني: أن يكون أراد الزكاة المندوبة. (4) وعلّة المنع الغنى اللازمة لوجوب نفقتهم عليه، فيجوز الدفع إلى من تجب نفقته عليه من سهم من لا يعتبر فيه الفقر كالغازي والعامل ونحوهما، كما هو مقتضى إطلاق الآية الكريمة والأخبار، وصرّح به بعض العلماء الأخيار، قال في المنتهى: لو كان الأب غازياً أو عاملاً أو ابن سبيل أو مكاتباً جاز أن يدفع إليه، وكذا لكلّ مَن تجب نفقته عليه؛ لأنّ ما يأخذ الغازي والعامل كالاُجرة، ولا يجب على الإنسان فكّ رقبة مَن تجب نفقته ولا مؤونة السفر الزائد على الحضر. (5) وفي شرح اللمعة: ويشترط في المستحقّ أن لا يكون واجب النفقة على المعطي من حيث الفقر، أمّا من جهة الغرم والعمولة وابن السبيل ونحوه إذا اتّصف بموجبه فلا، فيدفع إليه ما يوفي دينه، والزائد عن نفقة الحضر. والضابط: أنّ واجب النفقة إنّما يمنع من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرّاً في وطنه. (6) ولم ينقلا فيه خلافاً، ونحوهما في كلام [غير]هما. (7) ويدلّ على حكم الغارم به من الأخبار التي ذكرناها سابقاً والأخبار الآتية في الباب الآتي. وروى الجمهور عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمس: غاز في سبيل اللّه ، أو عامل عليها، أو غارم، أو قوم تحمّلوا في ضمان مال». (8) وقيل: ذلك بأن يتلف مال رجل ولا يدري مَن أتلفه وكاد أن تقع بسببه فتنة، فضمنه رجل لإطفاء نائرتها. قوله في رواية إسحاق بن عمّار: (فيأتيني إبّان الزكاة) . [ح1/5923] أي وقت وجوبها، والنون أصلية، فيكون فعّالاً، وقيل: هي زائدة، وهو فعلان من أبَّ الشيء، إذا تهيّأ للذهاب، كذا في نهاية ابن الأثير. (9) وفي القاموس: إبّان الشيء بالكسر: حينه أو أوّله. (10)

.


1- . هذا هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي. ورواه عنه الشيخ في الاستبصار ، ج 2 ، ص 35 ، ح 105؛ وفي تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 54 _ 55 ، ح 145 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 246 ، ح 11940.
2- . هو الحديث التاسع من هذا الباب.
3- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 57 ، ح 153 ، و كلامه مذكور ذيل ح 152.
4- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 503 .
5- . منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 528 .
6- . شرح اللمعة ، ج2 ، ص 52 .
7- . ما بين الحاصرتين لتقويم العبارة.
8- . المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 251؛ منتهى المطلب ، ج1 ، ص 521 ، و مع مغايرة في اللفظ في مسند أحمد ، ج 3 ، ص 56 ، و الخامس الذي لم يذكر هنا هو المسكين الذي تصدّق عليه منها فأهدى منها لغني؛ تفسير القرآن لعبد الرزّاق ، ج2 ، ص 278 _ 279؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 590 ، ح 1841؛ سنن أبيداود ، ج1 ، ص 369 ، ح 1635؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج7 ، ص 15.
9- . النهاية ،ج1 ، ص 17 (أبن).
10- . القاموس المحيط ، ج4 ، ص 194 (أبن).

ص: 467

. .

ص: 468

. .

ص: 469

باب نادر

باب الزكاة تبعث من بلدٍ إلى بلد أو تدفع إلى من يقسّمها فتضيع

باب نادرالغرض منه بيان جواز صرف الزكاة فيمن تجب نفقته على المعطي من سهم الرِّقاب والغارمين، وفي حكمه سهام من لا يعتبر فيه الفقر كما مرّ.

باب الزكاة تبعث من بلدٍ إلى بلد أو تدفع إلى من يقسّمها فتضيعفيه مسألتان: الاُولى: المشهور بين الأصحاب منهم الشيخان (1) والشهيد في اللمعة (2) والعلّامة في القواعد (3) عدم جواز نقل الزكاة من بلد المال مع وجود المستحقّ فيه، فيأثم ويضمن لو نقلها كذلك، ولكن يجزي اتّفاقاً. وبه قال مالك وسعيد بن جبير وجماعة اُخرى من العامّة، منهم أحمد في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الاُخرى قال: لا تجزي على تقدير النقل والدفع إلى المستحقّ في بلد آخر. (4) ويفهم من كلام الشهيد تحقّق القول بعدم الإثم مع القول بعدم الجواز، حيث قال: «ولا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع إعواز المستحقّ، فيضمن لا معه، وفي الإثم قولان». (5) وهو غريب، وربّما وجّه ذلك بأنّ عدم جواز النقل لا ينافي عدم الإثم، فإنّ الإثم قد يرتفع بالضمان والإخراج، (6) ونظيره الكفّارة، وهو أغرب. وقال الشيخ بالجواز مع الضمان، (7) وبعضهم بالكراهة مع الضمان، (8) واختاره العلّامة في المختلف (9) والمنتهى، (10) وقيل بالجواز وعدم الضمان، وقوّاه الشهيد في الدروس. (11) والقول بالجواز مع الضمان قويّ؛ لإطلاق الآية والأخبار الواردة في بيان المصرف من غير تقييد ببلد المال، وظهور حسن ابن أبي عمير (12) في ذلك. ويؤيّدها أصالة براءة الذمّة من إيجاب التفرقة في البلد وتحريم النقل عنه، فلا يعدل عنه إلّا لدليل راجح. ويدلّ عليه أيضاً عموم أكثر الأخبار المذكورة في الباب والدالّة على جواز النقل من غير تخصيص بصورة إعواز المستحقّ فيه. وما رواه الشيخ عن أحمد بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال: «نعم». (13) ويؤيّدها ما سبق من إرسال عليّ عليه السلام الصدقات من اليمن إلى المدينة؛ لبعد إعواز المستحقّ فيه. ولكن الأفضل أن لا يبعث إلّا بعض منها؛ لرواية درست بن أبي منصور، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال: في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير[بلد]ه، فقال: «لا بأس] أن يبعث بالثلث أو الربع _ شكّ أبو أحمد]». (14) وأبو أحمد فيه كنية ابن أبي عمير. بل لا يبعد القول بوجوب النقل وعدم ضمانه مع الإعواز؛ للأمر به، فلما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب الحدّاد، عن العبد الصالح عليه السلام قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه وأهل ولايته»، فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم»، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: «يدفعها إلى من لا ينصب»، قلت: فغيرهم؟ قال: «ما لغيرهم إلّا الحجر». (15) ولعلّ المراد بالأرض المنقطعة: المنقطعة عن بلاد الإسلام. واحتجّ المانعين بأنّ فيه تغريراً بالمال وتعريضاً لإتلافها مع إمكان إيصالها إلى المستحقّ فيكون حراماً، يندفع بجبران الضمان. وربّما استدلّوا عليه بما دلّ على الضمان، ولا يخفى ما فيه، فإنّ الضمان لا ينافي الجواز وقد عرفت أنّه قد قال به بعض الأصحاب. على أنّه لا يبعد حمل الضمان أيضاً على استحباب الإعادة وعدم وجوبها كما قوّاه الشهيد قدس سره. ويدلّ عليه صحيحة أبي بصير، (16) وعن زرارة، (17) ورواية وهيب بن حفص. (18) ويؤيّده نفي الضمان عنه في حسنة بكير بن أعين (19) مع إطلاق البعث فيها. ولا يجوز الاحتجاج عليه بصحيحة الحلبي الدالّة على عدم حليّة صدقة المهاجرين للأعراب ولا بالعكس (20) ؛ لأنّ ذلك ليس للنقل بل لعدم المجانسة، وظاهرها أنّه لو احتاج إلى النقل لتحصيل المجانسة لزمه، وحمل ذلك على الاستحباب. واحتجّ مالك وأضرابه على عدم الجواز بما نقلوا أنّ معاذاً بعث الصدقات من اليمن إلى عمر، فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردّ في فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه منّي. (21) الثانية: يدلّ بعض أخبار الباب على جواز عزل المالك الزكاة من ماله وتعيّنها بذلك، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم ويبقى بعض يلتمس له الموضع، فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر؟ قال: «لا بأس». (22) وبه صرّح العلّامة في المنتهى من غير نقل خلاف فيه، قال: ويجوز للمالك عزل الزكاة بنفسه وتعيينها وإفرادها من دون إذن الساعي؛ لأنّ له ولاية الإخراج بنفسه، فيكون له ولاية التعيين قطعاً، ولأنّ الساعي يجبر المالك في إخراج أيّ فرد شاء من أفراد الواجب، ولأنّه أمين على حفظها؛ إذ الزكاة تجب في العين فيكون أميناً على تعيينها وافرازها، ولأنّ له دفع القيمة وتملّك العين، فله إفرازها، ولأنّ منعه من افرازها يقتضي منعه من التصرّف في النصاب، وذلك ضرر عظيم، ولأنّ له دفع أيّ قيمة شاء، فيتخيّر في الأصل. (23) بل صرّح جماعة باستحبابه مع عدم وجود المستحقّ، منهم المحقّق في الشرائع، قال: «إذا لم يجد المالك لها مستحقّاً فالأفضل له عزلها»، (24) ومثله ما لو انتظر سائلاً. ويدلّ عليه الأمر به فيما رواه الشيخ في الموثّق عن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : زكاتي تحلّ عليَّ شهراً، فيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني مَن يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال: «إذا حال الحول فاخرجها من مالك ولا تخلطها بشيء، واعطها كيف شئت». قال: قلت: فإن أنا كتبتها وأثبتّها يستقيم؟ قال: «نعم، لا يضرّك». (25) ويتفرّع على ذلك سقوط الزكاة [؟] من غير تفريط، وهو مدلول ما اُشير إليه من الأخبار، والظاهر أنّه لم يختلف الأصحاب في ذلك وإن اختلفوا في صورة النقل. وفي المنتهى: لو أخرجها عن ملكه ولم يسلّمها إلى الفقير ولا إلى الساعي مع المكنة ضمن بالتأخير؛ لأنّا قد بيّنا وجوب الإخراج إلى الفقير على الفور، ولو أخرجها عن ملكه ولم يجد الساعي ولا الفقير فتلفت من غير تفريط سقطت عنه. وبه قال مالك. وقال الشافعي: إذا لم يفرّط في الإخراج ولا في حفظ المخرج رجع إليه ماله، فإن كان الباقي نصاباً أخرج الزكاة، وإلّا فلا. وقال أحمد: لا تسقط الزكاة مطلقاً. وبه قال الثوري والزهري وحمّاد. وقال أبو حنيفة: يزكّي ما بقي إلّا أن ينقص عن النصاب فيسقط الزكاة، فرّط أو لم يفرّط. (26) لنا: أنّها تعيّنت زكاة بتعيين المالك، وسقطت الزكاة عن المال بالتعيّن على ما تقدّم، فإذا بلغت لم تضمن كالوديعة، أمّا مع التفريط أو في الإخراج فإنّه يضمن كالوديعة إذا فرّط في حفظها أو منع من الدفع مع المطالبة وإمكانه. احتجّ المخالف بأنّها حقّ على ربّ المال تلف قبل وصوله إلى مستحقّه، فيضمن. والجواب المنع من ثبوتها في الذمّة على ما سلف. (27) ويتفرّع أيضاً عليه بكون نماء المخرج لأرباب الزكاة، فإنّه نماء مالهم، فيكون لهم، متّصلاً كان النماء أو منفصلاً. وفي الدروس أنّه للمالك، (28) وهو كما ترى.

.


1- . ذهب إليه المفيد في المقنعة ،ص 240 ؛ والطوسي في الخلاف ، ج2 ، ص 28 ، المسألة 26؛ وج 4 ، ص 228 ، المسألة 8 ؛ والمبسوط ، ج1 ، ص 245.
2- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 42 _ 43؛ شرح اللمعة ، ج2 ، ص39.
3- . قواعد الأحكام ، ج1 ، ص 353. و مثله في إرشاد الأذهان ، ج1 ، ص 291.
4- . اُنظر: الخلاف ، ج 4 ، ص 238 ، المسألة 8 ؛ المنتهى ، ج1 ، ص 529 ؛ المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 531 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص 679 ؛ عمدة القاري ، ج9 ، ص 92.
5- . اللعمة الدمشقيّة ، ص 43.
6- . اُنظر: مجمع الفائدة والبرهان ، ج4 ، ص 210 _ 211.
7- . الاقتصاد ، ص 279.
8- . الوسيلة لابن حمزة ، ص 130.
9- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 247.
10- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 529 .
11- . الدروس الشرعيّة ، ج1 ، ص 246 ، الدرس 66 . و كلامه صريح في الجواز مع الضمان إلّامع عدم المستحقّ فلا ضمان.
12- . الظاهر أنّ مراده هو الحديث السابع من هذا الباب ، و هذا الحديث رواه ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبداللّه عليه السلام .
13- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 46 ، ح 122؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 283 _ 284 ، ح12029.
14- . هذا هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ الفقيه ، ج2 ، ص 31 ، ح 1620؛ تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 46 ، ح 120؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 283 ، ح12027. و ما بين الحاصرات من المصادر.
15- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 46 ، ح 121؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 223 ، ح11886.
16- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
17- . هو الحديث الرابع من هذا الباب.
18- . هو الحديث التاسع من هذا الباب.
19- . هو الحديث الخامس من هذا الباب.
20- . هو الحديث العاشر من هذا الباب.
21- . المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 531 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص680 ؛ كشّاف القناع للبهوتي؛ ج 1 ، ص 304؛ كنزالعمّال ، ج 6 ، ص 547 ، ح 16888 ، كلّهم عن أبي عبيد في الأموال.
22- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 45 ، ح118 ؛ ورواه الكليني في الكافي ، باب أوقات الزكاة ، ح 7؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 308 _ 309 ، ح12091.
23- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 511 .
24- . شرائع الإسلام ، ج1 ، ص 125.
25- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 45 _ 46 ، ح 199. و رواه الكيني في باب أوقات الزكاة ، ح 3؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 307 ، ح 12088.
26- . اُنظر: المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 542 _ 543 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص 669 ؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 377.
27- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 511 .
28- . الدروس الشرعيّة ، ج1 ، ص 247 ، الدرس 67 ، و عنه في مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 430؛ مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 275.

ص: 470

. .

ص: 471

. .

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

باب الرجل يدفع إليه الشيء يفرّقه وهو محتاج إليه يأخذ لنفسه

باب الرجل يدفع إليه الشيء يفرّقه وهو محتاج إليه يأخذ لنفسهقال في المنتهى: ومَن أعطى غيره مالاً من الزكاة أو غيرها من الصدقات ليفرّقها على الفقراء أو غيرهم من الأصناف، وكان متّصفاً بالصفة التي اتّصف بها مَن أمر بالتفرقة عليهم، جاز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره إن لم يكن المالك عيّن له قوماً بأعيانهم؛ لأنّه مأمور بالإيصال إلى المستحقّين، وهو من جملتهم، فكان داخلاً تحت الأمر[و يؤيّده ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن عثمان، عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل أعطى مالاً بالتفرقة فيمن يحلّ له، أ له أن يأخذ منه شيئا لنفسه لم يسم له؟ قال: قال: «يأخذ لنفسه مثل ما يعطي غيره» (1) ]. وهل له أن يأخذ أكثر ممّا يعطي غيره، أو يأخذه بأسره ويمنع غيره؟ منع الأصحاب منه؛ لدلالة الحديث عليه، أمّا لو عيّن المالك أقواماً بأعيانهم لم يجز له التخطّي إجماعاً؛ لأنّ الأغراض قد تختلف، وللمالك الخيرة في صرفه إلى مَن يشاء، فالتعدّي حرام. (2) انتهى. أقول: أمّا لو أخذ من المالك شيئاً لمعيّن عيّنه الآخذ، فله دفعه إلى غيره؛ لأصالة الجواز، وانتفاء مانع منه، ويؤكّد ذلك ما قد سبق في آخر تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض من مرسلة الحسين بن عثمان، (3) والفرق بيِّن، والظاهر جواز أخذه نفسه منه حينئذٍ.

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 104 ، ح 295 . و هذا هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 288 ، ح 12040.
2- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 530 .
3- . هو الحديث السادس من ذلك الباب.

ص: 475

باب الرجل إذا وصلت إليه الزكاة فهي كسبيل ماله يفعل بها ما يشاء

باب الرجل يحجّ من الزكاة أو يعتق

باب الرجل إذا وصلت إليه الزكاة فهي كسبيل ماله يفعل بها ما يشاءهذا في غير سهام الرقاب والغارمين وسبيل اللّه وابن السبيل؛ لأنّ الفقراء والمساكين والعاملين والمؤلّفة يعطون من الزكاة لا لمصرف خاصّ، بل لاستحقاقهم في السهم، فإذا أخذوها تدخل في أموالهم، يتصرّفون فيها كيف شاؤوا، بخلاف الرقاب والغارمين وسبيل اللّه وابن السبيل، فإنّهم يعطون للصرف في المصارف المخصوصة، فإذا لم يصرفوها فيها استُعيد منهم، وقد صرّح به جماعة من الأصحاب، (1) وهذا هو السرّ في ذكر اللام في اُولئك، وفي هؤلاء في قوله عزّ وجلّ: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّه ِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ» . (2)

باب الرجل يحجّ من الزكاة أو يعتقيحجّ من باب الإفعال بقرينة أخبار الباب، ولا خلاف بين الأصحاب في جواز ذلك من سهم سبيل اللّه بناءً على المشهور من عدم اختصاصه بالجهاد، ومن سهم الرقاب في الثاني؛ لجواز صرف الزكاة إلى صنف من الأصناف الثمانية على ما سبق [إلّا]على قول الشافعي، فإنّه يجوّز ذلك إذا وَفى سهمهما لما ذكر. (3) قوله: (عن عمرو عن أبي بصير) . [ح2/5954] في التهذيب عن عمرو بن أبي نصر، (4) وهو أنسب، وعمرو هذا أبوه زيد أو زياد من أصحاب الصادق عليه السلام وكان ثقة، (5) فالخبر صحيح. قوله في موثّق عبيد بن زرارة: (فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيده) (6) إلى آخره. [ح3/5955] المراد بالزيادة الزيادة في السوم على ما هو شأن الدلّال أنّه يقوّم ما يبيعه بثمن وينادي به، ومَن أراد شراءه يزيده، فلا يبيعه بذلك الثمن إن شاء، وينادي بذلك الثمن الأخير، فيزيد من يريد بيعه، وهكذا إلى أن لا يزيد أحد، فيبيعه لمن زاد أخيراً. ويدلّ الخبر على أنّ ولاء ذلك المعتق لأرباب الاستحقاق، وقد اختلف الأصحاب فيه.

.


1- . اُنظر: مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 418 _ 419.
2- . التوبه (9): 60 .
3- . اُنظر: عمدة القاري، ج 9، ص 105؛ المغني، ج 2، ص 529 ؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 707؛ تفسير البغوي، ج 2، ص 503 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 100 ، ح 282 . و الموجود في المطبوع منه: «عمرو عن أبي بصير».
5- . رجال النجاشي ، ص 290 ، الرقم 778؛ إيضاح الاشتباه ، ص 231 ، الرقم 439؛ خلاصة الأقوال ، ص 214.
6- . كذا ، و في الكافي المطبوع: «يريده».

ص: 476

باب القرض أنّه حمى الزكاة

باب القرض أنّه حمى الزكاةبمعنى أنّه إن قضى الغارم وإلّا فيحتسب من الزكاة ويقاصّ بها. ويدلّ عليه ما رواه المصنّف قدس سرهفي هذا الباب وفي الباب الآتي، وما رواه الصدوق رضى الله عنهعن الصادق عليه السلام أنّه عليه السلام قال: «نِعْمَ الشيء القرض، إن أيسر قضاك، وإن أعسر حسبته من الزكاة». (1) قال: وروي أنّ القرض حمى للزكاة، وإن كان لك على رجل مال ولم يتهيّأ لك قضاؤه فاحسبه من الزكاة إن شئت. (2)

.


1- . الفقيه ، ج2 ، ص 18 ، ح 1601؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 303 ، ح 12079.
2- . الفقيه ، ج2 ، ص 18 _ 19 ، ح 1602.

ص: 477

باب قصاص الزكاة بالدَّين

باب قصاص الزكاة بالدَّينالمراد بالمقاصّة احتساب الدَّين من الزكاة، ولا يلزم دفع الزكاة إلى الفقير ثمّ يأخذها منه عوضاً عن دينه كما يظهر لزوم ذلك من كلام بعض الأصحاب، ولا خلاف بين الأصحاب (1) _ بل بين العلماء على ما يظهر من التذكرة (2) والمنتهى (3) والمعتبر (4) _ في جواز ذلك إذا كان المديون في وقت الزكاة على صفة الاستحقاق، وفي حكم الفقير القادر على قوت سنة بحيث لو أخذ منه الدَّين يبقى بلا قوت كما يظهر من موثّق سماعة. ويدلّ على أصل المسألة صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، (5) وما روي عن عقبة بن خالد، قال: دخلت أنا والمعلّى وعثمان بن عمران على أبي عبداللّه عليه السلام فلمّا رآنا قال: «مرحباً بكم، وجوه تحبّنا ونحبّها، جعلنا اللّه معكم في الدُّنيا والآخرة»، فقال له عثمان: جُعلت فداك، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «نعم فمَه؟» فقال: إنّي رجلٌ موسر، فقال له: «بارك اللّه في يسارك»، قال: فيجيء الرجل فيسألني الشيء وليس هو إبّان زكاتي، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «القرض عندنا بثمانية عشر، والصدقة بعشرة، وما زاد عليك، إذا كنت موسراً أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان، لا تردّه، إنّك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربّه ما توانيت في حاجته، ومَن أدخل على مؤمنٍ سروراً فقد أدخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وحاجة المؤمن تدفع الجنون والجذام والبرص». (6) وأمّا ما يظهر من آخر موثّق سماعة من النهي عن المقاصّة إذا كان المديون غير قادر على أداء الدَّين، (7) فكأنّه للكراهة واستحباب أداء الزكاة إليه لغاية إعساره وتأخير المقاصّة إلى وقت آخر يحصل في المديون شيء يقوت به نفسه وعياله أيّاماً.

.


1- . اُنظر: مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 225 _ 226.
2- . تذكرة الفقهاء، ج5، ص 326، المسألة 237.
3- . منتهى المطلب، ج 1، ص 512 _ 513 .
4- . المعتبر ، ج2 ، ص 576 .
5- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- . الكافي ، باب القرض من أبواب الصدقة ، ح 4 ، وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 359 ، ح 21759.
7- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.

ص: 478

باب من فرَّ بماله من الزكاة

باب من فرَّ بماله من الزكاةالمشهور بين الأصحاب سقوط الزكاة عمّا يشترط فيه الحول بنقص أحد الشرائط قبل انقضاء الحول ولو كان بفعل المالك؛ فراراً من الزكاة، (1) وبه قال الشيخ في كتابي الأخبار (2) والنهاية، (3) والشيخ المفيد، (4) ونقل عن السيّد المرتضى في المسائل الطبريّة (5) وابن البرّاج (6) وابن إدريس (7) وابن الجنيد، (8) ومن العامّة وافقهم الشافعي وأبو حنيفة (9) ؛ لحسنة عمر بن يزيد وحسنة هارون بن خارجة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالاً أصاب فيها أموالاً كثيرة، وأنّه جعل ذلك المال حليّاً أراد أن يفرّ به من الزكاة، أعليه الزكاة؟ قال: «ليس على الحليّ زكاة، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة». (10) وقد سبق ذلك فيما رواه المصنّف قدس سره في باب المال الذي لا يحول عليه الحول من حسنة زرارة لكن فيها تشويش يمنع من العمل بها. ويؤيّدها إطلاق بعض الأصحاب وعمومها في عدم وجوب الزكاة فيما لم يحلّ الحول على النصاب، وأصالة عدم الوجوب. وذهب السيّد في الانتصار (11) والشيخ في الجمل (12) إلى وجوبها لو كان التبديل بقصد الفرار منها وإن بادلها بغير جنسها، وبه قال مالك وأحمد. (13) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن عليّ بن الحسن، عن محمّد بن عبداللّه ، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحليّ من المئة دينار والمئتي دينار، وأراني قد قلت ثلاثمئة، قال: «ليس فيه الزكاة»، قال: قلت: فإنّه فرَّ به من الزكاة؟ قال: «إن كان فرَّ به من الزكاة [فعليه الزكاة]، (14) وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة». (15) وعن عليّ بن الحسن، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحليّ فيه زكاة؟ قال: «لا، إلّا ما فرَّ به من الزكاة». (16) والشيخ حملهما تارةً على الاستحباب، وتارةً على ما لو فرَّ به من الزكاة بعد حلول الحول، وأيّده بما ورد في حسنة زرارة التي رواها المصنّف في باب المال الذي لا يحول عليه الحول، من قوله عليه السلام : «صدق أبي عليه السلام عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، وما لم يجب فلا شيء عليه فيه». لمّا قال زرارة: قلت: فإنّ أباك قال لي: «مَن فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها». (17) وأنت خبير بأنّ الخبرين الأوّلين على فرض صراحتهما في الوجوب لا يقبلان المعارضة للأخبار الكثيرة المذكورة؛ لضعفهما لوجود عليّ بن الحسن فيهما، وهو مشترك، ولجهالة طريق الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن رباط البجلي، وكذا عليّ بن الحسن الصيرفي، وضعف طريقه إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، (18) وكذا إلى عليّ بن الحسن الطاطري (19) مع وجود محمّد بن عبداللّه في سند الأوّل، وهو أيضاً مشترك. واحتجّ السيّد بإجماع الطائفة، ثمّ قال: فإن قيل: قد ذكر أبو عليّ بن الجنيد أنّ الزكاة لا تلزم الفارّ منها وذلك ينقض ما ذكرناه. قلنا: الإجماع قد تقدّم على ابن الجنيد وتأخّر عنه، وإنّما عوّل ابن الجنيد على أخبار رُويت عن أئمّتنا عليهم السلام تتضمّن أنّه لا زكاة عليه إن فرّ بماله، وبإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر وأقوى وأوضح طرقاً. (20) وكأنّ الاخبار التي عدّها أوضح طرقاً إشارة إلى الخبرين اللّذين رويناهما عن الشيخ، وقد عرفت حالهما، والإجماع الذي ادّعاه قبل ابن الجنيد وبعده ممنوع؛ لوجود القول بالسقوط قبله وبعده كما عرفت. وفصّل في المبسوط فذهب إلى عدم السقوط فيما إذا زال السكّة عن النقدين وفيما إذا بادلهما أو بادل الأنعام بغير الجنس للفرار، وبعدم السقوط مطلقاً وإن لم يقصد الفرار إذا بادل إيّاها بجنسها، فقال في موضع: إذا بادل جنساً بجنس مخالف، مثل: إبل ببقر أو بقر بغنم أو غنم بذهب أو ذهب بفضّة أو فضّة بذهب، استأنف الحول وانقطع حول الأوّل، وإن فعل ذلك فراراً من الزكاة لزمته الزكاة، وإن بادل بجنسه لزمته الزكاة، مثل: ذهب بذهب أو فضّة بفضّة أو غنم بغنم وما أشبه ذلك. فأمّا سبائك الذهب والفضّة فإنّه لا يجب فيها الزكاة إلّا إذا قصد بذلك الفرار. (21) وكأنّه استند في الشقّ الأوّل بما عرفت في القول الثاني، وقد عرفت حاله، واحتجّ في الشقّ الثاني بما نقل عنه بأنّ من عارض أربعين سائمة بأربعين سائمة يصدق عليه أنّه ملك أربعين سائمة طول الحول، فيجب عليه فيها الزكاة. (22) وفيه: أنّ كلّاً من الأربعينين لم يحلّ عليه الحول. وقال في الخلاف بلزوم الزكاة على تقدير المبادلة بالجنس، وبسقوطها على تقدير المبادلة بغير الجنس في النقدين، وبسقوطها بالمبادلة مطلقاً من غير فرق فيها بين قصد الفرار وعدمه، حيث قال: من كان معه نصاب فبادله بغيره لا يخلو أن يبادل بجنس مثله، مثل أن بادل إبلاً بإبل، أو بقراً ببقر، أو غنماً بغنم، أو ذهباً بذهب، أو فضّةً بفضّة، فإنّه لا ينقطع الحول ويبني، وإن كان بغيره مثل أن بادل إبلاً بغنم، أو ذهبا بفضّة، أو ما أشبه ذلك، انقطع حوله، واستأنف حول في البدل الثاني، وبه قال مالك. (23) وقال الشافعي: يستأنف الحول في جميع ذلك، (24) وهو قويّ. وقال أبو حنيفة فيما عدا الأثمان بقول الشافعي وقولنا،[و] في الأثمان إن بادل فضّة بفضّة أو ذهباً بذهب كما قلناه، (25) ويجيء على قوله إن بادل ذهباً بفضّة أن يبني. دليلنا: إجماع الفرقة على أنّه لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول، وإذا بادل لم يحل عليه الحول، وهذا يقوّي ما قلناه من مذهب الشافعي.[و] أمّا ما اعتبرناه من الذهب والفضّة إذا بادل شيئاً منهما بمثله خصصناه بقوله : «في الرقّة ربع العشر» (26) وما يجري مجراه من الأخبار المتضمّنة لوجوب الزكاة في الأجناس، ولم يفصّل بين ما يكون بدلاً من غيره أو غير بدل. (27) ثمّ قال بعد ذلك بفصل كثير: قد بيّنا أنّه إذا بادل دنانير بدنانير وحال الحول لم ينقطع حول الأصل، وكذلك إن بادل دراهم بدراهم، وإن بادل دراهم بدنانير[أو دنانير بدراهم، أو] بجنس غيرها بطل حول الأوّل. وقال الشافعي: يستأنف الحول على كلّ حال بادل بجنسه أو بغير جنسه. (28) ثمّ قال: دليلنا ما روي عنهم عليهم السلام أنّهم قالوا: «الزكاة في الدراهم والدنانير» (29) وعدّوا تسعة أشياء، ولم يفرّق بين أن يكون الأعيان باقية أو اُبدلت بمثلها، فيجب حملها على العموم. (30) ولا يخفى أنّ دليله على تقدير التسليم يدلّ على ثبوت الحكم في الجميع، فالتخصيص غير موجّه، وأنت خبير بتشويش كلامه الذي نقلناه أوّلاً، والظاهر أنّ الأقوال المذكورة فيما إذا بقي عين النصاب مع زوال الوصف كجعل الدراهم والدنانير حليّا وسبيكة وأمثالهما أو بقي بدله كما يفهم من الأدلّة ومن قول الشيخ في المبسوط. وأمّا مع زوال العين بلا بدل بنقص النصاب، فالظاهر سقوط الزكاة مطلقاً كما قال في المبسوط: من نقص ماله من النصاب لحاجةٍ إليه لم تلزمه الزكاة إذا حال الحول، وإن نقصه من غير حاجة فعل مكروهاً، ولا يلزمه شيء إذا كان التنقيص قبل الحول، فأمّا إذا كان نقصه بعد الحول فإنّه تلزمه الزكاة. (31) وادّعى في الخلاف إجماع الأصحاب عليه، حيث قال: يكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حلول الحول، فراراً من الزكاة وإن فعل وحالَ عليه الحول وهو أقلّ من النصاب فلا زكاة عليه. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي. وقال بعض التابعين: لا ينفعه الفرار منها، فإذا حالَ عليه الحول وليس معه نصاب أخذنا الزكاة منه. وبه قال مالك. (32) دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً روي عن النبيّ صلى الله عليه و سلم أنّه قال: «لا زكاة في مالٍ حتّى يحول عليه الحول»، (33) وهذا لم يحل عليه الحول. (34)

.


1- . اُنظر: مدارك الأحكام ، ج5 ، ص 74.
2- . الاستبصار ، ج2 ، ص 8 ؛ تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 9.
3- . النهاية ، ص 175.
4- . المقنعة ،ص 235.
5- . حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج2 ، ص 511 ؛ و العلّامة في منتهى المطلب ، ج1 ، ص 495.
6- . المهذّب ، ج1 ، ص 159 ؛ فإنّه قائل بوجوب الزكاة فيما إذا عمل ذلك فرارا من الزكاة.
7- . السرائر ، ج1 ، ص 442.
8- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 156.
9- . المجموع للنووي ، ج5 ، ص 364 و 468؛ فتح العزيز ، ج5 ، ص 493.
10- . الكافي ، باب أنّه ليس على الحلي و سبائك الذهب و نقر الفضّة و الجوهر زكاة ، ح 7؛ تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 9 ، ح 26؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 8 ، ح 23؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 160 _ 161 ، ح 11744.
11- . الانتصار ، ص 219.
12- . الجمل و العقود ، (الرسائل العشر ، ص 205).
13- . فتح العزيز ، ج5 ، ص 492؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 468.
14- . اُضيف من المصدر.
15- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 9 ، ح 25؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 8 ، ح 22؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 162 ، ح 11746.
16- . تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 9 ، ح 24؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 8 ، ح 21؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 162 ، ح 11747.
17- . الحديث الرابع من ذلك الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 10 ، ح 27؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 8 _ 9 ، ح 24؛ وسائل الشيعة ، ج9 ، ص 161 ، ح 11745.
18- . اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج11 ، ص 326 _ 327 ، الرقم 7997.
19- . اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج11 ، ص 344 _ 345 ، الرقم 8014 .
20- . الانتصار ، ص 219.
21- . المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 206 ، و الفقرة الأخيرة في ص210.
22- . اُنظر: المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 222 _ 223.
23- . فتح العزيز ، ج5 ، ص 490؛ المحلّى ، ج6 ، ص 92؛ المدوّنة الكبرى ، ج1 ، ص 320.
24- . الاُمّ للشافعي ، ج2 ، ص 26؛ فتح العزيز ، ج5 ، ص 489 _ 490؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 360 _ 361؛ روضة الطالبين ، ج2 ، ص 44؛المبسوط للسرخسي ، ج2 ، ص 197؛ المحلّى ، ج6 ، ص 92.
25- . المحلّى ، ج6 ، ص 92 ، المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 442.
26- . مسند أحمد ، ج1 ، ص 12؛ مسند الشافعي ، ص 90؛ صحيح البخاري ، ج2 ، ص 124؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1567؛ سنن النسائي ، ج5 ، ص 23.
27- . الخلاف ، ج2 ، ص55 _ 56 ، المسألة 64 .
28- . الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 26 ، و تقدّم سائر تخريجاته آنفا.
29- . اُنظر: الكافي، باب فرض الزكاة، ح 2.
30- . الخلاف ، ج2 ، ص 99 _ 100 ، المسألة 115.
31- . المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 206.
32- . فتح العزيز ، ج5 ، ص 492؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص 461؛ الإنصاف ، ج3 ، ص 32؛ المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 524 .
33- . سنن ابن ماجة ، ج1 ، ص 571 ، ح 1792؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 95؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص77 ، ح 1877. المصنّف لابن أبي شبيه ، ج 3 ، ص 50 ؛ كنزالعمّال ، ج 6 ، ص 323 ، ح 15861.
34- . الخلاف ، ج2 ، ص 56 _ 57 ، المسألة 65 .

ص: 479

. .

ص: 480

. .

ص: 481

. .

ص: 482

. .

ص: 483

باب الرجل يعطي عن زكاته العوض

باب الرجل يعطي عن زكاته العوضلا خلاف بين أهل العلم في وجود عوض الزكاة مع فقد عينها، وأمّا مع وجودها فهل يجوز التعويض وإخراج القيمة مهما شاء؟ المشهور بين الأصحاب _ منهم الشيخ في الخلاف (1) _ الجواز محتجّاً عليه بصحيحتي البرقي (2) وعليّ بن جعفر، (3) وبإجماع الفرقة. ويؤيّد بما روي من طريق العامّة عن معاذ أنّه كان يأخذ من أهل اليمن الثياب في الصدقات عوضاً عن الزكاة على سبيل القيمة، وهو كان عاملاً على صدقات اليمن في عهد الرسول صلى الله عليه و آله وزمان عمر، (4) والظاهر أنّه إنّما فعل ذلك بأمرهما ورضاهما. واستدلّ بعضهم بأنّ الغرض من وضع الزكاة دفع الخلّة وسدّ الحاجة، وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين، وبأنّ الزكاة إنّما شُرّعت معونة للفقراء، وربّما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات، وبمناسبات اُخر، وهذا القول هو منقول عن أبي حنيفة. (5) وأنت خبير بأنّ الصحيحتين إنّما دلّتا على جواز ذلك في غير الأنعام، والإجماع إنّما وقع عليه، والوجوه العقلية المزبورة لا يتمّ مع تعلّق الزكاة بالعين كما هو مذهب الأصحاب أجمع، فجواز التعويض في الأنعام مع وجودها تحتاج إلى حجّة معتمدة منصوصة، ولم أجد فيه خبراً، بل يظهر من بعض الأخبار عدم الجواز، فقد سبق في خبر عبداللّه بن زمعة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب إليه حين بعثه على الصدقات: «من بلغت عنده من الإبل الصدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة، فإنّه يقبل منه الحقّة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده الحقّة وعنده جذعة، فإنّه يقبل منه جذعة ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته حقّة وليست عنده حقّة وعنده ابنة لبون، فإنّه يُقبل منه ويعطى معه شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقّة، فإنّه يقبل منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته ابنة لبون وليس عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض، فإنّه يقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون، فإنّه يقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومَن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابنة لبون وليس معه شيء...»، الحديث. (6) وقد عمل بها الأصحاب وإن اختلفت قيمة البدل والمبدل منه، فإذا لم يعتبر القيمة مع فقد المبدل منه فكيف يعتبر مع وجوده؟! نعم، قد سبق في باب آداب المصدّق في حكم زكاة الأنعام في خبر محمّد بن خالد عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «ثمّ ليأخذ _ يعني المصدّق _ صدقته، فإذا أخرجها فليقوّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أراد صاحبها فهو أحقّ بها، وإن لم يردها فليبعها»، (7) فاحتجّوا به وقالوا: إنّما يكون المالك أحقّ بها لو جاز العدول له إلى القيمة ابتداءً. (8) وفيه نظر بيّن؛ لأنّ هذا الخبر مع جهالة محمّد بن خالد بن عبداللّه البجلي القسري الكوفي والي المدينة كما يفهم من صدر الخبر، إنّما يدلّ على جواز إخراج القيمة برضا العامل القائم مقام المستحقّين، وهو خارج عن محلّ النزاع. ولذا فصّل شيخنا المفيد قدس سره وجوّز ذلك في غير الأنعام ولم يجوّز فيها مع وجودها، فقال: ولا بأس بإخراج الذهب عن الفضّة بالقيمة، وإخراج الفضّة عن الذهب بالقيمة، وإخراج الشعير عن الحنطة بقيمتها، وإخراج الحنطة عن الشعير بقيمته، ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلّا أن تعدم [ذوات] الأسنان المخصوصة في الزكاة. (9) وهو قويّ، ومنعه الشافعي مطلقاً محتجّاً بأنّه خروج عن المنصوص بغير دليل، (10) وضعفه ظاهر. واعلم أنّه أجمع الأصحاب وأكثر العامّة على تعلّق الزكاة بالعين لا بالذمّة؛ لظهور الأخبار في ذلك، ويؤيّدها نقصانها بنقص المال وتلفه بعد الحول بغير تفريط. وذهب الشافعي في أحد القولين، (11) وأحمد في إحدى الروايتين إلى تعلّقها بالذمّة؛ لأنّها لو وجدت في العين لما جاز الإخراج من القيمة إلّا برضا المستحقّ ومَن قام مقامه، ولمنع المالك من التصرّف في العين، وضعفه يظهر ممّا ذكر، وقد استدلّ بوجوه اُخرى أضعف. قال في المنتهى: وتظهر الفائدة في مواضع: الأوّل: فيما إذا حال على النصاب حولان ولم يؤدّ زكاته، فعلى قولنا تسقط زكاة الحول الثاني؛ لنقصان المال عن النصاب فيه بتعلّق حقّ الفقراء بجزءٍ منه، وعلى قول المخالف تجب زكاتان، لعدم النقصان، إذ زكاة الحول الأوّل إنّما تعلّق بذمّة المالك لا بالنصاب. الثاني: لو كان له أكثر من النصاب فحال عليه الحول ولم يؤدِّ الزكاة وجبت عليه على المذهب المختار زكوات الأحوال حتّى ينقص عن النصاب؛ لحصول الجبران بالعفو وعلى غيره تجب زكاة كلّ حول من تلك الأحوال. الثالث: لو كان له خمس من الإبل فحالَ عليه حولان، فإن لم يؤدِّ في الأوّل وجبت عليه شاة اُخرى؛ لبقاء النصاب بالإخراج. وقال بعض العامّة ممّن أوجب الزكاة في العين: لو مضى عليه أحوال لم يؤدّ زكاته وجب عليه شاة عن كلّ سنة؛ لأنّ الفرض يجب من غيرها، وهو خطأ؛ لأنّه لو كان معه خمسة وعشرون وليس معها بنت مخاض وحال عليها أحوال يلزم أن يجب عليه في كلّ سنة بنت مخاض، ولا يقول هو بذلك، بل أوجب للحول الأوّل بنت مخاض، وفي كلّ سنة بعده أربع شياه. (12)

.


1- . الخلاف ، ج2 ، ص 50 ، المسألة 59 .
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- . صحيح البخاري ، ج2 ، ص 122؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 113.
5- . المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 662 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج2 ، ص 524 _ 525 ؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 429.
6- . الكافي ، باب أدب المصدّق ، ح 7؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 95 ، ح 273 ، وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 128 ، ح 11677.
7- . هو الحديث الخامس من ذلك الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 98 ، ح 276 ، وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 132 ، ح 11680.
8- . اُنظر: منتهى المطلب ، ج1 ، ص 504 .
9- . المقنعة ، ص 253.
10- . الخلاف ، ج2 ، ص 50؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 428 و 429.
11- . فتح العزيز ، ج5 ، ص 551 ؛ المجموع للنووي ، ج5 ، ص 343.
12- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 505 ، مع مغايرة في بعض الألفاظ.

ص: 484

. .

ص: 485

. .

ص: 486

باب من يحلّ له أن يأخذ من الزكاة ومن لا يحلّ له ومن له المال القليل

باب من يحلّ له أن يأخذ من الزكاة ومن لا يحلّ له ومن له المال القليلقد مرّ الأصناف الثمانية المستحقّين للزكاة، والغرض من الباب بيان الفقر الذي هو منشأ استحقاق الفقراء والمساكين، واختلف الأصحاب في حدّه، فقال الأكثر: الفقير: مَن لا يقدر على مؤونة سنة له ولعياله الواجبي النفقة، لا فعلاً ولا قوّة بحسب حاله وحالهم وحاجته وحاجتهم في التعيّش، والمراد بالقوّة التكسّب، فالاستغناء بالكسب يجري مجرى الاستغناء بالمال، حكاه في المختلف (1) عن الشيخين (2) والسيّد المرتضى (3) وابن البرّاج (4) وابن الجنيد (5) وابن إدريس، (6) بل ادّعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة الناجية، (7) وهو ظاهر الشيخ قدس سرهفي المبسوط. (8) ونقل عن الشافعي (9) ومالك (10) وأحمد (11) في إحدى الروايتين عنه، فالدار السكنى والخادم ومتاع البيت والمركوب وما يتعلّق بها وثياب التجمّل وغير ذلك ممّا يحتاج إليه، ومنه كتب العلم للطلبة، غير مناف للاستحقاق وإن كفت مؤونة سنة نصّ عليه الأصحاب. وقال في التذكرة: «إنّه لا نعلم في ذلك كلّه خلافاً». (12) وحكى في الخلاف عن بعض الأصحاب أنّه يجوّز قطع الزكاة إلى المكتسب، (13) فتأمّل. ومن كان له ضيعة أو بضاعة أو آلات صنعته للاستنماء ولم يكف نماؤه لمؤونته مع كفاية أصلهما يستحقّ أم لا؟ صرّح الشيخ (14) والمحقّق في النافع (15) والعلّامة في المنتهى (16) وغيرهم (17) من الأصحاب على ما نقل عنهم بالأوّل. ويدلّ عليه بعض الأخبار المذكورة في هذا الباب. وإليه مالَ الشهيد الثاني في شرح اللمعة، (18) ولا يخلو عن قوّة. وذهب بعضهم إلى عدم الاستحقاق ولزوم بيعها والإنفاق منها إلى أن لا يبقى كفاية سنة، فيستحقّ حينئذٍ، وهو ظاهر الشهيد في اللمعة، حيث قال: «ويمنع ذو الضيعة والصنعة إذا نهضت لحاجته»، (19) ويبعد أن يكون مراده نهوض نمائهما كما حمله الشارح قدس سره. (20) وظاهر ابن إدريس أيضاً، قال: الغني من ملك الأموال ما يكون قدر كفايته لمؤونته طول سنة على الاقتصاد، وأمّا من له مال قليل لا للاستنماء والبضاعة لا يكفي مؤونته ومؤونة عياله فهو مستحقّ إجماعاً، إلّا أن يكون قدر النصاب فستعرفه. (21) وقال في الخلاف: «الغنيّ من ملك نصاباً فيه الزكاة أو قيمته»، (22) ونسبه في المبسوط إلى بعض الأصحاب، (23) ولعلّه تمسّك في ذلك بحسنة أبي بصير، (24) وبه قال أبو حنيفة. (25) وعلى المشهور إن وفى ذلك المال بمؤونته ومؤونة عياله سنة فهو غنيّ غير مستحقّ للزكاة، وإلّا فهو مستحقّ. وفي رواية عن أحمد أنّه مَن ملك خمسين درهماً أو قيمتها. وبه قال الثوري والنخعي وإسحاق. (26) وعن الحسن وأبي عبيدة أنّه مَن ملك أربعين درهماً، (27) حكاه عنهم في المنتهى. (28) وإذا قصرت الصنعة عن مؤونته فعلى المشهور يجوز أن يعطي دفعة ما زاد على تتمّة كفايته؛ لأنّه مستحقّ فلا يتقدّر العطاء بشيء، وقيل: يحلف على تلفه، (29) ولإطلاق الأخبار. وفي المختلف: «وقيل: يعطى ما يتمّ كفايته» ثمّ قال: احتجّ [المخالف] بأنّه مستغن فلا يستحقّ شيئاً، أمّا المقدّمة الاُولى فلأنّا نبحث على تقدير اكتفائه بالمدفوع إليه، وأمّا الثاني فظاهر. والجواب: أنّ الاستغناء إنّما يكون بعد الدفع، ونحن نمنع حينئذٍ من الإعطاء. (30) قوله في حسنة حريز عن أبي بصير: (يأخذ الزكاة صاحب السبعمئة إذا لم يجد غيره) إلى آخره.[ح1/5965] يعني إذا لم يكف السبعمئة قوت سنة له ولعياله يجوز له أخذ الزكاة بقوله عليه السلام : «فلا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمئة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها»، ولعلّ المراد بالزكاة في قول السائل: «قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة»، زكاة التجارة، فالمراد بالوجوب معناه اللغوي في ضمن الندب، ولا يبعد أن يُراد به زكاة الماليّة إن بقيت السبعمئة عنده سنة بصرف ما أخذه من الزكاة في نفقته، وعلى أي حال فالأفضل صرف تلك الزكاة في عياله توسعةً عليهم، وهذا معنى قوله عليه السلام : «زكاته صدقة على عياله»، ويؤكّده ما سيأتي في خبر أبي بصير. (31) قوله في رواية إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بصير : (فقال: يا أبا محمّد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل) ، الحديث.[ح3/5967] ظاهره أنّ من كانت بضاعته ثمانمئة درهم يستحقّ الزكاة إذا لم يكن ربحها زائداً على قوت سنة له ولعياله بقدر نصف مؤونة سنتهم، وهو غريب ولم يعمل بها أحد؛ لمعارضتها لأخبار كثيرة، مع ضعفها من وجوه شتّى: اشتراك عبد العزيز بين الثقة والضعيف والمجاهيل، وجهالة ابنه إسماعيل، وضعف بكر بن صالح، فإنّ الظاهر أنّه بكر بن صالح الرازي كما يظهر من الفهرست حيث قال الشيخ فيه: «بكر بن صالح الرازي روى عن إبراهيم بن هاشم»، (32) وضعّفه النجاشي. (33) وقال في الخلاصة: «هو ضعيف جدّاً، كثير التفرّد بالغرائب». (34) أقول: وكان هذا الحديث من جملة غرائبه، ولابدّ من حمل القوت فيه على ما يسدّ الرمق، وقد نقل ذلك المعنى عن أهل اللغة، فقد قال طاب ثراه: «القوت ما كفا الجهد». (35) وقال المارزي: قال أهل اللغة: هو ما يسدّ الرمق (36) وقريب منه ما ذكر في الصحاح قال: «قات أهله يقوتهم قوته وقياتة، والاسم القوت: وهو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام». (37) وظاهر أنّ ذلك غير معتبر في استحقاق الزكاة، وإنّما المعتبر عدم كفاية ما عنده من مؤونة أمثاله، أو يقال: إنّ اشتراط الزيادة عن القوت لأجل الكسورة؛ ففي شرح الفقيه: «يمكن أن يكون نصف القوت لأجل الكسورة أو لغير القوت من الضروريّات التي يكون غالباً في بلادنا ضعف القوت، وفي بلاد العرب تكون أخفّ». (38) قوله في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج: (إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ محتاج إليه) . [ح 5/5969] لا يشترط ذلك في جواز أخذ الزكاة في صورة إنفاق غير الأب عليه من المنفقين المذكورين، بل يجوز له أخذها وإن كانوا يوسّعون عليه؛ لعدم وجوب نفقته عليهم. وهو المشهور بين العامّة أيضاً، وحكي عن أحمد في إحدى الروايتين عنه عدم جواز أخذ الزكاة عليه؛ محتجّاً بأنّه يستغني عن تحمّل المؤونة لو أخذها، فيعود النفع على المنفق. (39) وضعفه ظاهر. وأمّا الأب فإن كان ينفق عليه في كلّ ما يحتاج إليه فلا يجوز له أخذ الزكاة، وإلّا فيجوز للتوسّع؛ لوجوب نفقة الإبن عليه، وفي حكم_[_ه] عكسه؛ لوجوب إنفاق الوالد على الولد أيضاً، ولا يبعد القول بجواز أخذ الزكاة فيه أيضاً مطلقاً؛ لأنّ وجوب نفقة الأقارب ليس كوجوب نفقة الزوجة وأضرابها، فإنّ وجوب نفقة الأقارب ليس إلاّ لدفع الضرر عن المنفق عليه لا في نفسه بخلاف نفقة الزوجة، ولذلك تسقط لو أنفقوا بالاستقراض ونحوها، بخلاف نفقة الزوجة، فينبغي أن يكون كالمنفق عليه تبرّعاً، بل لا يبعد القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق أيضاً وإن كان المنفق يدفع بذلك الإعطاء وجوب النفقة عن نفسه؛ إذ لا دليل على عدم جواز ذلك الدفع، ولا دليل أيضاً على عدم جوازه إذا عاد النفع إليه، كما لو دفع الزكاة إلى مديونه ويدفعها إليه من دينه. وفي المنتهى: الولد إذا كان مكتفياً بنفقة أبيه أو الأب المكتفي بنفقة الولد، هل يجوز له أخذ الزكاة؟ أمّا منه فلا إجماعاً؛ لأنّه يدفع بذلك وجوب الإنفاق عليه، وأمّا من غيره فالأقرب عندي الجواز؛ لأنّه فقير، ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبدالرحمن بن الحجّاج، (40) _ وذكر الخبر بعينه ثمّ قال: _ وفيه إشكال، وإلّا فيجوز؛ للتوسّع. (41) قوله في صحيحة معاوية بن وهب: (أيكبّ فيأكلها كلّها ولا يأخذ الزكاة) . [ح6/5970] يُكبّ من باب الإفعال، قال ابن الأثير: «يُقال: أكب الرجل يُكبّ على عمله، إذا لزمه». (42) والضمير المجرور للدراهم، يعني أيلازم دراهمه وينفقها ولا يأخذ الزكاة، أو يجعلها بضاعة ويأخذ الزكاة وينفق منها ولا ينفق بضاعته؟ قوله في موثّق إسحاق بن عمّار: (وإنّما يستبضعها) . [ح8/5972] البضاعة: طائفة من مالك تبعثها للتجارة، تقول أبضعت الشيء واستبعضته، أي جعلته بضاعة. (43)

.


1- . مختلف الشيعة ، ج3 ، ص 221.
2- . قاله المفيد في المعقنة، ص 241، و الطوسي في المبسوط، ج1، ص 247.
3- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج3 ، ص 79).
4- . المهذّب ، ج1 ، ص 170.
5- . لم أعثر عليه في غير مختلف الشيعة.
6- . السرائر ، ج1 ، ص 461 _ 462.
7- . الخلاف ، ج4 ، ص 230 _ 231.
8- . المبسوط ، ج1 ، ص 247.
9- . الاُم للشافعي ، ج2 ، ص 91؛مختصر المزني ، ص 156؛ المجموع للنووي ، ج6 ، ص 190.
10- . المعتبر ، ج2 ، ص 566 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج2 ، ص 523 .
11- . المغني لابن قدامة ، ج2 ، ص 523 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 693 .
12- . تذكرة الفقهاء ،ج5 ، ص 275 ، المسألة 188، و لفظه: «لا نعلم فيه خلافا».
13- . الخلاف ، ج4 ، ص 230 ، و لم أعثر على قائله.
14- . المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 256.
15- . المختصر النافع ، ص 58 .
16- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 518.
17- . منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج1 ، ص 240 ، الدرس 64 .
18- . شرح اللمعة ، ج2 ، ص 45.
19- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 43.
20- . شرح اللمعة ، ج2 ، ص 45.
21- . السرائر ، ج1 ، ص 462 مع مغايرة في اللفظ.
22- . الخلاف ، ج4 ، ص 238 ، المسألة 24.
23- . المبسوط للطوسي ، ج1 ، ص 257.
24- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
25- . المجموع للنووي ، ج6 ، ص 197؛ بداية المجتهد ، ج1 ، ص 220.
26- . عمدة القاري ، ج9 ، ص 189؛ فتح الباري ، ج4 ، ص 260؛ تفسير الآلوسي ، ج 10 ، ص 120؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 523 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 692 .
27- . المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 2 ، ص 524 .
28- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 517 .
29- . اُنظر: شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 120 _ 121؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 222.
30- . مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 222.
31- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
32- . الفهرست ، ص 87 ، الرقم 127.
33- . رجال النجاشي ، ص 109 ، الرقم 276.
34- . خلاصة الأقول ، ص 327.
35- . كما قلنا في المقدّمة قائل هذا القول و أمثاله والده قدس سره؛ و لم أعثر عليه.
36- . اُنظر: ترتيب كتاب العين ، ج3 ، ص 1538 (قوت).
37- . صحاح اللغة ، ج1 ، ص 261 (قوت).
38- . لم أعثر عليه.
39- . حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج1 ، ص 524 ؛ و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان ، ج4 ، ص 173؛ وابن قدامة في المغني ، ج2 ، ص 514 ؛ و عبدالرحمن بن قدامة في الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 713.
40- . هو الحديث الخامس من هذا الباب.
41- . منتهى المطلب، ج 1، ص 519 .
42- . النهاية ، ج 4 ، ص 138 (كبب).
43- . صحاح اللغة ، ج3 ، ص 1186 (بضع).

ص: 487

. .

ص: 488

. .

ص: 489

. .

ص: 490

. .

ص: 491

. .

ص: 492

باب من تحلّ له الزكاة فيمتنع من أخذها

باب الحصاد والجذاذ

باب من تحلّ له الزكاة فيمتنع من أخذهاالمستحقّ للزكاة إن كان مضطرّاً إلى أخذه بحيث لم يكن له وجه آخر لنفقته ونفقة عياله وجب عليه أخذها ويحرم تركه، كما هو ظاهر خبري عبداللّه بن هلال (1) والحسين بن عليّ، (2) وقد صرّح به بعض الأصحاب، وإلّا فترك أخذه مكروه، كما يشعر به قوله عليه السلام : «ولا ينبغي له أن يستحقّ ممّا فرض اللّه عزّ وجلّ» في حسنة محمّد بن مسلم. (3) واعلم أنّه قد احتمل بعض أن يكون المراد من الوجوب في قوله عليه السلام : «وقد وجبت» في الخبرين الاستحقاق، وعلى هذا فتشبيه تارك أخذها بمانعها للمبالغة في الكراهة.

باب الحصاد والجذاذالحصاد: قطع الزرع والجداد بالجيم [والدال] (4) المهملتين: قطع ثمر النخل والكرم، ففي القاموس: «حصد الزرع والنبات يحصُده ويحصِده حصداً وحصاداً: قطعه بالمِنجل». (5) وفيه: «و صرام النخل كالجداد»، (6) وقد قرئ بالذالين المعجمتين. واختلف الأصحاب في وجوب حقّهما، فقد ذهب الشيخ في الخلاف إليه حيث قال: يجب في المال حقّ سوى الزكاة، وهو ما يجب مفروضاً، وهو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث، (7) والحفنة بعد الحفنة، (8) يوم الجداد. وبه قال الشافعي والنخعي ومجاهد. (9) واحتجّ عليه بقوله تعالى: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» ، (10) وبإجماع الفرقة وأخبارهم. (11) واُجيب بأنّ الأمر في الآية والأخبار للندب؛ لظهور أكثر الأخبار فيه، وبمنع الإجماع. (12) وربما يُجاب عن الاحتجاج بالآية بحمل الحقّ فيها على الزكاة المفروضة كما ذكره بعض المفسّرين. (13) ويدفعه ما رواه السيّد المرتضى في الانتصار عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» قال: «ليس ذلك الزكاة، ألا ترى أنّه قال: «وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» ». وقال السيّد: وهذه نكتة منه عليه السلام مليحة؛ لأنّ النهي عن السرف لا يكون إلّا فيما ليس بمقدّر، والزكاة مقدّرة. (14) وأمّا الإجماع فهو ممنوع لشهرة خلافه، ولذلك ذهب أكثر الأصحاب إلى الندب، وهو منسوب في الخلاف إلى جميع علماء العامّة. (15) قوله: في حسنة حرير: (ومن الجداد الحفنة بعد الحفنة) إلى آخره. [ح2/5985] الحفنة بالحاء المهملة: مل ء الكفّ. (16) ومعافارة: ضرب من التمر في غاية الرداءة (17) واُمّ جعرور: نوع من الدقل يحمل رطباً صغاراً لا خيرَ فيه، وهو أردأ التمر، (18) والغرض من تركهما أكل الفقراء والمارّة، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالترك عدم الحساب على المالك وعدم أخذ زكاتهما، وهو بعيد. والخرص: حزر ما على النخل تمراً. (19) والعذق بالفتح: النخلة، وبالكسر: الكباسة، (20) وهي من التمر بمنزلة العنقود من العنب. (21)

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
2- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
3- . هو الحديث الرابع من هذا الباب.
4- . اُضيفت لاقتضاء السياق.
5- . القاموس المحيط ، ج1 ، ص 288 (حصد).
6- . القاموس المحيط ، ج1 ، ص 281 (جدد).
7- . الضغث: قبضة حشيش مختلطة الرطب و اليابس. مختار الصحاح ، ص 202 (ضغث).
8- . الخفنة: مل ء الكفّين من الطعام. مجمع البحرين ، ج1 ، ص 542 (خفن).
9- . عمدة القاري ، ج 8 ، ص 237 _ 238 ؛ المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 593 _ 594 ؛ المحلّى ، ج 6 ، ص 158 . و في الجميع: «الشعبي» بدل «الشافعي» ، و المنقول عن الشافعي فإنّه قائل بعدم الوجوب على ما في المجموع.
10- . الأنعام (6): 141.
11- . الخلاف ، ج 2 ، ص 5 .
12- . مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 12.
13- . المصدر المتقدّم. وانظر: مجمع البيان ، ج4 ، ص 177.
14- . الانتصار ، ص 208.
15- . الخلاف ، ج2 ، ص 5 .
16- . صحاح اللغة ، ج5 ، ص 2102 (حفن).
17- . مجمع البحرين ، ج3 ، ص 207 (عفر).
18- . النهاية ، ج1 ، ص 276 (جعر).
19- . صحاح اللغة ، ج3 ، ص 1035 (خرص).
20- . صحاح اللغة ، ج4 ، ص 1522 (عذق).
21- . مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 13 (كبس).

ص: 493

. .

ص: 494

باب صدقة أهل الجزية

باب صدقة أهل الجزيةأراد قدس سره بصدقة أهل الجزية الجزية، وهي الوظيفة التي تؤخذ من أهل الكتاب في كلّ عام لبقائهم على ذمّتهم. والأصل فيه قوله تعالى: «حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» ، (1) وإجماع أهل العلم والأخبار المتظافرة التي جاوزت حدّ التواتر، ذكر نبذاً منها المصنّف قدس سرهوفيها غنى عن غيرها. وفي حكمهم المجوس بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك؛ لأنّه كان لهم كتاب فأحرقوه، (2) والأخبار من الطريقين شاهدة عليه، فمن طريق الأصحاب مرسلة أبي يحيى الواسطي، (3) وروى الصدوق في باب الخراج والجزية عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب». وقال: «كان لهم نبيّ[اسمه داماست فقتلوه] وكتاب يُقال: له جاماست كان يقع في اثني عشر ألف جلد ثور، فحرقوه». (4) وفي باب المسلم يقتل الذمّي عن سماعة بن مهران، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «بعث النبيّ صلى الله عليه و آله خالد بن الوليد إلى البحرين، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس، فكتب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي أصبت دماء قوم من اليهود و النصارى فوديتهم ثمانمئة وثمانمئة، وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليَّ فيهم عهداً. قال: فكتب إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ ديتهم مثل دية اليهود والنصارى، وقال: إنّهم أهل كتاب». (5) وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف، ودية المجوسي ثمانمئة درهم». وقال: «أما أنّ للمجوس كتاب يُقال له: جاماست». (6) وقال: «وقد روي أنّ دية اليهودي والنصراني والمجوسي أربعة آلاف درهم؛ أربعة آلاف درهم لأنّهم أهل الكتاب». (7) وروى الجمهور عن عبد الرحمن بن عوف، قال: أشهد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «سنّوا بالمجوس سنّة أهل الكتاب». (8) وعن الشافعي بإسناده: أنّ فروة بن نوفل الأشجعي قال: علامَ تأخذون الجزية من المجوس وليسوا أهل كتاب؟ فقام إليه المستورد فأخذ بتلبيبه، فقال: عدوّ اللّه أتطعن على أبي بكر وعمر وعلى أمير المؤمنين وقد أخذوا منهم؟! فذهب به إلى القصر فخرج عليّ عليه السلام فجلسوا في ظهر القصر فقال: «أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علمٌ يعلمونه وكتابٌ يدرسونه وأنّ ملكهم سكر فوقع على ابنته واُخته، فاطّلع عليه بعض أهل مملكته، فلمّا أضحى جاؤوا يقيمون عليه الحدّ، فامتنع ودعا أهل مملكته وقال: أتعلمون ديناً خيراً من دين أبيكم آدم وقد ذكر أنّه نكح بنيه بناته وأنا على دين آدم، قال: فتابعه قوم وقاتلوا الذين يخالفونه حتّى قتلوهم، فأصبحوا وقد اُسري بكتابهم ورفع من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبو بكر _ وأراه قال _ : وعمر منهم الجزية». (9) وليست الجزية إلّا على الحرّ البالغ العاقل الصحيح غير المزمن، ولا يجوز أخذها عن المرأة والمملوك والصبيّ والمجنون والمقعد والأعمى والشيخ الهرم. واستدلّوا على ذلك بخبر طلحة بن زيد، (10) وبما رواه الصدوق رضى الله عنهعن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن النساء كيف سقطت الجزية ورفعت عنهنّ؟ فقال: «لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلّا أن يقاتلن، فإن قاتلت أيضاً فامسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللاً، فلمّا نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قتلهنّ في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى، ولو امتنعت أن تؤدّي الجزية لم يمكن قتلها، فلمّا لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها، ولو منع الرجال فأبوا أن يؤدّوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلّت دماءهم وقتلهم؛ لأنّ قتل الرجال مباح في دار الشرك والذمّة، وكذلك المقعد من أهل الشرك والذمّة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب، من أجل ذلك رفعت عنهم الجزية». (11) ولا خلاف في ذلك بين الأصحاب إلّا في المملوك، فقد قال قوم بوجوبها عليه محتجّاً بما رواه أبو الورد، (12) عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: سألته عن مملوك نصراني لرجلٍ مسلم، عليه جزية؟ قال: «نعم»، قلت: فيؤدّي عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال: «نعم، إنّما هو ماله يفتديه إذا أخذ يؤدّي عنه». (13) وروى الجمهور عن عليٍّ عليه السلام قال: «لا تشتروا رقيق أهل الذمّة ولا ممّا في أيديهم؛ لأنّهم أهل خراج ويتبع بعضهم بعضاً، ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ أنقذه اللّه منه». (14) وفي كتاب النبيّ صلى الله عليه و آله لمعاذ وعمرو بن حزام: «خذا الجزية من العبد». (15) والمشهور عدمه، وهو قول العامّة كافّة. واحتجّ الشيخ (16) على ذلك بما ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «لا جزية على العبد». (17) وربّما استدلّ عليه بأنّ العبد مال فلا تؤخذ عنه كما لا تؤخذ عن الحيوانات. واعلم أنّ الجزية غير مقدّرة شرعاً بل تعيينها برأي الإمام عليه السلام ذهب إليه أكثر الأصحاب، منهم المصنّف والشيخان (18) وابن إدريس (19) لحسنة زرارة، (20) ورواها الصدوق رضى الله عنهفي الصحيح. (21) ويؤيّدها اختلاف مقاديرها التي أخذها الخلفاء على ما روته العامّة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر معاذاً أن يأخذ من كلّ حالم ديناراً، (22) وأنّه صلى الله عليه و آله صالح أهل نجران على ألفي حلّة النصف في صفر والنصف في رجب. (23) وأنّ عليّاً عليه السلام وضع على الغنيّ ثمانية وأربعين درهماً، وعلى المتوسّط أربعة وعشرين، وعلى الفقير اثني عشر (24) وكذلك فعل عمر بن الخطّاب. (25) وصالح عمر بني تغلب على مثَلى (26) ما على المسلمين من الصدقة، (27) وبه قال الثوري، (28) وهو إحدى الروايات عن أحمد. وقدّرها بعض الأصحاب وأحمد في روايةٍ ثانية بما قدّره عليه السلام على الغنيّ والفقير والمتوسّط. (29) وقد ورد من طرق الأصحاب أيضاً: روى الصدوق والشيخ عن مصعب بن يزيد الأنصاري، قال: استعملني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام على أربعة رساتيق (30) : المدائن البهقباذات، وبَهْرَ (31) سِير، ونهر جَوْبَر، ونهر الملك، 32 وأمرني أن أضع على كلّ جريب زرع غليظ درهماً ونصفاً، و على كلّ جريب وسط زرع درهماً، وعلى كلّ جريب زرع رقيق ثلثي درهم، وعلى كلّ جريب كرم عشرة دراهم، وعلى كلّ جريب نخل عشرة دراهم وعلى كلّ جريب البساتين التي تجمع النخل والشجر عشرة دراهم، وأمرني أن ألقي كلّ نخل شاذّ عن القرى لمارّة الطريق وأبناء السبيل، ولا آخذ منه شيئاً، وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختّمون بالذهب على كلّ رجلٍ منهم ثمانية وأربعين درهماً، وعلى أوساطهم الجزية منهم، على كلّ رجل أربعة وعشرين درهماً، وعلى سفلتهم وفقرائهم على كلّ إنسان منهم اثني عشر درهماً، قال: فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة. (32) وذهب ابن الجنيد إلى أنّها مقدّرة في جانب القلّة، وأنّه لا يؤخذ من رأس أقلّ من دينار، وأمّا في ظرف الكثرة فموكولة إلى نظر الإمام (33) محتجّاً بأنّه لو جاز أقلّ من درهم لأمر النبيّ صلى الله عليه و آله معاذاً به، وبأنّ عليّاً عليه السلام زاد على ما قرّره رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، (34) وضعفه ظاهر. ونقل ذلك عن أحمد في رواية ثالثة. (35) ولبعض العامّة أقوال اُخر أيضاً لا طائل تحتها. ثمّ المشهور بين الأصحاب وجوب وضع الجزية على رؤوسهم أو على أراضيهم وعدم جواز الجمع بينهما؛ للحسنة المذكورة، (36) ولرواية محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن أهل الذمّة ماذا عليهم فيما يحقنون به دماءهم وأموالهم؟ قال: الخراج، فإن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم وإن أخذ من أراضيهم، فلا سبيل على رؤوسهم. (37) وقال أبو الصلاح بجواز الجمع بينهما، (38) وقوّاه في المنتهى (39) بناءً على ما تقدّم من عدم التقدير الشرعي فيها في الزيادة والنقصان وبنائها على مصلحة الإمام. وأجاب عن الخبرين بأنّا نحملهما على ما إذا صالحهم على قدر فإن شاء أخذه من رؤوسهم ولا شيء له حينئذٍ على أراضيهم، وإن شاء أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رؤوسهم، وليس فيهما دلالة على المنع من المصالحة على أن يأخذ من رؤوسهم وأراضيهم ابتداءً. قوله في حسنة زرارة: (فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: إنّما هذا شيءٌ كان صالحهم عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ). [ح1/5990] لمّا كان كلامه صلوات اللّه عليه دالّاً على عدم الجمع بين الرؤوس والأرضين، ورأى زرارة أنّ الخلفاء يأخذون الخمس من نماء أراضيهم مع جزية رؤوسهم سأل عن علّته، وأجاب عليه السلام : بأنّ هذا الخمس كان في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد وضعه على أراضيهم للجزية غير واضع على رؤوسهم بناءً على مصلحة الوقت، فتوهّم الخلفاء أنّه كان حقّاً غير الجزية، فوضعوها على رؤوسهم وأخذوا الخمس أيضاً. قوله في خبر طلحة بن زيد: (لا يؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله) . [ح3/5992] كأنّه عليه السلام أراد بالمعتوه ناقص العقل، ومن المغلوب على عقله المجنون أو بالعكس، وهو أنسب بقول ابن الأثير في النهاية: «المعتوه: هو المجنون المصاب بعقله». (40) بل بالسياق أيضاً. قوله في مرسلة أبي يحيى الواسطي: (ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر) إلى آخره. [ح4/5993] قال ابن الأثير: «هجر: اسم بلد معروف بالبحرين، وهو مذكّر مصروف، فأمّا هجر التي يُنسب إليها القلال الهجرية فهي قرية من قرى المدينة». (41) وفسّره جدّي قدس سره في شرح الفقيه بالإحساء والقطيف والبحرين جميعاً، وقال قدس سره في شرح قوله عليه السلام : «أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور»: الظاهر أنّه لم يكن يومئذٍ قرطاس، وكانوا يكتبون على الجلود والألواح، وكذلك كان في ابتداء الإسلام، والمشهور أنّ القرطاس حصل من تعليم أمير المؤمنين عليه السلام وأمره عجيب لمَن شاهد عمله. (42)

.


1- . التوبة(9): 29.
2- . اُنظر: المبسوط ، ج2 ، ص 37؛ مختلف الشيعة ، ج4 ، ص 429؛ تذكرة الفقهاء ، ج 9 ، ص 279.
3- . هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 113 ، ح 332 ، و ج 6 ، ص 158 ، ح 285؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 126 ، ح 20131.
4- . الفقيه ، ج2 ، ص 53 _ 54 ، ح 1678؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 127 ، ح20135.
5- . الفقيه ،ج4 ، ص 121 ، ح 5250 ، و رواه الشيخ في الاستبصار ، ج4 ، ص 268 ، ح 1013؛ وتهذيب الأحكام ، ج 10 ، ص 168 ، ح 731 ؛ وسائل الشيعة ، ج 29 ، ص 218_219 ، ح35491.
6- . الفقيه ، ج4 ، ص 122 ، ح 5252 ؛ ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج4 ، ص 269 ،ح 1019؛ وتهذيب الأحكام ، ج 10 ، ص 187 ، ح 37 ؛ وسائل الشيعة ، ج 29 ، ص 222 ، ح 35500.
7- . الفقيه ، ج4 ، ص 122 ، ح 5253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 29 ، ص 220 ، ح35496.
8- . مسند الشافعي ، ص 209؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج7 ، ص 173؛ و ج9 ، ص 189 _ 190؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج6 ، ص 69 ، ح 10025؛ و ج 10 ، ص 325 ، ح 19253.
9- . مسند الشافعي ، ص 70؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج4 ، ص 183؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج9 ، ص 189 _ 190؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 7 ، ص 115 _ 116 ، ح 5515 ؛ كنز العمّال ، ج4 ، ص 499 _ 500 ، ح 11484.
10- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
11- . الفقيه ، ج2 ، ص 52 _ 53 ، ح 1675. و رواه الكليني في كتاب الجهاد ، باب وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله و اميرالمؤمنين عليه السلام في السرايا ، ح6 ؛ و الشيخ فى تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 156 ، ح 277 ؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 65 ، ح 19993.
12- . في الأصل: «أبو الدرداء» و التصويب من المصدر.
13- . الفقيه ، ج2 ، ص 54 ،ح 1679؛ ج3 ، ص 155 ، ح 3565؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 128 ، ح 20136.
14- . منتهى المطلب ، ج1 ، ص 965. و المذكور في مصادر العامّة «عن عمر» بدل «عن عليّ». و الحديث في السنن الكبرى للبيهقي ، ج9 ، ص 140؛ وشرح نهج البلاغة ، ج 12 ، ص 149 ، شرح الكلام 223.
15- . رواه ابن الجنيد على ما في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 438.
16- . المبسوط للطوسي ، ج2 ، ص 40.
17- . المجموع للنووي ، ج 19 ، ص 405؛ المغني لابن قدامة ، ج 10 ، ص 586 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 10 ، ص 586 .
18- . المفيد في المقنعة ، ص 272؛ و الطوسي في الخلاف ، ج 5 ، ص 545 ، المسألة 9؛ و المبسوط ، ج2 ، ص 38؛ والنهاية ، ص 193.
19- . السرائر ، ج1 ، ص473.
20- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
21- . الفقيه ، ج2 ، ص 50 ، ح 1670؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 149 _ 150 ، ح20187.
22- . مسند الطيالسي ، ص 77؛ مسند أحمد ، ج5 ، ص 230 و 233 ، و 427؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1576؛ وج 2 ، ص 42 ، ح 3038؛ المصنّف لابن أبي شبيه ، ج7 ، ص 581 ، باب ما قالوا في وضع الجزية و القتال عليها ، ح 5 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 7 ، ص 126؛ سنن الترمذي ، ج2 ، ص 68 ، ح 619 ؛ سنن النسائي ، ج5 ، ص 25 _ 26؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 11 ، ح 2230؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج4 ، ص 98؛ وج 9 ، ص 187 و 193.
23- . سنن أبى داود ، ج2 ، ص 42 _ 43 ، ح 3041؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج9 ، ص 195.
24- . الفقيه ، ج2 ، ص 49 ، ح 1667. و انظر سائر تخريجاته ذيل حديث مصعب بن يزيد بعد سطور.
25- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج9 ، ص 196؛ المصنّف لابن أبي شبية ، ج3 ، ص 106 ، الباب 127 من كتاب الزكاة ، ح 3؛ وج 7 ، ص 583 ، كتاب الجهاد ، الباب 17 ، ح13.
26- . في الأصل: «مثل»، و المثبت من المصادر.
27- . تذكرة الفقهاء ، ج9 ، ص 302؛ منتهى المطلب ، ج1 ، ص 965؛ المجموع للنووي ، ج 19 ، ص 393؛ المغني لابن قدامة ، ج 10 ، ص 595 ؛ الشرح الكبير ، ج 10 ، ص 595 .
28- . الخلاف ، ج5 ، ص 545 ؛ المجموع للنووي ، ج 19 ، ص 394؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 10 ، ص 575 ؛ الشرح الكبير ، ج 10 ، ص 601 .
29- . المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 10 ، ص 575 ؛ الشرح الكبير ، ج 10 ، ص 601 .
30- . رساتيق: جمع رستاق معرّب روستا.
31- . البهقبا ذات، هي ثلاثة: الأعلى والأوسط والأسفل . والأعلى يشمل بابل والفلوجتان العليا والسفلى وبهمن اردشير وأبزقباذ وعين التمر ، والأوسط يشمل نهر البدأة وسورا وباروسما ونهر الملك ، والأسفل يشمل خمسة طساسيج كانت على الفرات الأسفل حيث يدخل البطائح.
32- . الفقيه ، ج 2 ، ص 49 _ 50 ، ح 667 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 119_120 ، ح 343 ؛ الاستبصار ، ج2 ، ص 53 _ 54، ح 178 ؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 151_152 ، ح 20188.
33- . حكاه عنه العلّامة في: تذكرة الفقهاء ، ج9 ، ص 303؛ و المنتهى ، ج2 ، ص 966؛ و مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 435.
34- . تقدّم تخريجهما.
35- . تذكرة الفقهاء ، ج9 ، ص 303؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 10 ، ص 576 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 10 ، ص 602 .
36- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
37- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 118 ، ح 338؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 53 ، ح 177؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 150 ، ح 20186.
38- . الكافي في الفقه ، ص 249.
39- . منتهى المطلب ، ج2 ، ص 966.
40- . النهاية ، ج3 ، ص 181 (عته) ، و كان في الأصل: «المجهول» بدل «المجنون»، فصوّبناه حسب المصدر.
41- . النهاية، ج 5، ص 246 _ 247 (هجر).
42- . روضة المتقين ، ج3 ، ص 156 _ 157 ، باب الخراج و الجزية.

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

. .

ص: 498

. .

ص: 499

. .

ص: 500

. .

ص: 501

باب نادر

باب نادريذكر فيه بعض الحقوق التي في الأموال غير ما ذُكر سابقاً كجواز أكل المارّة من الزروع [و] النخل والثمار من غير إذن صاحبها، وهو المشهور بين الأصحاب، بل قال ابن إدريس: «أجمعوا عليه؛ لأنّ الأخبار متواترة والإجماع منعقد منهم، ولا يعتدّ بخبر شاذّ أو خلاف مَن لا يعرف اسمه ونسبه؛ لأنّ الحقّ مع غيره». (1) انتهى. لكن قيّدوها بشرائط، منها: عدم العلم بكراهة صاحبها. ومنها: أن لا يكون لها حيطان، ويرجع هذا إلى الأوّل. ومنها: أن لا يروح إليها بقصد الأكل بل اتّفق مروره إليها. ومنها: أن يأكل هناك ولا يحمل شيئاً منها. ومنها: أن لا يفسد. ويستفاد بعض هذه الشرائط من الأخبار المذكورة في الباب، ومثلهما ما رواه الشيخ عن محمّد بن مروان، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أمرّ بالثمرة فآكل منها؟ قال: «كُلْ ولا تحمل»، قلت: فإنّهم اشتروها؟ قال: «كُلْ ولا تحمل»، قلت: جُعلت فداك، إنّ التجّار قد اشتروها ونقدوا أموالهم؟ قال: «اشتروا ما ليس لهم». (2) وعن يونس مرسلاً عنه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمرّ بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط[عليه]، هل يجوز له أن يأكل[من] ثمره وليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة، وله ما يُغنيه عن الأكل من ثمره؟ وهل له أن يأكل منه من جوع؟ قال: «لا بأس أن يأكله ولا يحمله ولا يفسد[ه]». (3) نعم، ما ذكروه أحوط، بل ربّما ينفي أصل الحكم. ومنع العلّامة في المختلف عنه إلّا إذا علم بشاهد الحال إباحة المالك لذلك؛ بناءً على ثبوت حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه. (4) ولما رواه الشيخ عن مروك بن عبيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: قلت له: الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة؟ قال: «لا»، قلت: أيّ شيء السنبلة؟ قال: «لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقى منه شيء». (5) وفي الصحيح عن الحسن بن عليّ بن يقطين،[عن أخيه الحسين، عن علي بن يقطين] قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحلّ له أن يتناول منه شيئاً ويأكل بغير إذن صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيّم وليس له؟ وكم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً». (6) ولا يبعد الجمع بالكراهة كما يفهم ظاهراً ممّا رواه الشيخ في الصحيح عن محرز بن عليّ الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سألته عن البستان يكون عليه المملوك أو أجير ليس له من البستان شيء، فيتناول الرجل من بستانه؟، فقال: «إن كان بهذه المنزلة لا يملك من البستان شيئاً فما أحبّ أن يأخذ منه شيئاً». (7) ويستحبّ لمالك البستان أن ينقض الحيطان للمارّة تأسّياً بالنبيّ والإمام عليهماالسلام.

.


1- . السرائر ، ج 2 ، ص 226.
2- . تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 383 ، ح 1134؛ وج7 ، ص 89 ، ح 380؛ وص 93 ، ح 394؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 90 ، ح 305؛ وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 227 ، ح 23555.
3- . تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 383_384، ح 1135؛ وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 227 ، ح23556.
4- . مختلف الشيعة ، ج 5 ، ص 26.
5- . تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 385 ، ح 1140؛ وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 227_228 ، ح23557.
6- . تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 92 ، ح 392؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 90 ، ح 307؛ وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 228 ، ح 23558 ، و مابين الحاصرتين منها.
7- . تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 380 ، ح 1117؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 271 ، ح 22498.

ص: 502

. .

ص: 503

باب فضل الصدقة

باب فضل الصدقةالصدقة: إعطاء الشيء لوجه اللّه تعالى، ولها ثوابٌ جميلٌ في الآخرة وأجرٌ جزيل في الدُّنيا، والأفضل تقديم الأقارب على الجيران، ثمّ الجيران على الأباعد. قوله في خبر عبد الرحمن بن يزيد: (قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمنين فإنّ صدقته تظلّه) . [ح6/6005] قال طاب ثراه: لعلّ المراد بالنار شدّة حرارة الشمس عند دنوّها. ويؤيّده قوله: «فإنّ صدقته تظلّه»، والظاهر أنّ المراد بإظلالها معناه المعروف. ومثله وقع من طرق العامّة. (1) وقال ابن دينار: يعني بالظلّ الكرامة والكنف[الكفّ] من المكاره (2) كما يُقال هو في ظلّ فلان، أي في كنفه وحمايته. (3) قوله في خبر أبي جميلة: (ولو بشقّ تمرة) . [ح11/6010] قال طاب ثراه: الشِّق بالكسر: النصف، (4) وفيه الحضّ على الصدقة وإن قلَّت، ويحتمل أن يكون حقيقة فإنّ قليل الخير للّه كثير.

.


1- . اُنظر: مسند ابن المبارك، ص 194 _ 195، ح 341؛ مسند أبي يعلى، ج 3، ص 300_ 301، ح 1766؛ صحيح ابن حبّان، ج 8 ، ص 104؛ المعجم الكبير، ج 17، ص 280.
2- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج7 ، ص 121؛ الديباج على مسلم ، ج 3 ، ص 108؛ شرح سنن النسائي للسيوطي ، ج 8 ، ص222.
3- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1756 (ظلل).
4- . اُنظر: مجمع البيان ، ج6 ، ص 149، تفسير سورة النحل؛ زاد المسير ، ج 4، ص 315، تفسيرالآية 5 _ 7 من سورة النحل.

ص: 504

باب أنّ الصدقة تدفع البلاء

باب فضل صدقة السرّ

باب أنّ الصدقة تدفع البلاءالأخبار فيه متكاثرة وتشهد له التجربة والعيان. قوله في خبر سالم بن مكرم: (قال مرّ يهودي بالنبيّ صلى الله عليه و آله ) إلى آخره. [ح3/6013] قال طاب ثراه: فإن قيل: يلزم من ذلك كذب النبيّ صلى الله عليه و آله . قلت: كلّا، فإنّ قوله صلى الله عليه و آله : «إنّ هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله» من كلامه تعالى أوحاه إليه وأمره بالتبليغ؛ لقوله تعالى: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» ، (1) وهذا الكلام في علم اللّه تعالى مقيّد بشرطٍ، هو عدم التصدّق، فهو صادق كصدق سائر الشرطيّات، والمبلِّغ أيضاً صادق؛ لأنّه مأمور من قبله تعالى بالتبليغ، وإنّما يكون كاذباً لو لم يُؤمر بالتبليغ من قبله تعالى، فيبلّغه من قبله. نعم، فيه دلالة على أنّه صلى الله عليه و آله لم يكن عالماً ببعض أسرار القضاء والقدر. (2) قوله في مرسلة عليّ بن أسباط: (قلت: ويل الآخر) . [ح9/6019] قال طاب ثراه: «ويل الآخر بمعنى ويلك، أعدل عن الخطاب إلى لفظ الآخر؛ رعايةً للمخاطب، وهو من قاعدة العرب في ويلك». (3)

باب فضل صدقة السرّقال [والدي] طاب ثراه: دلّ أخبار الباب على أنّ الصدقة على الإطلاق _ سواء كانت مندوبة أو فريضة _ في السرّ أفضل، وبه قال بعض الأصحاب. ويؤيّدها أنّها أقرب إلى القربة وأبعد عن الرياء والسمعة وإحقار الفقير. وقيل: هذا إن لم تتّهم بترك الصدقات، وإلّا فالأفضل الجهر لدفع التهمة، وكذا إن علم أنّ للناس به اُسوة في أداء الصدقات. وقيل: هذا في المندوبة، وأمّا الفريضة فهي في الجهر أفضل. (4) وقد سبق في الباب الأوّل من أبواب الزكاة ما يدلّ على هذا التفصيل. وقال في قوله عليه السلام : «وكذلك واللّه العبادة في السرّ أفضل منها في العلانية» في خبر عمّار (5) : «دلَّ على أنّ العبادة على الإطلاق في السرّ أفضل، ولعلّ المراد بها النافلة؛ إذ الفريضة في المسجد بل الجماعة أفضل عن الرياء والسمعة».

.


1- . النجم(53): 3 _ 4.
2- . شرح اُصول الكافي للمولى صالح المازندراني ، ج 4 ، ص 246 _ 247.
3- . لم أعثر عليه . وانظر: مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 569 (ويل).
4- . شرح اُصول الكافي ، ج6 ، ص 240.
5- . الكافي ، أبواب الصدقة من كتاب الزكاة ، باب صدقة الليل ، ح 2.

ص: 505

باب فضل صدقة الليل

باب فضل صدقة الليللعلَّ السرُّ في ذلك كونها أقرب إلى القربة وأبعد عن الرياء والسمعة وقلّة بذل الفقير ماء وجهه لتستّره بظلمة الليل، فيكون ما أنعم عليه هنيئاً له، مع أنّ السائل قد لايكون من الإنس كما يستفاد من بعض الأخبار. قوله في صحيحة هشام بن سالم (1) : (إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردّوه) . [ح2/6026] قال طاب ثراه: الطرق: الإتيان بالليل، (2) فذكر الليل بعده مبنيّ على التجريد والنهي عن الردّ، إمّا لأنّ السائل قد لا يكون من الإنس كما دلّ عليه بعض الأخبار، وإمّا لأنّ السائل ربّما يكون مضطرّاً جائعاً لا يجد سبيلاً إلى غيره، وإمّا لأنّ الصدقة بالليل في نفسها زيادة فضل لا ينبغي الحرمان عنها.

.


1- . هذا الخبر مرويّ عن السكوني وليس لهشام بن سالم ، و خبر هشام هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
2- . تاج العروس ، ج 13 ، ص 289 (طرق).

ص: 506

باب في أنّ الصدقة تزيد في المال

باب الصدقة على القرابة

باب كفاية العيال والتوسّع عليهم

باب في أنّ الصدقة تزيد في المالتشهد له التجربة، وقال اللّه سبحانه: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّه َ قَرْضا حَسَنا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافا كَثِيرَةً» . (1) قال طاب ثراه: وبذلك فسّر أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا أملقتم _ يعني افتقرتم _ فتاجروا اللّه بالصدقة». (2) وقال بعض أهل التأويل: معناه: إذا صرتم قليلة الطاعات فتاجروا اللّه بالصدقات المورثة للدخول في الجنّات.

باب الصدقة على القرابةأي فضيلتها وأفضليّتها، وقد سبق أنّ الصدقة على الأقارب أفضل من الصدقة على الجيران، ثمّ الصدقة على الجيران أفضل من الصدقة على الأباعد. قوله في خبر السكوني: (أيّ الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح) . [ح2/6034] الكاشح الذي يضمر لك العداوة، (3) والسرّ في ذلك أنّ الصدقة عليه أقرب لوجه اللّه تعالى وأدخل لرفع الكشح، فإنّ الإنسان عبيد الإحسان.

باب كفاية العيال والتوسّع عليهمقال طاب ثراه: «عيال الرجل من في نفقته كالأب والأولاد والزوجات والمماليك، ومَن اُدخل في العيال»، (4) والحديث دالّ على أنّ النفقة عليهم أفضل من النفقة على غيرهم. والترتيب في الإنفاق معتبر، وهو أن ينفق على نفسه، ثمّ عياله، ثمّ على أقربائه من ذوي الأرحام، ثمّ على جيرانه، ثمّ على الأبعد فالأبعد. قوله في خبر الربيع بن يزيد: (اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى) . [ح4/6039] قال طاب ثراه: اليد العُليا: اليد المُنفقة، واليد السُّفلى: اليد الآخذة. وقال الخطّابي: المراد بالعُليا: المنفقة عن السؤال والأخذ، والمراد بالعلوّ: علوّ الفضل والمجد، وبالسفلى: السائلة الآخذة، ثمّ قال: ويحتمل تأويلاً آخر وهو: أنّ العُليا: الدافعة، والسُّفلى: المانعة. وقال الآبي: قيل العُليا: الآخذة (5) ؛ لأَنّها حين الإعطاء فوق الدافعة، وليس كلّ مسؤولة خيرٌ من السائلة، فقد سأل الخضر وموسى عليهماالسلامأهل القرية، وقد يسأل السائل للضرورة المقتضية لوجوب السؤال، ثمّ قال: هذا ليس بمسلّم؛ لأنّ الحديث دلّ على خلافه. على أنّ الفضل والأجر للعطيّة. قوله: (عن سيف بن عميرة عن أبي حمزة) . [ح10/6045] الأوّل كان واقفيّاً موثّقاً، (6) والثاني هو الثمالي ثابت بن دينار؛ لقى عليّ بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبداللّه وأبا الحسن عليهم السلام ، وروى عنهم، وهو من ثقات الفرقة المحقّة، بل روى النجاشي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه». (7) وروى الكشّي عن الفضل بن شاذان أنّه قال: سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السلام يقول: «أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان في زمانه؛ وذلك أنّه خدم أربعة منّا عليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وبرهة من عصر موسى بن جعفر عليهم السلام ». (8) والقرم محرّكة: [شدّة]شهوة اللحم. (9)

.


1- . البقرة(2): 245.
2- . نهج البلاغة ، قصار الحكم ، ح 258؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 372 ، ح 12271.
3- . الفروق اللغويّة ، ص 443 ، حرف الكاف؛ مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 44 (كشح).
4- . اُنظر: شرح اصول الكافي للمولى صالح المازندراني ، ج 9 ، ص 30.
5- . شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 125.
6- . رجال النجاشي ، ص 189؛ معالم العلماء ، ص 92 ، الرقم 377؛ خلاصة الأقوال ، ص 160 ، و لم يتعرّض لوقفه غير ابن شهر آشوب في معالم العلماء. قال السيّد الخوئي قدس سره: «إنّ سيف بن عميرة من أصحاب الصادق و الكاظم عليه السلام ، و لم يذكر أحد أنّه أدرك الرضا عليه السلام فضلاً عن التعرّض لكونه واقفيّا ، فما في المعالم من أنّه واقفي من سهو القلم ، أو من غلط النسّاخ». معجم رجال الحديث ، ج 8 ، ص 365 ، الرقم 5656 .
7- . رجال النجاشي ، ص 115 ، الرقم 296.
8- . اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 781 ، ح 919.
9- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2009 (قرم)؛ النهاية ، ج 4 ، ص 49 ، و ما بين الحاصرتين منهما و من غيرهما من كتب اللغة.

ص: 507

. .

ص: 508

باب من يلزم نفقته

باب من يلزم نفقتهأسباب النفقة ثلاثة: الأوّل : القرابة. وقد أجمع الأصحاب على وجوبها على الأبوين وإن علوا و الأولاد وإن سفلوا، بل قيل بوجوبها على الوارث مطلقاً؛ لقوله تعالى: «وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ» (1) بعد قوله: «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» . قال المحقّق الأردبيلي: المولود له هو الأب، وقوله: وعلى الوارث مثل ذلك عطف عليه كما قيل، والمراد بالوارث وارث المولود له يعني على وارث المولود له لزم مثل ما وجب عليه، يعني إن مات المولود له لزم مَن يرثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالمعروف. (2) ثمّ استشكل ذلك. وربّما فسّر الوارث بوارث الولد وإذا وجب الإنفاق على الوارث بعلّة الإرث ثبت من الطرفين ُ. ويدلّ عليه أيضاً رواية غياث بن إبراهيم. (3) الثاني : الزوجيّة. وتجب نفقة الزوجة الدائمة بشرط التمكين الكامل. ويدلّ على حكم هذين حسنة حريز (4) ورواية محمّد بن مسلم. (5) والثالث : الملكيّة . فيجب الإنفاق على العبيد والإماء والبهائم، وتأتي الأخبار الدالّة على الأوّلين في مواضعها إن شاء اللّه تعالى.

.


1- . البقرة(2): 233.
2- . زبدة البيان ، ص 559 .
3- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
4- . الحديث الأوّل من هذا الباب.
5- . الحديث الثالث من هذا الباب.

ص: 509

باب الصدقة علي من لايعرف

باب الصدقة على أهل البوادي وأهل السواد

باب الصدقة علي من لايعرفيريد بيان مرجوحيّتها، والظاهر أنّ غرضه عدم تأكّد استحبابها، وإلّا فلكلّ كبدٍ حرّى أجر، بل من وجب قتله للكفر وغيره لا ينبغي قتله جائعاً عطشاناً. ويؤيّده ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الفقيه، قال: وقال الصادق عليه السلام : «اصنع المعروف إلى كلّ أحدٍ، فإن كان أهله، وإلّا فأنت أهله». (1) قوله في خبر النوفلي: (ولا يدرى ما هو) . [ح2/6054] أي لا يدرى ما مذهبه عارف بالحقّ أو لا.

باب الصدقة على أهل البوادي وأهل السوادالمراد بهما الساكنون في القرى والبوادي البعيدة عن بلاد المسلمين بحيث لا يعرفون أحكام الشريعة، أو يكون فيهم النواصب واليهود والنصارى غير معروفين للمعطي، فإنّه يكره الصدقة عليهم، بمعنى كونها أقلّ ثواباً. قوله في خبر منهال: (وإيّاك وكلٍّ إلى آخره وقال بيده ها وهزّها) . [ح2/6056] التنوين في كلٍّ عوض عن المضاف إليه المحذوف والتقدير كلّ من في البوادي، والتحذير عن الصدقة عليهم أجمع لوجود النواصب واليهود والنصارى والمجوس فيهم، ولعدم معرفة أكثرهم بقوانين الشريعة كما يظهر من أخبار الباب، وقد مرَّ مراراً أنّ القول إذا اُسند إلى عضو غير اللسان يُراد به الفعل الصادر من ذلك العضو الدالّ على معنى كدلالة القول، وكأنّه أشار عليه السلام بيده إلى فمه وتحريكها يميناً وشمالاً لإفادة السكوت عن نقل هذا الخبر إلى غير أهله.

.


1- . الفقيه ، ج 2 ، ص 55 ، ح 1683.

ص: 510

باب كراهية ردّ السائل

باب أنّ الذي يقسّم الصدقة شريكٌ لصاحبها في الأجر

باب كراهية ردّ السائلالمراد بالكراهية بالمعنى المصطلح؛ لعدم دليل قاطع على وجوب إعطاء السائل. نعم، قال طاب ثراه: قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ المسكين رسول اللّه ، فمَن منعه فقد منع اللّه ، ومَن أعطاه فقد أعطى اللّه »، (1) يريد أنّ الفقير الذي يأتي بابك رسول من عند اللّه تعالى إليك ليحمل زادك إلى الآخرة حيث تكون أنت فيها أحوج إليه منه الآن إليك، وإذا كان كذلك فمَن منعه فقد منع اللّه ، ومَن أعطاه فقد أعطى اللّه . قوله في خبر حفص بن عمر: (لا تردّ السائل ولو بظلفٍ محترق) . [ح6/6063] النهي للتنزيه، والظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل والخفّ للبعير. (2) والمحترق منه يؤكل في الجدب والمجاعة.

باب أنّ الذي يقسّم الصدقة شريكٌ لصاحبها في الأجرلا ريب في ذلك، ولكنّ الشركة هل هي بالمساواة؟ ظاهر أخبار الباب ذلك. قال طاب ثراه: لا بُعد في ذلك؛ لأنّ أجر الأعمال من فضل اللّه تعالى، واللّه ذو فضلٍ عظيم. وقد جاء في الشرع نظيره كثيراً كقولهم عليهم السلام : «مَنْ دلَّ على خيرٍ فهو كفاعله». (3) ونظائره، فينبغي أن تخصّ قاعدة: «أفضل الأعمال أحمزها» (4) بما لم يرد فيه نصّ.

.


1- . نهج البلاغة، قصار الحكم ، ح 304؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 420 ، ح 12381.
2- . النهاية ، ج 3 ، ص 159 (ظلف).
3- . المعجم الكبير ، ج 17 ، ص 227. و ورد بلفظ: «الدالّ على الخير بفاعلة» في: الكافي ، باب فضل المعروف من أبواب الصدقة ، ح 4 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 55 ، ح 1682؛ و ج 4 ، ص 380 ، ح 5813 ؛ الخصال ، ص 134 ، باب الثلاثة ، ح 145؛ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 123 _ 124 ، ح 21145؛ و ص 173 ، ح 21272؛ و ص 286 _ 287 ، ح 21561.
4- . حكاه كثير من الأعلام بعنوان الرواية بلفظ: «قوله عليه السلام » . اُنظر: تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 171 ، المسألة 524 ؛ مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 246 و 262؛ مفتاح الفلاح ، ص 32 عن النبى صلى الله عليه و آله ؛ شرح اُصول الكافي للمولى صالح المازندراني ، ج 8 ، ص 53 ، و 64 عن النبي صلى الله عليه و آله ، و كذا في ص 267؛ رياض السالكين ، ج 3 ، ص 284؛ النهاية لابن الأثير ، ج 1 ، ص 440 (حمز) بلفظ: «في حديث ابن عبّاس: سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: أحمزها».

ص: 511

باب الإيثار

باب الإيثارالإيثار: الاختيار، (1) والمراد هنا الإنفاق على الفقراء مع حاجته، فإنّ اللّه تعالى يقول: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» ، (2) «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا» . (3) قوله في خبر سماعة: (فقال: هو أمران أفضلكم فيه) إلى آخره. [ح1/6071] قال طاب ثراه: «هو راجع إلى إعطاف الرجل أو إلى الرجل الذي يعطف، وضمير فيه راجع إلى الإعطاف، وفيه دلالة على أنّ الإيثار أفضل ممّا خلف غنيّ». وذهب بعض العامّة إلى العكس حتّى قال: لو تصدّق بكلّ المال ولم يبق ما يكفيه ردّت صدقته. (4) وفي بعض رواياتنا أيضاً دلالة على أنّ الصدقة عن ظهر غنى أفضل. (5) ويؤيّده أيضاً ظاهر الآية. ويمكن الجمع بحمل الاختلاف على اختلاف أحوال الناس. قوله: (والأمر الآخر لا يُلام على الكفاف) . [ح1/6071] قال طاب ثراه: «أي لا يُلام على عدم الإعطاء لو كان ماله كفافاً له ولعياله الواجبيّ النفقة، وإنّما يُلام لو كان فضل مال». قوله في خبر أبي بصير: (ترى هاهنا فضلاً) . [ح3/6073] في الفقيه: «هل ترى»، (6) يعني لا فضل أعظم من مدح اللّه تعالى إيّاهم.

.


1- . الفروق اللغويّة ، ص 87 ، الرقم 346.
2- . الحشر(59): 9.
3- . الإنسان(76): 8 .
4- . اُنظر: حاشية الدسوقي ، ج 2 ، ص 163؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 11 ، ص 141؛ عمدة القاري ، ج 14 ، ص 52 .
5- . الكافي ، باب فضل المعروف من أبواب الصدقة ، ح 1 ، و باب النوادر منها ، ح 2؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 56 ، ح 1688؛ ثواب الأعمال ، ص 141 ، باب ثواب الصدقة و لو برغيف؛ تحف العقول ، ص 380 في قصار كلمات الإمام الصادق عليه السلام ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 426 ، ح 12398؛ و ص 430 ، ح 12410؛ و ص 457 ، ح 12492؛ و ص 461 _ 462 ، ح 12502.
6- . الفقيه ، ج 2 ، ص 70 ، ح 1751؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 431 _ 432 ، ح 12413.

ص: 512

باب من يسأل من غير حاجة

باب كراهية المسألة

باب من يسأل من غير حاجةظاهر الأخبار حرمة ذلك السؤال، وأمّا مع الضرورة فلا ريب في الجواز، بل قد تجب، ويستفاد ذلك من بعض الأخبار. قوله في خبر مالك بن حصن: (ويثبت اللّه بها النار) . [ح3/6076] قال طاب ثراه: يعني أنّه يعاقبه بالنار إذا غرَّ من نفسه وأخذ باسم الفقير ما يحلّ له، ويحتمل أنّه مجاز استعار لما لحقه من ذلّ السؤال لغير فاقة بإحراقه بالنار، أو يجعل ما أخذه جمراً يكوى بها كما جاء في مانع الزكاة.

باب كراهية المسألةظاهره الكراهة كما هو المشهور، ولا يبعد أن يريد بالكراهة المعنى العام الشامل للحرمة أيضاً. قوله في مرسلة أحمد بن النضر: (فاستعفّوا عن السؤال ما استطعتم) إلى آخره. [ح3/6079] يُقال: عفَّ عن الحرام يعفّ عفا وعفّة، أي كفَّ. (1) وقنيت الحياء بالكسر قنياناً بالضمّ، أي لزمته (2) ؛ أي أصان حياءه ولم يسأل عن الناس ولم يبذل ماء وجهه، والمراد بالحجاب حجاب الحياء. قوله في حسنة أبي بصير: (جاءت فخذ من الأنصار) . [ح5/6081] قال الجوهري: الفخذ في العشائر: أقلّ من البطن، أوّلها الشعب، ثمّ القبيلة، ثمّ الفصيلة، ثمّ الغمارة، ثمّ البطن، ثمّ الفخذ. (3) قوله في مرسلة الحسين بن أبي العلاء: (فإنّه يتعجّل الدنيّة في الدنيا) . [ح6/6082] والمنيّة جوعاً خيرٌ منه. قال طاب ثراه: ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : «المنيّة ولا الدنيّة ولا التقلّل ولا التوسّل»، (4) يجوز نصب الأربعة ورفعها، وعلى النصب معناه: احتمل الموت ولا تحتمل ما يعيبك، وعلى الرفع معناه: المنية ملتزمة والدنية غير ملتزمة، (5) والتقلّل معناه: الزم القليل من الرزق ولا تتوسّل إلى الأغنياء للتناول [م_]مّا عندهم.

.


1- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1405 (عفف).
2- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2469 (قنا).
3- . صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 568 (فخذ).
4- . نهج البلاغة ، قصار الحكم ، ح 396.
5- . إلى هنا _ بمغايرة _ موجود في شرح اُصول الكافي للمولى صالح ، ج 8 ، ص 410.

ص: 513

باب المنّ

باب المنّقال تعالى: «وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» . (1) قال طاب ثراه: لا ريب في حرمته ولا في أنّه يهدم أجر الصدقة، سواء صارت عادة له بأن لا يعطي شيئاً إلّا ويمنّ أو لا. وهل التذكير بالنِّعمة أو تعدادها منّة أم لا؟ الظاهر هو الأوّل، وقيل: المنّ أخصّ من التذكير، فعلى هذا يجوز أن يتحقّق التذكير ولا يتحقّق المنّ. ثمّ المنّ يستلزم البُخل؛ لأنّ المال لا يمنّ إلّا بما عظم في عينه وشحّ بإخراجه، والحوادث لا يستعظم فلا يمنّ.

.


1- . المدّثر(74): 6 .

ص: 514

باب من أعطى بعد المسألة

باب المعروف

باب من أعطى بعد المسألةيعني كراهة أن لا يعطى الفقير إلّا بعد المسألة، وأنّ الأفضل أن يُعطيه قبل أن يبذل ماء وجهه بالسؤال. قوله في مرفوعة الذهلي: (ليلة أرقا متململاً) إلى آخره. [ح2/6088] الأرق: السهر. (1) وفلان يتململ على فراشه إذا لم يستقرّ من الوجع. (2) والرجف: الزلزلة والاضطراب. (3) قوله في خبر ياسر [عن اليسع بن حمزة] (4) : (رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه) . [ح3/6089] أي أعطاني ما اُريد قبل أن أسأل. قوله في مرفوعة ابن عاصم: (قال: ما توسّل إلى أحد بوسيلة) إلى آخره. (5) ] ح5/6091]

باب المعروفالعرف بالضمّ: الجود، (6) والمعروف في الأصل: اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة اللّه والقُرب إليه والإحسان وكلّ ما ندب إليه الشرع، على ما صرّح به ابن الأثير، (7) لكنّ المراد هنا وفي الأبواب الآتية الإحسان إلى الغير بالمال وبجميل الأخلاق والآداب. وقال طاب ثراه: قال الطيّبي: المعروف: اسم جمع لكلّ ما عرف من طاعة، ومنه أن يلقى الناس بوجهٍ حسن طلِق بشّاشة. (8) وقيل: هو ما شهد له الشرع باعتباره، سواء كان متعدّياً _ كالنصيحة _ أو غير متعدٍّ كالصلاة والصوم ونحوهما. ومنه ما رواه مسلم عنه صلى الله عليه و آله : «أنّ كلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» (9) والبُضع الجماع. (10) وما رواه عنه صلى الله عليه و سلم قال: «يعين الرجل في دابّته، فيحمله عليها ويرفع له عليها متاعه صدقة». وقال: «والكلمة الطيّبة صدقة، وبكلّ (11) خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة». (12) قوله في خبر ابن القدّاح: (إغاثة اللّهفان) . [ح4/6098] قال الجوهري: لهف، أي حزن وتحسّر، واللهفان: المتحسّر المضطرّ. (13) قوله في حسنة جميل بن درّاج: (اصنع المعروف إلى مَن هو أهله وإلى مَن ليس هو أهله) . [ح6/6100] قال طاب ثراه: الأظهر أنّ المراد بالمعروف هنا غير الواجب، وإلّا فلا يجوز إعطاء الواجب لغير أهله. ويقرب منه ما رواه مسلم عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «قال رجل لأتصدّقنّ الليلة بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق الليلة على زانية، قال: اللّهمَّ لك الحمد على زانيه _ يعني على تصدّق زانيه _ لأتصدّقنّ بصدقةٍ فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على غنيّ، قال: اللّهمَّ لك الحمد على غنيّ، لأتصدّقنّ بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على سارق، فقال: اللّهمَّ لك الحمد على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق، فأتى قائل فقال: أمّا صدقتك فقد قُبلت؛ أمّا الزانية فلعلّها تستعفّ بها على زناها، ولعلّ الغني يعتبر فينفق ممّا أعطاه اللّه ، ولعلّ السارق يستعفّ بها عن رقته». (14) . ويحتمل أن يُراد بالمعروف هنا غير المال كطلاقة الوجه وحسن الخُلق، فلا ينافي ما سيجيء في الباب الرابع من أنّ مَن صنع معروفاً لغير أهله ليس له في الآخرة من خلاق؛ لأنّ المراد بالمعروف الواجب أو المال المعروف يدفع مصارع السوء.

.


1- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1445 (أرق).
2- . صحاح اللغة ، ج5 ، ص 1821 (ملل).
3- . النهاية ، ج2 ، ص 203 (رجف).
4- . ما بين المعقوفين من الكافي.
5- . كذا بالأصل، و لم يذكر لها شرح.
6- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 173 (عرف).
7- . النهاية ، ج 3 ، ص 216 (عرف).
8- . حكاه عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي ، ج 5 ، ص 458 . والطيبي هوالحسن بن محمّد بن عبداللّه الدمشقي المتوفّي سنة 743 ه ق ، من تصانيفه: التيبان في المعاني و البيان ، الخلاصه في اُصول الحديث ، شرح أسماء اللّه الحسنى ، فتوح الغيب ، حاشية الكشّاف ، الكاشف عن حقائق السنن في شرح مصابيح السنّة للبغوي. راجع: هدية العارفين ، ج 1 ، ص 285.
9- . صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 82 .
10- . تاج العروس ، ج 11 ، ص 18 (بضع).
11- . في المصدر: «كلّ».
12- . صحيح مسلم ، ج3 ، ص 83 .
13- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1428 (لهف).
14- . صحيح مسلم ، ج3 ، ص 89 _ 90؛ كنز العمّال ، ج 6 ، ص 389 ، ح 16193.

ص: 515

. .

ص: 516

باب أنّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة

باب أنّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرةقال ابن الأثير: أي مَن بذل معروفه للناس في الدُّنيا أتاه اللّه جزاء معروفه في الآخرة، وقيل: أراد مَن بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه اللّه تعالى في أهل التوحيد في الآخرة. وروي عن ابن عبّاس في معناه قال: يأتي أصحاب المعروف في الدُّنيا فيُغفر لهم بمعروفهم، وتبقى حسناتهم جامعة فيعطونها لمن زادت سيّئاته على حسناته، فيُغفر له ويدخل الجنّة، فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدُّنيا والآخرة. (1) والتفسير الأخير هو الصواب؛ لوروده عن أبي عبداللّه عليه السلام في مرفوعة أبي عبداللّه البرقي. (2) وهناك وجه آخر أشار إليه في رواية إسحاق بن عمّار، وهو: أنّ المعروف هو اسم باب من أبواب الجنّة. (3) قوله في مرفوعة البرقي (4) : (أمر ريحاً عبقة طيّبة فلزقت بأهل المعروف) . [ح1/6111] العبق بالتحريك: مصدر قولك عبق به الطيب بالكسر، أي لزق به. (5) قال طاب ثراه: المراد بالريح العقبة الطيّبة: الريح التي تخرج من المعروف الذي يحيط بفاعله، فإنّ الأفعال الحسنة تحيط بفاعلها كالأعمال السيّئة، قال تعالى: «وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ» . (6) ويحتمل أن يكون المراد بها الريح التي خلقها اللّه تعالى في فاعل المعروف جزاءً لمعروفه.

.


1- . النهاية ، ج3 ، ص 216 _ 217 (عرف).
2- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
3- . هو الحديث الرابع من هذا الباب.
4- . كذا في الأصل ، لكنّ الحديث مرويّ عن داود بن فرقد أو قتيبة الأعشي ، و مرفوعة البرقي هي الرواية الثانية من هذا الباب ، فلعلّه من سهو القلم.
5- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1519 (عبق).
6- . البقرة(2): 81 .

ص: 517

باب تمام المعروف

باب تمام المعروفأي ما يتمّه ويصلحه من تصغيره وتيسّره وتعجيله وإعطائه قبل سؤال المستحقّ ونظائرها. قوله في خبر سعدان بن حاتم: (سخفته ونكدته) . [ح1/6115] أي نقصته وجعلته غير شيء، والسخيف من كلّ شيء مهزوله، (1) وهما مقابلان لتممتة عبارة ومعنى. قوله في خبر حمران: (وثمرة المعروف تعجيل السِّراح) . [ح2/6116] وفي بعض النسخ السراج (2) بالجيم، (3) وفي أكثرها بالحاء المهملة، وفي القاموس: السراح: الإرسال، والإسم كسحاب، (4) فلعلّ المراد تعجيل إرساله إلى المستحقّ، فإنّ في التأخير آفات، وعلى الجيم فالمقصود تعجيل السراج للضيف والعيال قبل أن يظلمّ الليل.

.


1- . صحاح اللغة ، ج4 ، ص 1372 (سخف).
2- . هذا هو الظاهر ، و في الأصل: «بالسراج».
3- . و مثله في رواية الصدوق في الخصال ، ص 8 ، باب الواحد ، ح 28.
4- . القاموس المحيط ، ج1، ص 228 (سرح) ، و فيه «السرح» بدل «السراح».

ص: 518

باب وضع المعروف موضعه

باب وضع المعروف موضعهأي أفضليّته (1) فلا ينافي ما سبق من جواز وضعه في غير موضعه، بل فضيلته. قوله في حسنة سيف بن عميرة: (وإن كان يضعه إلى غير أهله فاعلم أنّه ليس له عند اللّه خير) . [ح1/6117] قال طاب ثراه: لعلّ المراد من يضع معروفه كلّه إلى غير أهله دائماً، أو يضع معروفه إلى غير أهله مع العلم بأنّه غير أهله، وعلى التقديرين لا ينافي ما مرّ في باب فضل المعروف من قول الصادق عليه السلام : «اصنع المعروف إلى مَن هو أهله وإلى مَن هو ليس من أهله، فإن لم يكن هو من أهله فكُن أنت من أهله»، (2) أو صنعه إلى من ليس من أهله في الواقع، وهو لا يعلم به. ويحتمل أن يُراد بغير أهله هنا الغنيّ كما يرشد إليه الحديث الآتي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، (3) وفي السابق الفقير الفاسق. والمراد بالمعروف هنا: المعروف المالي، وفي السابق غيره كالكلام اللّيّن ونحوه، واللّه تعالى يعلم. قوله في خبر مفضل بن عمر: (وإن كان يضع معروفه عند غير أهله فاعلم أنّه ليس له في الآخرة من خلاق) . [ح2/6118] قال طاب ثراه: «يحتمل أنّه ليس له نصيب في هذا المعروف، وهو ظاهر. ويحتمل أنّه لا خلاف له أصلاً؛ لأنّ ذلك المعروف تبذيرٌ وإسراف «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ» (4) ». قوله في خبر أبي مخنف الأزدي: (لا يكون ذلك ما سمر السمير) إلى آخره. [ح3/6119] قيل: السمر: المسامرة، وهو الحديث بالليل، وقد سمَرَ يسمُر فهو سامر، و السمير: السامر، وهو المحدّث بالليل، ويُقال: لا أفعله ما سمر السمير؛ أي لا أفعله أبداً، وقد يُقال: السمير الدهر. (5) وقال الجوهري: أَرَمَ على الشيء: عضّ عليه. (6) وآلم: أفعل تفضيل من الألم، أصله أَءْلَم اُعلّ بقلب الهمزة الثانية ألفاً، والخدين: الصديق. (7) والعاني: الخاضع الذليل، (8) قال الجوهري: عنّ: خضع وذلّ. (9)

.


1- . هذا هو الظاهر ، و في الأصل: «أفضليّة».
2- . هوالحديث السادس من باب فضل المعروف.
3- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
4- . الإسراء(17): 27.
5- . اُنظر: صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 688 (سمر).
6- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1860 (أرم).
7- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2107 (خدن).
8- . ترتيب كتاب العين ، ج 2 ، ص 300 (عنو).
9- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2440 (عنا).

ص: 519

. .

ص: 520

باب تحليل الميّت

باب مؤونة النعم

باب حسن جوار النعم

باب تحليل الميّتأي فضله وثوابه. قوله في خبر الحسن بن خنيس: (وإذا لم يحلّله فإنّما له درهم بدرهم) . [ح1/6137] في شرح الفقيه: يظهر منه أنّ المال يصل إلى الميّت، وله المطالبة في القيمة و إن وصل إلى الوارث؛ لأنّه ضيّع حقّه، ويمكن أن يكون مخصوصاً بما لا يعلم الوارث ولا يوصل إليه، أو يقال: لكلّ من الميّت و الوارث و وارث الوارث و هلمّ جرّا استحقاق المطالبة في القيمة؛ لأنّه ضيّع حقوقهم جميعا. (1)

باب مؤونة النعمالمراد بمؤونة النعم ما يجب بسبب نعم اللّه تعالى على الناس كتربية النعم واستصلاحها وحفظها وعدم الإسراف والتبذير فيها ، واحتمال مؤونات الفقراء ، وهي موجبة لاستدامتها .

باب حسن جوار النعميعني وجوب أن يحسن مجاورتها بأداء حقوق الخالق والخلائق ، وهو شكرها الموجب لمزيدها . قوله في خبر محمّد بن عرفة : (وأبالتها) ، (2) بالباء الموحّدة .[ح1/6143] قال الجوهري : الأبالة حذاقة (3) مصلحة الابل . (4) قوله في صحيحة الحسن بن محبوب : (واحذروا أن تنتقل عنكم إلى غيركم) . [ح3/6145] أي أدّوا الحقوق الماليّة ولا تمنعوها ، وإلّا انتقل عنكم إلى غيركم ؛ لأنّكم بمنزلة الوكلاء الخائنين حينئذٍ كما ورد في الحديث القدسي : «المال مالي والفقراء عيالي والأغنياء وكلائي ، فمن بخل بمالي على عيالي أدخله النار ولا اُبالى» . (5) كذا في شرح الفقيه . (6)

.


1- . الفقيه ، ج 3 ، ص 181.
2- . في الكافي المطبوع: «وإنالتها».
3- . في الأصل : «حذافة» وما أثبت من المصدر .
4- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1618 (أبل) ، ولفظه هكذا : «وأبل الرجل يأبل أبالة مثل شكس شكاسة وتمه تماهة ، فهو إبل وآبل ، أي حاذق بمصلحة الإبل» .
5- . جامع الأخبار ، ص 202 ، ح 492.
6- . اُنظر : لوامع صاحبقراني ، ج 6 ، ص 64 .

ص: 521

باب معرفة الجود والسخاء

باب الإنفاق

باب معرفة الجود والسخاءأي بيان حقيقتهما وحقيقة الجود والسخاء وما ذكر في الباب في بيانهما من أفضل أفرادهما . قوله في خبر مسعدة بن صدقة : (من ماء العوسج) (1) .] ح3/6148] قوله في مرسلة أبي سعيد المكاري : (وتربّد وجهه) .] ح5/6150] في القاموس : تربّد ، أي تغيّر ، والسماء تغيّمت وتعبّست . (2)

باب الإنفاقأي أفضله وكونه للخلف في الدنيا والآخرة . والمراد إنفاق المال في النفقات الواجبة والمندوبة . قوله في مرسلة جابر : (أعط منفقا خلفا وآت ممسكا تلفا) .] ح1/6161] التنكير في «منفقا» و«خلفا» للتعميم كما في «علمت نفس» (3) ، وفي «خلفا» و«تلفا» للتكبير والتعظيم .

.


1- . كذا بالأصل لم يذكر بعده شرح ، ولعلّه أراد بيان معني العوسج فنسي .
2- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 293 (ربد) .
3- . التكوير (82) : 14 ، والانفطار (82) : 5 .

ص: 522

باب إنظار المعسر

باب البخل والشحّ

باب النوادر

باب إنظار المعسرلا ريب في وجوبه ، قال تعالى : «وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ» (1) ، والأخبار متظافرة فيه وفي فضله .

باب البخل والشحّالشحّ : أشدّ البخل وأخصّ منه (2) ، ويرجع إليه خبر الفضل بن أبي قرّة . (3) ونقل طاب ثراه عن الخطّابي العكس ، وأنّه قال : الشحّ أعمّ ، والشحّ جنس والبخل نوع ؛ لأنّ الشحّ أكثر ما يقال في أفراد الاُمور وبمنزلة الوصف ، والبخل لازم من قبل الطبع ، فكلّ بخيل شحيح دون العكس (4) . وعن عياض أنّهما بمعنى . وقيل : هو البخل مع الحرص . وقيل : البخل في أفراد الاُمور آحادها في الشحّ عامّ . وقيل : البخل بالمال والشحّ بالمال والمعروف . وقيل : البخل امتناع إخراج ما عندك ، والشحّ الحرص على تحصيل ما عندك ، يقال : شحّ يشحّ شحا فهو شحيح ، والاسم الشحّ . (5)

باب النوادريذكر قدس سره فيه أخبار متفرقّة متعلّقة بالصدقة . قوله في خبر عبدالأعلى : (أفضل الصدقة صدقة عن ظهر غنى) . [ح2/6180] قال طاب ثراه : روى مثله مسلم عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى» (6) . قال الخطّابي : المعنى ما أبقت لصاحبها بعد غنى يستعدّ به للنوائب ؛ لأنّها إن لم تبقه فقد يحتاج ويندم ويودّ أنّه لم يتصدّق . وقيل : ما كسبت للمتصدّق عليه غنى . والأوّل أظهر والتنكير في غنى للتعظيم . وقال الآبي : المراد بالغنى غنى النفس ، وصيغته التفصيل تدلّ على ثبوت أصل الفضيلة في الصدقة بجميع المال ، فالنهي عنه يكون تنزيهيّا ، ولعلّه مختلف باختلاف الأشخاص ، فيكون حراما بالنسبة إلى الأكثر . (7) وقال طاب ثراه : واختلفت العامّة في التصدّق بجميع المال ، فأكثرهم يجوّزونه ، وقال بعضهم : يردّ الجميع ، وقيل : يردّ الثلثان ، وقيل : يردّ النصف . (8) قوله في خبر سالم بن أبي حفصة : (فاُربّيها له كما يربّي الرجل فلوه وفصيله) . [ح6/6184] الفعلان من باب الإفعال ، يقال : ربا المال يربو ربوا ، إذا زاد وارتفع ، وأرباه الرجل يربّيه فهو مرب ، قال تعالى شأنه «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَواْ وَيُرْبِى الصَّدَقَ_تِ» (9) . (10) وفي النهاية في حديث الصدقة : كما يربّي أحدكم فلوّه الفلوّ : المهر الصغير . وقيل : هو الفطيم من أولاد ذوات الحافر . (11) وقال طاب ثراه : في القاموس : الفلوّ بالكسر وكعدوّ وسمّوا الجحش والمهر فطما أو بلغا السنة (12) . وقال عياض : الفلوّ بفتح الفاء وضمّ اللام وشدّ الواو (13) . وقال غير واحد : هو المهر ، سمّي بذلك لأنّه فلى عن اُمّه ، أي عزل عنها . وحكي فيه كسر الفاء وسكون اللام (14) ، و أنكره ابن دريد . والفصيل ما فصل عن رضاع اُمّه (15) . وتلقّفه تعالى الصدقة بيده كناية عن القبول ورضائه بها ، فإنّ الشيء العظيم إنّما يأخذه الملوك بأيديهم ولا يكلونه إلى وكلائهم . قوله في خبر عبدالرحمن العزرمي : (أو غرم مفظع) .[ح7 / 6185] الغرامة : ما يلزم أداؤه وكذلك المغرم والغرم (16) . والمفظع بالفاء والظاء المعجمة . وفي النهاية : لا تحلّ المسألة إلّا لذي غرم مفظع . المفظع : الشديد الشنيع ، وقد أفظع يفظع فهو مفظع . وقطع الأمر فهو فظيع . (17) والدقعاء : التراب ، يقال : دقع الرجل _ بالكسر _ أي لصق بالتراب ذلّاً . والدقع : سوء احتمال الفقر . (18) قوله في موثّق أبان عن أبي بصير : (في قول اللّه تعالى «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَ_تِ مَا كَسَبْتُمْ» (19) ) .] ح9/6187] قال طاب ثراه : الطيّب : الحلال ، ولا يقبل اللّه إلّا الطيّب ، ولا يثيب إلّا به . ومن طرق العامّة عنه صلى الله عليه و آله قال : «أيّها الناس ، إنّ اللّه طيّب ، لا يقبل إلّا طيّبا» . (20) قوله في حسنة حريز : (قال : إذا ضاق أحدكم فليعلم أخاه ولا يعين على نفسه) . [ح13/6191] قال طاب ثراه : فيه ترجيح للسؤال إذا عرضت بليّة عظيمة أو فاقة شديدة إذا ظنّ بأحد من المؤمنين أنّه قادر على دفعها ، وإعانته في الحقيقة إعانة من اللّه تعالى . وفي قوله : (ولا يعين على نفسه) إشارة إلى قوله تعالى «وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» . (21)

.


1- . البقرة (2) : 280 .
2- . اُنظر : الفروق اللغوية ، ص 295 ، رقم 1181 ؛ النهاية ، ج 2 ، ص 448 (شحح) .
3- . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
4- . اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 123 ، و ج 16 ، ص 134 .
5- . اُنظر : النهاية ، ج 2 ، ص 448 (شحح) .
6- . صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 94 ، ورواه أحمد في مسنده ، ج 2 ، ص 245 ؛ والنسائي في السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 36 ، ح 2323 ؛ وابن حبّان في صحيحه ، ج 8 ، ص 134 .
7- . اُنظر : فتح الباري ، ج 3 ، ص 234 ؛ شرح سنن النسائي ، ج 5 ، ص 63 ؛ تفسير القرطبي ، ج 4 ، ص 293 .
8- . فتح الباري ، ج 10 ، ص 342 .
9- . البقرة (2) : 276 .
10- . اُنظر : النهاية ، ج 2 ، ص 192 .
11- . النهاية ، ج 3 ، ص 474 (فلا) .
12- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 375 (فلو) .
13- . الشفا، ج 1 ، ص 73 .
14- . المجموع ، ج 6 ، ص 241 .
15- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1791 (فصل) .
16- . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1996 (غرم) .
17- . النهاية ، ج 3 ، ص 459 (فظع) .
18- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 1208 (دقع) .
19- . البقرة (2) : 267 .
20- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 328 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 85 ؛ سنن الترمذي ، ج 4 ، ص 288 .
21- . البقرة (2) : 195 .

ص: 523

. .

ص: 524

. .

ص: 525

باب فضل إطعام الطعام

باب فضل القصد

باب فضل إطعام الطعاموهو أفضل من الصدقة ؛ لأنّ تسببه للتوادّ للسواد والتألف أكثر . قوله في مرسلة الحسين بن سعيد : (ربّك يقرئك السلام) .] ح9/6203] من الإقراء ، قال ابن الأثير في النهاية : في الحديث : إنّ الربّ عزّوجلّ يقرئك السلام . يقال : أقرء فلانا السلام وأقرأ عليه السلام ، كأنّه حين يبلّغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويردّه ، فإذا قرأ الرجل القرآن أو الحديث على الشيخ يقال : أقرأني فلان ، أي حملني على أن أقرأ عليه . (1) وقال طاب ثراه : قال أبو حاتم : يقال : اقرأ السلام عليه ولا يقال : اقرأه السلام إلّا في لغة سوء ، إلّا أن يكون مكتوبا (2) ، فيقال : اقرأه السلام ، أي اجعله يقرأه كما تقول اقرأه الكتاب (3) ، أي اجعله يقرأه . وهذا الحديث يدفع هذا القول .

باب فضل القصدأي إنفاق المال على ما هو المقرّر في الشرع من دون إسراف و تقتير . قوله في مرفوعة عليّ بن محمّد : (القصد مثراة والسرف متواة) . [ح4/6210] في نهاية ابن الأثير : يقال : ثرى القوم يثرون ، وأثروا : إذا كثروا وكثرت أموالهم . ومنه حديث صلة الرحم «هي مثراة في المال» مثراة مفعلة من الثراء : الكثرة (4) . انتهى . والمتواة مفعلة من التوى : الهلاك . (5)

.


1- . النهاية ، ج 4 ، ص 31 (قرأ) .
2- . اُنظر : القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 24 .
3- . حكاه في تاج العروس ، ج 1 ، ص 219 .
4- . النهاية ، ج 1 ، ص 210 (ثرا) .
5- . النهاية ، ج 1 ، ص 201 (توا) .

ص: 526

باب سقي الماء

باب سقي الماءقال طاب ثراه : هذا لكلّ حيوان ، إنسانا كان أو غيره ، والإنسان مؤمنا كان أو كافرا ، وغير الإنسان مملوكا كان أو غير مملوك ، ومأكولاً كان أو غير مأكول . أمّا المؤمن فظاهر ، وأمّا الكافر فيدلّ عليه أيضا رواية مصارف (1) الآتية حيث أمره أبو عبداللّه عليه السلام بسقيه نصرانيا عطشانا . وقد دلّت الروايات على إطعام اُسراء الكفّار وسقيهم إلى أن يجري الحكم فيهم وعلى علف الدوابّ والبهائم وسقيهم . ولا ينافي جواز قتلها وذبحها وأكل لحمها . وأمّا غير المأكول _ كالكلب والهرّة وغيرهما _ فإبراد كبدها لا يخلو من أجر كما في الكافر . ويؤيّده ما روي من طرق العامّة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «بينما رجل يمشي بطريق أشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ، ثمّ خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ منّي فنزل البئر فملأخفه ماءً ثمّ أمسكه بفيه حتّى رقى ، فسقى الكلب ، فشكر اللّه له فغفر له» . فقالوا : يا رسول اللّه ، وإنّ لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال : «في كلّ كبد رطبة أجر» . (2) أراد ب_ «رطبة» حيّة ، كأنّ من مات جفّ جسمه وكبده . قوله في خبر مصادف : (فإذا رجل من الفراسين) (3) .] ح4/6234] قال الجوهري : الفرسان بالفتح : قبيلة . (4)

.


1- . وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 409 ، ح 12350 .
2- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 375 و 517 ؛ صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 103 ، و ج 7 ، ص 77 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 44 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 574 ، ح 2550 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 185 .
3- . في متن وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 409 ، ح 12350 : «الفرّاشين» وحكاه عن نسخه من الكافي .
4- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 958 (فرس) .

ص: 527

باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم

باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهملقد أجمعت الاُمّة على تحريم الصدقة الواجبة من غير الهاشمي عليهم إلّا في حال الضرورة (1) ، ودلّت عليه الأخبار المتظافرة والآثار المتكاثرة من الطريقين ، فمنها : ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ الناس فلا يحلّ لمحمّد وآل محمّد» . (2) وعن أبي هريرة أنّ الحسن صلى الله عليه و آله أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «كخ كخ» ليطرحها ، وقال : «أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة» . (3) ومنها : ما رواه المصنّف قدس سره في هذا الباب . ومنها : ما رواه الشيخ قدس سره عن أبي اُسامة زيد الشحّام ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم ، فقال : «هي الزكاة المفروضة ، ولم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض» . (4) وعن ابن سنان ، [عن أبي عبداللّه عليه السلام ] قال : «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم» . (5) وعن جميل بن درّاج ، عنه عليه السلام ، قال : سألته هل تحلّ لبني هاشم الصدقة؟ قال : «لا» . قلت : تحلّ لمواليهم؟ قال : «تحلّ لمواليهم ولا تحلّ لهم إلّا صدقات بعضهم على بعض» . (6) ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : بعثت إلى الرضا عليه السلام بدنانير من قبل بعض أهلي وكتبت إليه في آخره : إنّ منها زكاة خمسة وسبعين والباقي صلة ، فكتب بخطّه : «قبضت» . وبعثت إليه بدنانير لي ولغيري وكتبت إليه : إنّها من فطرة العيال ، فكتب بخطّه : «قبضت» . (7) لأنّه عليه السلام إنّما قبضها ليصرفها في مواليه وفقراء شيعته . وكذا لاينافيه ما رواه المصنّف قدس سره في الحسن عن [أبي] خديجة (8) ؛ لأنّها حملت على حال الاضطرار وعدم كفاية الخمس لموؤناتهم . ويؤيّد ذلك اختصاص الإعطاء فيه ببني هاشم غير الرسول والأئمّة عليهم السلام ، وإنّما ذلك لأنّهم كانوا مستجابوا الدعوة لا يضطرّون إلى أخذ الزكاة ، بخلاف غيرهم فإنّهم لا يبعد أن يضطرّوا بسبب منع الناس الخمس عنهم . ويؤيّده أيضا ما رواه الشيخ في طريقه عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لو كان عَدْلٌ ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ؛ إنّ اللّه تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» ثمّ قال : «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا ويكون ممّن تحلّ له الميتة» . (9) واعلم أنّه يحرم عليهم سهم الغارمين أيضا وإن كان ذلك السهم من قبيل الجعل ؛ لأنّه من الزكاة حقيقة ، وقد روى في المنتهى : أنّ الفضل بن العبّاس والمطّلب بن ربيعة سألا النبيّ صلى الله عليه و آله أن يولّيهما العمالة ، فقال لهما : «الصدقة أوساخ الناس ، وأنّه لا يحلّ لمحمّد وآل محمّد» . (10) وجوّزه الشافعي في أحد قوليه _ على ماحكى عنه في المنتهى _ محتجّا بأنّ ما يأخذه اُجرة عمل فكان بمنزلة الحافظ . (11) وهو قياس مع الفارق ؛ فإنّ ما يأخذ العامل من سهم الصدقة . نعم ، يجوز له عمالة الصدقات بالاُجرة من الإمام من غير سهم الصدقات أو تبرّعا أو عمالة صدقات الهاشميّين ، ولا نعلم خلافها . هذا حكم الصدقة الواجبة ، وأمّا المندوبة فمذهب الأصحاب أنّها حلال لهم . (12) ويدلّ عليه قوله تعالى : «وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ» (13) ، وما ذكره المصنّف قدس سره من رواية جعفر بن إبراهيم الهاشمي (14) ، وخبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي (15) ، وخبر محمّد بن زيد (16) ، ومرسلة إبراهيم بن هاشم (17) . وبه قال أكثر العامّة (18) . ونقل عن الشافعي قول بالمنع (19) . ويردّ قوله الكريمة المذكورة وما نقلوه في طرقهم عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «كل معروف صدقه» (20) و جار بلاخلاف منهم أنواع المعروف عليهم من معونتهم والعفو عنهم وأمثالهما ، فكذا الصدقه المندوبة . قد تردّد بعض الأصحاب في جواز المندوبة على النبيّ صلى الله عليه و آله (21) وحرّمها عليه صلى الله عليه و آله بعض العامّة (22) لعموم قوله عليه السلام : «إنّا لا نأكل الصدقة» (23) . ولما روي أنّه وصف واصف النبيّ صلى الله عليه و آله لسلمان لمّا أسلم بأنّه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة (24) ، وكان إذا اُتي بطعام سأل عنه فإن قيل صدقة قال لأصحابه : «كلوا» ولم يأكل ، وإن قيل : هدية ضرب بيده فأكل معهم (25) . وحملت في المشهور على الواجبة ؛ لما عرفت . هذا ، والمشهور بين الأصحاب حرمة الصدقة الواجبة من غير بني هاشم عليهم مطلقا ، لكنّ الصدوق رضى الله عنهقال : «وصدقة غير بني هاشم لا تحلّ لبني هاشم إلّا في وجهين : إذا كانوا عطاشا فأصابوا ماءً فشربوا ، وصدقة بعضهم على بعض» . (26) وظاهر جواز شرب الماء لهم إذا كان في مصنع مصنوع من الزكاة الواجبة من سهم سبيل اللّه ونحوه من غير الهاشمي كما هو ظاهر الاستثناء . وقيل : أراد مياه الحياض المصنوعة من الصدقات المندوبة بجعل الاستثناء منقطعا . ويؤيّده انقطاع الاستثناء الثاني في كلامه لا محالة . ويدلّ عليه خبر جعفر بن إبراهيم الهاشمي . (27) ثمّ المشهور بين العامّة والخاصّة اختصاص الحكم بالهاشمي ، كما يدلّ عليه أكثر الأخبار المذكورة في هذا الباب . ويؤيّده ما رواه الشيخ عن يونس ، عن العبد الصالح عليه السلام قال : «الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهم بنو عبدالمطّلب الذكر والاُنثى منهم ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد ، وليس فيهم ولا منهم في هذا الخمس مواليهم ، ومن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له ، وليس له من الخمس شيء» . (28) وهم المنسوبون إلى عبدالمطّلب ، وهم الآن بنو أبي طالب من العلويّين والجعفريّين والعقيليّين وبنو العبّاس وبنو الحارث وبنو أبي لهب على ما قاله في المنتهى (29) . وبه قال مالك وأكثر أصحابه وأبو حنيفة أيضا إلّا أنّه استثنى آل لهب . (30) وأدخل المفيد رحمه الله في أحد قوليه وابن الجنيد (31) المطّلبي أيضا وهم المنسوبون إلى مطّلب أخي هاشم عمّ عبدالمطّلب ، متمسّكين بقوله عليه السلام : «لو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة» . وقد مرّ في حسنة زرارة (32) ، وبه قال الشافعي وبعض المالكية أيضا محتجّين بما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّا وبنو المطّلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام» وشبّك بين أصابعه . (33) وبقوله صلى الله عليه و آله : «إنّا وبنو المطّلب شيء واحد» . (34) وضعفه ظاهر ؛ لعدم صراحته في حرمان الزكاة واستحقاق الخمس ، فيجوز أن يكون إنّما أراد بذلك النصرة . ونقل طاب ثراه عن أصبغ أنّه قال : هم عشيرته الأقربون الذين اُمر بإنذارهم وهم آل قصيّ . وقيل : إنّهم قريش كلّها . (35) بقي الكلام في تحقيق الهاشمي وأنّه هل يختصّ بالمنسوب إلى هاشم بالأب أو يشمل المنسوب إليه بالاُمّ فقط أيضا؟ ومبنى الخلاف على أنّ المنتسب إلى أحد بالاُمّ فقط هل هو ولد له حقيقة أم لا؟ فالمشهور بين الأصحاب الثاني (36) محتجّين برواية يونس عن العبد الصالح عليه السلام (37) ، وقد سبق . وهو قول العامّة كافة . وفيه ضعّف السند بالإرسال على ما في الكافي ، وبالرجال على ما في التهذيب ، ومعارضتها للأخبار الكثيرة الغير المحصورة التي سنشير إلى نبذ منها . وبأنّ إطلاق الولد على ابن البنت إنّما يكون مجازا ؛ محتجّين بقول شاعر لا يعرف أصله ونسبه ولا أبوه ولا اُمّه ولا كونه ممّن يعتمد على قوله في باب اللغة ، قال : بنونا بنو أبنائنا و بناتنابنوهنّ أبناء الرجال الأباعد (38) على أنّه يجوز أن يكون من الخيالات الشعرية التي لا أصل ولا حقيقة لها «والشعراء يتبعهم الغاوون» (39) . وبالاحتياط ، لوجوب إخراج الخمس قطعا ولا يحصل البراءة يقينا إلّا إذا اُعطي المنتسب بالأب إلى هاشم . وفيه : أنّ الاحتياط معنى آخر . على أنّه معارض بالاحتياط في باب الزكاة ؛ لوجوب إخراج الزكاة قطعا ، ولا يحصل البراءة يقينا بدفعها إلى المنتسب بالاُمّ إلى هاشم. قد تمسّك بعض العامّة في ذلك بقوله تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ» ؛ (40) بالشمول أحد ذرّيّة فاطمة صلوات اللّه عليها، وستعرف جوابه. وذهب السيّد المرتضى رضى الله عنه إلى الأوّل، ووافقه ابن إدريس في باب الإرث، (41) وابن حمزة (42) في باب الخمس، ومعين الدِّين المصري (43) في باب الإرث، والمفيد (44) وأبو الصلاح (45) والقاضي (46) والشهيد (47) في باب الوقف، محتجّين بأنّه لا خلاف بين الاُمّة في أنّ ظاهر قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ» (48) حرّمت علينا بنات أولادنا مطلقاً، فلو لم تكن بنت البنت بنتاً على الحقيقة لما دخلت تحت هذه الآية. قال السيّد: وممّا يدلّ على أنّ ولد البنت يُطلق عليه اسم الولد على الحقيقة أنّه لا خلاف في تسميته الحسنين صلوات اللّه عليهما أنّهما أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّهما يفضّلان بذلك ويمدحان به، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار. ثمّ قال رضى الله عنه: وما زالت العرب في الجاهليّة تنسب الولد إلى جدّه، يعني من اُمّه، إمّا في موضع مدح أو ذمّ، ولا ينكرون ذلك ولا يحتشمون منه، وقد كان الصادق أبو عبداللّه عليه السلام يُقال له أبداً: أنت ابن الصدِّيق؛ لأنّ اُمّه كانت بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، ولا خلاف بين الاُمّة في أنّ عيسى من بني آدم وولده، وإنّما ينسب إليه بالاُمومة دون الاُبوّة. ثمّ قال رضى الله عنه: وإن قيل: اسم الولد يجري على ولد البنات مجازاً، وليس كلّ شيء استعمل في غيره يكون حقيقة. قلت: الظاهر من الاستعمال الحقيقة، وعلى مدّعي المجاز الدلالة. (49) وبنى على هذا قوله في ميراث أولاد البنات والبنين من أنّهم يقتسمون المال بينهم: «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ» (50) كأولاد الصلب من غير اعتبار من تقرّبوا به حتّى لو خلّف بنت ابن وابن بنت فللذكر الثلثان وللاُنثى الثلث، ولو كان مع ابن البنت أحد الأبوين أو كلاهما فكما لو كانا مع الابن للصلب، ولو كانا مع البنت الابن فكما لو كان مع البنت للصلب، خلافاً للمشهور حيث قالوا: يعطى كلّ نصيب من يتقرّب به فلإبن البنت الثلث ولبنت الابن الثلثان، واحتجّ عليه بقوله سبحانه: «يُوصِيكُمْ اللّه ُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ» . وقال ابن إدريس: بعض أصحابنا يذهب إلى أنّ ابن البنت يعطى نصيب البنت وبنت الابن تعطى نصيب الابن، وذهب آخرون من أصحابنا إلى خلاف ذلك وقالوا: ابن البنت ولد ذكر حقيقة فتعطيه نصيب الولد الذكر دون نصيب اُمّه، وبنت الابن بنت حقيقة تعطيها نصيب البنت دون نصيب الابن الذي هو أبوها. قال: واختاره السيّد المرتضى رضى الله عنه، واستدلّ على صحّته بما لا يمكن للمنصف دفعه من الأدلّة القاهرة اللايحة والبراهين الواضحة. (51) ثمّ قال: وهو الذي يقوى في نفسي، وأفتي به وأعمل عليه؛ لأنّ العدول إلى غير هذا عدولٌ إلى غير دليل من كتابٍ ولا سنّة مقطوعٌ بها ولا إجماع منعقد، بل ما ذهبنا إليه هو ظاهر الكتاب الحكيم، والإجماع حاصل على أنّ ولد الولد ولد حقيقة، ولا يعدل عن هذه الأدلّة القاطعة للأعذار إلّا بأدلّة مثلها توجب العلم، ولا يلتفت إلى أخبار لا توجب علماً ولا عملاً ولا إلى كثرة القائلين به؛ لأنّ الكثرة لا دليل معها، وإلى ما اختاره السيّد واخترناه ذهب الحسن بن أبي عقيل العماني في كتاب المتمسّك، وهذا الرجل من أجلّة أصحابنا وفقهائنا وكان شيخنا المفيد رحمه اللهيكثر الثناء عليه. انتهى. (52) ويدلّ عليه أيضاً قوله سبحانه: «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» ، (53) الآية؛ إذ المراد بأبنائنا باتّفاق المفسّرين وأهل العلم من الطرفين الحسنان عليهماالسلام . ونقل في مجمع البيان عن أبي بكر الرازي أنّه قال: هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنّ ولد الابنة ابنٌ على الحقيقة. (54) وقوله تعالى: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ» إلى قوله: «وَيَحْيَى وَعِيسَى» ، (55) وهو ظاهر. قال ابن أبي الحديد في شرح قول أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في بعض أيّام صفّين وقد رأى الحسن عليه السلام يتسرّع إلى الحرب: «املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنّي أنفس بهذين _ يعني الحسنين عليهماالسلام _ عن الموت؛ لئلّا ينقطع بهما نسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». فإن قلت: أيجوز أن يُقال للحسن والحسين وأولادهما أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وولد رسول اللّه ونسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قلت: نعم؛ لأنّ اللّه تعالى سمّاهم أبناءه في قوله تعالى: «نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» ، وإنّما عنى الحسن والحسين، ولو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات، وسمّى اللّه تعالى عيسى ذرّيّة إبراهيم في قوله تعالى: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ» إلى أن قال: «وَيَحْيَى وَعِيسَى» ، ولم يختلف أهل اللّغة في أنّ ولد البنات من نسل الرجل. فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ» ؟ قلت: أسألك عن اُبوّته لإبراهيم بن مارية؟ فكلّ ما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين عليهماالسلام، والجواب الشامل للجميع: أنّه عنى زيد بن حارثة؛ لأنّ العرب كانت تقول زيد بن محمّد على عادتهم في تبنّي العبيد، فأبطل اللّه تعالى ذلك ونهى عن سنّة الجاهليّة، وقال: إنّ محمّداً عليه السلام ليس أباً لواحدٍ من الرجال البالغين المعروفين بينكم ليعتزى إليه بالنبوّة، وذلك لا ينفي كونه أباً لأطفال لم يطلق عليهم لفظة الرجال كإبراهيم وحسن وحسين عليهم السلام . ثمّ قال: فإن قلت: إنّ ابن البنت ابنٌ على الحقيقة الأصليّة أم على سبيل المجاز؟ قلت: لذاهبٍ أن يذهب إلى أنّه حقيقة أصليّة؛ لأنّ أصل الإطلاق الحقيقة، وقد يكون مشتركاً بين مفهومين وهو في أحدهما أشهر، ولا يلزم من كونه أشهر في أحدهما أن لا يكون حقيقة في الآخر. ولذاهبٍ أن يذهب إلى أنّه حقيقة عرفية وهي التي كثر استعمالها، وهو في الأصل مجاز حتّى صارت حقيقة في العرف، كالراوية للمزادة، والسماء للمطر. ولذاهبٍ أن يذهب إلى كونه مجازا قد استعمله الشارع فجاز إطلاقه في كلّ حال، واستعماله كسائر المجازات المستعملة. والدليل على مزيد اختصاص ولد فاطمة عليهماالسلامدون بني هاشم كافّة بالنبيّ صلى الله عليه و آله ما كان يحلّ له عليه السلام أن ينكح بنات الحسن والحسين عليهماالسلامولا بنات ذرّيّتهما وإن بعُدن وطال الزمان، ويحلّ له نكاح بنات غيرهم من بني هاشم من الطالبيّين وغيرهم، وهذا يدلّ على مزيد الأقربيّة، وهي كونهم أولاده؛ لأنّه ليس هناك من القربى غير هذا الوجه؛ لأنّهم ليسوا أولاد أخيه ولا أولاد اُخته، ولا هناك وجه يقتضي حرمتهم عليه إلّا كونه والداً لهم وكونهم أولاداً له. فإن قلت: فقد قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنابنوهنّ أبناء الرجال الأباعد وقال حكيم العرب أكثم بن صيفي (56) في البنات يذمهنّ: إنّهنّ يلدن الأعداء ويورثن البُعداء. قلت: إنّما قال الشاعر ما قاله على المفهوم الأشهر، وليس في قول أكثم ما يدلّ على نفي بنوّتهم وإنّما ذكر أنّهنّ يلدن الأعداء، وقد يكون ولد الرجل لصلبه عدوّاً، قال اللّه تعالى: «إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ» ، (57) ولا ينفي كونه ابناً. انتهى. (58) وأمّا الأخبار في ذلك من الطريقين فهي أكثر من أن تُذكر، ولا يخفى على من له أدنى تتبّع في كتب الأخبار، لكن نذكر نبذاً منها لكفايتها في المقام، فنقول: روى الصدوق رضى الله عنهفي كتاب العيون مرفوعاً عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلامقال: «دخلت على الرشيد، فقال لي: لِمَ جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويقولون لكم: يا بني رسول اللّه وأنتم بنوا عليّ وإنّما يُنسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبيّ صلى الله عليه و آله جدّكم من قِبل اُمّكم؟ فقلت: يا أميرالمؤمنين، لو أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نُشِرَ فخطب إليك كريمتك هل كنت تُجيبه؟ فقال: سبحان اللّه ، ولِمَ لا اُجيبه، بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت: لكنّه صلى الله عليه و آله لا يخطب إليَّ ولا اُزوّجه. فقال: ولِمَ؟ فقلت: لأنّه ولدني ولم يلدك. فقال: أحسنت يا موسى. ثمّ قال: كيف قلتم: إنّا ذرّيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله والنبيّ لم يعقّب وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى، وأنتم ولد الابنة ولايكون لها عقب؟ فقلت: أسألك بحقّ القرابة والقبر إلّا ما أعفيتني عن هذه المسألة. فقال: لا، أو تخبرني فيه يا ولد عليّ وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا اُلقي (59) إليَّ، ولستُ أعفيك في كلّ ما أسألك حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللّه تعالى، فأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم مطلقاً شيء لا ألف ولا واو إلّا وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ» ، (60) فقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم. فقلت: تأذن لي في الجواب؟ فقال: هات. فقلت: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى» ، (61) مَن أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسى أب. فقلت: إنّما اُلحِقَ بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليهاالسلام، وكذلك اُلحقنا بذراري النبيّ صلى الله عليه و آله من قِبل اُمّنا فاطمة صلوات اللّه عليها. أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات، قلت: قول اللّه تعالى عزّ وجلّ: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» ، ولم يدّع أحد أنّه أدخله النبيّ صلى الله عليه و آله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين _ صلوات اللّه عليهم _ فكان تأويل قوله عزّ وجلّ: «أَبْنَاءَنَا» الحسن والحسين، «وَنِسَاءَنَا» فاطمة «وَأَنْفُسَنَا» عليّ بن أبي طالب عليهم سلام اللّه ». (62) وفي روضة الكافي مرفوعاً عن أبي الجارود، قال: قال : «يا أبا الجارود، ما يقولون في الحسن والحسين؟» قلت: ينكرون أنّهما ابناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال: «فبأيّ شيءٍ احتججتم عليهم». قلت: بقول اللّه في عيسى بن مريم: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاودَ» إلى قوله: «وَكُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ» ، (63) فجعل عيسى من ذرّيّة نوح. قال عليه السلام : «فأيّ شيءٍ قالوا لكم؟» قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد، ولا يكون من الصلب. قال: «فبأيّ شيءٍ احتججتم عليهم؟» قلت: بقوله تعالى: «نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» . قال: «فأيّ شيءٍ قالوا؟» قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب مثل هذا التجوّز. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام : «واللّه يا أبا الجارود، لأعطينّكها من كتاب اللّه أنّهما من صلبه صلى الله عليه و آله لا يردّها إلّا كافر». قلت: جُعلت فداك، وأين؟ قال: «من حيث قال اللّه عزّ وجلّ: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ» إلى أن انتهى إلى قوله عزّ وجلّ: «وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ» ، (64) فاسألهم يا أبا الجارود، هل كان يحلّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا: نعم، كذبوا واللّه ، وفجروا، وإن قالوا: لا، فهما واللّه ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله لصلبه، وما حرمتا عليه إلّا للصلب». (65) وروى الشيخ قدس سره في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام أنّه قال: «لو لم يحرم على الناس أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله لقول اللّه عزّ وجلّ: «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّه ِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدا» (66) حرم على الحسن والحسين عليهماالسلام؛ لقول اللّه عزّ وجلّ: «وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ» ». (67) وروي أيضاً: حضر أبو الحسن الأوّل عليه السلام وهارون (68) الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة، فقال هارون لأبي الحسن عليه السلام : تقدّم فأبى، فتقدّم هارون وسلّم، وقال عيسى لأبي الحسن عليه السلام : تقدّم، فأبى فتقدّم عيسى وسلّم ووقف مع هارون، فقال جعفر لأبي الحسن عليه السلام : تقدّم، فأبى، فتقدّم جعفر وسلّم ووقف مع هارون، فتقدّم أبو الحسن عليه السلام وقال: «السلام عليك يا أبه»، فقال هارون لعيسى: سمعته ما يقول؟ قال: نعم، قال [هارون:أشهد] (69) أنّه أبوه حقّاً. (70) وروى المفيد قدس سره في الإرشاد: أنّه خطب الحسن بن عليّ رضى الله عنه على المنبر بعدما قبض أبوه صلوات اللّه عليه، وساق الكلام إلى أن قال: «أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه، أنا ابن السراج المنير، أنا من أهل بيتٍ أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، أنا من أهل بيتٍ فرض اللّه مودّتهم (71) في كتابه، فقال تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا» ، (72) فالحسنة مودّتنا أهل البيت»، ثمّ جلس، فقام عبداللّه بن العبّاس فقال: معاشر الناس هذا ابن نبيّكم ووصيّ إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس. (73) وروي عن سلمان الفارسي قال: اُهدي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله قطف من العنب في غير أوانه، فقال لي: يا سلمان، ايتني بولديّ الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب، فأتيت منزل اُمّهما فلم أرَهما، فأتيت منزل اُختها اُمّ كلثوم فلم أرَهما، فجئت فخبّرت النبيّ صلى الله عليه و آله بذلك، فاضطرب ووثب قائماً وهو يقول: «وا ولداه، وا قرّة عيناه، مَن يرشدني عليهما فله على اللّه الجنّة، فنزل جبرئيل من السماء وقال: يا محمّد، على مه هذا الانزعاج؟ فقال: على ولديّ الحسن والحسين، فإنّي خائفٌ عليهما من كيد اليهود. فقال جبرئيل: يا محمّد، بل خف عليهما من كيد المنافقين، فإنّ كيدهم أشدّ من كيد اليهود، واعلم يا محمّد، أنّ ابنيك الحسن والحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح». فسار النبيّ صلى الله عليه و آله من وقته وساعته إلى الحديقة وأنا معه حتّى دخلنا الحديقة وإذا هما نائمان، وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبانٌ في فِيه طاقة ريحان يروّح بها وجهيهما، فلمّا رأى الثعبان النبيَّ صلى الله عليه و آله ألقى ما كان في فِيه وقال: السلام عليك يارسول اللّه لست أنا ثعباناً ولكنّي مَلكٌ من ملائكة الكروبيّين، غفلت عن ذكر ربّي طرفة عين، فغضب عليَّ ربّي ومسخني ثعباناً كما ترى، وطردني من السماء إلى الأرض، وإنّي (74) منذ سنين كثيرة أقصد كريماً على اللّه فأسأله أن يشفع لي عند ربّي عسى أن يرحمني ويُعيدني مَلَكاً كما كنت أوّلاً إنّه على كلّ شيءٍ قدير. قال: فجثى النبيّ صلى الله عليه و آله يقبّلهما حتّى استيقظا، فجلسا على ركبتي النبيّ صلى الله عليه و آله فقال لهما النبيّ صلى الله عليه و آله : «انظرا يا وَلَدي، هذا مَلكٌ من ملائكة اللّه الكروبيّين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين، فجعله اللّه هكذا، وأنا مستشفعٌ إلى اللّه تعالى بكما فاشفعا له. فوثب الحسن والحسين عليهماالسلام فأسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين، وقالا: اللّهمَّ، بحقّ جدّنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى وبأبينا عليّ المرتضى وباُمّنا فاطمة الزهراء إلّا ما رددته إلى حالته الاُولى، قال: فما استتمّ دعاؤهما وإذا بجبرئيل قد نزل من السماء في رهطٍ من الملائكة وبشّر ذلك الملك برضى اللّه عنه وبردّه إلى سيرته الاُولى، ثمّ ارتفعوا به إلى السماء وهم يسبّحون اللّه تعالى، ثمّ رجع جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وهو متبسّم، وقال: يارسول اللّه ، إنّ ذلك المَلك يفتخر على ملائكة السبع السماوات، ويقول لهم: مَن مثلي وأنا في شفاعة السيّدين السبطين الحسن والحسين». (75) وروى الشيخ الطبرسي رضى الله عنه في الاحتجاج: أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية: ابعث إلى الحسن بن عليّ فمره أن يصعد المنبر يخطب الناس لعلّه يحصر، فيكون ذلك ممّا نُعيّرهُ به في كلّ محفلٍ، فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر، وقد جمع له الناس ورؤساء أهل الشام، فحمد اللّه الحسن صلوات اللّه عليه وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيُّها الناس، مَن عرفني فأنا الذي يعرف، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب ابن عمّ نبيّ اللّه ، أوّل المسلمين إسلاماً، واُمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجدّي محمّد بن عبداللّه نبيّ الرحمة، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن مَن بُعثَ رحمةً للعالمين، أنا ابن مَن بُعث إلى الجنّ والإنس أجمعين». فقال معاوية: يا أبا محمّد، خُذ بنا في نعت الرطب، _ أراد تخجيله _ . فقال الحسن عليه السلام : «الريح تلقحه والحرّ ينضجه، والليل يبرّده ويطيّبه»، ثمّ أقبل الحسن عليه السلام فرجع في كلامه الأوّل، فقال: «أنا مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المُطاع، أنا ابن أوّل مَن ينفض عن الرأس التراب، أنا ابن من يقرع باب الجنّة فيُفتح له، أنا ابن من قاتل معه الملائكة وأُحلّ له المغنم ونُصِرَ بالرُّعب من مسيرة شهر»، فأكثر في هذا النوع من الكلام ولم يزل به حتّى اظلمّت الدُّنيا على معاوية. (76) وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله يخطب على المنبر ينظر إلى الناس مرّة وإلى الحسن مرّة، قال: «ابني هذا سيصلح اللّه به فئتين من المسلمين». (77) و روى أبو يعلى الموصلي في المسند عن ثابت البناني عن أنس، وعبداللّه بن شيبة عن أبيه: أنّه دعا النبيّ صلى الله عليه و آله إلى صلاة والحسن متعلّق به، فوضعه صلى الله عليه و آله في مقابل جنبيه وصلّى، فلمّا سجد أطال السجود، فرفعتُ رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتفه صلى الله عليه و آله ، فلمّا سلّم قال له القوم: يارسول اللّه ، لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها كأنّما يوحى إليك؟ فقال صلى الله عليه و آله : «لم يوحَ إليَّ ولكنّ ابني كان على كتفي فكرهت أن أعجّله حتّى نزل». (78) وعن ابن عمر: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بينما يخطب على المنبر إذ خرج الحسين عليه السلام فوطئ في ثوبه فسقط فبكى فنزل عن المنبر، فضمّه إليه وقال: «قاتل اللّه الشيطان»، وقال: «إنّ الولد لفتنة، والذي نفسي بيده، ما دريت أنّي نزلت عن منبري». (79) إذا عرفت ذلك فالظاهر مساواة المنتسب بالاُمّ فقط إلى أحدٍ للمنتسب بالأب إليه، ومساواة أولاد الأولاد للأولاد للصلب في جميع الأحكام إلّا فيما أخرجه دليلٌ قاطع كما في الإرث؛ للأخبار المتظافرة على عدم مساواتهم فيه. وأمّا خبر يونس فهو خبر نادر يشكل الاعتماد عليه في مقابل تلك الأدلّة مع وروده على التقيّة، واللّه تعالى يعلم. (80)

.


1- . اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 268 ، مسألة 180 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 227 .
2- . مسند أحمد ، ج 4 ، ص 166 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 118 و 119 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 7 ، ص 31 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 58 ، ح 2391 .
3- . سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 387 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 135 ؛ السنن الكبرى للبيقهي ، ج 7 ، ص 29 .
4- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 35 ، ح 108 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 59 ، ح 157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 274 ، ح 12006 .
5- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 35 _ 36 ، ح 109 ، تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 59 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 269 ، ح 11994 ، وما بين الحاضرتين من المصادر .
6- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 37 ، ح 114 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 60 ، ح 160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 278 ، ح 12016 .
7- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 36 _ 37 ، ح 112 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 60 ، ح 162 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 281 ، ح 12024 .
8- . ح 6 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 269 ، ح 11996 .
9- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 36 ، ح 111 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 59 ، ح 159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 276 _ 277 ، ح 12012 .
10- . منتهى المطلب ، ج 8 ، ص 308 ، وانظر : صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 118 و 119 .
11- . منتهى المطلب ، ج 8 ، ص 308 ، وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 168 _ 169 .
12- . اُنظر : منتهي المطلب ، ج 8 ، ص 374 .
13- . المائدة (5) : 2 .
14- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 272 ، ح 12002 .
15- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 35 ، ح 107 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 58 _ 59 ، ح 156 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 274 _ 275 ، ح 12007 .
16- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 111 ، ح 324 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 475 ، ح 12529 .
17- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 111 ، ح 323 ؛ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 332 ، ح 21690 .
18- . اُنظر : منتهى المطلب ، ج 8 ، ص 374 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 239 _ 240 ؛ الخلاف ، ج 3 ، ص 541 ، مسألة 5 ؛ التمهيد ، ج 3 ، ص 92 ؛ تفسير القرطبي ، ج 8 ، ص 191 .
19- . المجموع ، ج 6 ، ص 239 .
20- . مسند أحمد ، ج 3 ، ص 344 و 360 ، و ج 4 ، ص 307 ، و ج 5 ، ص 397 و 398 ؛ صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 79 ، صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 82 ، سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 465 _ 466 ، ح 4947 ؛ سنن الترمذي ، ج 3 ، ص 234 ، ح 2037 ؛ المستدرك ، ج 2 ، ص 50 ، السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 188 ، ج 10 ، ص 242 .
21- . اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 584 ؛ تحرير الأحكام ، ج 3 ، ص 325 ؛ منتهى المطلب ، ج 8 ، ص 376 .
22- . اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 239 _ 240 .
23- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 135 . وتقدّم سائر تخريجاته في أوائل الباب .
24- . اُنظر : مسند أحمد ، ج 5 ، ص 447 ؛ المستدرك ، ج 3 ، ص 602 _ 603 .
25- . صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 131 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 6 ، ص 185 ، وج 7 ، ص 34 .
26- . الفقيه ، ج 2 ، ص 38 .
27- . وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 272 ، ح 12002 .
28- . تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 128 _ 129 ، ح 366 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 277 _ 278 ، ح 12014 ، و ص 513 _ 514 ، ح 12607 .
29- . منتهى المطلب ، ج 8 ، ص 377 .
30- . اُنظر : الاستذكار ، ج 8 ، ص 613 _ 614 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 3 ، ص 85 و 169 _ 170 .
31- . حكاه عنها العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 213 ، وفي تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 273 عن ا لمفيد وحده ، و كذا المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 585 .
32- . وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 276 _ 277 ، ح 12012 .
33- . اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 227 ؛ المغني ، ج 2 ، ص 519 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 714 .
34- . سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 26 ، ح 2980 ، ونحوه في مسند أحمد ، ج 4 ، ص 81 ، و صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 57 .
35- . اُنظر : أحكام القرآن لابن العربي ، ج 2 ، ص 539 ، حاشية الرملي ، ج 3 ، ص 52 ؛ أضواء البيان ، ج 2 ، ص 63 ؛ الدر المنثور ، ج 4 ، ص 68 ؛ المحررّ الوجيز ، ج 2 ، ص 530 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 3 ، ص 281 .
36- . اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 631 ؛ مختلف الشيعة ، ج 6 ، ص 330 .
37- . وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 277 _ 278 ، ح 12014 .
38- . اُنظر : أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 19 ؛ الاستذكار ، ج 5 ، ص 325 ؛ الكافي لابن عبدالبرّ ، ص 540 ، المجموع ، ج 15 ، ص 348 ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج 1 ، ص 46 ؛ الفروق اللغويّة ، ص 12 ؛ شرح الرضي على الكافيه ، ج 1 ، ص 257 .
39- . الشعراء (26) : 224 .
40- . الأحزاب(33): 40.
41- . سيأتي كلام المرتضى و ابن ادريس.
42- . اُنظر: الوسيلة ، ص 137 ، و الموجود فيه أنّ الخمس لولد هاشم من الطرفين أو من قبل الأب خاصّة.
43- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 9 ، ص 16؛ و الشهيد الثاني في مسالك الأفهام ، ج 13 ، ص 125. و معين الدين المصري هو سالم بن بدران بن علي بن سالم المازني المصري استاذ المحقّق خواجه نصيرالدين الطوسي ، كتب له إجازه بعد قراءة الغنية لابن زهرة عليه في سنة 619 ، من آثاره الأنوار المضيئة ، نقل بعض أقواله في الكتب ، توفّي قبل سنة 672 . (الذريعة ، ج 2 ، ص 441 ، الرقم 1721؛ أعيان الشيعة ، ج 7 ، ص 172؛ مستدركات أعيان الشيعة ، ج 1 ، ص 230؛ الكنى و الألقاب ، ج 3 ، ص 196).
44- . اُنظر: المقنعة ، ص 141 ، ما يحلّ لبني هاشم و يحرم عليهم من الزكاة.
45- . الكافي في الفقه ، ص 371.
46- . اُنظر: المهذّب للقاضي ابن البرّاج ، ج 1 ، ص 179 ، باب ذكر مستحقّ الخمس ؛ فإنّه قال باستحقاق من ينتهي إلى أميرالمؤمنين عليه السلام و جعفر و عقيل و العبّاس بن عبد المطلّب من غير تفصيل.
47- . اُنظر: البيان ، ص 89 . و عبارة صريحة في عدم الشمول لأولاد البنت حيث قال: «لو قال على من انتسب إلَيّ لم يدخل أولاد البنات».
48- . النساء (4): 23.
49- . جمل العلم و العمل (الرسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 264 _ 265).
50- . النساء(4): 11.
51- . السرائر ، ج3 ، ص 232.
52- . السرائر ، ج3 ، ص 239 _ 240.
53- . آل عمران(3): 61 .
54- . مجمع البيان ، ج 2 ، ص 310.
55- . الأنعام(6): 84 _ 85 .
56- . أكثم بن صيفي بن رياح بن الحارث التميمي ،حكيم العرب في الجاهليّة و أحد المعمّرين ، عاش زمنا طويلاً و أدرك الإسلام، و قصد المدينة في مئة من قومه يريدون الإسلام ، فمات في الطريق و لم ير النبيّ صلى الله عليه و آله ، و أسلم من بلغ المدينة من أصحابه ، و ذلك في سنة 9 من الهجرة. راجع: الوافي بالوفيّات ، ج 9 ، ص 199.
57- . التغابن(64): 14.
58- . شرح نهج البلاغة ، ج 11 ، ص 26 _ 28 ، شرح الكلام 200.
59- . كذا بالأصل ، و في المصدر: «اُنهي».
60- . الأنعام(6): 38.
61- . الأنعام (6): 84 _ 85 . و في الأصل زيادة: «و إلياس».
62- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1، ص 81 _ 82 ، الباب 7 ، ح 9.
63- . في النسخة: + «قال» ، ولم تكن في المصدر.
64- . النساء(4): 23.
65- . الكافي ، ج 8 ، ص 317 _ 318 ، ح 501 ، و رواه القمّي في تفسيره ، ج 1 ، ص 209.
66- . الأحزاب(33): 53 .
67- . النساء(4): 22.
68- . الاستبصار ، ج3 ، ص 155 ، ح 566 .
69- . اُضيفت من المصدر.
70- . تهذيب الأحكام ، ج6 ، ص 6 _ 7 ، ح 10. و هذا هو الحديث الثامن من باب دخول المدينة و زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله من أبواب الزيارات.
71- . في المصدر: «حبّهم» بدل «مودّتهم».
72- . الشورى(42): 23.
73- . الإرشاد ، ج 2 ، ص 8 . و لخطبة الإمام الحسن عليه السلام مصادر كثيرة ، منها: الأمالي للطوسي ، المجلس 10 ، ح 39؛ تفسير فرات الكوفي ، ص 197 _ 198 ، ح 256؛ تأويل الآيات الظاهرة ، ج 2 ، ص 545 ، ح 8 ؛ الذريّة الطاهرة للدولابي ، ص 109 _ 110 و 111 ، ح 114 و 115 ، المعجم الأوسط للطبراني ، ج 3 ، ص 87 _ 89 ، ح 2176؛ المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 172 ، ح 4802؛ كفاية الطالب ، ص 91 _ 93 ، الباب الحادي عشر.
74- . هذا هو الظاهر، و في الأصل: «ولي».
75- . بحارالأنوار ، ج 43 ، ص 313 _ 314 نقلاً عن بعض مؤلّفات أصحابنا.
76- . الاحتجاج ، ج 1 ، ص 418 _ 419. و رواه الحرّاني في تحف العقول ، ص 232 _ 233.
77- . صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 169 _ 170 كتاب الصلح؛ و نحوه في ج 4 ، ص 184 و 216؛ و ج 8 ، ص 99. ولكلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أسانيد و مصادر عديدة ، منها: مسند أحمد ، ج 3 ، ص 494؛ مسند أبي داود الطيالسي ، ص 118؛ المصنّف لابن أبي شبية ، ج 7 ، ص 512 ، الباب 23 من كتاب فضائل ، ح 4؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 405 ، ح 4662؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 323 ، ح 3862؛ سنن النسائي ، ج 3 ، ص 107؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 531 _ 532 ، ح 1718 ، و ج 6 ، ص 71 ، ح 10081. المعجم الصغير للطبراني ، ج 1 ، ص 271 ، من اسمه لؤلؤ؛ المعجم الكبير ، ج 3 ، ص 34 ، ح 2592؛ الاستيعاب ، ج 1 ، ص 386 ، تاريخ بغداد ، ج 13 ، ص 18 _ 19 ، ترجمة لؤلؤ الرومي برقم 6977 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 13 ، ص 234 ، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام برقم 1383؛ و ج 5 ، ص 330 _ 331 ، ترجمة لؤلؤ بن عبداللّه برقم 5856 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 174 _ 175؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 6 ، ص 165.
78- . عنه ابن شهرآشوب في المناقب ، ج 3 ، ص 188، و اللفظ له، و الظاهر أنّ الشارح أخذ عنه ، و الموجود في سائر المصادر عن عبداللّه بن شداد عن أبيه . اُنظر: الآحاد و المثاني ، ج 2 ، ص 187 _ 188 ، ح 934؛ المصنّف لابن أبي شيبه ، ج 7 ، ص 514 _ 515 ، باب فضائل الحسن و الحسين من كتاب الفضائل ، ح 17؛ المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 626 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 263؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 14 ، ص 160 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام برقم 1566؛ المنتخب من ذيل المذيل للطبري ، ص 63 _ 64 .
79- . المناقب لابن شهرآشوب ، ج 3 ، ص 226 ، و الحديث مأخوذ منه. و رواه ابن مردويه على ما في الدّر المنثور ، ج 6 ، ص 228 في تفسير سورة التغابن.
80- . إلى هنا انتهت نسخة كتاب الزكاة ، و بقي منها أبواب لم تصل إلينا مخطوطته.

ص: 528

. .

ص: 529

. .

ص: 530

. .

ص: 531

. .

ص: 532

. .

ص: 533

. .

ص: 534

. .

ص: 535

. .

ص: 536

. .

ص: 537

. .

ص: 538

. .

ص: 539

. .

ص: 540

. .

ص: 541

. .

ص: 542

. .

ص: 543

. .

ص: 544

. .

ص: 545

فهرس المطالب .

ص: 546

. .

ص: 547

. .

ص: 548

. .

ص: 549

. .

ص: 550

. .

المجلد 4

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كتاب الصوم

اشاره

كتاب الصوم

.

ص: 6

. .

ص: 7

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الصومالصوم لغةً : مطلق الإمساك ، (1) قال اللّه تعالى حكايةً عن مريم عليهاالسلام : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْما» (2) أي صمتا وإمساكا عن الكلام ، قال الشاعر : (3) خيلٌ صيام وخيلٌ غير صائمةتحت العجاج واُخرى تعلك اللجما أي ممسكة عن الصهيل . وشرعا : إمساك خاصّ . وأفضل أنواعه صيام شهر رمضان ، وهو واجب بالضرورة ، وقد وردت فيه آيات ، منها : قوله سبحانه : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاما مَعْدُودَاتٍ» (4) ، بناءً على ما نقله في مجمع البيان (5) عن أكثر المفسّرين ، وهو الظاهر من أخبار المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين . قال المحقّق الأردبيلي قدس سره : «لعلّ التشبيه في أصل الصوم أو العدد والوقت أيضا ،

.


1- .المصباح المنير ، ص 352 (صام) .
2- .مريم (19) : 26 .
3- .وهو النابغة الذبيانى ، والشعر في ديوانه ، ص 106 ، وحكاه عنه الطوسي في التبيان ، ج 2 ، ص 114 ؛ والطبرسي في مجمع البيان ، ج 2 ، ص 5 ؛ والطبري في جامع البيان ، ج 2 ، ص 175 ؛ والجصّاص في أحكام القرآن ، ج 1 ، ص 231 ؛ والفخر الرازي في تفسيره ، ج 5 ، ص 75 ؛ وابن سلّام في غريب الحديث ، ج 1 ، ص 327 .
4- .البقرة (2) : 183 184 .
5- .مجمع البيان ، ج 2 ، ص 6 .

ص: 8

لكن غيّر كما نقل في التفاسير » . (1) وفي كنز العرفان : قيل : إنّ النصارى كتب عليهم صيام شهر رمضان ، فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده ، فصار صومهم خمسين يوما ، وقيل : كان وقوعه في الحرّ الشديد أوالبرد الشديد ، فشقَّ ذلك عليهم في أسفارهم ومعايشهم ، فحوّلوه إلى الربيع وزادوا فيه عشرين يوما كفّارة للتحويل . (2) والظاهر أنّ المراد ب «الّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» الأنبياء عليهم السلام . يدلّ عليه رواية حفص ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إنّ صيام شهر رمضان لم يفرض اللّه صيامه على أحدٍ من الاُمم قبلنا» ، فقلت له : فقول اللّه عزّ وجلّ : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» ؟ قال : «إنّما فرض اللّه صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الاُمم ، ففضّل هذه الاُمّة وجعل صيامه فرضا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلى اُمّته» . (3) وعن بعض العامّة : أنّ الأيّام المعدودات : عاشوراء وثلاثة من كلّ شهر ، وأنّ صيامها كانت واجبة في بدو الإسلام ، ثمّ نسخت لصيام شهر رمضان ، وهو خلاف الظاهر كثيرا . (4) قال المحقّق الأردبيلي : بل لا يجوز النسخ ما لم يتعيّن ، سيّما مع بقاء حكم ما بعدها المتفرّع عليه ، وأيضا وجوب ثلاثة الأيّام على غير النبيّ صلى الله عليه و آله [من المؤمنين ]غير معلوم ، وإنّما نقل في الكشّاف وجوبها عليه فقط وإن نقل في غيره ، وأيضا لا ينافي وجوب رمضان وجوب غيره ، فلا يصلح نسخا له ، فتأمّل . (5) ومنها : قوله عزّ وجلّ : «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ

.


1- .زبدة البيان ، ص 146 .
2- .كنزالعرفان ، ج 1 ، ص 200 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 99 100 ، ح 1844 .
4- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 334 بلفظ : «قيل» .
5- .زبدة البيان ، ص 147 .

ص: 9

الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (1) ، وهو ظاهر . ومنها : قوله عزّ وعلا : «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (2) . ذكر المفسِّرون منهم الشيخ أبو عليّ الطبرسي (3) والزمخشري (4) والبيضاوي (5) في سبب نزوله : أنّ اللّه تعالى لمّا أوجب الصوم على الناس كان وجوبه بحيث لو صلّوا العشاء الآخرة أو رقدوا ما يحلّ لهم الأكل والشرب والجماع إلى الليلة القابلة ، ثمّ إنّ عمر باشر بعد العشاء فندم ، فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله واعتذر إليه رجالٌ ، فاعترفوا بما صنعوا بعد العشاء ، فنزلت . ومنها قوله جلّ وعلا : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» (6) على ما ذكر بعض المفسّرين . (7) وروى الصدوق عن الصادق عليه السلام في قوله عزّ وجلّ : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» قال : «يعني بالصبر : الصوم» ، وقال : «إذا نزلت بالرجل النازلة والشدّة فليصم ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» » . (8) هذا ، ومن العلل في فرض الصوم ما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن علّته ، فقال : «إنّما فرض اللّه الصيام ليستوي به الغنيّ

.


1- .البقرة (2) : 185 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 337 .
4- .مجمع البيان ، ج 2 ، ص 21 22 .
5- .تفسير البيضاوى ، ج 1 ، ص 468 .
6- .البقرة (2) : 45 .
7- .اُنظر : تفسير الواحدي ، ج 1 ، ص 103 .
8- .الفقيه ، ج 2 ، ص 76 ، ح 1776 و 1777 .

ص: 10

والفقير ، وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير ؛ لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئا قدر عليه ، فأراد اللّه عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه وأن يُذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم ؛ ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع» . (1) ومن العلل في فرض ثلاثين يوما ما رواه عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلامأنّه قال : «جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال له : لأيّ شيء فرض اللّه عزّ وجلّ الصوم على اُمّتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض على الاُمم أكثر من ذلك ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : إنّ آدم عليه السلام لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ، ففرض اللّه عزّ وجلّ على ذرّيّته ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضّل من اللّه عزّ وجلّ عليهم ، وكذلك كان على آدم ، ففرض اللّه ذلك على اُمّته ، ثمّ تلا هذه الآية : «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاما مَعْدُودَاتٍ» . قال اليهودي : صدقت يا محمّد ، فما جزاء مَن صامها ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : ما من مؤمنٍ يصوم شهر رمضان احتسابا إلّا أوجب اللّه تبارك وتعالى له سبع خصال : أوّلها : يذوب الحرام من جسده ، والثانية : يقرب من رحمة اللّه عزّ وجلّ ، والثالثة : يكون قد كفّر خطيئة آدم أبيه ، والرابعة : يهوّن اللّه عليه سكرات الموت ، والخامسة : أمانٌ من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة : يُعطيه اللّه براءةً من النار ، والسابعة : يُطعمه اللّه من طيّبات الجنّة . قال : صدقت يا محمّد» . (2)

.


1- .علل الشرائع ، ص 378 ، الباب 108 ، ح 2 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 102 ، ح 88 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 73 ، ح 1766 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 7 ، ح 12697 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 73 74 ، ح 1769 ؛ الأمالي الصدوق ، المجلس 35 ، ح 1 ؛ الخصال ، ص 530 ، أبواب الثلاثين ، ح 6 ؛ علل الشرائع ، ص 378 379 ، الباب 109 ، ح 1 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 101 102 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 240 241 ، ح 13317 .

ص: 11

باب فضل الصوم

باب فضل الصومالأخبار فيه متظافرة ، وكفى ذكر قوله عزّ وجلّ في الحديث القدسي : «الصوم لي وأنا أجزي عليه» . رواه الصدوق عن أبي جعفر عليه السلام ، (1) والمصنّف عن الصادق صلوات اللّه عليه . (2) وروى العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به» . (3) قال طاب ثراه : قال محيي الدِّين البغوي : كلّ الأعمال البرّ المخلصة له ، وإنّما خصّ الصوم بذلك لأنّه عمل باطن لا يمكن فيه الرياء ، بخلاف غيره من الأعمال البدنية الظاهرة كالصلاة والزكاة والحجّ ، فإنّه يتأتّى بها الرياء . (4) وقوله : «أنا أجزي عليه» . قال أبو عبيد : معناه أنا أتولّى الجزاء عليه ؛ لأنّه ليس من الأعمال الظاهرة ، فتكتبه الحفظة وإنّما هو ستر وإمساك . (5) وقال الخطّابي : معنى كونه له أنّه ليس للصائم فيه حظّ . وقيل : لمّا كان الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته تعالى ، فكأنّه تقرّب إلى اللّه بما يشبه صفة من صفاته وإن كان تعالى لا يشبه به في صفاته ، وقيل : معناه أنّه المتفرّد بعلم ثوابه وغيره من الحسنات قد اطّلع غيره تعالى على قدر أجره كما قال : «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» (6) ،

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 75 ، ح 1773، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 152 ، ح 420 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 400 ، ح 13687 و 13688 .
2- .الحديث السادس من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 397 ، ح 13679 .
3- .صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 61 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 274 ، باب صيام التطوّع ؛ و ص 304 و 305 ، باب في فضل شهر رمضان و فضل الصيام ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 197 198 ؛ المعجم الأوسط ، ج 5 ، ص 131 ؛ و ج 9 ، ص 30 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 593 ، ح 24297 .
4- .اُنظر : شرح السنّة للبغوي ، ج 6 ، ص 224 ، شرح الحديث 1711 .
5- .اُنظر : فتح الباري ، ج 4 ، ص 109 .
6- .الأنعام (6) : 160 .

ص: 12

وأجر الصوم موكول إلى سعة جوده ، «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (1) . وقيل : وجه الإضافة أنّه لم يعبد أحد غير اللّه بالصوم ، بخلاف غيره من الصلاة والسجود والصدقة وأمثالها . وقوله : «وأنا أجزي عليه» بيان لكثرة الثواب وعظمته . (2) قوله في مرسل ابن أبي عمير : (لخلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك) . [ح 13 / 6264] نقل طاب ثراه عن عياض أنّه قال : الخلفة والخلوف بضمّ الخاء فيهما ، وكثير من الشيوخ يرويهما بالفتح ، وخطّأه الخطابي ، (3) والخلوف : هو تغيّر رائحة الفم ؛ لما يحدث من خلوّ المعدة بترك الأكل ، (4) وقيل : هو تغيّر أصل طعم الفمّ وريحه بتأخير الطعام ، (5) يُقال : خلف فوه خلوفا بالفتح في الماضي وبالضمّ في المستقبل ، إذا تغيّر . (6) وعن البغوي أنّه قال : استطابة الريح من صفة الحيوان الذي له طبع يميل به إلى الشيء فيستطيبه أو ينفر به عن آخر فيستقذره ، فنسبة الاستطابة إليه تعالى مجاز واستعارة . وقيل : معناه ينال صاحبها من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا . وقيل : المعنى هي أطيب عندي من ريح المسك وإن كانت عندنا بضدّ ذلك . وقيل : المعنى أنّ اللّه يُثيب عليها ما لا يثيب على رائحة المسك إذا تطيّب به للصلاة يوم الجمعة . واحتجّ الشافعي بالثناء على الخلوف على منع السواك بعد نصف النهار ؛ لأنّ السواك حينئذٍ يذهبه .

.


1- .الزمر (39) : 10 .
2- .حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 29 . وجميع الأقوال الذي بعده منقول عن الخطّابي موجود فيه غير القول الأخير ، وهو موجود في عمدة القاري ، ج 10 ، ص 260 .
3- .حكاه النووي في شرح صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 29 ؛ والزرقاني في شرحه ، ج 2 ، ص 263 264 .
4- .حاشية الدسوقي ، ج 1 ، ص 534 ؛ الثمر الداني ، ص 298 .
5- .حكاه الزرقاني في شرحه ، ج 2 ، ص 364 ونسبه إلى البرقي .
6- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 30 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 258 ؛ الفائق للزمخشري ، ج 10 ، ص 335 ، الخاء مع اللام .

ص: 13

باب فضل شهر رمضان

وأجازه مالك في النهاية كلّه معلّلاً بأنّه إن كان من المعدة فلا يذهبه السواك ، فإنّما جعل الكلام في الثناء على الخلوف استعارة وتنبيها على فضل الصوم لا على نفس الخلوف ، فذهابه وبقاؤه سواء . (1) قوله في خبر الحسن بن صدقة :(قيلوا ؛ فإنّ اللّه يطعم الصائم ويسقيه في منامه) . [ح 14 / 6265] قال طاب ثراه : «هو كناية عن القوّة التي يخلقها اللّه فيه ، ويحتمل أنّه يخلق من الشبع والريّ ما يكفيه ، (2) ويحتمل أنّه يطعمه حقيقةً من طعام الجنّة كرامةً له» .

باب فضل شهر رمضانقيل : السبب في تسمية رمضان أنّه وافق زمان الحرّ مشتقّ من الرمضاء ، وهي الحجارة الحارّة ، (3) ففي النهاية : «لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سمّوها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيّام شدّة الحرّ ورمضه» . (4) وفي الكشّاف : الرمضان مصدر رمض ، إذا احترق من الرمضاء ، سمّي بذلك لارتماضهم فيه من حرّ الجوع ، كما سمّوه ناتقا لأنّه كان ينتقهم ، أي يزعجهم بشدّته عليهم ، أو لأنّ الذنوب ترمض فيه ، أي تحترق . (5) وهذا هو المطابق لما رواه في المنتهى عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه : «إنّما سمّي رمضان لأنّه يحرق الذنوب» . (6)

.


1- .حاشية الدسوقي ، ج 1 ، ص 534 .
2- .اُنظر : فتح الباري ، ج 4 ، ص 181 ؛ تنوير الحوالك ، ص 286 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 72 .
3- .مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 224 ؛ ترتيب كتاب العين ، ج 1 ، ص 713 (رمض) .
4- .النهاية ، ج 2 ، ص 264 (رمض) .
5- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 336 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 556 . ورواه عبد اللّه بن قدامة في المغني ، ج 3 ، ص3 ؛ وعبدالرحمن بن قدامة في الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 3 .

ص: 14

وعن الخليل أنّه من الرمض بتسكين الميم ، وهو مطر يأتي في وقت الخريف يطهّر وجه الأرض من الغبار ؛ سمّي الشهر بذلك لأنّه يطهّر الأبدان عن أوضار الأوزار . (1) وقيل : إنّما سمّي بذلك لأنّ الجاهليّة كانوا يرمضون أسلحتهم فيه ليقضوا منها أوطارهم في شوّال قبل دخول أشهر الحرم . (2) ويظهر من المصنّف على ما سيأتي أنّ رمضان اسم اللّه تعالى ، وأنّ الإضافة لاختصاص هذا الشهر به تعالى،ُ ويؤيّده ما ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يصوم رجب ويقول : «رجب شهري ، وشعبان شهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وشهر رمضان شهر اللّه تعالى» . (3) قوله : في خبر عبداللّه بن عبداللّه : (تغلق فيه أبواب النار وتُفتح فيه أبواب الجنان) . [ح 5 / 6273] قال طاب ثراه : قال عياض : الغلق يحتمل كونه حقيقة ، ويُحتمل كونه كناية عن العفو أو عن الكفّ عن المخالفات . قال ابن العربي : وكونها حقيقة يقتضي كونها مفتوحة . وقال بعضهم : ليست إلّا مغلقة ؛ لقوله تعالى : «حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا» (4) . وقال أيضا : الفتح يُحتمل كونه حقيقة لدخول الشهر وتعظيما لحرمته ، ويحتمل أنّه كناية عن كثرة الثواب ، أو عمّا يفتح اللّه فيه على المؤمنين من أعمال البرّ التي لا يكون في غيره من الصيام ونحوه . وقال ابن العربي : فهو يدلّ على أنّها كانت مغلقة . وزعم بعضهم أنّها مفتّحة دائما من قوله تعالى : «حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا» ، وهذا اعتداء على كتاب اللّه وغلط ؛ إذ لم يجعله جوابا للجزاء .

.


1- .حكاه عنه الرازي في التفسير الكبير ، ج 5 ، ص 91 ، ولم يذكره الخليل في كتاب العين .
2- .نفس المصدر إلى قوله : «أوطارهم» ، وقال : وهذا القول يحكى عن الأزهري . وبتمامه مذكور في رياض السالكين ، ج 6 ، ص 11 ، شرح الدعاء الرابع والأربعين .
3- .مسار الشيعة للمفيد ، ص 56 . وورد في المقنعة بلفظ : «شهر رمضان شهر اللّه ، وشعبان شهر رسول اللّه ، ورجب شهري» ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 493 ، ح 13935 .
4- .الزمر (39) : 71 .

ص: 15

باب من فطّر صائما

وقال الآبي : إنّما يكون جوابا إذا كانت الواو زائدة ، وكذا أعربه الكوفيّون . وقال المبرّد : الجواب محذوف تقديره سعدوا ، والواو للحال ، ولاشكّ أنّ الحال لا يقتضي أنّها مفتوحة . ثمّ قال طاب ثراه : «هذا الخبر يدلّ على وجوب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله عند كلّ ذكر ، وقد بسطنا الكلام فيه في كتاب الدّعاء بما لا مزيد عليه» . قوله في خبر جابر : (غلّت مرَدَة الشياطين) . [ح 6 / 6274] نقل طاب ثراه عن عياض أنّه قال : الإغلال يحتمل كونه حقيقة وأن يكون كناية عن عدم تأثير غوايتهم ، وقد استراب مريب فقال : قد يقع من المعاصي فيه كما يقع في غيره . والجواب : أنّه لا يتعيّن في المخالفة أن يكون من وسوسة الشيطان ؛ إذ قد يكون من النفس وشهواتها . سلّمنا أنّها منه لكن ليس من شرط وسوسة اتّصالها بالنفس ؛ إذ قد يكون من بعد كما يوجد الألم في بدن المسحور عند تكلّم الساحر . على أنّه قال : «مردة الشياطين» ؛ لأنّهم في الكفر والتمرّد طبقات ، فتغتلّ المردة خاصّة فتقلّ المخالفات ، ولاشكّ في قلّتها في رمضان .

باب من فطّر صائماأراد قدس سره بذلك تفطيره عند المساء ، ويدلّ على استحبابه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن فطّر صائما فله مثل أجره» . (1) وفي المنتهى : ورواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- .مصباح المتهجّد ، ص 626 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 201 ، ح 579 ، و هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 138 ، ح 13046 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 625 . والحديث في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 240 ؛ والمعجم الأوسط ، ج 6 ، ص 69 ؛ والمعجم الكبير ، ج 5 ، ص 255 ؛ وج 11 ، ص 150 ؛ وكنزالعمّال ، ج 4 ، ص 322 ، ح 10712 ؛ وج 5 ، ص 125 ، ح 12341 ؛ وج 8 ، ص 452 ، ح 23615 ، وص 458 ، ح 23652 . ونحوه في : مسند أحمد ، ج 4 ، ص 114 115 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 7 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 151 ، ح 804 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2 ، ص 256 ، ح 3330 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 216 ؛ وج 10 ، ص 491 ؛ المعجم الأوسط ، ج 2 ، ص 7 ؛ وج 6 ، ص 69 ؛ وج 7 ، ص 153 ؛ وج 8 ، ص 214 .

ص: 16

باب في النهي عن قول رمضان بلا شهر

باب ما يقال مستقبل شهر رمضان

وعن موسى بن بكر ، قال : «فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك» . (1) وعن مسعدة بن صدقة . (2)

باب في النهي عن قول رمضان بلا شهرقال طاب ثراه : ورد ذلك النهي من طرق العامّة أيضا معلّلاً بأنّه من أسماء اللّه تعالى ، (3) وإنّما يُقال شهر رمضان كما في القرآن ، وهو محمول على الكراهة عند الفريقين كما صرّحوا به ؛ للأخبار المتكثّرة المتضمّنة للإطلاق بلا إضافة الشهر من الطريقين . وقال عياض : أجاز البخاري النطق به بدون الإضافة ، وهو الصحيح ، ومنعه أصحاب مالك ، وفرّق الباقلاني ، فأجاز أنّ صحبته قرينة تصرف اللفظ إلى الشهر . (4)

باب ما يقال مستقبل شهر رمضانالأدعية المأثورة فيه قد تكثّرت ، وفي كتب الأدعية قد تكرّرت وأحسنها دعاء الصحيفة الكاملة . (5) قوله في حسنة عليّ بن رئاب : واغفر لي الذُّنوب التي تغيِّر النِّعم ، إلى آخره . [ح 3 / 6284]

.


1- .هذا هو الحديث الثاني من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 201 ، ح 580 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10، ص 139، ح 13048 .
2- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ، ومتنه مغاير لحديث موسى بن بكر .
3- .اُنظر: السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 201 202؛ كنزالعمّال، ج 8 ، ص 484، ح 23743.
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 247 248 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 278 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 265 .
5- .وهو الدعاء .

ص: 17

باب الأهلّة والشهادة عليها

كلّ من هذه الذنوب إشارة إلى ذنبٍ خاصّ ، فقد روى . (1)

باب الأهلّة والشهادة عليهالقد أجمع الأصحاب على ثبوت الهلال بأحد شيئين : الأوّل : الرؤية . ويثبت بذلك في حقّ الرائي وإن انفرد به ، عدلاً كان أو فاسقا ، شهد عند الحاكم أو لا ، قبلت شهادته أم لا ، وعلى وجوب الكفّارة لو أفطر هذا اليوم من غير عذر . وبذلك قال جمعٌ من العامّة أيضا ؛ منهم مالك (2) والشافعي (3) وأصحاب الرأي والليث وابن المنذر ، (4) إلّا أنّ أبا حنيفة منهم لم يوجب الكفّارة بإفطاره ؛ (5) معلّلاً بأنّ الكفّارة عقوبة ، فلا يجب بفعل مختلفٍ فيه كالحدود . واُجيب بالمنع من كونها عقوبة سلّمنا لكن ينتقض بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه أيضا . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره قوله سبحانه : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (6) . وما رواه الشيخ عن المفضّل وعن زيد الشحّام جميعا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن الأهلّة ، فقال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم وإذا رأيته فافطر» . قلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟

.


1- .كذا بالأصل ، والظاهر أنّ العبارة فيها سقط .
2- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 449 450 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 92 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 280 ؛ المدوّ نة الكبرى ، ج 1 ، ص 193 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 287 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 279 و 288 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 205 ، المسألة 60 .
3- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 104 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 280 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 449 450 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 92 ؛ حواشي الشرواني ، ج 3 ، ص 372 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 205 ، المسألة 60 .
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 92 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 10 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 280 281 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 558 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 280 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 205 ، المسألة 60 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 162 .
6- .البقرة (2) : 185 .

ص: 18

فقال : «لا ، إلّا أن تشهد لك بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقضِ ذلك اليوم» . (1) وعن أبي العبّاس عنه عليه السلام قال : «الصوم للرؤية والفطر الرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون» . (2) وعن عليّ بن محمّد القاساني ، قال : كتبت إليه وأنا بالمدينة أسأله عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان ، هل يُصام أم لا ؟ فكتب : «اليقين لا يدخل فيه الشكّ ، صُم للرؤية وافطر للرؤية» . (3) وعن محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني أبو عليّ بن راشد ، قال : كتب إليّ أبو الحسن العسكري عليه السلام كتابا وأرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان ، وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومئتين ، وكان يوم الأربعاء يوم شكّ ، وصام أهل بغداد يوم الخميس ، وأخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخمس ولم يغب إلّا بعد الشفق بزمانٍ طويل ، قال : فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس ، وأنّ الشكّ كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء ، قال : فكتب إليّ : «زادك اللّه توفيقا فقد صمت بصيامنا» . قال : ثمّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبت به إليه ، فقال لي : «أوَلَم أكتب إليك إنّما صمت يوم الخميس ولا تصم إلّا للرؤية» . (4) وعن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه أبوعمرو : أخبرني يا مولاي ، أنّه ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علّة ، فيفطر الناس ونفطر معهم ، ويقول قوم من الحسّاب قِبلنا أنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر وافريقيّة والأندلس ، فهل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 155 156 ، ح 430 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 62 63 ، ح 200 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 253 ، ح 13341 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 ، ح 431 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 253 ، ح 13342 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 445 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 210 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 156 ، ح 13351 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 167 ، ح 475 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 281 ، ح 13418 .

ص: 19

على أهل الأمصار ، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا ؟ فوقّع عليه السلام : «لا تصومنّ الشكّ ، افطر لرؤيته وصُم لرؤيته» . (1) وعن منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال : «صُم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته» . (2) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، عنه عليه السلام ، أنّه قال : في كتاب عليٍّ عليه السلام : «صُم لرؤيته وافطر لرؤيته» . (3) وفي الحسن الموثّق عن عبد السلام بن سالم ، عنه عليه السلام ، أنّه قال : «إذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيت الهلال فافطر» . (4) وفي الصحيح عن الفضيل بن عثمان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية» . (5) وفيه أخبار اُخر أيضا سيأتي بعضها . ومن طرق العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» . (6) وعن ابن عمر : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر رمضان فقال : «لا تصوموا حتّى تروا الهلال ولا تفطروا حتّى تروه ، فإن غمّ عليكم فاكملوا العدّة ثلاثين» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 446 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 297 ، ح 13459 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 157 ، ح 436 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 64 ، ح 205 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 ، ح 13346 ، و ص 287 ، ح 13433 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 441 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 208 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 255 ، ح 13349 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 465 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 257 258 ، ح 13358 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 442 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 209 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 255 ، ح 13350 .
6- .مسند الشافعي ، ص 187 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 226 و 258 ؛ وج 2 ، ص 422 و 430 و438 و 454 و 456 و 469 و 497 ؛ وج 4 ، ص 23 و 321 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 2 ، صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 124 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 98 ، ح 683 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 133132 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 69 ، ح 2426 و 2427 ؛ وص 72 ، ح 2439 و 2440 ؛ وص 85 ، ح 2499 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 425 .
7- .مسند الشافعي ، ص 103 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 208 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 142 143 ، ح 2150 .

ص: 20

واحتجّ الشيخ عليه أيضا بقوله تعالى : «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» (1) ، وقال : فبيّن تعالى أنّه جعل هذه الأهلّة معتبرة في تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا يعتبر فيه الوقت وما يعمل الصحابة والتابعون إلى يومنا هذا في تعريف الشهور بمعاينة الهلال ورؤيته . (2) وعن عطاء والحسن البصري وابن سيرين وإسحاق أنّه لا يصوم الرائي وحده إذا لم يرَ الهلال غيره ، بل يفطر هو أيضا ؛ (3) محتجّين بأنّ هذا اليوم محكومٌ عليه عند حكّام الشرع بأنّه من شعبان . والجواب : أنّه إنّما حكم به من شعبان لغير الرائي ، وأمّا عنده فهو محكومٌ به من رمضان . الثاني : الشهادة . واتّفق الأصحاب على اشتراط كون الشاهد رجلاً في شهادة الأهلّة وعدم قبول شهادة النساء في ذلك ، (4) خلافا للعامّة . ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم (5) وحسنة حمّاد بن عثمان (6) ، ويستفاد من غيرهما من الأخبار أيضا . ثمّ اختلفوا في عدد الشهود ، فالمشهور اعتبار عدد البيّنة المعتبرة في الدعاوى من العدلين مطلقا ؛ لإطلاق أخبار دلّت على اعتبار البيّنة وقد سبق نبذٌ منها ، وصريح حسن حمّاد بن عثمان ، وما رواه الشيخ قدس سرهعن صبّار أو صابر على اختلاف النسخ مولى أبي

.


1- .البقرة (2) : 189 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 154 155 ، باب علامة أوّل شهر رمضان وآخره .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 588 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 280 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 92 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 10 .
4- .اُنظر : المقنع ، ص 183 ؛ الانتصار ، ص 184 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 267 ؛ المختصر النافع ، ص 280 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 241 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 175 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب .
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب .

ص: 21

عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يصوم تسعة وعشرين يوما ، ويفطر للرؤية ويصوم للرؤية ، أيقضي يوما ؟ فقال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : لا ، إلّا أن يجيء شاهدان عدلان فيشهدا أنّهما رأياه قبل ذلك بليلته ، فيقضي يوما» . (1) وعن يعقوب بن شعيب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّا عليه السلام قال : لا اُجيز في الطلاق ولا في الهلال إلّا رجلين» . (2) وفي الحسن عن شعيب ، عن أبي بصير ، عنه عليه السلام ، أنّه سُئِلَ عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان ، فقال : «لا تقضيه إلّا أن يثبت شاهدان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر» . وقال : «لا تصم ذلك اليوم الذي تقضي إلّا أن يقضي أهل الأمصار ، فإن فعلوا فصمه» . (3) وعن منصور بن حازم ، عنه عليه السلام أنّه قال : «صُم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته ، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» . (4) وفي الصحيح عن هشام بن الحكم ، عنه عليه السلام أنّه قال فيمن صام تسعة وعشرين ، قال : «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما» . (5) وفي الصحيح عن أبي الصباح والحلبي جميعا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه سُئل عن الأهلّة ، فقال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم وإذا رأيته فافطر» . قلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟ فقال : «لا ، إلّا أن تشهد لك بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقضِ ذلك اليوم» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 165 ، ح 468 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 268 ، ح 13389 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 316 317 ، ح 962 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 289 ، ح 13438 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 157 ، ح 438 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 287 ، ح 13434 ، وص 293 ، ح 13447 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 157 ، ح 436 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 62 63 ، ح 205 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 ، ح 13346 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 443 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 165 ، ح 13381 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 157 ، ح 434 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 204 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 ، ح 13345 .

ص: 22

وبسند آخر موثّق عن عبيداللّه بن عليّ الحلبي ، عنه عليه السلام مثله . (1) وعن عبداللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الأهلّة ، فقال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فافطر» ، قلت : إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟ قال : «لا ، إلّا أن تشهد بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» . (2) وعن أبي أحمد عمر بن الربيع البصري ، قال : سئل الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلامعن الأهلّة ، قال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فافطر» ، فقلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟ قال : «لا ، إلّا أن تشهد لك عدول أنّهم رأوه ، فإن شهدوا فاقضِ ذلك اليوم» . (3) ومن طرق العامّة روى في العزيز أنّه صلى الله عليه و آله قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ، إلّا أن يشهد شاهدان» . (4) وهذا القول منقول عن معظم الأصحاب ؛ منهم الشيخ المفيد (5) والسيّد المرتضى (6) وابن إدريس رضى الله عنه ، (7) وعن الشافعي في أحد قوليه ، (8) وعن مالك (9) والليث والأوزاعي وإسحاق ، (10) وجزمَ به العلّامة في المختلف ، (11) وعدّه في المنتهى أقرب ، (12) وهو ظاهر الشيخ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 161 162 ، ح 455 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 163 ، ح 459 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 ، ح 13387 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 163 ، ح 460 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 ، ح 13388 .
4- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 250 . والحديث في: صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 205 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 489 ، ح 23769 .
5- .المقنعة ، ص 297 298 .
6- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 54).
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 380 381 .
8- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 277 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 421 .
9- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 258 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 282 .
10- .المجموع ، ج 6 ، ص 282 .
11- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 488 .
12- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .

ص: 23

في الخلاف حيث قال : «وعلامة شهر رمضان ووجوب صومه أحد شيئين : إمّا رؤية الهلال ، أو شهادة شاهدين» . (1) وقال العلّامة في المختلف : قال الشيخ في النهاية : وإن كان في السماء علّة لم يثبت إلّا بشهادة خمسين من أهل البلد أو عدلين من خارجه ، وإن لم يكن هناك علّة وطلب فلم يرَ لم يجب الصوم ، إلّا أن يشهد خمسون من خارج البلد بأنّهم رأوه . (2) وبه قال ابن البرّاج . (3) وفي المبسوط : فإن كان في السماء علّة من غيم أو قتام أو غبار وشهد عدلان مسلمان برؤيته وجب الصوم ، وإن لم تكن هناك علّة لم تقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً ، ومتى كانت في السماء علّة ولم يرَ في البلد أصلاً وشهد من خارج البلد نفسان عدلان قبل قولهما ووجب الصوم ، وإن لم تكن علّة غير أنّهم لم يروه لم يقبل بمن خارج البلد إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً . (4) فقد خالف مفهوم كلامه هنا قوله في النهاية بأنّه يقبل مع العلّة شهادُة عدلين من البلد . وفي الخلاف : لا يقبل في هلال رمضان إلّا شهادة شاهدين ، فأمّا الواحد فلا يقبل فيه ، هذا مع الغيم ، فأمّا مع الصحو فلا يقبل فيه إلّا خمسين قسامة أو اثنان من خارج البلد . ونقل ابن إدريس عن الشيخ [في الخلاف] (5) أنّه يعتبر الشاهدين حيث قال : علامة رمضان أحد شيئين : رؤية الهلال ، أو شهادة شاهدين ، ثمّ نقل ما نقلناه أوّلاً ، ونسب كلام الشيخ في النهاية والخلاف إلى الاضطراب . (6) وقال أبو الصلاح : يقوم مقام الرؤية شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره من العوارض ، وفي الصحو وانتقائها إخبار خمسين رجلاً . (7) فاعتبر العلّة وعدمها ولم يعتبر الخارج من البلد والداخل .

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 169 ، المسألة 8 .
2- .النهاية ، ص 151 152 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 189 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 267 .
5- .اُضيفت من المصدر ، وتقدّم كلامه قبل سطور .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 383 .
7- .الكافي في الفقه ، ص 181 .

ص: 24

وقال الصدوق ابن بابويه في المقنع : واعلم أنّه لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال إلّا خمسين رجلاً عدد القسامة ، وجوّز شهادة رجلين عدلين إذا كانا من خارج البلد أو كان بالمصر علّة (1) . (2) ثمّ حكى احتجاج الشيخ بما رواه حبيب الخزاعي ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علّة فأخبرا أنّهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية» . (3) وفي الصحيح عن العبّاس بن موسى ، عن يونس ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عنه عليه السلام ، قال : قلت له : كم يجزي في رؤية الهلال ؟ قال : «إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : قد رأيته ، ويقول الآخرون : لم نرَه ، إذا رآه واحد رآه مئة ، وإذا رآه مئة رآه ألف ، ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم تكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان في مصر» . (4) وبأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحّة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّرا إلّا إذا وجدت العلّة ، فإنّه يحتمل اختلاف الأبصار في الحدّة والضعف ، فيرى بعضهم دون بعض . (5) وحكى في المنتهى (6) احتجاجه بما رواه في الموثّق عن عبداللّه بن بكير عنه عليه السلام قال : «صُم للرؤية وافطر للرؤية ، وليس رؤية الهلال أن يجيء الرجل والرجلان فيقولان

.


1- .المقنع ، ص 183 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 488 489 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 448 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 74 75 ، ح 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 290 291 ، ح 13442 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 160 ، ح 451 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 289 ، ح 13439 .
5- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 131 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .

ص: 25

رأينا ، إنّما الرؤية أن يقول القائل : رأيت ، فيقول القوم : صدقت» . (1) وحملت في المشهور هذه على صورة عدم عدالة الشهود والرجوع إلى الشياع وعدم حصول العلم القطعي من شهادة أقلّ من خمسين . وعلى هذا لو لم يحصل العلم من شهادة خمسين أيضا لابدّ من الزيادة كما يستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظنّي ولكن بالرؤية ، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد : هو ذا هو ، وينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة وألف ، وإذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين» . وزاد حمّاد (2) فيه : «وليس أن يقول رجل : هو ذا هو» ، لا أعلم إلّا قال : «ولا خمسون» . (3) ورواية أبي العبّاس ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون» . (4) وأجاب في المنتهى عن أخبار الشيخ أوّلاً بضعف السند ، ثمّ باحتمال الخطأ في الناظرين والتهمة بالكذب . (5) وفي المختلف أيضا أجاب بهذا . (6) وتضعيف السند في خبر الخزاعي مسلّم ؛ لجهالته ، (7) وأمّا في الأخير خبر ابن بكير

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 ، ح 431 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 253 ، ح 13342 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 464 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 291 ، ح 13443 .
4- .الراوي عن محمّد بن مسلم اثنان : أحدهما أبو أيّوب، والثاني حمّاد ، وهذه الزيادة لم ينقلها أبو أيّوب .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 ، ح 433 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 203 (و زيادة حمّاد غير موجودة في الاستبصار)؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 290 ، ح 13440 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 493 .
7- .اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 4 ، ص 228 ، الرقم 2580 .

ص: 26

فمبني على أنّ ابن بكير كان فطحيّا ، وإن وثّقوه فلا يعبأ بما يرويه ، ولكن اشتهر بين الأصحاب كونه كالصحيح بناءً على إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه . (1) وأمّا خبر الخزّاز فهو مبنيّ على اشتراك العبّاس بن موسى وما قيل في يونس بن عبد الرحمن ، والظاهر أنّ العبّاس هو الورّاق ، فإنّه الذي يروي عن يونس ، وهو كان ثقة ، (2) وكذا يونس بن عبد الرحمن (3) على ما مرّ . وكذا حكم في المختلف (4) بصحّة هذا الخبر ، وعن اعتباره بجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ولقوّة الحاسّة وضعفها والنقصان للرؤية وعدمه واختلاف مواضع نظرهم . (5) واختار سلّار على ما حكي عنه في المختلف (6) والمنتهى (7) قبول شهادة الواحد في أوّله ، وأنّ الصوم يجب بها دون آخره ، فلا يجوز الإفطار بها (8) محتجّا بالاحتياط ، وبرواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا رأيتم الهلال فافطروا ، أو شهد عليه عدلٌ من المؤمنين» ، (9) الخبر ، وسيأتي . ويرد عليه أنّ الخبر لو صحّ لدلَّ صريحا على قبول شهادة الواحد في آخر شهر رمضان ، وهو لا يقول به ، بل لم يقل به أحد أهل العلم سوى أبي ثور على ما يظهر من المنتهى حيث قال :

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 488 .
2- .معرفة رجال الحديث ، ج 2 ، ص 673 ، الرقم 705 .
3- .رجال النجاشى ، ص 280 ، الرقم 742 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 210 .
4- .رجال النجاشي ، ص 446 ، الرقم 1208 ؛ رجال الطوسي ، ص 346 ، الرقم 5167 ؛ وص 368 ، الرقم 5478 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 492 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 . ومثله في تذكره الفقهاء ، ج 6 ، ص 131 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 588 .
8- .المراسم العلويّة ، ص 94 .
9- .الفقيه ، ج 2 ، ص 124 ، ح 1911 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 207 ، وص 73 ، ح 222 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 440 ؛ وص 177 ، ح 491 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 255 ، ح 13348 صدر الحديث ، وص 264 265 ، ح 13379 ، وص278 ، ح 13410 ، وص 288 ، ح 13435 . وفى الجميع : «عدل من المسلمين» .

ص: 27

لا يقبل في شهادة الإفطار إلّا شاهدين ، وهو قول عامّة الفقهاء . وقال أبو ثور : يقبل واحد ، (1) وما رواه الجمهور عن طاووس ، قال : شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عبّاس ، فجاء رجل إلى واليها فشهد عنده على هلال شهر رمضان ، فسأل ابن عمر وابن عبّاس عن شهادته ، فأمراه أن يجيزه ، وقالا : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان ، قالا : وكان لا يجيز على شهادة الإفطار إلّا شاهدين رجلين (2) . (3) ومن طريق الخاصّة تقدّم الأحاديث فيه ، وقد وافق سلّار الشافعي في قول آخر . (4) وفي العزيز : وبه قال أحمد في الرواية الصحيحة ؛ لما روي عن ابن عبّاس ، قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله من الحرّة ، (5) فقال : إنّي رأيت الهلال ، فقال : «تشهد أن لا إله إلّا اللّه ؟» فقال : نعم ، قال : «تشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ؟» قال : نعم ، قال : «يا بلال ، أذّن في الناس فليصوموا غدا» . (6) وعن عبداللّه بن عمر ، قال : ترآءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّي رأيته ، فصام وأخبر الناس بالصيام (7) . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .
2- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 281 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 94 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 10 .
3- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 137 ، ح 2129 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 252 ، وفيهما : «إلّا بشهادة رجلين» .
4- .المراسم العلويّة ، ص 233 234 .
5- .كلمتا «من الحرّة» موجودة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 ، وليستا في مصادر الحديث .
6- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 5 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 132 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 68 ، ح 2422 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 4 ، ص 407 ، ح 2529 ؛ المنتقى ، ص 103 ، ح 379 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 229 230 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 138 ، ح 2134 .
7- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 4 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 525 ، ح 2342 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 423 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 212 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 231 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 4 ، ص 165 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 137 ، ح 2127 .
8- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 251 252 .

ص: 28

وهو قريب من قول أبي حنيفة . وقال : «لا يقبل في الصحو (1) [إلاّ] (2) الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل الاثنين» . (3) وعلى القول باعتبار الواحد في الأوّل إذا صام ثلاثين بشهادته وغمّ هلال شوّال ، هل يفطر أو لا ؟ الظاهر العدم كما لا يفطر لو أخبر بهلال شوّال ؛ إذ إفطاره حينئذٍ يبتني على شهادة الواحد . وبه قال محمّد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه . (4) وحكى في المنتهى عن أبي حنيفة وقولاً آخر للشافعي الإفطار ، (5) واستوجهه معلّلاً بأنّ الصوم يثبت شرعا بشهادة الواحد ، فيثبت الإفطار باستكماله ما شهد به الواحد ولا يكون إفطارا بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ويثبت بهنّ (6) الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة ، (7) فتأمّل . وإذا رأى الهلال في الليلة التاسع والعشرين يظهر أنّه قد وقع الغلط في أوّل الشهر ؛ لأنّ الشهر لا يكون ثمانية وعشرين يوما ، وهو ظاهر غير محتاج إلى البيان . وقد ورد أيضا عن حمّاد بن عيسى ، عن عبداللّه بن سنان ، عن رجل نسى حمّاد بن عيسى اسمه قال : صام عليّ عليه السلام بالكوفة ثمانية وعشرين يوما شهر رمضان فرأوا الهلال ، فأمر مناديا أن ينادي : «اقضوا يوما ، فإنّ الشهر تسعة وعشرون يوما» . (8) وإذا لم يرَ يتمّ الشهر ثلاثين يوما يصوم أو يفطر حينئذٍ قطعا ؛ لأنّ الشهر لا يكون

.


1- .الصحو : ذهاب الغيم .
2- .ما بين الحاصرتين لتقويم العبارة ؛ للتصريح بذلك فى المصادر التالية .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 258 . ومثله في المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 93 ، والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 9 .
4- .المجموع ، ج 6 ، ص 278 279 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 258 259 .
5- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 94 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 10 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 278 .
6- .. هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «بهم» .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 133 134 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 159 ، ح 444 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 296 ، ح 13458 .

ص: 29

أزيد من ثلاثين ، وقد سبق في بعض الأخبار أيضا . الثالث : الشياع . ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الهلال به على ما ادّعاه في المنتهى . (1) واحتجّ عليه بأنّه نوع تواتر يفيد العلم ، ويستفاد ذلك من أخبار الخمسين وغيرها ممّا ذكر ، والظاهر اعتبار العلم المعتبر في التواتر ، فلا ينحصر المخبرون في عدد ، ولايعتمد (2) على خبر المرأة والصغير والكافر ، كما في سائر المتواترات . وقال صاحب المدارك : قال العلّامة في التذكرة : «ولو لم يحصل العلم بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع» . (3) ونحوه ذكر الشارح وغيره ويعني بالشارح الشهيد الثاني في شرح الشرائع (4) وغيره (5) واحتمل في موضع من الشرح اعتبار ازدياد الظنّ الحاصل من ذلك على ما يحصل منه ، بقول العدلين لتتحقّق الأولويّة المعتبرة في مفهوم الموافقة . ويشكل بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلاً بإفادتهما الظنّ ؛ ليتعدّى إلى ما يحصل به وتتحقّق الأولويّة المذكورة ، وليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل ، وإنّما هو مستنبط فلا عبرة به ، مع أنّ اللّازم من اعتباره الاكتفاء بالظنّ الحاصل من القرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل من شهادة العدلين أو كان أقوى منه ، وهو باطل إجماعا ، والأصحّ اعتبار العلم . (6) ولا يجوز الاعتماد في ذلك على الجدول ولا على كلام المنجّمين اتّفاقا منّا ، (7) وفاقا

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 590 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 136 ، المسألة 80 .
2- .هذا هو الظاهر ، وهذه الكلمة في الأصل غير واضحة .
3- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 126 ، المسألة 80 .
4- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 51 .
5- .كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 287 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 165 166 .
7- .اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 267؛ الخلاف، ج 2، ص 180؛ المعتبر، ج 2، ص 688؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 493؛ تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 137، المسألة 82 ؛ مختلف الشيعة، ج 3، ص 497 498.

ص: 30

لأكثر العامّة . (1) ويدلّ عليه حصر العلامة فيما ذكر من الرؤية والثبوت ، وخبر محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه أبو عمرو : أخبرني يا مولاي ، أنّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ، ونرى السماء ليست فيها علّة ، فيفطر الناس ونفطر معهم ، ويقول قوم من الحسّاب قبلنا : إنّه يرى في تلك الليلة بعينها في مصر وأفريقية والأندلس ، فهل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض على أهل الأمصار ، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا ؟ فوقّع عليه السلام : «لا تصومنّ الشكّ ، افطر لرؤيته وصُم لرؤيته» . (2) ومنشأه أنّ الجدول على تقدير أصالة السند مأخوذ من قول الفلاسفة الغير المتديّنين بدين ، فكيف يكون محلّاً للاعتماد ؟ وفي العزيز : ولا يلحق بهما يعني بالرؤية والثبوت ما يقتضيه حساب المنجّم ، فلا يلزمه به شيء لا عليه ولا على غيره . قال القاضي الروياني : وكذا من عرف منازل القمر فلا يلزمه الصوم به في أصحّ الوجهين . وأمّا الجواز فقد قال في التهذيب : لا يجوز تقليد المنجّم في حسابه لا في الصوم ولا في الإفطار ، فهل يجوز أن يعمل بحساب نفسه ؟ فيه وجهان . وفرض الروياني الوجهين فيما إذا عرف منازل القمر وعلم به أنّ الهلال قد أهلّ ، وذكر أنّ الجواز اختيار ابن سريج والقفّال والقاضي الطبري ، قال : لو عرفه بالنجوم لم يجز أن يصوم به قولاً واحدا ، ورأيت في بعض المسودّات تعدية الخلاف في جواز العمل به إلى غير المنجّم ، واللّه أعلم ، (3) انتهى .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 446 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 297 ، ح 13459 .
2- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 266 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 271 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 210 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 279 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 460 ؛ حاشية ردّ المختار ، ج 2 ، ص 431 ؛ تفسير القرطبي ، ج 2 ، ص 293 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 266 267 .

ص: 31

وهناك علامات اُخر قد اختلفت الأقوال في اعتبار أكثرها ؛ لاختلاف الأخبار ، ونفاها الأكثر بناءً على الحصر المذكور ، وضعف هذه . وظاهر المصنّف قدس سره اعتبار أكثرها : منها: غروب الهلال بعد الشفق . فقيل : هو دليل على كونه لليلتين ، ففي المختلف : (1) قال الصدوق أبو جعفر بن بابويه في المقنع : «واعلم أنّ الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة ، فإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين ، ولو رأى فيه ظلّ الرأس فهو لثلاث ليال» . (2) ورواه في كتاب من (3) لا يحضره الفقيه ، (4) ورواه أبو علي في رسالته (5) لرواية الصلت (6) وخبر إسماعيل بن الحرّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» . (7) ويناقضه ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى من مكاتبة [أبو]عليّ بن راشد إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام (8) وقد سبق . ومنها : التطوّق . وقد اعتبر الشيخ هاتين العلامتين في كتابي الأخبار مع الغيم وغيره ونحوه لخبر مرازم . (9) وروى مسلم عن ابن عبّاس أنّه قال : لا عبرة بكبر الهلال وإنّما هو ابن ليلة ؛ لأنّ اللّه يخلقه كبيرا فيُرى بخلقه صغيرا ، فقد يرى وقد لا يرى . (10)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 167 ، ح 475 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 281 ، ح 13418 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 496 .
3- .المقنع ، ص 183 184 .
4- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «ما» .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 125 ، ح 1917 .
6- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 496 .
7- .هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
8- .هو الحديث 12 من هذا الباب .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 178 ، ح 495 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 75 ، ح 229 . وهذا هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 124 ، ح 1916 .
10- .اُنظر : صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 127 128 .

ص: 32

ومنها : رؤية الهلال قبل الزوال . فظاهر المصنّف قدس سره أنّه حينئذٍ للّيلة المستقبلة ، وبه قال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الناصريّات ، وحكاه عن عليّ عليه السلام وابن مسعود وابن عمر وأنس ، وقال : الإجماع عليه ، (1) وهو محكي في المنتهى (2) عن الثوري وأبي يوسف ، (3) ، ويدلّ عليه حسنة حمّاد . (4) وما رواه الشيخ في الموثّق عن عبيد بن زرارة وعبد اللّه بن بكير ، قالا : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا رأى الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال ، وإذا رأى بعد الزوال فهو من شهر رمضان» . (5) وقال طاب ثراه : ويحتمل حمل هذه على التقيّة ؛ لموافقتها لمذهب جمع من العامّة . قال محيي الدِّين البغوي : «إذا رأى الهلال بعد الزوال فهو للّيلة المقبلة ، وإذا رأى قبله فهو للّيلة التي قبله ، وقيل للتي بعده» . وقال الظاهرية : «هو في الصوم للماضية وفي الفطر للآتية ؛ أخذا بالاحتياط » (6) والمشهور بين الأصحاب أنّه لا اعتبار لها . وبه قال العلّامة في المنتهى ، (7) وحكاه عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد . 8

.


1- .الناصريّات ، ص 291 ، وكلامه صريح في أنّه للّيلة الماضية . وانظر : تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 347 ، والمصادر التالية .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
3- .تحفة الفقهاء ، ج1 ، ص 347 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 82 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 100 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 6 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 229228 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 279 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 272 273 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 460 .
4- .هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 176 ، ح 489 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 74 ، ح 226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 279 ، ح 13414 .
6- .المحلّى ، ج 6 ، ص 239 .
7- .اُنظر : المغني ، ج 3 ، ص 99 100 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 6 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 228 229 .

ص: 33

واحتجّ عليه بما رواه الجمهور عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنّه قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أوّل النهار فلا تفطروا حتّى تمسوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشية . (1) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى ، قال : كتبت إليه عليه السلام أسأله : جُعلت فداك ، ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربّما رأينا بعد الزوال ، فنرى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا ، وكيف تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام : «يتمّم (2) إلى الليل فإنّه [إن كان تامّا] رؤي قبل الزوال» . (3) وفي الصحيح عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل ، وإن غمَّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ افطروا» . (4) وعن جرّاح المدائني ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «مَن رأى هلال شوّال بنهار في رمضان (5) فليتمّ صيامه» . (6) وعن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال : «لا تصوم إلّا أن تراه ، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه

.


1- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 213 و 248 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 360 ، ح 2463 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 147 148 .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «تمِّم» .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 177 ، ح 490 ؛ الاسبتصار ، ج 2 ، ص 73 ، ح 221 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 279 ، ح 13413 ، وما بين الحاصرتين منهما .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 440 ؛ و ص 177 178 ، ح 491 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 207 ؛ وص 73 ، ح 222 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 265264 ، ح 13379 ؛ وص 278 ، ح 13410 .
5- .هذا هو الصحيح الموافق لمصادر الحديث ، وفي الأصل : «بنهار في شوّال» .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 178 ، ح 492 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 73 ، ح 223 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 278 ، ح 13411 .

ص: 34

فاقضه ، وإذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومك إلى الليل» . (1) وقال في المنتهى : «يعني أتمّ صومك إلى الليل على أنّه من شعبان دون أن ينوي أنّه من رمضان» . (2) ويؤيّد هذه الأخبار ما تقدّم من أخبار انحصار الطريق في الرؤية أو مضيّ ثلاثين يوما من شعبان . وأقول : خبرا محمّد بن عيسى وإسحاق بن عمّار يدلّان على نقيض مدّعاه ، فإنّ ظاهرهما من إتمام الصوم إلى الليل إتمامهما بنيّة رمضان ، فيدلّان على أنّ الهلال المرئي قبل الزوال ووسط النهار ، يعني القريب من الزوال عرفا للّيلة الماضية . والتأويل بإتمامه بنيّة الشعبان تكلّف بعيد . بل خبر محمّد بن قيس أيضا ، فإنّه يفهم منه اعتباره إذا رؤي قبل وسط النهار المتبادر منه الزوال . ولولا خبر ابني زرارة وبكير لأمكن الجمع بين الأخبار بالقول باعتباره في الصوم دون الإفطار كما اختاره العلّامة في المختلف ، (3) لكن يأبى عنه هذا الخبر ، فإنّه يدلّ على اعتباره في الإفطار أيضا ، ولم أجد معارضا صريحا له ، وخبر جرّاح يمكن حمله على ما إذا رؤي بعد الزوال ، فقول السيّد المرتضى أقوى وإن كان قول العلّامة في المختلف أحوط . ومنها : العدد . وله عدّة معان : أوّلها : عدّ خمسة من هلال شهر رمضان في السنة الماضية وجعل اليوم الخامس أوّل شهر رمضان الحاضر ، فقد اعتبر الشيخ في المبسوط (4) مع غمّة المشهور معلّلاً بأنّه من المعلوم أنّه لا تكون الشهور تامّة ، وبالرواية التي

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 178 ، ح 493 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 73 ، ح 224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 278 279 ، ح 13412 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 495 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 267 268 .

ص: 35

وردت بذلك ، وهي ما رواه عن عمران الزعفراني ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى السماء ، فأيّ يومٍ نصوم ؟ قال : «افطر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصُم يوم الخامس» . (1) وعن عمران أيضا قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما ، فأيّ يومٍ نصوم ؟ قال : «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعدّ خمسة أيّام وصُم يوم الخامس» . (2) وطريق الأوّل مرسل ، وفي الثاني سهل بن زياد ، (3) وعمران هذا مجهول الحال . (4) وبه قال الشهيد في الدروس مع الغمّة مقيّد بغير السنة الكبيسة ، وعدّ ستة فيها . (5) وهو قول ابن الجنيد على ما حكي عنه في المختلف أنّه قال : الحساب الذي يصام به يوم الخامس من اليوم الذي كان الصيام وقع فيه في السنة الماضية يصحّ إذا لم يكن السنة كبيسة ، فإنّه يكون فيها في اليوم السادس ، والكبس في كلّ ثلاثين سنة أحد عشر يوما مرّة في السنة الثالثة ، ومرّة في السنة الثانية . (6) ونفى عنه البأس في المختلف ، ونفاه في المنتهى (7) والأكثر منهم الشيخ في كتابي الاخبار (8) عملاً بما تقدّم من الأخبار دلالة على حصر الثبوت بالرؤية والشهور ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 496؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 230. و هذا هو الحديث الأوّل من باب بلا عنوان الذي يكون قبل «باب اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 283 284 ، ح 13424 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 497 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 231 . ورواه الكليني في الباب المتقدّم ذكره آنفا من الكافي ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 284 ، ذيل ح 13424 .
4- .وهو ضعيف . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 185 ، الرقم 490 ؛ الفهرست ، ص 142 ، الرقم 339 ؛ معالم العلماء ، ص 92 ، الرقم 383 ؛ رجال ابن داود ، ص 249 ، الرقم 229 . و وثّقه الشيخ في رجاله ، ص 387 ، الرقم 5699 .
5- .خلاصة الأقوال ، ص 383 ؛ رجال ابن داود ، ص 263 ، الرقم 361 .
6- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 285 ، الدرس 75 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 498 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179، ذيل ح 497؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ذيل ح 231 .

ص: 36

وإضعافا لهذين الخبرين بما ذكر وقد أوّلهما بالحمل على صوم اليوم الخامس من شعبان . وقال في المختلف : «وهذا وإن كان واردا على الخبرين إلّا أنّا نحن اعتمدنا على العادة وهو حسن» (1) إلّا أنّ الكلام في تعيين السنة الكبيسيّة وتمييزها عن غيرها ، وسيأتي تحقيق الكبس عن قريب . وثانيها : عدّ شعبان ناقصا ورمضان تامّا أبدا ، وبه فسّر في الدروس ، (2) والظاهر أنّ خبر هارون بن خارجة (3) مبنيّ على ذلك وهو مبنيّ على عدّ شهر تامّا وآخر ناقصا مبتدأ بالتامّ من المحرّم ، وبه قال الصدوق رضى الله عنهفي الفقيه (4) محتجّا بأخبار كثيرة وردت في أنّ شهر رمضان لا ينقص أبدا ، ويجيء القول فيه عن قريب . وفي المدارك : «والقول باعتبار العدد منقول عن شيخنا المفيد في بعض كتبه ، وأشار بالعدد إلى هذا المعنى» . (5) وثالثها : عدّ تسعة وخمسين من هلال رجب وجعل اليوم الستّين أوّل رمضان ، فقد اعتبره ابن أبي عقيل مع الغمّة ، ففي المختلف أنّه قال : قد جاءت الآثار عنهم عليهم السلام أن : صوموا رمضان للرؤية وافطروا للرؤية ، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة من رجب تسعة وخمسين يوما ، ثمّ الصيام من الغد . (6) وأشار بالآثار إلى ما رواه محمّد بن الحسن بن أبي خالد ، يرفعه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صحّ هلال رجب فعدّ تسعة وخمسين يوما وصم يوم الستّين» . 7

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 285 ، الدرس 75 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 499 .
3- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 171 ، ذيل ح 2044 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 177 .
6- .هذا هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ، ص 94 ، ح 75 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 125 ، ح 1918 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ح 232 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 180 ، ح 500 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 285 ، ح 13426 و 13428 ، و ص 298 299 ، ح 13463 .

ص: 37

وما رواه هارون بن خارجة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «عدّ شعبان تسعة وعشرين يوما ، وإن كانت متغيّمة فأصبح صائما ، وإن كانت مصحية وتبصّرته فلم ترَ شيئا فأصبح مفطرا» . (1) وحملهما الشيخ على أنّ المراد صوم يوم الستّين أو الثلاثين من شعبان ؛ معلّلاً بأن لو كان المراد الصوم من شعبان لما اختلف الحال بين الصحو والغيم ، فعلم أنّ المراد الحثّ على الصوم بنيّة أنّه من شعبان ، (2) وفيه تأمّل . ورابعها : عدّ كلّ شهر ثلاثين ، وبه قال جماعة ؛ منهم المحقّق في المعتبر (3) والشيخ في المبسوط ، (4) وهو ظاهر أكثر ما تقدّم من الأخبار . وخامسها : الجدول ، وهو حساب مأخوذ من سير القمر في كلّ شهر في السنة ، والشهر يُعرف به خروجه من المحاق وعن تحت شعاع الشمس على ما يثبت في التقاويم ، ولا يجوز التعويل عليه ؛ لأنّها مبنيّة على الظنّ والتخمين ، وكثيرا ما يتخلّف عن الواقع ، وأصله مبنيّ على القواعد التي أسّسوها المنجّمون من الفلاسفة الذين لا دين لهم . وظاهر المنتهى (5) وفاق الأصحاب على ذلك ، وقد نسبه إلى أكثر الفقهاء من العامّة ، لكن حكى الشيخ في الخلاف عن شاذّ منّا العمل عليه . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 447 ؛ و ص 180 ، ح 501 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ح 233 . وهو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 256 ، ح 13352 ؛ وص 299 ، ح 13464 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ذيل ح 233 ، وكان في الأصل : «رمضان» ، والتصويب حسب المصدر .
3- .لم أعثر عليه في المعتبر ، و قال به في شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 148 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 268 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 590 .
6- .الخلاف ، ج 2، ص 169 ، ولم ينقل ذلك عن الإماميّة، بل قال بعد نقل القول بعدم اعتباره : «وبه قالت الفقهاء أجمع ، وحكوا عن قوم شذاذ أنّهم قالوا : يثبت بهذين وبالعدد» . و هذا القول منقول عن ابن سريج من فقهاء العامّة . اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 270 و 276 و 279 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 271 (ونسبه أيضا إلى مطرف بن عبد اللّه وابن قتيبة) ؛ تنوير الحوالك ، ص 275 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 263 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 186 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 104 .

ص: 38

وفي المنتهى حكاه عن بعض من العامّة ، ثمّ قال : احتجّوا بقوله تعالى : «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (1) ، وبما رواه ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «فإن غمّ عليكم فاقدروا له» ، (2) والتقدير إنّما هو معرفة السير والمنازل ، وبأنّا رجعنا إلى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعيّة رتّب الشارع عليها أحكاما كثيرة ، فكذا هنا . والجواب : أنّ الاهتداء بالنجم معرفة الطريق ومسالك البلدان وتعريف الأوقات ، ونحن نقول بموجبه . وعن الحديث أنّ المروي : «فاقدروا له ثلاثين» وهذا يمنع كلّ تأويل ، وأمّا القبلة والوقت فالطريق إليهما هو مشاهدة النجوم لا قول المنجّم الذي يكذب أكثر الأوقات . (3) وهنا مسألة لابدّ من القول فيها ، فقد اشتهر بين الأصحاب أنّ الهلال إذا رؤي في أحد البلدان المتقاربة دون اُخرى وجب الصيام على ساكنيها أجمع ، بخلاف البلاد المتباعدة . ونسبه في المنتهى (4) إلى أحد قولي الشافعي . (5) ونقل عن العلّامة أنّه حكى في التذكرة عن بعض الأصحاب قولاً بوحدة حكم البلاد كلّها ، كانت متباعدة أو متقاربة . (6) ومالَ إليه في المنتهى حيث قال : «إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس من أهل البلاد ، سواء تباعدت أو تقاربت» 7 ولكن رجع عنه أخيرا على ما ستعرف .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .النحل (16) : 16 .
3- .مسند الشافعي ، ص 187 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 5 ، 13 ، 63 ، 145 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 3 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 227 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 122 _ 123 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 529 ، ح 1654 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 521 ، ح 2320 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 134 ؛ مسند الطيالسي ، ص 249 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 591 .
5- .المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3 ، ص 7 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 7 .
6- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 123 ، المسألة 76 .

ص: 39

ونسبه إلى أحمد والليث بن سعد وبعض أصحاب الشافعي . وحكى عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق تعدّد أحكام البلاد بالرؤية وعدمها من غير تقييد بالمتباعدة . (1) وإنّما أرادوا بالتقارب والتباعد الطوليين منهما دون العرضيين ، فإنّه إنّما يختلف مطالع الكواكب منها في البلاد بالأوّلين دون الثانيين ، وطول البلاد على اصطلاح أهل الهيئة بُعدها عن منتهى المعمورة في جهة الغرب ، أعني جزائر الخالدات التي يُقال : إنّها صارت معمورة في البحر المحيط ، (2) وعرضها بُعدها عن خط الاعتدال . ثمّ احتجّ على ما ذهب إليه بأنّ هذا اليوم الذي رؤي الهلال في ليلة في بعض البلاد يوم من شهر رمضان بالرؤية في هذا البلد ، وبالثبوت بالبيّنة في باقي البلاد ، فيجب صومه عموما ؛ (3) لعموم قوله تعالى : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» ، (4) وعمومات أكثر الأخبار المذكورة . (5) وأنت خبير بأنّ هذه العمومات ليست بحيث تشمل جميع الناس في جميع البلاد ، وقد ثبت بالضرورة أنّ اختلاف مطالع القمر ومغاربها بالتباعد الطولي ، فربّما كان القمر حين خروجه عن تحت شعاع الشمس وصيرورته هلالاً فوق الأرض في بلدة قد غرب في بلد آخر يكون شرقيّا لتلك البلدة ، وكلّ بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخّر عن غروب القمر فيه عن غروبه في البلد الشرقي ساعة ، على ما نقل عن المحقّق الشيخ فخر الدِّين في شرح القواعد (6) أنّه ذكروه ، وذكر أنّه عرفه بإرصاد الكسوفات

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 274 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 7 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 7 ؛ التمهيد ، ج 14 ، ص 356 .
3- .الجزائر الخالدات : وهى جزائر السعادة الّتي يذكرها المنجّمون في كتبهم ، كانت عامرة في أقصى المغرب في البحر المحيط ، وكان بها مقام طائفة من الحكماء ، ولذلك بنوا عليها قواعد علم النجوم . معجم البلدان ، ج 2 ، ص 132 .
4- .في النسخة : «عموم» ، والمناسب ما اُثبت .
5- .البقرة (2) : 158 .
6- .إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 252 .

ص: 40

القمريّة ، فهذا اليوم الذي هلاله رؤي في البلد الغربي غرّة شهر جديد في هذا البلد وسلخ الشهر السابق في ذلك البلد الشرقي . وقال العلّامة في المنتهى ردّا على هذا : ولو قالوا : إنّ البلاد المتباعدة تختلف عروضها ، فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض . قلنا : إنّ المعمور منها قدرٌ يسير هو الربع ، ولااعتداد به عند السماء . (1) وفيه : أنّه إذا أراد بالعروض ما اصطلحوا عليه من أبعاد البلاد عن خط الاعتدال وأنّ اختلافها لا يوجب اختلاف مطالع القمر ومغاربها فهو مسلّم ، لكن لا ينفعه ولا يضرّنا ؛ لما عرفت من أنّا إنّما اعتبرنا الاختلاف الطولي ، وإن أراد بعادها عن نقطة المغرب واصطلح على تسميتها عروضا فقد بيّنا أنّ اختلافها يوجب اختلاف المطالع والمغارب ؛ لثبوت ذلك بالأرصاد ، ولا يضرّه ما ذكره في أنّ المعمور من الأرض قدرٌ يسير . وأظنّ أنّي سمعت نفسي عن بعض أرباب الهيئة من افرنج يُقال له (رفائيل) : أنّ بلدهم الذي يُقال له ينك دُنيا (2) يكون محاذيا لبلدنا هذا المسمّى بأصفهان ، بحيث لو ثقبت الأرض من تحت أقدامنا لوصلت الثقبة إلى تحت أقدامهم ، وإذا كانت البلدان كذلك فظاهر أنّه إذا غرب كوكب عنّا يطلع عندهم . ويؤيّد ذلك ما احتجّ به من وافقنا من خالفنا على ما حكاه عنهم حيث قال : احتجّوا بما رواه كريب : أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، قال : فقدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليَّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ، ثمّ قدمت المدينة فحكيت ذلك لابن عبّاس ، فقال : أنت رأيته ؟ قلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت فلا يزال يصوم حتّى تكمل العدّة ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 593 .
2- .وهو المسمى اليوم بإمريكا .

ص: 41

باب نادر

قلت : أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (1) ونِعْمَ ما فعل حيث رجع في آخر البحث عمّا نقلنا عنه فقال : وبالجملة ، إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكرية الأرض لا يتساوى حكماهما ، أمّا بدون ذلك فالتساوي هو الحقّ . (2) ويتفرّع على القولين وجوب صوم أحد وثلاثين يوما وعدمه ، ووجوب الإفطار في اليوم التاسع والعشرين وعدمه كما لا يخفى .

باب نادريذكر فيه ما دلّ على أنّ شهر رمضان تامّ أبدا . أراد قدس سره بالنادر الغير المتكرّر في الاُصول ، ويحتمل أن يريد الحكم الشاذ قائله من الأصحاب ، والظاهر أنّ ذلك مذهبه ؛ لعدم ذكره الأخبار المعارضة لما ذكر ، وصرّح الصدوق رضى الله عنه به . واعلم أنّ الأخبار الدالّة على ما ذكر أكثرها مرويّة عن حذيفة بن منصور كروايتي ابن سنان ، والظاهر أنّه محمّد ، عن حذيفة بن منصور ، (3) وما رواه الشيخ عن ابن رباح ، عن حذيفة بن منصور ، عن معاذ بن كثير ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين ؟ فقال : «كذبوا ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوما ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق اللّه السماوات من ثلاثين يوما وليلة» . (4)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 593 .
2- .مسند أحمد ، ج 1 ، ص 306 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 127 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 523 ، ح 2332 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 100 101 ، ح 689 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 68 69 ، ح 2421 ؛ وسنن النسائي ، ج 4 ، ص 131 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 151 ، ح 2191 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 251 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 205 206 .
3- .الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 167 ، ح 477 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 211 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص268 269 ، ح 13392 .

ص: 42

وعن الحسن بن حذيفة ، عن أبيه ، عن معاذ ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يروون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام تسعة وعشرين يوما ؟ قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا واللّه ، ما نقص شهر رمضان منذ خلق اللّه السماوات من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة» . (1) وعن محمّد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا» . (2) وعن الحسن بن حذيفة ، عن أبيه ، عن معاذ بن كثير ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يروون عندنا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام هكذا وهكذا وهكذا ، وحكى بيده يطبق أحد كفّيه على الاُخرى عشرا وعشرا وتسعا أكثر ممّا صام هكذا وهكذا وهكذا ، يعني عشرا وعشرا وعشرا ، قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقلّ من ثلاثين يوما ، وما نقص شهر رمضان عن ثلاثين يوما منذ خلق اللّه السماوات والأرض» . (3) وعن أبي عمران (4) المنشد ، عن حذيفة بن منصور ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «[لا]واللّه ، ما نقص شهر رمضان ولا ينقص أبدا من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة» . فقلت لحذيفة : لعلّه قال لك : ثلاثين ليلة وثلاثين يوما كما يقول الناس الليل قبل النهار ؟ فقال لي حذيفة : هكذا سمعت . (5) وعن سماعة ، عن الحسن بن حذيفة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 478 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 212 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 269 ، ح 13393 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 479 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 269 ، ح 13394 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 480 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 214 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 270 ، ح 13396 .
4- .في الأصل : «ابن عمران» ، والتصويب حسب المصدر وترجمة الرجل .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 481 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 66 ، ح 215 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 270 ، ح 13397 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .

ص: 43

قوله تعالى : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» (1) قال : «صوم ثلاثين يوما» . (2) والظاهر سقوط «عن أبيه» بعد الحسن بن حذيفة من قلم النسّاخ . وبعض منها مرويّ عن محمّد بن يعقوب بن شعيب كخبر محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه . (3) والظاهر أنّ بعض الأصحاب هنا هو محمّد بن يعقوب بن شعيب ، فإنّ الشيخ قد روى مثله عن محمّد بن إسماعيل عن محمّد بن يعقوب بن شعيب ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام تسعة وعشرين يوما أكثر ممّا صام ثلاثين يوما ؟ فقال : «كذبوا ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا تامّا ، وذلك قوله تعالى : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ، فشهر رمضان ثلاثون يوما ، وشوّال تسعة وعشرون يوما ، وذوالقعدة ثلاثون يوما لا ينقص أبدا ، لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَوَ عَدْنَا مُوسَى ثَلَ_ثِينَ لَيْلَةً» (4) ، وذو الحجّة تسعة وعشرون يوما ، ثمّ الشهور على مثل ذلك شهر تامّ وشهر ناقص ، وشعبان لا يتمّ أبدا» . (5) وروى الصدوق رضى الله عنه عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن يعقوب بن شعيب ، عن أبيه ، عنه عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ الناس يروون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام شهر رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر ممّا صام ثلاثين ؟ فقال : «كذبوا ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا تامّا ، ولا تكون الفرائض ناقصة ، إنّ اللّه تعالى خلق السنة ثلاثمئة وستّين يوما وخلق السماوات والأرض في ستّة أيّام فحجزها من ثلاثمئة وستّين يوما ، فالسنة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما ، وشهر رمضان ثلاثون يوما ، [لقول اللّه عزّوجلّ : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ،

.


1- .البقرة (2) : 185 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 176 ، ح 487 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 72 ، ح 220 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 271 ، ح 13399 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- .الأعراف (7) : 142 .
5- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 67 68 ، ح 216 .

ص: 44

والكامل تامّ] ، وشوّال تسعة وعشرون يوما ، وذو القعدة ثلاثون يوما لا ينقص أبدا ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً» (1) ، وذو الحجّة تسعة وعشرون يوما ، ثمّ الشهور على مثل ذلك شهر تام وشهر ناقص ، وشعبان لا يتمّ أبدا» . (2) وعن ياسر الخادم وهو مهمل الذكر في كتب الرجال (3) قال : قلت للرضا عليه السلام : هل يكون شهر رمضان تسعة وعشرين يوما ؟ فقال : «إنّ شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبدا» . (4) وقد بالغ الصدوق رضى الله عنه في ذلك حيث قال : من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامّة في ضدّها اتّقي كما يتّقى العامّة ، ولا يُكلّم إلّا بالتقيّة كائنا مَن كان ، إلّا أن يكون مسترشدا فيرشد ويبيّن له ، فإنّ البدعة إنّما تماث وتبطل بترك ذكرها ، ولا قوّة إلّا باللّه . (5) وقد عرفت أنّ هذه الأخبار مع تظافرها راجعة إلى خبرين ؛ لانتهائها إلى حذيفة بن منصور ، وقد قال الشيخ قدس سره : وهذا [الخبر]لا يصلح العمل به من وجوه ؛ أحدها : أنّ متن هذا الخبر لا يوجد في شيء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار . ومنها : أنّ كتاب حذيفة بن منصور عري من هذا الخبر ، وهو كتاب معروف مشهور ، فلو كان [هذا]الخبر صحيحا عنه لتضمّنه كتابه . ومنها : أنّ الخبر مختلف الألفاظ ومضطرب المعاني ؛ ألا ترى أنّ حذيفة تارةً يرويه عن

.


1- .الأعراف (7) : 142 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 170 ، ح 2042 ؛ معاني الأخبار ، ص 382 383 ، باب نوادر المعاني ، ج 14 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 272 ، ح 13401 . ولا يخفى أنّ ذيل الحديث موافق لرواية الشيخ الطوسي في الاستبصار ، ج 2 ، ص 67 68 ، ح 216 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 171 ، ح 483 ، وعبادة الصدوق هكذا : « ... وذو القعدة ثلاثون يوما ؛ لقول عزّوجلّ : «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ يَوما» ، فالشهر هكذا ثمّ هكذا ، أي شهر تامّ وشهر ناقص ، وشهر رمضان لاينقص أبدا ، وشعبان لا يتمّ أبدا» .
3- .اُنظر : الفهرست ، ص 267 268 ، الرقم 821 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 20 ، ص 8 ، الرقم 13410 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 171 ، ح 2044 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 273 ، ح 13403 .
5- .المصدر المتقدّم .

ص: 45

معاذ بن كثير عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وتارةً يرويه عنه عليه السلام بلا واسطة ، وتارةً يفتي به من قِبل نفسه ولا يسنده إلى أحد . ولو سلم من جميع ما ذكر لكان خبرا واحدا لا يوجب علما ولا عملاً ، وأخبار الآحاد لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة . انتهى . (1) أو إلى محمّد بن يعقوب بن شعيب وهو مجهول الحال غير مذكور في كتب الرجال ، وكلّ من تلك الأخبار مشتمل على ضعف آخر باعتبار باقي السند . نعم ، قد روى في الموثّق عن أبي بصير أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ، قال : «ثلاثين يوما» . (2) ورواها الشيخ عن الحسن بن حذيفة بن منصور ، (3) وهو غير صريح في المدّعى ، ولعلّه مبنيّ على الغالب . وهذه الأخبار مع ضعفها مضادّة للمشاهدة ، معارضة لأخبار كثيرة معتمدة ، منها : إطلاق الأخبار الدالّة على اعتبار الرؤية وعمومها ، وقد سبق . وخصوص ما دلّ على أنّ شهر رمضان يصيبه النقص كسائر الشهور ، وقد سبق نُبذٌ منها ، ومنها : رواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان ، فإذا صمت تسعة وعشرين يوما ثمّ تغيّمت السماء فأتمّ العدّة ثلاثين يوما» . (4) وعن محمّد بن الفضيل ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه ولا يدرى أهو من شهر رمضان أو من شعبان ؟ فقال : «شهر رمضان شهرٌ من الشهور يُصيبه ما يُصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فصوموا للرؤية وافطروا للرؤية ، ولا

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 176 ، ح 487 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 72 ، ح 220 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 271 ، ح 13399 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 66 ، ذيل ح 215 ، ومابين الحاصرتين منه .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 171 ، ح 2043 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 273 ، ح 13403 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 155 ، ح 429 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 62 ، ح 199 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 261 262 ، ح 13369 .

ص: 46

يعجبني أن يتقدّمه أحد بصيام» . (1) وعن هارون بن حمزة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «إذا صمت لرؤية الهلال وأفطرت لرؤيته فقد أكملت صيام شهر وإن لم تصم إلّا تسعة وعشرين يوما ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا » ، وأشار بيده إلى عشرة وعشرة وتسعة . (2) وعن فطر بن عبد الملك ، قال : قال يعني أبا عبداللّه عليه السلام _ : «يُصيب شهر رمضان ما يُصيب الشهور من النقصان ، فإذا صمت من شهر رمضان تسعة وعشرين يوما ثمّ تغيّمت فأتمّ العدّة ثلاثين يوما» . (3) وعن جابر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «ما أدري ما صمت ثلاثين أكثر ، أو ما صمت تسعة وعشرين يوما ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : شهر كذا ، وشهر كذا ، وشهر كذا ، وشهر كذا» فعقد بيده تسعة وعشرين يوما . (4) وعن إسحاق بن جرير ، عنه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، يلصق كفّيه ويبسطهما ، ثمّ قال : وهكذا وهكذا وهكذا ، ثمّ يقبض اصبعا واحدا في آخر بسطه بيديه ، وهي الإبهام» ، فقلت : شهر رمضان تامّ أبدا أم شهر من الشهور ؟ فقال : «هو شهر من الشهور» ، ثمّ قال : «إنّ عليّا عليه السلام صام عندكم تسعة وعشرين يوما ، فأتوه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، قد رأينا الهلال ، فقال : افطروا» . (5) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : صمت شهر رمضان على رؤيته تسعة وعشرين يوما وما قضيت ، قال : فقال لي : «وأنا صمته وما قضيت» ، قال : ثمّ قال لي : «[قال] (6) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الشهر شهر كذا ، وقال بأصابعه بيده جميعا ،

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 166 ، ح 474 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 263 ، ح 13375 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 160 ، ح 449 ، وص 167 ، ح 476 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 256 ، ح 13353 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 166 ، ح 471 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 268 ، ح 13391 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 162 ، ح 456 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 ، ح 13386 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 162 163 ، ح 458 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 262 ، ح 13370 .
6- .اُضيفت من المصدر .

ص: 47

فبسط أصابعه كذا وكذا وكذا وكذا وكذا وكذا ، فقبض الإبهام وضمّها ، قال : وقال له غلام له وهو معتب : إنّي قد رأيت الهلال ، قال : اذهب فاعلمهم» . (1) وعن أبي خالد الواسطي ، قال : أتينا أبا جعفر عليه السلام يوم يشكّ فيه من رمضان ، فإذا مائدته موضوعة وهو يأكل ونحن نريد أن نسأله ، فقال : «ادنوا الغذاء إذا كان مثل هذا اليوم ولم تجئكم فيه بيّنة رؤية الهلال فلا تصوموا» . ثمّ قال : حدّثني عليّ بن الحسين ، عن عليّ عليهم السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا ثقل في مرضه قال : أيّها الناس ، إنّ السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حُرم ، قال : ثمّ قال بيده ، فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان ، فصوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين يوما ، وصوموا الواحد وثلاثين ، وقال بيده : الواحد واثنان وثلاثة ، واحد واثنان وثلاثة ، ويزوي إبهامه ، ثمّ قال : أيّها الناس شهر كذا وشهر كذا» . وقال عليّ عليه السلام : «صمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسعة وعشرين يوما ولم يقضه ، ورآه تامّا» . وقال عليّ عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن ألحق في رمضان يوما من غيره متعمِّدا فليس بمؤمن باللّه ولا بي» . (2) وربما حملت على نفي نقصان ثوابها . وقال ابن الأثير : فيه : «شهرا عيد لا ينقصان» يريد شهر رمضان وذا الحجّة ؛ أي إن نقص عددهما في الحساب فحكمهما على التمام ؛ لئلّا تحرج اُمّته إذا صاموا تسعة وعشرين أو وقع حجّهم خطأ عن التاسع والعاشر لم يكن عليهم قضاء ولم يقع في نسكهم نقص ، وقيل فيه غير ذلك ، وهذا أشبه . (3) ونقل طاب ثراه عن عياض أنّه قال : قيل : المعنى لا ينقص الثواب المترتّب على كلّ واحدٍ منهما وإن نقصا في العدد .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 161 ، ح 453 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 266 ، ح 13383 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 161 ، ح 454 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 298 ، ح 13461 .
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 515 (شهر) .

ص: 48

باب

وقال الخطّابي : المعنى أنّ ذو الحجّة لا ينقص من رمضان ؛ لأنّ فيه المناسك . (1)

بابيذكر فيه ما يدلّ على اعتبار العدّة بالمعنى الأوّل. قد سبق قوله في مرسل محمّد بن إسماعيل : «خلق اللّه الدنيا في ستّة أيّام ، ثمّ اختزلها عن أيّام السنة» ، إشارة إلى قوله سبحانه : «خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» (2) ، والمراد بالستّة في قوله : «ثمّ اختزلها عن أيّام السنة» السنة الحاصلة من الشهور الشمسيّة الاصطلاحيّة ، وهي ثلاثين ثلاثين كما ستعرف . وفي قوله : «فالسنة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما» السنة القمرية ، والغرض أنّ السنة القمرية ينبغي أن تكون ثلاثمئة وأربعة وستّين يوما على أن يكون سير القمر في كلّ دورة ثلاثين كما اعتبره المتأخّرون من أهل التنجيم ، وستعرف . لكنّ اللّه سبحانه أجراه بقدرته الكاملة وحكمته الشاملة بحيث يقطع الدورة دائما في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم ودقيقة واحدة وخمس ثانية إذا جُزّئ يوم بليلته بستّين دقيقة ، وكلّ دقيقة بستّين ثانية ، وإذا حسبت على ذلك الشهور الاثني عشر وجدته ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوما واثنتين وعشرين دقيقة ، ولمّا كان الكسر أقلّ من النصف لم يعتبره عليه السلام (3) هناك وحكم باختزال ستّة أيّام ، وسيأتي أنّه يعتبره في الكبس وما ذكره عليه السلام من كون شعبان ناقصا أبدا في غير السنة الكبيسيّة . وقالوا : المحرّم تامّ ، وصفر ناقص ، والربيع الأوّل تامّ ، والربيع الآخر ناقص ، وجمادى الأوّل تامّ ، و جمادى الثانية ناقص أبدا ، ورجب تامّ ، و شعبان ناقص ، ورمضان تامّ ، وشوّال ناقص ، وذو القعدة تامّ ، وذو الحجّة ناقص أبدا .

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 270 ؛ شرح صحيح مسلم له أيضا ، ج 7 ، ص 199 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 285 .
2- .يونس (10) : 3. وهذا الحديث هو الحديث الثاني من الباب المتقدّم .
3- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «ولم يعتبره» .

ص: 49

وأمّا في السنة الكبيسيّة ، فيأخذون ذي الحجّة الذي هو شهر آخر السنة أيضا تامّا بإضافة اليوم الحاصل من الكبس إليه ، وسيشير عليه السلام إلى ذلك الكسر أيضا في الحديث الآتي . قوله : في خبر عمران الزعفراني : (انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس) [ح 1/6306] وذلك لأنّ السنة القمريّة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما وكسرا على ما عرفت ، وإذا قسّمت هذه الأيّام على الاسبوع يخرج خمسون اُسبوعا وتبقى أربعة أيّام وثلث يوم تقريبا ، فإذا كانت غرّة شهر رمضان القابل يوم الثلاثاء ؛ إذ الخمسون اُسبوعا إنّما يكون من يوم الجمعة ذلك إلى يوم الجمعة في القابل ، وإذا حسبت الأربعة الأيّام التي بعد تلك الأسابيع من السنة الماضية : الجمعة والسبت والأحد والإثنين تنقضي السنة القمريّة الماضية ، ويكون يوم الثلاثاء أوّل سنة جديدة ، وذلك في غير السنة الكبيسيّة ، وأمّا فيها فيكون أوّل السنة يوم الأربعاء ، فانظر في تلك السنة اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم اليوم السادس منه . (1) قوله في خبر السياري : (في عدّ خمسة أيّام من أوّل السنة) . [ح 3 / 6308] يعني صيام يوم الخامس من هذا الشهر على ما ورد التصريح به فيما رواه الشيخ في الاستبصار عن محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني ، عن عمران الزعفراني ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس» . (2) وعنه عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن منصور بن العبّاس ، عن إبراهيم الأحول ، عن عمران الزعفراني ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّما نمكث في الشتاء اليوم

.


1- .اُنظر : بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 343 345 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 230 . ورواه أيضا في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 496 . وهذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 283 284 ، ح 13424 .

ص: 50

واليومين والثلاث لا نرى شمسا ولا نجما ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعدّ خمسة أيّام ، فصم اليوم الخامس» . (1) وهذا هو مطابق للقاعدة إلّا في السنة الكبيسيّة ، يعدّ فيها ستّة أيّام من السنة الماضية . وقد أشار بذلك عليه السلام بقوله : «ولكن عدّ في كلّ أربع سنين خمسا ، وفي السنة الخامسة ستّا» . وقال السيّاري : وهذه من جهة الكبيسيّة . (2) وقد عمل بها الشهيد في الدروس فيما إذا غمّت الشهور كلّها ، (3) وهو تخصيص من غير مخصّصٍ ، وطرحها الأكثر ؛ لضعفها . والظاهر أنّ المراد بالكبيسيّة هنا الكبيسيّة التي تحصل من كبس كسور السنة القمرية ، ولكن يفهم من الخبران كبسها في خمس سنين يحصل يوما ؛ ففي ثلاثين سنة يحصل ستّة أيّام ، وهو خلاف ما يظهر من الرصد ؛ فإنّ أهل هذا الفنّ قالوا يحصل بكبسها في ثلاثين سنة أحد عشر يوما ، فلو كان الخبر صحيحا لأمكن استناد الغلط إليهم ، لكنّه ضعيف جدّا ، فإنّ أرباب الرجال ذكروا أنّ أحمد بن محمّد بن سيّار أبو عبداللّه الكاتب من كُتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد عليه السلام ويُعرف بالسيّاري ، ضعيف ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، (4) ولعلّ روايته هذه منها ، وكأنّه قد سها في لفظ الخامسة . وإن أردت تحقيق الحال فاستمع لما يُتلى عليكم من المقال ، فنقول : لهم كبايس متعدّدة : أحدها : كبيسيّة السنة القمريّة التي أشرنا أنّها المراد هنا ، فاعلم أنّ السنة القمريّة اثنا

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 497؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 231 . وهذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
2- .الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 283 ، ح 13423 .
3- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 285 ، الدرس 75 .
4- .رجال النجاشي ، ص 80 ، الرقم 192 ؛ الفهرست ، ص 66 ، الرقم 70 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 320 321 ؛ رجال ابن داود ، ص 229 ، الرقم 40 .

ص: 51

عشر شهرا قمريّا ، والشهر القمري مدّة سير القمر من ليلة رؤية الهلال إلى ليلة مثلها ، وهذا السير إنّما يكون في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم وكسر على ما ذكره المحقّق الطوسي قدس سرهفي التذكرة ، والكسر على ما حقّقه الخفري (1) _ : دقيقة وخمسون ثانية إذا جُزّئ يوم بليلته بستّين دقيقة وأربعة وخمسون يوما واثنتان وعشرون دقيقة (2) كما مرّ ، وقد عرفت بأنّهم يأخذون شهرا ثلاثين وشهرا تسعة وعشرين يوما ، وإنّما عدّوا شهرا تامّا وشهرا ناقصا ؛ لأنّ كسر كلّ يوم على ما عرفت نصف يوم ودقيقة وخمسون ثانية ، وهم قد اصطلحوا على عدّ ما زاد على نصف دقائق اليوم يوما ؛ لجبر النقيصة من كسر شهر آخر . ولمّا اعتبروا المحرّم أوّل السنة عدّوه تامّا ؛ لكون كسره زائدا على النصف ، وأخذوا تتمّة دقائق اليوم من كسر صفر (3) ، فيبقى من كسر صفر ثلاث دقائق وأربعون ثانية ؛ ولقصوره عن النصف عدّوا صفر ناقصا وضمّوا هذا الباقي إلى كسر الربيع الأوّل ، ولكون المجموع زائدا على النصف لصيرورته خمسا وثلاثين دقيقة وثلاثين ثانية عدّوا هذا الشهر أيضا تامّا ، وأخذوا تتمّته من كسر الربيع الثاني ، فصار كسره أقلّ من النصف ؛ أعني أربعا وعشرين دقيقة وعشرين ثانية ضمّوها إلى كسر جمادى الاُولى وعدّوها تامّة ، وهكذا إلى آخر الشهور ، يصير شهرا تامّا وشهرا ناقصا . وإذا احتسبت هذا تصير السنة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما بلا كسر ، فيكبسون الكسر المذكور وهو اثنتان وعشرون دقيقة ويجمعونه في سفرات ، ويزيدون في

.


1- .شمس الدين محمّد بن أحمد الخفري ، منسوب إلى خفر بلدة بفارس بين شيراز وجهرم ، صاحب الحواشي المشهورة على شرح التجريد وغيرها ، من تلامذة صدر الدين محمّد الدشتكي ، كان ساكنا بكاشان ، له : رسالة في إثبات الواجب ، رسالة في علم الرمل ، رسالة في حل ما لاينحلّ ، حواش على اوائل شرح حكمة العين ، شرح التذكرة للخواجه نصير الدين الموسوم بالتكملة ، توفّي سنة 957 أو 929ه ق . راجع: الكنى والإلقاب ، ج 2 ، ص 218 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 138 ، الرقم 685 ؛ الذريعة ، ج 4 ، ص 409 ، الرقم 1805 ؛ وج 6 ، ص 47 ؛ الأعلام ، ج 6 ، ص 5 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 8 ، ص 257 .
2- .التكملة في شرح التذكرة ، ص 195 من مخطوطة الرقم 10678 من مكتبة آية اللّه المرعشي ، الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام وهى الساعات .
3- .في النسخ : «الصفر» ، ومثله في الموردين التاليين والمناسب ما اُثبت ، وقد يمنع من الصرف .

ص: 52

بعض السنوات يوما آخر ونحوه ، ويسمّون هذا كبسا وهذه السنة كبيسة. ولهم في ذلك طرق متعدّدة : إحداها : ما ذكره المحقّق الطوسي قدس سرهحيث قال : فيأخذون لشهر ثلاثين يوما ولشهر آخر تسعة وعشرين يوما ، ويزيدون للكسور المجتمعة التي تزيد على نصف يوم في كلّ ثلاثين سنة أحد عشر يوما ، فيصير أحد عشر شهرا بما يجب أن يكون تسعة وعشرين يوما ثلاثين ثلاثين في هذه المدّة ، أعني ثلاثين سنة ، ويسمّون تلك الأيّام كبايس ؛ لحصولها من كبس المكسور ، أي ضمّ بعضها إلى بعض . (1) وتبيينه : أنّهم اصطلحوا على جمع كسر كلّ سنة مع كسر السنة التي بعدها إلى أن زيد نصف دقائق اليوم بليلته أو أزيد ، فيزيدون حينئذٍ يوما على آخر شهر السنة ، وهو ذو الحجّة ، ويجبرون فضل دقائق اليوم على هذه الدقائق الحاصلة من الكبس من كسر السنة التي بعدها ، ثمّ يجمعون تتمّة هذا الكسر مع كسر السنة التي بعدها ، فإن تساوى الحاصل النصف أو زاد عليه أخذوا ذا الحجّة في هذه السنة تامّا ، وهكذا إلى أن لا يبقى من كسر السنة التي بعدها بعد الجبر شيء ، فيستأنف دورة الكبس ، وذلك في كلّ سنة ثلاثين ، وكلّما لم يف كسر السنة التي بعدها بالجبر جبروها بما بعدها أيضا ، ثمّ عملوا بالتتمّة ما عرفت ، فيحصل من ضمّ كسر السنة الاُولى وهو اثنتان وعشرون دقيقة إلى كسر السنة الثانية أربع وأربعون دقيقة ، ولزيادتها على نصف دقائق اليوم وهو ثلاثون دقيقة يزيدون يوما على ذي الحجّة في السنة الثانية ، ويجبرون نقص ذلك اليوم من دقائق اليوم ، أعني السنتين ، وهو ستّة عشر من كسر السنة الثالثة يبقى منه ستّة ، يجمعونها مع كسر السنة الرابعة والخامسة يحصل خمسون ، ولزيادتها على النصف يكبسون ذا الحجّة في هذه السنة أيضا ويجعلونه ثلاثين ، ويجبر النقص وهو عشرة من كبس السنة السادسة وضمّ تتمته إلى كسر السنة السابعة يحصل أربع وثلاثون دقيقة ، فذو الحجّة في السابعة أيضا تامّ ولمّا لم يف كسر السنة الثامنة بجبر هذا

.


1- .التكملة في شرح التذكرة للمحقق الخفري ، ص 195 من مخطوطة الرقم 10678 من مكتبة آيت اللّه المرعشي النجفي .

ص: 53

النقص ، فإنّه ستّ وعشرون دقيقة ، فجبروها من كسر السنة التاسعة أيضا ، وضمّوا تتمّة هذه إلى كسر السنة العاشرة وحصل أربعون ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ ، والنقص هنا عشرون يجبر من كسر السنة الحادية عشر وتُضمّ التتمّة إلى كسر السنة الثانية عشرة والثالثة عشرة يحصل ستّ وأربعون ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ والناقص هنا أربع عشرة بنقصها عن كسر السنة الرابعة عشر ، وضم تتمّته إلى كسر السنة الخامسة عشر يحصل ثلاثون ؛ ولكون الحاصل مساويا لنصف دقائق اليوم أخذوا ذا الحجّة أيضا فيها تامّا ، وجبروا النقص ، وهو أيضا النصف من كسر سنتي السادسة عشر والسابعة عشر يبقى أربعة عشر ضمّوها إلى كسر السنة الثامنة عشر حصل ستّ وثلاثون ، فذو الحجّة أيضا فيها تامّ ، وجبروا نقص هذا الكبس وهو أربع وعشرون من كسر السنتين بعدها أعني السنة التاسعة عشر والعشرين يبقى عشرون ضمّوها إلى كسر السنة الإحدى والعشرين حصل اثنتان وأربعون دقيقة ، فذوا الحجّة فيها أيضا تامّ والنقص هنا بثماني عشرة دقيقة جبروها من كسر السنة الثانية والعشرين والرابعة والعشرين صارت ثماني وأربعين دقيقة ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ والناقص هنا اثنتا عشر دقيقة جبروها من كسر السنة الخامسة والعشرين ، وجمعوا تتمّته مع كسر السنة السادسة والعشرين صارت اثنتان وثلاثون ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ والناقص هنا ثمان وعشرون دقيقة جُبرت من كسر السنة السابعة والعشرين والسنة الثامنة والعشرين وضم التتمّة ، وهي ستّ عشرة إلى كسر السنة التاسعة والعشرين وصارت ثماني وثلاثون دقيقة ، أُخذ ذو الحجّة فيها أيضا تامّا والناقص هنا اثنتان وعشرون دقيقة جبرت من كسر السنة الثلاثين لم يبق شيء ، فتمّ هناك دورة الكبس . ثمّ أخذوا بعد هذه الدورة دورة اُخرى هكذا ، وهكذا إلى أن ينتهي دوران الأفلاك ؛ ففي كلّ ثلاثين سنة يصير ذو الحجّة إحدى عشر مرّة تامّا : في السنة الثانية والخامسة والسابعة والعاشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة والإحدى والعشرين والرابعة والعشرين والسادسة والعشرين والتاسعة والعشرين . (1)

.


1- .كذا بالأصل ، ولم يذكر غير عشر مرّات .

ص: 54

وبعضهم شرطوا في الإكمال زيادة مجتمع الكسور المتقدّم على نصف دقائق اليوم ولم يكتفوا بالمساواة ، فهؤلاء لا يكبسون في السنة الخامسة عشرة ، ويكبسون بدلاً عنها في السنة السادسة عشر ، حيث إنّهم يضمّون الثلاثين التي ذكرنا أنّها حصلت بضميمة كسر السنة الخامسة عشر إلى كسر السنة السادسة عشر يصير اثنتين وخمسين ، فيأخذون ذا الحجّة في هذه السنة تامّا ويجبرون النقص ، وهو هنا بثمان دقائق من كسر السنة السابعة عشر ، ويضمّون تتمّتها وهي أربعة عشرة إلى كسر السنة الثامنة عشر تصير ستّا وثلاثين ، إلى آخر ما ذكر بعينه ، فالتبادل إنّما يكون بين الفريقين في بين السنتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة . وثانيها : كبيسيّة السنة الشمسيّة على ما هو مصطلح المحدِّثين من المنجّمين حيث إنّهم يعدّون شهور السنة الشمسيّة ثلاثين ثلاثين ؛ ولعدم تطابق أيّام تلك الشهور أعني ثلاثمئة وستّين وأيّام السنة الشمسيّة الحقيقيّة ، وهي على ما ذكره المحقّق الطوسي قدس سرهثلاثمئة وخمسة وستّون يوما وربع يوم إلاّ كسرا ، وعند التحقيق ثلاثمئة وخمسة وستّون يوما وأربعة وسبعون جزءا من ثلاثمئة جزء من يوم بليلته ، (1) فإنّ الكسر على ما حقّقه الخفري نقلاً عن بطليموس جزء من ثلاثمئة جزء من يوم ، (2) يزيدون في آخر كلّ سنة خمسة أيّامٍ ويسمّونها الخمسة المسترقة ، ولرعاية الربع المستثنى عنه الكسر جمعوه في أربع سنين أو خمس سنين ، وزادوا في السنة الرابعة والخامسة يوما سادسا ، ويسمّون هذا اليوم كبيسية وهذه السنة السنة الكبيسية ، وأمّا شهورها المذكورة فمسمّاه بالشهور الشمسيّة الاصطلاحيّة ؛ لعدم تطابقها على الشهور الشمسيّة الحقيقيّة لما ستعرف ، ولا على الشهور القمريّة حقيقةً لما عرفت . وأمّا قدماؤهم فقد اعتبروا شهور تلك السنة أيضا شمسيّة حقيقيّة حيث أخذوا

.


1- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل: «بليلة» .
2- .التكملة في شرح التذكرة ، ص 196 من مخطوطة رقم 10678 من مكتبة آية اللّه المرعشي ، الفصل الرابع في معرفة أجزاء الأيّام وهي الساعات . حكاه أيضا المجلسي في بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 346 عن بطلميوس .

ص: 55

السنة من يوم تحلّ فيه الشمس نقطة بعينها من دائرة البروج ، كأوّل الاعتدال الربيعي مثلاً إلى عودها إلى مثل تلك النقطة ، وأخذوا شهورها من الأيّام التي تحلّ فيها الشمس أمثال تلك النقطة من البروج ، فإن كانت النقطة التي هي مبدأ السنة الموافقة لمبدأ الشهر الأوّل أوّل برج كما مثل به كانت أمثالها من البروج الاُخرى أوائل البروج الباقية ، وإن كانت عاشرة برج كانت أمثالها عواشر البروج وهكذا ، وعلى هذا تطابق عدد أيّام الشهور والسنة من غير كبس ، ولا يبعد أن يُقال بابتناء الحديث على هذا الكبس ، بل هو أقرب ، فتأمّل . وثالثها : ما هو مصطلح اليهود والترك ، فإنّهم على ما حكى عنهم الخفريّ أنّهم يعتبرون شهور السنة الشمسيّة الحقيقيّة قمريّة ، وعدد أيّامها الاثني عشر ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما واثنتان وعشرون دقيقة كما عرفت ، وهو ينقص عن أيّام السنة الشمسيّة الحقيقيّة بأحد عشر يوما تقريبا ، وفي التحقيق بعشرة أيّام واثنتين وخمسين دقيقة وثمان وأربعين ثانية ، فينقص من أحد عشر يوما سبع دقائق واثنتي عشر ثانية ، وهؤلاء لتطبيق أيّام هذه الشهور على أيّام السنة يجمعون الأحد عشر يوما من غير الكسر المذكور ، فيزيدون في كلّ ثلاث سنين أو في كلّ سنتين شهرا في السنة على حسب ما اصطلحوا عليه . وقد قيل : إنّهم كانوا يكبسون تسع عشرة سنة قمريّة بتسعة أشهر قمريّة حتّى تصير تسع عشر شهرا شمسيّة ؛ فكانوا يزيدون في السنة الثانية شهرا ، ثمّ في الخامسة ، ثمّ في السابعة ، ثمّ في العاشرة ، ثمّ في الثالثة عشر ، ثمّ في السادسة عشر ، ثمّ في الثامنة عشر ، كأنّهم أرادوا بهذا تقريب السنتين الشمسيّة والقمريّة في مدّة تسع عشرة ، وإلّا فلا تتطابقان حقيقةً ، فإنّ مجموع زيادات السني الشمسيّة على سني القمريّة في تلك المدّة إذا لم يستثن الكسر من أحد عشر يوما مئتان وتسعة أيّام ، فإذا استثني الكسر وهو في تلك المدّة يومان ستّ عشرة دقيقة من دقائق اليوم وثمان وعشرين ثانية من ثواني دقيقة من دقائق يبقى من المجموع المذكور مئتان وستّة أيّام وثلاث وأربعون دقيقة

.

ص: 56

واثنتان وثلاثون ثانية ، ومجموع أيّام السبعة الأشهر القمريّة مئتان وعشرة أيّام إن اعتبرناها ثلاثين ثلاثين ، وإن اعتبرناها تسعة وعشرين فهو مئتي وثلاثة أيّام . نعم ، لو لم يستثن الكسر المذكور واعتبرنا ستّة من تلك الأشهر السبعة ثلاثين ، وواحدا منها تسعة وعشرين لتطابق السنتان حقيقةً ، وعلى هذا الكبس ، أعني كبس تسع عشرة سنة قمريّة بسبعة أشهر قمريّة تكون ثلاثمئة سنة شمسيّة مكبوسة بتسع سنين قمريّة ، وقد فسّروا بذلك قوله تعالى : «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا» (1) ؛ حملاً للسنين على القمريّة ، والتسع الزائد على القمرية التي هي الكبائس ليصير المجموع ثلاثمئة سنة شمسيّة ، فتأمّل . ونسب الخفريّ إليه نسيء العرب في الجاهليّة حيث قال المحقّق الطوسيّ قدس سره : وإن أرادوا يعني مستعملي السنة الشمسيّة اعتبار الشهور القمريّة جعلوا السنة شمسيّة والشهور قمريّة ، وزادوا في كلّ ثلاث سنين أو في كلّ سنتين شهرا في السنة لاجتماع الأحد عشر يوما غير الكسر المذكور على حسب ما يصطلحون عليه . وقال الشارح الخفريّ : «هذا إشارة إلى نسيء العرب في الجاهليّة أو إلى وضع اليهود والترك » . وقد قال قبل ذلك حكايةً عن نسيئهم : إنّهم كانوا يستعملون شهور الأهلّة وإن كان حجّهم الواقع في عاشر ذي الحجّة كما رسمه إبراهيم عليه السلام دائرا في الفصول كما في زماننا هذا ، فأرادوا وقوعه دائما في زمان إدراك الغلّات والفواكه واعتدال الهواء ، أعني أوائل الخريف ؛ ليسهل عليهم السفر وقضاء المناسك ، فكان يقوم في الموسم عند اجتماع العرب خطيب يحمد اللّه ويُثني عليه ، ويقول : أنا أزيد لكم في هذه السنة شهرا ، وهكذا أفعل في كلّ ثلاث سنين حتّى يأتي حجّكم في وقت يسهل فيه مسافرتكم ، فيوافقونه على ذلك ، فكان يجعل المحرّم كبسا ويؤخّر اسمه إلى صفر واسم صفر إلى ربيع الأوّل ، وهكذا إلى آخر السنة ، فكان يقع الحجّ في السنة القابلة في عاشر المحرّم ، وهو ذو الحجّة عندهم ؛ لأنّهم لمّا سمّوا صفر بالمحرّم وجعلوه أوّل السنة صار المحرّم الآتي ذا الحجّة وآخر السنة ويقع في السنة

.


1- .الكهف (18) : 25 .

ص: 57

محرّمان : أحدهما : رأس السنة ، والآخر النسيء ، ويصير شهورها ثلاثة عشر ، وعلى هذا يبقى الحجّ في المحرّم ثلاث سنين متوالية ثمّ ينتقل إلى صفر ، ويبقى فيه كذلك إلى آخر الأشهر ، ففي كلّ ستّة وثلاثين سنة قمريّة تكون كبيستهم اثني عشر شهرا قمريّا ، وقيل : كانوا يكبسون أربعة وعشرين سنة باثني عشر شهرا ، وهذا هو النسيء المشهور في الجاهليّة وإن كان الأوّل أقرب إلى مرادهم . وبالجملة ، إذا انقضى سنتان أو ثلاث وانتهى النوبة إلى الكبس قام فيهم خطيب وقال : إنّا جعلنا اسم الشهر الفلاني من السنة الداخلة للذي بعده ، حيث كانوا يزيدون النسيء على جميع الشهور بالنوبة حتّى يكون لهم في سنة محرّمان ، وفي اُخرى صفران ، فإذا اتّفق أن يتكرّر في السنة شهر من الأربعة الحرم نبّأهم الخطيب وحرّم عليهم واحدا منهما بحسب ما تقتضيه مصلحتهم ، ولمّا انتهى النوبة في أيّام النبيّ عليه الصلاة والسلام إلى ذي الحجّة وتمّ دور النسيء على الشهور كلّها حجّ في السنة العاشرة من الهجرة ؛ لوقوع الحجّ فيها في عاشر ذي الحجّة وقال : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض» ، (1) يعني به رجوع الحجّ وأسماء الشهور إلى الوضع الأوّل ، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا» (2) ، إلى آخر الآية . (3) ورابعها : ما اصطلح عليه الروم والفرس حيث اصطلحوا على أخذ السنة الشمسيّة من يوم جلوس ملك عظيم لهم ، ويجعلون ذلك اليوم مبدأ السنة من غير ملاحظة موضع الشمس ، واصطلحوا على شهور تدور حول الثلاثين آخذين كلّ الشهور ثلاثين ثلاثين كما نقل عن الفرس ، أو بعض شهورهم ثلاثين ، وبعضها إحد وثلاثين ، وبعضها ثمانية وعشرين ، وفي السنة الكبس تسعة وعشرين كما حكاه الخفريّ عن

.


1- .الخصال ، ص 487 ، أبواب الاثني عشر ، ح 63 ؛ تحف العقول ، ص 32 ، خطبته صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 37 و 73 ؛ صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 204 ؛ و ج 8 ، ص 185 ؛ صحيح مسلم ، ج 5 ، ص 107 ؛ سنن أبى داود ، ج 1 ، ص 435 ، ح 1947 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 165 و 166 .
2- .التوبة (9) : 36 .
3- .التكملة في شرح التذكرة ، ص 196 من مخطوطة رقم 10678 من مكتبة آية اللّه المرعشي ، الفصل الرابع في معرفة أجزاء الأيّام وهي الساعات . وحكاه أيضا المجلسي في بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 345 346 نقلاً عن بعض شرّاح التذكرة ولم يصرّح باسمه .

ص: 58

باب اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان

الروم . وقريب منه ما حكاه أبو نصر الفراهي في نصابه عنهم . لا ولا لب لا ولا لا شش مه استلك كط و كط لل شهور كوته است وقال بعض شارحيه : قوله : (لا و لا) هما الحمل والثور ، وقوله : (لب) هو الجوزاء ، وقوله : (لا ولا لا) وهو السرطان والأسد والسنبلة ، وقوله : (لل) عبارة عن الميزان والعقرب ، وقوله : (كط) عبارة عن القوس ، وقوله : (كط) هوالجدي ، وقوله : (لل) هو الدلول والحوت ، وهذه الألفاظ على ترتيب البروج . انتهى . وعلى أيّ حال فهؤلاء المصطلحون بعضهم اعتبر الكسر الزائد على ثلاثمئة وخمسة وستّين عدد أيّام السنة الشمسيّة الحقيقيّة ربعا تامّا ، ويكبسون في كلّ أربع سنين بيوم دائما ، وفي كلّ مئة وعشرين سنة بشهورهم الفرس ، الأوّل دأب متأخّريهم ، والثاني طريقة قدمائهم ، وبعضهم ، وهم القبط من الروم ، يحذفون الكسر ولا يعتبرونه رأسا أو عدم اعتباره كما ينبغي ، وشهورهم المذكورة يحتمل أن تكون شمسيّة اصطلاحيّة أو قمريّة اصطلاحيّة .

باب اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان هو أو من شعبانالظاهر أنّه أراد المصنّف قدس سره بيوم الشكّ الثلاثين من شعبان مع وجود غيم وقيام ونحو ذلك ممّا يوجب الشكّ في كونه من شعبان أو من رمضان ، وحينئذٍ يستحبّ صومه بنيّة أنّه من شعبان صام قبله أو لا ، ولا يجوز صومه على أنّه من رمضان عند الأصحاب أجمع ، (1) ولم ينقل فيه خلاف من العامّة أيضا إلّا ما نقل في المنتهى (2) عن

.


1- .اُنظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 201 ؛ المقنع ، ص 181 ؛ الهداية ، ص 200 ؛ المقنعة ، ص 298 ؛ الانتصار ، ص 183 ؛ رسائل المرتضى ، ج 2 ، ص 42 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 170 ، المسألة 9 ؛ جواهر الفقه ، ص 33 ؛ الغنية ، ص 135 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 384 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 140 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 158 ؛ تحرير الأحكام ، ج1 ، ص 459 و 489 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 17 ، المسألة 8 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 380 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 و 617 ؛ البيان ، ص 227 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 272 ، الدرس 70 ؛ اللمعة الدمشقية ، ص 51 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 20 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 139 140 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 32 33 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .

ص: 59

أحمد من وجوبه حينئذٍ ، (1) والظاهر أنّه قال بذلك بنيّة رمضان محتجّا بما نقلوه عن ابن عمر أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّما الشهر تسعة وعشرون يوما ، فلا تصوموا حتّى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتّى تروه ، فإن غمّ عليكم فاقدروا له» . (2) وقال ابن عمر : معنى الإقدار : التضيّق كما في قوله تعالى : «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ» (3) ، والتضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوما ، وفعل ابن عمر ذلك ، (4) فكان يصوم مع الغيم والمانع ، ويفطر لا معهما ، وهو الراوي ، فكان فعله تفسيرا . وعن الحسن وابن سيرين أنّهما قالا : إن صام الإمام صاموا ، وإن أفطر أفطروا مطلقا مع الغيم وعدمه (5) . والظاهر أنّه قال أيضا كذلك ، وقال : احتجّ ابن سيرين بقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «الصوم يوم يصومون ، والفطر يوم يفطرون ، والأضحى يوم يضحّون» . (6) وأجاب عن احتجاج أحمد بأنّه يعارض بما رواه البخاريّ عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمي عليكم فاكملوا عدّة شعبان» ، (7) على أنّ مسلما روى حديث ابن عمر في الصحيح أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر رمضان فقال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمي عليكم فاقدروا له ثلاثين» . (8)

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 412 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 403 404 ، وفيهما عن أحمد : «إن كانت السماء مصحية لم يجز صومه ، وإن كانت مغيمة وجب صومه عن رمضان» .
2- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 5 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 122 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 521 ، ح 2320 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 204 ؛ المعجم الأوسط ، ج 1 ، ص 188 .
3- .الطلاق (65) : 7 .
4- .المجموع، ج 6، ص 409.
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 403 .
6- .تذكرة الفقهاء ، ط قديم ج 1 ، ص 257 . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 531 ، ح 1660 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 148 ، ح 779 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 6564 ، ح 1954 ، والفقرة الاُولى ليست في غير تذكرة الفقهاء ، وحكاها النووي في المجموع ، ج 5 ، ص 27 عن الترمذي .
7- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 .
8- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 124 .

ص: 60

وفي حديث آخر عن ربعي بن حراش : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فقدروا ثلاثين ثمّ افطروا» ، (1) ومثله يأتي في احتجاج ابن سيرين أيضا ، وحديثه لو صحّ لأمكن حمله على ما إذا شاعت الرؤية . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سُئِلَ عن اليوم المشكوك فيه ، قال : «لئن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان» . (2) وعن عبد العظيم بن عبداللّه الحسني ، عن سهل بن سعد ، قال : قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية وأفطر قبل الرؤية للرُّؤية» . قال : قلت : يابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فما ترى في يوم الشكّ ؟ فقال : حدّثني أبي عن جدّي عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لئن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان» . (3) وما رواه الشيخ عن محمّد بن شهاب الزهري ، قال : سمعت عليّ بن الحسين عليهماالسلاميقول : «يوم الشكّ أمرنا بصيامه ونهينا عنه ، أمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان ، ونهينا أن يصومه على أنّه من شهر رمضان ، وهو لم يرَ الهلال» . (4) وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «لئن أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن أصوم يوما من شعبان ، أزيده في شهر رمضان» . (5) وهو نصّ في عدم جواز صومه بنيّة رمضان .

.


1- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 438 و 497 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 96 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 207 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 239 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 126 ، ح 1922 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 106 107 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 23 ، ح 12738 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 128 ، ح 1929 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 63 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 28 ، ح 12751 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 463 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 80 ، ح 243 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 26 27 ، ح 12746 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 126 127 ، ح 1923 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 28 ، ح 12750 .

ص: 61

وعن محمّد بن حكيم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه ، فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان ، فقال : «كذبوا إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له ، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام» . (1) وعن بشير النبّال ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن صوم يوم الشكّ ، فقال : «صمه ، فإن يكن من شعبان كان تطوّعا ، وإن يكن من شهر رمضان [فيوم وفّقت له» . (2) وعن الكاهليّ ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه من شعبان ، قال : «لأن] (3) أصوم يوما من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يوما من [شهر]رمضان» . (4) وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان لأنّه قد نهى أن ينوي الإنسان للصيام يوم الشكّ ، وإنّما ينوي من الليل أنّه من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّه عزّ وجلّ ، وبما قد وسّع على عباده ، ولولا ذلك لهلك الناس» . (5) ولا يجوز صيامه من رمضان ، ولا يجوز من واجب آخر أيضا كالنذر وشبهه ؛ لما رواه الشيخ في الموثّق عن كرام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم عليه السلام ، فقال : «صم ولا تصم في السفر والعيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» . (6)

.


1- .هذا هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 ، ح 502 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 78 ، ح 234 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 22 ، ح 12736 .
2- .هذا هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 127 ، ح 1924 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 236 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 ، ح 504 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 21 ، ح 12732 .
3- .الإضافة من المصدر .
4- .هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 237 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 182 ، ح 505 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 20 ، ح 12730 .
5- .هذا هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ح 240 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 182 183 ، ح 508 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 21 ، ح 12733 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 233 ، ح 683؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 100 ، ح 325 . الكافي ، باب من جعل على نفسه صوما معلوما ومن نذر أن يصوم في شكر ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13212 .

ص: 62

وحمل عليه كلّ ما ورد الأمر بصيامه على ما رواه عبد الكريم بن عمرو ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم ، قال : «لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه» . (1) واختلفوا في استحبابه مع الصحو وانتفاء موانع الرؤية ، فالمشهور بينهم ذلك . وحكاه في المنتهى (2) عن أبي حنيفة ومالك . (3) واحتجّ عليه بما رواه العامّة عن عليّ عليه السلام قال : «لئن أصوم يوما من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يوما من رمضان» . (4) ورووه عن عائشة وأبي هريرة . (5) وعن عائشة أنّها كانت تصومه ، (6) وببعض ما اُشير إليه من الأخبار ، وبأنّه يوم محكوم به من شعبان فكان كغيره من أيّامه ، وبالاحتياط . وحكي عن ابن الجنيد أنّه قال : «لا يستحبّ الابتداء بصيام يوم الشكّ إلّا إذا كانت في السماء علّة تمنع عن الرؤية استظهارا» . (7) وحكى في المختلف عن المفيد أنّه قال في الرسالة الغريّة : يكره صوم يوم الشكّ إذ لم يكن هناك عارض ، وتيقّن أوّل الشهر ، وكان الجوّ سليما من العوارض ، وتفقّد الهلال ولم يرَ مع اجتهادهم في الطلب ، فلا يكون هناك شكّ . ويكره صومه إلّا لمن كان صائما قبله شعبان أو أيّاما تقدّمته من شعبان ، بذلك جاءت الآثار عن الأئمّة عليهم السلام . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ح 510؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 80 ، ح 242 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 127 ، ح 1925 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 26 ، ح 12745 .
3- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 404 .
4- .مسند الشافعي ، ص 103 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 212 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 149 ، ح 2185 .
5- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 211 عنهما ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 126 عن عائشة ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 404 عنهما .
6- .المجموع ، ج 6 ، ص 403 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 288 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 170 ، المسألة 9 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 650 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .
7- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 503 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 503 504 .

ص: 63

وحكى في المنتهى (1) أيضا عنه قدس سره مثله وعن الأوزاعيّ والشافعيّ وأحمد ، (2) ثمّ قال في المختلف : (3) احتجّ يعني المفيد قدّس سرّه بما رواه قتيبة الأعشى ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن صوم ستّة أيّام : العيدين ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشكّ فيه من رمضان» ، (4) وغيره من الأحاديث . والجواب : أنّها محمولة على النهي عن صومه بنيّة رمضان . وفي المنتهى (5) : احتجّ الشافعي بما رواه أبو هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام : الذي يشكّ فيه من رمضان ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وأيّام التشريق . (6) وعن عمّار بن ياسر ، قال : من صام يوم الشكّ فقد عصى أبا القاسم . (7) وعن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا تقدّموا هلال رمضان بيوم ولا بيومين إلّا أن يوافق صوما كان يصوم أحدكم» . (8) وروى أصحابنا شبه ذلك ، روى الشيخ عن هارون بن خارجة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام عدّ شعبان تسعة وعشرين يوما ، فإن كانت متغيّمة فأصبح صائما ، وإن كان مصحّية وتبصّرته فلم ترَ شيئا فاصبح مفطرا» . 9 وعطف عليها خبر عبد الكريم بن عمرو وقتيبة الأعشى المتقدّمين .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .
2- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 399 400 و 403 404 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 4 5 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 382 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ح 509 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ح 241 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 25 26 ، ح 12744 ؛ وص 515 ، ح 13993 .
5- .مجمع الزوائد ، ج 3 ، ص 203 نقلاً عن البزّار .
6- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 424 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 208 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 352 ، ذيل ح 2454 .
7- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 140 ، ح 2141 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 447 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ح 233 . وهذا هو الحديث التاسع من باب الأهلّة والشهادة عليها من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 256 ، ح 13352 .

ص: 64

وهذا هو جمع جيّد بين أخبار يوم الشكّ ؛ لأنّ الأخبار الأوّلة الدالّة على استحباب صيام ذلك اليوم أكثرها مقيّدة بالغيم ونحوه ، وخبر هارون بن خارجة نصّ عليه . وأمّا خبرا قتيبة وعبد الكريم بن عمر فأظنّ أنّهما لا يدلّان على ما ادّعاه أصلاً ، فإنّ الظاهر من الاُولى تعلّق قوله عليه السلام من رمضان بالصيام لا بالشكّ ، وإلّا لكان المناسب : يشكّ في أنّه من رمضان ، كما لا يخفى . وأمّا خبر عبد الكريم بن عمرو فالظاهر منه أنّ النهي فيه عن صوم ذلك اليوم بنيّة النذر كما أشرنا إليه . وعلى أيّ حال لو صام هذا اليوم بنيّة أنّه من شعبان ، ثمّ ظهر كونه من شهر رمضان أجزأ عنه إجماعا ، (1) ويستفاد ذلك من أكثر الأخبار المتقدِّمة . ولو نواه من شهر رمضان ، ثمّ بانَ أنّه منه ، فقد اختلفوا في إجزائه عنه ، فقال جماعة من الفحول بالعدم ، وبه قال الشهيدان (2) والشيخ في النهاية (3) وكتابي الأخبار ، (4) وفي المختلف (5) نقله عن جمله (6) وإقتصاده (7) أيضا ، وعن السيّد المرتضى (8) والصدوقين (9) وأبي الصلاح (10) وسلّار (11) وابن البرّاج وابن حمزة ، (12) والعلّامة في المختلف عدّه

.


1- .اُنظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 201 ؛ المقنع ، ص 181 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 180 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 268 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 651 ؛ الجامع للشرائع ، ص 154 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 158 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 77 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 19 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ؛ البيان ، ص 244 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 20 .
2- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 51 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 139 .
3- .النهاية ، ص 151 .
4- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ذيل ح 239؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ذيل ح 510 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 380 .
6- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 218) .
7- .الاقتصاد ، ص 293 .
8- .الانتصار، ص 183 184 ؛ الناصريّات، ص 293.
9- .الفقيه ، ج 2 ، ص 126 ، ذيل ح 1922 .
10- .الكافي في الفقه ، ص 181 .
11- .المراسم العلويّة ، ص 94 .
12- .الوسيلة ، ص 148 . وبعده في المخطوطة : «وعدّة أقوى ، فقد اختلف الأصحاب في إجزائه أنّه لا يجزيه ، وبه قال الشيخ في النهاية والعلّامة في المختلف وعدّه أقوى ونقله عن جمل الشيخ واقتصاده أيضا ...» إلى آخر ما ذكرناه آنفا ، وحيث كان مكرّرا لم أذكره في المتن .

ص: 65

أقوى . (1) ويستنبط ذلك من بعض ما تقدّم من الأخبار . ويدلّ عليه صريحا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ؟ قال : «عليه قضاؤه وإن كان كذلك» . (2) وربّما احتجّ بأنّه مشتمل على وجه قبح حيث اعتقد وجوب ما ليس بواجب عليه ، فيكون منهيّا عنه ، والنهي في العبادة مستلزم للفساد . وذهب الشيخ في الخلاف إلى الإجزاء محتجّا بإجماع الفرقة وأخبارهم على أنّ من صام يوم الشكّ أجزأ عن شهر رمضان ولم يفرّقوا ، ونسب عدمه إلى الرواية . (3) وقال في المبسوط : «وإن صام بنيّة الفرض روى أصحابنا [أنّه] لا يجزيه» (4) ولم يحكم بشيءٍ . واحتجّ الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم على أنّ من صام يوم الشكّ أجزأه عن شهر رمضان ولم يفرّقوا ، قال : ومن قال من أصحابنا لا يجزيه تعلّق بقوله عليه السلام : «اُمرنا أن نصوم يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ، ونهينا أن نصومه من شهر رمضان » ، (5) وهذا صيام بنيّة شهر رمضان ، فوجب أن لا يجزيه ؛ لأنّه مرتكب للنهي ، وهو يدلّ على الفساد . والجواب المنع من الإجماع ، وعدم الفرق في الأخبار ، وقد بيّناه . لا يقال : إنّه في نفس الأمر من شهر رمضان وتقصيره أو عدم معرفته لا يخرجه عن حقيقته ، فيكون قد نوى الواقع ، فوجب أن يجزيه ؛ ولأنّه قد روى الشيخ عن سماعة في الموثّق ، قال : سألته عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان ، لا يدري أهو من

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 380 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 182 ، ح 507 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 25 ، ح 12743 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 180 ، المسألة 23 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 277 ، ومابين الحاصرتين منه .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 180 ، المسألة 23 .

ص: 66

رمضان فصامه من شهر رمضان ؟ قال : «هو يوم وفّق له ولا قضاء عليه» . (1) لأنّا نقول : التكليف منوط بالعلم ، وهو منتف ، وليس منوطا بما في نفس الأمر ، وإلّا لكان إذا نواه من شعبان لم يجزيه ، وهو باطل بالإجماع . وأمّا الحديث فهو مع عدم صحّته وإضماره ، معارض بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، وهي أقدم . على أنّه مرويّ في التهذيب (2) عن المصنّف بإسناده المذكور في الباب ، وكأنّه سقط من قلم الشيخ أو غيره ما زاد في رواية المصنّف من لفظة : «فكان» في قوله : «فكان من شهر رمضان» فلا يدلّ على مدّعاه . ثمّ الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة وبعض آخر من الأخبار المذكورة عدم جواز صومه بنيّة رمضان مطلقا جزما أو متردّدا ، فلا يجزيه من رمضان إن ردّد بنيّته ، بأن نوى ليلته أنّه إن كان غدا من رمضان فهو صائم فرضا منه ، وإن كان من شعبان فهو صائم نفلاً منه ، أو أنّه يصوم غدا فرضا أونفلاً ، وهو منقول في المختلف (3) عن ابن إدريس (4) والشيخ فيما عدا الخلاف والمبسوط من كتبه (5) محتجّا بأنّه لم ينو أحد السببين قطعا ، والنيّة فاصلة بين الوجهين ولم يحصل . وأجاب بالمنع من اشترط القطع ؛ لأنّه تكليف بما لا يطاق . وهو كما ترى . وقال في الخلاف (6) والمبسوط (7) بالإجزاء ، وعدّه العلّامة في المختلف أقوى ، (8) ونقله عن

.


1- .النهاية ، ص 151 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 235 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 ، ح 503 ؛ وهذا هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 22 ، ح 12735 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 383 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 384 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 179 ، المسألة 21 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 268 .
8- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 383.

ص: 67

ابن حمزة ، (1) وعن ابن أبي عقيل أيضا ، فقد حكى عنه أنّه قال : «اختلف الرواية عنهم عليهم السلام فروى بعضهم عن آل الرسول صلى الله عليه و آله أنّ صوم ذلك اليوم لا يجزيه ؛ لأنّ الفرض لا تؤدّى عن شكّ ، وروى بعضهم عنهم عليهم السلام الإجزاء » . وحدّثني بعض علماء الشيعة يرفعه إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام أنّه سُئل عن اليوم الذي يشكّ فيه الناس أنّه من رمضان ، كيف يعمل في صومه ؟ فقال لسائله : «ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم غدا من شعبان ، فإن كان من رمضان أجزأك عنه ، وإن كان من شعبان لم يضرّك» ، فقال له : كيف يجزي صوم تطوّع عن فريضة ؟ فقال : «لو أنّ رجلاً صام من شهر رمضان تطوّعا وهو لا يعلم أنّه شهر رمضان ، ثمّ علم بعد ذلك أجزأ عنه ؛ لأنّ الصوم إنّما وقع على اليوم بعينه» . قال ابن أبي عقيل : وهذا أصحّ الخبرين ؛ لأنّه مفسّر وعليه العمل عند آل الرسول عليهم السلام . (2) ولم أجد هذا الخبر في شيء من كتب الأخبار المشهورة ، وهو غير دالّ على مطلوبه ، فإنّه إنّما دلَّ على الإجزاء لوقوعه بنيّة التطوّع . واحتجّ عليه العلّامة (3) بأنّه نوى الواقع ؛ لأنّ الصوم إن كان من شهر رمضان كان واجبا ، وإن كان من شعبان كان نفلاً ، فوجب أن يجزيه ، وبأنّه نوى العبادة على وجهها وأحالها على الظهور ، فوجب أن يخرج عن العهدة ، وبأنّ نيّة التعيين في رمضان ليست شرطا إجماعا ، وقد نوى المطلق فوجب الإجزاء ، ومقدّماته كلّها في محلّ المنع ، لا سيّما مع معارضة ظاهر ما ذكر من بعض الأخبار ، فتأمّل . والظاهر عدم جواز صومه بنيّة النذر وشبهه أيضا ؛ لما يرويه المصنّف في باب من جعل على نفسه صوما ، عن كرام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن

.


1- .الوسيلة ، ص 140 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 384 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 384 385 .

ص: 68

أصوم حتّى يقوم القائم ، فقال : «صم ، ولا تصم في السفر ، ولا العيدين ، ولا أيّام التشريق ، ولا اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان» . (1) وهذا ظاهر المصنّف ، والخبر وإن لم يصحّ لكن غير معارض بخبر . لكن لو ظهر كونه من رمضان فهل ينصرف إليه أم لا ؟ يبنى على ما ذكر من كفاية كون الوقت لرمضان في نفس الأمر ، أو لا . وقال الشهيد الثاني في شرح اللمعة : «أمّا لو نواه واجبا عن غيره كالقضاء والنذر لم يحرم» ، (2) وظاهره الإجزاء عن رمضان على تقدير ظهوره منه . وحكى طاب ثراه عن عياض أنّه قال : واختلف في صومه تطوّعا ، فأجازه مالك والأوزاعيّ واللّيث ، (3) وأجازه محمّد بن مسلمة (4) لمن كان يسر ولا لمن ابتدأ . وعن الآبي (5) شارح مسلم أنّه قال : «المشهور عندنا أنّه لا يجوز صوم يوم الشكّ احتياطا ، ولا يجزي إن صامه وثبت أنّه من رمضان ، قال : وكذلك قال ابن عبد السلام » . وفي العزيز : وأمّا يوم الشكّ فقد روي عن عمّار بن ياسر رضى الله عنهأنّه قال : من صام اليوم الذي يشكّ فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و آله (6) يعني الكراهة بقرينة سياق كلامه ، ثمّ قال : فلا يصحّ صومه عن رمضان خلافا لأحمد حيث قال في رواية : إن كانت السماء مصحية كره صومه ، وإلّا

.


1- .هو الحديث الأوّل من ذلك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13212 .
2- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 139 ، وقال : «وأجزأ عن رمضان» .
3- .التمهيد ، ج 2 ، ص 40 و ج 14 ، ص 346 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 404 .
4- .في الأصل : «سلمة» والتصويب من ترجمة الرجل وسائر المصادر ، وهو محمّد بن مسلمة بن محمّد بن هاشم المخزومى ، روى عن مالك وتفقّه عنده ، كان أحد فقهاء المدينة على مذهب مالك وأفقههم ، مات سنة ست عشرة ومئتين . الجرح والتعديل ، ج 8 ، ص 71 ، الرقم 317 ؛ الثقات لابن حبّان ، ج 9 ، ص 55 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 55 ، ص 290 ، الرقم 2998 ؛ الانتقاء ، ص 56 .
5- .أبو عبد اللّه محمّد بن خليفة التونسي الآبي تلميذ ابن عرفة ، محدّث ، حافظ ، فقيه ، مفسّر ، ناظم ، ولى قضاء الجزيرة ، من تصانيفه : إكمال الإكمال في شرح صحيح مسلم ، شرح المدوّنة في فروع الفقه المالكي ، وتفسير القرآن ، توفّي سنة 828 ه ق . معجم المؤلّفين ، ج 9 ، ص 287 .
6- .تقدّم تخريجه .

ص: 69

وجب صومه عن رمضان . وفي رواية : إن صام الإمام صوموا ، وإلّا افطروا . وعنه رواية اُخرى مثل مذهبنا . لنا : قوله صلى الله عليه و آله : «فإن غمّ عليكم فاكملوا عدّة شعبان ثلاثين ، ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان » . ويجوز صومه عن قضاء ونذر وكفّارة ، وكذا إذا وافق ورده في التطوّع بلا كراهة . روى أبو هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا تستقبلوا الشهر بيوم أو يومين ، إلّا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم» . وعن القاضي أبي الطيّب أنّه يكره صومه عمّا عليه من فرض . قال ابن الصباغ : وهذا خلاف القياس ؛ لأنّه إذا لم يكره فيه ما له سبب من التطوّع فلأنّ لا يكره فيه الفرض كان أولى ، ولا يجوز أن يصوم فيه التطوّع الذي لا سبب له خلافا لأبي حنيفة ومالك حيث قالا : لا كراهيّة في ذلك ، وهل يصحّ ما وقع من الصوم ؟ فيه وجهان كالوجهين في الصلاة في الأوقات المكروهة . (1) قوله في مرسلة رفاعة : (فقلت ذاك إلى الإمام) إلى آخره .[ح 7 / 6316] مثله مرسلة داود بن الحسين ، (2) وروى الشيخ قدس سره عن خلّاد بن عمارة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «دخلت على أبي العبّاس في يوم شكّ ، وأنا أعلم أنّه من شهر رمضان ، وهو يتغدّى» ، فقال : يا أبا عبداللّه ، ليس هذا من أيّامك ، قلت له : «يا أمير المؤمنين ، ما صومي إلّا بصومك ، ولا إفطاري إلّا بإفطارك» ، قال : فقال : ادن ، قال : «فدنوت فأكلت وأنا أعلم واللّه إنّه من رمضان» . (3) وعن أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : إنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى ، فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السلام وكان بعض أصحابنا يضحّي ، فقال : «الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحّي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس» . (4)

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 412 415 .
2- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 317 ، ح 965 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 132 133 ، ح 13036 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 317 ، ح 966 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 133 ، ح 13037 .

ص: 70

باب وجوه الصيام

وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «صم حين يصوم الناس ، وافطر حين يفطر الناس ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل الأهلّة مواقيت للناس» . (1) وتدلّ هذه الأخبار على جواز الإفطار للتقيّة ، وهو كذلك ، بل قد يجب . قال الصدوق : ومن كان في بلدٍ [فيه سلطان فالصوم] (2) معه ، والفطر معه ؛ لأنّ في خلافه دخولاً في نهي اللّه عزّ وجلّ حيث يقول : «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (3) . وقد روى عن عيسى بن أبي منصور ، قال : كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام في اليوم الذي يشكّ فيه الناس ، فقال : «يا غلام ، اذهب فانظر هل صام الأمير أم لا ؟» فذهب ، ثمّ عاد فقال : لا ، فدعا بالغداء فتغدّينا معه . وقال الصادق عليه السلام : «لو قلت إنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقا» . (4)

باب وجوه الصيام (5)وهي أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه ، وحرام . والواجب ستّة : صوم شهر رمضان ، والكفّارات ، وبدل الهدي ، والنذر وشبهه ، والاعتكاف على وجه يأتي ، وقضاء الفائت . وقد سبق وجوب شهر رمضان ، ويأتي القول في البواقي كلٌّ في محلّه إن شاء اللّه تعالى ، ويندرج فيها الوجوه العشرة التي وردت في خبر الزهري كلّها . والمندوب منه ما لا يختصّ زمانا ولا مكانا ، وهو صوم السنة كلّها ما عدا شهر

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 462 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 293 ، ح 13450 ، وكلمة «للناس» في آخر الحديث غير موجودة فيهما .
2- .اُضيفت من المصدر .
3- .البقرة (2) : 195 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 127 128 ، ذيل ح 1925 و ح 1926 و 1927 .
5- .كذا بالأصل ، وفي المصدر المطبوع : «وجوه الصوم» .

ص: 71

رمضان والعيدين ، ففي الحديث النبويّ : «الصوم جُنّة من النار» . (1) وفي حديث آخر : «الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما» . (2) وقال عليه السلام : «قال اللّه تبارك وتعالى : الصوم لي وأنا أجزي به . وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربّه عزّ وجلّ ، والذي نفس محمّد بيده ، لخلوف فم الصائم عند اللّه أطيب من ريح المسك» . (3) وقال عليه السلام لأصحابه : «ألا أخبركم بشيء إن فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى يارسول اللّه ، قال : الصوم يسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في اللّه عزّ وجلّ والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه ، ولكلّ شيءٍ زكاة وزكاة الأبدان الصيام» . (4) وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ثلاثة يذهبن البلغم ويزدن الحفظ : السواك ، والصوم ، وقراءة القرآن» . (5) وقال أيضا عليه السلام : «أوحى اللّه تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام : ما يمنعك من مناجاتي ؟ فقال : يا ربّ ، أجلّك عن المناجات لخلوف فمّ الصائم ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ تبارك وتعالى إليه : يا موسى ، لخلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك» . (6)

.


1- .الكافي ، باب دعائم الإسلام من كتاب الايمان والكفر ، ح 5 ، و باب ماجاء في فضل الصوم والصائم من كتاب الصيام ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 74 ، ح 1771 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 151 ، ح 418 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ، ص 119 ،117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 395 ، ح 13673 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 74 75 ، ح 1772 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 190 ، ح 538 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 121 122 ، ح 134 ؛ تحف العقول ، ص 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 137 ، ح 13044 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 507 ، ح 23862 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 75 ، ح 1773 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 400 ، ح 13688 .
4- .الكافي ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ، ح 2 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 75 ، ح 1774 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 191 ، ح 542 ؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 15 ، ح 1 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 75 ، ح 57 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 395 396 ، ح 13674 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 191 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 400 ، ح 13686 .
6- .الكافي ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم من كتاب الصيام ، ح 13 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 121 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 75 ، ح 1773 ، وص 397 ، ح 13677 .

ص: 72

وقال عليه السلام : «نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبَّل ، ودعاؤه مستجاب» . (1) والأخبار في فضيلة الصوم من غير تقييد بوقت وزمان بحيث يشتمل كلّ أيّام السنة كثيرة ، ومنه ما يختصّ مكانا وهو صوم ثلاثة أيّام للحاجة في مدينة الرسول صلى الله عليه و آله . ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاث أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء ، وتصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة ، وهي اسطوانة التوبة التي كان ربط بها نفسه حتّى نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثمّ تأتي ليلة الخميس الاسطوانة التي تليها ممّا يلي مقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله (2) فتصلّي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس ، ثمّ تأتي الاسطوانة التي تلي مقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومصلّاه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تكلّم بشيء في هذه الأيّام إلّا ما لابدّ لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولا نهار ، فافعل ، فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل ، ثمّ احمد اللّه يوم الجمعة واثنِ عليه وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله وسَلْ حاجتك ، وليكن فيما تقول : اللّهُمَّ ما كان لي إليك حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها ، فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة صلواتك عليه وآله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها ، فإنّك حريٌّ أن يقضى حاجتك إن شاء اللّه » . (3) ومنه ما يختصّ زمانا وهو أنواع متكثّرة ، والمؤكّد منه أربعة عشر : الأوّل : صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر : أوّل خميس في الشهر ، وأوّل أربعاء في وسطه ، وآخر خميس في آخره ، رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم حتّى يُقال : لا يفطر ، ويفطر حتّى يُقال : لا يصوم ، ثمّ صام يوما وأفطر

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 76 ، ح 1783 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 401 ، ح 13689 .
2- .في المصدر : «النبيّ» بدل «رسول اللّه » وكذا المورد التالي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 232 233 ، ح 682 ؛ وج 6 ، ص 16 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 202 ، ح 13218 ؛ وج 14 ، ص 350 351 ، ح 19368 .

ص: 73

يوما ، ثمّ صام الإثنين والخميس ، ثمّ آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيّام في الشهر : خميس (1) في أوّل الشهر ، وأربعاء في وسط الشهر ، وخميس في آخر الشهر ، وكان عليه السلام يقول : ذلك صوم الدهر ، وقد كان أبي عليه السلام يقول : ما من أحد أبغض على اللّه عزّ وجلّ من رجلٍ يُقال له : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يفعل كذا وكذا ، فيقول لا يعذّبني اللّه على أن أجتهد في الصلاة والصيام ، كأنّه يرى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه» . (2) وفي الموثّق عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : بما جرت السنّة من الصوم ؟ فقال : «ثلاثة أيّام من كلّ شهر : الخميس في العشر الاُول ، والأربعاء في العشر الثاني ، والخميس في العشر الآخر» ، قال : قلت : هذا جميع ما جرت السنّة في الصوم ؟ قال : «نعم» . (3) وفي الصحيح (4) عن حمّاد بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى قيل : ما يفطر ، ثمّ أفطر حتّى قيل : ما يصوم ، ثمّ صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما لا ، (5) ثمّ قبض عليه السلام على صيام ثلاثة أيّام في الشهر ، وقال : يعدلن صوم الشهر ، ويذهبن بوحر (6) الصدر» . قال حمّاد : الوحر الوسوسة ، ثمّ قال حمّاد : فقلت : أيّ الأيّام هي ؟ قال : «أوّل خميس من الشهر ، وأوّل أربعاء بعد العشر ، وآخر خميس فيه» ، فقلت : لِمَ صارت هذه الأيّام تُصام ؟ فقال : «إنّ من قبلنا من الاُمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيّام [فصام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هذه الأيّام] المخوفة» . (7)

.


1- .في الأصل : «الخميس» ، والتصويب حسب المصدر .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 81 ، ح 1785 ؛ ثواب الأعمال ، ص 79 80 ، ثواب صوم ثلاثة أيّام في الشهر ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 417 418 ، ح 13739 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 84 ، ح 1796 ؛ ثواب الأعمال ، ص 81 ، ثواب صوم ثلاثة أيّام في الشهر ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 418 ، ح 13740 .
4- .في الأصل : + «والشيخ» .
5- .في الأصل : «ويومان» ، والتصويب حسب المصدر .
6- .كذا في المصدر ، وفي الأصل : «بوجر» ومثله في المورد التالي ، وكذا في الحديث التالي .
7- .الكافي ، باب صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 82 ، ح 1786 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 302 ، ح 913 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 136 ، ح 444 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 415 ، ح 13735 .

ص: 74

وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صوم السنّة ، فقال : «ثلاثة أيّام من كلّ شهر : الخميس والأربعاء والخميس يذهب ببلابل القلب ووحر الصدر ، الخميس والأربعاء والخميس ، وإن شاء الأربعاء والخميس ، وإن [شاء ]صام في كلّ عشرة أيّام فإنّ ذلك ثلاثون حسنة ، وإن أحبّ أن يزيد على ذلك فليزد» . (1) وعن عبداللّه بن سنان ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا كان في أوّل الشهر خميسان فصم أوّلهما ، فإنّه أفضل ، وإذا كان في آخره خميسان فصم آخرهما» . (2) وإنّما قلنا أوّل أربعاء في العشر الوسط مع إطلاق أكثر الأخبار ؛ لصراحة صحيحة حمّاد فيه ، ولأنّه مسارعة إلى الخير ، فدخل في قوله سبحانه : «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (3) ، وبه قال الشيخان (4) وابن البرّاج (5) وابن إدريس (6) على ما حكى عنهم في المختلف . (7) وخيّر بعض الأصحاب بينه وبين الأربعاء الثاني ، وأطلق أبو الصلاح هذه الأيّام ، فقال : «خميس في أوّله ، وأربعاء في وسطه ، وخميس في آخره» (8) . (9) وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «الخميس الأوّل من العشر الاُول ، والأربعاء الأخير من العشر الأوسط ، وخميس من العشر الأخير» ، (10) والأوّل أشهر .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 303 ، ح 915 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 136 ، ح 445 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 425 426 ، ح 13757 . وما بين الحاصرتين من مصادر الحديث .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 303 ، ح 916؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 136 137 ، ح 446 . ورواه الكليني في الكافي ، باب فضل صوم شعبان ... ، ح 13 ؛ والصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 83 ، ح 1792 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 416 ، ح 13737 .
3- .آل عمران (3) : 133 .
4- .المقنعة للمفيد ، ص 368 ؛ النهاية للطوسي ، ص 168 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 188 .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 417 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 510 .
8- .وبعده في الأصل : «فيها لو كان» .
9- .الكافي للحلبي ، ص 180 و 189 .
10- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 510 511 .

ص: 75

وقد ورد في هذه الأيّام طرق اُخرى رواها الشيخ عن أبي بصير ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الشهر ، فقال : «في كلّ عشرة أيّام يوم خميس وأربعاء وخميس ، والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء» . (1) وهو منقول عن ابن الجنيد ، (2) فيصوم في شهر أربعاء بين خميسين وفي شهر خميسا بين أربعائين ، وهكذا دائما . وعن داود ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الصيام ، فقال : «ثلاثة أيّام في الشهر : الأربعاء ، والخميس والجمعة» ، فقلت : إنّ أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين ؟ فقال : «لا بأس بذلك ، ولا بأس بخميس بين أربعائين» . (3) وخيّر بين هذه الطرق كلّها ولا بأس به ، ولكنّ الترتيب الأوّل أظهر وأشهر ؛ لكثرة أخباره وشهرته بين الأصحاب ، حتّى أنّ الأكثر لم يتعرّضوا لغيره ، ويجوز تأخير هذه الأيّام من الصيف إلى الشتاء ؛ لما رواه الشيخ عن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : صوم ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، أؤخّره إلى الشتاء ثمّ أصومها ؟ فقال : «لا بأس» . (4) وعن الحسين بن راشد ، قال : قلت لأبي عبداللّه أو لأبي الحسن عليهماالسلام : الرّجل يتعمّد الشهر في الأيّام القصار يصوم لسنة ؟ قال : «لا بأس» . (5) وروى الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي جعفر أو لأبي عبداللّه عليهماالسلام : إنّي قد اشتدَّ عليَّ صيام ثلاثة أيّام في كلّ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 303 ، ح 917 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 137 ، ح 447 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 429 ، ح 13769 .
2- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 511 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 304 ، ح 918 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 137 ، ح 448 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 429 ، ح 13768 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 314 ، ح 950 . ورواه الكليني في الكافي ، باب تأخير صيام الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاء ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 430 431 ، ح 13772 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 ، ح 949 ؛ ورواه الكليني في الكافي ، باب تأخير صيام الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاء ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 430 ، ح 13771 .

ص: 76

شهر ، أؤخّره في الصيف إلى الشتاء ، فإنّي أجده أهون عليَّ ؟ قال : «نعم ، فاحفظها» . (1) ومع المشقّة يجوز أن يفدي عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو درهم ؛ لصحيحة عيص بن القاسم ، قال : سألته عمّن لم يصم الثلاثة الأيّام وهو يشتدّ عليه الصيام ، هل فيه فداء ؟ قال : «مدّ من طعام في كلّ يوم» . (2) وهذه الرواية وإن كانت مضمرة في رواية الشيخ ولكن مسندة إلى أبي عبداللّه عليه السلام في الفقيه . (3) وخبر صالح (4) بن عقبة ، عن عقبة ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي كبرت وضعفت عن الصيام ، فكيف أصنع بهذه الثلاثة الأيّام في كلّ شهر ؟ فقال : «يا عقبة ، تصدّق بدرهم عن كلّ يوم» [قال : قلت : درهم واحد ؟] ، فقال : «لعلّها كثرت عندك وأنت تستقلّ الدرهم» ؟ قلت : إن نعم (5) اللّه عليَّ لسابغة ، فقال : «يا عقبة لإطعام مسلم خيرٌ من صيام شهر» . (6) وإذا فاتت عنه جاز قضاؤها متوالية ومتفرّقة ؛ لخبر عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه من الثلاثة الأيّام الشهر ، هل يصلح له أن يؤخّرها ويصومها في آخر الشهر ؟ قال : «لا بأس» . قلت : يصومها متوالية أو متفرّقة ؟ قال : «ما أحَبَّ ، إن شاء متوالية ، وإن شاء فرّق بينها» . (7)

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 84 ، ح 1795 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 430 ، ح 13770 .
2- .الكافي ، باب كفارة الصوم وفديته ، ح 4 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 83 ، ح 1793 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 ، ح 947 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 433 ، ح 13779 .
3- .اُنظر التعليق المتقدّم .
4- .في الأصل : «مسلم» ، والتصويب من المصدر .
5- .في الأصل : «أنعم» ، والتصويب من مصادر الحديث .
6- .الكافي ، باب كفّارة الصوم وفديته ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 ، ح 948 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 434 ، ح 13782 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 314 ، ح 951 . ورواه الكليني في الكافي ، باب تأخير صيام الثلاثة الأيّام ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 431 ، ح 13773 .

ص: 77

الثاني : صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، وهو صنفان : الأوّل وهو الأفضل : أوّل خميس من الشهر ، وآخر خميس منه ، وأربعاء في العشر الوسط أو خميس بين الأربعائين ، ويجيء في محلّه في الباب الثالث بعد هذا الباب . والثاني : صوم أيّام البيض : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر من كلّ شهر . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه فسّر أيّام البيض بثلاثة أيّام متفرّقة في كلّ شهر : أربعاء بين خميسين [الخميس الأوّل من العشر الأوّل ، والأربعاء الأخير من العشر الأوسط ، وخميس من العشر الأخير] (1) فهو غريب ، ويأتي أيضا في صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله . الثالث والرابع والخامس : صوم يوم مولد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو السابع عشر من شهر ربيع الأوّل على المشهور بين الأصحاب ، وعند المصنّف قدس سره هو الثاني عشر منه على ما ذكره في باب مولده صلى الله عليه و آله ، (2) وصوم يوم المبعث ، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب ، اُنزلت النبوّة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصوم يوم الغدير ، وهو الثامن عشر من ذي الحجّة ، وهو يوم أمر فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنصب أمير المؤمنين عليه السلام إماما للناس ، وأنزل فيه : «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» (3) ، وكان ذلك بغدير خمّ حين مراجعته من حجّة الوداع ، وقد أنزل قبل ذلك حين كان عليه السلام بمنى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» ، وهو عليه السلام سوّف تبليغه خوفا من أصحابه ؛ لما علم من معاداة أكثرهم لعليّ عليه السلام ، فلمّا سمع هذا التأكيد نزل بغدير خمّ ولم يكن منزلاً ، فأمر بإرجاع من مضى من العسكر وجمعهم ووضع له عليه السلام منبر من الرِّحال ، فصعد عليه وأخذ بضبعي أمير المؤمنين عليه السلام ورفعه حتّى رؤي بياض إبطيه ، وقال : «ألستُ أنا مولاكم ؟» فقالوا : نعم يارسول اللّه ، فقال : «مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهُمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 512 ، وما بين الحاصرتين منه .
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 439 .
3- .المائدة (5) : 67 .

ص: 78

عاداه ، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله» . 1 وعن محمّد بن اللّيث المكّي ، قال : حدّثني إسحاق بن عبداللّه العريضي العلوي ، قال : وجل في قلبي ما الأيّام التي تُصام ؟ فقصدت مولانا أبا الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلاموهو [بِصَرْيا] (1) ولم أبد ذلك لأحدٍ من خلق اللّه ، فدخلتُ عليه ، فلمّا بصرني قال صلى الله عليه و آله : «يا إسحاق ، جئت تسألني عن الأيّام التي يُصام فيهنّ ، وهي أربعة : أوّلهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث اللّه تعالى محمّدا صلى الله عليه و آله إلى خلقه رحمةً للعالمين ، ويوم مولده صلى الله عليه و آله وهو السابع عشر من شهر ربيع الأوّل ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دُحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخاه عليّا عليه السلام عَلَما للناس وإماما من بعده» ، قلت : صدقت جعلت فداك ، لذلك قصدتك ؛ أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه . (2) فقد روى الشيخ عن الحسن بن راشد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : جُعلت

.


1- .من المصدر . وصريا قرية أسّسها موسى بن جعفر عليهماالسلام على ثلاثة أميال من المدينة . المناقب لابن شهر آشوب ، ج 3 ، ص 489 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 305 ، ح 922 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 441 ، ح 13796 .

ص: 79

فداك ، للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : «نعم يا حسن ، أعظمهما وأشرفهما» . قال : قلت : أيّ يومٍ هو ؟ قال : «هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام فيه عَلَما للناس» . قلت : جعلت فداك ، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : «تصومه يا حسن ، وتكثر الصلاة على محمّد [وآله] ، وتبرأ إلى اللّه عزّ وجلّ ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبياء كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي يُقام فيه الوصيّ أن يُتّخذ عيدا» ، قال : قلت : فما لمَن صامه ؟ قال : «صيام ستّين شهرا ، ولا تدع صيام سبعة وعشرين من رجب ، فإنّه اليوم الذي اُنزلت فيه النبوّة على محمّد صلى الله عليه و آله ، وثوابه مثل ستّين شهرا لكم» . (1) وقد وردت ليوم الغدير أعمال وعبادات غير الصوم لا بأس بذكرها ، فقد روى الشيخ في التهذيب . (2) السادس : صوم يوم دحو الأرض ، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن عبداللّه الصيقل ، قال : خرج علينا أبو الحسن يعني الرضا عليه السلام بمرو في خمسة وعشرين من ذي القعدة ، فقال : «صوموا ، فإنّي أصبحت [صائما]». قلنا : جعلنا اللّه فداك ، أيّ يومٍ هو ؟ قال : «يوم نشرت فيه الرحمة ، ودُحيت فيه الأرض ، ونصبت فيه الكعبة ، وهبط فيه آدم عليه السلام » . (3) وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن عليّ الوشاء ، قال : كنت مع أبي وأنا غلام فتعشّينا عند الرِّضا عليه السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ، [فقال له : «ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة] (4) ولد فيها إبراهيم عليه السلام ، وولد فيها عيسى بن مريم ، وفيها دُحيت الأرض من تحت الكعبة ، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهرا» . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 305 ، ح 921 . ورواه الكليني في الكافي ، باب صيام الترغيب ، ح 1 ؛ والصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 90 ، ح 1716 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 440 ، ح 13795 .
2- .كذا في الأصل ، والظاهر أنّ في العبارة سقط . وانظر : تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 24 ، ح 52 وما بعده .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 304 ، ح 920 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 4 ، ص 149 150 ، ح 4 من باب صيام الترغيب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 450 451 ، ح 13819 .
4- .أضيفت من المصدر .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 89 ، ح 1814 ؛ ثواب الأعمال ، ص 79 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 449 ، ح 13815 .

ص: 80

السابع : يوم عرفة ؛ لما رواه الشيخ عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «صوم يوم عرفة يعدل صوم السنة» ، وقال : «لم يصمه الحسن ، و[صامه] (1) الحسين» . (2) وما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «صوم يوم التروية كفّارة سنة ، ويوم عرفة كفّارة سنتين» . (3) وروى الصدوق : «أنّ في تسع من ذي الحجّة اُنزلت توبة داود عليه السلام ، فمَن صام ذلك اليوم كان كفّارة تسعين سنة » . (4) وقال العلّامة في المنتهى : «قد اتّفق العلماء على أنّ صومه في الجملة مستحبّ » . (5) وقوله : «في الجملة» إشارة إلى عدم استحبابه في مواضع : منها : على الإمام ، فإنّه لا يستحبّ له صومه ؛ لئلّا يتوهّم الناس أنّ صوم ذلك اليوم واجب . ويستفاد ذلك ممّا روي عن عبداللّه بن المغيرة ، عن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «أوصى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى عليّ عليه السلام وحده وأوصى [عليّ عليه السلام ]إلى الحسن والحسين جميعا عليهماالسلام ، وكان الحسن عليه السلام إمامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه السلام وهو يتغدّى والحسين عليه السلام صائم ، ثمّ جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة و هو يتغذّي وعليّ بن الحسين عليهماالسلام صائم فقال له الرجل : إنّي دخلت على الحسن عليه السلام يتغدّى وأنت صائم ، ثمّ دخلت عليك وأنت مفطر ؟ فقال : «إنّ الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر ؛ لئلّا يتّخذ الناس صومه سنّة وليتأسّى به الناس ، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام ،

.


1- .في الأصل : «ما رواه» ، وما اُثبت من المصدر .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 900 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 432 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13859 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1807 ؛ ثواب الأعمال ، ص 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13828 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1808 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 454 ، ح 13829 ؛ وص 466 467 ، ح 13864 .
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 610 .

ص: 81

فأردت أن لا يتّخذ صومي سنّة فيتأسّى الناس بي» . (1) ويؤيّده ما روي أنّ رجلاً أتى الحسن والحسين عليهماالسلام فوجد أحدهما صائما والآخر مفطر ، فسألهما فقالا : «إن صمت فحسن ، وإن لم تصم فجائز» ، (2) ولا يبعد جريان ذلك في أكثر المندوبات . ثمّ الظاهر أنّ الساقط عن الإمام تأكّد استحبابه لا أصله ، وإلّا فقد صامه عليه السلام في حال إمامته على ما رواه سليمان الجعفريّ ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : «كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف ، ويأمر بظلّ مرتفع فيضرب له ، فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ» . (3) ومنها : مع الشكّ في هلال ذي الحجّة ، فإنّه يكره حينئذٍ صومه ؛ لجواز أن يكون ذلك اليوم يوم عيد . ولرواية حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن صوم يوم عرفة ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة ؟ قال : «كان أبي لا يصومه» ، قلت : ولِمَ ذلك ؟ قال : «إنّ يوم عرفة يوم دعاء ومسألة ، وأتخوّف أن يُضعفني عن الدّعاء ، وأكره أن أصومه أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى ، وليس بيوم صوم» . (4) ومنها : ما لو أضعفه الصوم عن الدّعاء ؛ لأنّ هذا اليوم يوم دعاء ومسألة . ولخبر حنان المتقدّم ، وما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 88 ، ح 1810 ؛ علل الشرائع ، ج 2 ، ص 386 ، الباب 117 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 467 ، ح 13867 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 466 ، ح 13863 .
3- .تهذيب الاحكام ، ج 2 ، ص 298 ، ح 901 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 203 ، ح 13220 .
4- .علل الشرائع ، ج 2 ، ص 384 385 ، الباب 116 ، ح 1 . الفقيه ، ج 2 ، ص 88 ، ح 1811 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 903؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134133 ، ح 435 .

ص: 82

سألته عن صوم يوم عرفة ، قال : «مَن قوى عليه فحسن إن لم يمنعك عن الدُّعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» . (1) ويؤيّده ما رواه الصدوق عن يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صوم يوم عرفة قال : «إنّ شئت صمت ، وإن شئت لم تصم» . (2) ومنها : [ما] رواه ما عدا أبي حنيفة من فقهاء العامّة من كراهته للحاجّ مطلقا وإن لم يضعفهم عن الدّعاء ؛ (3) محتجّين بما نقلوه عن اُمّ الفضل بنت الحارث : أنّ اُناسا يمرّون بين يديها يوم عرفة فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال بعضهم : صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم ، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفات ، فشربه النبيّ صلى الله عليه و آله . (4) وعن ابن عمر أنّه قال : حججتُ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يصمه يعني يوم عرفة [و ]مع أبي بكر فلم يصمه ، [ومع عمر فلم يصمه] ومع عثمان فلم يصمه ، وأنا لا أصومه ، ولا آمر به ولا أنهى عنه . (5) ويظهر جوابه ممّا ذكر من عدم استحبابه على الإمام . وفي المنتهى : «والجواب : أنّ هذه الأحاديث محمولة على أنّه عليه السلام لم يتمكّن من الصيام للعطش ، أو أنّه عليه السلام كان مسافرا ، أو للضعف والمنع عن الدّعاء » . (6) السابع : صوم يوم عاشوراء ، وهو مستحبّ حزنا لا للتبرّك على ما ذكر في المنتهى ، (7) ويأتي القول فيه في بابه .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 904 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13858 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 466 ، ح 13862 .
3- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 380 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 610 .
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 106 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 106 .
5- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 47 و 50 و 73 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 23 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 285 ، ح 7829 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 300 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 155 ، ح 2827 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 126 ، ح 748 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 369 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 9 ، ص 445 446 ، ح 5595 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 610 . وانظر بعض رواياته في موسوعة الإمامة ، ج 1 ، ص 187 216 ، ح 346 _ 411 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .

ص: 83

الثامن : صوم يوم المباهلة ، في المنتهى : هو الرابع والعشرون من ذي الحجّة ، فيه باهلَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنفسه وبأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام نصارى نجران ، (1) وفيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه في ركوعه ، ونزلت فيه : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (2) ، فيستحبّ صومه شكرا لهذه النِّعم الجسام . (3) كذا في المنتهى . واستحباب الصوم في هذا اليوم بخصوصه هو المشهور بين الأصحاب ، بل لم أجد مخالفا لهم ، ولم أجد نصّا عليه بخصوصه ، ويشكل الحكم به بمجرّد ما ذكر من التعليل . التاسع : صوم أوّل يوم من ذي الحجّة ، وفي المنتهى : «هو يوم ولد فيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وذلك نعمة عظيمة ينبغي مقابلتها بالشكر» . (4) وروي عن موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : «مَن صام أوّل يوم من [عشر]ذي الحجّة كتب اللّه له صوم ثماينن شهرا ، فإن صام التسع كتب اللّه عزّ وجلّ له صوم الدهر » . (5) قال ابن بابويه : وروي : «أنّ في أوّل يوم من ذي الحجّة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام فمَن صام ذلك اليوم كان كفّارة ستّين سنة » . (6) أمّا الشيخ رحمه الله فقد روى عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
2- .ورد في ذلك روايات كثيرة ، نقل كثيرا منها الحسكاني في شواهد التنزيل ، ج 1 ، ص 183 _ 200 ، ح 170 _ 178 . وراجع : موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة ، ج 1 ، ص 132 _ 158 ،254 _ 290 .
3- .المائدة (5) : 55 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 . وانظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 709 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 194 ، المسألة 130 ؛ الحدائق الناظرة ، ج 13 ، ص 380 ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 184 .
5- .ثواب الأعمال ، ص 74 ، ثواب عشرة ذى الحجة . الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1806 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13827 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1808 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13829 .

ص: 84

الرضا عليه السلام قال : «وفي أوّل يوم من ذي الحجّة ولد إبراهيم خليل الرحمن ، فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستّين شهرا» . (1) وقيل : «إنّ فاطمة عليهاالسلام تزوّجت في ذلك اليوم ، وقيل : في السادس من ذي الحجّة ، فيستحبّ صومهما معا ؛ لإدراك فضيلة الوقت » . (2) ثمّ قال : ويستحبّ صوم عشر ذي الحجّة إلّا يوم العيد ، ولا نعلم في الحكمين خلافا ؛ لأنّها أيّام شريفة مفضّلة ، يضاعف فيها العمل ، ويستحبّ فيها الاجتهاد بالعبادة . (3) روى الجمهور عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما من أيّام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى اللّه من هذه الأيّام العشرة» ، قالوا : يارسول اللّه ، ولا الجهاد في سبيل اللّه ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ولا الجهاد في سبيل اللّه ، إلّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» . (4) وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ما من أيّام أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ بأن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجّة ، يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة ، وقيام كلّ ليلة بقيام ليلة القدر» . (5) وعن بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله قالت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم تسع ذي الحجّة ويوم عاشوراء . (6) ومن طرق الخاصّة ما رواه ابن بابويه عن الكاظم عليه السلام : «أنّ من صام التسع كتب اللّه له صوم الدهر» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 304 ، ح 919 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 452 453 ، ح 13825 .
2- .مصباح المتهجّد ، 671 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 612 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 194 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 612 .
4- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 129 ، ح 754 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 224 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 550 ، ح 1727 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 545 ، ح 2438 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 273 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 2 ، ص 30 .
5- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 129 ، ح 755 ؛ كنزالعمّال ، ج 5 ، ص 68 ، ح 12088 .
6- .مسند أحمد ، ج 5 ، ص 271 ، و ج 6 ، ص 288 و 423 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 545 ، ح 2437 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 285 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1806 ؛ ثواب الأعمال ، ص 73 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13827 .

ص: 85

العاشر : صوم رجب كلّه ، وفي المنتهى : وهو قول علمائنا ، وكره أحمد صومه كلّه إلّا لصائم السنّة ، فيدخل ضمنا . (1) لنا : أنّه شهر شريف معظّم في الجاهليّة والإسلام ، وهو أحد الأشهر الحرم المعظّمة عند اللّه تعالى ، فكان إيقاع الطاعات فيه أفضل من غيره . ويؤيّده ما رواه المفيد رحمه الله عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «مَن صام رجبا كلّه كتب اللّه له رضاه ، ومن كتب له رضاه لم يعذّبه» . (2) وعن كثير بيّاع النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ نوحا عليه السلام ركب السفينة في أوّل يوم من رجب» ، وقال : «مَن صامه تباعدت عنه النار مسير سنة ، ومَن صام سبعة أيّام منه اُغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومَن صام ثمانية فُتحت له أبواب الجنان الثمانية ، ومَن صام خمس عشرة اُعطي مسألته ، ومَن صام خمسة وعشرين قيل له : استأنف العمل فقد غفر اللّه لك ، ومَن زاد زاده اللّه عزّ وجلّ» . (3) وعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «رجب نهرٌ في الجنّة أشدّ بياضا من اللّبن وأحلى من العسل ، مَن صام يوما من رجب سقاه اللّه من ذلك النهر . (4) وكان أمير المؤمنين عليه السلام يصومه ويقول : رجب شهري ، وشعبان شهر رسول اللّه ، وشهر رمضان شهر اللّه » . (5) قال : روى سلمان الفارسي رحمه الله في حديث طويل عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «وكتب له بصوم كلّ يومٍ يصومه منه عبادة سنة ، ورفع له ألف درجة ، فإن صام الشهر كلّه أنجاه اللّه عزّ وجلّ من النار ، وأوجب له الجنّة ، يا سلمان ، أخبرني بذلك جبرئيل عليه السلام » . (6) واحتجّ أحمد بما رواه خرشة بن الحرّ ، قال : رأيت عمر يضرب أكفّ المترجّبين حتّى

.


1- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 107 ؛ كشاف القناع ، ج 2 ، ص 394 ؛ الإنصاف ، ج 3 ، ص 346 .
2- .المقنعة ، ص 372 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 480 ، ح 13893 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 306 ، ح 923 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 472 ، ح 13880 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 92 ، ح 1821 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 306 ، ح 924 ؛ ثواب الأعمال ، ص 53 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 23 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 472 473 ، ح 13881 .
5- .مسار الشيعة ، ص 56 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 797 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 480 ، ح 13894 .
6- .مصباح المتهجّد ، ص 818 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 97 98 ، ح 1071 .

ص: 86

يضعوها في الطعام ، ويقول : كلوا فإنّما هو شهرٌ كانت تعظّمه الجاهليّة . (1) وعن ابن عمر أنّه كان إذا رأى الناس وما يعدّون لرجب كرهه ، وقال : صوموا منه وافطروا . (2) ودخل أبو بكر على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال : ما هذا ؟ فقالوا : رجب نصومه ، قال : أجلعتم رجب رمضان ، فأكفأ السلال ، وكسر الكيزان . والجواب ما نقلناه أولى ؛ لموافقته عموم الأمر بالصوم خصوصا في هذا الشهر الشريف عند الجاهليّة وأهل الإسلام . (3) ونقل أحمد عن عمر : أنّه إنّما كان يعظّمه الجاهليّة ، يقتضي عدم العرفان بفضل هذا الشهر الشريف في الشريعة المحمّدية صلى الله عليه و آله ، وكذا أمر ابن عمر وأبي بكر بترك صومه يدلّ على قلّة معرفتهما بفضل هذا الشهر ،وبالجهل لاعتداد بعض هؤلاء بترك صومه مع ما نقلناه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام . (4) انتهى . وأظنّ أنّ أمر هؤلاء بترك صومه إنّما كان حسدا منهم على عليّ عليه السلام حيث سمعوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ رجب شهره عليه السلام . الحادي عشر : صوم شعبان كلّه ، فعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن صام شعبان كان طهورا له من كلّ زلّة ووصمة وبادرة» . قال أبو حمزة : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما الوصمة ؟ قال : «اليمين في المعصية والنذر في المعصية» ، فقلت : ما البادرة ؟ قال : «اليمين عند الغضب ، والتوبة منها الندم عليها» . 5 وعن صفوان بن مهران الجمّال ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «حثّ من كان في ناحيتك على صوم شعبان» ، فقلت : جُعلت فداك ، ترى فيه شيئا ؟ فقال : «نعم ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا رأى هلال شعبان أمر مناديا ينادي في المدينة : يا أهل يثرب ، إنّي

.


1- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 107 .
2- .المصدران المتقدّمان ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 513 ، كتاب الصيام ، الباب 114 ، ح 4 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 612 613 ، وفي المذكور هنا تلخيص .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 92 ، ح 1823 ؛ ثواب الأعمال ، ص 58 59 ، ثواب صوم شعبان ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 488 ، ح 13919

ص: 87

رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم ، ألا إنّ شعبان شهري ، فرحمَ اللّه مَن أعانني على شهري» . ثمّ قال : «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينادي في شعبان ، ولن يفوتني في أيّام حياتي صوم شعبان إن شاء اللّه تعالى » . ثمّ كان عليه السلام يقول : «شهرين متتابعين توبةٌ من اللّه » . (1) وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : هل صام أحدٌ من آبائك شعبان قطّ ؟ فقال : «صامه خير آبائي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (2) ومثله روى سماعة عن أبي عبداللّه عليه السلام . (3) وعن أبي الصباح الكناني ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبةٌ من اللّه » . (4) وعن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان ؟ قال : «هما الشهران اللّذان قال اللّه تعالى : «شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللّهِ» (5) » ، قال : قلت : فلا يفصل بينهما ؟ قال : «إذا أفطر من الليل فهو فصل ، وإنّما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا وصال في صيام ؛ يعني أن لا يصوم الرجل يومين متوالين من غير إفطار ، وقد يستحبّ للعبد أن لا يدع السحور» . (6) وعن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم شعبان وشهر

.


1- .مصباح المتهجّد ، ص 825 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 508 ، ح 13796 .
2- .الكافي ، باب فضل صوم شعبان ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 308 ، ح 931 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 485 486 ، ح 13913 .
3- .الكافي ، ح 1 من باب فضل صوم شعبان ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 308 ، ح 930 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 486 ، ح 13915 .
4- .الكافي ، باب فضل صوم شعبان ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 307 ، ح 925 ؛ الاستبصار ، ص 137 ، ح 449 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 495 ، ح 13944 .
5- .النساء (4) : 92 .
6- .الحديث الخامس من باب فضل صوم شعبان من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 307 ، ح 927 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 138 139 ، ح 452 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 496 ، ح 13946 .

ص: 88

رمضان ، ونهى الناس أن يصلوهما ، وكان يقول : هما شهر اللّه ، وهما كفّارة لما قبلهما وما بعدهما » . (1) وروى المفيد عن زيد الشحّام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : هل صام أحدٌ من آبائك شعبان ؟ قال : «نعم كان آبائي يصومونه ، وأنا أصومه وآمر شيعتي بصومه ، فمَن صام منكم شعبان حتّى يصله بشهر رمضان كان حقّا على اللّه أن يعطيه جنّتين ، (2) ويناديه ملك من بطان العرش عند إفطاره كلّ ليلة : يا فلان ، طبت وطاب لك الجنّة ، وكفى بك أنّك سررت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد موته» . (3) وعن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ذلك تخفيفٌ من ربّكم» . (4) وفي المنتهى : وهذه الليلة التي أمر بالاغتسال فيها هي مولد مولانا صاحب الزمان عليه السلام ، وقد ورد في فضل هذه الليلة والعبادة فيها شيءٌ كثير ، وهي أحد الليالي الأربعة : ليلة الفطر ، وليلة الأضحى ، وليلة النصف من شعبان ، وأوّل ليلة من رجب . (5) وقال الشيخ في التهذيب : وأمّا الأخبار التي رُويت في النهي عن صوم شعبان وأنّه ما صامه أحد من الأئمّة عليهم السلام فالمراد بها أنّه لم يصمه أحد من الأئمّة معتقدين وجوبه وفرضه ، وأنّه يجري مجرى شهر رمضان ؛ لأنّ قوما قالوا : إنّ صومه فريضة ، وقال : كان أبو الخطّاب وأصحابه

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 93، ح 1826؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 307، ح 926؛ الاستبصار، ج 2، ص 137 138، ح 450؛ ثواب الأعمال، ص 60، ثواب صوم شعبان؛ فضائل الأشهر الثلاثة، ص 51 52، ح 27؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 496 497، ح 13947.
2- .في الأصل : «حسنتين» ، والتصويب من المصدر .
3- .المقنعة ، ص 374 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 507 508 ، ح 13975 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 308 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 853 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 335 ، ح 3804 ، و ج 10 ، ص 492 ، ح 13931 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 613 .

ص: 89

يذهبون إليه ويقولون : إنّ من أفطر يوما منه لزمه من الكفّارة ما يلزم مَن أفطر يوما من شهر رمضان ، فورد عنهم عليهم السلام الإنكار لذلك ، وأنّه لم يصمه أحدٌ منهم على هذا الوجه . (1) وفي المنتهى : «والأخبار التي تضمّنت الفصل بينه وبين شهر رمضان فالمراد بها النهي عن الوصال الذي بيّناه فيما مضى أنّه محرّم » . (2) ويعني به أن لا يفطر لليله الأوّل من شهر رمضان . وقد ورد الصوم في بعض أيّام منه بخصوصها ، ففي المنتهى : وخرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمّد عليه السلام : «أنّ مولانا الحسين عليه السلام ولد لثلاث خلون من شعبان فصمه» . (3) وعن الحسن بن محبوب ، عن عبداللّه بن حزم (4) الأزدي ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «مَن صام أوّل يوم من شعبان وجبت له الجنّة ، ومن صام يومين نظر اللّه إليه في كلّ يوم وليلة في دار الدنيا ، ودام نظره إليه في الجنّة ، ومَن صام ثلاثة أيّام زار اللّه في عرشه في جنّته كلّ يوم» . (5) الثاني عشر : صيام كلّ جمعة ، وفي المنتهى : وبه قال أبو حنيفة ومالك ومحمّد . وقال أحمد وإسحاق وأبو يوسف : يكره إفراده بالصوم إلّا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه ، مثل من يصوم يوما ويفطر يوما ، فيوافق صومه يوم الجمعة ، وكذا من عادته صيام أوّل يوم من الشهر أو آخره فيوافقه . (6) لنا : أنّ الصوم في نفسه طاعة ، وهذا يومٌ شريف تضاعف فيه الحسنات ؛ ولأنّه يوم فأشبه

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 613 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 309 ، ذيل ح 932 .
3- .المصدر المتقدّم . والحديث في مصباح المتهجّد ، ص 826 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 7 ، ص 538 ، (8837) .
4- .كذا بالأصل ، ومثله في مصباح المتهجّد ، وفي سائر المصادر : «عبد اللّه بن مرحوم» .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 92 ، ح 1824 ؛ ثواب الأعمال ، ص 59 ؛ ثواب صوم شعبان ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 57 ، ح 36 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 825 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 489 ، ح 13920 .
6- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 438 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 3 ، ص 98 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 107 108 ، وفي الجميع المنقول عن الثلاثة الاول عدم الكراهة لا الاستحباب .

ص: 90

سائر الأيّام . ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ عن ابن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : رأيته صائما يوم جمعة ، فقلت له : جُعلت فداك ، إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد ؟ فقال : «كلّا إنّه يوم خفض ودعة » . (1) احتجّ المخالف بما رواه أبو هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى أن يفرد يوم الجمعة بالصوم . (2) وعن جويرية بنت الحارث : أنّ النبيّ عليه السلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة ، فقال : «صمت أمس ؟» قالت : لا ، قال : «فتريدين أن تصومي غدا ؟» قالت : لا ، قال : «فافطري» . (3) وسأل رجل جابر بن عبداللّه وهو يطوف ، فقال : أسمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن صيام يوم الجمعة ؟ قال : نعم وربّ هذا البيت . (4) وهذه الأخبار متأوّلة مختصّة بمن يضعف فيه عن الفرائض وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «لا يستحبّ إفراد يوم الجمعة بصيام ، فإن تلى به ما قبله أو استفتح به ما بعده جاز» ؛ (5) محتجّا بما رواه عبد الملك بن عمير ، (6) قال : سمعت رجلاً من بني الحارث بن كعب قال : سمعت أبا هريرة يقول : ليس أنا أنهي

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 316 ، ح 959 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 412 413 ، ح 13629 .
2- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 154 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 541 ، ح 2420 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 123 ، ح 740 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 302 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 142 ، ح 2756 و 2757 ؛ صحيح ابن حبّ_ان ، ج 8 ، ص 378 .
3- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 189 ؛ و ج 6 ، ص 324 و 430 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 541 ، ح 2422 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 435 436 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 280 ، ح 7804 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 142 ، ح 2753 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 12 ، ص 490 ،7066 ؛ صحيح ابن حبّ_ان ، ج 8 ، ص 376 . وفي بعضها لم يصرّح باسم جويرية .
4- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 296 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 153 154 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 549 ، ح 1724 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 281 ، ح 7808 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 514 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 140 ، ح 2745 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 505 .
6- .في الأصل : «عميرة» ، والتصويب من مصادر الحديث وترجمة الرجل .

ص: 91

عن صوم يوم الجمعة ، ولكن سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لا تصوموا يوم الجمعة ، إلّا أن تصوموا قبله أو بعده» . (1) وأجاب عنه بما ذكره الشيخ : أنّ طريقه رجال العامّة لا يعمل به . الثالث عشر : صيام كلّ خميس ، وألحق في المنتهى به يوم الإثنين ؛ (2) محتجّا بما رواه المصنّف من حديث الزهري ، (3) وبما رواه داود بإسناده عن اُسامة بن زيد : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يصوم الإثنين والخميس ، فسُئِلَ عن ذلك ، فقال : «إنّ أعمال الناس تُعرض يوم الإثنين والخميس» . (4) وفي المختلف : قال ابن الجنيد : وصوم الإثنين والخميس منسوخ ، وصوم السبت منهيٌّ عنه ، ولم يثبت عندي شيء من ذلك ، ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك . نعم ، قد روى جعفر بن موسى عن الرضا عليه السلام قال : «ويوم الإثنين يوم نحس ، [قبض اللّه فيه نبيّه صلى الله عليه و آله ، وما اُصيب آل محمّد إلاّ في يوم الاثنين ]فتشآئمنا به وتبرّك به أعداؤنا ، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين عليه السلام وتبرّك به ابن مرجانة ، وتشاءم به آل محمّد ، ومن صامهما أو تبرّك بهما لقى اللّه ممسوخ القلب ، وكان محشره مع الذين سنّوا صومهما وتبرّك بهما» ، (5) فإن صحّ هذا السند كان صوم الإثنين مكروها ، وإلّا فلا . (6) الرابع عشر : صيام ستّة أيّام من شوّال بعد يوم الفطر ، وفي المنتهى : وبه قال الشافعيّ وأحمد وأكثر أهل العلم . (7)

.


1- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 458 ؛ مسند الطيالسي ، ص 338 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 90 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 78 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 614 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 19 20 ؛ مسند الطيالسي ، ص 87 88 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 147 148 ، ح 2781 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 299 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 652 ، ح 24576 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 301 ، ح 911 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 460 461 ، ح 13848 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 505 506 .
7- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 470 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 379 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 102 عن الشافعي ؛ ومثله في الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 102 ؛ شرح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 56 .

ص: 92

وقال أبو يوسف : كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صياما ؛ خوفا أن يلحق ذلك بالفريضة . (1) وحكى مثل ذلك عن محمّد بن الحسن . وقال مالك في الموطّأ : يكره ذلك ، ويقول : ما رأيت أحدا من أهل الفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف ، وأنّ أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته ، وأن يلحق الجهّال برمضان ما ليس منه (2) . (3) لنا ما رواه الجمهور عن أبي أيّوب ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن صام رمضان وأتبعه بستّ من شوّال فكأنّما صام الدّهر» . (4) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ في حديث الزهري . (5) وأنكره الصدوق رضى الله عنه (6) وهو أظهر ؛ لأنّ أخباره عاميّة لا اعتماد عليها ، ولأخبار كثيرة وردت في النهي عنه ، منها : ما روى في المنتهى (7) عن الشيخ عن حريز ، عنهم عليهم السلام قال : «إذا أفطرت من رمضان فلا تصومنّ بعد الفطر تطوّعا إلّا بعد ثلاث يمضين» . 8 وأمّا الصوم المكروه فهو ثلاثة : الأوّل : صوم عرفة لمن يضعفه عن الدّعاء أو مع الشكّ في الهلال ؛ لما تقدّم . الثاني : صوم النافلة في السفر عدا ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة ، ويأتي القول فيه في باب صوم التطوّع في السفر .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 614 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 78 .
4- .الموطّأ ، ج 1 ، ص 311 . وحكاه عن مالك ابن قدامة في المغني ، ج 3 ، ص 103 104، وأبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع، ج 2، ص 78، وعبدالرحمن بن قدامة في الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 102 103 ؛ و ابن عبد البرّ في الاستذكار ، ج 3 ، ص 379 .
5- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 544 ، ح 2433 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 547 ، ح 1716 وفيه : «كان كصوم الدهر» .
6- .انظر: الفقيه، ج 2، ص 80 ، و عبّر قدس سره في الجميع بالصوم الذي يكون صاحبه بالخيار. المقنع، ص 181؛ الهداية، ص 201.
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 899 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 132 ، ح 431 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 519 ، ح 14009 .

ص: 93

الثالث : صوم الضيف نافلة بدون إذن المضيِّف ، وصوم الولد بدون إذن والده ونظائرهما ممّا يأتي في باب من لا يجوز له صيام التطوّع إلّا بإذن غيره . وأمّا صوم المحرّم فهو تسعة : صوم يوم العيدين ، وأيّام التشريق ، وصوم يوم الشكّ بنيّة أنّه من رمضان ، وصوم الواجب في السفر عدا ما استثني ، وتجيء هذه في محالّها ، وصوم الوصال ، وصوم الدهر ، وتجيء هذه في أبوابها ، وصوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا ، وأجمع الأصحاب على تحريمه . ويدلّ عليه خبر الزهري ، وهو قد كان مشروعا في الاُمم السالفة ، قال اللّه تعالى حكايةً عن مريم عليهاالسلام : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْما فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّا» (1) . السابع والثامن : صوم المريض المتضرّر بالصوم بزيادة المرض أو بط ء برئه ، والمرجع في ذلك إلى الإنسان نفسه ؛ لقوله سبحانه : «بَلْ الْاءِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» (2) . والصوم الواجب سفرا عدا ما استثنى من ثلاثة بدل الهدي . والنذر المقيّد بالسفر أو به وبالحضر أيضا . والثمانية عشر بدل البدنة لهما ؛ لقوله سبحانه : «وَمَنْ كَانَ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» (3) ، أيفعليكم عدّة من أيّامٍ اُخر ، وهو يدلّ على وجوب الإفطار وصوم بدله ، والأخبار فيهما متظافرة ، فيدلّ على الأوّل ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصائم إذا خاف على عينه من الرّمد أفطر » . (4) وقال عليه السلام : «كلّما أضرَّ به الصوم فالإفطار له واجب» . (5) وفي الصحيح عن بكر بن محمّد الأزدي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سأله أبي وأنا أسمع عن حدّ المرض الذي يترك فيه الإنسان الصوم ؟ قال : «إذا لم يستطع أن يتسحّر» . (6)

.


1- .مريم (19) : 26 .
2- .القيامة (75) : 14 .
3- .البقرة (2) : 185 .
4- .. الفقيه ، ج 2 ، ص 132 133 ، ح 1945؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 218 ، ح 13259 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 133 ، ح 1946 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 219 ، ح 13262 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 132 ، ح 1943 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 219 ، ح 13261 .

ص: 94

وفي الصحيح عن جميل بن درّاج ، عن الوليد بن صبيح ، قال : حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان ، فبعث لي أبو عبداللّه عليه السلام بقصعة فيها خلّ وزيت ، فقال : «افطر وصلِّ وأنت قاعد» . (1) وفي الموثّق عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : ما حدّ المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيامُ ؟ فقال : «بل الإنسان على نفسه بصيرة ، وهو أعلم بما يطيقه» . (2) وما رواه الشيخ في الحسن ، عن ابن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه عليه السلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه ؟ والمرض الذي يدع صاحبهُ الصلاة ؟ فقال : «الإنسان على نفسه بصيرة» ، وقال : «ذاك إليه ، وهو أعلم بنفسه» . (3) وفي المنتهى : «قد أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة » . (4) وهل المرض الذي يجب معه الإفطار ما يزيد في مرضه لو صام ، أو يبطؤ البرء معه ؟، وعليه أكثر أهل العلم . وحكي عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر لكلّ من مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد ، واحتجّوا بعموم قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا» (5) . والجواب : أنّها مخصوص (6) وهل الصحيح الذي يخشى المرض بالصوم كالمريض يُباح له الفطر ؟

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 132 ، ح 1942 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 482 ، ح 7115 ؛ وج 10 ، ص 217 ، ح 13258 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 133 ، ح 1941 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 495 ، ح 7152 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 114 ، ح 371 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 256 ، ح 758 . والحديث في الكافي ، باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيه ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 494 ، ح 7151 ، و ج 10 ، ص 220 ، ح 13265 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 .
5- .البقرة (2) : 184 .
6- .المصدر المتقدّم ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 150 .

ص: 95

باب أدب الصائم

في المنتهى : فيه تردّد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته عن معارضة المرض ، ومن كون المريض إنّما يُباح له الفطر لأجل الضرر ، وهو حاصل هنا ؛ لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله . (1) وأمّا المسافر فقد أجمع الأصحاب على وجوب الإفطار عليه في شهر رمضان وعدم جواز الصوم له ، وأنّه لو صام عالما فهو لم يجزه . وحكاه في المنتهى (2) عن أبي هريرة وستّة من الصحابة وأهل الظاهر من العامّة ، وعن باقي الجمهور جواز الصوم له . وأنّهم اختلفوا في الأفضل من الصوم والإفطار ؛ فعن الشافعيّ ومالك وأبي حنيفة وأبي ثور : أنّ الصوم أفضل له . وعن ابن عبّاس وابن عمر وأحمد والأوزاعيّ وإسحاق : أنّ الفطر أفضل . 3 ويأتي القول فيه في باب كراهية الصوم في السفر . وأمّا الصوم الواجب ممّا عدا رمضان فالمشهور تحريمه أيضا ، إلّا [ال] ثلاثة الأيّام بدل الهدي ، والثمانية عشر في البدنة ، والنذر المقيّد بالسفر ، ويأتي القول فيه أيضا . وصوم نذر المعصية بجعل الصوم جزاءً للشكر على ترك واجب أو فعل محرّم ، أو زجرا على العكس ، وصوم المملوك والزوجة تطوّعا بدون إذن المولى والزوج على قول يأتي في محلّه .

باب أدب الصائمأراد قدس سره بالأدب هنا المعنى العام الشامل للواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه والمستحبّ بقرينة أخبار الباب ، وقد ذكر المصنّف المكروهات والمستحبّات في

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 597 .
2- .فتح العزيز، ج 4 ، ص 474 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 265 266 ؛ المحلّى ، ج 6 ، ص 247؛ بداية المجتهد ، ج 1، ص 237 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7، ص 229 ؛ فتح الباري، ج 4، ص 159 160؛ عمدة القاري، ج 11، ص 43 .

ص: 96

أبواب متفرّقة تجيء ، فلنتكلّم على الواجبات والمحرّمات ، فنقول : يجب على الصائم في النهار الإمساك عن عشرة اُمور : الأوّل : الأكل والشرب المعتادين عند أهل العلم أجمع ، وغير المعتادة أيضا عند أكثر الأصحاب ، منهم السيّد المرتضى في الناصريّات مدّعيا عليه الإجماع ، حيث قال : «لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا تعمّده أنّه يفطر مثل الحصا والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب » . (1) وحكاه في المنتهى عن عامّة أهل الإسلام ؛ لعموم قوله تعالى : «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ» (2) ، ولصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان بلال يؤذِّن للنبيّ صلى الله عليه و آله حتّى يطلع الفجر ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم» . (3) وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام فقلت : متى يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر ؟ فقال : «إذا اعترض الفجر وكان كالقبطيّة البيضاء فثمّ يحرم الطعام وتحلّ الصلاة صلاة الفجر» ، قلت : فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس ؟ فقال : «هيهات وأين تذهب ؟! تلك صلاة الصبيان» . (4) وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الأكل والشرب ، والنساء ، والارتماس في الماء» . (5)

.


1- .الناصريّات ، ص 294 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 184 185 ، ح 513 . ورواه الكليني في الكافي ، باب الفجر ما هو ومتى يحلّ ومتى يحرم الأكل ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 111 ، ح 12987 .
4- .الكافي ، باب الفجر ما هو ... ، ح 5 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 130 ، ح 1934 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 185 ، ح 514 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 209 ، ح 4941 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 107 ، ح 1853 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 189 ، ح 535 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .

ص: 97

وفي المختلف : «قال السيّد المرتضى : الأشبه أنّه ينقض الصوم ولا يبطله . (1) واختاره ابن الجنيد » ، (2) ثمّ قال : احتجّ السيّد المرتضى بأنّ تحريم الأكل والشرب إنّما ينصرف إلى المعتاد ، ولأنّه المتعارف فيبقى الباقي على أصل الإباحة . والجواب المنع من تناول المعتاد خاصّة ، بل يتناول غير المعتاد أيضا ؛ ولأنّ العادة لو كانت قاضية على الشرع لزم استناد التحليل والتحريم الشرعيّين إلى اختيار المكلّفين ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله . بيان الشرطيّة : أنّ العادة قد تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأصقاع ، فلو اعتاد قوم أكل شيءٍ بعينه كان التحريم مختصّا به بالنسبة إليهم ، ولو اعتاد آخرون أكل غيره كان الأوّل حلالاً بالنسبة إليهم ، [والثانى يكون حراما بالنسبة إليهم] . وأمّا بطلان التالي فظاهر ؛ إذ الأحكام منوطة بالمصالح الخفيّة عن العباد ، والشرع كاشف لها . (3) وهذا القول قريب من قول الحسن بن صالح ، أنّه قال : «لا يفطر ما ليس بطعام ولا شراب » ، وفعل أبي طلحة أنّه كان يأكل البرد في الصوم ، ويقول : إنّه ليس طعام ولا شراب . (4) وقول أبي حنيفة : أنّه لو ابتلع حصاة أو فستقة بقشرها لم تجب الكفّارة ، وأنّه كان يعتبر في إيجاب الكفّارة ما يتغدّى أو يتداوى به . (5) الثاني : الجماع قبلاً مطلقا ودبرا مع الإنزال ، ونفي الخلاف عن أهل العلم فيهما في المنتهى ؛ (6) أمّا الأوّل فيدلّ عليه قوله سبحانه : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ» (7) إلى قوله سبحانه _ :

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 54).
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 387 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 387 389 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 317 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 36 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 36 .
6- .المغني ، ج 3 ، ص 50 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 64 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 563 .

ص: 98

«حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ» ، وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة . (1) واحتجّ على الثاني بالإجماع ، وبما دلّ على فساد الصوم بالإنزال ، وسيأتي . وأمّا الوطئ في دبر المرأة والغلام مع عدم الإنزال ووطئ الميتة والبهيمة ففيه خلاف يبتني على الخلاف في إيجابه للغسل ، وقد تقدّم القول فيه . وقد سبق أنّ السيّد المرتضى (2) وابن إدريس (3) وابن حمزة (4) وجماعة اُخرى أوجبوا الغسل به ، (5) فيقولون بالإفطار هنا أيضا . وفي الخلاف ادّعى الإجماع على إفساده للصوم ، فقال : «إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفّارة » . (6) واحتجّ عليه بالإجماع . وبه قال في المبسوط (7) أيضا ، وهو مبنيّ على اختياره في كتاب النكاح من المبسوط من وجوب الغسل بالوطي في دبر المرأة والغلام ، (8) وفي كتاب الصوم منه من قوّة وجوب الغسل بوط ء البهيمة ، (9) وعلى ما اختاره في النهاية (10) والاستبصار (11) من عدم إيجابه للغسل يلزم أن لا يقول بإفساده للصوم أيضا . وفي المنتهى : (12) وقال الشيخ يعني في وطي البهيمة : «لا يجب الغسل ويفطر » . 13

.


1- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .
2- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 180 181 ؛ والمختصر النافع ، ص 8 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 183 و 185 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 110 111 .
4- .الوسيلة ، ص 55 .
5- .منهم العلّامة في المنتهى المطلب ، ج 2 ، ص 185 ، وانظر : ذخيرة المعاد للسبزواري ، ج 1 ، ص 50 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 190 ، المسألة 41 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 270 .
8- .المبسوط ، ج 4 ، ص 243 .
9- .النهاية ، ص 19 .
10- .الاستبصار ، ج 1 ، ص 112 ، ذيل ح 373 .
11- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
12- .الخلاف ، ج 2 ، ص 191 ، المسألة 42 .

ص: 99

ورجّح في المنتهى والمختلف وجوب الغسل وثبوت الإفطار في الجميع ؛ معلّلاً بأنّه وطئ حيوانا في جوفه فوجب تعلّق الحكمين به . (1) ويرد عليه منع الملازمة لأصالة عدم تعلّق الحكمين ، وانتفاء دليل يعتدّ به خصوصا في الحكم بكونه مفطرا ، فقد ورد في بعض الأخبار نفيه في دبر المرأة الموطوءة في الدبر ، فقد روى الشيخ عن عليّ بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أتى المرأة في الدّبر وهي صائمة لم ينقض صومها ، وليس عليها غسل» . (2) وعن أحمد بن محمّد ، عن بعض الكوفيّين يرفعه إلى أبي عبداللّه عليه السلام ، قال في الرجل يأتي المرأة فى دبرها وهي صائمة ، قال : «لا ينقض صومها ، وليس عليه غسل» . (3) ولا قائل بالفصل بين الفاعل والمفعول ، ولا في المفعول بين المرأة وغيرها . والخبران وإن كانا غير صحيحين إلّا أنّهما مؤيّدان بالأصل من غير معارض يعتدّ به . الثالث : الإنزال نهارا على أيّ وجه كان ، بالاستمناء أو بالملاعبة أو بالقُبلة ونحوها ، والمراد بالاستمناء طلب الإمناء مع حصوله بغير الجماع ، ونفى عنه أيضا في المنتهى الخلاف ، (4) وظاهره وفاق أهل العلم عليه . واحتجّ عليه بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن [الرجل ]يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني ؟ قال : «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» . (5) وخبر سماعة ، قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : «عليه إطعام ستّين

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 390 ، والتعليل في المنتهى .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 319 320 ، ح 977 ؛ وج 7 ، ص 460 ، ح 1843 ؛ وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 147 ، ح 25267 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 319 ، ح 975 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 200 ، ح 1923 .
5- .الكافي ، باب من أفطر متعمّدا من غير عذر ، أو جامع متعمّدا في شهر رمضان ، ح 4 ؛ و باب المحرم يقبّل امرأته ... ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 206 207 ، ح 597 ؛ وص 273 ، ح 826 ؛ وج 5 ، ص 324 ، ح 1114 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 81 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12776 ؛ وج 13 ، ص 131 ، ح 17408 .

ص: 100

مسكينا ، مدّا لكلّ مسكين» . (1) وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق ؟ قال : «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكينا ، أو يعتق رقبة» . (2) ومرسلة حفص بن سوقة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في رمضان ، فيسبقه الماء فينزل ، فقال : «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» ، (3) وليحمل الإمذاء على الإمناء . وفي خبر رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لامسَ جاريته في شهر رمضان فأمذى ؟ قال : «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفارا لا يعود أبدا ، ويصوم يوما مكان يوم ، وإن كان حلالاً يستغفر اللّه ولا يعود ، ويصوم يوما مكان يوم» . (4) وقد عمل بظاهره ابن الجنيد حيث قال على ما حكاه عنه في المختلف : «لا بأس يعني بالملامسة ما لم يتولّد منه منيّ أو مذي ، فإن تولّد ذلك وجب القضاء ، وإن اعتمد إنزال ذلك وجب القضاء والكفّارة » ، (5) محتجّا في المذي بهذا الخبر . وقال الشيخ قدس سره : هذا حديث شاذّ مخالف لفتيا مشايخنا كلّهم ، ولعلّ الراوي وهِمَ في قوله في آخر الخبر : «ويصوم يوما مكان يوم» ؛ لأنّ متضمّن الخبر يدلّ عليه ، ألا ترى أنّه شرع في الفرق بين أن يكون أمذى من مباشرة حرام أو حلال ولا فرق في الرواية التي رواها ؟ فعلم أنّه وهم [من الراوي] . (6) انتهى .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 980 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12779 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 981 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12780 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 321 ، ح 983 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12777 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 273 ، ح 825 ؛ و ص 320 ، ح 979 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 129 ، ح 13027 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 435 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 283 ، ذيل ح 825 ، ومابين الحاصرتين منه ، وفيه : « ... أمذي من مباشرة حرام ، وبين أن يكون الامذاء من مباشرة حلال ، وعلى الفتيا الذي رواه لا فرق بينهما ، فعلم أنّه وهم من الراوى» .

ص: 101

ويدلّ على أنّه لا يجب شيء في المذي رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يضع يده على خدّ امرأته وهو صائم ، فقال : «لا بأس ، وإذا أمذى فلا يفطر» . (1) وروايته الاُخرى قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان وهو صائم ، فقال : «ليس عليه شيء ، وإن أمذى فليس عليه شيء» . (2) وظاهر هذه الأخبار إيجاب هذه الأفعال مع الإمناء القضاء والكفّارة مطلقا ، سواء قصد الإمناء أو لا ، وكان عادته الإمناء بذلك أم لا . وقال صاحب المدارك : «والأصحّ أنّ ذلك إنّما يفسد إذا تعمّد الإنزال بذلك » . (3) ويردّه قوله : «فيسبقه الماء» في خبر حفص بن سوقة ، (4) فإنّ الظاهر المتبادر من سبقه الماء نزوله بغير إرادته منه وعدم رضاه بذلك . نعم ، لا يبعد تقييده بما إذا قصد الإمناء وكان عادته ذلك كما فعله الأكثر ، فإنّه إذا لم تكن عادته الإمناء بذلك ولا قصده لم يكن الفعل حراما ، فلا يستعقب الإثم والضمان . ولو وقع الإنزال بالنظر بشهوة فقد اختلف الأصحاب فيه ، فالمشهور أنّه لا يفطر مطلقا ، محلّلة كانت النظرة أو محرّمة ، متّحدة كانت أو متكرّرة ، إلّا إذا كانت عادته الإمناء بها أو قصده ، فإنّه حينئذٍ يرجع إلى الاستمناء . وفي المختلف : قال الشيخ في الخلاف : إذا كرّر النظر فأنزل أثِم ولا قضاء عليه ولا كفّارة . (5) وفي المبسوط : «مَن نظر إلى ما لا يحلّ له النظر إليه بشهوة فأمنى [فعليه القضاء ، فإن كان

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 823 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 83 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 101 ، ح 12955 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 824 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 254 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 128 ، ح 13026 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 62 .
4- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12777 ، وتقدّم الحديث آنفا .
5- .الخلاف، ج 2، ص 198، المسألة 50.

ص: 102

نظره إلى ما يحّل فأمنى] لم يكن عليه شيء » ، (1) وهو اختيار المفيد . (2) وقال سلّار : «مَن نظر إلى ما يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء » . (3) وقال السيّد المرتضى : «إذا تعمّد استنزال الماء الدافق وجب عليه القضاء والكفّارة وإن كان بغير جماع » ، (4) وهو قول ابن البرّاج . (5) وقال في المسائل الناصرية : «عندنا أنّه إذا نظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه فأنزل غير مستدع للإنزال لم يفطر » . (6) وقال ابن أبي عقيل : «وإن نظر إلى امرأته فأنزل من غير أن يقبّلها أو يفضي إليها بشيء منه إلى جسدها أو تفضي إليه لم يكن عليه شيء » . (7) وقال ابن إدريس : «فإن أمنى لنظرٍ لم يكن عليه شيء ، ولا يعود إلى ذلك » . و قال : «وذهب بعض أصحابنا إلى أنّه إن نظر إلى من يحرم عليه النظر فأمنى كان عليه القضاء دون الكفّارة » ، قال : «والصحيح أنّه لا قضاء عليه ؛ لأنّه لادليل على ذلك » . (8) والأقرب أنّه إن قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفّارة مطلقا ، سواء كان النظر إلى من يحرم عليه أو لا ، وإن لم يقصد الإنزال فأنزل لتكرّر النظر من غير قصد بل كرّر النظر فسبقه الماء وجب القضاء خاصّة . لنا : على الأوّل [أنّه وجد منه الهتك ، وهو إنزال الماء تعمّدا ، فوجب عليه القضاء والكفّارة ، كالعايث بأمله والمجامع] . وعلى الثاني أنّه وجد منه مقدّمة الإفساد ولم يقصده ، فكان عليه القضاء كالمتمضمض للتبرّد إذا وصل الماء حلقه . احتجّ الشيخ بالإجماع ، وبعدم دليل على كون النظر مفطرا والأصل براءة الذمّة .

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 273 ، ومابين الحاصرتين منه .
2- .المقنعة ، ص 345 .
3- .المراسم العلويّة ، ص 96 .
4- .الانتصار ، ص 187 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 191 .
6- .الناصريّات ، ص 295 .
7- .لم أعثر عليه في غير مختلف الشيعة .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 389 .

ص: 103

والجواب منع الإجماع ، وقد بيّنا الدليل على إيجاب القضاء ، والبراءة معارضة بالاحتياط . (1) الرابع : البقاء على الجنابة ليلاً إلى طلوع الفجر من غير ضرورة ولا عذر على المشهور مطلقا ، فرضا كان الصوم أو ندبا ، وقالوا : هو في شهر رمضان ويجيء القول فيه في باب من أجنب بالليل في شهر رمضان موجب للقضاء والكفّارة على ما ذكر في المختلف (2) والمنتهى . (3) ونسبه في المنتهى إلى أبي هريرة وسالم بن عبداللّه والحسن البصري وطاووس وعروة ، وحكى عن النخعي والحسن بن صالح بن حي ذلك في الفرض خاصّة . (4) ويفهم منه قول باقي فقهاء العامّة بعدم منافاته للصوم مطلقا . واحتج عليه في المنتهى بما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثمّ ترك الغسل متعمِّدا حتّى أصبح ، قال : «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا » ، قال : وقال : «إنّه خليق أن لا أراه يدركه أبدا» . (5) وعن سليمان بن حفص المروزي ، عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا اغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه» . (6)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 410 411 ، وما بين الحاصرتين منه .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 406 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 .
4- .نفس المصدر ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 26 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 307 308 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 75 76 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 51 52 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 616 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 272 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 617 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 64 ، ح 12838 .

ص: 104

وبما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «مَن أصبح جنبا فلا صوم له» . (1) وعنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه» . (2) وبأنّ حَدَث الجنابة منافٍ للصوم فلا يجامعه ، وبأنّه منهيٌّ عن تعمّد الإنزال نهارا ؛ للهتك ، وهو موجود في صورة النزاع . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «يجب به القضاء خاصّة دون الكفّارة» . واحتجّ بما رواه ابن أبي يعفور في الصحيح ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب في رمضان ، ثمّ يستيقظ ، ثمّ ينام حتّى يصبح ؟ قال : «يتمّ صومه ويقضي يوما آخر ، فإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه . وجاز له» . (3) وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ، ثمّ ينام حتّى يصبح متعمِّدا ، قال : «يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه» . (4) وبأنّ الأصل البراءة من الكفّارة . ثمّ قال : والجواب عن الحديثين : إنّا نقول بموجبهما ، فإنّ مَن نام على استيقاظ مع علمه بالجنابة متعمّدا حتّى يطلع الفجر يجب عليه القضاء فقط إذا كان ناويا للغسل ، وأصالة البراءة معارضة بالاحتياط . وحكى عن الصدوق أنّه قال في المقنع : سأل حمّاد بن عثمان أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب من أوّل الليل وأخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، فقال له : «قد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 184 و 266 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 494 ، الباب 79 من كتاب الصيام ، ح 16 ؛ مسند ابن راهويه ، ج 2 ، ص 502 ، ح 1089 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 187 ، ح 2987 .
2- .أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 237 ؛ الانتصار ، ص 186 .
3- .الفقيه ، ج 1 ، ص 119 120 ، ح 1898 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 62 ، ح 12832 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 212 ، ح 614 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12834 .

ص: 105

يجامع نساءه من أوّل الليل ويؤخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب (1) يقضي يوما مكانه» . (2) ثمّ قال : احتجّ ابن بابويه بأصالة براءة الذمّة من القضاء والكفّارة ، وبقوله تعالى : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ» إلى قوله _ : «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ» ، (3) وإذا جازت المباشرة إلى طلوع الفجر لزم تسويغ أن يصبح الرجل جنبا . وما رواه حبيب الخثعمي في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثمّ يجنب ، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّدا حتّى يطلع الفجر» (4) . (5) أقول : ويدلّ عليه أيضا صحيحة عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل وأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، قال : «يتمّ صومه ولا قضاء عليه» . (6) وما رواه الشيخ قدس سره عن إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت أبا الحسن الرِّضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان ، فنام عمدا حتّى أصبح ، أيّ شيءٍ عليه ؟ قال : «لا يضرّه هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإنّ أبي عليه السلام قال : قالت عائشة : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» . (7) ويؤيّدها ما رواه في المنتهى من طرق العامّة عن أبي بكر بن حارث بن هشام ، قال :

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .الأقشاب جمع قشب ككِتف وهو من لا خير فيه من الرجال . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 506 (قشب) .
3- .المقنع ، ص 189 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 57 58 ، ح 12823 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 620 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 276 و 277 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12840 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 407 409 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 210 ، ح 608 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ح 264 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 58 ، ح 12824 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 619 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 275 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 59 ، ح 12826 .

ص: 106

ذهبت أنا وأبي حتّى دخلنا على عائشة ، فقالت : أشهد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ، ثمّ يصوم ، ثمّ دخلنا على اُمّ سلمة ، فقالت مثل ذلك ، ثمّ أتينا أبا هريرة فأخبرناه بذلك ، فقال : هما أعلم بذلك ، إنّما حدّثه الفضل بن عبّاس . (1) ولا يخفى قوّة هذا القول وإن كان إخباره يحتمل التقيّة ، أو على تأخير الغسل لعذر كما فعله الشيخ ، بل خبر إسماعيل بن عيسى كالصريح في التقيّة حيث نسبه عليه السلام إلى عائشة دون آبائه . إلّا أنّه يعضدها ظاهر الآية ، فإنّ الظاهر أنّ قوله تعالى : «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ» (2) غاية لجميع الجمل المتقدّمة . وتخصيصه بالأكل والشرب كما فعله العلّامة في المختلف (3) خلاف الظاهر والمشهور بين أرباب الأدب والاُصول . وكذا حمل قوله عليه السلام : «حتّى يطلع الفجر» على المسامحة . والجمع بحمل الأخبار الأوّلّة على الاستحباب أظهر ، وفي حكم البقاء على الجنابة عمدا إلى طلوع الفجر نوم الجنب عازما على ترك الاغتسال حتي يطلع الفجر . ولا اعتبار للنوم ولا يخرجه عن التعمّد لتركه ، ولا أعرف خلافا في ذلك ، والأوّل أحوط . وهل حدث الحيض والنفاس كالجنابة ، بمعنى أنّه إذا طهرت عنهما ليلاً يجب الغسل لهما قبل طلوع الفجر ، ويفسد الصوم بتركه كالجنابة ؟ الظاهر العدم ؛ لعدم ، نصّ عليه وأصالة العدم ، ولا سيّما على قول الصدوق في الجنابة ، وإن كان حدث الحيض أقوى من الجنابة حيث لا يجامع الصوم بوجه ، بخلاف الجنابة ، فإنّها تجامعه في الجملة ؛ لبطلان القياس عندنا ولو بالأولويّة .

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 566 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 76 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 52 53 ؛ المعجم الكبير ، ج 18 ، ص 293292 . و نحوه في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 216 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 191 192 ، ح 3007 .
3- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 409.

ص: 107

على أنّه يمكن منع الأولويّة ، بل منع غيرها أيضا ؛ لوجود الفارق ، لأنّ حدث الجنابة سائرة في جميع البدن من الفرق إلى القدم لخروج المني من جميعها ، بخلاف الحيض ، فإنّه إنّما يجيء من العروق ، ولعلّ أصل الدم كان غير جامع للصوم لا الحدث الحادث منه . وفي المختلف : قال ابن أبي عقيل : المرأة إذا طهرت من حيضها أو دم نفاسها [ليلاً ]وتركت الغسل حتّى تصبح عامدة يفسد صومها ، ويجب القضاء خاصّة كالجنب عنده إذا أهمل الغُسل حتّى يصبح عامدا ، ولم يذكر أصحابنا ذلك . والأقرب أنّها كالجنب إذا أخلّ بالغسل ، فإن أوجبنا القضاء والكفّارة عليه أوجبناهما عليها ، وإلّا فالقضاء خاصّة . لنا : أنّ الثلاثة اشتركت في كونها مفطرة للصوم ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منها حدث يرتفع بالغسل ، فيشترك في الأحكام . انتهى . (1) فقد قاس الحيض والنفاس بالجنابة ، وقد عرفت ما فيه ، ولو قاس الصوم بالصلاة في ذلك لكان أظهر وإن كان هو أيضا غير جائز شرعا . نعم ، هو يكون أحوط . الخامس : نوم الجنب غير ناوٍ للغسل حتّى أصبح في رمضان ، وهو موجب للقضاء ، وقد ذكره الأصحاب في كتبهم ، بخلاف ما لو كان ناويا للغسل ، فإنّه لا شيء عليه . وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا ، خلافا للجمهور . لنا : أنّ الطهارة في ابتدائه شرط لصحّته ، وبنومه قد فرّط في تحصيل الشرط ، فيفسد صومه . ويؤيّده ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة من جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتّى أدركه (2) الفجر ، فقال : «عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوما آخر» . (3)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 410 .
2- .كذا بالأصل ، وفي مصادر الحديث : «يدركه» .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 611 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12835 .

ص: 108

وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ، ثمّ نام حتّى يصبح متعمّدا ، قال : «يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه» . (1) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ، ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : «يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم ، إلّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماء يسخّن له أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه» (2) . (3) ويدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في رجل احتلم أوّل الليل أو أصاب من أهله ، ثمّ نام متعمّدا في شهر رمضان حتّى أصبح ، قال : «يتمّ صومه [ذلك] ويقضيه إذا أفطر في شهر رمضان ويستغفر ربّه» . (4) والظاهر أنّهم أرادوا بقولهم : «غير ناوٍ للغسل» النوم مع العزم على الغسل كما هو ظاهر تعمّد النوم في الصحيحتين ، فالنائم الذاهل عن الغسل وعدمه ليس بهذه المثابة ولا يجب عليه قضاء ؛ للأصل ، وانتفاء دليل عليه . لكن قال في المنتهى بعدما ذكر حكم غير الناوي على ما ذكر _ : «لو أجنب فنام على عزم الترك [للغسل] فحكمه مع ظهور الفجر حكم تارك الغسل عمدا » . (5) ومقتضاه وجوب القضاء والكفّارة جميعا عليه . وقد صرّح بوجوبهما عليه في موضع آخر منه ، (6) فيكون غير الناوي مختصّا بالذاهل .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 212 ، ح 614 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12834 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 613 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 87 ، ح 270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12833 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 566 .
4- .الكافي ، باب في من أجنب بالليل في شهر رمضان وغيره ... ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12836 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 566 .
6- .نفس المصدر ، ص 573 .

ص: 109

ويرد عليه أنّ وجوب القضاء عليه حينئذٍ خلاف الأصل والقاعدة من غير دليل ، فتأمّل . وقد اتّفقوا أيضا على وجوب القضاء بالنوم الثاني بعد انتباهه وإن نام ناويا للغسل ؛ لصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب من أوّل الليل ، ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : «ليس عليه شيء» ، قلت : فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح ؟ قال : «فليقض ذلك اليوم عقوبةً» . (1) وصحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب في رمضان ، ثمّ يستيقظ ، ثمّ ينام حتّى يصبح ؟ قال : «يتمّ يومه ويقضي يوما آخر ، فإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه وجاز له» . (2) واشتهر بين الأصحاب وجوب القضاء والكفّارة جميعا بالنومة الثالثة حتّى يطلع الفجر ناويا للغسل بعد انتباهتين ، ذكره الشيخان (3) وتبعهما الأكثر ، (4) محتجّين عليه بما تقدّم من خبر أبي بصير الوارد في متعمّد الترك ، (5) وخبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السلام . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 615 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 271 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 ، ح 12831 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 62 ، ح 12832 .
3- .ذكره المفيد في المقنعة ، ص 347 ؛ والطوسي في الخلاف ، ج 2 ، ص 222 ، المسألة 87 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 271 .
4- .منهم : ابن حمزة في الوسيلة ، ص 142 ، وابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 374 ، وأبو المجد الحلّي في إشارة السبق ، ص 120 ، والمحقّق الحلّي في المقصود من الجمل والعقود (الرسائل التسع ، ص 351) ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع ، ص 156 ؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 296 ، وتبصرة المتعلّمين ، ص 78 ، وتذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 69 ، وقواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 375 ، والشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 273 ، الدرس 71 ، واللمعة الدمشقية ، ص 47 ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى (السرائل العشر ، ص 185) .
5- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
6- .نفس المصدر ، ح 12838 .

ص: 110

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد ، (1) عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : «عليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، ويتمّ صيامه ولن يدركه أبدا» . (2) وقال صاحب المدارك : وليس في هذه الروايات مع اشتراكها في ضعف السند دلالة على هذا التفصيل بوجه ؛ أمّا الاُولى فلأنّها إنّما تضمّنت تعلّق الكفّارة بمن تعمّد ترك الاغتسال ، لا بمن تكرّر نومه على هذا الوجه . وأمّا الثانية فلأنّها مطلقة ، وليس حملها على حالة تكرار النوم بأولى من حملها على حالة التعمّد . وأمّا الرواية الثالثة فلاقتضائها ترتّب الكفّارة على من أصبح في النومة الاُولى ولا قائل به ، مع أنّها ضعيفة جدّا بجهالة السائل والمسؤول . ويمكن حملها على من نام مع العزم على ترك الاغتسال ، فإنّه كمتعمّد البقاء على الجنابة . والأصحّ ما اختاره [المصنّف] في المعتبر ، (3) والعلّامة في المنتهى (4) من سقوط الكفّارة مع تكرار النوم ناويا للغسل تمسّكا بأصالة البراءة ، وأنّ النوم سائغ ، ولا قصد له في ترك الغسل ، فلا عقوبة ؛ إذ الكفّارة إنّما تترتّب على التفريط والإثم ، [وليس أحدهما ثابتا] . (5) وفي حكم صوم شهر رمضان قضاؤه فيما ذكر من اشتراطه بالطهارة ؛ لصحيحة عبداللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقضي رمضان ، فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتّى آخر الليل ، وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : «لا يصوم ذلك

.


1- .في الاستبصار : «إبراهيم بن عبد اللّه » .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 213 ، ح 618 ؛ وص 320 321 ، ح 982 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12839 .
3- .المعتبر ، ج 2 ، ص 675 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 و 606 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 90 91 ، ومابين الحاصرتين منه .

ص: 111

اليوم ويصوم غيره» . (1) وصحيحته الاُخرى ، قال : كتب أبي إلى أبي عبداللّه عليه السلام وكان يقضي شهر رمضان وقال : إنّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ، فلم أغتسل حتّى طلع الفجر ، فأجابه : «لا تصم هذا اليوم وصم غدا» . (2) وأمّا الصوم المندوب فالظاهر عدم اشتراطه بها ، وهو ظاهر الصدوق ؛ لما رواه في الصحيح عن عبداللّه بن المغيرة ، عن حبيب الخثعمي ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أخبرني عن التطوّع ، وعن هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل ، فأعلم أنّي أجنبت وأنام متعمّدا حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم ؟ قال : «صُم» . (3) واستشكل الأمر في الواجب من الصوم من غير رمضان وقضائه أيضا ، في المنتهى : هل يختصّ هذا الحكم برمضان ؟ فيه تردّد ، ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدلّ عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا . (4) وهذا الاستشكال في غير قضاء رمضان المندوب في موقعه ، وأمّا فيهما فلا وجه له ؛ لما عرفت ، بل لا يبعد القول بعدم اشتراطه أيضا بها ؛ اعتبارا للأصل من غير معارض . وهل حدث الحيض والنفاس في ذلك كحدث الجنابة ، بمعنى أنّها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال ويبطل الصوم إذا أخلّت به حتّى يطلع الفجر ؟ ففي المنتهى : «لم أجد نصّا صريحا فيه ، والأقرب ذلك ؛ لأنّ حدث الحيض يمنع الصوم ، فكان أقوى من الجنابة » . (5) ولخبر أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن طهرت بليل من حيضها ، ثمّ توانت أن

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 277 ، ح 837 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12843 .
2- .الكافي ، باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان ... ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12844 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 82 ، ح 1788 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 68 ، ح 12846 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
5- .نفس المصدر ، ص 566 .

ص: 112

تغتسل في رمضان حتّى أصبحت ، عليها قضاء ذلك اليوم » (1) . لكن الرواية ضعيفة السند باشتمالها على جماعة من الفطحيّة ، (2) واشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف . (3) وقال صاحب المدارك : «ومن ثمّة تردّد في ذلك المصنّف في المعتبر ، (4) وجَزْمُ العلّامة في النهاية (5) بعدم الوجوب لا يخلو من قوّة » . (6) وأمّا المستحاضة فقد أطلق الأكثر توقّف صومها على ما يلزمها من الأغسال ، وقيّدها جماعة بالأغسال النهارية ، وحكموا بعدم توقّف صوم اليوم الماضي على غسل الليلة المستقبلة ، وتردّدوا في توقّفه على غسل الليلة الماضية . (7) ويدلّ على التوقّف في الجملة مقطوعة عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من نفاسها في أوّل يوم شهر رمضان ، ثمّ استحاضت ، فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب : «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك» . (8) ولكن الخبر ضعيف ؛ للقطع ، واشتماله على ما أجمع الأصحاب على خلافه من عدم وجوب قضاء الصلاة عليها . (9)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 393 ، ح 1213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 271 ، ح 2127 .
2- .منهم عليّ بن أسباط . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 252 ، الرقم 663 ، ومنهم عليّ بن الحسن بن فضّال .
3- .اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 22 ، ص 22 ، الرقم 13988 .
4- .المعتبر ، ج 2 ، ص 226 .
5- .نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 119 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 345 .
7- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 57 .
8- .الكافي ، باب صوم الحائض والمستحاضة ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 310 ، ح 937 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 349 ، ح 2333 ؛ وج 10 ، ص 66 ، ح 12842 .
9- .قال الشيخ بعد رواية الحديث : «إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ولا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك فالترك له على العمد يلزمها القضاء» .

ص: 113

ولا يبعد أن يُقال : وقع سهو من الرّواة في تقديم الصوم وتأخير الصلاة ، وعلى وجوب هذه الأغسال إذا تعذّر الغسل . واختلفوا في وجوب التيمّم بدله ، قيل : نعم ؛ لعموم : «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا» (1) ، وقيل : لا ؛ لعدم نصّ عليه ، وعلى تقدير الوجوب فالظاهر وجوب اليقظة إلى طلوع الفجر بعد التيمّم ، فلو نام وجب تيمّم آخر ؛ لأنّ النوم ناقض للتيمّم . (2) السادس : الكذب على اللّه وعلى رسوله وعلى الأئمّة عليهم السلام متعمّدا ؛ ولا ريب في حرمته مطلقا مؤكّدة تحريمه على الصائم . واختلف في كونه مفطرا ، وذهب السيّد المرتضى في الانتصار (3) والشيخان (4) إلى ذلك ، وصرّحوا بأنّه موجب للقضاء والكفّارة ، وهو ظاهر عليّ بن بابويه (5) حيث عدّه من المفطرات على ما نقل عنه في المختلف ، (6) وحكاه في المختلف عن أبي الصلاح (7) وابن البرّاج ، (8) وفي المنتهى (9) عن الأوزاعيّ ، (10) وعدّه فيه أقرب . واحتجّوا عليه بموثّق أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الكذب ينقض الوضوء ويفطر الصائم» ، قال : قلت له : هلكنا ، قال : «ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على اللّه ورسوله وعلى الأئمّة عليهم السلام » . (11)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
2- .النساء (4) : 43 .
3- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 58 .
4- .الانتصار ، ص 184 .
5- .ذهب إليه المفيد في المقنعة ، ص 303 ، و 344 ، والطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 270 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) ؛ والنهاية ، ص 148 و 153 ؛ والخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 .
6- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 203 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 397 .
8- .. الكافي في الفقه ، ص 179 .
9- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
10- .حكاه عنه في الانتصار ، ص 185 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 356 .
11- .الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي ؛ التهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 585 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 33 ، ح 12757 ، وفي الجميع : «الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم» .

ص: 114

وخبر عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن رجل كذب في رمضان ، فقال : «قد أفطر وعليه قضاؤه ، وهو صائم يقضي صومه ووضوءه [إذا تعمّد]» . (1) وقال الشيخ في المبسوط : «ومن أصحابنا من قال : إنّ ذلك لا يفطر وإنّما ينقض » . (2) وفي الخلاف (3) صرّح بنسبة ذلك إلى السيّد المرتضى ، وهو مذهب السيّد في الجمل على ما حكى عنه في المختلف أنّه قال فيها : «الأشبه أنّه ينقض الصوم وإن لم يبطله» ، (4) و عدّة في المختلف أقوى . (5) ونقله عن ابن إدريس (6) وسلّار وابن أبي عقيل . واحتجّ عليه بما تقدّم في صحيحة محمّد بن مسلم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس» . (7) وقال : الحصر يدلّ على عدم الإفطار بما عدا هذه الثلاث ، خرج منه ما خرج بالدليل فبقي الباقي على أصله . وأجاب عن الخبرين : أوّلاً بالضعف ، فإنّ في طريق الأوّل منصور بن يونس بزرج . والنجاشي وإن وثّقه (8) إلّا أنّ الكشّي روى حديثا عن منصور بن يونس بزرج أنّه جحد النصّ على الرِّضا عليه السلام لأموال كانت في يده . (9) وفي طريق الثاني عثمان بن عيسى ، وهو كان واقفيّا غير موثّق . (10) ثمّ بالتأويل ، فإنّه متروك العمل بظاهرهما ؛ إذ لم يقل أحدٌ بنقضه الوضوء ، فلابدّ من حملهما على

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 270 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 397 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 586 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 34 ، ح 12758 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 375 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 189 ، ح 535 ؛ وص 202 ، ح 584 ؛ و 318 319 ، ح 971 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 80 ، ح 244 ؛ وص 84 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .
8- .رجال النجاشي ، ص 413 ، الرقم 1100 .
9- .اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 768 ، ح 893 .
10- .رجال النجاشي ، ص 300 ، الرقم 817 ؛ الفهرست ، ص 193 ، الرقم 545 .

ص: 115

التشديد في المنع منه بأنّه ينقض الوضوء ويفطر الصائم . (1) أقول : لا يبعد حملهما على استحباب القضاء وتجديد الوضوء . ويؤيّده قوله عليه السلام : «هو صائم يقضي صومه» ، (2) كما لا يخفى . السابع : تعمّد القيء ، وهو يوجب القضاء خاصّة ، فإن ذرعه صحَّ صومه وليس عليه شيء . وفي المنتهى : وعليه أكثر علمائنا ، وبه قال عامّة أهل العلم . وقال السيّد المرتضى : لا يفسد . (3) واختاره ابن إدريس ، (4) وبه قال عبداللّه بن عبّاس وعبداللّه بن مسعود (5) . (6) وفي المختلف : «ونقل السيّد المرتضى عن بعض أصحابنا أنّه يوجب القضاء والكفّارة » . (7) ويدلّ على القول المشهور في إيجابه القضاء صحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» . (8) وحسنته عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» . (9) ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن القيء في رمضان ، فقال : «إن كان يبدره فلا بأس ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 586 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 34 ، ح 12758 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 398 399 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 378 .
6- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 320 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 52 ؛ شرح الكبير ، ج 3 ، ص 39 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 421 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 55) .
8- .الكافي ، ج 4 ، ص108 ، باب الصائم يتقيّأ ... ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 264 ، ح 790 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 87 ، ح 12908 .
9- .الكافي ، ح 2 من الباب المتقدّم ذكره ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 264 ، ح 791 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 86 ، ح 12906 .

ص: 116

وإن كان شيء تكرهه نفسه عليه أفطر وعليه القضاء» . (1) ويؤيّدها ما رواه الجمهور عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض» . (2) وعلّله أيضا في المختلف والمنتهى بأنّه مظنّة ابتلاع شيء منه ولا ينفكّ عنه غالبا . (3) واحتجّ ابن إدريس بأصالة البراءة ، وانتفاء دليل على شغلها . (4) ويؤيّده ما رواه الجمهور عن زيد بن أسلم ، عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يفطر من قاء أو احتجم أو احتلم» ، (5) وإنّما قال ذلك بناءً على أصله . وفي المختلف : احتجّ السيّد المرتضى بأنّ الصوم هو الإمساك عمّا يدخل الجوف ، ولا ينافي ذلك ما يخرج منها . وما رواه عبداللّه بن ميمون في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه عليهماالسلامقال : «ثلاث لا يفطرن الصائم : القيء ، والاحتلام ، والحجامة» . (6) وحديث محمّد بن مسلم الصحيح عن الباقر عليه السلام قال : «لا يضّر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الأكل والشرب ، والنساء ، والارتماس في الماء» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 322 ، ح 991 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 87 ، ح 12910 .
2- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 498 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 533 ، ح 2380 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 111 ، ح 716 ؛ المستدرك ، ج 1 ، ص 427 ؛ السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 219 ؛ المنتقى ، ص 105 106 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 226 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 97 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 284 285 . وفي بعضها بدل «من استقاء» : «إن استقاء» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 422 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
4- .السرائر ، ج 1 ، ص 387 .
5- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 264 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 213 ، ح 7538 ، وفيها : « ... ولا من احتجم ، ولا من احتلم» ، واللفظ المذكور هنا من منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 775 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 288 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12884 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 189 ، ح 535 ؛ وص 202 ، ح 584 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .

ص: 117

والجواب عن الأوّل المنع من تحقّق الإمساك ، فإنّه كما ينافي الإدخال كذا ينافي الإخراج ، ولأنّه نوع من اجتهاد فلا يعارض ما تلوناه من الأحاديث ، ونحن نقول بموجب الرواية الاُولى ؛ لأنّ القيء كما يقرن بالعمد كذا يقرن بالنسيان ، وليس في الحديث دلالة على التعميم ، فيُحمل على الثاني ؛ جمعا بين الأخبار . وعن الحديث الثاني أنّه عامّ وأحاديثنا خاصّة ، فتكون مقدّمة ؛ جمعا بين الأدلّة . (1) وظاهر القائلين بوجوب القضاء وجوبه ولو يزدرد منه شيئا ، بل الاعتبار الذي نقلناه عن العلّامة كالصريح في ذلك . والقول به مشكل . وأظنّ أنّ الأخبار التي وردت بذلك مبنيّ على تفسير القيء بما يخرج من المعدة إلى الفم مع العود إليها على ما ذكره الجوهري في الصحاح (2) والشيخ قدس سره ، (3) ويؤيّده ما ورد في القلس من أنّه لا يوجب القضاء ، واتّفقوا عليه ، فإنّ القلس : هو شيء يخرج إلى الفم على ما ذكره لا يعود . رواه عبداللّه بن سنان في الصحيح ، قال : سئل أبو عبداللّه عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس ، فيخرج منه الشيء من الطعام ، أيفطره ذلك ؟ قال : «لا» ، قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه ؟ قال : «لا يفطر[ه] ذلك » . (4) وحينئذٍ يكون القول بوجوبه مع التعمّد في غاية القوّة ، فإنّه بمنزلة تعمّد الأكل بناءً على ما عرفت من عدم اختصاصه بالأكل العادي ، بل لولا هذه الأخبار لقلنا بإيجابه للكفّارة أيضا بخلاف ما لو ذرعه ؛ إذ عوده بدون اختياره . وإذا حصل من القلس شيء في فمه فابتلعه عامدا ، قال ابن البرّاج : «يجب عليه القضاء خاصّة » ، (5) وبه قال الشيخ في النهاية ، (6) ورجّحه العلّامة في المختلف ، وحكى عن

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 422 .
3- .صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 965 (قلس) نقلاً عن الخليل ، وكلامه في ترتيب كتاب العين ، ج 3 ، ص 1517 .
4- .اُنظر : تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 264 ، ح 894 .
5- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 265، ح 796 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10، ص 88 89 ، ح 12914، ومابين الحاصرتين منهما .
6- .النهاية ، ص 55 .

ص: 118

ابن البرّاج أنّه عدّه أحوط . (1) وقال ابن إدريس بوجوب القضاء والكفّارة جميعا ، (2) وظاهر الشيخ في المبسوط حيث قال : «إن تعمّد أفطر » . (3) ورجّحه العلّامة في المختلف محتجّا بأنّه ازدرد طعاما عمدا ، فوجب عليه القضاء والكفّارة . (4) والأوّل أظهر ؛ لما عرفت . وصحيحة عبداللّه بن سنان الدالّة على عدم الوجوب (5) بازدراد القلس محمول على ما إذا كان الابتلاع من غير اختياره . الثامن : الارتماس في الماء ؛ على ما ذهب إليه السيّد المرتضى في الانتصار من أنّه موجبٌ للقضاء والكفّارة مدّعيا عليه الإجماع ، (6) وبه قال المفيد (7) والشيخ في النهاية و المبسوط والخلاف ، (8) وهو منقول في المختلف (9) عن جمله واقتصاده (10) أيضا . وعن ابن البرّاج (11) وظاهر الصدوقين ، (12) وعن أبي الصلاح أنّه يوجب القضاء خاصّة . (13) وذهب العلّامة في المختلف والمنتهى إلى أنّه حرام ، لكن لا تجب كفّارة ولا قضاء ، (14)

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 387 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 423 ، والمذكور فيه أنّ ابن البرّاج قائل بوجوب القضاء ، وقال ابن جنيد: إنّ القضاء أحوط .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 ، وعبارته هكذا : «فإن بلعه عامدا فقد أفطر» .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 423 424 .
6- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «وجوب» .
7- .الانتصار ، ص 184 185 .
8- .المقنعة ، ص 344 .
9- .النهاية ، ص 148 و 154 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 270 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 .
10- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 399 .
11- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) ؛ الاقتصاد ، ص 287 .
12- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 203 . وحكاه عنه في المقنع ، ص 188 ، والموجود فيهما ، أنّه ينقض الصوم . وانظر : الفقيه ، ج 2 ، ص 107 ، ح 1853 .
13- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
14- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 401 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، 574 .

ص: 119

وهو أحد وجهي الجمع بين الأخبار للشيخ في الاستبصار . (1) وقال في المبسوط : «ومن أصحابنا من قال لا يفطر » ، (2) ونقل ذلك عن السيّد المرتضى في الخلاف . (3) وقد نسب إليه في المنتهى الكراهة ، (4) وحكاه عن مالك وأحمد ، (5) وهو اختيار ابن إدريس . (6) وذهب ابن أبي عقيل إلى جوازه من غير كراهية على ما يظهر من المنتهى ، حيث قال بعد نقل الأقوال الثلاثة : «ورابعها : أنّه سائغ مطلقا ، وهو قول ابن أبي عقيل من علمائنا ، وبه قال الجمهور إلّا ما استثنيناه» (7) يعني مالكا وأحمد . وأقوى الأقوال قول العلّامة . ويدلّ على التحريم ما تقدّم من قوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : «والارتماس في الماء» . (8) وصحيحته الاُخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا ، ولا يغمس رأسه في الماء» . (9) وصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه». (10)

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 270 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 375 .
4- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ذيل ح 421 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 . وكلام المرتضى في الجمل والعقود (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
6- .حكاه عنهما المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 656 ، والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 33 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 45 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 45 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 574 .
8- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 ، وقد تقدّم .
9- .الكافي ، باب كراهية الارتماس في الماء ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 591 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 260 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12767 .
10- .الكافي ، ح 1 من باب كراهية الارتماس في الماء للصائم ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 587 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 258 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 38 ، ح 12772 .

ص: 120

وصحيحة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء » . (1) وأمّا عدم إيجابه للقضاء والكفّارة فللأصل المؤيّد بما رواه إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا ، أعليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال : «ليس عليه قضاء ذلك اليوم ولا يعودنّ» . (2) وقد حمل من قال بالكراهة النهيَ في هذه الأخبار عليها ؛ للجمع بينها وبين موثّق عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كره للصائم أن تمس في الماء» . (3) وهذا الجمع جيّد لو كان هذا الخبر صحيحا ، لكن لوحدته وعدم صحّته لا يجوز ، مع شيوع الكراهة في الحرمة في الأحاديث . واحتجّ الموجبون للقضاء والكفّارة بأنّه قد فعل محرما ، فكان عليه القضاء والكفّارة كالأكل والشرب ، وبالإجماع ، والاحتياط ، وبثبوت الضرر بفعله بمقتضى صحيحة محمّد بن مسلم ، (4) وإنّما يتضرّر في الصوم ببطلانه . واُجيب بمنع الإجماع ؛ لما عرفت ، وبأنّ الضرر أعمّ من فعل المفطر ومن فعل حرام ، والحرمة غير مستلزمة للبطلان ، والاحتياط جيّد لكن لا يصير مناطا لحكم شرعيّ . التاسع : الاحتقان بالمائع على ما ذكره الشيخ في التهذيب حيث حرّمه وأوجب به القضاء ، وكره الاحتقان بالجامد . (5)

.


1- .الكافي ، ح 2 من باب كراهية الارتماس في الماء للصائم ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 588 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 259 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 38 ، ح 12773 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 210 ، ح 607 ؛ و ص 324 ، ح 1000 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 85 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 43 ، ح 12785 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 ، ح 606 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 262 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 38 ، ح 12774. وفي الأخيرَين : «يكره» بدل «كره» .
4- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 2753 ، وقد تقدّم .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ذيل ح 590 .

ص: 121

وقال في الخلاف : إنّه يفطر ، (1) وهو ظاهر في إيجابه للقضاء ، وأمّا الكفّارة فلا ؛ لعدم استلزام الإفطار لها ، وهو منقول في المختلف (2) عن جمله (3) واقتصاده (4) أيضا ، وعن ابن البرّاج . (5) واحتجّ على الأوّل بصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصره عن أبي الحسن عليه السلام عن الرجل تكون به العلّة ، يحتقن في شهر رمضان ؟ فقال : «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» . (6) وبيّنه في المختلف بأنّ تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّيّة ، فيكون بين الصوم والاحتقان الذي هو نقيض المعلول _ منافاة ، وثبوت أحد المتنافيين يقتضي عدم الآخر ، وذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان ،] فوجب القضاء] . (7) وأمّا انتفاء الكفّارة فللأصل السالم عن معارضة معارض ، وقد نقل في المختلف (8) عن السيّد المرتضى أنّه نقل الإجماع على عدم وجوبها به ، (9) والإجماع المنقول عن مثله ليس بأقلّ من خبر الواحد . وعلى الثاني بما رواه عليّ بن الحسين في الموثّق عن أبيه ، (10) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام ما تقول في التلطّف يستدخله الإنسان وهو صائم ؟ فكتب: «لا بأس بالجامدات». (11)

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 .
3- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 213) .
4- .الاقتصاد ، ص 288 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 ، وقيّدهُ بالمرض المحوج إليها .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 111 ، ح 1869 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 589 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 256 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 42 ، ح 12783 ، وفي الجميع : « ... الرجل يحتقن تكون به العلّة» .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 413 .
8- .نفس المصدر.
9- .الناصريّات ، ص 294 ، المسألة 129 .
10- .في الكافي بعده : «عن محمّد بن الحسن ، عن أبيه» .
11- .الكافي ، باب في الصائم يسعط ويصيب في اُذنه الدهن أو يحتقن ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 590 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 257 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 41 42 ، ح 12782 ، وفي الجميع : «بالجامد» بدل «بالجامدات» .

ص: 122

وقال في النهاية : تكره الحقنة بالجامدات وتحرم بالمائعات ولم يوجب بها قضاء وكفّارة . (1) وكذا في الاستبصار . (2) وفيه : التنافي كما أمكن أن يكون بينه وبين أصل الصوم احتمل أيضا أن يكون بينه وبين كمال الصوم . وذهب السيّد المرتضى في الجُمَل على ما حكى عنه في المختلف أنّه قال : «وقال قوم : إنّ ذلك يعني الاحتقان ينقض الصوم وإن لم يبطله ، وهو الأشبه » . (3) وذهب المفيد قدس سره إلى أنّه يفسد الصوم بالاحتقان ، (4) وأطلقه بحيث يشمل الجامد أيضا . وعن عليّ بن بابويه أيضا أنّه فعل كذلك ، وقال : [لايجوز]للصائم أن يحتقن وأطلق . (5) وذهب العلّامة في المختلف إلى تحريمه وإيجابه للقضاء مطلقا ، بالمائع كان أو بالجامد ، (6) ويظهر من أدلّتهم وجوبها ممّا ذكر . العاشر : إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق عمدا على ما ذكره الشيخ في الخلاف ، (7) ونقل في المختلف (8) عن جمله (9) واقتصاده (10) من أنّه مفطر موجب للقضاء والكفّارة ، ورجّحه العلّامة في المختلف . (11)

.


1- .المقنعة ، ص 344 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 413 .
3- .النهاية ، ص 156 .
4- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ذيل ح 257 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
6- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 .
7- .الخلاف، ج 2، ص 177، المسألة 17.
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 402 .
9- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) .
10- .الاقتصاد ، ص 287 .
11- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 403 .

ص: 123

وقال في المبسوط في ذيل ما يوجب القضاء والكفّارة : «وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمّدا ، مثل غبار الدقيق أو غبار النفض وما جرى مجراه على ما تضمّنه الروايات » . (1) وكأنّه قدس سرهأراد بالروايات الأخبار الواردة في الأكل ، وإلّا فالموجود هنا خبر واحد ضعيف جدّا مروي عن جماعة من المجاهيل غير مسند إلى معصوم ، رواه سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح . (2) ومع ما ذكر مشتمل على ما لم يقل به أحد ، من فساد الصوم بمجرّد المضمضة والاستنشاق ، ومعارض بما رواه في المختلف (3) و المنتهى (4) عن عمرو بن سعيد ، عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الصائم يدّخن بعود أو بغير ذلك ، فتدخل الدخنة في حلقه ؟ قال : «لا بأس» . وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ، قال : «لا بأس» . (5) ونقل في المبسوط عن بعض الأصحاب أنّه يوجب القضاء دون الكفّارة . (6) وقول المفيد قدس سرهحيث قال : وإن تعمّد الكون في مكان فيه غبرة كثيرة ورائحة غليظة ، وله غنى عن الكون فيه ، فدخل حلقه شيء من ذلك وجب عليه القضاء . (7) ومثله منقول في المختلف (8) والمنتهى (9) عن أبي الصلاح . 10 وبه قال ابن إدريس ، وقال :

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 403 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 271 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 621 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 69 70 ، ح 12850 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 404 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 ، وكان في الأصل : «عن المنتهى» ، فصوّبناه .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 325 ، ح 1003 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 70 ، ح 12851 .
7- .المقنعة ، ص 358 359 .
8- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 573 .
9- .الكافي في الفقه ، ص 183 .

ص: 124

«القضاء مجمع عليه » . (1) واحتجّوا على نفي وجوب الكفّارة بأصالة براءة الذمّة ، وبما رويناه عن عمرو بن سعيد ، ولا يخفى ضعفه . وفي المنتهى رجّح هذا القول حيث قال بعدما تكلّم في الخبرين المعارضين _ : «وبالجملة ، فإنّ السيّد المرتضى رحمه الله لم يوجب الكفّارة . وهو قوي » . (2) وفي المنتهى : «وخالف فيه الشافعيّ وأبو حنيفة ومالك وأحمد » . (3) يعني أنّهم لم يوجبوا فيه شيئا ، وحكموا بصحّة صومه . وألحق جماعة من المتأخّرين بالغبار الغليظ الدخان الغليظ . وقال الشهيد الثاني : «هو ضعف في ضعف » ، (4) ويردّه أيضا ما نقله عن عمرو بن سعيد . وأمّا المستحبّ فهو : التسحّر والسواك ، وسيأتيان . والاجتناب عن المكروهات ، والمكروهات كثيرة سيذكر المصنّف أكثرها في أبواب ، ويجيء القول فيها . وبقي أشياء لم يذكرها : منها : بلّ الثوب على الجسد ؛ لرواية الحسن الصيقل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول فقال : «لا» . (5) وصحيحة الحسن (6) بن راشد ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : «لا» . قلت : تقضي الصوم ؟ قال : «نعم» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «إنّ أوّل من قاس إبليس» ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء ؟ قال : «نعم» ، قلت : فيبلّ ثوبا على

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 573 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 377 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 572 . وانظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 386 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 327 .
4- .اُنظر: مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 17 ، والموجود فيه : «وهو حسن إن تحقّق معهما جسم» .
5- .الكافي باب كراهيّة الارتماس في الماء للصائم ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ح 806 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 300 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12769 ؛ وص 38 ، ح 12775 ؛ وص 94 ، ح 12934 .
6- .في الأصل : «الحسين» ، والتصويب من مصادر الحديث .

ص: 125

جسده ؟ قال : «لا» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «من ذاك» . (1) وحمل النهي فيهما على التنزيه ؛ لما رواه الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال : «الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا ، ولا يغمس رأسه في الماء» . (3) وعلّل أيضا في المنتهى بأنّه يقتضي انسداد مسام البدن ، ويمنع خروج الأبخرة ، فتحتقن الحرارة في الجوف ، ويحتاج معه إلى التبريد . (4) ومنها : جلوس المرأة في الماء على المشهور بين الأصحاب ؛ لخبر حنّان بن سدير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصائم يستنقع في الماء ؟ قال : «لا بأس ، ولكن لا يغمس رأسه في الماء ، والمرأة لا تستنقع في الماء ؛ لأنّها تحمله بقبلها» . (5) والخبر لضعفه بحنّان لكونه واقفيّا (6) حُمل على الكراهة على ما هو دأبهم في الأوامر والنواهي المخالفتين للأصل ، الواردتين في الأخبار الضعيفة من الحمل على الاستحباب والكراهة ، وقد أفتى بظاهره أبو الصلاح (7) على ما نقل عنه في المنتهى من أنّه قال بتحقّقه وإيجابه للقضاء عليها ، وقال : بأنّها تحمل المرأة الماء في قبلها ، وبهذا الخبر وأجاب بالمنع من حملها الماء بقبلها ، ثمّ بمنع الإفطار بذلك ، وبحمل الخبر على الكراهة جمعا بين الأدلّة . 8

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
2- .الكافي ، باب الطيب والريحان للصائم ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ح 807 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12770 .
3- .في الأصل : «أبي عبد اللّه » ، والتصويب من مصادر الحديث .
4- .الكافي ، باب كراهيّة الارتماس في الماء للصائم ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 591؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 260 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 115 ، ح 1183 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12771 .
7- .رجال الطوسي ، ص 334 ، الرقم 4974 .

ص: 126

ومنها : المماراة والتنازع والتحاسد فيه ، وهي مكروهة مطلقا ، و[في]الصوم أشدّ كراهيّةً ؛ لخبر مسعدة ، (1) وما رواه الشيخ عن جرّاح المدائني ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «أنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده» ، ثمّ قال : «قالت مريم : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْما» ، (2) أي صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا» ، وقال : «وسمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله امرأة تسابّ جارية لها وهي صائمة ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بطعام فقال لها : كُلي ، فقالت : إنّي صائمة ، فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ؛ إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب» . (3) وروى الصدوق عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ما من عبدٍ صائم يُشتم ، فيقول : إنّي صائم سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني إلّا قال الربّ تبارك وتعالى : استجار عبدي بالصوم من شرّ عبدي قد أجرته من النار» . (4) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ، وعدّد أشياء غير هذا» ، وقال : «ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك» . (5) ومنها : إنشاد الشعر في شهر رمضان يوما وليلاً ؛ لصحيحة حمّاد بن عثمان وغيره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا ينشد الشعر بليل ، ولا ينشد في شهر رمضان بليلٍ ولا نهار» ، قال له إسماعيل : فإنّه فينا ، قال : «وإن كان فينا» . (6)

.


1- .هو الحديث الخامس من آداب الصائم من الكافي .
2- .مريم (19) : 26 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 194 ، ح 553 ، ورواه الكليني في الكافي ، باب آداب الصائم ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 162 163 ، ح 13122 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 109 ، ح 1860 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 167 168 ، ح 13135 .
5- .الكافي ، باب آداب الصائم ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 194 ، ح 554 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 161 ، ح 13120 .
6- .الكافي ، باب آداب الصائم ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 319 ، ح 972 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 169 ، ح 13138 .

ص: 127

وصحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «يكره رواية الشعر للصائم والمحرم ، وفي الحرم ، وفي يوم الجمعة ، وأن يروى بالليل» ، قلت : وإن كان شعر حقّ ؟ قال : «وإن كان شعر حقّ» . (1) ومن الآداب ترك اللّعب والضحك ، والاشتغال بالطاعات والعبادات في شهر رمضان زائدا على ما كان يفعله في غيره ، وفي يوم الفطر على ما رُوي أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلامنظر إلى اُناس يوم فطر وهم يلعبون ويضحكون ، فقال لأصحابه والتفت إليهم : «إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق شهر رمضان مضمارا لخلقه ، يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه ، فسبق فيه قوم ففازوا ، وتخلّف آخرون فخابوا ، فالعجب من الضاحك اللّاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون ويُخيب فيه المقصّرون ، وَأيْمُ اللّه لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيءٌ بإسائته» . (2) قوله في خبر مسعدة : (يقول إنّي صائم) . [ح 5 / 6324] يقول ذلك بلسان المقال ليسمع الشاتم فينزجر ، أو بلسان الحال فيترك الجدال لرعاية الصوم ويفضي ذلك إلى ترك الخصم أيضا لخصومته ، ولو جمع بينهما لكان أحسن . قوله في خبر إسحاق بن عمّار : (الرفث في الصوم) .] ح 11 / 6330] وهو في الخصال هكذا : «العَبَث في الصلاة ، والرفث في الصوم ، والمنّ بعد الصدقة ، وإتيان المساجد جنبا ، والتطلّع في الدور ، والضحك بين القبور» . (3) وقال طاب ثراه : الرفث : السخيف والفحش من الكلام ، والجهل ؛ يُقال : رفث بفتح الفاء في الماضي

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 195 ، ح 558 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 169 ، ح 13137 .
2- .الكافي ، باب النوادر في آخر كتاب الصيام ، ح 5 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 511 ، ح 1479 عن الحسن بن على عليهماالسلام ، وكذا في ج 2 ، ص 174 ، ح 2057 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 480 ، ح 9910 .
3- .الخصال ، ص 327 ، باب الستّة ، ح 19 .

ص: 128

باب صوم رسول اللّه

وضمّها وكسرها في المستقبل ، ورفث بكسرها يَرْفث بفتحها رفثا ساكنة في المصدر ومحرّكة في الاسم ، ويُقال : أرفث رباعيّا أيضا . (1)

باب صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيدلّ أخبار الباب على أنّه صلى الله عليه و آله كان ينتقل في الصوم في السنة من طورٍ إلى طور ، إلى أن استقرّ أمره إلى صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، أربعاء بين الخميسين ، وفعله عليه السلام لا يدلّ على صيرورة ما قبله منسوخا ، وإنّما يدلّ على مرجوحيّته وبقى أصل الندب . ونسب في المنتهى استحباب صوم أيّام البيض إلى قول العلماء كافّة . (2) ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم ، (3) وهي كالصحيح ، بل عدّ صحيحا . وما روي في المنتهى عن الجمهور عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا أبا ذرّ ، إذا صمت من الشهر ثلاثة [أيّام] فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» . (4) وعن ملحان المقيسي ، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمرنا أن نصوم البيض ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة . (5) وما رواه الشيخ في حديث الزهريّ ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن ابن مسعود ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : «إنّ آدم لمّا عصى ربّه عزّ وجلّ ناداه منادٍ من لدن العرش : يا آدم ، اخرج من جواري ، فإنّه لا يجاورني أحدٌ عصاني . فبكا وبكت الملائكة ، فبعث اللّه عزّ وجلّ جبرئيل

.


1- .اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 28 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 609 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 130 131 ، ح 758 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 294 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 663 ، ح 24620 ، وما بين الحاصرتين من المصادر .
5- .مسند أحمد ، ج 5 ، ص 28 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 547 ، ح 2449 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 294 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 138 ، ح 2739 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 81 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 19 ، ص 16 .

ص: 129

فأهبطه إلى الأرض مسودّا ، فلمّا رأته الملائكة ضجّت وبكت وانتحبت وقالت : ياربّ خلقت خلقا ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ، بذنبٍ واحد حوّلت بياضه سوادا ؟! فنادى منادٍ من السماء : [أن] صُم لربّك ، فصام فوافق يوم الثالث عشر (1) من الشهر ، فذهب ثلث السواد ، ثمّ نودي اليوم الرابع عشر : أن صُم لربّك اليوم ، فصام (فوافق يوم أربعة عشر من الشهر ،) (2) فذهبَ ثلثا السواد ، ثمّ نُودي يوم الخامس عشر (3) بالصيام ، فصام فأصبح وقد ذهب السواد كلّه ، فسمّيت أيّام البيض للذي ردّ اللّه عزّ وجلّ فيه على آدم من بياضه ، ثمّ نادى منادٍ من السماء يا آدم ، هذه الثلاثة أيّام جعلتها لك ولولدك ، مَن صامها في كلّ شهر فكأنّما صام الدهر» . (4) وقد حكم بصحّة هذه الرواية ، ثمّ قال : ولكن سنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكان هذه الأيّام : خميسا في أوّل الشهر ، وأربعاء في وسطه ، وخميسا في آخره ، وإنّما ذكرت الحديث ليعلم السبب في ذلك ؛ لأنّ الناس أكثرهم يقولون : إنّ أيّام البيض إنّما سمّيت بيضا لأنّ لياليها مقمرة من أوّلها إلى آخرها . (5) ويظهر من كلام الصدوق كونه منسوخا ، إلّا أن يُقال : إنّه أراد بقوله : «ولكن سنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكان هذه الأيّام» ؛ أنّه سنَّ فكان تأكّد استحبابها ، فتأمّل . ويظهر ممّا ذكرنا غفلة صاحب المدارك حيث قال : «لم أقف فيه على رواية من طريق الأصحاب ، سوى ما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام بإسناده إلى ابن مسعود» ، (6) إلى آخر الخبر .

.


1- .في الأصل : «ثلاثة عشر» ، والتصويب من المصدر .
2- .ما بين القوسين ليس في المصدر .
3- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل: «خمسة عشر» .
4- .علل الشرائع ، ص 379 380 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 436 ، ح 13787 .
5- .علل الشرائع ، ص 380 381 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 262 .

ص: 130

باب فضل صوم شعبان وصلته برمضان وصيام الثلاثة الأيّام في كلّ شهر

باب أنّه يستحبّ السحور

باب فضل صوم شعبان وصلته برمضان وصيام الثلاثة الأيّام في كلّ شهريعني استحباب صيام شعبان كلّه ووصله برمضان ؛ لتحصيل شهرين متتابعين ، وقد سبق في الباب السابق ما يدلّ ظاهرا على أنّه صلى الله عليه و آله كان يصومه كلّه ، وتدلّ عليه أيضا بعض أخبار الباب ، فيردّ بذلك ما نقل طاب ثراه عن عائشة أنّها قالت : ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله استكمل صيام شهر قطّ إلّا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان . (1) وما حكاه عن الآبي أنّه صلى الله عليه و آله لم يستكمل شعبان ، وإنّما كان يصوم بعضه أكثر ممّا يصومه في غيره من الشهور . وقد سبق استحباب ذلك الشهر في باب وجوه الصيام ، والمراد بالثلاثة الأيّام من كلّ شهر الأربعاء بين الخميسين . وقد دلَّ عليه أيضا ما رواه المصنّف في الباب السابق في حسنة محمّد بن مسلم . (2) قوله في خبر عمرو بن خالد : (وينهى الناس أن يصلوهما) .[ح 4 / 6341] قال طاب ثراه : «شفقةً على الاُمّة وإرشادا لهم إلى مصالحهم ؛ ولكون الإكثار من العبادة مظنّة للسأم والملال» . قوله في خبر ابن سنان : (أمّا الخميس فيوم تُعرض فيه الأعمال) .[ح 11 / 6348] قال طاب ثراه : «أحاديث عرض الأعمال مستفيضة» ، إلى آخره .

باب أنّه يستحبّ السحورقال طاب ثراه : «قيل هو مشتقّ من السحر ، وبالفتح اسمٌ لما تسحّر به من الطعام والشراب ، وبالضمّ مصدر» . (3) انتهى .

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 107 : صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 743 744 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 160 161 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 544 ، ح 2434 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 292 و 299 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 119 120 ، ح 2660 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 409 .
2- .هو الحديث الثاني من ذلك الباب .
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 347 (سحر) .

ص: 131

وفي المنتهى : «السحور مستحبّ ، وهو قول العلماء كافّة» . (1) وروي عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «تسحّروا فإنّه في السحور بركة» . (2) وعنه عليه السلام : «فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» . (3) وعنه عليه السلام : «السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماءٍ ، فإنّ اللّه وملائكته يصلّون على المتسحّرين» . (4) ومن طريق الخاصّة عن ابن بابويه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «السحور بركة» . (5) وقال عليه السلام : «لا تدع اُمّتي السحور ولو على حشفة تمر» . (6) وقال عليه السلام : «تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار ، وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل» . (7) وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ اللّه تعالى وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحّرين بالأسحار ، فليتسحّر أحدكم ولو بشربة من ماء» . (8) وسأل سماعة أبا عبداللّه عليه السلام عن السحور لمن أراد الصوم ، فقال : «أمّا في شهر رمضان فإنّ الفضل في السحور ولو بشربة من ماء ، وأمّا في التطوّع فمن أحبّ أن

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 624 .
2- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 99 ، و 215 و 229 و 243 و 258 و 281 ؛ سنن الدارمي ، ص 6 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 232 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 130 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 540 ، ح 1692 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 106 ، ح 703 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 141 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 75 ، ح 2456 ؛ مسند الطيالسي ، ص 268 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 236 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 227 ، ح 7598 .
3- .سنن النسائي ، ج 4 ، ص 146 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 80 ، ح 2476 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 215 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 254 ؛ مسند الشاميّين ، ج 1 ، ص 154 ، ح 249 .
4- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 12 و 44 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 135 ، ح 1957 . ورواه الكليني في الكافي ، باب أنّه يستحبّ السحور ، ح 3 ؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 198 ، ح 568 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 143 ، ح 13059 .
6- .المصادر المتقدّمة الّا أنّ رقم الحديث في الوسائل 1360 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1960 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 199 ، ح 571 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 144 145 ، ح 13063 .
8- .الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1961 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 145 146 ، ح 13065 .

ص: 132

يتسحّر ومن لم يفعل فلا بأس» . (1) وسأله أبو بصير عن السحور في أداء الصوم ، أواجبٌ عليه ؟ فقال : «لا بأس بأن [لا ]يتسحّر إن شاء ، وأمّا في شهر رمضان فإنّه أفضل أن يتسحّر ، أحبّ أن لا يترك في شهر رمضان» . (2) وإذا ثبت هذا فالأفضل تأخير السحور ؛ لما رواه زيد بن ثابت ، قال : تسحّرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قمنا إلى الصلاة ، قلت : كم كان قدر ذلك ؟ قال : خمسين آية . (3) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ : أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال : آكل وأنا أشكّ في الفجر ؟ فقال : «كُلْ حتّى لا تشكّ» ، (4) ولأنّ القصد به التقوّي على الصيام ، وكلّما قرب الفجر كان المعنى المطلوب منه أكثر . قال أحمد بن حنبل : «إذا شكّ في الفجر يأكل حتّى يستيقن طلوعه . وهذا قول ابن عبّاس» ، (5) وهو الذي نقلناه عن الصادق عليه السلام ، واستحباب تأخيره مع تيقّن الليل ، فأمّا مع الشكّ فإنّه يكره إلّا أنّه يجوز ؛ لأنّ الأصل بقاء الليل . إذا عرفت ذلك فكلّ ما يحصل من أكلٍ وشرب فإنّ فضيلة السحور حاصلة معه ؛ لقوله عليه السلام : «ولو بشربةٍ من ماء» . وفي حديث : «ولو بحشفة تمر» . (6) وقال ابن بابويه : «وأفضل السحور السويق والتمر» . (7)

.


1- .الكافي ، ج 4، ص 94، باب أنّه يستحبّ السحور ، ح 2 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 135 ، ح 1958 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 197 198 ، ح 565 ، و ص 314 ، ح 952 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 143 144 ، ح 13061 .
2- .الكافي ، ج 4، ص 94، باب أنّه يستحبّ السحور ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1959 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 142 143 ، ح 13057 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
3- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 131 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 540 ، ح 1694 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 104 ، ح 699 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 143 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ج 2 ، ص 77 ، ح 2465 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 238 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1962 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 318 ، ح 969 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 120 ، ح 13005 و 13006 ، ولفظ الحديث هنا للفقيه .
5- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 100 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 78 .
6- .تقدّم الحديثان آنفا .
7- .المقنع ، ص 205 .

ص: 133

باب الوصال وصوم الدهر

باب الوصال وصوم الدهرفيه مسألتان :الاُولى : صوم الوصال حرام عند الأصحاب أجمع ؛ (1) لما رواه المصنّف من صحيحة الحلبيّ ، (2) وما تقدّم في حديث الزهريّ . (3) ويؤيّدها ما روى في المنتهى (4) من طريق العامّة عن ابن عمر ، قال : واصل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في رمضان فواصل الناس ، فنهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الوصال فقالوا : إنّك تواصل ؟ فقال : «إنّي لستُ مثلكم ، إنّي أظلّ عند ربّي يُطعمني ويسقيني» . (5) وهو مروي في العزيز عنه بأدنى تغيير لفظي . (6) ونسب في المنتهى (7) تحريمه إلى الشافعي في قول ، وحكى عنه قولاً آخر بالكراهية وفاقا لأكثرهم . (8) وقال طاب ثراه : «وقال عياض : كرهه مالك والجمهور 9 وأجازه جماعة منهم ، قالوا : النهي عنه نهي تخفيف ورحمة ، فمن قدر عليه فلا حرج» .

.


1- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 210 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 506 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 282 .
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب ، لكنّه غير صريح في ذلك ، بل الحديث الأوّل من الباب يدلّ على ذلك .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 294 295 ، ح 895 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 513 ، ح 13987 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 .
5- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 21 و 112 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 242 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 133 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 529 ،2360 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 282 ؛ وج 7 ، ص 61 . وفي الجميع : «أبيت وأسقي» بدل «يطعمني ويسقيني»، نعم ورد في المنتهى ، ج 2 ، ص 617 وتذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 210 مثل المتن . وهذا اللفظ ورد في رواية أبي هريرة في مسند أحمد ، ج 2 ، ص 261 و 496 . ورواية أنس في مسند أحمد ، ج 3 ، ص 248 .
6- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 419 .
7- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 357 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 234 .
8- .مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 308 ؛ وج 5 ، ص 15 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 344 ؛ الإنصاف للمرداوي ، ج 3 ، ص 350 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 101 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 109 .

ص: 134

وقال الخطّابي : هو من خصائصه صلى الله عليه و آله وحرام على اُمّته . (1) وفي العزيز : الوصال مكروه لغير النبيّ صلى الله عليه و آله إلى قوله _ : وكراهيّة الوصال كراهة تحريم أو تنزيه ؟ حكى صاحب المهذّب وغيره فيه وجهين : أحدهما : أنّه كراهية تحريم ؛ لظاهر النهي ومبالغة النبيّ صلى الله عليه و آله في منع من واصل . والثاني : أنّها كراهية تنزيه ؛ لأنّ النهي إنّما ورد مخافة الضعف . (2) واختلف في تفسيره ، فقال الشيخ في النهاية (3) و المبسوط ، (4) والصدوق في الفقيه : (5) هو أن يجعل عشاءه سحوره مع النيّة ، وتبعهما الأكثر ؛ (6) لصحيحتي الحلبيّ (7) و[حفص بن ]البختريّ ، (8) وهو ظاهر المصنّف قدس سره ، وفسّره ابن إدريس بصوم يومين متوالين من غير إفطار بينهما بالنيّة ؛ (9) لما تقدّم فيما رواه محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «وإنّما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا وصال في صيام ، يعني لا يصوم الرجل يومين متوالين من غير إفطار» . (10) ونسبه في المنتهى (11) إلى اقتصاد الشيخ ، وإلى جمهور العامّة ، وبذلك فسّر في العزيز من

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 .
2- .حكاه عنه الرعيني في مواهب الجليل ، ج 5 ، ص 14 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 418 419 .
4- .النهاية ، ص 170 .
5- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 283 .
6- .الفقيه، ج 2، ص 172، ح 2047.
7- .المقنعة ، ص 366 ؛ الغنية ، ص 149 ؛ المختصر النافع ، ص 71 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 508 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 507 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 272 ، الدرس 70 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 142 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 81 ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 219 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 283 .
8- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
9- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
10- .السرائر ، ج 1 ، ص 420 .
11- .الكافي ، باب فضل يوم شعبان وصلته برمضان ... ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 307 ، ح 927 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 138 139 ، ح 452 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 496 ، ح 13946 .

ص: 135

غير نقل خلاف ، فقال : «والوصال أن يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول بالليل شيئا» . (1) وقد نسبه ابن إدريس أيضا للاقتصاد ، حيث قال في تفسير الوصال : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً . وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته بغير هذا ، فقال : هو أن يجعل عشاءه سحوره ، ثمّ قال : والأوّل هو الأظهر والأصحّ . وإليه ذهب في اقتصاده . (2) واعترض عليه العلّامة في المختلف (3) بأنّ هذا النقل غير صحيح ؛ لأنّ الشيخ قال في الاقتصاد : «وصوم الوصال كذلك يجعل عشاءه سحوره أو يطوي يومين» . (4) وهذا الاعتراض على نفسه أيضا بما فعله في المنتهى . وأكثر الأصحاب أطلقوا الوصل من غير تفسير ، منهم السيّد المرتضى (5) وعليّ بن بابويه (6) وسلّار (7) وأبو الصلاح (8) على ما حكى عنهم في المختلف . (9) والأظهر تحريمهما جميعا . الثانية : صوم الدهر ، وهو حرام إجماعا من أهل العلم لو اُريد بالدّهر ظاهره ، وقد سبقت الإشارة إليه ، ولو حمل على ما عدا شهر رمضان والعيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى فهو غير محرّم إجماعا ، وهل يكره ؟ الظاهر كذلك ؛ لما رواه الصدوق في الصحيح ، قال : سأل زرارة أبو عبداللّه عليه السلام عن صوم الدهر ، فقال : «كان لم يزل مكروها» ، (10) ويؤيّده ما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا صام ولا أفطر من صام الدهر» . 11

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 419 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 420 421 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 507 .
4- .الاقتصاد ، ص 293 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 59) .
6- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 201 .
7- .المراسم العلويّة ، ص 94 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 181 .
9- .الفقيه ، ج 2 ، ص 172 ، ح 2048 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 525 ، ح 14030 .
10- .مسند أحمد ، ج 4 ، ص 25 و 26 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 435 ؛ وفيهما : «من صام الدهر لا صام ولا أفطر» .

ص: 136

وعن أبي موسى ، عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من صام الدهر ضيّقت عليه جهنّم» . (1) ويظهر من العلّامة ميله إلى ذلك في المنتهى ، فقد قال : ولو أفطر هذه الأيّام التي نهى عن صيامها ، فهل يكره صيام الباقي أم لا ؟ قال الشافعيّ وأكثر الفقهاء : إنّه ليس بمكروه ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام من السنة ، (2) فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز . وقال أبو يوسف : إنّه مكروه ؛ (3) لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عنه ، ولو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالنهي دون صوم الدهر . ويحتمل أن يكون النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عنه لأنّ صائم الدهر يعتاد بذلك ترك الغداء ، ولا يبقى له قوّة شهوة إليه ، ولا مشقّة زائدة فيه ، ويخرجه عن استشعار التقرّب بالصوم ؛ [لأنّ الفرض بالعبادات التقرّب بها والاستشعار لها] ، وهذا معنى قوله عليه السلام : «لا صام ولا أفطر» ، أي لم يجد ما يجده الصائم من مخالفة عادته [للقرية] ولا أفطر ، ولأنّه يحدث مشقّة عظيمة ، فربّما عجز عن أكثر العبادات . وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا صام من صام الدهر ، من صام ثلاثة أيّام يصوم الدهر كلّه» ، فقال له عبداللّه بن عمرُ : (4) إنّي أطيق أكثر من ذلك ، قال : «فصم صوم داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما» ، فقال : إنّي أطيق على ما أفضل من ذلك ، قال : «لا أفضل من ذلك» (5) . (6)

.


1- .مسند أحمد ، ج 4 ، ص 414 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 300 ؛ مسند الطيالسي ، ص 69 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 491 ؛ الباب 76 من كتاب الصوم ، ح 5 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 313 ؛ صحيح ابن حبّ_ان ، ج 8 ، ص 349 .
2- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 388 و 389 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 473 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 110 ؛ شرح صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 237 ؛ وج 14 ، ص 43 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 3 ، ص 326 .
3- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 389 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 79 .
4- .كذا في الأصل ، وفي المصادر : «عبد اللّه بن عمرو» .
5- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 188 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 245 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 214 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 131 ، ح 2707 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 299 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 618 .

ص: 137

باب من أكل أو شرب وهو شاكّ في الفجر أو بعد طلوعه

باب من أكل أو شرب وهو شاكّ في الفجر أو بعد طلوعهمبدأ يوم الصوم أوّل طلوع الفجر الثاني عند المسلمين أجمع ، إلّا ما حكاه في المنتهى عن الأعمش من أنّه طلوع الفجر الذي يملأ البيوت والطرق ، (1) وقد ادّعى إجماعهم على (2) عدم الاعتداد بقوله . (3) ويدلّ عليه وقوع الفجر تفسيرا للخيط الأبيض وهو مبدأ طلوع الفجر ؛ لقوله تعالى : «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ» ، (4) والأخبار من الطريقين فيه متظافرة ، ومقتضى إباحة الأكل والشرب إلى تبيّن الفجر وطلوعه جوازهما مع الشكّ فيه ، وسقوط الكفّارة بل القضاء أيضا مطلقا ، سواء استمرّ الشكّ أو تبيّن طلوعه ، ويستفاد ذلك من بعض أخبار الباب . وموثّق إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : آكل في شهر رمضان بالليل حتّى أشكّ ؟ قال : «كُل حتّى لا تشكّ» . (5) وقال الصدوق : وسُئل الصادق عليه السلام عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، فقال : «بياض النهار من سواد الليل» . (6) وقال : وفي خبر آخر : «وهو الفجر الذي لا شكّ فيه» ، (7) وقد تقدّم في كتاب الصلاة بعض الأخبار المتعلّقة بذلك ، وينبغي أن لا يشكّ في ذلك مع مراعاة الفجر أو مع عدم تقدّمه عليها وبقاء الشكّ ؛ لعدمه تقصير منه ، وانتفاء مقتضى التكفير والقضاء .

.


1- .المغني ، ج 3 ، ص 3 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 3 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 253 .
2- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «عليه» .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 557 .
4- .البقرة (2) : 187 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 318 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 120 ، ح 13005 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 131 ، ح 1936 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 113 ، ح 12991 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 131 ، ح 1937 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 113 ، ح 12992 .

ص: 138

ويؤيّده أصالة البراءة ، وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع فآكل ثمّ أنظره فأجده قد طلع حين نظرت ؟ قال : «تتمّ يومك ثمّ تقضيه ، (1) أمّا أنّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاءه» . (2) وموثّقة سماعة بن مهران ، قال : سألت عن رجل أكل وشرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان ، فقال : «إن كان قام فنظر فلم يرَ الفجر فأكل ، ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه ولا إعادة عليه ، وإن كان قام فأكل وشرب ، ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع فليتمّ صومه ويقضي يوما آخر ؛ لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة» . (3) وصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، فقال : «يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» . ثمّ قال : «إنّ أبي كان ليلة يصلّي وأنا آكل فانصرف فقال : أمّا جعفر فقد أكل وشرب بعد الفجر ؛ فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان» . (4) وظاهر الشيخ في الخلاف وجوب القضاء فيما إذا تبيّن الخطأ مطلقا ، حيث قال : «إذا شكّ في طلوع الفجر وجب عليه الامتناع من الأكل ، فإن أكل ثمّ تبيّن له أنّه كان طالعا كان عليه القضاء» . (5) ولم يذكر دليلاً عليه ، ويردّه ما ذكر إلّا أن يريد الإفطار مع الشكّ من دون مراعاة ممكنة .

.


1- .في الأصل : «يتمّ صومه ويقضيه» ، والتصويب من مصادر الحديث .
2- .الكافي ، ح 3 من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 216 ، ح 813 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 118 ، ح 13002 .
3- .الكافي ، ح 2 من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 269 ، ح 811 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 116 ، ح 378 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 115 116 ، ح 12997 .
4- .الكافي ، ح 1 من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 269 ، ح 812 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 116 117 ، ح 379 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 115 ، ح 12995 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 174 175 ، المسألة 14 .

ص: 139

ونقل في المنتهى عن مالك وجوب القضاء مع استمرار الشكّ بأصالة بقاء الصوم في ذمّته ، ولا يسقط بالشكّ ، وبالقياس على الإفطار مع الشكّ في غروب الشمس واستمراره ، (1) وقال : والجواب عن الأوّل : أنّ السقوط إنّما هو بعد الثبوت . والصوم مختصّ بالنهار . وعن الثاني : أنّ الأصل بقاء الليل في الصورة الاُولى ، وبقاء النهار في الصورة الأخيرة فافترقا . (2) ويظهر من ذلك سقوط القضاء والكفّارة إذا أفطر في الليل ظنّا منه بقاءه مع المراعاة الممكنة وإن ظهر الخطأ بطريق أولى ، ولا خلاف فيه . نعم ، لو لم يراع مع الإمكان ... (3) على قول واحد أنّ الفجر لم يطلع وقد طلع وجب عليه القضاء ؛ لصحيحة معاوية المتقدّمة وموثّق سماعة . (4) وكذا لو ترك العمل بقول من أخبر بطلوع الفجر ظنّا منه كذبه ؛ لصحيحة الفيض بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل خرج في رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر إلى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : «يتمّ صومه ويقضيه» . (5) ومورد الخبرين إخبار الواحد ، فلو أخبر عدلان فيهما لا يبعد سقوط القضاء في الأوّل . وقد استقربه المحقّق الشيخ عليّ قدس سره ، (6) ونفى عنه الشهيد الثاني البأس في المسالك ، (7) ووجوب الكفّارة أيضا في الثاني .

.


1- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 75 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 46 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 579 .
3- .في الأصل بياض بقدر كلمتين .
4- .تقدّم الخبران آنفا .
5- .الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 131 ، ح 1939 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 ، ح 814 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 118 119 ، ح 13003 .
6- .جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 66 .
7- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 26 .

ص: 140

باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل

باب وقت الإفطار

واستقربه العلّامة في المنتهى (1) والشهيدان ؛ (2) للحكم بثبوت ما قالاه بقولهما شرعا ، وأراد قدس سرهبالأكل والشرب بعد طلوع الفجر ظهور كونهما بعد طلوعه ، فيخصّ بما إذا ظنّ بقاء الليل أو يخصّ الشاكّ بمن استمرّ شكّه ؛ ولما عرفت أنّ غاية إباحة الأكل والشرب تبيّن الفجر علمت أنّه لا يجب إدخال جزء من آخر الليل في الصوم المقدّمة ، وإن قلنا بوجوب إدخال جزء من الليل فيه من باب المقدّمة ؛ لأنّ مبدأ يوم الصوم تبيّن الفجر ، وهو آنيّ الوجود لا الفجر في الواقع ، بخلاف آخر يومه فإنّه تحقّق الليل في الواقع ، ولم يدلّ نصّ قاطع على كونه تبيّنه وإن احتمل أن يكون المراد فيه أيضا ذلك . ونقل طاب ثراه عن المحقّق الأردبيلي أنّه قال : وليس ببعيد إخراج جزء ما قبل الفجر أيضا من باب المقدّمة فيحرمان ، يعني الأكل والشرب في ذلك كما يحرمان في جزء من أوّل اللّيل كذلك ، كما هو المصرّح في الاُصول والمدلّل ، فحينئذٍ يمكن أن لا يصحّ النيّة مقارنة للفجر ، فكيف في النهار ؛ لوجوب تقديمها على المنوي بحيث لا يقع جزء منه خاليا عنها يقينا ، وعدّه أحوط _ . (3)

باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليلالأولى تأخير هذا الباب عن الباب الذي بعده ؛ لأنّه متفرّع عليه ويأتي شرحه فيه .

باب وقت الإفطارآخر وقت الصوم هو الليل ؛ لقوله تعالى : «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (4) ، وأجمع

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، 578 .
2- .الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 273 ، الدرس 71 ؛ والشهيد الثاني في مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 25 .
3- .زبدة البيان ، ص 173 .
4- .البقرة (2) : 187 .

ص: 141

المسلمون عليه من غير نقل خلاف عن أحدٍ منهم وإن اختلفوا في أوّل الليل على ما سبق في وقت صلاة المغرب ، والمعتبر حصول العلم به مع الإمكان أو الظنّ الغالب مع تعذّره ، وقد ادّعى الإجماع عليه وإن اختلفوا في وجوب القضاء مع غلبة الظنّ كما ستعرف . ولا يجوز الإفطار بالشكّ في دخوله إجماعا ؛ لأصالة بقاء اليوم واستصحابه ولو كان ذلك الشكّ مستندا إلى عارض في السماء . ومقتضى ذلك وجوب القضاء والكفّارة أيضا لو أفطر له ولو استمرّ الاشتباه . لكن قال الشيخ في النهاية والتهذيب : لو شكّ في دخول الليل لوجود عارض في السماء ولم يعلم بدخول الليل ولا غلب على ظنّه ذلك فأفطر ، ثمّ تبيّن له بعد ذلك أنّه كان نهارا كان عليه القضاء . (1) وكأنّه أراد بذلك ما إذا حصل مع ذلك العارض ظنّ ضعيف ، وإلّا فلا وجه لسقوط القضاء عنه ؛ لما عرفت من عدم جواز فعله . ويؤيّد ذلك أنّه قال بعدما ذكر : «فإن كان قد غلب على ظنّه دخول الليل ، ثمّ تبيّن له أنّه كان نهارا لم يكن عليه شيء» . فقيّد الظنّ بالغلبة ، وهو يشعر بأنّ ما قبله الظنّ الغير الغالب ، فيوافق ما تكرّر في كلام الأصحاب من وجوب القضاء بالإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل مع عدمه ، مع غلبة الظنّ به إذا تبيّن الخطأ . وما ذكروه من عدم وجوب القضاء مع غلبة الظنّ هو المشهور بين متأخّري الأصحاب ، منهم الشيخ في النهاية على ما عرفت ، ومنهم الصدوق (2) وابن إدريس (3) بناءً على ما ادّعى من الإجماع على جواز الإفطار حينئذٍ ، فلا يستعقب القضاء . واحتجّ الشيخ بما رواه عن أبي الصباح الكنانيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ

.


1- .النهاية ، ص 155 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 ، ذيل ح 815 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 121 ، ذيل 1902 .
3- .السرائر، ج 1، ص 377 378.

ص: 142

صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة ، فأفطر ، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ؟ فقال : «قد تمّ صومه ولا يقضيه» . (1) وبما رواه زيد الشحّام ، عن أبي عبداللّه عليه السلام مثل ذلك . (2) وبما رواه في الصحيح عن زرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك ، وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا» . (3) ولأنّ التكليف هنا منوط بالظنّ ؛ لعدم العلم وقد حصل . وذهب الشيخ في المبسوط إلى وجوب القضاء ، (4) وإليه ذهب العلّامة في المنتهى ، (5) وحكاه عن السيّد المرتضى (6) والشيخ المفيد (7) وأبي الصلاح الحلبيّ ، (8) وبه قال جمهور العامّة . واحتجّ عليه بأنّه تناول ما ينافي الصوم عمدا ، فيلزمه الصوم ، ولا كفّارة عليه ؛ لحصول الشبهة وعدم العلم . وبما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير وسماعة ، وفي المختلف في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحابٌ أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فقال : «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 271 ، ح 816 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 ، ح 374 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 123 ، ح 13012 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ح 817 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 ، ح 375 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 123 ، ح 13013 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 261 ، ح 1039 ؛ وج 4 ، ص 271 ، ح 818 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 ، ح 376 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 178 ، ح 4843 ؛ وج 10 ، ص 122 ، ح 13010 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 578 .
6- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 55) .
7- .المقنعة ، ص 358 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 183 .

ص: 143

«ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» ، (1) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاءه ؛ لأنّه أكل متعمّدا» . (2) واحتجّ الجمهور بما رواه حنظلة قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننا أنّ الشمس غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر عمر من كان أفطر أن يصوم مكانه . (3) وأجاب عن أدلّة الشيخ بأنّ : الحديث الأوّل (4) في طريقه محمّد بن الفضيل ، وهو ضعيف ، وفي طريق الثاني (5) أبو جميلة ، وهو أيضا ضعيف ، والحديث الثالث (6) لا دلالة فيه على محلّ النزاع ، وهو سقوط القضاء ، والتكليف منوط باستمرار الظنّ ولم يحصل هنا ، كمن ظنّ الطهارة وصلّى ثمّ تبيّن فساد ظنّه ، وحديثنا وإن يرويه محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني عن يونس بن عبد الرحمن ، وقد توقّف ابن بابويه فيما يرويه محمّد بن عيسى عن يونس ، إلّا أنّه اعتقد بأنّه تناول ما ينافي الصوم مختارا عامدا ذاكرا للصوم ، فلزمه القضاء (7) ؟؟؟ ونحن قد ذكرنا من قبل أنّه لا وجه لتضعيف رواية محمّد بن عيسى عن يونس بما لا مزيد عليه وبيّنا صحّته ، فالقول بمدلوله قويّ . وتوقّف العلّامة في المختلف مائلاً إلى وجوب القضاء ، فقال : ونحن في هذه المسألة من المتوقّفين وإن كان الميل إلى ما رواه المفيد ؛ لأنّه أكثر في الفتيا . ورواية سماعة رواها الشيخ عن أبي بصير في الصحيح . (8)

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 ، ح 815 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 116 ، ح 377 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 121 ، ح 13009 .
3- .المعتبر للمحقق الحلّي ، ج 2 ، ص 677 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 72 . ومع مغايرة في الألفاظ في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 217 .
4- .يعني حديث أبي الصباح ، وسنده هكذا : « ... الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني» .
5- .يعنى حديث زيد الشحّام ، وسنده هكذا : «عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن أبي جميلة ، عن زيد الشحّام» .
6- .وهو صحيحة زرارة الماضية آنفا .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 578 579 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 434 .

ص: 144

باب من أكل وشرب ناسيا في شهر رمضان

باب من أكل وشرب ناسيا في شهر رمضانقد أجمع الأصحاب وفاقا لأكثر العامّة على صحّة صيام المفطر ناسيا في الصوم مطلقا . ويدلّ زائدا على ما رواه المصنّف عليه قوله عليه السلام : «رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» . (1) وخصوص ما رواه الشيخ عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزقٌ رزقه اللّه ، فليتمّ صومه» . (2) وعن داود بن سرحان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل ينسى فيأكل في شهر رمضان ، قال : «يتمّ صومه ، فإنّما هو شيء أطعمه اللّه عزّ وجلّ» . (3) وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل صام في شهر رمضان ، فأكل وشرب ناسيا ، فقال : «يتمّ صومه وليس عليه قضاء» . (4) ويؤيّدها ما روى في المنتهى عن العامّة عن عليّ عليه السلام قال : «لا شيء على من أكل ناسيا» . (5) وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتمّ صومه ، فإنّما أطعمه اللّه وأسقاه» . (6)

.


1- .التوحيد ، ص 353 ، ح 24 ؛ الخصال ، ص 417 ، باب التسعة ، ح 9 ؛ تحف العقول ، ص 50 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 369 ، ح 20769 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 277 ، ح 839 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 52 ، ح 12810 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 268 ، ح 810 . ورواه الكليني في الكافي ، باب من أكل أو شرب ناسيا في شهر رمضان ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 51 ، ح 12807 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 268 ، ح 808 . ورواه الكليني في الكافي ، باب من أكل أو شرب ناسيا في شهر رمضان ، ح 2 بإسناده عن سماعة ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 51 ، ح 12806 ؛ و ص 52 ، ح 12809 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 51 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 41 .
6- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 491 و 513 514 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 13 ؛ مسند ابن راهويه ، ج1 ، ص 107 ، ح 18 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 6 ، ص 204 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 41 ، ح 2677 .

ص: 145

باب من أفطر متعمّدا من غير عذر أو جامع متعمّدا في شهر رمضان

وعنه عليه السلام : «مَن أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر ، فإنّما هو رزقٌ رزقه اللّه » . (1) وحكى في المنتهى عن ربيعة ومالك أنّهما قالا : «يفطر الناسي أيضا» . (2) وظاهره أنّهما قالا بوجوب القضاء والكفّارة معا . ثمّ قال : احتجّ مالك بأنّ الأكل ضد (3) الصوم ؛ لأنّه كفّ فلا يجامعه ككلام الناسي في الصلاة . والجواب : أنّ الضدّ للصوم هو الأكل عمدا لا مطلق الأكل ، فإنّه نفس المتنازع فيه ، والمقيس عليه ممنوع . (4)

باب من أفطر متعمّدا من غير عذر أو جامع متعمّدا في شهر رمضانلقد أجمع أهل العلم على وجوب القضاء والكفّارة إذا فعل ما يوجبهما عمدا عالما بالتحريم ، ولا مخالف في ذلك إلّا ما سيحكى عن شاذّ من العامّة ، وهو يظهر ممّا ذكر من الأخبار وممّا سيأتي ، واختلفوا في جاهل المسألة ، فجزم العلّامة في موضع من المنتهى مع الجهل أيضا ، حيث قال : «لو فعل جاهلاً بالتحريم تعلّق به الحكم» . (5) وقد قال في موضعٍ آخر منه قبل ذلك : «لو فعل المفطر جاهلاً بالتحريم فالوجه الفساد ؛ لأنّ له طريقا إلى العلم ، فالتفريط ثابت من جهته ، فلا يسقط [الحكم ]عنه» . (6) ويمكن أن يُقال بعدم الفساد ، وأنّ الجاهل بالتحريم كالناسي ؛ لما رواه زرارة وأبو بصير ، قال : سألنا أبا جعفر عليه السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو

.


1- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 112 ، ح 717 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 159 ، ح 2230 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 ، وكان في الأصل : «لا يفطر الناسى أيضا» ، والتصويب من المصدر . وكلامها منقول في المجموع ، ج 6 ، ص 324 .
3- .في الأصل : «يفسد» وصوّبناه حسب المصدر .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 .
5- .نفس المصدر .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 569 .

ص: 146

محرم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ؟ قال : «ليس عليه شيء» . (1) ولا يبعد الفرق بين أن يكون معذورا في الجهالة ؛ لعدم إمكان التعلّم في حقّه ، وعدمه ؛ لعدم تفريط منه في الأوّل ، وكونه مقصّرا في الثاني . وفي المدارك : ذهب الأكثر إلى فساد صومه كالعالم . وقال ابن إدريس : «لو جامع أو أفطر جاهلاً بالتحريم فلا يجب عليه شيء» . (2) ونحوه قال الشيخ في موضع من التهذيب . (3) وإطلاق كلامهما يقتضي سقوط القضاء والكفّارة ، واحتمله في المنتهى إلحاقا للجاهل بالناسي . (4) وفي المعتبر : «والذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفّارة» . (5) وإلى هذا ذهب أكثر المتأخّرين ، وهو المعتمد . لنا على الحكم الأوّل : إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء ، فإنّه يتناول العالم والجاهل . ولنا على سقوط الكفّارة : التمسّك بمقتضى الأصل ، وما رواه الشيخ عن زرارة وأبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان ، أو أتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلالاً له ؟ قال : «ليس عليه شيء» . (6) لا يقال : الأصل يرتفع بالروايات المتضمّنة لترتّب الكفّارة على الإفطار المتناولة بإطلاقها للعالم والجاهل كما اعترفتم به في وجوب القضاء ، والرواية قاصرة من حيث السند ، فلا تنهض حجّة في إثبات هذا الحكم . لأنّا نقول : لا دلالة في شيء من الروايات التي وصلت إلينا في هذا الباب على تعلّق

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 569 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 603 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 53 ، ح 12813 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 386 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ذيل ح 602 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 662 .
6- .تقدّم الحديث وتخريجه آنفا .

ص: 147

الكفّارة بالجاهل ؛ إذ الحكم وقع فيها معلّقا على تعمّد الإفطار ، وهو إنّما يتعلّق مع العلم بالتحريم لذلك الفعل . بل رواية ابن سنان (1) التي هي الأصل في هذا الباب لما تضمّنت تعلّق الكفّارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمّدا من غير عذر ، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار كما تدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج بحكم تزويج المرأة في عدّتها ، حيث قال فيها : قلت : فأيّ الجهالتين [أعذر ، بجهالة أنّ ذلك محرّم عليه أم جهالته أنّها في عدّة ؟ فقال : إحدى الجهالتين] (2) أهون من الاُخرى ؟ الجهالة بأنّ اللّه حرّم ذلك عليه ، وذلك أنّه حيث لا يقدر على الاحتياط معها» فقلت : فهو في الاُخرى معذور ؟ قال «نعم» . (3) وأمّا الرواية فهي وإن كانت لا تبلغ مرتبة الصحيح لكنّها معتبرة الأسناد ؛ إذ ليس في طريقها من قد يتوقّف في شأنه ، سوى عليّ بن الحسن (4) بن فضّال ، وقال النجاشي : «إنّه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحديث ، والمسموع قوله فيه ، سمع منه شيئا كثيرا ، ولم يعثر له على زلّة فيه ولا ما يشينه ، وقلّ ما يروي عن ضعيف» . (5) ويمكن أن يستدلّ على هذا القول أيضا بقول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة فيمن لبس قميصا في حال الإحرام : «أيّ رجل ارتكب أمرا بجهالة ، فلا شيء عليه» . (6) وغير ذلك من العمومات المتضمّنة ؛ لعذر الجاهل . (7)

.


1- .الكافي ، باب مَن أفطر متعمّدا من غير عذر ... ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 205 ، ح 594 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 96 ، ح 310 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 44 45 ، ح 12789 .
2- .اُضيفت من المصدر .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 306 ، ح 1274 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 186 ، ح 676 ؛ وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 450 451 ، ح 26068 ، ومابين الحاصرتين من المدارك والمصادر .
4- .في الأصل : «الحسين» ، والتصويب من المصدر .
5- .رجال النجاشي ، ص 157 ، الرقم 676 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 72 73 ، ح 239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 248 ، ح 10558 ؛ وج 12 ، ص 488 489 ، ح 16861 .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 66 68 .

ص: 148

في المنتهي : وما يحصل من غير قصد كالغبار الذي يدخل حلقه من الطريق والذبابة ، أو يرشّ عليه الماء فيدخل مسامعه وحلقه ، أو يلقى في فِيهِ ماء فيصل إلى جوفه ، أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة ، أو يصبّ في أنفه أو حلقه شيئا كُرها ، فهذا كلّه لا يفسد الصيام بلا خلاف نعلمه من العلماء كافّة . أمّا لو اُكره على الإفطار بأن وجر في حلقه الماء كرها لم يفطر . ولو توعّده وخوّفه حتّى أكل فكذلك عندنا . وقال الشيخ : إنّه يفطر ، (1) وللشافعيّ قولان ، وقال أبو حنيفة ومالك يفطر مع الإكراه في الصورة الاُولى والثانية أيضا ، (2) [لنا] قوله عليه السلام : «رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . (3) ولأنّه غير متمكّن من الفعل في الصورتين فلا يصحّ تكليفه عقلاً ، كما لو طارت ذبابة إلى حلقه أو ذرعه القيء . (4) ولا تظنّنّ من قوله ذلك قول الشيخ بوجوب القضاء مع الوجور في الحلق أيضا ، فإنّه ما قال بذلك ، وأجمع الأصحاب وفاقا لأكثر العامّة على صحّة صومه ، بل أراد قبوله بذلك في صورة التخويف فقط . وبه قال في المبسوط ، (5) وعلّله بأنّه مع التوعّد يختار الفعل ، فيصدق عليه أنّه فعل المفطر اختيارا ، فوجب عليه القضاء ، واُجيب بمنع كون ذلك الفعل مفطرا . (6) وقال صاحب المدارك : ويكفي في الجواز ظنّ الضرر بالترك ، وربّما ظهر من عبارة الدروس أنّ ذلك إنّما يسوغ

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 569 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 398 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 398 .
4- .تقدم الحديث وتخريجه .
5- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 273 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 428 .

ص: 149

عند خوف التلف ، (1) ويدفعه إطلاق الأخبار المسوّغة للتقيّة كقوله عليه السلام في حسنة زرارة : «التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به» . (2) وفي حسنة الفضلاء : «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه [له]» (3) . (4) ثمّ المشهور بين الأصحاب أنّ كفّارة صوم شهر رمضان مخيّرة ، وهي : عتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكينا . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا ؟ قال : «عليه خمسة عشر صاعا ، لكلّ مسكين مدّ ، بمدّ النبيّ صلى الله عليه و آله أفضل» . (5) وفي الموثّق عنه عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح ، قال : «يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكينا» . قال : وقال : «إنّه خليق أن لا أراه يدركه أبدا» . (6) وعن المشرقي ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمّدا ، ما عليه من الكفّارة ؟ فكتب عليه السلام : «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوما بدلاً عن يوم» . (7) وفي الحسن عن أبي بصير وسماعة بن مهران ، قالا : سألنا أبا عبداللّه عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين ، فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ، ولم

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 276 ، الدرس 72 .
2- .الكافي ، باب التقيّة ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 214 ، ح 21392 .
3- .الكافي ، ج 2 ، باب التقيّة ، ح 18 ؛ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 214 ، ح 21393 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 70 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 207 ، ح 599 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 48 ، ح 12797 .
6- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 272 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 616 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 207 ، ح 600 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 49 ، ح 12799 .

ص: 150

يقدر على الصدقة ؟ قال : «فليصم ثمانية عشر يوما عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» . (1) وعن السيّد في أحد قوليه (2) وعن ابن أبي عقيل : (3) أنّها مرتبة العتق ، ثمّ الصيام ، ثمّ الإطعام ؛ محتجّا برواية المشرقيّ حيث دلّ قوله عليه السلام : «فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدلاً عن يوم» على تعيين العتق مع القدرة . واُجيب بأنّ الوجوب المستفاد منه أعمّ من العيني والتخييري ، وضعف الرواية بجهالة المشرقيّ على ما فسّره المصنّف في بعض المواضع من أنّه حمزة بن المرتفع . (4) نعم ، على ما ذكره الكشّيّ من أنّه هشام بن إبراهيم البغداديّ ، وحكى توثيقه عن حمدويه (5) يحتمل الصحّة ولا يضرّ الضعف لما ستعرف . والأظهر الاحتجاج عليه بما رواه الصدوق عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاريّ ، عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : هلكت [وأهلكت] ، فقال عليه السلام : وما أهلكك ؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : اعتق رقبة ، قال : لا أجِدُ ، قال : فصم شهرين متتابعين ، فقال : لا اُطيق ، قال : تصدّق على ستّين مسكينا ، قال : لا أجد ، فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله بعذق في مكتل (6) فيه خمسة عشر صاعا من تمر ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : [خذ هذا] فتصدّق بها ، فقال : والذي بعثك بالحقّ نبيّا ، ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا ، فقال : خذه فكُله أنت وأهلك ، فإنّه كفّارة لك» . (7) وفي النهاية : العذق بالفتح : النخلة ، وبالكسر : العرجون بما فيه من الشماريخ . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 207 208 ، ح 601 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 97، ح 314؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 381 382 ، ح 13644 .
2- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 672 ، والعاملي في مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 82 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 438 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 82 .
4- .الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الإرادة ، ح 5 .
5- .اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 790 ، ذيل ح 955 .
6- .المكتل : الزنبيل الكبير . مجمع البحرين ، ج 5 ، ص 460 (كتل) .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 115 116 ، ح 1885 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 46 47 ، ح 12793 ، ومابين الحاصرتين منهما .
8- .النهاية ، ج 3 ، ص 199 (عذق) .

ص: 151

ولا يضرّ جهالة (1) طريق المصنّف إلى عبد المؤمن ؛ لظهور وقوع القضيّة واشتهارها بين العامّة والخاصّة ، فقد روى في العزيز أيضا عن أبي هريرة : أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : هلكت ، فقال : «ما شأنك ؟» قال : واقعت امرأتي في رمضان ، قال : «تستطيع تعتق رقبة ؟» قال : لا ، قال : «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟» قال : لا ، قال : «فهل تستطيع أن تُطعم ستّين مسكينا ؟» قال : لا ، قال : «اجلس» ، فجلس فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله بعرف فيه تمر ، والعرف : المكتل الفخم ، قال : «فخُذ هذا فتصدّق به» ، قال : أعلى أفقر منّا ؟ فضحك النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى بدت نواجذه ، وقال : «أطعمه عيالك» . (2) وفي النهاية : في حديث المظاهر أنّه اُتي بعرق من تمر ، وهو زبيل منسوج من نسائج الخوص ، وكلّ شيء مضفور فهو عرق وعرقة بفتح الراء فيهما ، وقد تكرّر في الحديث . (3) وذهب إليه الشافعي أيضا . (4) وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على كفّارة الجمع ، رواه سماعة ، قال : سألته عن رجلٍُ أتى أهله في رمضان متعمّدا ، فقال : «عليه عتق رقبة وإطعام ستّين مسكينا وصوم شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم ، وأنّى له (5) مثل ذلك اليوم» . (6) قال الشيخ : يحتمل أن يكون المراد بالواو في الخبر التخيير دون الجمع ؛ لأنّها قد تستعمل في ذلك ؛

.


1- .في الأصل : «لجهالة» .
2- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 442 . ورواه البخاري في صحيحه ، ج 7 ، ص 236 ؛ ومسلم في صحيحه ، ج 3 ، ص 138 139 ؛ والترمذي في السنن ، ج 2 ، ص 114113 ، ح 720 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 221 .
3- .النهاية ، ج 3 ، ص 219 (عرق) .
4- .مختصر المزني ، ص 56 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 452 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 332 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 65 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 65 .
5- .في الأصل : «لك» ، والتصويب من المصدر .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 604 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 97 ، ح 315 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 54 ، ح 12815 .

ص: 152

قال اللّه تعالى : «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» (1) ، وإنّما أراد مثنى أو ثلاث أو رباع ولم يرد الجمع ، ويحتمل أيضا أن يكون هذا الحكم مخصوصا بمن أتى أهله في حال يحرم الوطي فيها ، مثل الوطئ في الحيض أو في حال الظهار قبل الكفّارة ، فإنّه متى فعل لزمه الجمع بين الكفّارات الثلاث ؛ لأنّه قد وطئ محرّما في شهر رمضان . (2) واستدلّ عليه برواية عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرِّضا عليه السلام : يا ابن رسول اللّه ، قد روي عن آبائك عليهم السلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروي عنهم عليهم السلام أيضا كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ ؟ قال : «بهما جميعا ، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة ، وإن كان ناسيا فلا شيء عليه» . (3) وبهذا التفصيل قال أكثر الأصحاب ، ولا يضرّ جهالة أكثر رواة الخبر ؛ لشهرته بين الأصحاب . وقال الصدوق رضى الله عنه : وأمّا الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان أنّ عليه ثلاث كفّارات ، فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه ؛ لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضى الله عنهفيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه . (4) فالظاهر اتّصاله بصاحب الأمر صلى الله عليه و آله .

.


1- .النساء (4) : 3 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 209 ، ح 604 .
3- .ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 3 ، ص 378 ، ح 4331 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 ، ح 605 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 97 98 ، ح 36 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 54 55 ، ح 12814 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 118 ، ذيل ح 1892 .

ص: 153

وقد جمع بعضٌ بين الأخبار بالقول باستحباب الجمع . وفي بعض الأخبار ما يدلّ على نفي الكفّارة مطلقا ، بل نفي القضاء أيضا لبعض المفطرات ؛ ففي موثّق عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل وهو صائم فجامع أهله ، فقال : «يغتسل ولا شيء عليه» . (1) وقال الشيخ قدس سره : هذا الخبر محمول على أنّه إذا جامع ناسيا دون العمد . ويحتمل أيضا أن يكون المراد من لا يعلم أنّ ذلك لا يسوغ في الشريعة . (2) واستدلّ على ذلك بموثّق زرارة وأبي بصير ، قالا جميعا : سألنا أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان وهو محرم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ، [قال : «ليس عليه شيء»] . (3) واعلم أنّه يجب القضاء أيضا مع الكفّارة إجماعا منّا ووفاقا لأكثر العامّة . ويدلّ عليه رواية عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، (4) وخبر سماعة الذي رويناه قبيل هذا ، (5) ومرسل إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض أصحابه ، (6) قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتّى يغتسل ، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام حتّى يغتسل ، فمَن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، ويتمّ صيامه ، ولن يدركه أبدا» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ذيل ح 602 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 118 ، ح 1894 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 602 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 51 ، ح 12803 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 603 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 249 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 53 ، ح 12813 .
4- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 46 ، ح 12792 .
5- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 54 ، ح 12815 .
6- .كذا في الأصل ، وفي المصادر : «عن بعض مواليه» .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 213 ، ح 618 ؛ وص 320 321 ، ح 982 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12839 ، وص 104 ، ح 12967 .

ص: 154

وخبر سليمان بن جعفر المروزيّ ، عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه» . (1) وقال الأوزاعيّ وشاذان منهم : إن كفّر بالصيام أجزأه الشهران ، وإن كفّر بغيره صام يوما للقضاء . (2) وبه قال الشافعيّ في أحد القولين . (3) ثمّ المشهور بين الأصحاب أنّ مع العجز عن الخصال الثلاث يستغفر ، ولا شيء عليه في كفّارة الصوم وفي سائر الكفّارات سوى الظهار ، وفي حكمه الإيلاء مرتّبة كانت الخصال أو مخيّرة ؛ لما رواه أبو بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة ، فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار ، فإنّه إن لم يجد ما يكفّر به حرمت أن يجامعها وفرّق بينهما ، إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها» . (4) وصحيحة عبداللّه بن سنان (5) دالّة على وجوب التصدّق بما يطيق بعد العجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان . ومثله حسنة عنه عليه السلام أنّه قال في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق على ستّين مسكينا : «يتصدّق بما يطيق» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 617 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 64 ، ح 12838 .
2- .المجموع ، ج 6 ، ص 345 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 453 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 54 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 54 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 40 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 312 ؛ التمهيد ، ج 7 ، ص 178 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 184 ، المسألة 29 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 28 . والمذكور في الجميع قول الأوزاعي ، ولم أعثر على مصدر لكلام شاذان .
3- .اُنظر المصادر المتقدّمة .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 8 ، ص 16 ، ح 50 ؛ وص 320 ، ح 1189 ؛ وسائل الشيعة ، ج 22 ، ص 367 ، ح 28799 .
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 44 45 ، ح 12789 .
6- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 206 ، ح 596 ؛ وج 8 ، ص 324 ، ح 1205 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 81 ، ح 246 ، وص 96 ، ح 313 ؛وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 46 ، ح 112791 .

ص: 155

وبه قال ابنا بابويه رضي اللّه عنهما فيها وفي كفّارة الظهار أيضا ، (1) فقد روى أبو بصير عنه عليه السلام قال : سألته عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدّق ، ولا يقوى على الصيام ، قال : «يصوم ثمانية عشر يوما ، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» . (2) وبه قال الشيخ في النهاية ، وقال : مع العجز عن صيام ثمانية عشر يوما في الظهار تحرم عليه الزوجة حتّى يقدر على الكفّارة ، (3) وهؤلاء لم يجعلوا الاستغفار بدلاً . وإليه ذهب في التهذيب في كفّارة الصوم ، حيث قال : من أفطر يوما من شهر رمضان فعليه عتق رقبة ، أو إطعام ستّين مسكينا ، أو صيام شهرين متتابعين ، أيّ هذه الثلاثة فقد أجزأه ، فإن لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر متتابعات ، فإن لم يقدر فليتصدّق بما أطاق ، أو فليصم ما استطاع . (4) وقال الشهيد قدس سره في اللمعة : وكلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن صومهما أجمع صام ثمانية عشر يوما ، فإن عجز تصدّق ، [يعني] عن كلّ يوم [من الثمانية عشر ]بمدّ ، فإن عجز استغفر اللّه . (5) وظاهره أنّ الحكم كذلك في كفّارة الظهار أيضا ، وجمع بذلك بين الأخبار . ويؤيّد هذين القولين صحيحة عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش ، قال : «عليه بدنة» ، قلت : فإن لم يقدر على بدنة ؟ قال : «فليطعم ستّين مسكينا» ، قلت : فإن لم يقدر على أن يتصدّق ؟ قال : «فليصم ثمانية عشر يوما» ، (6) الحديث . وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «مَن أصاب شيئا فداؤه بدنة من

.


1- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 236 ؛ المقنع ، ص 192 و 323 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 8 ، ص 23 ، ح 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 372 ، ح 28813 .
3- .النهاية ، ص 524 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 205 ، الباب 55 .
5- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 77 ؛ شرح اللمعة ، ج 3 ، ص 30 .
6- .الكافي ، باب كفّارات ما أصاب المحرم من الوحش ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 9 ، ح 17105 .

ص: 156

الإبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكينا ، كلّ مسكين مدّا ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان عشرة مساكين ثلاثة أيّام» . (1) وقد ورد في موثّق إسحاق بن عمّار ، عنه عليه السلام ، أنّه قال في كفّارة الظهار : «إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه ، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ، ثمّ ليواقع ، وقد أجزأ ذلك عنه عن الكفّارة ، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر به يوما من الأيّام فليكفّر ، وإن تصدّق بكفّه فأطعم نفسه وعياله فإنّه يجزيه إذا كان محتاجا ، وإلّا يجد ذلك فليستغفر ربّه وينوي أن لا يعود ، فحسبه بذلك واللّه كفّارة» . (2) وبه قال العلّامة في المختلف (3) والشيخ في قول آخر . (4) ثمّ اعلم أنّ عقوبة إفطار شهر رمضان ليست منحصرة في القضاء والكفّارة ، بل يقتل من أفطره مستحلّاً إن كان فطريّا ، وإلّا استتيب ، كتارك الصلاة كذلك ؛ لكون الصوم أيضا من ضروريّات الإسلام . ويؤكّد ذلك صحيحة بريد . (5) وبعد تعزيرين لامستحلّاً عند أكثر الأصحاب ؛ (6) لرواية سماعة . (7) وقيل : بعد ثلاث تعزيرات ؛ لما رواه الشيخ مرسلاً عنهم عليهم السلام أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة . (8) ويؤيّده الاحتياط في الدماء . ولو أفطر مرارا بدون مرافعة إلى الحاكم ووقوع التعزير فلا قتل وإن زاد على

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 343 ، ح 1187 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 13 ، ح 17115 .
2- .الكافي ، ج 7، ص 461 ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 8 ، ص 320 321 ، ح 1190 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 56 ، ح 196 ؛ وسائل الشيعة ، ج 22 ، ص 368 ، ح 28802 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 7 ، ص 435 .
4- .الاستبصار ، ج 4 ، ص 56 ، ذيل ح 196 .
5- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ و كتاب الحدود ، باب المرتدّ ، ح 20 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 117 ، ح 1890 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 215 ، ح 624 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 248 249 ، ح 13334 .
6- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 116 .
7- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 249 ، ح 1335 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 129 ، وج 2 ، ص 284 .

ص: 157

الأربع ، ولو وطأ زوجته مكرهة يتحمّل عنها الكفّارة والتعزير ، فيجب عليه كفّارتان ، ويعزّر خمسين سوطا ، كما يدلّ عليه خبر المفضّل بن عمر ، (1) واشتهر بين الأصحاب . (2) وفي المنتهى والمعتبر : «أنّ هذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّ أصحابنا ادّعوا الإجماع على مضمونها» . (3) ولكنّ الصدوق رضى الله عنه قال : «لم أجد ذلك في شيء من الاُصول ، وإنّما تفرّد برواية عليّ بن إبراهيم بن هاشم» . (4) واُيّد ذلك بأنّ ذلك التحمّل فرع فساد صومها ووجوب الكفّارة عليها ووجوب تعزيرها ، وهذه كلّها منفيّة للإكراه ، والأوّل أظهر ؛ للرواية وعمل الأصحاب بها . قوله في صحيحة عبداللّه بن سنان : (ويصوم شهرين متتابعين) . [ح1/6382] قال طاب ثراه : التتابع معتبر عندنا (5) وعند أكثر العامّة ، وأسقطه ابن أبي ليلى ، (6) وقال الآبي : واختلف القائلون بلزوم الكفّارة على من أفطر متعمّدا ، فأئمّة الفتوى على أنّ الصوم فيه شهران متتابعان ، وعن ابن المسيّب أنّه شهر واحد ، (7) وعن ربيعة إنّه اثني عشر يوما . (8) قوله : (أو يطعم ستّين مسكينا) .[ح1 /6382] قال طاب ثراه : «هذا هو العدد المعتبر عندنا وعند أكثر العامّة ، وعن الحسن : أنّه

.


1- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 56 ، ح 12820 .
2- .المقنعة ، ص 348 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 275 ؛ الوسيلة ، ص 146 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 681 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 483 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 88 ، المسألة 50 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 ؛ جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 70 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 37 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 ، واللفظ له ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 681 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 117 ، ذيل ح 1889 .
5- .اُنظر : الاقتصاد ، ص 291 ؛ الوسيلة ، ص 145 ؛ الغنية ، ص 142 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 411 ؛ المختصر النافع ، ص 72 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 574 .
6- .اُنظر : منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 574 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 345 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 72 .
7- .المحلى لابن حزم ، ج 11 ، ص 135 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 195 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 329 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 51 .
8- .الخلاف ، ج 2 ، ص 194 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 329 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 51 .

ص: 158

يطعم أربعين عشرين صاعا» . (1) قوله في حسنة جميل بن درّاج : (فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر) . [ح2 / 6383] قال طاب ثراه : المكتل بكسر الميم وفتح التاء : الزبيل بفتح الزاي دون نون ، (2) ويُقال له : الزنبيل بكسر الزاي وزيادة النون ، (3) ويُقال له : القفة (4) أيضا ، ثمّ قال : مثله مذكور في صحيح مسلم ، (5) وقال محيي الدِّين البغوي : أكثر الاُمّة على وجوب الكفّارة على الواطي عمدا ؛ لهذا الحديث ، ولقوله : «هلكت» ، وشذّ بعضهم فقال : لا يجب ، واحتجّ بقوله : «وأطعمه عيالك» . وأحسن ما يحمل عليه الحديث عندنا أنّه أباح له تأخيرها إلى وقت اليسر ، لا أنّه أسقطها عنه جملة . وقال الآبي : قال ابن العربي : هذا رخصة لهذا الرجل خاصّة ، وأمّا اليوم فلابدّ من الكفّارة . وقال عياض : قال الزهري : هذا خالص لهذا الرجل ، أباح له أن يأكل من صدقة نفسه ؛ لسقوط الكفّارة عنه لفقره . (6) وقيل : هو منسوخ ، وقد يحتمل أنّه أعطاه ليكفّر به ويجزيه إذا أعطاه من لا يلزمه نفقته من أهله . وقيل : لمّا كان عاجزا عن نفقة عياله ما أعطاه الكفّارة عن نفسه لهم . وقيل : لمّا ملكها وهو محتاج جاز له ولأهله أكلها ؛ لحاجتهم . وقيل : يحتمل أنّه لمّا كان لغيره أن يكفّر عنه جاز لغيره أن يتصدّق عليه عند الحاجة

.


1- .شرح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 229 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 147 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 27 .
2- .ترتيب كتاب العين ، ج 3 ، ص 1555 (كتل) .
3- .صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1715 .
4- .النهاية ، ج 4 ، ص 91 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 116 .
5- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 138 139 ، وتقدّم الحديث وتخريجه .
6- .اُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 222 .

ص: 159

باب الصائم يقبِّل أو يباشر

بتلك الكفّارة . وترجم البخاري : عليه إطعام الجائع من كفّارة أهله وهم محاويج . وقيل : هو جائز إذا عجز عن نفقته ؛ إذ لا يلزمه نفقتهم حينئذ ، فهم كغيرهم . وقال أحمد : حكم من لزمته كفّارة ولم يجدها السقوط ، كهذا الرجل .

باب الصائم يقبِّل أو يُباشرلقد أجمع علماء الإسلام على أنّ تقبيل النساء وملاعبتهنّ وملامستهنّ مجرّدة عن الإنزال غير مفطر ، بل غير محرّم . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين ، فقد روى الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا تنقض القُبلة الصوم» . (1) وعن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن القبلة في شهر رمضان للصائم ، أيفطره ؟ فقال : «لا» . (2) وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم ، فقال : «لا بأس ، وإن أمذى فلا يفطر» . (3) وعن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الصائم أله أن يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك ؟ قال : «لا بأس» . (4) ويستفاد ذلك من كثير ممّا تقدّم من الأخبار . وفي العزيز : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يقبِّل وهو صائم . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ح 819 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 99 100 ، ح 12951 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ح 820 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 ، ح 12953 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 823 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 83 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 128 ، ح 13025 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 978 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 102 ، ح 12962 .
5- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 397 . والحديث في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 193 و 215 و 256 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 12 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 25 ، و ج 3 ، ص 135 و 136 ؛ وسنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 538 ، ح 1685 .

ص: 160

وعن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يقبّل بعض نسائه وهو صائم ، وكان أملككم لإربه . (1) والظاهر من الأخبار والمشهور بين العلماء الأخيار كراهتها للشابّ الشبق خاصّة ، وبه صرّح المحقّق في المعتبر (2) والعلّامة في المنتهى والتذكرة . (3) وقال الشيخ في الخلاف : تكره القُبلة للشابّ إذ كان صائما ، ولا تكره للشيخ . وبه قال ابن عمر وابن عبّاس . (4) وقال الشافعيّ : يكره لهما إذا حرّكت الشهوة ، وإلّا لم تكره . (5) وقال مالك : تكره على كلّ حال . (6) وبه قال عمر بن الخطّاب . وقال ابن مسعود : لا تكره على كلّ حال . (7) ثمّ استدلّ على ما ذهب إليه بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط . وعدّها في المبسوط في ذيل المكروهات من غير تقييد بالشابّ الشبق ، (8) وظاهره الكراهة مطلقا للشابّ الشبق وغيره ، وإليه ميله في التهذيب حيث قال بعدما روى رواية سماعة المتقدّمة _ : «وقد روي كراهة القبلة للصائم مخافة أن يسبق الإنسان شهوته وخاصّة للشابّ» . (9) وهو ظاهر العلّامة في الإرشاد . (10)

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 397 . والحديث في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 42 و 44 و 98 و 126 و 156 و 201 و 220 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 233 ؛ وصحيح مسلم ، ج 3 ، ص 135 .
2- .المعتبر ، ج 2 ، ص 663 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 25 .
4- .مختصر المزني ، ص 57 .
5- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 107 ؛ مختصر المزني ، ص 57 .
6- .المغني ، ج 3 ، ص 48 .
7- .الخلاف ، ج 2 ، ص 197 ، المسألة 48 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 355 . و روي البيهقي في السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 234 : أنّ ابن مسعود كان يباشر امرأته بنصف النهار وهو صائم . ورواه أيضا عبد الرزّاق في المصنّف ، ج 4 ، ص 190 191 ،8442 ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 90 ، والطبراني في المعجم الكبير ، ج 9 ، ص 314 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ذيل ح 820 .
10- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 453 .

ص: 161

وبه قال الصدوق رضى الله عنه : ولا بأس بالقبلة للصائم للشيخ الكبير ، وأمّا الشابّ الشبق فلا ، فإنّه لا يؤمن أن تسبقه شهوته ، وقد سُئل النبيّ صلى الله عليه و آله عن الرجل يقبِّل امرأته وهو صائم ، قال : «هل هي إلّا ريحانة يشمّها» ، وأفضل ذلك أن يتنزّه الصائم عن القبلة . (1) ويدلّ على المشهور زائدا على ما رواه المصنّف في الباب صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه سُئل : هل يباشر الصائم أو يقبِّل في شهر رمضان ؟ فقال : «إنّي أخاف عليه ، فليتنزّه عن ذلك إلّا أن يثق ألاّ يسبقه منيّه» . (2) وخبر الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، اُقبِّل وأنا صائم ؟ فقال له : «عفّ صومك ، فإن بدو القتال اللطام» . (3) وقال الصدوق : قد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أما يستحى أحدكم أن يصبر يوما إلى الليل ، أنّه كان يُقال إنّ بدو القتال اللّطام» . (4) وروى الصدوق عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سأله عن الرجل يجد البرد ، أيدخل مع أهله في لحاف وهو صائم ؟ قال : «يجعل بينهما ثوبا» . (5) وفي المنتهى روى الجمهور عن عمر بن الخطّاب ، قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله في المنام فأعرض عنّي ، فقلت : ما لي ؟ فقال : «إنّك تقبِّل وأنت صائم» . (6) وظاهر الأصحاب الكراهة وإن غلب على ظنّه الإنزال ، ففي المنتهى : ولو غلب على ظنّه الإنزال فهل هي محرّمة أو مكروهة ؟ الأكثر على أنّها مكروهة ،

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 113 ، ح 1874 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 272 ، ح 821 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 251 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 ، ح 12952 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 822 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 ، ح 12954 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 113 ، ح 1875 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 98 ، ح 12944 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 115 ، ح 1882 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 98 ، ح 12946 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 . والحديث في المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 48 ؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 74 ؛ وشرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 88 ؛ وكنز العمّال ، ج 8 ، ص 616 ، ح 24404 .

ص: 162

وقال بعض الشافعيّة : إنّها محرّمة حينئذٍ ؛ لأنّ إنزال الماء مفسد للصوم ، فلا يجوز أن يعرّض الصوم للإفساد . (1) ثمّ أجاب عنه : بأنّ أفضاءه إلى الإفساد مشكوك فيه فلا يثبت التحريم بالشكّ . واستدلّ على ما ذهب إليه بما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الكراهة . ولو تسبّبت عن الإنزال ، فظاهر الأصحاب وجوب القضاء والكفّارة مطلقا ، قصد الإنزال أو لا ، كانت علّة في العادة له أم لا ، بل اتّفق ، ففي المنتهى : «الإنزال (2) نهارا مفسدٌ للصوم مع العمد ، سواءً أنزل باستمناء أو ملامسة أو قبلة بلا خلاف» . (3) وقال في الخلاف : إذا وطأ فيما دون الفرج أو باشرها أو قبّلها بشهوة فأنزل كان عليه القضاء والكفّارة ، وبه قال مالك . (4) وقال الشافعي : (5) لا كفّارة عليه ويلزمه القضاء . (6) واحتجّ على ما ذهب إليه بإجماع الفرقة والاحتياط ، ويدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني ؟ قال : «عليه [من الكفارة] مثل ما على الذي يجامع» . (7) ورواية سماعة ، قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : «عليه إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين مدّ» . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 .
2- .في الأصل : «الإفساد»، والمثبت من المصدر.
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
4- .المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 196 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 343 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 290 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 131 .
5- .مختصر المزني ، ص 57 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 290 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 131 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 198 .
7- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 206 207 ، ح 597 ؛ وص 273 ، ح 826 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 81 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12776 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 980 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12779 .

ص: 163

وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق ؟ قال : «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين أو يعتق رقبة» . (1) وربّما استدلّ عليه بأنّه أنزل في نهار شهر رمضان عقيب فعل يحصل معه الإنزال . (2) ونفى ابن الجنيد الكفّارة إلّا مع قصد الإنزال ، وقال : «لو أنزل من غير قصد كان كالمتمضمض للتبرّد ، فينبغي أن لا تجب الكفّارة عليه» . واُجيب بأنّه وإن لم يقصد الإنزال لكن قد قصد فعلاً يحصل معه ، فكان كالمجامع . (3) هذا ، وقد سوّى ابن الجنيد بين المذي والمني في الحكم المذكور ، حيث قال : «لا بأس بالملامسة ما لم يتولّد منه مني أو مذي ، فإن تولّد ذلك وجب القضاء وإن اعتمد إنزال ذلك وجب القضاء والكفّارة» ، (4) وكأنّه استند في ذلك بخبر رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لامسَ امرأته في شهر رمضان فأمذى ؟ قال : «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفار من لا يعود أبدا ، ويصوم يوما مكان يوم ، وإن كان من حلال فليستغفر اللّه ولا يعود ، ويصوم يوما مكان يوم» . (5) وقال الشيخ في الاستبصار : «فهذا خبر شاذّ مخالف لفتيا أصحابنا ويوشك أن يكون وهما من الرواي ، أو يكون خرج مخرج الاستحباب دون الفرض والإيجاب» . (6) وقال في التهذيب : ولعلّ الراوي وَهَمَ في قوله في آخر الخبر : «ويصوم يوما مكان يوم» ؛ لأنّ متضمّن الخبر يدلّ عليه ، ألا ترى أنّه شرع في الفرق بين أن يكون أمذى من مباشرة حرام [وبين أن

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 981 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12780 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 436 .
3- .نفس المصدر ، ص 436 437 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 435 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 273 ، ح 825 ؛ وص 320 ، ح 979 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 129 ، ح 13027 .
6- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ذيل ح 255 .

ص: 164

يكون من مباشرة]حلال ، ولا فرق في الرواية التي رواها ، فعلم أنّه وهم من الراوي . (1) والرواية على ما رواها في الفقيه عن هذه المؤاخذة سالمة . روى في الصحيح أنّ رفاعة بن موسى سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لامسَ جاريته في شهر رمضان فأمذى ، قال : «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفار من لا يعود أبدا ، ويصوم يوما مكان يوم» . (2) ولا يبعد حمل المذي على المني ، وربّما حمل على الاستحباب . وبالجملة ، فلا ريب في عدم وجوب القضاء به ؛ لما روي عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم ، فقال : «لا بأس وإن أمذى فلا يفطر» ، قال : «وقال : «لَا تُبَ_شِرُوهُنَّ» (3) يعني الغشيان (4) في شهر رمضان بالنهار» . (5) وعنه قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان وهو صائم ، فقال : «ليس عليه شيء ، وإن أمذى فليس عليه شيء ، والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ، ولا ينبغي [له] أن يتعرّض لرمضان» . (6) وأمّا النظر والكلام فقد قال الشيخ المفيد قدس سره : إنّه لا شيء عليه وإن أمنى . (7) واحتجّ الشيخ عليه بخبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فأمنى ، فقال : «لا بأس» . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 273 ، ذيل ح 825 ، ومابين الحاصرتين منه .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 113 114 ، ح 1876 .
3- .البقرة (2) : 187 .
4- .في الأصل : «يعني النساء» ، والتصويب من المصدر .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 823 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 83 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 101 ، ح 12955 ؛ وص 121 ، ح 13025 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 824 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 254 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 128 ، ح 13026 .
7- .المقنعة ، ص 433 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 273 ، ح 828 .

ص: 165

باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان وغيره

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، ولا يبعد أن يُقال بوجوب القضاء بل الكفّارة أيضا إذا كانت عادته الإمناء وقصده .

باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان وغيره فترك الغسل إلى أن يصبح ، أو احتلم بالليل والنهارهنا مسائل : الاُولى : مَن أجنب ليلاً وتعمّد البقاء على الجنابة حتّى طلع الفجر وجب عليه القضاء والكفّارة ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل ربّما ادّعي عليه الإجماع . (1) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح ، قال : «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا» ، قال : وقال : «إنّه لخليق أن لا أراه يدركه أبدا» . (2) وعن سليمان بن جعفر المروزي ، عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل صومه» . (3) ويؤكّده الأخبار المتكثّرة التي دلّت على وجوب القضاء للنوم على الجنابة إلى أن يطلع الفجر ، وسيأتي من طرق العامّة عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «مَن أصبح

.


1- .الانتصار ، ص 185 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 222 ، المسألة 87 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 26 ؛ كشف الرموز ، ج 1 ، ص 284 . وانظر : المراسم العلويّة ، ص 96 97 ؛ المختصر النافع ، ص 66 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 655 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 142 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 160 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 476 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 616 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 272 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 617 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 64 ، ح 12838 .

ص: 166

جنبا في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه» . (1) وحكي عن ابن عقيل أنّه أوجب عليه القضاء خاصّة ، وكأنّه احتجّ عليه بما سيأتي من الأخبار الواردة في وجوب القضاء خاصّة بالنوم على الجنابة ، كما حكى عنه في المختلف . (2) وفي المنتهى أنّه احتجّ عليه بما رواه إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتّى أصبح ؛ أيّ شيء عليه ؟ قال : «لا يضرّه هذا [ولا يفطر ولا يبالي] ، فإِنّ أبي عليه السلام قال : قالت عائشة : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام ، قال : لا يفطر ولا يبالي ، ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتّى يصبح ، أي شيءٍ يجب عليه ؟ قال : لا شيء عليه يغتسل . ورجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل ولم يصب ماءً فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه فعسر عليه حتّى أصبح ، كيف يصنع ؟ قال : يغتسل إذا جاءه ، ثمّ يصلّي» . (3) ولم أعثر على وجه الدلالة . ويظهر من السيّد المرتضى رضى الله عنه الميل إلى هذا القول حيث قال في الجمل : وقد روي أنّه من أجنب في ليالي شهر رمضان وتعمّد البقاء على جنابته إلى الصباح من غير اغتسال كان عليه القضاء والكفّارة ، وروي أنّ عليه القضاء دون الكفّارة . (4) ويظهر من المختلف (5) أنّ الصدوق رضى الله عنهقال في المقنع (6) بعدم وجوب القضاء أيضا محتجّا

.


1- .حكاه المرتضى في الانتصار ، ص 186 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 671 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 48 ؛ والجصّاص في أحكام القرآن ، ج 1 ، ص 237 . وورد بلفظ : «من أصبح جنبا فلا صوم له» في : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 424 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 308 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 184 ، وص 203 وفيه : «فلا يصم» .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 407 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 573 . والحديث في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 619 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ح 266 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 59 ، ح 12826 . ومابين الحاصرتين من تهذيب الأحكام . وحديث عائشة في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 313 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ص 55) .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 409 .
6- .المقنع ، ص 189 .

ص: 167

بأصالة براءة الذمّة من القضاء والكفّارة ، وضعف الأدلّة الدالّة عليهما ، وبقوله تعالى : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ» (1) . وتدلّ عليه رواية سليمان بن أبي زينبة ، قال : كتبت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلامأسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، فكتب إليَّ بخطّه أعرفه مع مصادف : «يغتسل من جنابته ، ويتمّ صومه ولا شيء عليه» . (2) وسأل حمّاد بن عثمان أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل فأخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، فقال له : «قد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجامع نساءه من أوّل الليل ويؤخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب : يقضي يوما مكانه» . (3) وصحيحة حبيب الخثعميّ عن الصادق عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثمّ يجنب ، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّدا حتّى يطلع الفجر» . (4) وقد حملت هذه الأخبار على التقيّة ؛ لأنّ ذلك قول العامّة كافّة . قال طاب ثراه : قالوا ذلك متمسّكين بروايات كثيرة ، ذكر مسلم في كتابه منها ستّة بلا معارض ، وقد نقل الآبي : أنّ أبا حنيفة كان أوّلاً قائلاً باشتراط الغسل للصوم ، ثمّ رجع عنه وقال بخلافه لمّا بلغه عن عائشة واُمّ سلمة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يصبح جنبا ثمّ يصوم . (5)

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 10 ، ص 210 ، ح 609 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ح 265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 58 ، ح 12825 .
3- .المقنع ، 189 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 57 58 ، ح 12823 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 620 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 276 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12840 .
5- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 137 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 71 عن عائشة وحدها ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2 ، ص 185 ، ح 2966 عن اُمّ سلمة ، وص 193 ، ح 3018 عن عائشة .

ص: 168

وقال المازريّ : الصحيح أنّ أبا هريرة رجع عن هذا المذهب ، وقيل : لم يرجع . وأمّا الآية فقد قالوا : إنّ «حتّى» فيها قيد للجملة الأخيرة ، يعني «كلوا واشربوا» على ما تقرّر في الاُصول من عود القيود الواقعة بعد جمل متعدّدة إلى الأخيرة ، والاحتياج في عوده إلى غيرها إلى دليل ، والتقرير المذكور ممنوع ، بل الأظهر عوده إلى كلّ من الجمل المتعدّدة حتّى يثبت خلافه ، لاسيّما وقد دلّت الأخبار التي منها صحيحة على سقوط القضاء ، وهو مُؤيّد للعود المذكور وإمكان حمل أخبار المعارضة على الاستحباب ، إلّا أن يتمسّك بالاحتياط . ونِعْمَ ما قال المحقّق الأردبيلي قدس سره : وأكثر الأصحاب على اشتراطه ، يعني الغسل ، وابن بابويه على عدمه ، والأخبار مختلفة . والظاهر مذهب ابن بابويه ؛ للأصل والرواية الصريحة ، بل ظاهر الآية حيث دلّت على جواز الرفث والمباشرة في جميع أجزاء الليل والشريعة السهلة ، وأولويّة الجمع بين الأدلّة بحمل ما يدلّ على الغسل ليلاً على الاستحباب ، ولكنّ الاحتياط مع الجماعة . (1) الثانية : قد اشتهر بين الأصحاب أنّ النوم على الجنابة في الليل حتّى يطلع الفجر من غير قصد للغسل في حكم العمد . (2) ويدلّ عليه خبر إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتّى يغتسل ، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام ساعة حتّى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتمّ صيامه ، ولن يدركه أبدا» . (3)

.


1- .زبدة البيان ، ص 174 .
2- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 406 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 75 76 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 213 ، ح 618 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12839 .

ص: 169

وعارضه خبر إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتّى أصبح ، أيّ شيءٍ عليه ؟ قال : «لا يضرّه هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإنّ أبي عليه السلام قال : قالت عائشة : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» . (1) وهو يؤكّد ما ذكره المحقّق الأردبيلي قدس سره . و[لو كان] ناويا للغسل [فنام] إلى طلوع الفجر بالنوم الأوّل بعد الجنابة لا شيء عليه ، بل يغتسل ويتمّ صومه ، وبالنوم الثاني يجب القضاء دون الكفّارة ، وإن نام ثالثا فعليه القضاء والكفّارة . ولم أعثر على دليل عليه ، وما استدلّوا عليه به [لا ]دلالة له . والأخبار الواردة في هذا الباب إنّما تدلّ على وجوب القضاء فقط مطلقا ، وهي صحيحة الحلبيّ ، (2) ومحمّد بن مسلم ، (3) وخبر إبراهيم بن ميمون ، (4) وخبر سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتّى يدركه الفجر ، فقال : «عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوما آخر» . قلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان ، قال : «فليأكل يومه ذلك وليقض ، فإنّه لا يشبه رمضان شيء من الشهور» . (5) وصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح ، قال : «يصوم يومه ويقضي يوما آخر ، وإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه وجاز له» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 619 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 275 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 59 ، ح 12826 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .
4- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 611 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 _ 68 ، ح 12845 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 119 120 ، ح 1898 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 62 ، ح 12832 .

ص: 170

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : «يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم ، إلّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه» . (1) وعن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ، ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّدا ، قال : «يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه» . (2) ولا دلالة فيها إلّا على وجوب القضاء بالنوم الأوّل ، أعني الشقّ الأوّل من التفصيل ، والباقيان لا دلالة عليهما . وفي استدلال الشيخ في التهذيب على ذلك التفصيل تأمّل . الثالثة : لو قلنا باشتراط الغسل لصوم شهر رمضان فالظاهر اشتراطه لغيره أيضا من الصوم الواجب ، ففي المقنعة : «ومن أصبح جنبا في يوم قد كان بيّت له النيّة للصيام لقضاء شهر رمضان أو التطوّع لم يجز له صيامه» . (3) واستدلّ له الشيخ بما رواه في الصحيح عن ابن سنان والظاهر أنّه عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقضي رمضان من أوّل الليل ، ولا يغتسل حتّى آخر الليل ، وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : «لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره» . (4) وفي الصحيح عنه أيضا قال : كتبت إلى أبي عبداللّه عليه السلام وكان يقضي شهر رمضان قال : إنّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ، فلم أغتسل حتّى طلع الفجر ، فأجابه : «لا

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 613 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 87 ، ح 270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 60 ، ح 12829 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 212 ، ح 614 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12834 .
3- .المقنعة ، ص 360 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 277 ، ح 837 ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 120 ، ح 1899 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12843 .

ص: 171

باب كراهية الارتماس في الماء للصائم

تصم هذا اليوم وصم غدا» . (1) ويتمّ التقريب بضميمة عدم الفرق بين قضاء رمضان وغيره من الواجب كصوم النذر وغيره ، وعدم القول بالفصل بينهما ، وبذلك يظهر ضعف ما قال العلّامة في المنتهى : هل يختصّ هذا الحكم برمضان ؟ فيه تردّد ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ، ولا قياس يدلّ عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا . (2) وأمّا الصوم المندوب فقد روى الصدوق في الصحيح عن حبيب الخثعمي ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أخبرني عن التطوّع وعن هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل ، فأعلم أنّي أجنبت وأنام متعمِّدا حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم ؟ قال : «صم» . وهو يدلّ على اشتراط الغسل فيه ، ولا يبعد أن يجعل هذا أيضا مؤيّدا للاستحباب الواجب . (3)

باب كراهية الارتماس في الماء للصائميحتمل أن يريد بالكراهة المعنى المصطلح ، كما اختاره السيّد المرتضى ، (4) وبه قال مالك (5) وأحمد ، (6) وأن يريد الحرمة ، والأخبار أيضا تحتملهما . فإن قيل : الحرمة أظهر ؛ لظهور النهي في الحرمة ، لا سيّما الخبر الأخير حيث شرك بين الصائم والمحرم في هذا الحكم ، (7) ولا ريب في حرمته على المحرم ؟

.


1- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12844 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 566 567 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 82 ، ح 1788 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 68 ، ح 12846 .
4- .حكاه عنه الشيخ في الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 400 .
5- .حكاه عنه السيّد المرتضى في الانتصار ، ص 185 ، والمحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 656 ، والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 32 .
6- .حكاه عنه المحقق في المعتبر ، ج 2 ، ص 656 ، والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 32 .
7- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12769 .

ص: 172

قلنا : معارض ذلك بما رواه الشيخ عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يكره للصائم أن يرتمس في الماء» . (1) ويؤيّده الأصل . وعلى الحرمة هل يوجب شيئا أم لا ؟ الظاهر أنّه لا يفسد الصوم ولا يوجب قضاء ولا كفّارة ؛ لأصالة البراءة وعدم دليل عليه ، بل روي عن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا ، أعليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال : «ليس عليه قضاء ولا يعودن» . (2) واختاره الشيخ في الاستبصار حيث قال فيه : «ولست أعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفّارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء» . (3) والعلّامة في المنتهى . (4) وذهب المفيد قدس سره إلى أنّه موجب للقضاء والكفّارة . (5) واختاره الشيخ في المبسوط والنهاية ، (6) وهو غريب . وعن ابن أبي عقيل : «أنّه سائغ مطلقا» ، (7) وظاهره نفي الكراهة أيضا ، وهو المشهور بين الجمهور ، (8) والمراد بالارتماس غمس الرأس وإن انفرد عن غمس الجسد كما يظهر من أكثر الأخبار . وأمّا الاستنقاع في الماء فالمشهور كراهته للنساء دون الرجال ، وأنّ النهي في خبر حنّان بن سدير (9) ورد على الكراهة .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 ، ح 606 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 38 ، ح 12774 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 210 ، ح 607 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 85 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 43 ، ح 12785 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ذيل ح 263 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 .
5- .المقنعة ، ص 344 .
6- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 270 ؛ النهاية ، ص 154 .
7- .حكاه عنه العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 50 ؛ ومختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 400 .
8- .اُنظر : المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 3 ، ص 45 ؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 45 .
9- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12771 .

ص: 173

باب المضمضة والاستنشاق للصائم

ونقل عن أبي الصلاح أنّه قال : «إذا جلست المرأة في الماء إلى وسطها لزمها القضاء» . (1) وعن ابن البرّاج أنّه أوجب الكفّارة أيضا بذلك . (2) وألحق الشهيد قدس سره في اللمعة بالاُنثى الممسوخ والخُنثى ؛ للاشتراك في العلّة . (3) وكذا المشهور كراهة بلّ الثوب على الجسد لكن مطلقا كما هو ظاهر الإطلاق في خبر عبداللّه بن سنان ، (4) ومرسل سهل بن زياد . (5) وروى الشيخ عن الحسن بن راشد ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : «لا» ، قلت : تقضي الصوم ؟ قال : «نعم» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «أوّل من قاس إبليس» ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء ؟ قال : «نعم» ، قلت : فيبلّ ثوبا على جسده ؟ قال : «لا» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «من ذاك» . (6) وحمل النهي فيها على الكراهة ؛ جمعا بينها وبين صحيح محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء» ، (7) ويؤيّده أصالة الإباحة .

باب المضمضة والاستنشاق للصائمفي المنتهى : لو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء كافّة ، سواء كان في الطهارة وغيرها ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعمر لمّا سأله عن القُبلة : «أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم ؟»

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
3- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 50 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12768 .
5- .هو الحديث السادس من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12769 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ح 807 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12770 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 591؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 260 ؛ . ورواه الكليني في الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12767 .

ص: 174

فقال : لا بأس ، فقال : «فمه» . (1) ولأنّ الفم في حكم الظاهر فلا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين ، أمّا لو تمضمض فدخل الماء حلقه ، فإن تعمّد ابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفّارة ، وهو قول كلّ من أوجبها بالأكل والشرب ، وإن لم يقصده بل كان ابتلاعه بغير اختياره ، فإن كان قد تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفّارة ، وإن كان للتبرّد والعبث وجب عليه القضاء خاصّة . وهو قول علمائنا . وقال الشافعيّ : إن لم يكن بالغ فسبق الماء فقولان ؛ أحدهما يفطر ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزنيّ . والثاني : لا يفطر ، وبه قال الأوزاعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، واختاره الربيع والحسن البصريّ . (2) وإن بالغ بأن زاد على ثلاث مرّات ، فوصل الماء إلى جوفه فأفطر قولٌ واحد ، وبه قال أحمد . (3) وروي عن عبداللّه بن عبّاس أنّه إن توضّأ لمكتوبة لم يفطر وإن كان للنافلة أفطر ، (4) وهو رواية الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (5) وبه قال النخعيّ . 6 لنا : أنّه إذا توضّأ للصلاة فعل فعلاً مشروعا ، فلا يترتّب عليه عقوبة ؛ لعدم التفريط شرعا ، ولأنّه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ، فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه ، أمّا إذا كان متبرّدا أو عابثا فلأنّه فرّط بتعريض الصوم للإفساد ، فلزمته العقوبة للتفريط ، ولأنّه وصل إلى حلقه بفعل منهيّ عنه فأشبه المتعمّد ، ولا كفّارة عليه ؛ لأنّه غير

.


1- .مسند أحمد ، ج 1 ، ص 21 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 431 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 218 و 261 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 199 200 ، ح 3048 .
2- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 393 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 327 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 44 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 44 .
3- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 44 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 44 .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 327 .
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 999 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 70 71 ، ح 12852 . وفي رواية الكافي ينقل حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وفي رواية التهذيب يروي حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام .

ص: 175

قاصد للإفساد والتهتّك . ويؤيّد ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن سماعة (1) الخبر ، وعن الريّان بن الصلت (2) الخبر . احتجّ أبو حنيفة بأنّه أوصل الماء إلى جوفه ذاكرا لصومه ، فأفطر كما تعمّد شربه . (3) والجواب : الفرق ؛ لأنّه فعل فعلاً مشروعا فيما ادّعينا سقوط القضاء فيه من غير إسرافٍ بخلاف المتعمّد ، ثمّ قال : حكم الاستنشاق حكم المضمضة على تردّد ؛ لعدم النصّ فيه ونحن لا نقول بالقياس . (4) انتهى . والظاهر عدم وجوب شيء فيه أصلاً إذا لم يتعمّد الإيصال إلى الجوف ، وإن قلنا بالقضاء في المضمضة ؛ لأنّ الفعل جائز شرعا فلا يستعقب العقوبة ، ولأصالة البراءة مع انتفاء دليل على وجوب شيء عليه . لا يقال : إنّ خبر سليمان يدلّ على وجوب الكفّارة عليه . لأنّا نقول : إنّما يدلّ على وجوبها عليه بمجرّد المضمضة والاستنشاق ولم يقل به أحد ، فالظاهر تعلّق قوله عليه السلام : «فعليه صوم شهرين» بالأخير ، أعني دخول الغبار في حلقه ، مع أنّه قد سبق ضعف الخبرين لوجهين آخرين أيضا . لقد أجمع أهل العلم على جواز المضمضة والاستنشاق ، لكن مع الكراهة في غير الطهارة ؛ معلّلين بأنّ الفم والأنف في حكم الظاهر كالعين . ويدلّ عليه خبر زيد (5) فيما سيأتي ممّا دلّ على عدم بطلان الصوم إذا دخل الماء حلقه . ومن طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لعمر لمّا سأله عن القُبلة : «أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم ؟» فقال : «لا بأس» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 322 323 ، ح 991 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 71 ، ح 12855 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 205 ، ح 593 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 ، ح 304 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 71 ، ح 12854 .
3- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 44 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 44 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 579 580 .
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
6- .المغني ، ج 3 ، ص 44 و 47 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 39 و 44 و 75 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 21 ، وتقدّم سائر تخريجاته .

ص: 176

فلو تمضمض فدخل الماء حلقه من غير قصد الابتلاع لا قضاء عليه إن كان للطهارة ، ويجب القضاء عليه إن كان للتبرّد والعبث . ونسبه في المنتهى إلى علمائنا (1) وظاهره أنّ الحكم كذلك وإن كانت الطهارة لصلاة نافلة . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض من عطش فدخل حلقه ، قال : «عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوء فلا بأس» . (2) وما رواه عمّار الساباطيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ، قال : «ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد» ، قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء ؟ قال : «ليس عليه شيء» ، قلت : تمضمض الثالثة ؟ قال : «قد أساء ، ليس عليه شيء ولا قضاء» . (3) ويؤيّد أنّه إذا تمضمض للصلاة فعل فعلاً مشروعا فلا تفريط عقوبة ، بخلاف ما إذا كان متبرّدا عابثا ، فإنّه فرّط بتعريض الصوم للإفساد . وظاهر المصنّف قدس سره الفرق بين الفريضة والنافلة ، ووجوب القضاء إذا كان للنافلة كالعبث والتبرّد ؛ لأنّه روى حسنة حمّاد (4) وخبر الريّان بن الصلت ، (5) ولم يتعرّض لمعارضة . ويؤكّدهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه ، قال : «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة ، فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 322 323 ، ح 991 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 71 ، ح 12855 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 579 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 323 324 ، ح 996 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 72 ، ح 12856 .
4- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 999 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 70 ، ح 12852 .

ص: 177

باب في الصائم يتقيّأ أو يذرعه القيء أو يقلس

والمشهور بين علمائنا أنّه لا كفّارة عليه إلّا أن يتعمّد الابتلاع . ويلوح من كلام الشيخ في التهذيب وجوب الكفّارة . واستدلّ عليه بما رواه سليمان بن جعفر المروزيّ ، قال : سمعته يقول : «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح» . (1) وقال في الاستبصار : هذا الخبر محمول على من تمضمض تبرّدا ، فدخل في حلقه شيء ولم يبزقه وبلعه متعمّدا ، كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا . (2) قوله في خبر زيد : (حتّى يبزق ثلاث مرّات) .[ح2/6406] وقال الشيخ : «وقد روي مرّة واحدة» (3) وذلك على أيّ حال للاستحباب .

باب في الصائم يتقيّأ أو يذرعه القيء أو يقلسقد اشتهر بين الفريقين وجوب القضاء للقيء إذا كان عمدا ، وعدمه بدون العمد . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين ، فمن طريق الأصحاب ما ذكره المصنّف قدس سره في الباب . ومن طريق العامّة ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض» . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 621 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 69 70 ، ح 12850 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 95 ، ح 305 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 998 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 91 ، ح 12921 .
4- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 498 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 536 ، ح 1676 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 111 ، ح 716 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 219 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 11 ، ص 482 ، ح 6604 ؛ شرح المعاني الآثار ، ج 2 ، ص 97 .

ص: 178

باب في الصائم يحتجم ويدخل الحمّام

وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه: (1) «أخطأ ولا قضاء عليه» (2) محتجّا بأصالة الصحّة وبراءة الذمّة . ومن العامّة من زعم وجوب القضاء والكفّارة عليه ، حكي ذلك عن أبي ثور (3) محتجّا بأنّه سلوك في مجري الطعام ، فكان موجبا للقضاء [والكفّارة ]كالأكل . (4) وأمّا القلس ، فالظاهر أنّه لا خلاف في أنّه غير مفطر ، إلّا إذا ابتلع ما خرج بعد الوصول إلى فضاء الفمّ . (5) والقلس : هو ما خرج ملأ الفم أو دونه ، فليس بقيء ، فإن عاد فهو القيء . (6)

باب في الصائم يحتجم ويدخل الحمّاملا خلاف في جواز الحجامة ، وذهب الأصحاب أجمع إلى كراهته إذا كان مضعفا ؛ لأنّه لا يؤمن معه من الضرر أو الإفطار وعدم كراهته مع عدمه . ويدلّ عليه أكثر أخبار الباب ، وما رواه الشيخ قدس سرهعن سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الصائم يحتجم ، فقال : «لا بأس إلّا أن يتخوّف على نفسه الضعف» . (7) وفي الصحيح عن عبداللّه بن ميمون القدّاح ، عنه عليه السلام قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء ، والاحتلام ، والحجامة ، وقد احتجم النبيّ صلى الله عليه و آله وهو صائم ، وكان لا يرى بأسا بالكحل للصائم» . (8) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، عنه عليه السلام قال : «لا بأس أن يحتجم الصائم إلّا في

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «الرضي» .
2- .حكاه عنه في المعتبر ، ج 2 ، ص 678 .
3- .المجموع للنووي، ج 6، ص 320؛ عمدة القاري، ج 11، ص 36؛ الاستذكار، ج 3، ص 348.
4- .تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 76 ، ومابين الحاصرتين منه .
5- .اُنظر : السرائر ، ج 1 ، ص 388 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 467 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 423 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
6- .ترتيب كتاب العين ، ج 3 ، ص 1517 ؛ صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 965 (قلس) .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 774 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12883 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 775 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 91 ، ح 288 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12884 .

ص: 179

رمضان ، فإنّي أكره أن يغرّر بنفسه إلّا أن [لا] يخاف على نفسه ، وأنّا إذا أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلاً» . (1) وفي المنتهى : أمّا عدم الإفطار بالحجامة فهو قول علمائنا ، وبه قال من الصحابة الحسين بن عليّ عليهماالسلاموابن عبّاس وابن مسعود وأنس وأبو سعيد الخدريّ وزيد بن أرقم واُمّ سلمة . وفي التابعين جعفر بن محمّد الباقر عليهماالسلاموسعد بن المسيّب وسعيد بن جبير وطاووس وقاسم بن محمّد وسالم وعروة والشعبيّ والنخعيّ وأبو العالية ، وبه قال الشافعيّ وأبو حنيفة ومالك والثوريّ وأبو ثور وداود ، وقال أحمد وإسحاق : يفطر الحاجم والمحجوم . وعن أحمد في الكفّارة روايتان ، واختاره ابن المنذر ومحمّد بن إسحاق بن خزيمة ، وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم . (2) لنا ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله احتجم وهو صائم محرم . (3) وروى البخاريّ هذا الحديت مفصّلاً . [و] من طريق الخاصّة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء (4) الخبر ، وعن سعيد (5) الأعرج الحديث . وفي الصحيح عن عبداللّه بن ميمون (6) الخبر . ولأنّه دم خارج من ظاهر البدن فأشبه الفصد .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 774 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12883 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 776 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 91 ، ح 289 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12885 .
3- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 349 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 3 ، ص 36 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 40 .
4- .السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 229 ، ح 3196 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 227 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 3 ، ص 48 ؛ المعجم الكبير له أيضا ، ج 11 ، ص 135 ؛ وج 12 ، ص 72 ؛ مسند أبي حنيفة لأبي نعيم ، ص 176 . وانظر : نصب الراية ، ج 3 ، ص 49 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 773 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 286 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 78 ، ح 12875 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 775 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 288 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12884 ، وص103 ، ح 12963 .

ص: 180

باب في الصائم يسعط ويصبّ في اُذنه الدهن أو يحتقن

احتجّ أحمد بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أفطر الحاجم والمحجوم» ، (1) رواه عنه صلى الله عليه و آله أحد عشر نفسا . (2) والجواب عنه : أنّه يحتمل أنّه عليه السلام أراد أنّهما قربا من الإفطار للضعف ، وأيضا فهو منسوخ بخبرنا المنقول عنه عليه السلام . (3) وألحق به الأصحاب إخراج الدم بفصد ونحوه من غير الحجامة مع كونه مضعفا ؛ للاشتراك في العلّة ، وكذا اتّفقوا على كراهة دخول الحمّام أيضا إذا كان مضعفا ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم (4) وخبر أبي بصير (5) جميعا .

باب في الصائم يسعط ويصبّ في اُذنه الدهن أو يحتقنفيه مسائل :الاُولى: السعوط للصائم . وهو صبّ الدواء في الأنف ؛ (6) فقد ذهب الشيخ في الخلاف والنهاية إلى كراهة السعوط ، (7) وأطلق السعوط ، وهو منقول في المختلف (8) عن جمله (9) واقتصاده (10) أيضا ، وإليه ذهب السيّد المرتضى ، (11) وهو ظاهر ما رواه المصنّف في الباب،

.


1- .مسند أحمد، ج 2، ص 364؛ وج 3، ص 465 و 474 و 480؛ وج 4، ص 123 و 124 و 125؛ وج 5، ص 276 و 277 و 280 و 282 و 283؛ وج 6، ص 12 و 157 و 258؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 15؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 237؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 537، ح 1679؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 530، ح 2367، وص 531، ح 2369 _ 2371؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 136، ح 771.
2- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 349 350 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 582 583 .
4- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
5- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
6- .في الأصل : «الدماغ» ، و هي كلمة فارسيّة بمعنى الأنف .
7- .الخلاف ، ج 2 ، ص 215 ، المسألة 75 ؛ النهاية ، ص 156 .
8- .. مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 416 417 .
9- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 214) .
10- .الاقتصاد ، ص 288 .
11- .اُنظر : جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .

ص: 181

وما يأتي عن غياث بن إبراهيم ، وعدّه في المبسوط مفطرا ، موجبا للقضاء ما وصل منه إلى الحلق ، وجعل ما عداه مكروها بلغ الدماغ أو لا . (1) وحكى في المختلف عن أبي الصلاح (2) وابن البرّاج (3) أنّه يوجب القضاء . وعن المفيد (4) وسلّار (5) وجوب الكفّارة أيضا ، وقال : «والأقرب عندي أنّه إن وصل الحلق متعمّدا وجب القضاء والكفّارة ، وإلّا فلا» . وهو جيّد . واحتجّ على ما ذهب إليه بأنّه أوصل إلى حلقه المفطر متعمّدا ، فوجب القضاء والكفّارة ، كما لو أوصل إلى حلقه لقمة . ولو لم يصل لم يكن عليه شيء ؛ لأنّ الصوم عبادة شرعيّة انعقدت على الوجه المأمور به شرعا ، فلا يبطل إلّا بدليل شرعي ولم يثبت ، فيبقى على أصل الصحّة . (6) ولما رواه غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام : «أنّه كره السعوط للصائم» . (7) وتردّد فيه في الإرشاد . (8) الثانية : التقطير في الاُذن . وقد اختلفوا فيه أيضا ، فذهب الشيخ في النهاية و المبسوط إلى كراهته ، (9) وبه قال ابن إدريس (10) والصدوق في المقنع ، (11) وابن الجنيد على ما حكى في المختلف ، (12) واختاره في

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
2- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
4- .المقنعة ، ص 344 .
5- .المراسم العلويّة ، ص 96 97 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 417 418 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 623 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 44 ، ح 12787 .
8- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 297 ، والمذكور فيه عَدّه في جملة المكروهات للصائم من غير ترديد .
9- .النهاية ، ص 156 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
10- .السرائر ، ج 1 ، ص 386 .
11- .المقنع ، ص 191 ، ولفظة هكذا : «ويصيب الدواء في اُذنه إذا اشتكى» .
12- .مختلف الشيعة، ج 3، ص416.

ص: 182

المنتهى محتجّا بأصالة الصحّة وعدم دليل على إفساده بذلك ، (1) وحكى فيهما عن أبي الصلاح أنّه مفطر موجب للقضاء ، (2) وعدّه في المختلف أقرب معلّلاً بأنّه أوصل إلى جوفه الجامد ، فكان كالازدراد ، فوجب القضاء ، (3) وأصالة براءة الذمّة من الكفّارة . وقد مرَّ جوابه . ونقل في المنتهى عن الفقهاء الأربعة من العامّة وجوب القضاء إذا وصل إلى دماغه ؛ معلّلين بما ذكر . (4) وقد اختلف في صبّ الدواء في الإحليل عدا إذا وصل إلى الجوف ، فذهب الشيخ في الخلاف إلى أنّه ليس بمفطرٍ ، (5) وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم العلّامة في المنتهى . (6) و في المبسوط عدّه مفطرا ، (7) و هو منقول عن الشافعيّ ، (8) و عدّه العلّامة في المختلف أقرب ؛ معلّلاً بأنّه أوصل إلى الجوف مفطرا بأحد المسلكين ، فإنّ المثانة تنفد إلى الجوف . (9) وقد مرَّ مرارا أنّ كلّ ما وصل إلى كلّ جوف لا يوجب الإفطار ، بل إنّما يوجبه ما وصل إلى الجوف الذي هو محلّ الاغتذاء . ومثله الخلاف فيما إذا داوى جرحه فوصل الدواء إلى الجوف ، فاختلاف الشيخ في

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 583 _ 584 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 415 ، و لا يخفى أنّ هذا الاستدلال مربوط بما إذا طعنه غيره. فوصلت إلى جوفه، وأمّا في تقطير الدُهن في الاُذُن؛ فإنّه قال فيه بالكراهة ، واستدلّ له بأصالة براءة الذمّة والإباحة .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 312 و 320 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 221 222 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 367 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 ؛ بدائع الصنائع ، ج 3 ، ص 93 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 198 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 37 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 31 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، 583 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
8- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 312 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 358 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 414 .

ص: 183

الخلاف أنّه غير مفطر لا يوجب شيئا ؛ لأصالة صحّة الفتوى ، وانتقاء دليل على إفساده بذلك . (1) وفي المختلف : أنّ الأقرب الإفطار ، (2) ونسبه إلى ظاهر كلام الشيخ في المبسوط ؛ معلّلاً بما ذكر في مسألة صبّ الدواء في الإحليل ، وهو كما عرفت . وقال في المبسوط : «لو طعن نفسه بطعن يصل إلى جوفه أو أمرَ أحدا بذلك أفطر» ، (3) وعدّه في المختلف أقرب . (4) وفي الخلاف نفاه ، (5) وهو المشهور معلّلاً بما عرفت مع جوابه . الثالثة : الاحتقان . فذهب شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة إلى أنّه مطلقا مفسد للصوم ، موجب للقضاء والكفّارة . (6) وعن السيّد المرتضى أنّه حكى في الجمل إيّاه عن بعض الأصحاب ، ثمّ قال : «وقال قوم : إنّ ذلك ينقض الصوم وإن لم يبطله ، وهو أشبه» . (7) وكأنّه أراد بالناقض ما يوجب القضاء فقط ، وبالمبطل ما يوجب الكفّارة أيضا ، حيث قال بعد ذلك : «وقالوا في اعتماد الحقنة وما يتيقّن وصوله إلى الجوف من السعوط ، وفي اعتماد القيء وبلع الحصى : أنّه يوجب القضاء من غير كفّارة» . (8) وفي المسائل الناصريّة : «وأمّا الحقنة فلم يختلف في أنّها تفطر» ، 9 وبه قال أبو الصلاح ،

.


1- .المقنعة ، ص 344 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 214 ، المسألة 74 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 415 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 415 . وقد مضى قوله آنفا .
6- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
7- .نفس المصدر ، ص 55 .
8- .الناصريّات ، ص 294 .

ص: 184

فإنّه قال : «الحقنة يجب بها القضاء» (1) ولم يفصل ، واستقربه العلّامة قدس سرهفي المختلف . (2) ومستند القولين خبر سهل بن زياد ، (3) وهو وإن كان ضعيفا به وبالإضمار ، لكن رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام ، (4) وفي الدلالة تأمّل . وربّما استدلّ أيضا عليه بأنّه أوصل إلى جوفه ما يصلح بدنه ، وهو ذاكر للصوم فكان كالأكل . (5) وفيه نظر . والشيخ قدس سره فرّق في أكثر كتبه بين المائع والجامد وحكم بكراهة الثاني ؛ (6) جمعا بين الصحيحة المذكورة وبين مكاتبة محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، (7) وكأنّه ابن الفضّال ، لكن قال في الخلاف : بأنّ المائع مفطر . (8) والظاهر أنّه أراد بذلك كونه موجبا للقضاء فقط ، وصرّح بذلك في المبسوط (9) بناءً على عدم دليل على الكفّارة . وفي النهاية (10) نفى القضاء أيضا ؛ لعدم دليل عليه أيضا ، لعدم الملازمة بين الحرمة ولزوم القضاء . ويؤيّده أصالة البراءة ، وبه قال ابن إدريس ، (11)

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 .
3- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 589 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 256 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 42 ، ح 12783 .
7- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 29 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
8- .الاقتصاد ، ص 288 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 ؛ الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 213) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
9- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 590 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 41 ، ح 12782 .
10- .النهاية ، ص 156 .
11- .السرائر ، ج 1 ، ص 376 377 .

ص: 185

باب الكحل والذرور للصائم

واستوجهه المحقّق في المعتبر ، (1) وظاهر ابن الجنيد كراهة المائع أيضا ، (2) حيث استحبّ له الامتناع من الحقنة وأطلق . ولولا مخالفة الشهرة بين الأصحاب لكان هذا القول في غاية القوّة ؛ للجمع بين ما ذكر وبين صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام . (3) قوله : (أحمد بن محمّد بن الحسين عن محمّد بن الحسين عن أبيه) .[ح 6/ 6424] الظاهر عن عليّ بن الحسن عن محمّد بن الحسن عن أبيه ، هم عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، وأخوه محمّد بن الحسن ، وأبوهما الحسن بن عليّ بن فضّال ، وكلّهم فطحيّون ، لكن الأوّل ثقة ، (4) والباقيان ضعيفان . (5) وفي التهذيب : «أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحسن ، عن أبيه» ، (6) والظاهر سقوط (عن محمّد بن الحسن) من البين من سهو النسّاخ .

باب الكحل والذرور للصائمقال الجوهري : الذرور بالفتح لغة في الذريرة . (7) [و] في المنتهى : يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صبر (8) يصل إلى الحلق ، وليس بمفطر ولا محظور ، ذهب

.


1- .المعتبر ، ج 2، ص 659 .
2- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 413 .
3- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
4- .رجال الطوسي ، ص 354 ، الرقم 5241 ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 812 ، ح 1014 .
5- .أمّا الحسن بن عليّ بن فضّال ؛ فإنّه رجع في آخر عمره إلى الحقّ وترك الفطحيّة . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 34 36 ، الرقم (72)؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 801 ، ح 993 ، وص 836 837 ، ح 1067 ؛ الفهرست ، ص 97 ، الرقم 164 ويظهر من هذه المصادر توثيقه ، وأمّا محمّد بن الحسن بن عليّ بن فضّال؛ فإنّه وإن لم يصرّح بوثاقته إلّا أنّ عدّة فى عداد أجلّة الفقهاء لا يقصر عن التوثيق . اُنظر ترجمته في معجم رجال الحديث .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 590 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 257 .
7- .صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 663 (ذرر) .
8- .الصبر بكسر الباء دواء مرّ ، ولا يسكن إلّا في ضرورة صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 707 (صبر) .

ص: 186

إليه علماؤنا ، وبه قال الشافعيّ (1) وأبو حنيفة ، (2) وقال أحمد : يفطر إن وجد طعمه في حلقه وإلّا فلا ، (3) وبنحوه قال أصحاب مالك . (4) وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة : أنّ الكحل يفطر الصائم . (5) لنا : ما رواه الجمهور عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله خيبر فنزلت معه ، فدعا بكحل إثمد (6) واكتحل به في رمضان وهو صائم . (7) وعن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كره السعوط للصائم ولم يكره الكحل . (8) ومن طريق الخاصّة : ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، (9) والظاهر من الأخبار عدم جواز الاكتحال في الصيام إلّا بما فيه مسك أو صبر ونحوهما ممّا يخاف دخوله الرأس ووصوله إلى الجوف ، وقد صرّح به أكثر العلماء الأخيار . (10) ويدلّ عليه زائدا على ما ذكره المصنّف قدس سرهصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه سُئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة ، قال : «إذا لم يكن كحلاً تجد له

.


1- .فتح العزيز ، ج 3 ، ص 365 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 348 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 38 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 38 .
2- .المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 366 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 106 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 38 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 38 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 348 .
3- .المغني والشرح الكبير لا بني قدامة ، ج 3 ، ص 38 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 348 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص367 .
4- .المصادر المتقدّمة .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 348 ؛ المغني والشرح الكبير لا بني قدامة ، ج 3 ، ص 38 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 عن ابن أبي ليلي وحده . ومثله في تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 366 .
6- .الإثمد : ضرب من الكحل يتّخذ من حجر ، ويقال : إنّه معرب ، ومعادنه بالمشرق . اُنظر : مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 322 (ثمد) .
7- .صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 249 ؛ الكامل لابن عدي ، ج 6 ، ص 451 ، ترجمة عمر بن محمّد بن عبيد اللّه (1932) ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 .
8- .لم أعثر عليه بهذا اللفظ ، نعم ورد من طريق أنس ، أنّه كان يكتحل وهو صائم. اُنظر : سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 532 ، ح 2378 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 3 ، ص 462 ، الباب 44 من كتاب الصوم ، ح 6 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 258 ، ح 765 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 278 . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 74 ، ح 12862 .
10- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 582 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 93 95 .

ص: 187

طعما في حلقها فلا بأس» . (1) وموثّق الحسن بن عليّ بن فضّال ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصائم إذا اشتكى عينه ، يكتحل بالذرور (2) وما أشبه ذلك أم لا يسوغ له ذلك ؟ فقال : «لا يكتحل» . (3) وصحيح الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه سُئلَ عن الرجل يكتحل وهو صائم ، فقال : «لا ، إنّي أتخوّف أن يدخل رأسه» . (4) وإنّما حملت تلك الأخبار على الكراهة مع ظهورها في الحرمة في صورة خوف الوصول إلى الجوف ، وتأيّدها بصحيحة سعد بن سعد الأشعري (5) حيث نهى عليه السلام عن ذرّ العين بالنهار ، لرواية الحسين بن أبي غندر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم ؟ فقال : «لا بأس به» . (6) والأخبار دلّت على نفي البأس عن الاكتحال على الإطلاق كصحيحة محمّد بن مسلم وحسنة سليم عن غير واحد ، (7) وصحيحة عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بالكحل للصائم» . (8) واحتجّ أحمد بأنّه أوصل إلى حلقه ما هو ممنوع من تناوله بفيه فأفطر به ، كما لو

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 771 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 284 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 75 ، ح 12866 .
2- .الذرور : ما يذر في العين من الدواء اليابس . النهاية ، ج 2، ص 158 (ذرر) .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 768 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 76 ، ح 12869 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 769 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 282 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 76 ، ح 12870 .
5- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 772 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 285 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 77 ، ح 12872 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي وحديث سليم (سليمان) مذكور في ذيله .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 767 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 280 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 76 ، ح 12868 .

ص: 188

باب السواك للصائم

أوصله من أنفه . (1) والجواب : أنّه قياس في معارضة النصّ ، فلا يسمع . (2)

باب السواك للصائمالظاهر من الأخبار كراهة السواك بالرطب للصائم [ذهب إليه ابن أبي عقيل] على ما نقل عنه في المنتهى ، (3) ونسبه إلى ابن عمر وعطاء ومجاهد والأوزاعيّ والشافعيّ وإسحاق ، (4) ] و يدّل عليه ما ورد في] في حسنتي[ ...] (5) وموثّق عمّار بن موسى ، (6) وخبر سعد بن أبي خلف ، قال : حدّثني أبو بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يستاك الصائم بعود رطب» . (7) وما رواه الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يستاك الصائم أيّ النهار شاء ، ولا يستاك بعود رطب» . (8) فإن قيل : ظاهر النهي الحرمة فلِمَ يُحمل على الكراهة ؟ قلت : قال الشيخ : هذان الخبران مشيرا إلى موثّق محمّد بن مسلم وخبر أبي بصير محمولان على الكراهية لا التحريم ؛ لما رواه في الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، (9) الخبر .

.


1- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 38 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 582 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 ، وما بين الحاصرتين مأخوذة من المنتهى . وحكاه أيضا عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 426 .
4- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 377 378 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 72 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 14 .
5- .كذا بالأصل لم يذكر شيئا .
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 262 ، ح 786 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ح 293 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 84 ، ح 12896 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 262 ، ح 785 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 91 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 84 ، ح 12897 .
9- .الكافي، ج 4، ص 112، ح 3؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 263 ، ح 787 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 85 ، ح 12900 .

ص: 189

وفي الحسن عن موسى بن أبي الحسن الرازي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان ، فقال : «جائز» ، فقال بعضهم : إنّ السواك يدخل رطوبته في الجوف ؟ فقال : «ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق ؟ فقال : أمّا المضمضة أرطب من السواك الرطب ، فان قال قائل : لا بدّ من المضمضة من أجل السنّة ، فلابدّ من السواك من أجل السنّة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه و آله » . (1) ويدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه ؟ فقال : «لا بأس به» . (2) ويؤيّدها ما رواه الجمهور عن أبي إسحاق الخوارزميّ ، قال : سألت عاصم الأحول : أيستاك الصائم ؟ قال : نعم ، قلت : برطب السواك ويابسه ؟ قال : نعم ، قلت : أوّل النهار وآخره ؟ قال : نعم ، قلت : عمَّن ؟ قال : عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه و آله . (3) وما رواه نافع ، عن ابن عمر أنّه قال : لا بأس بالسواك ، وإن كان يابسا جاز أن يبلّه بالماء ويتسوّك به ، ويتحفّظ من ابتلاع رطوبته ، (4) فلذلك اشتهر بين الأصحاب جوازه مطلقا من غير كراهة . بل ظاهر المنتهى إجماع الأصحاب عليه ما عدا ابن أبي عقيل ، حيث قال : ولا بأس للصائم بالسواك ، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ابن أبي عقيل ، فإنّه كره بالرطبة . وكره بعض العامّة باليابس بعد الزوال أيضا ، وبه قال ابن عمر وعطاء ومجاهد

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 263 ، ح 788 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ح 295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 83 ، ح 12893 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 262 ، ح 782، و ص 323 ، ح 993 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 91 ، ح 291 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 83 ، ح 12892 .
3- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 272 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 182 ، ح 2341 .
4- .لم أعثر عليه بهذا اللفظ ، نعم ورد عنه بلفظ : «لا بأس أن يستاك الصائم بالسواك الرطب واليابس» . راجع : المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 453 ، الباب 29 من كتاب الصوم ، ح 8 .

ص: 190

والأوزاعيّ والشافعيّ وإسحاق . (1) والشيخ وإن قال أوّلاً بالكراهة للجمع بين الأخبار لكن آخر كلامه الذي نقلناه عنه رجوعه عن كراهية الرطب . (2) [وقال في المنتهى] : واحتجّ الشافعي بما رواه خباب بن الأرت عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشيّ ، فإنّه ليس من صائم تيبس شفتاه إلّا كانتا نورين عند ربّه يوم القيامة» . (3) وعن عليٍّ عليه السلام قال : «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشيّ» . (4) و لقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «لخلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من المسك الأذفر» ، (5) فهو أمرٌ مرغوب فيه فأشبه إزالة دم الشهادة بالغسل . والجواب عن الأوّل : أنّه محمول على التسوّك لاستجلاب الريق . ويؤيّده تمام الحديث أنّه يزيد في الخلوف ولا يزيله . كذا في المنتهى . (6) والمشهور بين الأصحاب استحبابه للصائم مطلقا ولو بالرطب . ويؤيّدها صحيحة الحسين بن أبي العلاء (7) على ما حكى ابن داود عن البشري تزكيته . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 377 378 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 14 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ذيل ح 294 .
3- .المعجم الكبير للطبراني ، ج 4 ، ص 78 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 183 ، ح 2348 .
4- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 274 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 183 ، ح 2347 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 417 ، 2557 .
5- .المغني ، ج 3 ، ص 46؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 257 و 313 و 395 و 461 و 467 و 485 و 516 ، و ج 3 ، ص 5 و 130 ، و ج 6 ، ص 240؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 24؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 226 و 228؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 158؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 160 و 161 و 162 و 164 و 168؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 90 ، ح 2521 و 2523 ، و ص 91 ، ح 2527 ، وص 240 241 ، ح 3258 و 3262 ، و ... .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 569 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
8- .رجال ابن داود ، ص 79 ، الرقم 468 .

ص: 191

باب الطيب والريحان للصائم

باب الطيب والريحان للصائمقال الشيخ في النهاية : شمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الجوف توجب القضاء والكفّارة ، (1) ونقل ذلك عن ابن البرّاج ، (2) وظاهرهما مطلق الرائحة الغليظة من أنواع الطيب والرياحين . واحتجّ الشيخ بخبر سلمان بن جعفر المروزيّ ، قال : سمعته يقول : «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمِّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح» . (3) وقد استدلّ عليه بأنّ الرائحة عرض ، والانتقال على الأعراض محال ، وإنّما ينتقل بانتقالها ، فإذا وصلت إلى الجوف علم أنّ محلّها قد انتقل إليها وذلك يوجب الإفطار ، وبالاحتياط . واُجيب عن الرواية بالضعف والإضمار ، وعن الاعتبار بأنّه قد بيّن في موضعه أنّ الشمّ إنّما يكون بانفعال الهواء الواسطة بين الخيشوم والمشموم بكيفيّة المشموم ، وأنّ الرائحة لا تنتقل لا بنفسها ولا بمحلّها . وعن الاحتياط بمعارضته بالبراءة الأصليّة والأخبار المذكورة . (4) وقال المفيد قدس سره : «ويجتنب الصائم الرائحة الغليظة والغبرة التي تصل إلى الحلق ، فإنّ ذلك نقص في الصيام» . (5)

.


1- .النهاية ، ص 154 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 621 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 69 ، ح 12850 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 406 .
5- .المقنعة ، ص 356 .

ص: 192

وظاهره كراهة مطلق الرائحة الغليظة وإن كان من غير الرياحين ، وكأنّه تمسّك في ذلك بما دلَّ على كراهة التطيّب بالمسك . والمشهور بين الأصحاب كراهة شمّ الرياحين فقط ، وتأكّدها في النرجس ، وهو ظاهر من أكثر الأخبار ، وبه قال الشيخ في أكثر كتبه . (1) والفارق زائدا على ما ذكر ما رواه الصدوق مرسلاً عن الصادق عليه السلام عن المحرم يشمّ الريحان ، قال : «لا» ، قيل : فالصائم ؟ قال : «لا» ، قيل : يشمّ الصائم الغالية والدخنة ؟ قال : «نعم» ، قيل : كيف حلَّ له أن يشمّ الطيب ولا يشمّ الريحان ؟ قال : «لأنّ الطيب سنّة ، والريحان بدعة للصائم» . (2) بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب شمّ الطيب غير الرياحين ، كما ورد في خبر الحسن (3) بن راشد : أنّ الصادق عليه السلام كان إذا صام تطيّب بالطيب ويقول : «الطيب تحفة الصائم» . (4) واحتمل الشيخ في التهذيب تخصيص الكراهة بالنرجس بحمل الرياحين عليه . (5) وألحق في المنتهى بالرياحين المسك ؛ (6) لخبر غياث بن إبراهيم ، (7) وهو الأطر ، لكن كراهة ضعيفة ؛ لضعف الأخبار الدالّة عليها ، مع معارضتها بأخبار كثيرة معتمدة معتبرة ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الصائم يشمّ الريحان والطيب ؟ قال : «لا بأس» . (8)

.


1- .النهاية ، ص 156 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 114 ، ح 1879 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 95 ، ح 12935 .
3- .في الأصل : «الحسين» ، والتصويب من مصادر الحديث .
4- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 112 113 ، ح 1872 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 265 266 ، ح 799 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 92 ، ح 12924 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ذيل ح 807 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 583 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 93 ، ح 12927 .
8- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 800 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 93 ، ح 296 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 9392 ، ح 12922 .

ص: 193

باب مضغ العلك للصائم

وصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصائم يشمّ الريحان أم لا ترى له ذلك ؟ فقال : «لا بأس» . (1) وخبر سعد بن سعد ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام : هل يشمّ الصائم الريحان يتلذّذ به ؟ فقال عليه السلام : «لا بأس به» . (2) وتأييدها بالأصل .

باب مضغ العلك للصائمظاهر المصنّف1 حرمته ، وهو مختار الشيخ في النهاية ، (3) وعدّه في المبسوط احتياطا . (4) ويدلّ عليه حسنة الحلبيّ وصحيحة محمّد بن مسلم ، (5) وربّما استدلّ عليه بأنّه يتحلّل أجزاء منه يشيع في الفم ويتغدّى مع الريق . واُجيب بمنع ذلك . (6) نعم ، لو تحقّق ذلك فلا نزاع في فساد الصوم به . والمشهور بين الأصحاب (7) وبين العامّة (8) الكراهة ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الصائم يمضع العلك ؟ قال :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 802 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 297 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 94 ، ح 12929 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 803 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 298 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 94 ، ح 12931 .
3- .النهاية ، ص 157 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
5- .هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
6- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 419 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 658 .
7- .اُنظر : المهذّب ، ج 1 ، ص 193 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 389 ؛ المختصر النافع ، ص 65 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 658 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 298 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 79 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 66 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 418 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 278 ، الدرس 73 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 30 .
8- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 110 ؛ مختصر المزني ، ص 58 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 392 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 353 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 436 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 199 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 3 ، ص 100 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 367 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 106 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 4645 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 72 73 .

ص: 194

باب في الصائم يذوق القدر ويزقّ الفرخ

«نعم ، إن شاء» . (1) وقال العلّامة في المنتهى : «لا فرق بين العلك القويّ الذي لا يتحلّل أجزاؤه والضعيف الذي يتحلّل أجزاؤه إذا حفظ من ابتلاعها ؛ عملاً بالإطلاق» . (2)

باب في الصائم يذوق القدر ويزقّ الفرخلا خلاف في جواز ذلك . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان ، قال : سأل ابن أبي يعفور أبا عبداللّه عليه السلام وأنا أسمع عن الصائم يصبّ الدواء في أذانه ؟ قال : «نعم ، ويذوق المرق ويزق الفرخ» . (3) وفي الموثّق عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا بأس أن يذوق الرجل الصائم القدر» . (4) قال الشيخ قدس سره : ولا يعارض ذلك ما رواه سعيد الأعرج ؛ لأنّه محمول على من لا حاجة له إلى ذلك ، لأنّ الرخصة وردت في ذلك عند الضرورة الداعية إليه من فساد طعام وهلاك صبي أو طائر ، فأمّا مع فقد ذلك أجمع فلا يجوز على حال . (5) وعلى ما ذكره فلا اختصاص له بما ذكر بل قاعدة مطّردة كما قال العلّامة في المنتهى : «لو أدخل فمه شيئا وابتلعه سهوا ، فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه ، وإلّا وجب

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 1002 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 105 ، ح 12970 . وكان في الأصل في آخر الحديث : «إن شاء اللّه » ، فحذفنا كلمة «اللّه » حسب المصدر .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 311 ، ح 941 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 ، ح 307 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 106 ، ح 12973 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 311 ، ح 940 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 ، ح 306 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 106 ، ح 12974 .
5- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 ، ذيل ح 308 . و حديث سعيد الأعرج هو الحديث 309 من الاستبصار .

ص: 195

باب في الصائم يزدرد نخامته ويدخل حلقه الذباب

باب الرجل يمصّ الخاتم والحصاة والنواة

باب الشيخ والعجوز يضعفان عن الصوم

القضاء» ، (1) ثمّ فرّع عليه المضمضة للطهارة والتبرّد .

باب في الصائم يزدرد (2) نخامته ويدخل حلقه الذبابلا خلاف في عدم فساد الصوم بذلك إذا لم تصل النخامة فضاء الفمّ ، وكان دخول الذباب حلقه بلا اختيار منه ، والدليل عليه الأخبار .

باب الرجل يمصّ الخاتم والحصاة والنواةلا خلاف بين الأصحاب في جواز مصّ الخاتم والعقيق ونحوهما من الأجسام الصلبة النافع مصّها للعطش بخلاف النواة ، والفارق الحديث . ويؤيّده عدم انفصال جزء من العقيق ونحوه من المصّ ، وانفصال شيء من الأجزاء الصغار من النواة بالمصّ .

باب الشيخ والعجوز يضعفان عن الصوملقد أجمع أهل العلم على أنّ الشيخ والشيخة إذا ضعفا عن الصوم أفطرا ، سواء عجزا عنه رأسا أو طاقاه مستثقلاً يتحمّل مثلها عادةً ، واختلفوا في وجوب الفدية وفي قضاء الصوم ، فالمشهور وجوب الفدية ولو عجزا رأسا ، وسقوط القضاء ولو قدرا بعده عليه ، (3) وهو الظاهر ؛ لقوله تعالى : «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» (4) ، فالمنقول عن أهل بيت العلم والنبوّة أنّ المراد بهم الشيوخ والعجائز الذين كانوا يطيقون أوّلاً الصوم ، ثمّ

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 .
2- .الازدراد : الابتلاع . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 273 (زرد) .
3- .اُنظر : المقنع ، ص 194 ؛ الاقتصاد ، ص 294 ؛ الجمعل والعقود (الرسائل العشر ، ص 220) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 285 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 717 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 509 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 213 414 ، المسألة 149 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 542 ؛ منتهى مطلب ، ج 2 ، ص 618 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 88 ؛ مجمع الفائدة ، ج 5 ، ص 321 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 293 .
4- .البقرة (2) : 184 .

ص: 196

صاروا بحيث لا يطيقونه أصلاً ، أو يطيقونه بجهدٍ ومشقّة لا يتحمّل مثلها عادةً . قال المحقّق الأردبيليّ : فعلى الأوّل في الآية حذف ، أي كانوا يطيقونه من قبل والآن ليسوا كذلك ، وعلى الثاني يكون مؤوّلاً بمعنى يطيقون الصوم بالجهد والطاقة ، أي المشقّة . (1) وبه فسّره بعض المفسّرين من العامّة أيضا ، (2) فعن ابن عبّاس : أنّها كانت رخصة للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا أو يطعما ، يعطى لكلّ يوم مسكينا ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا . (3) وعن ابن عمر مثله . (4) ويدلّ عليه أيضا عموم أخبار الباب ، وصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، فقال : «يتصدّق بما يجزي عنه طعام مسكين لكلّ يوم» . (5) ولما سيأتي . فالآية على التفسير المذكور وما اُشير إليه من الأخبار شامل لمن عجز عنه رأسا . والضعف في بعض الأخبار أعمّ من القدرة بمشقّة والعجز معا ، وظاهرها سقوط القضاء حيث أوجب عليهما الفدية فقط ، ولم يتعرّض لذكر القضاء كما ذكر في المريض والمسافر ، بل صحيح محمّد بن مسلم (6) وخبر داود بن فرقد (7) كالصريح في

.


1- .زبدة البيان ، ص 151 .
2- .أحكام القرآن للشافعي ، ج 1 ، ص 108 ؛ جامع البيان ، ج 2 ، ص 183 184 ؛ تفسير الواحدي ، ج 1 ، ص 150 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 180 .
3- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 520 ، ح 2318 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 222 ؛ تفسير القرطبي ، ج 2 ، ص 288 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 230 ؛ تفسير ابن أبي حاتم ، ج 1 ، ص 307 ، ح 1635 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 20 21 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 460 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 237 ، ح 694 ، و ص 326 ، ح 1010 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 103 ، ح 336 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 212 ، ح 23248 .
6- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
7- .هو الخبر التالي المذكور بعد سطر .

ص: 197

نفيه . ويؤيّده أصالة البراءة ، وما ثبت من احتياط القضاء إلى أمرٍ جديد . وما رواه الشيخ عن داود بن فرقد ، عن أبيه ، قال : كتب إليَّ حفص الأعور : سَل أبا عبداللّه عليه السلام عن ثلاث مسائل ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «ما هي ؟» قال : من ترك صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «من مرض أو كبر أو لعطشٍ» ، قال : فاشرح لي شيئا شيئا ، قال : «إن كان من مرض فإذا برأ فليقضه ، إن كان من كبر أو لعطش فبدل كلّ يوم مدّ» . (1) وهذا هو ظاهر المصنّف قدس سره والصدوق (2) والظاهر من كلام عليّ بن بابويه أيضا على ما سيجيء ، وصرّح به العلّامة في المختلف . (3) وقال المحقّق في الشرائع بوجوب القضاء عليهما مع التمكّن منه ، (4) وهو ظاهر ابن الجنيد ، حيث قال على ما نقل عنه في المختلف : ومن اُبيح له الفطر لعلّة عارضة تجوز مزايلتها إيّاه أفطر وقضى كالمسافر ، وإن كان فطره من أجل غيره كالمرضعة من أجل صبيّها كان الأحوط أن تقضي وتصدّق بمدّ عن كلّ يوم . (5) و ينفية ما ذكر من الأدلّة ، وإليه ذهب الشهيد في الدروس (6) فيهما وفي ذي العطاش ... . (7) في شرح اللمعة : والأقوى أنّهما يعني الشيخين إن عجزا عن الصوم أصلاً فلا فدية ولا قضاء ، وإن أطاقاه بمشقّة شديدة لا يتحمّل مثلها عادةً فعليهما الفدية ، ثمّ إن قدرا على القضاء وجب . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 239 ، ح 700 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 432 ، ح 13778 .
2- .المقنع ، ص 194 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 542 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 156 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 550 .
6- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 291 ، الدرس 77 .
7- .غير مقروءة في الأصل بقدر كلمتين .
8- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 128 .

ص: 198

والأجود حينئذٍ ما اختاره في الدروس من وجوبها معه ؛ لأنّها وجّبت الإفطار أوّلاً بالنصّ الصحيح ، والقضاء حيث تجدّد القدرة ، والأصل بقاء الفدية ؛ لإمكان الجمع ، ولجواز أن يكون عوضا عن الإفطار لا بدلاً عن القضاء . ثمّ قال في ذي العطاش أيضا مثله . وفي المنتهى : وقال المفيد قدس سره (1) والسيّد المرتضى رضى الله عنه (2) وأكثر علمائنا : (3) لا تجب الكفّارة مع عجزهما عن الصوم ، وبه قال مالك وأبو ثور وربيعة ومكحول والشافعيّ في أحد القولين . (4) ونفاه فيه ، ولكن رجّحه في المختلف على ما ستعرفه . وقال الشيخ قدس سره في التهذيب في شرح تفصيل المفيد قدس سره : هذا الذي فصّل به بين من يطيق الصيام بمشقّة وبين من لا يطيقه أصلاً ، لم أجد به حديثا مفصّلاً ، والأحاديث كلّها دالّة على أنّه متى عجزا كفّرا عنه ، والذي حمله على هذا التفصيل هو أنّه ذهب إلى أنّ الكفّارة فرع على وجوب الصوم ، ومتى ضعف عن القيام ضعفا لا يقدر عليه جملةً فإنّه يسقط عنه وجوبه جملةً ؛ لأنّه لا يحسن تكليفه للصيام وحاله هذه ، وقد قال اللّه تعالى : «لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسا إِلَا وُسْعَهَا» (5) ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ وجوب الكفّارة ليس مبنيّا على وجوب الصوم ؛ إذ لا امتناع في أن يكلّف اللّه من لا يطيق الصوم الكفّارة للمصلحة المعلوم له تعالى ، وليس لأحدها تعلّق بالآخر . (6)

.


1- .المقنعة ، ص 351 .
2- .جمل العلم والعمل ، (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) .
3- .منهم السلّار في المراسم العلويّة ، ص 95 ، وابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 400 . وفي المختصر النافع ، ص 72 ، وشرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 156 ، نسب هذا القول إلى «قيل» .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 618 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 259 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 458 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 97 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 79 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 16 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 51 .
5- .الأنعام (6) : 152 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 237 ، ذيل ح 693 ، ومن قوله : «إذ لا امتناع» إلى قوله : «المعلوم له تعالى» منقول بالمعنى .

ص: 199

وفي المنتهى : وكلام الشيخ جيّد ؛ إذ لا نزاع في سقوط التكليف بالصوم لكنّا نقول : إنّه سقط إلى بدل هو الكفّارة ؛ عملاً بالأحاديث الدالّة عليه ، وهي مطلقة لا دلالة فيها على التفصيل الذي ذكره المفيد رحمه اللهفيجب حملها على إطلاقها . (1) وفي المختلف : والوجه قول المفيد رحمه الله : لنا : قوله تعالى : «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» ، (2) دلّ بمفهومه على سقوط الفدية على الذي لا يطيقه ، ولأنّه عاجز عن الصوم ، فسقط عنه أداءً وقضاءً ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، والكفّارة إمّا بدل عن فعل واجب أو مسقطة لذنب صدر من المكلّف ، وهما منفيّان هنا ؛ ولأنّ الأصل براءة الذمّة . وقول الشيخ : لا استبعاد في إيجاب الكفّارة على العاجز . قلنا : مسلّم ، لكن نفي الاستبعاد ليس دليلاً على الإيجاب . والأحاديث التي رواها محتملة للتأويل ، منها : رواية الحلبيّ الصحيحة ، (3) وهذه الرواية ليست دالّة على مطلوبه ؛ لأنّ الضعف لا يستلزم العجز ، ونحن نقول : إذا ضعف وأطاق الصوم بمشقّة عظيمة وجبت الكفّارة . ومنها : رواية محمّد بن مسلم الصحيحة في قوله عزّ وجلّ وهذه دالّة عليه ؛ لأنّه عليه السلام سئل عن الذين يطيقونه ، فقال : «الشيخ الكبير» ، (4) ولو كان عاجزا بالكليّة لما صحّ ذلك منه . ومنها : رواية عبد الملك بن عتبة الهاشميّ الصحيحة ، (5) يعني ذكر المذكورة فيها الضعف ، وهي مأوّلة بما تقدّم . ومنها : رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن الباقر عليه السلام قال : سمعته يقول : «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق عن كلّ واحدٍ

.


1- .البقرة (2) : 184 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 618 .
3- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 237، ح 694، وص 326، ح 1010؛ الاستبصار، ج 2، ص 103، ح 336؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 212، ح 13248.
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 237 238 ، ح 695 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 210 ، ح 13242 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 238 ، ح 696 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 103 104 ، ح 337 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 211 ، ح 13243 .

ص: 200

منهما في كلّ يوم بمدٍّ من طعام ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» . (1) والتأويل هنا كما تقدّم ، بل هنا آكد ؛ لأنّ نفي الحرج يفهم منه ثبوت التكليف ، وإنّما يتمّ مع القدرة ، ومع قبول الروايات للتأويل يسقط الاستدلال بها ، فإنّ الدليل متى تطرّق إليه الاحتمال سقط دلالته . (2) انتهى . وقد حمل أبو الصلاح الأمر بالقدرة مع العجز على الندب ، فقد قال على ما حكى عنه في المختلف : «وإن عجز عن الصوم لكبر سقط عنه فرض الصوم ، وهو مندوب إلى إطعام مسكين عن كلّ يوم» . (3) واختلفوا في مقدار الفدية ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في النهاية و المبسوط (4) أنّها مدّ ؛ لدلالة أكثر الأخبار عليه . وقيل : مدّان ؛ لصحيحة العلاء عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحدٍ منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام ، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» . (5) رواها الشيخ قدس سرهوجمع بينها وبين ما سبق في الاستبصار بحمل الزائد على الندب . وفي المبسوط والنهاية (6) والتهذيب : يحمل هذه على القادر على المدّين ، والأوّلة على العاجز عنهما . وزاد في التهذيب : «فإن لم يقدر على شيء فلا شيء كما هو مدلول هذه الصحيحة» . (7)

.


1- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 238 ، ح 697 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 104 ، ح 338 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 209 ، ح 13240 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 543 545 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 543 ؛ الكافي في الفقه ، ص 182 .
4- .النهاية ، ص 159 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 285 ، وعبارتهما هكذا : «والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا عجزا عن الصيام ، أفطرا و تصدّقا عن كلّ يوم بمدّين من طعام ، فإن لم يقدرا عليه بمدّمنه» ، وعلى هذا يكون الشيخ من القائلين بمدّين .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 238 ، ح 698 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 210 ، ح 13241 .
6- .تقدّما آنفا .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 239 ، ذيل ح 698 .

ص: 201

ولا يبعد أن يُقال : المدّين بلفظ التثنية في هذه من سهو الرواة أو النسّاخ ؛ حيث روى المصنّف قدس سره هذا الخبر بعينه بسندٍ صحيح أيضا عن العلاء عن محمّد بن مسلم عنه عليه السلام ، (1) وفيه ورد مدّ بلفظ المفرد . وفي حكم الشيخين ذو العطاش عند الأكثر ، فقد صرّح جماعة بسقوط القضاء عنه وإن تمكّن منه بوجوب الفدية بدل كلّ يوم . (2) ويدلّ عليه بعض الأخبار المذكورة ، (3) واحتجّ على جواز الإفطار له بالعجز عن الصيام ، وما رواه الشيخ عن مفضّل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ لنا فتيانا وبناتا لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش ؟ قال : «فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون» . (4) وعن عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يصيبه العطش حتّى يخاف على نفسه ، قال : «يشرب بقدر ما يمسك رمقه ، (5) ولا يشرب حتّى يروى» . (6) وعلى سقوط القضاء عنه بأنّه أفطر لعجزه عن الصيام ، والتقدير دوامه فيدوم التسبّب . و قال : (7) ويؤيّده رواية داود عن الصادق عليه السلام أنّه فصّل ، والتفصيل يقطع الشركة ، وفيه تأمّل . وفصّل العلّامة في المنتهى بين ما لا يرجى برءه وما يرجى ، فأوجب على الأوّل

.


1- .نفس المصدر ، ص 238 ، ح 697 ، وقد تقدّم .
2- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 547 548 .
3- .منها صحيحة محمّد بن مسلم الماضية : وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 209 ، ح 13240 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 240 ، ح 703 . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 214 215 ، ح 13253 .
5- .في الأصل : «ما يمسك معه» ، والتصويب من المصدر .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 240 ، ح 702 ؛ وهو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 214 ، ح 13252 .
7- .كذا بالأصل ، ولم يذكر قبل ذلك قائلاً حتّى يكون هذا عطفا عليه . وهذا الاستدل وما قبله موجودان في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 .

ص: 202

باب الحامل و المرضع يضعفان عن الصوم

الفدية ونفى القضاء . (1) ونقل في المختلف (2) وجوب الفدية فيه عن الصدوق (3) والسيّد المرتضى (4) وابن الجنيد والمفيد (5) وابن إدريس (6) وابن البرّاج ، (7) وأوجب على الثاني القضاء فقط ونفى الكفّارة . وحكى عن المفيد (8) والسيّد المرتضى (9) وابن إدريس (10) نفي الفدية ، وعدّه الأقرب ؛ إلحاقا بالمريض ، والشيخ أوجب الفدية عليه مطلقا ، وفصل بين الشقّين بالقضاء وعدمه ، (11) وقد سبق قول الشهيدين (12) وابن الجنيد 13 في ذلك ، والأظهر بالنظر إلى الأدلّة هو القول الأوّل .

باب الحامل و المرضع يضعفان عن الصومفي المنتهى : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللّبن إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء ، وهو قول فقهاء الإسلام ، ولا كفّارة عليهما . 14 واحتجّ عليه بصحيحة محمّد بن مسلم ، 15 وبما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال :

.


1- .المقنع ، ص 194 .
2- .المقنعة ، ص 351 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 547 548 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 400 .
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 196 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 285 .
9- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 49 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 128 _ 129 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 85 _ 86 .
10- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 548 .
11- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 .
12- .الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 134 ، ح 1950 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 239 ، ح 701 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 215 ، ح 13254 .

ص: 203

«إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم» . (1) [وفي المنتهى أيضا] : ولو خافتا على الولد من الصوم فلهما الإفطار أيضا . وهو قول علماء الإسلام ؛ لأنّه ضرر غير مستحقّ فأشبه ضرر الصائم نفسه ، ولا نعلم فيه خلافا ، ويجب عليهما القضاء مع زوال العذر إلّا من سلّار ، (2) ويجب عليهما الصدقة عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، ذهب إليه علماؤنا ، وهو المشهور من قول الشافعيّ ، (3) وبه قال أحمد إلّا أنّه يقول مدّ من برّ أو نصف صاع من تمر أو شعير ، (4) وبه قال مجاهد . (5) وعن الشافعي : إنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل ، (6) وهو إحدى الروايتين عن مالك ، (7) وبه قال اللّيث بن سعد . (8) وقال أبو حنيفة : لا تجب عليهما كفّارة ، وهو مذهب الحسن البصريّ وعطاء والزهريّ وربيعة والثوريّ والأوزاعيّ وأبي ثور وأبي عبيدة وداود المزنيّ وابن المنذر . (9) وللشافعيّ قولٌ ثالث أنّ الكفّارة استحباب . (10) وعن ابن عبّاس وابن عمر أنّهما قالا : تجب الكفّارة عليهما دون القضاء ، (11) وهو اختيار سلّار من علمائنا . (12) لنا : قوله تعالى : «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» . 13

.


1- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 109 ، ح 711 ؛ وبزيادة «المسافر» قبل «الحامل» في: مسند أحمد ، ج 4 ، ص 347 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 533 ، ح 1667 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 231 .
2- .المراسم العلويّة ، ص 95 .
3- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 113 114 ؛ مختصر المزني ، ص 57 ؛ فتح العزيز ، ص 460 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 267 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 20 .
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 21 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 269 .
6- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 460 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 267 .
7- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 460 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 269 .
8- .المغني ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 .
9- .المغني ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 269 .
10- .الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 21؛ المغني، ج 3، ص 78 .
11- .المراسم العلويّة ، ص 95 . وعنه في السرائر ، ج 1 ، ص 400 .
12- .البقرة (2) : 184 .

ص: 204

وقال ابن عبّاس : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام ، أن يفطرا ويطعما لكلّ يومٍ مسكينا . والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا . رواه أبو داود ، (1) ونحوه روي عن ابن عمر . (2) ومن طريق الخاصّة ما تقدّم في حديث محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (3) فإنّه سوّغ لهما الإفطار مطلقا ، وأوجب عليهما القضاء والصدقة ، وهو يتناول ما إذا خافتا على الولد كما يتناول ما إذا خافتا على أنفسهما ، وأنّ المشقّة التي يخشى معها على الولد تسقط وجوب الصوم ؛ لأنّه حرج وإضرار ، وهما منفيّان . ويتصدّقان ؛ لأنّه جزاء إخلالهما مع المكنة والطاقة وإمكان الصوم ، وأمّا وجوب القضاء فبالآية وبما تلوناه من الحديث ، ولأنّه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة ، فوجب به الكفّارة كالشيخ الكبير . واحتجّ الشافعيّ على الفرق بأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها بخلاف الحامل ؛ ولأنّ الحمل متّصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها . (4) وجوابه : أنّ الفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به . واحتجّ أبو حنيفة بما رواه أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم» . (5) ولأنّه فطر اُبيح لعذر فلم تجب به كفّارة كالمريض . والجواب : أنّ الحديث لم يتعرّض لسقوط الكفّارة فكانت موقوفة على الدليل كالقضاء ، فإنّ الحديث لم يتعرّض له . والمريض أخفّ حالاً منهما ؛ لأنّه يفطر بسبب نفسه . واحتجّ سلار بأنّ الآية تناولتهما وليس فيها إلّا الإطعام ؛ ولأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إنّ اللّه وضع عن الحامل والمرضع الصوم» . (6)

.


1- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 520 ، ح 2318 .
2- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 21 .
3- .وسائل الشيعة، ج 10، ص 215، ح 13254.
4- .المغني ، ج 3 ، ص 77 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 .
5- .المبسوط ، ج 3 ، ص 99 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 109 ، ح 711 .
6- .إشارة إلى الحديث المتقدّم آنفا .

ص: 205

والجواب : أنّهما يطيقان القضاء فلزمهما القضاء كالحائض والنفساء ، والآية أوجبت الإطعام ولم يتعرّض للقضاء بنفي ولا إثبات . ونحن أثبتنا وجوبه بدليل آخر ، والمراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما كما في قوله عليه السلام : «إنّ اللّه وضع عن المسافر الصوم» . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . (1) وقد ذهب عليّ بن بابويه أيضا بما نسبه سلّار من القول بسقوط القضاء إذا خافتا على ولدهما ، لكن رخّص الحكم بالحامل ، حيث قال في الرسالة على ما نقل عنه في المختلف : وإذا لم يتهيّأ للشيخ أو الشاب أو المرأة الحامل أن يصوم من العطش أو الجوع ، أو تخشى المرأة أن تضرّ مولودها ، فعليهم جميعا الإفطار ، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، وليس عليه القضاء . (2) وقد صرّح بالتفصيل الذي نقله عن الشافعي المحقّق الشيخ فخر الدِّين (3) وبعض من تأخّر عنه (4) على ما ذكره صاحب المدارك . (5) [و] اعلم أنّ إطلاق النصّ والأدب يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الاُمّ وغيرها ، ولا بين المتبرّعة والمستأجرة ، أمكن قيام [غيرها] مقامها أم لا ، وتخصيص الحكم بما إذا لم يمكن قيام غيرها مقامها كما عدّه صاحب المدارك أجود من غير مخصّص ، وقال : «الفدية من مال المرأة وإن كان لها زوج» . (6) ولم أجد تصريحا من غيره بذلك نفيا ولا إثباتا ، ولا يبعد أن يُقال : إنّها من مال

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 219 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 548 ، ولم أعثر على رسالة ابن بابويه ، وتجد هذه العبارة في فقه الرضا عليه السلام ، ص 11 ، ومثله في المقنع ، ص 194 .
3- .إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 235 .
4- .كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 77 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 299 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 300 .

ص: 206

باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيه

باب من توالى عليه رمضانان

المرتضع إن كان له مال ، وإلّا فعلى الوالد كرزقها وكسوتها .

باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيههو أن يتضرّر بالصوم بزيادة المرض أو بط ء زواله به ، وهو يختلف باختلاف الأمراض والأشخاص والأزمان ، فليرجع في ذلك إلى نفسه أو إلى طبيب حاذق موثوق به ، «بَلِ الْاءِنسَ_نُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» . (1) وذلك الحدّ ممّا أجمع عليه الأصحاب ، (2) والأخبار شاهدة عليه وفاقا لجمهور العامّة ، (3) ولقد حكى عن شذّاذ منهم إباحة الإفطار لكلّ مرض وإن لم يكن كذلك (4) محتجّين بعموم قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا» (5) . واُجيب بأنّه مخصّص بالإجماع والأخبار . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (إذا نقه في الصيام) .[ح 8/ 6462] قال الجوهريّ : «نقه من مرضه نقها : مثل تعب تعبا ، وكذلك نقه نقوها : مثل كلح كلوحا فهو ناقه ، إذا صحّ ، وهو في عقب علّته» . (6)

باب من توالى عليه رمضانانالمشهور بين الأصحاب أنّ من مرض في شهر رمضان واستمرّ مرضه إلى رمضان

.


1- .القيامة (75) : 14 .
2- .اُنظر : المقنعة ، ص 355 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 682 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 155 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 107 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 ؛ إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 235 ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 232 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 156 .
3- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 426 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 234 235 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 238 ؛ الفتوحات المكيّة ، ج 1 ، ص 613 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 258 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 456 457 ؛ المحلّى ، ج 6 ، ص 258 259 .
4- .بداية المجتهد، ج 1، ص 238؛ الفتوحات المكيّة، ج 1، ص 316.
5- .البقرة (2) : 184 .
6- .صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2253 .

ص: 207

آخر سقط القضاء عنه ووجبت الفدية مدّ عن كلّ يوم ، وإن برأ منه فيما بينهما وأخّر القضاء إلى رمضان آخر مع التواني فيه وجب القضاء أيضا مع الفدية ، وبدون التواني القضاء خاصّة ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) وحسنة محمّد بن مسلم عنه عليه السلام ، (2) وخبر أبي الصباح الكنانيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (3) وخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام . (4) وما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثمّ صحّ ، فإنّما عليه بكلّ يومٍ أفطر فدية طعام ، وهو مدّ لكلّ مسكين» ، قال : «وكذلك أيضا في كفّارة اليمين والظهار مدّا مدّا ، فإن صحَّ فيما بين رمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام ، وإن تهاون به وقد صحّ فعليه الصدقة والصيام جميعا ، لكلٍّ مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان» . (5) ويؤيّدها ما رواه العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من أدرك رمضان فأفطر لمرض ، ثمّ صحّ ولم يقضه حتّى أدركه رمضان آخر ، صام الذي أدركه ، ثمّ يقضي ما عليه ، ثمّ يطعم عن كلّ يوم مسكينا» . (6) وعن ابن عمر وابن عبّاس أنّهما أمرا بذلك . (7) وبهذه الأخبار خصّصوا عموم قوله سبحانه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ» (8) بغير من استمرّ مرضه إلى رمضان آخر .

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 335 ، ح 13544 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 335 ، ح 13543 .
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 335 ، ح 13545 .
4- .قرب الإسناد ، ص 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 338 ، ح 13551 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 251 ، ح 746 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 111 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 337 ، ح 13548 .
6- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 462 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 462 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 177 ، ح 2319 و 2320 .
7- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 177 ، ح 2322 عن ابن عبّاس ، وص 176 ، ح 2317 عن ابن عمر .
8- .البقرة (2) : 184 .

ص: 208

واحتجّ في المختلف على سقوط القضاء في صورة استمرار المرض بما ذكر ، وبأنّ العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء ، وقال : «أمّا وقت الأداء فظاهر ، وأمّا وقت القضاء فلأنّ وقته فيما بين الرمضانين ؛ إذ لا يجوز له التأخير عنه» . (1) وقال بعده (2) : «إنّ ممّن قال بسقوط القضاء يعني فيها ابن الجنيد وعليّ بن بابويه في رسالته (3) وابنه في المقنع ، (4) وابن البرّاج (5) وابن حمزة (6) » . (7) وقد عدّ ابن الجنيد الجمع بين القضاء والفدية أحوط على ما سيظهر من كلامه . وحكى أيضا عن السيّد المرتضى (8) وسلّار (9) أنّهما لم يتعرّضا لذلك التفصيل ، بل أوجبا القضاء فقط على المفطر للمرض ولم يفصّلا ، فظاهرهما وجوب القضاء فقط على من استمرّ مرضه أيضا . وقد حكي ذلك صريحا عن أبي الصلاح (10) وابن إدريس ، (11) وهو ظاهر ابن أبي عقيل على ما سيأتي . وظاهر الشيخ أيضا في الخلاف حيث قال : فإن أخّر قضاءه إلى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فاته ، فإن كان تأخّر لعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفّارة عليه ، وإن تركه مع القدرة كفّر عن كلّ يوم بمدّ من طعام . (12)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 518 .
2- .هذا هو الظاهر ، وهاتان الكلمتان في الأصل غير واضحتان .
3- .لم أعثر على رسالته ، وحكاه عنه ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 395 396 .
4- .المقنع ، ص 201 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 .
6- .الوسيلة ، ص 149 150 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 517 .
8- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) .
9- .المراسم العلويّة ، ص 96 .
10- .الكافي في الفقه ، ص 181 .
11- .السرائر ، ج 1 ، ص 395 .
12- .الخلاف ، ج 2 ، ص 206 207 .

ص: 209

ثمّ قال [في المنتهى] : احتجّ المخالف بعموم قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» ، (1) وبأنّ العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالفرض ، وبما رواه سماعة ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه ، فقال : «يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي عليه بمدّ من طعام ، وليصم هذا الذي أدرك ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فإنّي كنت مريضا فمرَّ عَليَّ ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ، ثمّ أدركت رمضانا ، فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّين من طعام ، ثمّ عافاني اللّه وصمتهنّ» . (2) والجواب : العموم قد يخصّ بأخبار الآحاد ، خصوصا إذا استفاضت واشتهرت واعتضدت بعمل أكثر الأصحاب ؛ ولأنّ وقت القضاء قد فات على ما بيّناه ، فيسقط والقضاء في العبادة إنّما يجب بأمرٍ جديد على ما حقّق في اُصول الفقه ، بخلاف الدّين فإنّه لا وقت له . ورواية سماعة ضعيفة السند ولم يسندها إلى إمام ، ويحتمل التأويل بوجهين : الأوّل : أنّه لم يذكر في الرواية استمرار المرض فيما بين الرمضانات. الثاني جاز أن يتبرّع الإمام عليه السلام بالقضاء والصدقة ؛ لأنّه مستحبّ لا واجب والإمام عليه السلام كان يواظب على فعل المندوبات كالواجبات . (3) انتهى . ويؤيّد الاستحباب صحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر وهو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، وأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت» . (4) وكأنّ هؤلاء حملوا الأمر بالفدية في الصورة الثانية أعني تأخير القضاء مع التواني _

.


1- .البقرة (2) : 184 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 251 ، ح 747 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 112 ، ح 366 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 336 ، ح 13547 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 520 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 252 ، ح 848 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 112 ، ح 367 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 336 ، ح 13546 .

ص: 210

على الندب ؛ للجمع بينه وبين خبر سعد بن سعد ، عن رجل ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ، ثمّ يصحّ بعد ذلك ، فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ما عليه في ذلك ؟ قال : «أحبّ له تعجيل الصيام ، فإن كان آخره فليس عليه شيء» . (1) والشيخ خصّه بغير التهاون .

وهنا فوائد :الاُولى : الظاهر من التواني في حسنة محمّد بن مسلم (2) التأخير من غير عذر من مرض وسفر ونحوهما ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : فإن أخّر قضاءه إلى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فات ، وإن كان تأخّر لعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفّارة عليه ، وإن تركه مع القدرة كفّر عن كلّ يوم بمدّ من طعام . (3) فعدم التهاون هو العذر في التأخير ، وفسّرها الأكثر بالعزم على القضاء وعدمه ، وهو تفسير من غير مفسّر ، وتظهر الفائدة فيما لو عزم على القضاء في السعة وأخّره من غير عذر ؛ اعتمادا عليها ، فلمّا ضاق الوقت عرض له مانع ، فعلى الأوّل تجب عليه الفدية بخلاف الثاني ، فتأمّل . الثانية : تدلّ حسنة محمّد بن مسلم وبعض آخر ممّا تقدّم من الأخبار على أنّ الفدية إنّما هي مدّ ، وهو المشهور بين الأصحاب محتجّين بما ذكر ، وبأصالة البراءة من الزائد ، ونقله في المختلف عن الصدوقين (4) وابن الجنيد . (5) وقال الشيخ في النهاية : «يتصدّق عن كلّ يوم بمدّين من طعام ، فإن لم يمكنه فبمدّ» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 252 ، ح 749 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 111 112 ، ح 365 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 337 ، ح 13549 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 206 207 .
4- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 211 ؛ المقنع ، ص 202 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 521 .
6- .النهاية ، ص 158 .

ص: 211

ونقله في المختلف عن ابن البرّاج (1) وابن حمزة (2) محتجّين بأنّ المدّين بدل عن اليوم في كفّارة جزاء الصيد ، فيكون هنا أيضا كذلك ، بل هذا آكد ، فإنّ صوم يوم من شهر رمضان أفضل من صوم يوم من غيره . وأجاب بأنّ هذا اجتهاد في مقابلة النصّ ، فلا يكون مسموعا ، (3) وقد تقدّم القول في نظير هذه الفدية . الثالثة : الظاهر اختصاص الحكم بسقوط القضاء الفائت للمرض المستمرّ إلى رمضان آخر وعدم جريانه في الفائت للسفر المستمرّ بنفسه إلى رمضان أخر ، ولا في الغائب للسفر الذي يصير بعده مريضا مستمرّا ولا في عكسه ؛ لعموم قوله سبحانه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» (4) خرج الاُولى بالدليل فبقي الباقي . وفي المسالك : «توقّف فيه في المعتبر ؛ (5) لعدم النصّ والمشاركة في العلّة» . (6) وظاهر ابن أبي عقيل اطّراد الحكم في غيره أيضا ، حيث قال [على] ما حكى عنه في المختلف : من كان عليه القضاء من شهر رمضان ، فلم يقضه وهو يقدر عليه حتّى دخل في شهر رمضان آخر ، كان عليه أن يصوم الشهر الداخل ويقضي من بعد الذي فاته ، ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام . ولو لم يمكنه القضاء لمرض حتّى دخل شهر رمضان آخر صام الشهر الداخل وقضى من بعده الفائت ، ولا صدقة عليه . (7) ولا يبعد أن يُقال : إنّه أراد بالقضاء الذي كان سببه المرض ، فيطابق المشهور من هذه

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 .
2- .الوسيلة ، ص 150 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 522 .
4- .البقرة (2) : 184 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 700 .
6- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 61 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 517 518 .

ص: 212

الجهة ، لكن بقى مخالفته له من حيث دلالته على وجوب القضاء على الفائت للمرض المسمّى به كما أشرنا إليه آنفا . وكذا الظاهر عدم وجوب الفدية على من أخّر القضاء إلى رمضان آخر في الفائت بغير المرض ؛ لأصالة عدمه وانتفاء دليل عليه هنا ، ولا يجوز القياس ؛ إذ قصاراه الأولويّة ، وهي ليست حجّة شرعيّة . وفي المسالك : والأجود وجوب الفدية مع التأخير لغير عذر ، ووجوب القضاء مع دوام العذر ، أخذا للأوّل من باب مفهوم الموافقة في المريض ، وللثاني (1) من عموم الآية وبطلان قياس الأضعف على الأقوى ، فتأمّل . (2) وفي [فتح] العزيز : من كان عليه قضاء رمضان وأخّره حتّى دخل رمضان السنة القابلة نظر ، إن كان مسافرا أو مريضا فلا شيء عليه بالتأخير فإنّ تأخير الأداء بهذا العذر جائز ، فتأخير القضاء أولى بالجواز ، وإن لم يكن فعليه مع القضاء لكلّ يوم مدّ ، وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة والمزنيّ . (3) وأمّا وجوب الفدية على من أخّر القضاء إلى رمضان آخر مع التواني في الصوم الفائت بغير المرض [فلا خلاف فيه] . الرابعة : قال العلّامة رحمه الله في المختلف : قال الشيخ رحمه الله : وحكم ما زاد على رمضانين سواء . وهو قول ابن الجنيد ، فإنّه قال : وإن كان أفطر لمرض واتّصل به المرض إلى رمضان آخر أو رمضانين أو ثلاثة تصدّق عن سائر الرمضانات عن كلّ يوم مدّا من طعام ، وقضاء آخر رمضان منها برئ عقيبه ، ولو صام جميعها مع الصدقة كان أحوط . وقال ابن بابويه في رسالته : إذا مرض الرجل وفاته صوم شهر من رمضان كلّه ، ولم

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «الأوّل» .
2- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 62 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 462 .

ص: 213

باب قضاء شهر رمضان

يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل ، فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل ، ويتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ من طعام ، وليس عليه القضاء إلّا أن يكون صحّ فيما بين الرمضانين ، فإن كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ من طعام ويصوم الثاني ، فإذا صام الثاني قضى الأوّل بعده ، فإن فاته شهر رمضان حتّى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل ، ويتصدّق عن الأوّل لكلّ يومٍ بمدّ من طعام ويقضي الثاني . (1) وهذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الرمضان الأوّل إلى الثالث يحتمل برؤه فيما بين الثاني والثالث ، فحينئذٍ إن حمل على الثاني فلا مخالفة فيه ، كما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر وشيخنا أبو عليّ بن الجنيد ، وإن حمل على الأوّل صارت المسألة خلافيّة . (2) الخامسة : لا تتكرّر الفدية بتكرّر مضيّ رمضان على القضاء ؛ لأصالة البراءة وانتفاء دليل عليه ، ولم أعرف مخالفا لذلك . قوله في خبر أبي الصباح : (فإن كان مريضا فيما بين) . [ح 3 /6465] كان بمعنى صار بدليل قوله عليه السلام : «فإن تتابع المرض عليه فلم يصحّ» ، إلى آخره .

باب قضاء شهر رمضانوبيان جواز التفريق وعدم اشتراط التتابع فيه ، وهو مجمعٌ عليه عند الأصحاب ، (3) ومشهور بين العامّة . (4) ويدلّ عليه أخبار الباب وغيرها ، وسنروي بعضها . وما رواه عبد الرحمن بن أبي عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قضاء

.


1- .ونقله عنه في السرائر ، ج 1، ص 395 396 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 522 523 .
3- .اُنظر: الناصريّات، ص 297؛ مختلف الشيعة، ج 3، ص 551.
4- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 367 ؛ الناصريّات ، ص 297 298 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 431 432 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 79 80 .

ص: 214

شهر رمضان في شهر ذي الحجّة أو قطعه ، فقال : «اقضه في ذي الحجّة ، واقطعه إن شئت» . (1) وسليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ، أيقضيها متفرّقة ؟ قال : «لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان» . (2) ونقل في الخلاف عن بعض العامّة القول بوجوب التتابع فيه . قال : وروي ذلك عن عليّ عليه السلام وعبداللّه بن عمر وعائشة والنخعيّ ، وعن جماعة اُخرى منهم . (3) واختلفوا في الفضيلة ثمّ في الأفضل ، فظاهر جماعة من فحول علمائنا تساويهما من غير فضيلة لأحدهما حيث حكموا بالتخيير ولم يرجّحوا شيئا ، فقال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الناصريات : «عند أصحابنا أنّه مخيّر بين التتابع والتفريق» . (4) وقال المفيد قدس سره : «إن شاء قضاه متتابعا ، وإن شاء قضاه متفرّقا ، أيّهما فعل أجزأ» . (5) ومثله منقول عن عليّ بن بابويه . (6) واحتجّوا على ما حكى عنهم في المختلف بأصالة انتفاء الرجحان ، وبخبر عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، وسليمان بن جعفر الجعفريّ المتقدّمين . وأجاب : بأنّ رجحان المتابعة قد ثبت . (7) وذهب الشيخ في الخلاف و المبسوط والنهاية إلى استحباب التتابع مطلقا ، (8) وهو منقول

.


1- .الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 275 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 119 ، ح 386 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 344 ، ح 13567 .
2- .الكافي ، ح 1 من هذا الباب ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 148 ، ح 1998 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 274 ، ح 830 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 117 ، ح 382 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 342 ، ح 13565 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 210 ، المسألة 68 . وانظر : ج 6 ، ص 367 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 80 .
4- .الناصريّات ، ص 297 .
5- .المقنعة ، ص 359 .
6- .نقله عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 551 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 553 554 .
8- .الخلاف ، ج 2 ، ص 210 ، المسألة 68 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 280 ؛ النهاية ، ص 163 .

ص: 215

في المختلف عن أبي الصلاح (1) وابن الجنيد . (2) وفي الخلاف (3) عن الشافعيّ ، (4) وهو الأشهر ، لا سيّما عند المتأخّرين ، وهو أظهر ؛ لحسنتي عبداللّه بن سنان والحلبيّ ، (5) وقد رواهما الشيخ في الصحيح . (6) ويؤيّدهما ما ورد من طرق العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «مَن كان عليه صوم فليسرده ولا يقطعه» . (7) وربّما احتجّ عليه بأنّ في التتابع مسارعة إلى المغفرة . (8) ويظهر من حجّة هذا القول فساد احتجاج الأوّلين ؛ إذ بها يثبت ما هو خلاف الأصل . والخبران الأوّلان مع عدم صحّتهما إنّما يدلّان على جواز الأمرين لا على التساوي . ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب استحباب التفريق مطلقا ، وعن بعضهم استحباب التفريق فيما زاد على ستّة أيّام أو ثمانية ، واستحباب المتابعة بين ثمانية أو ستّة ، (9) ولم أعرف قائلهما . وقال المفيد : وقد روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «إذا كان عليه يومان فصّل بينهما بيوم ، وكذا إذا كان

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 184 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 550 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 210 .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 367 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 79 80 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 434 ؛ مختصر المزني ، ص 58 .
5- .هما ح 3 و 4 من هذا الباب من الكافي .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 274 ، ح 828 و 829 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 117 ، ح 380 و 381 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 340 341 ، ح 13557 و 13558 .
7- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 259 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 171 ، ح 2288 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 495 ، ح 23803 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 552 ، وفيه : «مسارعة إلى فعل الخير» .
9- .السرائر ، ج 1 ، ص 405 406 .

ص: 216

باب الرجل يصبح وهو يريد الصيام فيفطر

عليه خمسة أيّام وما زاد ، فإن كان عليه عشرة [أيّام] أو [من ذلك ]أكثر تابع بين الثمانية الأيّام إن شاء اللّه ، ثمّ فرّق الباقي . (1) وأشار بذلك إلى ما روي في التهذيب عن عمّار بن موسى الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ، فكيف يقضيها ؟ فقال : «إن كان يوما فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة أيّام فليفطر بينهما أيّاما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستّة أيّام متوالية ، وإن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينهما يوما» . (2) وفي الاستبصار : ثمانية أيّام بدل ستّة أيّام . (3) وربّما احتجّ القائلون بأولويّة التفريق بهذا الخبر ، وهو لعدم صحّته لروايته عن جماعة من الفطحيّة وتشويش متنه (4) غير قابل (5) للمعارضة لما ذكر من الأخبار الصحيحة ، وقد مرَّ مرارا : أنّ عمّارا لكونه غير ضابط لا يعبأ بما تفرّد بروايته ، (6) مع أنّها قابلة للتأويل بما قاله الشيخ من أنّ الأمر بالفصل لئلّا يتوهّم وجوب التتابع .

باب الرجل يصبح وهو يريد الصيام فيفطر ، ويصبح وهو لا يريد الصوم فيصوم في قضاء شهر رمضان وغيرهفيه مسألتان :الاُولى : مَن أصبح مريدا للصوم ، فإن كان صوما واجبا معيّنا كصوم شهر رمضان والنذر المعيّن فلا يجوز إفطاره من غير عذر إجماعا من أهل العلم ، ويستفاد ذلك من الأخبار التي قد سبق بعضها ويجيء بعض منها في مواضع متفرّقة .

.


1- .المقنعة ، ص 359 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 275 ، ح 831 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 118 ، ح 383 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 341 ، ح 13559 .
4- .في الأصل : «متنها» .
5- .في الأصل : «غير قابلة» .
6- .اُنظر : تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 101 ، ذيل ح 435 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 95 ، ذيل ح 325 .

ص: 217

وما ليس بمعيّن كقضاء شهر رمضان وكالنذر المطلق فالمشهور جواز الإفطار من غير عذر قبل الزوال وتعويض يوم مكانه ، وعدم وجوب شيء آخر عليه ، وعدم جوازه بعد الزوال ، ووجوب الكفّارة لو أفطر بعده . ويدلّ عليه خبر سماعة بن مهران (1) وبريد العجليّ ، (2) وموثّق سماعة عن أبي بصير ، (3) وما رواه الشيخ عن أبي عبيد بن الحسين ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» . (4) وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الذي يقضي رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس ، وفي التطوّع ما بينه وبين أن تغيب الشمس» . (5) وعن جميل بن درّاج ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان : «إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار» . (6) وظاهر العلّامة في المنتهى جواز الإفطار بعد الزوال أيضا في النذر المطلق . (7) وظاهر أبي الصلاح عدم جواز الإفطار قبل الزوال أيضا لقاضي رمضان ، إلّا أنّه لا كفّارة عليه حيث قال على ما حكي عنه : إن أفطر يوما عزم على صومه قضاءً قبل الزوال فهو مأزور ، وإن كان بعد الزوال تعاظم

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 278 ، ح 841 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 120 ، ح 389 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 18 ، ح 12724 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ح 848 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ح 395 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 18 19 ، ح 12725 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 188 ، ح 527 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ح 396 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 16 ، ح 12719 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 576 .

ص: 218

وزره ، ولزمته الكفّارة صيام ثلاثة أيّام أو إطعام عشرة مساكين . (1) وفي بعض الأخبار جواز الإفطار لقاضي رمضان بعد الزوال أيضا قبل العصر ، رواه الشيخ في الاستبصار في الصحيح عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجلٌ وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان ؟ فقال : «إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه ويصوم يوما بدله ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة[لذلك]» . (2) وأوّله بأنّه لمّا كان وقت الصلاتين عند الزوال إلّا أنّ هذه قبل هذه جاز أن يعبّر عمّا قبل الزوال بأنّه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين ، ويعبّر عمّا بعد العصر بأنّه بعد الزوال لمثل ذلك ، ثمّ جوّز حمل الأوّلة على الاستحباب ، وهذه على الوجوب . (3) وفي المدارك : قال ابن أبي عقيل : مَن أصبح صائما لقضاء كان عليه من رمضان وقد نوى الصوم من الليل ، فأراد أن يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك ، ومقتضى ذلك المنع من الإفطار قبل الزوال وبعده إذا كان قد نوى ذلك من الليل . (4) وهل تجب الكفّارة في إفطار قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ؟ الظاهر العدم ؛ لأصالته وانتفاء نصّ على وجوبها ، ولأنّ هذا اليوم غير متعيّن لقضائه . وبه قال ابن إدريس . (5) وفي المختلف : هو المعتمد ، وحكى فيه عن عليّ بن بابويه أنّه قال في رسالته : إذا قضيت شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس ، فإذا أفطرت

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 184 . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 556 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 279 ، ح 845 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 120 121 ، ح 392 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 347 348 ، ح 13577 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 121 ، ذيل ح 392 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 230 231 ، وكلام ابن أبي عقيل نقله العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 556 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 410 .

ص: 219

بعد الزوال فعليك الكفّارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان . وقال : وهذا يشعر بوجوب الكفّارة في إفطار قضاء النذر المعيّن ، ثمّ احتجّ بمساواته لقضاء رمضان ؛ لاشتراكهما في كونهما قضاءً للواجب ، ولأنّ المقتضي لوجوب الكفّارة هناك كونه قد أبطل عبادة فعل أكثرها ، وهو متحقّق هنا . والجواب : المنع من المساواة والاقتضاء ، مع أنّ ذلك قياس محض لا أقول به . (1) ويدلّ على وجوب الكفّارة على قاضي رمضان بعض ما اُشير إليه من الأخبار وما سيأتي . وظاهر كلام ابن أبي عقيل عدم وجوب كفّارة عليه ، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «مَن جامع أو أكل في قضاء شهر رمضان أو كفّارة أو نذر أثم وعليه القضاء ، ولا كفّارة عليه» . (2) وكأنّه تمسّك بموثّقة عمّار الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام ؟ قال : «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فإن كان قد نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر» . سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعدما زالت الشمس ؟ قال : «لا» ، سئل : فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعدما زالت الشمس ؟ قال : «قد أساء وليس عليه شيء ، إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» . (3) ويرد عليه : أنّ هذا الخبر لضعفه لا يقبل المعارضة للأخبار الصحيحة . وقال الشيخ : قوله عليه السلام : «وليس عليه شيء» محمول على أنّه ليس عليه شيء من العقاب ؛ لأنّ من

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 560 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 453 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ح 847 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 121 122 ، ح 394 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 13 ، ح 12711 .

ص: 220

أفطر في هذا اليوم لا يستحقّ العقاب وإن أفطر بعد الزوال وتلزمه الكفّارة حيث ما بيّناه . وليس كذلك ، من أفطر في رمضان فإنّه يستحقّ العقاب والقضاء والكفّارة . (1) وكفّارة إفطار النذر المعيّن بعد الزوال هي كفّارة خلف النذر بغير خلاف ، ويجيء القول فيها وفي دليلها إن شاء اللّه تعالى . وأمّا كفّارة إفطار قضاء رمضان بعد الزوال فقال الشيخ قدس سره في النهاية : «وهي إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يتمكّن منه فصيام ثلاثة أيّام» . (2) وهو أحد قوليه في المبسوط في فصل القضاء . (3) وبه قال المفيد قدس سره (4) والعلّامة في المختلف ، (5) ونقله عن السيّد المرتضى (6) و ابن الجنيد وابن إدريس في موضع من السرائر . (7) ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن بريد العجليّ ، (8) وصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة . (9) وعن أبي الصلاح التخيير بين الخصلتين (10) على ما عرفت . وبه قال الشيخ في الجمل ، (11) وفي قول آخر في المبسوط في فصل أقسام الصوم (12) على ما نقل عنه . (13) ونقل عن ابن إدريس أنّه قال في موضع آخر من السرائر : إنّه يجب عليه كفّارة

.


1- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ذيل ح 847 . ونحوه في الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ذيل ح 394 .
3- .النهاية ، ص 164 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
5- .المقنعة ، ص 360 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 453 و 554 555 .
7- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 57 58) .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 406 .
9- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 347 348 ، ح 13577 .
10- .الكافي في الفقه ، ص 184 .
11- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 216) .
12- .المبسوط ، ج 1 ، ص 279 .
13- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 558 .

ص: 221

يمين ، (1) ونقله عن ابن البرّاج أيضا . (2) ولم أجد شاهدا لهما من الأخبار . وعن الصدوقين في الرسالة (3) والمقنع أنّهما أوجبا عليه كفّارة شهر رمضان ، (4) وقد رواه الشيخ في التهذيب في الموثّق عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء ، قال : «عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان ، ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» . (5) وحمله مع ندرته على من فعل ذلك استخفافا وتهاونا بهذا الصوم . وإلى هذا التفصيل ذهب ابن حمزة ، فقد قال على ما نقل عنه : إن أفطر بعد الزوال استخفافا به فعليه كفّارة مَن أفطر يوما من شهر رمضان ، وإن أفطر لغير ذلك فكفّارته صيام ثلاثة أيّام أو إطعام عشرة مساكين . (6) ولا يبعد حمل الأوّلة على الوجوب والزائد عليها على الاستحباب ، كما فعله العلّامة في المختلف في هذا الموثّق . (7) وأمّا الصوم المندوب فيجوز الإفطار إلى الغروب ، وفي المنتهى : قال علماؤنا : صوم النافلة لا يجب الشروع فيه ، ويجوز إبطاله ، ولا يجب قضاؤه لو أفطر فيه لعذر وغير عذر ، وبه قال الشافعيّ والثوريّ وأحمد وإسحاق . (8) وقال أبو حنيفة : يجب المضي فيه ، ولا يجوز له الإفطار إلّا لعذر ، فإن أفطر قضى . (9) وروي عن محمّد أنّه قال : إذا دخل على أخ فحلف عليه أفطر وعليه القضاء . (10) وقال

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 410 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 203 .
3- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 555 . ومثله في فقه الرضا عليه السلام ، ص 213 .
4- .المقنع ، ص 200 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 279 ، ح 846 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 348 ، ح 13578 .
6- .الوسيلة ، ص 147 . وحكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 556 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 558 .
8- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 393 394 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 464 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 111 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 89 .
9- .المصادر المتقدّمة .
10- .نقله عنه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 221 ، وفي هامشه عن حلية العلماء ، ج 2 ، ص 212 .

ص: 222

مالك : يجب بالدخول فيه ، ولا يجوز الخروج عنه إلّا لعذر ، وإذا خرج منه لعذر لا يجب القضاء . (1) وبه قال أبو ثور . (2) ويدلّ على المذهب المنصور خبر إسحاق بن عمّار ، (3) وصحيح جميل بن درّاج (4) المتقدّمين ، وما رواه معمّر بن خلّاد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : قلت له : النوافل ليس لي أن أفطر بعد الزوال ؟ قال : «نعم» . (5) ويؤيّدها ما رواه في المنتهى (6) من طرق العامّة عن عائشة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّما مثل صوم التطوّع مثل الرجل يخرج ماله للصدقة ، فإن شاء أمضى بها ، وإن شاء حبسها» . (7) وعن اُمّ هاني قالت : دخل عليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاُتي بشراب فناولنيه ، فشربت منه ، ثمّ قلت : يارسول اللّه ، لقد أفطرت وكنت صائمة ، فقال لها : «كنت تقضين شيئا ؟» قلت : لا ، قال : «فلا يضرّك إن كان تطوّعا» . (8) وفي رواية اُخرى ، قال : قلت : إنّي صائمة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ المتطوّع أمين نفسه ، فإن شئتِ صومي ، وإن شئتِ فافطري» . (9) وفي خبر آخر عنها ، قالت : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنا صائمة ، فناولني فضل

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 394 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 464 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 111 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 89 .
2- .المجموع ، ج 6 ، ص 394 .
3- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 18 19 ، ح 12725 .
4- .وسائل الشيعة، ج 10، ص 16، ح 12719.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 166 ، ح 473 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 17 ، ح 12720 ، وفيهما : «بعد الظهر» بدل «بعد الزوال» .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 620 .
7- .السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 114 ، ح 2631 ؛ كنز العمّال ، ج 8 ، ص 557 ، ح 24150 .
8- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 16 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 548 549 ، ح 2456 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 277 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 24 ، ص 426425 .
9- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 118 119 ، ح 728 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 276 ؛ مسند الطيالسي ، ص 225 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 153 ، ح 2201 ، وص 154 ، ح 2203 .

ص: 223

شرابه ، فشربت ، فقلت : يارسول اللّه ، إنّي كنت صائمة ، وإنّي كرهت أن أردّ سؤرك ، فقال : «إن كان قضاء من شهر رمضان فصومي يوما مكانه ، وإن كان تطوّعا ، فإن شئت فاقضيه ، وإن شئت فلا تقضيه» . (1) واحتجّ المخالف بما نقلوه عن عائشة أنّها قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوّعتين ، فاُهدي لنا خبيص فأفطرنا ، ثمّ سألنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «اقضيا يوما مكانه» . (2) وبأنّه عبادة تلزم بالنذر كالحجّ ، فيلزم بالشروع مثله . وأجاب عنه العلّامة في المنتهى عن خبرهم بأنّ أبا داود قال : لم يثبت . وقال الترمذيّ فيه مقال ، وضعّفه الجرجانيّ . ولو سلم فمحمول على الاستخلاف للجمع ، وأمّا الحجّ فإحرامه آكد ، ولهذا لا يخرج منه باختياره ولا بإفساده . (3) وقد ورد في بعض أخبارنا ما يدلّ ظاهرا على عدم جواز إفطاره بعد الزوال ، وحمل على تأكّد استحباب المضيّ عليه بعده ، رواه مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام ، أنّ عليّا عليه السلام قال : «الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، وإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم» . (4) الثانية : قد ثبت أنّ الأعمال إنّما تعتبر بالثبات ، وقد اختلف في وقت نيّة الصوم اختلافا كثيرا ، فظاهر الأكثر الفرق بين أنواع الصوم ، وأنّ الصوم الواجب المعيّن كصوم رمضان والنذر المعيّن وقته مع الذكر من أوّل الليل إلى طلوع الفجر الثاني ، ومع الجهل والنسيان بعد الفجر إلى زوال الشمس ، وبعده يجب الإمساك ، ولا يجزي عن فرضه .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 620 .
2- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 343 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 278 ؛ مسند الطيالسي ، ص 225 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 250 ، ح 3305 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 154 ، ح 2206 .
3- .الموطّأ ، ج 1 ، ص 306 ، ح 50 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 108 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 287 ؛ موارد الظمآن ، ج 3 ، ص 263 ،951 . وفي الجميع : «طعام» بدل : «خبيص» .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 281 ، ح 850 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ح 397 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 19 ، ح 12726 .

ص: 224

والواجب غير المعيّن كقضاء رمضان ، وفي النذر المطلق يمتدّ وقته إلى زوال الشمس مطلقا إذا لم يفعل المنافي ، وأمّا النافلة فيمتدّ وقتها إلى الغروب مطلقا كذلك . وقال الشيخ : «وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النيّة من الزمان ما أمكن صومه لا أن يكون انتهاء النيّة مع انتهاء النهار» . (1) واحتجّ على الجزء الأوّل بأنّ النيّة إنّما تؤثّر في المتجدّد دون الماضي ، فإنّها عبارة عن إرادة إيقاع الفعل ، ولا يمكن تعلّق الإرادة بالماضي ، فمع الذكر لو لم ينوها إلى أن يطلع الفجر بأن ينوي الإفطار ومضى على تلك الإرادة جزء من النهار لم يتحقّق منه الصوم الذي كلّف به ، فلا يجزيه ولو نوى الصوم بقية النهار ، بخلاف الناسي والجاهل ؛ لعدم تقصير منهما . واستدلّ على حكم الجاهل بما روي : أنّ ليلة الشكّ أصبح الناس في أعرابي أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله مناديا ينادي : «كلّ من لم يأكل فليصم ومَن أكل فليمسك» . (2) قال في المنتهى : «وإذا جاز مع العذر وهو الجهل بالهلال جاز مع النسيان» . (3) ويدلّ أيضا عليه ما ورد في انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ، وقد سبق . وأمّا الجزء الثاني فيدلّ عليه روايات كثيرة ، منها : ما رواه المصنّف عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، (4) وصحيحته الاُخرى ، قال : سألته عن الرجل يبدو له بعدما يصبح ويرتفع النهار أن يصوم (5) ذلك اليوم ويقضيه من رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل ؟ قال : «نعم ، يصومه ويعتدّ به إذا لم يحدث شيئا» . (6)

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 278 .
2- .رواه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 646 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 558 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 186 187 ، ح 522 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 10 ، ح 12703 .
6- .المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «بعد أن أصبح ويرتفع النهار ويصوم» .

ص: 225

وخبر صالح بن عبداللّه ، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، قال : قلت له : رجل جعل للّه عليه صيام شهر ، فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثمّ يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم ، فيبدو له فيصوم ؟ فقال : «هذا كلّه جائز» . (1) ومنها : ما سبق في خبر عمّار الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام ؟ قال : «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت فإن كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر» ، سأله : فإن كان نوى الإفطار يستقيم له أن ينوي الصوم بعدما زالت الشمس ؟ قال : «لا» . (2) ويؤيّدها ما روي في المنتهى من طريق العامّة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء : «أنّ من أكل منكم فليمسك بقيّة نهاره ، ومن لم يأكل فليصم» . (3) وبه احتجّ أبو حنيفة على وجوب صوم عاشوراء على ما سبق . ويدلّ على الثالث أيضا أخبار متعدّدة قد مرَّ بعضها . ومنها : صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم ؟ فقال : «إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فيه» . (4) وصحيحته الاُخرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شيء وإلّا صمت . فإن كان عندهم شيء أتوا به وإلّا صام» . (5) وروى مثله من الطريقين عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 ، ح 523 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12705 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ح 847 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 118 ، ح 384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 13 ، ح 12711 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 558 . والحديث في أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 228 و 241 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 188 ، ح 528 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 12 ، ح 12709 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 188 ، ح 531 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 12 ، ح 12708 .
6- .اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 648 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 85 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، الباب 24 من كتاب الصوم ، ح 1 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 57 .

ص: 226

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال عليّ عليه السلام : «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثمّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر ، فهو بالخيار ، وإن شاء صام ، وإن شاء أفطر» . (1) وحسنة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : إنّ رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار ؟ قال : «نعم» . (2) وخبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة ، قال : «هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتّى العصر ثمّ بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» . (3) ولم يفرّق السيّد المرتضى رضى الله عنه بين أنواع الواجب ولا بين الذاكر وغيره ، وجوّز النيّة إلى الزوال مطلقا ، فقال على ما نُقل عنه في المختلف : «ووقت النيّة في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى قبل زوال الشمس» . (4) وفي المختلف : أنّه احتجّ بصحيحتي عبد الرحمن بن الحجّاج (5) وهشام بن سالم (6) المتقدِّمتين ، وبأنّه إذا جاز ذلك في قضاء رمضان ، فيجوز فيه بالأولويّة ، ولكونه أصلاً فيكون الفرع ثابتا على حدّه . وأجاب في المختلف عن الحديثين بظهورهما في القضاء ، وعن الثاني بالفرق ، فإنّ القضاء لا يتعيّن في ذلك اليوم جاز له ترك الصوم فيه ، ولا يجب عليه صومه ، فلا تجب نيّته ، فإذا لم ينوِفي صدر النهار لم يكن مأثوما ، ويكون حكمه حكم الساهي في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 ، ح 525 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12706 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 10 ، ح 12702 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 91 ، ح 1819 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 186 ، ح 521 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 14 ، ح 12715 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 53) .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 ، ح 526 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12707 .
6- .هو الحديث 528 من تهذيب الأحكام؛ و ح 12709 من وسائل الشيعة.

ص: 227

رمضان ، فإنّه يسوغ له ترك النيّة إلى الزوال ، فإذا نوى قبله صحّ صومه ، وكذا القاضي ، أمّا نهار رمضان فإنّه يتعيّن صومه ، فيجب فيه النيّة مع العمد ، فإذا ترك النيّة مع العمد يكون قد ترك شرطا للواجب . (1) وابن الجنيد أيضا لم يفرّق بين الواجبات وغيرها ، ولا بين الذاكر وغيره ، وجوّز تجديد النيّة في كلّها إلى الغروب ؛ لأنّه قال : ويستحبّ للصائم فرضا وغير فرض أن يبيّت الصيام من الليل لما يريد به ، وجائز أن يبتدئ بالنيّة ، وقد بقي بعض النهار ، ويحتسب به من واجب إذا لم يكن قد أحدث ما ينقض الصيام ، ولو جعله تطوّعا كان أحوط . (2) واحتجّ عليه بأنّه يجوز النيّة قبل الزوال وإن فات بعض النهار ، فكذا يجوز بعده . وما رواه المصنّف عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، (3) فإنّ ذهاب عامّة الزوال ظاهر فيما بعد الزوال . ومرسلة أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ، ويصبح فيأكل إلى العصر ، أيجوز له أن يجعله قضاءً من شهر رمضان ؟ قال : «نعم» . (4) وبما رويناه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج . (5) وفي المختلف : الجواب عن الأوّل بالفرق بين تجديد النيّة قبل الزوال وبعده ، فإنّه في الأوّل نوى معظم النهار ، وكان له حكم الجمع بخلاف الثاني . وعن الحديث الأوّل بمنع صحّة السند أوّلاً ، وباحتمال أن يكون قبل الزوال ، ويصدق

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 365 367 .
2- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 365 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 188 ، ح 529 ؛ وص 315 ، ح956 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 118 119 ، ح 385 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 12 ، ح 12710 .
5- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12707 .

ص: 228

عليه أنّه قد ذهب عامّة النهار على سبيل المجاز ، وهو الجواب عن الحديث الثالث . وعن الثاني بأنّه مرسل ، وباحتمال أن يكون قد نوى صوما مطلقا مع نسيان القضاء ، فجاز له صرفه إلى القضاء . (1) وهو كما ترى . وفرّق ابن أبي عقيل بين صوم رمضان وغيره ، فأوجب في صوم رمضان تثبيت النيّة ، وقال بعدم إجزائها نهارا ولو نسيها أو جهل كون اليوم من رمضان أو جهل المسألة على ما هو الظاهر من إطلاق كلامه . وقال في غيره بالإجزاء إلى الزوال لغير الذاكر مطلقا وإن كان الصوم مندوبا ؛ لأنّه قال : وجب على من كان صومه يعني صوم رمضان فرضا عند آل الرسول عليهم السلام أن يقدّم النيّة في اعتقاد صومه ذلك من الليل ، ولو كان صومه تطوّعا أو قضاء رمضان فأخطأ أن ينوي من الليل فنواه بالنهار قبل الزوال أجزأه ، وإن نوى بعد الزوال لم يجزءه . (2) ويردّه ما تقدّم . وجوّز السيّد المرتضى تجديد النيّة في المندوب بعد الزوال ، (3) وكأنّه أراد ما بعد الزوال إلى الغروب كما هو المشهور . ومنع ابن أبي عقيل من تجديد النافلة بعد الزوال . (4) وظاهر الشيخ في الخلاف عدم إجزاء النيّة في المندوب بعد الزوال حيث قال : يجوز أن ينوي لصيام النافلة نهارا . ومن أصحابنا من أجازه إلى عند الزوال وهو الظاهر من الروايات ، ومنهم من أجازه إلى جزء النهار . ولست أعرف به نصّا . (5)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 369 .
2- .نقله عنه العلّامه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 367 .
3- .الانتصار ، ص 180 .
4- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، وهذه الفقره كانت في الأصل قبل قوله : «حيث قال : يجوز أن ينوي»، فقدّمناها .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 167 ، المسألة 6 .

ص: 229

باب الرجل يتطوّع بالصيام وعليه من قضاء شهر رمضان

وبه صرّح في المبسوط ، (1) ورجّحه العلّامة في المختلف ، واحتجّ عليه بأنّه عليه السلام نفى العمل بدون النيّة ، ومضيّ جزء من النهار بغير نيّة يستلزم نفي حكمه ، خرج منه ما إذا نوى قبل الزوال ؛ لصيرورة عامّة النهار منويّا ، فيبقى الباقي على الأصل ، ولأنّه عبادة مندوبة فيكون وقت نيّتها وقت نيّة فرضها كالصلاة . وبصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة ذكرها ، ثمّ قال : «وترك الاستفصال عقيب إكمال السؤال يدلّ عليه تعميم المقال» . (2) وهذان الوجهان جيّدان لولا ما ذكر من الأدلّة . وقد اختلف العامّة أيضا في المسألة ، فقد حكى في المنتهى عن الشافعي ومالك وأحمد عدم إجزاء النيّة نهارا في الواجب كلّه ، المعين و غيره . و عن أبي حنيفة و باقي فقهائهم الفرق بين المعيّن و غير المعيّن من الواجب ، واشتراط التبييت في الأوّل دون الثاني ، وأنّه يجزي في الثاني إلى الزوال . وعن مالك وداود والمزنيّ اشتراط التبييت في النافلة ، وقال : وهو مرويّ عن عبداللّه بن عمر ، وحكى جوازها نهارا عن ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والنخعيّ والشافعيّ وأصحاب الرأي ، (3) وقد حكى احتجاج كلّ بما لا فائدة لذكره .

باب الرجل يتطوّع بالصيام وعليه من قضاء شهر رمضانظاهر المصنّف قدس سره عدم جواز صيام المندوب لمن عليه قضاء شهر رمضان ، وحكاه في المختلف عن السيّد المرتضى في الجمل (4) والشيخين (5) والصدوق (6) وأبي

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 277 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 370 371 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 559 . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 30 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 30 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 57) .
5- .قاله المفيد في المقنعة ، ص 360 ؛ والطوسي في النهاية ، ص 163 .
6- .المقنع ، ص 203 .

ص: 230

باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان أو غيره

الصلاح ، (1) واستوجهه بما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : من صام تطوّعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنّه لا يقبل منه . (2) وبحسنة الحلبيّ وخبر أبي الصباح الكنانّي ، (3) ونقله عن أحمد في رواية ، وفي رواية اُخرى عنه الجواز محتجّا بأنّها عبارة متعلّقة بوقت موسّع ، فجاز التطوّع في وقتها كالصلاة . (4) وأجاب عنه : بأنّه قياس في مقابل النصّ ، وعارضه أيضا بقضاء الصلاة ، فإنّه لا يجوز التطوّع بها لمن عليه قضاء صلاة . (5) وفيه : أنّ الفرق بين قضاء الصلاة وقضاء الصوم واضح ، فإنّ الأوّل وقته مضيّق ؛ لأنّه فوري ووقته وقت الذكر ، وبذلك استدلّوا على وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة إذا كان وقت الحاضرة موسّعا ، بخلاف الثاني فإنّه موسّع إجماعا . ونقل في المختلف عن السيّد أنّه قال في بعض رسائله : «إنّ الصوم ليس كالصلاة ، فإنّه لا يجوز لمن عليه فائتة أن يصلّي الحاضرة في أوّل وقتها ، ويجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعا» ؛ محتجّا بأصالة الإباحة ، (6) وأجاب بمعارضتها بالاحتياط وبالأخبار . (7)

باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان أو غيرهظاهر المصنّف قدس سره وجوب قضاء الصوم الواجب على الميّت الرجل من شهر رمضان على وليّه ، سواء كان سبب القضاء بسبب المرض الذي تمكّن بعده من القضاء أو بسبب السفر أو بسببٍ آخر ، كما إذا أفطر يوم الشكّ ثمّ ظهر أنّه من رمضان حيث

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 184 .
2- .مسند أحمد ، ص 352 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 494 ، ح 2379 .
3- .هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
4- .المغني ، ج 3 ، ص 84 85 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 84 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 508 .
6- .جوابات المسائل الرسيّة (رسائل الشريف المرتضى ، ج 2 ، ص 366) .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 508 509 .

ص: 231

أطلق وجوب صيام شهر رمضان على الرجل ، وإن لم يكن له وليّ تصدّق من ماله عن كلّ يوم بمدّ ، واختصاص ذلك بالرجل الميّت ، وأنّ المراد بالولي أولى الناس بميراثه (1) الورثة على مراتب الإرث حتّى الزوج والمعتق وضامن الجريرة والإمام عليه السلام لا من نسائهم ؛ لدلالة ما ذكره من الأخبار عليه حيث أطلق الصوم في أكثرها ، وخصّ الرجل الميّت بالذكر ، وقيّد الوليّ بالرجال في بعضها . وإليه ذهب أبو الصلاح حيث قال على ما حكى عنه فيالمختلف : من مات وعليه من ضروب الصوم شيء مع تيقّن (2) فرضه عليه وتفريطه فيه فعلى وليّه القضاء عنه ، فإن لم يكن له وليّ اُخرج من ماله إلى من يقضي عنه . (3) ولابدّ في تحقيق الحال من البحث في اُمور : الأوّل : عدم وجوب قضاء ما فات عنه بالمرض الذي مات فيه ، فقد قال العلّامة في المنتهى : «إنّه قول العلماء كافّة» . (4) ويدلّ عليه أخبار متعدّدة منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض ، فتوفّي قبل أن يبرأ ، قال : «ليس عليه شيء ، ولكن يقضي عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي» . (5) وخبر منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتّى يموت ، قال : «لا يقضى عنه» ، والحائض تموت في شهر رمضان ؟ قال : «لا يقضى عنها» . (6)

.


1- .بعده بياض بقدر كلمة .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «تعيّن» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 541 ؛ الكافي في الفقه ، ص 189 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 603 .
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 738 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 110 ، ح 359 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330329 ، ح 13527 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 247 ، ح 734 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 108 ، ح 353 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 ، ح 13534 .

ص: 232

وموثّق سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال ، فقال : «لا صيام عليه ولا قضاء عنه» . قلت : فامرأة نفساء دخل شهر رمضان ولم تقدر على الصوم ، فماتت في شهر رمضان أو في شوّال ؟ فقال : «لا يقضى عنها» . (1) وما رواه الصدوق في الصحيح عن أبي مريم الأنصاريّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ، ثمّ لم يزل مريضا حتّى مات فليس عليه قضاء ، وإن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت فيها وكان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليّه» . (2) بل يظهر ممّا رواه المصنّف عن أبي بصير (3) عدم جوازه ، ومنه يظهر أنّ ما ذكره جماعة منهم المحقّق في الشرائع من استحباب القضاء عنه (4) ليس في محلّه ، فإنّ الاستحباب حكم شرعي محتاج إلى دليل شرعي . الثاني : تعميم الفائت من وجوه : أحدها : تعميمه لما أفطره الميّت من غير عذر عصيانا ، (5) وفي السفر والمرض ، وهو ظاهر الأكثر . وحكى الشهيد في الذكرى عن المحقّق أنّه قال في مسائله البغداديّة المنسوبة إلى سؤال جمال الدِّين بن حاتم المشغريّ : (6) «والذي يظهر لي أنّ الولد يلزمه قضاء ما فات

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 247 ، ح 733 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 108 ، ح 352 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 ، ح 13535 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 152 153 ، ح 2008 ؛ هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13532 .
3- .باب صوم الحائض والمستحاضة ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 333 ، ح 13537 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 150 .
5- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «صيانا» .
6- .جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري العامِلي ، كان فاضلاً فقيها عابدا ، يروى عن المحقّق الحلّي وابن طاووس وهما من أساتذته ، وله من التصانيف الأربعين الذي كان عند الشيخ الحرّ ، ومنها الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم وقد طبع .

ص: 233

الميّت من صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض ، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه . (1) ثمّ قال] الشهيد] : وقد كان شيخنا عميد الدِّين برّ اللّه (2) لطيفه ينصر هذا القول ولا بأس به ، فإنّ الروايات تحمل على الغالب من الترك ، وهو إنّما يكون على هذا الوجه . (3) وقد صرّح الشيخ قدس سره بثبوت الحكم للفائت بالسفر ، فقد قال في التهذيب : «ما يفوت بالسفر يجب قضاؤه على الولي على كلّ حال ، سواء مات في السفر أو تمكّن من قضائه ولم يقضه» . (4) وفي النهاية قيّد ما فات في السفر بما إذا تمكّن من قضائه ولم يقضه ، (5) و عدّه العلّامة في المختلف (6) والشهيد الثاني في شرح اللمعة (7) أقرب ، وهو ظاهر ما نقلناه . وعن أبي الصلاح حيث قيّد ما تيقّن فرضه عليه بتفريطه فيه ، (8) وهو إنّما يتحقّق مع تمكّنه من القضاء .

.


1- .المسائل البغداديّة (الرسائل التسع ، ص 258) .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «قدّس اللّه » . وعميد الدين هذا هو السيّد عبد المطلّب بن السيّد مجد الدين بن أبي الفوارس ابن اُخت العلّامة الحلّي ، ينتهى نسبه إلى عبيد اللّه الأعرج بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وهو فقيه ، اُصولي ، متكلّم ، من كبار تلامذة العلّامة الحلّي ، ولد بالحلّة في شعبان سنة 681ه ق ، وتوفّي ببغداد في شعبان سنة 754ه ق ، و دفن بالنجف الأشرف ، من تصانيفه: إشراقات اللاهوت في شرح أنوار الملكوت ، تبصرة الطالبين في شرح نهج المسترشدين ، شرح مبادى ء الاُصول ، كنزالفوائد في حلّ مشكلات القواعد ، منية اللبيب في شرح التهذيب . راجع: أمل الآمل ، ج 2 ، ص 164 165 ، الرقم 486 ؛ الكنى والألقاب للقمّي ، ج 2 ، ص 487 488 «العميدي» .
3- .الذكرى ، ج 2 ، ص 447 448 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ذيل الحديث 739 ؛ وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 ، واللفظ له .
5- .النهاية ، ص 157 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 .
7- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 123 124 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 189 .

ص: 234

ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن أبي بصير في الصحيح (1) حيث دلّ على اعتبار ذلك في المرأة ، ولا قائل بالفصل . واحتجّ عليه في المختلف «بأنّه على تقدير عدم التمكّن معذور ؛ لاستحالة التكليف بالممتنع ، فيسقط عنه و [لأنّ ]وجوب القضاء على الولي تابع لوجوبه على الميّت» . (2) واحتجّ الشيخ على ما ذهب إليه في التهذيب بما رواه عن منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت ، قال : «يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في رمضان ، فماتت لم يقض عنها ، والمريض في رمضان لم يصح حتّى مات لا يقض عنه» . (3) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يقضى عنها ؟ قال : «أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم» . (4) وبأنّه عذر من قبله ، والترخيص للإرفاق به لا يسقط القضاء ، فوجب أن يقضى عنه مطلقا . ويؤكّدهما ما رواه المصنّف في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام . (5) وأجاب العلّامة عن الخبر بعد منع السند بحملهما على الاستحباب أو على الوجوب لكون السفر معصية ، وعن الاعتبار بأنّ العذر المسقط لا يستعقب العقوبة لكونه سائغا ، فلا يجب على الوليّ . (6)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 .
2- .هو الحديث الثامن من باب صوم الحائض والمستحاضة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 333 ، ح 13537 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ح 740 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 ، ح 13540 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ح 741 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 ، ح 13541 .
5- .هو الحديث التاسع من باب صوم الحائض والمستحاضة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 ، ح 13529 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 536 .

ص: 235

وما أجابه إنّما يصحّ لو كان عارض تلك الأخبار نصّ ولم يوجد ، فقول الشيخ في التهذيب أظهر . وخّص بعض الأصحاب الفائت بالمرض بالذكر ، (1) وكأنّهم ذكروه من باب المثال لا لفرض التخصيص في الحكم ؛ لدلالة أخبار ، منها صحيحة على ثبوته في غيره أيضا كما عرفت . وثانيها : تعميمه بحيث يشمل صوم غير رمضان ، وهو ظاهر إطلاق جماعة ، وقد صرّح به جماعة ، منهم المحقّق في الشرائع حيث قال : «يجب على الوليّ أن يقضي ما فات عن الميّت من صيام واجب من رمضان أو غيره ، سواء فات لمرض أو غيره» . (2) ويدلّ عليه عموم الصيام في صحيحة حفص بن البختريّ ، (3) وخصوص ما سيأتي في وجوب قضاء صوم للشهرين المتتابعين ، وخّص جماعة . وثالثها : تعميمه بحيث يشمل الشهرين المتتابعين ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، لكنّه قال بالتخيير حيث قال : «كلّ صوم كان واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له ، فمتى مات وكان متمكّنا منه فلم يصمه فإنّه يتصدّق عنه أو يصوم عنه وليّه» . (4) ونقل مثله عن جمله (5) واقتصاده . (6) وبه قال ابن إدريس (7) والعلّامة في المختلف ، (8) وهو ظاهر عموم الأدلّة المذكورة ، والظاهر أنّهم خصّوا ذلك بما إذا كان صوم الشهرين متعيّنا على الميّت ، وإلّا كان الولي

.


1- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 220 .
2- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 150 151 ، وكان في الأصل : «سواء مات بمرض وغيره» ، فصوّبناه حسب المصدر .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 331 ، ح 13530 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 286 .
5- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 220) .
6- .الاقتصاد ، ص 294 .
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 398 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 539 .

ص: 236

مخيّرا أيضا مثله ، وقد صرّح بذلك ابن إدريس ، فقال : الشهران إن كانا نذرا وفرّط فيهما وجب على وليّه ، وهو أكبر أولاده الذكور الصيام للشهرين ، ولا يجزيه غير ذلك ، وإن كان عليه كفّارة مخيّر فيها تخيّر الولي في أن يصوم شهرين أو يكفّر من ماله قبل قسمة تركته ، ولا يتعيّن عليه الصيام ، ولا يجزيه إلّا أن يفعل من الكفّارة جنسا واحدا إمّا صياما أو طعاما . (1) وقد خالف ذلك في النهاية فقال : «المريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثمّ مات تصدّق عنه عن شهر ، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر» . (2) وحكى مثله ابن البرّاج ، (3) وبه قال جماعة اُخرى منهم المحقّق في الشرائع (4) محتجّين بما رواه الشيخ عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : «إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّة ، فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل ويقضي الثاني» . (5) وأجاب عنه العلّامة بأنّ في طريقه سهل بن زياد ، وهو ضعيف جدّا ، فاسد الرواية والمذهب ، فلا يعتمد على روايته ، مع أنّها لا تدلّ على تخيير الوليّ ؛ إذ لم يذكر فيها الوليّ . (6) الثالث : تعميم الولي من وجهين ، أحدهما : تعميمه بحيث يشمل رجال مراتب الإرث ، وبه قال ابن الجنيد حيث قال على ما حكى عنه في المختلف : «وأولى الناس بالقضاء عن الميّت أكبر أولاده الذكور ، وأقرب أوليائه إليه إن لم يكن له ولد» . (7) وهو ظاهر الصدوقين حيث أطلقا الوليّ ، إلّا أنّهما أدخلا النساء أيضا فيه على ما ستعرف .

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 398 .
2- .النهاية ، ص 158 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 196 .
4- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 150 151.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 250 ، ح 742 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 335 ، ح 13542 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 540 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .

ص: 237

وخصّه الشيخ قدس سرهبأكبر أولاده الذكور فقد قال في المبسوط : والولي هو أكبر أولاده الذكور ، فإن كانوا جماعة في سنّ وجب القضاء بالحصص أو يقوم به بعض فيسقط عن الباقين ، وإن كانوا إناثا لم يلزمهنّ القضاء وكان الواجب الفدية . (1) وحكاه في المختلف عن ابن حمزة (2) وابن إدريس ، (3) وعدّه الأقرب محتجّا بأصالة البراءة في غير محلّ الوفاق ، وبأنّه في مقابل الحبوة . (4) وهو ظاهر ابن البرّاج إلّا أنّه عمّمه للبنات أيضا على ما سيجيء ، وهو ظاهر العلّامة أيضا في المختلف على ما سيجيء ، وإطلاق الوليّ في الأخبار يدفعه ، فإنّ المتبادر منه الأولى بالميراث مطلقا ، إلّا أنّه خرج النساء ببعض الأخبار . وعمّم المفيد قدس سرهتعميما زائدا على ما ذكر بحيث يشمل نسوة مراتب الإرث أيضا ، فقد قال : «فإن لم يكن ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وأولاده ، وإن لم يكن إلّا من النساء» . (5) وبه قال الصدوقان ، فقد حكي عن عليّ بن بابويه أنّه قال : من مات وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليّه أن يقضي عنه ، فإن كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال ، فإن لم يكن له وليّ من الرجال قضى عنه وليّه من النساء . (6) ونقل مثله عن ابنه في المقنع ، (7) وعمّمه ابن البرّاج أيضا للنساء ، إلّا أنّه خصّه بالأولاد فقال على ما نقل عنه : «على ولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه ما فاته من ذلك ومن الصلاة أيضا ، فإن لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء» . (8)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .
2- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 286 .
3- .الوسيلة ، ص 150 .
4- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 .
5- .المقنعة ، ص 353 .
6- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 211 ، حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .
7- .المقنع ، ص 202 .
8- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 196، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .

ص: 238

ويردّه أصالة براءة ذمّة النساء ، ومرسلة حمّاد بن عثمان ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت وعليه دين شهر رمضان مَن يقضي عنه ؟ قال : «أولى الناس به» ، قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة ؟ قال : «لا ، إلّا الرجال» . (1) وثانيها : تعميمه بحيث يشمل المتعدّد ، قال الشيخ : «لو تعدّدت الأولياء وجب القضاء عليهم بالحصص أو يقوم به بعضهم ، فيسقط عن الباقين» . (2) وهو المشهور بين الأصحاب ، واعتمده في المختلف ، واحتجّ على وجوب القضاء عليهم مع التعدّد بما أشرنا إليه من عموم الوليّ ، وبأنّ أحدهم ليس أولى بالوجوب من الباقين ، فتعيّن عليهم بالحصص وعلى السقوط عن الباقين بفعل البعض بأنّه كالدَّين على الميّت ، فكما أنّه هو يسقط بأداء بعض الورثة عن الآخرين فهذا أيضا كذلك . (3) وحكى في المختلف عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صام الرجل رمضان فلم يزل مريضا حتّى يموت ، فليس عليه شيء ، وإن صحَّ ثمّ مرض حتّى يموت وكان له مال تصدّق عنه ، وإن لم يكن له تصدّق عنه وليّه» ، (4) ولقوله تعالى : «وَأَنْ لَيْسَ لِلْاءِنسَانِ إِلَا مَا سَعَى» (5) ، فلا يصحّ أن يكون سعي غيره له . (6) وفي المختلف : والجواب بعد سلامة السند أنّه محمول على ما إذا لم يكن له وليّ من الأولاد الذكور ، وعن الآية أنّ مقتضاها أنّ الثواب للإنسان إنّما هو بسعيه ، ونحن لا نقول إنّ الميّت يثاب

.


1- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 108 ، ح 354 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 246 247 ، ح 731 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 331 ، ح 13530 .
2- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 219) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 286 وفيهما : «فان كانوا جماعة في سنّ واحد» بدل : «تعددّت الأولياء» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 533 534 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 735 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 109 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13531 .
5- .النجم (53) : 39 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 .

ص: 239

بصوم الحيّ ، بل إن مات وعليه صوم كان ذلك سببا لوجوب الصوم على الوليّ ، وسمّي قضاءً لأنّ سببه التفريط المتقدّم ، والثواب للحيّ لا للميّت . (1) وفيه تأمّل . وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه : يتصدّق عنه من صلب المال ، فإن لم يكن هناك مال صام الوليّ عنه ، (2) محتجّا بخبر أبي مريم الأنصاريّ المروي بسند آخر مثل ما ذكر ، إلّا أنّه قال : «صام عنه وليّه» بدلاً عن «تصدّق عنه وليّه» ، (3) وهو نصّ في مذهبه . وفي المختلف : والجواب ما تلوناه نحن من الأحاديث أوضح طريقا وأجود استدلالاً ، فإنّ هذه الرواية بعد صحّة سندها منقولة على وجهين متفاوتين والراوي واحد ، وذلك يوجب تطرّق الاحتمال ، فكان ما صرنا إليه أولى خصوصا مع كثرة الروايات من طرقنا . (4) وخيّر جماعة الوليّ . (5) و عن ابن البرّاج القول بالقرعة ؛ (6) لثبوتها في كلّ أمرٍ مشتبه ، وردّه بأنّ القرعة لا تثبت عبادة في ذمّة ولا تستعمل في العبادات . (7) وأسقط ابن إدريس وجوب القضاء حينئذٍ عنهم معلّلاً بأنّ الإجماع إنّما قام على الولد الأكبر ، و ليس هناك ولد أكبر وبأصالة البراءة . (8) وردّه في المختلف بأنّ انتفاء دليل خاصّ على حكم لا يدلّ على انتفاء ذلك الحكم ؛

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 196 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 .
4- .الانتصار ، ص 197 . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 واللفظ له .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 153 154 ، ح 2008 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 736 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13532 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 531 .
7- .كذا بالأصل ، وسيكرّر هذه الفقرة ويكمّلها .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 400 .

ص: 240

لجواز ثبوته بدليل آخر وقد دللنا عليه ، وقوله : (ليس هنا أكبر) ليس بجيّد ، بل كلّ واحدٍ منهم أكبر . (1) ولم يتعرّض جماعة منهم المفيد قدس سرهوالسيّد المرتضى رضى الله عنه لهذه المسألة ، وعلى التوزيع لو انكسر منه يوم فهو واجب كفاية على الجميع . وفي المدارك : ولو كان اليوم من قضاء رمضان وأفطرا فيه بعد الزوال احتمل وجوب الكفّارة عليهما ؛ إذ يصدق على صوم كلّ منهما أنّه قضاء عن رمضان ، فيتعلّق به حكمه واتّحاد الأصل لا ينافي التعدّد باعتبار المقدّمة . واحتمل الشهيد في الدروس وجوب كفّارة واحدة عليهما بالسويّة ، أو كونهما فرض كفاية كأصل الصوم ، ثمّ استقرب سقوط الكفّارة عنهما ، (2) واستوجهه الشارح ، (3) وهو غير بعيد ؛ لانتفاء ما يدلّ على وجوب الكفّارة في القضاء على وجه يتناول ذلك . وقال في الدروس : «ولو أفطر أحدهما فلا شيء عليه إذا ظنّ بقاء الآخر وإلّا أثم لا غير» . (4) ومقتضى كلامه جواز الإفطار بعد الزوال مع ظنّ بقاء الآخر ، ويمكن المناقشة فيه بأنّ صوم كلّ منهما يصدق عليه أنّه صوم واجب من قضاء شهر رمضان ، فلا يجوز الإفطار فيه بعد الزوال ، اللّهُمَّ إلّا أن يناقش في العمومات المتناولة لذلك . (5) الرابع : تخصيص الوليّ بالأكبر ولم أجد مخالفا له . ويدلّ عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلامفي رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام وله وليّان ، هل يجوز أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيّام أحد الوليّين وخمسة أيّام

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 534 535 .
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 290، الدرس 76.
3- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 64 .
4- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 290 ، الدرس 76 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 226 227 .

ص: 241

الآخر ؟ فوقّع عليه السلام : «يقضي عنه أكبر أوليائه عشرة أيّام» . وقال رضى الله عنه : هذا التوقيع عندي من توقيعاته عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار بخطّه عليه السلام . (1) الخامس : تخصيص الميّت بالرجل وعدم وجوب القضاء عن المرأة على وليّها ، وبه صرّح ابن إدريس حيث قال : والصحيح من المذاهب والأقوال أنّ إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال يحتاج إلى دليل ، وإنّما إجماعنا منعقد على أنّ الوالد يحمل ولده الأكبر ما فرّط فيه من الصيام ، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا وإنّما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا . (2) وكأنّه قال بذلك بناءً على ما أصّله من عدم جواز العمل بأخبار الآحاد . وقال الشيخ في النهاية : والمرأة أيضا حكمها ما ذكرناه في أنّ ما يفوتها من الصيام بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها ، إلّا أن يكون قد تمكّنت من القضاء فلم تقضه ، فإنّه يجب القضاء عنها ، ويجب القضاء عنها ما يفوتها بالسفر حسب ما قدّمناه في حكم الرجال (3) . وعدّه العلّامة في المختلف أقرب ، واحتجّ عليه بأنّ الغالب تساوي الذكور والإناث في أحكام الشريعة ، وبأنّ إبراء ذمم المكلّفين أمرٌ مطلوب للشارع قضيّة لحكمته تعالى ورحمةً على العالمين والقضاء على الوليّ طريق صالح في حقّ الرجال ، فيجب عليه في حقّ المرأة أيضا قضاء للمناسبة . (4) وبما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم في الموثّق عن أبي عبداللّه عليه السلام في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يقضى عنها ؟ قال : «أمّا الطمث والسفر فلا ، وأمّا السفر فنعم» . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ح 741 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 ، ح 13541 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 .
3- .الفقيه ، ج2 ، ص 153 154 ، ح 2010 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 ، ح 13528 .
4- .النهاية ، ص 158
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 537 538 .

ص: 242

وفي الصحيح عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت في رمضان وماتت في شوّال ، (1) وذكر الخبر إلى آخر ما رواه المصنّف ، (2) وقال : والاستدلال بهذا الحديث من وجوه : الأوّل : سؤاله عليه السلام : «هل برئت من مرضها ؟» قال : لا ، فأجابه بسقوط القضاء ، و لولا أنّ البرء موجب للقضاء لما صحّ هذا السؤال . الثاني : تعليله عليه السلام عدم القضاء منها بعدم إيجابه تعالى إيّاه عليها ، وعند انتفاء العلّة ينتفي المعلول ، فيجب القضاء عنها عند الإيجاب . الثالث : تعليله بتعجّبه عليه السلام في قوله : كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه عليها ؟! بانتفاء الإيجاب ، فيجب أن يكون مع الإيجاب يجب القضاء . (3) ويدلّ عليه أيضا ما رواه المصنّف في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام . (4) ويؤيّدها ما رواه في المختلف عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه ، إنّ اُمّي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه ؟ قال : «لو كان على اُمّك دَين ، أكنتَ تقضيه عنها ؟» قال : نعم ، قال : «فدين اللّه أحقّ أن يُقضى» . (5) وعدّه الشهيد الثاني أولى ؛ (6) للاحتياط . واعترض في المختلف على [قول] ابن إدريس بأنّ الإجماع على الولد ليس حجّة ؛ إذ لا دلالة دليل على حكم ليس دليلاً على انتفاء ذلك الحكم في صورة اُخرى ، وقال : وقوله : «ليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا ، جهلٌ منه ، وأيّ أحد أعظم من الشيخ رحمه الله

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 737 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 109 ، ح 358 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 333 ، ح 13537 .
2- .الحديث الثامن من باب صوم الحائض والمستحاضة .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 537 .
4- .هو الحديث التاسع من باب صوم الحائض والمستحاضة ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 ، ح 13529 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 534 ؛ والحديث في مسند أحمد ، ج 1 ، ص 227 و 258 و 362 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 155 156 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 255 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 176 ، ح 2315 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 173 ، ح 2912 و 2913 .
6- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 124 .

ص: 243

خصوصا مع اعتضاد قوله بالروايات والأدلّة العقليّة ، مع أنّ جماعة قالوا بذلك كابن البرّاج ، (1) ونسبة قول الشيخ إلى «أنّه إيرادٌ لااعتقاد» غلط منه ، وما يدريه بذلك ؟! مع أنّه لم يقتصر على قوله بذلك في النهاية ، (2) بل في المبسوط (3) أيضا . (4) السادس : تعميم الرجل بحيث يشمل العبد ، وهو ظاهر الأخبار وأكثر الفتاوى ، وعدّه الشهيد الثاني أقوى (5) معلّلاً بذكر الذكر في بعض الروايات . السابع : تعيّن القضاء عليه ، وفي المختلف : «ذهب إليه الشيخان (6) وابنا بابويه (7) والسيّد المرتضى (8) وابن الجنيد (9) وابن البرّاج (10) وابن حمزة (11) وابن إدريس» ، (12) وقال : «هو المعتمد» . (13) وحكى عن ابن أبي عقيل أنّه قال بعد نقل هذا القول : وقد روي أنّه من مات وعليه صوم من رمضان تصدّق عنه عن كلّ يومٍ بمدّ من طعام ، وبهذا تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام ، والقول الأوّل يطرح ؛ لأنّه شاذّ . واحتجّ عليه بما رواه ظريف بن ناصح عن أبي مريم الأنصاري عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضا حتّى يموت فليس عليه

.


1- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 286 .
2- .الوسيلة ، ص 150 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 197 .
4- .النهاية، ص 158.
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 538 .
6- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 125 .
7- .ذهب إليه المفيد في المقنعة ، ص 353 ، والطوسي في النهاية ، ص 157 ؛ والاقتصاد ، ص 294 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 219) ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 286 .
8- .الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 153، ذيل ح 2008، ووالده في فقه الرضا عليه السلام ، ص 211.
9- .الانتصار ، ص 197 198 .
10- .لم أعثر على كتاب ابن الجنيد .
11- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 .
12- .السرائر ، ج 1 ، ص 395 و 398 .
13- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 527 528 .

ص: 244

شيء ، وإن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت (1) وكان له مال تصدّق عنه ، وإن لم يكن له تصدّق عنه وليّه» . (2) وبقوله تعالى : «وَأَنْ لَيْسَ لِلْاءِنسَانِ إِلَا مَا سَعَى» ، (3) فلا يصحّ أن يكون سعي غيره له . وفي المختلف : والجواب بعد سلامة السند : أنّه محمول على ما إذا لم يكن له وليّ من الأولاد الذكور . وعن الآية أنّ مقتضاها أنّ الثواب للإنسان إنّما هو بسعيه ونحن لا نقول إنّ الميّت يُثاب بصوم الحيّ ، بل إن مات وعليه صوم كان ذلك سببا لوجوب الصوم على الوليّ ، وسمّي قضاءً لأنّ سببه التفريط المتقدّم والثواب للحيّ لا للميّت . (4) وفيه تأمّل . وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه : يتصدّق عنه من صلب المال ، فإن لم يكن هناك مال صام الوليّ عنه ، (5) محتجّا بخبر أبي مريم الأنصاري المروي بسند آخر عن مثل ما ذكر ، إلّا أنّه قال : «صام عنه وليّه» بدلاً عن «تصدّق عنه وليّه» ، (6) وهو نصّ في مذهبه . وفي المختلف : والجواب : ما تلوناه نحن من الأحاديث أوضح طريقا وأجود استدلالاً ، فإنّ هذه الأحاديث بعد صحّة سندها منقولة على وجهين متفاوتين ، والراوي واحد ، وذلك يوجب تطرّق الاحتمال ، فكان ما صرنا إليه أولى خصوصا مع كثرة الروايات من طرقنا . (7)

.


1- .النجم (53) : 39 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 531 .
4- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «ثمّ مات» بدل «حتّى يموت» .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 735 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 109 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13533 .
6- .الانتصار ، ص 197 .
7- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13532 .

ص: 245

وخيّر جماعة الوليّ (1) بين الصيام والصدقة بما ذكر ؛ جمعا بين الأدلّة ، وبه قال الشيخ في المبسوط ، (2) وقد سبق كلامه في ذلك . الثامن : التصدّق مع عدم الوليّ ، وهو المشهور لما ذكر من الأخبار ، والخلاف فيه في مقامين : الأوّل : في أصله ، فعن أبي الصلاح وجوب إخراج اُجرة الصيام إلى من يقضي عنه مع انتفاء الوليّ ؛ (3) حملاً للصوم الواجب في ذمّة الميّت على الحجّ الواجب عليه . وردّ بالفارق عليه فإنّ الحجّ إنّما يتعلّق بموته بماله لا بالوليّ بخلاف الصوم فإنّه إنّما يتعلّق بالوليّ ، ويظهر من المحقّق في الشرائع ميله إلى عدم وجوب الصدقة أيضا حينئذٍ ، حيث قال : «إذا لم يكن وليّ أو كان الأكبر اُنثى سقط القضاء . وقيل : يتصدّق عنه عن كلّ يومٍ بمدّ من تركته» . (4) والثاني : في قدر الصدقة ، فالمشهور أنّها مدّ مطلقا ، وفصّل الشيخ فخصّ المدّ بالعاجز ، وأوجب على القادر مدّين ، (5) والنصوص هنا خالية عن قدرها ، وإنّما اختلفوا فيه بناءً على اختلاف الأخبار والأقوال في نظائرها ، وقد تقدّم بعضها ، ولعلّ المدّ أظهر ؛ لتحقّق مسمّى الصدقة فيه ، وأصالة البراءة من الزائد . التاسع : تعلّق وجوب القضاء بالوليّ يقتضي عدم سقوطه عنه بفعل غيره تبرّعا أو مع اُجرة ، كما في سائر الواجبات المتعلّقة بالأخبار ، وبه صرّح ابن إدريس (6) والعلّامة في المنتهى ، (7) ولكن حكمه عليه السلام بأنّه كالدَّين فيما تقدّم في خبر سعيد بن جبير 8

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 189 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 286 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 .
4- .من رواية أبي مريم الأنصاري إلى هنا مكرّر لما تقدّم قبل صفحات ، وقد غفل الشارح عن ذلك .
5- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 151 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 604 .
7- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 155 156 ، و تقدّم الحديث قبل صفحات .

ص: 246

باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون به

يعطي سقوطه عنه بذلك ، واحتمله بعض الأصحاب ولعلّه أظهر ؛ لأنّ الحكمة في ذلك الإيجاب حصول براءة ذمّة الميّت ، وهي حاصلة بذلك .

باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون بهأجمع العلماء كافّة عدا أحمد على عدم وجوب الصوم على الصبيّ واشتراط وجوبه البلوغ ؛ (1) لما رواه الشيخ عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام في كَمْ يؤخذ الصبيّ بالصيام ؟ فقال : «ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، وإن هو صام قبل ذلك فدعه» . (2) وعن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «على الصبيّ إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار ، إلّا أن تكون مملوكة ، فإنّه ليس عليها خمار إلّا أن تحبّ أن تختمر» . (3) وما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «رفع القلم عن ثلاث : عن الصبيّ حتّى يبلغ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ» . (4) وربّما احتجّ عليه بالإجماع بناءً على عدم اعتدادهم بقول أحمد ؛ لكونه شاذّا .

.


1- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 146 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 90 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 13 ، وفي الأخيرين نسب وجوبه على الصبي إلى بعض أصحاب أحمد لا إلى نفسه ، بل نقلا عنه التصريح بعدم وجوبه على الصبي .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 381 ، ح 1590؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1563 . ورواه الكليني في الكافي ، باب صوم الصبيان ، ح 2 ؛ والصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 122 ، ح 1906 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 281 ، ح 851 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 123 ، ح 398 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 409 410 ، ح 5556 ؛ و ج 10 ، ص 236 ، ح 13303 .
4- .تجدها بهذا اللفظ في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 100 ؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 5 ، ص 275 ولم يذكر «عن ثلاث» ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 20 ؛ الإقناع ، ج 2 ، ص 108 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 91 ؛ و ج 5 ، ص 271 ؛ و ج 12 ، ص 238 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 5 ، ص 271 ، و ج 10 ، ص 119 ؛ و ج 12 ، ص 240 . ومع تقديم وتأخير في الفقرات أو مغايرة في بعضها في: مسند أحمد ، ج 6 ، ص 10 ؛ سنن النسائي ، ج 6 ، ص 156 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 258 ؛ و ج 4 ، ص 389 ؛ والسنن الكبرى للبيقهي ، ج 4 ، ص 269 .

ص: 247

ويؤيّده تحقّق الإجماع قبله وبعده . واحتجّ عليه أيضا باشتراط الصوم بالعقل ، وهو عشر المعرفة ، والبلوغ وصف ظاهر دليل عليه شرعا ، وبأنّها عبادة بدنيّة فلا يجب عليه كالحجّ . (1) وحكى في المنتهى عن أحمد في رواية عنه أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه محتجّا بأنّها عبادة بدنية فأشبه الصلاة ، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بأن يضرب على الصلاة من بلغ عشرا ، (2) وبما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيّام وجب عليه صيام شهر رمضان» (3) . (4) وقد ورد مثله من طريقنا أيضا ، رواه الشيخ عن السكونيّ عن أبي عبداللّه عن أبيه عليهماالسلامقال : «الصبيّ إذا أطاق الصوم ثلاثة أيّام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان» . (5) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه سُئِلَ عن الصبيّ متى يصوم ؟ قال : «إذا أطاقه» . (6) وهي مع ضعفها محمولة على الاستحباب ؛ للجمع . وأمّا اعتباره فباطل ؛ لمنع الحكم في المقيس عليه ، وأمره عليه السلام بضرب من بلغ عشرا على الصلاة إنّما هو للتمرين ، ويستحبّ أخذه بالصوم للتمرين إذا أطاقه . وقال الشيخ قدس سره في النهاية : «وحدّه إذا بلغ تسع سنين» ، (7) ومثله في الفقيه . 8 والظاهر اختلاف الحالة بحسب المكنة و الطاقة المختلفتين باختلاف الأشخاص والأزمنة والفصول .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 .
2- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 91 ؛ المجموع ، ج 1 ، ص 303 .
3- .كنز العمّال ، ج 8 ، ص 521 ، ح 23951 عن أبي نعيم في المعرفة والديلمي .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 122 ، ح 1904 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 281 ، ح 852 ؛ و ص 326 ، ح 1013 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 123 ، ح 399 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 235 ، ح 13301 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 326 ، ح 1014 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 236 ، ح 13305 .
6- .النهاية ، ص 74 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 122 ، ذيل الحديث 1907 . ومثله في المقنع ، ص 195 .

ص: 248

وفي المنتهى : لا خلاف بين أهل العلم في شرعيّته ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر وليّ الصبيّ بذلك . ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين لما أطاقوا من صيام اليوم وإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فإذا غلبهم العطش والغرث (1) أفطروا حتّى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين على قدر ما يطيقه» . (2) قال : إذا أطاق إلى الظهر أو بعده ، فإذا غلبه الجوع والعطش أفطر ؛ لأنّ فيه تمرينا على الطاعة ومنعا عن الفساد إلى قوله : وكذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سنّ البلوغ ، وهو تسع سنين أو الإنزال أو الحيض ؛ لأنّ المقتضى في الصبيّ موجود فيه . (3) واختلفوا في أنّ عبادة الصبيّ هل هي شرعيّة مستندة إلى أمر الشارع ويستحقّ عليه الثواب وينوي الندب ، أم لا بل تمرينيّة فقط ولا يعتبر نيّته فيها ؟ فالمشهور الثاني بناءً على ما ادّعوا من اختصاص الأحكام الشرعيّة بأفعال البالغين ، وذهب جماعة منهم الشيخ (4) على ما نقل عنه والمحقّق في الشرائع (5) إلى الأوّل لتوجّه الخطاب إليهم . ولو قيل : إنّ الخطاب إنّما توجّه إلى الوليّ لقلنا إنّ الأمر بالأمر بالشيء أمرٌ بذلك الشيء على ما تقرّر في الاُصول . وفي المنتهى بعدما ذكر أنّ في صومهم تمرينا على الطاعة ومنعا عن الفساد ، قال : فكان شرعه ثابتا في نظر الشرع إذا ثبت ذلك ، فإنّ صومه صحيح شرعيّ ، ونيّته صحيحة ، وينوي الندب ؛ لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره . (6)

.


1- .الغرث : الجوع .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 282 ، ح 853 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 123 ، ح 400 ؛ وهذا الحديث هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 234 ، ح 13299 . وفي الجميع في آخر الحديث : « ... كانوا ابناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا» .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 585 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 278 .
5- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 146 . وانظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 41 42 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 585 .

ص: 249

ويظهر منه أنّ الندب ليس من خصائص أفعال المكلّفين . ونِعمَ ما قال صاحب المدارك : إنّ العقل لا يأبى توجّه الخطاب إلى الصبيّ المميّز ، والشرع إنّما اقتضى توقّف التكليف بالواجب والمحرّم على البلوغ بحديث القلم ونحوه ، أمّا التكليف بالمندوب وما في معناه فلا مانع منه عقلاً ولا شرعا . وبالجملة ؛ فالخطاب بإطلاقه متناول له ، والفهم الذي هو شرط التكليف حاصل كما هو المقدّر ، ومن ادّعى اشتراط ما زاد على ذلك طُولب بدليله . (1) انتهى . وظاهر ما نقلنا عن المنتهى قوله بذلك ، لكن رجع عنه أخيرا حيث قال : «وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعيّ وإنّما هو إمساك عن المفطرات للتأديب ، وفيه قوّة» . (2) واستقربه في المختلف أيضا . (3) وأمّا اتّصافها بالصحّة والفساد فينبغي أن لا ينكر ؛ لأنّهما من خطاب الوضع ، وهو غير مختصّ بالمكلّفين ، وربّما اختلف فيه أيضا بناءً على الخلاف الواقع في تفسيرهما ، وتمام تحقيق ذلك في الاُصول فليراجع ثمّة . إذا عرفت ما ذكر فنقول : يحتمل أن يريد المصنّف بالمؤاخذة في قوله : «ومتى يؤخذون به المؤاخذة بطريق الإيجاب ، وبطريق الندب أيضا ، فإنّ المندوب أيضا قد يقال : إنّه مأخوذ به بناءً على تأكّده كما ورد في خبر معاوية بن وهب . (4) وقال المفيد قدس سره في المقنعة : «يؤخذ الصبيّ بالصيام إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيّام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم» . (5) وعلامة البلوغ أحد من اُمور ثلاثة :

.


1- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 42 .
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 585 . ومثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 458. ونحوه في تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 101.
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 386 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
5- .المقنعة ، ص 360 361 .

ص: 250

الأوّل : الاحتلام عند علماء الإسلام كافّة على ما ادّعاه العلّامة في التذكرة (1) على ما نُقل عنه في المدارك ، والمراد به على ما ذكره صاحب المدارك : خروج المني من ذكر الرجل وقبل المرأة بالجماع أو غيره في نومٍ أو يقظة . (2) والثاني : إنبات الشعر الخشن على العانة عند الأصحاب أجمع على ما ادّعاه في التذكرة ، (3) وألحق بالإنبات اخضرار الشارب ؛ لقضاء العادة بتأخّره عن البلوغ . (4) وقوّاه الشهيد الثاني في شرح الإرشاد ، (5) واستشكل بعدم العلم باطّراد العادة بذلك . (6) والثالث : بلوغ خمس عشرة سنة للرجال . (7) وقيل ببلوغ أربع عشرة سنة . (8) ويدلّ عليهما ما سبق عن معاوية بن وهب . (9) وقيل بالاكتفاء بإتمام ثلاث عشر سنة والدخول في الرابعة عشر . (10) ويدلّ عليه صحيحة عبداللّه بن سنان ، وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا بلغ الغلام أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرُة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيّئات وكتبت له الحسنات ، وجاز له كلّ شيء عليه إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها» . (11)

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
2- .تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 190 ، المسألة 400 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 158 .
4- .تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 187 ، المسألة 398 .
5- .تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 189 ، المسألة 399 .
6- .قاله في شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 145 ، ولم أعثر عليه في شرح الإرشاد .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 159 .
8- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 197 ، المسألة 405 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 144 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 147 ؛ مختلف الشيعة ، ج 5 ، ص 431 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 138 ، الدرس 24 .
9- .حكاه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 5 ، ص 431 عن ابن الجنيد .
10- .حكاه في مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 59 بلفظ «قيل» .
11- .الكافي ، ج 7 ، ص 69 ، باب الوصي يدرك أيتامه ... ، ح 7 ؛ الفقيه ، ج 4 ، ص 221 ، ح 5519 ؛ الخصال ، ص 495 ، أبواب الثلاثة عشر ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 361 ، ح 22753 .

ص: 251

باب مَن أسلم في شهر رمضان

وتسع في النساء على المشهور بين الأصحاب ، (1) وبه روايات متعدّدة لكنّها ضعيفة السند ، واعتبر الشيخ في المبسوط (2) وابن حمزة ، (3) بلوغ العشر ، ولا ريب أنّ الأوّل أحوط في التكليف بالعبادة .

باب مَن أسلم في شهر رمضانقد تبيّن فيما مضى وجوب سائر العبادات الواجبة على الكافر عند الأصحاب وعدم اشتراطه بالإسلام ، وأنّه إنّما يشترط به صحّته ، وأنّ الإسلام بالنظر إليها إنّما هو من مقدّمة الواجب المطلق ، وأنّه لو أسلم يسقط عنه ما سبق منها ، إلّا الحجّ لو كان مستطيعا بعده ، فإن أسلم قبل الفجر وجب عليه صوم يومه وصحَّ منه ، وإن أسلم بعده ولم يفطر فالظاهر عدم وجوب إتمام بقيّة اليوم بنيّة الصوم عليه مطلقا ، قبل الزوال كان أو بعده ؛ لأنّ إسلامه أسقط عنه وجوب الصوم في الزمان المتقدّم من ذلك اليوم ، فكأنّه لم يكن واجبا عليه كما مرّ في الصبيّ ، والصوم لا يتبعّض . ويدلّ عليه أيضا عموم ما رواه عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قومٍ أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيّام ، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ فقال : «ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه ، إلّا أن يكون قبل طلوع الفجر» . (4) نعم ، لا يبعد القول بوجوب الإمساك عليه مطلقا ؛ لأنّ الواجب كان عليه في هذه البقية أمران : الإمساك والصوم ، بالإسلام إنّما سقط حكم الصوم عنه فيها فبقي حكم الإمساك ، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور .

.


1- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 197 ، المسألة 405 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 144 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 147 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 138 ، الدرس 24 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 266 .
3- .الوسيلة ، ص 137 .
4- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 129 ، ح 1931 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 245 246 ، ح 728 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 107 ، ح 349 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 327 ، ح 13521 .

ص: 252

و ذهب الشيخ في النهاية إلى سقوط صوم ذلك اليوم عنه واستحباب الإمساك ، فقال : «وإن أسلم بعد طلوع الفجر لم يجب عليه صيام ذلك اليوم ، وكان عليه أن يمسك تأدّبا إلى آخر النهار» . (1) وإليه ذهب العلّامة في المختلف (2) والمنتهى ، (3) وبه قال ابن الجنيد أيضا ، إلّا أنّه استحبّ قضاء ما مضى من شهره هذا ويومه هذا ، فقال على ما نُقل عنه في المختلف : «الكافر إذا أسلم والصبيّ إذا بلغ وقد مضى بعض رمضان أو بعض يوم منه لم يلزمهما إلّا صيام ما يستقبلانه ، ولو قضيا ما مضى ويومهما كان أحبّ إليَّ وأحوط» . (4) وقال في المبسوط : إذا أسلم قبل الزوال ولم يفطر وجب (5) الصوم عليه بقيّة النهار ، وأنّه صحّ [صوم] يومه ذلك (6) محتجّا بأنّه زمان يصحّ تجديد نيّة الصوم كالناسي . وردّ : بأنّه إنّما يصحّ تجديد النيّة قبل الزوال فيما إذا صحَّ ابتداء النيّة منه في أوّل اليوم ، وهنا ليس كذلك ؛ إذ لم يصحّ صوم الكافر ولو نوى قبل الفجر ، وهذا الخلاف جارٍ في الصبيّ أيضا ، والأظهر الأوّل وإن كان قد نوى الصوم قبل الفجر وقلنا بصحّة صومه شرعا ندبا ؛ لأنّ الصبيّ ما كان الصوم واجبا عليه قبل بلوغه في ذلك اليوم الذي بلغ في أثنائه والصوم لا يتبعّض . (7) والظاهر عدم وجوب الإمساك أيضا عليه في بقيّة ذلك اليوم ؛ لأنّ وجوبه إنّما كان في ضمن وجوب الصوم ، وليس فليس ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الكافر ، وبه قال الشيخ في الخلاف في كتاب الصلاة منه حيث قال : «إذا دخل في الصوم ثمّ بلغ أمسك

.


1- .النهاية ، ص 160 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 515 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 516 .
5- .في الأصل : «بوجوب» . و فى المصدر : «جدّد النيّة و كان صومه صحيحا» .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 286 ، والمذكور هنا نقل بالمعنى .
7- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 515 .

ص: 253

بقية النهار ؛ تأديبا وليس عليه قضاء» (1) وهو اختيار (2) ابن إدريس (3) والعلّامة في المختلف والمنتهى (4) وابن الجنيد . (5) وفي كتاب الصوم من الخلاف : «إذا نوى الصوم ثمّ بلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك .» (6) وظاهره صحّة صومه ، ويظهر دليله مع جوابه ممّا ذكر في الكافر . وقد سبق في كتاب الطهارة : أنّ الحائض متى طهرت بعد الفجر ولو لحظة واحدة لم يصحّ منها الصوم ، وأنّه يستحبّ عليها الإمساك بقيّة يومها ذلك ، أفطرت أو لا . وأمّا باقي ذوي الأعذار كالمريض والمسافر فالمشهور أنّهم مع زوال أعذارهم قبل الزوال يجدّدون نيّة الصوم وجوبا ، ويصحّ صومهم إن لم يفطروا ، وإن أفطروا استحبّ لهم الإمساك . وإن زالت بعد الزوال فيمسكون وجوبا إن لم يفطروا ويقضون ذلك اليوم ، ولم أجد فيه مخالفا إلّا ما نقله في المختلف (7) عن المفيد قدس سرهمن وجوب الإمساك في بقية اليوم على المريض الذي زال مرضه بعد الإفطار (8) محتجّا بأنّه وقتٌ يجب فيه الإمساك على غير المريض ، والتقدير برؤه فيه وتعليله عليه . ويردّه أيضا قوله عليه السلام في حديث الزهري المتقدّم : «وكذلك من أفطر لعلّة في أوّل النهار ثمّ برئ من بقية يومه أمر بالإمساك بقية يومه ؛ تأديبا وليس بفرض» ، (9) وكأنّه قدس سرهأراد بالوجوب هنا تأكّد الاستحباب ، وهو الشائع في كلام قدماء أصحابنا .

.


1- .الخلاف ، ج 1 ، ص 306 ، المسألة 53 ، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 ، واللفظ له .
2- .هذا هو الظاهر ، وكلمتا «وهو اختيار» في الأصل غير واضحتين .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 403 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 .
5- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 203 ، المسألة 57 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 .
8- .المقنعة ، ص 367 .
9- .باب وجوه الصوم من الكافي، ح 1 ؛ الفقيه، ج 2، ص 77 81 ، ح 1784 ؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 294 296، ح 895 ؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 225، ح 13277.

ص: 254

باب كراهية السفر في شهر رمضان

باب كراهية السفر في شهر رمضانالظاهر أنّه أراد بالسفر السفر الموجب للإفطار ، وبالكراهة المعنى المصطلح ، فلابدّ من تقييد السفر بغير الواجب والمستحبّ منه كسفر الحجّ ومشايعة المؤمن المسافر واستقباله ونحو ذلك ، فإنّه لا كراهة فيه ، وتخصيصه بالسفر المباح كالسفر للتلذّذ والتنزّه . وقد اختلف الأصحاب في حكم المسافر في المعصية والمباح ، فالمشهور بين الأصحاب وجوب الصوم في الأوّل من غير قضاء معه ، ووجوب الإفطار في الثاني من غير كفّارة ، لكن مع كراهة ذلك السفر ؛ لأصالة إباحة السفر في المباح . وقد ألحقه ابن أبي عقيل وابن الجنيد بسفر المعصية وحكما فيهما بوجوب الصوم والقضاء فيهما جميعا ، ففي المختلف : قال ابن أبي عقيل : إن خرج متنزّها أو متلذّذا أو في شيء من أبواب المعاصي يصوم ، وليس له أن يفطر ، وعليه القضاء إذا رجع إلى الحضر ؛ لأنّ صومه في السفر ليس بصوم ، وإنّما أمر بالإمساك عن الإفطار لئلّا يكون مفطرا في شهر رمضان في غير الوجه الذي أباح اللّه عزّ وجلّ فيه الإفطار ، كما أنّ المفطر في يوم من شهر رمضان عامدا قد أفسد صومه ، وعليه أن يتمّ صومه ذلك إلى الليل ؛ لئلّا يكون مفطرا في غير الوجه الذي أمره اللّه تعالى فيه بالإفطار . (1) ونحوه قال ابن الجنيد ، فإنّه قال : ولا أستحبّ لمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم أن يخرج إلى سفر ، إلّا أن يكون لفرض حجّ أو عمرة أو ما يتقرّب به إلى اللّه عزّ وجلّ و منفعة نفسه وماله ، إلّا في تكاثر وتفاخر . و إن خرج في ذلك أوفي معصية اللّه عزوجل لم يفطر في سفره وكان عليه مع صيامه فيه القضاء . (2)

.


1- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 476.
2- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 480 481.

ص: 255

باب كراهية الصوم في السفر

وظاهر الخبرين حرمة السفرين ، ويمكن حملهما في الثاني على الكراهة كما هو المشهور بين الأصحاب . وأمّا الأوّل فهو حرام مطلقا ولو في غير شهر رمضان . واشتهر بينهم وجوب الصوم في سفر المعصية من غير قضاء ؛ لحصول الامتثال بما أمر به ، فإنّ هذا السفر لا يمنع من وجوب الصوم . واحتجّ ابن أبي عقيل على ما حكى عنه في المختلف في القاضي في سفره بأنّ السفر منافٍ للصوم وقد أتى به ، فلم يكن هذا الصوم معتمدا في نظر الشرع ، بل كان كإمساك المفطر اختيارا ، وبعموم قوله : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخر» . (1) وأجاب بمنع كون السفر مطلقا منافيا للصوم ، بل المنافي له إنّما هو السفر الذي يجب فيه القصر ، فليخّص الآية أيضا بذلك ، ولابدّ من ذلك ؛ لأنّ مضمونها فليفطر وعليه عدّة من أيّام اُخر ، (2) بقرينة ضميمة المرض . واشتهر أيضا الإفطار في السفر للتلذّذ ونحوه من المباحات ؛ لأصالة إباحة السفر في المباح فوجب القصر . واحتجّ ابن أبي عقيل وابن الجنيد في إلحاق ذلك السفر بسفر المعصية بخبر أبي بصير ، (3) ومثله حسنة الحلبيّ ، (4) ويمكن حملهما على الكراهة ، على أنّهما لا تدلّان على مدّعاهما من الصيام فيه والقضاء ، فتأمّل .

باب كراهية الصوم في السفرالمراد من الكراهية بقرينة أخبار الباب الحرمة ، والظاهر أنّه أراد بالصوم صوم شهر رمضان ، وتحريمه في السفر هو مذهب الأصحاب أجمع ، وهو محكي في المنتهى عن

.


1- .البقرة (2): 184.
2- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 477.
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.

ص: 256

أبي هريرة وجماعة اُخرى من الصحابة وأهل الظاهر من العامّة ؛ (1) لقوله سبحانه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخر» . (2) ومن اضمر لفظة «فأفطر» فعليه البيان كما أضمرنا في قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ» (3) ، قولنا : «فحلق» ؛ بالنصّ والإجماع ، ولا دليل نقطع به فيما نحن فيه لما ستعرف . ويدلّ عليه أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه السلام ، أنّه سُئلَ عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم ، قال : «ليس من البرّ الصيام في السفر» . (4) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : سمعته يقول : «إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه [وعليه الإعادة]» . (5) ومن طريق العامّة ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» . (6) وما رواه مسلم عن جابر بن عبداللّه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ، ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام ؟ قال : «اُولئك العُصاة ، اُولئك العصاة» . (7)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 597 ، وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 264 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 95 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 87 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 17 .
2- .البقرة (2) : 184 .
3- .البقرة (2) : 196 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 217 218 ، ح 632 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 177 ، ح 13150 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 221 ، ح 645 (وما بين الحاصرتين منه) ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 179 ، ح 13156 .
6- .سنن النسائي ، ج 4 ، ص 183 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 10 ، ص 106 ، ح 2594 و 2595 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 244 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 431 ، الباب 9 من كتاب الصيام ، ح 4 .
7- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 141 142 . ورواه النسائي في السنن ، ج 4 ، ص 177 ؛ وفي السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 101 ، ح 2571 .

ص: 257

وعنه قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سفرٍ فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه ، وقد ظلّل عليه فقال : «ما له ؟» قالوا : رجلٌ صائم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ليس البرّ أن تصوموا في السفر» . (1) واختلفت العامّة فيه ، ففي الانتصار : أنّ أبا حنيفة وأصحابه يقولون : إنّ الصوم في السفر أفضل من الإفطار . (2) وقال مالك والثوريّ : الصوم في السفر أحبّ إلينا من الإفطار لمن قوى عليه . (3) وقال الشافعيّ : هو مخيّر بين الصوم والإفطار ، والصوم أفضل . (4) وروي عن أبي عمر : أنّ الفطر أفضل . (5) وروي عن أبي هريرة : أنّه إن صامه في السفر لم يجزئه ، وعليه أن يصومه في الحضر ، (6) وهذا هو مذهب الإماميّة بعينه . (7) واحتجّوا بما رواه أنس من أنّهم كانوا مسافرين مع النبيّ صلى الله عليه و آله في رمضان ، فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم ، لا يعيب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء ، على هؤلاء . (8) وما روي أنّ حمزة بن عمرو الأسلمي سأل النبيّ صلى الله عليه و آله «عن الصوم في السفر ، فقال عليه السلام : «إن شئت فصم ، وإن شئت افطر» . (9)

.


1- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 142 .
2- .الاستذكار ، ج 3 ، ص 303 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 171 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 18 .
3- .عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 303 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 171 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 18 .
4- .فتح العزيز ، ج 4 ، ص 474 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 303 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 171 . المجموع ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 88 . وحكى في المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 92 عن الشافعي أنّ الفطر أفضل ، ومثله في بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 96 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 18 ؛ السنن الكبرى للبيقهي ، ج 4 ، ص 245 .
6- .عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 87 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 17 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 259 .
7- .الانتصار ، ص 190 191 .
8- .المعجم الكبير للطبراني ، ج 20 ، ص 361 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 302 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 169 .
9- .مسند الشافعي ، ص 105 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 46 و 193 و 202 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 8 9 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 237 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 144 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 531 ، ح 1662 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 107 ، ح 706 ؛ سنن الترمذي ، ج 4 ، ص 185 و 186 و 187 و 188 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 107 110 ، ح 2603 2617 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 243 ؛ مسند الطيالسي ، ص 162 .

ص: 258

وهما معارضان بما ذكر . على أنّ الثاني منهما يحتمل الحمل على المندوب ، ولا يبعد عن أن يكون الأمر أوّلاً على التخيير ثمّ تحتّم التقصير على ما تشعر صحيحة عيص بن القاسم . (1) وبما رواه مسلم عن الزهريّ أنّه قال : كان الفطر آخر الأمرين ، وإنّما يؤخذ من أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالآخر فالآخر . (2) وهل يحرم الواجب غير شهر رمضان عليه ؟ المشهور تحريمه إلّا ثلاثة : بدل الهدي ، وبدل البدنة ، والنذر المقيّد بالسفر ، وبه قال المفيد قدس سرهفي المقنعة ، (3) وحكى في المختلف عنه قولاً بجواز صوم ما عدا رمضان من الواجبات مطلقا . (4) وعن السيّد المرتضى أنّه قال : «والصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيّام لدم المتعة من جملة العشرة ، وصوم النذر إذا علّق بوقت أو حضر وهو مسافر» ، (5) وظاهره الحصر فيهما . واحتجّ عليه بعموم خبر أبان بن تغلب ، (6) وصحيحة عمّار بن مروان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «من سافر قصّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره إلى صيد أو في معصية اللّه أو رسولاً (7) لمن يعضي اللّه عزّ وجلّ أو طلب عدوّ أو (8) شحناء أو

.


1- .هو الحديث الخامس من باب كراهية الصوم في السفر من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 176 ، ح 13147 .
2- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 141 ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 241 .
3- .المقنعة ، ص 350 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 459 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 56).
6- .هو الحديث الرابع من باب كراهية الصوم في السفر من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 175 176 ، ح 13146 .
7- .في الأصل : «رسول» ، والمثبت من المصدر .
8- .في الأصل «و» بدل «أو» وكذا التالي ، والتصويب من المصدر .

ص: 259

سعاية أو ضرر على قومٍ مسلمين» . (1) وخصوص موثّقة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في من ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق : «ينتظر حتّى يصوم رمضان ، ثمّ يصوم شهرين متتابعين ، وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتّى يقدم» . (2) وخبر مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه ، عن آبائه عليهم السلام في الرجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر ، ثمّ يسافر فيمرّ به الشهور : «أنّه لا يصوم في السفر ، ولا يقضيها إذا شهده» ، يرويه المصنّف في باب من جعل على نفسه صوما معلوما (3) وبعض أخبار اُخر تأتي في ذلك الباب . وموثّقة كرام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم ؟ قال : «صم ولا تصم» ، (4) في الخبر ، وقد مضى . وموثّقة عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقول : للّه عليَّ أن أصوم شهر كذا أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فيعرض له أمرٌ لابدّ أن يسافر ، [أ] يصوم وهو مسافر ؟ قال : «إذا سافر فليفطر ؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر ، فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية» ، (5) وقد سبقت . وخبر القاسم الصيقل ، قال : كتبت إليه : يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة وأيّاما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو جمعة أو أيّام

.


1- .هذا هو الحديث الثالث من باب من لايجب له الإفطار والتقصير في السفر ومن يجب له ذلك من الكافي ؛ الفقيه، ج 2، ص 142، ح 1979، واللفظ موافق له ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 219 220 ، ح 640 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 476 477 ، ح 11212 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 232 ، ح 681 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 376 ، ح 13634 .
3- .هو الحديث السابع من ذلك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 200 201 ، ح 13213 .
4- .هذا هو الحديث الأوّل من باب «من جعل على نفسه صوما معلوما ومَن نذر أن يصوم في شكر» من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 233 ، ح 683 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 100 ، ح 325 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13212 ، و ص 384 ، ح 13651 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 328 ، ح 1022 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13211 .

ص: 260

التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ؛ أو كيف أصنع يا سيّدي ؟ وكتب إليه : «قد وضع عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها ، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه » . (1) ورواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل مرض في شهر رمضان ، فلمّا برأ أراد الحجّ ، فكيف يصنع بقضاء الصوم ؟ فقال : «إذا رجع فليقضه» . (2) وفي المدارك : وقد استثنى الأصحاب من المنع مواضع : أحدها : صيام ثلاثة أيّام في بدل الهدي ؛ لإطلاق قوله عزّ وجلّ : «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ» (3) ، وخصوص صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبداللّه عليه السلام الوارد في صوم هذه الأيّام ، حيث قال فيها : قلت : يصوم وهو مسافر ؟ قال : «نعم ، أليس هو يوم عرفة مسافرا ، إنّا أهل بيت نقول ذلك ؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ» » . (4) وثانيها : صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا عالما وعجز عن الفداء وهو بدنة ؛ لما رواه الكلينيّ في الصحيح عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس ، قال : «عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله» . (5) وثالثها : مَن نذر يوما معيّنا وشرط في نذره أن يصومه سفرا وحضرا ، ذهب إليه

.


1- .البقرة (2) : 196 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 234 ، ح 686 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 101 ، ح 328 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 196 ، ح 13205 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 276 ، ح 834 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 120 ، ح 388 . وهذا هو الحديث السادس من باب قضاء شهر رمضان من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 194 ، ح 13200 .
4- .الكافي ، باب صوم المتمتّع إذا لم يجد الهدي ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 38 39 ، ح 114 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 178 179 ، ح 18919 .
5- .هذا هو الحديث الرابع من باب الإفاضة من عرفات من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 186 ، ح 620 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 558 ، ح 18439 .

ص: 261

الشيخان (1) وأتباعهما . (2) واستدلّ عليه في التهذيب بما رواه عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته أنّ الرجل يجعل للّه عليه له صوم يوم مسمّى أبدا ، قال : «يصوم أبدا في السفر والحضر» ، فإنّه حمل هذه الرواية على من نذر يوما وشرط على نفسه أن يصومه في السفر والحضر . (3) واستدلّ على هذا التأويل بما رواه عن محمّد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمّد ، وعبداللّه بن محمّد عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إليه بندار مولى إدريس : يا سيّدي ، نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة ؟ فكتب وقرأته : «لا تتركه إلّا من علّة ، وليس عليك صومه في سفرٍ ولا مرض ، إلّا أن تكون نويت ذلك ، فإن كنت أفطرت من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم لسبعة مساكين ، نسأل اللّه التوفيق لما يحبّ ويرضى» . (4) قال المصنّف في المعتبر : «ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهورا» . (5) وكأنّ وجه ضعفها الإضمار واشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في السفر إذا نوى ذلك ، وإلّا فهي صحيحة السند ولا تضرّ جهالة الكاتب ؛ لأنّ مقتضى الرواية إخبار عليّ بن مهزيار بقراءة المكتوب ، والمسألة محلّ إشكال . (6) هذا كلامه قدس سره . وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى رضى الله عنه أنّه قال : «الصوم الواجب مع السفر ثلاثة أيّام لدم المتعة من جملة العشرة ، وصوم النذر إذا علّق بوقت حضر وهو مسافر» . (7)

.


1- .ذهب إليه المفيد في المقنعة ، ص 362 ؛ والطوسي في النهاية ، ص 163 .
2- .منهم ابن البرّاج في المهذّب ، ج 1 ، ص 194 ؛ وابن حمزة في الوسيلة ، ص 148 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 688 . ورواه في الاستبصار ، ج 2 ، ص 101 ، ح 330 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 198 199 ، ح 13210 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 689 ، و ص 286 ، ح 867 ، و ج 8 ، ص 305 ، ح 1134 . ورواه في الاستبصار ، ج 2 ، ص 102 ، ح 331 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 195 196 ، ح 13204 ، وص 379 ، ح 13641 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 684 .
6- .مفتاح الكرامة ، ج 6 ، ص 148 149 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 461 462 ، واللفظ له ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) واللفظ فيه هكذا : « ... وصوم النذر إذا علّق بسفر وحضر» .

ص: 262

وظاهره حصر الاستثناء في الموضعين ، فقد خالف المشهور في مقامين : أحدهما : تعميم استثناء صوم النذر ، وإن لم يقيّده بالسفر . واحتجّ عليه بأنّ النذر مطلق ويصحّ صومه في السفر لو قيّده به ، فكذا مع الإطلاق ؛ لأنّه عام بالنسبة إليه ، ولقوله تعالى : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» (1) ، وبما رواه إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى ؟ قال : «يصومه ، والحضر في السفر» . (2) وقيّد بالمقيّد بالسفر على المشهور ؛ للجمع . (3) والثاني : إبقاء صوم ثمانية عشر بدل البدنة على المنع ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط حيث اقتصر في الاستثناء بذكر الثلاثة بدل الهدي والنذر المقيّد بالسفر . (4) وقال [في المختلف] : واستثنى عليّ بن بابويه في رسالته وابنه في مقنعه الصوم في كفّارة صيد المحرم ، وصوم كفّارة الإحلال من الإحرام ، وهو إشارة إلى بدل الهدي ، قال : وإن كان به أذىً من رأسه ، و صوم الاعتكاف . (5) وقال ابن حمزة : وإن كان نذرا مقيّدا بحال السفر أو صوم الكفّارة التي يلزم التتابع فيها وإفطاره ويوجب الاستئناف أو صوم ثلاثة أيّام لدم المتعة وصيام كفّارة قتل العمد في أشهر الحرم وهو يصوم فيها ، فاتّفق له سفر وجب عليه أن يصوم في السفر ، ويجب الإفطار في سوى ذلك (6) . (7) وقال في موضع آخر من المختلف : قال ابن بابويه في رسالته : يجوز صوم جزاء الصيد في السفر ، ومنع منه ابن إدريس ، (8)

.


1- .الإنسان (76) : 7 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 688 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 198 199 ، ح 13210 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 463 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 284 .
5- .المقنع ، ص 199 .
6- .الوسيلة ، ص 148 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 462 .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 415 .

ص: 263

باب مَن صام في السفر بجهالة

وهو الأشهر بين الأصحاب . لنا : عموم النهي عن الصوم في السفر . احتجّ بالأصل وبأنّه بدل عن جبرانٍ وجب في الحرم ، فجاز صومه في السفر كالثلاثة في بدل الهدي . والجواب عن الأوّل بأنّ الأصل يعدل عنه لدليل أقوى ، والقياس ممنوع ومنقوض بالسبعة . (1) قوله في صحيحة عيص : (فلمّا انتهى إلى كراع الغميم) . [ح 5 / 6500] قال طاب ثراه : الغميم بفتح الغين المعجمة : وادٍ أمام عسفان بثمانية أميال ، والكراع : جبل أسود متّصل به ، (2) والكراع : كلّ أنف سال من جبل أو حرّة ، (3) وعسفان : قرية بعدها عن مكّة ستّة وثلاثون ميلاً ، (4) وقيل : ثمانية وأربعون ميلاً ، (5) وكان خروجه صلى الله عليه و آله ذلك الخروج عام الفتح سنة ثمان من الهجرة .

باب مَن صام في السفر بجهالةلا ريب في كون الجاهل بالقصر في السفر معذورا . ويدلّ عليه زائدا على أخبار الباب صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبداللّه عليه السلام ، [عن أبي عبداللّه قال : سألته] (6) عن رجل صام شهر رمضان في السفر ، فقال له : «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك ، فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم» . (7) وخبر ابن أبي شعبة ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل صام في السفر ، فقال : «إن كان

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 570 .
2- .اُنظر : معجم البلدان ، ج 4 ، ص 443 .
3- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 230 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 46 .
4- .معجم البلدان ، ج 4 ، ص 122 .
5- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 230 .
6- .أضيفت من المصدر .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 221 ، ح 646 و ص 328 ، ح 1023 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 179 ، ح 13157 .

ص: 264

باب من لا يجب له الإفطار

بلغه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شيء عليه» . (1) ويفهم من هذه الأخبار وجوب القضاء إذا صام ناسيا لكونه مسافرا ، وبه صرّح بعض الأصحاب ولم أجد مخالفا صريحا له . نعم ، قد سكت الأكثر عنه . ويؤيّده ما دلَّ على وجوب القضاء إذا صام المسافر عموما ، خرج الجاهل بالنصّ والإجماع وبقي الباقي ومنه الناسي .

باب من لا يجب له الإفطاريشترط في قصر الصوم في السفر ما تقدّم في شرائط قصر الصلاة فيه ، فلا يجوز الإفطار على المكاري والملّاح والجمّال ، ومن كان كثير السفر كالبدوي والذي يدور في إمارته أو تجارته والبريد ، ومن كان سفره لصيد اللّهو أو معصية اُخرى على ما تقدّم ، ودلَّ عليه أخبار الباب . ثمّ الظاهر اعتبار صدق اسم المكاري والملّاح والجمّال من غير اعتبار للكثرة في سفرهم ، وهو ظاهر جماعة من الأصحاب ، بل ظاهر الشيخ في الجمل ذلك في البدوي ونظائره أيضا . (2) وممّن صرّح بذلك ابن إدريس حيث قال : وليس يصير الإنسان بسفرة واحدة إذا ورد إلى منزله ولم يقم عشرة أيّام ممّن سفره أكثر من حضره ؛ لأنّ مَن أقام في منزله مثلاً مئة سنة ، ثمّ سافر سفرة واحدة ، ثمّ ورد إلى منزله ولم يقم فيه عشرة أيّام ، ثمّ سافر ، فإنّه يجب عليه في سفره الثاني التقصير وإن لم يقم عشرة أيّام . (3) _ ثمّ قال بعد كلامٍ طويل : فأمّا صاحب الصنعة من المكارين والملّاحين ، (4) ومن يدور في تجارته من سوق إلى سوق، ومن يدور في إمارته فلا يجرون مجرى من لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره.

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 221 ، ح 644 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 179 ، ح 13158 .
2- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 215) .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 339 .
4- .في الأصل : «المكاريين و الملّاحيين» .

ص: 265

ولا يعتبر فيهم ما اعتبرناه فيهم من الدفعات ، بل يجب عليهم التمام بنفس خروجهم إلى السفر ؛ لأنّ صنعتهم يقوم مقام من لا صنعة له ممّن كان سفره أكثر من حضره . (1) ففي المختلف قال الشيخ في الجمل : ومن يلزمه الصوم في السفر عشرة : من نقص سفره عن ثمانية فراسخ ، ومن كان سفره معصية للّه تعالى ، ومن كان سفره لصيد اللّهو والبطر ، ومن كان سفره أكثر من حضره ، وحدّه أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام ، والمكاري ، والملّاح ، والبدوي ، والذي يدور في إمارته ، والذي يدور في تجارته من سوق ، إلى سوق والبريد . (2) وهو يشعر بكون كلّ واحد من هذه الأقسام أصلاً برأسه ، ولم يجعل كون السفر أكثر من الحضر ضابطا لهم ولا إقامتهم في بلدهم أقلّ من عشرة . (3) وهو ظاهره في النهاية أيضا حيث قال : لا يجوز التقصير للمكاري والملّاح والراعي ، والبدوي إذا طلب القطر والنبت ، والذي يدور في جبايته ، والذي يدور في إمارته ، ومن يدور في تجارته من سوقٍ إلى سوق ، ومن كان سفره أكثر من حضره ، هؤلاء كلّهم لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام . (4) وجعل جماعة منهم السيّد المرتضى في الانتصار الكثرة ضابطة حيث قال : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من سفره أكثر من حضره كالملّاحين والجمّالين ومن جرى مجراهم لا تقصير عليهم ؛ لأنّ باقي الفقهاء لا يراعون ذلك . (5) وبه قال العلّامة في الإرشاد (6) والمختلف (7) وغيرهما من كتبه . (8)

.


1- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 215) .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 340 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 105 .
4- .النهاية ، ص 122 .
5- .الانتصار ، ص 164 .
6- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 275 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 106 107 .
8- .منها : القواعد ، ج 1 ، ص 325 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 156 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 337 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 64 .

ص: 266

وظاهر ابن أبي عقيل هو وجوب القصر على هؤلاء أيضا وإن كثر سفرهم ، حيث عمّم وجوب القصر على المسافر من غير استثناء لهؤلاء ، وعلى ما نقل عنه في المختلف . (1) واختلفوا في حدّ الكثرة ، فظاهر العلّامة في الإرشاد تحقّقها بالسفر الثاني حيث قال : «والضابط : أن لا يقيم في بلده عشرة ، فإذا قام أحدهم عشرة قصّر» . (2) وفي المختلف : والأقرب أنّ أرباب الصنائع لا يثبت فيهم التمام بأوّل مرّة بل بثاني مرّةٌ مثلاً : إذا ابتدأ بالمكاراة وخرج من بلده مكاريا وجب عليه التقصير ، فإذا عاد إلى بلده ، ثمّ خرج بعد إقامة عشرة أيّام [خرج مقصّرا] . (3) والظاهر اختيار بثلاث كما هو أقلّ المتبادر من الكثرة ، وما ذكره إنّما هو تكرار لا كثرة ، وإليه ذهب الأكثر ، منهم المحقّق الشيخ عليّ قدس سرهفقد قال : بل الضابط لكثرة السفر أن يسافر إلى مسافة ثلاث مرّات بحيث يتجدّد حكم الإتمام بعد كلّ منهما ، ولا يقيم عقيب واحدٍ منها ، عشرة أيّام في بلده أو في غير بلده ، لكن بشرط الإقامة في الأخير ، فإنّه يصير في الثالثة كثير السفر . (4) ومنهم ابن إدريس على ما مرّ من كلامه . ثمّ ظاهر الأكثر عدم الفرق بين جعل كثير السفر بمنزلين منزلاً . وقد قال المصنّف قدس سره في باب صلاة الملّاحين والمكارين بعد نقل صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على عدم القصر عليهم . وفي رواية اُخرى : «المكاري إذا جدّ به السير فليقصر» ، وقال : قال : «ومعنى جدّ السير يجعل المنزلين منزلاً» ، (5) وظاهره القول به ، والظاهر ما رواه عمران بن محمّد بن عمران الأشعري ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى

.


1- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 275 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 106 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 109 ، وما بين الحاصرتين من المصدر .
4- .اُنظر : جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 513 ؛ رسائل الكركي ، ج 3 ، ص 253 .
5- .الكافي ، ج 3 ، ص 437 ، باب صلاة الملاحين والمكارين ... ، ح 2 .

ص: 267

باب صوم التطوّع في السفر

أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الجمّال والمكاري إذا جدّ بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ويتمّا في المنزل» . (1) وحملهما الشيخ أيضا على ذلك . وفي المختلف : «والأقرب حمل الحديثين على أنّهما إذا أقاما عشرة أيّام قصرا» (2) ، والأوّل أنسب إلى الاعتبار ، فإنّ الظاهر أنّ الحكمة في سقوط القصر عن كثير السفر زوال مشقّة السفر التي هي الداعية إلى القصر على المسافر عنه باعتبار السفر ، فإذا جعل المنزلين منزلاً عادت المشقّة عليه . قوله في خبر حمّاد بن عثمان : (قد جاء في خبره من الأعوص) . [ح 6 / 6511] الأعوص بالمهملتين : موضع قرب المدينة ، ووادٍ بديار باهلة ، ويُقال فيه الأعوصين كذا في القاموس . (3)

باب صوم التطوّع في السفرقد اختلف الأصحاب فيه ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ (4) والعلّامة في المختلف (5) و[غيره] من كتبه (6) كراهية صيام النافلة في السفر عدا ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة ؛ للجمع بين ما رواه المصنّف من صحيحة سعد بن سعد (7) وخبر المرزبان بن عمران ، (8) وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه السلام :

.


1- .الفقيه ، ج 1 ، ص 440 ، ح 1278 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 215 216 ، ح 530 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 233 ، ح 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 491 ، ح 11253 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 107 .
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 310 (عوص) .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 285 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 466 .
6- .منها: منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 586 .
7- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
8- .هو الحديث الرابع من هذا الباب .

ص: 268

«وليس من البرّ الصيام في السفر» . (1) وفي الصحيح عن عمّار بن مروان : «من سافر قصّر وأفطر» . (2) وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لم يكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم في السفر ، لا شهر رمضان ولا غيره» . (3) وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن سفر ، قال : «فريضة ؟» ، فقلت : لا ، ولكنّه تطوّع كما تطوّع بالصلاة ، فقال : «تقول اليوم وغدا ؟» ؛ قلت : نعم ، فقال : «لا [تصم]» ؛ (4) وبين ما رواه المصنّف قدس سرهعن إسماعيل بن سهل ، عن رجل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (5) وعن الحسن بن بسّام الجمّال . (6) ويؤيّد هذا الجمع خبر عذافر . (7) فإن قيل : هذان الخبران الدالّان على الجواز ضعيفان ، فكيف تقول : إنّهما أخبار صحيحة ؟ لأنّا نقول : ضعفهما منجبر بعمل الأكثر . على أنّ الأخبار الصحيحة غير صريحة ولا ظاهرة في تحريم صوم النافلة فيه ؛ لأنّ نفي البرّ في صحيحة صفوان ظاهره الكراهة ، وصحيحة أحمد بن محمّد أيضا ظاهرة في كراهة التطوّع فيها بقرينة استفساره عليه السلام أوّلاً على أنّ هذا الصوم فريضة أو تطوّع ، ولو حرم التطوّع لنفاه مطلقا أوّلاً .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 217 218 ، ح 632 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 177 ، ح 23150 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 142 ، ح 1979 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 219 220 ، ح 640 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 476 477 ، ح 11212 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 236 ، ح 691 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 102 ، ح 333 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 201 ، ح 13217 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 690 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 102 ، ح 332 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 202 ، ح 13219 .
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .
7- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .

ص: 269

وعدم صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله التطوّع في السفر لا يدلّ على تحريمه ، فأقصى ما يدلّ عليه كونه مرجوحا في الجملة . على أنّه قد سبق أنّ الإمام عليه السلام ربّما كان ترك (1) بعض المستحبّات ؛ لئلّا يتّخذ سنّة وفرضا . وأمّا صحيحة عمّار فالتقصير قرينة على أنّ المراد بالإفطار الإفطار في الصوم الواجب ؛ لأنّ التقصير إنّما يكون فيه في الصلاة الواجبة ، إلّا ما استثني ، وإلّا فلا خلاف في جواز صلاة التطوّع ، والمندوب ما عدا نوافل الظهرين والعشاء . وبالجملة ، فالقول بالجواز في غاية القوّة ، وكأنّه نظر إلى ما ذكره السؤال من منعه ، وهو ظاهر جماعة من الأصحاب ، فقد قال المفيد قدس سره : «ولا يجوز صوم النافلة في السفر إلّا ثلاثة أيّام للحاجة عند قبر النبيّ صلى الله عليه و آله وفي مشهد من مشاهد الأئمّة عليهم السلام » . (2) وقال الصدوق في المقنع على ما نُقل عنه في المختلف : «لا تصوم في السفر تطوّعا ولا فرضا ، واستثني من التطوّع ثلاثة أيّام للحاجة في مسجد النبي صلى الله عليه و آله ، وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة» . (3) وعن سلّار أنّه قال : «لا يصوم المسافر تطوّعا ولا فرضا ، إلّا ثلاثة أيّام بدل المتعة وصوم يوم النذر إذا علّقه بوقت حضر في السفر وصوم الثلاثة الأيّام للحاجة» . (4) ولا يبعد حمل عباراتهم هذه أيضا على الكراهة . ولكن قال صاحب المدارك : والأصحّ المنع من التطوّع مطلقا [إلّا ثلاثة أيّام للحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه و آله خاصّة]» . (5) وقال في موضع آخر أيضا : «الأصحّ تحريم صيام النافلة في السفر عدا هذه الثلاثة الأيّام» . (6)

.


1- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل مكان «ترك» بياض .
2- .المقنعة ، ص 350 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 465 ؛ المقنع ، ص 199 .
4- .المراسم العلويّة ، ص 95 ؛ وعنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 466 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 150 ، وما بين الحاصرتين منه .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 275 .

ص: 270

باب الرجل يريد السفر ويقدم من سفر في شهر رمضان

ويدلّ عليه موثّقة عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقول : للّه عليَّ أن أصوم شهر كذا أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فيعرض له أمر فلابدّ أن يسافر ، يصوم وهو مسافر ؟ قال : «إذا سافر فليفطر ؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر [فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر] معصية» ، (1) لكنّه لا يجوز أن يترك بها الأخبار المتكثّرة الصحيحة . ويظهر من كلام المحقّق في الشرائع وجود القول من بعض الأصحاب باستحبابه من غير كراهية ، وهو ليس ببعيد كثيرا ؛ حيث قال مشيرا إلى المسافر : «وهل يصوم مندوبا ؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه» . (2)

باب الرجل يريد السفر ويقدم من سفر في شهر رمضانلاريب في أنّه يشترط في إفطار الصوم في السفر كلّ ما هو شرط فيه في قصر الصلاة ، وهل يشترط فيه شرط [آخر ]أو لا ؟ قال السيّد المرتضى رضى الله عنه بالثاني ؛ فقد قال على ما حكى عنه في المنتهى : «إنّه يفطر ولو خرج قبل الغروب . (3) وبه قال عليّ بن بابويه» ، (4) وهو ظاهر ابن أبي عقيل على ما نقل عنهما في المختلف ، (5) وقد نسبه إلى ظاهر السيّد أيضا ، وعليه استقرّ رأي ابن إدريس (6) كما

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 328 ، ح 1022 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13211 ، وما بين الحاصرتين من المصدر .
2- .شرائع الاسلام ، ج 1 ، ص 147 .
3- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 55 56) ، وعبارته هكذا : «شروط السفر الّذي يوجب الإفطار ولايجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة وغير ذلك هي الشروط الّتي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها» .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 598 599 . وحكاه عن ابن بابويه رحمه الله ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 392 ، والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 486 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 469 .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 392 .

ص: 271

ستعرفه ، محتجّين بعموم قوله تعالى : «أَوْ عَلَى سَفَرٍ» ؛ (1) إذ هو يصدق على من خرج قبل الغروب بشيء يسير . وبما رواه عبد الأعلى مولى آل سام في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : «يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» . (2) واُجيب عنه بتخصيص الآية بمن سافر قبل الزوال ؛ لما سيأتي من الأخبار الصحيحة الدالّة عليه . واُيّد بما ذكره بعض المفسّرين من أنّ في قوله : «عَلَى سَفَرٍ» إيماء إلى أنّ من سافر في بعض اليوم لم يفطر ؛ لأنّ كلمة «على» تدلّ على الاستعلاء والاستيلاء ؛ (3) وكأنّه لذلك رجّح ابن إدريس ما ننقله عن المفيد محتجّا بأنّه موافق لظاهر التنزيل ، (4) وإن رجع عنه أخيرا كما ستعرفه . واعتبر شيخنا المفيد قدس سرهفي المقنعة شرطا آخر وهو الخروج قبل الزوال ، وقال : «إن خرج حينئذٍ لزمه الإفطار ، فإن صام لم يجزه» ، (5) وهو منقول في المنتهى (6) عن أبي الصلاح ، (7) وفي المختلف عن ابن الجنيد ، (8) وهو ظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : «إذا تلبس بالصوم في أوّل النهار ثمّ سافر آخر النهار لم يكن له الإفطار» . (9) وبه قال أكثر المتأخّرين ؛ محتجّين بما رواه المصنّف في الحسن عن عبيد بن

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 392 .
2- .البقرة (2) : 184 و 185 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 229 ، ح 674 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 100 ، ح 324 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 188 ، ح 13186 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 288 .
5- .المقنعة ، ص 354 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 598 .
7- .الكافي في الفقه ، ص 182 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 476 .
9- .الخلاف ، ج 2 ، ص 219 ، المسألة 80 .

ص: 272

زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان ، يصوم أو يفطر ؟ قال : «إن خرج قبل الزوال فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليصم» . (1) وفي الموثّق عنه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتمّ الصيام ، وإذا خرج قبل الزوال أفطر» . (2) وبما رواه الشيخ في الحسن والمصنّف في الصحيح عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، قال : «إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه» . (3) والشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتدّ به من شهر رمضان» . (4) ويفهم منه الإفطار إذا خرج قبل الزوال . وقد ادّعى ابن إدريس تواتر الأخبار بذلك ، (5) واشترط الشيخ في النهاية تبييت نيّة السفر والخروج قبل الزوال معا في الإفطار ، وأوجب مع التبييت والخروج بعد الزوال معا إتمام الصوم والقضاء جميعا ، فقال : وإذا خرج إلى السفر بعد طلوع الفجر أيّ وقت كان من النهار ، وكان قد بيّت نيّته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار ، وإن لم يكن بيّت نيّته من الليل ثمّ خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 392 .
2- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13175 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13176 .
4- .هو الحديث الأوّل من من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ح 321 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 229 ، ح 671 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 142 ،1982 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 185 ، ح 13174 ؛ و ص 209 ، ح 13239 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 229 ، ح 672؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ح 322 ؛ وهذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 142 ، ح 1983 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 185 ، ح 13173 .

ص: 273

الإفطار على كلّ حال وكان عليه القضاء ، ومتى بيّت نيّته للسفر من الليل ولم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقيّة النهار وكان عليه القضاء . (1) وبه قال في المبسوط أيضا إلّا أنّه لم يتعرّض للقضاء في الشقّ الثاني ، وظاهره عدم وجوبه فقد قال : «من سافر عن بلده في شهر رمضان وكان خروجه قبل الزوال ، فإن كان بيّت نيّته للسفر أفطر وعليه القضاء ، وإن كان بعد الزوال لم يفطر» . (2) وذهب أبو الصلاح وابن حمزة إلى قول الشيخ في النهاية ، فقد حكى في المختلف (3) عن الأوّل أنّه قال : «إذا عزم على السفر قبل طلوع الفجر وأصبح حضرا ، فإن خرج قبل الزوال أفطر ، وإن تأخّر إلى أن تزول الشمس أمسك بقيّة يومه وقضاه» . (4) وعن الثاني أنّه قال : المسافر لا يخلو من أربعة أوجه : إمّا أن خرج قبل الصبح من منزله أو بعد الصبح قبل الزوال ناويا للسفر من الليل أو غير ناوٍ، أو خرج بعد الزوال ، فالأوّل يفطر وكذا الثاني ، والثالث لا يفطر ولا يقضي ، والرابع يصوم ويقضي . (5) وقال الشيخ في كتابي الأخبار : إذا بيّت النيّة وخرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، وإن خرج بعد الزوال استحبّ له إتمام الصلاة وجاز له الإفطار ، وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل فلا يجوز له الإفطار على وجه . (6) وفي المختلف يعني على اعتبار التبييت وعدمه : واحتجّ الشيخ بما رواه سليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان ، فيخرج من أهله بعد ما يصبح ، قال : «إذا أصبح في

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 469 .
2- .الكافي في الفقه ، ص 182 .
3- .النهاية ، ج 1 ، ص 161 162 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 284 .
5- .الوسيلة ، ص 149 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 229 ، ذيل الحديث 672 واللفظ له ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ذيل الحديث 322 .

ص: 274

أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلّا أن يدلج دلجة» . (1) وعن رفاعة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح ، قال : «يتمّ صوم يومه ذلك» . (2) وعن عليّ بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان ، [أيفطر] (3) في منزله ؟ قال : «إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثمّ بدا له في السفر من يومه أتمَّ صومه» . (4) وعن أبي بصير ، قال : «إذا خرجت قبل طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم ، واعتدّ به من شهر رمضان» . (5) وعن سماعة ، قال : سألته عن الرجل ، كيف يصنع إذا أراد السفر ؟ قال : «إذا طلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم ، فإن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر ولا صيام عليه» . (6) عن سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «مَن أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم وحده، وليس يفترق التقصير والإفطار ، فمن قصر فليفطر» . (7) وبإجماع الفرقة على أنّه إذا سافر بعد الزوال وجب الصوم .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 227 228 ، ح 667 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 98 ، ح 317 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13178 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 ، ح 668 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13177 .
3- .اُضيفت من المصدر .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 ، ح 669 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 98 ، ح 319 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13182 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ح 320 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 188 ، ح 13184 . وفي الأصل كررّت هذه الرواية ووقع الخلط بينها وبين رواية أبي بصير المتقدّمة ، فحذفناها حسب المصدر .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 327 328 ، ح 1020 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13180 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 328 ، ح 1021 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13181 .

ص: 275

وبالآية الدالّة على وجوب الإتمام بعد الدخول فيه ، وأنّه إذا لم ينو السفر من الليل أصبح صائما صوما مشروعا ، فلا يبطل بالسفر . ولأنّه قد حصل السفر بعد انعقاد العبادة كما لو هو سافر بعد الصلاة التامّة . ولقوله تعالى : «وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ» (1) ، وإذا خرج مع النيّة بعد الزوال وجب عليه القضاء ؛ لأنّ نيّة السفر تضادّ نيّة الصوم ، فلم يقع فيه الصوم ، فلهذا أوجب القضاء . والجواب عن الحديث الأوّل بعد صحّة السند أنّه غير دالّ على المطلوب ؛ لأنّه قد اشتمل على من نوى السفر من الليل ، وأوجب عليه الصوم إذا أصبح في منزله ، فإن كان المراد أنّه خرج قبل الزوال فهو غير مطلوب الشيخ ، وإن كان المراد أنّه خرج بعد الزوال فهو مطلوبنا نحن . وهو الجواب عن الثاني ، وفي طريقه ابن فضّال ، وفيه قولٌ . وعن الثالث ضعف السند ، وأيضا فإنّه غير دالّ على التفصيل الذي ذكره الشيخ ، بل على التبييت وعدمه ، فكما حمل الإفطار مع التبييت إذا خرج قبل الزوال وعدمه إذا خرج بعده نحمله نحن على ذلك أيضا بناءً على أنّ الغالب أنّ من خرج قبل الزوال نوى من الليل وإن خرج بعده لم ينو ، فذِكْر هذا القيد بناءً على الغالب لا على أنّه علّة . ورواية أبي بصير مرسلة ولم يسندها أيضا إلى الإمام فليست حجّة مع احتمالها للتأويل ، فإنّ من خرج بعد الزوال يصدق عليه أنّه خرج بعد طلوع الفجر فيحمل عليه . وهذان هما الجوابان عن روايتي سماعة . والإجماع إن صحّ فهو مسلّم ؛ لأنّا نقول بموجبه ، إذ مع خروجه بعد الزوال يتمّ صومه ، ونمنع تناول الآية ، وهو قوله تعالى : «أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (2) من خرج قبل الزوال ؛ إذ بخروجه إلى السفر ينتفي الصوم فلا يجب الإتمام ، وقوله : «إذا خرج بعد الزوال مع تبييت النيّة للسفر أمسك وعليه الإعادة» ليس بعيدا من الصواب ؛ إذ لم يتحقّق منه شرط الصوم وهو النيّة . (3) انتهى .

.


1- .الحجّ (22) : 33 .
2- .البقرة (2): 187.
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 472 474 .

ص: 276

ثمّ قال العلّامة في المختلف : واعلم أنّه ليس بعيدا من الصواب تخيير المسافر بين الفطر والإتمام إذا خرج بعد الزوال ؛ لرواية رفاعة بن موسى الصحيحة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : «إذا أصبح في بلده ثمّ خرج ، فإن شاء صام ، وإن شاء أفطر» . (1) وإنّما قيّدنا ذلك بالخروج بعد الزوال جمعا بين الأخبار . (2) وفي المدارك : وأقول : إنّ هذا الحمل بعيد جدّا . نعم ، لو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا ، وبذاك يحصل الجمع بين الأخبار . (3) ولقد تشوّش كلام ابن إدريس هنا ، ففي المختلف : ونقل ابن إدريس عن المفيد ما نقلناه ، وهو أنّه إذا خرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، (4) قال : وإلى هذا القول أذهب واُفتي ؛ لأنّه موافق لظاهر التنزيل والمتواتر من الأخبار . ثمّ قال : وقال ابن بابويه في رسالته : يجب عليه الإفطار وإن خرج بعد العصر والزوال . قال : وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدّمه من الأقوال ؛ لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك ، وليس على المسألة إجماع ولا أخبار مفصّلة متواترة ، فالتمسّك بالقرآن حينئذٍ أولى ؛ لأنّه مسافر بلا خلاف ومخاطب بخطاب المسافرين من تقصير صلاة وغيرها . (5) انتهى . أقول : كأنّه أشار بقوله : (وإلى هذا القول أذهب و اُفتي) إلى وجوب الإفطار إذا خرج قبل الزوال ، أحد جزئي رأي المفيد لا جزءه الآخر أيضا وهو صحّة (6) الصوم إذا خرج بعده ، ويرتفع التناقض بين أوّل كلامه وآخره ، فتأمّل .

.


1- .المقنعة ، ص 354 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 327 ، ح 1019 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13179 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 475 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 290 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 469 470 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 392 .
6- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل مكان كلمة «صحّة» بياض .

ص: 277

باب من دخل بلدة فأراد المقام فيها أو لم يرد

باب الرجل يجامع أهله في السفر أو يقدم من سفر في شهر رمضان بعد الإفطار فيجامع أهله في يوم قدومه

باب من دخل بلدة فأراد المقام فيها أو لم يردما ذكر في الباب من انقطاع حكم السفر بإقامة عشرة أيّام مع النيّة في موضع أو إقامته ثلاثين يوما من غير نيّة هو المشهور بين الأصحاب ، ولم أجد مخالفا صريحا له بالنظر إلى الصوم . نعم ، قال ابن الجنيد على ما نقل عنه في المختلف في باب الصلاة : «يقصر إلى شهر إن لم ينو إقامة خمسة أيّام فصاعدا ، فإن نوى عند دخول البلد أو بعده مقام خمسة أيّام فصاعدا أتمّ» ؛ (1) محتجّا بما رواه محمّد بن مسلم (2) في الحسن ، وقد سبق القول فيه في محلّه .

باب الرجل يجامع أهله في السفر أو يقدم من سفر في شهر رمضان بعد الإفطار فيجامع أهله في يوم قدومهالمشهور بين الأصحاب جواز مجامعة المسافر في نهار شهر رمضان في الموضعين . ويدلّ على الأوّل صحيحة عمر بن يزيد (3) وثلاثة أخبار تليه . وعلى الثاني ما رواه الشيخ عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان ، فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض ، أيواقعها ؟ قال : «لا بأس به» . (4)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 113 .
2- .هو الحديث الثالث من باب المسافر يقدم البلدة كم يقصر الصلاة من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 219 220 ، ح 548 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 238 ، ح 849 . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 501 ، ح 11286 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 242 ، ح 710 ؛ وص 254 ، ح 753 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 106 ، ح 347 ؛ وص 113 ، ح 370 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 193 ، ح 13198 ؛ ص 208 ، ح 13236 ؛ وص 233 234 ، ح 13296 .

ص: 278

باب صوم الحائض والمستحاضة

ويعارض تلك الأخبار ما رواه المصنّف في الصحيح عن ابن سنان ، (1) والظاهر أنّه عبداللّه ، وخبر عبداللّه بن حمّاد ، عن عبداللّه بن سنان (2) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان ، فإنّ ذلك محرّم عليه» . (3) والمشهور الجمع بينها وبين ما سبق بالكراهة . وقال الشيخ المفيد بعد ما ذكر حكم المسافر والشيخ الكبير والشيخة الكبيرة من الإفطار : «ولا يجامع أحد ممّن ذكرناه ، إلّا أن تدعوه إلى ذلك حاجة شديدة» . (4) وقال الشيخ في التهذيب بعدما ذكر الأخبار الأوّلة : هذه الأخبار وما يجري مجراها في إباحة الوطي للمسافر في شهر رمضان محمولة على من غلبته الشهوة ، ولم يتمكّن من الصبر عليها ويخاف على نفسه الدخول في محضور ، فحينئذٍ اُبيح له وطي المحلّلات ، فأمّا من يقدر على الصبر على ذلك فليس له أن يطأ . (5) وظاهرهما عدم الجواز من دون خوف الشبق والحاجة الشديدة . ونِعمَ ما فعله المصنّف من الجمع بين الأخبار بالقول بالكراهة إذا لم يخف الشبق .

باب صوم الحائض والمستحاضةقد سبق في أبواب الحيض الإجماع على فساد الصوم بوجود دم الحيض في جزء من النهار ، ووجوب القضاء عليها بذلك ، وصحّة صوم المستحاضة المتوسّطة

.


1- .هو الحديث الخامس من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 206 ، ح 13231 .
2- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 206 ، ح 13232 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 240 ، ح 704 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 105 ، ح 341 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 207 ، ح 13234 .
4- .المقنعة ، ص 352 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 242 ، ذيل الحديث 709 .

ص: 279

باب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمرٌ يمنعه عن إتمامه

والكثيرة إذا عملت الأغسال الواجبة عليها على تفصيل قد سبق . قوله في مكاتبة عليّ بن مهزيار : (كان يأمر فاطمة عليهاالسلام والمؤمنات من نسائه بذلك) .[ح 6 / 6540] قال طاب ثراه : الأخبار المتكثّرة دالّة على أنّ فاطمة عليهاالسلام لم تَرالدم ، (1) وأنّها كانت طاهرة مطهّرة حوراء إنسيّة ، (2) فلعلّ المقصود أنّه عليه السلام يأمرها عليهاالسلامأن تأمر المؤمنات بذلك ، كما ذكر في المنتقى . (3)

باب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمرٌ يمنعه عن إتمامهإنّما يجب صوم الشهرين المتتابعين في كفّارة الإفطار في شهر رمضان من غير عذر ، وكفّارة الظهار والإيلاء ، وقتل الخطأ والعمد ، لكن الأوّل على التخيير بينه وبين عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا ، وفي الثلاثة الاُول من البواقي على الترتيب : العتق ثمّ الإطعام ثمّ الصيام ، وفي قتل العمد الجمع ، وكذا في إفطار رمضان بالمحرّم على المشهور ، ويأتي كلّ في محلّه . وما عنون المصنّف قدس سرهبه الباب غير مختصّ بالشهرين المتتابعين ، بل جاز في كلّ صوم متتابع ، إلّا في الاعتكاف في بعض صوره كما سيأتي ، وكأنّه وضع الباب لبيان جواز التفريق بعد تتابع شهر ويوم من الشهر الثاني . واعلم أنّ كلّ صوم مشروط بالتتابع إلّا ما استثني من الاعتكاف لو أفطر في أثنائه ،

.


1- .اُنظر : ذخائر العقبى ، ص 26 و 44 ؛ معجم الشيوخ للصيداوي ، ص 359 ؛ علل الشرائع ، ص 179 ، الباب 142 ، ح 4 ؛ تاريخ بغداد ، ج 12 ، ص 331 ترجمة غانم بن حميد الشعيري ، صحيفة الرضا عليه السلام ، ح 16 ؛ نزهة المجالس ، ص 577 ؛ المعجم الكبير ، ج 22 ، ص 400 ، ح 1000 ؛ المعجم لابن الأعرابي ، ج 1 ، ص 502 ، ح 568 ؛ الكافي ، ج 1 ، ص 460 ، ح 6؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 34 ، ح 9 ؛ إعلام الورى ، ج 1 ، ص 291 .
2- .الأمالى للصدوق ، المجلس 24 ، ح 2 ، والمجلس 70 ، ح 7 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 273 ، الباب 22 ، ح 114 ؛ كتاب التوحيد للصدوق ، ص 118117 ، الباب 8 ، ح 21 ؛ فرائد السمطين ، ج 2 ، ص 35 ، ح 371 ؛ دلائل الإمامة ، ح 57 و 62 ؛ كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 171 .
3- .منتقى الجمان ، ج 2 ، ص 501 .

ص: 280

ولو لعذر من مرض وحيض ونحوهما يبني ، ولغير عذر يستأنف ، واستثني من الأوّل صوم الشهرين المتتابعين ، ومن صام خمسة عشر يوما من الشهر المتتابع فإنّهُ يبني ولو أفطر من غير عذر وكلّ ذلك مدلول الأخبار ومجمع عليه بين العلماء الأخيار ، وهل يحرم الإفطار بعد الشهر واليوم من غير عذر ؟ في التحرير : «فيه قولان» (1) ، ولم يرجّح شيئا . وفي المختلف : من وجب عليه شهران متتابعان في كفّارة ظهار أو قتل الخطأ أو غيرهما فصام شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما ثمّ أفطر بغير عذر جاز له البناء إجماعا ، وهل يكون مأثوما ؟ قولان ، قال ابن الجنيد : لا يكون مأثوما ، وهو ظاهر كلام ابن أبي عقيل ، وظاهر كلام الشيخ . (2) وقال المفيد : يكون مخطئا ، (3) وكذا قال السيّد المرتضى ، (4) وهو يشعر بالإثم ، وصرّح أبو الصلاح (5) وابن إدريس (6) بالإثم . والأقرب الأوّل . (7) واحتجّ عليه بأصالة براءة الذمّة بتحقّق التتابع المطلوب شرعا بما فعل ، وبما رواه المصنّف في حسنة الحلبيّ (8) من تفسير التتابع ، ويؤيّده حصول الإجزاء . واحتجّ الآخرون بأنّ تتابع الشهرين مثلاً إنّما يحصل بإكمالهما ولم يحصل ، فيتحقّق الإثم ولا استبعاد في الإجزاء مع الإثم . واُجيب بالمنع من اشتراط التتابع بإكملهما ، (9) و [في]السند ما ذكر . وفي الحقيقة مبنى القولين على تفسير التتابع المعتبر شرعا . وأنت خبير بأنّ ظاهر التتابع يعطي إكمال العذر وسقوط التتابع مع العذر كما دلَّ

.


1- .تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 511 .
2- .النهاية ، ص 166 ؛ الاقتصاد ، ص 291 .
3- .المقنعة ، ص 361 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 58) .
5- .الكافي في الفقه ، ص 189 .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 411 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 561 .
8- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 562 .

ص: 281

باب صوم كفّارة اليمين

عليه حسنة الحلبيّ وغيره لا يعطي سقوطه من غير عذر ، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية حيث قال : فمن وجب عليه شيء من هذا الصيام وجب عليه أن يصومه متتابعا ، فإن لم يتمكّن من صيامه متتابعا صام الشهر الأوّل ومن الشهر الثاني شيئا ، ثمّ فرّق ما بقي . (1) فقد صرّح بسقوط التتابع في الشهر الثاني بعد يوم منه مع العجز ، وهو ظاهر الأخبار .

باب صوم كفّارة اليمينأراد قدس سره بيان أنّ هذا الصوم أيضا يشترط فيه التتابع ، ولا خلاف فيه ، وهي ثلاثة أيّام ، فإنّ كفّارة اليمين هي : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام متتابعات ، وفي حكمه كفّارة النذر والعهد مطلقا على رأي ، وقيل : كفّارتهما كفّارة رمضان مطلقا ، وقيل بالتفصيل ، فنذر الصوم وعمده كرمضان وغيره كاليمين ، ويجيء القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . قوله في خبر الحسين بن زيد : (السبعة الأيّام والثلاثة الأيّام في الحج لا تفرّق) .[ح 3 / 6557] المراد بهذه الأيّام صيام العشرة الأيّام بدل هدي التمتّع ، وقد أجمعوا على وجوب تتالي الثلاثة التي في الحجّ إلّا إذا فصل بالعيد وأيّام التشريق ، واختلفوا في وجوبه في السبعة التي بعد الرجوع إلى أهله حقيقةً أو حكما ، فاشترطه الحسن بن أبي عقيل (2) وأبو الصلاح الحلبيّ ، (3) والأكثر على عدم اشتراطه ، ويأتي القول فيه في محلّه .

.


1- .النهاية ، ص 166 ؛ وعنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 562 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 509 .
3- .الكافي في الفقه ، ص 188 .

ص: 282

باب من جعل على نفسه صوما معلوما ومن نذر أن يصوم في شكر

باب كفّارة الصوم وفديته

باب من جعل على نفسه صوما معلوما ومن نذر أن يصوم في شكرأراد قدس سره بيان أحكام متفرّقة متعلّقة بالصوم المنذور ، منها : عدم جواز صوم المنذور المطلق في السفر وفي العيدين وأيّام التشريق ويوم الشكّ . ويدلّ عليه بعض الأخبار المذكور في الباب كما هو المشهور بين الأصحاب ، وقد سبق القول في ذلك كلّه فيما تقدّم . ومنها : جواز الإفطار قبل الزوال في المنذور الغير المعيّن ، كما دلَّ عليه خبر صالح بن عبداللّه ، (1) ولم أجد قولاً بخلافه وإن خولف في قضاء رمضان . ومنها : انصراف الحين إلى ستّة أشهر كما هو المشهور . (2) ويدلّ عليه خبر السكوني (3) وأبي الربيع ، (4) والأوّل يدلّ على انصراف الزمان إلى خمسة ، ولم أرَ قولاً .

باب كفّارة الصوم وفديتهيريد بقرينة أخبار الباب الكفّارة والفدية المستحبّان للصوم المندوب الشاقّ عليه أو المنذور العاجز عنه ، ولا ريب في انحلال النذر حينئذٍ لما يجيء في محلّه ، والفدية إنّما تكون مستحبّة حينئذٍ ، ولم أجد قولاً بوجوبها كما أنّها (5) مستحبّة في الثلاثة الأيّام

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 20 ، ح 12729 .
2- .اُنظر : المقنعة ، ص 564 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 282 ؛ النهاية ، ص 167 ، ح 565 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 413 ؛ وج 3 ، ص 60 61 ؛ تحرير الأحكام ، ج 4 ، ص 350 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 231 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 624 ؛ مسالك الأفهام ، ج 11 ، ص 350 .
3- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 309 ، ح 933 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 388 ، ح 13659 .
4- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 309 310 ، ح 934 ؛ وج 8 ، ص 314 ، ح 1168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 387 388 ، ح 13658 .
5- .في الأصل : «أنّه» .

ص: 283

باب تأخير الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاء

باب صوم عرفة وعاشوراء

المندوبة في كلّ شهر .

باب تأخير الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاءلا ريب في جوازه واستحباب قضائها (1) إذا فاتت تلك الأيّام في وقتها ، بل لا يبعد القول بجواز تقديمها أيضا ، وقوله في خبر الحسن بن راشد : (الرجل يتعمّد الشهر في الأيّام القصار يصومه لسنة) [ح 1 / 6575 ]يحتمل الأمرين .

باب صوم عرفة وعاشوراءقال طاب ثراه : عاشوراء عندنا هو عاشر المحرّم ، واختلف العامّة فيه ، فقال بعضهم : إنّه اليوم التاسع منه ، (2) قال البغويّ : من قال : إنّه العاشر تعلّق باللّفظ ؛ لأنّه من العشر ، ومَن قال : إنّه التاسع تعلّق بما رواه مسلم عن الحكم بن الأعرج ، عن ابن عبّاس ، قال : قلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء ؟ قال : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ، قلت : هكذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصومه ؟ قال : نعم . (3) وأقول : يظهر من بعض الأخبار إطلاقه عليهما جميعا ، رويناه سابقا عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام : أنّ عليّا عليه السلام قال : «صوموا العاشوراء : التاسع

.


1- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل مكان «قضائها» بياض .
2- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 193 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 469 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 383 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 252 ؛ فتح الوهّاب ، ج 1 ، ص 215 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 104 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 104 ؛ المحلّى ، ج 7 ، ص 17 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 212 .
3- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 151 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 239 و 281 و 344 و 360 ؛ وأبي داود في سننه ، ج 1 ، ص 546 ، ح 2446 ؛ والترمذي في سننه ، ج 2 ، ص 127 128 ، ح 151 ؛ والبيهقى في السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 287 ؛ وابن حبّان في صحيحه ، ج 8 ، ص 395 396 .

ص: 284

والعاشر ، فإنّه يكفّر ذنوب سنة» ، (1) إلّا أنّه يحمل على التغليب . هذا ، والمستفاد من الأخبار والفتاوى اشتراط استحباب صوم يوم عرفة بشرطين : أحدهما : تحقّق الهلال ؛ لئلّا يصام العيد ، والثاني : لا يضعفه عن الدعاء والمسألة ؛ لأنّ ذلك اليوم يوم دعاء ومسألة . ويدلّ عليهما جميعا ما رواه الصدوق في الفقيه عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، قال : سألته عن صوم يوم عرفة فقلت : جُعلت فداك ، إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة ؟ قال : «كان أبي عليه السلام لا يصومه» ، قلت : ولِمَ جُعلت فداك ؟ قال : «يوم عرفة يوم دعاء ومسألة ، فأتخوّف أن يضعفني عن الدُّعاء ، وأكره أن أصومه أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم» . (2) وعلى الثاني بخصوصه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن صوم يوم عرفة ، قال : «من قوى عليه فحسن إن لم يمنعك من الدّعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وإن خشيث أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» . (4) وبالجملة ، فلا تأكيد في صومه لما ذكر ، ويؤيّده خبر زرارة (5) ولذا لم يكن يصومه الإمام عليه السلام حال إمامته على ما يستفاد ممّا رواه الشيخ في الموثّق عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «صوم يوم عرفة يعدل السنة» ، وقال : «لم يصمه

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 905 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 437 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13839 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 88 ، ح 1811 . ورواه أيضا في علل الشرائع ، ص 385 386 ، الباب 116 ، ح 1 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 435 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 903 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13860 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 464 ، ح 13855 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 904 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13858 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 462 ، ح 13851 .

ص: 285

الحسن عليه السلام وصامه الحسين عليه السلام » . (1) ويدلّ على استحبابه المحمول على غير الوكد ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن سعيد ، عن سليمان الجعفريّ ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : «كان أبي عليه السلام يصوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظلّ مرتفع ، فيُضرب له فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ» . (2) وأمّا صوم يوم عاشوراء ، فإنّما يستحبّ حزنا لا تبرّكا على ما ذكره العلّامة في المنتهى ؛ (3) محتجّا بما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة ، (4) وقد تقدّم . وعن أبي همّام ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم عاشوراء» . (5) وعن عبداللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلامقال : «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة» . (6) و مثلهما خبر كثير النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي ، فأمر نوح عليه السلام ومَن معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم» ، وقال أبو جعفر عليه السلام : «أتدرون ما هذا اليوم ؟ هذا اليوم الذي تاب اللّه عزّوجلّ فيه على آدم عليه السلام وحوّاء ، وهذا اليوم الذي فلق اللّه فيه البحر لبني إسرائيل مرّتين ، فأغرق فرعون ومَن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام ،

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 900 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 432 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13859 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 901 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 203 ، ح 13220 ، و ص 465 ، ح 13857 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
4- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13839 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 300 ، ح 906 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 438 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13838 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 300 ، ح 907 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 439 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13840 .

ص: 286

وهذا اليوم الذي تاب اللّه فيه على قوم يونس عليه السلام ، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام ، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السلام » . (1) وقد ورد فيه أخبار متعدّدة في النهي عن صومه ، رواه المصنّف من خبر ياسين الضرير ، عن حريز ، عن زرارة (2) وما بعده من أخبار الباب . وجمع الشيخ في كتابي الأخبار بينهما بأنّ مَن صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمّد والجزع لما قد حلّ بعترته الطاهرة فقد أصاب ، ومَن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرّك به والاعتقاد ببركته وسعادته فقد أثم وأخطأ . (3) ونقل هذا الجمع عن شيخه المفيد ، وبه صرّح العلّامة في المنتهى ، (4) وهو ظاهر جماعة اُخرى منهم المحقّق في الشرائع حيث عدّ من المستحبّات صوم يوم عاشوراء على جهة الحزن ، (5) وظاهرهم إكمال الصوم . والأظهر حمل الأخبار الدالّة على الإمساك إلى ما بعد العصر حزنا ، وهو ظاهر الشيخ في المصباح ، فقد روي فيه عن عبداللّه بن سنان ، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، قلت : ياابن رسول اللّه ، ممّ بكاؤك لا أبكى اللّه عينك ؟ قال : «أَوَفي غفلةٍ أنت ؟ أما علمت أنّ الحسين بن عليّ اُصيب في مثل هذا اليوم ؟» فقلت : يا سيّدي ، فما قولك في صومه ؟ فقال : «صمه من غير تبييت ، وافطره من غير

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 300 ، ح 908 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 458 ، ح 13842 . وانظر ما رواه الصدوق في أماليه ، المجلس 27 ، ح 1 ، وفي الباب 161 من علل الشرائع ، ص 227 228 ، ح 3 ، فإنّها تدلّ على أن كثيرا ممّا ورد في هذه الرواية كان في أيّام اُخر لا في يوم عاشوراء .
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 302 ، ذيل الحديث 912؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 135 136 ، ذيل الحديث 443 .
5- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 154 .

ص: 287

تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في ذلك الوقت من ذلك تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وانكشفت الملحمة عنهم» . (1) ولا يبعد حمل كلام الأوّلين أيضا على ذلك على ما ذكر الشهيد الثاني في شرح الشرائع من أنّ معنى الصوم على وجه الحزن بغير نيّة الصوم ، (2) فإطلاقهم الصوم عليه من باب التجوّز كما أطلق في خبر المصباح لذلك . واعلم أنّه يستفاد من خبر نجيّة (3) أنّ صوم يوم عاشوراء كان واجبا في أوّل الشرع ، ثمّ نسخ بنزول صيام شهر رمضان . ويؤيّده ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم وزرارة أنّهما سألا أبا جعفر الباقر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : «كان صومه قبل صوم شهر رمضان ، فلمّا نزل صوم شهر رمضان ترك» . (4) وفي المنتهى : اختلف في صوم عاشوراء ، هل كان واجبا أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : إنّه كان واجبا ، (5) وقال آخرون : إنّه لم يكن واجبا . (6) وللشافعي قولان ، (7) وعن أحمد روايتان . (8) احتجّ الموجبون بما روت عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صامه وأمر بصيامه ، فلمّا افترض

.


1- .مصباح المتهجّد ، ص 782 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 458 459 ، ح 13844 .
2- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 78 .
3- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 461 ، ح 13850 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 85 ، ح 1800 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 459 ، ح 13846 .
5- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 383 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 1 ، ص 169 ، وج 8 ، ص 4 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 87 ؛ عمدة القاري ، ج 1 ، ص 269 ، وج 10 ، ص 254 .
6- .المجموع ، ج 6 ، ص 383 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 14 ، فتح الباري ، ج 4 ، ص 122 .
7- .المجموع ، ج 6 ، ص 383 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 1 ، ص 169 ، وج 8 ، ص 4 ؛ عمدة القاري ، ج 1 ، ص 269 ، وج 10 ، ص 254 .
8- .المغني ، ج 3 ، ص 104 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 104 .

ص: 288

رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومَن شاء تركه . (1) وأيضا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كتب إلى أهل العوالي : «أنّ مَن أكل منكم فليمسك بقيّة يومه ، ومَن لم يأكل فليصم» . (2) وهذا يدلّ على وجوبه . واحتجّ الآخرون بما رووه عن معاوية أنّه سُمع يوم عاشوراء على المنبر : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «إنّ هذا اليوم عاشوراء لم يكتب اللّه عليكم صيامه وأنا صائم ، فمَن شاء فليصم ، ومَن شاء فليفطر» . (3) وأيضا فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يأمر مَن أكل فيه بالقضاء ، ولو كان واجبا لأمره بالقضاء . (4) وقد ورد في أحاديثنا ما يدلّ عليهما . (5) ثمّ روى خبر نجيّة وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمين . و قال طاب ثراه : نقلت العامّة روايات متكثّرة في أنّ قريشا و غيرهم كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يصومه ويأمر بصيامه قبل نزول صوم شهر رمضان ، فلمّا نزل صوم رمضان قال : «مَن شاء صام عاشوراء ، ومَن شاء تركه» . (6) وقال المازريّ : حاصل مجموع الأحاديث : أنّ الجاهليّة من قريش و غيرهم واليهود كانوا يصومونه ، ثمّ جاء الإسلام بصيامه متأكّدا ، ثمّ خفّف من ذلك التأكيد . (7)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
2- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 127 ، ح 750 ؛ مسند عائشة لعبد اللّه بن سليمان السجستاني ، ص 85 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي ، ج 3 ، ص 434 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 105 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 105 .
3- .أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 228 ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 50 ؛ المعجم الكبير ، ج 19 ، ص 238 ؛ التاريخ الكبير للبخاري ، ج 1 ، ص 14 ، ترجمة محمّد بن صيفي ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 22 .
4- .مسند الشافعي ، ص 161 ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 97 98 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 149 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 290 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 77 .
5- .اُنظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 105 ؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 105 .
6- .مسند الشافعي ، ص 161 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 29 30 و 50 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 23 ؛ صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 155 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 146 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 546 ، ح 2442 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 127 ، ح 750 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 288 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 8 ، ص 100 ، ح 4638 .
7- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 9 10 .

ص: 289

باب صوم العيدين وأيّام التشريق

باب صوم العيدين وأيّام التشريقيعني تحريم صوم تلك الأيّام ، أمّا الأوّل فهو مذهب عامّة العلماء من الفريقين ، (1) وتظافرت الأخبار عليه من الطريقين ، وقد تقدّم طائفة منها ، منها : حديث الزهري ، (2) ويجيء طرف منها في أبواب الحجّ . وروى العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه نهى عن صوم هذين اليومين وقال : «أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم ، وأمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم» . (3) وعن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام : يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشكّ فيه من رمضان . (4) وأمّا أيّام التشريق فالمراد تحريم صومها لمن كان بمنى خاصّة ، وقد أجمع عليه الأصحاب (5) وفاقا لأكثر العامّة ، منهم الشافعي في أحد قوليه . (6) وفي القول الآخر يجوز صومها للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ، يعني بذلك صوم ثلاثة بدل الهدي . ويدلّ على المذهب المنصور حديث الزهريّ المتقدّم وما تقدّم في حديث قتيبة الأعشى (7) وغيره .

.


1- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 111 112؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 587؛ المعتبر، ج 2، ص 712؛ المجموع، ج 6، ص 440؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 97؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 3، ص 110؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 14.
2- .هو الحديث الأوّل من باب وجوه الصوم من الكافي.
3- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 540 ، ح 2416 .
4- .مجمع الزوائد ، ج 3 ، ص 203 عن البزّار ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 412 و 441 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 415 .
5- .اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 713 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 113 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 512 513 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 137 .
6- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 445 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ح 509 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ح 241 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 25 26 ، ح 12744

ص: 290

وهذان الخبران وإن كانا مطلقين لكنّهما قيّدا بمن كان بمنى ؛ للإجماع المؤيّد بخبر معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صيام أيّام التشريق ، فقال : «أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا» . (1) ويظهر من المحقّق في المعتبر وجود قول بتحريمه مطلقا حيث قال : فقال الشيخ : إنّما يحرم على من كان بمنى ، وعليه أكثر الأصحاب ، ودلَّ عليه ما رواه معاوية بن عمّار ، والعمل بهذا أولى من الأخبار المطلقة ؛ لأنّها ليست على حدّ اليقين ، فيؤخذ بما وقع الاتّفاق عليه تمسّكا فيما عداه بالأصل . (2) انتهى . وكأنّه نظر في ذلك إلى إطلاق بعض عباراتهم . والعلّامة في المختلف بعدما نقل التقييد بمنى عن الشيخين (3) وابن الجنيد وجماعة ، قال : «وإن أطلق بعضهم فمراده التقييد» . (4) وبالجملة ، فلا وجه للتعميم ، بل خصّه العلّامة في التحرير بالناسك بمنى (5) بناءً على أنّ علّة التحريم كون الصوم مضعفا عن مناسك الحجّ في تلك الأيّام من رمي الجمرات والذهاب إلى مكّة للطواف والسعي والعود إلى منى ، ولا بُعد فيه لظهور التقييد بمنى في ذلك . واحتجّ الشافعي بما روي عن ابن عمر وعايشة أنّهما قالا : لم يرخّص في صوم أيّام التشريق إلّا المتمتّع لم يجد الهدي . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 297 ، ح 897 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 132 ، ح 429 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 516 ، ح 13997 .
2- .المعتبر ، ج 2 ، ص 713 .
3- .قاله المفيد في المقنعة ، ص 366 ؛ والطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 281 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 218) ؛ والنهاية ، ص 166 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 512 513 .
5- .تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 489 .
6- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 250 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 298 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 410 .

ص: 291

باب صيام الترغيب

واُجيب بأنّ الخبر موقوف ، وقولهما ليس بحجّة ، فلا يعارض النهي العام . (1) واستثنى الشيخ من هذين الصومين صوم كفّارة القتل في الأشهر الحرم ، فقال : «يجب عليه صوم شهرين متتابعين من الأشهر الحرم وإن دخل فيهما العيدان وأيّام التشريق» (2) محتجّا بما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن رجل قتل خطأً في الشهر الحرام ، قال : «تغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم» ، قلت : فإنّه يدخل في هذا شيء ؟ قال : «وما هو ؟» قلت : يوم العيد وأيّام التشريق ؟ قال : «يصوم فإنّه حقٌّ لزمه» . (3)

باب صيام الترغيبيعني الصيام المستحبّ المؤكّد وهو كثير ، وذكر أربعة منه في الباب : صوم يوم الغدير ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون من رجب ، ويوم أوّل يوم منه ، ويوم دحو الأرض وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وقد ذكرناها في باب وجوه الصيام مع غيرها من الصوم المستحبّ المؤكّد . قوله في خبر الصيقل : (يوم نشرت فيه الرحمة) إلى آخره. [ح 4 / 6591] الظاهر أنّ المراد بالرحمة هنا وضع البيت على وجه الأرض كما وقع التصريح به في خبر سهل بن زياد . (4) وتعليل فضل اليوم بهبوط آدم عليه السلام يدلّ على كونه فضيلة عظيمة . ونقل طاب ثراه عن المازري ، عن أبن العربي أنّه قال : «خروج آدم عليه السلام من الجنّة فضيلة عظيمة ؛ لأنّه سبّب لهذا النسل العظيم الذي منه الأنبياء والرّسل عليهم السلام ولم يخرج

.


1- .المعتبر ، ج 2 ، ص 713 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 281 ؛ النهاية ، ص 166 .
3- .هذا هو الحديث الثامن من باب مَن وجب عليه صوم شهرين متتابعين ... من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 297 ، ح 896 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 131 ، ح 428 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 380 ، ح 13642 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .

ص: 292

باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله

باب من لا يجوز له صيام التطوّع إلّا بإذن غيره

منها طردا ، بل لقضاء أوطار و يعود إليها» ، (1) إلّا أن يقال : إنّه تعداد لما وقع فيه من عظائم الاُمور ، وبحسب ذلك يطلب فيه الأعمال الصالحة لنيل رحمة اللّه تعالى ورفع نقمته .

باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سألهظاهره عدم فضله من غير سؤال كما هو مدلول أكثر الأخبار ، ومنه قيل : الحكمة فيه إجابة دعوة المؤمن ، وقد ورد في بعضها إطلاقه كخبر جميل بن درّاج ، (2) ولا يبعد القول بفضله من غير سؤال أيضا إذا علم من حال أخيه استبشاره بذلك وإدخاله للسرور عليه . قوله في خبر جميل : (3) (وبين يديه خوان عليه غسّانيّة) إلى آخره .[ح 4/ 6595] الغسّانيّ : الجميل جدّا (4) والغسّانيّة هي . ويقال : عزم على كذا ، إذا أمرك أمرا عزما ومرجعه إلى الحلف والاستثناء من مقدّر ، وتقدير الكلام : عزم عليَّ وما عزم عليَّ إلّا أن أفطر، كقولك : اللّهمَّ إنّي أنشدك لما استجبت لي بمعنى أنشدك، وما أنشدك إلّا أن تستجيب لي.

باب من لا يجوز له صيام التطوّع إلّا بإذن غيرهوهو أربعة أصناف : الأوّل والثاني صوم الضيف المتوقّف على إذن المضيّف وعكسه ، أمّا الأوّل فكتب العلماء مشحونة به ، (5) وفي المنتهى : «لا نعلم فيه خلافا من علمائنا» . (6)

.


1- .وحكاه عنه المناوي في فيض القدير ، ج 3 ، ص 659 ؛ والمباركفوري في تحفة الأحوذي ، ج 2 ، ص 501 ؛ والنووي في شرح صحيح مسلم ، ج 6 ، ص 142 ؛ والسيوطي في الديباج ، ج 2 ، ص 436 .
2- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
3- .كذا بالأصل ، والخبر لصالح بن عقبة .
4- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 353 (غسن) .
5- .اُنظر : المقنعة ، ص 367 ؛ الاقتصاد ، ص 293 ؛ الجمل والعقل (الرسائل العشر ، ص 219) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 289 ؛ النهاية ، ص 170 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 420 ؛ المختصر النافع ، ص 71 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 712 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 81 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 202 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 276 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 615 .

ص: 293

وأمّا الثاني فلم يتعرّض له الأكثر ، ونسبه الشهيد قدس سره في اللمعة إلى القول . (1) نعم ، ذكره العلّامة في المنتهى فقد قال بعدما ذكر الأوّل : «ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلّا بإذن المضيّف» . (2) ويدلّ عليهما جميعا خبر فضيل بن يسار ، (3) وعلى خصوص الأوّل خبر هشام بن الحكم (4) وما رواه في المنتهى ، قال : وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من نزل على قومٍ فلا يصوم تطوّعا إلّا بإذنهم» . (5) والمشهور أنّ النهي عن هذين الصومين من باب الكراهة ، وما اُشير إليه من الأخبار لا يدلّ على أزيد منها ، سواء وقع النهي عنه ممّن يتوقّف على إذنه أم لا ، وهو المشهور بين الأصحاب . (6) وفي الشرائع : «والأظهر أنّه لا ينعقد مع النهي» . (7) وهو بعيد . والثالث والرابع الخامس : صوم الزوجة كذلك من غير إذن زوجها ، وصوم المملوك كذلك من دون إذن مولاه ، وصوم الولد من غير إذن والده . وظاهر الأخبار في هؤلاء التحريم مطلقا وإن لم ينه عنه من يتوقّف على إذنه . واستقربه الشهيد في الدروس . (8) وقال الشهيد الثاني في [شرح ]اللمعة : الأقوى الكراهة بدون الإذن مطلقا في غير الزوجة والمملوك ؛ استضعافا المستند الشرطيّة ومأخذ التحريم ، أمّا فيهما فيشترط الإذن ، فلا ينعقد بدونه ، ولا فرق بين كون

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 615 .
2- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 50 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 137 .
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 528 ، ح 14041 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 530 ، ح 14043 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 608 ؛ الجامع الصغير للسيوطي ، ج 2 ، ص 650 ، ح 9058 ؛ ذكر أخبار إصبهان لأبي نعيم ، ج 1 ، ص 266 ؛ الكافي ، باب وجوه الصوم ،1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 296 ، ح 895 .
6- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 276 .
7- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 155 .
8- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 283 ، الدرس 74 .

ص: 294

باب ما يستحبّ أن يفطر عليه

باب الغسل في شهر رمضان

باب ما يزاد من الصلاة في شهر رمضان

الزوج والولي حاضرين أو غائبين ، ولا بين أن يمنعهما عن حقّ الزوج والمولى وعدمه . (1) لا سيّما إذا كان الزوج حاضرا قادرا على الاستمتاع ؛ لأنّه قد يهاب انتهاك الصوم بالإفساد. ونقل طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال : «لو كان الزوج مريضا أو شيخا كبيرا أو غائبا جاز لها الصوم بدون إذنه» .

باب ما يستحبّ أن يفطر عليهيستحبّ الإفطار على التمر والرطب وكلّ حلو ، وبالماء الفاتر مع عدمها على ما يستفاد من أخبار الباب .

باب الغسل في شهر رمضانيستحبّ الغسل في ليالي القدر من شهر رمضان من تسع عشرة وإحدى وعشرين و ثلاث و عشرين ، ووقته أوّل الليل ، وهو غروب الشمس ووجوبها ، أي سقوطها تحت الأرض ؛ (2) للجمع بين حسنة الفضيل (3) وصحيحة محمّد بن مسلم ، (4) وقد سبق في باب الأغسال أنّ الغسل المستحبّ لوقت إنّما يفعل عند دخول ذلك الوقت بخلاف المستحبّ لفعل ، فإنّه إنّما يفعل قبله .

باب ما يزاد من الصلاة في شهر رمضانظاهر المصنّف قدس سره استحباب زيادة النوافل في شهر رمضان على ما كان يصلّي في

.


1- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 138 .
2- .اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 232 (وجب) .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 324 ، ح 3768 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 310، ح 3725.

ص: 295

غيره من الليالي على أنحاء مختلفة بحسب اختلاف أخبار ما رواه في الباب . وفي المختلف : المشهور استحباب ألف ركعة فيه زيادة على نوافل الشهور ، وادّعى سلّار الإجماع عليه ، (1) وقال الشيخ أبو جعفر بن بابويه : لا نافلة فيه زيادة على غيره ، ولم يتعرّض أبوه ولا ابن أبي عقيل لها بنفي ولا إثبات . (2) انتهى . وكلام الصدوق في الفقيه (3) إنّما يدلّ على نفي تأكّد استحبابها لا على نفيها رأسا على ما ستعرف ، فلعلّ ما نسبه إليه كان قولاً له في غيره . ويدلّ على استحباب الألف ما رواه الشيخ عن النضر بن شعيب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن استطعت أن تصلّي في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة ألف ركعة فافعل ، فإنّ عليّا عليه السلام كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة» ، (4) وما سيأتي عن المفضّل بن عمر . (5) وقد ورد في بعض الأخبار منها ما دلّ على استحباب تسعمئة ركعة ، وهو مكاتبة أحمد بن محمّد بن مطهّر ، (6) وما رواه الشيخ عن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وممّا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصنع في شهر رمضان كان يتنفّل في كلّ ليلة ، ويزيد على صلاته التي كان يصلّيها قبل ذلك منذ أوّل ليلة إلى ثمان وعشرين في كلّ ليلة عشرين ركعة ، ثماني ركعات منها بعد المغرب ، واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة [ويصلّى في العشر الأواخر في كلّ ليلة ثلاثين ركعة ؛ اثنتي عشرة ركعة منها بعد المغرب وثمانّي عشرة ركعة بعد العشاء

.


1- .المراسم العلويّة ، ص 82 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 340 341 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 139 ، ذيل الحديث 1967 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 3، ص 61، ح 209؛ الاستبصار، ج 1، ص 461، ح 1794؛ وسائل الشيعة، ج 4 ، ص 98، ح 4613.
5- .وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 28 ، ح 10035 .
6- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 34 ، ح 10042 .

ص: 296

الآخرة] ، ويدعو ويجتهد اجتهادا شديدا ، وكان يصلّي في ليلة إحدى وعشرين مئة ركعة ، ويصلّي في ليلة ثلاث وعشرين مئة ركعة ويجتهد فيهما» . (1) وعن عليّ بن سليمان ، قال : حدّثنا عليّ بن أبي خليس ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن مطهر ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : أنّ رجلاً روى عن آبائك عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصلّيه في سائر الأيّام ، فوقّع عليه السلام : «كذب ، فضَّ اللّه فاه ، صلِّ في كلّ ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة إلى عشرين من الشهر ، وصلِّ ليلة إحدى وعشرين مئة ركعة ، وصلِّ ليلة ثلاث وعشرين مئة ركعة ، وصلِّ في كلّ ليلة من العشر الأواخر ثلاثين ركعة» . (2) والصدوق عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن شهر رمضان كم يصلّى فيه ؟ قال : «كما تصلّي في غيره ، إلّا أنّ لشهر رمضان على سائر الشهور من الفضل ما ينبغي للعبد أن يزيد في تطوّعه ، فإن أحبّ وقوى على ذلك أن يزيد في أوّل الشهر إلى عشرين ليلة ، كلّ ليلة عشرين ركعة سوى ما كان يصلّي قبل ذلك ، يصلّي من هذه العشرين اثني عشر ركعة بين المغرب والعتمة ، وثمان ركعات بعد العتمة ، ثمّ يصلّي صلاة الليل التي كان يصلّيها قبل ذلك ثمان ، والوتر ثلاث يصلّي ركعتين ويسلّم فيهما ، ثمّ يقوم فيصلّي واحدة فيقنت فيها ، فهذا الوتر ، ثمّ يصلّي ركعتي الفجر ، حتّى ينشقّ الفجر ، فهذه ثلاث عشرة ركعة ، فإذا بقي من شهر رمضان عشر ليالٍ فليصلِّ ثلاثين ركعة في كلّ ليلة سوى هذه الثلاث عشرة ركعة ، يصلّي منها بين المغرب والعشاء اثنتين وعشرين ركعة ، وثمان ركعات بعد العتمة ، ثمّ يصلّي صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة كما وصفت لك . وفي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين يصلّي في كلّ واحدة منهما إذا قوى على ذلك مئة ركعة ، سوى هذه الثلاث عشرة ركعة ويسهر فيهما حتّى يصبح ، فإنّ ذلك

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 63 ، ح 213 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 462 ، ح 1796 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 29 30 ، ح 10036 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 68 ، ح 221 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 34 ، ح 10042 .

ص: 297

يستحبّ أن يكون في صلاة ودعاء وتضرّع ، فإنّه يرجى أن يكون ليلة القدر في إحديهما» . (1) ولعلّه منها : ما رواه الشيخ عن عليّ بن حاتم ، عن أحمد بن عليّ ، قال : حدّثني محمّد بن أبي الصهبان ، عن محمّد بن سليمان ، قال : إنّ عدّة من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث ، منهم يونس بن عبد الرحمن ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وصباح الحذّاء ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وسماعة بن مهران ، عن أبي عبداللّه عليه السلام . قال محمّد بن سليمان : و سألت الرضا عليه السلام عن هذا الحديث ، فأخبرني به وقال هؤلاء جميعا : سألنا عن الصلاة في شهر رمضان ، كيف هي ؟ و كيف فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقالوا جميعا : «إنّه لمّا دخلت أوّل ليلة من شهر رمضان صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله المغرب ، ثمّ صلّى أربع ركعات التي كان يصلّيهنّ بعد المغرب في كلّ ليلة ، ثمّ صلّى ثماني ركعات ، فلمّا صلّى العشاء الآخرة وصلها بالركعتين اللّتين كان يصلّيهما بعد العشاء الآخرة وهو جالس في كلّ ليلة ، قام فصلّى اثنتي عشرة ركعة ، ثمّ دخل بيته ، فلمّا رأى ذلك الناس ونظروا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد زاد في الصلاة حين دخل شهر رمضان سألوه عن ذلك ، فأخبرهم أنّ هذه الصلاة صلّيتها لفضل شهر رمضان على الشهور ، فلمّا كان من الليل قام يصلّي فاصطفّ الناس خلفه فانصرف إليهم فقال : أيّها الناس ، إنّ هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة ، فليصلِّ كلّ رجلٍ منكم وحده ، وليقل ما علّمه اللّه من كتابه ، واعلموا أنّ لا جماعة في نافلة ، فافترق الناس فصلّى كلّ واحدٍ منهم على حياله لنفسه ، فلمّا كان ليلة تسع عشرة من شهر رمضان اغتسل حين غابت الشمس وصلّى المغرب بغسل ، فلمّا صلّى المغرب وصلّى أربع ركعات التي كان يصلّيهما فيما مضى في كلّ ليلة بعد المغرب دخل إلى بيته ، فلمّا أقام بلال الصلاة للعشاء الآخرة خرج النبيّ صلى الله عليه و آله فصلّى

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 138 139 ، ح 1967 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 30 31 ، ح 10037 .

ص: 298

بالناس ، فلمّا انفتل صلّى الركعتين وهو جالس كما كان يصلّي في كلّ ليلة ، ثمّ قام فصلّى مئة ركعة يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد عشر مرّات ، فلمّا فرغ من ذلك صلّى صلاته التي كان يصلّي كلّ ليلة في آخر الليل وأوتر ، فلمّا كان ليلة عشرين من شهر رمضان فعل كما كان يفعل قبل ذلك من الليالي في شهر رمضان ، ثماني ركعات بعد المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة ، فلمّا كانت ليلة إحدى وعشرين اغتسل حين غابت الشمس وصلّى فيها مثل ما فعل في ليلة تسع عشرة ، فلمّا كان في ليلة اثنتين وعشرين زاد في صلاته ، فصلّى ثماني ركعات بعد المغرب واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة ، فلمّا كانت ليلة ثلاث وعشرين اغتسل أيضا كما اغتسل في ليلة تسع عشرة ، وكما اغتسل في ليلة إحدى وعشرين ، ثمّ فعل مثل ذلك» . فسألوه عن صلاة الخمسين ما حالها في شهر رمضان ؟ فقال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي هذه الصلاة ويصلّي صلاة الخمسين على ما كان يصلّي في غير شهر رمضان ولا ينقص منها شيئا» . (1) ومنها : ستّمئة وستّين ركعة ، رواه المصنّف في مكاتبة أحمد بن مطهر . (2) ومنها : ما دلّ على أقلّ من ذلك ، رواه الشيخ عن عليّ بن حاتم ، عن الحسن بن عليّ ، عن أبيه ، قال : كتب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن صلاة نوافل شهر رمضان وعن الزيادة فيها ، فكتب عليه السلام إليه كتابا وقرأته بخطّه : «صلِّ في أوّل شهر رمضان في عشرين ليلة عشرين ركعة ، صلِّ منهما ما بين المغرب والعتمة ثماني ركعات ، وبعد العشاء اثنتي عشرة ركعة ، وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة ، واثنتين وعشرين ركعة بعد العتمة ، إلّا في ليلة إحدى وعشرين وثلاث [وعشرين] ، فإنّ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 64 66 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 466 ، ح 1801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 32 33 ، ح 10040 .
2- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .

ص: 299

المئة تجزيك إن شاء اللّه ، وذلك سوى الخمسين وأكثر من قراءة إنّا أنزلناه في ليلة القدر» . (1) ومنها : ما دلّ على أقلّ من ذلك أيضا ، رواه الشيخ عليّ بن حاتم ، عن عليّ بن سليمان الزراري ، قال : حدّثنا أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ،عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «صلِّ في العشرين من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة ، فإذا كانت الليلة التي يرجا فيها ما يرجا فصلِّ مئة ركعة ، تقرأ في كلّ ركعة : قل هو اللّه إحدى عشر مرّات» ، قال : قلت : جُعلت فداك ، فإن لم أقوَ قائما ؟ قال : «فجالسا» ، قلت : فإن لم أقوَ جالسا ؟ قال : «فصلِّ وأنت مستلقٍ على فراشك» . (2) وعن إبراهيم بن إسحاق الأحمري بإسناده عن محمّد بن سنان ، قال : قال الرِّضا عليه السلام : «كان أبي عليه السلام يزيد في العشر الأواخر من شهر رمضان ، في كلّ ليلة عشرين ركعة» . (3) ومنها : ما دلّ على أقلّ من ذلك أيضا ، رواه عن الحسن ، عن سليمان الجعفريّ (4) والشيخ بإسناده عن الجعفريّ ، وفي سنده عليّ بن الحسن بن فضّال والحسن بن الحسين المروزيّ : أنّه سمع العبد الصالح عليه السلام يقول : «في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين مئة ركعة ، يقرأ في كلّ ركعة قل هو اللّه أحد عشر مرّات» . (5) وسيروي المصنّف مثله في حديث الحلبيّ في الباب الآتي . ومنها : ما ورد فيه أقلّ من ذلك أيضا رواه الشيخ عن محمّد بن مروان ، قال : حدّثني أبو يحيى عن عدّة ممّن يوثق بهم ، [قالوا] : قال : «مَن صلّى ليلة النصف من شهر رمضان

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 67 68 ، ح 220 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 ، ح 1800 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 33 34 ، ح 10041 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 64 ، ح 216 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 31 ، ح 10039 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 67 ، ح 219 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 466 ، ح 1803 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 34 ، ح 10043 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي، وكان في الأصل: «الحسن بن سليمان الجعفري»، فصوّبناه حسب المصدر.
5- .تهذيب الأحكام، ج 3، ص 61 62، ح 210 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 461، ح 1791 ؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 17 18، ح 10012.

ص: 300

مئة ركعة يقرأ في ركعة عشر مرّات «قل هو اللّه أحد» ، فذلك ألف مرّة في مئة لم يمت حتّى يرى في منامه مئة من الملائكة ، ثلاثين يبشّرونه بالجنّة ، وثلاثين يؤمّنونه من النار ، وثلاثين تعصمه من أن يخطئ وعشرة يكيدون مَنْ كاده» . (1) وعن سليمان بن عمرو ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «مَن صلّى ليلة النصف من شهر رمضان مئة ركعة يقرأ في كلّ ركعة بقل هو اللّه أحد عشر مرّات أهبط اللّه إليه من الملائكة عشرة يدرؤون عنه أعداءه من الجنّ والإنس ، وأهبط اللّه إليه عند موته ثلاثين ملكا يؤمّنونه من النار» . (2) والخبر الذى¨ رواه المصنّف عن أبي بصير (3) يدلّ على استحباب ما زاد على ذلك كلّه . وفي بعض الأخبار إجمال في الزيادة ، رواه أيضا عن عبيد بن زرارة (4) والشيخ بإسناده عن محمّد بن زياد ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا» . (5) وبإسناده عن الحسن بن الحسين المروزيّ ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن محمّد بن يحيى ، قال : كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام فسئل هل يُزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل ؟ فقال : «نعم ، وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي بعد العتمة في مصلّاه فيكثر ، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلّوا بصلاته ، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله ، فإذا تفرّق الناس عاد إلى مصلّاه فصلّى كما كان يصلّي ، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل ، وكان يصنع ذلك مرارا» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 ، ح 211 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 27 ، ح 10034 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 ، ح 212 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 27 ، ح 10033 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 60 ، ح 204 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 461 ، ح 1793 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 22 ، ح 10023 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 60 ، ح 205 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 461 ، ح 1795 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 22 23 ، ح 10024 .

ص: 301

وعن محمّد بن خالد ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جابر بن عبداللّه ، قال : إنّ أبا عبداللّه عليه السلام قال له : «إنّ أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في رمضان ، وقد زاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صلاته في شهر رمضان» . (1) وفي الموثّق عن منصور بن حازم ، عن أبي بصير : أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام : أيزيد الرجل في الصلاة في شهر رمضان ؟ فقال : «نعم ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد زاد في رمضان في الصلاة» . (2) وهذه الأخبار مع عدم صحّة سند شيءٍ منها معارضة بأخبار متعدّدة صحيحة أكثرها ، رواها الصدوق عن ابن مسكان ، عن الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الصلاة في شهر رمضان ، فقال : «ثلاثة عشر ركعة ، منها الوتر وركعتا الصبح قبل الفجر ، كذلك كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي ، وأنا كذلك اُصلّي ولو كان خيرا لم يتركه رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (3) وعن عبداللّه بن المغيرة ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاة في شهر رمضان ، فقال : «ثلاثة عشرة ركعة ، منها الوتر وركعتان قبل صلاة الفجر ولو كان فضلاً كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعمل به وأحقّ» . (4) وروى الشيخ في الموثّق عن عبداللّه بن بكير ، عن عبد الحميد الطائي ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه لا يُصلّي شيئا إلّا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره» ، (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 60 61 ، ح 206 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 460 ، ح 1789 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 23 ، ح 10025 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 61 ، ح 207 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 460 461 ، ح 1790 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 23 ، ح 10026 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 137 ، ح 1965 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 466 467 ، ح 1804 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 68 69 ، ح 223 . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 42 ، ح 10058 .
4- .الفقيه ، ج 1 ، ص 566 ، ح 1564 ؛ وج 2 ، ص 137 138 ، ح 1966 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 69 ، ح 224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 43 ، ح 10059 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 118 ، ح 443 ؛ وص 69 ، ح 225 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 279 ، ح 1013 ؛ وص 467 ، ح 1806 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 248 ، ح 5057 ؛ وج 8 ، ص 43 44 ، ح 10060 .

ص: 302

فلا يبعد حمل الأخبار الأوّلة على التقيّة ، فإنّهم يستحبّون الألف الركعة لكن يتجنّبون الجماعة فيها . ثمّ الأولى الجمع بحمل الأخيرة على نفي تأكيد استحبابها لا على نفي الاستحباب ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه حيث قال بعدما ذكر خبر سماعة : إنّما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا ، كيف يروى ومَنْ رواه ، وليعلم من اعتقادي فيه إنّي لا أرى بأسا باستعماله . (1) والشيخ قدس سره في التهذيب يحمل الأخبار الأخيرة على نفي الجماعة فيها وقال : الوجه في هذه الأخبار وما جرى مجراها أنّه لم يكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان ، ولو كان فيه خير لما تركه عليه السلام ، ولم يرد أنّه لا يجوز أن يصلّي على الانفراد . (2) و استندله بصحيحة الفضلاء زرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل ، قالوا : سألناهما يعني أبا جعفر وأبا عبداللّه عليهماالسلامكما وقع التصريح بهما في الفقيه عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة ، فقال : «إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ، ثمّ يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي ، فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي ، فاصطفّ الناس خلفه ، فهرب منهم إلى بيته وتركهم ، ففعلوا [ذلك] ثلاث ليال ، فقام في اليوم الرابع . وفي الفقيه : [فقام صلّى اللّه عليه و آله] (3) في اليوم الثالث على منبره ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أيّها الناس ، إنّ الصلاة بالليلة في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلّوا صلاة الضحى فإنّ ذلك معصية ، ألا وأنّ كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار ، ثمّ نزل وهو يقول : قليلٌ في سنّة خيرٌ من كثيرٍ في بدعة» . (4)

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 139 ، ذيل الحديث 1967 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 69 ، ذيل الحديث 225؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 467 ، ذيل الحديث 1806 .
3- .اُضيفت فى المصدر .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 137 ، ح 1964 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 69 70 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 467 468 ، ح 1807 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 45 ، ح 10062 .

ص: 303

وفي الموثّق عن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد ، قال : «لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن عليّ عليهماالسلامأن ينادي في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادى في الناس الحسن بن عليّ عليهماالسلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن عليّ عليهماالسلامصاحوا : واعمراه واعمراه ! فلمّا رجع الحسن عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له : ما هذا الصوت ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، الناس يصيحون واعمراه واعمراه ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قل لهم صلّوا» . (1) وقال : إنّهم عليهم السلام ما أنكروا أصل الصلاة في شهر رمضان وإنّما أنكروا الاجتماع عليها . (2) والظاهر أنّ الخبر الأوّل في باب صلاة الليل ، وأمّا الخبر الثاني فكأنّه عليه السلام لم يصرّح بإنكار أصل الصلاة ؛ لدخولهما في عموم ما دلّ على أنّ الصلاة خيرٌ موضوع ، فمن شاء أن يستقلّ ، ومَن شاء أن يستكثر ، (3) فتأمّل . ثمّ إنّهم اختلفوا في كيفيّة ترتيب الألف على قولين : أحدهما : أن يصلّي في كلّ ليلة عشرين ركعة إلى عشرين ليلة ، ثمّ في كلّ ليلة ثلاثين إلى آخر الشهر ، وازدياد مئة في كلّ من ليالي الآخرة الثلاث ليلة تسع عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين . واختاره الشيخ في الخلاف (4) والاقتصاد (5) على ما نقل عنه في المختلف ، (6) وبه قال ابن إدريس ، (7) وهو منقول عن ابن الجنيد وأبي الصلاح . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 70 ، ح 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 46 ، ح 10063 .
2- .تهذيب الأحكام ، ذيل الحديث المتقدّم آنفا ، والمنقول هنا نقل بالمعنى .
3- .وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 248 ، ضمن الحديث 6461 .
4- .الخلاف ، ج 1 ، ص 530 ، المسألة 269 .
5- .الاقتصاد ، ص 273 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 342 .
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 310 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 159 .

ص: 304

والثاني وهو الذي أفتى به الشيخ في المبسوط (1) والنهاية ، (2) واختاره المفيد (3) والسيّد المرتضى (4) وابن البرّاج (5) وسلّار (6) وابن حمزة (7) على ما نقل عنهم في المختلف (8) [إلّا أنّه ]أن يقتصر في الليالي الثلاثة على المئة ركعة ، فيبقى ثمانون ، فيُصلّي في كلّ جمعة عشر ركعات بصلاة عليٍّ وفاطمة وجعفر عليهم السلام ، وفي آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة بصلاة عليّ عليه السلام ، وفي عشيّة تلك الجمعة ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة عليهاالسلام . ويدلّ على الأوّل الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّه يصلّي في الليالي الأفراد والثلاث مع المئة ركعة الزيادات التي في كلّ الليالي من العشرين في التاسعة عشر والثلاثين في الأخيرتين . واحتجّ على الثاني بما رواه الشيخ عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «يصلّى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة» ، قال : قلت : ومَن يقدر على ذلك ؟ قال : «ليس حيث تذهب ، أليس تصلّي في شهر رمضان زيادة ألف ركعة في تسع عشرة منه في كلّ ليلة عشرين ركعة ، وفي ليلة تسع عشرة مئة ، وفي ليلة إحدى وعشرين مئة ركعة ، وفي ليلة ثلاث وعشرين مئة ركعة ، ويصلّى في ثمان ليال منه في العشر الأواخر ثلاثين ركعة ، فهذه تسعمئة وعشرون ركعة» . قال : قلت : جعلني اللّه فداك ، فرّجت عنّي ، لقد كان ضاق بي الأمر ، فلمّا أن أتيت لي بالتفسير فرّجت عنّي ، فكيف تمام الألف ركعة ؟ قال : «تصلّي في كلّ يوم جمعة في شهر رمضان أربع ركعات لأمير المؤمنين عليه السلام وتصلّي ركعتين لابنة محمّد عليهماالسلاموتصلّي

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 133 134 .
2- .النهاية ، ص 139 140 .
3- .المقنعة، ص 167 170.
4- .الانتصار ، ص 168 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 145 _ 146 .
6- .المراسم العلويّة ، ص 81 82 .
7- .الوسيلة ، ص 116 117 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 342 343 .

ص: 305

بعد الركعتين أربع ركعات لجعفر الطيّار ، وتصلّي في ليلة الجمعة في العشر الأواخر لأمير المؤمنين عليه السلام عشرين ركعة ، وتصلّي في عشيّة الجمعة ليلة السبت عشرين ركعة لابنة محمّد صلّى اللّه عليهما ، ثمّ قال : اسمع وعِه وعِلِّم ثقات إخوانك هذه الأربع والركعتين فإنّهما أفضل الصلوات بعد الفرائض ، فمَن صلّاها في شهر رمضان وغيره انفتل ، وليس بينه وبين اللّه عزّ وجلّ من ذنب» . ثمّ قال : «يا مفضّل بن عمر ، تقرأ في هذه الصلوات كلّها أعني صلاة شهر رمضان الزيادة منها بالحمد وقل هو اللّه أحد إن شئت مرّة ، وإن شئت ثلاث ، وإن شئت خمسا ، وإن شئت سبعا ، وإن شئت عشرا ، فأمّا صلاة أمير المؤمنين عليه السلام فإنّه يقرأ فيها بالحمد في كلّ ركعة وخمسين مرّة قل هو اللّه أحد ، وتقرأ في صلاة ابنة محمّد عليهماالسلامفي أوّل ركعة الحمد وإنّا أنزلناه في ليلة القدر مئة مرّة ، وفي الركعة الثانية بالحمد وقل هو اللّه أحد مئة مرّة ، فإذا سلّمت في الركعتين ، فسبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليهاالسلاموهو : اللّه أكبر أربعا وثلاثين مرّة ، (1) وسبحان اللّه ثلاثا وثلاثين مرّة ، والحمدُ للّه ثلاثا وثلاثين مرّة . (2) فواللّه ، لو كان شيء أفضل منه لعلّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إيّاها» . وقال لي : «[تقرأ] في صلاة جعفر في الركعة الاُولى الحمد وإذا زلزلت ، وفي الثانية الحمد والعاديات ، وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر اللّه ، وفي الرابعة الحمد وقل هو اللّه أحد» . ثمّ قال لي : «يا مفضّل ، ذلك فضل اللّه يؤتيه مَن يشاء واللّه ذو الفضل العظيم» . 3 وقال ابن إدريس : الأوّل أكثر وأعدل رواة وليس فيه حرج ، بخلاف الثاني فإنّ ليلة آخر سبت في الشهر تضيق عن الفرض ، والنافلة المرتّبة ، والعشرين من صلاة فاطمة عليهاالسلاموعن الأكل

.


1- .في الأصل : + «كذا» .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 66 67 ، ح 218 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 466 ، ح 1802 إلى قوله : «وعلّم ثقات إخوانك المؤمنين» ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 2928 ، ح 10035 .

ص: 306

والشرب للإفطار . (1) وقال العلّامة رحمه الله في المختلف : واختلف في ترتيب العشرين ، فقال رحمه الله في المبسوط (2) والخلاف (3) : ثمان ركعات بين العشائين والباقي بعد العشاء الآخرة ، وبه قال المفيد (4) والسيّد المرتضى (5) وابن البرّاج (6) وأبو الصلاح (7) وسلّار (8) وابن زهرة (9) وابن حمزة (10) وابن إدريس . (11) وخيّر في النهاية (12) وابن الجنيد بين ثمان ركعات بين العشائين وبين اثنتي عشرة ركعة والباقي بعدهما . والأوّل أشهر ؛ لحديث مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام ، (13) ولحديث عليّ بن أبي حمزة عنه عليه السلام ، (14) وكذا حديث محمّد بن سليمان عن الرضا عليه السلام . (15) ويدلّ على القول الأخير رواية سماعة بن مهران ولم يسندها إلى إمام ، بل قال : سألته عن رمضان وذكر اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة ، وثمان ركعات بعد العتمة . (16)

.


1- .المراسم العلويّة ، ص 82 .
2- .الخلاف ، ج 1 ، ص 530 ، المسألة 269 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 310 .
4- .الكافي في الفقه ، ص 159 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 311 ، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 343 واللفظ له .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 133 .
7- .المقنعة ، ص 167 .
8- .الانتصار ، ص 168 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 42) .
9- .المهذّب ، ج 1 ، ص 146 .
10- .غنية النزوع ، ص 107 .
11- .الوسيلة، ص 116 117.
12- .النهاية ، ص 140 .
13- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 ، ح 213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 29 ، ح 10036 .
14- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 63 ، ح 215 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 463 ، ح 1798 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 31 ، ح 10038 .
15- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 64 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 ، ح 1801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 32 ، ح 10040 .
16- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 63 ، ح 214 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 462 ، ح 1797 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 30 ، ح 10037 .

ص: 307

ثمّ قال رحمه الله : فالمشهور في ترتيب الثلاثين أنّ ثماني ركعات بين العشائين والباقي بعد العشاء الآخرة . وقال أبو الصلاح (1) وابن البرّاج (2) : يصلّي بين العشائين اثنتي عشرة ركعة وثماني [عشر ]ركعة (3) بعد العشاء . لنا : رواية عليّ بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام ورواية محمّد بن سليمان عن الرضا عليه السلام ، ولأنّها أنسب إلى ترتيب العشرين . واحتجّ أبو الصلاح بما رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام . والجواب : الطعن في السند . (4) وهل يختصّ ذلك الألف بالصائم ؟ إطلاق (5) أكثر الفتاوى يقتضي العدم ، وهو ظاهر الأخبار ، فإنّها دلّت على أنّها زيدت لشرف الزمان . وحكى في المختلف عن أبي الصلاح أنّه خصّها بالصائم ؛ (6) محتجّا بأنّ شرافة الزمان بتبيعة الصوم ، ومع الإفطار يساوي غيره من الزمان . وأجاب عنه بالمنع وقال أيضا : المشهور أنّ الوتيرة بعد هذه الصلاة لتختم صلاة النافلة بها ، ذهب إليه الشيخان (7) وأبو الصلاح (8) وابن البرّاج 9 وأتباعهم . وقال سلّار : يصلّي ثمان ركعات بعد فرض المغرب ونوافلها ، واثنتي عشرة ركعة بعد

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 159 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 46 وفيه : «بعد صلاة المغرب ثمان ركعات ، وبعد عشاء الآخرة اثنتي وعشرين ركعة» .
3- .في الأصل : «ثماني ركعات» ، والتصويب من المصدر .
4- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 343 344 .
5- .في الأصل : «وإطلاق» .
6- .المفيد في المقنعة ، ص 166 167 ، والطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 133 .
7- .الكافي فى الفقه ، ص 159 .
8- .المهذّب ، ج 1 ، ص 145 .

ص: 308

باب في ليلة القدر

صلاة العشاء الآخرة والوتيرة . (1) احتجّ الأوّلون بأنّها تستحبّ أن تكون خاتمة صلاته ، وإنّما يتمّ ذلك بأن يقدّم ركعات رمضان . احتجّ [سلّار] (2) برواية سليمان عن الرضا عليه السلام وقد وصف له صلاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن قال : «فلمّا صلّى العشاء الآخرة وصلّى الركعتين اللّتين كان يصلّيهما بعد العشاء الآخرة وهو جالس في كلّ ليلة ، قام فصلّى اثنتي عشرة ركعة» ، (3) ولأنّها نافلة مرتّبة ، فتقدّم على نافلة رمضان كنافلة المغرب . (4) ويستحبّ الدُّعاء بين الركعات فقد وضع الشيخ في التهذيب لذلك بابا وعنونه بباب الدّعاء بين الركعات ، وقال في ذيله : إذا صلّيت المغرب فصلّ الثماني ركعات التي بعد المغرب ، فإذا صلّيت منها ركعتين فقل ما رواه عليّ بن حاتم إلى قوله : الدّعاء في العشر الأواخر . (5)

باب في ليلة القدرقال طاب ثراه : سُمّيت بذلك لتقدير اللّه فيها ما يكون في تلك السنة من الأرزاق والآجال ، والمراد بهذا التقدير أفعال الملائكة وخواصّ خلقه ما يكون من أفعاله ممّا سبق به علمه ، واختلف في الأوّل ، وهو المراد بقوله سبحانه : «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» (6) ، وقيل : سمّيت بذلك لعظم قدرها ، وهي عندنا وعند أكثر العامّة باقية إلى آخر الدهر ، وشذّ مَن قال منهم بأنّها كانت خاصّة بعد الرسول صلى الله عليه و آله ثمّ رفعت ، ولا

.


1- .المراسم العلويّة ، ص 82 ، وفيه : « ... بعد الوتيرة» .
2- .اُضيفت من المصدر .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 64 65 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 465 ، ح 1801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 32 ، ح 10040 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 345 346 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 71 101 ، ح 229 262 .
6- .القدر (97) : 4 .

ص: 309

مستند لهم ، وظاهر الآية وصريح رواياتهم يكذّبهم . ثمّ هي كما دلّت رواياتنا إحدى الليالي الثلاث ، وإن كان الأظهر منها ليلة الجهني ، وقد اختلفوا ، فقال بعضهم : هي في رمضان ، وقال بعضهم : في السنة . واختلف الفريقان فقال طائفة : إنّها لا تنتقل فقيل : هي في ليلة معيّنة مبهمة في السنة ، وقيل : مبهمة في رمضان ، وقيل : مبهمة في العشر الأواسط ، وقيل : في العشر الأواخر ، وقيل : في أثنائهما ، وقيل : مبهمة في ثلاث وعشرين وسبع وعشرين ، وقيل : في سبع وعشرين وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين . وقيل : في ليلة معروفة معيّنة غير مبهمة ، فقيل : إحدى وعشرين ، وقيل : ثلاث وعشرين ، وقيل : خمس وعشرين ، وقيل : سبع وعشرين ، وقيل : هي آخر ليلة منه . وقال طائفة منهم : إنّها تنتقل ، فقيل : تنتقل في السنة كما تكون في سنة في ليلة ، وفي سنة اُخرى في غير تلك الليلة . وقال مالك : إنّها تنتقل في العشر الأواخر من رمضان ، وقيل : تنتقل في رمضان أجمع . وقال بعضهم : القول بأنّها تنتقل حسنٌ وجيه ؛ لأنّ فيه الجمع بين الأحاديث المختلفة ، لأنّ كلّها صحيح ؛ لأنّها قد كانت في غير شهر رمضان ، وقد كانت في العشر الأوسط منه ، وقد كانت في العشرة الأخيرة . (1) قوله في خبر أبي حمزة : (وتصفد الشياطين) .[ح 2 / 6620 ] يُقال : صفده يصفده صفادا ، أي شدّه وأوثقه وكذلك التصفيد . (2) وقوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (فإن كانت في برد دفئت) إلى آخره . [ح3/6621]. الدف ء : السخونة ، تقول : منه دفئ الرجل دفاءة . (3) والكُتَّب بضم الكاف وفتح التاء

.


1- .اُنظر : شرح الاُصول الكافي للمولى محمّد صالح ، ج 6 ، ص 8 9 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 458 459 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 364 367 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 57 ؛ عمدة القاري ، ج 1 ، ص 225 .
2- .صحاح اللغة ، ج 27 ص 498 (صفد) .
3- .صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 50 (دفأ) .

ص: 310

باب الدعاء في العشر الأواخر

باب التكبير ليلة الفطر ويومه

المشدّدة جمع كاتب طلب وطالب . قوله في خبر أبي بصير : (في ستّ مضت) .[ح 5 / 6623] قال طاب ثراه : إذا ذكر المعدود وجبت التاء نحو ستّة أيّام ، وإلّا لم تجب نحو : صمت سنة وستّ ، ومنه أربعة أشهر وعشرا .

باب الدعاء في العشر الأواخرولكلّ من أيّام شهر رمضان أدعية وتسبيح في التهذيب (1) وغيره من كتب الدُّعاء ، فليرجع إليها .

باب التكبير ليلة الفطر ويومهالمشهور استحباب التكبير المذكور في خبر النقّاش (2) في الفطر عقيب أربع صلوات ، أوّلها المغرب ليلة الفطر وآخرها العيد . وعن السيّد المرتضى وجوبه ؛ (3) محتجّا بالإجماع ، وبالأمر في قوله تعالى : «وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (4) ، وفي قوله تعالى : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» 5 . ودعوى الإجماع في محلّ النزاع غير مسموع ، لا سيّما مع اشتهار الاستحباب ، والأمر شائع في الندب ؛ للجمع بينه وبين خبر النقّاش ، وربّما منع كون ذلك أمرا وهو

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 101 ، ح 263 265 . وراجع: الفقيه ، ج 2 ، ص 161 ، ح 2032 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب .
3- .الانتصار، ص 173.
4- .البقرة (2) : 185 .

ص: 311

باب يوم الفطر

مطابق لما ذكره المفسّرون من أنّ اللّام في قوله : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ» وقوله : «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» للتعليل لما سبق على سبيل اللّفّ والنشر المرتّب . فقوله : «لِتُكْمِلُوا العِدَّةَ» علّة الأمر بمراعاة العدّة ، و «لِتُكَبِّرُوا اَللّهَ» علّة بما علم من كيفيّة القضاء ، و «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» علّة الترخيص والتيسير . ولكنّ الأوّل أوفق ؛ لقوله تعالى في الأضحى : «وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ» (1) . ثمّ مدلول خبر النقّاش (2) وما يرويه المصنّف في باب التكبير في أيّام التشريق ، (3) فإنّ التكبير في الأوّل إنّما هو تكبيرتان وفي البين تكبير ثالث . وقال العلّامة في القواعد : «تقول : اللّه أكبر ثلاثا ، لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر الحمد للّه على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا» . (4) ولم أجد مستندا إلّا ما في بعض نسخ التهذيب في ذلك الخبر من ذكر اللّه أكبر في الأوّل ثلاثا . (5) قوله في خبر الحسن بن راشد : (إنّ القاريجار) .[ح 3 / 6639 ] رُوِيَ بالقاف والفاء ، وهو معرّب (كارِگر) . (6)

باب يوم الفطريعني بيان فضيلته ؛ لأنّه يوم الجائزة ، وبيان استحباب الإفطار فيه قبل الخروج إلى الصلاة عكس يوم الأضحى ، فإنّه يستحبّ فيه الإفطار بعد الخروج . والسرّ في ذلك أنّ يوم الفطر يوم أكل وشرب ، فيكون اطمئنان القلب بعدهما للصلاة أكثر ، بخلاف الأضحى فإنّه يستحبّ فيه الإفطار من الأضحية ، وهي تكون بعد

.


1- .البقرة (2) : 202 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .يأتي في كتاب الحجّ.
4- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 290 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 139 ، ح 311 .
6- .هو كلمة فارسيّة بمعنى العامل .

ص: 312

باب ما يجب على الناس إذا صحّ عندهم الرؤية يوم الفطر بعدما أصبحوا صائمين

باب النوادر

الصلاة ، وإنّما حمل الأمر في قوله عليه السلام : «اطعم» في حسنة الحلبيّ (1) على الاستحباب ؛ لخبر سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الأكل قبل الخروج يوم العيد ، وإن لم تأكل فلا بأس» . (2)

باب ما يجب على الناس إذا صحّ عندهم الرؤية يوم الفطر بعدما أصبحوا صائمينيريد أنّه إذا لم يرَ الهلال ليلة الثلاثين من شهر رمضان فباتوا على نيّة الصوم ، ثمّ ثبت عندهم الرؤية في تلك الليلة وجب عليهم الإفطار مطلقا ، لكن إذا كان ثبوت ذلك قبل الزوال يصلّون صلاة العيد أيضا لبقاء وقتها ، وإن كان بعده فلا صلاة في هذا اليوم ؛ لخروج وقتها ، ولكن يخرجون الغد على ما دلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس ، (3) وهو ظاهر المصنّف ، (4) لكنّه خلاف ما هو المشهور من سقوط تلك الصلاة بفوات وقتها .

باب النوادريحتمل الندرة هنا كلّاً من المعنيين المشهورين . قوله في خبر محمّد بن إسماعيل الرازيّ : (لا وفّقكم اللّه لصومٍ ولا لفطرٍ) . [ح1 / 6646] لا ينافي ذلك ما ورد في خبر رزين قوله عليه السلام : «لا وفّقكم اللّه لأضحى ولا لفطر» ؛ (5) لإمكان نداء الأمرين جميعا ، وهذا النداء يحتمل أن يكون دعاء عليهم بعدم التوفيق لما ذكر ، وهو مبنيّ على الغالب ، ولا يبعد أن يكون دعاء عليهم بعدم البلوغ وقت الصوم

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 137 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 445 ، ح 9820 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب .
4- .حيث جعل المصنّف عنوان الباب «ما يجب على الناس إذا صحّ عندهم الرؤية ...» .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.

ص: 313

باب الفطرة

والفطر والاُضحية ، كما يقال بالفارسيّة في أمثال هذه المقدّمة للدّعاء على أحد : (سال را به سر نبرى) ، لكن يأبى عنه بعض عبارات الخبرين .

باب الفطرةقد أجمع العلماء كافّة على وجوب زكاة الفطرة إلّا ما نقل عن المنتهى (1) وأورد بعض أصحاب مالك من استحبابها . (2) والأصل فيها قوله سبحانه : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» (3) على ما قيل في كنز العرفان : قيل : المراد من أدّى زكاة الفطرة وصلّى صلاة العيد ، وبه قال ابن عمر وأبو العالية وابن سيرين ، (4) وروي ذلك مرفوعا عن أئمّتنا عليهم السلام (5) . (6) وقد روى الصدوق رضى الله عنه في الفقيه عن حريز عن أبي بصير وزرارة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله من تمام الصلاة ؛ لأنّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ وآله ، إنّ اللّه عزّ وجلّ قد بدأ بها قبل الصلاة فقال : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» » . (7)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 ، فإنّه قال : «قد أجمع العلماء كافّة على وجوب زكاة الفطرة إلّا ما نقل عن داود و بعض أصحاب مالك من أنّها سنّة» .
2- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 2 ، ص 645 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 223 ؛ شرح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 58 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 265 ؛ التمهيد ، ج 14 ، ص 323 .
3- .الأعلى (87) : 14 15 .
4- .فقه القرآن ، ج 1 ، ص 254 ؛ مجمع البيان ، ج 10 ، ص 331 ؛ تفسير الرازي ، ج 31 ، ص 148 ؛ الدرّ المنثور ، ج 6 ، ص 339 ؛ تفسير ابن أبي حاتم ، ج 10 ، ص 3418 ، ح 19235 عن ابن سيرين ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 3 ، ص 636 عن عمر بن عبد العزيز وأبي العالية ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 4 ، ص 379 عن أبي العالية .
5- .اُنظر : مجمع البيان ، ج 10 ، ص 331 .
6- .كنز العرفان، ص 248، آخر كتاب الزكاة.
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 183 ، ح 2085 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 318 ، ح 12214 .

ص: 314

وفيه مسائل : الاُولى : في شرائطها ، وهي كثيرة : أحدها : كونه مكلّفا ، فلا يجب على الصغير والمجنون ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، (1) وبه قال الحسن البصريّ والشعبيّ ومحمّد بن الحسن الشيبانيّ ، (2) ويظهر من المنتهى إطباق باقي الجمهور على وجوبها على اليتيم ، وأنّه يخرج عنهما الوليّ . (3) ويدلّ على المذهب المنصور ما دلّ على رفع القلم عن الصبيّ والمجنون . (4) ويؤيّده ما رواه المصنّف قدس سره في الصحيح في باب زكاة مال اليتيم عن محمّد بن القاسم بن الفضيل ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الوصيّ ، أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ؟ قال : فكتب عليه السلام : «لا زكاة على اليتيم» . (5) واحتجّ أيضا عليه في المنتهى (6) بالأخبار المتعدّدة الدالّة على أنّه لا زكاة في مالهما ، وقد سبقت في كتاب الزكاة ، وهو كماترى ، فكلمة «على» في قوله عليه السلام : «على الصغير والكبير والحرّ والعبد» في صحيحة صفوان الجمّال (7) بمعنى عن ، وكذا في صحيحة

.


1- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 307 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 593 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 ؛ مجمع الفائدة ، ج 4 ، ص 234 .
2- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 646 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 646 ؛ التمهيد ، ج 14 ، ص 335 336 .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 .
4- .ورد الحديث بألفاظ مختلفة . اُنظر : وسائل الشيعة ، ج 29 ، ص 90 ، ح 35225 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 84 ، ح 39 ؛ وج 18 ، ص 13 ، ح 21860 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 116 و 118 و 140 و 154 155 و 158 ؛ وج 6 ، ص 100 و 101 و 144 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 171 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 658 ، ح 2041 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 338 ، ح 4398 ؛ وص 339 ، ح 4401 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 438 ،1446 ؛ سنن النسائي ، ج 6 ، ص 156 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 3 ، ص 360 ، ح 5625 ؛ و ج 4 ، ص 323 ، ح 7343 و 7344 و 7345 و ص 324 ، ح 7346 .
5- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ، ورواه أيضا في باب الفطرة ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 84 ، ح 11578 .
6- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
7- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .

ص: 315

الحلبيّ (1) الآتية ، وهي ظاهرة في هذا المعنى . وثانيها : الحرّيّة ، فلا يجب على المملوك . وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع وأهل العلم كافّة إلّا داود ، فإنّه قال : يجب على العبد أيضا ، ويلزم السيّد تمكينه من الاكتساب لتؤدّيها . وفي العزيز : وقيل : إنّها يجب عليه في كسبه كنفقته ، وبه قال أحمد . (2) لنا : أنّه لا مال له والشرط في وجوبها الغنى وللأخبار المتكثّرة الدالّة على أنّ فطرة العبد على سيّده من غير تفصيل . احتجّ داود بقوله عليه السلام : «على كلّ حرّ وعبد» . (3) والجواب : قد بيّنا أنّ المراد بذلك عن كلّ حرٍّ وعبد . (4) وحكى في المنتهى في قول عن الشافعيّ : إنّها تجب على العبد ، لكن يتحمّل عنه السيّد . (5) والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يتحرّر منه شيء في حكم القن إجماعا ، وأمّا الذي تحرّر منه شيء فعليه وعلى مولاه بالنسبة على المشهور على حسب اختلاف النفقة . وقوّى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه وعن مولاه ؛ لعدم صدق الحرّ ولا العبد عليه ، وهو غير بعيد ، فقد قال في بحث زكاة الغنم منه : «إذا كان قد تحرّر بعضه لزمه بمقدار ما تحرّر ، و يلزم مولاه بمقدار ما يبقى كما اخترناه نحن» ثمّ قال : وإن قلنا لا يلزم واحدا منهما لأنّه لا دليل عليه كان قويّا ؛ لأنّه ليس بحرّ ، فيلزمه حكم

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
2- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12121 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 165 .
4- .المسند للشافعي ، ص 92 93 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 277 ؛ وج 5 ، ص 432 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 392 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 138 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 68 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 48 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 25 ، ح 2281 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 159 ؛ سنن ابن ماجه ، ج 1 ، ص 584 ، ح 1826 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 122 ، ح 2054 .
5- .نفس المصدر . وانظر : بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 70 .

ص: 316

نفسه وهو مملوك ، لأنّه تحرّر منه جزء ولا هو من عيلولة مولاه ، فيلزمه فطرته لمكان العيلولة . (1) وظاهر الصدوق وجوب فطرة المكاتب مطلقا على نفسه حيث روى في الفقيه عن عليّ بن جعفر ، قال : وسأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهماالسلام عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على مَن كاتبه وتجوز شهادته ؟! قال : «الفطرة عليه ولا تجوز شهادته» . ثمّ قال : قال مصنّف هذا الكتاب : وهذا على الإنكار لا على الأخبار ، يريد بذلك كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته ؟! أي أنّ شهادته جائزة ، كما أنّ الفطرة عليه واجبة . (2) والخبر ظاهره وجوبها وإن حمل على ظاهره من الجبر ، ولا يبعد جعل (على) في الخبر بمعنى (عن) كما في الخبر السابق . ويؤيّده مرفوعة محمّد بن أحمد بن يحيى حيث دلّت على أنّ فطرة المكاتب على سيّده من غير تفصيل . وثالثها : الغنى الذي يحرم أخذ الزكاة ، فلا يجب على الفقير ، وهذا الشرط هو المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ المفيد في المقنعة ، قال : «زكاة الفطرة تجب على كلّ حرٍّ بالغ كامل بشرط وجود الطول لها ثمّ قال : إنّها تجب على من عنده قوت السنة ، وقسّم من يخرجها أقساما ثلاثة : أخذها ممّن تجب عليه ، و هو من يملك قوت السنة ، والثاني من ليس له إخراجها سنّة مؤكّدة ، وهو من يقبل الزكاة لفقره ، والثالث من يكون إخراجها فضيلة [له ]دون السنّة المؤكّدة ودون الفريضة ، وهو الذي يقبل الفطرة لمسكنة» . (3) وهو ظاهر مقنع الصدوق على ما حكى عنه في المختلف أنّه قال : «وليس على المحتاج صدقة الفطرة ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، وليس على من يأخذ الزكاة صدقة

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 206 . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 269 ، وعبارة «كما اخترناه نحن» منه .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 179 ، ح 2072 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 365 ، ح 12249 .
3- .المقنعة ، ص 247 و 248 . وعنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 ، والتلخيص منه .

ص: 317

الفطرة» (1) وحكاه عن ابن عقيل وسلّار ، (2) ورجّحه العلّامة في كتبه (3) وأكثر المتأخّرين ، وعدّه المحقّق أشبه ، (4) واعتبر أبو الصلاح فيه الغنى (5) وظاهره ذلك . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة ؟ قال : «لا» . (6) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة ؟ قال : «ليس عليه فطرة» . (7) وعن إسحاق بن المبارك قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : على المحتاج صدقة الفطرة ؟ فقال : «لا» . (8) وبسند آخر عن حريز ، عن يزيد بن فرقد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سمعه يقول : «من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة» . قال : يعني حريز : وقال ابن عمّار : إنّ أبا عبداللّه عليه السلام قال : «لا فطرة على مَن أخذ الزكاة» . (9)

.


1- .المقنع ، ص 213 214 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 .
2- .المراسم العلويّة ، ص 135 ولفظه هكذا : «ذِكر من تجب عليه وهو كلّ من يجب عليه إخراج زكاة المال» ، مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 .
3- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 261 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 357 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 369 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 73 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 419 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 129 .
5- .الكافي في الفقه ، ص 169 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 201 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12121 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 205 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12126 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 72 ، ح 199 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 ، ح 123 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12123 ، ولا يخفى أنّ متن الحديث لرواية يزيد بن فرقد، وهي الرواية التالية في هذه المصادر وستأتي . وكلام الإمام عليه السلام في رواية إسحاق بن مبارك هكذا : «ليس عليه فطرة» .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 202 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 41 ، ح 126 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12127 و 12128 .

ص: 318

وعن حريز ، عن الفضيل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : لمن تحلّ الفطرة ؟ فقال : «لمن لا يجده ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، ومن حلّت عليه لم تحلّ له» . (1) وبسند آخر عن يزيد بن فرقد النهديّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يقبل الزكاة ، هل عليه صدقة الفطرة ؟ قال : «لا» . (2) ويؤيّدها أصالة البراءة فيما لم يثبت دليل على خلافه ، وبعض أخبار ستأتي . ثمّ ظاهر الأخبار عدم اشتراط تملّك مقدار الفطرة زيادة على قوت السنة ، وبه قطع الشهيد الثاني في المسالك ، (3) واعتبره العلّامة في المنتهى حيث قال : والغنى الموجب للفطرة أن يملك قوت سنة له ولعياله ، أو يكون ذا كسب أو صنعة وتقوم بمؤنته ومؤنة عياله سنة وزيادة مقدار الزكاة . (4) وهو منقول عن المحقّق في المعتبر . (5) وقال الشيخ في الخلاف : «يجب زكاة الفطرة على مَن يملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب» . (6) واعتبر في النهاية (7) و المبسوط (8) ملك عين النصاب دون قيمته ، وهو منقول في المختلف (9) عن ابن حمزة ، (10) وبه قال ابن إدريس ، (11) ونسبه إلى مذهب جميع مصنّفي

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 203 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12129 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 200 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12124 .
4- .مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 444 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 594 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 146 ، المسألة 183 .
7- .النهاية ، ص 189 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 239 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 265 .
10- .الوسيلة ، ص 130 .
11- .السرائر ، ج 1 ، ص 465 .

ص: 319

أصحابنا إلّا الشيخ في مسائل خلافه ، (1) وهو محكي عن السيّد المرتضى على ما حكى عنه في المختلف حيث نسب إليه أنّه قال : «زكاة الفطرة تجب بالشروط التي ذكرناها في وجوب الزكاة ، وهي سنّة مؤكّدة في الفقير الذي يقبل الزكاة» . (2) قال : وأشار بالشروط إلى ما ذكره في صدر كتاب الزكاة حيث قال : «الزكاة تجب على الأحرار البالغين المسلمين الموسرين ، وحدّ اليسار ملك النصاب» . (3) وحكى عنهم أنّهم احتجّوا عليه بأنّ مالك أحد النُّصب تجب عليه الزكاة ، فتجب عليه الفطرة ؛ لاستلزام دفع الزكاة الغنى . وأجاب بمنع الملازمة . (4) وبالجملة ، فالظاهر ممّا ذكر من الأخبار أنّها تجب على من ملك مؤنة سنة وإن لم يملك أحد النصب الزكويّة ولا قيمتها ، ولا تجب على الفقير وإن ملك أحدها عينا أو قيمة . ونقل الشيخ في الخلاف عن الشافعي : «أنّه إذا فضل صاع عن قوته وقوت عياله ومن يمونه يوما وليلة وجب عليه ذلك» . ثمّ قال : «وبه قال أبو هريرة وعطاء والزهري ومالك ، وذهب إليه أكثر أصحابنا » (5) وهو ظاهر ابن الجنيد ، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «وعلى الفقير إذا تصدّق عليه بما يتجاوز قوت يومه أن يخرج ذلك عنه إلى غيره» (6) فإنّ الظاهر أنّه أراد بما يتجاوز مقدار صاع عن مؤنة يومه وليلته عنه وعن عياله الواجبي النفقة ، وهو ظاهر المصنّف متمسّكا بعموم من تزكّى ، وبما رواه المصنّف عن

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 24 ، المسألة 183 .
2- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 79 80) .
3- .نفس المصدر ، ص 74 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 268 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 146 147 ، المسألة 183 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 113 ؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 69 و 71 ؛ مختصر المزني ، ص 54 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 169 170 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 258 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 646 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 261 .

ص: 320

إسحاق بن عمّار ، (1) وفي الصحيح عن زرارة ، (2) وصحيحة الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك الصغير والكبير ، والحرّ والمملوك ، والغني والفقير ، عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير ، أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» ، قال : «التمر أحبّ إليّ» . (3) ومثلهما صحيحة عبداللّه بن ميمون ، عن أبي عبداللّه ، [عن أبيه] عليهماالسلامقال : «زكاة الفطرة صاع من تمر ، أوصاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من أقط ، عن كلّ إنسان حرّ أو عبد ، صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج» ، (4) حيث يدلّ على ثبوت الحرج على من وجد ما يتصدّق به فقط . وخبر إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه من الفطرة وحدها ، يعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله ؟ فقال : «يعطي بعض عياله ، ثمّ يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها ، فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة» . (5) والجواب عن الآية أنّها مخصّصة بما ذكر . وأجاب عنها في المختلف (6) بأنّها لا تدلّ على الوجوب إلّا بمفهوم الخطاب ، وهو ضعيف . وعن الأخبار بأنّها لا محالة محمولة على الاستحباب ؛ للجمع ، وإلّا لزم اطّراح الأخبار

.


1- .الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 325 ، ح 12135 .
2- .هو الحديث 11 من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 324، ح 12134.
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 75 ، ح 210 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 42 ، ح 134 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 324 ، ح 12133 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 75، ح 211 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 42، ح 135 ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 330، ح 12149.
5- .هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 177 ، ح 2066 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 74 75 ، ح 209 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 42 ، ح 133 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 325 ، ح 12135 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 263 .

ص: 321

الأوّلة مع أنّها أكثر وإن تساويا في الصحيحة وعدمها ، ويستحبّ للفقير إخراجها . وفي المنتهى : «ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ما شذّ» ، (1) مشيرا إلى ما نقل عن ابن الجنيد . (2) ويدلّ عليه ما ذكر في الجمع ، وظاهر الأصحاب عدم اشتراط ملك قدر صاع زائدا على مؤنته ليومه وليلته ، كما هو ظاهر الجمع . ولا ينافيه تقييده بما يؤدّي عن نفسه (3) في خبر إسحاق ؛ لأنّه في كلام السائل ، وأقلّ الاستحباب يحصل أن يدير صاعا بينه وبين عياله بأن يعطيه بعض عياله ، وذلك البعض بعضا آخر ، وهكذا إلى أن يعود إليه ، كما هو ظاهر خبر ابن عمّار . وقال المحقّق في الشرائع : «وأقلّ ذلك أن يدير صاعا على عياله ، ثمّ يتصدّق به» . (4) وكأنّه حمل «يعطي الآخر عن نفسه» على أنّه يعطي الخارج ، ولا بُعد فيه ، بل لا يبعد أن يُقال : يؤيّده قوله : «فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة» أنّ ظاهره خروج فطرة واحدة عنهم جميعا ، ولا ينافي ذلك الإدارة لشيوع إطلاق الإدارة في الأخبار على الإرسال ، فتأمّل . وظاهر قوله : «ثمّ يعطي الآخر عن نفسه» اشتراط البلوغ والعقل والتجربة أيضا في من يديرونه . وفي المسالك : «ولو كانوا غير مكلّفين تولّى الوالي ذلك عنه ، ولا يشكل إخراج ما صار ملكه عنه بعد النصّ وثبوت مثله في الزكاة الماليّة» . (5) الثانية : فيمن يجب الإخراج عنه . وإذا تحقّقت الشرائط يجب عليه إخراجها عن نفسه وعمّن يعوله ، أي يمونه .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
2- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 129 .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 536 .
4- .هذا هو الظاهر الموافق للرواية ، وفي الأصل : «نفس» .
5- .مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 445 .

ص: 322

وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وهو قول أكثر أهل العلم إلّا أبا حنيفة ، فإنّه اعتبر الولاية الكاملة ، فمن لا ولاية له عليه لا تجب عليه فطرته . (1) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف من صحيحتي عبداللّه بن سنان وصفوان الجمّال ، (2) وخبر عمر بن يزيد ، (3) ومرفوعة محمّد بن أحمد بن يحيى ، (4) وموثّقة إسحاق بن عمّار عن معتب ، (5) وخبر محمّد بن إسماعيل ، (6) ورواية أيّوب بن نوح (7) ما تقدّم من صحيحة الحلبيّ ، (8) بل ما تقدّم في الصحيح عن عبداللّه بن ميمون (9) أيضا ، وصحيحة الفضلاء : زرارة وبكير ابنَي أعين والفضيل بن يسار ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامأنّهما قالا : «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول [من حرّ وعبد وصغير وكبير] يعطي يوم الفطر فهو أفضل» (10) الحديث . وما روي في الفقيه من موثّق إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الفطرة ، قال : «إذا عزلتها فلا يضرّك ، متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها» ، وقال : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك واُمّك وولدك وامرأتك وخادمك» . (11) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «تصدّق على جميع من تعول من حرٍّ

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 533 . وانظر : البحر الرائق ، ج 2 ، ص 441 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 335 .
2- .ح 1 و 2 من هذا الباب .
3- .هو الحديث 16 من هذا الباب .
4- .هو الحديث 20 من هذا الباب .
5- .هو الحديث 21 من هذا الباب .
6- .هو الحديث 22 من هذا الباب .
7- .هو الحديث 24 من هذا الباب .
8- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 324 ، ح 12133 .
9- .وسائل الشيعة، ج 9، ص 330، ح 12149.
10- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 76، ح 215؛ الاستبصار، ج 2، ص 45، ح 147؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 354، ح 12219.
11- .الفقيه ، ج 2 ، ص 181 ، ح 2080 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12227 .

ص: 323

ُأو عبدٍ أو صغيرٍ أو كبير ، مَن أدرك منهم الصلاة» ، (1) ويعني عليه السلام بقوله : [«من تعول»] من صار عيالاً له و ولدا له قبل الصلاة ، وحمل على الاستحباب كما سيأتي . وفي خبر إبراهيم بن محمّد الهمداني : أنّه كتب إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام إلى قوله _ : «والفطرة عليك وعلى الناس كلّهم ، ومَن تعول من ذكرٍ واُنثى ، صغيرٍ وكبير ، حرّ أو عبد ، فطيم أو رضيع» . (2) فأمّا ما رواه الصدوق في الفقيه في الحسن كالصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته أو كسوته ، أتكون عليه فطرته ؟ قال : «لا ، إنّما يكون فطرته على عياله صدقة دونه» . وقال : «العيال الولد والمملوك والزوجة واُمّ الولد» (3) فمحمول على ما إذا لم يكونوا في عياله ، بل كانوا خارجا عنهم . والمراد بمن يعوله من يمونه وجوبا كالزوجة والمملوك والأبوين والأولاد مع شرائط وجوب نفقتهم ، أو تبرّعا كالضيف ، حرّا أو عبدا ، مسلما أو كافرا ، صغيرا أو كبيرا . أمّا الزوجة والمملوك فيجب فطرتهم على الزوج والمولى وإن لم يعولاهما ما لم يعلهما غيرهما . وأمّا الأبوين والأولاد الواجب نفقتهم على الشرط المعتبر في الوجوب فإنّما يجب فطرتهما بشرط العيلولة ، ولا فرق في ذلك بين صغير الأولاد وكبيرهم . وقال الشيخ في موضع من المبسوط : الولد الصغير يجب إخراج الفطرة عنه معسرا كان أو موسرا ، والولد الكبير له حكم نفسه إن كان موسرا فزكاته على نفسه ، وإن كان بحيث يلزم الوالد نفقته فعليه فطرته . (4)

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 182 ، ح 2081 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 317 318 ، ح 12112 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 79 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 140 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 344 ، ح 12186 .
3- .الفقيه، ج 2، ص 181، ح 2079؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 328، ح 12141.
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 239 .

ص: 324

وفي موضع آخر منه : «الأبوان والأجداد والأولاد الكبار إذا كانوا معسرين نفقتهم وفطرتهم عليه» . (1) ومثله قال في الخلاف (2) فقد اعتبر في وجوب تحمّل الفطرة مجرّد وجوب النفقة كالزوجة والمملوك ، والمشهور هو الأوّل من الفرق ، فإنّ وجوب النفقة على الزوجة والمملوك آكد من وجوبها على الأبوين والأولاد ، ولذا حكموا بوجوبها في الأوّلين وإن أنفقا من مالهما واقترضا للإنفاق بخلاف الأخيرين . ولمّا كان وجوب الفطرة عن الزوجة والمملوك (3) عنهما بالأصالة اشتهر بين الأصحاب وجوب الفطرة أيضا عنهما مطلقا لكن بشرط أن لا تكون الزوجة ناشزة . وفي المختلف : الزوجة الناشزة : قال الشيخ في المبسوط : لا تجب على الزوج فطرتها ، (4) وقال ابن إدريس : يجب ، (5) والأقرب الأوّل . لنا : الأصل براءة الذمّة ، وقد سلم عن معارضته النفقة والعيلولة وجوبا وتبرّعا فيسقط الوجوب . احتجّ [ابن إدريس] بعموم قولهم عليهم السلام : «يجب إخراج الفطرة عن الزوجة» . والجواب : المنع ، بل الوارد عن كلّ من يعول من زوجة وغيرها ، والعيلولة هنا ساقطة . (6) ووجب الإخراج عن المملوك وإن غصب مالم يعوله غيره ؛ لعدم خروجه بالغصب عن الملكيّة . ونفاه الشيخ في المبسوط (7) محتجّا بأنّه غير متمكّن منه فكالأجنبيّ .

.


1- .نفس المصدر ، وعنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 271 ، واللفظ له .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 135 136 ، المسألة 166 .
3- .بعده كلمتان غير مقروئتان .
4- .المبسوط، ج 1، ص 243.
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 468 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 273 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 240 .

ص: 325

والجواب : المنع من المساواة . (1) وأمّا العبد المشترك فالمشهور وجوب فطرته على الموالي بالحصص ، وإن كان العبد واحدا لم يبق لكلّ من الشركاء رأس ؛ لعموم الأخبار المتقدّمة . لا يقال : قد روى الصدوق ما ينافي ذلك ، فقد روى في الفقيه عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : عبد (2) بين قوم ، عليهم فيه زكاة الفطرة ؟ قال : «إذا كان لكلّ إنسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته ، فإذا كان عنده عدّة العبيد وعدّة الموالي سواء ، وكانوا جميعا فيه سواء ، أدّوا زكاتهم لكلّ واحدٍ منهم على قدر حصّته ، وإن كان لكلّ إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شيء عليهم» . (3) لأنّا نقول : الخبر مع ضعفه ؛ لاشتماله على جماعة من الضعفاء : محمّد بن نصير الغالي الذي لعنه عليّ بن محمّد العسكري على ما رواه الكشّي ، (4) وسهل بن زياد (5) وإسماعيل بن سهل الدهقان ، (6) وضعفهما مشهور (7) حمل في المشهور على عدم وجوب الفطرة الكاملة على كلّ منهما ، وهو تكلّف . والأظهر حمله على التقيّة لموافقته لمذهب أبي حنيفة وأضرابه ؛ ففي المنتهى : ويجب فطرة العبد المشترك على أربابه ، وبه قال مالك والشافعي ومحمّد بن الحسن وأبو ثور . وقال أبو حنيفة : لا فطرة على واحدٍ منهم ، وبه قال الحسن البصري وعكرمة وأبو يوسف . (8)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 273 .
2- .في المصدر : «رقيق» بدل «عبد» ، وفي الوسائل : «عبد» .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 182 183 ، ح 2082 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 365 366 ، ح 12250 .
4- .اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 805 ، الرقم 999 . ومثله في خلاصة الأقوال للعلّامة ، ص 401 ، الرقم 40 .
5- .اُنظر: الفهرست، ص 142، الرقم 339؛ رجال النجاشي، ص 185، الرقم 490؛ رجال ابن الغضائري، ص 66 67، الرقم 65، وص 125، الرقم 222؛ معالم العلماء، ص 92، الرقم 383؛ رجال ابن داود، ص 249، الرقم 229. ووثّقه الشيخ في رجاله، ص 387، الرقم 5699.
6- .رجال النجاشي ، ص 28 ، الرقم 56 .
7- .في الأصل : «مشهوران» ، والمناسب ما اُثبت .
8- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 535 . وانظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 143 144 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 116 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 686 687 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 654 .

ص: 326

واحتجّ على الأوّل بأنّ مؤنته عليهما ، فيجب أن يكون زكاته أيضا عليهما بمقتضى قوله عليه السلام : «الصدقة على كلّ حرّ وعبد ممّن يمونه» ، (1) وبأنّه عبدٌ مملوك لا يقدر عليها ، وهو من أهل الفطرة ، فيجب أن يكون على مواليه كالمنفرد . واحتجّ أبو حنيفة بأنّه ليس بواحد من مواليه عليه ولاية كاملة ، فلا تجب عليه كالمكاتب ، وبأنّ من لا يلزمه جميع الفطرة لا يلزمه بعضها كالوصي . (2) ودفعهما واضح . والمشهور أنّه يكفي في الضيف كونه معه في آخر ليلة من شهر رمضان ؛ محتجّين بعموم الضيف ، وصدق العيلولة . وظاهر جماعة من فحول الأصحاب اعتبار الضيافة طول شهر رمضان ؛ ففي الانتصار : «ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من أضاف غيره طول شهر رمضان يجب عليه إخراج الفطرة عنه» . (3) وفي النهاية : «أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان وجب عليه أيضا أن يخرج عنه» (4) ما سيأتي في بعض الأخبار . وفي الخلاف : «روى أصحابنا أنّ من أضاف إنسانا طول شهر رمضان وتكفّل عيلولته لزمه فطرته» . (5) ونقل في المختلف عن ابن حمزة أنّه قال : «وكلّ ضيف أفطر عنده شهر رمضان» . (6) وعن ابن البرّاج (7) أيضا مثله . (8)

.


1- .النهاية ، ص 189 .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «ممّن يمونون» .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 535 . وانظر : تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 335 و 337 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 71 .
4- .الانتصار ، ص 228 ، المسألة 117 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 133 ، المسألة 163 .
6- .. الوسيلة، ص 131 .
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 174 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 279 .

ص: 327

وظاهر المفيد اعتبار الضيافة في طول الشهر أو النصف الأخير منه حيث قال : ومَن أضاف مسلما لضرورته إلى الضيافة في طول شهر رمضان أو في النصف الأخير منه إلى آخره وجب عليه إخراج الفطرة عنه ؛ لأنّه قد صار بالضيافة في حكم العيال . (1) واعتبر ابن إدريس الإفطار عنده في الليلتين الأخيرتين حيث قال : يجب إخراج الفطرة عن الضيف بشرط أن يكون آخر الشهر في ضيافته ، فأمّا إذا أفطر عنده مثلاً ثمانية وعشرين ثمّ انقطع باقي الشهر ، فلا فطرة على مضيّفه ، فإن لم يفطر عنده إلّا في محاق الشهر وآخره بحيث يتناوله اسم الضيف ، فإنّه يجب عليه إخراج الفطرة عنه ولو كان إفطاره في اللّيلتين الأخيرتين فحسب . (2) وما ذكروه من التحديدات لم أجد نصّا عليها بخصوصها ، وإنّما يستفاد من الأخبار اعتبار صدق اسم الضيافة والعيلولة ، وكأنّهم إنّما اختلفوا فيها لاختلاف فهمهم إيّاهما ، وأصالة براءة المضيّف إلّا فيما فيه دليل شرعي يسند ترجيح قول المفيد . وظاهر الأخبار والفتاوى وجوب فطرة العيال مطلقا بالأصالة على المعيل ، وإنّما يجب عليه مع يساره ، فلو كان معسرا فالظاهر سقوط فطرة عياله رأسا ، أمّا عن المعيل فلعسره ، وأمّا عن العيال فلعدم تعلّق الوجوب به لمكان العيلولة . وربّما قيل بأنّ المعيل إنّما يتحمّل من العيال والوجوب بالأصالة عليه ، فتجب مع يسار المعيل على المعال . ويرد عليه : أنّه لا دليل عليه . ونقل عن ظاهر ابن إدريس أنّه أوجب الفطرة على الضيف والمضيّف . (3) وهو ضعيف ؛ لما ذكر ولقوله عليه السلام : «لا تنيا في صدقه» . (4)

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 468 .
2- .المقنعة ، ص 265 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 466 .
4- .مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 403 ؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ؛ الفردوس بمأثور الخطاب ، ج 5 ، ص 160 ، ح 7814 . قال الجوهري في صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2294 ؛ «وفي الحديث : لا ثني في الصدقة ، أي لا تؤخذ في السنة مرّتين» .

ص: 328

والمشهور بين الأصحاب هو الأوّل والثاني ، وهو ظاهر ابن إدريس حيث قطع بوجوب الفطرة على الزوجة التي كان زوجها معسرا ، (1) وإليه ميل المحقّق في المعتبر حيث قوّى وجوبها على تلك الزوجة . (2) وفصّل العلّامة في المختلف فقال : والأقرب أن نقول : إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حدّ يسقط عنه نفقة الزوجة بأن لا يفضل منه شيء البتّة فالحقّ ما قاله ابن إدريس وإن لم ينته الحال إلى ذلك بأن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا . (3) وهو يشعر بالأوّل . الثالثة: في وقتها . فالظاهر من الأخبار أنّ أوّلها غروب الشمس في آخر يوم من شهر رمضان ، وهو المعبّر عنه بهلال شوّال ، وأنّ آخرها صلاة العيد ، وهو منقول في المختلف (4) عن جمل الشيخ (5) واقتصاده ، (6) وعن ابن حمزة ، (7) وبه قال المحقّق ، (8) واختاره ابن إدريس . (9) أمّا الأوّل فلأنّه يظهر منها أنّه مناط الوجوب ، كما رواه المصنّف في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمّار ، (10) لدلالته على عدم وجوب الفطرة عن مولود ولد ليلة الفطر ، وعلى يهودي أسلم ليلة الفطر . ومثله ما رواه الصدوق في الفقيه في الموثّق عن عليّ بن أبي حمزة ، عن معاوية بن

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 468 .
2- .المعتبر ، ج 2 ، ص 602 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 277 278 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 294 .
5- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 209) .
6- .الاقتصاد ، ص 284 .
7- .الوسيلة ، ص 131 .
8- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 131.
9- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
10- .هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي .

ص: 329

عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في المولد يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر ؟ قال : «ليس عليهم فطرة ، ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» . (1) ويؤيّدها انتفاء زكاة الفطرة ، فيجب عنده لا قبله وبعده . وقال المفيد في المقنعة : «وقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر منه قبل الصلاة» . (2) وبه قال الشيخ في النهاية (3) والخلاف (4) و المبسوط ، (5) وحكاه في المختلف (6) عن رسالته الغريّة (7) أيضا و عن السيّد المرتضى (8) وأبي الصلاح (9) وابن البرّاج (10) وابن زهرة (11) وسلّار . (12) وتمسّكوا بما دلّ على إعطائها يوم العيد ، رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الفطرة متى هي ؟ فقال : «قبل الصلاة يوم الفطر» ، قلت : فإن بقي منه شيء بعد الصلاة ؟ فقال : «لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ، ثمّ يبقى فنقسمه» . (13) وقالوا في التقريب على ما حُكي عنهم في المختلف (14) بقبح الأمر بتأخير الواجب عن أوّل وقته ، فإنّ المسارعة إلى الواجب إمّا واجبة أو مندوبة ، فلا تكون مرجوحة .

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 179، ح 2070 ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 352، ح 12213.
2- .المقنعة، ص 249.
3- .النهاية ، ص 191 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 155 ، المسألة 198 .
5- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 242 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 295 .
7- .لم أعثر على هذه الرسالة .
8- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
9- .الكافي فى الفقه ، ص 169 .
10- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
11- .الغنية، ص 129.
12- .المراسم العلويّة ، ص 134 .
13- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 75 76 ، ح 212 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 141 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 355 ، ح 12220 .
14- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 297 .

ص: 330

وأجاب بمنع القبح ؛ لجواز اشتماله على مصلحة كما في تأخير الظهرين لمصلحة النافلة ونحوها . والظاهر أنّه على الاستحباب والأفضليّة كما دلّ عليه تتمّة الحديث المتقدّم عن الفضلاء ، فقد قال عليه السلام : «يعطى يوم الفطر فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها في أوّل يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره ، فإن أعطى تمرا فصاع لكلّ رأس ، وإن لم يعط تمرا فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير ، والحنطة والشعير سواء ، ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزي» . (1) ولا ريب في أفضليّة ذلك ، كما صرّح به الأكثر منهم المحقّق في الشرائع ، قال : «وتجب بهلال شوّال ، وتأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل» . (2) وحكى في الخلاف (3) عن الصدوقين في الرسالة (4) والمقنع (5) والهداية (6) أنّهما قالا : «لا بأس بإخراج الفطرة في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره ، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان» . وهو غير بعيد ؛ لصراحة صحيحة الفضلاء المتقدّمة في جواز إعطائها من أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره ، إلّا أن يقال : إنّ ذلك على سبيل التقديم ، كما هو ظاهر الشيخ وجماعة ، فإنّ الشيخ قال في النهاية (7) والخلاف (8) و المبسوط (9) : «يجوز إخراج الفطرة في شهر رمضان من أوّله» .

.


1- .النهاية ، ص 191 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 155 ، المسألة 198 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 76 ، ح 215 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 45 46 ، ح 147 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 131 .
5- .كذا بالأصل ولم أعثر عليه في الخلاف ، والظاهر أنّه مصحّف عن «المختلف» و الكلام موجود في ج 3 منه ، ص 295 .
6- .لم أعثر على رسالته ، وقاله أيضا في فقه الرضا عليه السلام ، ص 210 211 .
7- .المقنع ، ص 212 ، وكان في الأصل : «المقنعة» فصوّبناه .
8- .الهداية ، ص 204 205 .
9- .المبسوط ، ج 1 ، ص 242 .

ص: 331

وحكى في المختلف (1) عن سلّار (2) وابن البرّاج (3) أنّهما قالا : «وقد روي جواز تقديمها في طول شهر رمضان» . بل لا يبعد أن يحمل على تقديمها على جهة القرض ، وأن يحمل كلام الشيخ أيضا في الكتب الثلاثة عليه ، بقرينة أنّه قال بذلك في الاقتصاد على ما حكي عنه في المختلف (4) أنّه قال فيه : «فإن قدّم في أوّل الشهر على ما قلناه في تقدّم زكاة المال كان أيضا جائزا» ، (5) وأنّه قد قال فيه في تقديم زكاة المال : وإذا رأى هلال الثاني عشر وجب في المال الزكاة ، وإن قدّم ذلك لمستحقّ جعله قرضا عليه، يحتسب من الزكاة إذا تكامل الحول ، والمعطي على حال يجب معها الزكاة . (6) والأكثر حملها على التقديم على جهة القرض ، فقد قال أبو الصلاح على ما حكى عنه في المختلف (7) : يجوز إخراج الزكاة والفطرة قبل دخول وقتها على جهة القرض ، فإذا دخل الوقت عزم المخاطب على إسقاط حقّ المطالبة ، وجعل المسقط زكاة . (8) وقال ابن إدريس : «فإن قدّمها الإنسان على الوقت الذي قدّمناه ، فيجعل ذلك قرضا على ما بيّناه في زكاة المال» . (9) وربّما يستفاد من بعض الأصحاب منع جواز التقديم حيث نسبوا جوازه إلى الرواية ، فقد قال المفيد في المقنعة : «وقد جاء أنّه لا بأس بإخراجها في شهر رمضان من

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 300 .
3- .المراسم العلويّة ، ص 135 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 301 .
5- .الاقتصاد ، ص 285 .
6- .الاقتصاد ، ص 79 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 237 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 173 .
9- .السرائر ، ج 1 ، ص 470 .

ص: 332

أوّله إلى آخره» . (1) [و] مثله عن سلّار (2) وابن البرّاج (3) أيضا محكي في المختلف . (4) واحتجّوا عليه بأنّها عبادة موقّتة فلا يجوز فعلها قبل وقتها بناءً على ما تقدّم من أن وقتها يوم الفطر ، وبأنّها زكاة منوطة بوقت ، فلا يجوز وقتها قبله إلاّ على وجه القرض كزكاة المال ، وبأنّه لو جاز تقديمها في شهر رمضان لجاز قبله أيضا ؛ لاشتراكهما في المصالح المطلوبة من التقديم ، بل هنا أولى . وأجاب عنها في المختلف (5) بأنّا نقول : إنّ وقتها شهر رمضان ؛ لصحيحة الفضلاء . (6) وأمّا الآخر فلصحيحة عبداللّه بن سنان (7) ولخبر إبراهيم بن منصور ، (8) ورواه الشيخ في التهذيب بعينه عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن معاوية بن عمّار ، عن إبراهيم بن ميمون (9) على ما هو الظاهر من الصدقة من أنّها المندوبة لا الفطرة . وروى العامّة عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض (10) زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومَن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» . (11) وهو الظاهر من كلام فحول الأصحاب ، ففي المختلف (12) : قال السيّد المرتضى

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 297 .
3- .المقنعة ، ص 249 .
4- .المراسم العلويّة ، ص 136 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 300 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 .
7- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 ، ح 12219 .
8- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 353 ، ح 12216 .
9- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 353 354 ، ح 12217 .
10- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 76 ، ح 214 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 45 ، ح 143 .
11- .كذا بالأصل ، وفي المصادر : «فرض رسول اللّه ...» .
12- .سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 585 ، ح 1827 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 362 363 ، ح 1609 ؛ المستدرك ، ج 1 ، ص 409 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 163162 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 2048 .

ص: 333

في الجمل : وقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر يوم الفطر وقبل صلاة العيد ، وقد روي أنّه في سعة من أن يؤخّرها إلى زوال الشمس من يوم الفطر . (1) وقد سبق عن الأكثر أنّهم قالوا : إنّ آخر وقتها صلاة العيد من غير تقييد بالزوال . وعن ابن الجنيد أنّه قال : أوّل وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر ، وآخرها زوال الشمس منه ، والأفضل في تأديتها من بين طلوع الفجر إلى أن يخرج الإنسان إلى صلاة العيد ، وهو في سعة أن يخرجها إلى زوال الشمس . وقال العلّامة في المختلف : وهو الأقرب ، لنا : أنّها تجب قبل صلاة العيد ، ووقت صلاة العيد ممتدّ إلى الزوال فيمتدّ الإخراج إلى ذلك الوقت . (2) وهو كما ترى . وظاهره في المنتهى امتداد وقتها اختيارا إلى غروب الشمس يوم الفطر ، فقد قال فيه : ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا ، فإن أخّرها أثم . وبه قال علماؤنا أجمع إلى قوله _ : والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة ، وتحريم التأخير عن يوم العيد . (3) واحتجّ عليه بصحيحة عيص (4) المتقدّم ، وفي دلالته عليه تأمّل . نعم ، يدلّ عليه إطلاق يوم الفطر في صحيحة الفضلاء ، (5) وهو قويّ ، والاحتياط واضح . ولو أخّرها عن الوقت لغير عذر أثم بالإجماع ، وإن كان لعذر لم يأثم إجماعا ، فإن كان قد عزلها أخرجها مع الإمكان أداءً على المشهور ، بل يستفاد من المنتهى (6) والمختلف (7) وفاقهم عليه .

.


1- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 .
3- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 ، ح 12219 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 298 299 .
5- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
6- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 355 ، ح 12220 .
7- .منتهى المطلب، ج 1، ص 541.

ص: 334

ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أخرج فطرته ، فعزلها حتّى يجد لها أهلاً ، فقال : «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ ، وإلّا فهو ضامن لها حتّى يؤدّيها إلى أربابها» . (1) وعن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب لها الموضع أن تنتظر رجلاً فلا بأس به» . (2) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار وغيره ، قال : سألته عن الفطرة ، قال : «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها » . (3) ورواه الصدوق أيضا بسند آخر صحيح عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الفطرة ، قال : «إذا عزلتها فلا يضرّك متى ما أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها» ، وقال : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك واُمّك وولدك وامرأتك وخادمك» . (4) وقد سبق الخبر . وفي المنتهى : وإن لم يكن عزلها ففيها لأصحابنا ثلاثة أقوال : أحدها : السقوط ، وبه قال الحسن بن زياد ، (5) وثانيها : أن يكون قضاء ، ذهب إليه الشيخان ، (6) وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ، (7) وثالثها : يكون أداءً دائما ، واختاره ابن إدريس . (8) والأقرب عندي ما ذهب

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 77 ، ح 219 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 356 ، ح 12225 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 77 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 45 ، ح 145 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12228 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 77 ، ح 218 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 45 ، ح 146 . وفيهما بدل «أو بعدها» : «أو بعد الصلاة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12227 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 181 ، ح 2080 .
5- .الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي ، من أصحاب أبي حنيفة و ممّن أخذ عنه و سمع منه ، و لي القضاء بالكوفة ، توفّي سنة 204ه ق ، من تَصانيفه : أدب القاضي ، معاني الإيمان ، الخراج ، الفرائض والنفقات . راجع: الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 191 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 3 ، ص 226 . وكلامه هذا مذكور في المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 142 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 110 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 74 .
6- .قاله المفيد في المقنعة ، ص 249 ؛ والشيخ في الخلاف ، ج 2 ، ص 155 .
7- .المجموع ، ج 6 ، ص 142 .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 470 .

ص: 335

إليه الشيخان . لنا : على عدم السقوط أنّه حقّ ثابت في الذمّة للفقراء فلا يسقط بخروج وقته كالدَّين وزكاة المال وعلى كونها قضاء أنّها عبادة مؤقّتة ، فإنّ وقّتها وفعلت بعد فواته فيكون قضاءً . واحتجّ القائلون بالسقوط بأنّها حقّ موقّت فتسقط بفواته كالأضحية ؛ ولافتقار القضاء إلى أمرٍ جديد ، ولقوله عليه السلام : «هي قبل الصلاة زكاة مقبولة ، وبعد الصلاة صدقة من الصدقات» ، (1) وهو يدلّ على أنّها ليست زكاة بعد الصلاة ، بل صدقة مستحبّة . واحتجّ القائلون بكونها أداءً بأنّها زكاة تجب لوقتها ، فلا تكون قضاءً بفواته كزكاة المال . والجواب عن الأوّل بالمنع عن سقوطه بعد الفوات لتحقّق شغل الذمّة ولم يثبت المسقط . وعن الثاني : أنّ الحقّ وإن كان ذلك لكن الاحتياط يقتضي عدم السقوط . وعن الثالث بالمنع من كونها مستحبّة . وكونها صدقة لا ينافي وجوبها ، ومنع كونها كزكاة المال ؛ لأنّ ثوابها يقصر عن ذلك . وعن الرابع : أنّ امتداد وقتها إلى آخر العمر ينافي تضيّقها عند الصلاة ، وقد أجمعنا على ذلك ؛ ولأنّها لو امتدّ وقتها لوجبت أو استحبّت على من بلغ أو أسلم بعد الزوال كما تجب الصلاة على من أسلم أو بلغ وقتها ، (2) انتهى . ويظهر منه أنّ الأقوال الثلاثة إنّما هي مع عدم العزل حسب لا معه أيضا . ويظهر ذلك من المختلف أيضا حيث قال : لو أخّرها عن الزوال لغير عذر أثم بالإجماع ، وإن كان لعذر كعدم المستحقّ وغيره لم يأثم إجماعا ، فإن كان قد عزلها أخرجها مع الإمكان ، وإن لم يكن قد عزلها قال المفيد رحمه الله : سقطت . (3) إلى آخر الأقوال . وأنت خبير بأنّه لا مدخل للعزل في بقاء الوجوب ولا لعدمه في عدمه ، ولمّا وجب بهلال شوّال ، والأصل في الماليّات الواجبة البقاء إلى أن يظهر دليل على خلافه ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
2- .سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 585 ، ح 1827 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 ، وكلام المفيد في المقنعة ، ص 249 .

ص: 336

فالظاهر وجوبها وإن خرج الوقت أداءً مطلقا كالزكاة الماليّة ، كما هو ظاهر ابن إدريس ، (1) فإنّه (2) قال : ضبط طرفي وقتها يقتضي صيرورتها بعده قضاءً ، بخلاف وقت الزكاة الماليّة ، فإنّه إنّما ضبط أوّله دون طرفيه فأعتبره مدّة العمر ، فلا يجوز تشبيه وقتها بوقت الزكاة الماليّة ، (3) فتشبّهه بوقت الاختيار للصلوات عند الشيخ قدس سرهفإنّه قد ضبط طرفاها مع أنّه لو أخّرها عنه اختيارا لاتصير الصلاة قضاءً ، بل يصلّيها أداءً . (4) وإنّما تظهر فائدة القول بوقت الاختيار وعدم [؟ ؟] عدمه ، فلعلّ هاهنا أيضا يكون كذلك . ومرسلة ابن أبي عمير (5) مع عدم صحّتها فإنّما تدلّ على جواز التأخير مع العزل في الضرورة ، وغاية ما يستفاد منه عدم الضمان إذا تلف مع العزل وبراءة ذمّته منها ، كما هو ظاهر صحيحة زرارة . (6) وكذا ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص أو جعفر المروزيّ على اختلاف النسخ قال : سمعته يقول : «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة ، والصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم» (7) إنّما يدلّ مع عدم صحّته لجهالة سليمان هذا على التقديرين ، (8) ولإضماره إنّما يدلّ على رجحان العزل ولاصراحة فيه في المدّعى . نعم ، يدلّ على ذلك التفصيل موثّقة إسحاق بن عمّار ، (9) وهو لعدم صحّته ولإضماره

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 470 .
2- .كذا بالأصل ، وليس مرجع الضمير ابن إدريس ؛ لأنّ هذا الكلام ردّ له .
3- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 306 .
4- .كذا بالأصل ، ولم يظهر لي ما أراد ، ولم أعثر على كلام الشيخ ، بل الموجود في كتب الشيخ صيرورتها قضاء .
5- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12228 .
6- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 356 ، ح 12225 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 87 ، ح 256 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 50 51 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 347 ، ح 12196 .
8- .اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 8 ، ص 245 ، الرقم 5428 ، وص 290 ، الرقم 5538 .
9- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12227 .

ص: 337

لا يكون حجّة ، ولا يجوز الاستناد إليها في حكم مخالف الأصل . ونِعْمَ ما فعله صاحب المهذّب [البارع] (1) حيث نقل الأقوال الثلاثة في من يطلق التأخير من غير تفصيل ، فقال : لو أخّرها عن آخرها التي هي الصلاة أو الزوال على الخلاف هل تسقط أو تجب أداءً [أ] وقضاءً ؟ فيه ثلاثة أقوال : الأوّل : السقوط ، وهو مذهب الفقيهين (2) والمفيد (3) والتقي (4) والقاضي . (5) واحتجّوا بأنّها عبادة موقّتة وقد فات وقتها فتسقط أداءً ، والقضاء إنّما يجب بأمرٍ جديد ولم يوجد ، والأصل براءة الذمّة . وبرواية إبراهيم بن ميمون ، (6) وهو اختيار المصنّف يعني المحقّق وجعل القضاء أحوط . (7) الثاني : وجوبها أداءً ، وهو مذهب ابن إدريس ؛ (8) لوجوبها أداءً بدخول وقتها ولا يزال مؤدّيا لها فيه ، ويستمرّ وقت الأداء كزكاة المال . واُجيب بأنّ لوقتها طرفين أوّلاً وآخرا بخلاف الماليّة ، ولولا ضبطها لما تضيّقت عند الصلاة . (9) الثالث : وجوبها بنيّة القضاء ، وهو مذهب الشيخ في الاقتصاد ، (10) وهو قول أبي عليّ (11)

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 169 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
4- .المقنعة ، ص 249 .
5- .هو أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي من أعاظم فقهاء الإماميّة ، ولد سنة 757، و توفّى سنة 841 ه ق، ودفن في قرب حرم الحسيني بكربلاء، وقبره مشهور يزار ، من تصانيفه : التحرير ، التحصين ، عدّة الداعي ، اللمعة الجليّ_ة ، الموجز ، المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . راج: الكنى والألقاب ، ج1 ، ص 380 381 ، الأعلام ، ج 1 ، ص 227 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 144 .
6- .ابن بابويه في فقه الرضا عليه السلام ، ص 210 ، والصدوق في المقنع ، ص 210 ، والهداية ، ص 204 .
7- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
8- .المعتبر ، ج 2 ، ص 614 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 306 .
10- .الاقتصاد، ص 284 285 .
11- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 303 .

ص: 338

وابن حمزة (1) وسلّار (2) والعلّامة في كتبه ، (3) وهو الحقّ ؛ لأنّها عبادة موقّتة وقد خرج وقتها فيكون قضاء ؛ إذ المراد بالقضاء ذلك . (4) وقد فرض جماعة اُخرى المسألة من غير تفصيل بين العزل وعدمه ؛ فقد نقل في المختلف (5) عن الشيخ أنّه قال في اقتصاده : «وإن أخّره كان قضاءً» . (6) وعن سلّار أنّه قال : «ومَن أخّر عمّا حدّدناه كان قاضيا» . (7) بل صرّح بعضهم بوجوب القضاء وإن لم يعزل مع التأخير من غير عذر ، فعن ابن الجنيد : والفطرة الواجبة إذا تحرّى فتلفت لم يكن عليه غرم ، فإن كان توانى في دفعها إلى أحد ممّن يجزيه إخراجها إليه فتلفت لزمته إعادتها ، عَزَلَها أو لم يعزلها . (8) وعن ابن البرّاج أنّه قال : «وإذا أخرجها بعد الصلاة لم تكن فطرة مفروضة وجرت مجرى الصدقة المتطوّع بها» . (9) وقال ابن إدريس : وإن لم يخرجها قبل الصلاة وجب عليه إخراجها وهي في ذمّته إلى أن يخرجها . وبعض أصحابنا يقول : تكون قضاءً ، وبعضهم يقول : سقطت ولا يجب إخراجها . (10) والحقّ أنّه يجب إخراجها ويكون أداءً ، والظاهر أنّه لا مدخل للعزل في الوجوب . نعم ، له مدخل في نفي الضمان على قدر تلف المال كما في زكاة المال .

.


1- .الوسيلة ، ص 131 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
4- .الاقتصاد ، ص 285 .
5- .المراسم العلويّة ، ص 136 .
6- .المراسم العلويّة ، ص 136 وفيه : «فأمّا وقت هذه الزكاة فهو عيد الفطر من بعد الفجر إلى صلاة العيد ، هذا وقت الوجوب ، ... و مَن أخرجها عمّا حدّدناه كان كافيا» .
7- .تبصرة المتعلّمين ، ص 73 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 397 .
8- .المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 550 551 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 303 .
10- .لم أعثر على كتابه .

ص: 339

وبه يشعر كلام ابن حمزة حيث قال على ما نقل عنه في المختلف : (1) فإن لم يدفع قبل الصلاة فإن وجد المستحقّ لزمه قضاؤها ، وروي أنّه يستحبّ . وإن لم يجد وعزل عن ماله فتلف لم يضمن ، وإن لم يعزل ضمن . (2) فقد حكم بوجوب القضاء وإن لم يعزل ، وفرّق بين الصور في الضمان على تقدير التلف وعدمه . الرابعة : في مصرفها . وهو مصرف زكاة المال ، وهو المشهور بين الأصحاب في ذلك . واحتجّ عليه في المنتهى بأنّها زكاة فتصرف إلى من يصرف إليه سائر الزكوات ، وبأنّها صدقة فيدخل تحت قوله : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» (3) ، الآية . (4) وفي المقنعة : «ومستحقّ الفطرة هو من كان على صفات مستحقّ الزكاة من الفقر والمعرفة» ، (5) وظاهره اختصاصها بصنف أو صنفين من الأصناف الثمانية التي في آية الزكاة . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الفطرة مَن أهلها الذين تجب لهم ؟ قال : «من لا يجد شيئا» . (6) وقوله عليه السلام : «إذا كان محتاجا» فيما سنرويه من صحيحة عليّ بن يقطين . (7) وقد سبق خبر الفضيل ، قلت له : لمن تحلّ الفطرة ؟ فقال : «لمن لا يجد ، ومن حلّت عليه لم تحلّ له» . (8)

.


1- .الوسيلة ، ص 131 .
2- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 304 .
4- .التوبة (9) : 60 .
5- .المقنعة ، ص 252 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 87 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 358 ، ح 12231 .
7- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 361 ، ح 12239 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 203 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12129 ، وص 358 ، ح 12232 .

ص: 340

وفي صحيحة الحلبيّ : «عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» . (1) وفي بعض آخر من الأخبار ما يؤيّده ولا بُعد فيه . وفي المنتهى : وتصرف إلى من يستحقّ زكاة المال ، وهم ستّة أصناف : الفقراء ، والمساكين ، وفي الرقاب ، والغارمين ، وفي سبيل اللّه ، وابن السبيل ؛ لأنّها زكاة فتصرف إلى من يصرف إليه سائر الزكوات ، ولأنّها صدقة فتدخل قوله تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» ، (2) الآية . (3) وهو ظاهر جماعة من الفحول كالسيّد المرتضى والمفيد وغيرهما ، كما سيظهر عن قريب . وحكى في المنتهى عن الشافعي أنّه قال : «مصرفها الأصناف الستّة ، وأقلّ كلّ صنف ثلاثة نفر» . (4) وقد تقدّم البحث فيه في زكاة المال . ويشترط فيه الإيمان لما رواه الشيخ عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة يسأله عن الفطرة ، كم هي برطل بغداد ؟ وعن كلّ رأس ، وهل يجوز إعطاؤها غير مؤمن ؟ فكتب إليه : «عليك أن تخرج عن نفسك صاعا بصاع النبيّ صلى الله عليه و آله وعن عيالك أيضا ، لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمنا» . (5) ولأنّها صدقة كزكاة المال ، وقد ثبت فيها بالأخبار المتكثّرة عدم جواز إعطائها غير المؤمن .

.


1- .التوبة (9) : 60 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 75 ، ح 210 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 42 ، ح 134 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 336 ، ح 12166 .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 ، وقد تقدم بعضه آنفا .
4- .نفس المصدر . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 144 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 87 88 ، ح 257 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 170 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 334 ، ح 12161 .

ص: 341

ورجّحه العلّامة في المختلف ، (1) ونسبه إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلّار (2) وابن إدريس (3) والسيّد المرتضى (4) والمفيد (5) وأبي الصلاح (6) وابن حمزة . (7) واحتجّ عليه بما ذكر ، وبأنّ غير المؤمن يحادّ اللّه ورسوله ، وإعطاء الزكاة نوع تواد ، فيكون محرّما ؛ لقوله تعالى : «لَا تَجِدُ قَوْما يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ» (8) . وقد استدلّ السيّد في الانتصار لعدم جواز إعطاء الزكاة من غير تقييد بالفطرة إلى المخالف بالإجماع ، وبأنّ الدليل قد دلّ على أنّ خلاف الإماميّة في اُصولهم كفر وجارٍ مجرى الردّة ، فلا خلاف بين المسلمين في أنّ المرتدّ لا تخرج إليه الزكاة . (9) وجوّز بعض الأصحاب منهم الشيخ في النهاية (10) و المبسوط (11) والمحقّق في الشرائع (12) إعطاءها للمستضعف مع فقد المؤمن . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف من حسنة مالك الجهنّي . (13) وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام قال : وسأل عليّ بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن زكاة الفطرة ، أيصلح أن تعطى الجيران والظؤورة (14)

.


1- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 242 .
2- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
3- .المقنعة ، ص 252 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 307 .
5- .المراسم العلويّة، ص 136.
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 460 .
7- .الكافي في الفقه ، ص 172 .
8- .الوسيلة ، ص 129 .
9- .المجادلة (58) : 22 .
10- .الانتصار ، ص 217 .
11- .النهاية ، ص 192 .
12- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 123 .
13- .هو الحديث 18 من هذا الباب من الكافي .
14- .الظئوورة جمع الظئر، وهي المرضعة. اُنظر: صحاح اللغة، ج 2، ص 87 (ظئر).

ص: 342

ممّن لا يعرف ولا ينصب ؟ فقال : «لا بأس بذلك إذا كان محتاجا» . (1) وما رواه الشيخ عن الفضيل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان جدّي صلوات اللّه عليه يعطي فطرته الضعفاء ومن لا يجد ومن لا يتولّى» ، قال : وقال أبوه عليه السلام : (2) «هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم ، وإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ، ولا تنقل من أرض إلى أرض» ، وقال : «الإمام أعلم يضعها حيث يشاء ، ويصنع فيها ما يرى» . (3) وهو أحد وجهي الجمع للشيخ في كتابي الأخبار ، وفي وجه آخر حملها كموثّق إسحاق بن عمّار على التقيّة ، (4) وهو كالصريح فيها ، وقد اعتبر في الاقتصاد العدالة حقيقة أو حكما مع الإيمان ، فقال على ما نقل عنه في المختلف (5) _ : «مستحقّ زكاة الفطرة من المؤمنين الفقراء العدول وأطفالهم ، ومن كان بحكم المؤمنين من البُله والمجانين» . (6) واعتبر السيّد المرتضى (7) والمفيد (8) وأبي الصلاح (9) وابن حمزة (10) فيها العدالة أيضا على ما حكى عنهم في المختلف . (11) ودليله غير واضح . وحكى في المنتهى عن أبي حنيفة أنّه جوّز دفعها إلى الذمّي ، (12) وأنّهم اتّفقوا على أنّ

.


1- .الاقتصاد ، ص 285 .
2- .المقنعة ، ص 252 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 307 .
4- .الكافي في الفقه ، ص 172 .
5- .الوسيلة ، ص 129 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 180 181 ، ح 2077 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 361 ، ح 12239 .
7- .كذا بالأصل، وهو موافق لرواية الاستبصار ، و في تهذيب الأحكام : «وقال أبو عبداللّه عليه السلام » .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 88 89 ، ح 260 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 52 ، ح 173 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 360 ، ح 12236 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 88 ، ذيل ح 259 . والحديث رواه أيضا في الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 172 ، وهو الحديث 19 من هذا الباب من الكافي .
10- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 307 .
11- .جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
12- .المعتبر ، ج 2 ، ص 615 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 398 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 142 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 667 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 690 .

ص: 343

الحربي لا يعطى شيئا ، محتجّا بقوله صلى الله عليه و آله : «تصدّقوا على أهل الأديان» ، (1) وبأنّها صدقة ليس للإمام فيها حقّ القبض ، فجاز صرفها إلى أهل الذمّة كالتطوّع . وأجاب عن الرواية بالمنع ، ثمّ بالحمل على صدقة التطوّع ، وعلى زكاة المال اُخرى من سهم المؤلّفة . وعن الثاني بأنّ الجامع عدمي ، فلا يصلح للعلّيّة والنقض بالأموال الباطنة ، وبأنّ التطوّع يجوز صرفها إلى الحربي إجماعا ، وهذا لا يجوز صرفها إليه . (2) ثمّ الأفضل أن يدفعها إلى الإمام ليفرّقها ؛ لأنّه أعلم بمواقعها كما دلّ عليه خبر الفضيل المتقدّم ، ولما رواه المصنّف عن عليّ بن راشد ، ولكونها صدقة فيدخل في عموم قوله تعالى : «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً» ، (3) الآية . وفي المنتهى : «ويجوز للمالك أن يفرّقها بنفسه بغير خلاف بين العلماء كافّة» ، (4) ويستحبّ تخصيص الأقارب بها ، ثمّ الجيران إذا وجد الأوصاف المعتبرة في المستحقّ فيهم ؛ لقوله عليه السلام : «لا صدقة وذو رحم محتاج» ، (5) وقوله عليه السلام : «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح (6) » ، (7) وقوله عليه السلام : «جيران الصدقة أحقّ بها» . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
2- .المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 67 ، الباب 73 من كتاب الزكاة ، ح 1 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 558 ؛ الدرّ المنثور ، ج 1 ، ص 357 .
3- .التوبة (9) : 103 .
4- .منتهى المطلب، ج 1، ص 542.
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 68 ، ح 1740 ؛ وج 4 ، ص 381 ، ح 5828 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 412 ، ح 12357 .
6- .الكاشح : العدوّ أو الذي يضمر لك العداوة . قال ابن سيدة : «والكاشح: العدوّ الباطن العداوة كأنّه يطويها في كشحه» . كتاب العين ، ج 3 ، ص 57 .
7- .الكافي ، أبواب الصدقة ، باب الصدقة على القرابة ، ح 2 ؛ ثواب الأعمال ، ص 142 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 68 ، ح 1739 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 106 ، ح 301 ؛ المقنعة ، ص 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 246 247 ، ح 11942 ؛ وص 411 ، ح 12354 .
8- .ورد بهذا اللفظ في المعتبر ، ج 2 ، ص 616 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 401 . وورد بلفظ : «الجيران أحقّ بها» في الكافي ، باب الفطرة ، ح 19 ؛ وعلل الشرائع ، ج 2 ، ص 391 ، الباب 130 ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 180 ، ح 2076 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 78 ، ح 224 ؛ وص 88 ، ح 259 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 172 ؛ وص 52 ، ح 175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 348 ، ح 12199 ؛ وص 360 ، ح 12235 ؛ وص 361 ، ح 12240 .

ص: 344

وروى الشيخ عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال : قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم ، فأفضّل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبّان الزكاة فأعطيهم منها ، قال : «أمستحقّون لها ؟» قلت : نعم ، قال : «هم أفضل من غيرهم ، أعطهم» . (1) وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، وقد سأله عن صدقة الفطرة ، فقال : «الجيران أحقّ بها» (2) ولا نعرف في ذلك خلافا ، ويستحبّ ترجيح أهل الفضل في الدِّين والعلم لمزيد العناية بهم . ويؤيّده ما رواه السكونيّ ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّي ربّما قسّمت الشيء بين أصحابي أصِلهم ، به فكيف أعطيهم ؟ فقال : «أعطهم على الهجرة في الدِّين والفقه والعقل (3) » . (4) الخامسة : في جنسها . وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وأن تكن قوتا غالبا ، ثمّ كلّ ما كان قوتا غالبا . من الأرز والأقط واللبن وأشباهها ؛ لمرسلة يونس . (5) وفي المنتهي : الجنس ما كان قوتا غالبا . كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط (6) واللّبن ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وقال الشافعي : يخرج ما كان قوتا من غالب قوت البلد ، وفي قول آخر

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 56 ، ح 149 ؛ و ص 100 101 ، ح 283؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 33 ، ح 100 . وهو الحديث الأوّل من باب تفضيل القرابة في الزكاة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 245 246 ، ح 11939 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 88 ، ح 259 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 360 ، ح 12235 .
3- .في الأصل : «الفضل» بدل «العقل» ، والتصويب من المصدر .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 101 ، ح 285 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 262 ، ح 11982 .
5- .هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي .
6- .الأقط: لبن جامد مجفّف يابس مستحجر يطبخ به. النهاية، ج 1، ص 57 (أقط).

ص: 345

من غالب قوت المخرج ، (1) وله في الأقط قولان وفي اللبن قولان . (2) وقال مالك كالقول الأوّل للشافعيّ . (3) وقال أبو حنيفة : لا يخرج من الأقط إلّا على وجه القيمة . (4) وقال أحمد : يتعيّن إخراج الخمسة خاصّة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط . (5) لنا على جواز الأقط ما رواه الجمهور عن أبي سعيد (6) قال : كنّا نخرج إذا كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله الفطرة صاعا من طعام وصاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط . (7) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، عن أبي الحسن العسكريّ عليهماالسلامقال : «ومَن سكن البوادي فعليهم الأقط» (8) . (9) وعن جعفر بن محمّد بن يحيى ، عن عبداللّه بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الفطرة قال : «يعطى من الحنطة صاع ومن الشعير صاع ومن الأقط صاع» . (10) وصحيحا عن محمّد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 536 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 79 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 140 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 344 ، ح 12186 .
3- .المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 657 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 663 .
4- .الخلاف ، ج 4 ، ص 562 ، المسألة 64 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 197 و 199 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 131 .
5- .المغني ، ج 2 ، ص 657 و 660 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 663 .
6- .المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 114 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 338 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 72 73 ؛ عمدة القاري ، ج 9 ، ص 115 .
7- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 229 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 144 .
8- .في الأصل : «ابن سعيد» ، والتصويب من مصادر الحديث .
9- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 98 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 392 و 393 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 69 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 139 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 585 ، ح 1829 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 51 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 27 ، ح 2292 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 98 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 127 ، ح 2078 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 358 .
10- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 ، ح 229 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 ، ح 150 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12158 .

ص: 346

«يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا» . (1) وفي الصحيح عن عبداللّه بن ميمون ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام قال : «زكاة الفطرة صاعٌ من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط» ، (2) الحديث وقد سبق . وعلى اللبن مرفوعة إبراهيم بن هاشم ، (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الفطرة على كلّ ما يقوتون (4) عيالهم : لبن أو زبيب أو غيره» . (5) ولأنّه القوت الغالب لا سيما على أهل البوادي ، فهو مندرج في مرسلة يونس . (6) وأمّا البواقي فيدلّ عليها بعض هذه الأخبار التي ذكرناها هنا وفيما سبق وفيما رواه المصنّف في الصحيح عن صفوان الجمّال . (7) وفي الحسن كالصحيح عن هشام بن الحكم . (8) وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري . (9) وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابن قولويه ، عن جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن جعفر بن معروف ، قال : كتبت إلى أبي بكر الرازيّ في زكاة الفطرة ، وسألناه أن يكتب في ذلك إلى مولانا يعني عليّ بن محمّد عليهماالسلام _ ، فكتب : «أنّ ذلك قد خرج لعليّ بن مهزيار أنّه يخرج عن كلّ شيء التمر والبرّ وغيره صاع ، وليس عندنا بعد جوابه علينا

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .
2- .هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 81 ، ح 230 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 47 ، ح 151 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12157 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 75، ح 211، و ص 81 ، ح 231 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 42، ح 135، و ص 47، ح 152 ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 330، ح 12149.
5- .هو الحديث 15 من هذا الباب من الكافي .
6- .كذا بالأصل ، وفي المصادر : «يغذون» بدل «يقوتون» .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 78 ، ح 221 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 43 ، ح 137 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 ، ح 12185 .
8- .هو الحديث الثالث من هذا الباب .
9- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .

ص: 347

في ذلك اختلاف » . (1) وسيأتي في الصحيح عن محمّد بن مسلم وعن إسماعيل بن سهل عن حمّاد وبُريد ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام . (2) وبالجملة ، فكلّ ما ورد فيه النصّ بخصوصه لا ريب في إجزائه ، ولذا قال العلّامة في المنتهى : ولو أخرج هذه الأجناس يعني الستّة وكان غالب قوت أهل البلد غيرها جاز بلا خلاف بين علمائنا . وللشافعيّ قولان . (3) لنا : ما دلّ على التخيير من طريق الجمهور والخاصّة ، وهو يدلّ على عدم التضييق . احتجّ الشافعيّ بقوله عليه السلام : «اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (4) وإنّما يحصل ذلك بقوت البلد ؛ لأنّهم إذا أخذوا غيره احتاجوا إلى إبداله . (5) ويظهر من الشيخ في الخلاف حصر المخرج في سبعة حيث قال : ويجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة : التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللّبن ؛ للإجماع على إجزاء هذه ، وما عداها ليس على جوازه دليل . (6) ويردّه : خبر إجزاء القوت الغالب . وأفضل هذه الأجناس التمر . وقال أحمد ومالك : «لنا : أنّ فيه قوّة وحلاوة ، وهو أسرع تناولاً وأقلّ كلفة ، فكان أولى» . (7) ويؤيّده ما رواه المصنّف في الحسن كالصحيح عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 536 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 81 ، ح 232 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 47 ، ح 153 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 334 ، ح 12159 .
3- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 338 ، ح 12172 .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 132 133 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 210 213 .
5- .تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 117 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 117 و 213 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 150 ، المسألة 188 .
7- .المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 655 656 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 666 .

ص: 348

الحكم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : [«التمر في الفطرة أفضل من غيره ؛ لأنّه أسرع منفعة» . (1) وما رواه الشيخ : عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن صدقة الفطرة ، قال :] (2) « ... التمر أحبّ إليّ فإن لك بكلّ تمرة نخلة في الجنّة» . (3) وحكى في المنتهى عن الشافعيّ أنّه عدّ البرّ أفضل ؛ محتجّا بأنّه يحتمل الادّخار . (4) وأجاب عنه بأنّه غير مراد في الصدقات . وفيه : ويتلو التمر الزبيب ؛ للمشاركة في سرعة الانتقال ، وقلّة الكلفة ، ووجود القوت والحلاوة فيه . وقال آخرون : البرّ . وقال قوم : الأفضل من رأس إخراج ما كان أعلى قيمة . وقال آخرون : الأفضل ما يغلب على قوت البلد ، وهو قريب . (5) واستند له بما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، قال : اختلفت الروايات في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك ، فكتب : «أنّ الفطرة صاع من قوت بلدك ، على أهل مكّة واليمن وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان تمر ، وعلى أوساط الشام زبيب وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها برّ أو شعير ، وعلى أهل طبرستان الأرز ، وعلى أهل خراسان البرّ إلّا أهل مرو والريّ فعليهم الزبيب ، وعلى أهل مصر البرّ ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب على قوتهم ، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط ، والفطرة عليك وعلى الناس كلّهم ومن تعول ، ذكرا أو اُنثى ، صغيرا أو كبيرا ، حرّا أو عبدا ،

.


1- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- .ما بين الحاصرتين زيادة منّا أخذناه من مصادر الحديث لتقويم العبارة، فقد وقع في الأصل الخلط بين روايتي المصنف والشيخ .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 86 ، ح 250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 350 ، ح 12208 .
4- .. حكاه عنه في المعتبر ، ج 2 ، ص 605 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 536 .

ص: 349

فطيما أو رضيعا تدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مئة وخمسة وتسعون درهما ، وتكون الفطرة ألفا ومئة وسبعين درهما» . (1) السادسة : في مقدارها . والمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (2) أنّه صاع من جميع الأجناس ، وهو أربعة أمداد . ويدلّ عليه أكثر ما نقدم من الأخبار . والصاع : ستّة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي ؛ لأنّ الرطل العراقي على وزن مئة وثلاثين درهما ، والمدني على وزن مئة وخمسة وتسعين درهما ، وهذا يطابق ما رواه المصنّف قدس سره عن عليّ بن بلال (3) وعن جعفر بن إبراهيم الهمداني . (4) ويؤيّدهما قوله عليه السلام في مكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني المتقدّم : «تدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مئة وخمسة وتسعون درهما» . (5) وقد ورد تفسير الصاع بأربعة أمداد في صحيحتي الحلبيّ وعبداللّه بن سنان الآتيتين ، ولولا ذلك لحملنا الصاع على صاع النبيّ صلى الله عليه و آله وهو خمسة أمداد ؛ عملاً بما رواه المصنّف في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعريّ ، (6) ولابدّ من حمل ذلك على الاستحباب وإنّما يجب في اللبن والأقط أربعة أرطال بالمدينة ؛ لما رواه الشيخ عن القاسم بن محمّد رفعه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سأل عن رجل بالبادية لا يمكنه الفطرة ، قال : «تصدّق بأربعة أرطال من اللّبن» ، (7) وهو أحد وجهي الجمع بين الأخبار للشيخ ،

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 79 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 140 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 344 ، ح 12186 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 156 ، المسألة 199 .
3- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي .
4- .هو الحديث التاسع من هذا الباب .
5- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 342 ، ح 12182 .
6- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 78 ، ح 222 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 43 ، ح 138 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 341 ، ح 12181 .

ص: 350

وبه قال في النهاية و المبسوط ، ففي النهاية : «الواجب صاع من الأجناس ، فأمّا اللبن فمن يريد إخراجه أجزأه أربعة أرطال» . (1) وفي المبسوط : «الفطرة صاع ، واللبن يجزي منه أربعة أرطال بالمدني» . (2) وإليه ذهب ابن إدريس أيضا حيث قال : «الواجب صاع عن كلّ رأس قدره تسعة أرطال بالبغدادي وستّة بالمدني ، إلّا اللبن فيجزي ستّة أرطال بالبغداديّ [وأربعة بالمدني» (3) ] ، وهو منقول في المختلف (4) عن ابن حمزة أيضا ، وأنّه قال : «الواجب صاع قدره تسعة أرطال بالعراقي ، إلّا اللبن فإنّه يجب ستّة أرطال» . (5) وأنت خبير بأنّ الخبر لندرته وضعفه وإرساله لا يقبل المعارضة بالأخبار المتكثّرة الدالّة على مساواة اللّبن لغيره ، ففي صحيحة عبداللّه بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الفطرة ، قال : «يعطى من الحنطة صاع ، ومن الشعير صاع ، ومن الأقط صاع» . (6) وفي صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يعطى أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا » . (7) وفي صحيحة عبداللّه بن ميمون المتقدّمة : «أو صاع من أقط» . (8) وقد ورد في بعض الأخبار نصف صاع في الحنطة ونظائرها ؛ ففي صحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الصدقة لمن لا يجد الحنطة والشعير

.


1- .الوسيلة ، ص 131 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
3- .النهاية ، ص 191 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 ، ح 229 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 ، ح 150 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12158 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 81 ، ح 230 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 47 ، ح 151 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12157 .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 241 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 288 .
8- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 330 ، ح 12149 .

ص: 351

يجزي عنه القمح والعدس والذرّة نصف صاع من ذلك كلّه ، أو صاع من تمر أو زبيب» . (1) وفي خبر إسماعيل بن سهل ، عن حمّاد وبريد ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام ، قالوا : سألناهما عليهما السلام عن زكاة الفطرة ، قالا : «صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سَلْت ، عن الصغير والكبير ، والذكر والاُنثى ، والبالغ ومن تعول في ذلك سواء» . (2) وفي صحيحة الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صدقة الفطرة ، فقال : «على كلّ من يعول الرجل على الحرّ والعبد والصغير والكبير صاع من تمر أو نصف صاع من برّ ، والصّاع أربعة أمداد» . (3) وفي صحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في صدقة الفطرة ، فقال : «تصدّق عن جميع من تعول من صغيرٍ أو كبير ، أو حرّ أو مملوك ، على كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من شعير ، والصّاع أربعة أمداد» . (4) وحملها الشيخ على التقيّة . وفي التهذيب : وجه التقيّة فيها أنّ السنّة كانت جارية في إخراج الفطرة بصاع من كلّ شيء ، فلمّا كان زمن عثمان وبعده في أيّام معاوية جعل نصف صاع من حنطة بإزاء صاع من تمر ، وتابعهم الناس على ذلك ، فخرجت هذه الأخبار وقال لهم على جهة التقيّة .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 81 82 ، ح 235 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 47 48 ، ح 156 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 337 ، ح 12168 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 82 ، ح 236 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 43 ، ح 139 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 338 ، ح 12172 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 81 ، ح 233 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 47 ، ح 154 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 336 ، ح 12167 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 81 ، ح 234؛ الاستبصار، ج 2، ص 47، ح 155؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 336 _ 337، ح 12167.

ص: 352

والذي يدلّ على ما ذكرناه ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان ، عن سلمة أبي حفص ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام قال : «صدقة الفطرة على كلّ صغيرٍ وكبيرٍ أو عبدٍ ، عن كلّ من تعول يعني من تنفق عليه صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب ، فلمّا كان في زمن عثمان حوّله مدّين من قمح» . (1) وعنه عن فضالة ، عن أبي المغراء ، عن أبي عبد الرحمن الحذّاء ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه ذكر صدقة الفطرة أنّها على كلّ صغيرٍ وكبير من حرٍّ أو عبد ، ذكر أو اُنثى ، صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرّة ، قال : «فلمّا كان في زمن معاوية وخصب الناس عدل الناس عن ذلك إلى نصف صاع من حنطة» . (2) وعنه عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «في الفطرة جرت السنّة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير ، فلمّا كان في زمن عثمان وكثرت الحنطة قوّمه الناس ، فقال : نصف صاع من برّ بصاع من شعير» . (3) عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن عبّاد بن يعقوب ، عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام عن أبيه عليه السلام : «إنّ أوّل من جعل مدّين من الزكاة عدل صاع من تمر عثمان» . (4) محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ياسر القمّيّ ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : «الفطرة صاع من حنطة و صاع من شعير وصاع من تمر وصاع من زبيب ، وإنّما خفّف الحنطة معاوية» . (5) انتهى . والظاهر أنّ معاوية إنّما فعل ذلك إجراءً لأمر عثمان ، ولذا ذكر الشيخ الخبرين

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 82 ، ح 237 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 335 ، ح 12164 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 82 83 ، ح 238 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 335 336 ، ح 12165 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 83 ، ح 239 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 335 ، ح 12163 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 83 ، ح 240 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 334 ، ح 12162 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 83 ، ح 241 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 49 ، ح 161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 334 ، ح 12160 .

ص: 353

المتعلّقين به في هذا المقام . وورد في بعض الأخبار تحديد الفطرة بأربعة أرطال المدينة ، رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن الريّان ، قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وزكاتها كم تؤدّى ؟ فكتب : «أربعةُ أرطال بالمدني» . (1) وفي التهذيب : هذا الخبر يحتمل وجهين : أحدهما : أنّه ذكر عليه السلام أربعة أمداد ، فتصحف على الراوي بالأرطال . والثاني : أنّه أراد أربعة أرطال من اللّبن والأقط ؛ لأنّ من كان قوته ذلك يجب عليه منه القدر المذكور في الخبر . (2) قوله في خبر الهمداني : (فكتب إليّ : الصاع ستّة أرطال بالمدينة (3) تسعة أرطال بالعراقي) .] ح 9 / 6659] لمّا كان كلام السائل موهما لاختلاف صاع المدينة وصاع العراق في الوزن أجاب عليه السلام بأنّ الصّاع متّحد في الوزن في البلدين وإنّما المختلف أرطالهما ، والرطل العراقي ثلثا المدني ، فإنّ المدني على وزن مئة وخمسة وتسعين درهما ، والعراقي على وزن مئة وثلاثين كما عرفت . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطرة ، عليه فطرة ؟ قال : لا) .] ح 12/ 6662 ] قد عرفت أنّه لا يشترط الإسلام في شيء من التكاليف الشرعيّة ، (4) وأنّ الإسلام إليها بالنسبة من مقدّمات الواجب المطلق ، واختلف العامّة فيه ، فقد حكى المحقّق في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 84 ، ح 244 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 49 ، ح 164 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 342 ، ح 12183 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 84 ، ذيل الحديث 244 . ومثله في الاستبصار ، ج 2 ، ص 49 ، ذيل الحديث 164 .
3- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «بالمدني» .
4- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «التكاليف الشرطيّة» .

ص: 354

أبواب الاعتكاف

المعتبر (1) عن الشافعيّ وأبي حنيفة [وأحمد ]أنّهما منعا من وجوبها على الكافر ؛ (2) لأنّ هذه الزكاة مطهّرة وهو ليس من أهل الطهرة . وهو ممنوع ؛ لإمكان الطهرة فيه بشرط تقدّم الإسلام ، ولا يصحّ إخراجها منه ؛ لعدم وجود شرطه ، ولو أسلم سقطت عنه ، وربّما ادّعي عليه الإجماع . ويدلّ عليه عموم قوله عليه السلام : «الإسلام يجبّ ما قبله» ، (3) وخصوص هذا الخبر .

أبواب الاعتكاففي نهاية ابن الأثير : الاعتكاف والعكوف : هو الإقامة على الشيء بالمكان . (4) انتهى . ومنه قوله تعالى : «مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ» (5) ، وقوله تعالى : «يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ» (6) ، منقول في الشرع إلى معنى أخصّ من ذلك ، فصرفوا ذلك المعنى الأخصّ إلى تعريفات ، أجودها : اللبث في مسجد جامع للعبادة مشروط بالصوم ابتداءً . (7) وقد اتّفق المسلمون على مشروعيّة الاعتكاف واستحبابه ، وعلى أنّه ليس بفرض في أصل الشرع وإنّما يجب بالنذر وشبهه كسائر المندوبات ، والأصل فيه الآية والأخبار المستفيضة ؛ أمّا الأوّل فقوله عزّ وجلّ : «وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ

.


1- .المعتبر ، ج 2 ، ص 595 .
2- .اُنظر: المجموع، ج 6، ص 105 106 و 140؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 197؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 646؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 646.
3- .تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 148 ؛ المجازات النبويّة ، ص 54 ، ح 32 ؛ عوالى اللآلي ، ج 2 ، ص 54 ، ح 145 ، وص 224 ، ح 38 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 7 ، ص 448 ، ح 1625 ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 199 و 204 و 205 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 9 ، ص 123 ؛ الأحاديث الطوال للطبراني ، ص 40 ، ضمن الحديث 12 ؛ التوّابين لابن قدامة ، ص 118 ؛ كنز العمّال ، ج 1 ، ص 66 ، ح 343، وص 75، ح 297 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1، ص 228 .
4- .النهاية، ج 3، ص 284 (عكف).
5- .الأنبياء (21) : 52 .
6- .الأعراف (7) : 138 .
7- .اُنظر : مجمع البحرين ، ج 6 ، ص 229 (ع ك ف) .

ص: 355

السُّجُودِ» (1) ، وقوله سبحانه : «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ» (2) . أمّا الأخبار في فضله فكفاك شاهدا فيه ما رواه المصنّف قدس سره في الباب . وأفضله الاعتكاف في عشر من شهر رمضان لا سيّما العشر الأخير ؛ لما كان يفعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله مداوما عليه . وفي الفقيه في رواية السكوني بإسناده ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين» . (3) ولصحّته شرعا شرائط ثلاثة : الصوم ، وإيقاعه في المساجد ، وكونه ثلاثة أيّام أو أزيد . ويذكر المصنّف قدس سره هذه الشرائط الثلاثة في ثلاثة أبواب متتالية ، فقال : باب أنّه لا يكون اعتكاف إلّا بصوم . وفي المنتهى : الصوم شرط في الاعتكاف ، وهو مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام ، وبه قال ابن عمر وابن عبّاس وعائشة والزهريّ وأبو حنيفة ومالك والليث والأوزاعيّ والحسن بن صالح بن حيّ وأحمد في إحدى الروايتين . (4) وقال الشافعيّ : يجوز أن يعتكف بغير صوم ، فلم يجعل الصوم شرطا فيه ، ورواه ابن مسعود وسعيد بن المسيّب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاووس وإسحاق وأحمد في الرواية الاُخرى . (5) واحتجّ على الأوّل بما رواه الجمهور عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا اعتكاف إلّا بصوم» . (6)

.


1- .الحج (22) : 26 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 188 ، ح 2101 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 534 ، ح 14048 .
4- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 485 و 487 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 484 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 121 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 121 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 485 و 487 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 109 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 484 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 120 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 120 121 .
6- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 552 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 317 و 321 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 499 ، الباب 84 من كتاب الصيام ، ح 3 .

ص: 356

وعن ابن عمر : أنّ عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهليّة ، فسأل النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «اعتكف وصم» . (1) وببعض ما رواه المصنّف في الباب ، ثمّ قال : احتجّوا بما رواه ابن عمر عن عمر أنّه قال : يارسول اللّه ، إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أوفِ بنذرك» . (2) ولو كان الصوم شرطا لم يصحّ اعتكاف الليل ، ولأنّه عبادة تصحّ في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة ، ولأنّ إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلّا بالشرع ، ولا نصّ فيه ولا إجماع . وعن ابن عبّاس ، قال : ليس على معتكف صوم . (3) والجواب عن الأوّل : أنّ الليلة قد تُطلق مع إرادة النهار معها ، كما يقال : أقمنا في موضع كذا ليلتين أو ثلاثا ، والمراد الليل والنهار ، فلِمَ لا يجوز إرادة ذلك هنا . وعن الثاني بالمنع من صحّتها ليلاً خاصّة . والفرق بينها وبين الصلاة ظاهر ؛ لأنّ بمجرّده لا يكون عبادة ، فاشترط فيه الصوم ، والنصّ قد بيّناه عن النبيّ صلى الله عليه و آله عن أهل بيته عليهم السلام . وأيضا مداومة الرسول على الاعتكاف صائما يدلّ على الاشتراط . وقول ابن عبّاس موقوف عليه فلا يكون حجّة . على أنّه قد نقلنا عنه أنّه كان يعتقد اشتراط الصوم ، فيكون معارضا لهذه الرواية . (4) هذا ، ولا يشترط فيه الصوم لخصوص الاعتكاف ، بل يصحّ مع أيّ صوم اتّفق ، سواء كان الصوم واجبا أو ندبا ، معيّنا أو غير معيّن ، وسواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا ، فلو اعتكف في رمضان صحّ واكتفى فيه بصوم شهر رمضان وبوقوع نيّة الصوم عن رمضان ، ويكفي لك شاهدا على ذلك ما تقدّم في الباب السابق .

.


1- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 552 ، ح 2474 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 439 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 180 ، ح 2336 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 298 .
2- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 256 و 260 ؛ وج 7 ، ص 233 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 107 ، ح 3325 ؛ سنن الترمذي ، ج 3 ، ص 48 ، ح 1579 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 318 ؛ وج 10 ، ص 76 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 261 ، ح 3349 و 3350 .
3- .المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 439 وفيه «صيام» بدل «صوم». ومثله في سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 179 ، ح 2330 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 629 .

ص: 357

باب المساجد التي يصلح الاعتكاف فيها

باب المساجد التي يصلح الاعتكاف فيهاقد اختلف أهل العلم في موضع الاعتكاف ، فاعتبر السيّد المرتضى في الانتصار كونه مسجدا صلّى فيه إمام عدل بالناس الجمعة ، وقال : «هي أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة» . واحتجّ عليه بالإجماع والاحتياط وبراءة الذمّة ، وعلّل البراءة بأنّ من أوجب على نفسه اعتكافا بنذر يجب أن يتقيّن براءة ذمّته ممّا وجب عليه ، لا يحصل له اليقين إلّا بأن يعتكف في المساجد التي عيّناها ، وبالإجماع على جوازه فيها ، ولا دليل على جوازه فيما عداها . (1) وما ذكره من الإجماع الأوّل فهو في محلّ النزاع ، والبواقي ترجع إلى الاحتياط ، وهو معنى آخر في العمل لا في الفتوى ، فتأمّل . وبه قال ابن إدريس ، (2) ونقله في المختلف (3) عن أبي الصلاح (4) وسلّار (5) وابن حمزة (6) وابن البرّاج (7) وعن الصدوق في الفقيه (8) أيضا ، وكلامه فيه غير صريح فيه ، بل ظاهره ما سيأتي إلّا أنّ هؤلاء لم يعتبروا خصوص الجمعة ، بل اعتبروا مطلق الجماعة ، ولا فائدة في هذا النزاع لانحصار المسجدين في المساجد الأربعة أو الخمسة ، وقد صلّى في كلّ منها الإمام العادل جمعة وجماعة .

.


1- .الانتصار ، ص 199 200 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 421 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 576 .
4- .الكافي في الفقه ، ص 186 .
5- .المراسم العلويّة ، ص 99 .
6- .الوسيلة، ص 153.
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
8- .الفقيه ، ج 2 ، ص 184 ، ح 2089 ، و المذكور فيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «لا تعتكف الّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل جماعة ، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة» .

ص: 358

ويدلّ عليه خبر عمر بن يزيد في التهذيب ، (1) وفي رواية عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عليّ ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد مثل ذلك ، وزاد فيه : مسجد البصرة ، (2) وهو منقول فيه عن عليّ بن بابويه أيضا ، إلّا أنّه ذكر مسجد المدائن مقام مسجد البصرة ، (3) وقد روي أنّه صلّى فيه الحسن بن عليّ عليهماالسلامجماعة . وفي الفقيه : وقد روي في مسجد المدائن ، (4) يعني بدلاً عن مسجد البصرة . قال الصدوق : والعلّة في ذلك أنّه لا يعتكف إلّا في مسجد جمع فيه إمام عدل ، وقد جمع النبيّ صلى الله عليه و آله بمكّة ، وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في الثلاثة الباقية . (5) وعن الصدوق أنّه قال في المقنع : ولا يجوز الاعتكاف إلّا في خمسة مساجد ، وجمع بين مسجدي البصرة والمدائن . (6) وفي المختلف : وعلّل بأنّ الاعتكاف إنّما يكون في مسجد جمع فيه إمام عدل ، والنبيّ صلى الله عليه و آله جمع بمكّة والمدينة ، وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في الثلاثة الباقية . (7) وفي شرح الفقيه : روي أنّه صلّى في مسجد المدائن الحسن بن عليّ عليهماالسلامجماعة . (8) وقال المفيد في المقنعة : «ولا يكون الاعتكاف إلّا في المسجد الأعظم ، وقد روي أنّه لا يكون إلّا في مسجد قد جمع فيه نبيّ أو وصيّ نبيّ» ، (9) وقد نسب القول الأوّل إلى الرواية مشيرا إلى ضعفه .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 882 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 126 ، ح 409 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 540 ، ح 14069 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 883 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 126 ، ح 410 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 540 ، ح 14070 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 577 .
4- .الفقيه ، ج 3 ، ص 185، ح 2090؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 540، ح 14070 .
5- .حكاه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 576 577 عن علي بن بابويه ، ونحوه في المقنع للصدوق ، ص 209 .
6- .المقنع ، ص 209 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 577 .
8- .روضة المتقين ، ج 3 ، ص 498 .
9- .المقنعة ، ص 363 .

ص: 359

والظاهر أنّه أراد بالمسجد الأعظم : كلّ مسجد عظم في البلاد ، وهو المعبّر عنه بالمسجد الجامع الذي يصلّى فيه جماعة . ونسبه في الانتصار (1) إلى أبي حنيفة وأصحابه والثوري وإحدى الروايتين عن مالك ، (2) وقال : وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنّه لا يعتكف أحد إلّا في المسجد الجامع ، وفي رحاب المسجد التي يجوز الصلاة فيها . (3) ويدلّ عليه خبر داود بن سرحان (4) وحسنة الحلبيّ ، (5) وهو الأقوى وإن كان سند الأوّل ضعيفا ؛ لأنّ الظاهر أخذه من كتاب البزنطيّ وإنّما ذكر الوسائط لأنّهم من مشايخ الإجازة ، وقد كان كتابه أظهر من الشمس فيكون الخبر صحيحا . ويؤيّدهما ما رواه المصنّف في الباب السابق في الحسن عن الحلبيّ ، (6) ] وما رواه الشيخ] عن عليّ بن عمران ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام قال : «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع » . (7) وعن يحيى بن أبي العلاء الرازيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يكون الاعتكاف إلّا في مسجد جماعة» . (8) وفي الموثّق عن أبي الصباح الكنانيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر ، قال : إنّ عليّا عليه السلام كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد

.


1- .الانتصار ، ص 200 .
2- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 83 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 124 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 3 ، ص 124 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 142141 .
3- .الاستذكار ، ج 3 ، ص 386 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .هو الحديث السادس من الباب السابق .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 880 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 127 ، ح 413 ؛ وفيه «عليّ بن غراب» بدل «عليّ بن عمران» ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 539 ، ح 14065 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 881 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 127 ، ح 414 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 539 540 ، ح 14067 .

ص: 360

الحرام أو مسجد الرسول أو في مسجد جامع» . (1) والجمع بينهما وبين الخبرين المتقدِّمين بحمل الإمام العدل فيهما على الإمام العادل ؛ احترازا عن المساجد التي فيها صلّى إمام عامّي المذهب جماعة ، وهو ظاهر المصنّف والصدوق في الفقيه ، حيث ذكر الأخبار من غير تأويل . ويؤيّده عموم قوله تعالى : «فِي الْمَسَاجِدِ» ، (2) بل ذهب ابن أبي عقيل إلى جوازه في أيّ مسجد جامع وغيره على ما حكا عنه في المختلف أنّه قال : الاعتكاف عند آل الرسول عليهم السلام لا يكون إلّا في المساجد ، وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه السلام ، و[مسجد] (3) الكوفة وسائر الأمصار مساجد الجماعات . (4) متمسّكا بذلك ، ويؤيّده ما رواه المحقّق في المعتبر عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر في جامعه ، عن داود بن الحصين ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا اعتكاف إلّا بصوم وفي مسجد المصر الذي يلبث فيه» ، (5) فقد حمل الأخبار المذكورة على الأفضليّة . وحكى في الانتصار عن حذيفة أنّه ذهب إلى أنّه لا يصحّ إلّا في ثلاث مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، ومسجد إبراهيم عليه السلام يعني المسجد الأقصى . (6) ويشترط تلك المساجد في اعتكاف المرأة عندنا ؛ لعموم ما ذكره في المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في الجديد ، وقال في القديم :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 291 ، ح 855 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 127 ، ح 412 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 539 ، ح 14066 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .في الأصل : «وكذا» ، و ما اُثبت من المصدر .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 578 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 733 .
6- .الانتصار ، ص 200 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 483 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 124 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 361 ؛ عون المعبود ، ج 7 ، ص 99 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 251 .

ص: 361

باب أقلّ ما يكون الاعتكاف

يجوز أن تعتكف في مسجد بيتها ، وهو الموضع الذي جعلته لصلاتها من بيتها ، فجوّز اعتكافها في منزلها . وقال أبو حنيفة : إنّه أفضل . (1) ولا يجوز للمعتكف الخروج عن المعتَكف إلّا فيما استثني ، وسيجيء ، وإذا خرج فوجب له العود إليه للصلاة . ولا يجوز له الصلاة في غيره مع سعة الوقت إلّا في مكّة ، ولم أجد مخالفا في ذلك . ويدلّ عليه صحيحتا عبداللّه بن سنان (2) ومنصور بن حازم . (3) أو في صلاة الجمعة ولو في غير مكّة إذا اُقيمت في غير المعتكف ؛ للضرورة ، ولقوله عليه السلام في صحيحة عبداللّه بن سنان : «ليس على المعتكف أن يخرج إلّا إلى الجمعة» ، (4) الخبر . وسيرويه المصنّف في باب المعتكف لا يخرج . وألحق الشيخ في المبسوط بصلاة الجمعة صلاة العيد . (5) وقال صاحب المدارك : «وهو مبني على جواز صومه للقاتل في الأشهر الحرم» . (6)

باب أقلّ ما يكون الاعتكافقد أجمع الأصحاب على أنّه لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، وعدّ في الانتصار من متفرّدات الإماميّة ، وقال : ومن عداهم من الفقهاء يخالفون في ذلك ؛ لأنّ أبا حنيفة والشافعيّ يجوّزان أن يعتكف

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 633 . وانظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 501 503 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 480 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 68 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 399 ؛ التمهيد ، ج 11 ، ص 195 .
2- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
3- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .
4- .هو الحديث الأوّل من باب المعتكف لايخرج من المسجد إلّا لحاجة ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 550 551 ، ح 14094 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 292 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 336 .

ص: 362

يوما واحدا . (1) وقال مالك : لا اعتكاف أقلّ من عشرة أيّام (2) . (3) وفي المنتهى : ولا يجوز الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام بليلتين ؛ وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام والجمهور كافّة على خلافه ، فإنّ الشافعيّ لم يقدّره بحدّ بل يجوّز الاعتكاف بساعة واحدة وأقلّ ، وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة ، ورواية اُخرى عن أبي حنيفة : أنّه لا يجوّز أقلّ من يوم واحد ، وهو رواية عن مالك ، (4) وعن مالك رواية اُخرى : أنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيّام . (5) لنا : زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في الموثّق عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اعتكف العبد فليصم» . وقال : «لا يكون اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه » . (6) والمشهور دخول ليلتين بين الأيّام الثلاثة في الاعتكاف لا لصدق اليوم على اليوم وليلته معا ، وإلّا لزم ثلاثة ليال كالأيّام . وأن يكون ابتداء الاعتكاف من طلوع الشمس من يوم إلى طلوعها من النهار الرابع ، أو من غروبها إلى غروب النهار الثالث ، على الخلاف الواقع بين الناس في تقديم الليل على النهار أو عكسه ، ولا قائل به ، بل لما دلّ على وجوب ملازمة المعتكف في الليلة التي بين الأيّام الثلاثة ؛ ولفعل النبيّ صلى الله عليه و آله والنهي

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 489 و 491 ؛ المحلّى ، ج 5 ، ص 180 .
2- .أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 297 ؛ المحلّى ، ج 5 ، ص 180 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 252 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 234 .
3- .الانتصار ، ص 202 .
4- .المجموع ، ج 6 ، ص 489 و 491 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 234 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 252 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 140 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 630 ، وتقدّم مصادر كلام مالك .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 289 ، ح 878 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 129 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 537 و 553 ،14059 و 14099 .

ص: 363

عن الخروج عن المسجد من غير تفصيل في أخبار متعدّدة ، وتفصيلاً في موثّقة الحسن بن الجهم ، وسيأتي في باب المعتكف يجامع أهله ، (1) وللإجماع على دخولها فيه ، فلو نذر اعتكافا لزمه ثلاثة أيّام بليلتين بينها . وبه قال الشيخ في موضع من الخلاف ، قال : «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام وليلتين» . (2) ويظهر من الشيخ في موضع آخر من الخلاف عدم دخول فيهن حيث قال : إذا قال : للّه عليَّ أن أعتكف ثلاثة أيّام [بلياليهنّ] (3) لزمه ذلك ، فإن قال : متتابعة لزمه بينها ليلتان ، وإن لم يشترط المتابعة جاز أن يعتكف نهارا ثلاثة أيّام بلالياليهن . (4) ومن مبسوطه أيضا حيث قال : «وان نذر أيّاما بعينها لم يدخل فيها لياليها ، إلّا أن يقول العشر الأواخر وما يجري مجراه ، فيلزمه حينئذٍ الليالي ؛ لأنّ الاسم يقع عليه» . (5) وفي موضع آخر منه : وإذا نذر اعتكاف ثلاثة أيّام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أوّل يومه إلى بعد المغرب من ذلك اليوم ، وكذلك اليوم الثاني والثالث ، هذا إذا أطلقه ، وإن شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيّام بينها ليلتان . (6) حكى صاحب المدارك (7) عن المحقّق أنّه قال في المعتبر : «وقد أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز أقلّ من ثلاثة أيّام بليلتين» . (8) فهو كما ترى . وفي المنتهى : إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيّام لزمه ثلاث بينها ليلتان ، سواء شرط التتابع أو لم يشترط ؛ لأنّه

.


1- .هو الحديث الثالث من ذالك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 545 ، ح 14081 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 232 ، المسألة 101 .
3- .اُثبت من المصدر ، ولم يرد في الأصل .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 239 ، المسألة 115 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 290 .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 292 .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 316 .
8- .المعتبر ، ج 2 ، ص 728 .

ص: 364

لا اعتكاف أقلّ منها ، ويدخل قبل الفجر لا في أثناء النهار . وقال الشيخ في بعض كتبه : إن لم يشترط التتابع اعتكف نهار ثلاثة أيّام بغير ليال ، (1) وليس بمعتمد . (2) وفي المدارك : «واحتمل بعض الأصحاب دخول الليلة المستقبلة في مسمّى اليوم ، وعلى هذا فلا تنتهي الأيّام الثلاثة إلّا بانتهاء الليلة الرابعة» . (3) فتأمّل . وهل يجب الاعتكاف المندوب بالشروع فيه ؟ فاختار الشيخ في المبسوط (4) وجوبه بمجرّد الشروع فيه كالحجّ والعمرة المندوبين ، وهو ظاهر المفيد على ما ستعرف ، ومنقول في المنتهى (5) عن أبي الصلاح الحلبيّ ، (6) وعن أبي حنيفة ومالك ، محتجّا بما دلّ على وجوب الكفّارة على من أفسده بجماع وغيره من غير تقييد ، وحكاه عن أبي حنيفة ومالك (7) أيضا محتجّين بالقياس على الحجّ والعمرة ، وبطلانهما واضح . وقال ابن إدريس : لا يجب مطلقا حتّى في اليوم الثالث . (8) وعدّه في المنتهى أقوى ، (9) وحكاه عن السيّد المرتضى رضى الله عنه . (10) وعن الشافعي وأحمد . 11 واحتجّ عليه بأنّه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع فيها كالصلاة وغيرها من العبادات المندوبة ما عدا الحجّ والعمرة الخارجتين بالنصّ والإجماع .

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 291 292 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 561 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 317 . وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 358 .
4- .المبسوط، ج 1، ص 289.
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 637 .
6- .الكافي في الفقه ، ص 186 .
7- .اُنظر : المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 232 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 284 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 118 119 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 108 .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 422 .
9- .الناصريّات ، ص 300 ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر ، ج 2 ، ص 737 .
10- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 285 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 490 ؛ المغنيوالشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 118 119 .

ص: 365

والمشهور بين متأخّري الأصحاب وجوبه بمضيّ يومين ، وهو الظاهر من الشيخ في النهاية ، (1) ومنقول عن ابن الجنيد (2) وابن البرّاج ، (3) وهو أظهر كما يستفاد من صحيحتي [أبي] ولّاد (4) ومحمّد بن مسلم . (5) وكذا المشهور وجوب كلّ ثالث كالسادس والتاسع وهكذا ؛ لصراحة صحيحة أبي عبيدة (6) وانتفاء المقول بالفصل . وحكاه في المنتهى (7) عن الشيخ (8) وابن الجنيد (9) وابن البرّاج (10) وأبي الصلاح ، (11) ونفاه ابن إدريس . (12) واتّفقوا على أنّ النيّة ليست كافية في الوجوب إلّا من شذّ من العامّة . وقد حكى في المنتهى عن بعضهم أنّه أوجبه بمجرّد أنّه العزم عليه محتجّا بما روته عائشة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة ، فأذِنَ لها ، فأمرت ببنائها فضرب ، وسألت حفصة أن تستأذن لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ففعلت ، فأمرت ببنائها ، فلمّا رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببنائها فضربت . قالت : وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا صلّى الصبح دخل معتكفه ، فلمّا صلّى الصبح انصرف ، فبصر بالأبنية فقال : «ما هذا ؟» فقالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «البرّ أردنه ، ما

.


1- .النهاية ، ص 171 .
2- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 581 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
4- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 290 ؛ النهاية ، ص 171 .
9- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 737 .
10- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
11- .الكافي في الفقه، ص 186.
12- .السرائر ، ج 1 ، ص 124 .

ص: 366

أنا بمعتكف» ، فرجع ، فلمّا أفطر اعتكف عشرا من شوّال . (1) وبأنّها عبادة متعلّقة بالمسجد ، فلزمت بالدخول فيها كالحجّ . وأجاب عن الأوّل بأنّه لا دلالة فيه على المدّعى ، بل يدلّ على خلافه حيث تركه عليه السلام بعد دخوله فيه . وفعله في عشر من شوّال لا يدلّ على وجوب الأوّل ولو سلم كونه قضاء ، لاستحباب قضاء النوافل . وعن الثاني بالفرق المذكور . (2) قوله في صحيحة أبي ولّاد : (ولم يكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر) . [ح 1 / 6686 ] ظاهره كصحيحة محمّد بن مسلم (3) استحباب الاشتراط عند دخول المسجد للاعتكاف ، وصحيحة أبي بصير (4) كالصريحة في ذلك ، ومثلها ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اعتكف العبد فليصم» ، وقال : «لا يكون اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك ، أن يحلّك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه » . (5) وفي المنتهى : ويستحبّ للمعتكف أن يشترط على ربّه في الاعتكاف أنّه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف ، ولا يعرف فيه مخالفا إلّا ما حكي عن مالك أنّه قال : لا يقع

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 84 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 257 و 260 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 562 ، ح 1771 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 550 ، ح 2464 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 44 45 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 261 262 ، ح 788 ؛ وج 2 ، ص 259 260 ، ح 3345 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 322 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 637 . وانظر : المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 119 .
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب .
4- .هي الحديث الثاني من هذا الباب .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 289 ، ح 878 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 129 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 552 ، ح 14099 .

ص: 367

الاشتراط (1) إلى قوله _ : احتجّ مالك بأنّه شرط في العبادة ما ينافيها ، فلا يصحّ ، كما لو شرط الجماع والأكل في الصلاة . والجواب : أنّه بمنزلة من يشترط الاعتكاف في زمان دون زمان ، وذلك صحيح ، بخلاف ما ذكره ؛ لأنّه شرط أن يأتي بمنهي عنه في العبادة فلم يجز . (2) وظاهر الخبر أنّ للاشتراط فائدة هي جواز الرجوع لعلّة ولو في اليوم الثالث . ومثله صحيحة محمّد بن مسلم ، ولا بُعد فيه . وقال العلّامة في المختلف : ظاهر كلام ابن الجنيد يعطي أنّ المعتكف إذا اشترط وخرج للضرورة وكان الاعتكاف واجبا وجب عليه القضاء ، وليس بجيّد . لنا : أنّ فائدة الشرط سقوط القضاء . (3) وفي المنتهى : قال الشيخ رحمه الله : إذا اشترط المعتكف على ربّه أنّه إن عرض له عارض رجع فيه فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان ، فإن مضى له يومان وجب عليه إتمام الثالث ، وإن لم يشترط وجب عليه بالدخول فيه إتمام ثلاثة أيّام ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام . (4) وقال في النهاية : متى شرط له جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء ، فإن لم يشترط لم يكن له الرجوع إلّا أن يكون أقلّ من يومين ، فإن مضى عليه يومان وجب عليه إتمام ثلاثة أيّام . (5) والذي ذكره في النهاية دلّ عليه رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام . (6) هذا الذي

.


1- .النهاية ، ص 171 .
2- .المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 228 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 314 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 390 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 520 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 305 306 ، المسألة 227 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 559 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 289 .
6- .هي الحديث الثالث من هذا الباب؛ الفقيه، ج 2، ص 186، ح 2096؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 289 290، ح 879 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 129، ح 421؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 543، ح 14076 .

ص: 368

اختاره الشيخ رحمه الله . وأمّا السيّد المرتضى فيتخرّج على قوله ما فصّله ، وهو (1) أن لا يخلو إمّا أن يكون الاعتكاف متبرّعا به أو منذورا ، فإن كان الأوّل جاز أن يرجع متي شاء ، سواء شرط أو لم يشترط ؛ لأنّه عبادة مندوبة لا يجب بالدخول فيها ، فجاز الرجوع متى شاء وإن لم يشترط كالصلاة والصوم . وإن كان الثاني فإمّا أن يعيّنه بزمان أو لا ، وعلى التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط على ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا يشترط ، فالأقسام ثمانية : الأوّل : أن يعيّن زمانا ، ويشترط التتابع ، ويشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج عن الاعتكاف ولا يجب عليه إتمامه ؛ عملاً بالاشتراط ، ولا قضاؤه ؛ لعدم الدليل عليه ، مع أصالة براءة الذمّة . الثاني : عيّن النذر ولم يشترط التتابع ، لكن شرط على ربّه ثمّ عرض العارض ، فإنّه خرج عملاً بالاشتراط ، ولا يجب عليه الإتمام ولا القضاء . الثالث : عيّن النذر وشرط التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ويقضي لكن مع الزوال متتابعا . الرابع : عيّن النذر ولم يشترط التتابع والاشتراط على ربّه ، ثمّ عرض له ما يقتضي الخروج ، فإنّه يخرج ويقضي الفائت . الخامس : لم يعيّن زمانا لكنّه شرط المتابعة واشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج ثمّ يأتي ما بقي عليه عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة ، وإن كان أقلّ استأنف . السادس : لم يعيّن زمانا واشترط التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثمّ يستأنف اعتكافا متتابعا ؛ لأنّه وجب عليه متتابعا ولا يتعيّن بفعله ؛ إذ لم يعيّنه بنذره ، فيجب الإتيان به على وصفه المشترط في النذر . السابع : لم يعيّن واشترط على ربّه ولم يشترط التتابع ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثمّ يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة ، وإلّا بنى إن كان الواجب أزيد وأتى بالباقي إن كان ثلاثة ، وإذا زاد فثلاثة .

.


1- .كذا في الأصل والمصدر . وفي تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 307 : «ويجيء على قول الشيخ تفصيل وهو ...» .

ص: 369

الثامن : لم يعيّن ولم يشرط التتابع ولا شرط على ربّه ، فإنّه يجزي مع العارض ويستأنف إن لم يحصل ثلاثة وإلّا أتمّ . (1) هذا ، وظاهر الخبر اعتبار الاشتراط في أصل الاعتكاف ولو خلا نذره منه . وفي المنتهى : «الاشتراط في المنذور إنّما يصحّ في عقد النذر ، أمّا إذا أطلقه فلا يصحّ له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف» ، (2) ولم أعثر على مستنده . ثمّ إنّ الخبر دلَّ على حرمة الجماع في الاعتكاف ، ويجيء في بابه . قوله في صحيحة أبي عبيدة : (المعتكف لا يشمّ الطيب) إلى آخره . [ح 4 / 6689 ] يدلّ الخبر على تحريم أشياء مخصوصة على المعتكف والمعتكفة : أحدها : شمّ الطيب والرياحين . وهو المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في النهاية (3) والخلاف (4) و في الجمل (5) أيضا على ما نقل عنه في المنتهى ، (6) وادّعى عليه في الخلاف (7) الإجماع ، وسوّغه في المبسوط حيث قال : وقد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم ، وهو مخصوص بما قلناه من الوطئ والمباشرة والقبلة والملامسة واستنزال الماء بجميع أسبابه ، والخروج من المسجد إلّا لضرورة ، والبيع والشراء ، ويجوز له أن ينكح ويأكل الطيّبات ويشمّ الطيب ويأكل الصيد . (8) وثانيها : المماراة . والمراد بها المجادلة على أمر دنيوي ، ومنه إثبات الغلبة أو الفضيلة لنفسه ، كما يتّفق لمن تسمّى بالعلم . ولا خلاف في تحريمه مطلقا ولو لم يكن معتكفا ، ففي الاعتكاف أشدّ تحريما .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 306 307 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 308 ، المسألة 229 .
3- .النهاية ، ص 172 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 227 ، المسألة 116 .
5- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 222) .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 639 .
7- .الخلاف ، ج 2 ، ص 240 ، المسألة 116 .
8- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 293 ، والمذكور هنا منقول بالمعنى .

ص: 370

وأمّا المجادلة في الاُمور الدينيّة لمجرّد إظهار الحقّ وردّ الخصم من الخطأ فهو غير محرّم ، بل هو واجب ، بل ربّما كان من أفضل الطاعات الواجبة . وثالثها : الشراء والبيع . ولم أجد مخالفا في تحريمها من الأصحاب ، وهو منسوب في المنتهى (1) إلى مالك وأحمد ، وعن أبي حنيفة وعن قول للشافعي جوازهما من غير كراهية ، وعن قول آخر عنه كراهتهما ، (2) والسرّ في تحريمهما منافاتهما للاشتغال بالعبادة ، ولذلك قال في المنتهى : كلّما يقتضي الاشتغال بالاُمور الدنيويّة من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه عملاً بمفهوم النهي عن البيع والشراء . [و]قال السيّد المرتضى : «يحرم التجارة والبيع والشراء» ، (3) والتجارة أعمّ . (4) انتهى كلام المنتهى . وأنت خبير بما فيه . واستثني منهما ما تدعو الحاجة إليه من شراء المأكول والملبوس ، وبيع ما يشتري به ذلك . واشترط في الدروس في جواز ذلك تعذّر المعاطاة ، حيث قال : «ولو اضطرّ إلى شراء شيء وتعذّرت المعاطاة جازا ، وكذا البيع» 5 بناءً على عدم إيجاب وقبول لفظي فيها ، فكأنّها ليست بيعا وشراءً . وهل يكونان فاسدين ؟ الظاهر لا ؛ لعدم استلزام النهي في غير العبادات للفساد كما تقرّر في محلّه .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 639 .
2- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 438 439 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 148 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 147 .
3- .الانتصار ، ص 204 .
4- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 300 .

ص: 371

ويحرم على المعتكف هذه ليلاً ونهارا ، والخروج عن المعتكف ، والجماع أيضا ليلاً ونهارا ، ويأتيان في بابهما . وما يوجب الإفطار أيضا يحرم عليه لكن نهارا فقط ؛ لما قد سبق من اشتراطه بالصوم . وحكى المحقّق في الشرائع قولاً من بعض الأصحاب بأنّه يحرم عليه ما يحرم على المحرم ، (1) ونسبه في المبسوط إلى الرواية . (2) وفي المنتهى : قال الشيخ في الجمل : «ويجب على المعتكف أن يجتنب ما يجتنبه المحرم» . (3) وعبارته على ما ذكره صاحب المدارك (4) غير صريحة فيه ولا ظاهرة ، بل غير محتملة له ، فقد نقل عنه أنّه قال : «ويجب عليه تجنّب كلّ ما يجب على المحرم تجنّبه من النساء والطيب والمماراة والجدال ، ويزيد عليه سبعة (5) أشياء البيع والشراء» ، (6) إلى آخره . وإنّما يفسد الاعتكاف من هذه الأشياء إفطار الصوم والجماع ليلاً ونهارا ؛ لورود النصّ عليهما . وأمّا ما عداهما ففي إفساده له نظر ؛ لعدم دليل عليه ، وإنّما يدلّ على التحريم وهو غير مستلزم للإفساد ، كتحريم الارتماس ونحوه في شهر رمضان على الأشهر . ويؤيّد ذلك إيجاب الكفّارة على ما يفسد الاعتكاف إجماعا كالجماع والمفطرات دون هذه . قال الشيخ في المبسوط : «لا يفسد الاعتكاف جدال ولا خصومة ولا سباب ولا بيع ولا شراء وإن كان لا يجوز له فعل ذلك أجمع» . (7)

.


1- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 222) .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 639 .
3- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 161 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 293 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 346 .
6- .في الأصل : «على تسعة» والتصويب من المصدر .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 295 ، وليس فيه : «ولا بيع ولاشراء» إلى آخره ، والعبارة بتمامها مذكورة في السرائر ، ج 1 ، ص 426 ، ومختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 599 600 وحكياه عن المبسوط .

ص: 372

باب المعتكف لا يخرج من المسجد إلّا لحاجة

وقال ابن إدريس : الأولى عندي أنّ جميع ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل به من المعاصي والسيّئات يفسد اعتكافه ؛ لأنّ الاعتكاف هو اللّبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة ، وخرج من حقيقة المعتكف . (1) وهو غريب ، وأغرب منه مطالبته للشيخ بالبيان على أقبح وجه لا يناسب ذكره لمن انتسب إلى أهل العلم .

باب المعتكف لا يخرج من المسجد إلّا لحاجةيشترط في الاعتكاف استدامة اللّبث في المُعْتَكفْ . وفي المنتهى : «ولا يجوز له الخروج إلّا لضرورة ، وهو قول العلماء كافّة» . (2) ويدلّ عليه أخبار الباب والباب الذي بعده . وما رواه الصدوق في الفقيه عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالسا عند الحسن بن عليّ عليهماالسلام فأتاه رجل ، فقال له : ياابن رسول اللّه ، إنّ فلانا له عَليّ [مال و] (3) يريد أن يحبسني ، فقال : «واللّه ، ما عندي مال فأقضي عنك» ، قال : فكلّمه ، قال : فلبس عليه السلام نَعْلَهُ ، فقلت له : ياابن رسول اللّه ، أنسيت اعتكافك ؟ فقال له : «لم أنسَ ولكنّي سمعت أبي عليه السلام يحدّث عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : مَن سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّه عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة ، صائما نهاره قائما ليله» . (4) وما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلّا لما لابدّ منه . (5) وقالت أيضا : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا اعتكف مدّ لي رأسه فأغسله ، وكان لا يدخل

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 426 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 633 .
3- .في الأصل : «فقال» ، وما اُثبت من المصدر .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 189 190 ، ح 2108 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 550 ، ح 14092 .
5- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 181 .

ص: 373

البيت إلّا لحاجة إنسان . (1) والأعذار المذكورة في الناس يجوز الخروج لها عند الأصحاب ، ولبعض آخر من الأعذار كقضاء حاجة مؤمن وتحمّل شهادة وأدائها إذا دعي إليها ، والاغتسال عن الجنابة والاستحاضة . واختلف العامّة في بعض منها منها : الجمعة إذا اُقيمت في غير معتكفه ، فأجمع الأصحاب على أنّه لا يبطل اعتكافه بخروجه لها . وفي المنتهى : وبه قال أبو حنيفة وأحمد . وقال الشافعيّ : لا يعتكف في غير الجامع إذا كان اعتكافه يتخلّله جمعة ، فإن نذر اعتكافا متتابعا فخرج منه لصلاة الجمعة بطل اعتكافه وعليه الاستئناف . احتجّ بأنّه أمكنه فرضه بحيث لا يخرج منه فبطل بالخروج كالمكفّر إذا ابتدأ صوم شهرين متتابعين في شعبان أو ذي الحجّة . (2) والجواب : أنّه إذا نذر أيّاما معيّنة فيها جمعة ، فكأنّه استثنى الجمعة بلفظه . ويبطل ما ذكره بما لو نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها . (3) وحكى عن أبي حنيفة أنّه إذا خرج للجمعة عجّل ولا يطيل المكث . وعن بعض أصحابه أنّه يجوز أن يجلس يوما في المجلس الذي يصلّي فيه الجمعة . وعن أحمد أنّه يجوز أن يتمّ اعتكافه فيه ؛ محتجّا بأنّ الجامع مكان الاعتكاف

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 81 و 104 و 235 و 247 و 262 و 264 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 256 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 166 و 167 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 551 ، ح 2467 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 149 ، ح 801 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 315 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 266 ، ح 3373 ، وفي غالب المصادر : «فأرجله» بدل «فأغسله» .
2- .المغني والشرح الكبير ، ج 3 ، ص 133 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 385 386 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 290 291 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 513 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 .

ص: 374

والمكان لا يتعيّن له بنذر وشبهه ، فمع عدمه أولى . (1) ومنها: تشييع الجنازة وعيادة المريض : فقد قال : وافقنا الحسن بن حيّ فيها والثوري في عيادة المريض خاصّة ، وخالف فيه باقي فقهائهم على ما نقل عنهم السيّد المرتضى في الانتصار . (2) وحكى في المنتهى (3) موافقة سعيد بن جبير والنخعي وأحمد في رواية أيضا كالحسن ، وقال : ونقلوه عن عليّ عليه السلام . (4) وردّ على المخالفين بما نقلوه عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام قال : «إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ، وليعد المريض ، وليحضر الجنازة ، وليأت أهله ، وليأمرهم بالحاجة وهو قائم» . (5) وقال : احتجّ المخالف بما روته عائشة ، قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة إنسان . (6) وعنها أنّها قالت : السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمسّ امرأة ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلّا لما لا بدّ منه . (7) ولأنّه ليس بواجب فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب من أجله . والجواب : أنّ الأوّل نقول بموجبه ، ولا دلالة له على مواضع النزاع ، والثاني غير مستند إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقول عائشة ليس بحجّة ، وكونه ليس بواجب لا يمنع من فعله في الاعتكاف كقضاء حاجة آدمي . (8) ومنها : تحمّل الشهادة وأداؤها : فيجوز الخروج لهما إذا دعي إليهما وإن لم يتعيّنا

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 .
2- .نفس المصدر ؛ وانظر المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 133 .
3- .الانتصار ، ص 204 . وانظر: المحلّى ، ج 5 ، ص 190 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ص 137 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 ، وحكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 291 .
5- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 137 .
6- .المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 500 ، الباب 85 من كتاب الصيام ، ح 1 .
7- .صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 167 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 149 ، ح 801 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 315 .
8- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 552 ، ح 2473 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 321 .

ص: 375

عليه ، سواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا ، متتابعا أو غير متتابع ، ويبطل اعتكافه بذلك لدخولهما في قضاء الحاجة عندنا وعند أكثر العامّة . (1) وفي المنتهى : قال الشافعي : إن تعيّنا عليه خرج ولا يبطل اعتكافه المتتابع ، وإن لم يتعيّنا عليه ولا واحد منهما انقطع التتابع بخروجه ، ويستأنف إذا عاد ، وإن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء فكما لو لم يتعيّنا عليه ، وإن كان بالعكس فقولان . (2) واحتجّ بأنّه خرج لغير حاجة فأبطل التتابع . وجوابه المنع من المقدّمة الاُولى . هذا ، وقال الشيخ في النهاية : «وإذا خرج المعتكف لضرورة لا يمشي تحت ظلال ولا يقف فيه إلّا عند ضرورة إلى أن يعود إلى المسجد» . (3) وتبعه في ذلك أكثر من تأخّر ، منهم ابن أبي عقيل وأبو الصلاح (4) على ما حكي عنهما في المختلف . (5) ويدلّ على جزئيّة الثاني خبر داود بن سرحان ، (6) رواه الصدوق في الصحيح ، (7) والأظهر عدم جواز الجلوس مطلقا من غير ضرورة كما ذهب إليه بعض الأصحاب ؛ لعموم حسنة الحلبيّ ، (8) وتأكيد النهي عن الجلوس فيها من غير تقييد ؛ ولإمكان الجمع بوجه آخر . وأمّا عدم جواز المشي تحت الظلال فلم أقف له على مستند أصلاً ، وكأنّهم حملوا

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 538 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 515 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 635 ، ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 293 .
3- .المبسوط للطوسي ، ج 7، ص 293 . وعنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 635 واللفظ له .
4- .الكافي في الفقه ، ص 598 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 598 .
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
7- .الفقيه، ج 2، ص 187، ح 2098؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 549، ح 14089.
8- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 185 ، ح 2091 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 549 ، ح 14090 .

ص: 376

باب المعتكف يمرض والمعتكفة تطمث

المعتكف على المحرم بناءً على ما نقلنا عن المبسوط من نسبته إلى الرواية . (1) وقال السيّد المرتضى في الانتصار : وممّا ظنّ انفراد الإماميّة به القول بأنّ المعتكف ليس له إذا خرج من المسجد أن يستظلّ بسقف حتّى يعود إليه ، والثوريّ (2) يوافق الإماميّة في ذلك ، وحكى عنه الطحاويّ في كتاب الاختلاف : أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلّا أن يكون ممرّه فيه ، فإن دخل فسد اعتكافه ، (3) وباقي الفقهاء يجيزون الاستظلال بالسقف . (4) والحجّة للإماميّة : الإجماع ، وطريقة الاحتياط ، واليقين بأنّ العبادة ما فسدت ، ولا يقين إلّا باجتناب ما ذكرناه . (5) ومن هذه الأعذار لا يوجب فساد الاعتكاف إلّا المرض والحيض ، وهذا هو السرّ في وضع المصنّف قدس سرهلهما بابا على حدة ، وذكر باقي الأعذار في باب آخر ، فأراد خروج المعتكف مع بقاء اعتكافه .

باب المعتكف يمرض والمعتكفة تطمثالمريض الذي لا يمكن تمريضه في المُعْتَكَفْ والحائض يهدمان الاعتكاف ويخرجان ، ثمّ يقضيانه إن كان اعتكافهما واجبا بنذر وشبهه أو يمضي يومين من المندوب ، ويجب عليهما قضاء ثلاثة أيّام ، ولو كان الخروج في اليوم الثالث يضمّ يومين إلى المقضي من باب المقدّمة ؛ إذ لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام . ولو كان الاعتكاف مندوبا استحبّ القضاء ؛ فقوله عليه السلام : «ثمّ يعيد إذا برأ» في خبر عبد

.


1- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 293 .
2- .المجموع ، ج 6 ، ص 536 .
3- .وحكاه أيضا ابن عبد البرّ في الاستذكار ، ج 3 ، ص 388 ، والجصّاص في أحكام القرآن ، ج 1 ، ص 301 . وحكاه السرخسي في المبسوط ، ج 3 ، ص 117 عن مالك .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 536 .
5- .الانتصار ، ص 23 ، المسألة 97 .

ص: 377

الرحمن بن الحجّاج ، (1) و«رَجَعت فقضت ما عليها» في صحيحة أبي بصير (2) محمولان على ما إذا أوجب الإعتكاف ، إلّا أن يحمل الأمر الذي يستفاد منها على المعنى العام الشامل للوجوب والندب . وفي المنتهى : وإذا حاضت المرأة خرجت من المسجد إلى بيتها إلى أن تطهر ، ثمّ تعود بعد طهرها إلى الاعتكاف ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال الشافعيّ ومالك وربيعة والزهريّ وعمرو بن دينار ، وقال أحمد : إن كان للمسجد رحبة خارجة يمكن أن يُضرب فيه خباها يضرب في خباها مدّة حيضها ، وقال النخعيّ : يضرب فسطاطها في دارها ، فإذا طهرت قضت تلك الأيّام ، وإن دخلت بيتا أو سقفا استأنفت . (3) احتجّ أحمد بما روته عائشة ، قالت : كنّ المعتكفات إذا حضن أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإخراجهنّ من المسجد ، وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتّى يطهرن . (4) والجواب بعد تسليم الحديث _ : أنّه يحتمل أن يبيّن عليه السلام أنّ رحبة المسجد ليست منه ؛ لأنّ الاعتكاف قد كان واجبا عليهن ، وعلم عليه السلام من حالهنّ توهّم سقوطه عنهنّ بخروجهنّ من المسجد للحيض ، فأزال هذا الوهم عنهنّ ، وقول إبراهيم النخعيّ لا تعويل عليه ؛ إذ هو مخالف لما عليه العلماء . وقال الشيخ في المبسوط : ومتى عرض للمعتكف مرض أو جنون أو إغماء أو حيض ، أو طلبه سلطان ظلما خرج من موضعه ، فإن كان بعد مضيّ أكثر مدّة اعتكافه عاد بعد زوال عذره ، وبني على ما تقدّم وتمّم ما بقي ، وإن لم يكن مضى أكثر من النصف استأنف ، سواء كان واجبا أو مندوبا ، وسواء كان مع الشرط أو عدمه ، فإنّه تجب بالدخول فيه . (5) انتهى .

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
2- .هي الحديث الثاني من هذا الباب.
3- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 153 154 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 136 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 519 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1، ص 227؛ الاستذكار، ج 3، ص 402 403.
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 154 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 136 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 293 .

ص: 378

باب المعتكف يجامع أهله

واعلم أنّ حكم النفساء فيما ذكر حكم الحيض ؛ لأنّه دم حيض حقيقة .

باب المعتكف يجامع أهلهقد سبق بأنّ الجماع يحرم في الاعتكاف ليلاً ونهارا ، وأنّه يفسد به ويجب الكفّارة بذلك . ودلّ عليه أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة في حديث آخر عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : «عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا : عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا» . (1) وقال الشيخ : فإن كان الجماع بالليل في شهر رمضان فعلى المجامع كفّارة واحدة ، وإن كان بالنهار فعليه كفّارتان : إحداهما للاعتكاف ، والاُخرى لشهر رمضان . واحتجّ عليه بما رواه محمّد بن سنان ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : «عليه الكفّارة» ، قال : قلت : فإن وطأها نهارا ؟ قال : «عليه كفّارتان» . (2) ولم أجد مخالفا في ذلك كلّه ، وإنّما اختلفوا في مقامات : أحدها : في اختصاص التحريم والكفّارة بالاعتكاف الواجب أو إجرائهما في المندوب أيضا ، الأوّل هو المشهور بين الأصحاب ، فقالوا : إنّما يحرم الجماع ، وإنّما توجب الكفّارة في الاعتكاف الواجب بالنذر وشبهه أو في اليوم الثالث من المندوب دون اليومين الأوّلين ؛ لجواز هدمه فيهما ، والشيخ حرّمه وأوجبها في الأوّلين من المندوب أيضا بناءً على ما عرفت من مذهبه في المبسوط (3) من وجوب المندوب بمجرّد

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 292 ، ح 888 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 130 ، ح 425 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 547 548 ، ح 14087 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 292 ، ح 889 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 547 ، ح 14086 .
3- .المبسوط ، ج 1 ، ص 289 .

ص: 379

الشروع فيه كأبي الصلاح . (1) وهو ظاهر الشيخ المفيد أيضا حيث قال : «ومَن أفطر لغير عذر وهو معتكف أو جامع وجب عليه ما يجب على فاعل ذلك في شهر رمضان» ، (2) من غير تقييد بالواجب منه ، وإطلاق الأخبار أيضا يقتضي ذلك . وثانيها : في أنّ كفّارته هل هي مرتّبة ككفّارة الظهار ؟ أو مخيّرة ككفّارة شهر رمضان ؟ ففي المختلف : ظاهر كلام ابن بابويه أنّها مرتّبة ؛ لأنّه جعلها كفّارة الظهار . (3) وقال الشيخان (4) والسيّد المرتضى (5) وأتباعهم : إنّها كفّارة إفطار نهار رمضان . ونقل الشيخ في المبسوط (6) خلافا بين علمائنا في التخيير والترتيب . احتجّ ابن بابويه بحديث زرارة ، (7) واحتجّ الشيخان برواية سماعة ، (8) والأوّل أصحّ طريقا ، والثاني أوضح عند الأصحاب . (9) وإنّما قال الأوّل أصحّ بناءً على ما رواه الصدوق ، (10) فقد رواه في الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة ، وإلّا فطريقه أضعف من الثاني على ما رواه المصنّف ؛ لوجود سهل بن زياد فيه ، هذا . وثالثها : تحمّل الزوج كفّارة ظهار المكرهة و عدمه ، فالظاهر لو أنّه أكره زوجته في نهار رمضان على الجماع لا يجب عليه إلّا ثلاث كفّارات ، اثنين على نفسه على ما

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 186 .
2- .المقنعة ، ج 1 ، ص 363 .
3- .لم أعثر على كلامه، نعم رواه في الفقيه ، ج 2 ، ص 188 ، ح 2102 .
4- .قاله المفيد في المقنعة ، ج 1 ، ص 363 ؛ والطوسي في النهاية ، ص 172 .
5- .الانتصار ، ص 201 .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 294 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
8- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 595 596 .
10- .الفقيه ، ج 2 ، ص 188 ، ح 2102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 546 ، ح 14083 .

ص: 380

عرفت ، وواحدا تحمّلاً عن زوجته كفّارة رمضانها ، وأنّه لا يتحمّل عنها كفّارة اعتكافها ؛ لأصالة عدم التحمّل إلّا في ما ورد فيه نصّ ، ولعدم فساد اعتكافها بذلك ، وهو ظاهر الأكثر . وقال السيّد المرتضى في الانتصار : المعتكف إذا جامع نهارا كان عليه كفّارتان ، وإذا جامع ليلاً كفّارة واحدة ، وإن أكره زوجته وهي معتكفة نهارا كان عليه أربع كفّارات ، وإن أكرهها وهي معتكفة ليلاً كان عليه كفّارتان . (1) وهو قدس سرهوإن أطلق وجوب كفّارتين والكفّارة الواحدة والأربع إلّا أنّه أراد بأنّ الاعتكاف في شهر رمضان ، واكتفى عن التقييد بذلك بظهور القيد عن مذهب الأصحاب ، فقد ذهب إلى تحمّل الزوج كفّارة المكرهة مطلقا كفّارة شهر رمضانها وكفّارة اعتكافها ، وذهب إليه ابن إدريس ، (2) ونقله العلّامة في المختلف (3) عن ابن الجنيد وابن البرّاج (4) وابن حمزة ، (5) وعدّه أقرب محتجّا بأنّه فعل موجب للكفّارة على اثنين ، فيضاعف على المكره ؛ لصدور الفعل عنه أجمع في الحقيقة كرمضان ، وهو كما ترى . ونسب في الانتصار إلى الزهريّ والحسن يعني ابن صالح بن حيّ _ (6) إيجاب الكفّارة للوطي في الاعتكاف ، وقال : «وهذا القول يوافق من وجه قول الإماميّة ، إلّا أنّنا ما نظنّهما كانا يذهبان إلى أنّ الكفّارة تلزم في الوطي بالليل كما ذهبت الإماميّة إليه» ، وقال : «وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يلزمون مفسد اعتكافه شيئا سوى القضاء» . 7

.


1- .الانتصار ، ص 201 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 425 426 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 596 .
4- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
5- .الوسيلة ، ص 153 .
6- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 143 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 254 .

ص: 381

باب النوادر

وهل يجري الاستمناء بالجماع في إيجاب الكفّارة ؟ فقد أوجب الشيخ الكفّارة بكلّ مباشرة تؤدّي إلى إنزال الماء عمدا محتجّا بأنّه أفسد اعتكافه ، فوجب عليه الكفّارة كالجماع . وقال : «وفي أصحابنا من قال : ما عدا الجماع يوجب القضاء دون الكفّارة» (1) محتجّين بأصالة البراءة ، (2) وتوقّف فيه العلّامة في المختلف ، (3) وقد عرفت أنّ الأظهر عدم فساد الاعتكاف بغير ما يوجب الإفطار ، وعرفت حكم الجماع . وأمّا باقي المفطرات فقد قال صاحب المدارك : (4) «وأمّا وجوب الكفّارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب فهو اختيار المفيد (5) والمرتضى» . (6) وقال في المعتبر : «ولا أعرف مستندهما» ، (7) والأصحّ ما اختاره الشيخ والمصنّف يعني المحقّق وأكثر المتأخّرين من اختصاص الكفّارة بالجماع دون ما عداه من المفطرات وإن كان يفسد به الصوم ويجب به القضاء . (8)

باب النوادرأراد قدس سره بالنوادر الأخبار المتفرّقة المتعلّقة بالصوم ، المتروكة في أبوابه . قوله : (أحمد بن إدريس، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ... يصوم شهرا يتوخّاه ويحسب)

.


1- .المبسوط للطوسي، ج 1، ص 294.
2- .في الأصل بعده : «ولعلّه» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 592 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 348 .
5- .المقنعة ، ص 363 .
6- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 742 .
7- .نفس المصدر .
8- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 349 350 .

ص: 382

إلى آخره . [ح 1 / 6699 ] الحسن بن علي الكوفي هو الحسن بن عليّ بن بقاح ، كوفيّ ثقة ، صحيح الحديث على ما ذكره النجاشيّ . (1) وعبيس بن هشام هذا هو عبّاس بن هشام أبوالفضل الناشريّ الأسديّ عربي ثقة ، جليل في أصحابنا ، كثير الرواية ، كسر اسمه فقيل : عبيس ، مات سنة عشرين ومئتين أو قبلها على سنة كذا ، ذكره النجاشيّ . (2) فالخبر موثّق بأبان بن عثمان ، (3) والحكمان المستفادان منه هما المشهوران بين الأصحاب ، بل لا نعلم فيهما مخالفا . وفي حكم ظهور تأخير ما توخّاه عن شهر رمضان ما إذا استمرّ الاشتباه من غير خلاف . (4) وقد ادّعي العلّامة في المنتهى في هذه الأحكام كلّها الإجماع . (5) ويتعلّق حكم شهر رمضان من وجوب الكفّارة بإفطار يوم منه ووجوب متابعته ، وإكماله ثلاثين لو لم ير الهلال ، وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة ، فالظاهر ذلك . وقد جزم به الشهيد الثاني في المسالك . (6) وقال صاحب المدارك : وللمناقشة في ذلك مجالٌ ؛ لأصالة البراءة من جميع ذلك واختصاص النصّ بالصوم ولو لم يغلب على ظنّ الأسير شهرا ، فقد قطع الأصحاب بأنّه يتخيّر في كلّ سنة شهرا ويصومه . (7)

.


1- .رجال النجاشي ، ص 40 ، الرقم 82 .
2- .رجال النجاشي ، ص 280 ، الرقم 741 .
3- .اُنظر : خلاصة الأقوال ، ص 74 .
4- .بعده كلمة غير مقروءة .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 593 .
6- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 57 . ومثله في شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 114 .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 189 .

ص: 383

ولا وجه له ؛ لعدم نصّ عليه ، وإنّما النصّ في التوخّي ، وهو التحرّي وطلب ظنّ وتحصيله ، فإذا لم يحصل الظنّ صبر حتّى يعلم شهر رمضان ، فإن كان حاضرا أدّاه ، وإن كان قد مضى قضاه . ولو صام الأسير تطوّعا فوافق شهر رمضان فالأقرب إجزاؤه ؛ لأنّه قد وفّق ، كما قال عليه السلام في صيام يوم الشكّ بنيّة الندب : «أنّه يوم وفّقت له» . (1) قوله في خبر أبي بصير : (يستحبّ للرجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان) [ح 3 / 6701 ] هو المشهور بين الأصحاب . وفي كنز العرفان : الحلّ هنا مقابل التحريم وليس للوجوب إجماعا . وقيل : للندب ، ولذلك روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام كراهة الجماع أوّل ليلة من كلّ شهر ، واستحبابه أوّل ليلة من شهر رمضان لتنكسر شهوة الجماع نهارا . والظاهر أنّه لمطلق الحلّ الشامل للندب وغيره ، والمراد بليلته الصيام كلّ ليلة يصبح فيها صائما . ثمّ اعلم أنّ ظاهر اللفظ يدلّ على إباحة الجماع في أيّ وقت كان من الليل ولو قُبيل الفجر ، لكن لمّا اشترط أصحابنا الطهارة في الصوم من الجنابة وجب بقاء جزء من الليل ليقع فيه الغسل ، فكانت الإباحة مخصوصة بما عداه ، فلو خالف عامدا عالما بطل صومه ، وكان عليه القضاء والكفّارة . ولو لم يعلم فظنّ بقاء الليل من غير مراعاة فاتّفق خلافه كان عليه القضاء خاصّة ، ولو راعى لم يكن عليه شيء ، وعلى التقديرين الأخيرين لو طلع عليه الفجر مجامعا وجب النزع وصحّ صومه في الأخير خاصّة . وقال الشافعيّ : إذا وافاه الفجر مجامعا فوقع النزع والطلوع معا لم يفسد صومه ولا قضاء ولا كفّارة . وبه قال أبو حنيفة .

.


1- .هو الحديث الرابع من باب اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 20 21 ، ح 12731 .

ص: 384

وقال المزنيّ : يفسد وعليه القضاء خاصّة . (1) وأمّا إذا وافاه مجامعا ولم ينزع ويمكث فيه فهو بمنزلة من وافاه [النهار ]فابتدأ بالإيلاج ، فإن كان جاهلاً بالفجر فعليه القضاء خاصّة ، وإن كان عالما به فعليه القضاء والكفّارة . وقال أبو حنيفة : بلا كفّارة ، وعلّله أصحابه بأنّه ما انعقد ، فالجماع لم يفسد صوما منعقدا ، فلا كفّارة . ونحن نقول : إنّه انعقد بالنيّة المتقدّمة ، وكان جماعا واردا على صوم منعقد ، وهو المطلوب . (2) قوله في خبر حمزة بن محمّد : (ليجد الغني مضض الجوع فيحنو على الفقير) . [ح 6 / 6704] المضض : الألم ، مَضِض كفرح _ : ألِم . (3) وحنوت عليه ، أي عطفت عليه . (4) قوله في خبر محمّد بن عمران : (ثمّ خرق ما بينهما كوة ضخمة تشبه الخوخة) إلى آخره . [ح 7 / 6705] في القاموس : الخوخة : كوّة تؤدّي الضوء إلى البيت ، ومخترق ما بين كلّ دارين ما عليه باب ، (5) والمراد هنا منها هو الثاني ، وبالكوّة المعنى الأوّل للخوخة . وقوله عليه السلام : (ويستأنفون باليمين) [ح 7 / 6705] أي يسبقون برجلهم اليمنى في الدخول ، من الاستئناف بمعنى الابتداء ، وهو يدلّ على استحباب تقديم الرِّجل اليمنى في الدخول في المسجد .

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 311 و 338 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 175 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 140 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 63 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 63 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 46 و 76 .
2- .كنزالعرفان ، ج 1 ، ص 213 214 .
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 344 (مضض) .
4- .مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 592 (حنو) .
5- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 258 (فصل الخاء) .

ص: 385

وعلّله في المعتبر بأنّ اليمنى أشرف فيدخل بها إلى الموضع الشريف ، (1) ولهذا اشتهر استحباب تقديم الرجل اليسرى عند الخروج منه ، واستحباب العكس في دخول الخلاء والخروج منه . (2) والحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين .

.


1- .المعتبر ، ج 2 ، ص 449 .
2- .اُنظر : المقنع ، ص 7 8 و 88 89 ؛ الهداية ، ص 73 و 79 ؛ المقنعة ، ص 40 ؛ النهاية ، ص 110 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 161 ؛ الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 157) ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 278 ؛ المهذّب ، ج 1 ، ص 39 ؛ الوسيلة ، ص 47 ؛ الغنية ، ص 36 ؛ المختصر النافع ، ص 5 ؛ المعتبر ، ج 1 ، ص 134 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 15 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 19 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 63 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 254 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 81 ؛ البيان ، ص 6 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 174 .

ص: 386

. .

ص: 387

كتاب الحجّ

اشاره

كتاب الحجّ

.

ص: 388

. .

ص: 389

باب بدو الحجر والعلّة في استلامه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الحجّالحجّ بفتح الحاء وكسرها وكذا الحجّة في اللغة : القصد . (1) وشرعاً : قصد بيت اللّه الحرام لأداء مناسك مخصوصة (2) ، وقيل : هو القصد إلى مشاعر مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة (3) ، فعلى الأوّل قصد عرفة ونظائرها شروط شرعيّة خارجة عن مسمّى الحجّ ، وعلى الثاني داخلة فيه . (4) وعن الخليل : أنّه لغةً : كثرة القصد إلى من يعظّمه (5) ، وسمّي قصد البيت حجّاً لكثرة التردّد إليه من الناس .

باب بدو الحجر والعلّة في استلامهاتّفق اُولوالألباب على ما ظهر من أخبار الباب من اطّلاع الحجر على حال زائريه ، وأنّه يفهم مقالهم ، ويشهد لهم وعليهم يوم يقوم الحساب . ومنه يظهر فساد ما حكاه البخاري عن عمر ، روى عن عابس بن ربيعة عنه : أنّه جاء

.


1- .صحاح اللغة، ج 1 ، ص 303 (حجج) ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 2 .
2- .اُنظر : فقه القرآن للراوندي ، ج 1 ، ص 264 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 296 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 506 .
4- .اُنظر: تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 7 .
5- .ترتيب كتاب العين ، ج 1 ، ص 347 (حج) .

ص: 390

إلى الحجر فقبّله ، فقال : أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُقبّلك ما قبّلتك . (1) وعن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : رأيت عمر بن الخطّاب قبَّل الحجر وقال : لولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبّلك ما قبّلتك . (2) وقد ردّه بذلك أمير المؤمنين عليه السلام على ما رواه عبد الحميد بن أبي الحديد عن أبي سعيد الخدري ، قال : حججنا مع عمر أوّل حجّة حجّها في خلافته ، فلمّا دخل المسجد الحرام دنا من الحجر الأسود فقبّله واستلمه ، فقال : إنّي لأعلم أنّك حجرٌ لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبّلك واستلمك لما قبّلتك ولا استلمك ، فقال له عليّ عليه السلام : «بلى يا أميرالمؤمنين ، إنّه ليضرّ وينفع ، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب اللّه لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال اللّه تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى» (3) ، فلمّا أشهدهم وأقرّوا أنّه الربّ عزّ وجلّ وأنّهم العبيد كتب ميثاقهم في رقٍّ ، ثمّ ألقمه الحجر ، وأنّ له لعينين ولساناً وشفتين ، يشهد بالموافاة ، فهو أمين اللّه عزّ وجلّ في هذا المكان» ، فقال عمر : لا أبقاني اللّه بأرض لست بها يا أبا الحسن . (4) وعن إحياء العلوم للغزالي بعد قوله عليه السلام : «ثمّ ألقمه هذا الحجر» _ : فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ، وعلى الكافر بالجحود ، قال : فذلك قول الناس عند الاستلام : اللّهمَّ إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك . (5) واعتذر عنه بعض المخالفين بأنّه إنّما قال ذلك خوفاً من افتتنان الناس بعبادة الأحجار . ويأبى عنه ما ذكر ، لاسيما خبر أبي سعيد كما لايخفى .

.


1- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 159-160 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 46 .
2- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 162 .
3- .الأعراف (7) : 172 .
4- .شرح نهج البلاغة ، ج 12 ، ص 100-101 ، شرح الكلام 223 .
5- .إحياء علوم الدين ، ج 1 ، ص 469 ، كتاب أسرار الحجّ .

ص: 391

باب بدو البيت والطواف

قوله : (عن محمّد بن أحمد عن موسى بن عمر عن ابن سنان عن أبي سعيد القمّاط) . [ح 3 / 6708] محمّد بن أحمد هذا هو : أبو جعفر محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبداللّه بن سعد بن مالك الأشعري الثقة (1) ، وموسى بن عمر مشترك بين ثقة ومجهول ، أعني موسى بن عمر بن بزيع (2) ، وموسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل . (3) وابن سنان هو أخو عبداللّه المجهول بدليل روايته عن أبي سعيد القمّاط على ما يظهر من بعض كتب الرجال . (4) قوله : (وعليهم واللّه يشهد بالخَفْر) [ح 3 / 6708]، أي بنقض العهد ، يُقال خفره ، وبه خفرا وخفورا : نقض عهده كأخفَره . (5) قوله : (اصطكّت فرائص الملائكة) .[ح 3 / 6708] في كنز اللغة : اصطكاك : (بهم واكوفتن) (6) وفرائص : (گوشتهاى بُن بَغَل وگوشتهاى شانه وپهلو) (7) .

باب بدو البيت والطوافالأخبار دلّت على أنّ أوّل من بناه وطاف به هو آدم عليه السلام (8) ، وبه قال الأصحاب .

.


1- .اُنظر : رجال النجاشي ، ص 348 ، الرقم 939 ؛ إيضاح الاشتباه ، ص 277 ، الرقم 616 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 247 ، الرقم 41 .
2- .وهو ثقة. اُنظر : رجال النجاشي ، ص 409 ، الرقم 1089 ؛ رجال الطوسي ، ص 38 ، الرقم 5598 .
3- .لم يذكر فيه شيء ، اُنظر: رجال النجاشي، ص 405، الرقم 1075 .
4- .اُنظر: ترجمه سنان بن سنان في معجم رجال الحديث.
5- .القاموس المحيط، ج 2، ص 22 (خفر).
6- .كنزاللغة، ص 33، باب الألف مع الكاف.
7- .كنزاللغة، ص 194، باب الفاء مع الصاد.
8- .الفقيه، ج 2، ص 235، ح 2286؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 208، ح 17578.

ص: 392

وحكى طاب ثراه عن السهيليّ (1) من علماء العامّة أنّه قال : بُنيت الكعبة في الدهر خمس مرّات : الاُولى : حين بناها شيث بن آدم عليهماالسلاموكانت في حياة آدم خيمة من لؤلؤة حمراء، يطوف بها ويأنس إليها ؛ لأنّها من الجنّة . الثانية : حين بناها إبراهيم عليه السلام . الثالثة : حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام . والرابعة : حين احترقت أيّام ابن الزبير بشرر طارت إليها من أبي قبيس، فاحترقت الأستار فأحرقت البيت ، فهدمها ابن الزبير وبناها على خلاف ما كانت عليه . الخامسة : لمّا قدم عبد الملك مكّة قال : لسنا من تخليط أبي خُبيب (2) في شيء، فهدمها وردّها على ما كانت عليه ، ثمّ ندم على ذلك وقال : ياليتني تركت أبا خُبيب وما تحمّل ، فلمّا قدم أبو جعفر [المنصور] أراد ردّها على ما بناها ابن الزبير ، وشاور في ذلك، فقال له مالك : أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك، لا يشاء أحد منهم أن يغيّره إلّا غيّره ، فيذهب هيبته من قلوب الناس ، فصرفه عن رأيه . (3) انتهى . وأمّا أرضها المقدّسة فقد خلقها اللّه قبل دحو الأرض بألفي عام على ما سيرويه المصنّف قدس سره في باب ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة . (4) وحكى طاب ثراه عن بعض المفسّرين أنّها خلقت قبل السماوات والأرض ، فإنّها كانت زبدا على الماء ، ثمّ دُحيت الأرض من تحتها (5) ولذا سمّيت اُمّ القرى .

.


1- .السهيلي هو أبوالقاسم عبدالرحمن بن عبداللّه بن أحمد الخثعمي، ولد في مالقة سنة 508 ه ق و كفّ بصره و عمره سبع عشرة سنة، نشأ ببلدته، و كان مؤرّخا محدّثا أدبيا، أخَذَ عن ابن العربي و غيره، و اتّصل خبره إلى صاحب مراكش فطلبه إليها و أكرمه، فأقام يصنّف كتبه إلى أن توّفي سنة 581 ه ق، من كتبه: الروض الأنف في شرح السيرة النبويّة لابن هشام، تفسير سورة يوسف، التعريف و الإعلام، الإيضاح و التبيين، نتائج الفكر. راجع: الأعلام للزركلي، ج 3، ص 313، معجم المؤلّفين، ج 5، ص 147.
2- .أبو خبيب كنية لعبد اللّه بن الزبير.
3- .الروض الأنف، ج 1، ص 221 222، حديث بنيان الكعبة.
4- .هو الحديث الأوّل من ذلك الباب.
5- .تفسير الرازي، ج 8 ، ص 153 عن السدّي؛ و ج 4، ص 55 عن ابن عمر؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 115 و 328 عن ابن عمر و قتادة السدّى. و فى الجميع: «قبل الأرض»، و في الكشّاف، ج 1، ص 446: «عند خلق السماء و الأرض خلقه قبل الأرض بألفي عام...» . و مثله في مجمع البيان، ج 2، ص 347 348.

ص: 393

قوله في خبر عمران بن عطية : (وما الشَّرحب أصلحك اللّه ؟ قال : الطويل) [ح 1/ 6709 ]وهو قد جاء بالجيم المعجمة وبالهاء المهملة . (1) قوله : (فقال ممّن يسكن بيت المقدس) .[ح 1 / 6709] حكي طاب ثراه عن المازري أنّه قال : المقدس إمّا بفتح الميم وسكون القاف هو مصدر كالمرجع أو مكان ، أي بيت المكان الذي فيه التقدّس ، أي الطهارة من الأصنام أو الذنوب ، وإمّا بضمّ الميم وتشديد الدال ؛ أي البيت المطهّر من الأصنام أو من الخبائث . (2) قوله : (أن يجعل له بيتاً في السماء السادسة يسمّى الضّراح) [ح 1 / 6709 ]بالضاد المعجمة والراء والحاء المهملتين . وفي الصحاح : الضراح كغراب _ : البيت المعمور في السماء الرابعة . (3) ويدلّ الخبر على أنّه في السماء السادسة ، وقد اشتهر الأوّل بين أهل العلم . وفي شرح الفقيه : فيمكن أن يكون سادسة إذا حسب من التاسع الذي هو العرش (4) . وقال طاب ثراه : وفي روايات العامّة أنّه في السماء السابعة ، ذكر ابن سنجر (5) من حديث أبي هريرة قال : في السماء السابعة بيت يُقال له : المعمور بحيال الكعبة ، وفي السماء السابعة (6) : بحرٌ يقال له : الحياة ، يدخله جبرئيل كلّ يوم ، فينغمس انغماسة ، ثمّ

.


1- .كذا ورد في كتب اللغة بالجيم. اُنظر: العين، ج 6، ص 199؛ صحاح اللغة، ج 1، ص 154 (شرجب)؛ النهاية، ج 2، ص 456؛ القاموس المحيط، ج 1، ص87 .
2- .اُنظر: عمدة القاري، ج 1، ص 242.
3- .صحاح اللغة، ج 1، ص 386 (ضرح). و هذه العبارة من القاموس المحيط، ج 1، ص 236.
4- .روضة المتّقين ، ج 4 ، ص 100 .
5- .محمّد بن سنجر الجرجاني أبو عبداللّه ، محدّث، حافظ، مسند، توفّي في صعيد مصر في ربيع الأوّل سنة 258ه ق، من آثاره المسند. راجع: تاريخ جرجان، ص 379، الرقم 633؛ معجم المؤلّفين، ج 10، ص 58؛ الأعلام، ج 6، ص 223؛ الأنساب للسمعاني، ج 4، ص 518.
6- .كذا بالأصل، و لم أعثر على مسند ابن سنجر، و في سائر المصادر: «السماء الرابعة».

ص: 394

باب أنّ أوّل ما خلق اللّه من الأرضين موضع البيت

باب في حجّ آدم

يخرج فينتفض انتفاضة يخرج منها سبعون ألف قطرة ، يخلق اللّه من كلّ قطرة مَلكاً ، يُؤمرون بأن يأتوا البيت المعمور، ويصلّون فيه ، فيدخلون ثمّ يخرجون فلا يعودون إليه أبدا ، يؤتى عليه أحدهم ويؤمر أن يقف من السماء موقفاً ، يسبّحون اللّه إلى قيام الساعة ، وما يعلم جنود ربّك إلّا هو . (1)

باب أنّ أوّل ما خلق اللّه من الأرضين موضع البيتالغرض بيان شرافته بناءً على أنّ تقدّم الوجود أحد موجبات الشرف ، ولذلك استدلّ بالأخبار الدالّة عليه ؛ لأنّه أفضل المساجد حتّى المسجد الأقصى . قوله : (عن صالح اللفائفي) [ح 3 / 6713] باللام ، وفي بعض النسخ بالكاف ، وعلى أيّ حال فهو مجهول الحال . قوله : (ثمّ دحاها من عرفات إلى منى) .[ح 3 / 6713] فيه تنبيه على أنّه لابدّ من العود من عرفات إلى منى لمناسك يوم النحر وأيّام التشريق . ولا ينافي ذلك توسّط المشعر ، كما أنّ في قوله : «من تحت الكعبة إلى منى» تنبيه على أنّ بعد طواف العمرة والإحرام للحجّ من مكّة لابدّ من النزول في منى ، وفي قوله : «من منى إلى عرفات» تنبيه على الارتحال منه إليها ، ولمّا لم يكن في الخبر إشعار بتمام دحو الأرض ظاهرا فسّر طاب ثراه منى في قوله : «ثمّ دحاها من عرفات إلى منى» بالكعبة من باب مجاز المجاورة ؛ ليشعر بذلك .

باب في حجّ آدم عليه السلامظاهر الأخبار وجوب الحجّ عليه ، بل على من بعده من الأنبياء عليهم السلام أيضاً ، ولا ينبغي أن يستبعد ذلك من عدم وجوبه على اُممهم .

.


1- .اُنظر: تفسير ابن أبي حاتم، ج 10، ص 3314، ح 18673، تفسير ابن كثير، ج 4، ص 256؛ الدرّ المنثور، ج 6، ص 117.

ص: 395

قوله في خبر الحسن بن عليّ بن أبي حمزة : (وتلقّاه بكلمات) إلخ [ح 1 / 6718] ، قال طاب ثراه : قال صاحب الطرائف (1) : روى الشافعي بن المغازلي (2) في كتاب المناقب بإسناده عن عبداللّه بن عبّاس ، قال : سُئل النبيّ صلى الله عليه و آله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : «سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلّا تبت عليَّ فتاب عليه» . (3) انتهى . وعن أهل البيت عليهم السلام : «أنّ آدم عليه السلام رأى أسماء مكتوبة على العرش مكرّمة معظّمة ، فسأل عنها ، فقيل له : هذه من أجلّ الخلق عند اللّه منزلةً ، والأسماء : محمّد ، وعليّ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، فتوسّل آدم إلى ربّه بهم في قبول توبته ورفع منزلته» . وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام : «هي قوله : اللّهمّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك ، ربِّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين ، اللّهمَّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك ، ربِّ إنّي ظلمت نفسي فارحمني إنّك خير الراحمين ، اللّهمَّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمت نفسي فتُب عليَّ إنّك أنت التوّاب الرحيم» . وقيل : هي ما حكاه عنهما سبحانه بقوله : «قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ» (4) . وقيل : هي سبحانك اللّهمَّ وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدّك ، لا إله إلّا أنت

.


1- .صاحب الطرائف هو السيّد رضى الدين أبوالقاسم عليّ بن موسي بن طاووس الحلّي المتوفي سنة 664 من أعاظم علمائنا، و هو أعرف من أن يحتاج إلى التعريف، له من التصانيف: إقبال الأعمال، الأمان من أخطار الأسفار، التحصين، الدروع الواقية، الطرائف، المجتنى، الملاحم و الفتن ، اليقين، جمال الاُسبوع، سعد السعود، فتح الأبواب، فرج المهموم، كشف المهجّة، غياث سلطان الورى. اُنظر عنه: الكنى و الألقاب للقمّي، ج 1، ص 338 339.
2- .ابن المغازلي هو أبوالحسن علي بن محمّد الجلّابي الواسطي، و الصحيح في مذهبه على ما كتبه محقّق كتابه في مقدّمته المالكي: ترجم له ابن النجّار في تذييله على تاريخ بغداد، ج 19، ص 49 برقم 855 ، و عدّ من تصنيفاته الذيل الذي ذيّله على تاريخ واسط لبحشل و كتاب مشيخته، و أيضا ذكر ترجمته السمعاني في عنوان الجلّابي من كتابه الأنساب و قال: غرق ببغداد في دجلة في صفر سنة ثلاث و ثمانين و أربعمئة و حمل ميّتا إلى واسط فدفن بها.
3- .مناقب أهل البيت، ص 126، ح 92.
4- .الأعراف (7) : 23 .

ص: 396

باب علّة الحرم وكيف صار هذا المقدار الحرم

باب ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة

ظلمتُ نفسي فاغفر لي ، إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت . والجمع واضح . قوله : (ثمّ أمره أن ينبطح في بطحاء) .[ح 2 / 6719] جمع يقال : أبطحة ، أي ألقاه على وجهه فانبطح ، والأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، والجمع : الأباطح والبِطاح أيضاً على غير قياس، والبطحاء : مؤنّث الأبطح ، ويقال للمزدلفة : جمع ؛ لاجتماع الناس فيها .

باب علّة الحرم وكيف صار هذا المقدار الحرمما دارت عليه الأميال المعروفة ، وسمّي بالحرم لاحترامه وإنّما حدّ بتلك الأميال لأنّها منتهى ضوء الياقوتة الحمراء التي اُنزلت من الجنّة في مكان البيت على ما دلّ عليه حسنة أحمد بن محمّد بن أبي نصر . (1) قوله في خبر محمّد بن إسحاق : (وكانت أوتادها من عقيان الجنّة وأطنابها من ضفائر الأرجوان) .[ح 2 / 6725] في النهاية : العقيان: هو الذهب الخالص. وقيل : هو ما ينبت منه نباتا. والألف والنون زائدتان. (2) والضَّفْر : النسج ، وأصل الضفاير : الذوائب المضفورة ، (3) والمراد بها : الأطناب من باب الاستعارة . والاُرجوان: صبغ أحمر شديد الحمرة ، وهو معرّب ارغوان . (4)

باب ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبةسمّي البيت الحرام كعبة لتربيعه . قال الجوهري : الكعبة البيت الحرام، والغرفة،

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 221 222، ح 17601.
2- .النهاية، ج 3، ص 283 (عقا).
3- .النهاية، ج 3، ص 92 (ضفر).
4- .النهاية، ج 2، ص 206 (رجن)؛ صحاح اللغة، ج 6، ص 2353.

ص: 397

وكلّ بيت مربّع ، (1) والمراد باختبارهم بها اختبارهم بالطواف بها ورعاية حقوقها . قوله في خبر عيسى بن يونس : (استوخم الحقّ) .[ح 1 / 6726] في نهاية ابن الأثير : يُقال : وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرأ ، فهو وخيم ، ويُقال : هذا الأمر وخيم الآخرة ، أي ثقيل رديء . (2) وقوله (فأحقّ) خبر لقوله : (اللّه منشئ الأرواح) .[ح 1 / 6726] قوله فيما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (وعزّة لا تضام) الخ .[ح 2 / 6727] لا تضام : أي لا تُذلّ ، وهو من الضيم الظلم . (3) ويُقال : جبل وعرٌ ، أي غليظ حزن يصعب الصعود عليه . (4) ودمث المكان دمثاً ، إذا لانَ وسهل ، وهو دَمثٌ ودَمِثٌ . (5) وفي النهاية : النتق : الرفع ، ومنه حديث عليّ عليه السلام : «البيت المعمور نِتاقَ الكعبة من فوقها»، أي هو مُطلّ عليها في السماء ، ومنه حديثه الآخر : «والكعبة أقلّ نتائق الدنيا مَدَرا» ، النتائق : جمع نتيقة فعيلة بمعنى مفعولة من النتق ، وهو أن تقلع الشيء وترفعه من مكانه لترمي به ، هذا هو الأصل ، وأراد بها هاهنا البلاد ؛ لرفع بنائها وشهرتها في موضعها . (6) والوَشَل بالتحريك : الماء القليل . (7) وواتر أي منقطع منفرد . والدُّثور : الدروس، والداثر : الهالك . (8) والمثابة : الموضع الذي يُثاب إليه ، أي يرجع إليه مرّة بعد اُخرى . (9) والمنتجع : المنزل في طلب الكلاء . (10) والفجاج : جمع الفَجّ ، وهو الطريق الواسع بين

.


1- .صحاح اللغة، ج 1، ص 213 (كعب)، ولم يذكر فيه غَير المعنى الأوّل، و المذكورهنا بتمامه من القاموس المحيط، ج 1، ص 124.
2- .النهاية، ج 5، ص 164 (وخم).
3- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1973 (ضيم).
4- .النهاية، ج 5، ص 206 (وعر).
5- .النهاية، ج 2، ص 132 (دمث).
6- .النهاية، ج 5، ص 13 (نتق).
7- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1842 (وشل).
8- .صحاح اللغة، ج 2، ص 655 (دثر)؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 27.
9- .صحاح اللغة، ج 1، ص 95 (ثوب).
10- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1288، (نجع).

ص: 398

باب حجّ إبراهيم وإسماعيل وبناؤهما البيت ومن ولّي البيت بعدهما

الجبلين . (1) وهززت الشيء فاهتزّ ، أي حرّكته فتحرّك . (2) ورَمَل : أسرع في المشي . (3) والتمحيص : الابتلاء والاختبار . (4) والرّيف : أرض فيها زرع وخصب ، وجمعه الأرياف . (5) والعراص جمع العرصة . (6) والغدق محرّكة : الماء الكثير . (7) والمتعلج : من اعتلجت الأمواج إذا التطمت ، أو من اعتلجت الأرض إذا طال نباتها . (8)

باب حجّ إبراهيم وإسماعيل وبناؤهما البيت ومن ولّي البيت بعدهما عليهماالسلامقد مرّ بعض ما يتعلّق بهذا الباب . قوله : (عن أبي العبّاس) إلخ .[ح 1 / 6728] الظاهر أنّه الفضل بن عبد الملك الثقة ، (9) فإنّه الذي يروي عنه أبان بن عثمان كما يظهر من باب ميراث الأبوين مع الاُخوة من هذا الكتاب ، (10) فالخبر موثّق بأبان بن عثمان ، بل عدّ كالصحيح بناءً على أنّ أبان ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه . (11) والسّلم: شجر من العضاة. (12) والسمر بضمّ الميم: من شجر الطّلح، والجمع سُمُر بالضمّ. (13)

.


1- .صحاح اللغة، ج 1، ص 333 (فحج).
2- .صحاح اللغة، ج 3، ص 901 (هزز).
3- .صحاح اللغة، ج 2، ص 265 (رمل).
4- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1056 (محص).
5- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1367 (ريف).
6- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1045. و قال: «العرصة: كلّ بقعه بين الدور واسعة ليس فيها بناء».
7- .القاموس المحيط، ج 3، ص 271 (غدق).
8- .النهاية، ج 3، ص 286 (علج).
9- .رجال النجاشي، ص 308، الرقم 843 .
10- .صرّح في الحديث 3 من ذلك الباب برواية أبان بن عثمان عن فضل أبي العبّاس البغباق.
11- .اُنظر: اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 673، الرقم 705.
12- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1950 (سلم).
13- .صحاح اللغة، ج 2، ص 689 (سمر).

ص: 399

والعماليق والعمالقة من ولد عمليق بن ولاد (1) بن ارم بن سام بن نوح ، وهم اُمم تفرّقوا في البلاد . (2) وساخ بالخاء المعجمة ، أي غار (3) ، وبالمهملة ، أي جرى على وجه الأرض . (4) قوله في موثّق ابن فضّال : (أيّ شيء السكينة عندكم؟) [ح 6 / 6733] قال طاب ثراه : قال بعضهم : هي الرحمة ، وقال بعضهم: هي الطمأنينة ، وقال بعضهم : هي الوقار ، وقال بعضهم: هي ريح لها وجه كوجه الإنسان ، وقال بعضهم : لها رأسان ، وقال بعضهم : هي حيوان كالهرّ له جناحان ، وقال بعضهم : هي سكّة من ذهب الجنّة . وقيل : هي ما يعرفونه من الآيات ويسكنون إليه ، وقيل : هي روح من اللّه تنكل وتبين إذا اختلف في الشيء ، وقيل : هي الملائكة . (5) قوله في موثّق ابن فضّال عن عبداللّه بن سنان : (ثمّ نادى هلّم الحجّ ، هلمّ الحجّ فلو نادى هلمّوا إلى الحجّ لم يحجّ إلّا من كان يومئذٍ إنسيّاً مخلوقاً ولكنّه نادى هلمّ الحجّ فلبّى الناس في أصلاب الرجال) .[ح 7 / 6734] وفي الفقيه : ولكنّه نادى هلمّ إلى الحجّ فلبّى الناس في أصلاب الرجال وأرحام النساء . (6) قال الجوهري : هَلُمَّ يارجل بفتح الميم بمعنى تعال . قال الخليل : أصل هلُمّ لُمّ من قوله : لمَّ اللّه شعثه ، أي جمعه ، كأنّه أراد لُمّ نفسك إلينا ، أي اجمع بنفسك إلينا واقرب ، وها للتنبيه وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعلا اسماً واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة

.


1- .كذا بالأصل، و في المصادر: «لاوذ» بدل «ولاد».
2- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1533. وانظر: مجمع البيان، ج 4، ص 288، في تفسير الآية 65 من سورة الأعراف.
3- .بحارالأنوار، ج 21، ص 151.
4- .صحاح اللغة، ج 1، ص 377 (سيح).
5- .اُنظر: جامع البيان للطبرى، ج 2، ص 827 829 ، ح 4420 4430؛ المحرّر الوجيز لابن عطيّة، ج 1، ص 333.
6- .الفقيه، ج 2، ص 199، ح 2133.

ص: 400

أهل الحجاز ، قال اللّه تعالى : «وَالْقَائِلِينَ لِاءِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا» (1) ، وأهل نجد يصرفونها ويقولون للإثنين: هلمّا، وللجماعة هلمّوا ، وللمرأة هلمّي ، وللنساء هَلْمُمْنَ ، والأوّل أفصح . (2) هذا ، وقد استشكل أمر الفرق بين الصيغتين ، وأظنّ أنّه من متشابهات الأخبار لا يعلم تأويلها إلّا اللّه والراسخون في العلم ، وقد ذكر فيه وجوه من التأويل من باب الاحتمال . قال طاب ثراه : «كأنّ في استتار ضمير المخاطب إشارة إلى أنّ الخطاب للمستترين في الأصلاب والأرحام ». وقال جدّي قدس سرهفي شرح الفقيه : الظاهر أنّ الفرق باعتبار أنّ المعروف من الخطاب العام الشامل للقليل والكثير والموجود والمعدوم إتيانه بلفظ المفرد ، فكأنّه يطلب من كان له أهليّة الطلب . وأمّا الإتيان بلفظ الجمع فالظاهر منه انصرافه إلى الموجودين إلّا ما أخرجه الدليل ، مثل تكاليفنا بالآيات والأخبار ، فإنّا داخلون بالضرورة من الدين . أو يقال : الظاهر من عبارة الخبر كما في الكافي والعلل (3) تكليف الحجّ بدون إلى وكانت الزيادة من النسّاخ ، والحجّ شامل للمعدومين شموله للموجودين ، بخلاف هلمّوا إلى الحجّ ، فإنّ الظاهر منه تكليف المكلّفين إليه ، والظاهر اختصاصه بالموجودين . وقيل : لأنّ استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع ، وفيه تأمّل . (4) قوله في خبر أبي بصير : (قال جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام : تروَّه من الماء) إلخ . [ح 9 / 6737] الهاء في تروّه للسكت ، وقوله : «فسمّيت التروية» لذلك يدلّ على أنّ قول جبرئيل عليه السلام ذلك علّة لتلك التسمية ، وعلل الشرائع لمّا كانت معرّفات لا ينافي ذلك ما رواه الصدوق رضى الله عنه في كتاب علل الشرائع في الحسن عن عب[ي]داللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته لِمَ سمّي يوم التروية؟ قال : «لأنّه لم يكن بعرفات ماء وكانوا

.


1- .الأحزاب (33) : 18 .
2- .صحاح اللغة، ج 5، ص 206 (هلم).
3- .علل الشرائع، ص 419، الباب 158، ح 1.
4- .روضة المتّقين، ج 3، ص 111.

ص: 401

يستقون من مكّة الماء ريّهم ، وكان يقول بعضهم لبعض : ترويّتم ترويّتم ، فسمّي يوم التروية لذلك» . (1) والقرطان بالضمّ : البرذعة ، وهي على ما قال الخليل : الحِلس الذي تحت الرَّحل . (2) والمُدية : سكين عظيم . (3) وقال الجوهري : «نحوت بصري إليه ، أي صرفت وأنحيت عنه بصري : عدلت ، وانتحيت لفلان ، أي أعرضت له» . (4) وقال ابن الأثير في حديث حرام بن ملحان : فانتحى له عامر بن الطفيل فقتله ، أي عرض له وقصده ، يقال : نحى وأنحى وانتحى . (5) والفَرَق بالتحريك : الخوف . (6) وكابرا عن كابر: يعني عقباً بعد عقب . قال ابن الأثير : «وفي حديث الأقرع والأبرص : «ورثته عن آبائي وأجدادي كابرا عن كابر، أي كبيرا عن كبير في العزّ والشرف» . (7) وقال أيضاً : «وفيه : أنّ بعض الخلفاء دفن بعرين مكّة ، أي بفنائها ، وكان دفن عند بئر ميمون» . (8) هذا ، وقد دلَّ الخبر على أنّ الذبيح هو إسحاق عليه السلام وقد رواه في مجمع البيان عن عليّ عليه السلام وعن ابن مسعود وقتادة وسعيد بن جبير ومسروق وعكرمة وعطاء والزهري والسدي والجبائي ، (9) وهو المشهور بين العامّة ، وإليه ذهبت اليهود، والمذهب

.


1- .علل الشرائع، ص 435، الباب 171، ح 1.
2- .ترتيب كتاب العين، ج 1، ص 150 (برذع).
3- .النهاية، ج 3، ص 472 (فلل)؛ و ج 4، ص 310 (مدا)، و ليس فيه ولا في غيره من كتب اللغة تقييده بالعظيم.
4- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2503 2504 (نحا).
5- .النهاية، ج 5، ص 30 (نحا). و حرام بن ملحان من بني النجّار خال أنس بن مالك، شهد بدرا و اُحدا و قتل يوم بئرمعونة. اُنظر: اُسد الغابة، ج 1، ص 395.
6- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1541 (فرق).
7- .النهاية، ج 4، ص 142 (كبر).
8- .النهاية، ج 3، ص 223 (عرن).
9- .مجمع البيان، ج 8 ، ص 322، في تفسير سورة الصافّات.

ص: 402

المنصور أنّه إنّما هو إسماعيل ، وهو المشهور بين العلماء الأخيار، (1) والظاهر من أخبار الأئمّة الأطهار ، وقد ثبت من الطريقين قوله صلى الله عليه و آله : «أنا ابن الذبيحين» . (2) وربّما استدلّ له بقوله سبحانه : «فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ» (3) ، حيث إنّه تعالى بشّر بتولّد إسحاق عليه السلام وبأنّه سيولد له يعقوب ، فكيف تصحّ البشارة بذرّيّة إسحاق ثمّ الأمر بذبحه قبل الحُلُم ؟ وتحقّق البداء فيه خلاف الظاهر ، ولم ينقل عن أحد . على أنّ العامّة غير قائلين به ، وبقوله سبحانه : «فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْاخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنْ الصَّالِحِينَ» (4) ، فإنّه سبحانه بشّر بولادة إسحاق بعد بشارته بالغلام الحليم وحكاية ذبحه . وهذا الاستدلال مأخوذ من قول أبي عبداللّه عليه السلام ، فقد قال الصدوق رضى الله عنه : وسئل الصادق عليه السلام عن الذبيح مَن كان؟ فقال : «إسماعيل ؛ لأنّ إسحاق اللّه عزوجل ذكر قصّة في كتابه ، ثمّ قال : «وَ بَشَّرْنَ_هُ بِإِسْحَ_قَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّ__لِحِينَ» » . (5) والحمل على بشارته بنبوّة إسحاق يأباه ظاهر المقام . والعامّة احتجّوا على ما زعموا بإجماع اليهود ، واليهود بالتوراة وتواتره ، وأنت

.


1- .اُنظر: ترتيب الأمالي، ج 1، ص 46 48، ح 11؛ التبيان، ج 8 ، ص 518، الأمالى للطوسي، المجلس 16، ح 6؛ الخصال، ص 58، باب الاثنين، ذيل الحديث 78.
2- .الخصال، ص 55، باب الاثنين، ح77 و 78، و ص58؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1، ص 189، الباب 18، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 368، ضمن ح 5762؛ الأمالي للطوسي، المجلس 16، ح 26؛ المستدرك للحاكم، ج 2، ص 559.
3- .هود (11) : 71 .
4- .الصافّات (37) : 101 112 .
5- .الفقيه، ج 2، ص 230، ح 2278.

ص: 403

تعلم انقطاع تواترهم في عهد بخت نصر ، ووجود تحريف كثير في توراتهم، والشجرة تُنبئ عن الثمرة . وأمّا هذا الخبر ونحوه فكأنّه ورد للتقيّة ، وقد ذهب إلى ما ذهبنا إليه جماعة من العامّة أيضاً ، منهم ابن عبّاس وابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن ومجاهد والشعبي والربيع بن أنس والكلبي ومحمّد بن كعب القرظي على ما حكى عنهم الشيخ أبو عليّ الطبرسي قدس سره . (1) وروى عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن كعب أنّه قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فسألني عن الذبيح ، فقلت : إسماعيل ، واستدللت بقوله تعالى : «وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنْ الصَّالِحِينَ» ، فأرسل إلى رجل بالشام كان يهوديّاً وأسلم وحسن إسلامه ، وكان يرى أنّه من علماء اليهود ، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك وأنا عنده ، فقال : إسماعيل ، ثمّ قال : واللّه يا أمير المؤمنين ، إنّ اليهود لتعلم ذلك ولكن يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أبوكم الذي كان من أمر اللّه فيه ما كان، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنّه إسحاق ؛ لأنّ إسحاق أبوهم . (2) وعن الأصمعي أنّه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح ، هو إسحاق أم إسماعيل؟ فقال : يا أصمعي ، أين ذهب عقلك؟ ومتى كان إسحاق بمكّة؟ وإنّما كان بمكّة إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه ، والمنحر بمكّة لاشكّ فيه . (3) قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (فقال : أملح) إلخ .[ح 11 / 6738] الأملح : الذي بياضه أكثر من سواده ، وقيل : هو النقيّ البياض . (4) وقد مرّ معنى

.


1- .مجمع البيان، ج8 ، ص 322، في تفسير سورة الصافّات.
2- .مجمع البيان، ص 8 ، ص 323. و رواه الثعلبي في تفسيره، ج 8 ، ص 153؛ و البغوي في تفسيره، ج 4، ص 32؛ و الطبري في جامع البيان، ج 23، ص 101، ح 22646.
3- .مجمع البيان، ج 8 ، ص 323. و ورد الحديث في الكشّاف، ج 3، ص 350؛ تفسير الثعلبي، ج 8 ، ص 153؛ تفسير البغوي، ج 4، ص 33؛ تفسير القرطبي، ج 15، ص 100؛ البحر المحيط، ج 7، ص 356.
4- .النهاية، ج 4، ص 354 (ملح).

ص: 404

الظرف في قوله «في سواد» في المواضع الثلاثة في كتاب الزكاة . قوله في خبر أبي بصير : (وفي أيديهم أشياء كثيرة من الحنيفيّة) إلخ .[ح 18 / 6745] المراد بالحنيفيّة سنّة إبراهيم عليه السلام ، وجُرهُم كقنفذ : حيّ من اليمن، تزوّج فيهم إسماعيل عليه السلام . (1) ويُقال : بكَّ عنقه ، أي دقّه . (2) وبسَسْت المال في البلاد فانبسّ، إذا أرسلته فتفرّق فيها . (3) والزعاف بالزاي والغين المهملة : القتل السريع ، يُقال : زَعَفه زَعفاً ، أي قتله قتلاً سريعاً ، (4) والنّمل كالنُّملَة : قروح في الجنب وبُثرٌ يخرج في الجسد بالتهابٍ واحتراق ويَرِم مكانها يسيرا أو يدبّ إلى موضع آخر كالنملة وسببها صفراء حادّ يخرج من أفواه العروق الدّقاق ، ولا يحتبس فيما هو داخل من ظاهر الجلد للطافتها وحدّتها . (5) قال الجوهري : ويسمّيها الأطبّاء الذباب . (6) قوله في خبر أبي سعيد الأعرج : (وكانوا لا يملى لهم إذا انتهكوا المحارم) إلخ .[ح 20 / 6747] يُقال : أملى اللّه له ، أي أمهله . (7) وقال طاب ثراه : كان أمير أهل الشام القادمين بمكّة الحجّاج بن يوسف الثقفي من قبل عبد الملك بن مروان ، وأمير أهل مكّة عبداللّه بن الزبير . توضيح ذلك على سبيل الإجمال أنّ أهل مكّة بعد موت معاوية بايعوا ابن الزبير ، واجتمع على طاعته أهل الحجاز والعراق وخراسان ، ووقع بينه وبين يزيد ومروان بن

.


1- .اُنظر: صحاح اللغة، ج 5، ص 1886، ترتيب كتاب العين، ج 1، ص 285 (جرهم).
2- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1576 (بكك).
3- .صحاح اللغة، ج 3، ص 909 (بسس).
4- .مجمع البحرين، ج 2، ص 277 (ز ع ف).
5- .القاموس المحيط، ج 4، ص 61 (نمل).
6- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1836 (نمل).
7- .مجمع البحرين، ج 4، ص 233 (م ل و).

ص: 405

الحكم محاربات حتّى مات مروان وولي ابنه عبد الملك ، واستعلى أمره بطاعة أهل الشام ومصر والمغرب وغيرها من البلاد ، فوجّه الحجّاج في جيشٍ عظيم، فحصر ابن الزبير بمكّة خمسة أشهر وسبعة عشر يوماً ، فحاصر أهل مكّة، وهم التجوا بالكعبة ، وازدحموا في المسجد ، فاستقرّ رأي الحجّاج وأصحابه برمي المنجنيق ، ولطّخوا الأحجار بدم الخنازير ، إلى أن خرّب الكعبة ، وغلب على ابن الزبير وقتله وهو ابن اثنين وسبعين سنة ، و قد كان بويع له وهو ابن خمس وستّين سنة ، ثمّ صلبه بعدما قتله في عقبة المدنييّن ، وبقي مصلوباً إلى أن دخل عروة بن الزبير إلى عبد الملك وسأله أن ينزله من خشبته فأسعفه . (1) انتهى . وأقول : قد اشتهر في الألسن أنّ الحجّاج خرّب الكعبة على ابن الزبير ؛ لتحصّنه بها ، وأنّه لطّخ حصى المنجنيق بدم الخنازير لما أنّ الملائكة كانوا يردّونها ولم ارَ خبرا بذلك يعتدّ به ، بل قد حكى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : أنّه لمّا قدم الحجّاج مكّة شاور ابن الزبير حليلته الجليلة بنت الحسين عليه السلام واُمّه في بيعة عبد الملك والمصالحة مع الحجّاج ، فنهتاه عن ذلك وأمرتاه بمحاربته ، وألبسته اُمّه أسلحة الحرب بيدها وأخرجته من بيته ، فخرج في جماعة من أصحابه وقاتل حتّى قُتل في بعض الأزقّة . (2) وأنّى له الخنازير بمكّة؟ وكيف تيسّر له ذلك؟ وقد ثبت أنّه ما أراد أحد هتك حرمتها إلّا أهلكه اللّه تعالى . يدلّ عليه أخبار منها هذا الخبر ، ومنها ما رواه حسّان بن مهران قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «مكّة حرم اللّه والمدينة حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله

.


1- .اُنظر: تاريخ الطبري، ج 5، حوادث سنة 72؛ الاستيعاب، ج 3، ص 907 910، ترجمة عبداللّه بن الزبير؛ شرح نهج البلاعة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 103 106، شرح الخطبة 461.
2- .اُنظر: شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 103 104، شرح الكلام 461. و ما ذكره هنا من مشورة ابن الزبير مع حليلته بنت الحسين عليه السلام لم يذكر فيه، و لم تكن بنت الامام الحسين عليه السلام حليلة لعبد اللّه بن الزبير، بل كانت سكينة بنت الحسين عليه السلام زوجا لمصعب بن الزبير. اُنظر: ترجمة سكينة بنت الحسين في الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 8 ، ص 475؛ و في تاريخ مدينة دمشق، ج 69، ص 205. و راجع: تاريخ الطبري، ج 5، ص 30 31، حوادث سنة ثلاث وسبعين.

ص: 406

والكوفة حرمي ، لا يريدها جبّار بحادثة إلّا قصمه اللّه » (1) ، ولو رامَ ذلك لرُمي بحجارةٍ من سجّيل ، «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَ_بِ الْفِيلِ» . وأظنّ أنّه إنّما هدم الكعبة لإخراج ما كان قد أدخله ابن الزبير فيها من الحجر ظلماً ، وإنّما أدخله فيها لزعمه أنّ نحوا من ستّة أذرع من الحجر كان من البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام ، واُخرج عنه في الجاهليّة ؛ لما روته عائشة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ فقد روى البخاري عن جرير بن حازم ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لها : «يا عائشة لولا أنّ قومك حديثوا عهدٍ بالجاهليّة لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما اُخرج منه وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين باباً شرقيّاً وباباً غربيّاً، فبلغت به أساس إبراهيم عليه السلام »، فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه . قال يزيد : وشهدت ابن الزبير حين هدمه بناه ، وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل . قال جرير : فقلت له : أين موضعه؟ قال : اُريكه الآن ، فدخلت معه الحجر ، فأشار إلى مكان ، قال : هاهنا . قال جرير : فحرزت من الحجر ستّة أذرع ونحوها . (2) وحكى طاب ثراه : أنّ ابن الزبير قال : سمعت عائشة تقول : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لولا أنّ الناس حديثوا عهد بالكفر لجعلت لها باباً يدخل الناس منه ، وباباً يخرج الناس منه ، ورددتها إلى بناء إبراهيم عليه السلام ، وليس عندي من النفقة ما يقوّيني على بنائه على ما كان عليه بناء إبراهيم عليه السلام » . فقالت عائشة : أنا أجد ما أنفق ولست أخاف الناس ، فهدمها وبنى بناءً له بابان كما كان في الأوّل ، ثمّ هدّمها الحجّاج وبنى بناءً على نحو بناء قريش . (3)

.


1- .الكافي، باب تحريم المدينة من أبواب الزيارات، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 360، ح 19386.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 157.
3- .اُنظر: صحيح مسلم، ج 4، ص 99.

ص: 407

باب حجّ الأنبياء

وفي العزيز : لبيت اللّه أربعة أركان : ركنان يمانيان وركنان شاميّان ، وكان لاصقاً بالأرض وله بابان شرقيّ وغربيّ ، فذكر أنّ السيل هدمه قبل مبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هي عليها اليوم ، ولم يجدوا من النذور والهدايا والأموال الطيّبة ما يفي بالنفقة ، وتركوا من جانب الحجر بعض البيت ، وخلفوا الركنين الشاميّين عند قوائم إبراهيم عليه السلام ، وضيّقوا عرض الجدر من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكّان مرتفعاً ، وهو الذي يسمّى الشاذروان . وقد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعائشة : «لولا حدثان قومك بالشرك لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم عليه السلام فألصقته بالأرض ، وجعلت له بابين شرقيّاً وغربيّاً» . ثمّ إنّ ابن الزبير هدمه أيّام ولايته وبناه على قواعد إبراهيم عليه السلام كما تمنّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ لمّا استولى عليه الحجّاج هدمه وأعاده على الصورة التي عليه اليوم وبنى بناء قريش . (1) وفي ذلك أخبار اُخرى تجيء مع تمام تحقيق القول فيه في باب من احتصر في الطواف.

باب حجّ الأنبياء عليهم السلامقد سبق بعض الأخبار في ذلك في بعض الأبواب السابقة . قوله في [خبر الحسن بن صالح] : (ثمّ استوت على الجودي) إلخ .[ح 2 / 6749] قال الجوهري : الجودي جبل بأرض الجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام ، وقرأ الأعمش : واستوت على الجودي بإرسال الياء ، وذلك جائز للتخفيف . (2) وفي مجمع البيان : قال الزجّاج : هو بناحية آمد ، وقال غيره بقرب جزيرة الموصل . وقال أبو مسلم : الجودي اسم لكلّ جبل وأرض صلبة . وفي كتاب النبوّة مسندا إلى أبي بصير، عن أبي الحسن عليّ بن موسى بن جعفر عليهم السلام

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 290 291.
2- .صحاح اللغة ، ج 2، ص 462 (جود).

ص: 408

قال : «كان نوح لبث في السفينة ما شاء اللّه ، وكانت مأمورة فخلّى سبيلها، فأوحى اللّه إلى الجبال: أنّي واضع سفينة نوح على جبل منكم ، فتطاولت الجبال وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل بالموصل فضرب جؤجؤ السفينة الجبل، فقال نوح عليه السلام عند ذلك : ياماريا اتقن ، وهو بالعربية : (1) ياربّ أصلح». وقيل : أرست السفينة على الجودي شهرا . (2) والظاهر من خبر المفضّل بن عمر الذي نرويه عن قريب من أنّه الغري ، وهو الأظهر والأشهر بين الأصحاب . [قوله في خبر أبي بصير: (مرّ موسى بن عمران في سبعين نبيّا على فجاح الروحاء) ] . (3) [ح 3 / 6749] والفجّ : الطريق الواسع بين الجبلين . (4) والروحاء : موضع قرب المدينة بين الحرمين . (5) والمراد بالعباءة الجنس ، وإلّا فكان عليه عباءتان كما يظهر من حسنة هشام بن الحكم (6) وخبر جابر (7) ومرسلة زيد الشحّام . (8) وفي نهاية ابن الأثير : وفيه كأنّي أنظر إلى موسى بن عمران في هذا الوادي محرماً بين قطوانيتين ، القطوانية : عباءة بيضاء قصيرة الخَمَل، والنون زائدة، كذا ذكره الجوهري في المعتل وقال: كساء قطواني . (9)

.


1- .المثبت من المصدر، و فى الأصل: «يا ماديا أتقن، و بالعربيّة».
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 282.
3- .أضفناه من المصدر لتقويم العبارة في الشرح.
4- .صحاح اللغة، ج 1، ص 333 (فجج).
5- .القاموس المحيط، ج 1، ص 225؛ شرح اُصول الكافي للمولى صالح المازندارني، ج 6، ص 415؛ بحارالأنوار، ج 13، ص 10.
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
7- .هو الحديث الخامس من هذاالباب، و كان في الأصل: «خبر حمّاد» فصوّبناه حسب المصدر.
8- .هو الحديث الثامن من هذاالباب.
9- .النهاية، ج 4، ص 85 (قطا). و كلام الجوهري في صحاح اللغة، ج 6، ص 2465 (قطا). و الحديث في مسند أبي يعلى، ج 9، ص 27، ح 5093؛ و المعجم الأوسط للطبراني، ج 6، ص 307 308.

ص: 409

قوله في خبر هشام بن الحكم : (بصفاح الرّوحاء) .[ح 4 / 6750] صفح الشيء : ناحيته ، وصفح الإنسان [جنبه] ، وصفح الجبل : مضجعه ، (1) والجمع صفاح . (2) ويظهر من قوله عليه السلام : «وأنّ آدم لفي حرم اللّه » ، كونه عليه السلام مدفوناً في الحرم وكأنّه للتقيّة ، وإلّا فمذهب الأصحاب والظاهر من بعض أخبار زيارة أمير المؤمنين عليه السلام أنّه في الغريّ . (3) والحمل على كونه عليه السلام في الحرم في حياته ، أو إرادة الغري من الحرم بعيد في هذا المقام . ومنشأ كونه عليه السلام بالغري ما رواه جدّي قدس سره في شرح الفقيه عن المفضّل بن عمر الجعفي ، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقلت له : إنّي أشتاق إلى الغريّ . قال : «فما شوقك إليه؟» فقلت له : إنّي اُحبّ أن أزور أمير المؤمنين عليه السلام . فقال : «هل تعرف فضل زيارته؟» فقلت : لا ياابن رسول اللّه إلّا أن تعرّفني ذلك . فقال : «إذا زرت أمير المؤمنين عليه السلام فاعلم أنّك زائر عظام آدم وبدن نوح عليهماالسلاموجسم عليّ بن أبي طالب عليه السلام » . فقلت : إنّ آدم هبط بسرنديب في مطلع الشمس ، وزعموا أنّ عظامه في بيت اللّه الحرام ، فكيف صارت عظامه بالكوفة؟ فقال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلى نوح عليه السلام وهو في السفينة أن يطوف بالبيت اُسبوعاً ، فطاف بالبيت كما اُوحي إليه ، ثمّ نزل في الماء إلى ركبتيه ، فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم عليه السلام ، فحمل في جوف السفينة حتّى طاف ما شاء اللّه أن يطوف ، ثمّ ورد إلى باب

.


1- ..صحاح اللغة، ج 1، ص 382 (صفح). و فيه و في سائر المصادر: «مضطجعه» بدل «مضجعه».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 234 (صفح).
3- .اُنظر: المزار لابن المشهدي، ص 192، الباب 12، و ص 255، الباب 13؛ إقبال الأعمال، ج 3، ص 135، الفصل 12.

ص: 410

باب ورود تبّع البيت وأصحاب الفيل و

الكوفة في وسط مسجدها ، ففيها قال اللّه تعالى للأرض : «ابْلَعِى مَآءَكِ» (1) ، فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه ، وتفرّق الجمع الذي كان مع نوح في السفينة ، فأخذ نوح عليه السلام التابوت فدفنه في الغريّ ، وهو قطعة من الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسى تكليماً ، وقدّس عليه عيسى تقديساً ، واتّخذ عليه إبراهيم خليلاً، واتّخذ محمّدا صلى الله عليه و آله حبيباً، وجعله للنبيّين مسكناً ، فواللّه ما سكن فيه بعد أبويه الطيّبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين ، فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم عليّ بن أبي طالب ، فإنّك زائر الآباء الأوّلين ومحمّد خاتم النبيّين وعليّ سيّد الوصيّين ، وأنّ زائره يفتح اللّه له أبواب السماء عند دعوته ، فلا تكن عن الخير نوّاماً» . (2)

باب ورود تبّع البيت وأصحاب الفيل وحفر عبد المطّلب زمزم وهدم قريش الكعبة وبنائهم إيّاها وهدم الحجّاج لها وبنائه إيّاهاقال طاب ثراه : زمزم : بئر معروفة بالمسجد الحرام على نحو من ثمانية وأربعين ذراعاً من البيت، وإنّما سمّيت زمزم لكثرة ماءها ، يُقال : ماء زمزم وزمزوم وزمزام ، إذا كان كثيرا ، وقيل : لزمّ هاجر أو جبرئيل عليه السلام إيّاها حين انفجر . (3) ثمّ قال : وهدم البيت وقع ثلاث مرّات : هدم قريش لها في الجاهليّة ، (4) وهدم الحجّاج لها في

.


1- .هود (11): 44.
2- .روضة المتّقين، ج 5، ص 366 367. و الحديث في كامل الزيارات، ص 89 91؛ و تهذيب الأحكام ، ج 6، ص 22 23، ح 51؛ ووسائل الشيعة ، ج 14، ص 385384، ح 19435.
3- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 267؛ و شرح صحيح مسلم له أيضا، ج 8 ، ص 194، و فيهما: «زمازم» بدل «زمزام»، و فيهما أيضا: «بينها و بين الكعبة ثمان و ثلاثون ذراعا».
4- .اُنظر: تاريخ الطبري، ج 2، ص 37، ذكر باقي الأخبار عن الكائن من اُمور رسول اللّه ...؛ الكامل في التاريخ ، ج 2، ص 42؛ تاريخ الإسلام، ج 1، ص 66.

ص: 411

حرب ابن الزبير ، (1) وهدم السيل في عصرنا هذا . ونقلت العامّة هدماً آخر بعد هدم قريش وقبل هدم الحجّاج ، نسبوه إلى ابن الزبير. (2) قوله في حديث إسماعيل بن جابر (3) : (حتّى لقى الفيل على طرف الحرم) . [ح2/6760] قال طاب ثراه : هو فيل الأثرم الحبشي ، وقد أشار إلى هذه القصّة أبو عبداللّه الآبي أيضاً ، قال : فلمّا استقبل الفيل مكّة وقف وثبت ، فاحتالوا عليه بكلّ حيلة ، فلم يقدروا عليه، فلم يزالوا كذلك حتّى أتاهم اللّه بالطير . (4) قوله في خبر عليّ بن إبراهيم : (وقال بعضهم : كساء طاروني) إلخ .[ح 4 / 6762] الطُّرن بالضم : الخزّ ، والطاروني : ضربٌ منه . (5) والسقف : عماد البيت ، والجمع سقوف. (6) والشريعة : مشرعة الماء ، وهو مورد الشاربة . (7) وبطحه على وجهه : ألقاه فانبطح . (8) والوَصَد محرّكة : النسج ، والوصّاد : النسّاج . (9) قوله في مرفوعة عليّ بن إبراهيم : (كان في الكعبة غزالان) .[ح 6 / 6764] قال طاب ثراه : قيل : أهدى ساسان أو سابور من ملوك الفرس غزالين من ذهب وخمسة أسياف إلى الكعبة ، وكانت فيها في زمن تولية جُرهم الحرم بعد إسماعيل عليه السلام ، فلمّا أحدثوا فيه

.


1- .اُنظر: الكافي، ح 8 من هذا الباب؛ تاريخ خليفة بن خيّاط، ص 208، حوادث سنة خمس و سبعين؛ تاريخ اليعقوبى، ج 2، ص 272؛ تاريخ الطبري، ج 5، ص 35، حوادث سنة أربع و سبعين؛ الروض الأنف، ج 1، ص 221.
2- .اُنظر: تفسير السمعاني، ج 1، ص 139؛ فتح الباري، ج 8 ، ص 14؛ عمدة القاري، ج 9، ص 221؛ البداية و النهاية، ج 8 ، ص 275 276، حوادث سنة 64.
3- .كذا، وفي الكافي : «هشام بن سالم» بدل «إسماعيل بن جابر».
4- .اُنظر: التبيان، ج 10، ص 410.
5- .القاموس المحيط، ج4، ص 244.
6- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1375 (سقف)؛ ترتيب كتاب العين، ج 2، ص 834 .
7- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1236 (شرع).
8- .صحاح اللغة، ج 1، ص 356 (بطح).
9- .القاموس المحيط، ج 1، ص 345 (وصد).

ص: 412

الحوادث وأراد اللّه سبحانه إخراجهم سلّط عليهم خزاعة ، فعمد الحارث بن مضاض الأصغر آخر ملوك جرهم حين علم أنّه يخرج من مكّة إلى مال الكعبة ، فدفنه ليلاً بزمزم ، وعفا أثره بالأحجار والتراب ، فلم يزل كذلك دارسة الأثر إلى أن غلب قصيّ خزاعة ، ولم يعرفوا موضع زمزم ، فلمّا أراد اللّه سبحانه إظهارها أرى عبد المطّلب الرؤيا التي أمر فيها بحفرها ، ودلّ على موضعها بالأمارات المذكورة . (1) وقوله : (ولا تدم) [ح 6 / 6764] من دام الشيء إذا سكن . وقوله : (لسقي الحجيج) [ح 6 / 6764] متعلّق بالحفر . (2) وكذا قوله: (عند الغراب الأعصم) ، وفي القاموس : الأعصم من الظباء والوعول: ما في ذراعيه أو أحدهما بياض وسائرها أسودا أو أحمر ، وهي عصماء . (3) وقال الجوهري : الغراب الأعصم : الذي في جناحه ريشة بيضاء ؛ لأنّ جناح الطائر بمنزلة اليد له . (4) وقوله : (وبلغ الطّوى) أي بلغ حدّ السقاء ، ففي القاموس: الطوى كعليّ : السقاء . (5) قوله في خبر الحسن بن راشد : (فأبى أن ينثني) الخ [ح 7 / 6765]، أي ينصرف من الحفر ويخرج من البئر. من الانثناء: الانصراف . وفي النهاية : الباع والبوع سواء ، وهو قدر مدّ اليدين وما بينهما من الصدر (6) . (7) فكان طول الباع كناية عن طول الجثّة وعظمها ، وشيبة الحمد كنية لعبد المطّلب . قال طاب ثراه في معارج النبوّة : (8)

.


1- .اُنظر: بحار الأنوار، ج 15، ص 173؛ البداية والنهاية، ج 2، ص 234.
2- .في «ه» : - «ودلّ على موضعها ... متعلّق بالحفر» .
3- .القاموس المحيط، ج 4، ص 151 (عصم).
4- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1986 (عصم).
5- .القاموس المحيط، ج 4، ص 358 (طوي).
6- .كذا، والموجود في المصدر : «البدن» .
7- .النهاية: ج 1، ص 162 (بوع).
8- .معارج النبوّة في مدارج الفتوّه لمعين الدين محمّد مسكين الفراهي المتوفّى سنه 907 أو 909 ه ق، فارسي في مقدّمة و أربعة أركان و خاتمة، ألّفه فى 891 ه ق. اُنظر: الذريعة، ج 21، ص 184، الرقم 4522.

ص: 413

باب في قوله عزّ وجلّ : فيه آيات بينات

سمّي بشيبة لأنّ شعر رأسه كان عند ولادته أبيض ، وقيل : كانت في رأسه شعرة واحدة بيضاء لكثرة الأفعال الحميدة فيه سمّي بشيبة الحمد ، وسمّي بعبد المطّلب لأنّ أباه مات وهو ابن سبع سنين ، وكان في يثرب لأنّ أباه هاشم تزوّج في يثرب سلمى بنت عمرو بن لبيد بن عامر بن النجّار الأنصاري ، فلمّا مات أبوه ذهب عمّه المطّلب إلى يثرب وسرقه من الاُمّ وأقربائها ، وكلّ من رآه في الطريق وسأل عنه وقال مَن هذا الصبيّ؟ قال : هو عبدٌ لي حتّى جاء مكّة. (1) ولسان الأرض ، أي رئيس أهل الأرض ، والمتكفّل لانتظام اُمورهم . و«تزوّج في مخزوم تقوّى ، واضرب بعد في بطون العرب» على صيغة الأمر في الموضعين ، يعني لابدّ لك أن تتزوّج في بني مخزوم، ثمّ أنت بالخيار في سائر بطون العرب إن شئت فتزوّج فيهم أيضاً ، فإن لم يكن معك مال يرغب فيه بنو مخزوم وسائر البطون فلكَ حسب شريف أو نسبٌ منيف يرغب فيهما بطون العرب ، وادفع السيوف كلّها إلى أولادك من المخزوميّة . وقال طاب ثراه : وكان له عشرة بنين : حارث وأبو لهب وحجل ومقوّم وضرار وزبير وأبو طالب وعبداللّه وحمزة وعبّاس وستّ بنات: صفيّة وعاتكة وبيضاء وبرّة واُميّة وأروى ، وكان زبير وأبو طالب وعبداللّه والبنات غير صفية من اُمّ واحدة ، هي فاطمة بنت عمرو بن عائد المخزومي ، وعبداللّه أصغرهم ، وكان حمزة ومقوم وحجل وصفيّة من اُمّ ، هي هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، وكان عبّاس وضرار من اُمّ اُخرى ، هي نثيلة بنت خبّاب بن كلب ، وكانت اُمّ أبي لهب لبى بنت هاجر ، واُمّ حارث صفيّة بنت جندب . (2)

باب في قوله عزّ وجلّ : «فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ» قال اللّه سبحانه : «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» (3) .

.


1- .معارج النبوّة، ط پاكستان، ج 2، ص 167.
2- .اُنظر: السيرة النبويّة لابن هشام، ج 1، ص 71 72، أولاد عبدالمطلّب.
3- .آل عمران (3) : 96 97 .

ص: 414

أي أوّل بيت وضع لعبادة الناس . ففي كنز العرفان: سُئل النبيّ صلى الله عليه و آله عن أوّل مسجد وضع ، فقال : المسجد الحرام ، ثمّ بيت المقدس . (1) وسُئل عليّ عليه السلام : أهوَ أوّل بيت؟ قال : «كان قبله بيوت ، لكنّه أوّل بيت وضع للناس ، وأوّل من بناه إبراهيم عليه السلام ، ثمّ بناه قوم من العرب من جرهم ، ثمّ هُدِم فبنته العمالقة ، ثمّ هدم فبناه قريش» . (2) وعن ابن عبّاس : هو أوّل بيت حُجَّ بعد الطوفان . (3) وقيل : أوّل بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، خلقه اللّه قبل أن خلق الأرض بألفي عام ، وكان زبدة بيضاء على وجه الماء ، ثمّ دُحيت الأرض من تحته (4) ، وهذا القول محمول على مكان البيت لا البيت نفسه . وقيل : أوّل بيت بناه آدم عليه السلام . (5) وقيل : لمّا هبط آدم قال له الملائكة : طف هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام، وكان في موضعه قبل آدم بيت يقال له : الضُرّاح ، فرفع في الطوفان إلى السماء الرابعة يطوف به الملائكة . (6) وقيل : إنّه أوّل بيت بالشرف لا بالزمان . (7) وعن أبي خديجة عن الصادق عليه السلام : «إنّ اللّه تعالى أنزله من الجنّة ، وكان درّة بيضاء، فرفعه

.


1- .مسند أحمد، ج 5، ص 157 و 166؛ صحيح البخاري، ج 4، ص 136؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 63؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 248، ح 753؛ سنن النسائي، ج 2، ص 32؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 255 256، ح 769، و ج 6، ص 376 377، ح 11281؛ صحيح ابن حبّان؛ ج 4، ص 475؛ الكشّاف، ج 1، ص 446.
2- .تفسير الرازي، ج 8 ، ص 154؛ البحر المحيط، ج 3، ص 6؛ الكشّاف، ج 1، ص 446.
3- .الكشّاف، ج 1، ص 446.
4- .تفسير ابن العربي، ج 1، ص 137؛ الكشّاف، ج 1، ص 446؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 328؛ تفسير الرازي، ج 8 ، ص 153.
5- .الكشّاف، ج 1، ص 446؛ تفسير الثعلبي، ج 3، ص 115؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 328؛ تفسير النسفي، ج 1، ص 167.
6- .الكشّاف، ج 1، ص 446؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 83 ، ح 225؛ البحر المحيط، ج 3، ص 6.
7- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 67؛ تفسير أبي السعود، ج 2، ص 60.

ص: 415

اللّه إلى السماء وبقي اُسّه ، وبُني بحيال هذا البيت ، يدخل كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا ، وأمر اللّه إبراهيم وإسماعيل ببناء البيت على القواعد» (1) . (2) وقد اختلف المفسّرون في تفسير الآيات البيّنات ، فقيل : مقام إبراهيم بيان لها باعتبار اشتماله على آيات كأثر رجليه عليه السلام فيه ، وغوصهما إلى الكعبين (3) ، والآية بعض الصخرة دون بعض ، وحفظه في مدّة مديدة مع أعداء غير عديدة . أو باعبتار طيّ الآيات الباقية ، فكأنّه قيل : مقام إبراهيم والحجر الأسود وأنّ مَن دخله إلى غير ذلك كقول جرير : كانت حنيفة أثلاثاً فثلثهممن العبيد وثلثٌ من مواليها (4) بتقدير وثلث من الأوساط ليسوا بالعبيد ولا الموالي . وبهذا يشعر خبر ابن سنان (5) حيث فسّر الآيات فيه بمقام إبراهيم، والحجر الأسود ، ومنزل إسماعيل والأخيران مطويّان ، وأيّده البيضاوي بقراءة «آية بيّنة» . (6) وقيل : مقام إبراهيم عطف بيان لخبر «إنّ» ، وهو «لَلَّذِي بِبَكَّةَ» ، فإنّ الحرم كلّه مقام إبراهيم . وأيّد ذلك بأنّ الآية نزلت ردّا على اليهود حيث فضّلوا بيت المقدس على المسجد الحرام ، وعلى هذا تكون الآيات كلّها مطويّة بناء على ظهورها ، كإهلاك أصحاب الفيل وغيرهم ممّن هتك حرمة الحرم ، واجتماع الظباء مع الكلاب فيه ، وأنّ الطير لا تعلو البيت وغير ذلك . وجوّز البيضاوي كون مقام مبتدأً محذوفاً خبره ، أي منها مقام إبراهيم أو بدلاً من

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 242، ح 2302؛ علل الشرائع، ص 398 399، الباب 140، ح 1؛ و هو الحديث الثاني من باب إنّ أوّل ما خلق اللّه الأرضين موضع البيت من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 208 209، ح 17580.
2- .كنز العرفان، ج 1، ص 259 260.
3- .جوامع الجامع، ج 1، ص 311؛ تفسير النسفي، ج 1، ص 167؛ الكشّاف، ج 1، ص 447.
4- .جوامع الجامع، ج 1، ص 311؛ الكشّاف، ج 1، ص 447.
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 68.

ص: 416

باب نادر

آيات بدل البعض . (1) قوله في موثّق ابن بكير : (أخذت مقداره بنسع) [ح 2 / 6768] النسع بالكسر : سير ينسج عريضاً على هيئة أعنّة النعال تُشدّ به الرِّحال ، والقطعة منه نِسعَة (2) ، وروى الصدوق في كتاب العلل مثل هذا الخبر موثّقاً عن سليمان بن خالد ، قال : لمّا أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى إبراهيم عليه السلام أن أذِّن في الناس بالحجّ أخذ الحجر الذي فيه أثر قدميه ، ثمّ قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره اللّه عزّ وجلّ به ، فلمّا تكلّم بالكلام لم يحتمله الحجر، فغرقت رجلاه فيه فقلع إبراهيم رجليه من الحجر قلعاً ، فلمّا كثر الناس وصاروا إلى الشرّ والبلاء ازدحموا عليه ، فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه ؛ ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت ، فلمّا بعث اللّه عزّ وجلّ محمّدا صلى الله عليه و آله ردّه إلى الموضع الذى¨ وضعه إبراهيم عليه السلام فما زال فيه حتّى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي زمن أبي بكر وأوّل ولاية عمر . ثمّ قال عمر : قد ازدحم الناس على هذا المقام ، فأيّكم يعرف موضعه في الجاهليّة؟ قال رجل : أنا أخذت قدره بقدّة (3) ، قال : والقدّة عندك؟ قال : نعم ، قال : فأت به ، فجاء به ، فأمر بالمقام فحمل وردَّ إلى الموضع الذي هو فيه الساعة . (4)

باب نادرالندرة هنا يحتمل المعنيين اللذين ذكرناهما قوله في خبر بكير بن أعين : (إنّ المزدلفة أكثر بلاءً وأبعد هواماً) .[ح 2 / 6770] الهامّة : كلّ ذات سمّ يقتل كالحيّة والأفعى ، فأمّا ما يسمّ ولا يقتل كالعقرب والزنبور فهو السامّة ، وقد يُطلق الهوام على الحشرات وإن لم يكن لها سمّ . (5)

.


1- .نفس المصدر.
2- .القاموس المحيط، ج 3، ص 88 (نسع).
3- .كذا بالأصل، و في المصدر: «بقدر» و كذا التالي، و القدّ: سير يقدّ من جلد غير مدبوغ، والقدة أخصّ منه. صحاح اللغة، ج 2، ص 522 (قدد).
4- .علل الشرائع، ص 423، الباب 161، ح 1.
5- .شرح اصول الكافي للمولى صالح المازندراني، ج 10، ص 426؛ عمدة القاري، ج 21، ص 287.

ص: 417

باب أنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات والأرض

باب أنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات والأرضقال طاب ثراه : «أي جعلها ذا حرمة أو حرّم دخولها بغير إحرام على حذف مضاف ، كقوله تعالى : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ» » (1) . ثمّ الظاهر أنّ التحريم وقع في ذلك اليوم إلّا أنّه كان خفيّاً وظهر في عهد إبراهيم عليه السلام ، ويحتمل أنّه تعالى كتب في اللوح أنّه سيحرّمها . وقال الآبي : «والأظهر أنّ تحريمها في ذلك اليوم كناية عن قدم التحريم ، وأنّه شريعة سابقة ليس ممّا اُحدث» . قوله في موثّق زرارة : (أن يختلا خلاه) إلخ .[ح 2 / 6772] الخلا مقصورة : الرطب من النبات ، واختلاه : جزّه أو نزعه . (2) ويقال : عَضِدت الشجر بكسر العين ، أي قطعته بالمعضَد ، وهو سيف يمتهن في قطع الشجر . (3) والإذخر بكسر الهمزة والخاء المعجمة : نبت طيّب الرائحة معروف . (4) قوله في حسنة حريز : (ثمّ أخذت بعضادتي الباب) إلخ .[ح 3 / 6773] عضادتا الباب : خشبتاه من جانبيه (5) ، ويعني صلى الله عليه و آله بالعبد نفسه ، وهزم الأحزاب وحده ، أي لا على أيدي البشر ، قال تعالى : «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحا» (6) ، الآية ، وفيها إشارة إلى وفاء اللّه تعالى بما وعد المؤمنين من غلبتهم في غزاة الخندق . وقيل : يحتمل إرادة أحزاب الكفر مطلقاً .

.


1- .النساء (4) : 23 .
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 326 (خلا).
3- .صحاح اللغة، ج 2، ص 509 (عضد).
4- .المجموع للنووي، ج 7، ص 42.
5- .صحاح اللغة، ج 2، ص 509 (عضد).
6- .الأحزاب (33) : 9 .

ص: 418

باب في قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا)

وقيل : إنّ قوله : «صدق وعده» إلى آخره خبر في معنى الأمر ، كقوله : سمع اللّه لمن حمده . والتثريب : غاية التعيير والاستقصاء في اللوم . (1) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (إلّا ساعة من نهار) .[ح 4 / 6774] روى مثل هذا الخبر البخاري باسناده عن ابن عبّاس . (2) والمراد بالساعة : ساعة الفتح اُبيح له صلى الله عليه و آله فيها إراقة دماء الكفرة من قريش في الحرم من لم يلق منهم سلاحه ولا التجأ بدار أبي سفيان . (3)

باب في قوله تعالى : «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» (4)يعني في الدنيا والآخرة ، أمّا في الآخرة فعلى الشرط المعتبر للنجاة فيها ، وهو الإيمان ، وأمّا في الدنيا فمطلقاً عند الأصحاب وأكثر العامّة منهم أبو حنيفة ، حيث ذهبوا إلى أنّ الجاني في الحلّ الملتجئ إلى الحرم لا يحلّ تعذيبه ، وإن وجب تضييق المطعم والمشرب عليه حتّى يلتجأ إلى الخروج . (5) وخالف في ذلك الشافعي فزعم جواز قصاصه في الحرم (6) ، ولذا خصّ البيضاوي الأمن هنا بالأمن من العذاب يوم القيامة . (7) ويروي المصنّف قدس سره في باب النوادر عن عبد الخالق الصيقل ، قال : سألت أبا

.


1- .المجموع للنووي، ج 20، ص 37.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 214، باب لايحلّ القتال بمكّة.
3- .صحيح مسلم، ج 5، ص 171 172؛ مسند أحمد، ج 2، ص 292؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 39، ح 3024، و ص 38 39، ح 3022.
4- .آل عمران (3): 97.
5- .المجموع للنووي، ج 18، ص 472؛ المبسوط للسرخسي، ج 10، ص 94 95؛ بدائع الصنائع، ج 7، ص 114؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 27؛ تفسير البيضاوي، ج 2، ص 69.
6- .المجموع للنووي، ج 18، ص 472؛ روضة الطالبين، ج 7، ص 92؛ بدائع الصنائع، ج 7، ص 114؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 28.
7- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 69.

ص: 419

باب الإلحاد بمكّة والجنايات

باب لبس ثياب الكعبة

باب كراهية أن يؤخذ من تراب البيت وحصاه

عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» ، فقال : «لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني أحد إلّا مَن شاء اللّه » ، ثمّ قال : «من أمَّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمره اللّه عزّ وجلّ به وعرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا كان آمناً في الدنيا والآخرة» . (1) ويظهر منه اشتراط الأمن في الدنيا أيضاً بالإيمان ، فتأمّل .

باب الإلحاد بمكّة والجناياتقد اتّفق أهل العلم على أنّ مَن جنى في الحرم أو ألحدَ فيه يقاصّ فيه ويُقتل على الشرائط المعتبرة فيهما في غيره ، وأنّه ليس هو في حكم الملتجئ إليه . (2)

باب لبس ثياب الكعبةلا خلاف في جواز بيع ثياب الكعبة وشرائها ، وأنّه ليس لها حكم سائر الموقوفات ، والسرّ فيه أنّها إنّما وقفت عليها للبسها سنة ، ثمّ قسمتها على الخدمة على ما هو المعروف قديماً وحديثاً ، وإنّما لم يجوز لبسها للرجال في رواية عبد الملك بن عتبة (3) ؛ لكونها حريرا .

باب كراهية أن يؤخذ من تراب البيت وحصاهأراد بالكراهية الحرمة . نعم ، يجوز أخذ قمامته .

.


1- .هو الحديث 25 من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 98، ح 14337.
2- .اُنظر: المقنعة، ص 744؛ المهذّب لابن البرّاج، ج 1، ص 273؛ المختصر النافع، ص 293؛ شرائع الإسلام، ج 4، ص 1018؛ الجامع للشرائع، ص 574؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 233؛ تبصرة المتعلّمين، ص 263؛ تحرير الأحكام، ج 5، ص 562؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 628؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 472، الدرس 118؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 67؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 333.
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. و رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 252 253، ح 2333؛ و الشيخ الطوسي فى تهذيب الأحكام، ج 5، ص 449، ح 1567؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 257، ح 17686.

ص: 420

باب كراهية المقام بمكّة

قوله في خبر معاوية بن عمّار : (أخذت سكّاً من سكّ المقام) ،[ح 2 / 6786]. والسُكّ بالضمّ: ضرب من الطيب . (1) قوله في خبر حذيفة بن منصور : (فقال ردّه إليها) [ح 3 / 6787] ظاهره وجوب ردّ القمامة ، ولم ينقل عن أحد ، فكان المراد من ترابها غير القمامة ، فتأمّل .

باب كراهية المقام بمكّةأراد بالكراهة المعنى المصطلح . ويدلّ عليها زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة» ، قلت : فكيف يصنع؟ قال : «يتحوّل عنها» . (2) والعلّة فيها ما رواه الصدوق في العلل عن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» (3) ، فقال : «كلّ ظلم يظلم الرجل نفسه بمكّة من سرقة أو ظلم أحد أو شيء من الظلم ، فإنّي أراه إلحادا». ولذلك كان يُنهى أن يُسكن الحرم» . (4) وعن جماعة من أصحابنا مرفوعاً إلى أبي عبداللّه عليه السلام أنّه كره المقام بمكّة ، وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُخرج عنها ، والمقيم بها يقسو قلبه حتّى يأتي فيها ما يأتي في غيرها . (5) وعن محمّد بن جمهور مرفوعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا قضى أحدكم نسكه

.


1- .لسان العرب، ج 6، ص 311 (سكك).
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 448، ح 1563، و ص 463، ح 1616؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 233، ح 17626.
3- .الحجّ (22) : 25 .
4- .علل الشرائع، ص 445، الباب 196، ح 1. و رواه أيضا في الفقيه، ج 2، ص 252، ح 2330. و هو الحديث الثالث من باب الإلحاد بمكّة من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 232، ح 17624.
5- .علل الشرائع، ج 2، ص 446، الباب 196، ح 2؛ و رواه في الفقيه، ج 2، ص 195، ح 2121؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 234، ح 17629.

ص: 421

باب شجر الحرم

فليركب راحلته وليلحق بأهله، فأنّ المقام بمكّة يُقسي القلب» . (1)

باب شجر الحرملقد أجمع أهل العلم على حرمة قطع شجر الحرم وحشيشه ، إلّا ما استثني؛ للأخبار التي سبقت في باب أنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات والأرض ، في الموثق عن زرارة (2) ، وفي الحسن عن حريز (3) ، وما يرويه في باب المحرم يذبح ويحتش لدابّته عن عبداللّه بن سنان ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : «المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته» ، قال : «نعم» ، قلت : ويحتشّ لدابّته وبعيره؟ قال : «نعم، ويقطع ما شاء من الشجر حتّى يدخل الحرم ، فاذا دخل الحرم فلا» . (4) وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ، إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته» . (5) وفي الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «رآني عليّ بن الحسين عليهماالسلاموأنا أقلع الحشيش من فوق الفساطيط بمنى ، فقال : يا بنيّ ، إنّ هذا لا يقلع» . (6) وعن هارون بن يزيد بن إسحاق، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلامكان يتّقي الطاقة من العشب أن ينتفها من الحرم» . قال : «ورأيته وقد نُتف طاقة ، وهو يطلب أن يعيدها إلى مكانها» . (7)

.


1- .علل الشرائع، ج 2، ص 446، الباب 196، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 235، ح 17630.
2- .هو الحديث الثاني من ذلك الباب.
3- .هو الحديث الثالث من ذلك الباب. هذا، و كان في عبارة الأصل تكرار و تشويق حيث ورد فيه: «للأخبار الّتى سبقت في باب أنّ اللّه عزّوجلّ حرّم مكّه، و لحسنتي حريز و معاوية بن عمّار، و ما يرويه المصنّف قبل ذلك فى باب أن اللّه عزوجلّ حرّم مكّه حين خلق السماوات و الأرض في الموثق عن زرارة و في الحسن عن حريز». فأصلحت العبارة بحذف المكرّرات.
4- .هذا هو الحديث الثاني من ذلك الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 552، ح 17061.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 380، ح 1325؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17066.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 379، ح 1322؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17064.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 379، ح 1323؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17065.

ص: 422

وعن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «حرّم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه ويعضد شجره إلّا الاذخر ، أو يصاد طيره ، وحرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلي خلاه أو يعضد شجرها إلّا عودي الناضح» . (1) وروى الصدوق رضى الله عنه عن كليب الأسدي، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله استأذن اللّه عزّ وجلّ في مكّة ثلاث مرّات من الدهر ، فأذِن له فيها ساعة من نهار ، ثمّ جعلها حراماً ما دامت السماوات والأرض . (2) وقال عليه السلام : إنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض ، فلا يختلي خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفّر صيدها، ولا يلتقط لقطتها إلّا لمنشد . فقام إليه العبّاس بن عبد المطّلب فقال : يارسول اللّه ، إلّا الإذخر (3) فإنّه للقبر ولسقوف بيوتنا ، فسكت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة وندم العبّاس على ما قال ، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إلّا الإذخر» . (4) وروى الجمهور عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة : «إنّ هذا البلد حرّمه اللّه تعالى يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرّمة اللّه إلى يوم القيامة ، وأنّه لا يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهو حرام يحرّمه اللّه إلى يوم القيامة ، لا يختلي خلاها ، ولا يُعضد شوكها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يلتقط لقطتها إلّا من عرفها» . فقال العبّاس : يارسول اللّه ، إلّا الإذخر فانّه لقينهم وبيوتهم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إلّا الإذخر» . (5) وروى البخاري عن أبي شريح أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة قال : «إنّ مكّة

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 381 382، ح 1332؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 555، ح 17070.
2- .الفقيه، ج 2، ص 246، ح 2315؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 405، ح 16630.
3- .الإذخر بكسر الهمزة و الخاء : نبات معروف عريض الأوراق طيّب الرائحة يسقف به البيوت يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم. الواحدة: إذخرة، و الهمزة زائدة. مجمع البحرين، ج 2، ص 86 (ذخر).
4- .الفقيه، ج 2، ص 246، ح 2316؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 558، ح 17079.
5- .السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 195؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 214؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 109؛ المصنّف لابن أبى شيبة، ج 8 ، ص 538، باب حديث فتح مكّة (34) من كتاب المغازي، ح 26.

ص: 423

حرّمها اللّه تعالى ولم يحرّمها الناس ، فلا يحلّ لأحدٍ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ويعضد بها شجرة» . (1) وقال: وفي حديث أبي هريرة : لا يعضد شجرها ، ولا يحشّ (2) حشيشها ، ولا يصاد صيدها . (3) وعن ابن عبّاس عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا يعضد شوكه». (4) وقد استثني منها أشياء: منها الإذخر ، وهو مجمعٌ عليه بين أهل العلم ، لا خلاف فيه لأحد (5) ، ويدلّ عليه أكثر ما ذكر من الأخبار . ومنها : عود المحالة (6) ، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضاً (7) ، والعلّة في استثنائهما الحاجة . ويدلّ عليه أيضاً خبر زرارة. (8) المتقدّم ، وما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قطع عودي المحالة ، وهي البكرة التي يستقى بها من شجر الحرم ، والإذخر» . (9)

.


1- .صحيح البخاري، ج 1، ص 34 35، و ج 2، ص 213. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 109 110، و الترمذي في سننه، ج 2، ص 152، ح 806 ؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 384، ح 3859؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 7، ص 60.
2- .كذا بالأصل، و في المصادر: «ولا يحتش».
3- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 364؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 364؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 797.
4- .مسند أحمد، ج 1، ص 259؛ صحيح البخارى، ج 2، ص 157 و 213 و 214، و ج 4، ص 72؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 109؛ سنن النسائي، ج 5، ص 203؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 384، ح 3857؛ صحيح ابن حبّان، ج 9، ص 36؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 6، ص 199.
5- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 364، المسألة 285؛ مُنتهى المطلب، ج 2، ص 797.
6- .المحالة: البكرة العظيمة الّتي يستقي عليها، و كثيرا يستعمل السفارة هذين العودين على البئار العظيمة. اُنظر: النهاية، ج 4، ص 304 (محل).
7- .اُنظر: شرائع الإسلام، ج 1، ص 186؛ الجامع للشرائع، ص 185؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 35؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 371؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 423؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 798؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 389، الدرس 102؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 59؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 245؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 267.
8- .وسائل الشيعة، ج 12، ص 555، ح 17070، حيث استثني فيها: «عود الناضح».
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 381، ح 1330؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 555، ح 17071.

ص: 424

ومنها: شجر النخل والفواكه ، سواء أنبتها اللّه أم الآدميّون ؛ لمرسلة عبد الكريم (1) ، ولما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل قلع من الأراك الذي بمكّة ، قال : «عليه ثمنه» ، وقال : «لا ينزع من شجر مكّة شيء إلّا النخل وشجر الفاكهة» . (2) وهو مذهب الأصحاب أجمع (3) ، وبه قال أكثر العامّة منهم أبو حنيفة (4) ، وحرّم قطعهما الشافعي وإن أنبتهما الآدميّون (5) محتجّاً بالعمومات . ومنها: ما أنبته الآدمي؛ لخبر حمّاد بن عثمان (6) وصحيح حريز (7) الذي ذكرناه . وإطلاق الخبرين كأكثر الفتاوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون النبات من جنس ما ينبته الآدميون غالباً كشجر الفواكه والرطبة ونظائرهما أو لا كالسلم وأمثاله ، وبالتعميم صرّح العلّامة في المنتهى . (8) ومنها: ما أنبته اللّه في ملك الإنسان . قال الشيخ في المبسوط : «وما أنبته اللّه إذا نبت في ملك الإنسان جاز قلعه ، وإنّما لا يجوز قلع ما نبت في المباح» . (9)

.


1- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 379 380، ح 1324؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 554، ح 17067؛ و ج 13، ص 174، ح 17518.
3- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 369، المسألة 290؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 186؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 369.
4- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 365؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 210 211؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 103؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 369، المسألة 290؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 797.
5- .المجموع للنووي، ج 7، ص 447؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 797.
6- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
7- .وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17066.
8- .منتهى المطلب، ج 2، ص 797 798.
9- .المبسوط، ج 1، ص 354. ثم إنّ الشارح كتب في الهامش عبارات اُخرى لقوله: «و إطلاق الخبرين...» إلى هنا، و هذا نصّه: «و إطلاق الأخبار و أكثر الفتاوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يكون المنبت من جنس ما أنبته الآدميّون غالبا كأشجار الفواكه و نحوها، أو لاكالسلم و نظائره، و بهذا التعميم صرّح العلّامة في المنتهى، و منها ما أبنته اللّه تعالى في ملكه، و به صرّح الشيخ في المبسوط».

ص: 425

ومنها: (1) ما نبت في الدار بعد بنائها في الأراضي المباحة من الحرم ، فقد قال العلّامة في المنتهى : (2) «لا بأس أن يقلع الإنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه له لم يجز له قلعها» . (3) ويدلّ عليه خبر حمّاد بن عثمان (4) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم ، فقال : «إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن تُبنى الدار أو يُتّخذ المضرب فليس له أن يقلعها، وإن كانت طريّة عليها فله قلعها». (5) ويؤيّدهما خبر إسحاق بن يزيد . (6) ويظهر من نهاية الشيخ اشتراط كون بناء الدار في ملكه حيث قال : «ولا بأس أن يقلع ما ينبت في دار الإنسان بعد بنائه لها إذا كانت ملكه ، فإن كان نابتاً قبل بنائه لها لم يجز له قلعه» (7) . وأظهر من ذلك عبارة ابن إدريس، فقد قال في السرائر : «ولا بأس أن يقلع ما ينبت في دار الإنسان بعد بنائه لها إذا كانت في ملكه ، فإن كان نابتاً قبل بنائه لها لم يجز له قلعها» (8) . ولعلّهما اشترطا ذلك لإخراج الدار التي تتّخذ مسجدا ونحوه بحيث تخرج عن ملكه ، بعد البناء وقبل النبات ، فتأمّل . ويستفاد من خبر إسحاق 9 جواز قطع أغصان الشجرة النابتة في غير الملك إذا كانت داخلة على منزله ، ولم أرَ تصريحاً به من الأصحاب ، فتدبّر .

.


1- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
2- .هذا هو الظاهر، و في الأصل: «و منه».
3- .كذا بالأصل، و العبارة المذكورة عنه لم أجده فيه، بل موجود في تذكرة الفقهاء.
4- .تذكره الفقهاء، ج 7، ص 371.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 380، ح 1326؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 554، ح 17068.
6- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
7- .النهاية، ص 234.
8- .السرائر، ج 1، ص 554 555.

ص: 426

ومنها : ما ترعاه الإبل والدوابّ ، ذهب إليه علماؤنا (1) ؛ لصحيحة حريز بن عبداللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يُخلّى البعير في الحرم يأكل ما شاء» . (2) ويؤيّده ما رواه أبو هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إلّا علف الدوابّ» (3) ، وبه قال الشافعي ، ونفاه أبو حنيفة محتجّاً بأنّ ما حرّم إتلافه لم يجز أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد (4) . وهو كما ترى . وقد ورد في بعض أخبارنا جواز قلعه ؛ للإعلاف أيضاً ، رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن درّاج وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمّد بن حمران ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن النبت الذي في أرض الحرم ، أينزع؟ فقال : «أمّا شيء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه» . وقال الشيخ : قوله عليه السلام : «لا بأس به أن تنزعه» يعني الإبل ؛ لأنّ الإبل تُخلّى عنها ترعى كيف شاءت (5) . وتبعه الأصحاب في ذلك . ومنها : اليابس من الشجر والحشيش استثناه العلّامة رحمه الله في المنتهى محتجّاً بأنّه ميّت . (6) ومنها : ما انكسر ولم يَبن فقد استثناه أيضاً في المنتهى معلّلاً بأنّه بمنزلة الظفر المنكسر ، وقال : لو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها ، فإن كان ذلك بغير فعل الآدمي جاز الانتفاع به إجماعاً ، وإن كان بفعل الآدمي فالأقرب جوازه أيضاً ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس وتحريم الفعل لا ينافي ذلك . وقال بعض الجمهور : ليس له ذلك ؛ لأنّه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم ، فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لا ينتفع به كالصيد يذبحه المحرم . (7)

.


1- .اُنظر: تذكره الفقهاء، ج 7، ص 368، المسألة 289.
2- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
3- .الخلاف، ج 2، ص 409، المسألة 282؛ تذكره الفقهاء، ج 7، ص 368؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 798.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 512؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 452 453؛ روضة الطالبين، ج 2، ص 439.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 380 381، ح 1328؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 559، ح 17081.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 798 . و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 371.
7- .المجموع للنووي، ج 3، ص 365 366؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 366 367.

ص: 427

وقال آخرون : يباح لغير القاطع ؛ لأنّه انقطع بغير فعله ، فاُبيح له الانتفاع به . (1) واستثنى الشافعي الشوك أيضاً محتجّاً بأنّه مؤذ ، فأشبه السباع من الحيوان . (2) وهو قياس بحت . فأمّا الثمار ومنها الكمأة فلا نزاع في جواز نزعها ؛ لأصالة الجواز وعدم دخولها تحت النهي ؛ لأنّها ليست بشجرة ولا نبات . على أنّه يجوز قطع شجرها ، فهي أولى بالجواز . ثمّ المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في أكثر كتبه (3) وجوب الفدية بقرة للشجرة الكبيرة وشاة للصغيرة . واحتجّ عليه في الخلاف بالإجماع ، وطريقة الاحتياط . وحكاه عن الشافعي (4) ، وعن أبي حنيفة وجوب القيمة . (5) والأصل يقتضي عدمه ، وإليه مالَ ابن إدريس حيث قال : وفي الشجرة الكبيرة دم بقرة ، وفي الصغيرة دم شاة على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (6) ، والأخبار عن الأئمّة الأطهار واردة بالمنع من قلع شجر الحرم وقطعه ، ولم يتعرّض فيها للكفّارة ، لا في الشجرة الكبيرة ولا في الصغيرة . (7) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (شجرة أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم) إلخ .[ح 4 / 6795]

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 798؛ و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 371 372.
2- .فتح العزيز، ج 7، ص 511؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 448؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 126؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 365؛ الشرح الكبير لعبدالرحمن بن قدامة، ج 3، ص 365.
3- .منها: الخلاف، ج 2، ص 408، المسألة 281؛ و المبسوط، ج 1، ص 354.
4- .كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 229؛ مختصر المزني، ص 71؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 496؛ المغني، ج 3، ص 367 368؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 368367؛ فتح البارى، ج 4، ص 38؛ عمدة القاري، ج 10، ص 189.
5- .فتح الباري، ج 4، ص 38؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 368؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 104؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 210.
6- .الخلاف، ج 2، ص 408، المسألة 281.
7- .السرائر، ج 1، ص 554.

ص: 428

باب ما يذبح في الحرم وما يخرج منه

قد أجمع الأصحاب وغيرهم على أنّ الشجرة التي أصلها في الحرم أغصانها تابعة له ، فيحرم قطعها واصطياد الصيد الواقع عليها ولو كانت في الحل . ويدلّ عليه هذه الحسنة ، وما يرويه المصنّف قدس سره في باب صيد الحرم عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام : «أنّه سُئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحلّ ، على غصن منها طير رماه رجل فصرعه ، قال : عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم» . (1) وأمّا إذا كان أصلها في الحلّ ففرعها أصيل في الحكم، فما كان منه في الحرم فهو في حكم شجر الحرم ، وما كان منه في الحل فهو في حكم شجره، وهو ظاهر . وأمّا أصلها فظاهر هذه الحسنة حرمته مطلقاً ، وهي ظاهرة بالنسبة إلى القطع إذا كان فرعها في الحرم ؛ لاستلزام قطعه انقطاع ذلك الفرع . ويشكل بالنظر إلى الصيد الواقع عليه ، فظاهر من جوّز صيد البريد من الأصحاب إباحته ، بل صرّح بذلك بعضهم . (2)

باب ما يذبح في الحرم وما يخرج منهيريد قدس سره بيان جواز ذبح الأهليّة من الحيوانات والطيور في الحرم ، وقد أجمع عليه أهل العلم . ويدلّ عليه أخبار الباب ، وما يرويه المصنّف في باب المحرم يذبح ويحتشّ لدابّته في الحسن عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم يذبح البقر والإبل والغنم وكلّ ما لم يصفّ من الطير ، وما أحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم وهو محرم في الحل والحرم» . (3)

.


1- .هذا هو الحديث 29 من ذلك الباب. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 386، ح 1347؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 560، ح 17083.
2- .اُنظر: قواعد الأحكام، ج 1، ص 466؛ جامع المقاصد، ج 3، ص 337، قال المحقّق الكركي: «اعلم أنّ للحرم حرما خارجه، و هو بريد من كلّ جانب و هو وراء الحرم، فالحرم بريد في بريد في وسطه، و حرم الحرم بريد من كلّ جانب حوله، و المعنى: يكره صيد البريد الّذي هو خارج الحرم من نهاية البريد إلى حدّ الحرم».
3- .هذا هو الحديث الأوّّ من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 549، ح 17050.

ص: 429

باب صيد الحرم وما تجب فيه الكفّارة

باب صيد الحرم وما تجب فيه الكفّارةوضع المصنّف قدس سره هذا الباب للصيد الحرمي بعدما وضع باباً لما يجوز قتله في الحرم وما لا يجوز ، ويضع فيما بعد باباً للنهي عن الصيد الإحرامي ، وباباً آخر للنهي عن الصيد مطلقاً الحرمي والإحرامي جميعاً ، وفرّق أخبار الصيد في هذه الأبواب، ولو جمعها كلّها في باب واحد لكان أصوب . والمراد بالصيد هنا كلّ حلال برّي ممتنع بالأصالة من الحيوانات والطيور والثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والقمل والزنبور والعظاءة من المحرم، وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الشهيد الثاني في شرح اللمعة (1) ، فلا يحرم صيد البحر ، ولا قتل الأنعام وإن توحّشت ، ولا قتل الضبع والأسد والذئب والنمر والصقر وشبهها ممّا لا يؤكل لحمه ، ولا الفأرة والحيّة ونحوهما من الحشرات والمؤذيات، ولا الطير الأهلي . ولا فرق بين الإحرامي والحرمي منه إلّا في النمل والبرغوث والبقّ، فإنّه يجوز قتلها للمحلّ في الحرم إجماعاً ، واختلف في جواز قتلها في الحرم على ما سيأتي . وقال الشيخ في التهذيب : ولا بأس أن يقتل الإنسان جميع ما يخافه من السباع والهوام من الحيّات والعقارب وغير ذلك ، ولا يلزمه شيء ، ولا يقتل شيئاً من ذلك إذا لم يرده . (2) وقال أيضاً : «ولا بأس بقتل البقّ والبرغوث والنمل في الحرم إذا كان الإنسان محلّاً ، ولا يجوز له إذا كان محرماً ولزمته الكفّارة» . (3)

.


1- .في الهامش بخطّ الأصل: «في شرح اللمعة [ج 2، ص 236]: من التروك المحرّمة صيد البرّ، و ضابطه: الحيوان المحلّل الممتنع بالأصالة، و في المحرّم الثعلب و الارنب و الضبّ و اليربوع و القنفذ و القمل و الزنبور و العظاءة (منه عفي عنه)».
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ذيل الحديث 1271.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ذيل الحديث 1275.

ص: 430

وقال في المبسوط : ويجوز له قتل الزنابير والبراغيث والقمل ، إلّا أنّه إذا قتل القمل على بدنه لا شيء عليه ، وإن أزاله عن جسمه فعليه الفداء . والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه . (1) وفي الدروس : وحرّم الحلبيّ (2) قتل جميع الحيوان ما لم يخف منه أو يكن حيّة أو عقرباً أو فأرة أو غراباً ، ولم يذكر له فداء ، ولا يعلم وجهه إلّا ما رواه معاوية : «اتقّ قتل الدوابّ كلّها إلّا الأفعى والعقرب والفأرة». (3) والحدأة والغراب يرميها على ظهر بعيره . وعن حسين بن أبي العلاء : «اقتل كلّ شيء منهنّ يريدك» . (4) إلّا أنّه قد روى معاوية قتل النمل والبقّ والقمل في الحرم ، (5) والإجماع على جواز ذبح النِّعم في الحرم . (6) وربما قيل بتحريم الأسد ، ونسبه المقداد في كنز العرفان (7) إلى أصحابنا ، وكلام الأكثر خالية عنه في الصيد المحرّم . وقال العلّامة رحمه الله في المختلف : وأمّا الأسد فالأقوى عندي أنّه لا شيء فيه، سواء أراده أو لم يرده. وبه قال ابن إدريس . (8) وقال عليّ بن بابويه : وإن كان الصيد أسدا ذبحت كبشاً . وأوجب ابن حمزة (9) فيه كبشا. (10) انتهى .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 339.
2- .الكافي في الفقه، ص 203.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 297، ح 1006؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 545، ح 17036. وفي الأصل: «اتّقي» وما اُثبت من المصدر.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1274؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17039.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1276 و 1277؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 550 و 551، ح 17055 و 17056.
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 353، الدرس 93.
7- .كنز العرفان، ج 1، ص 323.
8- .السرائر، ج 1، ص 567.
9- .الوسيلة، ص 164.
10- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 88 .

ص: 431

وظاهر المقداد عدم تحريم القمل والزنبور والعظاءة حيث قال : وأمّا أصحابنا فقالوا : إنّ المحلّل حرام مطلقاً ، وأمّا المحرّم فقالوا بتحريم الأسد والثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ ؛ لتظافر الروايات عن أهل البيت عليهم السلام بذلك . (1) فقد سكت عن ذكر تلك في مقام بيان الصيد ، وهو مشعر بعدم قوله بتحريمها . وحكي فيه عن الشافعي (2) اختصاصه بما يؤكل لحمه؛ محتجّاً بأنّه الغالب عرفاً . وعن أبي حنيفة : أنّه كلّ وحشي أكل أو لا (3) ، وهما في طرفي إفراط وتفريط . والأصل في الالمسألة آيات : منها: قوله تعالى : «لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللّهُ بِشَىْ ءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (4) ، ففي صحيح الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللّهُ بِشَىْ ءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ» ، قال : «حشر عليهم الصيد من كلّ وجه حتّى دنا منهم ليبلونّهم». (5) وعن الصادق عليه السلام : «أنّ ما تناله أيديهم الصغار وما تناله رماحهم الكبار» . (6) وهو مروي عن ابن عبّاس أيضاً . (7) والظاهر شمول كلّ منهما للصيد الحرمي والإحرامي جميعاً . وقيل : بل الأوّل صيد الحرم ؛ لاُنسه بهم ، والثاني صيد الحل . لنفوره عنهم . ومنها : قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (8) ، الآية .

.


1- .كنز العرفان، ج 1، ص 323.
2- .بداية المجتهد، ج 1، ص 291؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 264؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 524؛ فتح العزيز، ج 7، ص 485؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 293 و 296.
3- .بداية المجتهد، ج 1، ص 291.
4- .المائدة (5) : 94 .
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 300 301، ح 1022؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 416 417، ح 16655.
6- .مجمع البيان، ج 3، ص 419.
7- .تفسير العزّ بن عبدالسلام، ج 1، ص 411؛ مجمع البيان، ج 3، ص 419؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 584 585.
8- .المائدة (5) : 95 .

ص: 432

ومنها : قوله تعالى : «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا» (1) ، حيث أمر بالاصطياد ، أمر إباحة مقيّدا بالحل ، فيفهم منه حرمته في الإحرام . ومنها : قوله تعالى : «وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الْأَنْعَامُ إِلَا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ» (2) على ما فسّره به في كنز العرفان حيث قال : «قوله «وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الْأَنْعَامُ» ، أي حال إحرامكم ، وليس حكمها حكم الصيد، «إِلَا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ» ، أي إلّا ما حرّم اللّه في المائدة من الميتة والدم» . (3) وفي الفقيه : وسأل عبداللّه بن سنان أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» ، قال : «من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط اللّه ، وما دخل من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يُؤذى حتّى يخرج من الحرم» . (4) وتلك الآيات وإن عمّت لكنّه خصّها بالبرّي قوله سبحانه : «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُما وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» (5) ، وبما ذكر من أنواع البرّي الأخبار الواردة في الكفّارات وستجيء، فإنّها إنّما وردت فيما ذكر ، ولما دلّ على نفي البأس عن صيد غيره . يروي المصنّف فيما بعد في الصحيح عن عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن عليّ عليه السلام قال : «يقتل المحرم كلّما خشيه على نفسه» . (6) وعن غياث بن إبراهيم، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يقتل المحرم [الزنبور و ]النسر والا?ود الغدر والذئب وما خاف أن يعدو عليه» ، وقال : «الكلب العقور هو الذئب» . (7) وفي الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن المحرم قتل

.


1- .المائدة (5) : 2 .
2- .الحجّ (22) : 30 .
3- .كنز العرفان، ج 1، ص 334.
4- .الفقيه، ج 2، ص 251، ح 2327. و رواه الكليني فى الكافي، باب في قوله تعالى: «وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»، ح 1؛ و الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 449، ح 1566؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 557، ح 17077.
5- .المائدة(5): 96.
6- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب عليه فيه الكفّارة، ح 10؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17041.
7- .الكافي، الباب المتقدّم ذكره آنفا، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17042.

ص: 433

زنبورا ، قال : «إن كان خطأً فليس عليه شيء» ، قلت : لا ، بل متعمّدا ، قال : «يطعم شيئاً من طعام» ، قلت : فإنّه أرادني؟ قال : «كلّ شيء أرادك فاقتله» . (1) وفي الحسن عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر ، وكلّ حيّة سوء ، والعقرب والفأرة ، وهي الفُويسقة ، وترجم الغراب والحدأة رجماً ، فإن عرضت لك لصوص امتنعت منهم» . (2) وروى الشيخ في الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله ، وإن لم يردك فلا ترده» . (3) وفي الموثّق عن إبراهيم بن أبي سمّال، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «اتّق قتل الدوابّ كلّها إلّا الأفعى والعقرب والفأرة ، فأمّا الفأرة فإنّها توهي السقاء ، وتضرم على أهل البيت النار ، وأمّا العقرب فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدَّ يده إلى الحجر فلَسَعتهُ ، فقال : لعنك اللّه لا برّا تدعينه ولا فاجرا ، والحيّة إذا أرادتك فاقتلها، وإن لم تُردك فلا تردها» . (4) ويرويه المصنّف فيما بعد بزيادة بعد قوله عليه السلام : «وإن لم يردك فلا ترده» ، وهي : «والكلب العقور والسبع إذا أراداك [فاقتلهما] فإن لم يريداك فلا تردهما ، والأسود الغدّار (الغَدِر خ ل) فاقتله على كلّ حال ، وارم الغراب والحدأة رمياً عن ظهر بعيرك» . (5) وعن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يقتل المحرم الأسود الغدر والأفعى والعقرب والفأرة ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سمّاها الفاسقة والفويسقة ، ويقذف الغراب» ، وقال : «اقتل كلّ شيء منهنّ يريدك» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1274؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17039.
2- .هذا هو الحديث الخامس من الباب المتقدّم ذكره آنفا؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 547، ح 17043.
3- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب عليه الكفّارة، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17040.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ح 1272؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 544، ح 17035.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ح 1273؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 545، ح 17036.
6- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب فيه الكفّارة، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 545 546، ح 17038.

ص: 434

وفي الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن رجل أدخل فهدا إلى الحرم ، أله أن يخرجه؟ فقال : «هو سبع، وكلّما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن تخرجه ». (1) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بقتل النمل والبقّ في الحرم ». (2) وفي صحيحته الاُخرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بقتل النمل والبقّ في الحرم، ولا بأس بقتل القملة في الحرم ». (3) وسيروي المصنّف مثله عن زرارة عنه صلوات اللّه عليه . (4) وروى البخاري عن عبداللّه بن عمر، عن حفصة، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «خمس من الدوابّ لا حرج على مَنْ قتلهنّ: الغراب والحِدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور ». (5) وعنه قال : بينما نحن مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غار بمنى إذ نزلت عليه «والمرسلات» ، وأنّه ليتلوها، وأنّي لأتلقّاها من فيه، وأنّ فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حيّة، فقال النبى¨ّ صلى الله عليه و آله : «اقتلوها »، فابتدرناها فذهبت، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «وُقيت شرّكم كما وقيتم شرّها ». (6) وعن عروة، عن عائشة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «خمس من الدوابّ كلهنّ فاسق يُقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ». (7) ومَن حرّم الأسد كأنّه تمسّك بخبر أبي سعيد المكاري، (8) وهو مع ضعفه فإنّ أبا

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 367، ح 1281؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 82 ، ح 17288.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1276؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 550، ح 17055.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1277؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 551، ح 17056.
4- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم...، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 542، ح 17026.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 212. و رواه أيضا مسلم في صحيحه، ج 4، ص 18؛ و النسائي في السنن، ج 5، ص 210، و في السنن الكبرى، ج 2، ص 387 388، ح 3872.
6- .صحيح البخاري، ج 2، ص 213 214. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 210.
7- .صحيح البخاري، ج 2، ص 212.
8- .هو الحديث 26 من باب صيد الحرم و ما تجب فيه الكفّارة من الكافي.

ص: 435

سعيد هذا هو هشام أو هاشم بن حيّان وهو كان واقفيّاً غير موثّق (1) يمكن حمله على الاستحباب؛ للجمع. وخصّه الشيخ (2) بما إذا لم يرده، للجمع بينه وبين خبر أبي سمّال المتقدّم على رواية المصنّف، وقد وردت الكفّارة في غير ما ذكر في أخبار نادرة غير صحيحة حملت على الاستحباب . والمراد بالبحري من الحيوان ما يعيش في الماء ولا يعيش في البرّ ، ومن الطيور ما يبيض ويفرخ في الماء وإن تعيّش في البرّ أيضاً؛ لما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يصيد المحرم السمك، ويأكله طريّه ومالحه ويتزوّد، قال اللّه تعالى : «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَكُمْ» »، قال : «فليختر الذين يأكلون »، قال : «فصل ما بينهما كلّ طير يكون في الآجام يبيض] في البّر [ويفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر ». (3) وأمّا ما يرويه المصنّف فيما بعد في الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ شيء يكون أصله في البحر ويكون في البرّ والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الجزاء كما قال اللّه عزّ وجلّ» (4) فظاهره الاستحباب، فلا ينافي ما ذكر. وأمّا ما رواه عن الطيّار، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «لا يأكل المحرم طير الماء » ، (5) فمحمول على ما يبيض ويفرخ في البرّ ، والكراهة أيضاً محتملة . واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ كفّارة الصيد الحرمي قيمته السوقيّة مطلقاً، إلّا ما ورد فيه الدرهم ونحوه من الحمامة وما يتعلّق بها ، بل ادّعي عليه الإجماع. (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ذيل الحديث 1275.
2- .رجال الطوسي، ص 341، الرقم 5084.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ح 1270؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 426 427، ح 16682.
4- .هذا هو الحديث الثاني من باب فصل ما بين البرّ و البحر و ما يحل للمحرّم من ذلك؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 426، ح 16681.
5- .الكافي، باب فصل مابين صيد البر و البحر...، ح 9؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 427، ح 16683.
6- .اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 423، المسألة 312؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 128.

ص: 436

ويدلّ عليه أنّ الأصل في الضمان القيمة، ولم يرد فيها نص على غيرها ، وأخبار كثيرة منها حسنة معاوية بن عمّار (1) ، وخبر سعيد بن عبداللّه (2) ، وقوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار : «وإن أصبته يعني الصيد وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ». (3) وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة : «فَإنْ أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدّق بمثل ثمنه » (4) ، وسنرويهما بتمامهما . وحسنة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «فإن قتلها يعني الحمامة في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (5) . وسيظهر ذلك من بعض آخر ممّا نرويه عن قريب . وذهب ابن إدريس (6) إلى وجوب الدم فيه أيضاً كالإحرامي، وهو منقول عن أبي الصلاح (7) وعن بعض أقوال الشيخ (8) ، وكأنّهم تمسّكوا بإطلاق بعض الأخبار الواردة بالدم في كفّارة الصيد من غير تقييد بالإحرامي . وقال الشافعي : صيد الحرم مثل صيد الإحرام مخيّر بين ثلاثة أشياء: المثل والإطعام والصوم ، وفيما لا مثل له بين الإطعام والصيام (9) . وقال أبو حنيفة : لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم . (10) وأمّا الصيد الإحرامي فلا خلاف بين الأصحاب في أنّ كفّاراته دماء مختلفة بحسب

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 31، ح 17165.
2- .هو الحديث 23 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 56 57، ح 17225.
3- .هو الحديث الرابع من باب المحرم يصيب الصيد في الحرم، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 70، ح 17255.
4- .الفقيه، ج 2، ص 257، ح 2350؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17159.
5- .الكافي باب المحرم يصيب الصيد في الحرم، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17158، و ص 89 ، ح 17308.
6- .السرائر، ج 1، ص 561.
7- .الكافي في الفقه، ص 205.
8- .النهاية، ص 225؛ المبسوط، ج 1، ص 341 و 347.
9- .المجموع للنووي، ج 7، ص 491؛ فتح العزيز، ج 7، ص 509؛ الخلاف، ج 2، ص 407، المسألة 778.
10- .المجموع للنووي، ج 7، ص 491؛ فتح العزيز، ج 7، ص 509؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 97 و 98؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 207؛ الخلاف، ج 2، ص 778؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 359.

ص: 437

اختلاف الصيود على ما وردت الأخبار فيها، وتجيء في موضعها إن شاء اللّه تعالى ، ولا في أنّ ما لم يرد فيه نصّ كفّارته القيمة على حذو الصيد الحرمي . وأجمعوا على أنّ الكفّارتين تجتمعان على المحرم في الحرم وإن اختلفوا في كيفيّة الاجتماع ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخان (1) اجتماع الفداء والقيمة، وبه صرّح ابن إدريس وأبو الصلاح مع أنّهما أوجبا على المحلّ في الحرم الدم كما عرفت . ففي السرائر : «وإذا قتل اثنان صيدا، أحدهما محلّ، والآخر محرم في الحرم، كان على المحرم الفداء والقيمة، وعلى المحلّ فداء واحد» . (2) وقد قال قبل ذلك : ومَن أصاب حمامة وهو محرم في الحلّ كان عليه دم، فإن أصابها وهو محلّ في الحرم كان عليه دم، فإن أصابها وهو محرم في الحرم كان عليه دم والقيمة الشرعيّة التي هي الدرهم . (3) وقال أبو الصلاح على ما حكى عنه في المختلف : (4) «إن كان محلّاً في الحرم أو محرماً في الحلّ فداه بمثله من النعم ، وإن كان محرماً في الحرم فالفداء والقيمة» . (5) وظاهر السيّد المرتضى في الانتصار وجوب دمين عليه حيث قال : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ المحرم إذا صاد في الحرم تضاعفت عليه الفدية . والوجه في ذلك بعد إجماع الطائفة المحقّة أنّه قد جمع بين وجهين يقتضي كلّ واحدٍ منهما الفداء، وهو الصيد مع الإحرام، ثمّ إيقاعه في الحرم، ألا ترى أنّ المحرم إذا صاد في غير الحرم تلزمه الفدية، والحلال إذا صاد في الحرم لزمته الفدية ، فاجتماع الأمرين يوجب اجتماع الجزاءين. (6)

.


1- .السرائر، ج 1، ص 561.
2- .المفيد في المقنعة، ص 438؛ و الطوسي في المبسوط، ج 1، ص 342؛ و النهاية، ص 225.
3- .السرائر، ج 1، ص 558.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 128.
5- .الكافي في الفقه ، ص 205.
6- .الانتصار، ص 249، المسألة 132.

ص: 438

وهو يشعر بوجوب الدم للحرمي أيضاً، وحمل إحدى الفديتين في كلامه على القيمة بعيد . وحكى في المختلف (1) عنه قولاً آخر بالتخيير بين الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة . (2) وعن ابن الجنيد تضاعف القيمة، ولا يبعد حمل إحدى الفديتين في الانتصار على القيمتين ، فينطبق على مذهب ابن الجنيد . ويدلّ على المشهور ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة، إلى أن يبلغ الضبي فعليه دم يهريقه، ويتصدّق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدّق بمثل ثمنه ». (3) وفي الحسن عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : محرم قتل طيرا فيما بين الصفا والمروة عمدا؟ قال : «عليه الفداء والجزاء ويُعزّر »، قلت : فإنّه قتله في الكعبة؟ قال : «عليه الفداء والجزاء، ويُضرب دون الحدّ، ويُقلب للناس كي ينكل غيره ». (4) وفي الحسن عن الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعمه حمام مكّة، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها ». (5) وعن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل مرّ وهو محرم في الحرم، فأخذ عَنز ظبية، فاحتلبها وشرب لبنها؟، قال : «عليه دم، وجزاء الحرم عن اللبن ». (6)

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 126.
2- .جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 72)، و فيه: «وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء و القيمة مضاعفة».
3- .لم أعثر عليه في التهذيب و الاستبصار، و الحديث في الفقيه، ج 2، ص 257، ح 2350؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17159.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 371، ح 1291؛ و هذا هو الحديث السادس من باب المحرم يصيب الصيد فى الحرم؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 89 ، ح 17309.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 370، ح 1289؛ و هذا هو الحديث الأوّل من باب المحرم يصيب الصيد فى الحرم من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17158.
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 371، ح 1292؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 90، ح 17312.

ص: 439

وعن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو غير محرم؟، قال : «عليه قيمتها وهو درهم، يتصدّق به أو يشتري به طعاماً لحمام الحرم ، وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة ». (1) وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : «عليه شاة »، قلت : فإن قتلها في جوف الحرم؟ قال : «عليه شاة وقيمة الحمامة »، قلت : فإنّه قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : «عليه ثمنها ليس عليه غيره »، قلت : فمن قتل فرخاً من فراخ الحمام وهو محرم؟ قال : «عليه حمل ». (2) واستدلّ لابن الجنيد بخبر معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تأكل شيئاً من الصيد وإن صاده حلال، وليس عليك فداء شيء أتيته وأنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً في حجّك أو عمرتك، إلّا الصيد فإنّ عليك الفداء بجهلٍ كان أو عمد، لأنّ اللّه قد أوجبه عليك، فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحلّ فعليك القيمة، وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفاً ». (3) والأظهر الاستدلال له بمرسلة سليمان بن خالد، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام ما في القمري والزنجي والسماني والعصفور والبلبل؟ قال : «قيمته، فإن أصابه المحرم فعليه قيمتان، وليس عليه دم ». (4) وخبر معاوية بن عمّار، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في محرم، اصطاد طيرا في الحرم، فضرب به الأرض فقتله ، قال : «عليه ثلاث قيمات: قيمة لإحرامه، وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره ] إيّاه] ». (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 345، ح 1198؛ الاستبصار، ج 2، ص 200، ح 679؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 26، ح 17151.
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 347، ح 1203؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 24، ح 17143.
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 370، ح 1288؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 70، ح 17255.
4- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 371، ح 1293؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 90، ح 17313.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 370_ 371، ح 1290؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 91، ح 17315.

ص: 440

وهذه الأخبار مع عدم صحّتها وعدم قابليّتها للمعارضة لما تقدّم لكثرتها؛ وصحّة بعضها، وحسن متعدّد منها_ يمكن حمل الصيد فيها على الذي كفّارة الإحرامي منه أيضاً قيمته، وهو الذي لا نصّ فيه على دم كما عرفت . هذا ، وإطلاق أخبار التضاعف المشار إليها شامل لما بلغت الفدية بدنة . ويؤيّده أصالة عدم التداخل. وبه قال ابن إدريس (1) وجماعة. وقيّدها الشيخ قدس سره في أكثر كتبه (2) بما دون البدنة؛ لما رواه عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن رجل قد سمّاه، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الصيد يضاعفه ما بينه وبين البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف »، (3) وتبعه على ذلك أكثر مَن تأخّر عنه . (4) قوله في حسنة الحلبيّ : (إذا كنت حلالاً فقتلت الصيد في الحلّ ما بين البريد إلى الحرم فعليك فداؤه) .[ح 1 / 6802] يدلّ على حرمة الصيد فيما بين البريد إلى الحرم، وهو ظاهر الشيخان في المقنعة (5) والتهذيب (6) حيث أوجبا عليه الفدية . ومالَ إليه في المبسوط، فإنّه نسبه إلى الرواية (7) ، ثمّ قال : فإن رماه في الحلّ، فدخل السهم في الحرم وخرج منه، وأصاب صيدا في الحلّ لزمه أيضاً على الرواية قلناها: أنّ صيد الحلّ مضمون ما بين البريد والحرم. (8) وجوّزه ابن إدريس (9) رعايةً للأصل السالم عن معارضة كون الصيد في الحرم أو

.


1- .السرائر، ج 1، ص 558.
2- .منها: النهاية، ص 226؛ المبسوط، ج 1، ص 342؛ وتهذيب الأحكام ، ج 5، ص 371، ذيل الحديث 1293.
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 372، ح 1294؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 92، ح 17317.
4- .منهم: المحقّق في المختصر النافع، ص 105؛ و العلّامة في تبصرة المتعلّمين، ص 93؛ و قواعد الأحكام، ج 1، ص 466.
5- .المقنعة، ص 439.
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 361، ذيل الحديث 1254.
7- .المبسوط، ج 1، ص 343.
8- .المبسوط، ج 1، ص 346_ 347.
9- .السرائر، ج 1، ص 566.

ص: 441

كون الصائد محرماً ، وهذا الاحتجاج مبنيّ على ما أصّله من عدم الاعتبار بالخبر الواحد ، ورجّحه العلّامة في المختلف (1) ، لكن مع استحباب الفداء؛ حملاً للخبر عليه، وهو المشهور بين المتأخّرين. (2) وظاهر قوله عليه السلام : «أو جرحته » ثبوت الكفّارة وجوباً أو استحباباً لكلّ جناية في الأطراف وقعت على صيد البريد من غير اختصاص لها بفقأ العين وكسر القرن، فلا يتّجه قول صاحب المدارك: ولم يتعرّض الأصحاب لغير هاتين الجنايتين؛ لعدم النصّ. وأصالة البراءة تقتضي عدم ترتّب الكفّارة في غيرهما وإن كانت الجناية مطلقاً حراماً؛ إذ ليس من لوازم التحريم ترتّب الكفّارة . (3) وهناك مسألة اُخرى، وهو صيد القاصد للحرم، واختلف الأصحاب فيه أيضاً، فحرّمه الشيخ في التهذيب، وأوجب الفدية له، وظاهره وجوب الفدية لقتله، وحرمة لحمه وإن مات في الحلّ حيث قال : «ولا يجوز لأحد أن يرمي صيدا وهو يؤمّ الحرم وإن كان محلّاً، فإن رماه وقتله كان لحمه حراماً وعليه الفداء» . (4) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الموثّق عن عليّ بن عقبة بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل قضى حجّة، ثمّ أقبل حتّى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريباً من الحرم، والصيد متوجّه نحو الحرم، فرماه فقتله، ما عليه في ذلك؟ قال : «يفديه على نحوه». (5) وقيّد في المبسوط الفداء وحرمة لحمه بما إذا مات في الحرم، فقال : «ولا يجوز لأحد أن يرمي الصيد والصيد يؤمّ الحرم وإن كان محلّاً، فإن رماه وأصابه ودخل في الحرم ومات فيه كان لحمه حراماً، وعليه الفداء» . (6) وكأنّه بذلك جمع بين ما ذكر .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 343.
2- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 130 131.
3- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 379.
4- .نفس المصدر، ص 381.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 359، ذيل الحديث 1248.
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360، ح 1251؛ الاستبصار، ج 2، ص 206، ح 703، و ليس فيه: «على نحوه»؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 66، ح 17247.

ص: 442

وما رواه في الحسن عن مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل حِلٍّ رمى صيدا في الحلّ، فتحامل الصيد حتّى دخل الحرم ، فقال : «لحمه حرام مثل الميتة ». (1) وجوّزه ابن إدريس ولم يوجب عليه الفدية مطلقاً؛ لما عرفت من نظره. (2) وهو ظاهر الصدوق رضى الله عنه . (3) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ من صحيحة أبي الحسين النخعي (4) عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم، فتصيبه الرمية، فيتحامل بها حتّى يدخل الحرم، فيموت فيه، فقال : «ليس عليه شيء، إنّما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحلّ، فوقع فيها صيد، فاضطرب حتّى دخل الحرم، فمات فيه »، قلت : هذا عندهم من القياس؟ قال : «لا ، إنّما شبّهت لك شيئاً بشيء ». (5) وقد رواه المصنّف (6) أيضاً بسند آخر صحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج بأدنى تغيير، والأظهر الكراهة مطلقاً؛ للجمع بين الأخبار . وبها قال الشيخ في الاستبصار . (7) ويؤيّدها مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : كان يكره أن يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم . (8) وهو أشهر الأقوال . وممّا ذُكر يعلم قوّة القول بالكراهة في المسألة الاُولى أيضاً .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 359، ح 1250؛ الاستبصار، ج 2، ص 206، ح 702؛ و رواه الكليني في الكافي، باب صيد الحرم و ما تجب فيه الكفّارة، ح 14؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 65، ح 17246.
2- .اُنظر: السرائر، ج1، ص 566.
3- .حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 130. وانظر: الفقيه، ج 2، ص 260، ح 2361.
4- .في هامش الأصل: «هو أيّوب بن نوح الثقة. (منه)».
5- .الاستبصار، ج 2، ص 206_ 207، ح 704؛ تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360، ح 1252؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 66 _67، ح 17248.
6- .الكافي، باب صيد الحرم و ما تجب فيه الكفّارة، ح 12.
7- .الاستبصار، ج 2، ص 207، ذيل الحديث 703.
8- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 359، ح 1249؛ الاستبصار، ج 2، ص 206، ح 701؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 65، ح 17245.

ص: 443

والشيخ في التهذيب أورد خبر النخعي معارضاً لما ذهب إليه ، ثمّ قال : هذا الخبر ليس بمناف لما قدّمناه ؛ لأنّ هذا الخبر محمول على مَن رمى الصيد في هذه الحال ناسياً أو جاهلاً، فإنّه لا يستحقّ على رميه شيئاً من العقاب وإن كان يلزمه الفداء ، ويكون قوله عليه السلام : «لا شيء عليه » يعني من العقاب، ويكون هذا فرقاً بين مَن رمى الصيد وهو متعمّد وبين من رماه وهو جاهل أو ناس . (1) واستند في ذلك الفرق بما رواه الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمّد، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأً أو عمدا، هم فيه سواء؟ قال : «لا» ، قلت : جعلت فداك، ما تقول في رجل أصاب صيدا بجهالة وهو محرم؟ قال : «عليه الكفّارة» ، قلت : فإن أصابه خطأً؟ قال : «وأيّ شيء الخطأ عندك؟» قلت : يرمي هذه النخلة فيُصيب نخلة اُخرى ، فقال : «نعم، هذا الخطأ، وعليه الكفّارة »، قلت : فإنّه أخذ ظبياً متعمّدا فذبحه وهو محرم؟ قال : «عليه الكفّارة» ، قلت : جعلت فداك، ألست قلت : إنّ الخطأ والجهالة والعمد ليس بسواء، فبأيّ شيء يفضل المتعمّد من الخاطئ؟ قال : «بأنّه أثم ولعب بدينه». (2) وهو تكلّف من غير ضرورة؛ لإمكان الجمع بما ذكر من غير تعسّف ، فتأمّل . قوله في صحيحة الحلبيّ : (إذا أدخله [إلى ]الحرم فقد حرم عليه أكله وإمساكه).[ح 4 / 6804] ذهب إليه الأصحاب أجمع وأكثر العامّة ، ويؤكّدهما منطوق خبر بكير (3) ومفهوم خبر حمزة بن اليسع (4) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن طائر أهلي اُدخل الحرم حيّاً ، فقال : «لا تمسّ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَمَنْ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360، ذيل الحديث 1252.
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360_ 361، ح 1253؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 69، ح 17253.
3- .هو الحديث 27 من هذا الباب من الكافي. و كان في الأصل: «خبري بكير» فصوّبناه؛ لأنّه ليس في الباب لبكير خبر غير هذا.
4- .هو الحديث 28 من هذا الباب من الكافي.

ص: 444

دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» (1) ». (2) وعن يعقوب بن يزيد، عن بعض رجاله، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أدخلت بطير (3) المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت، وإذا أدخلت مكّة فليس لك أن تخرجه». (4) وخالفه جماعة منهم الشافعي (5) في أحد قوليه محتجّاً بأنّه ملكه خارجاً، وحلّ له التصرّف فيه، فجاز ذلك له في الحرم كصيد المدينة إذا أدخله حرمها، وهو كما ترى . قوله في حسنة زرارة : (انتفها وأحسن إليها) إلخ .[ح 5 / 6805] لقد أجمع عليه الأصحاب، ويؤكّدها صحيحة داود بن فرقد (6) ، وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن حفص بن البختري، عن أبي عبداللّه عليه السلام في من أصاب طيرا في الحرم ، قال : «إن كان مستوي الجناح فليخلّ عنه، وإن كان غير مستوٍ نتفه وأطعمه وأسقاه، فإذا استوى جناحاه خلّى عنه ». (7) وفي الصحيح عن زرارة: أنّ الحكم سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل اُهدي له في الحرم حمامة مقصوصة ، فقال : «انتفها وأحسن علفها، حتّى إذا استوى ريشها فخلِّ سبيلها ». (8) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قال الحكم بن عتيبة : سألت أبا جعفر عليه السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم؟ فقال : «أمّا إن كان مستوياً خلّيت سبيله، وإن كان غير ذلك أحسنت إليه حتّى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله» . (9)

.


1- .آل عمران (3) : 97 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 348، ح 1206؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 33، ح 17171.
3- .كذا بالأصل، و في المصدر: «الطير».
4- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 349، ح 1213؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 39، ح 17184.
5- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 360؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 299.
6- .هذا هو الحديث 22 من هذا الباب من الكافي.
7- .الفقيه، ج 2، ص 258، ح 2354؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 30، ح 17161.
8- .الفقيه، ج 2، ص 260، ح 2359؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 30_ 31، ح 17162.
9- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 348، ح 1207؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 33، ح 17172.

ص: 445

هذا إذا أقام نفسه بمكّة، وإن رحل منها استودعها من ثقة يأمره بالإحسان إليها حتّى يستوي ريشها فيرسلها؛ لخبري كرب والمثنّى . قوله في صحيح صفوان بن يحيى : (مَن أصاب طيرا في الحرم وهو محلّ) إلخ . [ح 7 / 6807] الظاهر أنّ المراد بالطير الحمام بقرينة الأخبار الواردة بالدرهم، فإنّها مقيّدة بالحمامة، ففي غيرها يعتبر القيمة أيّاً ما كانت كما دلَّ عليه بعض الأخبار، وما دلّ عليه هذا الصحيح هو المشهور بين الأصحاب، ويؤكّده حسنة حفص بن البختري (1) ، وصحيحة أبي الحسن الواسطي (2) ، وموثّقة الحسن بن علي بن فضّال (3) ، وخبر منصور بن حازم (4) ، وبعض الأخبار التي سبقت، والأخبار التي يأتي بعضها . وظاهر أكثر الأخبار اعتبار الدرهم مطلقاً وإن كان أقلّ من قيمتها أو أكثر كما هو المشهور . ويشعر بعض الأخبار بأنّ اعتبار الدرهم لكونه قيمة لها في ذلك الوقت، كقوله عليه السلام : «والقيمة درهم» في هذا الصحيح ، وقوله عليه السلام : «وثمن الحمامة درهم ». أو شبهه في حسنة الحلبي (5) ، وقوله عليه السلام : «عليه قيمتها وهو درهم» في خبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو غير محرم؟ قال : «عليه قيمتها وهو درهم، يتصدّق به أو يشتري طعاماً لحمام الحرم ، وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة ». (6)

.


1- .و هي الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث 13 من هذا الباب.
3- .ليس في روايات الباب حديث عن ابن فضّال يرويه عن الإمام عليه السلام ، نعم ورد ابن فضّال في أسناد الحديث 15 و 16 من هذا الباب، لكن يروي في الأوّل عن ابن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام ، و في الثاني عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن عليه السلام ، و الظاهر أنّ مراد الشارح هنا الحديث 15 من الباب.
4- .هو الحديث 18 من هذا الباب.
5- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .الفقيه، ج 2، ص 258، ح 2352؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 345 346، ح 1198؛ الاستبصار، ج 2، ص 200، ح 679؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 26، ح 17151.

ص: 446

وخبر حمّاد بن عثمان، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجلٌ أصاب طيرين، واحد من حمام الحرم والآخر من حمام غير الحرم ، قال : «يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحاً، فيطعمه حمام الحرم، ويتصدّق بجزاء الآخر ». (1) ويؤيّدها إطلاق الطير في بعض الأخبار التي اعتبرت فيها القيمة ممّا رويناها . وفي خبر منصور، قال : حدّثني صاحب لنا ثقة قال : كنت أمشي في بعض طرق مكّة فلقيني إنسان فقال : اذبح لي هذين الطيرين، فذبحتهما ناسياً وأنا حلال، ثمّ سألت أبا عبداللّه عليه السلام فقال : «عليك الثمن»، (2) فيلزم وجوب القيمة فيها أيضاً كغيرها من الطيور ، وهو قويّ بحسب الدليل لكن لم ينقل عن أحد . نعم ، قال العلّامة رحمه الله في التذكرة (3) والمنتهى (4) بوجوب أكثر الأمرين محتجّاً بالاحتياط . ثمّ المشهور أنّه يشتري بقيمة الحمام المقتول في الحرم علفاً لحمامه، سواء كان من حمام الحرم أو كان من خارج الحرم داخلاً فيه ، وهو مقتضى إطلاق أكثر الأخبار . وقد ورد في بعض أخبار أنّه يتصدّق بها كموثّقة عبداللّه بن سنان (5) وصحيح عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيره ، قال : «عليه أن يردّها، فإن ماتت عليه ثمنها يتصدّق به ». (6) وصحيح حريز، عن محمّد والظاهر أنّه ابن مسلم _ (7) قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل اُهدي إليه حمام أهلي جيء به وهو في الحرم محلّ، قال : «إن أصاب منه شيئاً

.


1- .الكافي، باب كفّارة ما أصاب المحرم من الطير و البيض، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 353، ح 1228؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 51، ح 17215.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 346، ح 199؛ الاستبصار، ج 2، ص 201، ح 680؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 27 28، ح 17153.
3- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 418، المسألة 335.
4- .منتهى المطلب ، ج 2، ص 825 .
5- .هي الحديث 15 من هذا الباب من الكافي.
6- .مسائل عليّ بن جعفر، ص 271، ح 670؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 349، ح 1211؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 37، ح 17181.
7- .صرّح بذلك الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 260، ح 2360.

ص: 447

فليتصدّق مكانه بنحو من ثمنه ». (1) فالجمع إمّا بالتخيير، لدلالة ما تقدّم عن محمّد بن الفضيل عليه، ولا يبعد القول به لكن لم ينقل عن أحد . نعم ، نسبه في الدروس (2) إلى الرواية، أو بالتفصيل بين كون الحمام المقتول في الحرم من حمامه أو من غيره، بحمل ما دلّ على وجوب الإعلاف على الأوّل، وما دلّ على التصدّق على الثاني، وبه قال بعض الأصحاب، لكن يأباه خبر ابن الفضيل . هذا حكم الحرمي منه ، وأمّا الإحرامي منه فيأتي في محلّه أنّ كفّارته شاة . قوله في خبر زرارة: (قال : يردّه إلى مكّة) [ح 9 / 6809] مثله موثّق يونس بن يعقوب (3) وصحيح عليّ بن جعفر (4) المتقدّم ، ويؤيّدها صحيحة عيص بن القاسم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن شراء القماريّ يخرج من مكّة والمدينة ، فقال : «ما أحبّ أن يخرج منهما شيء ». (5) وهو ممّا أجمع عليه الأصحاب . ويستفاد من وجوب ردّ صيد الحرم إليه عدم جواز صيد الحرم في الحلّ ، ووقع التصريح في صحيح عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحلّ؟ فقال : «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم ». (6) ويؤيّده صدق صيد الحرم عليه، فيدخل تحت قوله عليه السلام : «لا ينفّر صيدها »، (7) ونظائره .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 347، ح 1205؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 28، ح 17155.
2- .اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 357، الدرس 94.
3- .هو الحديث 16 من هذا الباب من الكافي.
4- .وسائل الشيعة، ج 13، ص 37، ح 17181.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 349، ح 1212؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 38، ح 17182.
6- .مسائل عليّ بن جعفر، ص 271، ح 669؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 348، ح 1209؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 36، ح 17177.
7- .وسائل الشيعة، ج 12، ص 557، ح 17076.

ص: 448

وبه قال الشيخ في التهذيب (1) والنهاية (2) ، ورجّحه العلّامة في المنتهى (3) والمختلف (4) ، وجوّزه ابن إدريس (5) وحكاه عن خلاف (6) الشيخ ومبسوطه في كتاب الأطعمة والصيد (7) ، وحكاه العلّامة أيضاً عنه في المختلف (8) محتجّاً بالأصل . قوله في حسنة حفص : (في الحمامة درهم ).[ح 10 / 6810] في المنتهى : الحمام: هو طائر يهدر، بأن يواتر صوته، ويعبّ الماء، بأن يضع منقاره فيه، فيكرع كما تكرع الشاة، ولا يأخذ قطرة قطرة بمنقاره كالدجاج والعصافير . قال الكسائي : «هو كلّ مطوّق ، فالحجل حمام؛ لأنّه مطوّق» (9) ، ويدخل في الأوّل الفواخت والوراشين والقمري والدبسي والقطا . (10) انتهى . وفي كتاب حياة الحيوان: قال الجوهري : «الحمام هو عند العرب ذوات الأطواق، نحو الفواخت والقماري وساق حرّ والقطا والوراشين، وأشباه ذلك، يقع على الذكر والاُنثى؛ لأنّ الهاء إنّما دخلته على أنّه واحد من جنس لا للتأنيث . وعند العامّة أنّها الدواجن فقط، الواحدة حمامة». (11) وجمع الحمامة حمام وحمامات وحمائم ، وربّما قالوا حمام للمفرد . وحكى النووي عن الأصمعي: «أنّ كلّ ذات طوق فهنّ حمام ، والمراد بالطوق الخضرة

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 348، ذيل الحديث 1208.
2- .النهاية، ص 224.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 806 .
4- .مختلف الشيعة، ج4، ص 119.
5- .السرائر، ج 1، ص 559.
6- .الخلاف ، ج 6، ص 28، المسألة 29.
7- .المبسوط، ج 6، ص 275.
8- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 119.
9- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 542، الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 352.
10- .منتهى المطلب، ج 2، ص 826 . و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 416.
11- .صحاح اللغة ، ج 5، ص 1906 (حمم).

ص: 449

أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة» . (1) وعن الشافعي: أنّ كلّ ما عبّ وهدر فهو حمام وإن تفرّقت أسماؤها ، والعبّ بالعين المهملة: شدّة جرع الماء من غير تنفّس ، يُقال في الطائر: عَبَّ، ولا يُقال: شرب ، والهدير: ترجيع الصوت ومواصلته من غير تقطيع له . قال الرافعي : «والأشبه أنّ ما عبّ هدر، فلو اقتصروا على العبّ لكفى . يدلّ عليه أنّ الشافعي قال في عيون المسائل : وما عبّ من الماء عبّاً فهو حمام، وما شرب قطرة قطرة كالدجاج فليس بحمام» . (2) إذا علمت ذلك انتظم لك من كلام الشافعي وأهل اللغة أنّ الحمام يقع على الذي يألف البيوت ويستفرخ فيها ، وعلى اليمام (3) والقماري وساق حرّ وهو ذكر القمري والفواخت والدبسي والقطا والوراشين واليعاقيب والسفتين والزاغي والورداني والطوراني . (4) قوله : (عن زياد ، عن أبي الحسن الواسطي) . [ح 13 / 6813] زياد هذا هو ابن سابور الواسطي، أخو أبي الحسن المروي عنه، وأبو الحسن هو بسطام بن سابور، وكلاهما ثقتان (5) ، فالخبر صحيح، وقد اختلف أصحاب الرجال في تصحيح أبي الحسن هذا، فحكاه النجاشي (6) والكشّي (7) والشيخ في الفهرست (8) مصغّرا، وقيل : إنّه ذكره ابن داود مكبّرا كما ذكره المصنّف، وقال : «إنّه هو الحقّ» . (9)

.


1- .قاله النووي في التحرير على ما صرّح به في تاج الحيوان. و حكاه أيضا عنه المجلسي في بحارالأنوار، ج 62، ص 24 25.
2- .فتح العزيز، ج7، ص 505.
3- .المثبت من المصدر، و في الأصل: «البهايم».
4- .حياة الحيوان ، ج 1، ص 365 366 (الحمام).
5- .اُنظر: رجال النجاشي، ص 110، الرقم 280؛ خلاصة الأقوال للعلّامة، ص 149؛ رجال ابن داود، ص 99، الرقم 651.
6- .رجال النجاشي، ص 110 الرقم (280).
7- .لم أعثر عليه في رجال الكشّي.
8- .اُنظر: الفهرست، ص 89 ، الرقم 133، فإنّه لم يذكر لبسطام بن سابور كنية، نعم ذكر قبله بسطام بن الزيات أبوالحسين الواسطي، و الظاهر اتّحادهما كما صرّح به ابن داود في رجاله، ص 56، الرقم 238.
9- .رجال ابن داود، ص 56، الرقم 238.

ص: 450

وهذه الصحيحة تدلّ على عدم وجوب الفداء بمجرّد الإغلاق، بل اشتراطه بالموت، وهو المشهور بين الأصحاب، وقيّده الشهيد رحمه الله بعلم الموت أو جهل الحال (1) ، ورجّح ذلك في المختلف (2) ، وأكثر الأخبار خالية عن التقيّد بالموت . وحكاه في المنتهى (3) عن بعض الأصحاب ، وفي المختلف (4) أيضاً استبعد فيه وجوب جميع الجزاء مع السلامة . قوله في خبر يونس بن يعقوب : (فقال للرسول: إنّي أظنهنّ كنّ فُرّهة ). [ح 16 / 6816 ]في القاموس : «فَرُه ككرُم فراهة: وفراهية حذق فهو فارهٌ بيِّن الفروهة، جمعه فُرّهٍ كركّعٍ وسكّرةٍ» . (5) وكتب في شرح الفقيه: «فرّهه كسكّرة وسفرة، يعني أنّ غرضهم من إخراجها من مكّة أنّها حواذق يصلحن لإرسال المكاتيب» . ثمّ قال : «والظاهر أنّ الفداء مع التلف وغيره ممّا لا يمكن الردّ معه ، وإلّا فالظاهر وجوب الردّ» . (6) واحتجّ عليه بحسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وبصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام وهي مثلها . قوله : (عن إبراهيم بن ميمون ). [ح 17 / 6817] هو مجهول الحال ، وفي شرح الفقيه : لا يضرّ جهالته؛ لإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن ابن مسكان (7) ، وعمل الأصحاب عليه، وإطلاق النتف هنا وفي الفقيه (8) شامل لنتف المتعدّد .

.


1- .اللمعة الدمشقيّة، ص 68؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 349.
2- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 146، فإنّه اشترط فيها الجزاء بالتلف.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 831 .
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 146.
5- .القاموس المحيط ، ج 4، ص 289 (فره).
6- .روضة المتّقين، ج 4، ص 173 174 .
7- .روضة المتّقين، ج 4، ص 178.
8- .الفقيه ، ج 2، ص 261، ح 2363.

ص: 451

وفي التهذيب رواه بسند آخر صحيح أيضاً عن ابن مسكان، عن إبراهيم بن ميمون، وفيه: «رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم» (1) ، ولذا قيل : يحتمل الأرش في نتف أكثر من ريشة كغيره من الجنايات، وتعدّد الفدية بتعدّده . (2) واستوجه العلّامة في المنتهى تكرّر الفدية إن كان النتف متفرّقاً، والأرش إن كان دفعه . (3) ثمّ ظاهر الخبر وجوب تسليم الفدية باليد الجانية ، وإليه ذهب جماعة منهم المفيد وابن إدريس . وفي شرح الفقيه: «في وجوب التصدّق باليد الجانية إشكال ، والمشهور الاستحباب والاحتياط ظاهر» (4) ، وكذا إطلاق الخبر وجوب الصدقة وإن ثبت الريش، وأجمع عليه الأصحاب وأكثر العامّة. وحكي عن بعضهم أنّه لا ضمان عليه إذا نبت؛ لزوال النقص. (5) ودفعه بيّن . قوله في خبر يزيد بن خليفة : (فقال : ثمن طيرين تطعم به حمام الحرم) . [ح 20 / 6820] هذا الخبر رواه الشيخ بسند آخر عن عبد الكريم بن عمرو، عن يزيد بن خليفة ، (6) ووجوب ثمن الطيرين مخالف للمذهب المنصور في كفّارة بيضة الحمامة من أنّها درهم على المحرم في الحلّ، وربع درهم على المحلّ في الحرم، ويجتمعان في المحرم في الحرم. ومخالف أيضاً لما هو الأصل في جزاء الصيد الحرمي من وجوب القيمة . وأظنّ أنّه وقع فيه سهو من بعض الرواة، فإنّه روى الشيخ قدس سرههذا الخبر بسندٍ آخر

.


1- .روضة المتّقين، ج 4، ص 178.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 348_ 349، ح 1210؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 36، ح 17180.
3- .شرح اللمعة، ج 2، ص 351.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 828 ؛ و عنه في مدارك الأحكام، ح 8 ، ص 387.
5- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 555؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 368.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 358_ 359، ح 1242؛ الاستبصار، ج 2، ص 204، ح 695؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 60، ح 17233.

ص: 452

غير ما أشرنا إليه من السندين عن موسى بن القاسم، عن أبي الحسين التميمي، عن صفوان، عن يزيد بن خليفة، قال : سُئل أبو عبداللّه عليه السلام وأنا عنده فقال له رجل : إنّ غلامي طرح مكتلاً في منزلي وفيه بيضتان من طير حمام الحرم ، فقال : «عليه قيمة البيضتين يعلف بها حمام الحرم ». (1) وهو أيضاً وإن خالف المشهور إلّا أنّه مطابق للأصل . والشيخ قدس سرهجمع بين هذه الأخبار بتخصيص قيمة الطيرين بما إذا ساوت قيمة البيضتين، وأوجب قيمة البيضتين على المحرم في الحرم، فقال في التهذيب : «وإذا كسر المحرم بيض حمام الحرم فعليه قيمته» (2) ، ثمّ قال : «وقيمة البيضتين وقيمة الطير سواء» . (3) وقد ورد في بعض الأخبار وجوب الجدي أو الحمل لبيضة الحمامة ، رواه الشيخ عن عبيداللّه بن عليّ الحلبيّ، قال : حرّك الغلام مكتلاً فكسر بيضتين في الحرم، فسألت أبا عبداللّه عليه السلام فقال : «جديين أو حملين ». (4) وقد حمله على البيض الذي تحرّك فيه الفرخ. واحتجّ على هذا التأويل بصحيحة عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : «عليه أن يتصدّق عن كلّ فرخ قد تحرّك بشاة، ويتصدّق بلحومها إن كان محرماً، وإن كان الفرخ لم يتحرّك تصدّق بقيمته ورقاً، يشتري به علفاً يطرحه لحمام الحرم ». (5) قوله في خبر الوشاء عن مثنّى: (قمريّة من قماري أمج). [ح 24 / 6824] قال ابن الأثير : أمَجَّ بفتحتين وجيم: موضع بين مكّة والمدينة . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 357، ح1241؛ الاستبصار، ج 2، ص 304، ح 694؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 60 61، ح 17234.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 357، ذيل الحديث 1240.
3- .نفس المصدر، ذيل الحديث 1241.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 358، ح 1243؛ الاستبصار، ج 2، ص 204_ 205، ح 696؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 59، ح 17232.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 358، ح 1244؛ الاستبصار، ج 2، ص 205، ح 697؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 24، ح 17142.
6- .النهاية، ج 1، ص 65 (أمج).

ص: 453

باب لقطة الحرم

باب لقطة الحرمقد تشوّش كلام الأصحاب في لقطة الحرم واضطربت فتاواهم فيها بعد اتّفاقهم على تحريم أخذها من غير قصد تعريف، فقد ذهب جماعة إلى كراهة أخذها ووجوب تعريفها حولاً إذا أخذها مطلقاً وإن كانت أقلّ من درهم ، ثمّ التخيير بين الصدقة بها مع الضمان وإبقائها أمانة من غير ضمان محتجّين على عدم الفرق بين القليل والكثير بأصالة عدمه وانتفاء دليل صالح له، وعلى الكراهة بظهور أخبار متعدّدة فيهاكخبر إبراهيم بن عمر (1) ، وصحيحة يعقوب بن شعيب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن اللقطة ونحن يومئذٍ بمنى ، فقال : «أمّا بأرضنا هذه فلا تصلح، وأمّا عندكم فإنّ صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كلّ مجمع، ثمّ هي كسبيل ماله ». (2) وخبر عليّ بن أبي حمزة، قال : سألت العبد الصالح عليه السلام عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال : «بئس ما صنع! ما كان ينبغي له أن يأخذه» ، قلت : ابتُلي بذلك ، قال : «يعرّفه» ، قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً ، قال : «يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن ». (3) وحملوا النهي على الكراهة فيما رواه المصنّف عن الفضيل بن يسار (4) ، وفيما رواه الشيخ عنه قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن لقطة الحرم، فقال : «لا تمسّ أبدا حتّى يجيء صاحبها فيأخذها »، قلت : فإن كان مالاً كثيرا؟ قال : «فإن لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها ». (5) وهو حسن. بل يستفاد من خبري الفضيل انتفاء الكراهة فيمن يثق بنفسه في التعريف ، ولا يبعد

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 260، ح 17695.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421، ح 1463؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 259_ 260، ح 17692.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421؛ و ج 6، ص 395 396، ح 1190؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 260، ح 17694.
4- .هو الحديث الثاني من هذاالباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 261، ح 17696.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421، ح 1461؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص260، ح 17693.

ص: 454

ذلك خصوصاً فيما إذا خاف التلف عليها لو لم يلتقطها . وعلى التخيير بين ما ذكر من الأمرين بعد التعريف بدلالة بعض ما ذكر من الأخبار على التصدّق بها وثبوت الحفظ أمانة بالإجماع . وقد انتفى التمليك الجائز في لقطة غير الحرم بأصالة عدم جوازه، وانتفاء دليل صالح له هنا، وإليه ذهب الشيخ في الخلاف (1) ، والعلّامة في التذكرة (2) على ما حكى عنهما في المسالك . (3) وحكى عن التذكرة دعوى الإجماع عليه (4) ، وقد وقع الخلاف فيها في مواضع : أحدها: فيما ذكر من عدم الفرق بين القليل والكثير ، فذهب جماعة إلى جواز تملّك ما دون الدرهم، وعدّه الشهيد قدس سرهفي كتاب اللقطة من الدروس (5) أقرب، وكأنّهم تمسّكوا فيه بإطلاق اللقطة في بعض الأخبار الدالّة على جوازه، وهو مخصّص بلقطة غير الحرم؛ لما عرفت، ولصراحة بعض تلك الأخبار في لقطة غير الحرم، ويجيء في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وثانيها : في كراهة الأخذ ، فقد حرّمه الشيخ في المبسوط (6) ، والشهيد في كتاب الحجّ من الدروس (7) واللمعة (8) ، والعلّامة في المنتهى . (9) وثالثها : في التخيير بين الأمرين، فذهب الشهيد في كتاب الحجّ من الدروس إلى تعيّن الصدقة حيث قال : «ويحرم الالتقاط في الحرم، فيعرّفه سنة، فإن وجد مالكه وإلّا تصدّق وضمن ». (10) انتهى .

.


1- .الخلاف ، ج 3، ص 585، المسألة 12.
2- .تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 442، المسألة 747.
3- .مسالك الأفهام، ج 12، ص 511.
4- .مسالك الأفهام، ج 12، ص 515؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 256 ط قديم. و مثله في مختلف الشيعة، ج 6، ص 80 .
5- .الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 86 .
6- .المبسوط، ج 3، ص 327.
7- .الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 86 ، الدرس 216.
8- .اللمعة الدمشقيّة، ص 208؛ شرح اللمعة، ج 7، ص 92.
9- .منتهى المطلب، ج 2، ص 879 .
10- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 472، الدرس 118.

ص: 455

وهو ظاهر المفيد أيضاً فقد قال في المقنعة : مَن وجد شيئاً في الحرم فليعرّفه سنة كاملة، فإن جاء صاحبه دفعه إليه، وإن لم يجد له صاحباً فليتصدّق به على الفقراء والمساكين، وليس عليه بعد السنة والتعريف فيها ضمان لصاحبه إذا تصدّق به عنه، فإنّ تصرّف فيه أو احتبسه من غير تعريف فهو ضامن له. (1) وهو قويّ؛ لعدم نصّ على الاستيفاء أمانة هنا. وحملها على لقطة غير الحرم قياس لا نقول به. والإجماع المدّعى عليه ممنوع، بل نمنع كونها أمانة؛ لاقتضاء النهي عن أخذها عدمه، خصوصاً على القول بتحريمه ، فلا يبعد القول بالضمان لو استبقاها كذلك وإن لم ينقل عن أحد. ونقل عن أبي الصلاح (2) جواز تملّكها أيضاً، فلم يفرق بينها وبين لقطة غير الحرم، وكأنّه تمسّك في ذلك بعموم بعض الأخبار التي تأتي في لقطة غير الحرم، وما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لقطة الحرم لا تحلّ إلّا لمنشد ». (3) ففيه أنّ العمومات مخصّصة كما عرفت . والحديث النبويّ على تقدير صحّته يحتمل الحمل على عدم حليّة أخذها لغير قاصد التعريف، بل هو أظهر . ورابعها: في الضمان على تقدير الصدقة فنفاه المفيد (4) على ما نقلنا عنه، والمحقّق في كتاب الحجّ من الشرائع (5) قطعاً ، وفي كتاب اللقطة منها ميلاً إليه، حيث قال: فيه قولان، أرجحهما أنّه لا ضمان . 6

.


1- .المقنعة، ص 646.
2- .الكافي في الفقه، ص 350.
3- .اُنظر: الكافي، باب أنّ اللّه عزّوجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات و الأرض، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 557، ح 17076؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 487، ح 12 من باب اللقطة؛ مسند أحمد، ج 2، ص 238؛ صحيح البخاري، ج 3، ص 94، و ج 5، ص 98؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 110؛ سنن أبى داود، ج 1، ص 448، ح 2017.
4- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 207.
5- .شرائع الإسلام، ج 4، ص 806 .

ص: 456

وتوقّف فيه الشهيد في اللمعة حيث قال : «بل يتصدّق به، وفي الضمان خلاف» (1) ولم يرجّح شيئاً، والضمان أظهر لصراحة خبر عليّ بن أبي حمزة (2) فيه . ويؤيّده النهي عن أخذها لاسيما إذا كان النهي للتحريم كما عرفت . هذا ، وقد وقع تناقض في هذا المقام في الدروس والشرائع في كتاب الحجّ واللقطة منهما من جهتين : إحداهما : جواز أخذ لقطة الحرم وعدمه ، والاُخرى جواز تملّك القليل منها وعدمه . ففي كتاب الحجّ من الدروس : «ويحرم الالتقاط في الحرم، فيعرّفه سنة، فإن وجد مالكه، وإلّا تصدّق وضمن» (3) وإطلاقه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين القليل والكثير . وفي كتاب اللقطة منها نقل الخلاف أوّلاً في تحريم أخذ لقطة غير الحرم وكراهته . ثمّ قال : «وكذا الخلاف في لقطة الحرم والكراهة قويّة إذا بلغت درهماً، ولو نقصت عنه تناولها وملكت كما تملك في الحلّ على الأقرب» . (4) وفي كتاب الحجّ من الشرائع : «لا تحلّ لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة، وتعرّف سنة، ثمّ إن شاء تصدّق بها ولا ضمان عليه، وإن شاء جعلها في يده أمانة» . (5) وفي كتاب اللقطة منها : وما كان أزيد من ذلك يعني الدرهم فإن وجده في الحرم قيل: يحرم أخذه، وقيل: يكره، وهو أشبه، ولا تحلّ إلّا مع نيّة الإنشاد، ويجب تعريفها حولاً، فإن جاء صاحبها، وإلّا تصدّق بها أو استبقاها أمانة، وليس له تملّكها، ولو تصدّق بعد الحول فكره المالك ، فيه قولان، أرجحهما أنّه لا يضمن، لأنّها أمانة وقد دفعها دفعاً مشروعاً . (6) فتأمّل .

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 86 ، الدرس 216.
2- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 207.
3- .اللمعة الدمشقيّة، ص 208.
4- .وسائل الشيعة، ج 13، ص 260، ح 17693.
5- .الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 472، الدرس 118.
6- .شرائع الإسلام، ج 4، ص 806 .

ص: 457

باب فضل النظر إلى الكعبة

باب فيمن رأى غريمه في الحرم

باب ما يهدى إلى الكعبة

باب فضل النظر إلى الكعبةفضله متّفق عليه بين أهل العلم ، والأخبار من الطرفين شاهدة عليه ، وكفاك من طريق الأصحاب ما رواه المصنّف قدس سرهومن طريق العامّة . (1)

باب فيمن رأى غريمه في الحرمالظاهر عدم جواز التعرّض له إذا لم يكن قادرا على أداء الحقّ، فلابدّ من تخصيص في خبر الباب .

باب ما يهدى إلى الكعبةقال الشهيد قدس سره في الدروس : «لو نذر أن يهدي عبدا أو أَمَة أو دابّة إلى بيت اللّه أو مشهد معيّن بيعَ وصرف في مصالحه ومعونة الحاجّ والزائرين» (2) وظاهره فى شرح الإرشاد (3) الإجماع عليه، وهو المشهور بين الأصحاب، وكفاك شاهدا له ما رواه المصنّف في الباب؛ لظهور أخبار عليّ بن جعفر (4) ، و جعفر بن بشير (5) والجعفي (6) ، و إطلاق الهدى على الجارية، ولا فارق بينها و بين العبد و الدابّة، ولا بينها وبين غيرها ممّا يملك. و يؤكّدها ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، أنّه سئل عن امرأة جعلت مالها هدياًوكلّ مملوك لها حرّا إن كلّمت أختها أبدا،

.


1- .كذا بالأصل، و النقص فيه جلي، و في الأصل بياض بقدر سطرين. وانظر: كنز العمّال، ج 12، ص 197، ح 34647؛ الدرّ المنثور، ج 1، ص 136؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 5، ص 135، ح 9173.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 153.
3- .غاية المراد، ج 3، ص 453.
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب.
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب.

ص: 458

قال: «تكلّمها و ليس هذا بشي، إنّما هذا و شبهه من خطوات الشيطان». (1) و قوله تعالى: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِ_غَ الكَعْبَةِ» (2) ، فكلّ ما يحكم به العدلان يكون هديا، و قد يحكمان بقيمة عصفور أوجرادة. و ما روى أنّه صلى الله عليه و آله قال في التكبير إلى الجمعة: «من راح الساعة الخامسة، فكمأنّما أهدى بيضة». (3) و اشتقاق الهدي من الهديّة، وهي شاملة للجميع. ونقل عن الشيخ نجيب الدين (4) وابن أبي عقيل وابن الجنيد (5) بطلان النذر، محتجّين بما في رواية الصدوق مرسلا عن الصادق عليه السلام : وسألته عن امرأة جعلت مالها هديا لبيت اللّه إن أعادت متاعها فلانة وفلانة، فأعار بعض أهلها بغير إذنها، قال: «ليس عليها هدي، إنّما الهدي ما جعل للّه عزّوجل هديا للكعبة، فذلك الذي يوفى به إذا جعل اللّه ، وما كان من أشباه هذا فليس بشيء ولا هدي، ولايذكر فيه اسم اللّه » إلى قوله : أويقول لجزور بعدما نحرت: هو هدى لبيت اللّه ، [ قال ]: «إنّما تهدى البدن وهي أحياء، وليس تهدى حين صارت لحما». (6) والخبر لندرته و إرساله غير قابل للمعارضة لما ذكر، فالأظهر الأوّل. والحكم غير مختصّ بالنذر، بل شامل لجعل شيء للكعبة و إرساله إليها تبرّعا في البيع الصرف فيما ذكر.

.


1- .الفقيه ، ج 3، ص 360، ح 4274؛ وسائل الشيعة، ج 23، ص 218، ح 29407.
2- .المائدة (5): 95.
3- .مسند الشافعي، ص 62؛ مسند أحمد، ج 2، ص 460؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 213؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 4؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 88 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 5، ح 497؛ سنن النسائي، ج 3، ص 99، و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 526، ح 1696؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 13، و في الجميع: «قرب» بدل «أهدي»، و بلفظ المتن تجدها في الخلاف للشيخ الطوسي، ج6، ص 44؛ و مختلف الشيعة ، ج 8 ، ص 204.
4- .كذا بالأصل: و نجيب الدين في علمائنا يطلق على يحيى بن سعد الحلّي، و قد يطلق على محمّد بن جعفر بن نما و على علي بن محمد بن مكّي العاملي، و القول بعدم انعقاد النذز فيما إذا نذر غير الهدى للكعبة منقول عن القاضي ابن البرّاج على ما في مختلف الشيعة، ج 8 ، ص 204؛ و تجد كلامه في المهذّب، ج 2، ص 49.
5- .حكي عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8 ، ص 204.
6- .الفقيه، ج 3، ص 365 366، ح 4294 و 4295؛ وسائل الشيعة، ج 23، ص 233_ 234، ح 29458.

ص: 459

باب في قوله عزّ وجلّ : سواءً العاكف فيه والباد

باب حجّ النبيّ

باب في قوله عزّ وجلّ : «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» (1)ظاهر المصنّف قدس سره كالاخبار التي رواها في الباب حرمة منع الحاجّ عن دور مكّة ومنازلها ، لكن ظاهر الخبر الأوّل الكراهة على ما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء، قال : ذكر أبو عبداللّه عليه السلام هذه الآية «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» فقال : «كانت مكّة ليس على شيء منها باب، وكان أوّل من أغلق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاجّ شيئاً من الدور ومنازلها ». (2) وكذا ما رواه عن حفص بن البختري، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس ينبغي لأهل مكّة أن يجعلوا على دورهم أبواباً ؛ وذلك أنّ الحاجّ ينزلون معهم في ساحة الدار حتّى يقضوا حجّهم » (3) ، وهو الأشهر بين الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (4) والعلّامة في المنتهى (5) ، فتأمّل .

باب حجّ النبيّ صلى الله عليه و آلهيظهر من أخبار الباب أنّه صلى الله عليه و آله حجّ بمكّة عشرين حجّة مستترا، وواحدة بالمدينة علانية، تسمّى حجّة الوداع؛ لقوله عليه السلام في خبر عمر بن يزيد في جواب قول السائل : أحجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير حجّة الوداع؟: «نعم عشرين حجّة ». (6) وفي خبر ابن أبي يعفور : «حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشرين حجّة مستترا ». (7)

.


1- .الحجّ (22) : 25 .
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 420، ح 1458؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 369، ح 17719.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 463؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 269، ح17720.
4- .المبسوط، ج 1، ص 384.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 879 .
6- .هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 125، ح 14419.
7- .هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 9، ح 18455.

ص: 460

وفيما سيأتي عن سليمان بن مهران؛ إذ تلك العشرون لابدّ أن تكون غير حجّة الوداع بقرينة الاستسرار ، فينبغي أن يحمل على ما عدا حجّة الوداع قوله عليه السلام : «حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشرين حجّة» في خبر عمر بن يزيد، ولا ينافي ذلك قوله عليه السلام في خبر عبداللّه بن أبي يعفور: أنّه حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشر حجّات مستسرّا (1) ؛ إذ ليس فيه نفيٌ للزيادة . وربّما يُقال: إنّه صلى الله عليه و آله حجَّ عشرين حجّة، تسع عشرة قبل الهجرة وواحدة بالمدينة . وحكى طاب ثراه عن عياض: أنّه صلى الله عليه و آله حجَّ بمكّة حجّتين، وما ذكر حجّة عليهما ، ولعلّ السرّ في استسراره صلى الله عليه و آله إيّاها بمكّة التقيّة من قريش حيث إنّهم كانوا يبنون حجّهم على قاعدة النسيء لا على ما قرّره أبوه إبراهيم عليه السلام ، وهو صلى الله عليه و آله كان يحجّ على ما هو المقرّر من أبيه عليه السلام . وأمّا في حجّة الوداع فقد أظهرها؛ لعود الزمان في هذه السنة كما كان ، ثمّ الظاهر أنّ تلك الحجّات كلّها كانت قراناً وإفرادا؛ إذ فرض التمتّع إنّما وقع في حجّة الوداع ، وكان صلى الله عليه و آله في ذلك العام قارناً . قوله في خبر عبداللّه بن أبي يعفور : (في كلّها يمرّ بالمأزمين فينزل ويبول) . [ح2 / 6850] قيل : منشأ البول فيه أنّه موضع كسر هُبَل. وفيه: أنّ كسر هبل إنّما كان بعد فتح مكّة وتلك الحجج كانت قبل الهجرة. على أنّ هبل كسر في المسجد ودفن في باب بني شيبة على ما سيجيء . والعلّة فيه إنّما هو ما روى الصدوق في العلل بإسناده عن سليمان بن مهران، قال : قلت لجعفر بن محمّد عليهماالسلام : كم حَجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : «عشرين حجّة مستسرّا، في كلّ حجّة يمرّ بالمأزمين فينزل، فيبول »، فقلت : ياابن رسول اللّه ، ولِمَ كان ينزل هناك فيبول؟ قال : «لأنّه أوّل موضع عُبدَ فيه الأصنام، ومنه اُخذ الحجر الذي نُحِتَ منه هبل

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب.

ص: 461

الذي رمى به عليّ عليه السلام من ظهر الكعبة لمّا علا ظهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأمر بدفنه عند باب بني شيبة، فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنّة لأجل ذلك» (1) الحديث . والمأزمان على ما قاله الشهيد الثاني: بالهمز الساكن ثمّ الزاي المكسورة: الطريق الضيّق بين الجبلين . (2) وقال الجوهري : (3) المأزم ويقال: المأزمان: مضيق بين جمع وعرفة، وآخر بين مكّة ومنى . (4) انتهى . وأصل الأزم: الشدّة والضيق، ومنه قيل للسنة المُجْدِبة أزمَة (5) ، والظاهر أنّ المراد المضيق بين جمع عرفة؛ لشيوع إطلاق المأزمين عليه في الأخبار وكلام العلماء الأخيار . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ) إلخ .[ح 4 / 6852] قال طاب ثراه : أي لم يحجّ تسع سنين، ثمّ نزل فرض الحجّ في السنة العاشرة ، فلا عبرة بما في بعض روايات العامّة: أنّ فرضه كان في سنة ستّ، وفي بعضها في سنة خمس (6) ، وبطل ما قال بعضهم: إنّ أمره صلى الله عليه و آله بالتأذين في السنة العاشرة دلَّ على أنّ وجوب الحجّ ليس على الفور . (7)

.


1- .علل الشرائع، ج 2، ص 449 450، الباب 203، ح 1؛ الفقيه ، ج 2، ص 238، ح 2292، وسائل الشيعة، ج 13، ص 206_ 207، ح 17574.
2- .شرح اللمعة، ج 2، ص 280.
3- .كذا بالأصل، و المذكور في صحاح اللغة، ج 5، ص 1861 (أزم) خصوص المعني الأوّل، و المعنيان مذكوران في القاموس.
4- .القاموس المحيط، ج 4، ص 74.
5- .اُنظر: غريب الحديث لأبي عبيد الهروي، ج 3، ص 330 (أزم).
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 102؛ روضة الطالبين، ج 7، ص 406 و 409؛ الإقناع، ج 2، ص 211؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 1، ص 187 و 220؛ عمدة القاري، ج 1، ص 121.
7- .اُنظر: نصب الراية، ج 3، ص 74؛ نيل الأوطار، ج 5، ص 9؛ فتح العزيز، ج 7، ص 31؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 196؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 177؛ المجموع، ج 7، ص 102 و 103.

ص: 462

وأجاب بعضهم ممّن أوجب الفور بأنّه إنّما أخّره حتّى لا يرى مناكر المشركين في تلبيتهم وطوافهم عُراة . (1) وبعضهم بأنّه أدّى فرضه بمكّة . وردّ بأنّ فرض الحجّ إنّما كان بالمدينة، وبأنّه لم يأمر الناس به قبل العاشرة ، فلو كان فوريّاً لأمرهم به عام الفرض . والعوالي: القرى التي حول المدينة، أقطعها عثمان زيد بن ثابت . والسماط بكسر السين: الصفّ من الناس (2) ، وغرضه صلى الله عليه و آله من قوله : «هذا جبرئيل» إلخ دفع توهّم مَن توهّم أنّه أمر بذلك على سبيل الاجتهاد والتظنّي . ومن أعجب العجائب أنّه مع ذلك قال الآبي : الظاهر أنّه صلى الله عليه و آله قال عن اجتهاد كما يدلّ عليه قوله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت »؛ وغرضه من هذا القول بيان أنّ قوله صلى الله عليه و آله ذلك كان عن اجتهاد كقول شيخه، وأنّ اجتهاد شيخه راجح، فقد كذّب النبيّ صلى الله عليه و آله لتصديق شيخه، وما عرف أنّه صلى الله عليه و آله أراد بقوله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» نزول الوحي بالتمتّع قبل سياق الهدي . انتهى . واعلم أنّ هذا الخبر مرويّ في طرق العامّة أيضاً بطرق متعدّدة ، فقد روى البخاري بإسناده عن جابر بن عبداللّه ، قال : أهلَّ النبيّ صلى الله عليه و آله هو وأصحابه بالحجّ، وليس مع أحد منهم هدي غير النبيّ صلى الله عليه و آله وطلحة، وقدم عليّ من اليمن ومعه هدي، فقال : «أهللت بما أهلّ به النبيّ صلى الله عليه و آله »، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثمّ يقصّروا ويحلّوا، إلّا مَن كان معه الهدي ، قالوا : ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت »، وحاضت عائشة فنسكت المناسك كلّها غير أنّها لم تطف بالبيت ، فلمّا طهرت وطافت بالبيت قالت : يارسول اللّه ، أتنطلقون بحجّة وعمرة وأنطلق بحجّ ، فأمر عبد الرحمن بن

.


1- .عمدة القاري، ج 9، ص 265؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 195؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 176.
2- .مجمع البحرين، ج 2، ص 418 (سمط).

ص: 463

أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحجّ . (1) وروى في موضع آخر هذا الخبر بعينه عن جابر ، وأضاف قوله : وأنّ سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبيّ صلى الله عليه و آله بالعقبة وهو يرميها، فقال : ألكم هذه خاصّة يارسول اللّه ؟ قال : «لا ، بل للأبد ». (2) وروى أخبارا متكثّرة في هذا المعنى تذكر أكثرها في باب أصناف الحجّ . وقال طاب ثراه : وروى مسلم: أنّ عمر قال : قد علمت أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر به وفعله أصحابه، ولكن كرهت أن يظلّوا معرّسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم . (3) وروى أيضاً عن جابر بن عبداللّه حديثاً طويلاً في صفة حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله وذكر فيه: أنّه صلى الله عليه و آله قام على المروة وقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة »، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يارسول اللّه ، ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصابعه واحدة في اُخرى فقال : «دخلت العمرة في الحجّ مرّتين ، لا بل لأبد الأبد ». (4) وعن عائشة أنّها قالت : قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس، فدخل عليَّ وهو غضبان فقلت : مَن أغضبك يارسول اللّه أدخله النار؟ قال : «وما شعرت أنّي آمر الناس بأمر فإذا هم متردّدون، ولو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي ». (5) وعن الجريريّ، عن أبي العلاء، عن مطرف، قال : قال لي عمران بن حصين : إنّي لأحدّثك بحديث اليوم ينفعك اللّه به بعد اليوم ، واعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد اعتمر طائفة

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 171 172.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 201.
3- .صحيح مسلم، ج 4، ص 46؛ و رواه أحمد في المسند، ج 1، ص 50؛ و ابن ماجة في السنن، ج 2، ص 992، ح 2979؛ سنن النسائي، ج 5، ص 153؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 348 349، ح 3715؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 20.
4- .صحيح مسلم، ج 4، ص 40.
5- .صحيح مسلم، ج 4، ص 33 _34؛ و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 19.

ص: 464

من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم يُنه عنه حتّى مضى لوجهه اِرْتَأيَ، أي كلّ امرئ بعدما شاء أن يرتأي . (1) وعن الجريري، عن ابن حاتم أنّه قال في رواية: ارتأي رجل برأيه ما شاء، يعني عمر. (2) و عن مطرف قال : بعث إليَّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي مُحدّثك بأحاديث ولعلّ اللّه ينفعك بها بعدي، فإن عشت فاكتم عنّي، وإن متّ فحدِّث بها إن شئت أنّه قد سلم عليّ ، واعلم أنّ نبيّ اللّه قد جمع بين حجّ وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه ولم ينه عنها نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله قال رجل فيها برأيه ما شاء . (3) ويأتي تحقيق القول فيه في باب أصناف الحجّ إن شاء اللّه تعالى، وبقي الكلام في الخبر في مواضع : الأوّل : استفاد بعض الأصحاب من قوله عليه السلام : «إهلال كإهلال النبيّ صلى الله عليه و آله » صحّة إبهام الإحرام بأن يحرم بما أحرم به فلان، وجزم بها في المنتهى (4) محتجّاً بهذا الخبر، وبما روي من طريق العامّة عن أبي موسى الأشعري، قال : قدمت على النبيّ صلى الله عليه و آله بالبطحاء وهو منيخ، فقال : «أحججت؟» قلت : نعم ، قال : «بما أهللت؟» قلت : لبّيك بإهلال كإهلال النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، ثمّ أحلّ وطف بالبيت وبالصفا والمروة ». ثمّ أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي ثمّ أهللت بالحجّ، فكنت أفتي به حتّى كان في خلافة عمر، فقال : إن أخذنا بكتاب اللّه فإنّه يأمرنا بالتمام، وإن أخذنا بقول النبيّ صلى الله عليه و آله فإنّه لم يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه . (5) وأنت خبير بأنّ هذا الخبر على تقدير صحّته يدلّ على نقيض مدّعاه، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان قارناً وأمره بالتمتّع .

.


1- .صحيح مسلم، ج 4، ص 47.
2- .نفس المصدر.
3- .نفس المصدر، ص 48.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 675 . و به أفتى أيضا في تحرير الأحكام، ج 1، ص 569 ؛ و تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 234.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 203 204.

ص: 465

وأمّا خبر الكتاب فالظاهر أنّ عليّاً عليه السلام إنّما قال ذلك إخبارا عمّا عيّنه وقصد معنى الإحرام من القران، كحجّ النبيّ صلى الله عليه و آله بدليل أنّه كان سائقاً بدنات متكثّرة أو [؟ ]على ما يظهر من الخبر ، فالأظهر ما اختاره الأكثر من عدم الصحّة ووجوب] ؟ [مشخصاته، من كونه إحرام حجّ أو عمرة تمتّع أو غيره، إسلامي أو منذور أو غيرهما ، وقد اختلفت العامّة أيضاً فيها . حكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : دلَّ الحديث على صحّة الإحرام المعلّق على ما أحرم به فلان، وأنّه ينعقد فيصير محرماً بما أحرم به فلان، وأخذ بظاهره الشافعي (1) ، فأجاز الإهلال بالنيّة المبهمة ، ثمّ إن ينقلها إلى ما شاء من حجّ أو عمرة، وأن ينقل من نسك إلى نسك ومنع من ذلك سائر أئمّة الحديث وقالوا : إنّما الأعمال بالنيّات ؛ وهذا عندهم كان جائزا في الصدر الأوّل ؛ لأنّ شرع الحجّ لم يكن تقرّر وما فعله صلى الله عليه و آله ]؟] ولم يكن بعد، ولا يمكننا الإحرام على أمر بغير تحقيق . انتهى . الثاني : يدلّ الخبر على تنوّع بدنات النبيّ صلى الله عليه و آله عند الأصحاب دائرة بين الأربع والستّين والستّ والستّين ، وعن عليّ عليه السلام بين الستّ والثلاثين والأربع والثلاثين ، واستفادوه من هذا الخبر . ويدلّ خبر حمّاد بن عثمان (2) على أنّه كان للنبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثاً وستّين ولعليّ عليه السلام ما غبر، أي ما بقي (3) من المئة، وهو سبع وثلاثون . ويؤيّده ما رواه مسلم عن جابر: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نحر ثلاثاً وستّين بدنة بيده، ثمّ أعطى عليّاً فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثمّ أكل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها . (4)

.


1- .عمدة القاري، ج 9، ص 189؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 229.
2- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
3- .غريب الحديث لأبي عبيد، ج 4، ص 80 .
4- .صحيح مسلم ، ج 4، ص 42. و رواه أحمد في المسند، ج 3، ص 320 321؛ و الدارمي في سننه، ج 2، ص 49؛ وابن ماجة في سننه، ج 2، ص 1027، ح 3074؛ أبو داود في السنن، ج 1، ص 424 428، ح 1905؛ و النسائى في السنن الكبرى، ح 2، ص 450، ح 4119.

ص: 466

وحكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : والبدن التي نحرها النبيّ صلى الله عليه و آله هي التي جاء بها . وقال بعض أهل المعاني : أنّ في نحره الثلاث والستّين إشارة إلى منتهى عمره صلى الله عليه و آله وأنّه نحر عن كلّ عام بدنة (1) ، فتأمّل . الثالث : اشتهر جواز تشريك كلّ من القارنين الآخر في هديه محتجّين بهذا الخبر، فإن أرادوا بذلك جعل بضعة من كلّ بدنة في قدر والطبخ وأكلهما من المجموع وشربهما من مرقه كما هو صريح الخبر على أن يرجع إلى الشركة في الأكل والشرب فلا مرية فيه ، وإن أرادوا ما هو ظاهر كلامهم من نقل كلّ منهما عن قصد اختصاصه [؟ ]إلى نيّة الاشتراك الآخر معه فلا يدلّ الخبر عليه ، بل يحتمل المعنى الأوّل . ويؤيّده ما نقلناه عن الآبي من أنّ البدن التي نحرها النبيّ صلى الله عليه و آله هي التي جاء بها ، فتأمّل . الرابع : يدلّ الخبر على أنّ الأفضل الأرجح أن ينحر الرجل نسكه بيده ، وهو مذهب الأصحاب وأكثر العامّة . (2) وعن مالك (3) وجوب ذلك على الرّجل مع إجزاء الاستنابة محتجّاً بفعل النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأوجب بعضهم الاستنابة على المرأة عن الرجل محتجّاً بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نحر عن أزواجه ولم يأمرهنّ بذلك . واُجيب عنهما بأنّ فعله صلى الله عليه و آله إنّما يدلّ على مطلق الرجحان لا على خصوص الوجوب . قوله في حسنة معاوية بن عمّار: (وهي عمرة الحديبيّة)_ إلى قوله (وعمرة أهل من الجعرانة).[ح 10 / 6858] قال طاب ثراه : الحجازيّون يكسرون العين ويسكنون الراء ، والعراقيّون يسكنون

.


1- .و حكاه أيضا علي بن إبراهيم الحلبي في السيرة الحلبيّة، ج 3، ص 328.
2- .اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3 ص 564؛ المحلّى، ج 7، ص 380؛ المقنعة، ص 419 و الظاهر منه لزم كونه بيده إن أمكنه ذلك؛ جامع الخلاف و الوفاق، ص 217؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 313.
3- .مواهب الجليل، ج 4، ص 373.

ص: 467

العين ويخفّفون الرّاء ، وكذلك اللغتان التشديد والتخفيف في الحديبيّة . (1) انتهى . واعلم إنّما دلّ عليه الخبر من كمّيّة عمرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو مذهب أهل العلم إلّا ما سيحكى عن عبداللّه بن عمر . ويدلّ عليه أكثر أخبار العامّة أيضاً . روى البخاري بإسناده عن همام، عن قتادة، قال: سألت أنساً : كم اعتمر النبيّ صلى الله عليه و آله ؟ قال : أربعاً : عمرة الحديبيّة في ذي القعدة حيث صدّه المشركون ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم ، وعمرة الجعرانة إذ قسّم غنيمة حنين . قلت : كم حجّ؟ قال : واحدة . (2) وعن همام، قال : وقال يعني قتادة _ : اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلّا التي اعتمر مع حجّته: عمرته من الحديبيّة ، وفي العام المقبل ، ومن الجعرانة حيث قسّم غنائم حُنين ، وعمرة مع حجّته . (3) وفي بعض أخبارهم: أنّه اعتمر عمرتين ، رواه البخاري بإسناده عن أبي إسحاق، قال : سألت مسروقاً وعطاء ومجاهدا، فقالوا : اعتمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذي القعدة قبل أن يحجّ مرّتين . (4) وقال: سمعت براء بن عازب يقول اعتمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذي القعدة قبل أن يحجّ مرّتين . 5 وقولهم ليس بحجّة علينا، على أنّه يمكن اطلاعهم على الزائد على المرّتين . ثمّ الظاهر من هذا الخبر ومن بعض أخبارهم المذكورة وقوع كلّها في ذي القعدة . وحكي عن ابن عمر أنّه قال : اعتمر صلى الله عليه و آله أربعاً، إحداهنّ في رجب ، وورد تكذيبه عن

.


1- .نفس المصدر.
2- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 204 205؛ النهاية، ج 1، ص 276 (جعر)؛ معجم ما استعجم، ج 2، ص 384، و المذكور فيه أنّ العراقيين يقولون بكسر الجيم و العين و تشديد الراء المهلمه، و الحجازيّون يخففون بتسكين العين و تخيفيف الراء.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 199.
4- .نفس المصدر، و كلمة «مرتين» غير موجودة فيه.

ص: 468

باب فضل الحجّ والعمرة وثوابهما

عائشة ، روى البخاري بإسناده عن مجاهد، قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فاءذا عبداللّه بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا اُناس يصلّون في المسجد صلاة الضحى ، قال : فسألناه عن صلاتهم فقال : بدعة ، ثمّ قال له : كم اعتمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : أربعاً، إحداهنّ في رجب ، فكرهنا أن نردّه عليه . قال : وسمعنا استنان عائشة اُمّ المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة : يا اُمّه يا اُمّ المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت : ما يقول؟ قال : يقول إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اعتمر أربع عمرات، إحداهنّ في رجب ، قالت : يرحم اللّه أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلّا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قطّ . (1) وكذا الظاهر أنّ العدد المذكور إنّما كان لعمرته المفردة عن الحجّ في عامها، كما يدلّ عليه خبر قتادة، فلا ينافي ما ذكر عمرة خامسة وقعت منه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع مع الحجّ إجماعاً لأهل العلم، وإن اختلفوا في أنّها صارت عنه بإحرام جديد أو كانت منضمّة إلى إحرام الحجّ بناءً على اختلافهم في تفسير القرآن، كما ستعرفه في محلّه إن شاء اللّه تعالى ، وقد سبق أنّه صلى الله عليه و آله حجّ عشرين حجّة قبل حجّة الوداع، واحتمل وقوع عمرة مع كلّ حجّة منه صلى الله عليه و آله ، فتدبّر .

باب فضل الحجّ والعمرة وثوابهماالأخبار في ذلك متظافرة من الطريقين وكفاك ما ذكره المصنّف في الباب . قوله في خبر القلانسي: (قال : الحاجّ مغفورٌ له) إلخ .[ح 1 / 6863] قال طاب ثراه : يعني أنّ الحاج على ثلاثة أصناف : صنف وجبت له الجنّة، وهو الذي غفر له ذنوبه ما تقدَّم منها وما تأخّر ، وصنف غفر له ما تقدّم من ذنوبه، ويُكتب عليه ذنبه فيما تأخّر ، وصنف ثمرة الحجّ يعود إليه في دنياه، فيحفظ في أهله وماله، ومالَهُ في الآخرة من نصيب .

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 198 199. و ورد أيضا في مسند أحمد، ج 2، ص 129 و 155.

ص: 469

وحديث جابر (1) صريح في ذلك . وقال ابن العربي : هذه الطاعة لا تكفِّر الكبائر وإنّما تكفّرها الموازنة والتوبة، والصلاة لا تكفّرها، فكيف تكفّرها العمرة والحجّ ؟ ولكن هذه الطاعة ربّما أثّرت في القلب فحملته على التوبة . وعن بعضهم أنّ الثواب بالجنّة بعد المؤاخذة بمقدار الذنب . قوله في حسنة الكاهليّ : (أما ترى أنّه يشعث فيه رأسك) إلخ .[ح 7 / 6869] الشعث: التفرقة والانتشار (2) ، والمراد هنا انتشار شعر الرأس، ويعبّر عنه بالفارسية ب(ژوليدگى موى سر ). والقشف محرّكة: قذر الجلد ورثاثة الهيئة وسوء الحال (3) ، ورجل متقشّف، أي تارك للنظافة والتّرفّه. (4) والسُّوقة من الناس: الرعية ومن دون الملك، وكثير من الناس يظنّون أنّ السُّوقة أهل الأسواق . (5) قوله في خبر الفضيل بن يسار : (لا يحالف الفقر والحمّى مدمن الحجّ) . [ح 8 / 6870] حالفه بالحاء المهملة والفاء، أي لازمه وعاهده . (6) قوله في خبر أبي محمّد الفرّاء : (تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب )، إلخ .[ح 12 / 6874] وفي القاموس : الكير: زق ينفخ فيه الحدّاد ، وأمّا المبني من الطين فهو الكور . (7) قوله في مرسل عليّ بن أسباط : (واترعي في مائك) [ح 20 / 6882] ترع الإناء بكسر العين: امتلأ . (8) وفي بعض النسخ: مثابك بالثاء المثلّثة بدل مائك .

.


1- .هو الحديث 39 من هذا الباب.
2- .صحاح اللغة، ج 1، ص 285 (شعث).
3- .القاموس المحيط، ج 3، ص 185.
4- .النهاية، ج 4، ص 66 (قشف).
5- .النهاية، ج 2، ص 424.
6- .اُنظر: صحاح اللغة، ج 4، ص 1346 (حلف).
7- .القاموس المحيط، ج 2، ص 130 (كير).
8- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1191 (ترع).

ص: 470

قال الجوهري : (1) «ثاب الحوض ثوباً: امتلأ أو قارب، وأثبته ومثاب البئر: مقام الساقي أو وسطها، ومثابتها: مبلغ جموم مائها، وما أشرف من الحجارة حولها» . قوله في خبر سعيد السمّان : (فيعطي قسماً) إلخ .[ح 23 / 6885] القسم بالكسر: الحظّ والنصيب من الخير. (2) والجدّ الاجتهاد في الأمر، تقول: جدَّ في الأمر يَجِدّ ويجُدّ . (3) قوله في حسنة أبي حمزة (في حجّة الوداع ) .[ح 24 / 6886] قال طاب ثراه : سمّيت بذلك الاسم لأنّه صلى الله عليه و آله وادع كعبة، أو وادع الناس فيها ولم يحجّ بعد الهجرة غيرها وكانت سنة عشرة . (4) قوله في خبر ابن الطيّار : (حججٌ تَترى وعمر تسعى يدفعن غيلة الفقر وميتة السوء) .[ح 36 / 6898] قال الجوهري : (5) جاؤوا تترى ويُنوّن، وأصلها وترُى متواترين . انتهى . وقيل : فيها لغتان تنوّن ولا تنوّن مثل عَلقى، فمن ترك صرفها في المعرفة جعل ألفها ألف التأنيث ومن نوّنها جعل ألفها ملحقة، وأصلها وترى من الوتر وهو الفرد ، قال تعالى : «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى» (6) . (7) والظاهر أنّ تسعى تمييز لعدد الحجج والعمر جميعاً .

.


1- .كذا بالأصل، ولم أعثر على كلام الجوهري في صحاح اللغة، و هذه العبارت بعينها موجودة في القاموس المحيط، ج 1، ص 42.
2- .صحاح اللغة، ج 5، ص 2010 (قسم).
3- .صحاح اللغة، ج 5، ص 452 (جدد).
4- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 134؛ الديباج على مسلم، ج 3، ص 300.
5- .كذا بالأصل، ولم أعثر على هذا الكلام في صحاح اللغة للجوهري، و هو موجود في القاموس المحيط، ج 2، ص 152 (وتر).
6- .المؤمنون (23) : 44 .
7- .صحاح اللغة، ج 2، ص 483 (وتر).

ص: 471

باب فرض الحجّ والعمرة

قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (ويوم عرفة يوم يُباهي اللّه به الملائكة ) . [ح 37 / 6899] قال طاب ثراه : أي يثني على مَن عبده في ذلك، وذلك المشعر من الناس، ويعظّمهم بحضرة الملائكة كما ورد في الأثر ، يقول للملائكة : «انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبرا، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم » (1) ، وهذا تذكير للملائكة في قولهم : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا» (2) ، وتحقيق لقوله : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» . قوله في خبر سعيد بن يسار : (قد ضحاهم بالشمس ) .[ح 44 / 6906] ضحى للشمس، إذا برَزَ، وضحّيتهُ أنا. (3) والشعب: إصلاح الصدع (4) ، والمراد هنا سدّ الفُرج بنفسه وبرجله، وهو مستحبّ؛ ليطمئنّ به للعبادة، ولا يضطرب نفسه عن السرقة والمختلسين.

باب فرض الحجّ والعمرةوجوب الحجّ مع الاستطاعة مرّة في العمر من ضروريّات الإسلام ، وأمّا العمرة فقد أجمع الأصحاب على وجوبها كذلك ، ووافقنا في ذلك أكثر من خالفنا . والأصل فيه قوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (5) بناءً على أنّ المراد الأمر بفعل الحجّ والعمرة وإتمامهما كما صرّح به أكثر المفسّرين . ويستفاد من بعض الأخبار كحسنة عمر بن اُذينة (6) ، وعن عليّ عليه السلام (7) إتمامهما أن

.


1- .التمهيد، ج 1، ص 121.
2- .البقرة (2) : 30 .
3- .اُنظر: صحاح اللغة، ج 2، ص 2407 (ضحا).
4- .صحاح اللغة، ج 1، ص 155 (شعب).
5- .البقرة (2) : 196 .
6- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
7- .شرح معاني الآثار، ج 2، ص 160؛ التمهيد، ج 20، ص 16؛ جامع البيان للطبري، ج 2، ص 283، ح 2606؛ معاني القرآن للنحّاس، ج 1، ص 112؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 319، و ج 3، ص 304؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 276؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 341.

ص: 472

تحرم بهما من دويرة أهلك ، والأخبار المتظافرة من الطريقين شاهدة عليه، وكفاك من طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب ، وروى الجمهور عن أبي زرين أنّه أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه ، إنّ أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجّ ولا العمرة ولا الظَّعن ، قال : «حُجّ عن أبيك واعتمر ». (1) وعن ابن عمر، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : أوصني ، فقال : «تُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحجّ وتعتمر ». (2) وعنه قال : على كلّ مسلم حجّة وعمرة واجبتان، فمن زاد فهو تطوّع . (3) وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر أنّه قال : ليس أحد إلّا وللّه عليه حجّة وعمرة . (4) وعن ابن عبّاس أنّه قال: أنّه لقرينتها في كتاب اللّه «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (5) . (6) ويؤيّد تلك الأخبار ما تواتر من أمره صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع من لم يسق الهدي بالعدول إلى العمرة . وحكى في العزيز عن أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي استحبابها محتجّين بما نقلوا عن جابر أنّه صلى الله عليه و آله سُئل عن العمرة، أواجبة هي؟ فقال : «لا ، وأن تعمروا فهو أفضل ». 7

.


1- .مسند أحمد، ج 4، ص 10 و 11 و 12؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 970، ح 2906؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 204، ح 933؛ سنن النسائي، ج 5، ص 111 و 117؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 320، ح 3600، و ص 324، ح 3617؛ مسند الطيالسي، ص 147؛ المستدرك، ج 1، ص 481؛ السنن الكبرى، ج 4، ص 329.
2- .المستدرك للحاكم، ج 1، ص 51 مع فقرات اُخرى؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 173؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 60.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 643. و نحوه في المستدرك للحاكم، ج 1، ص 471؛ السنن الكبرى، ج 4، ص 351؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 356؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 250، ح 2694.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 198.
5- .البقرة(2): 196.
6- .فتح العزيز، ج 7، ص 48. وانظر: مسند أحمد، ج 3، ص 316؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 205، ح 935؛ مسند أبي يعلى، ج 3، ص 443، ح 1938؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 251، ح 2698.

ص: 473

وقال بعض الأصحاب : إنّهم احتجّوا في ذلك بأخبار . قال ابن عبد البرّ : إنّها لا تصحّ ثمّ بعد ذلك نحملها على المعهود، وهي العمرة التي قضوها حين اُحصروا في الحديبيّة ، أو على العمرة التي اعتمروها مع حجّهم مع النبيّ صلى الله عليه و آله فإنّها لم تكن واجبة على مَن اعتمر، أو على ما زاد على العمرة الواحدة . (1) وحكي عن بعضهم القول بوجوبها على الآفاقي فقط . واعلم أنّ العمرة المفردة تسقط بالإجماع بعمرة التمتّع . ويدلّ عليه أخبار، منها: حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج . (2) ومنها: ما رواه الصدوق عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «العمرة مفروضة مثل الحجّ، فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة ». (3) قوله في صحيحة عليّ بن جعفر : (إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدّة في كلّ عام) إلخ .[ح 5 / 6915] قال الجوهري : وجد المال يجده وجدا مثلّثة وجدة: استغنى . (4) وفيه مبالغة في استحباب الحجّ على الأغنياء في كلّ عام . وحكى في المنتهى قولاً بوجوبه، وقال : «هذه حكاية لم تثبت، وهي مخالفة للإجماع والسنّة» . (5) ثمّ التعبير عن ترك الحجّ بالكفر في قوله تعالى : «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (6)

.


1- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 12 13؛ و كلام ابن عبد البرّ مذكور في المغني لابن قدامة، ج 3، ص 174؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 160.
2- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي، و هذا الحديث لا يدلّ على ما قال، بل الدالّ عليه الحديث الذي بعدي و هو حديث معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام .
3- .الفقيه، ج 2، ص 450، ح 2941؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 306، ح 19270.
4- .صحاح اللغة، ج 2، ص 547 (وجد)، و فيه: «و وجد في المال وجدا و وجدا وجدة، أي استغنى».
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 643.
6- .آل عمران (3) : 97 .

ص: 474

باب استطاعة الحجّ

يشعر بأنّه كفر ، ويؤيّده قولهم عليهم السلام في أخبار متعدّدة : «فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً ». (1) وأكثر الأصحاب حملوها على من تركه مُنكرا؛ له لقوله عليه السلام في هذه الصحيحة : «لا، ولكن مَن قال ليس هذا هكذا فقد كفر ». وفي كنز العرفان : «تسمية ترك الحجّ كفرا من حيث إنّه فعل الكفرة، وأنّ تركه من أعظم الكبائر» . (2) ومن الغرائب أنّي رأيت في المنام مدّة قبل هذا أنّي كنت جالساً لدى الشيخ السعيد الشهيد الثاني قدّس اللّه روحه مستفيدا منه ما لم يبق ببالي بعد الانتباه، إلّا أنّي تذكّرت أنّه قال : وصل إليَّ توقيع ممّن سمّاه من الأئمّة عليهم السلام ونسيته أناوأخرج من بين كتاب كان عنده، وهو كتاب مسالك الأفهام الذي من مصنّفاته رفعه وأعطانيها، فإذا فيها سؤال وجواب بالعربيّة، مضمون السؤال : أنّ من آمن بالحجّ وتركه مع الاستطاعة هل إيمانه إيمان أو هل هو مؤمن؟ وجوابه عليه السلام في الهامش : لا. أو لا إيمان له ، والترديد في الموضعين منّي .

باب استطاعة الحجّاعلم أنّ وجوب الحجّ والعمرة على ما صرّح به أهل العلم من الفريقين ، ويستفاد من الأخبار من الطريقين مشروط بشروط ثلاثة : أوّلها : شرائط أصل التكليف بسائر العبادات من البلوغ والعقل . وثانيها : الحرّية . وثالثها : الاستطاعة . وقد اعتبر العامّة فيه الإسلام أيضاً كما اعتبروه في التكليف بسائر العبادات زعماً منهم أنّ تكليف الكافر بها تكليف بما لا يُطاق ؛ لعدم صحّتها مع الكفر ، وأجمع

.


1- .اُنظر: وسائل الشيعة، ج 11، ص 29 30، ح 14162.
2- .كنز العرفان، ج 1، ص 267.

ص: 475

الأصحاب على عدم اشتراطه به، قائلين: إنّ اشتراط صحّتها به إنّما يكون موجباً لتكليفهم بما لا يُطاق إذا لم يكن الإيمان مقدورا لهم، وقدرتهم عليه ظاهرة ، كيف لا وهم مكلّفون به بالضرورة عندهم أيضاً؟! فلا فرق بين تكليفهم بها وتكليف الجنب في وقت الزوال بالصلاة، والفرق بينهما من غير فارق ، والآيات والأخبار شاهدتان عليه . والشرطان الأوّلان يجيء القول فيهما . وأمّا الاستطاعة، فعلى المشهور من مذهب الأصحاب إمكان المسير بتخلية السرب، والقدرة على الركوب، والزاد والراحلة، ونفقة عياله الواجبي النفقة ذهاباً وإياباً؛ لما ذكره في الباب وغيره، وسيأتي بعضها. ولا يشترط بالرجوع إلى كفاية من صناعة أو بضاعة أو ضياع ونحوها ؛ لعموم النصوص . واشترطه المفيد قدس سره حيث قال في المقنعة : والاستطاعة عند آل محمّد عليهم السلام للحجّ بعد كمال العقل وسلامة الجسم ممّا يمنعه من الحركة التي يبلغ بها المكان ، والتخلية من الموانع بالإلجاء والاضطرار، وحصول ما يلجأ إليه في سدّ الخلّة من صناعة يعود إليها في اكتسابه، أو ما ينوب عنها من متاع أو عقار أو مال ، ثمّ وجود الراحلة بعد ذلك والزاد . وروى أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه السلام قال : سُئل عن قوله عزّ وجلّ : «مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (1) قال : «ما يقول فيها هؤلاء؟» فقيل له : يقولون الزاد والراحلة ، فقال عليه السلام : «قد قيل ذلك لأبي جعفر فقال : هلك الناس إذا كان من كان له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله ويستغني به عن الناس، فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك، ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه، لقد هلك الناس إذن . فقيل له : فما السبيل عندك؟ قال : السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه ويبقي بعض يقوت به نفسه وعياله ». (2) واُورد عليه بأنّ الخبر لا يدلّ على مدّعاه، بل إنّما يدلّ على وجود ما يخلّفه لنفقة

.


1- .آل عمران (3): 97.
2- .المقنعة، ص 384 385؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 38، ح 14181.

ص: 476

عياله إلى رجوعه ، وأنت خبير بصراحة ما رواه في مطلوبه . نعم ، هذا الخبر على ما رواه المصنّف (1) وغيره (2) لا يدلّ عليه، وكأنّ نظر الرادّ إليه، فتأمّل . واعتبره الشيخ أيضاً في المبسوط (3) والخلاف محتجّاً عليه في الخلاف بالإجماع وأصالة البراءة، إلّا ما ثبت وجوبه ولم يثبت بدونه ، وقال : «ولم يعتبره أحد من الفقهاء إلّا ما حكي عن ابن سريج (4) ، فإنّه قال : لو كانت له بضاعة يتّجر بها ويربح قدر كفايته اعتبرنا الزاد والراحلة في الفاضل عنها ولا يحجّ ببضاعته» . (5) وحكي ذلك عن ابن البرّاج (6) وأبي الصلاح (7) أيضاً . واعلم أنّ ظاهر إطلاق الأخبار اشتراط الزاد والراحلة في القريب أيضاً، ولم يعتبرهما العلّامة رحمه اللهفيه (8) ، ولم يعتبر الشافعي الراحلة فيما دون مسافة القصر . (9) هذا، وقد ورد في بعض الأخبار كفاية القدرة على المشي في الاستطاعة كما ذهب إليه أكثر العامّة ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل عليه دين، أعليه أن يحجّ؟ قال : «نعم، إنّ حجّة الإسلام واجبة على مَن أطاق المشي من المسلمين ، ولقد كان مَن حجّ مع النبيّ صلى الله عليه و آله مشاة، ولقد مرَّ صلى الله عليه و آله بكراع الغميم فشكوا إليه

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
2- .الفقيه، ج 2، ص 418 419، ح 2858؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 2 3، ح 1؛ الاستبصار، ج 2، ص 139، ح 453.
3- .المبسوط، ج 1، ص 297.
4- .أبوالعبّاس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشافعي و يلقّب بالباز الأشهب، من فقهاء الشافعيّة، ولد سنة بضع و أربعين و مئتين في بغداد و ولي القضاء بشيراز، ثمّ رجع إلى بغداد و توفّي بها في سنة 306 ه ق، له نحو 400 مصنّف. راجع: الأعلام للزركلي، ج 1، ص 185؛ معجم المؤلّفين، ج 2، ص 31؛ سير أعلام النبلاء، ج 14، ص 201، الرقم 114.
5- .الخلاف، ج 2، ص 245 246، المسألة 2؛ و كلام ابن سريج مذكور في فتح العزيز، ج 7، ص 14، و المجموع للنووي، ج 7، ص 73.
6- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 5.
7- .الكافي في الفقه، ص 192.
8- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 51.
9- .المجموع للنووي، ج 7، ص 89 .

ص: 477

باب من سوّف الحجّ وهو مستطيع

الجهد والعناء، فقال : شدّوا اُزركم واستبطنوا ، ففعلوا ذلك فذهب عنهم ». (1) وفي رواية أبي بصير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : قول اللّه عزّ وجلّ : «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (2) قال : «يخرج ويمشي إن لم يكن عنده شيء »، [قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي و يركب]. قلت : لا يقدر ، قال : «يخدم القوم ويخرج معهم ». (3) وفي الاستبصار : الوجه فيهما أحد شيئين : أحدهما : أن يكونا محمولين على الاستحباب ؛ لأنّ من أطاق المشي مندوب إلى الحجّ، وإن لم يكن واجباً يستحقّ بتركه العقاب، ويكون إطلاق اسم الوجوب على ضرب من التجوّز ، مع أنّا قد بيّنا أنّ ما هو مؤكّد شديد الاستحباب يجوز أن يقال فيه: إنّه واجب وإن لم يكن فرضاً . والوجه الثاني: أن يكونا محمولين على ضرب من التقيّة، لأنّ ذلك مذهب بعض العامّة . (4)

باب من سوّف الحجّ وهو مستطيعقال طاب ثراه : أحاديث الباب تدلّ على أنّ الحجّ فوريّ، وهو مذهب أصحابنا (5) والشافعيّة والحنفيّة (6) ، وقال بعضهم : إنّه على التراخي (7) ، وقال مالك : لا تخرج له المعتدّة من وفاة ، وفي رواية

.


1- .آل عمران (3): 97.
2- .الفقيه، ج 2، ص 295، ح 2503؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 11، ح 27؛ الاستبصار، ج 2، ص 140 141، ح 458؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 43، ح 14195.
3- .الفقيه، ج 2، ص 295، ح 2504؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 10 11، ح 26؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 457؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 43 44، ح 14196.
4- .الاستبصار، ج 2، ص 141، ذيل الحديث 458.
5- .اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 257، المسألة 22؛ النهاية، ص 205؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 17؛ السرائر، ج 1، ص 515.
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 103؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 72 73؛ عمدة القاري، ج 9، ص 128.
7- .و هذا قول الشافعي، و سأذكر مصادره.

ص: 478

باب من يخرج من مكّة لا يريد العود إليها

باب أنّه ليس في ترك الحجّ خيرة وأنّ مَن حُبِسَ عنه فبذنب

ابن نافع يؤخّر الابن لرضا أبويه عامين حتّى يأذنا له، وبالتراخي أخذت جماعة من المغاربة . (1) انتهى . ونسب السيّد رضى الله عنه في الناصريّات التراخي إلى الشافعي (2) ، ثمّ احتجّ على مذهب الأصحاب بأنّ الأمر شرعاً يفيد الفور وإن لم يكن كذلك لغةً ، وبما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن وجد من الزاد والراحلة ما يبلغه الحجّ فلم يحجّ، فليمت إن شاء يهوديّاً وإن شاء نصرانيّاً ». (3)

باب من يخرج من مكّة لا يريد العود إليهايدل أخبار الباب على أنّ مَن هذا شأنه ينقص عمره ، وروى الشيخ قدس سره عن أبي خديجة، قال : كنّا مع أبي عبداللّه عليه السلام وقد نزلنا الطريق، فقال : «ترون هذا الجبل ثافِلاً، إنّ يزيد بن معاوية لمّا رجع من حجّه مرتحلاً إلى الشام، ثمّ أنشأ يقول : إذا تركنا ثافلاً يميناًفلن نعود بعدها سنينا للحجّ والعمرة ما بقينا[................] فأماته اللّه قبل أجله ». (4)

باب أنّه ليس في ترك الحجّ خيرة وأنّ مَن حُبِسَ عنه فبذنبالتنكير في «ذنب» للتعظيم ، ويؤيّده قوله عليه السلام : «وما يعفو أكثر» بعد قوله: «ما حبس عبدٌ عن هذا البيت إلّا بذنب» في خبر سماعة . (5)

.


1- .التمهيد، ج 16، ص 163؛ مواهب الجليل، ج 3، ص 420.
2- .المجموع للنووي، ج 7، ص 103؛ المغني، ج 3، ص 195؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 72 73؛ عمدة القاري، ج 9، ص 128؛ التمهيد، ج 16، ص 164.
3- .الناصريّات، ص 305 306.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 462، ح 1612؛ و رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 220، ح 2225؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 152، ح 14502.
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 137، ح 14458.

ص: 479

باب لو ترك الناس الحجّ لجاءهم العذاب

باب نادرٌ

باب الإجبار على الحجّ

باب لو ترك الناس الحجّ لجاءهم العذابيعني العذاب الدنيوي . قوله في موثّق حنّان بن سدير : (لو عطّلوه سنة واحدة لم يناظروا ) .[ح 2 / 6937] قال طاب ثراه : الظاهر أنّ المراد أنّهم لم يناظروا العذاب في الدنيا، بل ينزل عليهم بغتةً . ويؤيّده ما مرّ . ويحتمل أن يُراد أنّهم لم يناظروا يوم القيامة، بل يدخلون النار بغير مناظرة ولا محاسبة . ويؤيّده ما نقله السيّد رضيّ الدين رضى الله عنه في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «اللّه اللّه في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن تُرِك لم تناظروا يوم القيامة ». (1) وقال بعض الشارحين : بل يدخلون النار بغير مناظرة ولا محاسبة، وذلك من باب المبالغة والتشديد والإيذان بعظم شأن الحجّ . ونظيره من القرآن الكريم : «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» . (2)

باب نادرٌيذكر فيه ما يدلّ على عقوبة الناهي عن الحجّ والمانع عنه

باب الإجبار على الحجّفي بعض النسخ والزيارة أيضاً، وهو أظهر؛ لدلالة الخبر الأوّل من الباب على الإجبار عليها أيضاً ، وصرّح جماعه منهم الشيخ في النهاية (3) بوجوب الإجبار على زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله على الإمام إذا تركها الناس جميعاً .

.


1- .نهج البلاغة، الوصيّة 47.
2- .آل عمران (3): 97.
3- .النهاية، ص 285؛ و مثله في المبسوط، ج 1، ص 385.

ص: 480

باب إنّ مَن لم يطق الحجّ جهّز غيره

وفي السرائر قال محمّد بن إدريس : إجبارهم على زيارة الرسول عليه السلام لايجوز؛ لأنّها غير واجبة ، بل ذلك مؤكّد الاستحباب دون الفرض والإيجاب بغير خلاف ، وإذا كان الشيء شديد الاستحباب دون الفرض أتى به على لفظ الوجوب على ما أسلفنا القول في معناه . (1) وفيه: أنّ استحبابها لا ينافي وجوب الإجبار عليها إذا تركها الناس جميعاً، لاستلزام ذلك التهاون بحرمته صلى الله عليه و آله ، بل قد قيل بتعميم الحكم في ترك كلّ مندوب كذلك، لاستلزامه الاستخفاف بالسنّة .

باب أنّ مَن لم يطق الحجّ جهّز غيرهذهب الشيخ قدس سره إلى وجوب الاستنابة في عام الاستطاعة على مَن جمع شرائطها، سوى إمكان المسير لكبر أو مرض أو سلطان أو عدوّ لا يرجى زوالها . (2) يدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سرهصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ عليّاً عليه السلام رأى شيخاً لم يحجّ قطّ ولم يطق الحجّ من كبره، فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه ». (3) وادّعى في الخلاف (4) عليه الإجماع ، وبه قال أكثر العامّة، منهم الشافعي (5) وأبو حنيفة وأحمد (6) ، محتجّين بما نقلوه عن عليّ عليه السلام أنّه سئل عن شيخ يجد الاستطاعة ، فقال : «يُجهّز مَن يحجّ عنه ». (7)

.


1- .السرائر، ج 1، ص 647.
2- .المبسوط، ج 1، ص 299؛ الخلاف، ج 2، ص 248، المسألة 6.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 14، ح 38؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 63، ح 14247.
4- .الخلاف، ج 2، ص 249.
5- .كتاب الاُمّ، ص 123؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 93؛ مختصر المزني، ص 62؛ أحكام القرآن للشافعي، ج 1، ص 133.
6- .المجموع للنووي، ج 7، ص 100؛ الخلاف، ج 2، ص 248؛ المغني، ج 3، ص 177؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 177.
7- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 178.

ص: 481

وعن ابن عبّاس: أنّ امرأة من خثعم أتت النبيّ صلى الله عليه و آله فقالت : يارسول اللّه ، أنّ فريضة اللّه على عباده، أدركت أبي شيخاً كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، أفأحجّ عنه؟ قال : «نعم »، قالت : أينفعه ذلك؟ قال : «نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه ». (1) ونفاه ابن إدريس (2) محتجّاً بانتفاء الاستطاعة، وفرعيّة وجوب الاستنابة لوجوبه . ورجّحه العلّامة في المختلف (3) متمسّكاً بأصالة البراءة، وقد حملا ما ذكر من الأخبار على الندب . ويؤيّده ما رواه الشيخ عن سلمة أبي حفص، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّ رجلاً أتى عليّاً عليه السلام ولم يحجّ قطّ، فقال : إنّي كنت كثير المال وفرّطت في الحجّ حتّى كبر سنّي ، قال : «فتستطيع الحجّ؟» قال : لا ، فقال عليه السلام : «إن شئت فجهّز رجلاً ثمّ ابعثه يحجّ عنك ». (4) وما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام أنّه قال لشيخ كبير لم يحجّ : «إن شئت فجهّز رجلاً يحجّ عنك ». (5) وهو ظاهر المفيد حيث قال في المقنعة : «ومَن وجب عليه الحجّ فمنعه مانع فلا بأس أن يخرج عنه». (6) وإن كان العذر مرجوّ الزوال يستحبّ الاستنابة عندنا . (7) وبه قال أبو حنيفة (8) ، ومنعه الشافعي في أحد قوليه على ما يظهر من العزيز (9) محتجّاً بأنّه لا ضرورة إليه.

.


1- .مسند الشافعي، ص 108؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 112، و ج 15، ص 519؛ و مع مغايرة في العبارة في مسند أحمد، ج 1، ص 251 و 329 و 359؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 40؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 218، و ج 5، ص 125، و ج 7، ص 126؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 101؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 406 407، ح 1809؛ سنن النسائي، ج 8 ، ص 228؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 325، ح 3621؛ و ج 3، ص 471، ح 5954 و 5955؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 342.
2- .السرائر، ج 1، ص 516.
3- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 11.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 460، ح 1599؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 64، ح 14249.
5- .معرفة السنن و الآثار للبيهقي، ج 3، ص 475؛ كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 125؛ مختصر المزني، ص 62.
6- .المقنعة، ص 442.
7- .اُنظر: المبسوط للطوسي، ج 1، ص 299؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 71، المسألة 52.
8- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 179؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 72.
9- .فتح العزيز، ج 7، ص 39 40، وانظر المصادر المتقدّمة.

ص: 482

باب ما يجزي عن حجّة الإسلام وما لا يجزي

ويستحبّ في غير حجّة الإسلام مطلقاً وإن قدر عليه ، فقد روى الشيخ عن سليمان بن الحسين كاتب عليّ بن يقطين أنّه قال : أحصيت لعليّ بن يقطين من وافى عنه في عام واحد خمسمئة وخمسين رجلاً، أقلّ من أعطاه سبعمئة، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف. (1) وهو المشهور بين العامّة منهم أبو حنيفة والشافعي في قول ، ونفاه في قول آخر . (2) ومنع مالك جواز الاستنابة للحيّ مطلقاً، واجباً كان الحجّ أو مندوباً متمسّكاً بأنّه عبادة بدنية غير قابلة للنيابة . (3) هذا ، ولو زال العذر ففي الواجب وجب عليه الحجّ مطلقاً، سواء كان عذره مرجوّ الزوال أم لا ، وهو مذهب (4) الأصحاب (5) وفاقاً لأكثر العامّة ، وللشافعيّة في غير مرجوّ الزوال قول بسقوط الفرض معلّلين بأنّه قد فعل ما يؤمر به . (6)

باب ما يجزي عن حجّة الإسلام وما لا يجزيفيه مسائل :الاُولى : قال العلّامة في المنتهى: «لو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه الحجّ مع استكمال الشروط الباقية، وكذا لو حجّ به بعض اُخوانه ، وذهب إليه علماءنا خلافاً للجمهور» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1603؛ اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 737، الرقم 824 .
2- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 180؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 202 204؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 116، و المذكور في الجميع القول بالمنع عن الشافعي.
3- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 69؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 177؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 177؛ و حكي في المجموع للنووي، ج 7، ص 116، جواز الاستنابة في التطوع عن مالك في رواية عنه.
4- .في نسخة «ه»: + «أكثر».
5- .الخلاف، ج 2، ص 251، المسألة 1؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 70، المسألة 51.
6- .اُنظر: فتح العزيز، ج 7، ص 42 43؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 178؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 113.
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 652.

ص: 483

والظاهر أنّه أراد بالأوّل بذل عين الزاد والراحلة؛ لما سيأتي. وظاهر الأكثر كالأثر وجوبه بمجرّد البذل، فيجب عليه القبول ، واستشكله في الدروس منه، ومن عدم وجوب تحصيل الشرط. (1) واختلفوا في وجوبه فيما إذا بذل له أثمان الزاد والراحلة، فنسب في المدارك (2) القول به إلى العلّامة في التذكرة (3) ، وإلى إطلاق الأكثر؛ لإطلاق الأخبار . ونفاه جماعة منهم الشهيد الثاني (4) وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين، وهو ظاهر العلّامة في المنتهى حيث قال بعدما ذكر : «ولو وُهب له مال لم يجب القبول» ، وعلّل النفي أنّه تحصيل شرط للوجوب، وهو غير لازم. (5) واشتراط وجود نفقة عياله ممّا وقع التصريح به في كلام جماعة، منهم ابن إدريس (6) ، والشهيد في اللمعة (7) ، والعلّامة في المنتهى (8) ، وهو الظاهر؛ لاشتراطه في الاستطاعة . وأمّا الرجوع إلى الكفاية فلم أجد قولاً باشتراطه هنا ، وإن اختلفوا فيه ثمّة . وفي شرح اللمعة : ولا يشترط صيغة خاصّة للبذل من هبة وغيرها من الاُمور اللازمة، بل يكفي مجرّدة بأيّ صيغة اتّفقت، سواء وثق بالباذل أم لا ؛ لإطلاق النصّ. ولزوم تعليق الواجب بالجائز ، يندفع بأنّ الممتنع منه إنّما هو الواجب المطلق لا المشروط، كما لو ذهب المال قبل الإكمال أو منع من السير ونحوه من الاُمور الجائزة المسقطة للوجوب الثابت إجماعاً . واشترط في الدروس 9 التمليك أو الوثوق به ،

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 652.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 310، الدرس 81 .
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 46.
4- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 62.
5- .شرح اللمعة، ج 2، ص 166؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 133.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 652. و مثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 547.
7- .السرائر، ج 1، ص 517.
8- .اللمعة الدمشقيّة، ص 53؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 167.

ص: 484

وآخرون التمليك أو وجوب بذله بنذر وشبهه ، والإطلاق يدفعه . (1) انتهى . وفي الدروس : «ولو وهبه زادا وراحلةً لم يجب القبول ، وفي الفرق نظر». (2) والدليل على هذه المسألة زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره من خبري عليّ بن أبي حمزة والفضل بن عبد الملك (3) صحيحة معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل لم يكن له مال فحجّ به رجلٌ من إخوانه، هل يجزي ذلك عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال : «بل هي [حجّة] تامّة ». (4) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قوله تعالى «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (5) ، قال : «يكون له ما يحجّ به »، قلت : فإن عرض عليه الحجّ فاستحيا ، قال : «هو ممّن يستطيع، ولِمَ يستحي ولو على حمار أجدع أبتر »، قال : «فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل ». (6) وصحيحة هشام بن سالم، عن أبي بصير، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «مَن عرض عليه الحجّ ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحجّ ». (7) وحسنة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» ما السبيل؟ قال : «أن يكون له ما يحجّ به »، قال : قلت : مَن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك، أهو ممّن يستطيع إليه سبيلا؟ قال : «نعم، ما شأنه يستحيي

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 310، الدرس 81 .
2- .شرح اللمعة، ج 2، ص 165 166.
3- .هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 7، ح 17؛ الاستبصار، ج 2، ص 143، ح 468؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 40، ح 18187.
5- .آل عمران (3): 97.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 3 4، ح 4؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 456؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 39 40، ح 14185.
7- .الفقيه، ج 2، ص 419، ح 2859؛ التوحيد، ص 350، الباب 56: باب الاستطاعة، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 42، ح 14191.

ص: 485

ولو يحجّ على حمار أبتر ، فإن كان يطيق أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليحجّ ». (1) ثمّ المشهور أنّه يجزي ذلك الحجّ عن حجّة الإسلام؛ لظهور أكثر ما ذكر من الأخبار ، بل صراحة بعضها فيه ، وظاهر المصنّف قدس سره عدم إجزائه عنها حيث اكتفى في الباب بذكر ما يدلّ عليه . الثانية : يدلّ خبر أبي بصير (2) وفي طريقه عليّ بن أبي حمزة ورواية عليّ بن مهزيار (3) وفي طريقه سهل بن زياد على عدم إجزاء حجّ المخالف عن فرضه، ووجوب إعادته عليه بعد الاستبصار من غير تقييد . ويؤيّدهما ما رواه الصدوق عن أبي عبداللّه الخراساني، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ، قال : قلت : إنّي حججت وأنا مخالف، وحججتُ حجّتي هذه وقد منَّ اللّه عليَّ بمعرفتكم، وعلمت أنّ الذي كنت فيه كان باطلاً، فما ترى في حجّتي؟ قال : «اجعل هذه حجّة الإسلام وتلك نافلة ». (4) وهو منقول عن ابن الجنيد (5) وابن البرّاج (6) ، وحمله الشيخ في الاستبصار (7) على الاستحباب، وهو أظهر؛ للجمع بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم وبريد وزرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامفي الرجل في بعض هذه الأهواء كالحروريّة والمرجئة والعثمانيّة والقدريّة، ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال : «ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة، فإنّه لابدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 3، ح 3؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 455؛ و هذا هو الحديث الأوّل من باب استطاعة الحجّ من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 40 41، ح 14189.
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .هي رواية الخامس من هذا الباب من الكافي.
4- .الفقيه، ج 2، ص 430، ح 2884؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 62، ح 14244.
5- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 19.
6- .المهذّب، ج 1، ص 268.
7- .الاستبصار، ج 2، ص 145، ذيل الحديث 474.

ص: 486

موضعها، وإنّما موضعها أهل الولاية». (1) وهي في قوّة ثمان صحاح. وما رواه الشهيد قدس سرهم، في الذكرى عن علىّ بن إسماعيل التميميّ، عن محمّد بن حكيم، قال: كنت عند أبي عبد اللّه إذ دخل كوفيّان كانا زيديين، فقالا: جعلنا لك الفداء، كنّا نقول بقول و أنّ اللّه من علينا بولايتك، فهل تقبل شيء من أعمالنا؟ فقال: «أمّا الصلاة والصوم والحجّ والصدقة فإنّ اللّه يتبعكما ذلك فيلحق بكما، و أمّا الزكاة فلا ؛ لأنّكما أبعدتما حق امرء مسلم و أعطيتماه غيره». (2) و تشهد لهذا الجمع حسنة عمر بن اُذينة (3) و صحيحة بريد بن معاوية العجليّ، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل حجّ وهو لايعرف هذا الأمر، ثمّ من اللّه عليه بمعرفته والدينونة به، [أ] عليه حجة الاسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: «قد قضى فريضته، ولو حجّ لكان أحبّ إلىّ». قال: وسألته عن رجل حجّ وهو فى بعض هذه الاصناف من أهل القبلة، ناصب متديّن، ثمّ من اللّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضى حجّة الاسلام؟ فقال: «يقضي أحبّ إلىّ». وقال: «كلّ عمل عمله وهو فى حال نصبه وضلالته، ثمّ مَنّ اللّه عليه و عرّفة الولاية، فإنّه يؤجر عليه، إلّا الزكاة فإنّه يعيدها ؛ لأنّه وضعها في غير موضعها ؛ لأنّها لأهل الولاية، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء ». (4) وهذا القول مطلق في عدم وجوب الإعادة عليه وإن كان المخالف ممّن يحكم بكفره أو مخلّاً ببعض أركان الفعل، وهو مبني على ابتناء الحكم على التفضّل، كما في صورة إسلام الكافر لا على صحّة عباداتهم في نفسها كما ذهب إليه جماعة .

.


1- .الكافي، كتاب الزكاة، باب الزكاة لا تعطي غير أهل الولاية، ح 1؛ علل الشرائع، ص 373 374، الباب 102، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 54، ح 143؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 216، ح 11871.
2- .الذكرى، ج 2، ص 432؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 127، ح 321.
3- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 61 62، ح 14243.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 9، ح 23؛ الاستبصار، ج 2، ص 145، ح 472؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 61، ح 14241.

ص: 487

وعلّله صاحب المدارك: بأنّ عبادة المخالف لا يكاد يتصوّر استجماعها للشرائط المعتبرة خصوصاً الصلاة، مع أنّ الأخبار مصرّحة بعدم وجوب قضائها مطلقاً ، فعلم أنّ عدم وجوب الإعادة ليس لعدم تحقّق الامتثال بالفعل المتقدّم بل للتفضّل . (1) والأكثر بنوه على صحّتها في نفسها بناءً على عدم اشتراطها بالإيمان وكفاية الإسلام فيها، ففصّلوا في الحكم ، فجماعة منهم الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) ، والشهيد في اللمعة (4) والدروس (5) ، والعلّامة في أكثر كتبه (6) قيّدوا الخبرين الأوّلين بما إذا أخلّ بركن منه، فقالوا بوجوب الإعادة عليه حينئذٍ واستحبابها فيما إذا لم يخلّ به، وبذلك جمعوا بين الأخبار . واحتجّ عليه في المنتهى: بأنّه مع الإتيان بالأركان مسلم أتى بالحجّ على وجهه، فكان مجزياً عنه ومخرجاً عن عهدة التكليف كغيره ، وأمّا مع الإخلال بشيء من الأفعال فلأنّه لم يأت بالأركان فوجب عليه إعادة الحجّ كغيره . (7) فهؤلاء اختلفوا في المراد من الركن، فذهب جماعة منهم إلى أنّه الركن الذي عندهم . وفي المدارك: هو أقرب إلى الصواب ؛ لأنّ مقتضى النصوص أنّ من حجّ من أهل الخلاف لايجب عليه الإعادة، ومَن أتى منهم بحجّ فاسد عندهم كان كمن لم يأت بالحجّ . (8)

.


1- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 75.
2- .النهاية، ص 205.
3- .المبسوط، ج 1، ص 303.
4- .اللمعة الدمشقيّة، ص 54؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 177.
5- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 315، الدرس 82 .
6- .منها: قواعد الأحكام، ج 1، ص 408؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 19؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 859 860 .
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 860 .
8- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 74.

ص: 488

واعتبر العلّامة في المنتهى (1) والشهيد فى الدروس (2) الركن الذي عندنا، وهو منقول في المدارك (3) عن المحقّق في المعتبر (4) أيضاً. وفصّل في المختلف تفصيلاً آخر، فذهب إلى وجوب الإعادة على من يحكم بكفره من فرق المخالفين، واستحبابها على غيرهم ، فقال بعد نقل الاحتجاج على المذهب المنصور ببعض ما اُشير إليه من الأخبار _: «واحتجّ المخالف يعني ابن الجنيد وابن البرّاج بأنّ الإيمان شرط العبادة ولم يحصل» . وما رواه أبو بصير وعليّ بن مهزيار (5) إلى آخر الخبرين، ثمّ قال : والجواب بالمنع من كون الإيمان شرطاً في العبادة . وعن الرواية الاُولى بمنع سندها، فإنّ في طريقها عليّ بن أبي حمزة وهو ضعيف ، مع أنّا نقول بموجبها؛ إمّا لأنّ الناصب كافر بخلاف المخالف ، أو أنّ قوله عليه السلام : «عليه الحجّ »، على سبيل الاستحباب، جمعاً بين الأخبار . وكذا الجواب عن الخبر الثاني ، مع أنّ في طريقه سهل بن زياد، وهو ضعيف . (6) انتهى . والظاهر أنّه أراد بالصحّة ما اصطلح عليه الفقهاء من كون الفعل مسقطاً للقضاء مخرجاً عن عهدة التكليف، وقد صرّح بذلك فيما نقلناه عن المنتهى، وذلك غير مستلزم لترتّب الثواب، ولا عدم ترتّب الثواب، مستتبع للبطلان بالمعنى المقابل لها ، فلا ينافي الأخبار المتظافرة الدالّة على عدم انتفاع المخالفين بشيء من عباداتهم. واندفع ما أورد عليه صاحب المدارك: من أنّ الأخبار المستفيضة دالّة على بطلان عبادة المخالف وإن فرض استجماعها

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 315، الدرس 82 .
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 860 .
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 74.
4- .المعتبر، ج 2، ص 765.
5- .هما ح 1 و 5 من هذا الباب من الكافي.
6- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 21.

ص: 489

لشرائط الصحّة عندنا، كصحيحة أبي حمزة،قال : قال لنا عليّ بن الحسين عليهماالسلام : «أيّ البقاع أفضل؟» قلت : اللّه ورسوله أعلم ، قال : «إنّ أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان، ثمّ لقى اللّه بغير ولايتنا، لم ينتفع بذلك شيئاً ». (1) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول، وذكر حديثاً طويلاً، قال في آخره : «وكذلك يا محمّد، مَن أصبح من هذه الاُمّة لا إمام له من اللّه عزّ وجلّ، طاهرا عادلاً أصبح ضالّاً تائهاً، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق . واعلم يا محمّد، أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه عزّ وجلّ، قد ضلّوا وأضلّوا، فأعمالهم التي يعملونها «كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» (2) ». (3) والأخبار الواردة بذلك أكثر من أن تُحصى . (4) نعم ، يرد عليه: أنّ ذلك ينافي ما قد ورد التصريح به فيما ذكر من الأخبار من سقوط الإعادة عن الناصب والحروريّة، وهم الخوارج أيضاً، وحمل الناصب على مطلق المخالف وإن أمكن بناءً على ما شاع في الأحاديث من إطلاقه عليهم، لكن لا يمكن ذلك التأويل في الحروريّة، فتأمّل . الثالثة : أجمعوا على أنّ المستطيع يجزيه الحجّ على أيّ وجه اتّفق ولو ماشياً متسكّعاً وأجيرا أو مكرياً وتاجرا أو غير قاصد لمكّة ابتدا . ويدلّ عليه خبر الفضل (5) ، وحسنتا ابن أبي عمير وعاصم بن حميد عن معاوية بن عمّار، (6) وصحيحة فضالة بن أيّوب عنه . (7)

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 245، ح 2313؛ ثواب الأعمال، ص 204، عقاب من جهل حقّ أهل البيت عليهم السلام ؛ الأمالي للطوسي، المجلس 5، ح 22؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 122، ح 308.
2- .إبراهيم (14): 18.
3- .الكافي، كتاب الحجّة، باب معرفة الإمام و الردّ إليه، ح 8 ؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 118 119، ح 297.
4- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 75 76.
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
6- .هما ح 3 و 6 من هذا الباب من الكافي.
7- .هي الحديث السابع من هذا الباب.

ص: 490

وعلّل في المدارك بأنّ الحجّ واجب عليه، ووجوب صرف المال غير واجب لذاته، وإنّما وجب لتوقّف الواجب عليه . (1) الرابعة : المشهور بين الأصحاب اشتراط الحرّيّة في وجوب الحجّ، بل ادّعى العلّامة في المنتهى (2) والمحقّق في المعتبر (3) على ما نقل عنه (4) إجماع الفقهاء عليه . ويدلّ عليه خبرا شهاب (5) ومسمع (6) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال : «المملوك إذا حجّ ثمّ اعتق كان عليه إعادة الحجّ ». (7) وفي الصحيح عن صفوان وابن أبي عمير، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المملوك إذا حجّ وهو مملوك ثمّ مات قبل أن يعتق أجزأه ذلك الحجّ ، فإن اُعتق أعاد الحجّ». (8) وفي الموثّق عن الفضل بن يونس، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «ليس على المملوك حجّ ولا عمرة حتّى يعتق ». (9) وعن إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن اُمّ الولد تكون للرجل ويكون قد أحجّها، أيجزي ذلك عنها عن حجّة الإسلام؟ قال : «لا »، قلت : لها أجر في حجّتها؟ قال : «نعم ». (10)

.


1- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 84 .
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650.
3- .المعتبر، ج 2، ص 749.
4- .نقل عنه في مدارك الأحكام، ج 7، ص 29.
5- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
6- .هو الحديث 18 من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ح 7؛ الاستبصار، ج 2، ص 147، ح 479؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 49 50، ح 14209.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4 5، ح 8 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 147، ح 480؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 50، ح 14210.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ح 6 عن محمّد بن يعقوب الكلينى. و رواه الكليني في الكافي، باب فرض الحجّ و العمرة، ح 7؛ و الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 431، ح 2887؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 48، ح 14203.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 5، ح 10؛ الاستبصار، ج 2، ص 147، ح 482؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 50، ح 14212.

ص: 491

وعن آدم بن عليّ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «ليس على المملوك حجّ ولا جهاد، ولا يسافر إلّا بإذن مالكه ». (1) وما سيأتي عن معاوية بن عمّار، وما رواه في المنتهى عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «أيّما عبدٍ حجّ ثمّ اُعتق فعليه حجّة الإسلام ». (2) ومفهوم ما رواه الصدوق عن أبان بن حكم، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الصبي إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يكبر ، والعبد إذا حُجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يُعتق ». (3) وهو على القول بعدم تملّك العبد شيئاً واضح ، واستدلّ به في التهذيب . (4) وخالف في ذلك ابن الجنيد فقال على ما حكي عنه في المختلف : المملوك والأمَة الحجّ لازم لهما وإن كانا ممنوعين منه كالمصدود والمحصور، فإن أذن لهما سيّدهما في الحجّ فقد لزمهما أداؤه إن استطاعا إليه سبيلاً بأبدانهما، فإن حجّا أجزأ ذلك عنهما إذا اُعتقا ويستحبّ لهما بعد العتق أن يحجّا . (5) وكأنّه جمع بذلك بين ما ذكر وبين خبر أبان، عن حكم بن حكيم الصيرفي، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «أيّما عبدٍ حجّ به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام ». (6) وفيه: أنّه لندرته وعدم صحّته لاشتراك أبان ، بل الظاهر أنّه أبان بن حكم، وهو غير مذكور في كتب الرجال غير قابل للمعارضة لما ذكر . على أنّه يمكن حمله على ما إذا مات قبل العتق، أو اعتق قبل أحد الموقفين . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ح 5؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 48، ح 14206.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650؛ و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 325، باب وجوب الحجّ مرّة؛ و ج 5، ص 179، باب حجّ الصبي و المملوك يعتق و الذمّي يسلم؛ كنز العمّال، ج 5، ص 99، ح 12227.
3- .الفقيه، ج 2، ص 435، ح 2900؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 45، ح 14199 صدره، و ص 49، ح 14208 بتمامه.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ذيل الحديث 4.
5- .مختلف الشيعة، ج، ص 379 380.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 5، ح 11؛ الاستبصار، ج 2، ص 148، ح 483؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 50، ح 14213.
7- .قال الشيخ في الاستبصار، ج 2، ص 148، ذيل الحديث 483.

ص: 492

وعلى المشهور لو أذن له المولى لم يجب عليه التلبّس به، لكن لو أحرم وجب عليه الإتمام، وبغير إذنه لم يصحّ إحرامه عندنا ، ويدلّ عليه بعض ما ذكر . واحتجّ عليه في المنتهى بما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من عمل عملاً ليس عليه [أمرنا] فهو مردود» . (1) وبأنّ منافعه مستحقّة للغير، فصرفها في غيره تصرّف في مال الغير بغير إذنه، وهو منهيٌّ عنه، وهو محكي فيه عن داود وأصحابه، وعن باقي الفقهاء صحّته (2) مستندين بقوله عليه السلام : «أيّما عبدٍ حجّ ثمّ اُعتق فعليه حجّة الإسلام ». (3) وبأنّها عبادة على البدن ، فصحّ دخوله فيها بغير إذن سيّده كالصوم والصلاة ، ودفعها واضح . وإذا اُعتق المملوك بعدما أحرم بإذن المولى يجزيه حجّة الإسلام إن أدرك أحد الموقفين معتقاً . ونسبه في المنتهى (4) إلى مذهبنا، وحكاه عن ابن عبّاس والشافعي وإسحاق وأحمد والحسن البصري. (5) واحتجّ عليه بأنّه أدرك الوقوف حرّا فأجزأه كما لو أحرم تلك الساعة، لأنّه وقت يمكن إنشاء الإحرام فيه . وأيّده بخبر شهاب (6) وبصحيحة معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : مملوك اُعتق يوم عرفة ، قال : «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ ». (7)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650. و الحديث رواه ابن أبي عاصم في السنّة، ص 28، ح 52؛ و نحوه في مسند أحمد، ج 6، ص 73؛ سنن الدارقطني، ج 4، ص 145، ح 4490.
3- .المجموع للنووي، ج 7، ص 43.
4- .السنن الكبرى، ج 4، ص 325، و ج 5، ص 179، و فيه: «... فعليه حجّة اُخرى».
5- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 200؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 162.
6- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 53، ح 14220.
7- .الفقيه، ج 2، ص 432، ح 2892؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 5، ح 13؛ الاستبصار، ج 2، ص 148، ح 485؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 52، ح 14218.

ص: 493

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب، عن شهاب، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل اُعتق عشية عرفة عبدا له ، قال : «يجزي عن العبد حجّة الإسلام، ويكتب للسيّد أجران: ثواب العتق وثواب الحجّ ». (1) وإطلاق الأخبار كالأكثر يقتضي عدم اشتراط تقدّم الاستطاعة في الإجزاء . واشترطه الشهيد في الدروس (2) ، وكأنّه تمسّك بعموم ما دلّ على اشتراطها في حجّة الإسلام. وفي شرح الفقيه: وهل يشترط في الإجزاء الاستطاعة السابقة واللاحقة، أو اللاحقة فقط؟ [أولا يشترط؟ ]فيه أوجه أشهرها الاشتراط، لاسيّما في اللاحق؛ لعموم الأخبار، والاحتياط مع عدم استطاعة الحجّ بعدها . (3) انتهى . واشتراطها مبنيّ على تملّك العبد إلّا أن يُراد بها الاستطاعة بعد العتق . وبالوجهين صرّح في شرح الفقيه حيث قال : والمراد بالاستطاعة أن يحصل له مال بعد العتق مقدار ما يمكن معه تحصيل الزاد والراحلة ذهاباً وعودا. وربّما يكتفي بما له [لو] كان [له مال] بناءً على تملّكه وإن لم يجب الحجّ به؛ لعدم التمكّن من التصرّف حال العبوديّة ، فلمّا اُعتق زال حجره وانكشفت الاستطاعة . (4) وحكى في المنتهى عن مالك وابن منذر وأصحاب الرأي القول بعدم الاجزاء (5) محتجّين بأنّ إحرامه لم ينعقد واجباً، فلا يجزي عن الواجب كما لو بقي على حاله . وأجاب عنه بمنع الملازمة . (6)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650.
2- .الفقيه، ج 2، ص 211، ح 2183؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 52، ح 14217.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 308، شرائط وجوب الحجّ.
4- .روضة المتّقين، ج 5، ص 37، و ما بين الحاصرتين منه.
5- .نفس المصدر، ص 37 38، و ما بين الحاصرات منه.
6- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 200؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 162.

ص: 494

وقد اشتهر بين الأصحاب إلحاق بلوغ الصبيّ قبل أحد الموقفين بذلك العتق، ولم أجد نصّاً عليه . فيظهر من شرح الفقيه التمسّك بعموم قوله عليه السلام : «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ» في صحيحة معاوية بن عمّار (1) المتقدّمة بناءً على أنّه لا عبرة بخصوص السؤال، بل المعتبر جوابه عليه السلام وهو كان عامّاً، وتردّد العلّامة فيه في المنتهى ، ثمّ قال : ولو قيل به كان وجهاً؛ لأنّه زمان يصحّ فيه إنشاء الإحرام، فكان مجزياً بأن يجدّد نيّة الوجوب ، وبه قال الشافعي وأحمد خلافاً لأبي حنيفة ومالك (2) ؛ لأنّ الصبيّ لا ينعقد إحرامه، ولأنّه لو انعقد نفلاً فلا ينقلب فرضاً، كما لو بلغ بعد الوقوف. ويعارضه بأنّه وقف بعرفة، وهو كامل في إحرام صحيح، فوجب أن يجزيه عن حجّة الإسلام كما لو كان كاملاً حال الإحرام . والنفل قد يجزي عن الفرض، كما لو بلغ الصبي في سعة الوقت في الصلاة، فإنّه تجزيه، ولأنّ استدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه؛ لأنّ كلّ مسافة يقطعها يصحّ أن يبتدئ الإحرام منها، ولأنّه إحرام نفلاً بإذن الحاكم عليه وقد زال عذره قبل الوقوف، فوجب الإجزاء كالعبد عند أبي حنيفة . وبالجملة، فنحن في هذا الموضع من المتردّدين وإن كان الأقرب عندنا الإجزاء . (3) انتهى . واعتبر في العزيز في الإجزاء إدراكه عرفة بالغاً وقال : إن بلغ بعد الوقوف بعرفة لم يجزه عن حجّة الإسلام، ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف فانياً أم باقياً، لكنّه لم يعد إلى الموقف؛ لمضيّ معظم العبادة في حال النقصان، ويخالف حال الصلاة حيث تجزيه إذا بلغ في أثنائها أو بعدها ؛ لأنّ الصلاة عبادة تتكرّر والحجّ عبادة العمر، فيعتبر وقوعها أو وقوع معظمها في حال الكمال . وعن ابن سريج : أنّه إذا بلغ ووقت الوقوف باقٍ يجزيه عن حجّة الإسلام وإن لم يعد إلى الموقف وإن بلغ قبل الوقوف، أي بلغ وهو واقف وقعت حجّته عن حجّة الإسلام، خلافاً

.


1- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 200؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 162.
2- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 52، ح 14218.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 649.

ص: 495

لمالك حيث شرط فيه وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف ، ولأبي حنيفة فإنّه لا يعتدّ بإحرام الصبيّ . (1) انتهى . وربما اُلحق ببلوغ الصبيّ قبل أحد الموقفين صيرورة المجنون عاقلاً كذلك، وهو ضعيف جدّا ، والأصوب إعادة الحجّ فيهما معاً في عام آخر مع بقاء الاستطاعة إليه . الخامسة : المشهور بين الأصحاب أنّه يُحرِم الوليّ عن غير المميّز إذا أراد الحجّ به، نبتت سنّه أو لا، وسقطت رواضعه أو لا؛ لإطلاق الصبيّ في أخبار يأتي بعضها في باب المواقيت ، ومنها: ما رواه الشيخ قدس سره عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله برويثة (2) وهو حاجّ، فقامت إليه إمرأة ومعها صبيّ لها، فقالت : يارسول اللّه ، أَيُحَجُّ عن مثل هذا؟ قال : نعم ، ولك أجره ». (3) وروى في العزيز عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّ بامرأة وهي في محفّتها، فأخذت بعضد صبيّ كان معها، فقالت : ألهذا حجّ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «نعم، ولك أجر ». (4) وعن جابر، قال : حججنا مع النبيّ صلى الله عليه و آله ومعنا النساء والصبيان، فلبّينا عن الصبيان ورمينا عنهم . (5) فتقييد الصبيّ بالاثّغار وهو سقوط سنّ الصبيّ أو نباتها (6) في خبر محمّد بن الفضيل (7) إمّا لنفي تأكّد الاستحباب قبله، أو لنفي الحجّ التمريني كذلك، لا لسقوطه رأساً .

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 429.
2- .رويثة: موضع بين الحرمين. مجمع البحرين، ج 2، ص 236 (روث).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 6 7، ح 16؛ الاستبصار، ج 2، ص 146 147، ح 478؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 54 55، ح 14224.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 420. وانظر: تلخيص الحبير، ج 7، ص 420، باب حجّ الصبيّ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 210، ح 619؛ معرفة السنن و الآثار، ج 4، ص 140، ح 3082.
5- .فتح العزيز، ج 6، ص 420. و الحديث في سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1010، ح 3038؛ و السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 156، باب حجّ الصبيّ؛ معرفة السنن و الآثار، ج 4، ص 140، ذيل ح 3082؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 324، كتاب الحجّ، الباب 170، ح 1.
6- .النهاية، ج 1، ص 213 (ثغر).
7- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.

ص: 496

وظاهر الأخبار بل صريح خبر ابن سنان وابن عبّاس عدم اشتراط الوليّ الشرعيّ من الأب والجدّ ومن يقوم مقامهما في ذلك ، وظاهر الأكثر اشتراطه حيث عنونوا المسألة بإحرام الولي عنه، وبه صرّح الشيخ في المبسوط (1) والعلّامة في المنتهى (2) ، إلّا أنّهما جوّزاه من الاُمّ من جملة غير الوليّ محتجّين بحديث المرأة، وجوّزه الشيخ للأخ وابن الأخ والعمّ وابن العمّ أيضاً . واختلف العامّة في حجّ الصبيّ وما ذكر هو المشهور بينهم، وربما قالوا: إنّه ينعقد ليتدرّب ولا يعتدّ به، ولا يؤاخذ بمقتضيات الإحرام . (3) وحكى في المنتهى عن أبي حنيفة أنّه قال : ولا ينعقد إحرام الصبيّ ولا يصير محرماً بإحرام وليّه (4) محتجّاً بأنّ الإحرام سبب يلزم به حكم، فلا يصحّ من الصبيّ كالنذر . وأجاب بالفرق بأنّ النذر يجب به شيء على الناذر بخلاف مسألتنا . (5) وقد ألحق جماعة من الأصحاب الصبيّة بالصبيّ؛ لاشتراكهما في الحكم، ولا يبعد استفادته من خبر الصبيان على التغليب، وألحق به المجنون أيضاً، وهو لا يخلو عن إشكال لا سيما على القول بأنّ شرعيّة حجّ الصبيان للتمرين والتدرّب . السادسة : تدلّ صحيحة ضريس وبريد (6) على أنّه إن مات في الحرم بعد الإحرام أجزأ حجّه عن حجّة الإسلام، وإن لم يفعل شيئاً آخر من الأفعال ، ويؤكّدهما ما رواه المفيد في المقنعة مرسلاً، قال : وقال الصادق عليه السلام : «من خرج حاجّاً فمات في الطريق، فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة، وإن مات قبل دخوله الحرم لم تسقط عنه الحجّة وليقض عنه وليّه » (7) ، ولا مخالف له من أهل العلم، وإنّما الكلام في اشتراط

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 649.
2- .المبسوط للطوسي، ج 1، ص 328.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 420.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 420؛ المغني، ج 3، ص 203؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 163.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 648.
6- .هما ح 10 و 11 من هذا الباب من الكافي.
7- .المقنعة، ص 445.

ص: 497

دخول الحرم، وهو المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في بعض كتبه (1) ، والمفيد في المقنعة (2) والشهيدان (3) وعامّة المتأخّرين (4) ، من غير فرق بين حجّ الأصيل والنائب على ما يقتضيه إطلاق عبارات أكثرهم. وصرّح في النهاية (5) باشتراطه فيهما، وخالفه في الخلاف (6) ، فقد اكتفى فيه بالإحرام فقط في مسألة موت الأجير محتجّا بإجماع الفرقة. ولم أجد فيه مسألة موت الأصيل، والظاهر قوله بذلك فيها أيضاً . ويحتمل أن يكون قوله فيها موافقاً للمشهور كما فصّل بذلك في المبسوط حيث قال : من وجبت عليه حجّة الإسلام فخرج لأدائها، فمات في الطريق، فإن كان دخل الحرم فقد أجزأ عنه، وإن لم يكن دخل الحرم فعلى وليّه أن يقضي عنه حجّة الإسلام من تركته . (7) وفي فصل الاستيجار قال : إذا مات الأجير فإن كان قبل الإحرام وجب على ورثته أن يردّوا جميع ما أخذ ولا يستحقّ شيئاً من الاُجرة؛ لأنّه لم يفعل شيئاً من أفعال الحجّ ، وإن كان بعد الإحرام لا يلزمه شيء وأجزت عن المستأجر، سواء كان قبل استيفاء الأركان أو بعدها، قبل التحلّل أو بعده ، وعلى جميع الأحوال؛ لعموم الخبر في ذلك . (8) وأشار بالخبر إلى ما أشرنا إليه من صحيح بريد، وكأنّه بذلك جمع بينه وبين ما سبق . وخالفه ابن إدريس 9 أيضاً لكن في المسألتين جميعاً، واكتفى فيهما بالإحرام فقط،

.


1- .المقنعة، ص 445.
2- .النهاية، ص 278.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 323، الدرس 84 ؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 54؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 171 172.
4- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 64 66.
5- .الخلاف، ج 2، ص 390، المسألة 244.
6- .المبسوط، ج 1، ص 306. و مثله في النهاية، ص 284.
7- .المبسوط، ج 1، ص 323.
8- .السرائر، ج 1، ص 628.

ص: 498

واحتجّ عليه على ما نقله عنه العلّامة في المختلف في المسألة الأولى بأنّ القصد التلبّس بالحجّ، وقد حصل بالإحرام، وفي النائب بذلك، وبموثّق إسحاق بن عمّار، قال : سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجّه فيعطى رجل دراهم يحجّ بها عنه، فيموت قبل أن يحجّ، ثمّ أعطى الدراهم غيره؟ قال : «إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزي عن الأوّل ». (1) وخبر عليّ بن أبي حمزة والحسين بن يحيى، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أعطى رجلاً مالاً يحجّ به فمات؟ قال : «إن كان مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه، وإن مات في الطريق فقد أجزأ عنه ». (2) وأجاب عن الأوّل بالمنع من انحصار القصد في ذلك ، وقال : بل المطلوب قصد البيت الحرام، وإنّما يحصل بدخول الحرم . وعن الخبرين بعدم صحّتهما؛ لاشتمال الأوّل على إسحاق بن عمّار (3) ، والثاني على عليّ بن [أبي] حمزة وهو مشترك (4) ، والحسين بن يحيى وهو مجهول (5) ، ولإرساله . على أنّه لا يجوز العمل على ظاهرهما. ولو خصّصا فليس تخصيصهما بالإحرام أولى من تخصيصهما بدخول الحرم . (6) ثمّ الكلام على القول باشتراطه في اشتراط الموت في الحرم وهو ظاهر ما ذكر من الأخبار، وبه قال أكثر هؤلاء منهم الشيخان (7) وأكثر المتأخّرين (8) ، ولم يشترطه الشهيدان،

.


1- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 64 66.
2- .الكافي، باب الرجل يموت صرورة أو يوصي بالحجّ، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 417 418، ح 1450؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 185، ح 14581.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1604؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 186، ح 14584.
4- .فإنّه و إن كان فطحيّا لكنّه كان ثقة. اُنظر عنه: رجال النجاشي، ص 71، الرقم 169؛ الفهرست، ص 54، الرقم 52.
5- .مشترك بين البطائني الواقفي الكذّاب، و بين الثمالي الثقة. اُنظر: خلاصة الأقوال للعلّامة، ص 181، الرقم 29.
6- .اُنظر: رجال الطوسي، ص 184، الرقم 2238.
7- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 16 18.
8- .المفيد في المقنعة، ص 445؛ و الطوسي في النهاية، ص 278.

ص: 499

باب الرجل يستدين ويحجّ

فقد صرّحا في الدروس (1) وشرح اللمعة (2) بالإجزاء لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم في الحلّ، وكأنّهما تمسّكا بإطلاق مفهوم صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟ قال : «يحجُّ عنه [إن كانت] حجّة الإسلام ». (3) وفيه: أنّ المفهوم لو كان حجّة فحجّيّته إنّما تكون مع عدم معارضته لمنطوق. على أنّه إنّما يكون في كلام السائل، وهو ليس بحجّة أصلاً ، فتأمّل . وهل يشترط وقوع الموت في الإحرام؟ فظاهر بعض الأصحاب ذلك، وكأنّه تمسّك بمفهوم صحيح زرارة المتقدّم، وفيه ما فيه. ولم يشترط الأكثر منهم الشهيدان (4) ، وفرّعا عليه الإجزاء لو مات بين الإحرامين، وهو الأظهر؛ لإطلاق ما تقدّم من الأخبار . قوله في خبر محمّد بن الفضيل : (قال : إذا أثغر ).[ح 9 / 6956] في النهاية : الإثّغار: سقوط سنّ الصبيّ ونباتها ، يقال : إذا سقطت رواضع الصبيّ قيل: ثغر فهو مثغور، فإذا نبتت بعد السقوط قيل: اثّغر واتّغر بالثاء والتاء، وتقديره: اثتغر، وهو افتعل من الثغر، وهو ما تقدّم من الأسنان، فمنهم من يقلب تاء الافتعال ثاء ويدغم فيها الثاء الأصليّة ، ومنهم من يقلب الثاء الأصليّة تاء ويدغمها في تاء الافتعال . (5)

باب الرجل يستدين ويحجّأراد قدس سره بيان أنّ الاستدانة للحجّ المندوب مندوب إذا كان وراءه ما يؤدّي به الدَّين أو مطلقاً على ما يظهر من بعض أخبار الباب، فهي مستثناة من الاستدانة المكروهة .

.


1- .النهاية، ج 1، ص 213 (ثغر).
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 323، الدرس 84 .
3- .شرح اللمعة، ج 2، ص 171 172.
4- .الكافي، باب المحصور و المصدود، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 69، ح 14263.
5- .الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 316، الدرس 82 ؛ و الشهيد الثاني في شرح اللمعة، ج 2، ص 171؛ و في مسالك الأفهام، ج 2، ص 143.

ص: 500

باب القصد في نفقة الحجّ

باب الرجل يسلم فيحجّ قبل أن يختتن

باب القصد في نفقة الحجّأراد قدس سره بالقصد في النفقة المعنى العام الشامل لقصدها في الحضر لأن يجمع له ما يمون به في الحجّ كما دلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار، وقصدها في سفر الحجّ لئلّا يملّ منه ويتيسّر له في أكثر الأعوام بقرينة الخبرين اللذين بعده . قوله في موثّق إسحاق : (جاء إبّان الحجّ) . [ح 1 / 6974] إبّان الشيء بالكسر والتشديد: وقته . (1) قوله في خبر ربعي بن عبد اللّه : (أن كان عليّ عليه السلام لينقطع ركابه في طريق مكّة فيشدّه بخوصة) . [ح 3 / 6976] كلمة أن هنا مخفّفة من المثقلة، واسمه ضمير شأن مقدّر كما هو شأن المخفّفة، ولا يجوز أن يكون شرطيّة؛ لعدم جواز دخول لام التأكيد على جزائها، لمنافاة التأكيد للفرض والتقدير ، والخوصة واحدة الخوص: ورق النخلة . (2) قوله في خبر سهل بن زياد : (والهديّة من نفقة الحجّ) . [ح 4 / 6977] يحتمل أن يريد أنّها داخلة في الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ، والأظهر بالنظر إلى العنوان إرادة استحباب القصد فيها أيضاً .

باب الرجل يسلم فيحجّ قبل أن يختتنيدلّ الخبران المذكوران فيه على عدم جواز الحجّ للأغلف واشتراطه بالاختتان، ولا خلاف فيه مع إمكانه، ومع التعذّر أو ضيق الوقت يجب الحجّ عليه، ويجوز منه كالصلاة على ما صرّح به جماعة منهم المحقّق الشيخ عليّ (3) والشهيد الثاني (4) ، ولكنّ

.


1- .صحاح اللغة، ج 5، ص 2066 (ابن).
2- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1038 (خوص).
3- .اُنظر: جامع المقاصد، ج 3، ص 189.
4- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 329؛ و شرح اللمعة، ج 2، ص 247.

ص: 501

باب المرأة يمنعها زوجها من حجّة الإسلام

خبر إبراهيم بن ميمون (1) يدلّ على وجوب تقديم الاختتان على الحجّ في الضيق، وحسنة حريز (2) أيضاً ظاهرة فيه، وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه وعن إبراهيم بن عمر (3) ، ومثلها صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس أن تطوف المرأة» (4) ، فلا يبعد القول به على أن يكون الاختتان بالنظر إلى الحجّ كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، وادّعى الإجماع على عدم اشتراط اختتان المرأة . ويدلّ عليه الأخبار . وأمّا الخنثى المشكل والصبي فلم أجد نصّاً صريحاً في اشتراطه فيهما، واحتمله المحقّق الشيخ عليّ في تعليقاته على الإرشاد (5) ، وقوّاه الشهيد الثاني في شرح اللمعة (6) وجماعة مستندين بعموم النصّ وإطلاقه، وكأنّهم أرادوا بذلك النصّ صحيحة معاوية المتقدّمة .

باب المرأة يمنعها زوجها من حجّة الإسلامأجمع الأصحاب على أنّه لا يشترط في وجوب الحجّ على المرأة وجود زوجها،ولا وجود محرم معها في السفر مع الأمن ، وبه قال الشافعي (7) وأحمد (8) في إحدى الروايات ومالك (9) والأوزاعي (10) وابن سيرين (11) على ما حكي في المنتهى . (12)

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 126، ح 414؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 271، ح 17726.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 126، ح 413؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 270، ح 17724.
5- .لم أعثر على هذه التعليقات، لكنّه قال في جامع المقاصد، ج 3، ص 189 بشمول النصّ لهما.
6- .شرح اللمعة، ج 2، ص 247.
7- .بدائع الصنائع، ج 3، ص 123؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 168؛ الاستذكار، ج 4، ص 412؛ التهميد، ج 9، ص 136؛ المغني، ج 3، ص 194.
8- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 555.
9- .اُنظر: الموطّأ، ج 1، ص 426؛ مواهب الجليل، ج 3، ص 490؛ الاستذكار، ج 4، ص 411؛ التمهيد، ج 9، ص 136.
10- .الاستذكار، ج 4، ص 412؛ التمهيد، ج 9، ص 136.
11- .الاستذكار، ج 4، ص 412.
12- .منتهى المطلب، ج 2، ص 658.

ص: 502

ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق ما سبق من أخبار الاستطاعة، وصحيحة صفوان الجمّال، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : قد عرفتني بعملي (1) تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبّها إيّاكم وولايتها لكم ليس لها محرم ، فقال : «إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة، ثمّ تلا هذه الآية : «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (2) ». (3) وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن امرأة لم تحجّ، ولها زوج وأبى أن يأذن لها في الحجّ، فغاب زوجها، فهل لها أن تحجّ؟ قال : «لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام ». (4) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم ، فقال : «إذا كانت مأمونة ولا تقدر على محرم فلا بأس بذلك ». (5) وخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير وليّها ، قال : «نعم ، إن كانت امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم ». (6) ويؤيّدها ما رواه في العزيز عن عديّ بن حاتم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «يا عديّ، إن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلّا اللّه ». قال عديّ : فرأيت ذلك . وأنّ المرأة لو أسلمت في دار الكفر لزمها الخروج إلى دار الإسلام وإن كان وحدها . (7) وقال طاب ثراه : وذهب بعض العامّة إلى المنع في الشابّة بدون محرم، وأكثرهم إلى

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر، أى تعرفني أنّي جمّال، و في الأصل: «فتعلمني».
2- .التوبة (9) : 71 .
3- .الفقيه، ج 2، ص 439، ح 2912؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 153، ح 14503.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 400، ح 1391؛ الاستبصار، ج 2، ص 318، ح 1126؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 155، ح 14511.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 401، ح 1394؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 154، ح 14508.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 401، ح 1393؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 154، ح 14507.
7- .فتح العزيز، ج 7، ص 23 24.

ص: 503

المنع بدونه مطلقاً؛ محتجّين بأنّها فتنة ومظنّة الطمع فيها، وقد قالوا: لكلّ ساقطة لاقطة . (1) انتهى . وربما احتجّوا بما رواه أبو هريرة، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يحلّ للمرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلّا ومعها ذو محرم». (2) وما رواه ابن عبّاس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: «لا يخلو رجل بامرأة إلّا ومعها ذو محرمٍ، ولا تسافر امرأة، إلّا ومعها ذو محرم »، فقال رجل : يارسول اللّه ، إنّي كنت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجّة؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «انطلق فاحجّ مع امرأتك ». (3) وبالقياس إلى حجّ التطوّع . واُجيب عن أحاديثهم بحملها على السفر المندوب؛ للجمع، وعن القياس بالفرق بتحقّق الإجماع على اشتراطه في الحجّ المندوب، وعدم تحقّقه في الواجب منه . وحكى في المنتهى (4) عن أحمد في رواية أنّه شرط في الأداء لا الوجوب ، وتظهر الفائدة في وجوب الاستنابة عنها لو ماتت بعد الاستطاعة وقبل إمكانه . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (سألته عن المرأة تخرج ) . إلخ.] ح 2 / 6985] رواها الشيخ في الصحيح عنه بأدنى تفاوت، فقد روى عن موسى بن القاسم، عن النخعي، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المرأة تحجّ بغير وليّ ، قال : «لا بأس وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجّوا بها، وليس لهم

.


1- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 104 105.
2- .مسند أحمد، ج 2 ، ص 506 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 318، ح 1180؛ و ورد الحديث بلفظ: «... الّا مع ذي محرم»: اختلاف الحديث للشافعي، ص 513؛ مسند الشافعي، ص 171؛ مسند أحمد، ج 2، ص 445؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 103 و 104؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 318، ذيل ح 1179؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3، ص 139؛ و ج 5، ص 227.
3- .السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 226؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 279، ح 2391. و نحوه في صحيح البخاري، ج 6، ص 159؛ و صحيح مسلم، ج 4، ص 104.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 658. وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 343.

ص: 504

باب القول عند الخروج من بيته ، وأفضل الصدقة

سعة فلا ينبغي لها أن تقعد عن الحجّ وليس لهم أن يمنعوها ». (1)

باب القول عند الخروج من بيته ، وأفضل الصدقةالأولى أن يقول: باب الفعل والقول عند الخروج؛ ليشمل الصلاة والوصيّة وغيرهما ممّا يذكر في الباب . وأراد قدس سره بالخروج إرادته ، وبهذا يمتاز هذا الباب عن الباب الذي بعده؛ فإنّه يذكر هناك ما يستحبّ بعد الخروج عند باب الدار، والأولى جمعها في باب واحد . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (والخليفة في الأهل ) (2) إلخ .[ح 2 / 6994] قال طاب ثراه : الخليفة: الذي يخلفك في أهلك بإصلاح أحوالهم بعد انقطاع نظرك عنهم، ووعثاء السفر: مشقّته. (3) وكآبة المنقلب: حزن المرء بمشاهدة ما يسوءه بعد الانصراف من السفر في أهله وماله . (4) انتهى . والحملان بالضم: المركوب ، قال ابن الأثير: في حديث تبوك : قال أبو موسى : أرسلني أصحابي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أسأله الحملان ، الحملان: مصدر حمل يحمل حملاناً، وذلك أنّهم أنفذوه يطلبون منه شيئاً يركبون عليه . (5) وقال الجوهري : حمله يحمله حملاً وحملاناً ، والحُملان بالضم: ما يحمل عليه من الدوابّ في الهبة خاصّة. (6) والوعث ككتف: الطريق العسر، ووعث الطريق كسمع

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 401، ح 1396؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 154، ح 14506.
2- .هذه الرواية وردت في باب القول إذا خرج الرجل من بيته، وليس في الباب المذكور.
3- .صحاح اللغة، ج 1، ص 296 (وعث).
4- .اُنظر: النهاية: ج 4، ص 96 و 137 (قلب) و (كأب).
5- .النهاية، ج 1، ص 443 (حمل).
6- .هذا الكلام لم أجده في صحاح اللغة، و تجده في القاموس المحيط، ج 3، ص 361 (حمل).

ص: 505

باب الوصيّة

وكرم: (1) تعسّر سلوكه . (2) ولقّني بتشديد القاف والنون من التلقين . وقال طاب ثراه : قيل: سخّر معناه: مكّن، ومقرنين: مطيقين، (3) وقيل: ضابطين، (4) وقيل: وكذا يقول مَن ركب سفينة، بل هو أحرى . وقال بعض العامّة : وكذا يقول الرجل إلّا أنّه لا يقول ما يختصّ بالراكب، كقوله : «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا» . (5) وقال الجوهري : الطير: [اسم من] التطيّر، ومنه قولهم : لا طير إلّا طير اللّه كما يقال : لا أمر إلّا أمر اللّه . (6)

باب الوصيّةيستحبّ الوصيّة دائماً خصوصاً عند إرادة السفر، لا سيّما سفر الحجّ ، وأراد قدس سرهبها هنا بيان ما ورد من توصيتهم عليهم السلام للمسافرين خصوصاً للحاج على حسن المعاشرة للرفقة والصحبة بقرينة أخبار الباب، وهو غير مختصّ بالسفر، لعموم ما رواه الصدوق عن عمّار بن مروان الكلبيّ، قال : أوصاني أبو عبداللّه عليه السلام فقال : «أوصيك بتقوى اللّه ، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الصحابة لمَن صحبَك، ولا قوّة إلّا باللّه ». (7) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وتفرش عفوك ) .[ح 3 / 6997] يقال : فرشت الشيء أفرشه فرشاً: بسطته ، ويقال: فرشه أمره، إذا أوسعه إيّاه . (8)

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للأصل، و في الأصل: «لزم».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 176 (وعث).
3- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2181 (قرن).
4- .زاد المسير لابن الجوزي، ج 7، ص 91؛ عمدة القاري، ج 19، ص 160؛ فتح الباري، ج 8، ص 437.
5- .الزخرف (43) : 13 .
6- .صحاح اللغة، ج 2، ص 728 (طير)، و ما بين الحاصرتين منه.
7- .الفقيه، ج 2، ص 274 275، ح 2426.
8- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1014 (فرش).

ص: 506

باب الدعاء في الطريق

قوله في خبر أبي الربيع الشامي : (والبيت غاصّ بأهله) إلخ .[ح 4 / 6998] منزل غاصّ بالقوم، أي ممتلئ منهم (1) ، والممالحة: المؤاكلة على ما نقل عن القاموس (2) والصحاح (3) ، والمقصود مراعاة آداب المؤاكلة، ومنها الضيافة. والمخالقة بالقاف من خالقهم، أي عاشرهم (4) ، والمراد حسن المعاشرة ، وفي بعض نسخ الفقيه بالفاء ، وفي شرحه: «أي مخالفة من خالفه في الدِّين إلّا مع التقيّة» . (5) قوله في خبر شهاب: (إن بسطت وبسطوا أجمعت بهم) إلخ .[ح 7 / 7001] التعليل في الموضعين يدلّ على اختصاص كراهة التوسعة على الرفقة بما إذا كان مجازاتهم إيّاه موجباً لاستهلاكهم، وإمساكهم موجباً لمذلّتهم، فإذا لم يكونا كذلك فلا كراهة فيها ولا في مرافقة غير النظراء، وبذلك يجمع بينه وبين ما رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مَن خالطت، فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليه فافعل ». (6)

باب الدعاء في الطريقأراد قدس سره بالطريق ما بين الخروج من داره إلى العود إليها سائرا وفي المنازل بقرينة الأخبار . قوله في مرسلة أبي سعيد المكاري : (ومقضي كلّ لأواء) الخ .[ح 5 / 7007] اللّأواء: الشدّة. (7) والإضافة كما في «جرد قطيفة». والكنف: الصيانة، والجانب. (8)

.


1- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1047 (غصص).
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 251 (ملح).
3- .صحاح اللغة، ج 1، ص 407.
4- .لسان العرب، ج 10، ص 87 (خلق).
5- .روضة المتّقين، ج 4، ص 215.
6- .الفقيه، ج 2، ص 275، ح 2427. و رواه الكليني في كتاب العشرة من الكافي، باب حسن الصحابة و حقّ الصاحب، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 9، ح 15505.
7- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2487 (لأي).
8- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1424 (كنف).

ص: 507

باب أشهر الحجّ

والخُزانة بالضم والتخفيف: عيال الرجل الذي يتحزّن بأمرهم . (1)

باب أشهر الحجّالأشهر بين الأصحاب منهم الشيخ في النهاية (2) أنّها: شوّال، وذوالقعدة، وتمام ذي الحجّة، وهو ظاهر الصدوق (3) ، و منقول عن ابن الجنيد (4) ، وذهب إليه الشافعي (5) وابن مسعود وابن عبّاس وابن الزبير . (6) ويدلّ عليه زائدا على ظاهر الصيغة في قوله تعالى : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ» (7) رواية زرارة (8) ، وحسنة معاوية (9) ، وما رواه المصنّف قدس سرهفي باب حجّ المجاورين عن سماعة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المجاور بمكّة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ في رجب وشعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور، فإنّ أشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة» (10) ، الحديث . وما رواه الشيخ قدس سره في الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الحجّ أشهر معلومات: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة، فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى

.


1- .صحاح اللغة، ج 5، ص 2098 (حزن).
2- .النهاية، ص 207.
3- .رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 301، ح 2520، و ص 448، ح 2937، و ص 456 457، ح 2959.
4- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 27.
5- .المجموع للنووي، ج 7، ص 142؛ مختصر المزني، ص 63، وانظر المصادر التالية.
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 145 و 146؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 211؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 263؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 223.
7- .البقرة (2) : 197 .
8- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
10- .هذا هو الحديث العاشر من ذلك الباب من الكافي. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ح 190؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 264، ح 14751.

ص: 508

هلال ذي العقدة ، و من أراد العمرة و فّر شعره شهرا» (1) . و يؤيّدها كون ثلاثة كملا وقتا لأفعال الحجّ بالجمله. و قال السيّد رضى اللّه عنه في الانتصار: إنّها شوال و ذوالقعدة و عشر من ذي الحجّة (2) ، و حكي ذلك عن سلّار (3) و ابن أبي عقيل (4) ؛ لأنّها وقت لإدراك الحُجّ؛ لإمكان إدراكه في عاشر ذي الحجّة بإدراك المشعر وحده . ولمرسلة عليّ بن إبراهيم، قال: «أشهر الحجّ: شوّال ، و ذوالقعدة ، و عشر من ذي الحجّة ، و أشهر السياحة: عشرون من ذي الحجّة ، و المحرّم ، و صفر ، و شهر ربيع الأوّل ، و عشر من شهر ربيع الآخر». (5) وحكاه طاب ثراه عن جمهور العامّة . (6) وقال ابن إدريس : إنّها إلى طلوع الشمس من يوم العاشر. (7) و كأنّه بناه على عدم إجزاء اضطراري المشعر المؤخّر. و ذهب الشيخ في الخلاف إلى أنّها إلى طلوع الفجر من العاشر (8) ، محتجّاً بإجماع الفرقة المحقّة. على أنّ أشهر الحجّ يصحّ أن يقع فيها الإحرام بالحجّ، وبأنّ ذلك مجمعٌ عليه أنّه من أشهر الحجّ، وليس على قول من قال بخلافه دليل، وبه قال الشيخ في المبسوط (9) أيضاً .

.


1- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 27.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 46 47، ح 139؛ الاستبصار، ج 2، ص 160، ح 520؛ و هو الحديث الأوّل من باب توفير الشعر من الكافي؛ و رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 301، ح 2520.
3- .الانتصار، ص 236، المسألة 122.
4- .المراسم العلويّة، ص 104.
5- .هى الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 273، ح 14771.
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 146؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 60 61؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 211؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 390.
7- .السرائر، ج 1، ص 524.
8- .الخلاف، ج 2، ص 258، المسألة 23.
9- .المبسوط، ج 1، ص 308.

ص: 509

وعن أبي الصلاح أنّها إلى العام الثامن من ذي الحجّة (1) ، وكانّ ذلك لأنّ يوم التروية وقت إحرام حجّ التمتّع عنده إلى ذلك اليوم . ونِعمَ ما قال في المختلف : والتحقيق أنّ النزاع لفظي، فإنّهم إن أرادوا بأشهر الحجّ ما يفوت الحجّ بفواته فليس كمال ذي الحجّة منها؛ لفوات الحجّ من دونه ، وإن أرادوا ما يقع فيه أفعال الحجّ فهي الثلاثة كملاً؛ لأنّ باقي المناسك يقع في كمال ذي الحجّة . (2) ولو ذكر المصنّف قدس سره في العنوان أشهر السياحة أيضاً لكان أولى؛ لذكرها في بعض أخبار الباب، وهي التي أشار إليها سبحانه بقوله : «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» (3) أماناً لكفّار قريش في هذه المدّة، من لم يكن له عهد إلى مدّة، ومن كان له عهد فعهده مدّته؛ لقوله سبحانه : «إِلَا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ» (4) . وقال بعض المفسّرين : مَن كان له عهد أكثر من أربعة أشهر حُطَّ إليها، ومَن كان له عهدٌ أقلّ منها رفع إليها . وحكي ذلك عن الحسن وابن إسحاق (5) ، والآية حجّة عليهم . واختلف في هذه الأشهر، فقال بعض العامّة: إنّها شوّال وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم . وحكي ذلك عن ابن عبّاس (6) والزهري (7) ، ورجّحه البيضاويّ؛ محتجّاً بأنّ الآيات نزلت في شوّال (8) . وهو معارض بأنّها إنّما قرئت على المشركين في يوم النحر.

.


1- .الكافي في الفقه، ص 201.
2- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 28.
3- .التوبة (9) : 2 .
4- .التوبة (9) : 4 .
5- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 ، تفسير سورة التوبة؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 3، ص 100 عن الحسن وحده.
6- .لم أعثر على مصدر لكلامه.
7- .جامع البيان للطبري، ج 10، ص 81 ، ح 12722؛ تفسير القرآن لعبد الرزّاق، ج 2، ص 265؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج 6، ص 1747، ح 9221 ؛ معاني القرآن للنحّاس، ج 3، ص 181؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 3، ص 103؛ تفسير الثعلبي، ج 5، ص 6؛ تفسير السمعاني، ج 2، ص 285؛ تفسير البغوي، ج 2، ص 266؛ زادالمسير، ج 3، ص 268؛ تفسير الرازي، ج 15، ص 219 220.
8- .تفسير البيضاوي، ج 3، ص 127.

ص: 510

وظاهر الأصحاب إجماعهم على أنّها من حادي عشر ذي الحجّة إلى مثله من ربيع الآخر؛ لمرسلة عليّ بن إبراهيم (1) ، ولما رواه الصدوق رضى الله عنه فقال في الفقيه : وقال عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» (2) قال : «عشرين من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشرة أيّام من شهر ربيع الآخر ولا يحسب في الأربعة أشهر عشرة أيّام من أوّل ذي الحجّة» . (3) وفي كتاب العلل عن الحسين بن خالد، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : لأيّ شيء صار الحاجّ لا يكتب لهم (4) ذنب أربعة أشهر؟ قال : «لأنّ اللّه أباح للمشركين الحرم أربعة أشهر؛ إذ يقول : «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» ،فمن ثمّ وهب لمن حجّ من المؤمنين البيت الذنوب أربعة أشهر» . (5) ولما روي عن العيّاشي عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس، فنزل جبرئيل فقال : لا يبلّغ عنك إلّا عليّ ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء، وأمره أن يلحق أبا بكر، فيأخذ منه براءة ويقرأها على الناس بمكّة، فقال أبو بكر : أسخطة؟ فقال : لا، إلّا أنّه اُنزل عليَّ أنّه لا يبلّغ إلّا رجلٌ منك ، فلمّا قدم عليّ مكّة وكان يوم النحر بعد الظهر ، وهو يوم الحجّ الأكبر قام ثمّ قال : إنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم، فقرأ عليهم: «بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» عشرين من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من ربيع الآخر . وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك، إلّا مَن كان له عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و من لم يكن عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فمدّته إلى هذه الأربعة الأشهر» . (6)

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
2- .التوبة (9): 2.
3- .الفقيه، ج 2، ص 457 458، ح 2962؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 273 274، ح 14776.
4- .المثبت من مصادر الحديث، و في الأصل: «له».
5- .علل الشرائع، ص 443، الباب 191، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 97، ح 14335.
6- .تفسير العيّاشي، ج 2، ص 73 74، ح 4 من تفسير سورة التوبة.

ص: 511

ولما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «نزلت هذه الآية بعدما رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة»، قال : «وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكّة لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السنة، وكانت سنّة من العرب [في الحجّ] أنّه من دخل مكّة فطاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها، وكانوا يتصدّقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، فكان مَن وافى مكّة يستعير ثوباً ويطوف فيه ثمّ يردّه ، ومَن لم يجد عارية اكترى ثياباً، ومَن لم يجد عارية ولا كرى ولم يكن له إلّا ثوب واحد طاف بالبيت عرياناً، فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة، فطلبت عارية أو كرى فلم تجده، فقالوا لها إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدّقي بها ، فقالت : وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها ، فطافت بالبيت عريانة وأشرف لها الناس، فوضعت إحدى يديها على قبلها واُخرى على دبرها وقالت مرتجزةً : اليوم يبدو بعضه أو كلّهفما بدا منه فلا أحلّه فلمّا فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت : إنّ لي زوجاً . وكانت سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل نزول براءة أن لا يقتل إلّا مَن قاتله، ولا يحارب إلّا مَن حاربه وأراده، وقد كان نزل عليه في ذلك من اللّه عزّ وجلّ : «فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً» (1) ، فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت سورة براءة وأمره [اللّه ] بقتل المشركين من اعتزله (2) ومَن لم يعتزله، إلّا الذين قد كان عاهدهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة إلى مدّة، منهم صفوان بن اُميّة وسهيل بن عمرو، فقال اللّه عزّ وجلّ : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» (3) ، ثمّ يقتلون حيث ما وجدوا، فهذه أشهر السياحة: عشرين من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل

.


1- .النساء (4): 90 .
2- .في الأصل: «و أمره بقتله المشركين من اعتزل»، و التصويب من المصدر.
3- .التوبة (9) : 1 و 2 .

ص: 512

وعشرين من ربيع الآخر ، فلمّا نزلت الآيات من أوّل براءة رفعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي بكر، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر ، فلمّا خرج أبو بكر نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يا محمّد، لا يؤدّي عنك إلّا رجلٌ منك ، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام في طلبه، فلحقه بالرّوحاء فأخذ منه الآيات، فرجع أبو بكر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه ، أنزَلَ فيَّ شيء؟ قال : أمرني ربّي أن لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي» . (1) وما رواه في مجمع البيان عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «خطب عليّ عليه السلام الناس واخترط سيفه، فقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان، ولا يحجّن البيت مشرك، ومن كانت له مدّة [فهو إلى مدّته، و من لم يكن له مدّة ]فمدّته أربعة أشهر، وكان خطب يوم النحر، وكانت عشرون من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر، وقال يوم النحر يوم الحجّ الأكبر» . (2) ويؤيّد هذه الأخبار: أنّ عليّاً عليه السلام اُمِرَ بأن يقرأ الآيات على المشركين يوم النحر، ويمهل مَن لا عهد له إلى أربعة أشهر بعده، كما يستفاد من أكثر ما ذكر . وممّا رواه في مجمع البيان عن محرز بن أبي هريرة، عن أبي هريرة، قال : كنت أنادي مع عليّ حين أذّن المشركين، وكان إذا صحل أي رقّ منه صوته فيما ينادي دعوت مكانه. فقلت : يا أبه، أيّ شيء كنتم تقولون؟ قال : كنّا نقول : «لا يحجّ بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل البيت إلّا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدّة فعهده إلى مدّته، ومَن لم يكن له مدّة فإنّ أجله إلى أربعة أشهر، فإذا انقضت أربعة أشهر فإنّ اللّه بريء من المشركين ورسوله» . (3) وعن أبي عبداللّه الحافظ بإسناده عن زيد بن نقيع، قال : سألنا عليّاً عليه السلام : بأيّ شيء

.


1- .تفسير القمّي، ج 1، ص 281 282.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 9.
3- .مجمع البيان، ج 5، ص 9؛ و رواه الطبري في جامع البيان، ج 10، ص 82 ، ح 12724.

ص: 513

بعثت في ذي الحجّة؟ قال : «بعثتُ بأربعة : لا تدخل الكعبة إلّا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومَن كان بينه وبين رسول اللّه عهد فعهده إلى مدّته، ومَن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر» . (1) قال : وروي أنّه عليه السلام قام عند جمرة العقبة وقال : «أيُّها الناس، اُنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر، ولا يحجّ البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومَن كان له عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فله عهده إلى أربعة أشهر، ومَن لا عهد له فله مدّة بقيّة الأشهر الحرم» . (2) وبه قال أكثر العامّة، منهم: مجاهد ومحمّد بن كعب القرظي على ما حكى عنهما في مجمع البيان . (3) هذا ، واعلم أنّ الأخبار في نصب أبي بكر للرسالة إلى قريش في قراءة الآيات عليهم ثمّ عزله وإرسال عليّ عليه السلام لذلك متظافرة من الطريقين، وأجمع عليه الأصحاب، وبه قال أكثر المفسّرين من العامّة، بل ادّعى عليه الإجماع منهم أيضاً، ففي مجمع البيان: قد أجمع المفسّرون ونقَلَة الأخبار أنّه لمّا نزلت براءة دفعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي بكر، ثمّ أخذها منه ودفعها إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنّه عليه السلام بلّغهم إيّاها في يوم النحر، وإن اختلفوا في تفصيل ذلك، فقيل: إنّه بعثه وأمره أن يقرأ عشر آيات من أوّل هذه السورة، وأن ينبذ إلى كلّ ذي عهدٍ عهده ، ثمّ بعث عليّاً عليه السلام خلفه ليأخذها ويقرأها على الناس ، فخرج على ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله العضباء حتّى أدرك أبا بكر بذي الحليفة، فأخذها منه ، وقيل: إنّ أبا بكر رجع وقال : هل نزل فيَّ شيء؟ فقال صلى الله عليه و آله : لا، إلّا خيرا، ولكن لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي . و قيل إنّه قرأ عليّ عليه السلام براءة على الناس ، و كان أبوبكر أميرا على الموسم ، عن الحسن و قتادة.

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 9.
2- .نفس المصدر.
3- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 .

ص: 514

و قيل: انّه صلى الله عليه و آله أخذها من أبي بكر قبل الخروج و دفعها إلى عليّ عليه السلام و قال: «لا يبلغ عنّي إلّا أنا أو رجلٌ منّي» عن عروة بن الزبير وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة. وروى أصحابنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ولّاه [أيضا] الموسم وأنّه حين أخذ (البراءة) من أبي بكر رجع أبو بكر . وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن سماك بن حرب، عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث براءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث إليه فردّه، وقال : «لا يذهب بها إلّا رجل من بيتي» ، فبعث عليّاً عليه السلام (1) . (2) وبذلك يعلم أنّ ما ذكره البيضاويّ إنّما هو من تحريف المخالفين المعاندين حيث قال : روي أنّها لمّا نزلت أرسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم، وكان قد بعث أبا بكر أميرا على الموسم فقيل: لو بعثت بها إلى أبي بكر؟ فقال : لا يؤدّي عنّي إلّا رجل منّي ، فلمّا دنا عليّ سمع أبو بكر الرغاء ، فوقف فقال : هذا رغاء ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا لحقه قال : أمير أو مأمور؟ قال : مأمور ، فلمّا كان قبل التروية خطب أبو بكر وحدّثهم عن مناسكهم، وقام عليّ يوم النحر عند جمرة العقبة فقال : «أيّها الناس، إنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم» ، فقالوا : بماذا؟ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ، ثمّ قال : «اُمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلّا كلّ نفس مؤمنة، وأن يتمّ إلى كلّ ذي عهدٍ عهده» . (3) وفيه أخبار غير محصورة، مَن أراد الاطّلاع عليها فعليه بباب نزول براءة من كتاب بحار الأنوار (4) ، وقد خطر ببالي أنّ السرّ في ذلك النصب ثمّ العزل إعلام الناس أنّه ليس بقابل لتبليغ هذه الآيات إلى قريش، فكيف لتبليغ علوم الكتاب والسنّة التي لا حصر لها إلى كافّة الناس؟! وهذه فائدة جليلة يجوز على اللّه تعالى الاحتيال لها بمثل هذه الحيلة،

.


1- .شواهد التنزيل، ج 1، ص 362، ح 312.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 9.
3- .تفسير البيضاوي، ج 3، ص 128. و مثله في الكشّاف للزمخشري، ج 2، ص 172؛ و تفسير النسفي، ج 2، ص 77.
4- .بحارالأنوار، ج 21، ص 264 276.

ص: 515

فلا ينبغي أن يستبعد ذلك، فقد صدر عن يوسف عليه السلام ما هو أعظم منها؛ لفائدة هي أدنى من تلك الفائدة ، بل لا نسبة بينهما، ونسبه سبحانه إلى نفسه، فقال : «كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ» (1) . ثمّ رأيت قد سبقني على ذلك جبرئيل عليه السلام والسيّد المرتضى رضى الله عنه ، ففي التفسير المنسوب إلى الإمام الهمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليهماالسلامأنّه: «بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر بن أبي قحافة: ذكر نبذ العهد إلى الكافرين، وتحريم قرب مكّة على المشركين، وأمر أبا بكر ليحجّ بمن ضمّه الموسم ويقرأ عليهم الآيات ، فلمّا صدر عنه أبو بكر جاءه المطوّق بالنور جبرئيل عليه السلام وقال : إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمّد، لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجلٌ منك، فابعث عليّاً عليه السلام ليتناول الآيات، فيكون هو الذي ينبذ العهود ويقرأ الآيات . وقال جبرئيل : يا محمّد، ما أمرك ربّك بدفعها إلى عليّ عليه السلام ونزعها من أبي بكر لا سهوا ولا شكّاً ولا استدراكاً على نفسه غلطاً، ولكن أراد أن يبيّن لضعفاء المسلمين أنّ المقام الذي يقوم أخوك عليّ عليه السلام أن يقومه غيره سواك. يا محمّد، وإن جلّت في عيون الضعفاء من اُمّتك مرتبته وشرفت عندهم منزلته ، فلمّا انتزع عليّ عليه السلام الآيات من يده لقي أبو بكر بعد ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : بأبي أنت واُمّي لموجدةٍ كان نزع الآيات منّي؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا، ولكن العليّ العظيم أمرني أن لا ينوب عنّي إلّا مَن هو منّي ، وأمّا أنت فقد عرّضك بما حملك من آياته، وكلّفك من طاعاته الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة ، أما أنّك إن دمت على موالاتنا ووافيتنا في عرصات القيامة وفيّاً بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق كنت من خيار شيعتنا وكرام أهل مودّتنا» ، (2) الحديث .

.


1- .يوسف (12) : 76 .
2- .التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري، ص 558 559، ح 330.

ص: 516

وفي الشافي: فإن قيل : ليس يخلو النبيّ صلى الله عليه و آله من أن يكون سلّم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر بأمر اللّه تعالى أو باجتهاده ورأيه ؛ فإن كان بأمر اللّه تعالى فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الاداء وعندكم أنّه لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله، وإن كان باجتهاده عليه السلام فعندكم أنّه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى . قلنا : ما سلّم السورة إلى أبي بكر إلّا بإذنه تعالى، إلّا أنّه لم يأمره بأدائها ولا كلّفه قراءتها على أهل الموسم، ولم يصرّح بذكر المبلّغ لها في الحال. ولو نقل عنه تصريح لجاز أن يكون مشروطاً بشرط لم يظهره؛ لأنّه عليه السلام ممّن يجوز مثل ذلك عليه . فإن قيل : فأيّ فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر وهو لا يريد أن يؤدّيها عنه ، ثمّ ارتجاعها منه، وإلّا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قلنا : الفائدة في ذلك ظهور فضل أمير المؤمنين عليه السلام ومزيّته، وأنّ الرجل الذي نزعت السورة منه لا يصلح لما يصلح له، وهذا غرض قويّ في وقوع الأمر على ما وقع عليه من دفعها إلى أبي بكر وارتجاعها منه . (1) انتهى . وقد بقي هنا إشكال بناءً على القاعدة المشهورة بين العرب من النسيء، وهو ما حكاه في مجمع البيان عن مجاهد أنّه قال : [كان] المشركون يحجّون في كلّ شهر عامين، فحجّوا في ذي الحجّة عامين، ثمّ في المحرّم عامين، ثمّ في صفر عامين، وكذلك في المشهور حتّى وافقت الحجّة التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة، ثمّ حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله في العام القابل حجّة الوداع، فوافقت ذي الحجّة، فذلك حين قال النبيّ صلى الله عليه و آله في خطبته : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب مضر [الذي ]بين جمادى وشعبان». (2) وهو أحد الوجهين اللذين حكاهما عن العرب أرباب الهيئة .

.


1- .الشافي، ج 4، ص 156 157.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 54.

ص: 517

قال المحقّق الخفري في شرح التذكرة : إنّهم كانوا يستعملون شهور الأهلّة، وكان حجّهم الواقع في عاشر ذي الحجّة كما رسمه إبراهيم عليه السلام دائرا في الفصول كما في زماننا هذا، فأرادوا وقوعه دائماً في زمان إدراك الغلّات والفواكه واعتدال الهواء، أعني أوائل الخريف؛ ليسهل عليهم السفر وقضاء المناسك، فكان يقوم في الموسم عند اجتماع العرب خطيب يحمد اللّه ويثني عليه ويقول : أنا أزيد لكم في هذه السنة شهرا، وهكذا أفعل في كلّ ثلاث سنين حتّى يأتي حجّكم في وقت يسهل فيه مسافرتكم ، فيوافقونه على ذلك، فكان يجعل المحرّم كبيساً، ويؤخّر اسمه إلى صفر، واسم صفر إلى ربيع الأوّل، وهكذا إلى آخر السنة، فكان يقع الحجّ في السنة القابلة في عاشر المحرّم، وهو ذو الحجّة عندهم؛ لأنّهم لمّا سمّوا صفرا بالمحرّم وجعلوه أوّل السنة صار المحرّم الآتي ذا الحجّة وآخر السنة، ويقع في السنة محرّمان: أحدهما رأس السنة، والآخر النسيء، وتصير شهورها ثلاثة عشر ، وعلى هذا يبقى الحجّ في المحرّم ثلاث سنين متوالية، ثمّ ينتقل إلى صفر، ويبقى فيه كذلك إلى آخر الأشهر، ففي كلّ ستّ وثلاثين سنة قمريّة تكون كبيستهم اثني عشر شهرا قمريّاً . وقيل : كانوا يكبسون أربعاً وعشرين سنة باثني عشر شهرا، وهذا هو النسيء المشهور في الجاهليّة وإن كان الأوّل أقرب إلى مرادهم . وبالجملة، إذا انقضى سنتان أو ثلاث وانتهى النوبة إلى الكبس قام فيهم خطيب ، وقال : إنّا جعلنا اسم الشهر الفلاني من السنة الداخلة للذي بعده، وحيث كانوا يزيدون النسيء على جميع الشهور بالنوبة حتّى يكون لهم في سنة محرّمان، وفي اُخرى صفران، فإذا اتّفق أن يتكرّر في السنة شهر من الأربعة الحرم نبّأهم الخطيب [بتكرّره]، وحرّم عليهم واحدا منهما بحسب ما تقتضيه مصلحتهم ، ولمّا انتهى النوبة في أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله إلى ذي الحجّة وتمّ دور النسيء على الشهور كلّها حجّ في السنة العاشرة من الهجرة، [لو قوع الحجّ فيها في عاشر ذى الحجّة] وقال : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض _ ، يعني به رجوع الحجّ وأسماء الشهور إلى الوضع الأوّل _ ، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا» »، (1) إلى آخر الآية . (2) انتهى .

.


1- .التوبة (9) : 36 .
2- .التكملة في شرح التذكرة، أواسط الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام، مخطوطة رقم 6509 من مكتبة أية اللّه المرعشي في قم.

ص: 518

وإليهما أشار المحقّق الطوسي قدس سره في التذكرة بقوله : وإن أرادوا يعني مستعملي السنة الشمسيّة اعتبار الشهور القمريّة جعلوا السنة شمسيّة والشهور قمريّة، وزادوا في كلّ ثلاث سنين أو في كلّ سنتين شهرا في السنة؛ لاجتماع الأحد عشر يوماً غير الكسر المذكور على حسب ما يصطلحون عليه . (1) بيان الإشكال: أنّ تبليغ الآيات إنّما كان في السنة التي كانت قبل حجّة الوداع في موسمها على ما يظهر من كتب التفاسير والسِّير، فيلزم أن يكون واقعاً في ذي القعدة ، وهو مستتبع لمفسدتين متلازمتين، إحداهما: أن يكون مبدأ هذه الأشهر ما بعد يوم النحر الذي كان في ذي القعدة على قاعدتهم ، والاُخرى: أن يبني أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه حجّهم على تلك القاعدة الجاهليّة . فإن قيل : لا بُعد في شيء منهما ؛ أمّا الاُولى فلما حكاه في مجمع البيان عن بعض أهل العلم حيث قال : وقيل : كان ابتداء الأشهر الأربعة يوم النحر لعشرين من ذي القعدة إلى عشرين من شهر ربيع الأوّل؛ لأنّ الحجّ في تلك السنة كان في ذلك الوقت، ثمّ صار في السنة الثانية في ذي الحجّة، وفيها حجّة الوداع، وكان سبب ذلك النسي?الذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة . (2) وأمّا الثانية فلأنّه قد حجّ عبداللّه بن عبد المطّلب رضي اللّه عنهما أيضاً على تلك القاعدة على ما يظهر من تاريخ مبدأ حمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وولادته ووفاته، وهو أيضاً كان معصوماً عندنا ، فلعلّهما كانوا متعبّدين بذلك ، فقد قال المصنّف قدس سرهفي باب تاريخ مولد النبيّ صلى الله عليه و آله : ولد النبيّ صلى الله عليه و آله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال . وروي أيضاً عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين ، وحملت به اُمّه في أيّام التشريق عند جمرة الوسطى إلى قوله _ : وبقي بمكّة بعد مبعثه ثلاث عشر سنة، ثمّ

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 .
2- .اُنظر كلامه في التكملة في شرح التذكرة، أواخر الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام.

ص: 519

هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين، ثمّ قبض عليه السلام لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الإثنين، وهو ابن ثلاث وستّين سنة . (1) واستشكل ذلك باستلزامه أن تكون مدّة حمله إمّا ثلاثة أشهر أو خمسة عشر شهرا، وهما خلاف ما أجمعت عليه الطائفة المحقّة في أقلّ مدّة الحمل وأكثرها . واُجيب بابتناء ذلك على النسي? وأوضحه طاب ثراه في شرحه بقوله بعدما ذكر ما نقلناه عن مجاهد _ : إذا عرفت هذا وعرفت أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله توفّي وهو ابن ثلاث وستّين سنة، ودورة النسيء أربعة وعشرون سنة ضعف عدد الشهور، فإذا كانت السنة الثالثة والستّون ابتداء الدور كانت السنة الثانية والستّون نهايته، فإذا بسطنا دورين أخذا من الثانية والستّين على ما قبلها وأعطينا كلّ شهر عامين تصير السنة الخامسة عشر من مولده ابتداء الدور؛ لأنّه إذا نقصنا من اثنتين وستّين ثماني وأربعين يبقى أربع عشرة، الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة، واثنتان قبلهما لشوّال وهكذا، فتكون الاُوليان منها لجمادى الأولى، فكان حجّهم في عام مولد النبيّ صلى الله عليه و آله وهو عام الفيل في جمادى الاُولى ، فإذا فرض أنّ حمله صلى الله عليه و آله كان في الثانية عشر منه وتولّده في الثانية عشر من ربيع الأوّل كان مدّة الحمل عشرة أشهر بلا زيادة ولا نقصان . (2) انتهى . وأقول : مولد النبيّ صلى الله عليه و آله إذا كان في اُولى السنتين اللّتين لجمادى الاُولى يلزم أن يكون مبدأ حمله صلى الله عليه و آله في السنة التي قبلها في أيّام التشريق التي تلي العشرين من ربيع الآخر بناءً على أنّ الحجّين اللذين كانا في كلّ شهر كان أوّلهما في عاشره، وثانيهما في العشرين منه على ما في مجمع البيان (3) في مبدأ أشهر السياحة ، فإذا فرض حمله صلى الله عليه و آله في الثانية والعشرين منه يكون مدّة حمله عشرة أشهر وعشرين يوماً. و على ما ذكره المحقّق الخفري (4) أوّلاً من اقتضاء النسيء كون حجّهم في كلّ ثلاثة

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 .
2- .الكافي، ج 1، ص 439، باب مولد النبي صلى الله عليه و آله .
3- .شرح اصول الكافي للمولى محمدصالح المازندراني، ج 7، ص 141 142.
4- .التكملة في شرح التذكرة، أواسط الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام.

ص: 520

أعوام في شهر يكون حجّهم عام الفيل في عاشر شهر ربيع الأوّل، فإنّ النسيء على هذا يدور على ستّ وثلاثين، و إذا نقصت دورة من اثنتين وستّين تبقى ستّ وعشرون، الثلاث الأخيرة منها لذي القعدة، وثلاث قبلها لشوّال وهكذا، فتكون الاُوليان منها لربيع الأوّل: إحداهما لآخره، والاُخرى للعشرين منه، وهذا هو عام الفيل وعام ولادته صلى الله عليه و آله ، فمبدأ الحمل كان قبل ذلك العام في أيّام التشريق، فإذا فرض في الثانية عشر منه تكون مدّة الحمل لا محالة سنة كاملة أقصى الحمل . قلنا : يدفع الأوّل ما سبق من الأخبار المتكثّرة الدالّة على أنّ مبدأ تلك الأشهر اليوم الحادي عشر من ذي الحجّة. ويؤيّدها ما نقل في روضة الصفاء عن علماء السِّير والأخبار، من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أراد الحجّ في آخر ذي القعدة في السنة التاسعة من الهجرة، فسمع أنّ المشركين يحجّون عرياناً، فترك تلك العزيمة، وأمّر أبا بكر على ثلاثمئة رجل، وأرسلهم إلى قريش (1) ، القصّة . وحمل ذي الحجّة فيما ذكر من الأخبار على الشهر الذي يسمّونه بهذا الاسم في الجاهليّة غير موجب لمطابقة ليطابق القول المحكي من كلّ وجه، على أ نّه يأبى عنه أكثرها ، فتأمّل . ويدفع الثاني أنّه لا يجوز قياس أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك العام على عبداللّه رضى الله عنه، فإنّ عبداللّه كان يتّقي من قريش دائماً في أكثر أقواله وأفعاله حتّى في الإيمان ، ولعلّه كان يحجّ في الوقت الذي رسمه إبراهيم عليه السلام مستسرا ، كما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حجّ عشرين حجّة كذلك في الأزمنة التي لم يكن له يد على قريش بخلاف أمير المؤمنين في ذلك العام حيث كان بعد فتح مكّة وضعف قريش وعدم قدرتهم على معارضته عليه السلام . ولا يبعد التفصّي عن الإشكال بأنّه عليه السلام كان معتمرا عمرة مفردة لا حاجّاً، على ما يستفاد من بعض ما تقدّم من الأخبار من قدومه عليه السلام مكّة يوم النحر، أو أنّه عليه السلام حجّ مع

.


1- .روضة الصفا، ط 1، 1380 ه ش، تهران، ج 4، ص 1587، وقايع السنة التاسعة من الهجرة.

ص: 521

المسلمين على ما هو المقرّر من ملّة إبراهيم عليه السلام وقد حجّ المشركون في ذي القعدة على قاعدتهم، وإنّما حضروا منى مع المسلمين تبعاً لهم لا للحجّ ، فتأمّل . وأجاب خالي المحقّق المدقّق العلّامة الفهّامة شيخ الإسلام والمسلمين محمّد، المدعوّ باقر علوم المجتهدين دامت أيّام إفاداته عن أصل الإشكال شفاهاً: بأنّ العرب على قاعدة النسيء كانوا يحجّون عامين في عاشر كلّ شهر، وذلك العام كان أوّل العامين اللّذين كانت نوبة الحجّ فيهما في عاشر ذي الحجّة، والثاني منهما العام القابل الذي فيه وقعت حجّة الوداع. وهو جواب شاف لو أيّده نقل، ولم أجده، بل بعض ما نقلناه يناقضه ، فتدبّر . وعلى أيّ حال فحرمة هذه الأشهر الأربعة مخصوصة بذلك العام إجماعاً من أهل العلم، وهناك شهور اُخرى تسمّى بالأشهر الحرم حرّم فيها قتال من يرى لها حرمة كمشركي العرب، وهي أيضاً أربعة: ثلاثة سَردٌ (1) ، وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب، والأصل فيها قوله تعالى : «فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» (2) . فالمشهور بين الأصحاب أنّها ما ذكرناه، وأنّ حرمتها باقية إلى يوم القيامة . ويدلّ عليه بعض ما ذكر من الأخبار، وظاهر الصدوق أنّها أشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ورجب، حيث وضع باباً في الفقيه لأشهر الحجّ وأشهر السياحة والأشهر الحرم، ولم يرد فيه ما يتعلّق بالأشهر الحرم من الأخبار، إلّا قوله : وقال عليه السلام : «ما خلق اللّه في الأرض بقعة أحبّ إليه من الكعبة ولا أكرم عليه منها، ولها حرّم اللّه عزّ وجلّ الأشهر الحرم الأربعة في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة منها متوالية للحجّ، وشهر مفرد للعمرة رجب .» (3)

.


1- .أي متوالية و متتابعة. اُنظر: النهاية لابن الأثير، ج 2، ص 308 (سرد).
2- .التوبة (9) : 5 .
3- .الفقيه، ج 2، ص 457، ح 2961؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 273، ح 14775.

ص: 522

وأوّله جدّي قدس سرهفي الشرح بحمل أشهر الحجّ فيه على ما يطابق المشهور، حيث قال : أي ثلاثة منها متوالية حرّمت لأجل الحجّ: ذو القعدة وبعض ذي الحجّة للذهاب إلى مكّة وبعض ذي الحجّة للحجّ والعمرة، وبعضها مع المحرّم للعود؛ لأنّه تعالى جعل بيته الحرام في موضع كان أطرافه براري، وكان يعلم أنّها تكون مسكن الأعراب، والغالب عليهم القتال، فحرّم القتال في هذه الأشهر؛ ليأمن الناس من شرّهم، ويحجّوا آمنين ، وشهر مفرد قرّره اللّه تعالى للعمرة للأطراف من أهل المدينة وغيرهم ممّن كان بعدهم من مكّة إلى أربعة عشر يوماً؛ ليعتمروا آمنين في الذهاب والإياب . (1) وحكى في مجمع البيان (2) قولاً بأنّها أشهر السياحة بعينها، وكأنّ القائل منحصر في العامّة ، ورجّحه البيضاوي محتجّاً بالإجماع وباقتضاء السياق ايّاه، حيث قال في تفسير الآية الكريمة: فإذا انقضى الأشهر الحرم اُبيح للناكثين أن يسيحوا فيها ، وقيل: رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم، وهذا مخلّ بالنظم، مخالف للإجماع، فإنّه يقتضي بقاء حرمة الأشهر الحرم؛ إذ ليس فيما نزل بعد ما ينسخها . (3) وحرمة هذه الأشهر على ما مذهب الأصحاب كانت مقرّرة قبل الإسلام بين العرب، وهي من سنّة إبراهيم عليه السلام ، ولكن حدث منهم نسيء آخر غير ما ذكر، فكانوا يؤخّرون في بعض السنوات تحريم المحرّم إلى صفر ، ففي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : «يُحِلُّونَهُ عَاما وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما» (4) ، أي يجعلون الشهر الحرام حلالاً إذا احتاجوا إلى القتال فيه، وإذا لم يحتاجوا إلى القتال لم يفعلوا ذلك . (5) وفي تفسير قوله تعالى : «لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللّهُ» ، معناه: أنّهم لم

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 54.
2- .روضة المتّقين، ج 5، ص 87 .
3- .مجمع البيان، ج 5، ص 15.
4- .تفسير البيضاوي، ج 3، ص 129.
5- .التوبة (9) : 37 .

ص: 523

يحلّوا شهرا من الحرام إلّا حرّموا مكانه شهرا من الحلال، ولم يحرّموا شهرا من الحلال إلّا أحلّوا مكانه شهرا من الحرام؛ لتكون موافقة في العدد . (1) وفيه أيضاً : وكانت العرب تحرّم الشهور الأربعة، وذلك ممّا تمسّكت به من ملّة إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلاموهم كانوا أصحاب غارات وحروب، فربّما كان يشقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها، فكانوا يؤخّرون تحريم المحرّم إلى صفر فيحرّمونه، ويستحلّون المحرّم، فيمكثون بذلك زماناً، ثمّ يزول التحريم إلى المحرّم، ولا يفعلون ذلك إلّا في ذي الحجّة . قال الفرّاء : والذي كان يقوم به رجل من كنانة يُقال له: نعيم بن ثعلبة، وكان رئيس الموسم، فيقول : أنا الذي لا اُعاب ولا اُخاب ولا يُردّ لي قضاء، فيقولون: نعم، صدقت أنسنا شهرا أو أخّر عنّا حرمة المحرّم واجعلها في صفر وأحلّ المحرّم ، فيفعل ذلك ، والذي كان ينسأها حين جاء الإسلام جنادة بن عوف بن اُميّة الكناني . قال ابن عبّاس : أوّل من سنّ النسيء عمر بن يحيى بن قمعة بن خندف . وقال أبو مسلم : بل رجل من بني كنانة يُقال له: القملَّس (2) ، كان يقول : إنّي قد نَسَأتُ المحرّم، وهما العام صفران، فإذا كان العام القابل قضينا، فجعلناهما محرّمين ، قال شاعرهم : ومِنّا ناسِئُ الشهر القَلمَّسُ (3) وقال الكميت : ونحن النّاسِئون على مُعَدٍّشهورَ الحِلّ نجعلها حراماً(4)

.


1- .نفس المصدر.
2- .كذا بالأصل، و في المصدر: «القلمس»، و كلاهما بمعني الداهية.
3- .في الأصل: «القملس»، و المثبت من المصدر و سائر المصادر مثل جامع البيان للطبري، ج 10، ص 171؛ و تفسير البغوي، ج 2، ص 291.
4- .مجمع البيان، ج 5، ص 53.

ص: 524

باب الحجّ الأكبر والأصغر

باب أصناف الحجّ

باب الحجّ الأكبر والأصغريدلّ أخبار الباب على أنّ الحجّ الأكبر هو مطلق الحجّ ، والحجّ الأصغر هو العمرة، ومثلها ما مرّ من خبر العيّاشي (1) وخبر مجمع البيان (2) عن عاصم بن حميد، وإنّما سمّي بالأكبر لكثرة أفعاله بالقياس إلى العمرة . وظاهر الصدوق رضى الله عنه أنّه حجّة الوداع ؛ فقد روى في الفقيه عن الفضيل بن عياض عن أبي عبداللّه عليه السلام في آخر حديث ، يقول : «إنّما سمّي الحجّ الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة» . (3) وفي كتاب العلل بإسناده عن حفص بن غياث، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَأَذَانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» (4) ، فقال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أنا الأذان في الناس» ، قلت : فما معنى هذه اللفظة: «الحجّ الأكبر» ؟ قال : «إنّما سمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون، بعد تلك السنة» . (5) فتأمّل .

باب أصناف الحجّأجمع علماء الاُمّة على أنّ الحجّ صار في آخر عهد النبيّ صلى الله عليه و آله على ثلاثة أصناف : تمتّع، وقران، وإفراد، بعدما كان صنفين: إفرادا وقراناً، وعلى بقاء حكمها إلى يوم القيامة .

.


1- .تفسير العيّاشي، ج 2، ص 73 _ 74، ح 4 من تفسير سورة التوبة.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 9.
3- .الفقيه، ج 2، ص 198 199، ح 2132؛ و ص 488، ح 3042.
4- .التوبة (9) : 3 .
5- .علل الشرائع، ص 442، الباب 188، ح 1.

ص: 525

واعترف به بعض العامّة ، ففي العزيز : وإنّما انقسم أداء النسكين إلى الوجوه الثلاثة لأنّه إمّا أن يقرن بينهما، وهو المسمّى قراناً، أو لا يقرن، فإمّا أن يقدّم الحجّ على العمرة، وهو الإفراد، أو يقدّم العمرة على الحجّ، وهو التمتّع إلى قوله : والوجوه [جميعا]جائزة بالاتّفاق . (1) انتهى . وإنّما اختلفوا في موضعين: أحدهما: في تفسير القِران، ويأتي في موضعه ، وثانيهما: في وجوب التمتّع على من نأى عن المسجد الحرام عيناً أو تخييرا ، وذهب إلى الأوّل الأصحاب أجمع، وإلى الثاني العامّة كافّة . قال السيّد رضى الله عنه في الانتصار : وممّا انفردت [به] الإماميّة القول بأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ هو فرض اللّه تعالى على كلّ من نأى عن المسجد الحرام، لا يجزيه مع التمكّن سواه إلى قوله _ : وخالف باقي الفقهاء في ذلك، إلّا أنّهم اختلفوا في الأفضل من ضروب الحجّ ، فقال أبو حنيفة وزفر : القران أفضل من التمتّع والإفراد . (2) وقال أبو يوسف : التمتّع بمنزلة القران (3) ، وهو قول ابن حي . وكره الثوري أن يقال: بعضها أفضل من بعض . (4) وقال مالك والأوزاعي : الإفراد أفضل . (5) وللشافعي قولان : أحدهما: أنّ الإفراد أفضل، والآخر: أنّ التمتّع أفضل (6) ، وهو قول أحمد بن حنبل (7) وأصحاب الحديث . (8) انتهى . وكأنّهم لم يعبأوا بإنكار عمر إيّاه حيث أجمعوا على جوازه، وقد ثبت بالتواتر من

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 104.
2- .فتح العزيز، ج 7، ص 105؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 151 و 152.
3- .المجموع للنووي، ج 7، ص 151 و 152 و فيه: أنّ التمتع و القرآن أفضل من الإفراد.
4- .حكي في المجموع للنووي، ج 7، ص 152 عن الثوري: أنّ الإفراد أفضل. و في الشرح الكبير، ج 3، ص 233 أنّ القرآن أفضل.
5- .فتح العزيز، ج 7، ص 106؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 152؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 233؛ المغني، ج 3، ص 232.
6- .الشرح الكبير لابن قدامة، ج 3، ص 232؛ المغني، ج 3، ص 232؛ فتح العزيز، ج 7، ص 106.
7- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 233؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 322؛ فتح العزيز، ج 7، ص 106.
8- .الانتصار، ص 238 239.

ص: 526

الفريقين أنّه أنكره في حجّة الوداع حين شرع وبالغ في الإنكار حتّى أنّه قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّك لن تؤمن بهذا أبدا» . (1) والظاهر إنكاره إيّاه مطلقاً ابتداءً وعدولاً، كما هو المشهور بين أهل العلم في النقل عنه وإن كان مبدأ إنكاره في المعدول من الإفراد . ويدلّ عليه إطلاق قوله : «متعتان كانتا على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وأنا اُحرّمهما واُعاقب عليهما» (2) ، على ما رواه أكثر الجمهور ، وعموم العلّة التي ذكرها للبقاء على الإفراد، حيث قال : أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر ؟! (3) وزعم بعض العامّة أنّه إنّما أنكر العدول، وتبعه على ذلك صاحب كنز العرفان، فقد قال : التمتّع قد يكون ابتداءً كمن يحرم أوّلاً بالعمرة ثمّ بعد قضاء مناسكها يحرم بالحجّ، وذلك ممّا لا نزاع في مشروعيّته، وقد يكون بالعدول عن حجّ الإفراد، فإنّ من دخل مكّة محرماً بحجّ الإفراد فالأفضل له أن يعدل بإحرامه إلى عمرة التمتّع ويتمّ حجّ التمتّع. وهذا منعه جميع فقهاء العامّة _ ، إلى قوله _ : وهذه هي التي منعها عمر، فقال : متعتان كانتا محلّلتين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا اُحرّمهما واُعاقب عليهما . (4) والشهيد الثاني قدس سره أيضاً في شرح اللمعة، حيث قال : يجوز لمن حجّ ندباً مفردا العدول إلى عمرة التمتّع اختيارا، وهذه هي المتعة التي أنكرها الثاني. (5) ولهم لإنكاره توجيهات ركيكة ، ففي الانتصار: أنّ الفقهاء والمحصّلين من مخالفينا حملوا نهي عمر عن هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الحظر، وقالوا في كتبهم المعروفة المخصوصة بأحكام القرآن : إنّ

.


1- .الكافي، باب حجّ النبي صلى الله عليه و آله ، ح 4.
2- .معرفة السنن و الآثار للبيهقي، ج 5، ص 345؛ الاستذكار، ج 4، ص 95؛ و ج 5، ص 505؛ التمهيد، ج 10، ص 113؛ و ج 23، ص 357 و 365؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 191؛ تفسير الرازي، ج 10، ص 50.
3- .مسند أحمد، ج 3، ص 305؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 171 و 200؛ و ج 8 ، ص 129؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 95.
4- .كنز العرفان، ج 1، ص 290 292.
5- .شرح اللمعة، ج 2، ص 212.

ص: 527

نهي عمر يحتمل أن يكون لوجوه، منها: أنّه أراد أن يكون الحجّ في أشهره المخصوصة والعمرة في غير تلك الشهور . ومنها: أنّه أحبّ عمارة البيت وأن يكثر زوّاره في غير الموسم . ومنها: أنّه أراد إدخال المرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم، فرووا في تقوية هذه المعاني أخبارا موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل بذكرها . ومنهم من حمل نهي عمر على فسخ الحجّ إذا طاف له قبل يوم النحر . وقد روي عن ابن عبّاس أنّه كان يذهب إلى جواز ذلك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان أمر أصحابه في حجّة الوداع بفسخ الحجّ من كان منهم لم يسق هدياً، ولم يحلّ هو عليه السلام؛ لأنّه كان ساق الهدي ، وزعموا أنّه منسوخ بقوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» . (1) وهذا التأويل الثاني بعيد من الصواب ؛ لأنّ فسخ الحجّ لا يسمّى متعة، وقد صارت هذه اللفظة بعرف الشرع مخصوصة بمن ذكرنا حاله وصفته . وأمّا التأويل الأوّل فيبطله قوله : أنا أنهي عنهما واُعاقب عليهما ، وتشدّده في ذلك وتوعّده يقتضي أن لا يكون القول خرج مخرج الاستحباب. على أنّ نهيه عن متعة النساء كان مقروناً بنهيه عن متعة الحجّ، فإن كان النهي عن متعة الحجّ استحباباً فالمتعة الاُخرى كذلك . (2) انتهى . وأظنّ أنّ الباعث له على ذلك إحياء السنّة الجاهليّة، فإنّهم كانوا يحرّمون العمرة في أشهر الحجّ ؛ فقد روى مسلم عن عبداللّه بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور، ويجعلون المحرّم صفرا، ويقولون: إذا برأ الدّبر وعفا الأثَر وانسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر . [ف]قدم النبيّ صلى الله عليه و آله وأصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحجّ فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا : يارسول اللّه ، أيّ الحلّ؟ قال : الحلّ كلّه . (3) ورواه البخاري (4) أيضاً .

.


1- .البقرة (2): 196. وانظر: أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 352؛ و الفصول في الأصول له أيضا، ج 2، ص 324.
2- .الانتصار، ص 240 _ 241.
3- .صحيح مسلم، ج 4، ص 56.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152.

ص: 528

وقيل : رواه أبو داود (1) و النسائيّ (2) بتغيير يسير . وأورده في جامع الاُصول (3) وقال : وأخرج أبو داود في رواية اُخرى أنّه قال : واللّه ، ما أعمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عائشة في ذي الحجّة إلّا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فإنّ هذا الحيّ من قريش ومن دان بدينهم كانوا يقولون: إذا عفا الأثر وبرأ الدّبر ودخل صفر، فكانوا يحرّمون العمرة حتّى ينسلخ ذو الحجّة والمحرّم . (4) والداعي له على إنكار متعة النساء ما رواه المفضّل في حديث طويل عن الصادق عليه السلام قال : «تمتّع سائر المسلمين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الحجّ وغيره، وأيّام أبي بكر، وأربع سنين في أيّام عمر حتّى دخل على اُخته عفراء، فوجد في حجرها طفلاً يرتضع من ثديها، فنظر إلى درّة اللّبن في فم الطفل، فأغضب وأرعد وأزبد وأخذ الطفل على يده وخرج حتّى أتى المسجد ورقا المنبر، وقال : نادوا في الناس: أنّ الصلاة جامعة ، وكان غير وقت صلاة ، فعلم الناس أنّه لأمرٍ يريده عمر ، فحضروا فقال : معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان مَن منكم يحبّ أن يرى المحرّمات من النساء ولها مثل هذا الطفل قد خرج من أحشائها ويرتضع من ثديها وهي غير متبعّلة؟ فقال بعض القوم : ما نحبّ هذا ، فقال : ألستم تعرفون اُختي عفراء بنت حَنْتَمة اُمّي وأبي الخطّاب غير متبعّلة؟ قالوا : بلى ، قال : فإنّي دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها، فناشدتها أنّى لكِ هذا؟ فقالت : تمتّعت ، فاعلموا معاشر (5) الناس أنّ هذه المتعة التي كانت حلالاً للمسلمين في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد رأيت تحريمها، فمَن أبى ضربت جنبيه بالسّوط ، فلم يكن في القوم منكر قوله، ولا رادّ عليه، ولا قائل: لم يأتِ رسول بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو كتاب بعد كتاب اللّه ، لا نقبل خلافك على اللّه وعلى

.


1- .الظاهر أنّه أراد منها الحديث التالي عن أبي داود.
2- .سنن النسائي، ج 5، ص 180؛ و أيضا في السنن الكبرى، ج 2، ص 368، ح 3795.
3- .جامع الاُصول، ج 3، ص 1414.
4- .سنن أبي داود، ج 1، ص 442، ح 1987.
5- .في الأصل: «سائر» بدل «معاشر»، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

ص: 529

رسوله وعلى كتابه ، بل سلّموا و رضوا» (1) ، الحديث . وقد ظهر لك ممّا ذكر أنّ علماء العامّة وسلاطينهم لم يرضوا بما فعله عمر في الحجّ، ولم يقبلوا إنكاره التمتّع؛ لغاية شناعته . وأمّا إنكاره متعة النساء فقد تلقّوه بالقبول غيرةً على اُمّهاتهم وبناتهم وأخواتهم كما كان كذلك داعيا له إليه . وقد حكي أنّ المأمون أراد نقض ذلك ومنعه الحديث الذي وضعه بعض المبدعين ، فقد حكى في مجالس المؤمنين: أنّ المأمون أراد أن يجري شرع متعة النساء وينقض أساس عمر، فبلغ ذلك يحيى بن أكثم، فقال لأبي العيناء : اُغد إليه، فإن تيسّر لك التكلّم معه في ذلك، وإلّا فاصبر هنيئة حتّى أجيء إليك ، فذهب أبو العيناء إلى المأمون غدوة، فرآه يمشي متحيّرا و هو يقول مخاطباً لعمر : ياجُعَل، مالكَ وما أحلّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآه متغيّرا هذا التغيّر سكت ولم يتكلّم، فإذا هو بيحيى عبوساً ، فلمّا رآه يحيى متغيّر الحال قال له : ما لي أراك متنكّرا؟ فقال : بدعة ابتدعتَها ، قال : ما هي؟ قال : حلّ الزنا ، فقال : كلّا وحاشا عن ذلك ، قال : تريد أن تحلّ المتعة وما هي إلّا زنا، فإنّ اللّه تعالى حصر المحلّلات في الأزواج؛ وملك اليمين والمتعة ليست من الأزواج؛ لاستلزام الزوجيّة التوارث، ولا توارث هنا، وليست أيضاً مملوكة ، فقال المأمون : فكيف أحلّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : قد أحلّها مدّة ثمّ نسخها في حجّة الوداع ، فاستخبر المأمون عن رجل آخر عن صدق هذا الخبر فصدّقه، فتوقّف عن عزمه عن هذا الرأي . وقد سمعت عن بعض الثقات نقلاً عن بعض تواريخ العامّة أنّه قال يحيى بعد ذلك : ومن المراحم الربّانيّة عَليَّ إبقاء سنّة عمر أن لم يخطر ببال المأمون أن يعترض بأنّه إذا وقع النسخ فكيف قال عمر : أنا اُحرّمهما؟ وأن يقول : وكيف كان الناس يستمتعون من النساء في عهد أبي بكر ونبذ من عهده ؟ (2)

.


1- .الهداية، ص 423؛ المستدرك، ج 14، ص 474 477، ح 17348.
2- .اُنظر القصّة في ترجمة يحيى بن الأكثم من وفيات الأعيان، ج 6، ص 150 151؛ و تاريخ بغداد، ج 14، ص 202 203، الرقم 7489؛ و ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق، ج 64، ص 71 72، ترجمة يحيى بن أكثم برقم 8108 .

ص: 530

وأقول : هذا الخبر موضوع لما عرفت، و قد اضطربوا في نقله، فكثيرا ما يروونه في فتح خيبر، فقد رواه البخاري (1) ومسلم (2) فيه بطرق متعدّدة . وأمّا الدليل عليه فالأصل فيه قوله تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (3) . واحتجّ عليه في المنتهى بقوله سبحانه أيضاً : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (4) ،وقال : أمره تعالى للوجوب والفور، فإمّا أن يبدأ بالحجّ وينتهي بالعمرة، ولم يقل به أحد؛ إذ لم يوجب أحد تعقيب الحجّ بالعمرة بلا فصل . وإمّا أن يجمع بينهما في إحرام واحد وهو غير جائز، كما لا يجوز الجمع بين إحرام حجّتين وعمرتين، فلم يبقَ إلّا تقديم العمرة وتعقّبها بالحجّ بلا فصل، وهو التمتّع (5) ، وفيه تأمّل . وقد تظافرت الأخبار فيه من الطريقين، بل تواترت ؛ فمن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب وفي بعض الأبواب السالفة، وما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال : «لمّا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من سعيه أتاه جبرئيل عليه السلام عند فراغه من السعي، وهو على المروة، فقال : إنّ اللّه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلّا مَنْ ساق الهدي ، فأقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الناس بوجهه، فقال : أيُّها الناس، هذا جبرئيل عليه السلام وأشار بيده إلى خلفه يأمرني عن اللّه أن آمُرَ الناس أن يحلّوا إلّا مَن ساق الهدي ، فأمرهم بما أمر اللّه به. فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه ، نخرج من منى ورؤوسنا تقطر من النساء . وقال آخرون: يأمرنا بشيء ويصنع هو غيره .

.


1- .اُنظر: صحيح البخاري، ج 5، ص 78، باب غزوة خيبر، و ج 6، ص 129، كتاب النكاح، و ج 8 ، ص 61، كتاب الجبل.
2- .صحيح مسلم، ج 4، ص 130 135، كتاب النكاح.
3- .البقرة (2) : 196 .
4- .البقرة (2): 196.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 660.

ص: 531

فقال : أيّها الناس، لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما صنع الناس، ولكنّي سقت الهدي، فلا يحلّ من ساق الهدي حتّى يبلغ الهدي محلّه . فقصّر الناس وأحلّوا وجعلوها عمرة. فقام سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، فقال : يارسول اللّه ، هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال : لا، للأبد إلى يوم القيامة، وشبّك بين أصابعه، وأنزل اللّه في ذلك قرآناً: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (1) ، فليس لأحدٍ إلّا أن يتمتّع؛ لأنّ اللّه نزّل ذلك في كتابه وجرت به السنّة . وفي الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ عثمان خرج حاجّاً فلمّا صار إلى الأبواء أمر منادياً فنادى بالناس: اجعلوها حجّةً ولا تمتّعوا، فنادى المنادي، فمرّ المنادي بالمقداد بن الأسود، فقال : أَما لتجدنّ عند القلائص رجلاً ينكر ما تقول ، فلمّا انتهى المنادي إلى عليّ عليه السلام وكان عند ركائبه يلقمها خبطاً (2) ودقيقاً، فلمّا سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان، فقال : ما هذا الذي أمرت به؟ فقال : رأيٌ رأيته ، فقال : واللّه ، لقد أمرت بخلاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أدبر مولّياً رافعاً صوته : لبّيك بحجّةٍ وعمرة معاً، لبّيك ، وكان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك : فكأنّي أنظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه» . (3) ومن طريق العامّة ما رواه مسلم عن عبداللّه بن شقيق، قال : كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان عليّ يأمر بها ، فقال لعليّ كلمة، ثمّ قال عليّ : «لقد علمت قد تمتّعنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله » قال : أجل، ولكنّا كنّا خائفين . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 25، ح 74؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 239، ح 14682.
2- .الخبط: ضرب الشجر بالعصاليتنا ثرورقها، و اسم الورق الساقط خبط بالتحريك فعل بمعنى مفعول، و هو من علف الإبل. النهاية، ج 2، ص 7 (خبط).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 85 86 ، ح 282؛ الاستبصار، ج 2، ص 171، ح 564؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 350 351، ح 16486.
4- .صحيح مسلم، ج 4، ص 46. و رواه أحمد في المسند، ج 1، ص 61 و 97.

ص: 532

وعن سعيد بن المسيّب، قال : اجتمع عليّ وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة ، فقال عليّ : «ما تريد إلى أمرٍ فعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله تنهى عنه؟» فقال عثمان : دَعنا منك ، فقال : «إنّي لا أستطيع أن أدعَكَ» ، فلمّا رأى عليّ ذلك أهلَّ بهما جميعاً . (1) وما رواه البخاري عن مروان بن الحكم: أنّه شهد عليّاً عليه السلام وعثمان بين مكّة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما: «لبّيك بعمرةٍ وحجّة» ، فقال عثمان : تراني أنهى الناس وأنت تفعله؟ فقال : «ما كنت لأدع سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقول أحد» . (2) وعن عائشة قالت : خرجنا مع النبيّ صلى الله عليه و آله ولا نرى إلّا أنّه الحجّ ، فلمّا قدمنا تطوّفنا بالبيت، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله من لم يكن ساق الهدي [أن يحلّ]، ونساؤه لم يسقن فأحللن ، قالت عائشة : فحِضْتُ فلم أطف بالبيت، فلمّا كانت ليلة الحصبة قلت : يارسول اللّه ، يرجع الناس بحجّة وعمرة وأرجع أنا بحجّة؟ قال : «وما طفتِ ليالي قدمنا مكّة؟» قلت : لا ، قال : «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلّي بعمرة، ثمّ موعدك كذا وكذا» (3) ، الحديث . وعن أبي شهاب، قال : قدمت مكّة متمتّعاً بعمرة، فدخلنا قبل التروية بثلاثة أيّام، فقال لي اُناس من أهل مكّة : تصير الآن حجّتك مكّيّة ، فدخلت على عطاء أستفتيه، فقال : حدّثني جابر بن عبداللّه : أنّه حجّ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم ساق البُدن معه، وقد أهلّوا بالحجّ مفردا، فقال لهم: «أحلّوا من إحرامكم بطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة فقصّروا، ثمّ أقيموا حلالاً حتّى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ، واجعلوا التي قدمتم بها متعة» ، فقالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ؟ فقال : «افعلوا ما أمرتكم، فلولا

.


1- .صحيح مسلم، ج 4، ص 46.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 151. و رواه الدارمي في سننه، ج 2، ص 70 71؛ و النسائي في سننه، ج 5، ص 148؛ و في السنن الكبرى، ج 2، ص 345، ح 3703؛ و الطيالسي في مسنده، ص 16.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 151. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 33.

ص: 533

أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحلّ منّي حرام حتّى يبلغ الهدي محلّه» ، ففعلوا . (1) وعن جابر بن عبداللّه ، قال : قدمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونحن نقول : لبّيك بالحجّ ، فأمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فجعلناها عمرة . (2) وعن عمران، قال : تمتّعنا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء . (3) وعن ابن عبّاس أنّه سُئل عن متعة الحجّ ، فقال : أهلّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبيّ صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع وأهللنا، فلمّا قدمنا مكّة قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة، إلّا من قلّد الهدي» طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال : «من قلّد الهدي فلا يحلّ له حتّى يبلغ الهدي محلّه» . ثمّ أمرنا عشيّة التروية أن نهلّ بالحجّ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، فقد تمّ حجّنا وعلينا الهدي، كما قال اللّه عزّ وجلّ : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ» (4) إلى أمصاركم الشاة تجزي، فاجمعوا نسكين في عام واحد، فإنّ اللّه أنزله في كتابه، وسنّه نبيّه، وأباحه للناس غير أهل مكّة، قال اللّه : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» . (5) وأشهر الحجّ التي ذكرها اللّه في كتابه: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة، فمن تمتّع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم ، والرفث: الجماع ، والفسوق: المعاصي ، والجدال: المراء . 6 وعن أنس، قال : صلّى النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة ونحن معه الظهر أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوت به على البيداء حمد اللّه

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152.
2- .البقرة (2): 196.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 153. و رواه أحمد في مسنده، ج 3، ص 356 و 365؛ و مسلم في صحيحه، ج 4، ص 38؛ و البيهقى في السنن الكبرى، ج 5، ص 40.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 153.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 153 154. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 23، باب هدي المتمتّع.

ص: 534

وسبّح وكبّر، ثمّ أهلَّ بحجّ وعمرة وأهلّ الناس بهما، فلمّا قدمنا أمر الناس فحلّوا حتّى كان يوم التروية أهلّوا بالحجّ ، قال : ونحر النبيّ صلى الله عليه و آله بدنات بيده قياماً، وذبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمدينة كبشين أملحين . (1) وعن عبداللّه بن عبّاس، قال : انطلق النبيّ صلى الله عليه و آله من المدينة بعدما ترجّل وادّهن ولبس أزاره و رداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والاُزر تُلبس إلّا المزعفرة التي تروع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، وركب راحلته حتّى استوى على البيداء أهلَّ هو وأصحابه، وقلّد بدنته، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكّة لأربع ليال خلون من ذي الحجّة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة ولم يحلّ من أحلّ بدنة، لأنّه قلّدها، ثمّ نزل بأعلى مكّة عند الحجون، وهو مهلّ بالحجّ، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتّى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثمّ يقصّروا من رؤوسهم، ثمّ يحلّوا، وذلك لمن لم يكن له بدنة قلّدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب . (2) وعن ابن عمر، عن حفصة، أنّها قالت : يارسول اللّه ، ما شأن الناس أحلّوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال : «إنّي لبّدت رأسي وقلّدها هديي، فلا أحلّ حتّى أنحر» . (3) وعن شعبة، عن أبي جمرة نضر بن عمران الضبعي، قال : تمتّعت فنهاني [ناس]، فسألت ابن عبّاس فأمرني ، فرأيت في المنام كأنّ رجلاً يقول لي : حجٌّ مبرور وعمرة متقبّلة ، فأخبرت ابن عبّاس، فقال : سنّة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال : أقم عندي وأجعل لك سهماً

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 147 148.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 146. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 33.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152 و 182 و 188، باب التمتع و الأقران و الإفراد بالحجّ؛ و ج 7، ص 59، كتاب اللباس. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 50؛ و ابن ماجة في السنن، ج 2، ص 1012 1013، ح 3046؛ و أبوداود في سننه، ج 1، ص 406، ح 1806؛ و النسائي في السنن، ج 5، ص 136، باب النهي عن لبس القميص للمحرم؛ و في السنن الكبرى، ج 2، ص 337، ح 3662، و ص 361، ح 3762؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 12.

ص: 535

من مالي ، قال شعبة : فقلت لِمَ؟ قال : للرؤيا التي رأيت . (1) وبسند آخر عن شعبة عن أبي حمزة قريباً منه . (2) وعن عبداللّه بن يوسف، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمان، قالت : سمعت عائشة تقول : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلّا الحجّ، فلمّا دنونا من مكّة أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحلّ ، قالت : فدُخِل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا؟ قال : نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أزواجه . قال يحيى : فذكرته للقاسم ، قال : أتتك بالحديث على وجهه . (3) ورواه أيضاً بسند آخر عن يحيى. (4) وعن عائشة، قالت : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا نذكر إلّا الحجّ، فلمّا قدمنا أمرنا أن نحلّ ، فلمّا كانت ليلة النفر حاضت صفيّة بنت حُيَي (5) ، الحديث . وعن جابر بن عبداللّه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أهلَّ وأصحابه بالحجّ، وليس مع أحد منهم هدي غير النبيّ صلى الله عليه و آله وطلحة، وكان عليّ قدم من اليمن ومعه هدي، فقال: «أهللت بما أهلَّ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله »، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة، يطوفوا ثمّ يقصّروا ويحلّوا إلّا مَن كان معه الهدي ، وقالوا: أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر ؟! فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت». وأنّ عائشة حاضت فنسكت المناسك كلّها، غير أنّها لم تطف بالبيت ، قال :

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152، و ما بين الحاصرتين منه.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 182. و نحوه رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 57؛ و أحمد في مسنده، ج 1، ص 241.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 184 185، و ج 4، ص 7. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 32؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 5.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 187.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 198.

ص: 536

فلمّا طهرت وطافت قالت : يارسول اللّه ، أتنطلقون بعمرة وحجّة وأنطلق بالحجّ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحجّ في ذي الحجّة، وأنّ سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبيّ صلى الله عليه و آله وهو بالعقبة وهو يرميها، فقال : ألكم هذه خاصّة يارسول اللّه ؟ قال : «لا ، بل للأبد» . (1) وعن أبي الأسود أنّ عبداللّه مولى أسماء بنت أبي بكر حدّثه أنّه كان يسمع أسماء تقول كلّما مرّت بالحجون: صلّى اللّه على رسوله، لقد نزلنا معه هاهنا ونحن يومئذٍ خفاف، قليل ظهرنا، قليلة أزوادنا، فاعتمرت أنا واُختي عائشة والزبير وفلان وفلان، فلمّا مسحنا البيت أحللنا، ثمّ أهللنا من العشي بالحجّ . (2) وقد روى كثيرا منها بأسانيد متعدّدة . وروى أيضاً مسلم عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام قال : «دخلنا على جابر بن عبداللّه (3) الأنصاري فسأل عن القوم حتّى انتهى إليَّ، فقلت : أنا محمّد بن عليّ بن الحسين، فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زرّي الأعلى ثمّ نزع زرّي الأسفل، ثمّ وضع كفّه بين ثَدييّ وأنا يومئذٍ غلام شابّ، فقال : مرحباً بك يا ابن أخي، سَلْ عمّا شئت ، فسألته وهو أعمى وقد حضر وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفاً بها، (4) كلّما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغره، ورداؤه إلى جنبه على المشجب ، (5) فصلّى بنا فقلت : أخبرني عن حجّة رسول اللّه ، فقال بيده، فعقد تسعاً، فقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في الناس في العاشرة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حاجّ، فقدم المدينة بشرٌ

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 200 201؛ و رواه أحمد في المسند، ج 3، ص 305.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 204؛ و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 55.
3- .هذا هو الصحيح، و في الأصل: «جابر بن محمّد».
4- .في الهامش: «في حديث جابر: فقام في نساجة ملتحفا بها، هي ضرب من الملاحف منسوجة، كأنّها سمّيت بالمصدر، يقال: نسجت أنسج نسجا و نساجة» . النهاية، ج 5، ص 46 (نسج).
5- .في هامش الأصل: «في حديث جابر: و ثوبه على المشجب. هو بكسر الميم: عيدان تضمّ رؤوسهما و تفرّج بين قوائمها و توضع عليها الثياب، و قد تعلّق عليها الأسقية لتبريد الماء، و هومن تشاجب الأمر: إذا اختلط». النهاية، ج 2، ص 445 (شجب).

ص: 537

كثير كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول اللّه صلى الله عليه و آله ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتّى إذا أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت أبي عميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله كيف أصنع؟ قال : اغتسلي واستثفري (1) بثوب واحرمي، فصلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد، فركب القصواء حتّى إذا استوت به ناقته إلى البيداء نظرت إلى مدّ بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتوحيد: لبّيك اللّهمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك ، وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلّ به، فلم يزد رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئاً منهم ، ولزم رسول اللّه صلى الله عليه و آله تلبيته . قال جابر : لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى» (2) ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلّا عن النبيّ صلى الله عليه و آله . كان يقرأ في الركعتين: قل هو اللّه أحد، وقل يا أيُّها الكافرون، ثمّ رجع إلى الركن فاستلمه، ثمّ خرج من الباب إلى الصفا، فلمّا دنا من الصفا قرأ: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ» (3) ابدأ بما بدأ اللّه به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد اللّه وكبّره، وقال : لا إله إلّا اللّه ، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيءٍ قدير، لا إله إلّا اللّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده . ثمّ دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرّات ، ثمّ نزل إلى المروة حتّى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي رمل، حتّى إذا صعدتا مشى حتّى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة قال : «لو أنّي استقبلت من

.


1- .الاستثفار: هو أن تشدّ فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، و تُوثق طرفيها في شيء تشدّ على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم. النهاية لابن الأثير، ج 1، ص 214 (ثفر).
2- .البقرة(2): 125.
3- .البقرة (2) : 157 .

ص: 538

أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة». فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة ، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يارسول اللّه ، ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصابعه واحدة في الاُخرى وقال : «دخلت العمرة في الحجّ هكذا مرّتين ، لا بل لأبد أبدٍ» . وقدم عليّ عليه السلام من اليمن ببدن النبيّ صلى الله عليه و آله فوجد فاطمة عليهاالسلام ممّن أحلّ ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت : إنّ أبي أمرني بهذا ، قال : فكان عليّ عليه السلام يقول بالعراق : «فذهبت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله محرّشاً على فاطمة للذي صنعت مستفتياً لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فيما ذكرت عنه، فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها، فقال : صَدَقَتْ، صَدَقَتْ ماذا قلت حين إذ فرضت الحجّ؟ قال : قلت : اللّهمَّ إنّي أهلُّ بما أهلَّ به رسولك صلى الله عليه و آله ، فقال : فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» . قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليّ عليه السلام من اليمن والذي أتى به النبيّ صلى الله عليه و آله مئةً . قال : فحلَّ الناس كلّهم فقصّروا إلّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومَن كان معه هدي» (1) ، الحديث . وقد تظافرت روايات اُخرى من طرقهم تركناها، لكفاية ما ذكر إن شاء اللّه تعالى . قوله في حسنة أبي أيّوب الخزّاز : (سألت أبا عبداللّه عليه السلام أيّ أنواع الحجّ أفضل؟ فقال : التمتّع) .[ح 3 / 7016] دلّ على كون التمتّع أفضل مطلقاً . ويدلّ عليه أيضاً أخبار متكثّرة، منها: ما ذكره المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام ونحن بالمدينة _ : إنّي اعتمرت عمرة في رجب، وأنا اُريد الحجّ، فأسوق الهدي أو أفرد أو أتمتّع؟ فقال : «في كلّ فضلٌ، وكلٌّ حسنٌ» ، قلت : وأيّ ذلك أفضل؟ فقال : «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول : لكلّ شهر عمرة تمتّع، فهو واللّه أفضل» . ثمّ قال : «إنّ أهل مكّة يقولون : إنّ

.


1- .صحيح مسلم، ج 4، ص 39 41؛ و رواه أبو داود في السنن، ج 1، ص 424 426، ح 1905.

ص: 539

عمرته عراقيّة وحجّته مكّيّة ، كذبوا أوليس هو مرتبط بحجّة لا يخرج حتّى يقضيه»؟ (1) واحتجّ عليه في الخلاف (2) بإجماع الطائفة المحقّة، وبأنّ المتمتّع يأتي بالعمرة والحجّ معاً، وبأنّه يأتي بكلّ واحد من النسكين في وقت شريف، وإذا أفرد أو قارن بالحجّ وحده فيه. (3) وهذا الإطلاق إنّما يتمّ في النافلة ، وأمّا في الفريضة فسيأتي أنّ الظاهر من الأدلّة عدم جواز التمتّع للمكّي فكيف أفضليّته له . نعم ، على ما ذهب إليه الشيخ وأتباعه من جوازه لهم يمكن القول بأفضليّته أيضاً، وهو ظاهره في الخلاف حيث قال قولاً مطلقاً : «التمتّع أفضل من القران والإفراد» . (4) وقد ورد في بعض الأخبار الصحيحة أفضليّة الإفراد، وهو محمول على التقيّة، لأنّه مذهب بعض العامّة كما ستعرف . ورواه الشيخ عن عمر بن اُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته ما أفضل ما حجّ الناس؟ فقال : «عمرة في رجب، وحجّة مفردة في عامها» ، فقلت : فالذي يلي هذا؟ قال : «المتعة» ، فقلت : كيف أتمتّع؟ فقال : «يأتي الوقت فيلبّي بالحجّ، فإذا أتى مكّة طاف وسعى وأحلَّ من كلّ شيء، وهو محتبس، وليس له أن يخرج من مكّة حتّى يحجّ» ، قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : «القران، والقران: أن يسوق الهدي» ، قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : «عمرة مفردة، ويذهب حيث شاء، فإن أقام بمكّة فعمرته تامّة، وحجّته ناقصة مكّيّة ، [ إلى الحجّ] قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : «ما يفعل الناس اليوم يفردون الحجّ، فإذا قدموا مكّة وطافوا بالبيت أحلّوا، وإذا لبّوا أحرموا، فلا يزال يحلّ ويعقد حتّى يخرج إلى منى بلا حجّ ولا عمرة» . 5

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 31 32، ح 94؛ الاستبصار، ج 2، ص 156، ح 512؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 251، ح 14718.
2- .الخلاف، ج 2، ص 267، المسألة 33.
3- .كذا بالأصل، و في المصدر: «و إذا أفرد أتى بالعمرة في غير أشهر الحجّ».
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 31، ح 93؛ الاستبصار، ج 2، ص 156، ح 511؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 253، ح 14723.

ص: 540

ومثله ما سيأتي من صحيحة زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الذي يلي المفرد للحجّ في الفضل ، فقال : «المتعة» (1) ، الحديث . وقد قال قدس سره : ليس هذا بمناف لما ذكرناه من أنّ التمتّع من أنواع الحجّ أفضل على كلّ حال؛ لأنّ ما تضمّن هذا الخبر المراد به من اعتمر في رجب وأقام بمكّة إلى أوان الحجّ ولم يخرج ليتمتّع، فليس له إلّا الإفراد ، فأمّا مَن خرج إلى وطنه ثمّ عاد في أوان الحجّ، أو أقام بمكّة ثمّ خرج إلى بعض المواقيت وأحرم بالتمتّع إلى الحجّ فهو أفضل . (2) واستند فيه بما رويناه صحيحاً عن معاوية بن عمّار (3) ، وبما رواه عن بريد ويونس بن ظبيان قالا : سألنا أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان حتّى إذا كان أوان الحجّ أتى متمتّعاً، قال : «لا بأس بذلك» . (4) وفي التأويل ثمّ في الاستشهاد تأمّل ، واختلفت العامّة فيها، فقد حكى طاب ثراه عن أبي عبداللّه الآبي أنّه قال : المعروف أنّ بعضها أفضل من بعض ، فقال مالك : أفضلها الإفراد . وقال أبو حنيفة : القران . وقال الشافعي : التمتّع . وفي العزيز : وأمّا الأفضل منها فإنّ قول الشافعي لا يختلف في تأخير القران عن الإفراد والتمتّع؛ لأنّ أفعال النسكين فيهما أكمل منها في القران . وقال أبو حنيفة : القران أفضل منهما . ويحكى ذلك عن اختيار المزنيّ وابن المنذر وأبي إسحاق المروزيّ؛ لما روي عن أنس، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يصرخ بها صراخاً يقول : لبّيك بحجّة وعمرة . لكن هذه الرواية معارضة بروايات اُخر راجحة على ما سيأتي .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 36، ح 107؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 255، ح 14727.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 31.
3- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 251، ح 14718.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ح 95؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 513؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 252، ح 14719.

ص: 541

واختلف قوله في الإفراد والتمتّع أيّهما أفضل ؛ قال في [اختلاف] الحديث : التمتّع أفضل ؛ وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لما روي أنّه صلى الله عليه و آله قال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة» . وقال في عامّة كتبه : إنّ الإفراد أفضل . وبه قال مالك لما روي عن جابر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أفرد ، وروي مثله عن ابن عبّاس وعائشة . ورجّح الشافعي رواية جابر على رواية رواة القران والتمتّع، فإنّ جابرا أقدم صحبةً وأشدّ عناية بضبط المناسك وأفعال النبيّ صلى الله عليه و آله من لدن خروجه من المدينة إلى أن تحلّل . (1) ولا يخفى أنّ ما ذكره في بيان أفضلية القران لا يدلّ على مدّعاه، فإنّه صلى الله عليه و آله إنّما أقرن لعدم شرع التمتّع بعد، وأنّ الأخبار الواردة في الأمر بالعدول عن الإفراد إليه في حجّة الوداع ظاهرة في رجحان التمتّع على القران، وأنّ ما ذكره في بيان أفضليّة الإفراد معارض بأخبار متكثّرة بل متواترة بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حجّ في ذلك العام قراناً وقد سبقت . قوله في صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر: (قال : سألت أبا جعفر يعني الثاني عليه السلام ) .[ح 5 / 7018] ويظهر من هذا الخبر وما ذكره المصنّف قدس سره في باب مولده عليه السلام أنّه عليه السلام كان يومئذٍ في سنّ أبناء ستّ عشرة سنة تقريباً، حيث قال : إنّه عليه السلام ولد في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومئة، وقبض عليه السلام سنة عشرين ومئتين في آخر ذي القعدة، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً . (2) قوله في خبر محمّد بن الفضل الهاشميّ : (فإنّا لا نتّقي في التمتّع بالعمرة إلى الحجّ) .[ح 14 / 7027] قد مرّ شرح ذلك على ما ذكره فقهاؤنا رحمهم الله ولا يبعد أن يقال: عدم التقيّة في التمتّع إنّما

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 104 109.
2- .الكافي، ج 1، ص 492، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني عليهماالسلام .

ص: 542

باب ما على المتمتّع من الطواف والسعي

كان لحكم علماء العامّة بحرمته كما عرفت وإن رفضوها رغماً للشيعة، بل عدّوها من علامات الرفض ، فيكون على نسق الأخيرين .

باب ما على المتمتّع من الطواف والسعيالمشهور بين الأصحاب أنّ الواجب في حجّ التمتّع ثلاثة أطواف وسعيان ، بل ادّعي عليه الإجماع، وأنّه يجب عليه أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، ويطوف بالبيت سبعة أشواط، ويصلّي ركعتيه خلف المقام أو أحد جانبيه، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثمّ يقصّر فيحلّ من المحرّمات الإحراميّة كلّها حتّى من النساء. ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة، فيقف بعرفات من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام ويقف به فيما بين الطلوعين، ثمّ يفيض منه إلى منى، فيرمي جمرة العقبة ويحلق ويذبح هديه بها، ثمّ يأتي مكّة من يومه أو من غد، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه، ويسعى بين الصفا والمروة، ثمّ يطوف بالبيت للنساء ويصلّي ركعتيه كما ذكر، فيعود إلى منى ويبيت بها ليلة الحادي عشرة والثاني عشرة والثالث عشرة أيضاً على ما يأتي، ويرمي في كلّ من اليومين أوالثلاثة الجمرات الثلاث، ولا طواف للنساء في عمرته . ويدلّ عليه أخبار متظافرة خالية عن ذكر طواف النساء ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : صحيحة زرارة بن أعين، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الذي يلي المفرد للحجّ في الفضل، فقال : «المتعة» ، فقلت : وما المتعة؟ قال : «يهلّ بالحجّ في أشهر الحجّ، فإذا طاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف المقام، وسعى بين الصفا والمروة قصّر وأحلّ، وإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ ونسك المناسك وعليه الهدي» ، فقلت : وما الهدي؟ فقال : «أفضله بدنة وأوسطه بقرة وأخفضه شاة» ، وقال : «قد رأيت الغنم تقلّد بخيط أو بِسَيْر» . (1)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 36، ح 107؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 255، ح 14727.

ص: 543

وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في القارن: «لا يكون قران إلّا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف بعد الحجّ، وهو طواف النساء ، وأمّا المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاث أطواف وسعيان بين الصفا والمروة» . وقال : «التمتّع أفضل الحجّ، وبه نزل القرآن وجرت السنّة ، فعلى المتمتّع إذا قدم مكّة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعي بين الصفا والمروة ، ويصلّي عند كلّ طواف بالبيت، ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وأمّا المفرد للحجّ فعليه طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء، وليس عليه هدي ولا اُضحية» . (1) وحسنة الحلبيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلتُ فداك، إنّي لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اُقصّر؟ قال : «عليك بدنة» ، قال : قلت : إنّي لمّا أردتُ ذلك منها ولم يكن قصّرت امتنعت، فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال : «رحمها اللّه كانت أفقه منك ، عليك بدنة ، وليس عليها شيء» . (2) وخبر الحلبيّ، (3) قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة متمتّعة عاجلها زوجها قبل أن تقصّر، فلمّا تخوّفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها، وقرضت بأظافيرها ، هل عليها شيء؟ فقال : «لا ، ليس كلّ أحدٍ يجد المقاريض» . (4) بل في بعض الأخبار التصريح بنفيه ، ففي صحيحة محمّد بن عيسى، قال : كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرازيّ يسأله عن العمرة المبتولة، هل يجب على صاحبها

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 41 42، ح 122؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 212 213، ح 14644.
2- .الكافي، باب المتمتّع ينسى أن يقصّر...، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 162، ح 543؛ الاستبصار، ج 2، ص 244، ح 852 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 508، ح 18323.
3- .في هامش الأصل: «في طريقه محمّد بن سنان، منه عفي عنه».
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 162، ح 542؛ الاستبصار، ج 2، ص 244، ح 1851؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 509، ح 18325.

ص: 544

باب صفة الإقران

طواف النساء ، وعن العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ ، فكتب : «أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء» . (1) نعم ، قد ورد في بعض الأخبار ونسب إلى بعض الأصحاب وجوبه من غير أن يعيّن قائله . رواه الشيخ قدس سره عن سليمان بن حفص المروزيّ عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا حجّ الرجل فدخل مكّة متمتّعاً فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة فقد حلّ له كلّ شيء ما خلا النساء؛ لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافاً وصلاة». (2) وهو مع ندرته وجهالته بسليمان ليس صريحاً في وجوبه في عمرة التمتّع، بل يحتمل وروده في حجّة كما حمله الشيخ قدس سرهعليه في الاستبصار . (3)

باب صفة الإقرانالقران في الحجّ على المشهور بين الأصحاب إنّما يكون بسياق الهدي، ويجب على القارن بعد الإحرام للحجّ من الميقات ما يجب على المفرد بلا تفاوت، إلّا أنّه يجب عليه ذبح هدي السياق . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب، وصحيحة معاوية والظاهر أنّه ابن عمّار ، وقيل : هو ابن وهب عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يكون القران إلّا بسياق الهدي» (4) ، الحديث وقد سبق .

.


1- .الكافي، باب المعتمر يطأ أهله و هو محرم و الكفّارة في ذلك، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 163، ح 545، و ص 254، ح 861 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 232، ح 804 ، وص 245، ح 854 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 442 443، ح 18170.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 162، ح 544؛ الاستبصار، ج 2، ص 244، ح 853 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 444 445، ح 18176.
3- .الاستبصار، ج 2، ص 244 245، ذيل الحديث 853 .
4- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 212 213، ح 14644.

ص: 545

وحسنة الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت وسعي بين الصفا والمروة، وينبغي له أن يشترط على ربّه إن لم تكن حجّة فعمرة» . (1) وعن ابن أبي عقيل (2) أنّه اعتبر فيه مع سياق الهدي القران بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة وإحرام واحد وإحلال واحد ، فلا فرق بينه وبين التمتّع عنده إلّا من حيث إنّه لا يقصّر ولا يحلّ بعد طواف العمرة وسعيها ولا يجدّد إحراماً للحجّ، بل يبني أفعال الحجّ من الوقوفين ونظائرها على إحرامه الأوّل . وكأنّه تمسّك في ذلك بما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّما نسك الذي يقرن بين الحجّ والعمرة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت، وصلاة ركعتين خلف المقام، وسعي واحد بين الصفا والمروة، وطواف بالبيت بعد الحجّ» . وقال : «أيّما رجل قرن بين الحجّ والعمرة فلا يصلح إلّا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده». والإشعار: أن يطعن في سنامها بالحديده حتّى يدميها، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة . (3) وما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن اُذينة، عن زرارة، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام وهو خلف المقام، فقال : إنّي قرنت بين حجّ وعمرة ، فقال له : «هل طفت بالبيت؟» فقال : نعم ، فقال : «هل سقت الهدي؟» قال : لا ، فأخذ أبو جعفر عليه السلام بشعره، ثمّ قال : «أحللت واللّه » . (4) وعلى المشهور حملوا القران بين الحجّ والعمرة في الخبرين على الاشتراط بقوله في

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 125؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 213، ح 14646.
2- .حكاه عنه في مختلف الشيعة، ج 4، ص 24.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 42، ح 124؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 218، ح 14649.
4- .الفقيه، ج 2، ص 313 314، ح 2547؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 256، ح 14731، و ص 289 290، ح 14825.

ص: 546

التلبية إن لم يكن حجّة فعمرة ، أو على التلبية بالحجّ والعمرة معاً ، ففي التهذيب في قوله عليه السلام : «أيّما رجل قرن بين الحجّ والعمرة»: يريد به في تلبية الإحرام؛ لأنّه يحتاج أن يقول: إن لم تكن حجّة فعمرة، ويكون الفرق بينه وبين المتمتّع أنّ المتمتّع يقول هذا القول وينوي العمرة قبل الحجّ، ثمّ يحلّ بعد ذلك ويحرم بالحجّ، فيكون متمتّعاً ، والسائق يقول هذا القول وينوي الحجّ، فإن لم يتمّ له الحجّ فيجعله عمرة مبتولة . (1) واستشهد له بقوله عليه السلام في صحيحة الفضيل : «وينبغي له أن يشترط إن لم تكن حجّة فعمرة» . (2) وفي شرح الفقيه لجدّي العلّامة قدس سره: «إنّي قرنت بين حجّة وعمرة» ، أي قلت حين التلبية: لبّيك بحجّة وعمرة . (3) انتهى . ولا يبعد حملهما على التقيّة؛ لأنّه مذهب العامّة على ما ستعرف . ويؤيّده ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن أبي أيّوب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ أحدهم يقرن ويسوق، فادعه عقوبة على ما صنع» (4) ، بناءً على أنّ المراد بالقران فيه القران بين الحجّ والعمرة كما يقتضيه السياق والعطف . وجعل العطف للتفسير، أو حمل القران على الاشتراط المذكور على أن يكون المعنى: أنّ أحدهم ممّن يجب عليه التمتّع ربما يحجّ حجّاً قراناً، فادعه على باطله حيث ترك ما وجب عليه وفعل ما لا يجوز له عقوبةً له بما صنع، بعيد . ثمّ ظاهر أكثر الأصحاب اشتراط السياق من موضع الإحرام، وهو ظاهر أخبار القران، وقد صرّح به جماعة منهم الشيخ، قال في النهاية : «ويسوق معه هدياً يشعره من موضع الإحرام» . (5) ومثله في المبسوط . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 42 43، ذيل الحديث 124.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 125؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 213، ح 14646.
3- .روضة المتّقين، ج 4، ص 318.
4- .الفقيه، ج 2، ص 314، ح 2548؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 242 243، ح 14692، و ص 256، ح 14732.
5- .النهاية، ص 208.
6- .المبسوط، ج 1، ص 308 و 311.

ص: 547

ومنهم المفيد قدس سره قال في المقنعة : «وإنّما سمّي قارناً لسياق الهدي مع الإهلال، فمن لم يسق من الميقات لم يكن قارناً» . (1) وحكاه في المختلف عن سلّار (2) ، ونقل فيه عن المفيد أنّه قال في كتاب الأركان : «فمتى لم يسق من الميقات أو قبل دخول الحرم إن لم يقدر على ذلك من الميقات لم يكن قارناً» . (3) ثمّ قال : وهذا الكلام يشعر بتجويز تأخير السياق عن الإحرام ، والمعتمد الأوّل؛ لأنّه أشهر بين الأصحاب . (4) واجتمعت العامّة على تفسير القران بالجمع بين الحجّ والعمرة في إحرام واحد كما عرفت ، واختلفوا في موضعين : أحدهما: في تداخل طواف الحجّ والعمرة وسعيهما وعدمه ، فذهب أبو حنيفة على ما حكى عنه في العزيز (5) إلى عدمه، ووجوب طوافين و سعيين، كما حكيناه عن ابن أبي عقيل ، وأثبته الشافعي وأشياعه (6) ، فقد قالوا بإجزاء طواف العمرة وسعيها عن طواف الحجّ وسعيه ، ففي العزيز: «والصورة الأصليّة للقران أن يحرم بالحجّ والعمرة، فيندرج العمرة تحت الحجّ، ويتّحد الميقات والفعل» . (7) وفي الوجيز : «القران هو أن يحرم بهما، فيتّحد الميقات والفعل، ويندرج العمرة تحت الحجّ» . 8 وأخبارهم دالّة عليه فقد روى البخاري عن عائشة، قالت : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَنْ كان معه هدي فليهلّ بالحجّ والعمرة، ثمّ لا يحلّ حتّى يحلّ منهما» ، فقدمتُ مكّة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا

.


1- .المقنعة، ص 390.
2- .المراسم العلويّة، ص 103.
3- .لم أعثر على كتاب الأركان، و حكاه عنه أيضا ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 524.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 35.
5- .فتح العزيز، ج 7، ص 118.
6- .المجموع للنووي، ج 8 ، ص 61؛ فتح العزيز، ج 7، ص 118.
7- .فتح العزيز، ج 7، ص 116.

ص: 548

بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «انقضي رأسك وامتشطي، وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة» ، ففعلت ، فلمّا قضينا حجّنا أرسلني مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت، فقال : «هذه مكان عمرتك» ، فطاف الذين أهلّوا بالعمرة، ثمّ أحلّوا، ثمّ طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى ، وأمّا الذين جمعوا الحجّ والعمرة طافوا طوافاً واحدا . (1) وعن نافع : أنّ ابن عمر أراد الحجّ عام نزل الحجّاج بابن الزبير، فقيل له: إنّ الناس كائن بينهم قتال، وإنّا نخاف أن يصدّوك ، فقال : لقد كان لكم في رسول اللّه اُسوة حسنة ،إذن أصنع كما صنعَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّي اُشهدكم أنّي قد أوجبت عمرة، ثمّ خرج حتّى إذا كان بظاهر البيداء قال : ما شأن الحجّ والعمرة إلّا واحدا، اُشهدكم أنّي قد أوجبت حجّاً مع عمرتي، وأهدي هدياً اشتريه بقديد ، ولم يزد على ذلك، فلم ينحر ولم يحلّ من شيء حرم منه، ولم يحلق ولم يقصّر حتّى كان يوم النحر، فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحجّ والعمرة بطوافه الأوّل . وقال ابن عمر : كذلك فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (2) وفي العزيز عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لها: «وطوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجّك وعمرتك» . (3) و يدّل عليه أيضا بعض آخر من أخبارهم التي رويناها فيما سبق. واحتجّوا أيضاً بقياس الطواف والسعي على العمرة والحجّ، وفرّعوا على ذلك إدخال أحدهما في الآخر بعد الإحرام ؛ ففي الوجيز : ولو أحرم بالعمرة ثمّ أدخل الحجّ عليها قبل الطواف كان قارناً، وإن كان بعده لغا إدخاله،

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 148 149، و ص 167 168؛ و ج 5، ص 123 124، باب حجّة الوداع؛ و رواه أحمد في المسند، ج 6، ص 177؛ و مسلم في صحيحه، ج 4، ص 27؛ و أبو داود في السنن، ج 1، ص 400، ح 1781؛ و النسائي في السنن، ج 5، ص 165 166؛ و في السنن الكبرى، ج 2، ص 397 398، ح 3909؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 347.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 168؛ و رواه أحمد في المسند، ج 2، ص 151؛ و مسلم في صحيحه، ج 4، ص 51 52؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 352، ح 3727؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 354.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 119.

ص: 549

ولو أدخل العمرة على الحجّ لم يصحّ في أحد القولين ؛ لأنّه لا يتغيّر الإحرام بعد انعقاده . (1) وقال أبو عبداللّه الآبي على ما حكاه عنه طاب ثراه : القران: أن يفرد بنيّة الحجّ والعمرة معاً، ومن القران أن يردف الحجّ على العمرة قبل الشروع في طوافها، فتدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ، فيجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد وحلق واحد ، وثانيهما في هدي السياق. ومن رأيت كلامه منهم لم يتعرّض له، وأكثر أخبارهم أيضا خالية عنه ، وظاهره عدم اشتراطه فيه . وحكى في المنتهى عنهم اشتراطه حيث قال بعدما ذكرنا عن الأصحاب: وهو قول علمائنا إلّا من ابن ابي عقيل في أنّه جعل القارن من قَرن بين الحجّ والعمرة في إحرام واحد، وهو قول الجمهور كافّة ، واعتبر ابن أبي عقيل والجمهور أيضاً سياق الهدي . (2) انتهى . وهو ظاهر العزيز حيث قال بعدما فرّع أحكاماً على القران _ : ويجب على القارن دم لما روي عن عائشة، قالت : أهدى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أزواجه بقرة ونحن قارنات . ولأنّ الدم واجب على المتمتّع بنصّ القرآن، وأفعال المتمتّع أكثر من أفعال القارن، فإذا وجب عليه الدم فلئن يجب على القارن كان أولى ، وصفة دم القران كصفة دم التمتّع، وكذلك بدله . وعن مالك : أنّ على القارن بدنة . وحكى الحناطيّ عن القديم مثله ؛ لما أنّ التمتّع أكثر ترفيهاً؛ لاستمتاعه بمحظورات الإحرام ، فإذا اكتفى منه بشاة فلئن يكتفى بها من القارن كان أولى . (3) وقد زعم أبو حنيفة وأصحابه على ما حكى عنهم الشيخ في الخلاف: أنّ حجّه صلى الله عليه و آله في

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 117.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 661.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 127.

ص: 550

حجّة الوداع كان كذلك . (1) وحكى عن الشافعيّ أنّه حجّ مفردا (2) ، وقال : «وعندنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حجّ قارناً على ما فسّرناه [في القران]» . (3) وحكى في الخلاف (4) عن الشافعيّ وأبي حنيفة عدم وجوب ذلك الهدي على القارن من حاضري المسجد الحرام ، ويأتي عن قريب هذا . وربّما يتوهّم من كلام الفقيه موافقة الصدوق لابن أبي عقيل حيث قال في باب المحصور والمصدود : «وإذا قرن الرجل الحجّ والعمرة فأحصر بعث هدياً مع هديه، ولا يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه » (5) وليس كذلك حيث صرّح في باب وجوه الحاج بالمعنى المشهور فقد قال : «والقارن والمفرد صفتهما واحدة، إلّا أنّ القارن يفضل على المفرد بسياق الهدي». (6) فكأنّه أراد بقران الحجّ والعمرة فيما ذكر قران كلّ واحد منهما على انفراده بالهدي . وقد حكى ابن إدريس (7) مثل تلك العبارة عن رسالة أبيه، وفسّره بما أشرنا إليه ، وعلى المشهور بين الأصحاب لو جمع بينهما في إحرام واحد كما ذهب إليه العامّة، هل ينعقد أصل الإحرام أم لا؟ قال الشيخ في الخلاف : «لم ينعقد إحرامه إلّا بالحجّ، فإن أتى بأفعال الحجّ لم يلزمه دم» . واحتجّ عليه بإجماع الفرقة المحقّة، وبأصالة براءة الذمّة ، وقال : «فمن قال: إنّه أتى بأفعال الحجّ وحده ولزمه دم فعليه الدلالة» . (8)

.


1- .المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 26؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 174.
2- .المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 25.
3- .الخلاف، ج 2، ص 268، المسألة 34.
4- .الخلاف، ج 2، ص 272. و انظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 169.
5- .الفقيه، ج 2، ص 514، ذيل الحديث 3104.
6- .الفقيه، ج 2، ص 316، ذيل الحديث 2554.
7- .السرائر، ج 1، ص 639.
8- .الخلاف، ج 2، ص 264 265، المسألة 30.

ص: 551

باب صفة الإشعار والتقليد

و في المختلف: «الأقرب بطلان الإحرام؛ لدلالة النهي في العبادات على الفساد». (1) وجزم به جماعة منهم الشهيد قدس سره . (2)

باب صفة الإشعار والتقليدالإشعار لغةً: الإعلام، ومنه شعائر الحجّ لعامله ، أي مواضع أفعاله ، وعرفاً: هو أن يفعل بالهدي علامة يعرف بها أنّه هدي بأن يشقّ سنام البدنة شقّاً يسيل الدم منه . (3) والتقليد: هو أن يعلق عليه نعل قد صلّى فيه (4) ، وظاهر موثّق الحلبيّ (5) كفاية التجليل له . وقال طاب ثراه : والظاهر أنّه يكفي النعل الواحد . وحكى عن بعض العامّة أنّه قال: «تعليق النعل أفضل من تعليق غيره، مثل فم القربة وشبهها، والنعلان أفضل من الواحد» . (6) واعلم أنّ الإشعار مختصّ بالبدنة ، والتقليد مشترك بينها وبين البقر والغنم. ومحلّ الإشعار عندنا وعند أكثر العامّة هو الجانب الأيمن من السنام إذا كان الهدي واحد ؛ لأكثر الأخبار المذكورة في الباب . ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : البدنة يشعرها من جانبها الأيمن، ثمّ تقلّدها بنعل و صلّى فيه . (7) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن البدنة كيف يشعرها؟ قال : «يشعرها وهي باركة، وينحرها وهي قائمة، ويشعرها من جانبها

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 35.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 334، الدرس 87 .
3- .تاج العروس، ج 7، ص 33 (شعر). وانظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 300، المسألة 630.
4- .تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 300.
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
6- .اُنظر: عمدة القاري، ج 10، ص 36؛ الاستذكار، ج 4، ص 246.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 126؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 278، ح 14795.

ص: 552

الأيمن، ثمّ يحرم إذا قلّدت وأشعرت» . (1) وما رواه مسلم في باب صفة إشعار النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه صلّى الظهر بذي الحليفة، ثمّ دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسالت الدم، وقلّدها نعلين، ثمّ ركب راحلته، فلمّا استوت به على البيداء أهلّ بالحجّ . (2) وذهب مالك إلى أنّ محلّه الأيسر . (3) ويردّه ما ذكر . ومع تعدّد البُدن يقف بينها ويشعرها يميناً وشمالاً؛ لرواية جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام (4) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عن حريز عنه عليه السلام . (5) والقارن على المشهور مخيّر في عقد إحرامه بالإشعار والتقليد أو التلبية؛ لرواية جميل وصحيحة حريز ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية والإشعار والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» . (6) وفي الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير» (7) ، فما دلّ على الجمع بين الإشعار والتقليد من باب الفضل والاستحباب ، وكذا ما جمع فيه بينهما وبين التلبية . وذهب السيّد رضى الله عنه في الانتصار إلى أنّ الإحرام لا ينعقد إلّا بالتلبية مطلقاً وإن كان في القران محتجّاً عليه بالإجماع، وبأنّه إذا لبّى دخل في الإحرام وانعقد بلا خلاف ، بخلاف ما إذا لم يلبّ.

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 127؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14796.
2- .صحيح مسلم، ج 4، ص 57 58، باب تقليد الهدي.
3- .بداية المجتهد، ج 1، ص 301؛ عمدة القاري، ج 10، ص 36؛ الاستذكار، ج 4، ص 247.
4- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 276، ح 14785.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 128؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14797.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43 44، ح 129؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14798.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 279، ح 14799؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14799.

ص: 553

وبأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا أحرم لبّى، وقد ثبت أنّه قال : «خذوا عنّي مناسككم» . (1) وبما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : مُر أصحابك بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنّها من شعار الحجّ» (2) ، وأنّه قال لعائشة : «انقضي رأسك وامتشطي واغتسلي، ودعي العمرة، وأهلّي بالحجّ» (3) ، والإهلال التلبية، والأمر على الوجوب. (4) وبه قال ابن إدريس (5) أيضاً، وإنّما قالا بذلك بناءً على قاعدتهما من عدم العمل بأخبار الآحاد . هذا ، وقال طاب ثراه : الإشعار سنّة عمل به المسلمون كلّهم غير أبي حنيفة و رآهُ من المثلة المنهيّ عنها ، وقال : إنّما كان مشروعاً قبل النهي عن المثلة. وخالفه أصحابه وقالوا بقول الكافّة . (6) ويردّ قوله: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أشعر في آخر أمره، وكونه من المثلة، ممنوع؛ لأنّه لمصلحة كالفصد والحجامة والختان ، وإذا جاز الوسم لمعرفة الملك، فالإشعار لمعرفة أنّه هدي أولى بالجواز . وحكى عن الآبيّ أنّه قال : قيل: كان الإشعار والتقليد من عادة الجاهليّة؛ ليعلم أنّه هدي خارج عن الملك، فلا يتعرّض له السرّاق وأصحاب الغارات، فلمّا جاء الإسلام وجد في ذلك غرضاً صحيحاً أقرّه .

.


1- .السنن الكبرى، ج 5، ص 25؛ معرفة السنن و الآثار، ج 4، ص 78، ح 2973. و ورد بلفظ «خذوا مناسككم»: مسند أحمد، ج 3، ص 318؛ سنن النسائي، ج 5، ص 270؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 425، ح 4016، و ص 436 437، ح 4068؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 111، ح 2147.
2- .سنن ابن ماجة، ج 2، ص 975، ح 2923؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 450؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 42.
3- .مسند أحمد، ج 6، ص 177؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 28؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 353.
4- .الانتصار، ص 253 254.
5- .السرائر، ج 1، ص 532.
6- .اُنظر: الاستذكار، ج 4، ص 247؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 358؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 138؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 400؛ المحلّى، ج 7، ص 111؛ شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 228؛ فتح الباري، ج 3، ص 435؛ عمدة القاري، ج 10، ص 35؛ الاستذكار، ج 4، ص 247؛ التمهيد، ج 17، ص 232.

ص: 554

باب الإفراد

باب الإفرادمناسكه كمناسك القران لا تفاوت بينهما، إلّا بسياق الهدي في القران وعدمه فيه، وهو كما يكون ابتداء قد يجب بالنقل عن عمرة التمتّع إليه في مواضع تأتي في مواضعها إن شاء اللّه تعالى . قوله في حسنة معاوية بن عمّار: (بعد طواف الفريضة) إلخ .[ح 1 / 7044] يدلّ على جواز تقديم المفرد والقارن طواف الحجّ وركعتيه على الوقوفين ، ويؤيّد ذلك في المفرد ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن مفرد الحجّ، أيعجّل طوافه أو يؤخّره؟ قال : «هو واللّه سواء عجّله أو أخّره» . (1) وفي الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المفرد للحجّ يدخل مكّة، أيقدّم طوافه أم يؤخّره؟ قال : «سواء» . (2) وفي الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن مفرد الحجّ، يقدّم طوافه أو يؤخّره؟ قال : «يقدّمه» ، فقال رجل إلى جنبه : لكن شيخي لم يفعل ذلك، كان إذا قدّم أقام بفخ حتّى إذا راح الناس إلى منى راح معهم ، فقلت : مَن شيخك؟ فقال : عليّ بن الحسين ، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو عليّ بن الحسين لاُمّه. (3) وهو المشهور بين الأصحاب، وخالفه ابن إدريس (4) على ما حكي عنه الشهيد في الدروس (5) فيهما . نعم ، جوّز لهما طواف القدوم ونحوه . وظاهر الشيخ في التهذيب في باب الطواف التوقّف فيه في القارن. حيث منع من هذا

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 132، ح 434؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 282 283، ح 14808.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 45، ح 134؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 283، ح 14809.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 45، ح 136، و ص 477 478، ح 1688؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 283، ح 14810.
4- .السرائر، ج 1، ص 575.
5- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 332، الدرس 86 .

ص: 555

التقديم في المتمتّع (1) ، وجوّزه في المفرد (2) ، وسكت عنه في القارن . ثمّ المشهور وجوب تجديد التلبية عليهما بعد ركعتي هذا الطواف، وكلّ طواف يفعلون قبل الموقفين، وأنّه لو لم يجدّداه انقلبت حجّتهما عمرة تمتّعاً، سواء نويا العدول أم لا . ويدلّ عليه موثّق زرارة (3) في الباب الآتي، ويشعر به قوله عليه السلام : «يعقدان ما أحلّا بالتلبية» في هذه الحسنة . ومثله قوله عليه السلام : «إنّك تعقد بالتلبية» في صحيحة عبد الرحمن (4) في الباب الآتي . وفي المنتهى: (5) روى الجمهور عن ابن عبّاس، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا أهلَّ الرجل بالحجّ ثمّ قدم مكّة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، فقد حلّ وهي عمرة ». (6) وهي صريحة في الانقلاب ، وبه قال الشهيد في اللمعة (7) ، والعلّامة في المنتهى (8) ، وحكاه عن نهاية (9) الشيخ ومبسوطه (10) ، وحكى فيه عن ابن إدريس أنّه أنكر ذلك وقال: إنّهما لا يحلّان إلّا بنيّة العدول لا بمجرّد الطواف (11) ، يعني طواف القدوم ونحوه . وإليه ذهب المحقّق في الشرائع . (12)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 130، ذيل الحديث 328.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 131، ذيل الحديث 432.
3- .هو الحديث الثاني من ذلك الباب.
4- .هو الحديث الخامس من ذلك الباب.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 658.
6- .سنن أبي داود، ج 1، ص 402، ح 1791.
7- .اللمعة الدمشقيّة، ص 56؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 214.
8- .منتهى المطلب، ج 2، ص 685.
9- .النهاية، ص 208.
10- .المبسوط، ج 1، ص 311.
11- .السرائر، ج 1، ص 524 525.
12- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 176.

ص: 556

وعن الشيخ في التهذيب أنّه فصّل بين المفرد والقارن في ذلك، وأنّه قال: إنّما يحلّ المفرد لا القارن متمسّكاً بقوله في باب ضروب الحجّ بعد نقل هذه الحسنة : قال محمّد بن الحسن : وفقه هذا الحديث أنّه قد رخّص في القارن والمفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين، فمتى فعلا ذلك فإن لم يجدّدا التلبية يصيرا محلّين ولا يجوز ذلك ، فلأجله أمر المفرد والسائق بتجديد التلبية عند الطواف ، مع أنّ السائق لا يحلّ وإن كان قد طاف لسياقة الهدي . (1) وأنت إذا تأمّلت كلامه قدس سره في النهاية وجدته موافقاً لذا في القارن، فقد قال فيها في باب الطواف : ولا يجوز له أن يحلّ إلى أن يبلغ الهدي محلّه، فإن أراد أن يدخل مكّة جاز له ذلك، لكنّه لا يقطع التلبية، وإذا أراد أن يطوف بالبيت تطوّعاً فعل إلّا أنّه كلّما طاف بالبيت لبّى عند فراغه من الطواف ليعقد إحرامه بالتلبية، وإنّما يفعل ذلك لأنّه لو لم يفعل ذلك دخل في كونه محلّاً وبطلت حجّته وصارت عمرة ، وقد بيّنا أنّه ليس له أن يحلّ إلى أن يبلغ الهدي محلّه من يوم النحر. (2) واكتفى في باب الطواف بقوله : «فأمّا المفرد والقارن فإنّه لا بأس بهما أن يقدما الطواف قبل أن يأتيا عرفات». (3) وكأنّه تمسّك بعموم ما دلّ على أنّ القارن لا يتحلّل إلّا ببلوغ الهدي محلّه ، وبمرسلة يونس بن يعقوب التي [ستأتي ]في الباب الآتي (4) ، فتأمّل . وهذا القول منقول في التنقيح (5) عن تحرير العلّامة (6) ، ولقد أعجب السيّد المرتضى

.


1- .النهاية، ص 208.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 44، ذيل الحديث 131.
3- .النهاية، ص 241.
4- .هي الحديث الثالث من ذلك الباب.
5- .التنقيح الرائع، ج 1، ص 440 441، فانّه نسب ذلك إلى الشيخ لا عن العلّامة.
6- .اُنظر: تحرير الأحكام، ج 1، ص 596 ؛ فإنّه حكى الجواز عن الشيخ و إنكاره عن ابن إدريس، و لم يختر أحدهما، نعم اختار جواز التقديم في مختلف الشيعة، ج 4، ص 38.

ص: 557

باب فيمن لم ينو المتعة

حيث ذهب على ما حكى عنه في التنقيح إلى عكس ذلك، واختصاص الحلّ بدون تجديد التلبية بالقارن . (1) وعدَّ الشهيد في الدروس التجديد أولى (2) ، ورجّحه العلّامة في الإرشاد (3) . وكلّ مَن جوّز تقديم الطواف جوّز تقديم السعي أيضاً، ولم أجده في خبر . نعم، ورد في بعض أخبار تقديم المتمتّع، ويأتي في باب تقديم طواف الحجّ للمتمتّع ، وحمل التقديم في المتمتّع على الضرورة مع تجديد التلبية على ما ذكر من القولين ، وليس في خبر من أخباره ذلك التجديد، وكأنّهم تمسّكوا بعموم بعض ما اُشير إليه من أخبار .

باب فيمن لم ينو المتعةأراد قدس سره بيان جواز العدول من الافراد إلى التمتّع كما ذكره الأصحاب ونسبه في المعتبر (4) إلى علمائنا ، ويدلّ عليه الأخبار المتظافرة من الطريقين في أمر النبيّ صلى الله عليه و آله من لم يسق الهدي إليه، وقد سبق بعض منها وهو قليلٌ من كثير . وما رواه الشيخ في الاستبصار في الصحيح عن صفوان بن يحيى، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إنّ ابن السرّاج روى عنك أنّه سألك عن الرجل أهلَّ بالحجّ ثمّ دخل مكّة فطاف البيت وسعى بين الصفا والمروة يفسخ ذلك ويجعلها متعة ، فقلت : لا ، فقال : قد سألني عن ذلك وقلت له : لا، وله أن يحلّ ويجعلها متعة وآخر عهدي بأبي أنّه دخل على «فضل بن الربيع وعليه ثوبان وساج (5) ، فقال له الفضل بن الربيع : يا أبا الحسن، لنا بك اُسوة أنت مفرد للحجّ وأنا مفرد بالحجّ ، فقال له أبي : لا ما أنا

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 332، الدرس 86 .
2- .جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 64).
3- .اُنظر: إرشاد الأذهان، ج 1، ص 309، و المذكور فيه استحباب تجديد النيّة لهما.
4- .المعتبر، ج 2، ص 797.
5- .الساج: الطيلسان الأخضر. صحاح اللغة، ج 1، ص 323 (سوج).

ص: 558

باب حجّ المجاورين وقطّان مكّة

مفرد للحجّ أنا متمتّع ، فقال له الفضل بن الربيع : فلي الآن إنّي أتمتّع وقد طفت بالبيت ؟ فقال له أبي : نعم . فذهب بها محمّد بن جعفر إلى سفيان بن عيينة وأصحابه فقال لهم : إنّ موسى بن جعفر قال للفضل بن الربيع كذا وكذا يشنّع بها على أبي» . (1) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لبّى بالحجّ مفردا ثمّ دخل مكّة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : «فليحلّ وليجعلها متعة، إلّا أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه» . (2) وإطلاق هذين الخبرين يقتضي شمول الحكم لمن كان فرضه الإفراد في أصل الشرع أو بنذر وشبهه . وقد صرّح به بعض الأصحاب. وخصّه جماعة منهم صاحب المدارك (3) بمن لم يتعيّن عليه الإفراد . ونعم ما قال الشهيد الثاني في المسالك: «تخصيص الحكم بمن لم يتعيّن عليه الإفراد بعيد عن ظاهر النصّ» (4) ، فتدبّر . وقيّده العلّامة في المنتهى وجماعة بما إذا لم يلبّ بعد الطواف والسعي (5) بناءً على ما سبق من أنّ التلبية محرّمة، عاقدة للإحرام .

باب حجّ المجاورين وقطّان مكّةأراد قدس سره بالمجاور الآفاقي الذي سكن بمكّة من غير قصد للدوام ، وبالقاطن المقيم بها، من قطن بالمكان، إذا أقام به واستوطنه (6) ، وفيه مسألتان :

.


1- .الاستبصار، ج 2، ص 174 175، ح 576. و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 89 ، ح 294؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 353، ح 16492.
2- .الاستبصار، ج 2، ص 174، ح 575. و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 89 ، ح 293؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 352 353، ح 16491.
3- .مدارك الأفهام، ج 7، ص 204.
4- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 206.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 686. و مثله في مختلف الشيعة، ج 4، ص 68.
6- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2182 (قطن).

ص: 559

الاُولى : أجمع الأصحاب على أنّ الواجب على أهل المسجد الحرام الإفراد أوالقران، وعلى البعيد التمتّع . والدليل عليه قوله تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (1) بناءً على ما هوالمشهور من أنّ ذلك إشارة إلى التمتّع . ويدلّ عليه خبر سعيد الأعرج (2) وحسنة حريز (3) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، قال : قلت لأخي موسى بن جعفر عليهماالسلام : ألأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال : «لا يصلح أن يتمتّعوا؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» » . (4) وفي الصحيح عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» ، قال : «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً، ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة، فهو ممّن يدخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة» . (5) وفي الصحيح عن عبيداللّه الحلبيّ وسليمان بن خالد وأبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس لأهل مكّة ولا لأهل مرّ (6) ولا لأهل سَرِف (7) متعة؛ وذلك لقول اللّه عزّ وجلّ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» » . (8)

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32 _33، ح 97؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 515؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 14737.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 33، ح 98؛ الاستبصار، ج 2، ص 157_ 158، ح 516؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 14738.
6- .مَرّ: موضع بينه و بين مكّة خمسة أميال. معجم البلدان، ج 5، ص 104.
7- .سَرف: موضع على ستّة أميال من مكّة. و قيل سبعة، و تسعة، و اثنى عشر. معجم البلدان، ج 3، ص 212 (سرف).
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ح 96؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 514؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 258 259، ح 14736.

ص: 560

واختلفوا في حدّ الحضور فقال الأكثر منهم الشيخ في التهذيب (1) والصدوق (2) : حاضروا المسجد الحرام من كان بينه وبين مكّة ثمانية وأربعون ميلاً من كلّ جانب . واحتجّوا عليه بحسنة حريز (3) وصحيحة زرارة (4) المتقدّمة ، ويؤيّدهما خبرا سعيد (5) وأبي بصير (6) وصحيحة الحلبيّ وسليمان بن خالد وأبي بصير المتقدّمة حيث نفى عليه السلام فيها المتعة عن أهل مرّ وذات عرق وعسفان ، ومرّ: على مرحلة من مكّة، كما صرّح به بعض أهل اللغة (7) ، وذات عرق (8) وعسفان (9) : على مرحلتين منها، على ما صرّح به بعض الأصحاب ، والمرحلة: ثمانية فراسخ . ويؤيّدهما أيضاً ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال في حاضري المسجد الحرام، قال : «ما دون المواقيت إلى مكّة، فهو حاضر المسجد الحرام، وليس لهم متعة» . (10) وفي الصحيح عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حاضري المسجد الحرام، قال : «ما دون الأوقات إلى مكّة» (11) ، فإنّ أكثر المواقيت أكثر بعدا من مكّة من اثني عشر ميلاً كما صرّح به في المنتهى (12) ، ويأتي في بحث المواقيت إن شاء اللّه تعالى . فعلى القول الآتي يجب أن يكون الواجب على أهلها التمتّع ، واعتبر بعض

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ذيل الحديث 95 . و مثله في النهاية، ص 206.
4- .المقنع، ص 215.
5- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 11738.
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
7- .القاموس المحيط، ج 2، ص 133.
8- .مجمع البحرين، ج 3، ص 167.
9- .القاموس المحيط، ج 3، ص 175.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 33، ح 99؛ الاستبصار، ج 2، ص 158، ح 517؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 260، ح 14739.
11- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 476، ح 1683؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 260، ح 14740.
12- .منتهى المطلب، ج 2، ص 661.

ص: 561

الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (1) والمحقّق في الشرائع (2) وابن إدريس (3) اثنا عشر ميلاً من كلّ جانب ، ولم أرَ شاهدا له من الأثر، وكأنّهم حملوا الثمانية والأربعين ميلاً على التوزيع على الجوانب الأربعة. وبه يشعر كلام ابن إدريس قال : من كان بينه وبين المسجد الحرام ثمانية وأربعون ميلاً من أربع جوانب البيت، من كلّ جانب اثنا عشر ميلاً، فلا يجوز لهؤلاء إلّا التمتّع مع الإمكان، فإذا لم يمكنهم التمتّع أجزأتهم الحجّة المفردة مع الضرورة وعدم الاختيار ، وأمّا من كان من أهل حاضري المسجد الحرام، و هو من كان بينه و بين المسجد الحرام أقلّ من اثني عشر ميلاً من أربعة جوانب ففرضه القران أوالإفراد مخيّرا في ذلك، ولا يجزيه التمتّع . (4) وأنت خبير بأنّ تمثيله عليه السلام إيّاه بذات عرق وعسفان يأبى هذا التأويل . وفي العزيز: كلّ من مسكنه دون مسافة القصر فهو من حاضري المسجد الحرام، فإن زادت المسافة فلا . وعند أبي حنيفة هم أهل المواقيت والحرم وما بينهما . وقال مالك: هم أهل مكّة وذي طوى ، وربما روى عنهم أهل الحرم. (5) ثمّ احتجّ على ما ذهب إليه بأنّ من قرب من الشيء ودنا منه كان حاضرا إيّاه، ومن كان مسكنه دون مسافة القصر فهو قريب نازل منزلة المقيم في نفس مكّة . واعلم أنّ الأصحاب قد أجمعوا على عدم إجزاء الإفراد والقران للبعيد عن التمتّع في حجّة الإسلام اِختيارا ، والأخبار شاهدة عليه، منها : ما رواه المصنّف في باب أصناف الحجّ، وقد روينا أيضاً فيه بعض الأخبار في ذلك الباب .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 306. و مثله في الاقتصاد، ص 298.
2- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 174.
3- .السرائر، ج 1، ص 519.
4- .السرائر، ج 1، ص 519 520.
5- .فتح العزيز، ج 7، ص 128.

ص: 562

ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (1) ، فليس لأحد إلّا أن يتمتّع؛ لأنّ اللّه أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنّة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (2) وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام لي: «يا أبا محمّد، كان عندي رهط من أهل البصرة، فسألوني عن الحجّ، فأخبرتهم بما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبما أمر به ، فقالوا لي : إنّ عمر قد أفرد الحجّ؟ فقلت لهم: إنّ هذا رأي رآه عمر، وليس رأي عمر كما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (3) وعن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن يعقوب الأحمر، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل اعتمر في الحُرُم (4) ثمّ خرج في أيّام الحجّ، أيتمتّع؟ قال : «نعم كان أبي لا يعدل بذلك» . (5) قال ابن مسكان : وحدّثني عبد الخالق أنّه سأله عن هذه المسألة، فقال : «إن حجّ فليتمتّع، إنّا لا نعدل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه» . (6) وهل يجزي التمتّع عن فرض حاضري المسجد الحرام؟ فذهب الشيخ في التهذيب (7)

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 25 26، ح 75؛ الاستبصار، ج 2، ص 150، ح 493؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 240، ح 14683.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 26، ح 78؛ الاستبصار، ج 2، ص 151، ح 496؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 241 242، ح 14687.
4- .في نسخة بدل: «المحرّم».
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 27، ح 80 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 151، ح 498؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 242، ح 14690.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 27، ذيل الحديث 80 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 151، ذيل الحديث 498؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 242، ح 14691.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ذيل الحديث 96. و مثله في النهاية، ص 206.

ص: 563

وابن إدريس (1) والشهيدان (2) إلى عدمه، وهو ظاهر الآية وأكثر الأخبار التي مرّت آنفاً، فإنّها تعطي نفي الجواز . ويؤيّدها صحيحة عليّ بن جعفر، قال : قلت لأخي موسى عليه السلام : لأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال : «لا يصلح أن يتمتّعوا؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» » (3) . (4) وجوّزه الشيخ في المبسوط والخلاف زعماً منه أنّ الإشارة في قوله تعالى : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» إلى الهدي لا إلى التمتّع ، وحملاً للأخبار المذكورة على نفي تعيّن التمتّع عليهم ، ففي المبسوط : فإن تمتّع من قلناه يعني حاضري المسجد الحرام فمن أصحابنا من قال: إنّه لا يجزيه، وفيهم من قال: إنّه يجزيه، وهو الصحيح ؛ لأنّ من تمتّع فقد أتى بالحجّ وبجميع أفعاله، وإنّما أضاف إليه العمرة قبل ذلك، وهي لا تنافي ما يأتي به من أفعال الحجّ في المستقبل ، ومن الناس من قال: المكّيّ لا يصحّ منه التمتّع أصلاً ، وفيهم من قال : يصحّ ذلك منه غير أنّه لا يلزمه دم المتعة، لقوله تعالى : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (5) ، يعني الهدي الذي تقدّم ذكره قبل هذا الكلام بلا فصل . (6) وفي الخلاف: فرض المكّيّ ومن كان من حاضري المسجد الحرام القران أو الإفراد، فإن تمتّع سقط عنه الفرض ولم يلزمه دم . وقال الشافعيّ : يصحّ تمتّعه وإقرانه وليس عليه دم . 7

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .السرائر، ج 1، ص 520.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 330 331، الدرس 86 ؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 206؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 203.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32 33، ح 97؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 515؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 14737.
5- .المبسوط، ج 1، ص 306 307.
6- .المجموع للنووي، ج 7، ص 169؛ عمدة القاري، ج 9، ص 205.

ص: 564

وقال أبو حنيفة : ويكره له التمتّع والقران، فإن خالف وتمتّع فعليه دم المخالفة دون التمتّع والقران. (1) دليلنا: قوله تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» إلى قوله _ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» ، ويجب أن يكون قوله: «ذَلَكَ» راجعاً إلى الهدي لا إلى التمتّع؛ لأنّه يجري مجرى قول القائل: إن دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن غائباً في أنّ ذلك يرجع إلى الجزاء دون الشرط . (2) نعم، قال بوجوب الهدي على المتمتّع المكّي إذا خرج إلى بعض الآفاق ثمّ جاء متمتّعاً ، وسننقل كلامه بعينه . هذا كلّه في حال الاختيار . وأمّا في الاضطرار فيجوز لكلّ من الحاضر والنائي العدول إلى فرض الآخر إجماعاً . ويدلّ عليه أخبار تأتي موضعها إن شاء اللّه تعالى . وأمّا غير حجّة الإسلام فلا خلاف في جواز كلّ من التمتّع وأخويه لكلّ من النائي والحاضر، ويستفاد ذلك من بعض ما سبق من الأخبار . الثانية : المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في كتابي الاخبار (3) والشهيد (4) والمحقّق (5) والعلّامة (6) وسائر المتأخّرين (7) أنّ المجاور بمكّة إنّما ينتقل فرضه من التمتّع إلى فرض أهل مكّة في السنة الثالثة؛ محتجّين بصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مَن أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له» ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : أرأيت إن كان له أهلٌ بالعراق وأهل بمكّة؟ قال : «فلينظر أيّهما الغالب فهو من أهله» . (8)

.


1- .نفس المصدرين.
2- .الخلاف، ج 2، ص 272، المسألة 42.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ذيل الحديث 100؛ الاستبصار، ج 2، ص 159، ذيل الحديث 518.
4- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 331، درس 86 ؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 57؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 217.
5- .المعتبر، ج 2، ص 799.
6- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 31.
7- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 209.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ح 101، و ص 492، ح 1767؛ الاستبصار، ج 2، ص 159، ح 519؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 265 266، ح 14755.

ص: 565

وصحيحة عمر بن يزيد، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ سنتين، فإذا جاور سنتين كان قاطناً وليس له أن يتمتّع» . (1) وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط إلى أنّه لا ينتقل فرضه عن التمتّع حتّى يقيم ثلاثاً ، ففي المبسوط: «وإن كان من غيرها وانتقل إليها، فإن أقام بها ثلاث سنين فصاعدا كان من الحاضرين، وإن كان أقلّ من ذلك كان حكمه حكم أهل بلده» . (2) ومثله في النهاية . (3) وفي المنتهى: «لا نعلم حجّه على ما قاله» . (4) وحكى في المختلف عنه: أنّه احتجّ بأنّ الأصل عدم النقل، صرنا إليه إذا أقام ثلاث سنين للإجماع فيبقى الباقي على الأصل . وأجاب عنه بأنّ النقل والتقدير ليس بمجرّد التشهّي، بل هو أمرٌ شرعيّ وتقدير نقلي لا مدخل للعقل فيه . وقد بيّنا أنّ النقل ورد بالسنتين. (5) وظاهر المصنّف قدس سره اعتبار إقامة سنة في انتقال الفرض حيث اكتفى بنقل ما يدلّ عليه . وفي بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية إقامة ستّة أشهر فيه ، رواه الشيخ في آخر باب نوادر الحجّ من التهذيب في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن حفص والظاهر أنّه ابن البختريّ الثقة بقرينة رواية ابن أبي عمير، عنه عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في المجاور بمكّة يخرج إلى أهله ثمّ يرجع إلى مكّة، بأيّ شيء يدخل؟ فقال : «إن كان مقامه بمكّة أكثر من ستّة أشهر فلا يتمتّع، وإن كان أقلّ من ستّة أشهر فله أن يتمتّع» . (6) ولم أجد قائلاً به ، ويشكل الجمع بينه وبين ما سبق من الأخبار .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ح 102؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 266، ح 14756.
2- .المبسوط، ج 1، ص 308.
3- .النهاية، ص 206.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 664.
5- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 33.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 476، ح 1679، و ص 492، ح 1768؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 264 265، ح 14752.

ص: 566

وظاهر الشيخ في التهذيب التخيير فيما دون السنتين بين التمتّع وغيره (1) ، وكأنّه قصد بذلك الجمع ، ويأبى عنه قوله عليه السلام : «فلا يتمتّع» ، في الخبر الأخير، إلّا أن يحمل على نفي تعيّن التمتّع، وهو بعيد . والقول الأوّل أظهر؛ لكونه أشهر ودليله أصحّ وأكثر ، ويؤيّده أصالة عدم النقل في غير محلّ الوفاق. ولو انعكس الفرض بأن أقام المكّي في الآفاق، فمع نيّة الإقامة دائماً فيها لا ريب في انتقال فرضه إلى التمتّع؛ لدخوله فيمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، وأمّا مع عدمها فظاهر الشيخ في المبسوط تخييره بين أنواع الحجّ مطلقاً حيث قال : وبه قال العلّامة في المنتهى (2) والمختلف: (3) ومن كان من أهل مكّة وحاضريها ثمّ نأى عن منزله إلى مثل المدينة أو غيرها من البلاد، ثمّ أراد الرجوع إلى مكّة وأراد أن يحجّ متمتّعاً جاز له ذلك . ثمّ قال بأدنى فصل : «المكّي إذا انتقل إلى غيرها من البلدان ثمّ جاء متمتّعاً لم يسقط عنه الدم». (4) وهو ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج وعبد الرحمن بن أعين، قالا : سألنا أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل من أهل مكّة خرج إلى بعض الأمصار، ثمّ رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أله أن يتمتّع؟ قال : «ما أزعم أنّ ذلك ليس له والإهلال بالحجّ أحبّ إليّ» . ورأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام وذلك أوّل ليلة من شهر رمضان، فقال له : جعلت فداك، إنّي قد نويت أن أصوم بالمدينة ، قال : «تصوم إن شاء اللّه » ، قال له: وأرجو أن يكون خروجي في عشر من شوّال ، فقال : «تخرج إن شاء اللّه » ، فقال له : إنّي قد نويت أن

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 308.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 664.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ذيل الحديث 100.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 28 34.

ص: 567

أحجّ عنك أو عن أبيك، و ربّما حججت عن بعض إخواني أوعن نفسي، فكيف أصنع؟ فقال له : «تمتّع» ، فقال له : إنّ اللّه ربّما منَّ عليَّ بزيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وزيارتك والسلام عليك، وربما حججت عن أبيك، وربّما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي، فكيف أصنع؟ فقال له : «تمتّع»، فردّ عليه القول ثلاث مرّات يقول له : إنّي مقيم بمكّة وأهلي بها ، فيقول : «تمتّع» . وسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال له : إنّي اُريد أن أفرد عمرة هذا الشهر يعني شوّال ، فقال له : «أنت مرتهن بالحجّ» ، فقال له الرجل : إنّ أهلي ومنزلي بالمدينة ولي بمكّة أهل ومنزل وبينهما أهل ومنازل ، فقال له : «أنت مرتهن بالحجّ» ، فقال له الرجل : فإنّ لي ضياعاً حول مكّة واُريد أن أخرج حلالاً، فإذا كان إبّان الحجّ حججت . (1) وحكى في المدارك عن بعض الأصحاب إلحاقه بالمقيم بمكّة في انتقال الغرض بإقامة السنتين ، وضعّفه. (2) ولم أجد قائله وكأنّه أشار بذلك إلى قول الشيخ في الاستبصار حيث قال بعد رواية الصحيحة المذكورة: ما يتضمّن أوّل الخبر من حكم من يكون من أهل مكّة وقد خرج منها ثمّ يريد الرجوع إليها، فإنّه يجوز أن يتمتّع، فإنّ هذا حكم يختص من هذه صفته؛ لأنّه أجراه مجرى من كان من غير الحرم أقام بمكّة سنتين . (3) وأنكره ابن أبي عقيل محتجّاً بأنّه لا متعة لأهل مكّة، على ما حكي عنه في المختلف . (4) واعلم أنّه صرّح الشهيد الثاني قدس سره بأنّ الفرض إنّما ينتقل إذا تجدّدت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية له، فلو كانت سابقة لم ينتقل وإن طالت المدّة؛ لاستقرار الأوّل في

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 33 34، ح 100؛ الاستبصار، ج 2، ص 158، ح 518؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 262 263، ح 14748.
2- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 210 211.
3- .الاستبصار، ج 2، ص 159، ذيل الحديث 518.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 29.

ص: 568

الذمّة. (1) فقد قيّد إطلاق الأخبار بذلك . بقي هناك مسألة ذي المنزلين، والمشهور بين الأصحاب اعتبار الأغلب والتخيير مع التساوي، ولم أرَ مخالفاً له، وهو المستفاد من بعض ما ذكر من الأخبار، ويؤيّده الاعتبار . قوله : (عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير) .[ح 2 / 7049] عليّ ابن أبي حمزة هذا هو البطائنيّ، وأبو بصير هو يحيى بن القاسم الحذّاء الأسدي، والبطائنيّ كان قائدا لأبي بصير ، فالخبر ضعيف من وجهين ؛ لأنّ البطائنّي كان رأس الواقفة على موسى بن جعفر عليهماالسلام ، كذّاباً ملعوناً على لسان الإمام عليه السلام ، مذموماً في أخبار متكثّرة (2) ، ويحيى أيضاً كان واقفيّاً. (3) وما قيل: من أنّه ثقةٌ وجيهٌ (4) لم ينقل عمّن يُعبأ بقوله ، وقد ورد في مدحه أخبار لكن قبل وقفه وارتداده، منها: ما روى أنّه رأى الدنيا مرّتين مسح أبو عبداللّه عليه السلام على عينيه، وقال : «انظر ما ترى؟» فقال : أرى كوّة في البيت وقد أرانيها أبوك من قبلك . (5) ومنها ما روي عن شعيب العقرقوفيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمَنْ نسأل؟ قال : «عليك بالأسدي»، يعني أبا بصير . (6) وأمّا ما احتجّ به على مدحه وهو ما رواه الكشيّ رحمه الله عن عليّ بن محمّد بن القاسم الحذّاء الكوفيّ قال : خرجت من المدينة، فلمّا جُزت حيطانها مقبلاً نحو العراق إذا أنا برجل على بغل له أشهب يعترض الطريق، فقلت لبعض من كان معي : مَن هذا؟ فقال : هذا ابن الرضا عليه السلام ، قال : فقصدت قصده، فلمّا رآني اريده وقف لي، فانتهيت إليه لاُسلِّم

.


1- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 208.
2- .اُنظر: رجال النجاشي، ص 249 250، الرقم 656؛ رجال الطوسي، ص 339، الرقم 5049؛ رجال ابن داود، ص 259، الرقم 325؛ اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 742، ح 832 836 .
3- .اُنظر: خلاصة الأقوال، ص 416، من اسمه يحيى، الرقم 3.
4- .قاله النجاشي في رجاله، ص 441، الرقم 1187.
5- .خلاصة الأقوال، ص 417.
6- .اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 400، ح 291.

ص: 569

عليه ، فمدَّ يده إليَّ فسلّمت عليه وقبّلتها ، فقال : «مَن أنت؟» قلت : بعض مواليك جعلت فداكَ أنا عليّ بن محمّد بن القاسم الحذّاء، فقال : «أما أنّ عمّك كان ملتوياً على الرضا عليه السلام » ، قال : قلت : جعلت فداك، رجع عن ذلك ، فقال : «إن كان رجع فلا بأس» (1) فأنت خبير بأنّه على ذمّه أدلّ. وقد وردت أخبار في ضمان الصادق عليه السلام له الجنّة (2) ، لكنّه هو في طريقها فلا تكون حجّة . قوله : (عن ابن أبي عمير عن داود) [ح 4 / 7051] وهو ابن زربّي، فإنّه الذي له أصل (3) يروى عنه ابن أبي عمير على ما صرّح به بعض أرباب الرجال . (4) وحكي عن إرشاد المفيد قدس سره أنّه من الثقات (5) ، وعن ابن داود (6) والعلّامة في الخلاصة (7) أنّ النجاشيّ نقل توثيقه عن ابن عقدة. ولم أرَ في رجاله. (8) ذلك . نعم ، روى الكشّيّ ما يقتضي مدحه، روى بإسناده عن داود والرقيّ، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقلت : جعلت فداك، كم عدّة الطهارة؟ فقال : «ما أوجبه اللّه فواحدة، فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخر؛ لضعف الناس، ومَن توضّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له» . وأنا معه في ذا حتّى جاء داود بن زربّي، فأخذ زاوية من البيت، فسأله عمّا سألت عنه في عدّة الطهارة، فقال له : «ثلاثاً ثلاثاً من نقص عنه فلا صلاة له» . قال : فارتعدت فرائصي، وكاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبو عبداللّه عليه السلام إليَّ وقد تغيّر لوني، فقال : «اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق» . قال : فخرجنا من عنده وكان [بيت] ابن زربّي إلى

.


1- .اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 773، ح 903.
2- .اُنظر: خلاصة الأقوال، ص 226، ترجمة علباء الأسدي.
3- .رجال النجاشي، ص 160، الرقم 424.
4- .الفهرست، ص 125، الرقم 280.
5- .الإرشاد، ج 2، ص 248.
6- .رجال ابن داود، ص 90، الرقم 585.
7- .خلاصة الأقوال، ص 142.
8- .بل تجده في رجال النجاشي، ص 160، الرقم 424.

ص: 570

جوار بستان أبي جعفر المنصور، وكان قد اُلقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربيّ وأنّه رافضّي يختلف إلى أبي جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، فقال أبو جعفر : إنّي مطلّعٌ إلى طهارته، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد فأنّي لأعرف طهارته حقّقت عليه القول وقتلته ، فأطلَع وداود يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربيّ الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبداللّه عليه السلام فما تمّ وضوءه حتّى بعث إليه أبو جعفر، فدعاه. قال : فقال داود : فلمّا أن دخلت عليه رحّب بي وقال : يا داود، قيل فيك شيءٌ باطل وما أنت كذلك، قد اطّلعت على طهارتك وليست طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في حِلٍّ، وأمر له بمئة ألف درهم . قال : فقال داود الرقّي : التقيت أنا داود بن زربيّ عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال له داود بن زربيّ : جعلني اللّه فداك، حقنت دماءنا في دار الدنيا، ونرجو أن ندخل بيُمنك وبركتك الجنّة ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فعل اللّه ذاك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين» ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «حدّث داود الرقّي بما مرّ عليك حتّى تسكن روعته» ، قال : فحدّثته بالأمر كلّه ، قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لهذا أفتيته؛ لأنّه كان أشرف على القتل من يد هذا العدوّ . ثمّ قال : «يا داود بن زربيّ، توضّأ مثنى مثنى ولا تزيدنّ عليه، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك» . (1) قوله في صحيحة عبد الرحمن: (قال : تقيم عشرا لا تأتي الكعبة) إلخ .[ح 5 / 7052] قوله : (تقيم) إلى آخره [ح 5 / 7052] ، استفهام للتعجّب أو التوبيخ ، والسَّغب: المجاعة (2) ، والمراد بالإهلال: الإحرام بالحجّ دون العمرة ، وفي بعض النسخ : «وكان الإهلال بالحجّ أحبّ إليَّ» . قوله في موثّق سماعة : (يخرج إلى مُهَلّ أرضه) [ح 7 / 7054] أي إلى محلّ إحرام أهل بلاده وميقاتهم .

.


1- .اختيار معرفة الرجال، ص 600 601، ح 564.
2- .مختار الصحاح، ص 161 (سغب)، و فيه: «السغب: الجوع،... و المسغبة: المجاعة».

ص: 571

باب حجّ الصبيان والمماليك

باب حجّ الصبيان والمماليكفيه مسائل :الاُولى : الصبيّ المميّز يحرم نفسه ويلبّي، ويجتنب من المحرّمات، ويأتي بالأفعال بإذن الوليّ وتعليمه ، وغير المميّز يحرم عنه الولي، ويأمره بالتلبية وسائر الأفعال إن أمكنه، وإلّا فيلبّي الولي عنه ويطوف به ويرمي عنه الولي ويجنّبه من المحرّمات . ويدلّ عليه بعض أخبار الباب، وقد سبق القول فيه تفصيلاً . الثانية : يجوز للقيّم له، بل يستحبّ على ما يظهر من الأخبار أن يؤخّر إحرامه عن مسجد الشجرة إلى العرج أو إلى الجحفة أو إلى بطنٍ مرّ. والعَرْج بفتح المهملة وسكون الراء: قرية جامعة من أعمال الفُرع بضمّ الفاء وسكون الراء على أيّام من المدينة (1) . والجحفة معروفة وستأتي إن شاء اللّه تعالى ، وبطن مرّ على مرحلة من مكّة. (2) ويدلّ عليه خبر يونس بن يعقوب (3) وحسنة معاوية بن عمّار. (4) ويستفاد من بعض الأخبار استحباب تأخير تجريدهم إلى فخّ، وهو بئر على رأس فرسخ من مكّة للقادم من المدينة (5) ، على أن يكون الإحرام عنهم في مسجد الشجرة، وهو خبر أيّوب (6) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن مسكان عنه بعينه (7) ، وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام مثله. (8) ولا يبعد القول بتخيير الوليّ بين الأمرين، والظاهر

.


1- .مجمع البحرين، ج 3، ص 149 (عرج).
2- .القاموس المحيط، ج 2، ص 133.
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
5- .السرائر، ج 1، ص 569؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 428.
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 409، ح 1421؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 336، ح 14955.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 409، ح 1422.

ص: 572

اختصاص الحكمين بالقادم من المدينة، فينبغي أن لا يؤخّر إحرامه ولا تجريده عن الميقات إذا قدم من غيرها؛ لعدم نصّ على الجواز هنا مع وجود الفارق لكمال بُعد ميقات المدينة وشدّة إضراره بالتجريد فيه، بخلاف باقي المواقيت ، هذا ما استفدته من الأخبار . وأمّا الأصحاب فلم يتعرّض الأكثر للحكم الأوّل أصلاً، وإنّما عنونوا المسألة بالتجريد من فخّ مطلقاً من غير فصل بين القادمين. وظاهرهم عقد الإحرام عنه في الميقات، و صرّح به جماعة منهم الشيخ (1) و الشيخ عليّ رحمهم الله (2) ، و قد صرّح بعضهم بأنّ المراد من التجريد بالفخّ عقد الإحرام عنه فيه، ففي المدارك في شرح قول المحقّق : ويجرّد الصبيان من فخّ: المراد بالتجريد الإحرام، كما صرّح به المصنّف في المعتبر (3) والعلّامة في جملة من كتبه (4) ، (5) فتأمّل . الثالثة : قال العلّامة رحمه الله في المنتهى : «ولو تمتّع الصبيّ وجب على وليّه أن يذبح عنه؛ عملاً بالعموم، فإن لم يجد فليصم عشرة أيّام؛ للآية» . (6) وبه قال الأكثر، ومنهم الشيخ في التهذيب محتجّاً عليه بما رواه عن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن أعين، قال : تمتّعنا فأحرمنا ومعنا صبيان، فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ولم نقدر على الغنم قال : «فليصم عن كلّ صبيّ وليّهُ» . (7) وقال الشهيد قدس سره في الدروس: «أمّا الهدي فعلى الوليّ، ولو كان مميّزا وفقد الهدي جاز للولي الصوم عنه وأمره به». (8) ولو قيل بتخيير الوليّ بين الذبح عن المميّز وأمره بالصوم مطلقاً

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 313؛ النهاية، ص 216.
2- .جامع المقاصد، ج 3، ص 160.
3- .المعتبر، ج 2، ص 804.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 667؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 542؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 217.
5- .مدارك الأفهام، ج 7، ص 226 227.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 737.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 237 238، ح 801 .
8- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 306 307.

ص: 573

ولو وجد الهدي لكان أظهر، كما يظهر من خبري زرارة (1) وسماعة (2) ، ولكن لم يقل به أحد . وأمّا ما تستدعيه المحظورات فالظاهر وجوب فداء الصيد منها على الوليّ وإن قيل بأنّ عمد الصبي كالخطأ؛ لوجوب الفداء في خطأ الصيد أيضاً، ولعموم الأخبار الواردة في جزاء الصيد وخصوص خبر زرارة، وعدم تعلّق حكم بما عدا صيده وإن كان جماعاً ولو عمدا؛ لما دلّ على أنّ عمد الصبيّ خطأ ، رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «عمد الصبي وخطأؤه واحد». (3) بل الظاهر ذلك؛ ولو قيل : بأنّ عمده عمد؛ لاقتضاء رفع القلم عن الصبيّ عدم تعلّق حكم به وبماله وبأفعاله إلّا بدليل كما في القتل وإتلاف مال الغير وجزاء الصيد، ولأصالة براءة ذمّة الوليّ عمّا يفعل الصبيّ فيما لا دليل على شغلها به، ولا نصّ على ضمانه فيما عدا الصيد . ويؤيّد هذه خبر زرارة حيث يشعر بعدم تعلّق شيء بإفساده الحجّ، وهو ظاهر الشهيد قدس سرهفي الدروس (4) ، وقوّاه الشيخ في المبسوط (5) ، وذهب في الخلاف (6) إلى وجوب جزاء صيده على الوليّ، وقوّى فساد حجّه بالجماع عمدا ترجيحاً لكون عمده عمدا محتجّاً بعموم الأخبار في فساد الحجّ بالوطيء متعمّدا ، وقال : فيتعلّق به الكفّارة إلّا أنّه لا يلزمه القضاء؛ لأنّه ليس بمكلّف، ووجوب القضاء إنّما يتوجّه إلى المكلّف وسكت عن باقي المحظورات وهو يومي إلى عدم إيجابه شيئاً لها . وفي التهذيب (7) أوجب فداء جميع المحظورات على الوليّ محتجّاً بخبر زرارة (8) ، وهو

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 233، ح 920؛ وسائل الشيعة، ج 29، ص 400، ح 35859.
4- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 306 307.
5- .المبسوط، ج 1، ص 329.
6- .الخلاف، ج 2، ص 363، المسألة 198.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 410، ذيل الحديث 1423.
8- .نفس المصدر، ح 1424.

ص: 574

إنّما يدلّ على ذلك في فداء الصيد، ولا يجوز حمل غير الصيد عليه لما عرفت . وظاهر هؤلاء كالخبر أنّ الذي يجب على الوليّ إنّما يجب في ماله لا في مال الصبيّ . وحكى في الخلاف (1) عن بعض أصحابنا وعن أحد قولي الشافعيّ (2) وجوب جزاء الصيد في مال الصبيّ . وفي المدارك (3) حكاه عن التذكرة (4) محتجّاً بوجوبه بجنايته فكان كما لو أتلف مال غيره . وذهب ابن إدريس إلى أنّه لا يجب بأفعاله المحظورة شيء، ولا يفسد حجّه معلّلاً في غير الصيد بما ذكر. وفيه بأنّ الكفّارة على الصيد إنّما تتعلّق بالعقلاء البالغين . وقال : «إيجاب الكفّارة على الناسي لا يقتضي إيجابها على الصبيّ، فإنّه قياس» (5) و إنّما قال ذلك فيه بناءً على أصله . الرابعة : يدلّ حسن حريز (6) وقد رواه الشيخ (7) والصدوق (8) قدّس سرّهما في الصحيح على أنّ ضمان محظورات العبد المأذون كلّها على السيّد. ويؤيّده أنّها من توابع إذنه في الحجّ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (9) ، وبه قال المحقّق في المعتبر (10) ، وذكره المفيد قدس سرهفي خصوص جزاء الصيد ساكتاً عن غيره . (11)

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 363.
2- .المجموع للنووي، ج 7، ص 32؛ فتح العزيز، ج 7، ص 425.
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 27.
4- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 32 33.
5- .السرائر، ج 1، ص 636 637؛ و العبارة المذكورة هنا من مختلف الشيعة، ج 4، ص 336 نقلاً عن ابن إدريس.
6- .هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 382، ح 1334؛ الإصابة، ج 2، ص 216، ح 741.
8- .الفقيه، ج 2، ص 430، ح 2886؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 104، ح 17346.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 383، ذيل الحديث 1335.
10- .المعتبر، ج 2، ص 751.
11- .المقنعة، ص 439.

ص: 575

وفي الدروس: «ولوازم المحظورات على العبد ويكون الصوم عوضاً عن الدم، قاله الشيخ». (1) وأشار بذلك إلى ما ذهب إليه في المبسوط حيث قال : إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظورا يلزم به دم مثل: اللّباس والطيب وحلق الشعر وتقليم الأظفار واللمس بشهوة والوطئ في الفرج أو فيما دون الفرج وقتل الصيد وأكله، ففرضه الصيام وليس عليه دم ، ولسيّده منعه منه؛ لأنّه فعله بغير إذنه، فإن ملكه سيّده هدياً ليخرجه فأخرجه جاز، وإن أذِن له فصام جاز أيضاً، وإن مات قبل الصيام جاز لسيّده أن يطعم عنه. (2) وكأنّه جمع بذلك بين ما ذكر وخبر سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن عبد أحدث صيدا وهو محرم، هل على مولاه شيء من الفداء؟ فقال : «لا ، لا شيء على مولاه» . (3) ويؤيّده ما دلّ على تخيير المولى في هدي التمتّع الواجب على المأذون وسيأتي ، وهو لا يخلو عن قوّة . والشيخ حمل هذا الخبر في التهذيب على العبد الغير المأذون في الإحرام، واشترط بعض الأصحاب في ضمان المولى إذنه للعبد في فعل المحظورات، واستوجهه العلّامة في المنتهى (4) وحكاه عن الشافعيّ . (5) وأمّا هدي التمتّع الواجب عليه فذهب الأصحاب إلى تخيير المولى بين الذبح عنه وبين أمره بالصوم . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن سعد ابن أبي خلف، قال : سألت أبا

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 309.
2- .المبسوط، ج 1، ص 328.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 383، ح 1335؛ الاستبصار، ج 2، ص 216، ح 742؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 105، ح 17348.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 651 652.
5- .فتح العزيز، ج 8 ، ص 25؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 54.

ص: 576

الحسن عليه السلام قلت : آمر مملوكي أن يتمتّع؟ فقال : «إن شئت فاذبح عنه، وإن شئت فمره فليصم» . (1) وفي الصحيح عن جميل بن درّاج، قال : سأل رجل أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أمر مملوكه بأن يتمتّع، قال : «فمره فليصم، وإن شئت فاذبح عنه» . (2) وفي الموثق عن الحسن العطّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أعليه أن يذبح عنه؟ قال : «لا ؛ لأنّ اللّه يقول : «عَبْدا مَمْلُوكا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ» (3) » . (4) وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على تعيّن الهدي، رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامقال : سئل عن المتمتّع كم يجزيه؟ قال : «شاة» . وسألته عن المتمتّع المملوك ، فقال : «ما عليه مثل ما على الحرّ» . (5) ثمّ قال : يحتمل هذا الخبر وجهين : أحدهما : أن يكون مملوكاً ثمّ اُعتق قبل أن يفوته أحد الموقفين، فإنّه يجب عليه الهدي؛ لأنّه أجزأ عنه . والوجه الآخر : أنّ المولى إذا لم يأمر عبده بالصوم إلى يوم النفر الأخير؛ فإنّه يلزمه أن يذبح عنه ولا يجزيه الصوم . واستشهد له بخبر عليّ بن أبي حمزة حملاً للغلام فيه على العبد (6) ، فتأمّل .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 200، ح 666، و ص 482، ح 1714؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 924؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 83 ، ح 18654.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 200 201، ح 667؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 925؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 83 ، ح 18653.
3- .النحل (16) : 75 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 200، ح 665، و ص 482، ح 1713؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 923؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 84 ، ح 18655.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 201، ح 668؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 926؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 85 ، ح 18657.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 201، ح 669؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 85 ، ح 18657.

ص: 577

باب الرجل يموت صرورة أو يوصي بالحجّ

وقد سبق بعض أحكام حجّ الصبيان والمماليك في باب ما يجزي عن حجّة الإسلام وما لا يجزي عنه .

باب الرجل يموت صرورة أو يوصي بالحجّفيه مسائل :الاُولى : من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام مع وجوبها عليه فلا خلاف بين الأصحاب في وجوب إخراج الحجّ من أصل تركته، وصّى به أم لا ، وهو مقدّم على الإرث كالدَّين . ويدلّ عليه حسنتا معاوية بن عمّار (1) ، وخبر بريد (2) ، وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثمّ وقع ذلك، وليس له شغل يعذره اللّه فيه، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام، فإن كان موسرا وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمرٍ يعذره اللّه فيه، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له» ، وقال : «يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» . (3) وصحيحة معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ويترك مالاً ، قال : «عليه أن يُحجّ عنه من ماله رجلاً صرورة لا مال له» . (4) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، يحجّ عنه؟ قال : «نعم» . (5) وموثّقة سماعة بن مهران، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يموت ولم يحجّ حجّة

.


1- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 403 404، ح 1405؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص26، ح 14152، و ص 63، ح 14248.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ح 42؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 71 72، ح 14268.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ح 43؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 72، ح 14269.

ص: 578

الإسلام ولم يوص بها وهو موسر، فقال : «يحجّ عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك» . (1) ولا ينافي ذلك ما ورد في آخر حسنة معاوية (2) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يترك إلّا بقدر نفقة الحجّ فورثته أحقّ بما ترك، إن شاؤوا حجّوا عنه، وإن شاؤوا أكلوا» (3) ؛ لأنّهما واردان فيمن لم يستقرّ الحجّ عليه . وأمّا ما ورد من أنّه يخرج من الثلث مع الوصيّة فمحمول على الحجّ المندوب ، رواه الشيخ عن محمّد بن الحسين بن أبي خالد، قال : سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه مبهماً، فقال : «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء» . (4) وقد اختلفت العامّة فيه، فذهب الشافعيّ والحنبليّ إلى ما ذهبنا إليه . وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط وجوب الحجّ بالموت، وإن أوصى بها فهو كسائر الوصايا من الثلث ، محتجّين بأنّهما عبادة بدنيّة، فيسقط بالموت كالصلاة . واُجيب بمنع الحكم في المقيس عليه ، ثمّ بالفرق، فإنّ الصلاة لا تدخلها النيابة في الحياة بخلاف الحجّ ، وقد ورد في طريقهم أيضاً ما يدلّ على وجوب القضاء عن الميّت ، فعن ابن عبّاس: أنّ امرأة سألت النبيّ صلى الله عليه و آله عن أبيها مات ولم يحجّ ، قال : «حجّي عن أبيك» . (5) وعنه : أنّ امرأة نذرت أن تحجّ فماتت، فأتى أخوها النبيّ صلى الله عليه و آله فسأله عن ذلك، فقال :

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ح 41، و ص404، ح 1406؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 72، ح 14271.
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1412؛ الاستبصار، ج 2، ص 318، ح 1127؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 46 47، ح 14201.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 408، ح 1420؛ و ج 9، ص 226، ح 889 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 319، ح 1129؛ و ج 4، ص 137، ح 514؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 171، ح 14550.
5- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 112 و 139؛ فتح العزيز، ج 7، ص 44؛ المغني، ج 3، ص 195 196؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 188؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 98؛ عمدة القاري، ج 9، ص 126؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 871 . و الحديث في سنن النسائي، ج 5، ص 117؛ و المعجم الأوسط، ج 6، ص 87 ؛ و المعجم الكبير، ج 18، ص 284؛ طبقات المحدّثين بأصبهان، ج 3، ص 352.

ص: 579

«أرأيت لو كان على اُختك دَين، أكنتَ قاضيه؟ قال : نعم ، قال : «فاقضوا اللّه فهو أحقّ بالقضاء» . (1) وهل تجب الاستنابة من الميقات أو من بلده؟ ففيه خلاف ستعرفه . الثانية : إذا أوصى بحجّة فإن كانت حجّة الإسلام فمن صلب المال، وإن كانت نافلة فمن ثلثه إذا كان ما أوصى به بقدر اُجرة المثل أو أقلّ، إجماعاً. ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل مات فأوصى أن يحجّ عنه، قال : «إن كان صرورة فمن جميع المال، وإن كان تطوّعاً فمن ثلثه» . (2) وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام مثل ذلك، وزاد فيه : «فإن أوصى أن يحجّ عنه رجل فليحجّ ذلك الرجل» . (3) وصحيحة عليّ بن رئاب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام، فلم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهماً ، قال : «يحجّ عنه من بعض المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قرب» . (4) وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «وإن أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحجّ عنه من بعض المواقيت» . (5) وخبر سماعة، قال : سألته عن رجل أوصى عند موته أن يحجّ عنه فقال : «إن كان قد

.


1- .مسند أحمد، ج 1، ص 239_ 240؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 24؛ و ص 183؛ صحيح البخاري، ج 8 ، ص 150؛ سنن النسائي، ج 5، ص 116؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 322_323، ح 3612؛ مسند الطيالسي، ص 341؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 346؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 335، و ج 6، ص 274. و في الجميع: «أحق بالوفاء».
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 404، ح 1409؛ و ج 9، ص 228، ح 895 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 66، ح 14255، و ج 11، ص 385، ح 24758.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1410؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 66 67، ح 14256.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1411؛ و ج 9، ص 227، ح 893 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 318، ح 1128؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 116، ح 14538.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1410، و الظاهر أنّ هذه العبارة من كلام الشيخ ذيل الحديث و استشهد له بحديث ابن رئاب المتقدّم.

ص: 580

حجّ فليؤخذ من ثلثه، وإن لم يكن حجّ فمن صلب ماله لا يجوز غيره» . (1) ورواية الحارث بيّاع الأنماط: أنّه سمع أبا عبداللّه عليه السلام وسئل عن رجل أوصى بحجّة ، فقال : «إن كان صرورة فمن صلب ماله، إنّما هي دين عليه، فإن كان قد حجّ فمن الثلث». (2) وإن كان زائدا على اُجرة المثل فظاهر الأخبار أنّه أيضاً كذلك، وهو مقتضى إطلاق كلام الشيخ في التهذيب (3) ، والمشهور إخراج الزائد منها من الثلث، بل لم أرَ مخالفاً له صريحاً . الثالثة : يدلّ موثّق إسحاق (4) ومرسل الحسين بن عثمان (5) على إجزاء حجّ النائب عن المنوب عنه إذا مات في الطريق ، ولا خلاف فيه إذا كان الموت بعد الإحرام ودخول الحرم، وربّما قيل بإجزائه بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم ، وأمّا قبل الإحرام فهو غير مجزٍ قطعاً، وقد سبق القول فيه . الرابعة : يدلّ ذلك الموثّق على أنّ النائب إذا أفسد الحجّ فأكمله ثمّ قضى ما عليه برئت ذمّة المنوب [عنه] . ومثله ما رواه الشيخ في أبواب الزيادات من التهذيب من موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل حجّ عن رجل، فاجترح في حجّه شيئاً يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة، قال : «هي للأوّل تامّة وعلى هذا ما اجترح» . (6) وإطلاقهما يقتضي الإجزاء المنوب عنه مطلقاً، ولا خلاف في ذلك إذا كانت الإجارة مطلقة غير مقيّدة بعام الإفساد، وإلّا فعلى المشهور يبني الإجزاء على كون الفاسد فرضاً والقضاء عقوبة، ولو قلنا بالعكس فلا يجزي ما فعله عن المنوب [عنه]، بل يجب عليه إعادة الاُجرة وإن وجب عليه إتمام الفاسد والقضاء ، ولعلّ إطلاق

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 227، ح 891 ؛ وسائل الشيعة، ج 19، ص 358، ح 24757.
2- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 229، ح 898 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 67، ح 14259.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ذيل الحديث 40.
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
5- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1606؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 185، ح 14582.

ص: 581

الإجزاء في الخبر يدلّ على الأوّل . وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط إلى أنّ الحجّ الفاسد والقضاء كليهما عن النائب نفسه ، ثمّ إن كانت الإجارة مطلقة يجب عليه حجّ ثالث للمنوب عنه، وإلّا فيعيد الاُجرة . والظاهر أنّه كذلك على القولين ، ففي المبسوط: «فإن استأجر للحجّ والعمرة فأحرم عنه به ثمّ أفسده انقلب إليه ولا اُجرة له» (1) وقد قال قبل ذلك : وإن أفسد يعني الأجير الحجّة وجب عليه قضاؤها عن نفسه، وكانت الحجّة باقية عليه، ثمّ ينظر فيها فإن كانت معيّنة انفسخت الإجارة ولزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها، وإن لم تكن معيّنة بل تكون في الذمّة لم ينفسخ، وعليه أن يأتي بحجّة اُخرى في المستقبل عمّن استأجره بعد أن يقضي الحجّة التي أفسدها عن نفسه، ولم يكن للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه، والحجّة الأولى مفسودة لا تجزي عنه، والثانية قضى بها عن نفسه، وإنّما يقضي عن المستأجر بعد ذلك على ما بيّناه . (2) وفي الخلاف مثله على ما حكي عنه في المنتهى، (3) فقد حكى عنه أنّه قال : إذا أحرم الأجير بالحجّ عن المستأجر انعقد عمّن أحرم عنه، فإن أفسد الأجير الحجّ انقلب عن المستأجر إليه وصار محرماً بحجّة عن نفسه فاسدة، فعليه قضاؤها عن نفسه، والحجّ باق عليه للمستأجر يلزمه أن يحجّ عنه فيما بعد إن كانت الحجّة في الذمّة، ولم يكن له فسخ هذه الإجارة؛ لأنّه لا دليل على ذلك. وإن كانت معيّنة انفسخت الإجارة، وكان على المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه. (4) وإليه ذهب الشافعية ؛ ففي العزيز: إذا جامع الأجير، فسد حجّه وانقلب إلى الأجير، فتلزمه الكفّارة والمضيّ في الفاسد والقضاء، ووجهه أنّه أتى بغير ما أمر به، فإنّ المأمور به الحجّ الصحيح والمأتي به الفاسد .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 325.
2- .المبسوط، ج 1، ص 322.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 865 . في هامش الأصل: «إنّا قلنا ذلك لأنّ في نسخة الخلاف التي عندي ليس قوله: «و صار محرما» إلى قوله: «يلزمه أن يحجّ عنه»، حينئذٍ ليس كلامه صريحا فيما حكينا عنه، و إن كان ظاهره ذلك، و لعلّ فيه سقط من قلم الناسخ. منه عفي عنه».
4- .الخلاف، ج 2، ص 388، المسألة 239.

ص: 582

وروى [صاحب التهذيب] عن المزنيّ أنّه لا ينقلب إلى الأجير، بل يقع الفاسد والقضاء جميعاً عن المستأجر ، وفي هذا تسليم بوجوب القضاء، لكن الرواية المشهورة عنه أنّه لا انقلاب ولا قضاء ؛ أمّا أنّه لا انقلاب فلأنّ الإحرام قد انعقد عن المستأجر ولا ينقلب إلى غيره ، وأمّا أنّه لا قضاء فلأنّ من له الحجّ لم يفسده فلا يؤثّر فعل غيره فيه . وإذا قلنا بظاهر المذهب فإن كانت الإجارة على العين انفسخت، والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه ، وإن كانت في الذمّة لم تنفسخ، وعمّن يقع القضاء فيه وجهان ، وقيل: قولان : أحدهما : عن المستأجر؛ لأنّه قضاء الأوّل ولولا فساده لوقع عنه، وأصحّهما عن الأجير ؛ لأنّ القضاء يحكي عن الأداء، والأداء واقع عن الأجير فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجّة اُخرى للمستأجر فيقضي عن نفسه، ثمّ يحجّ عن المستأجر في سنة اُخرى أو ينيب من يحجّ عنه في تلك السنة . (1) الخامسة : إطلاق خبر بريد (2) يقتضي أن يجب على المستودع استيجار من يحجّ عن المودّع من الوديعة إذا علم أنّه لم يحجّ مع وجوبه عليه من غير حاجة إلى إذن الوارث والحاكم مطلقاً. وقيّده الأكثر بما إذا علم المستودع أو ظنّ أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّ عنه على تقدير علمهم بذلك المال، محتجّين بأنّ للوارث أن يحجّ بنفسه، وربما تيسّر له الاستيجار بدون اُجرة المثل فلابدّ من إذنه، وربّما اعتبر عدم التمكّن من الحاكم وإذنه؛ لأنّ ولاية إخراج ذلك قهرا إليه، بل قيل بافتقاره إلى إذن الحاكم مطلقاً لما ذكر، فلا يستأجر مع عدم التمكّن من إذنه بل يدفعه إلى الوارث، وهؤلاء منعوا إطلاق الخبر بالنظر إلى إذنه مستندا بتضمّنه لإذنه عليه السلام لبريد بالاستنابة ، فتأمّل . السادسة : أجمع الأصحاب على عدم جواز نيابة من وجب عليه الحجّ عن غيره . ويدلّ عليه أخبار متكثّرة قد سبق أكثرها، ولو استنيب فلا يجزي حجّه عن المنوب عنه؛ لاستلزام النهي في العبادة للفساد ، وقد صرّح به الأكثر منهم الشيخ في التهذيب. (3)

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 65 67.
2- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 410.

ص: 583

باب المرأة تحجّ عن الرجل

ولم أجد قائلاً صريحاً بالإجزاء . نعم ، هو ظاهر المصنّف حيث ما ذكر ممّا يتعلّق بهذه المسألة إلّا صحيحة سعد بن أبي خلف (1) ، وفيها تصريح بالإجزاء عن الصرورة وإن كان للنائب مال . والعجب أنّ الشيخ قدس سره احتجّ على المذهب المنصور بهذه الصحيحة حيث ذكرها في ذيل الأخبار الدالّة عليه ، ثمّ قال : وأمّا ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم بن عقبة، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قط حجّ عن صرورة لم يحجّ قط، أيجزي كلّ واحد منهما تلك الحجّة عن حجّة الإسلام أم لا؟ بيّن لي ذلك يا سيّدي إن شاء اللّه ، فكتب عليه السلام : «لا يجزي ذلك» ، فمحمول على أنّه إذا كان للصرورة مال؛ لأنّه متى كان الأمر على ما ذكرناه لم يجزئ عنه ذلك وقد رويناه في خبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، ويحتمل أيضاً أن يكون قوله عليه السلام : «لا يجزي ذلك» ، يعني عن الذي يحجّ إذا أيسر؛ لأنّ من حجّ عن غيره ثمّ أيسر واجب عليه الحجّ . (2) فتأمّل . قوله في حسنة معاوية : (ولم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة) [ح 1 / 7067] الحمولة بالفتح: الإبل التي تحمل وكلّ ما يُحمل عليه من حمار أو غيره، سواء كانت الأحمال عليه أم لا . (3)

باب المرأة تحجّ عن الرجلالمشهور بين أهل العلم جواز نيابة المرأة من غير كراهية مطلقاً ولو كانت صرورة وكان المنوب رجلاً إذا كانت عارفة بمعالم الحجّ أو كان معها معلِّم عارف بها؛ لإطلاق

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 411، ح 1430 و ذيله.
3- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1678 (حمل).

ص: 584

أكثر الأخبار وعمومها، وخصوص حسنة معاوية (1) وصحيحة رفاعة (2) ، وما رواه الشيخ في باب الوصايا في الصحيح عن حكم بن حكيم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يحجّ الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، والمرأة عن المرأة» . (3) وما روته العامّة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها . (4) وعن ابن عبّاس: أنّ امرأة من خثعم قالت : يارسول اللّه ، انّ فريضة اللّه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحجّ عنه؟ قال : «نعم» . (5) وقيّدها الشيخ في المبسوط (6) والنهاية (7) بغير الصرورة، وإليه ذهب في التهذيب (8) ، واحتجّ عليه بخبر مصادف (9) ، وأكّده بما رواه عن زيد الشحّام عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، ولا تحجّ المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة». (10) ولايبعد القول بكراهة نيابة الصرورة كما قال به الشهيدان قدّس سرّهما (11) ؛ للجمع .

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 229، ح 900؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 177، ح 11565.
4- .كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 133؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 184؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 184.
5- .مسند أحمد، ج 1، ص 346؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 140 و 218؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 101؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 406 407، ح 1809؛ سنن النسائي، ج 5، ص 118_ 119؛ وج 8 ، ص 228؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 325، ح 3621؛ و ج3، ص 471 472، ح 5955؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 342؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 328.
6- .المبسوط، ج 1، ص 326. وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 318 .
7- .النهاية، ص 279 280.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 413، ح 1436؛ الاستبصار، ج 2، ص 322، ح 1142؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 177، ح 14566.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414، ح 1439؛ الاستبصار، ج 2، ص 323، ح 1143؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 173، ح 14555، و ص 178، ح 14569.
11- .اللمعة الدمشقيّة، ص 55 و فيه: «يستحبّ... ترك نيابة المرأة الضرورة...»؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 196.

ص: 585

باب من يعطى حجّة مفردة فيتمتّع أو

وبها يشعر خبر سليمان بن جعفر، قال : سألت الرضا عليه السلام عن امرأة صرورة ، قال : «لا ينبغي» (1) مع ضعف الأوّل بمصادف، فقد ضعّفه [ابن] الغضائريّ (2) والمحقّق الاسترآباديّ في رجاله ، ونقل عن العلّامة (3) ، واشتراك المفضّل في طريق الثاني بين عدّة من الضعفاء (4) ، بل لا يبعد القول بكراهة نيابتها عن الرجل مطلقاً وإن لم تكن صرورة، كما هو أحد وجهي الجمع للشيخ حيث روى في باب وصيّة الإنسان لعبده من التهذيب عن عبيد بن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه ، هل يجزي أن يحجّ عنه امرأة ؟ قال : «لا ، كيف تجزي امرأة وشهادته شهادتان؟» قال : «إنّما ينبغي أن تحجّ المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل» ، وقال : «لا بأس أن يحجّ الرجل عن المرأة» (5) ، ثمّ قال : قال محمّد بن الحسن ما تضمّن هذا الخبر من أنّ المرأة لا يجزي حجّها عن الرجل يحتمل أن يكون أراد مع وجود الرجل أو أراد به ضرباً من الكراهة دون الحظر؛ لأنّا قد بيّنا في كتاب الحجّ جواز حجّ المرأة عن الرجل. وأيّده بصحيحة حكم بن حكيم (6) المتقدّمة، وحكاه في المنتهى (7) عن الحسن بن صالح . (8)

باب من يعطى حجّة مفردة فيتمتّع أو يخرج من غير الموضع الذي يشترطفيه مسألتان :الاُولى : إطلاق صحيح أبي بصير (9) يقتضي جواز عدول النائب عن الإفراد المشترط

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414، ح 1440؛ الاستبصار، ج 2، ص 323، ح 1144؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 179، ح 14571.
2- .رجال ابن الغضائري، ص 90، الرقم 124.
3- .خلاصة الأقوال، ص 412.
4- .اُنظر: رجال النجاشي، ص 416، الرقم 1112؛ رجال ابن الغضائري، ص 87 88 ، الرقم 117 و 118؛ خلاصة الأقوال، ص 407.
5- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 229، ح 899 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 179، ح 14570.
6- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 229، ح 900؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 177، ح 14565.
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 861 ؛ و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 118، المسألة 91.
8- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 184.
9- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب.

ص: 586

إلى التمتّع، سواء كان الحجّ نفلاً أم فرضاً، حجّة الإسلام أو غيرها، وهو ظاهر المصنّف «قدّس سرّه» وظاهر الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2) ، واحتجّ عليه في الخلاف بإجماع الطائفة المحقّة والنصّ، وهو واضح على القول بجواز ذلك العدول للأصل في حجّة الإسلام ، وأمّا على القول بعدمه فيشكل الإطلاق على أ نّه معارض بخبر عليّ وهو ابن رئاب في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها عنه حجّة مفردة، قال : «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، لا يخالف صاحب الدرهم» (3) ، ولذلك قيّده الأكثر بما إذا تخيّر المنوب عنه بين أنواع الحجّ، وقيّده المحقّق بذلك، أو بما إذا علم من قصد المستأجر الإتيان بالأفضل ، (4) والعلّامة في المنتهى بهما معاً، فقال : والذي نختاره أنّه إن كان الحجّ عليه واجباً فلابدّ من تعيينه عليه، فيجب على الأجير متابعته في شرطه وإن كان غير واجب عليه ، وعلم من قصد المستأجر الإتيان بالأفضل وإن لم يضّمنه العقد، فإنّه يجوز له العدول إلى الأفضل؛ لأنّه كالمنطوق به . (5) وبه قال الشهيد أيضاً في الدروس (6) ، وربّما قيّد بما إذا تعيّن التمتّع على المنوب، وهو أحد وجهي الجمع للشيخ بين الخبرين حيث نقل أوّلاً تلك الصحيحة ثمّ هذه المقطوعة ، ثمّ قال : وأوّل ما فيه أنّه حديث موقوف غير مسند إلى أحدٍ من الأئمّة عليهم السلام ، وما هذا حكمه من الأخبار لا يترك لأجله الأخبار المسندة ، والحديث الأوّل مسندٌ والأخذ به أولى، ولو سلّم من ذلك كان محمولاً على من أعطى غيره حجّة من قاطني مكّة والحرم ؛ لأنّ من هذا حكمه ليس عليه التمتّع، فلا يجوز لمن حجّ عنه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، والحديث الأوّل يكون متناولاً لمن يجب عليه التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فحجّ عنه كذلك،

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 392، المسألة 248، فأنّه صرّح فيه بالإجزاء، و كذا فى المبسوط.
2- .المبسوط، ج1، ص 324.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 416، ح 1447؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 182، ح 14578.
4- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 170.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 867 .
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 322، الدرس 84 .

ص: 587

فإنّه يجزيه وإن كان قد أمر بالإفراد . (1) هذا ، وظاهر التعليل في الخبر يعطي جواز عدوله عن الإفراد إلى القران، وعن القران إلى التمتّع أيضاً، وهو ظاهر الدروس (2) ، وصريح المبسوط (3) ، وصرّح به في النهاية (4) في الثاني معلّلاً بأنّه عدول إلى الأفضل، وهو مشعر بتجويزه ذلك في الأوّل أيضاً ، وللعامّة تفصيل آخر؛ لجواز عدوله بناءً على ما حكيناه عنهم في تفضيل أنواع الحجّ بعضها على بعض . وأمّا عدوله عن الأفضل فغير مجوّز إجماعاً ، ثمّ الظاهر استحقاق الأجير للاُجرة على تقدير العدول الجائز، وبه صرّح جماعة من الأصحاب . وقال العلّامة في المنتهى : فعلى قول الشيخ رحمه الله إذا أتى بالتمتّع كان له الاُجرة؛ لأنّه زاده على ما أمر به . (5) وأمّا على ما اخترناه فإن علم منه التخيير فإنّه يستحقّ الاُجرة بأيّ الأنواع أتى، وإن لم يعلم منه ذلك فإنّ الحجّ يقع عن المنوب عنه بنيّة النائب . وأمّا الاُجرة ففي استحقاقها إشكال من حيث إنّه تبرّع بفعل ذلك النوع، فلا يستحقّ به أجرا كما لو عمل له عملاً لم يأذن له فيه، بخلاف ما إذا علم من قصده التخيير، فإنّه حينئذٍ يقصد حجّاً مطلقاً لا معيّناً، فاستحقّ الاُجرة؛ لأنّه بأيّ الأنواع أتى يكون قد فعل المأمور به، لأنّ المعلوم من القصد كالمنطوق . الثانية : إطلاق خبر حريز (6) ، وقد رواه الشيخ (7) في الصحيح عنه يعطي جواز عدول النائب عن الطريق المشترط إلى غيره مطلقاً، وهو ظاهر جمع من الأصحاب منهم

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 867 .
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 416، ذيل الحديث 1447.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 322.
4- .المبسوط، ج 1، ص 324.
5- .نكت النهاية، ج 1، ص 550.
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 415، ح 1445؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 181، ح 14576.

ص: 588

الشيخ في المبسوط (1) والنهاية (2) والتهذيب (3) ، ونسبه في المدارك (4) إلى المقنعة، ولم أجد المسألة فيها ، وقيّده الأكثر بما إذا لم يتعلّق الغرض به ، وبه قال الشيخ في الخلاف (5) ، وربّما اعتبر في الجواز العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق ، وعدّه صاحب المدارك (6) أظهر . وعلى الأوّل فالظاهر استحقاق الأجير لتمام الاُجرة حيث فعل ما هو الفرض الأصلي من الاستيجار، وهو الإتيان بأفعال الحجّ ومناسكه ، وبه صرّح جماعة منهم الشيخ في المبسوط (7) ، وإليه ذهب العلّامة في المنتهى (8) فيما لو لم يتعلّق الغرض بذلك الطريق ، وتردّد في غيره ، بل مال إلى رجوع المستأجر عليه بالتفاوت في اُجرة الطريقين، وجزم بذلك الرجوع في التحرير. (9) وفي المدارك: «ونصّ العلّامة في المختلف على وجوب ردّ التفاوت مع تعلّق الغرض بالطريق المعيّن». (10) ولم أجد المسألة فيه . وربّما قيل بعدم استحقاقه شيئاً مع حكمهم بإجزائه عن المنوب بناءً على أنّه لم يفعل ما وضعت الاُجرة عليه . وحكي عن العلّامة أنّه أوجب في التذكرة على الأجير ردّ التفاوت بين الطريقين إن كان ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه؛ معلّلاً بأنّ العادة قاضية بنقصان اُجرة الأسهل عن اُجرة الأصعب . 11

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 867 .
2- .المبسوط، ج 1، ص 325.
3- .النهاية، ص 278.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 415.
5- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 122 123.
6- .اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 391، المسألة 246.
7- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 123.
8- .تحرير الأحكام، ج 2، ص 95 96.
9- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 124؛ مختلف الشيعة، ج4، ص 328.
10- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 139 140.

ص: 589

باب مَن يوصي بحجّة فيحجّ عنه من غير موضعه أو

وعلى الأخيرين فلو خالف الأجير أجزأ حجّه عن المنوب، ولكن لا يستحقّ تمام الاُجرة بل ينصرف إلى اُجرة المثل على ما صرّح به بعضهم، ويحتمل استحقاقه هنا أيضاً تمام الاُجرة ؛ لأنّه قد فعل ما هو المقصود بالأصالة من الاستيجار (1) ، فتأمّل .

باب مَن يوصي بحجّة فيحجّ عنه من غير موضعه أو يوصي بشيء قليل للحجّاختلف في أنّه مع سعة مال الميّت، هل يجب استيجار حجّة الإسلام له من بلد الموت، أم يكفي من أدنى المواقيت؟ المشهور بين الأصحاب (2) منهم الشيخ قدس سره في الخلاف (3) والمبسوط (4) هو الثاني ، وبه قال الشافعيّة (5) ، وهو قوي؛ لأصالة عدم وجوب الاستيجار من موضع الموت، وعدم دليل يعتدّ به عليه . ويدلّ عليه خبر زكريا بن آدم (6) ، ويؤيّده خبر ابن مسكان (7) والشرطيّة التي ذكرها عليه السلام في صحيحة حريز بن عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، قال : «لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد أتمّ حجّه» . (8) وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية (9) والشهيد (10) وابن إدريس (11) إلى الأوّل .

.


1- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 124.
2- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 84 .
3- .الخلاف، ج 2، ص 255، المسألة 18.
4- .المبسوط، ج 1، ص 301.
5- .المغني، ج 3، ص 196؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 188.
6- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
7- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
8- .هذا هو الحديث الثاني من الباب المتقدّم من الكافي؛ و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 415، ح 1445؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 181، ح 14576، و فى الجميع: «فقد تمّ حجّه».
9- .النهاية، ص 283، باب آخر من فقه الحجّ.
10- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 323، الدرس 84 .
11- .السرائر، ج 1، ص 647 649.

ص: 590

واحتجّ عليه في السرائر بتواتر الأخبار عليه، وبوجوب قطع المسافة ونفقة الطريق جميعاً على المنوب، فيلزم نفقته بعد الموت بناءً على عدم سقوط الميسور بالمعسور . وفيه منع وجوب نفقة الطريق عليه، ومن ثمّ أجزأه ولو حجّ متسكّعاً أو في ضيافة غيره. ولو سلّم فإنّما هو لتوقّف قطعه عليها، وقطعه إنّما كان واجباً عليه للتوصّل فلا يجب إذا لم يتوقّف التوصّل عليه، ومن ثمّ أجزأ الحجّ من الميقات لو حضره من وجب عليه بغير قصد له . ودعوى تواتر الأخبار عليه غير مسموعة ، فإنّا لم نجد ما يدلّ عليه صريحاً سوى خبر البزنطيّ عن محمّد بن عبداللّه (1) ، وصحّته غير معلومة؛ لاشتراك محمّد بن عبداللّه . نعم ، يستفاد ذلك من مفهوم خبري عمر بن يزيد المذكورين في هذا الباب (2) وفي الباب الآتي (3) وصحيحة ابن رئاب (4) ، ومن صحيحة الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام المتقدّمة حيث قال عليه السلام : «وإن أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحجّ عنه من بعض المواقيت» . (5) ودلالة المفهوم ضعيفة لا سيما إذا عارض المنطوق . على أنّ حمله على الاستحباب طريق الجمع، كما صرّح به في المنتهى . (6) ثمّ اختلف هؤلاء إذا ضاق المال عن اُجرة بلد الموت مع سعتها من بعض الطريق ، فعن ابن إدريس (7) إجزاؤه من أدنى المواقيت، كما هو ظاهر صحيحتي الحلبيّ وابن رئاب وبعض آخر ممّا ذكر من الأخبار . وأوجب الشهيد (8) الاستيجار من الطريق من

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب.
3- .هو الحديث الثالث من ذلك الباب.
4- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1410؛ و الظاهر أنّ هذه العبارة من كلام الشيخ ذيل حديث الحلبي، و استشهد له بحديث عليّ بن رئاب.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 871 .
7- .السرائر، ج 1، ص 516.
8- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 316، الدرس 82 .

ص: 591

حيث أمكن لخبر البزنطيّ، فقد حصل في المسألة أقوال ثلاثة، وهذا هو معنى قول المحقّق قدس سره : «ويقضي الحجّ من أقرب الأماكن، وقيل : يستأجر من بلد الميّت ، وقيل : إن اتَّسع المال فمن بلده ، وإلّا فمن حيث يمكن» . (1) هذا ، وظاهر أكثرهم عدم الإجزاء مع المخالفة ، وصرّح الشهيد بالإجزاء حيث قال في الدروس : «ولو قضى مع السعة من الميقات أجزأ، وإن أثم الوارث ويملك المال الفاضل، ولا يجب صرفه في نسك أو بعضه أوفي وجوه البرّ» . (2) هذا كلّه إذا لم يوص بالحجّ أو أوصى به من غير تعيين للاُجرة ، وأمّا إذا عيّنها فإن وسعت البلد وجب الاستيجار منه قولاً واحدا إن خرج الزائد من اُجرة الميقات عن الثلث إذا جاز الوارث، وإلّا فمن قال ثمّة بوجوبه من البلد قال هنا أيضاً بذلك؛ لما مرّ ، ومن لم يقل بذلك ثمّة قال بعضهم يستأجر من حيث أمكن لخبر ابن مسكان . (3) وما رواه الشيخ عن عبداللّه بن بكير عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل أوصى بمال في الحجّ، فكان لا يبلغ ما يحجّ به من بلاده، فقال : «فيعطى في الموضع الذي يبلغ أن يحجّ به عنه» . (4) ويؤيّدهما خبر البزنطيّ (5) ، وما يرويه المصنّف في الباب الآتي عن عمر بن يزيد (6) ، والمشهور بينهم إجزاؤه من أقرب المواقيت؛ لما مرّ . وأمّا الحجّ المندوب فمع عدم تعيين الاُجرة يجزي من الميقات إجماعاً إلّا مع نصّ الموصي على البلد أو دلالة القرائن عليه، فيعتبر الثلث أو إجازة الوارث، ومع تعيينها فإن كان بقدر الثلث أو أقلّ صحّت الوصيّة ويستأجر من حيث وفى من البلد أو من

.


1- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 316، الدرس 82 .
3- .شرائع الإسلام، ج1، ص 167.
4- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 227، ح 892 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 166_ 167، ح 14539.
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
6- .هو الحديث الثالث من هذا الباب.

ص: 592

بعض الطريق، وإن زاد عنه حجّ عنه ممّا احتمله الثلث كذلك إلّا أن يجيز الوارث، فيحجّ عنه بما وصّى به كما ذكر . وقد قال في المندوب بما ذكرنا كلّه جماعة ممّن لم يوجب في الواجب مع عدم الوصيّة بالمال الاستيجار من بلد الموت، والفارق الوصيّة بالمال وعدمها، وبذلك يندفع التنافي بين ما ذكره المحقّق في الشرائع ممّا يدلّ على إجزاء الاستيجار من أقرب المواقيت في الحجّ الواجب من غير تقييد بالوصيّة بالمال، وقد حكيناه، وما ذكره بعده ممّا يدلّ على وجوب الاستيجار من البلد، ثمّ من حيث أمكن من الطريق في المندوب مع الوصيّة به، فقال : إذا أوصى أن يحجّ عنه وعيّن المبلغ، فإن كان بقدر ثلث التركة أو أقلّ صحّ، واجباً كان أو مندوباً وإن كان أزيد وكان واجباً ولم تجز الورثة، كانت اُجرة المثل من أصل المال والزائد من الثلث، وإن كان ندباً حجّ عنه من بلده إن احتمل الثلث، وإن قصر حجّ عنه من بعض الطريق، وإن قصر عن الحجّ حتّى لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البر، وقيل: يعود ميراثاً . (1) وفي المسالك: قد تقدّم من المصنّف اختيار أنّ الحجّ الواجب يقضى من الميقات، وهنا أوجب قضاء المندوب من البلد مع اتّساع الثلث له والخلاف واقع فيهما، وإنّما فرّق المصنّف بينهما في الحكم جمعاً بين الدليل الدال على أنّ الطريق لا يحتسب من الحجّ وقد تقدّم، وبين رواية البزنطيّ عن الرضا عليه السلام إلى قوله _ : والأصحّ تساوي الواجب والندب في ذلك. (2) ووجّه في المدارك كلامه الأخير بما يرجع إلى الأوّل، فخصّصه بما إذا نصّ الموصى على إرادة الحجّ من البلد أو تدلّ القرائن عليه كما هو المتعارف ، ثمّ قال : «ومن هنا يظهر عدم المنافاة بين حكم المصنّف بالحجّ من البلد مع الوصيّة والاكتفاء بقضائه بدونها من أقرب الأماكن» (3) ، فتأمّل .

.


1- .شرائع الإسلام، ج1، ص 172.
2- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 188 _189.
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 150.

ص: 593

باب الرجل يأخذ الحجّة فلا تكفيه أو يأخذها فيدفعها إلى غيره

باب الرجل يأخذ الحجّة فلا تكفيه أو يأخذها فيدفعها إلى غيرهفيه مسألتان :الاُولى : مَن أخذ حجّة لا تكفيه لا يجوز له أن يأخذ حجّة اُخرى في سنة واحدة في الحجّ الواجب لاستحقاق الأوّل منافعه، ويجوز ذلك لسنة اُخرى؛ لعدم المنافاة بين الإجارتين، وإن كانت الإجارة الاولى مطلقة فقد أطلق الشيخ المنع من استيجاره ثانياً على ما حكاه عنه في المدارك (1) ، وهو ظاهره في المبسوط حيث قال : «وإذا أخذ حجّة من غيره لم يجز أن يأخذ حجّة اخرى حتّى يقضي التي أخذها». (2) وهو مبنيّ على انصراف الإطلاق إلى التعجيل، كما صرّح به جماعة منهم الشيخ في ذلك الكتاب، فإنّه قال : «وإن استأجره لحجّة في الذمّة بأن يقول: استأجرتك على أن تحجّ عنّي صحّ العقد واقتضى التعجيل في هذا العام» . (3) والأظهر جواز استيجاره ثانياً مع عدم تنصيص المؤجّرين بعام واحد؛ لعدم دليل يعتدّ به على اقتضاء الإطلاق التعجيل، فيأتي بهما في سنتين. ويجوز تشريك جماعة في أجر حجّة واحدة على أن تكون الحجّة لواحد منهم ؛ للأصل، وانتفاء دليل على عدمه، ولما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل شرك في حجّة (4) الأربعة والخمسة من مواليه ، فقال : «إن كانوا صرورة جميعاً فلهم أجر، ولا يجزي عنهم من حجّة الإسلام، والحجّة للذي حجّ» . (5) وأجمع الأصحاب على أنّه إذا استأجر اثنان رجلاً واحدا ليحجّ عنهما حجّة واحدة،

.


1- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 125؛ النهاية، ص 278.
2- .المبسوط، ج 1، ص 326.
3- .المبسوط، ج 1، ص 323.
4- .كذا بالأصل، و في المصادر: «يشرك في حجّته».
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 413، ح 1435؛ الاستبصار، ج 2، ص 322، ح 219؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 175، ح 14559، و ص 203، ح 14626.

ص: 594

فأحرم عنهما لم يصحّ إحرامه عنهما، ولا عن واحدٍ منهما في الواجب . واحتجّ عليه في المبسوط (1) والمنتهى (2) بأنّ الواحدة لا تقع عن اثنين، وليس أحدهما أولى بها من صاحبه، ويظهر من الخلاف (3) وفاق أهل الخلاف أيضاً عليه. وهل ينقلب إحرامه إلى نفسه ؟ ذهب الأصحاب إلى عدمه، واحتجّ عليه في الخلاف والمبسوط بعدم وجود دليل عليه، وبأنّ شرط الإحرام النيّة؛ لقولهم عليهم السلام : «إنّما الأعمال بالنيّات» . (4) وقال الشافعي : ينقلب الإحرام إليه . (5) وأمّا المندوب فالظاهر جواز النيابة فيه عن متعدّد، فيجوز كلّ من المتعدّد والنائب أجرا، فرجّحه في المنتهى معلّلاً بأنّه طاعة يصحّ النيابة فيها عن واحد، فتصحّ عن اثنين . (6) وإذا عرفت هذا ، فخصّص الحجّ في مرسل محمّد بن إسماعيل (7) بالمندوب أو بالواجب لكن مع جعل أفعل التفضيل فيه بمعنى أصل الفعل، ولعلّه أنسب بهذا الخبر . الثانية : قال الشيخ قدس سره في التهذيب : لا بأس أن يأخذ الرجل حجّة فيعطيها غيره. واحتجّ عليه بخبر عثمان بن عيسى (8) وأراد بذلك ما إذا لم يكن أجيرا خاصّاً ، وقد صرّح بذلك في المبسوط، بل ظاهره فيه أنّه إنّما جاز ذلك إذا صرّح المستأجر باستيجاره غيره إن شاء، فقد قال : «وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه فليس له أن يستأجر غيره في تلك المستنابة، فإن فوّض الأمر إليه في ذلك جاز أن يتولّاه بنفسه وأن يستنيب غيره فيه». 9

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 326.
2- .المبسوط، ج 1، ص 323.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 869 .
4- .الخلاف، ج 2، ص 388، المسألة 240.
5- .مسائل عليّ بن جعفر، ص 346، ح 852 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83 ، ح 218، و ج 4، ص 186، ح 518 و 519.
6- .فتح العزيز، ج 7، ص 216؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 138؛ روضة الطالبين، ج2، ص 338؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 48، ح 88 و 89 و 92؛ ج 6، ص5، ح 7197 و 7198.
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 416_ 417، ح 1449؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 184، ح 14580.

ص: 595

باب الحجّ عن المخالف

فعلى هذا ينصرف الإطلاق إلى تولّيه إيّاه بنفسه . قوله في خبر عمر بن يزيد : (رجل أوصى بحجّة) إلخ .[ح 3 / 7086] الأنسب ذكر هذا الخبر في الباب السابق، وقد سبقت الإشارة إليه .

باب الحجّ عن المخالفاشتهر بين الأصحاب عدم جواز النيابة في الحجّ عن مطلق المخالف للحقّ، حكم بكفره كالخوارج والنواصب والغلاة والمجسّمة وأضرابهم أم لا كسائر فرق المخالفين، واستثناء الأب عنهم وإن كان ناصباً معلناً لعداوة أهل البيت عليهم السلام . ولم أجد خبرا صريحاً في المنع في غير الأب، إلّا ما رواه المصنّف في الباب من حسن وَهب (1) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح (2) ، وخبر عليّ بن مهزيار (3) ، وقد عبّر فيهما بلفظ الناصب، فذلك القول العام منهم مبنيّ إمّا على إرادة مطلق المخالف من الناصب؛ لشيوع استعماله في هذا المعنى في الحديث، وقد ورد عنهم عليهم السلام : «أنّ الناصب من نصب العداوة لشيعتهم» (4) ، يعني من حيث التشيّع . وإمّا على كفر مطلق المخالف على ما دلّ عليه الأخبار المتظافرة بل المتواترة (5) ، وانعقاد الإجماع على عدم صحّة النيابة عن الكافر في مطلق العبادات، كما احتجّ به الشيخ (6) على ما حكى عنه في المختلف . (7)

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414، ح 1441؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 192، ح 14599.
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- .ثواب الأعمال، ص 207 عقاب الناصب و الجاحد لأميرالمؤمنين عليه السلام و الشاكّ فيه و المنكر له؛ صفات الشيعة، ص 9؛ علل الشرائع، ص 601؛ الباب 385 نوادر العلل، ح 60؛ معاني الأخبار، ص 365، باب معني الناصب؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 486، ح 12548؛ و ج 24، ص 274، ح 30530.
5- .اُنظر: الحدائق الناضرة، ج 5، ص 177.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414. وانظر: المبسوط، ج 1، ص 326؛ النهاية، ص 280.
7- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 322.

ص: 596

باب

وقد احتجّ بذلك أيضاً على عدم غسل مطلق المخالف وتكفينه ودفنه والصلاة عليه على ما مرّ، ولذلك بالغ ابن إدريس حيث منع من النيابة عن الأب أيضاً مطلقاً مدّعياً عليه الإجماع، فقد طرح الرواية بناءً على أصله، وقد صرّح بذلك فقال: «إنّ استثناء الشيخ للأب لرواية شاذّة كان إيرادا لا اعتقادا». (1) فلا يرد عليه ما أورد في المنتهى بقوله : لم نظفر في المنع بأكثر من هذه الرواية مشيرا بها إلى رواية وهب فإن كانت شاذّة فالاستثناء والمستثنى منه ممنوعان، وينبغي الجواز عملاً بالأصل ، وإن كانت معمولاً بها فكيف سلّم أحد الحكمين اللذين اشتملت الرواية عليهما دون الآخر؟ وهل هذا إلّا تحكّم محض ؟ (2) هذا ، واستشكل فيه الحكم في غير المعلن لعداوة أهل البيت عليهم السلام مدّعياً انعقاد الإجماع على صحّة عبادات من سواهم من المخالفين إلّا الزكاة، وصرّح في المختلف (3) بالجواز لغير المعلن لما ذكر، وكأنّه تمسّك في ذلك القول بانعقاد الإجماع على عدم وجوب إعادتها عليهم بعد استقامتهم . ففيه: أنّ ذلك لا يدلّ على صحّتها عنهم ، فلعلّ سقوطها عنهم بعد الاستقامة من باب التفضّل كسقوطها عن الكافر بعد إيمانه ، ويؤيّد ذلك الأخبار المتظافرة الدالّة على عدم انتفاعهم بشيء من العبادات ، فتأمّل .

بابيذكر فيه حكم من أوصى أن يحجّ عنه في كلّ سنة بمال لا يفي بذلك ، وقد صرّح بعض الأصحاب بأنّه يجعل حجّتين أو أزيد في حجّة.

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 322.
2- .السرائر، ج 1، ص 632.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 863 .

ص: 597

باب ما ينبغي للرجل أن يقول إذا حجّ عن غيره

باب الرجل يحجّ عن غيره فحجّ عن غير ذلك ويطوف عن غيره

ويدلّ عليه أخبار الباب ، واحتجّ عليه أيضاً في المنتهى بأنّ المال انتقل بالوصيّة عن ملك الورثة ووجب صرفه فيما عيّنه الموصي بقدر الإمكان، ولا طريق له إلّا ما ذكر فيتعيّن . (1)

باب ما ينبغي للرجل أن يقول إذا حجّ عن غيرهأي يستحبّ، فإنّ الواجب إنّما هو قصد المنوب عنه في الأفعال إجماعاً، لأنّ الأعمال إنّما هي بالنيّات ، فوجوب تسمية المستفاد من صحيح حريز (2) محمول على تأكّد الاستحباب لا سيّما عند الذبح؛ لما رواه الشيخ عن مثنّى بن عبد السلام عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يحجّ عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلّها ، قال : «إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، اللّه يعلم أنّه قد حجّ عنه، ولكن يذكره عند الاُضحية إذا ذبحها» . (3) ويحتمل أن يراد بالتسمية التعيين القلبي ولو مجازا .

باب الرجل يحجّ عن غيره فحجّ عن غير ذلك ويطوف عن غيرهفيه مسائل : الاُولى : تدلّ مرفوعة محمّد بن يحيى (4) على إجزاء الحجّ عن المستأجر إذا أحرم الأجير عن نفسه وإن أثم بذلك ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عن ابن أبي حمزة والحسين والظاهر أنّه ابن عثمان وهو ثقةٌ عن أبي عبداللّه عليه السلام . (5)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 874 .
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي. و الحديث رواه حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، فالأنسب أن يعبّر عنه بصحيح محمّد بن مسلم.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 419، ح 1454؛ الاستبصار، ج 2، ص 324، ح 1149؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 188، ح 14589.
4- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1604؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 186، ح 14584.

ص: 598

وقال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : يدلّ هذا الخبر على أنّ حجّ النائب عن نفسه يقع عن الميّت، باعتبار أنّه مشغول الذمّة. ولا يرد عليه أنّ هذا باطل ؛ لأنّ الأعمال بالنيّات ولم ينو عن المنوب، فلا يكون مجزياً عنه ؛ لأنّ القدر الضروري من النيّة وهو القربة قد حصل، والباقي ينصرف إلى الواقع، والواقع هو الحجّ عن المنوب، كما لو نوى الفرض نفلاً والنفل فرضاً . (1) انتهى . ونسبه في الدروس (2) إلى الرواية مايلاً إليه، وكتب الأكثر خالية عن ذكر هذا الحكم ، وكأنّهم تركوا العمل بهذه الرواية عملاً بخبر: «إنّما الأعمال بالنيّات» . نعم ، ذكروا ما لو عدل إلى نفسه بعد الإحرام عن المنوب واختلفوا في إجزاء ذلك الحجّ عن المنوب، فالأكثر صرّحوا بالإجزاء، ومنهم الشيخ في الخلاف (3) والمبسوط (4) ، والمحقّق في المعتبر (5) ، وإليه ميل الشهيد في الدروس. (6) واحتجّ عليه فيها بأنّ نيّة الإحرام كافية عن نيّة باقي الأفعال، وأنّ الإحرام يستتبع باقي الأفعال وأنّ النقل فاسد لمكان النهي . والأظهر الاحتجاج عليه بما ذكر من الخبر بناءً على الأولويّة لو اعتبرناها ، وفي الشرائع (7) رجّح عدم الإجزاء، ويظهر منه عدم الإجزاء في المسألة الاُولى بالأولويّة . وأمّا إجزاؤه عن الأجير فلم يقل به أحد، وهو واضح . الثانية : طواف النائب عن غير المنوب في أيّام إقامته بمكّة، ولا ريب في جوازه ولا قائل بخلافه . ويدلّ عليه صحيحة يحيى بن عبد الرحمن الأزرق 8 ، ومثله باقي أفعال الحجّ القابل

.


1- .روضة المتّقين، ج 5، ص 20 21.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 321، الدرس 84 .
3- .الخلاف، ج 2، ص 252، المسألة 13.
4- .المبسوط، ج 1، ص 299.
5- .المعتبر، ج 2، ص 777.
6- .شرائع الإسلام، ج1، ص 172.
7- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

ص: 599

باب الرجل يعطى الحجّ فيصرف ما أخذ في غير الحجّ أو

للنيابة والعمرة المفردة . الثالثة : المشهور بين الأصحاب أنّ الأجير إذا مات قبل الإحرام وجب استيجار حجّ آخر للميّت، خلّف الأجير شيئاً أو لا . وظاهر الصدوق رضى الله عنه عدم وجوبه إذا لم يخلّف الأجير شيئاً حيث قال : وقيل لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يأخذ الحجّة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً ، فقال : «أجزأت عن الميّت وإن كانت له عند اللّه حجّة اُثبتت لصاحبه» (1) ، وكأنّه أشار به إلى مرسلة ابن أبي عمير (2) ، وأنت خبير بعدم دلالتها على براءة ذمّة الميّت ، فتأمّل .

باب الرجل يعطى الحجّ فيصرف ما أخذ في غير الحجّ أو يفضل الفضلة ممّا أعطى (3)الأجير يملك الاُجرة وله صرفها في أيّ مصرف أراد وشاء، وإنّما عليه الحجّ على أيّ وجه تيسّر له ولو متسكّعاً أو في نفقة غيره كالأصيل، وإذا صرفها في الحجّ وفضل شيء فهو له وإن نقصت فالتتمّة عليه . ويدلّ على الثاني خبر عمّار (4) ، وعلى الأوّل صحيحة محمّد بن عبداللّه القمّي (5) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن مسمع، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أعطيت رجلاً دراهم يحجّ بها عنّي ففضل منها شيء فلم يردّه عليَّ ، فقال : «هو له، لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة» . (6) وهذا كلّه ممّا لا خلاف فيه، واشتهر بين الأصحاب استحباب ردّ الفاضل على

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 423_ 424، ح 2871؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 194 195، ح 14606.
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
3- .هذا الباب فى الأصل المطبوع مؤخّر عن البابين التاليين.
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
5- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414_ 415، ح 1442؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 179_ 180، ح 14572.

ص: 600

باب من حجّ عن غيره أنّ له شركة

باب نادر

باب الطواف والحجّ عن الأئمّة

باب من يشرك قراباته وإخوانه في حجّه أو يصلهم بحجّه

الأجير وأداء الناقص على المستأجر. ولم أرَ شاهدا له من النصّ. واحتجّ في المنتهى (1) على الأوّل بإشعاره بكون قصد الأجير من الحجّ القربة لا العوض، وعلى الثاني بما فيه من مساعدة المستأجر على الطاعة للمؤمن والمعاونة على البرّ والتقوى ، فتأمّل .

باب من حجّ عن غيره أنّ له شركةيعني في الأجر، بل هو الشريك الغالب كما يستفاد من الأخبار .

باب نادروهو من الباب الأوّل إلّا أنّه يذكر فيه شركة خاصّة في أجر حجّة، وهو اشتراك جماعة في أجر حجّة رجل إذا دفع واحد منهم مؤونة تلك الحجّة إلى واحد لا بعينه من الآخرين، فاختارها واحد منهم، والحاجّ هنا أيضاً هو الشريك الغالب .

باب الطواف والحجّ عن الأئمّة عليهم السلاماستحبابه وفضله بيِّن مبيّن بالأخبار.

باب من يشرك قراباته وإخوانه في حجّه أو يصلهم بحجّهالمراد بالمعطوف أن يحجّ تبرّعاً عنهم، وهذا أيضاً ممّا لا ريب في استحبابه وفضله . قوله في خبر صفوان: (وهي عاتق)[ح 3 / 7107] أي شابّة أوّل ما أدركت، فخدرت في بيت أبويها ولم تبن إلى زوج . (2)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 869 .
2- .في هامش الأصل: «قال أبو نصر [ أحمد بن حاتم]: و لم تبن إلى زوج من البينونة، أي لم تبن من أهلها إلى زوج، صحاح اللغة، ج 4، ص 1520 (عتق).

ص: 601

باب توفير الشعر لمن أراد الحجّ والعمرة

قوله في خبر عليّ بن إبراهيم الحضرميّ : (وعن ولدي وعن حامّتي) [ح 8 / 7112 ]الولد بفتحتين جاء مفردا وجمعاً، وبالضمّ جمع لا غير (1) ، وحامّة الرجل: أقرباؤه . (2)

باب توفير الشعر لمن أراد الحجّ والعمرةظاهره قدس سره كالأخبار تحريم حلق الرأس والأخذ من اللحية من أوّل ذي القعدة لمريد الحجّ، وشهر قبل الإحرام لمريد العمرة، وإليه ذهب الشيخ في التهذيب (3) والاستبصار (4) ، وبه صرّح المفيد قدس سره في الحجّ ساكتاً عن العمرة (5) ، وهو ظاهر نهاية الشيخ (6) فيه كذلك. ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يريد الحجّ يأخذ من شعره في أشهر الحجّ؟ قال: «لا، ولا من لحيته، ولكن يأخذ من شاربه ومن أظفاره، وليطلّ إن شاء اللّه عزّوجلّ». (7) وعن عبداللّه بن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «خذ من شعرك إذا أزمعت على الحجّ شوّال كلّه إلى غرّة ذي القعدة» . (8) وذهب الأكثر منهم ابن إدريس (9) والشهيدان (10) والعلّامة (11) إلى كراهة ذلك ،

.


1- .اُنظر: تاج العروس، ج 5، ص 325.
2- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1907 (حمم).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 46، الباب 5: باب العمل و القول عند الخروج.
4- .الاستبصار، ج 2، ص 160، الباب 92 من كتاب الحجّ، و ص 161، ذيل الحديث 525.
5- .أحكام النساء، ص 35؛ المقنعة، ص 391.
6- .النهاية، ص 206.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 48، ح 148؛ الاستبصار، ج 2، ص 161، ح 526؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 320، ح 16403، و ليس في التهذيب: «اللّه عزّ وجلّ»، و في الاستبصار: «و ليطل إن شاء».
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 47، ح 141؛ الاستبصار، ج 2، ص 160، ح 524؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 316، ح 16391.
9- .السرائر، ج 1، ص 522.
10- .اللمعة الدمشقيّة، ص 58؛ شرح اللمعة، ج2، ص 228.
11- .تذكرة الفقهاء، ج7، ص 221؛ منتهى المطلب، ج2، ص 671.

ص: 602

وحكاه في المختلف (1) عن جمل الشيخ. (2) واحتجّ على الجواز بأصالة البراءة، وبموثّق سماعة، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحجّ ، فقال : «لا بأس به ، والسواك والنورة» . (3) وفيه: أنّ الأصل قد يصار إلى خلافه بدليل، وقد ثبت الدليل عليه بظهور الأخبار في التحريم من غير معارض يقتضي حملها على الكراهة . وأمّا الخبر فليس صريحاً في جواز حلق الرأس ولا ظاهرا فيه، فإنّ القفا فيه يحتمل ما بين الكتفين، بل هو أظهر. على أنّ النزاع في غير الضرورة . والشيخ في الاستبصار (4) حمل أشهر الحجّ فيه على شوّال، وقد بالغ الشيخان حيث أوجبا الفدية بالحلق . قال المفيد في المقنعة : «فإذا أراد الحجّ فليوفّر شعر رأسه في مستهلّ ذي القعدة، فإن حلقه كان عليه دم يهريقه» . (5) واحتجّ عليه في التهذيب بخبر جميل بن درّاج، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّع حلق رأسه بمكّة ، قال : «إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك بعد الثلاثين الذي يوفّر فيها الشعر فإنّ عليه دماً يهريقه» . (6) وأجاب عنه العلّامة في المنتهى (7) باحتمال أن يكون ذلك بعد التلبّس بالإحرام، وأيّده

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 47.
2- .الجمل و العقود، ص 133 (الرسائل العشر، ص 227).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 47 48، ح 145؛ الاستبصار، ج 2، ص 160، ح 522؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 139، ح 16402.
4- .الاستبصار، ج 2، ص 160، ذيل الحديث 522.
5- .المقنعة، ص 391.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 48 49، ح 149، و ص 158، ح 526. و رواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 242، ح 843 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 321، ح 16406.
7- .منتهى المطلب، ج2، ص 671.

ص: 603

باب مواقيت الإحرام

بأنّ السؤال وقع عن الحلق بمكّة، وهو إنّما يكون إذا أحرم . وأنت خبير بأنّه يأبي عن هذا الاحتمال قوله عليه السلام : «وإن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شيء» ، اللّهمَّ إلّا أن يحمل على ما إذا تحلّل من عمرة التمتّع ، فتأمّل .

باب مواقيت الإحرامقال طاب ثراه : الوقت لغةً: الحدّ، والتوقيت: التحديد (1) ، وأكثر استعماله في الزمان ، وجاء هنا على الأصل . انتهى . وقد وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لكلّ قوم ميقاتاً يحرمون منه، ولم يجوّز لهم الإحرام قبله ولا التأخّر عنه إلّا في ما استثني، وسيظهر ذلك في الأبواب الآتية. والمواقيت على ما ورد في حسنة الحلبيّ (2) وصحيحة أبي أيّوب (3) خمسة، ومثلها ما رواه الشيخ من صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن إحرام أهل الكوفة وأهل خراسان وما يليهم وأهل الشام ومصر، من أين هو؟ قال : «أمّا أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق، وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة ، وأهل الشام ومصر من الجحفة، وأهل اليمن من يلملم، وأهل السند من البصرة» ، يعني من ميقات أهل البصرة (4) ، والظاهر أنّ التفسير من الشيخ ، ويحتمل كونه من بعض الرواة . وصحيحة عبيداللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبداللّه ، قال : «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها : وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهي مسجد الشجرة كان يصلّي فيه ويفرض الحجّ، فإذا خرج

.


1- .فتح الباري، ج 3، ص 304.
2- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55_ 56، ح 169؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14877.

ص: 604

من المسجد وسار واستوت به البيداء حتّى يحاذي الميل الأوّل أحرم ، ووقّت لأهل الشام الجحفة ، ووقّت لأهل نجد العقيق ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل اليمن يلملم، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (1) وصحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد، ما بين بريد البغث (2) إلى غمرة (3) ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم» . (4) وعلى ما في حسنة معاوية بن عمّار (5) ستّة . (6) ولكنّ الظاهر من مجموع الأخبار المنقولة في هذا الباب عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام وأقوال العلماء الأخيار رضي اللّه عنهم أنّها تسعة: أحدها: العقيق. وهو ميقات لأهل العراقين ومن يأتي من جهتهما، وهو واد طويل. وعلى المشهور مبدؤه من جهة العراق المُسلخ، وهو أفضله، ثمّ يليه وسطه غمرة، ثمّ ذات عرق منتهاه، وبعدها عن مكّة مرحلتان قاصدتان كبعد يلملم وقرن المنازل . ويدلّ عليه ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه: «وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل العراق العقيق، وأوّله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأوّله أفضل» . (7) وما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي بصير، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «حدّ العقيق أوّله المسلخ، وآخره ذات عرق» . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55، ح 167. و رواه الصدوق في الفقيه، ج2، ص 302 303، ح 2522؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 308، ح 14876.
2- .البَغث: اسم واد عند خيبر. معجم البلدان، ج 1، ص 456 (بغث).
3- .غمرة: منهل من مناهل طريق مكّة و منزل من منازلها، و هو فصل ما بين تهامة و نجد. و قال ابن فقيه: غمرة: من أعمال المدينة على طريق نجد. معجم البلدان، ج 4، ص 212 (الغمر).
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 170؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14878.
5- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .في هامش الأصل: «بإضافة دويرة الأهل، منه».
7- .الفقيه، ج2، ص 304 305، ح 2526؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 313، ح 14894.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 171؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 313، ح 14892.

ص: 605

وحكى في الدروس (1) عن ظاهر عليّ بن بابويه (2) والشيخ في النهاية (3) عدم جواز تأخير الإحرام إلى ذات عرق إلّا لتقيّة أو مرض؛ لصحيحة عمر بن يزيد، [عن أبي عبداللّه عليه السلام ]، قال : «وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البغث إلى غمرة» . (4) ورواية أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام (5) حيث فسّر العقيق بما بين المسلخ إلى غمرة . ويؤيّدهما اُمور : أحدها : قوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار : «آخر العقيق بريد أوطاس» . (6) وقوله عليه السلام في مرسلة ابن فضّال : «أوطاس ليس من العقيق» . (7) ووجه التأييد: أنّ بريد أوطاس على ما ذكره جدّي قدس سره في شرح الفقيه (8) إنّما هو من ذات عرق، مبدؤه منتهى غمرة . وقيل: هو قبل مغاسل العرب بفرسخ تقريباً . وثانيها : قوله عليه السلام في خبر [يونس بن] عبد الرحمن: «أحرم من وجرة» (9) ؛ لأنّ وجرة على ما ذكره في القاموس (10) أربعون ميلاً، وعلى تقدير خروج ذات عرق عن العقيق يكون العقيق قريباً منه، كما يظهر من حسنتي معاوية بن عمّار (11) ، ولو كانت داخلة فيه لزاد عليه بكثير .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 170؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14878.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 340، مواقيت الإحرام.
3- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 40.
4- .النهاية، ص210.
5- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
6- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 173؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 312، ح 14886.
7- .هي الحديث السادس من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 174؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 313، ح 14891.
8- .روضة المتّقين، ج 4، ص 289.
9- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
10- .القاموس المحيط، ج 2، ص 153 (وجر).
11- .هما ح 4 و 10 من هذا الباب.

ص: 606

وثالثها : قول ابن الأثير: وهو يعني العقيق _ : «موضع قريب من ذات عرق قبلها بمرحلة أو مرحلتين» (1) ، وكأنّهما حملا ما تقدّم ممّا استدلّ به على كون ذات عرق من العقيق من الخبرين على التقيّة. على أنّهما مع عدم صحّتهما غير صريحين في ذلك ، بل يحتمل أن يراد منهما كون آخر العقيق مبدأ ذات عرق، فتتطابق الأخبار . وبالجملة، فالأحوط ما ذهبا إليه . واعلم أنّ الأصحاب قد أجمعوا على أنّ هذا الميقات إنّما وقّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ووافقهم على ذلك أكثر العامّة . ويدلّ عليه أكثر ما تقدّم من الأخبار ، وهم أيضاً قد نقلوا أخبارا متعدّدة في ذلك وستأتي . وزعم بعض الشافعيّة أنّه ما كان بالنصّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بل هو من شرائع عمر (2) محتجّين عليه بما نقلوا عن طاووس أنّه قال : لم يوقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات عرق، ولم يكن حينئذٍ أهل المشرق، أي مسلمين . (3) وعن ابن عمر أنّه قال : لمّا فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حدّ لأهل نجد قرن المنازل، وهو جور عن طريقنا، وإنّا إن أردناه شقّ علينا ، قال : فانظروا حَذْوَها من طريقتكم، فحدّ لهم ذات عرق . (4) وبما قالوا من أنّ أهل العراق ومن والاهم كانوا مشركين في عهده صلى الله عليه و آله فكان شرّع الميقات لهم بلا طائل . والجواب عن الأوّل: أنّه معارض بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس أنّه سمع عمر يقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بوادي العقيق يقول : «أتاني الليلة آتٍ من ربّي، فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: «عمرة في حجّه» . (5)

.


1- .النهاية، ج 3، ص 278 (عقق).
2- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 208.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 80 .
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 143؛ كنزالعمّال، ج 5، ص 153، ح 12433.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 144.

ص: 607

وبما نقلوه عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقّت لأهل المشرق العقيق . (1) وعنه قال : وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل العراق ذات عرق . (2) وعن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يهلّ أهل المشرق من ذات عرق» . (3) وعن ابن جريج، قال : أخبرني عطاء: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقّت لأهل المشرق ذات عرق . (4) وعن الحارث بن عمرو، قال : أتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمنى أو بعرفات وقد أطاف به الناس ، وتجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا وجهٌ مبارك، قالوا : و وقّت ذات عرق لأهل العراق . (5) وروى الشيخ في الخلاف عن القاسم بن محمّد، عن عائشة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقّت لأهل العراق ذات عرق . (6) وعن عطاء أنّه قال : ما ثبت ذات عرق إلّا بالنصّ ، وقال : سمعنا أنّه وقّت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق . (7) وفي العزيز : يحتمل أنّ النصوص لم تبلغ عمر والذين أتوه، فاجتهدوا فوافق اجتهادهم النصّ . (8) وعن الثاني: أنّه صلى الله عليه و آله شرّع ذلك لعلمه بأنّ أهل العراقين ومَن والاهم يسلمون،

.


1- .سنن الترمذي، ج 2، ص 164، ح 833 ؛ فتح العزيز، ج 7، ص 81 .
2- .أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 803 ؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 189؛ و رواه ابن أبي شبية في المصنّف، ج4، ص 349، الباب 208، ح 6 عن عطاء؛ و الدارقطني في سننه، ج 2، ص 208، ح 2475 عن جابر.
3- .المعتبر، ج 2، ص 803 ؛ و اللفظ منه، و الحديث بلفظ آخر تجده في السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 27.
4- .السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 27، باب ميقات أهل العراق؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 349، الباب 208، ح 6، و فيه: «لأهل العراق».
5- .سنن أبي داود، ج 1، ص 392، ح 1742.
6- .الخلاف، ج 2، ص 284، المسألة 58؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 391، ح 1739.
7- .الخلاف، ج 2، ص 283، ذيل المسألة 58؛ كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 150؛ مسند الشافعي، ص 115؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 28؛ معرفة السنن و الآثار، ج 3، ص 531، ح 2751.
8- .فتح العزيز، ج 7، ص 81 .

ص: 608

وبذلك يشعر قوله عليه السلام في حسنة معاوية : «وقّت لأهل العراق ولم يكن يومئذٍ عراق بطن العقيق» . (1) وثانيها: ذو الحليفة. بضمّ الحاء المهملة وفتح اللّام، تصغير الحلَفة بفتح الحاء واللام، واحد الحَلفاء: النبات المعروف ، قاله الجوهري (2) ، أو تصغير الحلفة بسكون اللّام: اليمين لتحالف قوم من العرب به. (3) قال طاب ثراه: هو ماء من مياه بني جشم على ستّة أميال من المدينة ، وقيل على سبعة . (4) قال المازري : هو أبعد المواقيت عن مكّة على عشر مراحل . (5) انتهى . وهو ميقات لأهل المدينة ومن جاء منها اختيارا، ومع الاضطرار يجوز لهم التأخير إلى الجحفة؛ لما سبق، ولما رواه الصدوق رضى الله عنه في الحسن عن معاوية بن وهب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام ونحن بالمدينة عن التهيّؤ للإحرام فقال : «أطل بالمدينة وتجهّز لكلّ ما تريد، واغتسل إن شئت، وإن شئت استمتعت بقميصك حتّى تأتي مسجد الشجرة» . (6) وفي الصحيح عن هشام بن سالم، قال : أرسلنا إلى أبي عبداللّه عليه السلام ونحن جماعة بالمدينة: [ إنّا] نريد أن نودّعك، فأرسل إلينا أبو عبداللّه عليه السلام : «أن اغتسلوا بالمدينة، فإنّي أخاف أن يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة» (7) ، الحديث . وقال رضى الله عنه : وسأله محمّد الحلبيّ عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه فقال : «يجزيه

.


1- .الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1347 (حلف) و فيه: «و الحلفاء: نبت في الماء».
3- .مجمع البحرين، ج 1، ص 560 (حلف).
4- .مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء، ج 2، ص 14.
5- .شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 81 .
6- .الفقيه، ج 2، ص 308، ح 2534. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 62، ح 196؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 324، ح 16412.
7- .الفقيه، ج 2، ص 308، ح 2537. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 63 64، ح 202؛ و رواه الكليني في الكافي، باب ما يجزئ من غسل الإحرام و ما لا يجزئ، ح 7؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 326، ح 16418.

ص: 609

ذلك من الغسل بذي الحليفة» . (1) وغير ذلك من الأخبار التي تدلّ ظاهرا على تحتّم الإحرام من ذي الحليفة . فأمّا صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال : «يحرم أهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة» . (2) وصحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال : «من الجحفة، ولا يجاوز الجحفة إلّا محرماً» . (3) وخبر معاوية بن عمّار: أنّه سأل الصادق عليه السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة ، فقال : «لا بأس» (4) ؛ وغيرها ممّا دلَّ على جواز التأخير إلى الجحفة فمحمولة على الضرورة كما أشرنا إليه؛ لصحيحة أبي بكر الحضرميّ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّي خرجت بأهلي ماشياً فلم أهلّ حتّى أتيت الجحفة، وقد كنت شاكياً، فجعل أهل المدينة يسألون عنّي، فيقولون: لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون ، وقد رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة» . (5) وخبر أبي بصير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : خِصالٌ عابها عليك أهل مكّة ، قال : «وما هي؟» قلت : قالوا: أحرم من الجحفة ورسول اللّه صلى الله عليه و آله أحرم من الشجرة ، فقال : «الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما وكنت عليلاً» . (6) ثمّ المشهور بين الأصحاب وفاقاً لجمهور العامّة أنّ ذا الحليفة كلّه ميقات، وهو الموضع الذي فيه الماء وبه مسجد الشجرة ، لكنّ الإحرام من المسجد أفضل، بل أحوط؛ للتأسّي .

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 309 _ 310، ح 2538؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 327، ح 16423.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55، ح 169؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14877.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 177؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 316 317، ح 14905.
4- .الفقيه، ج 2، ص 306، ح 2527؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 316، ح 14903.
5- .الكافي، باب من جاوز ميقات أرضه بغير إحرام أو دخل مكّة بغير إحرام، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 317، ح 14907.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 176؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 317، ح 14906.

ص: 610

قال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره: في حواشي شيخنا الشهيد : إنّ المشهور في الروايات أنّ الإحرام من الوادي المسمّى بذي الحليفة ، ثمّ قال : وجواز الموضع كلّه لا يكاد يدفع . (1) انتهى . وقيل : بل يتعيّن الإحرام من المسجد لتفسير ذي الحليفة به في حسنة الحلبيّ (2) ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط (3) ، والعلّامة في القواعد . (4) وهو بعيد ؛ للزوم الحرج في الأكثر، ولعموم أكثر الأخبار أو إطلاقها من الطريقين . والظاهر أنّ تفسيرها به في الحسنة من باب المسامحة؛ لاشتهار مسجد الشجرة، بل لا يبعد أن يقال بامتداد الميقات بل ذي الحليفة إلى مبدأ البيداء، لأنّه قد ثبت بالإجماع والأخبار عدم جواز الجواز بغير إحرام عن الميقات لمريد النسك، وثبت أيضاً كذلك أنّ عقد الإحرام إنّما يكون بالتلبية أو ما ينوب منابها. وقد دلّت أخبار كثيرة على جواز تأخير التلبية العاقدة للإحرام من غير بدل إلى البيداء، بل على رجحانه . وفي بعضها جواز ذلك للراكب بل أفضليّته، وهذا هو ظاهر الشيخ في الخلاف والمبسوط حيث قال في المبسوط بعدما ذكر أنّ الإحرام لا ينعقد إلّا بالتلبية أو سياق الهدي : وإذا أراد المحرم أن يلبّي، فإن كان حاجّاً على طريق المدينة فالأفضل أن يلبّي إذا أتى البيداء عند الميل إن كان راكباً ، وإن لبّى من موضعه كان جائزا ، والماشي يجوز له أن يلبّي من موضعه على كلّ حال، وإن كان على غير طريق المدينة لبّى من موضعه إن شاء، وإن مشى خطوات ثمّ لبّى كان أفضل . (5)

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .جامع المقاصد، ج 3، ص 158.
3- .المبسوط، ج 1، ص 312.
4- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 416.
5- .المبسوط، ج 1، ص 316. و مثله في النهاية، ص 214.

ص: 611

ومثله في الخلاف (1) ، وحكاه عن مالك (2) وعن أحد قولي الشافعي، وأنّه قال به في الاُمّ والإملاء . وعن قوله الآخر في القديم . (3) وعن أبي حنيفة : أنّ الأفضل الإحرام خلف الصلاة، نافلة كانت أو فريضة . (4) وأمّا الأخبار في ذلك فمنها : ما رواه المصنّف قدس سرهسابقاً في باب حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله في الحسن (5) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ إلى قوله : فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل، ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الذي عند الشجرة، فصلّى فيه الظهر ثمّ عزم على الحجّ مفردا وأخرج حتّى انتهى إلى البيداء عند الميل الأوّل، فصُفَّ له سماطان فلبّى بالحجّ» . (6) وفي الحسن والصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين حجّ حجّة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتّى أتى الشجرة، فصلّى بها، ثمّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء، فأحرم منها وأهلّ بالحجّ» (7) ، الخبر . ومنها : ما سيرويه في الحسن عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ وعبد الرحمن بن الحجّاج، وحمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ جميعاً، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ، ثمّ قم فامش حتّى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبّه» . (8)

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 289.
2- .المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 361؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 223؛ فتح العزيز، ج 7، ص 259.
3- .مختصر المزني، ص 65؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 214؛ فتح العزيز، ج 7، ص 259.
4- .المجموع للنووي، ج 7، ص 223؛ فتح العزيز، ج 7، ص 259.
5- .هو الحديث الرابع من ذلك الباب.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 254 255، ح 1588؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 213 214، ح 14647.
7- .الكافي، باب كيفيّة أنواع الحجّ و جملة من أحكامها، ح 14؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 222، ح 14657.
8- .الكافي، باب صلاة الإحرام، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 373، ح 16548.

ص: 612

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صلِّ المكتوبة، ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتّى تصعد إلى أوّل البيداء إلى أوّل ميل عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبِّ، ولا يضرّك ليلاً أحرمت أو نهارا ، ومسجد ذي الحليفة الذي كان خارجاً من السقائف عن صحن المسجد، ثمّ اليوم ليس شيء من السقائف منه» . (1) ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : «في مسجد الشجرة فقد صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد ترى ناساً يحرمون منه، فلا تفعل حتّى تنتهي إلى البيداء حيث الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريكَ لكَ لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك لا شريك لك، لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ» . (2) وفي الصحيح عن منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صلّيت عند الشجره فلا تلبّ حتّى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش» . (3) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن يلبِّ حتّى يأتي البيداء» . (4) وروى البخاري عن أنس، قال : صلّى النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة ونحن معه الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوت به البيداء حمد اللّه وسبّح وكبّر، ثمّ أهلَّ بحجّ وعمرة وأهلّ الناس بهما» (5) ، الخبر .

.


1- .الكافي، باب صلاة الإحرام، ح 14؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370 371، ح 16541 صدره، و ج 11، ص 315، ح 14901 ذيله.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 84 ، ح 277؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370، ح 16538.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 84 ، ح 278؛ الاستبصار، ج 2، ص 170، ح 560؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370، ح 16539.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 84 ، ح 279؛ الاستبصار، ج 2، ص 170، ح 561؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370، ح 16540.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 147.

ص: 613

وأنت خبير بأنّ هذه الأخبار لا تجامع ما ذكرناه من المقدّمتين بمجرّد القول بعدم وجوب مقارنة التلبية للإحرام كما زعمه بعض المعاصرين؛ لأنّ من قال بذلك لم يجوّز تأخيرها عن الميقات، بل لابدّ له من القول بامتداد الميقات إلى البيداء . وأمّا الأصحاب فقد حملوا تأخير التلبية في هذه الأخبار إليها على تأخير الجهر بها إليها إذا كان راكباً مع الإنصات بها بذي الحليفة لعقد الإحرام؛ محتجّين على ذلك بذكر الإحرام في مسجد الشجرة في حسنة معاوية، وهو إنّما يكون بالتلبية غالباً ، وبصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد، وإذا كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء» . (1) وهذا الجمع هو في غاية البُعد، بل ينادي أكثر ما ذكر من الأخبار بفساده، والاحتجاج عليه بما ذكروه غير تامّ ؛ فإنّ الصحيحة غير صريحة في مرامهم . والظاهر أنّ المراد بالإحرام في تلك الحسنة مقدّماته من الغسل والصلاة ولبس ثوبي الإحرام ونحوها ولو مجازا، وقد شاع إطلاقه عليها في الحديث ، ففي مرسل جميل، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه قال في رجل صلّى في مسجد الشجرة وعقد الإحرام وأهلّ بالحجّ، ثمّ مسّ الطيب واصطاد طيرا أو وقع على أهله ، قال : «ليس بشيء حتّى يلبّي» . (2) وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلبّ ، قال : «ليس عليه شيء» . (3) وفي صحيحه الآخر عنه عليه السلام أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام ثمّ خرج، فاُتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 85 ، ح 281؛ الاستبصار، ج 2، ص 170 171، ح 563؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 369، ح 16536.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 82 ، ح 273؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 335، ح 16444.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 82 ، ح 274؛ الاستبصار، ج 2، ص 188، ح 632؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 433، ح 16441.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 82 83 ، ح 275؛ الاستبصار، ج 2، ص 188، ح 633؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 433، ح 16442.

ص: 614

وقال الشيخ قدس سره في التهذيب : المعنى في هذه الأحاديث أنّ من اغتسل للإحرام وصلّى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً، وإنّما يكون عاقدا للحجّ والعمرة، وإنّما يدخل في أن يكون محرماً إذا لبّى . والذي يدلّ على هذا المعنى ما رواه موسى بن القاسم، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار وغير معاوية ممّن روى صفوان عنه هذه الأحاديث، وقال : هي عندنا مستفيضة عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامأنّهما قالا : «إذا صلّى الرجل ركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حجّ أو عمرة في مقامه ذلك، فإنّه إنّما فرض على نفسه الحجّ وعقد عقد الحجّ»، وقالا : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث صلّى في مسجد الشجرة صلّى وعقد الحجّ» ولم يقولا: صلّى وعقد الإحرام ، فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه بأس فيما أكل ممّا يحرم على المحرم؛ لأنّه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبّي، وقد صلّى، وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلبِّ . (1) واعلم أنّه قال العلّامة رحمه الله في المختلف : المشهور أنّه لا يجوز لأهل المدينة العدول عن الإحرام من ميقاتهم إلى ميقات أهل العراق ؛ قاله الشيخ وأتباعه، لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال : سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيّام يعني الإحرام من الشجرة، فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق، فيحرموا منها فقال : «لا وهو مغضب من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» . (2) والأقرب عندي أنّه إن خرج من المدينة حتّى وصل ميقاتها لم يجز له العدول منه بعد تجاوزه إلّا محرماً، وإن لم يصل ميقاتها جاز له العدول إلى أيّ ميقات شاء ، وكذا غير المدينة . (3) وقال الشيخ في المبسوط : «مَن خرج على طريق المدينة كره له أن يرجع إلى طريق العراق ليحرم من العقيق». (4) وأراد بذلك ما لم يصل إلى مسجد الشجرة .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 312.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 83 ، ذيل الحديث 275.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57 58، ح 179؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 318 319، ح 14911.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 44.

ص: 615

وثالثها: الجُحفَة. وهي على ما ذكر الشهيد الثاني قدس سره: «مدينة أجحف بها السيل، على ثلاث مراحل من مكّة» . (1) وفي القاموس : الجحفة بالضمّ: قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلاً من مكّة، وكانت تسمّى مهيَعَة، فنزل بها بنو عبيد (2) ، وهم إخوة عاد، وكان أخرجهم العماليق من يثرب ، فجاءهم سيل الجحاف فأجحفهم فسمّيت الجُحفة . (3) وفي المغرب: «جحفه واجتحفه وأجحفه وأجحف به: أهلكه واستأصله ، ومنه الجحفة لميقات أهل الشام؛ لأنّ سيلاً فيما يقال أجحف (4) أهلها». (5) وهو ميقات لأهل الشام إن جاؤوا من غير طريق المدينة، ولأهل المدينة اضطرارا كما عرفت . ورابعها : يلملم . ويقال : ألمَلم ، وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكّة (6) ، وهو ميقات أهل اليمن ومَن والاهم . وخامسها : قرن المنازل . قال طاب ثراه : الراء فيه ساكنة وفتحها بعضهم ، وهو خطأ . وأصل القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الكبير ، وقيل : من سكّن الراء أراد الجبل المشرف على الموضع ، ومن فتحها أراد الطريق التي يفترق منه ، فإنّه موضع فيه طرق مختلفة . وغلط الجوهري في أنّه مفتوح الراء كما غلط في قوله : إنّ اُويساً القرني منه (7) ، وإنّما هو منسوب إلى قرن بفتح الراء بطن من مراد القبيلة المعروفة . (8)

.


1- .شرح اللمعة، ج 2، ص 224.
2- .كذا بالأصل، و في المصدر: «بنو عبيد». و في معجم البلدان، ج 2، ص 111: «قال الكلبي: إنّ العمالق أخرجوا بني عقيل و هم إخوة عاد فَنزلوا الجحفة...».
3- .القاموس المحيط، ج 3، ص 121 122 (جحف).
4- .في المصدر المطبوع: «اجتحف».
5- .المغرب، ص 49 (جحف).
6- .معجم البلدان، ج 1، ص 246 (ألملم)، و ج 5، ص 441 (يلملم).
7- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2181 (قرن).
8- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 81 .

ص: 616

وفي النهاية : «وكثير ممّن لا يعرف يفتح راءه، وإنّما هو بالسكون» . (1) وفي العزيز : السماع المعتمد فيه عن المتقنين التسكين ، ورأيته منقولاً عن أبي عبيد وغيره . ورواه صاحب الصحاح بالتحريك ، وادّعى أنّ اُويساً منسوب إليه» . (2) ومثلهما في شرح اللمعة أيضاً ، وهو ميقات للطائف وما والاه . (3) وقال المازري : هو أقرب المواقيت إلى مكّة (4) ، وهذه المواقيت الخمسة مستفادة ممّا ذكر من الأخبار . وسادسها : دُوَيرةُ الأهل . وهو ميقات من كان منزله خلف المواقيت المزبورة . ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار (5) وصحيحته التي رواها الشيخ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن كان منزله دون الوقت إلى مكّة فليحرم من منزله» . (6) وقال في حديث آخر : «إذا كان منزله دون الميقات إلى مكّة فليحرم من دويرة أهله» . (7) وعن مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله» . (8) وعن عبداللّه بن مسكان ، قال : حدّثني أبو سعيد ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عمّن كان منزله دون الجحفة إلى مكّة ، قال : «يحرم منه» . (9) وعن رباح بن أبي نصر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : يروون أنّ عليّاً عليه السلام قال : إنّ من تمام حجّك إحرامك من دويرة أهلك ، فقال : «سبحان اللّه ! فلو كان كما يقولون لم

.


1- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 81 .
3- .النهاية، ج 4، ص 54 (قرن).
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 82 .
5- .شرح اللمعة، ج 2، ص 225.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 183؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 333 334، ح 14946.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 184؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14947.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 185؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14948.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 186؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14949.

ص: 617

يتمتّع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بثيابه إلى الشجرة ، وإنّما معنى دويرة أهله من كان أهله وراء الميقات إلى مكّة» . (1) وظاهر الأخبار اعتبار القرب من مكّة ، وأطلقه جماعة من الأصحاب ، وصرّح بعضهم باعتباره من عرفات محتجّين بأنّ الفرض في الحجّ بعد الإحرام إنّما يتعلّق بعرفات ، وكان هؤلاء إنّما قالوا بذلك في إحرام الحجّ ، وفي العمرة اعتبروه من مكّة . (2) وهذه المواقيت الستّة مواقيت لعمرة التمتّع اختيارا ، والمفردة الصادرة عن الآفاقي ، ولحجّ الإفراد والقران . وأمّا العمرة المفردة للمكّي فميقاته أدنى الحلّ إلّا أن يخرج عنها ، ثمّ عاد بحيث يمرّ في العود على أحد المواقيت المذكورة ، فلا يجوز له المرور عنها بغير إحرام إلّا ما استثني . وأمّا حجّ التمتّع فميقاته مكّة . وسابعها : أدنى الحلّ. وهو ميقات للعمرة المفردة لمن كان بمكّة ، والأفضل منها الجعرانة (3) والتنعيم والحديبيّة . ويدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة أو ما أشبههما» . (4) ورواية سماعة ، قال : «المجاور بمكّة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ ، فإنّ أشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، من دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ ثمّ أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة ، فيحرم منها ، ثمّ يأتي مكّة ، ولا يقطع التلبية حتّى

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 187؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14950.
2- .اُنظر: شرح اللمعة، ج 2، ص 210 211.
3- .قال في معجم البلدان: «الجعرانه بكسر أوّله إجماعا، ثمّ إنّ أصحاب الحديث يكسرون عينه و يشدّدون راءه، و أهل الاتقان و الأدب يخطئونهم و يسكنون العين و يخفّفون الراء».
4- .الفقيه، ج 2، ص 454، ح 2952؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 588؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 95 96، ح 315؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 341، ح 14967.

ص: 618

ينظر إلى البيت ، ثمّ يطوف بالبيت ويصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثمّ يخرج إلى الصفا والمروة ، فيطوف بينهما ، ثمّ يقصّر ويحلّ ، ثمّ يعقد التلبية يوم التروية» . (1) وما سبق من الطريقين من خروج عائشة بأمره صلى الله عليه و آله إلى التنعيم لإحرام العمرة . (2) وثامنها : مكّة . وهو ميقات لحجّ التمتّع اختيارا، فلو أحرم من غيرها لم يجزه، وكان عليه العود إليها ، وإن شاء أحرم منها . وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ولا نعرف فيه خلافاً إلّا في رواية عن أحمد أنّه يخرج إلى الميقات ، فيحرم منه للحجّ. (3) ولو خرج بعد عمرة التمتّع عنها لضرورة متجاوزا عن الميقات يدخل بغير إحرام إن كان رجوعه قبل مضيّ شهر إحرامه السابق ، ويحرم من الميقات إن كان رجوعه بعد ذلك الشهر بقصد عمرة التمتّع ، وتصير عمرته الاُولى مفردة ، وعلى التقديرين يحرم لحجّه من مكّة . وتدلّ عليه أخبار تأتي في موضعها إن شاء اللّه تعالى . وتاسعها : محاذاة أحد المواقيت الخمسة. المذكورة أوّلاً على ما ذكره الشيخ قدس سرهفي المبسوط ؛ قال : «مَن قطع الطريق بين الميقاتين أو على طريق البحر نظر إلى ما يغلب في ظنّه أنّه يحاذي أقرب المواقيت إليه فيحرم منه» . (4) وتبعه على ذلك جماعة منهم ابن إدريس . (5) وعن ابن الجنيد أنّه قال : «مَن سلك طريق البحر أو أخذ طريقاً لا يمرّ فيه على هذه المواقيت كان إحرامه من مكّة بقدر أقرب المواقيت إليها [فيحرم] منه» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ح 190. و رواه الكليني في باب حجّ المجاورين، ح 10؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 264، ح 14751.
2- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 218، ح 14648.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 667. و كلام أحمد منقول في المغني لابن قدامة، ج 3، ص 379؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 319.
4- .المبسوط، ج 1، ص 313.
5- .السرائر، ج 1، ص 529.
6- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 43.

ص: 619

وفي العزيز : إذا سلك البحر أو طريقاً في البرّ لا ينتهي إلى واحد من المواقيت المعيّنة فميقاته الموضع الذي يحاذي الميقات المعيّن ، فإن اشتبه عليه فليتأخّر ، وطريق الاحتياط لا يخفى . (1) وبالجملة ، هذه المسألة ممّا اشتهر بين الخاصّة والعامّة ، والأصل فيها من طريق الأصحاب صحيحة عبد اللّه بن سنان ، (2) ومن طريق العامّة ما نقلوه عن عمر لمّا قالوا له وقّت لأهل المشرق ، قال : ما حيال طريقهم؟ قالوا : قرن [ المنازل]، قال : قيسوا عليه ، فقال قوم بطن العقيق ، وقال قوم ذات عرق ، فوقّت عمر ذات عرق . (3) وأنت خبير بأنّ الصحيحة المذكورة مع معارضتها بما رواه المصنّف في طريق آخر وإن كانت ظاهرة في اعتبار المحاذاة على ما رواه الصدوق رضى الله عنه حيث ذكر أنّه عليه السلام قال : «مَن أقام بالمدينة شهرا أو نحوه ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها». (4) لكن على ما رواه المصنّف قدس سرهليست ظاهرة فيه ؛ لتخصيصه عليه السلام محاذاة الشجرة بالبيداء ، فلعلّ ذلك مبنيّ على كون البيداء أيضاً من الميقات كما سبق . وكذا على ما رواه الشيخ في التهذيب ، فإنّه روى أنّه عليه السلام قال : «مَن أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحجّ ثمّ بدا له أن يخرج في طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسير ستّة أميال» (5) على ما في النسخ التي رأيناها منه ، لكن الظاهر سقوط كلمة «غير» في قوله : «في طريق أهل المدينة» من قلم النسّاخ ، فينطبق على ما رويناه عن الصدوق رضى الله عنه . وأمّا الخبر العامّي فمعارض بأخبار متكثّرة من طريقهم أيضاً دلّت على أنّ ذات

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 86 .
2- .هي الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.
3- .أورده العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 204؛ و الحديث في صحيح البخاري، ج 2، ص 143.
4- .الفقيه، ج 2، ص 307، ح 2532؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 317 318، ح 14908.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 178.

ص: 620

عرق وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد سبقت ، ولو سلّم ذلك في محاذاة مسجد الشجرة فحمل غيره عليه قياس بحت . (1) على أنّه قد ثبت من الطريقين أنّه صلى الله عليه و آله أحرم للعمرة بالجعرانة حين رجع من حنين، فقد جاوز محاذاة ميقات أهل الطائف بغير إحرام ؛ روى الصدوق رضى الله عنهأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اعتمر ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة : عمرة أهلَّ فيها من عسفان وهي عمرة الحديبيّة ، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجعرانة وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين . (2) وروى البخاريّ بإسناده عن قتادة ، قال : سألت أنساً : كم اعتمر النبيّ صلى الله عليه و آله قال : أربعاً : عمرة الحديبيّة في ذي القعدة حيث صدّه المشركون ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم ، وعمرة الجعرانة إذ قسّم غنيمة حنين» ، قلت : كم حجّ؟ قال : «واحدة» . (3) وعن همّام، قال : اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلّا التي اعتمر مع حجّته عمرته من الحديبيّة ، ومن العام المقبل ، ومن الجعرانة حيث قسّم غنائم حنين ، وعمرة مع حجّته . (4) وقد سبق هذان الخبران مع غيرهما ، وكأنّه لذلك ذهب بعض الأصحاب إلى وجوب الإحرام على مَن لا يمرّ بأحد المواقيت من أدنى الحلّ على ما نقل عنهم جدّي قدس سره في شرح الفقيه . (5) هذا ، وقال ابن إدريس : «ميقات أهل مصر ومن صعد من البحر جدّة» . (6) ولم أرَ شاهدا له ، وكأنّه بناه على المحاذاة ، وربّما عدّ فخّ من المواقيت؛ معلّلاً بكونه ميقاتاً للصبيان ، وقد سبق القول فيه .

.


1- .السرائر، ج 1، ص 529.
2- .في هامش الأصل: «و جعلُه من باب منصوص العلّة كما قيل بعيد، على أنّ حجّيّته أيضا ممنوعة؛ لاحتمال كون ما يتوهّم علّة للحكم علّة في تلك... المخصوصة، فيكون جزء من العلّة لا علّة تامّة، فتأمّل، منه عفي عنه».
3- .الفقيه، ج 2، ص 450 451، ح 2943.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 199.
5- .نفس المصدر.
6- .روضة المتّقين، ج 4، ص 295 296.

ص: 621

باب مَن أحرم دون الوقت

قوله في صحيحة أبي أيّوب : (وهي عندنا مكتوبة مهيَعَة) إلخ [ح 3 / 7122]؛ يعني أنّ الجحفة في كتاب عليّ عليه السلام تدعى مهيعة ، ومكتوبة فيه بهذا الاسم ، وهو مطابق لنقل أهل اللغة كما حكيناه آنفاً ، و«أنجدت» من قولهم : أنجد فلان : أتى نجدا، و تأنيث الفعل لجمعية كلمة ما معنىً .

باب مَن أحرم دون الوقتإطلاق أكثر أخبار الباب يقتضي عدم جواز تقديم الإحرام على الميقات مطلقاً ، ومثلها ما رواه ميسر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل أحرم من العقيق وآخر من الكوفة ، أيّهما أفضل؟ قال : «يا ميسر، تصلّي العصر أربعاً أفضل أو تصلّيها ستّاً؟» قال : اُصلّيها أربعاً ، قال : «فكذلك سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أفضل من غيرها» . (1) ويؤيّدها ما رواه في المنتهى عن العامّة : أنّ عمران بن حصين أحرم من مصره ، فبلغ ذلك عمر فغضب ، وقال : يتسامع الناس أنّ رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحرم من مصره . (2) وعن عبداللّه بن عامر : أنّه أحرم من خراسان ، فلمّا قدم على عثمان لامَهُ فيما صنع وكرّهه له . وقال : رواهما سعيد والأثرم (3) ، وهو ظاهر شيخنا المفيد (4) والسيّد المرتضى حيث حكما بعدم جوازه من غير استثناء . واحتجّ عليه في الانتصار بالإجماع ، وبأنّ معنى الميقات في الشريعة هو الذي يتعيّن الإحرام منه ، فلا يجوز تقديمه عليه مثل مواقيت الصلاة ، وبالاحتياط ؛ لأنّه إذا أحرم منه انعقد إجماعاً ، بخلاف ما إذا أحرم قبله . (5)

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 306، ح 2529؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 52، ح 156؛ الاستبصار، ج 2، ص 161 162، ح 528؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 324، ح 14924.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 668؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 216؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 222؛ المحلّى، ج 7، ص 77.
3- .المصادر المتقدّمة.
4- .المقنعة، ص 394.
5- .الانتصار، ص 234 235، المسألة 121.

ص: 622

وصرّح ابن إدريس في السرائر بالتعميم فقال : والأظهر الذي تقتضيه الأدلّه واُصول المذهب أنّ الإحرام لا ينعقد إلّا من المواقيت، سواء كان منذورا أو غيره ، ولا يصحّ النذر بذلك أيضاً ؛ لأنّه خلاف المشروع ، ولو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا . وحكاه فيه عن ابن أبي عقيل وعن الشيخ في الخلاف أيضاً مستندا بأنّه قال في بحث إفساد الحجّ منه : مَن أفسد الحجّ وأراد أن يقضي أحرم من الميقات . دليلنا : أنّا قد بيّنا أنّ الإحرام قبل الميقات لا ينعقد ، وهو إجماع الفرقة وأخبارهم عامّه في ذلك ، فلا يتقدّر على مذهبنا هذه المسألة . (1) وهي تتقدّر عند من قال : يصحّ الإحرام قبل الميقات وينعقد إذا كان منذورا . (2) وليس قوله : وهي تتقدّر ، إلى آخره في الخلاف الذي عندي ، وإنّما هو من كلام ابن إدريس تتميماً لكلام الشيخ على ما فهمه ، وما ، تقدّمه ليس صريحاً فيما نسبه إليه، وكأنّه غفل عمّا سنحكيه عنه ممّا هو صريح في خلافه . واستثنى الأكثر موضعين : أحدهما: من يخاف تقضّي رجب قبل الميقات فجوّزوا له الإحرام قبله حينئذٍ؛ لإدراك فضيلة عمرة رجب التي هي قرينة الحجّ . وقد نسبه في المنتهى (3) إلى علمائنا ، وهو يشعر بتحقّق الإجماع منّا عليه . ويدلّ عليه حسن معاوية (4) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح (5) وموثّق إسحاق بن عمّار . (6)

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 373 374، المسألة 217.
2- .السرائر، ج 1، ص 527.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 669.
4- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53، ح 161؛ الاستبصار، ج 2، ص 163، ح 533؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 325 326، ح 14926.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53، ح 160؛ الاستبصار، ج 2، ص 162 163، ح 532؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 326، ح 14927.

ص: 623

وثانيهما: من نذر أن يحرم قبله فقالوا بوجوب الإحرام من موضع النذر . واحتجّ عليه الشيخ بصحيح الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة ، قال : «فليحرم من الكوفة وليفِ للّه بما قال» . (1) وخبر صفوان، عن عليّ بن أبي حمزة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه عليه السلام أسأله عن رجل جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة ، قال : «يحرم من الكوفة» . (2) وخبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم ، عن سماعة ، عن أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لو أنّ عبدا أنعم اللّه عليه نعمة فعافاه من تلك البليّة فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتمّ» . (3) وصرّح في الخلاف والمبسوط باستثناء الثاني ، ونسب استثناء الأوّل في الثاني إلى الرواية ، وسكت عنه رأساً في الأوّل ، وظاهره عدم استثنائه حيث نفى فيه جواز التقديم ، ثمّ استثنى صورة النذر فقط فقال في بحث المواقيت : «لايجوز الإحرام قبل الميقات ، فإن أحرم لم ينعقد إحرامه إلّا أن يكون نذر ذلك» . (4) وقد خالفنا في المسألة أهل الخلاف أجمع ، واتّفقوا على جواز الإحرام قبله، وانعقاد ذلك الإحرام مطلقاً ، واختلفوا في الأفضل ، ففي العزيز : الإحرام من الميقات أفضل أو ممّا فوقه . روى المزني في الجامع الكبير أنّه من الميقات أفضل ، وبه قال مالك وأحمد . وقال في الإملاء : الأحبّ أن يحرم من دويرة أهله ، وبه قال أبو حنيفة . واحتجّ على الأوّل بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يحرم إلّا من الميقات ، ومعلوم أنّه يحافظ على ما

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53، ح 162؛ الاستبصار، ج 2، ص 163، ح 534؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 326 327، ح 14928.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53 54، ح 163؛ الاستبصار، ج 2، ص 163، ح 535؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 327، ح 14929.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 54، ح 164؛ الاستبصار، ج 2، ص 163 164، ح 536؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 327، ح 14930.
4- .الخلاف، ج 2، ص 286، المسألة 62؛ المبسوط، ج 1، ص 311.

ص: 624

هو الأفضل ؛ ولأنّ في الإحرام فوق الميقات تعزيزا بالعبادة لما في مصابرته والمحافظة على واجباته من العسر . وعلى الثاني بأن عليّاً وعمر فسّرا الإتمام في قوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (1) بذلك ، وروى أنّه صلى الله عليه و آله قال : «مَن أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحجّة أو عمرة غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر». (2) ثمّ قال : «ويخرج من فحوى كلام الأئمّة حمل الأوّل على ما إذا لم يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام ، وتنزيل الثاني على ما إذا أمن عليها» . (3) وربّما احتجّوا أيضاً على الثاني بما يروونه عن اُمّ سلمة رضي اللّه عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «مَن أحرم من بيت المقدس غفر اللّه له ذنبه» . (4) وما روي في خبر آخر : «مَن أهلَّ بعمرة أو حجّة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وجبت له الجنّة» . (5) والجواب عن الأوّل : أنّ تفسير الإتمام بالإحرام من دويرة الأهل إنّما كان لمن يكون منزله دون الميقات ، كما يدلّ عليه خبر رباح (6) ، ويؤيّده صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من تمام الحجّ [والعمرة] أن يحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (7)

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .سنن أبي داود، ج 1، ص 392، ح 1741؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 30؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 248، ح 2685؛ كنز العمّال، ج 5، ص 12، ح 11830.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 93 95.
4- .مسند أحمد، ج 4، ص 299؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 999، ح 3001؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 195، الباب 3 من كتاب الحجّ، ح 23؛ مسند أبي يعلى، ج 12، ص 327، ح 6900؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 249، ح 2687. و في بعضها: «غفرله ما تقدّم من ذنبه».
5- .الانتصار، ص 235؛ سبل السلام، ج 2، ص 190.
6- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
7- .الكافي، باب مواقيت الإحرام، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 54، ح 166؛ و ص 283، ح 964؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 307 308، ح 14874.

ص: 625

باب مَن جاوز ميقات أرضه بغير إحرام أو دخل مكّة بغير إحرام

وعن باقي الأخبار على تقدير صحّتها : أنّها تقبل الحمل على عزم الإحرام وقصده من المسجد الأقصى ونحوه ، كما حملها عليه السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار . (1)

باب مَن جاوز ميقات أرضه (2) بغير إحرام أو دخل مكّة بغير إحرامأجمع أهل العلم على عدم جواز تأخير الإحرام من الميقات للناسك من غير علّة وعذر ؛ لاقتضاء توقيت المواقيت ذلك ، ولما في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام (3) ، ولما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ولا يجاوز الجحفة إلّا محرماً» . (4) وفي الحسن عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا ينبغي لحاجّ ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها» ، الحديث ، وقد تقدّما . (5) فلو جاوزهُ عمدا كذلك وجب عليه الرجوع مع الإمكان ، ومع التعذّر بطل نسكه، صرّح به الشيخ في المبسوط (6) ، ويظهر من المنتهى وفاق الأصحاب عليه . واحتجّ عليه فيه بأنّه ترك الإحرام من موضعه عامدا متمكِّناً ، فبطل حجّه كما لو ترك الوقوف بعرفة ، وحكاه عن سعيد بن جبير (7) ، وعن الجمهور أنّه يحرم من موضعه ويجبر النقص بدم؛ محتجّين بما نقلوه عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من ترك نسكاً فعليه دم» . (8)

.


1- .الانتصار، ص 236.
2- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر، و في الأصل: «أهله» بدل «أرضه».
3- .هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 177؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 316 317، ح 14905.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55، ح 167؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 308، ح 14875.
6- .المبسوط، ج 1، ص 312.
7- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 217 و 222؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 208.
8- .فتح العزيز، ج 7، ص 90؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 217 و 390؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 221 و 390؛ تلخيص الحبير، ج 7، ص 90.

ص: 626

وأجاب عنه بأنّ العموم إنّما يثبت لو قلنا بصحّة الحجّ ، ونحن نمنعه . (1) وإن جاوزه ناسياً أو جاهلاً أو غير مريد للنسك ولا لدخول مكّة ثمّ أراده وجب عليه العود مع الإمكان ، ومع التعذّر فإلى خارج الحرم ، ثمّ من موضعه ، وصحّ نسكه . وانعقد على الأوّلين إجماع أهل العلم ، وعلى الأخير إجماع الأصحاب ، وفاقاً لأحمد في إحدى الروايتين عنه . (2) ويدلّ عليه بعض أخبار الباب . وعن مالك والشافعي وأبي يوسف وجماعة من العامّة أنّه لا يجب عليه العود ، بل يحرم من موضعه، محتجّين بأنّه قد ذهب إلى دون الميقات على وجه مباح ، فكان له الإحرام منه كأهل ذلك المكان . (3) ودفعه واضح . وحيث يحرم من موضعه لا يجب عليه دم للجبران ؛ لعدم دليل عليه ، وأصالة البراءة . وأوجبه الشافعي (4) محتجّاً بما مرّ عن ابن عبّاس ، وهو ضعيف السند . وأمّا مع العذر فقد قال الشيخ في المبسوط : «ومتى منع مانع من الإحرام عند الميقات ، جاز له أن يؤخّره عن الميقات فإذا زال المنع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه» . (5) وفي التهذيب : «ولا بأس للمضطرّ الخائف على نفسه أن يؤخرّ الإحرام من الميقات إلى أن يدخل الحرم» . واحتجّ عليه بما رواه أبو شعيب المحامليّ، عن بعض أصحابنا، عن أحدهم عليهم السلام قال : «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم» . (6)

.


1- .منتهى المطلب، ج 3، ص 670. و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 198 199.
2- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 218؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 204.
3- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 217 218؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ص 218؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 204.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 89 90؛ المغني، ج 3، ص 217؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 221.
5- .المبسوط، ج 1، ص 311.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 58، ح 182؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 333، ح 14945.

ص: 627

ويدلّ عليه أيضاً صحيحة صفوان بن يحيى (1) ، ويؤيّدهما صحيحة أبي بكر الحضرميّ (2) هو عبداللّه بن محمّد ، وهو ممدوح (3) وخبر رفاعة . (4) وقال ابن إدريس : مقصود الشيخ تأخير كيفيّة الإحرام الظاهرة من نزع الثياب وكشف الرأس والارتداء والتوشّح والاتّزار ، فأمّا النيّة والتلبية مع القدرة عليهما، فلايجوز له ذلك ؛ إذ لا مانع منه . (5) وفي المنتهى : وكلام ابن إدريس جيّد ، ويحمل قول الشيخ والرواية عليه ؛ إذ لا منافاة بينهما . انتهى . (6) وما ذكر إنّما يتمّ لو لم يكن المانع زوال العقل ، فأمّا معه فالأولى والأظهر والأحوط أن يحرم عنه من معه ويجنّبه ما يجتنبه المحرم ، وإليه أشار الشيخ والعلّامة ؛ ففي المبسوط بعدما ذكر بفصل : «ومن جاء إلى الميقات ولم يتمكّن من الإحرام لمرض أو غيره أحرم عنه وليّه وجنّبه ما يجتنبه المحرم وقد تمّ إحرامه» . (7) ومثله في التهذيب (8) والقواعد . (9) واحتجّ عليه في التهذيب بمرسلة جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهماالسلام ، في مريض اُغمي عليه ، فلم يعقل حتّى أتى الموقف ، فقال : «يحرم عنه رجل» . (10)

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب.
3- .اُنظر: رجال الكشّي، ج 2، ص 715، الرقم، 788؛ خلاصة الأقوال، ص 200، الرقم 36؛ رجال ابن داود، ص 123، الرقم 899 .
4- .هي الحديث الرابع من هذا الباب.
5- .السرائر، ج 1، ص 527.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 671.
7- .المبسوط، ج 1، ص 313؛ و مثله في النهاية، ص 211.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ذيل الحديث 190.
9- .القواعد، ج 1، ص 417؛ و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 216، المسألة 164.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ح 191. و هذا الحديث هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 338، ح 14959.

ص: 628

وظاهرهما وجوب ذلك وإجزاء ذلك عن حجّة الإسلام ولو لم يعد عقله قبل الوقوف ، وهو ظاهر إطلاق الخبر من غير معارض صريح . وقال العلّامة في المنتهى : لو زال عقله بإغماء وشبهه سقط عنه الحجّ ، فلو أحرم عنه رجل جاز . واحتجّ عليه بهذه المرسلة : ثمّ قال : ولو عاد عقله قبل الوقوف صحّ ذلك الإحرام وأجزأه الحجّ ، ولو كان بعد الموقفين لم يجزه . (1) هذا ، وتدلّ مرسلة جميل بن درّاج (2) على أنّ مَن نسي الإحرام أو جهله حتّى فرغ من المناسك كلّها فقد تمّ حجّه ولا شيء عليه . ومثلها صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكر وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول : «اللّهمَّ على كتابك وسنّة نبيّك صلى الله عليه و آله فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتّى يرجع إلى بلده ، إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» . (3) وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل كان متمتّعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتّى يرجع إلى بلده ، ما حاله؟ قال : «إذا قضى المناسك كلّها فقد تمَّ حجّه» . (4) ويؤيّدهما ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «رفع عن اُمّتي السهو والخطأ والنسيان» . (5) وما يدلّ على العفو عنهما في أكثر مسائل الحجّ ، وكلام الأكثر خال عن حكم الجهل . نعم نسبه الشهيد قدس سره في الدروس إلى اقتضاء رواية جميل إيّاه . (6)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 671.
2- .هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 175، ح 586؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 330 331، ح 14938.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 476، ح 1678؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 338، ح 14960.
5- .اُنظر: الفقيه، ج 1، ص 59، ح 132؛ التوحيد للصدوق، ص 353، ح 24؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 293، ح 9380.
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 350، الدرس 91، و مرسلة جميل هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.

ص: 629

واختلفوا في النسيان فصرّح الشيخ قدس سره في التهذيب (1) بالصحّة ، ومال إليه العلّامة رحمه اللهفي القواعد حيث قال : «وناسي الإحرام إذا أكمل المناسك يجزيه على رأي» . (2) وعدّه في الإيضاح أقوى (3) ، وهو محكي عن ابن حمزة . (4) وهؤلاء أطلقوا ناسي الإحرام من غير تقييد بالعزم عليه ، فظاهرهم ترك النيّة أو التلبية أو معا، فإنّ الإحرام هو مجموع الأمرين ، والكلّ ينتفي بكلّ منها . وبه قال في المبسوط والنهاية أيضاً ، إلّا أنّه قيّده بالعازم عليه فقال فيهما : فإن لم يذكر يعني الإحرام أصلاً ، حتّى يفرغ من جميع مناسكه فقد تَمَّ حجُّهُ أو عمرته ، ولاشيء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام . (5) فيكون المنسي هو التلبيه فقط ، و هو مقتضي خبر جميل ، وإليه ميل الشهيد في الدروس. (6) وبه صرّح المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد فقال : والحقّ أنّه إن كان المنسي النيّة لم يجزئ، وإن كان المنسي التلبيات أجزأ ، والأخبار لا تدلّ على أكثر من ذلك . (7) انتهى . ولا يبعد حمل كلام الأوّلين أيضاً عليه ، ويؤيّده ما اشتهر بين الأصحاب بل ادّعي عليه الإجماع من بطلان الإحرام بترك نيّته عمدا وسهوا ، وبذلك يرفع التنافي بين الحكمين . وقال المحقّق الشيخ عليّ في شرح قول العلّامة في بحث نيّة الإحرام : «ويبطل الإحرام بتركها عمدا وسهوا» : (8) قد يقال : ما سبق من أنّ ناسي الإحرام حتّى أتى بالمناسك يجزيه ما فعل ينافي ما ذكره

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ذيل الحديث 191.
2- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 417.
3- .إيضاح الفوائد، ج 1، ص 284.
4- .الوسيلة، ص 177.
5- .المبسوط، ج 1، ص 314؛ النهاية، ص 211.
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 350، الدرس 91.
7- .جامع المقاصد، ج 3، ص 162.
8- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 418.

ص: 630

باب ما يجب لعقد الإحرام

هنا من بطلان الإحرام بنسيان النيّة . ويمكن الجواب بأنّ بطلان الإحرام لا يخلّ بصحّة المناسك إذا أتى بها الناسي ، فلا منافاة . (1) انتهى ، فتأمّل . وأمّا التجرّد ولبس ثوبي الإحرام فنسيانهما أو جهل حكمهما لا يوجب بطلان الحجّ ولا فساد الإحرام إجماعاً ، وإن قيل : إنّهما أيضاً جزآن من الإحرام كما يظهر ممّا سنحكيه عن ابن الجنيد .

باب ما يجب لعقد الإحرامأراد قدس سره بالوجوب هنا المعنى اللغوي ، ويعني بالموصول الآداب المستحبّة قبل الإحرام من مقدّماته من نتف الإبط والتنوير وتقليم الأظفار وأخذ الشارب والغسل والصلاة . وحكى في الدروس عن ابن أبي عقيل القول بوجوب الغسل قبله . (2) وعن ابن الجنيد أنّه قال : «لا ينعقد الإحرام بدون الغسل والتجرّد والصلاة» . (3) وكأنّه تمسّك بمكاتبة الحسن بن سعيد . (4) وقال العلّامة رحمه الله في المنتهى : لا نعرف خلافاً في استحباب هذا الغسل . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال ، وأنّه غير واجب ؛ لأنّه غسل لأمر مستقبل فلا يكون واجباً كغسل الجمعة والعيدين . (5)

.


1- .جامع المقاصد، ج 3، ص 165.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 343، الدرس 90. و حكاه أيضا في الذكرى، ج 1، ص 204؛ حكاه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 50.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 343، الدرس 90.
4- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 672. و كلام ابن المنذر حكاه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 225؛ و النووي في المجموع للنووي، ج 7، ص 212.

ص: 631

ولا يشترط في صحّة هذا الغسل الخلوّ من الحيض والنفاس إجماعاً . ويدلّ عليه من طريق الأصحاب بعض ما رواه المصنّف في الباب وغيره ممّا مرّ في باب الأغسال وفي بعض الأبواب السالفة . ومن طريق العامّة ما نقلوه عن خارجة بن زيد بن ثابت ، [عن أبيه]: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تجرّد لإهلاله واغتسل (1) ، وأمر أسماء بنت عُميس وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام (2) ، وأمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحجّ وهي حائض . (3) وعن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «النفساء والحائض إذا أتتا على المواقيت تغتسلان وتحرمان ، وتقضيان المناسك كلّها غير الطواف بالبيت» . (4) ولو أحرم من غير غسل أو صلاة يستحبّ إعادة الإحرام بعده عند أكثر الأصحاب؛ لمكاتبة الحسن بن سعيد (5) ، ورواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد بن حمّاد الأهوازيّ، عن أخيه الحسن (6) ، واحتجّ عليه أيضاً في المنتهى بأنّه مقدّمة مندوبة ، فاستحبّ إعادة الفعل مع الإخلال به كالأذان . (7) وقال في المختلف : «ولا استبعاد في استحباب إعادة الفرض لأجل النفل ، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلّي فيها بغير أذان ولا إقامة ، فإنّه يستحبّ له إعادتها» . (8) وردّ بذلك ما أورده ابن إدريس على الشيخ قدس سرهبقوله : إن أراد أنّه نوى الإحرام وأحرم ولبّى من دون صلاة وغسل فقد انعقد إحرامه ، فأيّ

.


1- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
2- .سنن الترمذي، ج 2، ص 163، ح 831 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 32_33، باب الغسل للإهلال؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 161، باب إستحباب الاغتسال للإحرام.
3- .صحيح مسلم، ج 4، ص 27، باب إحرام النفساء و إستحباب اغتسالها للإحرام و كذا الحائض؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 225.
4- .المغني و الشرح الكبير، ج 3، ص 225.
5- .سنن أبي داود، ج 1، ص 392، ح 1744.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 78_ 79، ح 260؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 347، ح 16479.
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 673.
8- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 50.

ص: 632

إعادة تكون عليه؟ وكيف يتقدّر ذلك؟ وإن أراد أنّه أحرم بالكيفيّة الظاهرة من دون النيّة والتلبية فيصحّ ذلك ويكون لقوله وجه . (1) واعلم أنّ الظاهر اختصاص الحكم بما لو ترك الغسل أوالصلاة عالماً عامدا أو جاهلاً ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ ، ولما ثبت من انتفاء حكم النسيان في هذه الاُمّة ، وقد أطلقه الشيخ ، والظاهر إرادته ما ذكرناه فقد قال في النهاية : «مَن أحرم من غير صلاة وغير غسل كان عليه إعادة الإحرام بصلاة وغسل» . (2) وفي المبسوط : «كان إحرامه منعقدا ، غير أنّه يستحبّ له إعادة الإحرام» . (3) والعجب من الشهيد والعلّامة حيث قيّداه في الدروس (4) والقواعد (5) بالناسي . ثمّ الظاهر أنّ المعتبر هو الإحرام الأوّل بناءً على صحّته ، كما عرفت من عدم اشتراط الإحرام بهما . وبه جزم في الدروس ، فيكون هذه الإعادة نظيرا لإعادة المنفرد صلاته للجماعة ، وظاهر ما نقلناه عن المختلف أنّه الثاني ، حيث جعله نظيرا لإعادة الصلاة إذا دخل فيها المصلّي بغير أذان وإقامة . وقال في القواعد : وأيّهما المعتبر؟ إشكال . 6 ولا وجه له . نعم ، هو متوجّه على قول ابن الجنيد . وعلى أيّ حال فلا خلاف في وجوب الكفّارة بالمحرّم المتخلّل بينهما ، وقد جزم به في القواعد . 7 فإن قلت : فأيّ فائدة في الخلاف المذكور؟ قلنا : قال فخر المحقّقين: «تظهر الفائدة في ابتداء احتساب الشهر إذا خرج من مكّة ،

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 343، الدرس 90.
2- .السرائر، ج 1، ص 532.
3- .النهاية، ص 213.
4- .المبسوط، ج 1، ص 315.
5- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 418.

ص: 633

باب ما يجزي من غسل الإحرام وما لا يجزي

وقلنا : إنّ مبدأه من حين الإحرام ، وفي الاستيجار أوالنذر للحجّ لسنته أو نذر شيء لمن فعل إحراماً في سنته» . (1) قوله في خبر عبداللّه بن أبي يعفور : (فلاحاني زرارة في نتف الإبط وحلقه) . [ح 6 / 7156] لاحاني : أي نازعني (2) ، وكأنّ زرارة قال بأفضليّة النتف من الحلق باعتبار أنّ الحلق إنّما يزيل الشعر البارز ، ولا يزيل من أصله الذي في الجلد شيئاً ، بخلاف النتف ، ولما كان الإطلاء مشاركاً للحلق في ذلك المعنى ، فإذا ثبت بفعله عليه السلام كون الإطلاء أفضل من النتف يلزم كون الحلق أيضاً أفضل منه .

باب ما يجزي من غسل الإحرام وما لا يجزيأجمع الأصحاب على أنّه يجزي الغسل للإحرام إذا فضل عنه ، بل لو قدّمه على الميقات أيضاً ، لاسيّما مع خوف عوز الماء فيه . ويدلّ عليه خبر أبي بصير (3) وصحيحة هشام بن سالم (4) وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام ، أيجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال : «نعم» . (5) ويجزي غسل أوّل النهار لباقيه ، وكذا غسل أوّل الليلة لآخرها ؛ لحسنة عمر بن يزيد وخبر أبي بصير . (6) ويؤيّدهما مفهوم ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام

.


1- .إيضاح الفوائد، ج 1، ص 285، و كان في الأصل: «ابتداء حساب الشهر» فصوّبناه حسب المصدر.
2- .مجمع البحرين، ج 4، ص 116 (لحو).
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- .هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 63، ح 201؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 327، ح 16422.
6- .و هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي.

ص: 634

قال : «مَن اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومَن اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع الفجر» . (1) وفي الموثّق عن موسى بن القاسم ، عن زرعة بن محمّد ، عن سماعة ، عن أبي بصير وعثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، كلاهما عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحمّ قبل ذلك ثمّ أحرم من يومه ، أجزأه غسله ، وإن اغتسل في أوّل الليل ثمّ أحرم في آخر الليل أجزأه غسله» . (2) نعم يستحبّ إعادته إذا نام بعده قبل الإحرام ؛ لصحيحة النضر (3) وخبر أحمد بن محمّد عن عليّ بن أبي حمزة . (4) وظاهر الخبرين وإن كان وجوب الإعادة لكنّه حمل على الاستحباب ؛ لأنّ الإعادة فرع الأصل ، وهو مستحبّ كما عرفت ، وللجمع بينهما وبين صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثمّ ينام قبل أن يحرم ، قال : «ليس عليه غسل» . (5) ونفى ابن إدريس استحبابه هنا (6) ، وألحق في الدروس بالنوم غيره من الأحداث (7) ، واستشكله العلّامة في القواعد من عدم النصّ ومن الأولويّة . (8) وكذا يستحبّ إعادته إذا لبس المخيط بعد الغسل وقبل الإحرام ؛ لخبري القاسم بن محمّد وهو الجوهريّ عن عليّ بن أبي حمزة (9) ، ورواية محمّد بن مسلم . (10)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 64، ح 204؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 328، ح 16427.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 64، ح 205؛ وسائل الشيعة، ج 5، ص 329، ح 16428.
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
4- .هو الحديث الخامس من هذا الباب.
5- .الفقيه، ج 2، ص 311، ح 2544؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 65، ح 208؛ الاستبصار، ج 2، ص 164، ح 539؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 330، ح 16432.
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 530 .
7- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 343 ، الدرس 90 .
8- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 418 .
9- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
10- .هي الحديث الثامن من هذا الباب .

ص: 635

باب ما يجوز للمحرم بعد اغتساله من الطيب والصيد

باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيه

ولا تستحبّ إعادته فيما عدا هذه ؛ لعدم دليل عليه وأصالة العدم ، وألحق جماعة منهم الشهيد في الدروس (1) أكل الطيب والتطيّب به ، وهو قياس بحت .

باب ما يجوز للمحرم بعد اغتساله من الطيب والصيد وغير ذلك قبل أن يلبّيلا خلاف بين الأصحاب في جواز محرّمات الإحرام كلّها قبل التلبية عدا استعمال طيب يبقى أثره إلى بعد الإحرام . (2) ووافقنا العامّة في ذلك إلّا ما حكي عن بعضهم من انعقاد الإحرام بمجرّد النيّة وفي الطيب ، وما يأتي خلافهم فيه في موضعه . قوله في خبر أبان : (وكان عليّ عليه السلام لا يزيد على السليخة) .[ح 3 / 7168] قال الجوهري : السّليخة : عطر كأنّه قشر منسلخ ، ودهن ثمر البان قبل أن يركّب . (3) قوله في صحيح محمّد بن مسلم : (كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى) .[ح 4 / 7169] الخثور : نقيض الرقّة (4) ، فالوصف كالكاشف له . قوله في حسن حريز : (ما لم يعقد التلبية أو يلبّ) .[ح 7 / 7172] الترديد من الراوي ، والعطف على المنفي .

باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيهفيه مسائل :الاُولى : يستحبّ صلاة ستّ ركعات للإحرام ؛ لما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تصلّي للإحرام ستّ ركعات ، تحرم في دبرها» . (5)

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 343 ، الدرس 90 .
2- .تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 333 .
3- .هذا المعنى و هذه العبارات من القاموس المحيط للفيروز آبادى ، ج 1 ، ص 261 (سلخ) ، و لم يذكره الجوهري في صحاح اللغة .
4- .صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 642 (خثر) .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 257 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 166 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 345 ، ح 16473 .

ص: 636

وآكد منها أربع ركعات ؛ للجمع بينه وبين خبر إدريس بن عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر ، كيف يصنع؟ قال : «يقيم إلى المغرب» ، قلت : فإنّ أبى جمّاله أن يقيم عليه؟ قال : «ليس له أن يخالف السنّة» . قلت : أله أن يتطوّع بعد العصر؟ قال : «لا بأس به ، ولكنّي أكرهه للشهرة ، وتأخير ذلك أحبّ إليّ» . قلت : كم اُصلّي إذا تطوّعت؟ قال : «أربع ركعات» . (1) ثمّ الآكد ركعتان . ويدلّ عليه الجمع بين الخبرين المذكورين وحسنة معاوية بن عمّار (2) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصلِّ ركعتين ، ثمّ أحرم في دبرها» . (3) والأفضل أن يحرم عقيب صلاة فريضة كما يظهر من بعض ما أشرنا إليه من الأخبار وغيرها ، ولا تفضيل لبعض الفرائض على بعض في ذلك ؛ لعدم دليل يعتدّ به على ترجيح بعض منها ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (4) ، وظاهر الشهيد في اللمعة أنّ الظهر أفضل (5) ، وصرّح به جماعة منهم الشيخ في المبسوط حيث قال : «وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال ، ويكون ذلك بعد فريضة الظهر» . (6) وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بحسنة الحلبيّ ومعاوية بن عمّار جميعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وبما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام أليلاً أحرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو نهارا؟ فقال : «بل نهارا» ، فقلت : فأيّة ساعة؟ قال : «صلاة الظهر» .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 259 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 364 365 ، ح 16477 .
2- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 258 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 166 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 345 ، ح 16474 .
4- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 76 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 269 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 314 _315 .
6- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .

ص: 637

فيرد عليهم : أنّ الحسنة إنّما تدلّ على أفضليّة وقوع الإحرام عند الزوال ، وظاهرها إيقاعه قبل صلاة الظهر . وبالجملة ، فليست صريحة في ذلك . وأمّا الصحيحة فلها تتمّة رواها المصنّف (1) ، وهي صريحة في أنّه صلى الله عليه و آله إنّما أخّر الإحرام إلى ذلك الوقت انتظارا للماء ، وأنّهم لمّا نزلوا ذا الحليفة راح الناس في طلب الماء على رؤوس الجبال ولم يرجعوا إلّا في ذلك الوقت . وفيه تنبيه على أنّهم لو قدروا على الماء قبله لكان إحرامهم حينئذٍ أفضل . واعلم أنّه حكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «ثمّ يحرم في دبر (2) صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كان وقت صلاة مكتوبة صلّى ركعتين ثمّ أحرم بعد التسليم ، وهو يشعر بتقديم الفريضة على نافلة الإحرام» . (3) قال المفيد قدس سره : «وإن كان وقت فريضة وكان متّسعاً قدّم نوافل الإحرام ، وهي ستّ ركعات ، وتجزي منها ركعتان ، ثمّ صلّى الفريضة وأحرم في دبرها فهو أفضل .» (4) وبهذا الجمع صرّح أكثر الأصحاب ولم أرَ شاهدا له من النصوص ، بل ظاهرها الاكتفاء بالفريضة على تقدير وقوع الإحرام عقيبها . ويؤيّده خبر أبي الصباح الكنانيّ (5) ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط حيث قال : «والأفضل أن يكون عقيب فريضة ، فإن لم يكن وقت فريضة صلّى ستّ ركعات وأحرم في دبرها ، فإن لم يتمكّن من ذلك أجزأته ركعتان» . (6) ومثله في النهاية (7) ، فتأمّل . الثانية : عقد الإحرام ، فقد أجمع أهل العلم على اعتبار النيّة في عقد الإحرام كما في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 238_ 239 ، ح 16457 .
2- .في نسخة «ه » : + «كلّ» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 50 .
4- .المقنعة ، ص 396 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 314 315 .
7- .النهاية ، ص 213 .

ص: 638

سائر العبادات ؛ لما ثبت من الطريقين من قولهم عليهم السلام : «إنّما الأعمال بالنيّات» (1) ، بل ادّعي إجماع الأصحاب على بطلان الإحرام بتركها عمدا وسهوا كما سبق . وقال جماعة من العامّة بانعقاد الإحرام بمجرّدها (2) كما سيأتي ، وقد أشرنا إليه أيضاً . وأجمع الأصحاب على أنّها لا تكفي فيه ، بل يشترط فيه التلبيات في المفرد والمتمتّع . (3) ويدلّ عليه أخبار متكثّرة قد سبق بعضها في الباب السابق ، ويأتي أكثرها في مواضع متفرّقة . وحكاه في العزيز عن أبي حنيفة وجماعة من العامّة ، وحكى فيه عن الشافعي قولاً بوجوبها دون اشتراطها وجبرانها بدم . (4) ونسبه في المنتهى إلى أصحاب مالك أيضاً . (5) وعن الحسن بن صالح وأحمد وقول آخر للشافعي استحبابها (6) ، وهؤلاء الذين أشرنا إلى أنّهم قالوا بانعقاد الإحرام بمجرّد النيّة ، واحتجّوا عليه بأنّه عبادة ليس في آخرها ولا في أثنائها نطق واجب ، فكذلك في ابتدائها كالطهارة والصوم . (7) وهو كما ترى . وأمّا القارن فهو على المشهور بين الأصحاب مخيّر في عقد إحرامه مع النيّة بالتلبيات أو بالإشعار والتقليد .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 83 ، ح 218 ؛ و ج 4 ، ص 186 ، ح 518 و 519 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 48 49 ، ح 88 و 89 و 92 ؛ و ج 6 ، ص 5 ، ح 7197 و 7198 ؛ و ج 10 ، ص 13 ، ح 12712 و 12713 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 2 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 413 ، ح 4227 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 490 ، ح 2201 ؛ مسند الطيالسي ، ص 9 ؛ مسند الحميدى ، ج 1 ، ص 16 17 ، ح 28 .
2- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 200 .
3- .اُنظر : الانتصار ، ص 253 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 289 290 ، المسألة 66 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 180 .
4- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 202 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 676 . و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 248 . و انظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 254 ؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 256 257 ؛ و المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 225 .
6- .المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 225 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 254 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 256 .
7- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 201 202 .

ص: 639

وحكاه في العزيز عن أبي حنيفة (1) ، وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار (2) بتحتّم التلبية له أيضاً محتجّاً عليه بالإجماع وبفعل النبيّ صلى الله عليه و آله حيث لبّى ، وهو عليه السلام كان قارناً وقد قال صلى الله عليه و آله : «خذوا عنّي مناسككم» (3) ، وبقوله صلى الله عليه و آله لعائشة : «أهلّي بالحجّ» (4) حيث أمر بالإهلال ، والأمر للوجوب . والإهلال : رفع الصوت بالتلبية . (5) وبقوله صلى الله عليه و آله : «أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : مرّ أصحابك بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية» . (6) وبه قال ابن إدريس (7) أيضا ، وإنّما قالا بذلك بناءً على أصلهما ، وإلّا فعلى المشهور لابدّ من القول بما هو المشهور ؛ للجمع بين ما ذكر وأخبار متكثّرة دلّت على تعيّنها ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» . (8) وفي الصحيح عن حريز بن عبداللّه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كلّ بدنتين ، فيشعر هذه من الشقّ الأيمن ويشعر هذه من الشقّ الأيسر ، ولا يشعرها أبدا حتّى يتهيّأ للإحرام ، فإنّه إذا أشعر وقلّد وجب عليه الإحرام وهو بمنزلة التلبية» . (9) وفي الصحيح عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أشعر بدنته فقد أحرم

.


1- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 202 .
2- .الانتصار ، ص 254 .
3- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 125 ؛ كنزالعمّال ، ج 5 ، ص 116 ، ح 12302 .
4- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 394 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 26 و 35 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1785 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 165 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 344 و 347 .
5- .النهاية ، ج 5 ، ص 271 (هلل) .
6- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 34 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 162 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 450 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 42 ؛ السنن الكبرى للنسائى ، ج 2 ، ص 354 ، ح 3734 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 377 .
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 532 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 43 44 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14798 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 43 ، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14797 .

ص: 640

وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير» . (1) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن البدنة كيف يشعرها ، قال : «يشعرها وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة ، ويشعرها من جانبها الأيمن ، ثمّ يحرم إذا قلّدت وأشعرت» . (2) وأمّا التجريد عن المخيط ولبس ثوبي الإحرام فهما على المشهور ليسا جزئين من الإحرام ولا شرطين فيه ، بل لم أجد لذلك مخالفاً . نعم ، حكى المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (3) عن العلّامة أنّه اختار في المختلف (4) تركّب الإحرام من اللبس والنيّة والتلبية ، واستبعده . ثمّ إنّهم اختلفوا في وجوب مقارنة النيّة للتلبية ، فالمشهور عدمه ، وهو المستفاد من الأخبار ؛ للأمر في كثير منها بتأخير التلبية عن موضع الإحرام هنيهة ، بل يظهر من أخبار الإحرام من مسجد الشجرة استحبابه في هذا الميقات ، وقد سبقت الإشارة إليه . وذهب ابن إدريس (5) على ما نقل عنه إلى وجوبها كوجوب مقارنة نيّة الصلاة للتحريمة ، ولم أرَ شاهدا له من النصوص . ومَن لم يعتبر المقارنة إنّما جوّز تأخيرها ما لم يتجاوز عن الميقات كما سبق . الثالثة : لقد أجمع العلماء من الفريقين ودلّت الأخبار من الطريقين على استحباب الاشتراط في إحرام النسكين إلّا ما حكاه في المنتهى (6) عن شذّاذ منهم كابن عمر وسعيد بن جبير وطاووس والزهريّ ومالك (7) ، وهو أن يقول : اللّهمَّ حُلّني حيث حبستني . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره في الباب وفي بعض الأبواب السالفة ما

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 44 ، ح 130 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14799 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 43 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14796 .
3- .جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 162 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 43 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 527 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 680 .
7- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 243 244 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن قدامة ، ج 3 ، ص 231 .

ص: 641

رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت الإحرام والتمتّع فقل : اللّهمُّ إنّي اُريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحجّ فيسّر لي ذلك وتقبّله منّي وأعنّي عليه و حُلَّني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت عليَّ» . (1) وعن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم ، وخذ من شاربك ومن أظفارك وعانتك إن كان لك شعر ، وانتف إبطك ، واغتسل والبس ثوبيك ، ثمّ ائت المسجد الحرام ، فصلِّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم ، وتدعو اللّه وتسأله العون وتقول : اللّهمَّ إنّي اُريد الحجّ فيسّره لي ، وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليَّ ، وتقول : أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي ، ومن النساء والطيب اُريد بذلك وجهك والدار الآخرة ، وحُلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليَّ» (2) ، الحديث . وعن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يحلّه حيث حبسه ، ومفرد الحجّ يشترط على ربّه إن لم يكن حجّة فعمرة» . (3) وما رواه الجمهور عن عائشة ، قالت : دخل النبيّ صلى الله عليه و آله على ضباعة بنت الزبير فقالت : يارسول اللّه ، إنّي اُريد الحجّ وأنا شاكية ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «حجّي واشترطي على ربّك أنّ محلّي حيث حبستني» . (4) وعن ابن عبّاس : أنّ ضباعة أتت النبيّ صلى الله عليه و آله فقالت : يارسول اللّه ، إنّي اُريد الحجّ فكيف أقول؟ قال : «قولي : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، ومحلّي حيث تحبسني ، فإنّ لكِ على

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 79 ، ح 263 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 167 ، ح 553 إلى قوله : «فتقبّله منّي» ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 341 342 ، ح 16463 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 168 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 251 ، ح 881 مع اختصار ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 340 ، ح 14966 صدره ؛ و ج 12 ، ص 409 ، ح 16640 بتمامه .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 81 82 ، ح 271 عن الكليني . و الحديث في الكافي ، باب صلاة الإحرام ، ح 15 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 354 355 ، ح 16496 .
4- .المعجم الكبير ، ج 24 ، ص 334 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 207 ، ح 2470 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 7 ، ص 137 .

ص: 642

ربّك ما استثنيت» . (1) وعندنا اشتراط آخر في حجّ الإفراد خاصّة ، وهو أن يقول : إن لم تكن حجّة فعمرة ، ولقد أجمعنا على أنّ هذا الاشتراط تعبّد واستدعاء لأن يتمّ اللّه نسكه . وأمّا الأوّل فقيل : هو أيضاً كذلك ، مال إليه الشهيد الثاني قدس سره (2) ، وبه يشعر قوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدّم : «وتسأله العون وتقول : اللّهمّ إنّي اُريد الحجّ فيسّره لي ، وحُلّني حيث حبستني» (3) فإنّ الظاهر أنّ قوله : «وتقول» تفسير لسؤال العون ، والظاهر أنّ الأمر على هذا في معنى النهي ، كأنّه قال : اللّهمَّ لا تحبسني عن نسكي . وعلى المشهور له فائدة اُخرى ، واختلفوا فيها ، فقال الأكثر : هي تعجيل التحلّل عند الحصر من غير انتظار بلوغ الهدي محلّه ، وإليه ذهب المحقّق في النافع (4) ، واحتجّوا عليه بأنّه المتبادر من قوله : «وحُلّني حيث حبستني» ، وهؤلاء حصروا فائدته في المحصور ، فإنّ المصدود يجوز له ذلك مع عدم الاشتراط أيضاً كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه . ومالَ صاحب المدارك (5) إلى ثبوت تلك الفائدة في المحصور وثبوت فائدة اُخرى للمصدود ، وهي سقوط الهدي واستفادها ممّا سيأتي من صحيح ذريح (6) من حيث إنّه لم يتعرّض فيه لذكر الهدي ، معلّلاً بأنّه لو كان واجباً لذكر في مقام البيان . ويردّه عموم قوله تعالى : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (7) ، وانتفاء مخصّص له يعتدّ به .

.


1- .صحيح ابن حبّان ، ج 9 ، ص 88 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 35 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 167 168 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 358 ، ح 3749 .
2- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 234 235 .
3- .الكافي ، باب الأحرام يوم التروية ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 168 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 251 ، ح 881 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 409 ، ح 16640 .
4- .المختصر النافع ، ص 100 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 289 290 .
6- .وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 356 ، ح 16501 .
7- .البقرة (2) : 196 .

ص: 643

وذهب السيّد المرتضى رضى الله عنه (1) إلى أنّها سقوط هدي التحلّل عند الحصر والصدّ معاً محتجّاً بالإجماع ، وبوجوب فائدة له ؛ ظنّاً منه انحصارها في ذلك ، ثمّ عارض ما ذكر بعموم قوله تعالى : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» ، وأجاب بتخصيصه بغير المشترط . وردّ هذا الجواب بعدم دليل على كون الاشتراط مخصّصاً ذلك التخصيص . وبه قال ابن إدريس (2) أيضاً ؛ ظانّاً ذلك الانحصار . ونفى في المدارك عنه البُعد . (3) ويظهر من عبارات جماعة من الفحول أنّ الفائدة جواز التحلّل بالحصر والصدّ ، ويفهم منها عدم جواز التحلّل لهما بدونه . قال الشيخ في الخلاف : يجوز للمحرم أن يشترط في حال إحرامه أنّه إن عرض له عارض يحبسه أن يحلّ حيث حبسه ، من مرض أو عدوّ أو انقطاع نفقة أو فوات وقت ، وكان ذلك صحيحاً يجوز له أن يتحلّل إذا عرض شيء من ذلك . (4) وفي المبسوط : «متى شرط في حال الإحرام أن يحلّه حيث حبس صحّ ذلك» (5) وأوجب فيهما الهدي عليه . وأظهر في ذلك عبارة المنتهى حيث قال : «فائدة الاشتراط جواز التحلّل عند الإحصار ، وقيل : يتحلّل من غير اشتراط» . (6) ثمّ عبارة القواعد فإنّه قال : «فائدة الاشتراط جواز التحلّل على رأي» . (7) وقد حمل العلّامة«رضى اللّه » عبارة الخلاف على ظاهرها حيث نقل عن ابن إدريس

.


1- .الانتصار ، ص 258 259 ، المسألة 142 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 534 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 289 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 429 ، المسألة 323 .
5- .المبسوط، ج 1، ص 334.
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 680 ؛ و مثله في تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 260 .
7- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 421 .

ص: 644

أنّه اعترض على الشيخ أنّه تناقض في مسألتين متتاليتين ، فقال في مسألة : «يجوز للمحرم أن يشترط» ، (1) إلى آخر ما حكينا عنه ، ثمّ قال في مسألة بعدها : «إذا اشترط على ربّه في حال الإحرام ثمّ حصل الشرط وأراد التحلّل فلابدّ من نيّة التحلّل والهدي» (2) ، فتناظر وتخاصم في المسألة الاُولى من قال : إنّ الشرط لا تأثير له ووجوده كعدَمه ، واستدلّ على صحّته وتأثيره ، وفي الثانية ذهب إلى أنّ وجوده كعدمه ، وقال : هذا عجيب طريف . (3) وأجاب بقوله : أيّ عجب فيما ذكره الشيخ؟! وأيّ استطراف فيه؟ فلعلّه توهّم أنّ الشيخ حيث أوجب الهدي جعل وجوده كعدمه ، ولم يتفطّن ؛ لأنّ التحلّل إنّما يجوز مع الاشتراط ، وأنّه لولاه لم يجز له التحلّل ، وهل هذا إلّا جهل منه ؟ وقلّة تأمّل ؛ لفتاوى الفقهاء وعدم مزيد تحصيل لمقاصدهم . (4) انتهى . وأظنّ أنّهم ما أرادوا ذلك الظاهر ، كيف وهم في بحث الحصر والصدّ أطلقوا القول بجواز التحلّل بهما من غير تقييد بالاشتراط؟ وأنّى لهم القول بذلك؟ وينفيه عموم قوله تعالى : «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (5) ، وخصوص خبر حمزة بن حمران (6) وحسنة زرارة (7) وغيرهما ممّا يأتي في موضعه ، بل أرادوا جواز تعجيل التحلّل من غير تربّص على حذو ما حكيناه عن النافع . ويؤيّده كلمة «عند» (8) في موضعين فيما نقلناه عن المنتهى (9) . على أنّ كلام المنتهى

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 680 .
2- .البقرة (2) : 196 .
3- .في نسخة «ه» : «للمشترط أن يحرم» . و هذه العبارة من الخلاف ، ج 2 ، ص 429 ، المسألة 323 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 431 ، المسألة 324 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 534 535 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 67 .
7- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
8- .هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
9- .في نسخة «ه» : «عنده» .

ص: 645

يحتمل إرادة سقوط الهدي ؛ وفاقاً لما نقلناه عن السيّد رضى الله عنه (1) ، بل يتعيّن ذلك ، فإنّه صرّح بذلك في بحث الحصر والصدّ حيث بيّن جواز إحلال المحصور والمصدود بالهدي وأطلقه ، ثمّ قال مشيرا إلى ما حكينا عنه : «قد بيّنا أنّه إذا اشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه جاز له أن يحلّ ، إذا ثبت هذا فله أن يتحلّل من دون إنفاذ هدي ، أو ثمن هدي إلّا أن يكون ساقه وأشعره وقلّده» (2) وهذا التأويل لا يجزي في كلامي الشيخ ، فإنّه صرّح فيهما بوجوب الهدي على ما عرفت . وربّما وجّه كلام القواعد (3) بتوجيه آخر لو تمّ لجرى فيما عداه أيضاً ، فقد قال فخر المحقّقين في شرحه : ليس المراد منه المنع من التحلّل لو لم يشترط ، بل معناه أنّ التحلّل ممنوع منه ، ومع العذر وعدم الاشتراط يكون جواز التحلّل رخصة ، ومع الاشتراط يصير التحلّل مباح الأصل . _ وقال : والفائدة تظهر فيما لو نذر أن يتصدّق كلّما فعل رخصة . (4) وتبعه المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرحه فقال : قوله : (وفائدة الشرط جواز التحلّل) جواب عن سؤال مقدّر يرد على ما سبق ، وصورته : أن لا فرق بين المشترط وغيره ، فلا فائدة للشرط حينئذٍ . وجوابه : أنّ فائدته كون التحلّل مستحقّاً بالأصالة بعد أن كان رخصة . ثمّ قال : ولا يخفى ما في العبارة من المناقشة ، فإنّ جواز التحلّل ليس هو الفائدة ، بل ثبوت الجواز حينئذٍ أصالةً . (5) هذا ، وجوّز الشيخ قدس سره في موضع من التهذيب أن يترتّب عليه سقوط الحجّ في المقابل عمّن فاته الموقفان ، وهو أحد وجهي الجمع له بين ما دلّ على وجوب الحجّ في القابل عليه ، وبين ما رواه عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقيّ ، قال : كنت مع أبي

.


1- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 421 .
2- .الانتصار ، ص 258 259 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 852 .
4- .إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 292 .
5- .جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 174 .

ص: 646

عبداللّه عليه السلام بمنى إذ دخل عليه رجل ، فقال : قدم اليوم قوم قد فاتهم الحجّ ، فقال : «نسأل اللّه العافية» ثمّ قال : «أرى عليهم أن يهرق كلّ واحد منهم دم شاة ويحلق ، وعليهم الحجّ من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتّى يمضي أيّام التشريق بمكّة ثمّ خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة ، فأحرموا منه واعتمروا ، فليس عليهم الحجّ من قابل» . (1) فقد قال قدس سره : يحتمل أن يكون الخبر مختصّاً بمن اشترط في حال الإحرام ، فإنّه إذا كان اشترط لم يلزمه الحجّ من قابل ، وإن لم يكن قد اشترط لزمه ذلك في العام المقبل . واستند في ذلك الجمع بصحيحة ضريس بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر ، فقال : «يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكّة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله» ، وقال : «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحجّ من قابل» . (2) وفي بعض الأخبار ما يدلّ على ثبوت هذه الفائدة في المحصور ، رواه الشيخ في الصحيح عن ذريح ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ واُحصِر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال : فقال : «أَوَما شرط على ربّه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه ؟» فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : «فليرجع إلى أهله حِلّاً لا إحرام عليه ، إنّ اللّه أحقّ من وفى بما اشترط عليه» . قلت : أفعليه الحجّ من قابل؟ قال : «لا» . (3) والمشهور بين الأصحاب انتفاء تلك الفائدة في فائت الموقفين ، وأنّه على تقدير

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 295 ، ح 1000 ، و ص 480 ، ح 1705 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 307 ، ح 1097 ؛ وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 50 ، ح 18562 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 295 296 ، ح 1001 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 308 ، ح 1098 ؛ وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 49 ، ح 18559 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 81 ، ح 270 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 ، ح 558 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 356 ، ح 16501 .

ص: 647

استقرار الحجّ عليه يجب في القابل وإن اشترط ، وبه أفتى الشيخ قدس سره في التهذيب أيضاً قبل ما حكينا عنه في بحث الاشتراط فقال : «وأمّا لزوم الحجّ له في العام المقبل فلا يسقط عنه لأجل الاشتراط» ، واحتجّ عليه بما رواه في الصحيح عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ أن تحلّني حيث حبستني ، أعليه الحجّ من قابل؟ قال : «نعم» . (1) وعن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ ، كيف يشترط؟ قال : «يقول حين يريد أن يحرم : أن حُلّني حيث حبستني ، فإن حبستني فهو عمرة» ، فقلت : فعليه الحجّ من قابل؟ فقال : «نعم» . قال الشيخ : وقال صفوان : قد روى هذه الرواية عدّة من أصحابنا كلّهم يقول : إنّ عليه الحجّ من قابل . (2) ولم أجد قائلاً بثبوتها في المحصور ، وينفيها عموم ما دلَّ على وجوب القضاء عليه ، ومنه الخبران المذكوران ، وخصوص ما يرويه المصنّف في باب المحصور والمصدود عن رفاعة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر ، هل يجزيه أن لا يحجّ من قابل؟ قال : «يحجّ من قابل ، والحاج مثل ذلك إذا اُحْصِر» (3) ، الحديث . واعلم أنّ الشرط على ما هو ظاهر الأكثر مختصّ بالمرض والعدوّ ، وعمّمه الشيخ في موضع من التهذيب (4) وفي الخلاف (5) _ كما عرفت وفي المبسوط حيث قال : «لابدّ أن يكون للشرط فائدة مثل أن يقول : إن مرضت أو تفنى نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 429 ، المسألة 323 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 80 81 ، ح 268 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 170 ، ح 556 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 190 ، ح 17544 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 81 ، ح 269 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 ، ح 557 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 354 ، ح 16495 ، و ص 356 ، ح 16500 .
4- .الحديث السابع من الباب المذكور ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 189 ، ح 17542 .
5- .لم أعثر عليه .

ص: 648

باب التلبية

عليَّ أو منعني عدوّ وغيره ، فأمّا إن قال : أن تحلّني حيث شئت فليس له ذلك» . (1) وهو ظاهر ابن إدريس . وهذا التعميم في فوات الوقت وضيقه غير بعيد لما سبق . وأمّا في فناء النفقة فغير مستند إلى دليل يعتدّ به ، فتأمّل . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة وخرج بغير تلبية) .[ح 14 / 7189] أراد بالإحرام هنا مقدّماته ، وقد شاع في الحديث استعماله في هذا المعنى كما سبقت الإشارة إليه .

باب التلبيةقال ابن الأثير : في حديث إهلال الحجّ : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، هو من التلبية ، وهي إجابة المنادي ، أي إجابتي لك ياربّ ، وهو مأخوذ من لبّ بالمكان والَبّ ، إذا أقام ، وألبّ على كذا ، إذا لم يفارقه ، ولم يستعمل إلّا على لفظ التثنية في معنى التكرير ، أي إجابة بعد إجابة ، وهو منصوب على المصدر بعاملٍ لا يظهر ، كأنّك قلت اُلبّ إلباباً بعد إلباب ، والتلبية من لبّيك كالتهليل من لا إله إلّا اللّه . وقيل : معناه اتّجاهي وقصدي ياربّ إليك ، من قولهم : داري تُلبّ دارك ؛ أي تواجهها . وقيل : معناه أخلص لك من قولهم : حَسَبٌ لباب إذا كان خالصاً محضاً ، ومنه لبّ الطعام ولُبابه . (2) واختلف الأصحاب في كيفيّة التلبية العاقدة للإحرام بعد اتّفاقهم بل اتّفاق أهل الخلاف أيضاً على عدم وجوب الزائد على التلبيات الأربع ، فذهب المحقّق والأكثر

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 334 .
2- .النهاية ، ج 4 ، ص 222 (لبب) .

ص: 649

إلى أنّها : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريكَ لك لبّيك . (1) وهو الظاهر من حسنة معاوية بن عمّار (2) على ما يشعر به آخرها . وأضاف إليها جماعة : إنّ الحمد والنعمة لك والمُلك ، لا شريك لك ، قال به المفيد (3) وابنا بابويه (4) ووافقهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد (5) وسلّار (6) وجماعة على ما حكي عنهم ، واحتمله أيضاً آخر الحسنة المشار إليها . ويدلّ عليه ما سنرويه من خبر أبي جعفر عليه السلام عن جابر ، وصحيحة عبداللّه بن سنان (7) ، وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : «في مسجد الشجرة ، فقد صلّى [فيه] رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد ترى ناساً يحرمون فلا تفعل حتّى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبّيك ، اللّهمَّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ» . (8) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الفقيه مرسلاً ، قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «وجاء جبرئيل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال له : إنّ التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك» (9) بناءً

.


1- .المختصر النافع ، ص 82 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 181 . و انظر : جامع الخلاف و الوفاق ، ص 181 ؛ مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 268 .
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
3- .. المقنعة ، ص 397 .
4- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 216 217 ؛ المقنع ، ص 220 ؛ الهداية ، ص 220 ؛ و حكاه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 54 عن رسالة ابن بابويه .
5- .حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 54 .
6- .المراسم العلويّة ، ص 108 .
7- .هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 223 224 ، ح 14658 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 84 ، ح 277 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 170 ، ح 559 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 370 ، ح 16538 .
9- .. الفقيه ، ج 2 ، ص 326 327 ، ح 2585 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 379 ، ح 16560 .

ص: 650

على عدم وجود لبّيك أخيرا في بعض النسخ . ويؤيّد هذه الأخبار ما رواه أيضاً في الفقيه عن يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن يسار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لمّا بعث اللّه موسى بن عمران واصطفاه نجيّاً وفلق له البحر ونجّى بني إسرائيل وأعطاه التوراة و الألواح ، رأى مكانه من ربّه عزّ وجلّ فقال : ياربّ ، لقد أكرمتني بكرامة لم تُكرم بها أحدا من قبلي ، فقال اللّه جلَّ جلاله : يا موسى ، أما علمت أنّ محمّدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي؟ قال موسى : ياربّ ، فإن كان محمّد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟ قال اللّه تعالى : يا موسى ، أما علمت أنّ فضل آل محمّد على جميع آل النبيّين كفضل محمّد على جميع المرسلين ؟ فقال : ياربّ ، فإن كان آل محمّد كذلك فهل في اُمم الأنبياء أفضل عندك من اُمّتي ، ظللتَ عليهم الغمام وأنزلت عليهم المنّ والسلوى وفلقت لهم البحر؟ فقال اللّه جلَّ جلاله : يا موسى ، أما علمت أنّ فضل اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله على جميع الاُمم كفضله على جميع خلقي؟ فقال موسى : ياربّ ، ليتني كنت أراهم ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا موسى ، إنّك لن تراهم ، فليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنان ، جنّات عدن والفردوس بحضرة محمّد صلى الله عليه و آله ، في نعيمها يتقلّبون ، وفي خيراتها (1) يتبجّحون ، أفتحبّ أن تسمع كلامهم؟ قال : نعم يا إلهي ، قال اللّه عزّ وجلّ : قُم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، ففعل ذلك موسى ، فنادى ربّنا عزّ وجلّ : يا اُمّة محمّد ، فأجابوه كلّهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام اُمّهاتهم : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك» . (2)

.


1- .في هامش الأصل : و في بعض النسخ : «حيراتها» بالحاء المهملة ، و في شرح الفقيه : أنّها جمع حور . (منه) .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 327 328 ، ح 2586 .

ص: 651

وصحيحة عبداللّه بن سنان وما بعده وإن اشتملت على أمر زائد على المدّعى لكن الزائد منفي الوجوب بالإجماع ، فتبقى دلالتها عليه . على أنّ قوله : لبّيك أخيرا في الخبرين الأخيرين ليس في بعض نسخ الفقيه ، وقد روى الأخير في كتاب العلل (1) ، وليس فيه ذلك ، وكأنّه من سهو النسّاخ . وقيل : هي لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك ، ذكره الشيخ في المبسوط (2) والنهاية (3) وابن إدريس (4) ، وحكي عن أبي الصلاح (5) وابن البرّاج . (6) وفي الدروس أتمّها : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك لك لا شريك لك لبّيك . (7) ولم أجد لهما شاهدا . واختلف أهل الخلاف في استحباب الزائد على التلبيات الأربع ، فوافقنا أبو حنيفة وأصحابه على استحبابه ، وقال الشافعي : إنّه غير مستحبّ ، وبه قال أحمد ، وقال بعضهم : إنّه مكروه . (8) لنا : ما تقدّم من حسنة معاوية بن عمّار (9) ، وخبر عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشياً لبّيت من مكانك من المسجد ، تقول : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك بحجّة

.


1- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- .علل الشرائع ، ص 416 417 ، الباب 157 علّة التلبية ، ح 3 .
3- .المبسوط ، ج 1 ، ص 316 .
4- .النهاية ، ص 215 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 536 .
6- .الكافي في الفقه ، ص 193 .
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 215 .
8- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 347 ، الدرس 90 .
9- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 7 ، ص 263 264 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 4 ، ص 187 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 256 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 145 ؛ الاستذكار ، ج 4 ، ص 44 ؛ التمهيد ، ج 5 ، ص 127 128 .

ص: 652

تمامها عليك ، واجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمة أو كنت راكباً وبالأسحار» . (1) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لمّا لبّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك لا شريك لك لبّيك ذا المعارج لبّيك» . (2) ويؤيّدها ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّه كان يلبّي تلبية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويزيد مع هذا : لبّيك لبّيك ، لبّيك وسعديك ، والخير بيديك ، والدّعاء إليك ، وزاد عمر : لبّيك ذا النعماء والفضل لبّيك ، لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك . وكان أنس يزيد فيقول : لبّيك حقّاً حقّاً تعبّدا ورقّاً . (3) ولأنّه ذكر فيستحبّ الإكثار منه . واحتجّ الشافعيّ بما رواه جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليه ، عن أبيه الباقر عليه السلام ، عن جابر قال : «تلبية رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك» (4) ؛ زعماً منه أنّ ما داوم عليه النبيّ صلى الله عليه و آله كان أولى من غيره ، وكأنّه احتجّ بذلك من قال بكراهته أيضاً . وفيه : منع مداومته صلى الله عليه و آله على ذلك ، بل منع أصله بدليل حسنة معاوية بن عمّار وصحيحة عبداللّه بن سنان المتقدِّمتين ، وهاتان راجحتان على خبرهم كما لا يخفى . واُجيب أيضاً بأنّه عليه السلام إنّما فعل ذلك بياناً للواجب . ثمّ المشهور بين الأصحاب استحباب رفع الصوت بالتلبية للرجال ، ونسبه في المنتهى (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 92 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 383 384 ، ح 16570 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 325 ، ح 2578 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 384 ، ح 16571 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 677 ؛ الاستذكار ، ج 4 ، ص 44 ؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 256 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 174 .
4- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 169 ؛ مسند الشافعي ، ص 122 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 677 .

ص: 653

إلى الجمهور كافّة ، وهو أحد قولي الشيخ قدس سره . (1) واحتجّوا عليه بأصالة براءة الذمّة ، وبهذا الأصل حملوا الأمر بالإجهار في الخبرين المتقدّمين وغيرهما على الندب ، ومثلهما ما رواه الباقر والصادق عليهماالسلام عن جابر بن عبداللّه أنّه قال : «ما مشى النبيّ صلى الله عليه و آله الروحاء (2) حتّى بحّت أصواتنا» (3) وبأنّه من شعائر العبادة فهو بمنزلة الأذان ، وبأنّ في رفع الصوت تنبيهاً للمستمعين وتذكارا . وحكى في المنتهى (4) عن الشيخ قولاً ثانياً بوجوبه محتجّاً بالأوامر المشار إليها . (5) وفيه ما عرفت . وأمّا النساء فليس عليهنّ جهر لا وجوباً ولا استحباباً إجماعاً ، كما يدلّ عليه خبر أبي بصير (6) ، ومثله ما رواه الشيخ عن فضالة بن أيّوب ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ اللّه تعالى وضع عن النساء أربعاً : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة يعني الهرولة ودخول الكعبة ، والاستلام» . (7) ويؤيّدهما أنّهن مأمورات بالستر ، ويخاف من أصواتهنّ الافتتان . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وأوّل من لبّى إبراهيم عليه السلام ) .[ح 3 / 7194] لُبّي على صيغة المجهول ، أي اُجيب بلبّيك ، وفسّر بذلك بقوله : «قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ يدعوكم» ، إلى آخره ، وقد مرّ ذلك في صحيحة عبداللّه بن سنان (8) أيضاً من ندائه عليه السلام مَن في أصلاب الرجال وأرحام الاُمّهات بقوله : «هلمّ الحجّ» وإجابتهم دعوته بقولهم : لبّيك .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 677 .
2- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 316 .
3- .الروحاء : موضع بين الحرمين على ستّة و ثلاثين أو ثلاثين أو أربعين ميلاً من المدينة . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 157 (روح) .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 92 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 378 ، ح 16558 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 92 ، ذيل الحديث 300.
6- .هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 93 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 379 ، ح 16561 .
8- .هي الحديث السادس من باب حجّ إبراهيم و إسماعيل و بنائهما البيت ، و من ولّى البيت بعدهما .

ص: 654

. .

ص: 655

فهرست مطالب .

ص: 656

. .

ص: 657

. .

ص: 658

. .

ص: 659

. .

ص: 660

. .

ص: 661

. .

ص: 662

. .

المجلد 5

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

تتمة كتاب الحجّ

اشاره

تتمة كتاب الحجّ

.

ص: 6

. .

ص: 7

باب ما ينبغي للمحرم تركه من الجدال و غيره

باب ما ينبغي للمحرم تركه من الجدال و غيرهأراد قدس سره بالغير الرفث والفسوق ، إشارةً إلى قوله تعالى : «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ» (1) ، والرفث : الجماع (2) ، وهو حرام في الإحرام بإجماع أهل العلم (3) ، وهل يفسد الحجّ؟ له تفصيل يأتي في محلّه ، والفسوق : الكذب والسباب على ما حكي عن السيّد المرتضى (4) وابن الجنيد . (5) ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار (6) ، وخصّه ابن إدريس بالكذب (7) ، وهو محكي عن الصدوقين (8) ، وعن ابن البرّاج : أنّه الكذب على اللّه وعلى رسوله صلى الله عليه و آله وعلى الأئمّة عليهم السلام . (9) وفي صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام : «الفسوق : الكذب والمفاخرة» . (10) وعلى أيّ معنى فهو غير مفسد للحجّ على المشهور ؛ للأصل ، وانتفاء دليل على الإفساد . وإيجاب الفدية لا يستلزم الإبطال كغيره من المحرّمات . وعن المفيد : أنّ الكذب يفسد الإحرام (11) ، وليس بجيّد . والجدال عندنا هو قول : لا واللّه وبلى واللّه ، صادقا أو كاذبا . وعدّ هذا التفسير في الانتصار من منفردات الإماميّة . (12) وفسّره البيضاويّ بالمخاصمة والمجادلة مع الخدم والرفقة (13) ، وهو محكي عن جمهور العامّة . والأخبار المتعدّدة من طريق الأصحاب ناطقة بما ذهبنا إليه ، منها : حسنة معاوية بن عمّار (14) ، وموثّقة أبان بن عثمان (15) ، وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام [ عن رجل] (16) : يقول لا لعمري وهو محرم؟ قال : «ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا واللّه وبلى واللّه ، وأمّا قوله لاها فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانيك فإنّه من قول الجاهليّة» . (17) وصحيحته الاُخرى ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاءً وهو محرم فقد جادل ، وعليه حدّ الجدال دمٌ يهريقه ويتصدّق به» . (18) وفي الانتصار : فإن قيل : ليس في لغة العرب أنّ الجدال هو الحلف ، قلنا : ليس ينكر أن يقتضي عرف الشريعة ما ليس في وضع اللغة . على أنّ الجدال إذا كان الخصومة والمراء والمنازعة ، وهذه اُمور تستعمل للدفع والمنع ، والقسم باللّه تعالى قد يفعل لذلك ، ففيه معنى المنازعة والخصومة . (19) وأمّا حكمه فقد قال السيّد في ذلك الكتاب : إن جادل وهو محرم صادقا مرّة أو مرّتين فليس عليه كفّارة وليستغفر اللّه تعالى ، فإن جادل ثلاث مرّات صادقا فما زاد فعليه دم شاة ، فإن جادل مرّة واحدة كاذبا فعليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين كاذبا فدم بقرة ، فإن جادل ثلاث مرّات كاذبا فعليه دم بدنة . (20) ومثله في المقنعة (21) والسرائر (22) وسائر كتب الأصحاب ، ولم أجد مخالفا لهم . ويدلّ عليه بعض أخبار الباب ، وصحيحة معاوية بن عمّار (23) المتقدّمة ، وبذلك جمع بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الجدال في الحجّ ، قال : «مَن زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدم» ، فقيل له : الذي يجادل وهو صادق؟ قال : «عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة» . (24) وصحيحة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يقول : لا واللّه وبلى واللّه وهو صادق ، عليه شيء؟ قال : «لا» . (25) وموثّقة أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه» . (26) وموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمّدا فعليه جزور» . (27)

.


1- . البقرة (1) : 197 .
2- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 283 (رفث) .
3- . اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 382 ؛ مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 310 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 290 .
4- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 65) .
5- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 84 .
6- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
7- . السرائر ، ج 1 ، ص 545 .
8- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 217 ؛ المقنع ، ص 224 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 329 .
9- . المهذّب ، ج 1 ، ص 221 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 297 ، ح 1005 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 465 ، ح 16791 .
11- . المقنعة ، ص 432 .
12- . الانتصار ، ص 241 .
13- . تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 482 .
14- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
15- . هي الحديث الرابع من هذا الباب ، و الحديث يرويه أبان ، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهماالسلام .
16- . اُضيفت من المصدر لاقتضاء السياق .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 336 ، ح 1157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 465 ، ح 16790 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 335 ، ح 1152 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 146 147 ، ح 17440 .
19- . الانتصار ، ص 242 .
20- . الانتصار ، ص 241 242 .
21- . المقنعة ، ص 435 .
22- . السرائر ، ج 1 ، ص 553 .
23- . وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 465 ، ح 16790 .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 335 ، ح 1153 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 147 ، ح 17441 .
25- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 335 ، ح 1156 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 197 ، ح 666 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 147 ، ح 17443 .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 335 ، ح 1154 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 197 ، ح 665 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 147 ، ح 17442 .
27- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 335 ، ح 1155 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 147 ، ح 17444 .

ص: 8

. .

ص: 9

. .

ص: 10

باب ما يلبس المحرم من الثياب وما يكره له لباسه

باب ما يلبس المحرم من الثياب وما يكره له لباسهأراد قدس سره بيان شرائط لباس الرجل المحرم ، وأمّا لباس المرأة المحرمة فسيذكره في باب آخر ، وأراد بالكراهة المعنى العام الشامل للحرمة . واعلم أنّه يعتبر في لباس المحرم زائدا على ما اعتبر فيه في سائر الأحوال أن لا يكون مخيطا ولا ساترا لرأسه ولا لظاهر قدميه ، ولا نعلم في ذلك كلّه مخالفا من الأصحاب ، أمّا المخيط فقد نقل في المنتهى (1) عن ابن عبد البرّ أنّه قال : «لا يجوز له لبس شيء منه عند جميع أهل العلم» . (2) وقد صرّحوا بتحريم مطلق المخيط ، ولم أجد شاهدا عليه ، وإنّما الروايات تدلّ على تحريم القميص والقباء والسراويل والثوب المزرّر أو المدرّع لا على تحريم مطلقه ، فألحقوا إليها ما عداها ، فقد قال العلّامة رحمه اللهفي المنتهى : النبيّ صلى الله عليه و آله نصّ على تحريم القميص ، فكان ما في معناه محرّما من الجبّة والدراعة وما أشبههما ، ونصّ على تحريم السراويل ، فكان أشبهه محرّما كالثياب ونصّ على تحريم البرنس ، فكان ما ساواه كالقلنسوة مساويا له في التحريم ، ونصّ على تحريم الخفّين ، فكان ما ساواه من الساعدين والقفازين كذلك . (3) وقد ألحق بعض الأصحاب بالقباء الدرع المنسوج وجبّة اللُّبد والملصق بعضه ببعض لمشابهتها إيّاه في المعنى من الترفّه والتنعّم ، وربّما علّل بتضمّن النصوص لتحريم الثياب وتناولها لها ، وهو عليل . واشتهر بين متأخّري الأصحاب المنع من مطلق المخيط وإن قلّت الخياطة ، ولم أرَ شاهدا له (4) ، بل يردّه صحيحة يعقوب بن شعيب (5) ؛ لدلالتها على جواز لبس الطيلسان المزرور من غير أن يزرّ أزراره ، إلّا أن يخصّ بما عمل زرّه معه من اللبّد ، وهو من غير مخصّص . (6) قوله في حسنة معاوية : (عبرى وأظفار) [ ح 2 / 7207] العُبر بالضمّ : قبيلة (7) ، وظفار كقطام : مدينة باليمن قرب صنعاء . (8) قوله في خبر أبي بصير : (سئل أبو عبداللّه عليه السلام عن الخميصة سداها من ابريسم ولحمتها من غزل) .[ ح 4 / 7209] في النهاية : «قد تكرّر ذكر الخميصة في الحديث ، وهي ثوب خزّ أو صوف مُعْلَم ، وقيل : لا تسمّى خميصة إلّا أن تكون سوداء مُعْلَمة ، وكانت من لباس الناس قديما» . (9) قوله في موثّق حنان بن سدير : (فدعا بأزار قُرْقُبي) .[ ح 6 / 7211] قال ابن الأثير في باب الفاء مع الراء في حديث إسلام عمر : فأقبل شيخ عليه حبرة وثوب قرقبي ، هو ثوب مصري أبيض من كتّان ، قال الزمخشريّ : القُرقبيّة والترقبيّة : ثياب مصري بيض من كتّان ، ويروى بقافين منسوب إلى قرقوب مع حذف الواو في النسب كسابريّ في سابور . (10) قوله : (محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين) .[ ح 7 / 7212] محمّد بن يحيى هذا هو العطّار ، ومحمّد بن الحسين هو محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب بقرينة رواية محمّد بن يحيى العطّار عنه ، فالخبر صحيح ويدلّ على جواز لبس الطيلسان المزرّر ، والطيلسان على ما قاله جدّي في شرح الفقيه : «ثوب يشمل البدن وليس له كمّ ، ويكون فوق الثياب ، ويكون في بلاد الهند مخيطا وعندنا من اللبد للمطر» . (11) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (لا تلبس ثوبا له أزرار) إلخ .[ ح 9 / 7214] تدلّ على جواز لبس المخيط والخفّ في حال الاضطرار للمحرم ، ويأتي القول فيه في باب المحرم يضطرّ إلى ما لا يجوز له لبسهُ . قوله في خبر الحسين بن المختار : (لا يحرم في الثوب الأسود) .[ ح 13 / 7218] ظاهره الحرمة ، وبه قال الشيخان في المقنعة (12) والمبسوط (13) والنهاية (14) ، وحكي ذلك عن ابن حمزة . (15) والخبر مع ضعفه بالحسين ، فإنّه من الواقفة الغير الموثّقين على الأشهر (16) واشتراك الحسن بن عليّ (17) يمكن حمله على الكراهة كما هو المشهور بين الأصحاب ، للجمع بينه وبين صحيحة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ ثوب يصلّى فيه فلا بأس أن تحرم فيه» (18) بل لا يبعد حمل كلام الشيخين أيضا عليه ، كما قال ابن إدريس : معنى كلام الشيخ في النهاية وهو : لا يجوز الإحرام في الثياب السود _ : «أنّه مكروه شديد الكراهة ، لا أنّه محظور» (19) ، وأمّا باقي الألوان فلا خلاف في جواز الإحرام فيه وإن كان مصبوغا بالزعفران لكن بعد [ أن] ذهبت رائحته . ويدلّ عليه خبرا عبداللّه بن هلال والحسين بن أبي العلاء (20) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه ، قال : سألت أخي موسى عليه السلام : يلبس المحرم الثوب المشبّع بالعصفر ؟ فقال : «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به» . (21) وفي الصحيح عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «كان عليّ عليه السلام محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان ، فمرّ به عمر بن الخطّاب ، فقال : يا أبا الحسن ، ما هذان الثوبان المصبوغان؟ فقال له عليّ عليه السلام : ما نريد أحدا ليعلّمنا بالسنّة ، إنّما هما ثوبان مصبوغان بالمشق ، يعني الطّين» . (22) وعن سعيد بن يسار ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران ، أغسله وأحرم فيه؟ قال : «لا بأس به» . (23)

.


1- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 781 .
2- . الاستذكار ، ج 4 ، ص 29 ؛ التمهيد، ج 2 ، ص 254 ؛ حكيا عنه ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير، ج 3، ص 227 .
3- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 781 782 .
4- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 329 .
5- . هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
6- . بعده في الأصل بياض بقدر خمسة أسطر .
7- . ترتيب كتاب العين ، ج 2 ، ص 1125 (عبر) .
8- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 89 (ظفر) .
9- . النهاية ، ج 2 ، ص 80 81 (خمص) .
10- . النهاية ، ج 3 ، ص 440 (فرقب) .
11- . روضة المتّقين ، ج 4 ، ص 400 .
12- . المقنعة ، ص 444 .
13- . المبسوط ، ج 1 ، ص 319 .
14- . النهاية ، ص 217 .
15- . الوسيلة ، ص 163 .
16- . اُنظر : رجال الطوسي ، ص 334، الرقم 4972 ؛ خلاصة الأقوال، ص 337 ؛ رجال ابن داود، ص 82 ، الرقم، 496 ، ص 241 ، الرقم 151.
17- . الحسن بن عليّ الراوي عن أحمد بن عائذ مشترك بين ابن فضّال ، و الخزّار ، و الحسن بن عليّ الوشّاء . اُنظر ترجمة أحمد بن عائذ في معجم رجال الحديث .
18- . الكافي ، ح 3 من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 66 ، ح 212 ؛ المقنع ، ص 226 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 9 ، ص 173 ، ح 10591 .
19- . السرائر ، ج 1 ، ص 542 .
20- . هما الحديث 17 و 18 من هذا الباب من الكافي .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 67 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 165 ، ح 540 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 480 ، ح 16837 .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 67 68 ، ح 219 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 482 483 ، ح 16842 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 67 ، ح 218 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 485 486 ، ح 16850 .

ص: 11

. .

ص: 12

. .

ص: 13

باب المحرم يشدّ على وسطه الهميان والمنطقة

باب المحرم يشدّ على وسطه الهميان والمنطقةأمّا شدّ الهميان وعقده على الوسط فممّا لا خلاف في جوازه للمحرم . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره ما رواه الصدوق رضى الله عنه عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المحرم يشدّ الهميان وسطه؟ فقال : «نعم ، وما خيره بعد نفقته؟!» (1) ويشعر أكثر الأخبار باشتراط الجواز بكون نفقته فيه ، فلا يجوز عقد الهميان الخالي عنها عليه ، وصرّح به في المنتهى . (2) وأمّا المنطقة فجوازها من غير عقد ممّا لا ريب فيه مطلقا ، وأمّا مع العقد فإطلاق صحيح يعقوب بن شعيب (3) يقتضي جوازها كذلك ، ولا يبعد تقييده بما إذا كانت نفقته فيها بقرينة صحيح أبي بصير . (4)

.


1- . الفقيه ، ج 2 ، ص 346 ، ح 2645 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 492 ، ح 16873 .
2- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 783 .
3- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
4- . هو الحديث الثاني من هذا الباب .

ص: 14

باب ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب والحلي وما يكره لها من الثياب

باب ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب والحلي وما يكره لها من الثيابهنا مسائل : الاُولى : قال جمع من الأصحاب منهم ابن إدريس : (1) يجوز إحرام المرأة في الحرير المحض ، وهو محكي عن المفيد رحمه الله في كتاب أحكام النساء (2) ، وقوّاه أكثر المتأخّرين (3) ؛ لصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج ؟ قال : «نعم لا بأس ، به وتلبس الخلخالين والمسك» . (4) وحسنة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» (5) ، بناءً على المشهور بين الأصحاب من جواز الصلاة لها في الحرير . وحرّمه الشيخ في التهذيب (6) ، وهو ظاهره في النهاية (7) والمبسوط (8) حيث حكم فيهما بأنّه يحرم عليها في حال الإحرام من الثياب جميع ما يحرم على الرجل ، واستثنى في الأوّل السراويل فقط ، وفي الثاني القميص أيضا من غير استثناء للحرير . ويدلّ عليه صحيحة عيص (9) وخبرا أبي عيينة (10) وإسماعيل بن الفضل (11) ، والأظهر الكراهة ؛ للجمع ، وهو ظاهر خبر أبي الحسن الأحمسيّ (12) ، وما يرويه المصنّف قدس سرهفي باب لبس الحرير من كتاب الزيّ والتجمّل من موثّق سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحرّ والبرد فلا بأس» . (13) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن الحلبيّ ، قال : «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض» (14) ، ثمّ قال : وسأله سماعة عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال : «لا يصلح لها أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه ، فأمّا الخز والعَلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة ، وإن مرَّ بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بيدها من الشمس ، وتلبس الخزّ ، أما أنّهم يقولون : إنّ في الخزّ حريرا وإنّما يكره الحرير المبهم» . (15) وقال أيضا : وسأله أبو بصير المراديّ عن القزّ تلبسه المرأة في الإحرام؟ قال : «لا بأس ، إنّما يكره الحرير المبهم» . (16) الثانية : المشهور جواز لبسها للمخيط ؛ لصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المرأة تلبس القميص [ تزره عليها و تلبس الخزّ والحرير والديباج؟ فقال : نعم لا بأس به]» . (17) ويؤيّدها عموم صحيحة عيص (18) وبعض آخر من أخبار الباب ، وادّعى في السرائر (19) إجماع الطائفة وعملهم وعمل المسلمين عليه ، وظاهر ما حكيناه عن الشيخ في النهاية (20) والمبسوط (21) تحريمه مستثنى منه ما ذكرناه . وحكى في المختلف عنه أنّه منعه فيهما محتجّا بعموم المنع من لبس المخيط . وأجاب عنه : بأنّه في حقّ الرجال خاصّة . (22) الثالثة : قال الشيخ قدس سره في التهذيب : أنّها لا تلبس حليا تتزيّن به ، ولا تلبس الثياب المصبوغة المُفدمة (23) ، وأراد بالحليّ الغير المعتادة ، كما صرّح به جماعة منهم العلّامة في المنتهى (24) ، وبذلك جمع بين الأخبار التي دلّت على تحريم لبسها عليها ممّا رواه المصنّف في الباب ، وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه نهى النساء في إحرامهنّ عن القفّازين (25) والخلخال . (26) وعن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا تتنقّب المرأة الحرام ، ولا تلبس القفّازين» (27) ، وبين ما دلّ على جوازه ، وهو ما رواه الشيخ عن عمّار بن موسى الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تلبس المحرمة الخاتم من الذهب» . (28) ويدلّ على هذا الجمع صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (29) ، وخبر حريز ، قال : «إذا كان للمرأة حليّ لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها» . (30) وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «في المحرمة أنّها تلبس الحلي كلّه إلّا حليّا مشهورا لزينة» . (31) وخبر الكاهليّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تلبس المرأة المحرمة الحليّ كلّه إلّا القرط المشهور والقلادة المشهورة» . (32) على ما يشعر به تقييد الحلي الممنوع عنه بالشهرة . واعلم أنّ تحريم التختّم للزينة غير مختصّ بالمرأة ، بل يحرم على الرجل أيضا ، وإنّما يجوز له للسنّة ، ولا نعرف فيه خلافا . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن مسمع ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته : أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : «لا يلبسه للزينة» . (33) وبذلك جمع بينه وبين صحيحة محمّد بن إسماعيل قال : رأيت العبد الصالح عليه السلام وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة . (34) وخبر أبي بصير ، عن نجيح ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم» . (35) ويؤيّده أصالة جواز لبسه للسنّة . الرابعة : يحرم على المرأة تغطية الوجه وسدل القناع إلّا إلى طرف أنفها من غير أن يتّصل بوجهها . ويدلّ عليه بعض أخبار الباب ، ويأتي تحقيق القول فيهما عن قريب . قوله في صحيحة عيص بن القاسم : (غير الحرير والقُفّازين) .[ ح 1 / 7231] القُفّاز كرمّان : ضرب من الحليّ لليدين والرجلين . (36) وفي المنتهى : «القفّازان في الأصل شيء تتّخذه النساء لليدين يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار تُزرّ على الساعدين من البرد» . (37) وفي السرائر : القفاز أيضا الدستبانج الذي يتّخذ للجوارح من جلد يمدّه الرجل على يده ، قال الشاعر : تبّا لذي أدبٍ يرضى بمعجزةولا يكون كبازٍ فوق قُفّاز (38) ويعني بذلك ما يقال له بالفارسيّة : «بهلَة» وهو غير مراد هنا . قوله في خبر النضر بن سويد : (إلّا المصبوغة بالزعفران والورس) إلخ .[ ح 2 / 7232] الورس : نبت أصفر يكون باليمن تتّخذ منه الغمرة للوجه (39) ، والفرند : ثوب مُزَخرف (40) معرّب بيرند . قوله في حسنة الحلبيّ : (إلّا صبغ لا يردع) .[ ح 3 / 7233] الرَّدع : الزعفران أو لطخ منه أو من الدم ، وأثر الطيّب في الجسد . (41) قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : (والمَسَكة والقرطان) .[ ح 4 / 7234] المسكة بالتحريك : السوار من الزّبل ، وهي قرون الأوغال ، وقيل : جلود دابّة بحريّة ، والجمع مَسَك . (42) والقرط : نوع من حليّ الاُذن معروف . (43) قوله في حسنة عبداللّه بن ميمون : (لأنّ إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في وجهه) .[ ح 7 / 7237] يدلّ على ما هو المشهور من جواز ستر الوجه للرجل المحرم ، ويأتي القول فيه إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . السرائر ، ج 1 ، ص 531 .
2- . أحكام النساء ، ص 35 .
3- . اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 238 ، المسألة 177 ؛ مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 61 ؛ مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 275 _ 276 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 74 75 ، ح 246 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 309 ، ح 1100 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 366 ، ح 16525 .
5- . الفقيه ، ج 2 ، ص 334 ، ح 2595 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 66 ، ح 212 ؛ و رواه الكليني في باب ما يلبس المحرم من الثياب ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 359 ، ح 16505 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 73 ، ذيل الحديث 242 .
7- . النهاية ، ص 218 .
8- . المبسوط ، ج 1 ، ص 319 320 .
9- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
10- . هو الحديث السادس من هذا الباب .
11- . هو الحديث الثامن من هذا الباب .
12- . هو الحديث الخامس من هذا الباب .
13- . هذا هو الحديث 12 من باب لبس الحرير و الديباج من كتاب الزيّ و التجمّل من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 380 ، ح 5451 .
14- . الفقيه ، ج 2 ، ص 345 ، ح 2638 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 367 ، ح 16528 .
15- . الفقيه ، ج 2 ، ص 344 345 ، ح 2635 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 368 ، ح 16531 .
16- . الفقيه ، ج 2 ، ص 345 ، ح 2636 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 367 ، ح 16529 .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 74 75 ، ح 246 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 309 ، ح 1100 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 366 ، ح 16525 .
18- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
19- . السرائر، ج 1، ص 624.
20- . النهاية، ص 218.
21- . المبسوط ، ج 1 ، ص 320 .
22- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 62 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 73 ، ذيل الحديث 242 . و المفدمة من الثياب المشبعة حمرة . لسان العرب ، ج 10 ، ص 203 (فدم) .
24- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 788 .
25- . القفّاز بالضمّ و التشديد : شيء يعمل لليدين و يحشى بقطن ، و يكون له أزرار تزرّ على الساعد ، تلبسه المرأة من نساء العرب تتوقّي به من البرد ، و هما قفّازان . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 534 (قفز) .
26- . المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 309 ؛ و الحديث بدون ذكر الخلخال رواه أبوداود في سننه ، ج 1 ، ص 410 ، ح 1827 ؛ و الحاكم في المستدرك ، ج 1 ، ص 486 ؛ و البيهقي في السنن الكبرى ، ج 5 ، ص 47 و 52 .
27- . سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 164 ، ح 834 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 336 ، ح 3661 .
28- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 76 ، ح 250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 490 491 ، ح 16868 .
29- . هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
30- . الفقيه ، ج 2 ، ص 345 ، ح 2639 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 498 ، ح 16894 ، و فيهما : «لم تنزع حليّها» .
31- . الفقيه ، ج 2 ، ص 344 ، ح 2634 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 75 76 ، ح 249 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 310 ، ح 1105 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 497 ، ح 16889 ، و في غير الأوّل : «مشهورا للزينة» .
32- . الفقيه ، ج 2 ، ص 344 ، ح 2632 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 497 _ 498 ، ح 16891 .
33- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 73 ، ح 242 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 165 166 ، ح 544 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 490 ، ح 16867 .
34- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 73 ، ح 241 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 165 ، ح 543 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 490 ، ح 16866 .
35- . هذا هو الحديث 22 من باب ما يلبس المحرم من الثياب من الكافي ؛ و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 73 ، ح 240 ؛ والاستبصار ، ج 2 ، ص 165 ، ح 542 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 490 ، ح 16864 .
36- . معجم مقائيس اللغة ، ج 5 ، ص 115 (قفز) ؛ تاج العروس ، ج 8 ، ص 129 ؛ و قال الجوهري في الصحاح ، ج 3 ، ص 892 : «القُفّاز : شيء يعمل لليدين يحشى بقطن و يكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد ، و تلبسه المرأة في يديها و هما قفّازان . و مثله في مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 534 ؛ و النهاية ، ج 4 ، ص 90 ، ثم قال : «و قيل : هو ضرب من الحلي تتّخذه المرأة ليديها» .
37- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 687 .
38- . السرائر ، ج 1 ، ص 544 .
39- . صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 988 (ورس) .
40- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 9 ؛ مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 396 (فرند) .
41- . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 167 (ردع) .
42- . النهاية ، ج 4 ، ص 331 (مسك) .
43- . النهاية ، ج 4 ، ص 41 (قرط) .

ص: 15

. .

ص: 16

. .

ص: 17

. .

ص: 18

. .

ص: 19

باب المحرم يضطرّ إلى ما لا يجوز لبسه

باب المحرم يضطرّ إلى ما لا يجوز لبسهأراد قدس سره بيان جواز لبس الخفّين والجوربين والقباء والسراويل عند فقد ثوبي الإحرام والنعل ، لكن بتغيير يسير في ما عدا السراويل بشقّ ظهر الخفّ والجورب ولبس القباء مقلوبا من غير أن يدخل يديه في الكمّين ، وظاهره عدم وجوب الفدية حينئذٍ لا في لبس الخفّ والجورب ولا في لبس القباء ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل لم أجد مخالفا له . وهو مذهب أكثر العامّة منهم الشافعيّ وأحمد ، ونقل عن أبي حنيفة ومالك وجوب الفدية في الموضعين . (1) ويدلّ على مذهب الأصحاب أصالة البراءة عن الفدية وانتفاء دليل عليها ؛ لإطلاق الأخبار في الجواز في الضرورة من غير إيجاب للفدية ، فمنها : ما رواه المصنّف قدس سره في الباب . ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اضطرّ المحرم إلى القباء ولم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي القباء» . (2) وفي الصحيح عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يلبس المحرم الخفّين إذا لم يجد نعلين ، وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عاتقه أو قباءه بعد أن ينكسه» . (3) ومنها : ما رواه الصدوق رضى الله عنه عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل؟ قال : «نعم ، ولكن يشقّ ظهر القدم ، ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ، ويقلب ظهره لباطنه» . (4) وروى الجمهور عن عبداللّه بن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين وليقطعهما حتّى يكونا إلى الكعبين» . (5) وقد وقع الخلاف في مقامين : الأوّل : في تفسير النكس ؛ فعلى المشهور هو أن يجعل ظهر القباء بطنا وبطنه ظهرا ، أو أن يجعل أعلاه أسفله ، وهما مرويّان . ومنع ابن إدريس الأوّل ؛ محتجّا بأنّه يشبه لبس المخيط . (6) ويردّه خبر محمّد بن مسلم . ويؤيّدها قوله عليه السلام في صحيحة الحلبيّ : «ولا يدخل يديه في يدي القباء» . (7) والأفضل الجمع ؛ لرواية مثنّى الحنّاط (8) ، فإنّ ظاهر العطف فيها المغايرة . والثاني : في وجوب شقّ ظهر الخفّ والجورب ؛ فقد قال به الشيخ في أكثر كتبه (9) وأتباعه (10) ؛ لخبر محمّد بن مسلم المتقدّم ، وما رواه المصنّف عن أبي بصير (11) ، ومنعه الشيخ في النهاية (12) وابن إدريس (13) والمحقّق (14) وجماعة . (15) ويدلّ عليه إطلاق عدّة أخبار ، منها : صحيحة عمر بن يزيد (16) المتقدّم . ومنها : ما رواه المصنّف في الباب من خبري رفاعة (17) وحمران (18) ، وكأنّهما حملا الأمر بالشقّ في الخبرين المشار إليهما على الندب والاستحباب ؛ لضعف سنديهما بوجود الحكم بن مسكين (19) في الأوّل ، وعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ الذي هو قائد أبي بصير في الثاني . (20) وهو محكي عن جماعة من العامّة محتجّين بعموم حديث ابن عبّاس وجابر : «من لم يجد نعلين فليلبس خفّين» . (21) وخصوص ما نقلوا عن عليّ عليه السلام : «قطع الخفّين فساد ، تلبسهما كما هما» . (22) وعن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رخّص للمحرم عن يلبس الخفّين ولا يقطعهما . (23) وعن صفيّة أنّها قالت : كان ابن عمر يفتي بقطعهما ولمّا أخبرته بحديث عائشة رجع . (24) وفي المنتهى : قال بعضهم : الظاهر أنّ القطع منسوخ ، فإنّ عمرو بن دينار روى الحديثين معا وقال : انظروا أيّهما كان قبل؟ قال الدارقطنيّ : قال أبو بكر النيسابوريّ : حديث ابن عمر كان قبل ؛ لأنّه قد جاء في بعض رواياته أنّه قال : نادى رجل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو في المسجد يعني بالمدينة وكأنّه قال قبل الإحرام . وفي حديث ابن عبّاس يقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخطب بعرفات يقول : «مَن لم يجد نعلين فليلبس خفّين» . فدلّ على تأخّره عن حديث ابن عمر ، فكان ناسخا . (25) قوله : (وفي رواية اُخرى يقلب ظهره بطنه) .[ ح 5 / 7246] إشارة إلى صحيحة محمّد بن مسلم (26) المتقدِّمة .

.


1- . اُنظر : المغني ، ج 3 ، ص 272 273 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 272 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 262 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 224 ؛ الاستذكار ، ج 4 ، ص 16 ؛ التمهيد ، ج 15 ، ص 112 .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 70 ، ح 228 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 486 ، ح 16851 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 70 ، ح 229 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 486 ، ح 16852 .
4- . الفقيه ، ج 2 ، ص 340 ، ح 2616 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 487 ، ح 16857 .
5- . صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 163 164 ؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 160 ؛ مسند الشافعي ، ص 117 ؛ مسند الشاميّين ، ج 1 ، ص 409 ، ح 711 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 4 ، ص 10 ، ح 2825 . و في بعضها : « . . . أسفل من الكعبين» ، و في بعضها : «دون الكعبين» .
6- . السرائر ، ج 1 ، ص 543 .
7- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 70 ، ح 228 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 486 487 ، ح 16851 و 16855 ، و الصحيحة هي رواية التهذيب .
8- . هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
9- . المبسوط، ج 1، ص 320؛ الخلاف، ج 2، ص 295، المسألة 75.
10- . اُنظر : الوسيلة ، ج 10 ، ص 163 ؛ الجامع للشرائع ، ص 184 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 184 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 244 ، المسألة 183 ؛ مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 80 81 .
11- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب .
12- . النهاية ، ص 218 ، فإنّه أطلق و لم يذكر الشّق .
13- . السرائر ، ج 1 ، ص 543 .
14- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 185 .
15- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 339 .
16- . وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 486 ، ح 16852 .
17- . هو الحديث الثاني من هذا الباب .
18- . هو الحديث السادس من هذا الباب .
19- . لم يوثّق ، اُنظر : رجال النجاشي ، ص 136 ؛ رجال الطوسي ، ص 197 ، الرقم 2483 .
20- . رجال النجاشي ، ص 249 ، الرقم 656 ؛ الفهرست ، ص 161 ، الرقم 418 ؛ رجال الطوسي ، ص 339 ، الرقم 5049 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 362 363 .
21- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 221 و 279 و 285 ؛ و ج 3 ، ص 323 و 395 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 32 ؛ صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 38 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 3 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 977 ، ح 2931 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 133 ، و ج 8 ، ص 205 206 .
22- . المغني و الشرح الكبير لابن قدامة ، ج 3 ، ص 274 .
23- . نفس المصدرين ، عمدة القاري ، ج 10 ، ص 198 .
24- . نفس المصادر المتقدّمة .
25- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 782 .
26- . وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 486 ، ح 16852 .

ص: 20

. .

ص: 21

. .

ص: 22

باب ما يجب فيه الفداء من لبس الثياب .

باب ما يجب فيه الفداء من لبس الثياب .فيه مسائل :الاُولى : جواز لبس ما يحرم على المحرم مع وجود ثوبي الإحرام ولو في حال الاضطرار ، ومنه ضرورة الحرّ والبرد ومع الفدية ، ولا خلاف فيه بين الأصحاب . ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم . (1) وقال صاحب المدارك : واستدلّ عليه في المنتهى (2) أيضا بقوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» (3) قال : ومعناه مَن كان منكم مريضا فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف ، ثمّ عزى ذلك إلى الشيخ (4) ، وهو غير جيّد ؛ أمّا أوّلاً فلأنّ سوق الآية يقتضي اختصاصها بالحلق لترتّب ذلك على قوله عزّ وجلّ : «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (5) ، وقد صرّح بذلك الإمام الطبرسي أيضا في تفسيره ، فقال : فمَن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ؛ أي من مرض منكم مرضا يحتاج فيه إلى الحلق أو تأذّى بهوام رأسه اُبيح له الحلق بشرط الفدية . (6) وأمّا ثانيا فلأنّ اللّازم من ذلك التخيير في فدية اللبس بين الصيام والصدقة ، والنسك كالحلق ، ولا نعلم بذلك قائلاً من الأصحاب ولا غيرهم ، بل مقتضى كلام الجميع تعيّن الدم . (7) الثانية : كفّارة لبس ما يحرم على المحرم العامد العالم اختيارا واضطرارا شاة إجماعا . ويدلّ عليه أخبار ، منها : صحيحة زرارة . (8) ومنها : ما رواه الشيخ عن زرارة بن أعين ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «مَن نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلاً فليس عليه شيء ، ومَن فعله متعمّدا فعليه دم شاة» . (9) وعن سليمان بن العيص أو ابن الفيض على اختلاف النسخ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يلبس القميص متعمّدا؟ قال : «عليه دم» . (10) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم (11) ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يلبس القميص متعمّدا ، قال : «عليه دم» . ولا يعتبر طول زمان اللّبس عندنا وعند أكثر العامّة . وعن أبي حنيفة أنّه إنّما يجب الدم بلباس يوم وليلة ولا يجب فيما دون ذلك ؛ محتجّا بأنّه لم يلبس لبسا معتادا ، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص . (12) وفيه ما فيه . ويدلّ حسنة محمّد بن مسلم (13) على وجوبها مع الاضطرار أيضا ، ولا خلاف فيه بين أهل العلم في غير السراويل والخفّ والجورب والقباء المقلوب ، وأمّا هذه فقد سبقت ، وأجمع أهل العلم على عدم وجوب كفّارة إذا لبسه ناسيا أو جاهلاً . ويدلّ عليه عموم قوله صلى الله عليه و آله : «رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» (14) ، وخصوص صحيحة زرارة (15) ، وهو القاعدة فيما سوى الصيد من محرّمات الإحرام كما يستفاد من أخبار تأتي في محالّها . الثالثة : أجمع الأصحاب على تعدّد الكفّارة بتعدّد الأسباب الموجبة لها مع اختلافها جنسا كالجماع والصيد واللبس ونحوها ، اتّحد الوقت والمحلّ أو اختلفا ، كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر . وعلّله في المنتهى بأنّ «كلّ واحد منها سبب مستقلّ في وجوب الكفّارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع ، فالأثر موجود» ، (16) وهل تتكرّر بتكرّر واحد منها؟ فظاهر السيّد المرتضى رضى الله عنه وفاق الأصحاب على تعدّدها بتعدّد الجماع مطلقا (17) ، والظاهر وفاقهم على تعدّدها بتعدّد الصيد خطأً واختلافهم في عمده (18) ، واختلفوا في التظليل ، وسيأتي القول في ذلك كلّه في محالّها إن شاء اللّه تعالى . وأمّا غير هذه فمقتضى الاُصول تعدّدها بتكرّره مطلقا مع صدق التكرّر عرفا ، ومنه ما لو لبس قميصا وعمامة وسراويل ولو في وقت واحد من غير فصل لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات ، من غير حاجة إلى نصّ خاصّ . نعم ، لو لم يصدق تعدّدها عرفا تداخلت كما لو لبس قميصا وقباء دفعة بأن أخرج يديه من بينهما دفعة ، وكذا في الحلق والقلم والطيب ونحوها . ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم (19) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه (20) ، وهي وإن وردت في اللّباس لكنّ الفارق غير موجود والقاعدة تقتضي التعميم . وذهب إليه جماعة منهم الشيخ في المبسوط (21) ، والعلّامة في المنتهى (22) ، والشهيد في الدروس (23) ، واعتبر الشهيدان في اللمعة (24) وشرحها (25) في اللبس خصوصا تعدّد المجلس ، ويظهر من ابن الجنيد الفصل بين الأعيان المحرّمة كالطّيب وأضرابه والمنافع المحرّمة كالقبلة ونحوها ، والقول بتعدّد الفدية بتكرّر الاُولى مطلقا دون الثانية كذلك ، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «كلّ عين محرّم على المحرم إتلافها فعليه لكلّ عين فدية إذا أتلفها في مجلس واحد كان ذلك أو في مجالس» . (26) وهو تحكّم .

.


1- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
2- . الخلاف ، ج 2 ، ص 812 .
3- . البقرة (2) : 196 .
4- . النهاية ، ص 234 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 351 .
5- . البقرة (2) : 196 .
6- . مجمع البيان ، ج 2 ، ص 38 . و نحوه في جوامع الجامع ، ج 1 ، ص 192 .
7- . مدارك الأفهام ، ج 8 ، ص 437 438 .
8- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 369_ 370 ، ح 1287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 157 ، ح 17472 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 384 ، ح 1339 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 157 ، ح 17473 .
11- . كذا بالأصل ، و هذا الحديث مكرّر لسابقه ، و لم أجد لمحمد بن مسلم حديثا بهذا اللفظ ، نعم نسب هذا الحديث في تذكره الفقهاء إلى محمّد بن مسلم ، و هو واقع في سند الحديث اللاحق .
12- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 812 ؛ و تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 6 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 419 ؛ فتح العزيز ، ج 7 ، ص 441 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 187 ، و في الأخيرين : «يوما كاملاً» ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 384 و فيه : «يوما كاملاً أو ليلة كاملة» .
13- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
14- . وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 373 ، ح 5430 ، و قد تقدّم .
15- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
16- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 845 ؛ و مثله في تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص83 .
17- . الانتصار ، ص 252 .
18- . اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 122 .
19- . هي الحديث الثاني من هذا الباب .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 384 ، ح 1340 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 159 ، ح 17477 .
21- . المبسوط ، ج 1 ، ص 351 .
22- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 812 .
23- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 390 ، الدرس 102 .
24- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 70 .
25- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 365 .
26- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 178 .

ص: 23

. .

ص: 24

. .

ص: 25

باب الرجل يحرم في قميص أو يلبسه بعدما يحرم

باب الرجل يحرم في قميص أو يلبسه بعدما يحرمقال الشيخ في التهذيب : «وإذا لبس الإنسان قميصا بعد الإحرام فإنّه يجب عليه أن يشقّه ويخرجه من قدميه ، وإن لبسه قبل الإحرام فلينزعه من أعلاه» . (1) وهو المشهور بل لا يعرف مخالفا له من الأصحاب . (2) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا لبست قميصا وأنت محرم فشقّه واخرجه من تحت قدميك» . (3) وفي الصحيح عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «جاء رجل يلبّي حتّى دخل المسجد وهو يلبّي وعليه قميصه ، فوثب إليه اُناس من أصحاب أبي حنيفة ، فقالوا : شُقّ قميصك واخرجه من رجليك ، فإنّ عليك بدنة ، وعليك الحجّ من قابل وحجّك فاسد ، فطلع أبو عبداللّه عليه السلام فقام على باب المسجد فكبّر واستقبل الكعبة ، فدنا الرجل من أبي عبداللّه عليه السلام وهو ينتف شعره ويضرب وجهه ، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «اسكن يا عبد اللّه » ، فلمّا كلّمه وكان الرجل أعجميّا ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «ما تقول؟» قال : كنت رجلاً أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ لم أسأل أحدا عن شيء ، فأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قبل رجلي وأنّ حجّي فاسد وأنّ عليَّ بدنة ، فقال له : «متى لبست قميصك ، أبعدَ ما لبّيت أم قبل؟» قال : قبل أن اُلبّي . قال : «فاخرجه من رأسك ، فإنّه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحجّ من قابل ؛ أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه ، طف بالبيت سبعا ، وصلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، واسع بين الصفا والمروة ، وقصّر من شعرك ، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهلّ بالحجّ واصنع كما يصنع الناس» . (4) وزعم جماعة من العامّة وجوب شقّ القميص وإخراجه من قبل الرّجلين وإن لبسه قبل الإحرام محتجّين باستلزام النزع من الرأس تغطيته . (5) وفيه : أنّه لو سلّم صدق التغطية عرفا فهو مستثنى بالأخبار المذكورة ، وبما ورد في طريقهم من النزع على تقدير سبق اللّبس ؛ إذ المتبادر منه نزعه من الرأس .

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 72 ، ذيل الحديث 236 .
2- . اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص247 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 284 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 72 ، ح 237 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 488 ، ح 16859 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 72_ 73 ، ح 239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 488_ 489 ، ح 16861 .
5- . اُنظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 262 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 346 .

ص: 26

. .

ص: 27

باب المحرم يغطّي رأسه أو وجهه متعمِّدا أو ناسيا

باب المحرم يغطّي رأسه أو وجهه متعمِّدا أو ناسيالقد أجمع أهل العلم إلّا ما سيحكي على أنّه يحرم من المحرم تغطية الرأس عمدا دون الوجه ، وعلى المحرمة بالعكس . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه سابقا في حسنة عبداللّه بن ميمون، عن أبي جعفر عليه السلام ، (1) وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا، قال: «يلقي القناع عن رأسه ويلبّي، ولا شيء عليه». (2) وعن ابن مسكان ، قال : حدّثني زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : المحرم يقع على وجهه الذباب حين يريد النوم ، أيغطّي وجهه إذا أراد أن ينام؟ فقال : «نعم» . (3) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن حريز أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم ينام على وجهه وهو على راحلته ، فقال : «لا بأس بذلك» . (4) وعن منصور بن حازم ، قال : رأيت أبا عبداللّه عليه السلام وقد توضّأ وهو محرم ، ثمّ أخذ منديلاً فمسح به وجهه . (5) ومن طريق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها» . (6) وعنه صلى الله عليه و آله أنّه نهى عن العمائم والبرانس . (7) وعن ابن عبّاس أنّ محرما وقصت (8) به ناقته غداة عرفة فمات ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «خمِّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّيا» . (9) وحكي عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «لا يغطّي المحرم وجهه أيضا ، وإن فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده» (10) ، تعويلاً على صحيحة الحلبيّ ، قال : «المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا في يده» . قال : «ولا بأس أن ينام المحرم على وجهه على راحلته» (11) ، وهو محكي عن أبي حنيفة أيضا محتجّا بما حكيناه عن ابن عبّاس بزيادة «وجهه» عطفا على «رأسه» . (12) والجواب عن الصحيحة على تقدير استناده إلى معصوم بإمكان حمل الأمر فيها على الاستحباب ، ويؤيّده آخر الخبر . على أنّ وجوب الفدية ليس مستتبعا لحرمة التغطية ، بل يجامع جوازها كما ذهب إليه الشيخ في التهذيب ، فإنّه قال : «تغطية الوجه مع الاختيار جائز ، غير أنّه تلزمه الكفّارة ، ومتى لم ينو الكفّارة لم يجزئه ذلك» (13) ، واحتجّ عليه بهذا الخبر . وعن خبر ابن عبّاس أنّه خلاف المشهور في نقله ، بل المشهور فيه ما نقلناه أوّلاً ، وعلى تقدير صحّة النقل يحتمل أن يكون المراد النهي عن تخمير مجموع الرأس والوجه ، بل هو الظاهر ؛ لقوله : «خمّروا وجهه» في آخر الخبر . هذا ، ويجوز للمرأة سدل القناع على وجهها إلى طرف أنفها منفرجا عنه على ما هو المشهور بين الأصحاب . قال العلّامة في المنتهى : ولو احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها سدلت ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف أنفها ، ولا نعلم فيه خلافا . وروى ذلك عن عثمان وعائشة ، وبه قال عطاء ومالك والثوريّ والشافعيّ وأحمد وإسحاق ومحمّد بن الحسن (14) ؛ لما رواه الجمهور عن عائشة ، قالت : كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإذا جاوزنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه . (15) ومن طريق الخاصّة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حريز ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن» . (16) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة» (17) . (18) والمشهور بين الأصحاب شمول التغطية والستر لوضع اليد والشعر ونحوهما ؛ للعرف والعمومات ، خلافا للشيخ في المبسوط حيث قال : «فإن غطّاه يعني رأسه بيده أو شعره لم يكن عليه شيء» . (19) وبه قال العلّامة أيضا في المنتهى (20) معلّلاً بأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر ؛ ولهذا لو وضع يده على فرجه لم يجزه في الستر ولأنّ المحرم مأمور بمسح رأسه في الطهارة . وأيّده بصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس» . وقال : «لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» . (21) وقال الشهيد قدس سره في الدروس : «جوّز الفاضل ستر رأسه بيده لرواية معاوية : «لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» وليس صريحا في الدلالة ، والأولى المنع» . (22) انتهى . ولا يبعد تأييده بصحيحة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اغتسل المحرم للجنابة صبّ على رأسه الماء ، وميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض» . (23) واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب وجوب فدية شاة لتغطية الرأس للرجل ، بل يظهر من المنتهى قول علماء الإسلام به ، حيث قال : «مَن غطّى رأسه وهو محرم وجب عليه دم شاة ، ولا نعلم فيه خلافا» . (24) ولم يتعرّض جماعة منهم المحقّق (25) والشهيد في اللمعة (26) للفدية لها رأسا ، و لولا الإجماع لأمكن القول بعدم وجوبها ؛ لأصالة العدم وعدم دليل صالح عليه ، وكأنّهم تمسّكوا فيه بمفهوم صحيح حريز قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا ، قال : «يلقي القناع عن رأسه يلبّي ، ولا شيء عليه» (27) وهو مع ضعفه لكونه من كلام السائل ، لا يدلّ على المدّعى . وفي حكمه الارتماس وتغطية المرأة وجهها من شهرة وجوب الشاة وعدم نصّ ، وسكوت بعض الأصحاب عنه ، وظاهر الأصحاب وفاقهم على تحريم ستر بعض الرأس أيضا عليه . واحتجّ عليه في المنتهى بأنّ النهي عن إدخال الشيء في الوجود يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه فيه ، وقال : «ولهذا لمّا حرّم اللّه تعالى حلق الرأس تناول تحريم حلق بعضه». (28) واستثنوا مواضع : أحدها : ستره بعصام القربة ؛ لما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقي ، فقال : «نعم» . (29) وثانيها : تعصيبه بعصابة الصداع وبعصابة القروح والجروح ؛ لصحيحة معاوية بن وهب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يعصّب المحرم رأسه من الصداع» . (30) أو لما رواه الصدوق رضى الله عنهقال : وسأل يعقوب بن شعيب أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل المحرم يكون به القرحة يربطها أو يعصّبها بخرقة؟ قال : «نعم» . (31) وثالثها : ما يستر منه عند وضع الرأس على المخدّة للمنام ؛ لما رواه زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «له أن يغطّي رأسه ووجهه إذا أراد أن ينام» . (32) ويؤيّد جوازه في هذه المواضع قوله تعالى : «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (33) ، والقاعدة المشهورة من أنّ الضرورات تبيح المحرّمات . (34) ولا يبعد أن يقال : تجويز ستر بعض الرأس في هذه المواضع لعدم صدق ستر الرأس عرفا ، فيطّرد الجواز في غيرها أيضا ممّا لا يقال له ذلك عرفا ؛ لعدم نصّ على تحريم ستر بعض الرأس أصلاً ، وإنّما ورد النصّ فى¨ تحريم ستر الرأس ، فليرجع في ستر بعضه إلى صدق ستر الرأس ، فتأمّل . واعلم أنّه اجتمع في المرأة وجوب كشف جزء من الرأس مقدّمة لكشف الوجه ، ووجوب ستر جزء من الوجه مقدّمة لستر الرأس ، وقد صرّح الشهيد في الدروس (35) والعلّامة في المنتهى (36) بترجيح الثاني محتجّين بأنّها عورة ، فالاحتياط في الستر ، واحتجّ أيضا في الدروس بحصول مسمّى الوجه بفوات الجزء اليسير منه . وفيه : أنّه لو تمّ ذلك لعورض بحصول مسمّى الرأس بفوات اليسير منه ، والفرق تحكّم . قوله في صحيحة زرارة : (والمرأة عند النوم) .[ ح 1 / 7253] لا بأس أن تغطّي وجهها كلّه عند النوم .

.


1- . الكافي ، باب ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب ... ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 493 ، ح 16876 .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 307 ، ح 1050 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 184 ، ح 613 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 505 ، ح 16917 ؛ و ج 13 ، ص 153 ، ح 17461 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 38 ، ح 1053 . و رواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 356 ، ح 2687 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 506 ، ح 16921 .
4- . الفقيه ، ج 2 ، ص 356 ، ح 2686 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 511 ، ح 16936 .
5- . الفقيه ، ج 2 ، ص 354 ، ح 2679 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 474 ، ح 1257 ، و ج 12 ، ص 512 ، ح 16939 .
6- . المبسوط للسرخسي ، ج 4 ، ص 7 و 33 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 185؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 302 و 304 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 268 269 و 271 و 323 .
7- . المغني ، ج 3 ، ص 302 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 268؛ و هذا المعنى بلفظ آخر تجدها في : السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 49 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص42 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 2 .
8- . الوقص : كسر النعق . مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 190 (وقص) .
9- . السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 393 ؛ مسند الشافعي ، ص 358 .
10- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 171 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 308 ، ح 1054 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 505 506 ، ح 16918 .
12- . المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 304 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 271 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 268 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 308 ، ذيل الحديث 1052 .
14- . المغني ، ج 3 ، ص 305 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 323 324 .
15- . مسند أحمد ، ج 6 ، ص 30 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 411 412 ، ح 1833 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 48 .
16- . الفقيه ، ج 2 ، ص 342 ، ح 2625 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 495 ، ح 16881 .
17- . الفقيه ، ج 2 ، ص 342 ، ح 2626 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 495 ، ح 16883 .
18- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 791 .
19- . المبسوط ، ج 1 ، ص 351 .
20- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 790 .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 308 ، ح 1055 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 524 ، ح 16977 .
22- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 379 ، الدرس 100 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 313_ 314 ، ح 1080 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 536 ، ح 17011 .
24- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 814 .
25- . اُنظر : شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 185 ، لكنّه قال في ص 227 : «و في التظليل سائرا شاة ، و كذا الوغطّى رأسه بثوب ، أو طيّنه بطين يستره ، أو ارتمس في الماء ، أو حمل ما يستره» .
26- . اللمعة الدمشقيّة ، ص 59 .
27- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 307 ، ح 1050 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 184 ، ح 613 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 505 ، ح 16917 ؛ و ج 13 ، ص 153 ، ح 17461 .
28- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 789 .
29- . الفقيه ، ج 2 ، ص 346 ، ح 2642 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 508 ، ح 16925 .
30- . الحديث العاشر من باب العلاج للمحرم من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 308_ 309 ، ح 1056 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 507 ، ح 16923 .
31- . الفقيه ، ج 2 ، ص 346 ، ح 2643 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 529 ، ح 16990 .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 308 ، ح 1052 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 507 508 ، ح 16924 .
33- . الحجّ (22) : 78 .
34- . المعروف في لفظها : «الضرورات تبيح المحفظورات» . اُنظر : جامع الخلاف و الوفاق ، ص 143 ؛ كشف اللثام ، ج 7 ، ص 298 ؛ الحدائق الناضرة ، ج 7 ، ص 14؛ و ج 8 ، ص 243 .
35- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 380، الدرس 100.
36- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 791 .

ص: 28

. .

ص: 29

. .

ص: 30

. .

ص: 31

. .

ص: 32

باب الظّلال للمحرم

باب الظّلال للمحرملقد أجمع الأصحاب على تحريم التظليل سائرا للمحرم البالغ في المحمل والهودج وأشباههما من غير ضرورة ، وجوازه له في المنزل ، وإليه ذهب جماعة من العامّة منهم ابن عمر وأبو حنيفة ومالك وأحمد على ما حكي عنهم في المنتهى . (1) وفي الانتصار : وممّا ظنّ انفراد الإماميّة به ولهم فيه موافق القول بأنّ المحرم لا يجوز أن يستظلّ في محمله من الشمس إلّا عن ضرورة ، وذهبوا إلى أنّه يفدي بذلك إذا فعله بدم ، ووافق مالك في كراهية ذلك ، إلّا أنّنا ما نظنّ أنّه يوجب في فعله شيئا ، وباقي الفقهاء على خلاف ذلك . (2) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب بعض ما نرويه عن قريب ، ويؤيّدها ما روي عن عبداللّه بن عمر أنّه رأى على رحل عمر بن عبداللّه بن أبي ربيعة عودا ستره من الشمس ، فنهاه . (3) وعن نافع، عن ابن عمر : أنّه رأى رجلاً محرما على رَحل قد رفع ثوبا على عود يستتر به من الشمس ، فقال : اضح لمَن أحرمت له . (4) واحتجّ عليه في الانتصار بإجماع الطائفة وبالاحتياط . (5) وحكى في المنتهى (6) عن الشافعي (7) أنّه رخّص فيه محتجّا بما رواه مسلم عن يحيى بن حصين ، عن جدّته اُمّ الحصين ، قال : سمعتها تقول : حججتُ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حجّة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة انصرف وهو على راحلته ، ومعه بلال واُسامة ، أحدهما يقود راحلته ، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الشمس . (8) واُجيب عنه بأنّه على تقدير صحّته لعلّه صلى الله عليه و آله كان مضطرّا إليه ، ولا ريب في جوازه حينئذٍ . على أنّه ليس صريحا في أنّ رميه صلى الله عليه و آله جمرة العقبة هذا الرمي كان في يوم النحر ، فلعلّه كان ذلك في غيره من أيّام التشريق ، فيكون بعد الحلق ، وحينئذٍ حلّ له التظليل ؛ إذ بالحلق بعد الرمي والذبح يتحلّل المحرم من كلّ ما حرّمه الإحرام ما عدا النساء والطيب والصيد . هذا ، وظاهر أكثر الأصحاب تحريم الاستظلال بنحو اليد أيضا . ويدلّ عليه ما رواه الصدوق رضى الله عنهعن سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده ، فقال : «لا ، إلّا من علّة» . (9) ولا يبعد القول بكراهته للجمع بين هذا الخبر وقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة في الباب السابق : «ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» . (10) وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «يستحبّ للمحرم أن لا يظلّل على نفسه ؛ لأنّ السنّة بذلك جرت ، فإن لحقه عَنَتٌ أو خاف من ذلك فقد روى عن أهل البيت عليهم السلام جوازه» . (11) فقد تشوّش كلامه بحيث يناقض آخرُهُ أوَّلَة ، إلّا أن يحمل الجواز فيه على الجواز من غير كراهية . واعلم أنّ التظليل المحرّم وإن كان مطلقا في أكثر الأخبار إلّا أنّ الأصحاب قيّدوه بما كان فوق رأسه ، صرّح بذلك جماعة منهم الشيخ في الخلاف حيث قال : «للمحرم أن يستظلّ بثوب ينصبه ما لم يكن فوق رأسه بلا خلاف ، وإذا كان فوق رأسه مثل الكنيسة والعمارية والهودج فلا يجوز له ذلك سائرا» . (12) ويدلّ عليه بعض الأخبار كخبري محمد بن الفضيل (13) ، وأجمع أهل العلم على جوازه اختيارا للمرأة والصبيّ ؛ لأصالة الجواز وانتفاء دليل على عدمه ، ولحسنة الكاهليّ (14) وخبر بكر بن صالح ، (15) ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن المحرم يركب القبّة؟ فقال : «لأ» ، قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : «نعم» . (16) وفي الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم محرمون ، ولا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم» . (17) وفي الصحيح عن هشام بن سالم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يركب في الكنيسة (18) فقال : «لا ، و هو للنساء جائز» . (19) وفي الصحيح عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يركب في القبّة؟ قال : «ما يعجبني ، إلّا أن يكون مريضا» ، قلت : فالنساء؟ قال : «نعم» . (20) وعن جميل بن درّاج ، والظاهر صحّته ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بالظلال للنساء و [ قد] رخّص فيه للرجال» . (21) يعني في الضرورة ، ولا خلاف بين الأصحاب إلّا ما حكي عن ابن الجنيد في وجوب الكفّارة عليه للتظليل وإن كان مع الاضطرار . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعريّ ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن المحرم يظلّل على نفسه؟ فقال : «أمن علّة؟» فقلت : يؤذيه حرّ الشمس وهو محرم ، فقال : «هي علّة يظلّل ويفدي» . (22) وفي الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن يفدي شاة يذبهما بمنى . (23) وفي الصحيح عن محمّد بن إسماعيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس ، قال : «أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى» . رواه في المنتهى . (24) وعن عليّ بن محمّد القاشانيّ ، قال : كتبت إليه : المحرم هل يظلّل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر أو كان مريضا ، أم لا؟ فإن ظلّل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب عليه السلام : «يظلّل على نفسه ويهريق دما إن شاء اللّه » . (25) وعن عبداللّه بن المغيرة ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام : أُظلّل وأنا محرم؟ قال : «لا» ، قلت : فاُظلّل واُكفّر ، قال : «لا» ، قلت : فإن مرضت؟ قال : «ظلّل وكفّر» . ثمّ قال : «أما علمت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : ما من حاجّ يضحى ملبّيا حتّى تغيب الشمس إلّا غابت ذنوبه معها» . (26) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع أنّه سئل أبو الحسن عليه السلام وأنا أسمع عن الظلّ للمحرم في أذىً من مطر أو شمس أو قال من علّة فأمر بفداء شاة يذبحها بمنى وقال : «نحن إذا أردنا ذلك ظلّلنا وفدينا» . (27) ثمّ الظاهر تعدّد الكفّارة بتعدّد التظليل عرفا مطلقا ؛ لوجوب تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب إلّا ما خرج بدليل . واحتمل بعض الأصحاب تعدّدها حسب تعدّد الأيّام كذلك . وفصّل الصدوق رضى الله عنهبين المختار والمضطرّ ، فاعتبر في الأوّل الأيّام ، وفي الثاني أوجب فدية واحدة لجملة المدّة . (28) وفي المدارك : ويستفاد من هذه الروايات عدم تكرار الفدية بتكرّر التظليل في النسك الواحد للعذر . وقوّى الشارح إلحاق المختار به أيضا في ذلك (29) ، وهو جيّد ؛ لأصالة عدم زيادة حكمه عن حكم المعذور . انتهى . (30) وفيه تأمّل . ولا فرق في ذلك على المشهور بين عمرة التمتّع وغيرها . وقال الشيخ قدس سره في التهذيب : «والمحرم إذا كان إحرامه للعمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ ثمّ ظلّل لزمه كفّارتان» . (31) واحتجّ عليه بما رواه عن أبي عليّ بن راشد ، قال : قلت له عليه السلام : جعلت فداك ، أنّه يشتدّ عليَّ كشف الظلال في الإحرام ؛ لأنّي محرور يشتدّ عليّ الشمس ، فقال : «ظلّل وأرق دما» ، فقلت له : دما أو دمين؟ قال : «للعمرة؟» قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مكّة فنحلّ ونحرم بالحجّ ، قال : «فأرق دمين» . (32) والظاهر أنّ المراد من الخبر ما إذا ظلّل في إحرام العمرة وفي إحرام الحجّ معا ، بقرينة ما رواه المصنّف عن أبي عليّ بن راشد (33) ، وربما حمل كلام الشيخ أيضا على هذا المعنى ، وهو بعيد ، والفدية مطلقا على المشهور شاة ؛ لدلالة أكثر الأخبار عليه . وعن ابن أبي عقيل وجوب صيام أو صدقة أو نسك ككفّارة الحلق (34) ، ولم أجد مستندا له . وأوجب (35) الصدوق (36) على ما حكي عنه إلى أنّ الواجب مدّ مستندا إلى خبر أبي بصير (37) ، وهو لندرته وضعفه غير قابل لمعارضة الأخبار المتقدّمة . قوله في حسنة عبداللّه بن المغيرة : (اِضحَ لمَن أحرمت له) .[ ح 2 / 7258] قال ابن الأثير في النهاية : في حديث ابن عمر رأى محرما قد استظلّ فقال : اِضحَ لمَن أحرمت له ، أي اظهر واعتزل الكِنّ والظلّ ، يُقال : ضحيت للشمس ، وضحيت أضحى فيهما ، إذا برزت لها وظهرت . قال الجوهري : يرويه المحدّثون أَضْحِ بفتح الهمزة وكسر الحاء ، وإنّما هو بالعكس . (38) والباء في قوله عليه السلام : «بذنوب المحرمين» ؛ بمعنى مع ، ويفهم منه العفو عن ذنوبهم عند الغروب . قوله في خبر أبي بصير : (إذا كانت فيه شقيقة) .[ ح 4 / 7260] في النهاية : الشقيقة : نوع من الصداع يعرض في مقدّم الرأس وأحد جانبيه . (39) قوله في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود : (إذا كانت الشمس والمطر يضرّ به) [ ح 9 / 7265] ، كذا في أكثر النسخ على حذو ما في نسخ التهذيب (40) ، فالضمير عائد إلى كلّ واحد من الشمس والمطر ، وفي بعض النسخ يضرّان على لفظ التثنية ، وكأنّه من تصحيح الكتّاب .

.


1- . نفس المصدر . وانظر : المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 267 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 282 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 269 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 340 .
2- . الانتصار ، ص 245 .
3- . المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 283 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 269 .
4- . نفس المصدرَين .
5- . الانتصار ، ص 245 .
6- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 791 792 .
7- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 434 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 282 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 269 .
8- . صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 80 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 130 .
9- . الفقيه ، ج 2 ، ص 355 ، ح 2683 ؛ وسائل الشيعه ، ج 12 ، ص 525 ، ح 16979 .
10- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 308 ، ح 1055 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 524 ، ح 16977 .
11- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 83 .
12- . الخلاف ، ج 2 ، ص 318 ، المسألة 118 .
13- . و هما ح 1 و 15 من هذا الباب من الكافي .
14- . هي الحديث العاشر من هذا الباب .
15- . هو الحديث 12 من هذا الباب .
16- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 312 ، ح 1070 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 515 516 ، ح 16953 .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 312 ، ح 1071 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 519 ، ح 16967 .
18- . الكنيسة : هي شيء يغرز في المحمل أو الرحل و يلقى عليه ثوب يستظلّ به الراكب ويستتر به . والجمع كنائس مثل كريهة و كرائم . مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 100 (كنس) .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 312 ، ح 1072 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 516 ، ح 16956 .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 312 ، ح 1073 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 516 ، ح 16954 .
21- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 312 ، ح 1074 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 187 ، ح 628 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 518 ، ح 16962 .
22- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 310 311 ، ح 1064 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 186 ، ح 624 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 154 155 ، ح 17465 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 311 ، ح 1065 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 186 ، ح 625 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 155 ، ح 17467 .
24- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 792 . و هذا هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
25- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 310 ، ح 1063 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 187 ، ح 186 ، ح 623 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 154 ، ح 17462 .
26- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 313 ، ح 1075 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 187 ، ح 627 ، و لم يذكر ذيله ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 516 ، ح 16955 .
27- . الفقيه ، ج 2 ، ص 354 ، ح 2677 ؛ وسائل الشيعه ، ج 13 ، ص 155 ، ح 17468 .
28- . لم أعثر عليه في كتب الصدوق ، و القائل بهذا القول الحلبي في الكافي ، ص 204 .
29- . مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 486 .
30- . مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 443 .
31- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 311 ، ذيل الحديث 1066 .
32- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 311 ، ح 1067 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 156 ، ح 17470 .
33- . هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي .
34- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 176 .
35- . كذا في الأصل ، والمناسب : «ذهب» أو «مال» .
36- . المقنع ، ص 234 .
37- . الفقيه ، ج 2 ، ص 354 ، ح 2676 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 155 156 ، ح 17469 .
38- . النهاية ، ج 3 ، ص 77 (ضحا) . و كلام الجوهري في صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2407 .
39- . النهاية ، ج 2 ، ص 492 (شقق) .
40- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 311 ، ح 1066 .

ص: 33

. .

ص: 34

. .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

باب أنّ المحرم لا يرتمس في الماء

باب أنّ المحرم لا يرتمس في الماءلا خلاف بين الأصحاب في حرمة الارتماس على الرجل المحرم لاستتباعه ستر الرأس المحرّم عليه كما سبق ، ولما رواه المصنّف قدس سره في الباب ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يرتمس المحرم في الماء» . (1) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لا تمسّ الريحان وأنت محرم ، ولا تمسّ شيئا فيه زعفران ، ولا تأكل طعاما فيه زعفران ، ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك» . (2) ولا يحرم عليه إفاضة الماء على رأسه ؛ لعدم صدق تغطية الرأس عرفا عليها ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يغتسل ، فقال : «نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه» . (3) وفي الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اغتسل المحرم للجنابة صبّ على رأسه الماء ، يميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض» . (4) وما رواه الصدوق رضى الله عنه عن أبان ، عن زرارة ، قال : سألته عن المحرم ، هل يحكّ رأسه أو يغتسل بالماء إلى قوله : «ولا بأس بأن يغسله بالماء ، ويصبّ على رأسه ما لم يكن ملبّدا ، فإن كان ملبّدا فلا يفيض على رأسه الماء إلّا من احتلام» . (5) والظاهر حرمة الارتماس على المرأة أيضا ؛ لاستلزامه لستر الوجه المحرّم عليها ويومي إليها عطف الصائم على المحرم فيما رواه المصنّف من صحيحة يعقوب بن شعيب (6) ، وفيما رويناه في الباب السابق من صحيحة حريز . (7)

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 307 ، ح 1049 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 508 ، ح 16927 .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 307 ، ح 1048 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 508 ، ح 16926 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 313 ، ح 1079 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 535 ، ح 17010 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 313_ 314 ، ح 1080 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 536 ، ح 17011 .
5- . الفقيه ، ج 2 ، ص 360 ، ح 2705 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 536 ، ح 17012 .
6- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
7- . وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 519 ، ح 16967 .

ص: 39

باب الطيب للمحرم

باب الطيب للمحرمالطيب على ما ذكره جمع من الأصحاب : هو الجسم ذو الرائحة الطيّبة المتّخذ للشمّ غالبا غير الرياحين ، فما يطلب منه الأكل والتداوي كالثمار والأبازير الطيّبة الريح ونظائرهما خارج عنه . (1) وادّعى ابن إدريس تحريم مباشرة الطيب مطلقا على المحرم من غير استثناء شيء منه ، حيث قال : «ولا يجوز له أن يمسّ شيئا من الطيب» . ثمّ بعدما نقل بعض المذاهب فيه قال : «والأظهر من الطائفة تحريم الطيب ، على اختلاف أجناسه ؛ لأنّ الأخبار عامّة في تحريم الطيب فمن خصّصها بطيب دون طيب يحتاج إلى دليل» . (2) نعم ، جوّز الجواز من زقاق العطّارين وغيره ممّا يباع فيه الطيب من غير مباشرة له كما ستعرف . وبه قال الشيخ قدس سرهفي موضع من المبسوط ، إلّا أنّه استثنى خلوق الكعبة ، فقد قال في فصل : ما يجب على المحرم اجتنابه : ويحرم عليه الطيب على اختلاف أجناسه ؛ وأغلظها خمسة أجناس : المسك ، والعنبر ، والزعفران ، والعود ، وقد ألحق بذلك الورس ، وأمّا خلوق الكعبة فإنّه لا بأس به . (3) وهو ظاهر المفيد قدس سرهفإنّه لم يستثن من أنواع الطيب إلّا الخلوق (4) ، واستثناء الخلوق هو المشهور بين الأصحاب ، لم أجد مخالفا له سوى ابن إدريس ، بل ادّعى العلّامة رحمه اللهفي المنتهى (5) إجماع علمائنا على عدم تحريمه . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام؟ فقال : «لا بأس به هما طهوران» . (6) وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المحرم يصيب بثيابه الزعفران من الكعبة؟ قال : «لا يضرّه ولا يغسله» . (7) وصحيح حمّاد يدلّ على استثناء خلوق قبر النبيّ صلى الله عليه و آله ، ولم أجد تصريحا به من الأصحاب ، وظاهرهم عدم استثنائه . وذهب جماعة من فحول الأصحاب منهم السيّد المرتضى (8) وسلّار (9) وابن أبي عقيل (10) والصدوق في المقنع (11) على ما حكي عنهم ، والشهيدان (12) إلى استثناء طيب زقاق العطّارين أيضا كالخلوق ؛ للضرورة ، ولحسنة هشام بن الحكم (13) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح . (14) ويظهر من ابن إدريس عدم اختصاص ذلك بطيب زقاق العطّارين ، بل شموله لكلّ ما يباع فيه الطيب ، فإنّه قال : «ومتى اجتاز المحرم في موضع يُباع فيه الطيب لم يكن عليه شيء ، فإن باشره بنفسه أمسك على أنفه منه» . (15) وخالف فيه الشيخ في الخلاف ، قال : «وإن جاز في زقاق العطّارين أمسك على أنفه» . (16) وهؤلاء كلّهم حكموا بتحريم ما عدا الخلوق وطيب الزقاق ؛ لإطلاق الطيب أو عمومه في أكثر أخباره ؛ ومنها أكثر ما رواه المصنّف في الباب . وبالغ جماعة منهم ، فمال الشهيدان في الدروس (17) وشرح اللمعة (18) إلى تحريم الرياحين أيضا ما خلا الشيح (19) والخزامى (20) والقيصوم (21) والإذخر (22) ، وبذلك جمعا بين قول الصادق عليه السلام : «لا تمسّ ريحانا» في مرسل حريز (23) ، وقد رواه الشيخ عنه في الصحيح (24) ، وصحيح عبداللّه بن سنان (25) ، وبين مقطوع معاوية بن عمّار (26) في جواز شمّ الإذخر وأخواته . وظاهر المفيد قدس سره عدم جواز الإذخر وأخواته أيضا ، فإنّه قال : «ولا يشمّ شيئا من الرياحين الطيّبة» (27) ساكتا عن استثنائها . إلّا أن يُقال : إنّها ليست من الرياحين عنده كما حكي عن بعض . وفي شرح اللمعة (28) عدّ الورد والياسمين أيضا من الرياحين ، وقوّى حرمة شمّهما ، وهو خلاف المتبادر ؛ إذ المتبادر منها النباتات الطيّبة الريح من غير الأشجار . وفي المسالك حرّم شمّ الفواكه الطيّبة الريح أيضا حيث قال في شرح قول المحقّق : «المحظور الثاني : الطيب إلى قوله _ : ولا بأس بخلوق الكعبة وإن كان فيه زعفران ، وكذا الفواكه كالأترج والتفّاح» : (29) الظاهر أنّ قول المصنّف : (وكذا الفواكه) معطوف على خلوق الكعبة ، فيفيد جواز شمّها ، ويمكن أن يكون معطوفا على الطيب ؛ للرواية الصحيحة الدالّة على تحريمه ، وهو الأقوى . (30) وجزم به في الاستبصار . (31) ويدلّ عليه صحيح عليّ بن مهزيار (32) ، وهو وإن كان مرويّا عن ابن أبي عمير إلّا أنّ الظاهر أنّه سمعه عن الإمام عليه السلام . وقد رواه الشيخ عنه مسندا إليه عليه السلام ، ففي الصحيح عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن التفّاح والاُترجّ والنبق وما طابت ريحه ، فقال : «يمسك على شمّه ويأكل» . (33) والأشهر والأظهر حمل الأمر فيهما للندب ؛ للجمع بينهما وبين موثّق عمّار (34) ، ويؤيّده ما دلّ على اختصاص التحريم بأشياء خاصّة من الطيب ، وسيأتي عن قريب . وخصّه الشيخ قدس سره في موضع آخر من المبسوط (35) وفي الخلاف (36) والنهاية (37) بستّة أشياء : المسك ، والعنبر ، والكافور ، والزعفران ، والعود ، والورس ، وكره ما عداها من أنواع الطيب والرياحين . (38) وبه قال أكثر المتأخّرين . وخصّه في التهذيب بأربعة : المسك ، والعنبر ، والزعفران ، والورس ، وقال : «وقد روي العود» (39) ، يعني بدل الورس . وهو أحد وجوه الجمع له في الاستبصار (40) أيضا ، وهو ظاهر أكثر الأخبار ، رواها الشيخ في الصحيح عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الطيب : المسك ، والعنبر ، والزعفران ، والعود» . (41) وعن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك، والعنبر، والورس، والزعفران، غير أنّه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة الريح». (42) وعن عبد الغفّار ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الطيب : المسك ، والعنبر ، والزعفران ، والورس» . (43) ويدلّ زائدا على ذلك على المسك والكافور أيضا ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الموثّق عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكى عينه» (44) ، الحديث . وسيأتي . وعلى الكافور ما ورد من النهي عن تطييب الميّت بالكافور ويأتي . وقد أجمعوا على أنّ الحنّاء ليس بطيب ؛ لما عرفت ، ولصحيحة عبداللّه بن سنان . (45) وما رواه الجمهور عن عكرمة : أنّ عائشة وأزواج النبيّ صلى الله عليه و آله كنّ يختضبن بالحنّاء في حال الإحرام . (46) ويؤيّدها عطفه على الطيب . ونسبة كونه طيبا إلى النسمة فيما يرويه المصنّف قدس سرهفي باب النوادر من كتاب النكاح في خبر السكوني ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وسئل النبيّ صلى الله عليه و آله ما زينة المرأة للأعمى؟ قال : الطيب والخضاب ، فإنّه من طيب النسمة» . (47) نعم ، قالوا بكراهة الخضاب بها للمرأة لخبر أبي الصباح الكنانّي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن امرأة خافت الشقاق ، فأرادت أن تحرم ، هل تخضب يدها [ قبل ذلك]؟ قال : «ما يعجبني أن تفعل ذلك» . (48) والعلّه في الكراهة كأنّها خوف الشبق من زوجها . وحكى في المنتهى (49) عن أبي حنيفة أنّه طيب تجب به الفدية (50) ؛ محتجّا بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لاُمّ سلمة : «لا تطيّبي وأنت محرمة ، ولا تمسّي الحنّاء ، فإنّه طيب» . (51) وأجاب عنه بأنّ راويه ابن لهْيَعَة ، وهو ضعيف . (52) على أنّه روى غيره : «فإنّه خضاب» (53) بدلاً عن قوله : «فإنّه طيب» ، فلا يصحّ الاحتجاج به . أقول : مع أنّه أمكن حمله على الكراهة ؛ للجمع بينه وبين ما رويناه عن عكرمة . وأجمعوا أيضا على أنّ العصفر ليس طيبا ؛ لأنّ استشمامه غير مقصود للعقلاء ، وإنّما يريدون به اللون ، ولأصالة إباحته وانتفاء دليل على تحريمه ، بل قد ورد من الطريقين ما يدلّ على جواز استعماله له . روى الشيخ عن أبان بن تغلب ، قال : سأل أبا عبداللّه عليه السلام أخي وأنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثمّ يغسل ، ألبسه وأنا محرم؟ قال : «نعم ، ليس العصفر من الطيب ، ولكن أكره أن تلبس ما يشهّرك بين الناس» . (54) وروى في المنتهى (55) عن ابن عمر : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى النساء في إحرامهنّ عن القفّازين والنقاب وما أشبه الورس من النبات ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ . (56) وعن القاسم بن محمّد : أنّ عائشة كانت تلبس الأحمرين الذهب والمُعصفر. (57) وبه قال الشافعيّ وأحمد . (58) واحتجّ عليه في العزيز بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر فيما روي عنه المعصفر في جملة الثياب التي يلبسها المحرم . (59) وكأنّه أشار إلى ما ذكر . فأمّا صحيح عليّ بن جعفر ، قال : سألت أخي موسى عليه السلام : يلبس المحرم الثوب المشبّع بالعصفر؟ فقال : «إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس» (60) ، فليس صريحا في كون الطيب الذي فيه من المعصفر ، بل يحتمل كونه من غيره ، بل هو الأظهر . على أنّ البأس فيه شامل للكراهة . وحكى في المنتهى (61) عن الأصحاب أنّهم حكموا بكراهة لبس المشبّع من المعصفر ، وكأنّهم جمعوا بذلك بين الصحيحة المذكورة وما سبق عليه . وعن أبي حنيفة أنّه طيب تجب به الفدية (62) قياسا له على الورس والزعفران . وفيه ما فيه . وأمّا غير المعصفر فالظاهر عدم كراهته وإن كان مشبّعا ؛ للأصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبى بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «كان عليّ عليه السلام محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان ، فمرّ به عمر بن الخطّاب ، فقال : يا أبا الحسن ، ما هذان الثوبان المصبوغان؟ فقال له عليّ عليه السلام : ما نريد أحدا يعلّمنا بالسنّة ، إنّما هما ثوبان مصبوغان بالمشق ، يعني بالطين» . (63) وروى الجمهور أنّ عمر بن الخطّاب أبصر على عبداللّه بن جعفر ثوبين مصرّحين وهو محرم ، فقال : ما هذه الثياب؟ فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «ما أخال أحدا يعلّمنا بالسنّة» ، فسكت عمر . (64) وفي شرح اللمعة : «ويكره الإحرام في الثياب السود ، بل مطلق الملوّنة بغير البياض كالحمراء والمعصفرة وشبهها ، وقيّدها في الدروس (65) بالمشبّعة ، فلا يكره بغيره» (66) ، ولم أجد دليلاً عليهما . نعم ، يكون الفضل في البيض ؛ لعموم ما دلّ على ذلك ، وذلك لا يستلزم كراهة ما عداها ، فتأمّل . وقال صاحب المدارك : وذكر الشيخ (67) والعلّامة (68) وغيرهما أنّ أقسام النبات الطيّب ثلاثة : الأوّل : ما لا ينبت للطيب ولا يتّخذ منه ، كالشيح والقيصوم والخزامى وحَبَق (69) الماء ، والفواكه كلّها من الاُترجّ والتفّاح والسفرجل وأشباهه ، وهذا كلّه ليس بمحرّم ولا يتعلّق به كفّارة إجماعا . ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزامى والشيح وأشباهه وأنت محرم» . (70) وصحيحة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن التفّاح والاُترجّ والنبق وما طاب ريحه ، فقال : «يمسك عن شمّه ويأكله» . (71) ورواية عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم أيتخلّل ، قال : «نعم ، لا بأس به» ، قلت له : أيأكل الاُترجّ؟ قال : «نعم» ، قلت له : فإنّ له رائحة طيّبة؟ فقال : «إنّ الاُترجّ طعام ، وليس هو من الطيب» . (72) الثاني : ما ينبته الآدميّون للطيب ولا يتّخذ منه طيب كالريحان الفارسي والمرزجوش والنرجس ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقال الشيخ : إنّه غير محرّم ولا يتعلّق به كفّارة (73) ، واستقرب العلّامة في التحرير (74) تحريمه ، وهو غير واضح . نعم ، لو صدق عليه اسم الريحان عرفا لحقه حكمه . الثالث : ما يقصد شمّه ويتّخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر ، وقد وقع الاختلاف في حكمه أيضا ، واستقرب العلّامة في التذكرة (75) والمنتهى (76) التحريم ؛ لأنّ الفدية تجب فيما يتّخذ منه ، فكذا في أصله ، وهو استدلال ضعيف . والظاهر دخول هذا النوع قبل الجفاف في قسم الرياحين ، وقد اختار المصنّف كراهة استعمالها ، وسيجيء الكلام فيه ، وأنّ الأظهر تحريمها ؛ لقوله عليه السلام في رواية حريز : «لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب ولا من الريحان ، ولا يتلذّذ به» (77) ، وصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «لا تمسّ الريحان وأنت محرم» . (78) انتهى . (79) والأقوى كراهة ما عدا الستّة المذكورة ، والاحتياط واضح . إذا تمهّد هذا فنقول : أجمع الأصحاب على حرمة ما ذكر من الطيب في الإحرام ابتداءً واستدامةً ، ووافقنا في الابتداء أهل الخلاف وإنّما اختلفوا في الاستدامة على ما ستعرف . ويدلّ عليه أخبار متظافرة من الطريقين ، منها : ما رواه المصنّف قدس سره ، ومنها : ما سبق ، ومنها : ما رواه البخاري عن ابن جريج ، عن عطاء : أنّ صفوان بن يعلى أخبره : أن يعلى قال لعمر : أرِني النبيّ صلى الله عليه و آله حين يوحى إليه؟ قال : فبينما النبيّ صلى الله عليه و آله بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه إذ جاءه رجل فقال : يارسول اللّه ، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمّخ بطيب؟ فسكت النبيّ صلى الله عليه و آله ساعة ، فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يَعلى ، فجاء يُعلى وعلى رسول اللّه ثوب قد أظلّ به ، فأدخل رأسه ، فإذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله محمر الوجه ، وهو يغطّ ، ثمّ سُري عنه ، فقال : أين الذي سأل عن العمرة؟ فاُتي برجل ، فقال : «اغسل الطيب الذي بك ، وانزع عنك الجُبّة ، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك» ، فقلت لعطاء : أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرّات ، فقال : نعم . (80) وعن عبداللّه بن عمر : أنّ رجلاً قال : يارسول اللّه ، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يلبس القمص (81) ولا العمائم ولا سراويلات ولا البرانس ولا الخفاف ، إلّا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفّين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسّه زعفران أو ورس» . (82) وعن عائشة أنّها قالت : لا تلثم ولا تبرقع ولا تلبس ثوبا بورس وزعفران . (83) وعن عبداللّه بن عبّاس ، قال : انطلق النبيّ صلى الله عليه و آله من المدينة بعدما ترجّل وادّهن ، ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه ، فلم ينه عن شيء من الأردية وإلازر تلبس ، إلّا المزعفرة التي تردع على الجلد (84) ، الحديث . واختلف العامّة في استدامته ، فالمشهور بينهم استحباب استعماله قبل الإحرام وإن بقي أثره بعده ؛ لما نقلوه من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله . قال طاب ثراه : روى مسلم أحدا وعشرين حديثا عن عائشة في ذلك ؛ منها : أنّها قالت : كنت اُطيّب النبيّ صلى الله عليه و آله قبل الإحرام ، وفي الإحرام يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك . (85) ومنها : أنّها قالت : كنت اُطيّب رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ، ثمّ يحرم . (86) ومنها : أنّها قالت : كأنّي أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يلبّي . (87) ولذلك أجاز الشافعيّ وأبو حنيفة وكثير منهم الطيب قبل الإحرام بما يبقى بعده ، ومنعه مالك وجماعة . (88) انتهى . وربما ادّعى بعضهم أنّ التطيّب قبل الإحرام مطلقا من خصائصه صلى الله عليه و آله ؛ للقائه الملائكة ، أو لأنّ علّة حرمة الطيب على المحرم أنّه داع إلى الجماع ، وهو صلى الله عليه و آله مأمون منه . وفي العزيز : يستحبّ أن يتطيّب لإحرامه لما روى عن عائشة ، قالت : كنت اطيّب رسول اللّه صلى الله عليه و آله لإحرامه قبل أن يحرم وقبل أن يطوف بالبيت . (89) ولا فرق بين ما يبقى له أثر وجرم بعد الإحرام وبين ما لا يبقى . قالت عائشة : كأنّي أنظر إلى وبيص الطيب من مفارق رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو محرم . (90) ومن الأصحاب مَن رأى وجها أنّه ليس من السنن والمحبوبات ، وإنّما هو مباح ، ولا يفرق بين الرجال والنساء ، والاستحباب شامل للصنفين في ظاهر المذهب . وحكى في المعتمد قولاً عن الداركيّ (91) أنّه لا يستحبّ لهنّ التطيّب بحال ، و وجهها أنّه يجوز لهنّ التطيّب بطيب يبقى عينه ثمّ قال :وشرذمة روت عن أبي حنيفة المنع من ذلك ، وعند مالك يكره له التطيّب بما يبقى رائحته بعد الإحرام ، ويروى عنه منع التطيّب مطلقا ، ثمّ إذا تطيّب لإحرامه فله أن يستديم بعد الإحرام ما تطيّب به بخلاف ما إذا تطيّبت المرأة ، ثمّ لزمتها العدّة ، فإنّه تلزمها إزالته في وجه ؛ لأنّ في العدّة حقّ الآدمي ، فتكون المضايقة فيها أكثر ولو أخذه من موضعه بعد الإحرام وردّه إليه أو إلى موضع آخر لزمته الفدية . وروى الحناطيّ (92) فيه قولين . ولو انتقل من موضع إلى موضع [ باسالة العرق إيّاه] فوجهان ، أصحّهما : أنّه لا يلزمه شيء ؛ لتولّده عن مندوب إليه من غير قصد منه . والثاني : أنّ عليه الفدية إذا تركه كما لو أصابه من موضع آخر ؛ لأنّ في الحالتين أصاب الطيب موضعا لم يكن عليه طيب . هذا كلّه في البدن ، وفي تطييب إزار الإحرام وردائه وجهان : أحدهما : أنّه لا يجوز ؛ لأنّ الثوب ينزع ويلبس ، وإذا نزعه ثمّ أعاده كان كما لو استأنف لبس ثوب متطيّب ، وأصحّهما أنّه يجوز كما يجوز تطييب البدن . ووجه ثالث ، وهو الفرق بين أن لا يبقى عليه بعد الإحرام فيجوز ، وبين أن يبقى فلا يجوز كما لو شدّ مسكا في ثوبه واستدامه . قال الإمام : والخلاف فيما إذا قصد تطييب الثوب ، أمّا إذا طيّب بدنه فتعطّر ثوبه تبعا للإحرام فلا حرج بلا خلاف . (93) انتهى كلام العزيز . واعلم أنّه قال العلّامة رحمه الله في المنتهى : «الطيب حرام على المحرم ، وهو قول علماء الإسلام» . (94) وهو وإن كان بإطلاقه شامل لاستدامته أيضا لكنّه أراد البدأة به بعد الإحرام ؛ لما عرفت من مذاهب العامّة في استدامته ، ولأنّه قد نقل رحمه الله قبل ذلك أقوال العامّة بقوله : ولا ينبغي له أن يتطيّب للإحرام قبل الإحرام ، فإن فعله كان مكروها ، إلّا أن يكون ممّا يبقى رائحته إلى بعد الإحرام ، فإنّه يكون محرّما . وبه قال عليّ عليه السلام وعمر بن الخطّاب ومالك ومحمّد بن الحسن . وقال الشافعيّ : يستحبّ له أن يتطيّب للإحرام قبل الإحرام ، سواء كان طيبا تبقى عينه _ كالغالية والمسك أو تبقى رائحته كالبخور والعود . وبه قال عبداللّه بن الزبير وابن عبّاس وسعد بن أبي وقّاص واُمّ حبيبة وعائشة ومعاوية وأبو حنيفة وأبو يوسف ، وروي ذلك عن ابن الحنفيّة وأبي سعيد الخدريّ وعروة والشعبيّ ، وبه قال أحمد . (95) وقد سها صاحب المدارك حيث حمله على ظاهره ، فقد قال في شرح قول المحقّق : «فمن تطيّب كان عليه دم شاة : سواء استعمله صبغا أو اطلاءً ابتداءً أو استدامةً أو بخورا أو في الطعام» (96) : «هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء ، حكاه في المنتهى» (97) فإنّ ظاهره كون الإشارة إلى وجوب الدم ؛ لاستعمال الطيب استدامةً أيضا ، وقد عرفت أنّه لم يرد العلّامة ذلك التعميم ، ومن هنا يعلم أنّه لا يجوز أيضا أن يكون المحكي ما ذكره في المنتهى في بحث كفّارة الطيب بقوله : «أجمع علماء الأمصار كافّة على أنّ المحرم إذا تطيّب عامدا وجب عليه دم» ؛ (98) لأنّا نقول : إنّما أراد بذلك أيضا إجماع العلماء على وجوب الدم ؛ لاستعمال الطيب ابتداءً في الإحرام ؛ بقرينة ما سبق منه من نقل الخلاف في تحريم استدامته المستتبع للخلاف في وجوب الدم لها . وقد صرّح هو بهذا الخلاف أيضا حيث قال بعد ما نقلنا عنه : أوّلاً : لو لبس ثوبا مطيّبا ثمّ أحرم وكانت الرائحة تبقى إلى بعد الإحرام وجب نزعه على ما قلناه أو إزالة الطيب عنه ، فإن لم يفعل وجب الفداء . أمّا الشافعيّ فيأتي على مذهبه أنّه لا يجب الفداء إلّا إذا نزعه ثمّ لبسه ؛ لأنّه لبس ثوبا مطيّبا بعد إحرامه . (99) ولو نقل الطيب من موضع من الثوب أو البدن إلى موضع آخر لزمه الفداء ؛ لأنّه ابتدأ الطيب بعد إحرامه . وكذا إذا تعمّد مسّه بيده أو نقله من موضعه وردّه إليه . (100) وجعل الإشارة في كلامه إلى مجرّد وجوب الدم من غير أن يلاحظ معه ما ذكره بعده من التعميم على أن يكون المعنى وجوب الدم لاستعمال الطيب المحرّم مجمعٌ عليه بين العلماء في غاية البُعد ، بل يخرج الكلام عن قانون كلام العرب ، فتأمّل . واعلم أنّه لا يشترط في تحريم الطيب عند الأصحاب كونه رطبا وفاقا لأكثر أهل الخلاف . وحكى في العزيز (101) عن بعضهم اشتراطه . هذا ، وفي حكم التطيّب الادّهان بالدهن المتطيّب ، فيحرم التدهّن به في الإحرام وقبله أيضا إذا بقى أثره إلى الإحرام . ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : «إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه» . (102) وبعض ما سيأتي من الأخبار . ولم أجد مخالفا له من الأصحاب إلّا ما حكي عن ابن حمزة أنّه كره استعماله قبل الإحرام إذا بقيت رائحته إلى الإحرام ، (103) وكأنّه تمسّك في ذلك بقوله عليه السلام : «غير أنّه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة الريح» فيما رويناه سابقا عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام . (104) وأمّا الغير المطيّب منه كالزيت والسمن والشيرج ونظائرها فظاهر الأصحاب وفاقهم على جواز الادّهان به قبل الإحرام وإن بقي أثره . ويدلّ عليه أخبار ، منها : ما رواه المصنّف قبل ذلك في باب ما يجوز للمحرم بعد اغتساله عن الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل المحرم يدّهن بعد الغسل ، قال : «نعم» . وادّهنّا عنده بسليخة بان ، وذكر أنّ أباه كان يدّهن بعدما يغتسل للإحرام ، وأنّه يدّهن بالدّهن ما لم يكن غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر . (105) ومنها : ما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : قال له ابن أبي يعفور : ما تقول في دهنه بعد الغسل للإحرام؟ فقال : «قبل وبعد ومع ليس به بأس» ، ثمّ دعا بقارورة بان سليخة ليس فيها شيء أي من الطيب فأمرنا ، فادّهنّا منها ، فلمّا أردنا أن نخرج قال : «لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة» . (106) وعن محمّد الحلبيّ أنّه سأله عن دهن الحنّاء والبنفسج ، أندهن به إذا أردنا أن نحرم؟ فقال : «نعم» . (107) ويستفاد ذلك من بعض الأخبار التي تأتي عن قريب . نعم ، يظهر من بعض الأخبار كراهته إذا بقى أثره إلى الإحرام ، فلا يبعد القول بها ولم أجد تصريحا من الأصحاب به . رواه محمّد بن مسلم في الصحيح ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا بأس بأن يدّهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام أو بعده» . وكان يكره الدّهن الخاثر الذي يبقى . (108) وأمّا الادّهان به في الإحرام فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ (109) وابن إدريس (110) والشهيدان (111) تحريمه . وسوّغه المفيد قدس سره في المقنعة (112) ، وهو منقول في المختلف (113) عن سلّار (114) وابن أبي عقيل وأبي الصلاح . (115) واحتجّ الأوّلون بحسنة معاوية بن عمّار (116) ، وبما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تدّهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعدما تحرم وادّهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحلّ» . (117) وعن عليّ بن أبي حمزة ، قال : سألته عن الرجل يدّهن بدهن فيه طيب وهو يريد أن يحرم ، فقال : «لا تدّهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ، ولا عنبر تبقى رائحته في رأسك بعدما تحرم ، وادّهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم قبل الغسل وبعده ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحلّ» (118) ؛ لإطلاق الدهن المنهي عنه في الإحرام في هذه الأخبار . واستند المجوّزون له بالأصل ، وبصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمّل فليبطّه وليداوه بسمن أو زيت» . (119) وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن محرم تشقّقت يداه ، فقال : «يدهنها بزيت أو سمن أو إهالة» . (120) ومرسلة أبان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن رجل تشقّقت يداه ورجلاه وهو محرم يتداوى؟ قال : «نعم بالسمن والزيت» (121) ، الحديث . وخبر أبي الحسن الأحمسيّ ، قال : سأل أبا عبداللّه عليه السلام سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمّل ، قال : «اجعل عليه البنفسج والشيرج وأشباهه ممّا ليس فيه الريح الطيّب» . (122) وما رواه الجمهور عن ابن عمر : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ادّهن وهو محرم . (123) واُجيب عن الأوّل بأنّ الأصل إنّما يصار إليه إذا لم يدلّ دليل على خلافه ، وقد ثبت الدليل عليه كما عرفت ، وعن أخبارنا بأنّها ظاهرة في الاضطرار ، وهو خارج عن محلّ النزاع ، بل يجوز الادّهان بالمطيّب منه أيضا . ويدلّ عليه صحيحة إسماعيل بن جابر ، وكانت عرضت له ريح في وجهه من علّة أصابته وهو محرم ، قال : فقلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك ، فقال : «استعط به» . (124) وصحيحة إسماعيل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن السعوط للمحرم وفيه طيب ، فقال : «لا بأس به» . (125) و أمّا خبر ابن عمر ، فعلى تقدير صحّته ينبغى أن يحمل عليه . و يجوز أكل الدهن الغير المطيّب إجماعا من أهل العلم ، و الأخبار شاهدة عليه . و يؤيّدها الأصل ، والمطيّب منه ممنوع أكله كالادّهان به . واعلم أنّ الأصحاب اتّفقوا على أنّه لا فدية في الادّهان بغير المطيّب وإن قلنا بحرمته ، واحتجّ عليه الشيخ في الخلاف (126) بأصالة البراءة وانتفاء نصّ عليها ، وبما نقلناه عن ابن عمر . وأمّا العامّة فقد اختلفوا فيها على أربعة مذاهب ، فقال أبو حنيفة : فيه الفدية على كلّ حال . وقال الحسن بن صالح : لا فدية فيه بحال . وقال الشافعي : فيه الفدية في الرأس واللحية ، ولا فدية فيما عداهما . وقال مالك : إن ادّهن به ظاهر بدنه فعليه الفدية ، وإن كان في بواطن بدنه فلا فدية . (127) وأمّا الطيب منه ففي حكم الطيب في الفدية ، والمشهور وجوب شاة لاستعمال الطيب على المحرم العامد العالم بتحريمه وإن اضطرّ إليه . وتوقّف العلّامة رحمه اللهفي وجوبها على المضطرّ . (128) ولا فدية على الناسي والجاهل إجماعا ، كما هو شأن غير الصيد من محرّمات الإحرام . ويستفاد ذلك من أخبار ، منها : خبر زرارة (129) ، وقد رواها الصدوق رضى الله عنهفي الصحيح . (130) ومنها : ما رويناه في الصحيح عن معاوية بن عمّار (131) مقطوعا . ومنها : صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ، ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلاً فليس عليه شيء ، ومَنْ فعله متعمّدا فعليه دم شاة» . (132) وفي مقابلها أخبار دلّت على أنّ فديته التصدّق بصدقة ، وهي مرسلة حريز (133) ورواية الحسن بن زياد (134) وخبر الحسن بن هارون (135) ، وقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة عن أبي عبداللّه عليه السلام : «واتّق الطيب في زادك ، فمن ابتلى بشيء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدّق بصدقة بقدر ما صنع قدر سعته أو قدر شبعه» (136) على اختلاف النسخ . وقد جمع بعض الأصحاب بينها وبين ما تقدّم بحمل هذه على حالة الجهل والنسيان ؛ حملاً للأمر بالصدقة فيها على الاستحباب ، ويشعر به آخر خبر الحسن بن هارون (137) ، وقوله عليه السلام : «إن كان بجهالة فعليه طعام مسكين» فيما رويناه عن معاوية بن عمّار (138) ، وبعض آخر بحمل هذه على الضرورة . وفي المنتهى حمل الصدقة فيها على الشاة ؛ معلّلاً بأنّ كلّ من أوجب فدية له أوجب الشاة . (139) وقال الصدوق رضى الله عنه في المقنع على ما حكى عنه في المختلف : (140) فإن أكلت خبيصا فيه زعفران حتّى شبعت منه وأنت محرم ، فإذا فرغت من مناسكك فأردت الخروج فابتع بدرهم تمرا وتصدّق به ، فيكون كفّارة لك كما دخل عليك في إحرامك ممّا لا تعلم به . (141) وكأنّه تمسّك في ذلك بخبر الحسن بن هارون ، وهو مع عدم صحّته قابل للتأويل على ما ذكر . وما ذكر من وجوب الفدية له مطلقا هو مذهب جمع من العامّة ، منهم الشافعيّ في قولٍ ، وحكي عن مالك وأصحاب الرأي عدم وجوب فدية له مطلقا إن مسّته النار (142) ، وكأنّهم إنّما قالوا بذلك إذا ذهبت رائحته كما صرّح به الشافعيّ في قوله الآخر . وحكى في العزيز عن الفخر الرازيّ قولاً بوجوب الفدية على الجاهل بكونه طيبا ، وعن مالك وأبي حنيفة والمزنيّ وجوبها على الناسي والجاهل أيضا ، وعن أحمد روايتين . (143) ثمّ اعلم أنّه كما يحرم على المحرم استعمال الطيب يحرم أيضا عليه قبض الأنف من الرائحة الكريهة ، ذكرها الأصحاب ودلّت عليه حسنتا معاوية بن عمّار وهشام بن الحكم (144) ، وقوله عليه السلام : «ولا تمسك عنه من الريح المنتنة» فيما رواه المصنّف من حسنة معاوية بن عمّار ، ومثله ما رواه في الحسن عن الحلبيّ (145) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان والظاهر أنّه عبداللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على أنفه» . (146) ولكن لا فدية في تركه إجماعا ؛ للأصل وانتفاء دليل عليها . قوله في صحيحة عليّ بن مهزيار : (والنبق) .[ ح 16 / 7289] هو بسكون الباء وكسرها حِمل السدر ، واحدة نبقة ، وجمعه نبقات ككلم وكلمة وكلمات . (147)

.


1- . اُنظر : شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 238 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 252 ؛ مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 322 .
2- . السرائر ، ج 1 ، ص 545 .
3- . المبسوط ، ج 1 ، ص 319 .
4- . المقنعة ، ص 432 .
5- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 785 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 299 ، ح 1016 ؛ و رواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 338 ، ح 2612 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 449 ، ح 16749 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 69 ، ح 226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 449 ، ح 16748 .
8- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 66) ، فإنّه استثنى من حرمة الطيب خصوص خلوق الكعبه .
9- . اُنظر : المراسم العلويّة ، ص 105 ، فإنّه لم يستثنى غير خلوق الكعبه .
10- . لم أعثر عليه .
11- . اُنظر : المقنع ، ص 218 ، فانّه لم يذكر فيه الاستثناء .
12- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 373 ، الدرس 99 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 254 .
13- . هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
14- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 300 ، ح 1018 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 180 ، ح 599 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 448 ، ح 16746 .
15- . السرائر ، ج 1 ، ص 545 .
16- . الخلاف ، ج 2 ، ص 307 .
17- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 373 ، الدرس 99 .
18- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 238 239 .
19- . الشِّيح : نبات سهليّ يتّخذ من بعضه المكانس ، وهو من الأمرار ، له رائحة طيّبة ولهم مرّ . لسان العرب ، ج 2 ، ص 500 (شيح) .
20- . الخُزامى : نبت طيّب الريح ، واحدته خزاماة . وقال أبوحنيفة : الخُزامى : بحشبة طويلة الصيدان ، صغيرة الورق ، حمراء الزهرة ، طيّبة الريح ، لها نور كنور البَنَفْسَج . لسان العرب ، ج 12 ، ص 176 (خزم) .
21- . القيصوم : ما طال من العشب ، وهو كالقيعون عن كراع . والقيصوم : من نبات السهل ، قال أبوحنيفة : القيصوم من الذكور ومن الأمرار ، وهو طيّب الرائحة من رياحين البرّ . لسان العرب ، ج 12 ، 486 (قصم) .
22- . الإذخر : حشيشة طيّبة الريح ، أطول من اليثّل . كتاب العين ، ج 4 ، ص 243 (ذخر) .
23- . هو الحديث الثاني من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 443 ، ح 16729 ، و لفظه : «لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان ...» ، و المذكور في المتن هو نصّ رواية عبداللّه بن سنان .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 297 ، ح 1007 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 178 ، ح 591 .
25- . هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي .
26- . هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي .
27- . المقنعة ، ص 432 .
28- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 239 .
29- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 226 .
30- . مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 484 .
31- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 183 ، الباب 109 .
32- . هو الحديث 16 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 445 ، ح 16765 .
33- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 305 306 ، ح 1042 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 183 ، ح 606 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 456 ، ح 16767 .
34- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 306 ، ح 1043 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 183 ، ح 607 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 455 ، ح 16766 .
35- . المبسوط ، ج 1 ، ص 352 .
36- . الخلاف ، ج 2 ، ص 302 ، المسألة 88 .
37- . النهاية ، ص 219 .
38- . صرّح بكراهة غير الستّة في النهاية ، و أمّا في المبسوط والخلاف فقد حكم بعدم الكراهة في غيرها .
39- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 299 ، ذيل الحديث 1012 .
40- . الاستبصار ، ج 2 ، ص 180 ، ذيل الحديث 598 .
41- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 299 ، ح 1014 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 179 180 ، ح 597 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 446 ، ح 16738 .
42- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 299 ، ح 1013 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 179 ، ح 596 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 445_ 446 ، ح 16737 .
43- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 299 ، ح 1015 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 180 ، ح 598 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 446 ، ح 16739 .
44- . الفقيه ، ج 2 ، ص 347 ، ح 2647 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 471 ، ح 16809 .
45- . هي الحديث 18 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 451 ، ح 16756 .
46- . المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 274 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 311 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 327 ؛ تلخيص الحبير ، ج 7 ، ص 515 ؛ المعجم الكبير ، ج 11 ، ص 86 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 4 ، ص 26 ، ذيل الحديث 2861 .
47- . الحديث 38 من الباب المذكور ؛ وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 167 ، ح 25322 .
48- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 300 ، ح 1020 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 181 ، ح 601 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 451 ، ح 16757 .
49- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 784 . و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ،ج 7 ، ص 307 .
50- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص457 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 191 ؛ المجموع للنووي، ج 7 ، ص 282 .
51- . المعجم الكبير ، ج 23 ، ص 418 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 4 ، ص 26 ، ح 2861 ؛ كنز العمّال ، ج 5 ، ص 121 ، ح 12323 .
52- . و هو عبداللّه بن لهيعة بن عقبة بن فرعان أبو عبدالرحمن الفقيه قاضي مصر ، مات سنة 174 في خلافة هارون العبّاسي . اُنظر : تهذيب الكمال ، ج 15 ، ص 503487 ، الرقم 3513 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 8 ، ص 11 31 ، الرقم 4 .
53- . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 516 ؛ سنن النسائي ، ج 6 ، ص 204 205 ؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 3 ، ص 396 ، ح 5731 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 7 ، ص 441 ؛ المعجم الكبير ، ج 23 ، ص 419 ، و في الجميع : «لا تَمتشطي بالطيب و لا بالحنّاء فإنّه خضاب» .
54- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 69 ، ح 224 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 165 ، ح 541 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 481 ، ح 16838 .
55- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 784 .
56- . المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 486 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 47 .
57- . الطبقات الكبرى لابن سعد ، ج 8 ، ص 70 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 2 ، ص 188 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 4 ، ص 252 ، و كان في الأصل : «العصفر» فصوّبناه حسب المصادر .
58- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 457 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 282 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 327 .
59- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 457 .
60- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 67 ، ح 217؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 165 ، ح 540 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 480 ، ح 16837 .
61- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 784 .
62- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 457 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 296 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 327 .
63- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 67_ 68 ، ح 219 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 482 483 ، ح 16482 .
64- . كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 161 ؛ مسند الشافعي ، ص 118 .
65- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 345 ، واجبات الإحرام .
66- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 235 .
67- . المبسوط ، ج 1 ، ص 352 .
68- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 784 ؛ تحرير الأحكام ، ج 2 ، ص 26 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 304 .
69- . الحبَق بالتحريك : النَعناع .
70- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 305 ، ح 1041 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 453 ، ح 16761 .
71- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 305 306 ، ح 1042 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 456 ، ح 16767 .
72- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 306 ، ح 1043 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 183 ، ح 607 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 455 ، ح 16766 .
73- . المبسوط ، ج 1 ، ص 352 .
74- . تحرير الأحكام ، ج 2 ، ص 27 .
75- . تذكرة الفقهاء ، ج7 ، ص 306 .
76- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 784 .
77- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 297 ، ح 1007 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 178 ، ح 591 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 443 ، ح 16729 .
78- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 307، ح 1048؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 445، ح 16733.
79- . مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 322 324 .
80- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 144 .
81- . المثبت من المصدر ، و في الأصل : «القميص» .
82- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 145 146 .
83- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 146 .
84- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 146 .
85- . صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 12 ، باب الطيب للمحرم عند الإحرام .
86- . صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 11 .
87- . نفس المصدر.
88- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 248 249 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 221 222 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 144 ؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 227226 .
89- . صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 10 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 137 ؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 337 ، ح 3665 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 9 ، ص 82 .
90- . مسند أحمد ، ج 6 ، ص 245 و فيه: «مفرق» بدل «مفارق». و مثله في ص 250 و 264 و 280 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 145 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 12 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 34 .
91- . أبوالقاسم عبدالعزيز بن عبداللّه بن محمّد بن عبدالعزيز الداركي شيخ الشافعيّة بالعراق ، ولد بعد الثلاث مئة و نزل بغداد ، توفّي في شوال سنة خمس و سبعين و ثلاث مئة ، و دارك من أعمال أصبهان . راجع: سير أعلام النبلاء ، ج 16 ، ص 404 406 ، الرقم 293 .
92- . الحسين بن محمّد بن الحسن أبوعبداللّه الفقيه الطبري الحنّاطي ، قدم بغداد و حدّث بها و توفّي بعد سنه 400 ، من آثاره الكفاية في الفروق ، و الفتاوي . راجع: الأنساب للسمعاني ، ج 2 ، ص 275 ، معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 48 .
93- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 247 251 .
94- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 783 .
95- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 674 . و انظر : الخلاف ، ج 2 ، ص 287 288 ، المسألة 64 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 227 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 222 223 ؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 226 227 .
96- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 226 .
97- . مدارك الأحكام ، ج 8 ، ص 430 .
98- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 813 .
99- . المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 218 .
100- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 674 .
101- . اُنظر : فتح العزيز ، ج 7 ، ص 462 .
102- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 304 ، ح 1038 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 151 ، ح 17455 .
103- . الوسيلة ، ص 164 .
104- . وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 445 446 ، ح 16737 .
105- . الحديث الخامس من الباب المذكور ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 460 461 ، ح 16780 .
106- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 303 ، ح 1034 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 461 ، ح 16782 .
107- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 203 ، ح 1033 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 182 ، ح 604 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 461 ، ح 16783 .
108- . الكافي ، باب ما يجوز للمحرم بعد اغتساله من الطيب و الصيد . . . ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 460 ، ح 16779 .
109- . الخلاف ، ج 2 ، ص 303 ، المسألة 90 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 321 ؛ النهاية ، ص 220 .
110- . السرائر، ج 1، ص 555.
111- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 375 ، الدرس 99 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 261 .
112- . المقنعة ، ص 432 .
113- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 73 .
114- . المراسم العلويّة ، ص 213 .
115- . الكافي في الفقه ، ص 203 .
116- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
117- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 303 ، ح 1032؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 181 182 ، ح 603 ؛ و الحديث في الكافي ، باب ما يجوز للمحرم بعد اغتساله ... ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 458 ، ح 16773 .
118- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 302 ، ح 1031 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 181 ، ح 602 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 458 ، ذيل الحديث 16773 .
119- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 304 ، ح 1036 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 462 ، ح 16784 .
120- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 304 ، ح 1037 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 462 ، ح 16785 . و الإهالة : الشحم المذاب .
121- . الكافي ، باب العلاج للمحرم إذا مرض أو أصابه جرح أو خراج أو علّة ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 527 ، ح 16985 .
122- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 303 304 ، ح 1035 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 463 ، ح 16786 .
123- . مسند أحمد ، ج 2 ، ص 29 و 72 و 162 و 145 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 58 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 185 ، و في الجميع : «دهن غير مقتت» . أي غير مطيّب ، و هو الذي يطبخ فيه الرياحين حتّى تطيب ريحه . النهاية ، ج 4 ، ص 11 (قتت) .
124- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 298 299 ، ح 1012 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 179 ، ح 595 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 447 ، ح 16743 .
125- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 298 ، ح 1011 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 179 ، ح 594 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 447 ، ح 16744 .
126- . الخلاف ، ج 2 ، ص 303 _ 304 ، المسألة 90 .
127- . نفس المصدر ؛ فتح العزيز ، ج 7 ، ص 462 463 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 190 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 282 .
128- . المذكور في تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 323 ؛ و منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 787 وجوب الفدية عليه .
129- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
130- . الفقيه ، ج 2 ، ص 350 ، ح 2663 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 150 151 ، ح 17451 .
131- . وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 151 ، ح 17455 .
132- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 369 370 ، ح 1287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 157 ، ح 17472 .
133- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
134- . هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
135- . هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
136- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 304 305 ، ح 1039 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 444 ، ح 16731 ، و قوله عليه السلام «قدر شبعه» أو : «بقدر شبعه» ليس في صحيحة معاوية بن عمّار ، بل ورد في رواية حريز ، و هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ، و فيه : «قدر سعته» ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 297 ، ح 1007 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 178 ، ح 591 .
137- . حيث ورد فيه : « . . . فيكون كفّارة لذلك و لما دخل في إحرامك ممّا لا تعلم» .
138- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 304 ، ح 1038 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 151 ، ح 17455 .
139- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 814 .
140- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 177 .
141- . المقنع ، ص 232 .
142- . المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 299 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 280 281 .
143- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 461 .
144- . هما ح 1 و 5 من هذا الباب من الكافي .
145- . هو الحديث الرابع من هذا الباب .
146- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 305 ، ح 1040 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 453 ، ح 16760 .
147- . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1557 (نبق) .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

. .

ص: 48

. .

ص: 49

. .

ص: 50

. .

ص: 51

. .

ص: 52

. .

ص: 53

. .

ص: 54

. .

ص: 55

. .

ص: 56

. .

ص: 57

. .

ص: 58

. .

ص: 59

باب ما يكره من الزينة للمحرم

باب ما يكره من الزينة للمحرمالظاهر أنّه قدس سره أراد بالكراهة المعنى العام الشامل للحرمة ولو مجازا ، حيث يذكر أشياء اشتهر بين الأصحاب حرمتها ، أحدها : النظر في المرآة للزينة ، وهو حرام على الرجل والمرأة على قول الشيخ في التهذيب (1) والمبسوط (2) والنهاية (3) وابن إدريس (4) ، وهو منقول عن أبي الصلاح . (5) ويدلّ عليه حسنة حريز (6) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح (7) ، وحسنة معاوية بن عمّار (8) ، وصحيحة معاوية ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تنظر المرأة في المرآة للزينة» . (9) وعن ابن البرّاج (10) وابن حمزة (11) الكراهة حاملَيْنِ للنهي في الأخبار عليها مستندَيْنِ بأصالة البراءة ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : «يكره للمحرم النظر في المرآة ، رجلاً كان أو امرأة ، وبه قال الشافعي في سنن الحرملة (12) ، وقال في الاُمّ : لهما أن ينظرا في المرآة» (13) ، ثمّ احتجّ عليه بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ، ويحتمل أن يريد بالكراهة الحرمة ، بل هو الأنسب لسياق كلامه . وثانيها : الاكتحال بالسواد ، أي بالإثمد للزينة ، وبتحريمه قال الشيخان (14) وتبعهما الأكثر (15) ؛ لما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب ، ولما يرويه في الباب الذي بعده من حسنة الكاهليّ (16) ، ولما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّا من علّة» . (17) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «لا بأس أن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب توجد ريحه ، فأمّا للزينة فلا» . (18) وفي الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة» . (19) ويؤيّدها مفهوم صحيحة عبداللّه بن سنان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «يكتحل المحرم إن هو رَمِد بكحل ليس فيه زعفران» . (20) وعن ابن الجنيد (21) وابن البرّاج (22) كراهته ، وكأنّهما بذلك القول جمعا بين ما ذكر وبين ما رواه الشيخ عن هارون بن حمزة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تكتحل المرأة عينها بكحل فيه زعفران ، ولتكتحل بكحل فارسي» . (23) وكلام الشيخ في الخلاف (24) هنا أيضا محتمل للأمرين . وثالثها : الاكتحال بما فيه طيب ، واشتهار حرمته بلغ مبلغا كاد أن يكون إجماعا . (25) ويدلّ عليه عموم ما دلّ على تحريم استعمال الطيب ، وخصوص مرسلة أبان (26) وحسنة معاوية بن عمّار الثانية ، (27) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الموثّق عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكى عينيه» . (28) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «يكتحل المحرم عينيه إن شاء بصبر ليس فيه زعفران ولا ورس» . (29) وحكى في المختلف (30) عن ابن البرّاج (31) كراهته محتجّا بالأصل ، ودفعه واضح .

.


1- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 302 ، ذيل الحديث 1028 .
2- . المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 321 .
3- . النهاية ، ص 220 .
4- . السرائر ، ج 1 ، ص 546 .
5- . الكافي في الفقه ، ص 203 .
6- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 302 ، ح 1029 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 472 ، ح 16811 .
8- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
9- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 302 ، ح 1030 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 472 ، ح 16812 .
10- . المهذّب ، ج 1 ، ص 221 .
11- . الوسيلة ، ص 164 .
12- . فتح العزيز ، ج 7 ، ص 464 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 358 .
13- . الخلاف ، ج 2 ، ص 319 ، المسألة 119 .
14- . قاله المفيد في المقنعة ، ص 432 ؛ و الطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 321 ؛ و النهاية ، ص 220 .
15- . اُنظر : الوسيلة لابن حمزة ، ص 163 ؛ مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 74 75 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 324 ؛ مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 335 .
16- . هي الحديث الثالث من ذلك الباب .
17- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 301 ، ح 1023 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 468 ، ح 16798 .
18- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 302 ، ح 1028 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 470 ، ح 16804 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 301 ، ح 1025 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 469 ، ح 16800 .
20- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 301 ، ح 1026 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 469 ، ح 16801 .
21- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 75 .
22- . المهذّب ، ص 221 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 301 ، ح 1027 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 469 ، ح 16802 .
24- . الخلاف ، ج 2 ، ص 319 .
25- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 76؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 324؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 335.
26- . هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
27- . هي الحديث الخامس من هذا الباب .
28- . الفقيه ، ج 2 ، ص 347 ، ح 2647 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 471 ، ح 16809 .
29- . الفقيه ، ج 2 ، ص 347 ، ح 2648 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 471 ، ح 16808 .
30- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 76 .
31- . المهذّب ، ج 1 ، ص 221 .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

باب العلاج للمحرم إذا أصابه جرح أو خراج أو علّة

باب العلاج للمحرم إذا أصابه جرح أو خراج أو علّةفي الصحاح : «الخراج ما يخرج في البدن من القروح» . (1) وغرضه قدس سرهبيان جواز التداوي بالمحرّمات وإن كان بعضها موجبا للفدية . وقد سبق أكثر ما ذكر في الباب وبقي منها حلق الرأس ، فقد حكى الشيخ في التهذيب (2) عن المفيد رحمه الله أنّه قال في المقنعة : «مَن حلق رأسه من أذىً لحقه فعليه دم شاة ، أو إطعام ستّة مساكين ، لكلّ مسكين مُدّان من طعام أو صيام ثلاثة أيّام» (3) ، وهو منقول عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد . (4) والأصل فيه قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» . (5) وتفسير الصيام والنسك فيه بثلاثة أيّام والشاة متّفق عليه خبرا وفتوى ، واختلف في تفسير الصدقة ، فدلّ مرسلة حريز (6) على ما ذكر ، ومثلها ما رواه الشيخ عن مثنّى ، عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اُحصِر الرجل فبعث بهديه فأذّاه رأسه قبل أن ينحر هديه ، فإنّه يذبح شاة مكان الذي اُحصِر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدّق على ستّة مساكين ، والصوم ثلاثة أيّام ، والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين» . (7) ويؤكّدهما ما رواه البخاريّ عن عبداللّه بن معقل ، قال : جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية ، فقال : نزلت فيَّ خاصّة وهي لكم عامّة ؛ حُمِلتُ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : «ما كنت أرى الوجع يبلغ بك ما أرى ، أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى ، تجد شاة؟ فقلت : لا ، قال : «فصم ثلاثة أيّام أو اطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع» . (8) واكتفى الشيخ في المبسوط (9) بالمدّ ، وحكاه في الدروس (10) عن المفيد ، وهو المطابق للمقنعة (11) التي عندي . وما حكاه الشيخ عنها أصوب ؛ لصراحة الأخبار المذكورة في المدّين ، ولم أجد خبرا في المدّ . نعم ، ورد في بعض الأخبار قدر الشبع ، لكن لعشرة ، رواه الشيخ عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قال اللّه تعالى في كتابه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» (12) ، فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها ، فيأكل ويطعم ، وإنّما عليه واحد من ذلك» . (13) وجمع الشيخ في كتابي الأخبار بينه وبين ما تقدّم بالقول بالتخيير ، وذهب الشهيد قدس سرهأيضا في اللمعة (14) إلى التخيير (15) المذكور ، لكن عيّن عشرة أمداد للعشرة ، وقوّاه في الدروس (16) ، وبه قال المقداد في كنز العرفان . (17) والتعيين غير مستند إلى ما يعتمد عليه ، والأوّل هو الأظهر ؛ لكثرة أخباره وشهرته بين الأصحاب ، ويؤيّدها ما ورد في طرق العامّة من إطعام ستّة ، ففي كنز العرفان : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لكعب بن عجرة وقد قمل رأسه : «لعلّك آذاك هوامُّك؟» قال : نعم يارسول اللّه ، قال : «احلق رأسك وصم ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو انسك شاة» . فكان كعب يقول : فيَّ نزلت هذه الآية . (18) وروى البخاريّ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أنّ كعب بن عجرة حدّثه ، قال : وقف عليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالحديبيّة ورأسي يتهافت قمّلاً ، فقال : «يؤذيك هوامّك؟» قلت : نعم ، قال : «فاحلق رأسك أو [ قال :] احلق » ، قال : فيَّ نزلت هذه الآية «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ» (19) إلى آخرها ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : صم ثلاثة أيّام أو تصدّق بفرق بين ستة أو انسك» . (20) وبسندين آخرين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رآه وقمّله يسقط على وجهه ، فقال : «أتؤذيك هوامّك؟» قال : نعم ، فأمره أن يحلق وهو بالحديبيّة ولم يتبيّن لهم أنّهم يحلّون بها ، وهم على طمع أن يدخلوا مكّة ، فأنزل اللّه تعالى الفدية ، فأمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يطعم فرقا بين ستّة أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيّام» (21) ممّا تيسّر . بقي هناك أشياء لابدّ من التنبيه عليها : أحدها : الظاهر من الآية الكريمة والأخبار وجوب الفدية لمسمّى الحلق ، وبه صرّح جماعة من الأصحاب منهم الشيخ ، والظاهر وفاقهم عليه ، وخالف فيه العامّة ، ففي الخلاف : حدّ ما يلزم فيه الفدية ما يقع عليه اسم الحلق ، وحدّه الشافعي بثلاث شعرات فصاعدا إلى جميع الرأس ، وقال أبو حنيفة بحلق ربع الرأس ، وإن كان أقلّ من الربع فعليه الصدقة . (22) وثانيها : إطلاق المدّين يشمل غير الحنطة من القوت الغالب ، وفسّره طاب ثراه بأي جنس من الطعام ، خلافا لأبي حنيفة حيث قال : يجب مدّان من الحنطة وصاع من التمر والزبيب ، وقال أحمد : مدّ من البُرّ ومدّان من غيره . (23) وثالثها : يستفاد من الآية الكريمة ومن الأخبار المذكورة اختصاص ما ذكر من الفدية بما إذا كان الحلق لأذىً ، ولم أجد نصّا صريحا في غيره . نعم ، ورد في بعض الأخبار الدم خاصّة في الحلق من غير تقييد بالأذى ، وظاهره تعيّنه ، منها : صحيحة زرارة (24) ، ومثلها صحيحة زرارة (25) المتقدِّمة ، فلا يبعد القول به فيما إذا لم يكن الحلق لأذىً ؛ للجمع ، لكنّه خلاف ما ذهبوا إليه ، فإنّهم ذهبوا إلى التخيير مطلقا على ما يظهر من المنتهى ، ففيه : أجمع علماء الأمصار كافّة على وجوب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه متعمّدا إلى قوله _ : والفدية تتعلّق بمَن حلق رأسه ، سواء كان لأذى أو لغير أذى ؛ لأنّ الآية دلّت على إيجاب الكفّارة على من حلق لأذى ، وكذا الأحاديث ، فمن حلق لغير أذى كان وجوب الكفّارة في حقّه أولى . (26) وفي موضع آخر منه : «التخيير في كفّارة الحلق بين الثلاثة قول علمائنا أجمع» . (27) قوله في مرسلة حريز : (وكلّ شيء في القرآن ، فإن لم يجد فعليه كذا فالأوّل الخيار) . [ ح 2 / 7299] الظاهر أنّه سقط من البين شيء من قلم المصنّف قدس سره أو الرواة أو النسّاخ . فإنّ الشيخ قدس سرهروى الخبر بعينه في التهذيب والاستبصار بسند آخر صحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام بلا إرسال ، وفيه : «وكلّ شيء في القرآن أو فصاحبه بالخيار ، يختار ما شاء ، وكلّ شيء في القرآن ، فمن لم يجد فعليه كذا ، فالأوّل بالخيار» . (28) قوله في حسنة عبداللّه بن يحيى الكاهليّ : (قال : آخذ خرقتين فاربّعهما) . [ ح 3 / 7300] الظاهر أنّه من التربيع ، وأنّه استعمل هنا في المعنى المتعارف عند النسوان في عقد المنديل على الرأس وتعصيب العصابة ، ويقال له بالفارسيّة : «چهارته» ، وقيل : إنّه من ربعتُ الحجر ، إذا رفعته امتحانا للقوّة .

.


1- . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 309 (خرج) .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 333 ، ذيل الحديث 1146 .
3- . المقنعة ، ص 434 ، و كان في الأصل : «كلّ مسكين مدين ...» فصوّبته حسب المصدر .
4- . حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 166 .
5- . البقرة (2) : 196 .
6- . هي الحديث الثاني من هذا الباب .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 334 ، ح 1149 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 196 ، ح 658 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 167 ، ح 17496 .
8- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 208 209 .
9- . المبسوط ، ج 1 ، ص 349 350 .
10- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 382 ، الدرس 101 .
11- . المقنعة ، ص 365 ، و المذكور فيها : «مدّ» و نقل في هامشه عن نسختين منها : «مدّين» .
12- . البقرة (2) : 196 .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 333 334 ، ح 1184 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 195 196 ، ح 657 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 166 167 ، ح 17495 .
14- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 363 .
15- . في الأصل : «بالتخيير» .
16- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 381 382 ، الدرس 101 .
17- . كنز العرفان ، ج 1 ، ص 289 .
18- . نفس المصدر ، و تقدّم الحديث عن صحيح البخاري .
19- . البقرة (2) : 196 .
20- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 208 .
21- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 209 .
22- . الخلاف ، ج 2 ، ص 238 ، المسألة 98 . وانظر : فتح العزيز ، ج 7 ، ص 378 و 438 و 466 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 5 و 117 ؛ و ج 2 ، ص 187 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 521 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 263 264 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 374 .
23- . اُنظر : عمدة القاري ، ج 10 ، ص 163 .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 369_ 370 ، ح 1287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 157 ، ح 17472 .
25- . وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 167 ، ح 17496 .
26- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 814 815 .
27- . منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 815 .
28- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 333 ، ح 1147 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 195 ، ح 656 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 165 166 ، ح 17494 .

ص: 63

. .

ص: 64

. .

ص: 65

. .

ص: 66

باب المحرم يحتجم أو يقصّ ظفرا أو شعرا أو شيئا منه

باب المحرم يحتجم أو يقصّ ظفرا أو شعرا أو شيئا منهفيه مسائل :الاُولى : ذهب الشيخ في الخلاف (1) إلى كراهة الاحتجام للمحرم مدّعيا عليها إجماع الفرقة محتجّا على الجواز بأصالة الإباحة ، وعدم دليل على المنع ، وبما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : احتجم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو محرم . (2) ويدلّ عليه أيضا ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الفقيه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام أنّه احتجم وهو محرم . (3) وفي الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقلع الشعر» . (4) وفي العلل (5) عن مقاتل قال : رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام في يوم جمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم وهو محرم . (6) وعنه عن آبائه ، عن عليّ عليهم السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله احتجم وهو صائم محرم» . (7) وما رواه الشيخ قدس سره في الاستبصار عن يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يحتجم؟ قال : «لا أحبّه» . (8) ونُسب هذا القول إلى الصدوق رضى الله عنه (9) أكثر العامّة، (10) وذهب في كتابيالأخبار (11) والمبسوط (12) إلى تحريمه من غير ضرورة ، وهو ظاهر المصنّف قدس سره ، وبه صرّح شيخنا المفيد (13) وابن إدريس (14) والشهيد (15) ، وحكي عن مالك (16) ، وهو الأظهر ؛ لحسنة الحلبيّ (17) وخبر مثنّى بن عبد السلام عن زرارة . (18) وما رواه الشيخ عن الحسن الصيقل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام عن المحرم يحتجم ، قال : «لا ، إلّا أن يخاف التلف ولا يستطيع الصلاة» ، وقال : «إذا آذاه الدم فلا بأس به ، ويحتجم ولا يحلق الشعر» . (19) ويؤيّدها ما سيأتي من النهي عن الإدماء في أخبارٍ متعدّدة ، ولا تنافيها الأخبار الأوّلة ، فإنّ الظاهر أنّهم عليهم السلام إنّما احتجموا للضرورة ، وهو خارج عن محلّ النزاع ، ويستفاد من بعض ما أشرنا إليه من الأخبار تحريم الفصد والختان ونظائرهما ، وقد صرّح به أكثر الأصحاب . وفي حكم الإدماء الحكّ والدلك والسواك المفضية إليه ، فقد قال المفيد قدس سره : «ولا يدمي نفسه بحكّ جلده ولا يستقصي في سواكه ؛ كيلا يدمي فاه» . (20) وفي المبسوط : «لا يحكّ المحرم جلده حكّا يدميه ، ولا يستاك سواكا يدمي فاه» . (21) وبه صرّح جماعة اُخرى (22) ، وهو المشهور . ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال : «بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر» . (23) وصحيحة الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يستاك؟ قال : «نعم ولا يدمي» . (24) وخبر عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بحكّ الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ويحكّ الجسد ما لم يدمه» . (25) والشيخ في الخلاف (26) حكم بكراهة الدّلك وأطلق بناءً على قوله بكراهة الإدماء . (27) واعلم أنّ الظاهر عدم وجوب فدية للإدماء مطلقا ولو اختيارا ؛ لأصالة البراءة ، وعدم دليل عليه ، بل يستفاد ذلك من خبر عبد الرحمن ، قال : حدّثني جعفر بن موسى ، عن مهران بن أبي نصر وعليّ بن إسماعيل بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قالا : سألناه ، فقال : «في حلق القفا للمحرم إن كان أحدٌ منكم يحتاج إلى الحجامة فلا بأس به ، وإلّا فليلزم ما جرى عليه الموسى إذا حلق» (28) حيث اقتصر عليه السلام في الشقّ الثاني على كفّارة الحلق . وفي شرح اللمعة : أنّه أقوى (29) ، وهو مشعر بوجود قول من الأصحاب بوجوبها . وفي الدروس : «وفدية إخراج الدم شاة ، ذكره بعض أصحاب المناسك . وقال الحلبيّ : في حكّ الجسم حتّى يدمي مدّ طعام لمسكين» (30) ولم أجد لهما مستندا . الثانية : أجمع أهل العلم على تحريم قصّ الظفر في الإحرام من غير ضرورة . ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار (31) ، وموثّقة إسحاق بن عمّار (32) ، ويؤيّدهما أخبار فديته . واختلفوا في مقدار فديتها ، فقال الشيخان (33) بوجوب مدّ لظفر ، ومدّين لظفرين ، وهكذا إلى تسعة أمداد أو لتسعة أظفار ، سواء في ذلك أظفار اليدين والرجلين ، وشاة لأظفار اليدين ، وشاة لأظفار الرجلين إن تعدّد المجلس ، وشاة واحدة لأظفارهما مع اتّحاده ، وبه قال الصدوق (34) ، وحكي عن السيّد المرتضى (35) وابن البرّاج (36) وابن إدريس (37) وسلّار (38) ، وهو المشهور بين المتأخّرين . فيدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف من حسنة معاوية بن عمّار وموثّقة أبي بصير (39) ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل قلّم ظفرا من أظافيره وهو محرم ، قال : «عليه في كلّ ظفر قيمة مدّ من طعام حتّى يبلغ عشرة ، فإن قلّم أصابع يديه كليهما فعليه دم شاة» ، قلت : فإن قلّم أظافيره رجليه ويديه جميعا؟ فقال : «إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان» . (40) وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مَن قلّم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلاً فلا شيء عليه ، ومن فعله متعمّدا فعليه دم» . (41) وعن الحلبيّ أنّه سأله عن محرم قلّم أظافيره ، قال : «عليه مدّ في كلّ إصبع» ، قال : «فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة» . (42) وعن ابن الجنيد أنّه قال : من قصّ ظفرا كان عليه مدّ وقيمته ، وفي الظفران مدّان أو قيمتهما ، فإن قصّ خمس أظافير من يد واحدة أو زاد على ذلك كان عليه دم إن كان في مجلس واحد ، فإن فرّق بين يديه ورجليه كان عليه ليديه دم ولرجليه دم . (43) وكأنّه تمسّك في ذلك بصحيحة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في المحرم ينسى فيقلّم ظفرا من أظافيره ، قال : «يتصدّق بكفّ من طعام» ، قلت : فاثنين؟ قال : «كفّين» ، قلت : فثلاثة؟ قال : «ثلاثة أكفّ كلّ ظفر كفَّ حتّى يصير خمسة ، فإذا قلّم خمسة فعليه دم واحد ، خمسة كان أو عشرة أو ما كان» . (44) ويؤيّدها مرسلة حريز . (45) لكنّ الصحيحة صريحة في النسيان ، وهو غير موجب للفدية هنا إجماعا ، والمرسلة غير قابلة لمعارضة الصحاح . على أنّهما قابلتان للحمل على الندب والاستحباب . وعن أبي الصلاح أنّه قال : «في قصّ ظفر كفّ من طعام ، وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وفي أظفار كليهما دم شاة ، وكذلك أظفار رجليه» . (46) وكأنّه أراد بالصاع صاع النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو خمسة أمداد . واعلم أن لا كفّارة للقلم مع النسيان والجهل كسائر محرّمات الإحرام غير الصيد . ويدلّ عليه زائدا على الإجماع صحيحة زرارة المتقدّمة (47) ، وصحيحة أبي حمزة ، قال : سألته عن رجل قصّ أظافيره إلّا إصبعا واحدا ، قال : «نسى؟» قلت : نعم ، قال : «لا بأس» . (48) لا يقال : يدلّ موثّق إسحاق بن عمّار (49) على وجوبها مع الجهل . لأنّا نقول : إنّما يدلّ على ذلك لو عاد الضمير في عليه إلى من قلّم ، وهو ممنوع ، بل الظاهر عوده إلى المعنى . وقد ورد التصريح بذلك فيما رواه الشيخ قدس سرهبسندٍ آخر عن إسحاق الصيرفيّ وهو ابن عمّار المذكور أنّه قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : إنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره ، فكانت إصبع له عليلة ، فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعدما أحرم ، فقصّه فأدماه ، قال : «على الذي أفتاه شاة» . (50) ثمّ إنّ خبر الشيخ يدلّ على أنّ الشاة للقلم والإدماء جميعا ، وهو المشهور بين الأصحاب ، فليخصّ خبر الكتاب أيضا بذلك . الثالثة : تحرم إزالة الشعر بحلق ونتف وغيرهما إجماعا ، واختلفت أصنافه في الفدية ، وقد سبق حكم شعر الرأس . وفي المبسوط : «وإذا نتف أحد إبطيه فعليه أن يطعم ثلاثة مساكين ، فإن نتف إبطيه معا لزمه دم شاة» . (51) وكذا في سائر كتب الأصحاب (52) ، ولم أجد مخالفا له . ويدلّ عليه صحيحة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم» . (53) وخبر عبداللّه بن جبلة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في محرم نتف إبطه ، قال : «يطعم ثلاثة مساكين». (54) فالابط فيما رواه المصنّف في الصحيح عن زرارة (55) محمول على الإبطين . و يظهر من بعض ما ذكر من الأخبار تحريم حلق القفا أيضا من غير ضرورة ، و هو المشهور بين الأصحاب . وأمّا شعر اللحية ، فقال المفيد قدس سره : «ومن أسبغ وضوءه فسقط منه شعرة فعليه كفّ من طعام ، فإن كان الساقط من شعره كثيرا فعليه دم شاة» . (56) ويفهم منه وجوب الفدية في غير الوضوء أيضا بالأولويّة، وإليه ذهب الشيخ في التهذيب. واحتجّ عليه بصحيحة هشام بن سالم (57) ، وبصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المحرم يعبث بلحيته فتسقط منه الشعرة والثنتان؟ قال : «يطعم شيئا» . (58) وخبر منصور ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في المحرم إذا مسّ لحيته فوقع منها شعرة ، قال : «يطعم كفّا من طعام أو كفّين» . (59) ويدلّ عليه أيضا حسنة الحلبيّ (60) ، وخبر الحسن بن هارون ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي أولع بلحيتي وأنا محرم ، فتسقط الشعرات ، قال : «إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدّق به ، فإنّ تمرة خيرٌ من شعرة» . (61) وخصّ الشيخ في المبسوط والشهيد في الدروس والمحقّق في الشرائع (62) وجوب الفدية بما إذا أسقط الشعر في غير الوضوء و ، هو أظهر ؛ لظهور أكثر الأخبار المذكورة في كون مسّ اللّحية للعبث ، وعدم خبر صريح في وجوبها للساقط في الوضوء ، بل ورد النصّ الصريح في عدم وجوبها حينئذٍ ؛ رواه الشيخ في الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي ، قال : سأل رجل أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان ، فقال : «ليس بشيء ، «ما جَعَلَ عَلَيْ_كُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (63) . (64) بل الظاهر عدم وجوبها للساقط منه في حال الغسل أيضا ؛ لما ذكر ، وللاشتراك في العلّة المستفادة من تلك الصحيحة . وعدّه في الدروس أقرب (65) ، بل لا يبعد إلحاق الطهارة عن الخبث أيضا بهما لما ذكر . وهو الظاهر من ابن البرّاج ، فإنّه أطلق الطهارة ، وقال على ما حكي عنه : «إن حكّ رأسه أو لحيته لغير طهارة فيسقط شيء من شعرهما بذلك فعليه كفّان من طعام ، وإن كان مسّهما للطهارة لم يكن عليه شيء» . (66) ولولا ظهور إجماع الأصحاب على وجوبها للساقط في غير الطهارة لأمكن القول باستحبابها له أيضا ؛ للجمع بين ما ذكر وبين صحيحة جعفر بن بشير ؛ قال : دخل السّاجي على أبي عبداللّه عليه السلام فقال : ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليَّ شيء» . (67) وخبر ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها ، فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأً أو عمدا؟ فقال : «لا يضرّه» . (68) وهذا الجمع أظهر من حمل الأولى على الخطأ ، ونفي الضرر في الثاني على نفي استحقاق العقاب كما فعله الشيخ ، كما لا يخفى . واعلم أنّ الأقوال المذكورة إنّما هي مع العمد ، وأمّا مع الجهل والنسيان فلا فدية إجماعا على ما هو المقرّر . ويدلّ عليه صحيحة زرارة . (69) وممّا ذكرنا يعلم عدم وجوب فدية لشعر سائر الجسد ممّا عدا الإبط ، فتأمّل .

.


1- . الخلاف ، ج 2 ، ص 315 ، المسألة 110 .
2- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 221 و 236 و 259 260 و 292 و 315 و 351 و 372 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 37 ، باب الحجامة للمحرم ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 214 و ص 237 كتاب الصوم ؛ و ج 7 ، ص 14 15 كتاب الطبّ ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 22 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1029 ، ح 3082 .
3- . الفقيه ، ج 2 ، ص 348 ، ح 2651 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 514 ، ح 16946 .
4- . الفقيه ، ج 2 ، ص 348 ، ح 2651 ؛ و رواه الشيخ في الاستبصار ، ج 2 ، ص 183 ، ح 610 ؛ و تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 306 ، ح 1046 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 513 ، ح 16944 .
5- . كذا بالأصل ، و لم أعثر عليه في العلل ، و الحديث في العيون .
6- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 19 ، الباب 30 ، ح 38 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 514 ، ح 16948 .
7- . نفس المصدر ، ح 39 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 79 ، ح 12881 ؛ و ج 12 ، ص 514 ، ح 16949 .
8- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 306 ، ح 1045 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 183 ، ح 609 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 513 ، ح 16943 .
9- . نسب إليه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 795 . و المذكور في المقنع ، ص 233 ، «ولا بأس أن يحتجم المحرم إذا خاف على نفسه» .
10- . اُنظر : المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 351 و 355 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 278 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 328 .
11- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 306، ذيل الحديث 1046؛ الاستبصار، ج 2، ص 184، ذيل الحديث 610.
12- . المبسوط ، ج 1 ، ص 321 .
13- . المقنعة ، ص 432 .
14- . السرائر ، ج 1 ، ص 546 .
15- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 385 ، الدرس 101 .
16- . المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 355 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 278 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 328 .
17- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
18- . هو الحديث الثاني من هذا الباب .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 306 ، ح 1044 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 183 ، ح 608 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 513 ، ح 16942 .
20- . المقنعة ، ص 432 .
21- . المبسوط ، ج 1 ، ص 321 . و مثله في النهاية ، ص 221.
22- . منهم ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 547 .
23- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 313 ، ح 1076 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 531 ، ح 16998 .
24- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 313 ، ح 1078 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 534 ، ح 17006 .
25- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 313 ، ح 1077 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 534 ، ح 17005 .
26- . الخلاف ، ج 2 ، ص 314 .
27- . في هامش الأصل : «فقد قال في موضع منه : [ الخلاف ، ج 2 ، ص 314] «و يكره له أن يدلك جسده و رأسه» ، و في موضع آخر : يجوز للمحرم أن يدخل الحمّام و إزالة الوسخ عن جسمه ، و يكره له دلك بدنه ، و به قال الشافعيّ إلا أ نّه لم يكره الدلك . و قال مالك : عليه الفدية . دليلنا : أنّ الأصل براءة الذمّة ، فمن حظره أو قال : وجب عليه شيء ، فعليه الدلاله منه عفي عنه .
28- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 306 307 ، ح 1047 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 513 514 ، ح 16945 .
29- . شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 241 .
30- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 386 ، الدرس 101 ؛ الكافي في الفقه ، ص 204 .
31- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
32- . هي الحديث السادس من هذا الباب .
33- . قاله المفيد في المقنعة ، ص 434 ؛ و الطوسي في الخلاف ، ج 2 ، ص 309 ، المسألة 100 ؛ و المبسوط ، ج 1 ، ص 349 ؛ و النهاية ، ص 232 .
34- . المقنع ، ص 238 .
35- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 70) .
36- . المهذّب ، ج 1 ، ص 224 .
37- . السرائر ، ج 1 ، ص 553 .
38- . المراسم العلويّة ، ص 120 .
39- . هما ح 3 و 5 من هذا الباب .
40- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 332 ، ح 1141 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 194 ، ح 651 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 162 ، ح 17486 .
41- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 333 ، ح 1145 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 195 ، ح 655 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 160 ، ح 17482 .
42- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 332 ، ح 1142 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 194 ، ح 652 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 162 ، ح 17487 .
43- . عنه في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 165 .
44- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 332 ، ح 1143 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 194 ، ح 653 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 163 ، ح 17488 .
45- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
46- . الكافي في الفقه ، ص 204 .
47- . وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 162 ، ح 17487 .
48- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 332 333 ، ح 1144 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 195 ، ح 654 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 160 ، ح 17481 .
49- . هو الحديث السادس من هذا الباب .
50- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 333 ، ح 1146 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 164 165 ، ح 17492 ، و فيهما : «أفتى» بدل «أفتاه» .
51- . المبسوط ، ج 1 ، ص 350 .
52- . اُنظر : السرائر ، ج 1 ، ص 554 ؛ شرائع الاسلام ، ج 1 ، ص 227 ؛ تحرير الأحكام ، ج 2 ، ص 67 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 18 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 361 .
53- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 340 ، ح 1177 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 199 ، ح 675 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 161 ، ح 17484 .
54- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 340 ، ح 1178 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 200 ، ح 676 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 161 ، ح 17485 .
55- . هو الحديث الثامن من هذا الباب .
56- . المقنعة ، ص 435 .
57- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 338 339 ، ح 1171 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 198 ، ح 669 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 171 ، ح 17511 .
58- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 338 ، ح 1170 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 198 ، ح 668 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 171 ، ح 17508 .
59- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 338 ، ح 1169 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 198 ، ح 667 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 170 ، ح 17507 .
60- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب .
61- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 340 ، ح 1176 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 199 ، ح 674 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 171 ، ح 17510 .
62- . في هامش الأصل : «قال الشيخ في المبسوط [ ج 1 ، ص 350] : و إذا مسّ المحرم لحيته أو رأسه فوقع منهما شيء من شعره كان عليه أن يطعم كفّا من طعام أو كفّين ، فإن سقط شيء من شعر رأسه أو لحيته لمسّه لهما في حال الوضوء فلا شيء عليه . و قال الشهيد في الدروس الشرعيّة [ ج 1 ، ص 382] : ولو سقط من لحيته أو رأسه فعليه كفّ طعام ، ولو كان في الوضوء فلا شيء ، و كذا في الغسل على الأقرب . و قال المحقق نحوا منه في الشرائع [ ج 1 ، ص 227 ، محظورات الإحرام] ، منه عفى عنه» .
63- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 339 ، ح 1172 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 198 ، ح 670 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 172 ، ح 17512 .
64- . الحجّ (22) : 78 .
65- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 382 ، الدرس 101 .
66- . المهذّب ، ج 1 ، ص 226 ، ما يلزم المحرم على جناياته من الكفّارة .
67- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 339 ، ح 1173 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 198 ، ح 671 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 172 ، ح 17513 .
68- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 339 340 ، ح 1175 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 199 ، ح 673 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 172 ، ح 17514 .
69- . هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي .

ص: 67

. .

ص: 68

. .

ص: 69

. .

ص: 70

. .

ص: 71

. .

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

باب المحرم يلقي الدواب عن نفسه

باب المحرم يلقي الدواب عن نفسهفيه مسألتان :الاُولى : قد اشتهر بين الأصحاب تحريم قتل القمّل وإلقائه عن الثوب والبدن على المحرم ، وأنّ كفّارتهما كفّ من طعام ، وجواز تحويله مع الإيذاء من موضع من الجسد إلى موضع آخر ، أحرز منه أو مساوٍ له . ويدلّ على ما سبق من حكاية كعب بن عجرة وتناثر القمل على وجهه ، فإنّه لو كان قتله أو إلقاؤه مباحا لما تركه كعب حتّى تبلغ حاله هذه الغاية . وما رواه المصنّف على تحريم قتله زائدا على ذلك ما رواه الصدوق رضى الله عنهعن أبي الجارود ، قال : سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل قملة وهو محرم؟ قال : «بئس ما صنع» ، قال : فما فداؤها؟ قال : «لا فداء لها» . (1) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : «لا شيء في القملة ، ولا ينبغي أن يتعمّد قتلها» . (2) وعلى تحريم إلقائه زائدا عليه ما سنرويه عن أبي بصير ، وصحيحة الحلبيّ ، قال : حككتُ رأسي وأنا محرم ، فوقع منه قملات ، فأردت ردّهن ، فنهاني وقال : «تصدّق بكفّ من طعام» . (3) وخبر محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها ، قال : «يطعم مكانها طعاما» . (4) وخبر حمّاد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : «يطعم مكانها طعاما» . (5) وخبر الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّدا ، وإن قتل شيئا من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده» . (6) وما سيأتي . و على جواز تحويله كذلك صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم يلقي الدواب كلّها إلّا القملة ، فإنّها من جسده ، وإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه» . (7) وهذه وإن كانت مطلقة في المحلّ المحوّل إليه ، لكنّ الأصحاب قيّدوه بالأحرز أو المساوي ، وأرادوا بمقابلهما ما يكون معرضا للسقوط ، فإنّه يؤول إلى الإلقاء المحرّم . وأمّا الفدية لقتله فلم أجد خبرا صريحا فيها ، بل يدلّ خبر أبي الجارود وصحيح معاوية بن عمّار المتقدّمين على عدم وجوبها ، بل يظهر من الصحيح المشار إليه كراهة قتله أيضا . وخبر أبي الجارود قابل للحمل عليه . وأمّا حكاية كعب بن عجرة فقد مضت أنّ الفدية فيها لأذى الحلق . وصرّح بذلك الشيخ في المبسوط فقال : «ويجوز له قتل الزنابير والبراغيث والقمل ، إلّا أنه إذا قتل القمل على بدنه لا شيء عليه ، وإن أزاله عن جسمه فعليه الفداء ، والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه» . (8) ثمّ قال بفصل : «ومَن نحّى عن جسمه قملة فرمى بها أو قتلها كان عليه كفّ من طعام» . (9) والظاهر أنّ قوله : «أو قتلها» معطوف على رمى بها لا على نحّى ، كما لا يخفى . وقال ابن حمزة على ما حكي عنه بجواز قتل القملة على بدنه (10) ، وهو المفهوم من كلام المفيد والسيّد المرتضى ؛ ففي المقنعة : «ومن نزع من جلده قملة فقتلها أو رمى بها فليطعم مكانها كفّا من طعامٍ» . (11) وقال السيّد على ما نقل عنه : «من نزع عن جسده قملة فقتلها أو رمى بها فليطعم مكانها كفّا من طعام» . (12) بل يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب فدية لإلقائها أيضا ، فلا يبعد حمل الأخبار الأوّلة على الاستحباب . رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المحرم يحكّ رأسه فتسقط عنه القملة والثنتان ، قال : «لا شيء عليه ولا يعود» . قلت : كيف يحكّ رأسه؟ قال : «بأظافيره ما لم يدم ولا يقطع الشعر» . (13) بل لا يبعد القول بكراهة الإلقاء أيضا ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه مُرّة مولى خالد ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يلقي القملة ، فقال : «إلقوها أبعدها اللّه غير محمودة ولا مغفورة ولا مفقودة» . (14) وهو أحد وجوه الجمع للشيخ قدس سرهحيث قال : ليس في هذه الروايات مخالفة لما قدّمناه ؛ لأنّها وردت مورد الرخصة ، ويجوز أن يكون المراد بها ، من يتأذّى بها فإنّه متى كان الأمر كذلك جاز له ذلك ، إلّا أنّه يلزمه الكفّارة حسب ما قدّمناه ، وقوله عليه السلام : «لا شيء» عليه يريد به لا شيء من العقاب ، أو لا شيء عليه معيّن ، كما يجب عليه فيما عدا ذلك من قتل الأشياء . (15) فتدبّر . الثانية : الهوام : والمشهور بين الأصحاب تحريم قتلها على الجسد ، وجواز إلقائها عنه ، سواء كانت من دواب جسد الإنسان كالبرغوث أو من غيرها كالقَراد والحلمة ونظائرهما . أمّا تحريم قتلها فيدلّ عليه ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الموثّق عن أبان ، عن زرارة ، قال : سألته عن المحرم هل يحكّ رأسه أو يغسل بالماء؟ فقال : «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة ، ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصبّ على رأسه ما لم يكن ملبّدا (16) ، فإن كان ملبّدا فلا يفيض على رأسه الماء إلّا من احتلام» . (17) واحتجّ عليه في المنتهى بما رواه معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه السلام قال : «واتّقوا (18) قتل الدوابّ كلّها» ، (19) فإنّ الرواية هي الصحيحة التي رويناها فيما سبق . (20) والظاهر من الدوابّ فيها دوابّ الأرض ، وأمّا جواز إلقائها فللأصل من غير معارض ، بل صحيحة عبداللّه بن سنان (21) صريحة في جوازه في القراد (22) والحلمة . (23) ويستفاد من التعليل الذي فيها جوازه في غيرهما ممّا عدا دوابّ جسد الإنسان . وجوّز الشيخ في المبسوط (24) قتل البرغوث ، وقد حكينا كلامه ، ورجّحه الشهيد في اللمة. (25) ويدلّ عليه وعلى جواز قتل البقّة أيضا رواية زرارة عن أحدهما عليهماالسلام ، ويرويها المصنّف في الباب الآتي . (26) بقي هناك مسألة ؛ قال الشيخ قدس سره في التهذيب : «ولا بأس أن يلقى المحرم القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلمة» . واحتجّ عليه بما رواه عن معاوية بن عمّار ، قال : قال : «وإن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة» . (27) وعن عمر بن يزيد ، قال : «لا بأس أن تنزع القراد عن بعيرك ، ولا ترم الحلمة» . (28) ويدلّ عليه أيضا ما يرويه المصنّف في الباب الآتي من حسنة حريز وخبر أبي بصير (29) ، وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير» . (30) وعن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن المحرم ينزع الحلمة عن البعير ، قال : «لا ، هي بمنزلة القملة من جسدك» . (31) ثمّ الظاهر من التعليل المذكور في هذه الأخبار عدم جواز إلقاء القراد عن الغنم ، ولم أرَ من الأصحاب تصريحا به لا نفيا ولا إثباتا .

.


1- . الفقيه ، ج 2 ، ص 360 ، ح 2703 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 170 ، ح 17506 .
2- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 337 ، ح 1166 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 197 ، ح 664 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 169 ، ح 17504 .
3- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 337 ، ح 1163 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 169 ، ح 17502 .
4- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 336 ، ح 1159 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 196 ، ح 660 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 168 ، ح 17499 .
5- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 336 ، ح 1158 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 196 ، ح 659 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 168 ، ح 17500 .
6- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 336 ، ح 1160 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 196 197 ، ح 661 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 168 169 ، ح 17501 .
7- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 336 337 ، ح 1161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 540 ، ح 17022 .
8- . المبسوط ، ج 1 ، ص 339 .
9- . نفس المصدر ، ص 350 .
10- . الوسيلة ، ص 163 ، في بيان موجبات الكفّارة .
11- . المقنعة ، ص 435 .
12- . جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 71) .
13- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 337 ، ح 1165 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 197 ، ح 663 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 169 ، ح 17503 .
14- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 337 ، ح 1164 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 197 ، ح 662 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 540 ، ح 17023 .
15- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 338 ، ذيل الحديث 1166 .
16- . التلبيد : أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من صمغ ليتلبّد شعره بقيا عليه لئلّا يشعث في الإحرام . صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 534 (لبد) .
17- . الفقيه ، ج 2 ، ص 360 ، ح 2705 . و رواه الكليني في باب أدب المحرم من الكافي ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 534 ، ح 17007 .
18- . كذا بالأصل ، و في المصدر : «اتّق» .
19- . الكافي ، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب عليه فيه الكفّارة ، ح 2 .
20- . المذكور في المنتهى المطلب رواية الكافي التى ورد في ذيلها: «الّا الأفعي و العقرب . . .» و هذه الرواية ستأتي في الباب التالي . و أمّا ما تقدم فرواية اُخرى ذيلها يرتبط بالدهن و الطيب للمحرم .
21- . هي الحديث الرابع من هذا الباب الكافي.
22- . القراد، كغراب : هو ما يتعلّق بالبعير و نحوه ، و هو كالقمّل للإنسان . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 483 (ترد) .
23- . الحلمة: القراد العظيم. و الحلمة أيضا دودة تقع في جلد الشاة الأعلى و جلدها الأسفل. صحاح اللغة، ج 5، ص 1903 (حلم).
24- . المبسوط ، ج 1 ، ص 339 .
25- . لم يتعرّض الشهيد للبرغوث ، نعم ذكره الشهيد الثاني في شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 246 و رجّحه .
26- . هي الحديث السادس من ذلك الباب .
27- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 338 ، ح 1167 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 542 ، ح 17028 .
28- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 338 ، ح 1168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 543 ، ح 17031 .
29- . هما ح 8 و 9 من ذلك الباب .
30- . الفقيه ، ج 2 ، ص 364 ، ح 2720 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 543 ، ح 17029 .
31- . الفقيه ، ج 2 ، ص 364 ، ح 2721 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 543 ، ح 17030 .

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

باب ما يجوز للمحرم قتله وما يجب عليه فيه الكفّارة

باب ما يجوز للمحرم قتله وما يجب عليه فيه الكفّارةقد سبق تحقيق الصيد المحرّم على المحرم وعلى المحلّ في الحرم ، وأنّ الكفّارة فيهما مختلفة ، وتجتمع الكفّارتان على المحرم في الحرم ، ويأتي تمام القول فيه في أبواب الكفّارات إن شاء اللّه تعالى . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (فإنّها توهي السّقاء) إلخ .[ ح 2 / 7324] وهي السّقاءُ يهي وهيا : تخرّق وانشقّ ، وأوهيته فوهى . (1) والكلب العقور : الكلب الجارح من عقره إذا جرحه (2) ، ويحتمل أن يُراد به الذئب ، والأسود الغدر : الحيّة القتّال بالسمّ . (3) وقال طاب ثراه : الحِدأة كعِنبة تشمل الذكر والاُنثى ، وسمّيت الفأرة بالفويسقة لخروجها بالأذاية عن جنسها من الحيوان ، وقيل : لخروجها عن الحرمة التي لغيرها في أنّها تقتل في الحلّ والحرم ، (4) وهذان الوجهان أولى من قول الفراء : إنّها سمّيت بذلك لخروجها عن جحرها (5) ؛ لعدم اختصاصه بها . قوله في خبر أبي بصير : (يُقرد البعير) [ ح 9 / 7331] أي يزيل قراده ، فقد جاء باب الإفعال بهذا المعنى .

.


1- . صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2531 2532 (وهي) .
2- . النهاية ، ج 3 ، ص 275 (عقر) .
3- . اُنظر : مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 450 (سود) .
4- . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 352 (فأر) .
5- . مجمع البيان ، ج 1 ، ص 133 ، تفسير الآية 26 من سورة البقرة ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج 1 ، ص 106 .

ص: 81

باب المحرم يذبح ويحتشّ لدابّته

باب أدب المحرم

باب المحرم يذبح ويحتشّ لدابّتهأراد قدس سره بالذبح ذبح الحيوانات الأهليّة ، وبالاحتشاش قلع حشيش الحرم لعلف الدواب . وقد عرفت إجماع أهل العلم على جواز الأوّل وتحريم الثاني إلّا من مواضع مخصوصة معدودة فلا نعيدهما .

باب أدب المحرمأراد بالأدب المعنى العام ، وفيه مسائل : الاُولى : ظاهر مرسل ابن فضّال (1) جواز دخول الحمّام للمحرم من غير كراهة ، وهو ظاهر المصنّف قدس سرهوظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : يجوز للمحرم أن يدخل الحمّام وإزالة الوسخ عن جسمه ، ويكره له دَلك بدنه ، وبه قال الشافعيّ غير أنّه لم يكره الدلك (2) . وقال مالك : عليه الفدية . (3) إلّا أن يقال أراد بكراهة الدلك حرمته كما يشعر به قوله بعدما ذكر : «دليلنا : أنّ الأصل براءة الذمّة ، فمن حظره أو قال : وجب شيء فعليه الدلالة» . (4) والمشهور بين الأصحاب كراهته ، صرّح به جماعة منهم الشيخ في المبسوط . (5) الثانية : ظاهر صحيح حمّاد بن عيسى (6) عدم جواز تلبية المنادي للمحرم ، ويؤيّده ما رواه الصدوق رضى الله عنهقال : وفي خبر آخر : «إذا نودي المحرم فلا يقل لبّيك ، ولكن يقول : يا سعد» (7) ، وهو ظاهر المصنّف قدس سره ، وحُملا في المشهور على الكراهة ؛ لما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : «يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نُودي وهو محرم» . (8) وعن سليمان بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن التلبية وعلّتها ، فقال : «إنّ الناس إذا أحرموا ناداهم اللّه تعالى ذكره ، فقال : عبادي وإمائي ، لأحرمنّكم على النار كما أحرمتم لي ، فيقولون : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ؛ إجابةً للّه عزّ وجلّ على ندائه إيّاهم» (9) ، فيكره أن يشرك فيها غيره في حال الإحرام ، فتأمّل . الثالثة : يستفاد من خبر زرارة (10) جواز التلبية للمحرم وإن كان مشتملاً على ستر الرأس بعض الستر ، وهو أن يطلي رأسه بعسل أو صمغ ؛ ليجمع الشعر ويتلبّد ، فلا يتخلّله اّلغبار ولا يصيبه الشعث ولا يأوي فيه القمل وشبهه . وقد روى الجمهور أيضا عن ابن عمر أنّه قال : «رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يهلّل ملبّدا» (11) ، وبه صرّح الأصحاب وغيرهم ، ولم أجد مخالفا له من الفريقين ، بل لا يبعد القول باستحبابه .

.


1- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- . كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 159 ؛ مختصر المزني ، ص 66 ؛ فتح العزيز ، ج 7 ، ص 463 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 355 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 265 .
3- . بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 265 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 389 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 355 .
4- . الخلاف ، ج 2 ، ص 314 ، المسألة 108 .
5- . المبسوط ، ج 1 ، ص 322 .
6- . هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
7- . الفقيه ، ج 2 ، ص 326 ، ح 2584 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 561 ، ح 17086 .
8- . الفقيه ، ج 2 ، ص 326 ، ح 2583 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 561 ، ح 17086 .
9- . الفقيه ، ج 2 ، ص 196 ، ح 2124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 375 ، ح 16552 ، و فيهما : «ندائه لهم» بدل «ندائه إيّاهم» .
10- . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
11- . صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 145 ؛ و ج 7 ، ص 59 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 8 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1013 ، ح 3047 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 393 ، ح 1747 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 136 ؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 337 ، ح 3663 .

ص: 82

باب المحرم يموت

باب المحرم يموتيحرم استعمال الكافور في غسل الميّت المحرم وتحنيطه به ، رجلاً كان أو امرأة بإجماع الفريقين . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب ، وقد سبق بعض الأخبار من طرق العامّة في ذلك ، وهل يجوز تغطية رأسه؟ فالظاهر ذلك ؛ لأصالته من غير معارض يعتدّ به ، وعدم جواز إلحاقه بالحيّ ، ولا قياس التغطية بالطيب ، ولقوله عليه السلام في موثّق أبي مريم : «وخمّروا وجهه ورأسه» . (1) ونسبه في المنتهى (2) إلى علمائنا ، وظاهره وفاقهم عليه ، وحكاه عن عائشة وعبداللّه بن عمر وطاووس والأوزاعيّ وأبي حنيفة . (3) ونقل بعض المتأخّرين عن السيّد المرتضى منعه (4) ، و هو الظاهر من قوله عليه السلام : «يصنع به كما يصنع بالمحلّ» ، (5) لكنّه مخصّص بقرينة ما ذكر . وقد نقله في المنتهى (6) عن عطاء والثوريّ والشافعيّ (7) وأحمد (8) محتجّين بما رواه ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في حقّ الأعرابي الذي وقص به بعيره : «ولا تخمّروا رأسه ، فإنّ اللّه تعالى يبعثه ملبّيا» . (9) وأجاب بأنّه معارض بما ذكر ، ثمّ احتمل أنّ يكون ذلك خاصّا به . وأمّا تغطية وجهه فلا ريب في جوازها ولم يخالف فيه أحد من الأصحاب . ويدلّ عليه أكثر أخبار الباب من غير معارض أصلاً ، ولا يتوهّم المنع منها إلّا في المرأة ، وهو ممنوع ببطلان القياس . وقد نقل في المنتهى عدم جوازها عن أحمد في إحدى الروايتين . (10) قوله : (عن ابن فضّال) .[ ح 3 / 7351] هو أحمد بن الحسين بن عليّ بن فضّال ، فقد روى الشيخ في التهذيب هذا الخبر بعينه عن عليّ بن الحسين بن بابويه ، عن سعد بن عبداللّه ، عنه مصرّحا بذلك الاسم . والأبواء : هو بفتح الهمزة وسكون الموحدة موضع بين الحرمين الشريفين زادهما اللّه شرفا . (11) وروي فيه مثله عن ابن سنان ، عن عبد الرحمن ، عن أبي عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يموت ، كيف يصنع به؟ فقال : «إنّ عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين وهو محرم ، ومع الحسين عبداللّه بن العبّاس وعبداللّه بن جعفر ، وصنع به كما يصنع بالميّت ، وغطّى وجهه ولم يمسّه طيبا» وقال : «وذلك كان في كتاب على¨ّ عليه السلام » . (12)

.


1- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ح 1 ، ص 330 ، ح 966 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 504 505 ، ح 2763 .
2- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 178 ط جديد ؛ و ج 1 ، ص 432 ط قديم ، و ج 2 ، ص 812 ، و الموجود في الأخيرة : «إجماعا» ، و المذكور في الأوّل عن مالك و أبي حنيفة و الأوزاعي أنّه يصنع به كما يصنع بالحلال .
3- . حكى في عمدة القاري ، ج 8 ، ص 51 عن هؤلاء أنّه يصنع به ما يصنع بالحلال ، و مثله في المجموع للنووي ، ج 5 ، ص 210 ؛ و المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 406 ؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 332 .
4- . اُنظر : جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 398 .
5- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 329 ، ج 964 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 503 ، ج2760 ؛ و ج 12 ، ص 550 ، ج 17054 .
6- . منتهى المطلب ، ج 7 ، ص 178 ، و في ط القديم ، ج 1 ، ص 432 .
7- . المغني ، ج 2 ، ص 406 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 332 ؛ عمدة القاري ، ج 8 ، ص 51 ؛ و عن الشافعي في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 308 .
8- . عمدة القاري ، ج 8 ، ص 51 ؛ فتح العزيز ، ج 5 ، ص 129 .
9- . مسند أحمد ، ج 1 ، ص 221 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 75 و 76 باب في الجنائز ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 23 باب ما يفعل بالمحرم إذا مات ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 87 ، ح 3238 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 196 ؛ و السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 379 ، ح 3838 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 3 ، ص 391 باب المحرم يموت .
10- . منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 443 ، و في ط الحديث ج 7 ، ص 256 . وانظر : فتح العزيز ، ج 5 ، ص 129 .
11- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 330 ، ح 966 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 504 505 ، ح 2763 .
12- . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 329 ، ح 963 ؛ و ج 5 ، ص 383 ، ح 1337 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 503 ، ح 2759 .

ص: 83

. .

ص: 84

باب المحصور والمصدود وما عليهما من الكفّارة

باب المحصور والمصدود وما عليهما من الكفّارةقد سبق أنّ المشهور بين الأصحاب جواز التحلّل للمحرم إذا مُنِعَ عن إتمام الحجّ والعمرة بمرض أو عدوّ مطلقا ، اشترط أو لا ، وأنّه يوهم كلام بعضهم اشتراطه بالاشتراط ، وحقّقنا القول فيه ، والأصل فيه قوله تعالى : «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (1) ، فقد صرّح بعض الأصحاب بأنّ المراد بالإحصار فيه المنع الشامل للقسمين . ولا ينافي ذلك نزوله في صدّ الحديبيّة ؛ إذ كثيرا مّا كان سبب نزول آية خاصّا ويكون حكمها عامّا ، ولا التفريع بقوله : «فَإِذا أَمِنْتُمْ» ، فإنّه يشمل الأمن من المرض أيضا كما فسّر به في كنز العرفان (2) وغيره من تفاسيرنا . (3) ولا يعبأ بقول من قال من أهل اللّغة : إنّ الإحصار مخصوص بالمرض زعما منه أنّه إنّما يقال في العدوّ الحصر ، وأنّه يقال : أحصره المرض إحصارا فهو مُحصَرٌ ، وحَصَره العدوّ فهو محصور (4) ؛ فإنّه يعارضه النزول في الحديبيّة . على أنّ العلّامة رحمه اللهنقل في المنتهى (5) عن الفرّاء أنّه قال : «أحصره المرض لا غير ، وحصره العدوّ وأحصره معا» (6) ، وهو نصّ في عموم الإحصار ، وإنّما يدلّ على أنّه لا يقال في المرض : الحصر ، وهو خارج عن الفرض . ويدفع هذا أيضا قول من هو اُسّ الفصاحة وأساسها ، فقد قال الصادق عليه السلام : «المحصور هو المريض» . (7) وظهر مّما ذكرنا فساد قول ابن إدريس (8) وجمهور العامّة (9) ، حيث خصّ أوّل الآية بالمريض معلّلاً بما ذكر من قول بعض أهل اللغة ، واستفاد حكم المصدود من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله بالحديبيّة ، وخصّوها اولئك بالمصدود معلّلين بنزولها بالحديبيّة ، وبقوله تعالى : «فَإِذَا أَمِنتُمْ» . ولكن اختلفوا هؤلاء في حكم المريض فوافقنا في جواز تحلّله أيضا أبو حنيفة (10) وأحمد في إحدى الروايتين عنه وابن مسعود والثوريّ والنخعيّ (11) ؛ محتجّين بقوله صلى الله عليه و آله : «من كُسر أو عرج فقد حلّ ، وعليه الحجّ من قابل» . (12) وجوّزه الشافعيّ مع الاشتراط في قول على ما حكى عنه في العزيز (13) محتجّا بما روي من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لضباعة بنت الزبير : «أما تريدين الحجّ؟» فقالت : أنا شاكية ، فقال : «حجّي واشترطي أنّ محلّي حيث حبستني» . (14) ومنعه الشافعيّ مطلقا وإن اشترط في قول آخر (15) ؛ محتجّا عليه بما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : لا حصر إلّا حصر العدوّ (16) ، وبأنّه لا يستفيد بالتحلّل زوال المرض ، وبأنّه عبادة لا يجوز الخروج منه بغير عذر ، فلا يجوز بالشرط أيضا كالصلاة . وهو محكي عن مالك وعن أحمد أيضا في الرواية الاُخرى . (17) ولقد أعجب مالك حيث منع حكم الصدّ أيضا في العمرة محتجّا بأنّه لا يخاف فوتها . (18) ويردّه عموم الآية ، وتحلّل النبيّ صلى الله عليه و آله بالحديبيّة ، وهو إنّما كان معتمرا يومئذٍ ، وهؤلاء المانعون قالوا : يجب عليه الصبر إلى زوال العذر ، فإن كان معتمرا أتمّها بعد زوال العذر ، وإن كان حاجّا فإن تمكّن من الإتمام أتمّ ، وإلّا تحلّل بعمرة مفردة . هذا ، وربّما يخصّ المريض باسم المحصور والآخر بالمصدود . ويدلّ عليه أخبار الباب ، وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «المحصور غير المصدود» . وقال : «المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي ردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له النساء» (19) ، وكلام أكثر الأصحاب في المسألة مبني على هذا الاصطلاح . إذا عرفت هذا فنقول : هناك مسائل لابدّ من تحقيقها : الاُولى : ما به يتحقّق الصدّ والحصر ، أمّا الحجّ فقد أجمع الأصحاب على تحقّقهما فيه بالمنع عن الموقفين أو عن أحدهما مع فوت الآخر ، والظاهر اختصاص الحصر فيه بذلك ، ففي ما عداه يصير إلى زوال المرض أو يستنيب في بعضها (20) ، كما يظهر كلٌّ في موضعه . وأمّا الصدّ عمّا عداهما فقد اختلفوا في مواضع ، ففي المدارك : فإن كان المنع يعني في الصدّ عن نزول منى خاصّة استناب في الرمي والذبح كما في المريض ، ثمّ حلق وتحلّل وأتمّ باقي الأفعال ، فإن لم يمكنه الاستنابة في ذلك احتمل البقاء على إحرامه ؛ تمسّكا بمقتضى الأصل وجواز التحلّل لصدق الصدّ ، فيتناوله العموم ، وهو متّجهٌ . وكذا الوجهان لو كان عن مكّة ومنى . وجزم العلّامة في التذكرة (21) والمنتهى (22) بالجواز ؛ نظرا إلى أنّ الصدّ يفيد التحلّل من الجميع فمن بعضه أولى . وهو حسن . ولو كان المنع من مكّة خاصّة بعد التحلّل بمنى فقد استقرب الشهيد في الدروس (23) البقاء على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد ، واستوجهه المحقّق الشيخ عليّ في حواشي القواعد ، قال : «لأنّ المحلّل من الإحرام إمّا الهدي للمصدود والمحصور أو الإتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك منى يوم النحر تعيّن عليه الإكمال ؛ لعدم دليل على جواز التحلّل بالهدي حينئذٍ ، فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك» . (24) ويمكن المناقشة فيه بأنّ عموم ما تضمّن التحلّل بالهدي مع الصدّ متناول لهذه الصورة ، والامتناع في حصول التحلّل بكلّ من الأمرين ، والمتّجه التحلّل بالهدي هنا أيضا مع خروج ذي الحجّة ؛ للعموم ، ولما في الحكم ببقائه كذلك إلى القابل من الحرج . (25) وأمّا في العمرة فإنّما يتحقّقان بالمنع من دخول مكّة ، والظاهر هنا أيضا انحصار الحصر بذلك ، ففي أفعالها يحمل أو يستنيب على ما يأتي في محلّه . وأمّا الصدّ ففي المدارك : لا ريب في تحقّقه بالمنع من دخول مكّة ، وكذا بالمنع من الإتيان بأفعالها بعد الدخول ، ولو منع من الطواف خاصّة استناب فيه مع الإمكان ، ومع التعذّر قيل : يبقى على إحرامه إلى أن يقدر عليه أو على الاستنابة . ويحتمل قويّا جواز التحلّل مع خوف الفوات ؛ للعموم ونفي الحرج اللّازم من بقائه على الإحرام . وكذا الكلام في السعي وطواف النساء في المفردة . (26) انتهى . ولعلّ ما ذكره في غير عمرة التمتّع ، وأمّا فيها فالظاهر وجوب الصبر عليه إلى زوال المانع إلّا أن يضيق الوقت فيعدل إلى حجّ الإفراد إن أمكنه إدراك الحجّ ، فتأمّل . الثانية : المشهور بين الفريقين وجوب هدي التحلّل على المحصور والمصدود جميعا . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين وقد سبقت ، وقوله تعالى : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (27) على ما عرفت من عموم الإحصار فيه . وحكى في المنتهى (28) عن بعض الأصحاب وعن مالك (29) اختصاصه بالمحصور ، وقال ابن إدريس : «هو الأظهر ؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة ، ولقوله تعالى : «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» أراد به المرض ؛ لأنّه يقال : أحصره المرض وحصره العدوّ» . (30) وبما ذكرنا يظهر دفعه . واحتجّ مالك بأنّه تحلّل ابيح له من غير تفريط فأشبه من أتمّ حجّه . ودفعه واضح . وهل يسقط ذلك الهدي بالاشتراط؟ فقد سبق القول فيه . وهل يجزي هدي السياق عنه أم لا؟ يدلّ خبر رفاعة (31) على الأوّل ، ومثله صحيح رفاعة (32) في حصر الحسين عليه السلام حيث نحر هدي سياقه وأهلّ ، وسنرويه ، وهو ظاهر الآية ؛ لأنّ هذا الهدي أيضا ممّا استيسر ، ويؤيّده أصل البراءة ، وبه قال جماعة منهم سلّار (33) وأبي الصلاح (34) وابن البرّاج (35) على ما حكى عنهم في المختلف (36) ، وبه صرّح الشيخ (37) في المحصور ، والظاهر عدم قوله بالفصل . وقال الصدوق رضى الله عنه بالثاني ، ففي الفقيه : «وإذا قرن الرجل الحجّ والعمرة فأحصر بعث هديا مع هديه ، ولا يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه» (38) ، وهو منقول عن أبيه (39) أيضا ، واستقواه (40) ابن إدريس ، واحتجّ عليه باقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات ، (41) وفيه تأمّل . وربّما قيل بالفصل بين ما كان السياق واجبا بنذر وشبهه وما كان تبرّعا ، ففى¨ الدروس : «وقيل : يتداخلان إذا لم يكن السوق واجبا بنذر أو كفّارة وشبههما» (42) ، ولم أجد قائله . نعم ، ألحق بعض الأصحاب القول الثاني بهدي السياق ما كان واجبا بنذر وشبهه ، حكاه العلّامة في المختلف ، ومالَ هو نفسه إليه فقال بعدما حكى القولين : «وقال ابن الجنيد ونِعمَ ما قال _ : إذا أحصر ومعه هدي قد أوجبه للّه بعث بهدي آخر عن إحصاره ، فإن لم يكن أوجبه بحال من إشعار ولا غيره أجزأه عن إحصاره» . (43) فتأمّل . و هل الهدي واجب مطلقا أو مقيّدا بإرادة التحلّل ، والأوّل هو ظاهر الآية ، فيتحتّم التحلّل ، و ما إليه المحقّق الأردبيلى (44) ، و على الثاني يجوز له الصبر إلى زوال المانع فيتمّ العمرة و الحجّ ، و هو أظهر ؛ لدلالة قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار و حسنته عن أبي عبداللّه عليه السلام : «و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله ، رجع و نحر بدنة ، أو أقام مكانه حتّى يبرأ إذا كان في عمرة ، فإذا برأ فَعليه العمرة واجبة ، و إن كان عليه الحجّ رجع أو أقام ففاته الحجّ ، فإن عليه الحجّ من قابل» . (45) و يمكن تقييد الآية بقول : «إن أردتم التحلّل» كما قيّدها القاضي (46) و غيره (47) . بقي القول في محلّه ، فالمشهور بين الأصحاب أنّ المحصور يبعث هديه إلى منى إن كان حاجّا ، وإلى مكّة بالحزورة (48) إن كان معتمرا ، ويواعد أصحابه وقتا لذبحه ، فإذا بلغ الوقت قصّر من شعره وأحلّ ، والمصدود يذبحه مكان الصدّ ويحلّ . ويدلّ على هذا التفصيل تفصيلاً حسنة ابن أبي عمير وصفوان عن معاوية بن عمّار ، (49) وإجمالاً خبر آخر الباب ، وما رواه . (50) وعلى حكم المحصور خاصّة حسنة معاوية بن عمّار (51) وصحيحة ابن رئاب عن زرارة ، (52) وخبر مثنّى عن زرارة . (53) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وفي الصحيح عن رفاعة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّهما قالا : إنّ القارن يحصر ، وقد قال واشترط : فحلّني حيث حبستني ، قال : «يبعث بهديه» ، قلنا : هل يتمتّع في قابل؟ قال : «لا ، ولكن يدخل بمثل ما خرج منه» . (54) وعلى تفصيل محلّ البعث فيه ما رواه الشيخ عن الحسن ، عن زرعة ، قال : سألته عن رجل أحصر في الحجّ ، قال : «فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه ، ومحلّه منى يوم النحر إذا كان في الحجّ ، وإن كان في عمرة نحر بمكّة ، وإنّما عليه أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفا ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إن شاء اللّه » . (55) وعلى خصوص المصدود فعل النبيّ صلى الله عليه و آله بالحديبيّة . وأكثر هؤلاء لا يجوّزون التحلّل للمحصور قبل الميعاد . نعم ، لو آذاه شعر رأسه جوّزوا له الحلق مع فدية اُخرى لأذى الحلق ؛ معلّلين بأنّ المريد للنسك ساغ له ذلك ، فالمحصور أولى (56) ؛ ولخبر زرارة . (57) ويظهر من الدروس (58) جواز تعجيل التحلّل له مع البعث وإن لم يؤذه شعر رأسه، كما ستعرف. هذا ، وقد ورد في آخر حسنة ابن أبي عمير وصفوان عن معاوية بن عمّار (59) ذبح الهدي مكان الحصر وفعل الحسين عليه السلام كذلك . وروى الصدوق أيضا عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «المحصور والمضطرّ ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطرّان فيه» . (60) وفي الصحيح عن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «خرج الحسين عليه السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتّى انتهى إلى السّقيا ، فبُرسِمَ ، (61) فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ، ثمّ أقبل حتّى جاء فضرب الباب فقال عليّ عليه السلام : ابني وربّ الكعبة افتحوا له ، وكانوا قد حموا له الماء ، فأكبّ عليه فشرب ، ثمّ اعتمر بعد» . (62) وقال الشهيد في الدروس : وخيّر ابن الجنيد بين البعث والذبح حيث أحصر (63) ، والجعفي يذبح مكانه ما لم يكن ساق. وروى المفيد مرسلاً : أنّ المتطوّع ينحر مكانه ويتحلّل حتّى من النساء ، والمفترض يبعث ولا يتحلّل من النساء (64) ، واختاره سلّار (65) ؛ لتحلّل الحسين عليه السلام من العمرة المفردة بالحلق والنحر مكانه في حياة أبيه عليهماالسلام . وربّما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضرَّ به التأخير وهو في موضع المنع ؛ لجواز التعجيل مع البعث . (66) انتهى . والتخيير قويّ ، والرواية التي نسبها إلى المفيد رواها في باب الزيادات من المقنعة عن الصادق عليه السلام قال : وقال عليه السلام : «المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتّى يبلغ الهدي محلّه ، ثمّ يحلّ ولا يقرب النساء حتّى يقضي المناسك من قابل ، هذا إذا كان في حجّة الإسلام ، فأمّا حجّ التطوّع فإنّه ينحر هديه وقد حلّ ممّا كان أحرم منه ، فإن شاء حجّ من قابل وإن لم يشأ لا يجب عليه الحجّ ، والمصدود بالعدوّ ينحر هديه الذي ساقه بمكانه ، ويقصّر من شعر رأسه وليس عليه اجتناب النساء ، سواء كانت حجّته فريضة أو سنّة» . (67) انتهى . ولم أجد من هذا الخبر في كتب الأصول أثرا ، ولا يبعد أن يكون قوله هذا إذا كان في حجّة الإسلام من تأويله ، فتدبّر . واختلف في محلّه في المصدود أيضا فقد استحبّ الشيخ في الخلاف بعثه حيث قال : «إذا أحصره العدوّ جاز أن يذبح هديه مكانه ، والأفضل أن ينفذ به إلى منى أو مكّة» . (68) ولعلّه جمع بذلك بين ظاهر قوله تعالى : «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (69) وبين الخبر ، وهو غير بعيد . وأوجبه أبو الصلاح على ما حكى عنه في المختلف (70) أنّه قال : إذا صُدّ المحرم بالعدوّ أو اُحصر بالمرض عن تأدية المناسك فلينفذ القارن هديه والمتمتّع والمفرد ما يبتاع به شاة فما فوقها ، فإذا بلغ الهدي محلّه وهو يوم النحر _ فليحلق رأسه ، ويحلّ من كلّ شيء . (71) وكأنّه تمسّك في ذلك بظاهر الآية اطّراحا للخبر ، وأنت خبير بلزوم الحرج بذلك في الصدّ العام . وعن ابن الجنيد أنّه قال بذلك في السائق مع إمكان البعث (72) ، ولم أجد بذلك خبرا من طرق الأصحاب . نعم ، روى البخاريّ عن ابن عبّاس أنّه قال : إن كان معه هدي وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به ، وإن استطاع أن يبعث به لم يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه . (73) فتدبّر . وفي العزيز : لا يشترط بعث دم الإحصار يعني الصدّ إلى الحرم ، بل يذبحه حيث أحصر [ و يتحلّل] . وقال أبو حنيفة وأحمد : يجب أن يبعث به إلى مكّة ويوكّل إنسانا لذبحه يوم النحر إن كان حاجّا ، وأيّ يوم شاء إن كان معتمرا ، ثمّ يتحلّل . لنا : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أحصر عام الحديبيّة فذبح بها وهي من الحلّ ، ولأنّه موضع التحلّل إلى قوله _ : هذا كلّه إذا كان مصدودا عن الحرم ، فأمّا إذا كان مصدودا عن البيت دون أطراف الحرم ، فهل له أن يذبح في الحلّ؟ ذكروا أنّ فيه وجهين ، والأصحّ أنّ له ذلك . (74) انتهى . وفي المنتهى : احتجّ أحمد (75) بقوله تعالى : «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (76) ثمّ قال _ : «ثمّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ، (77) ولأنّه ذبح يتعلّق بالإحرام ، فلم يجز في غير الحرم كدم الطيب واللّباس . والجواب عن الأوّل أنّ الآية في حقّ غير المصدود ، ولا يمكن قياس المصدود عليه ؛ لأنّ تحلّل المصدود في الحلّ ، وتحلّل غيره في الحرم ، فكلّ منهما ينبغي أن ينحر في موضع تحلّله ، وعن الثاني بالفرق وقد تقدّم . (78) انتهى . أقول : احتجاج أحمد مبنيّ على إرادة مطلق البدن من الشعائر التي هي مرجع الضمير في «محلّها» ، كما هو ظاهر قول مجاهد على ما حكى عنه في مجمع البيان (79) ، ويؤيّده قوله تعالى بعده : «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّه ِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ» (80) ، وجواب العلّامة على أنّها بدن السياق ، وهو الأظهر ؛ لأنّ الشعائر جمع الشعيرة ، وهي البدن إذا اُشعرت ، أي اُعلمت بشقّ سنامها كما حكي عن ابن عبّاس . وربّما فسّرت بمناسك الحجّ كلّها ، بل بمعالم دين اللّه التي نصبها لطاعته ، والفرق الذي أشار إليه وأحاله على ما تقدّم هو لزوم الحرج على تقدير وجوب البعث على المصدود ، فإنّ ذلك يفضي إلى تعذّر الحلّ غالبا بخلاف غير المصدود . الثالثة : أجمع الأصحاب على اشتراط التحلّل فيهما بنيّته وبالذبح ، والثاني هو ظاهر الأدلّة . واحتجّ في المنتهى على الأوّل بأنّه يخرج عن إحرام فيفتقر إلى النيّة كمَن يدخل فيه ، وبأنّ الذبح يقع على وجوه ، أحدها التحلّل ، فلا يتخصّص بوجه دون آخر إلّا بالنيّة ، ثمّ قال: لا يقال : نيّة التحلّل غير معتبرة في غير المصدود ، فكيف اعتبرت هنا ، أليس إذا رمى أحلّ من بعض الأشياء وإن لم ينو التحلّل ؟ لأنّا نقول : من أتى بأفعال النسك فقد خرج عن العهدة وأتى بما عليه ، فيحلّ بإكمال الأفعال ولا يحتاج إلى نيّة بخلاف المصدود ، لأنّا قد بيّنا أنّ الذبح لا يتخصّص بالتحلّل إلّا بالنيّة ، فاحتيج إليها دون الرمي الذي لا يكون إلّا النسك فلم يحتجّ إلى قصد . (81) انتهى . ويكفي في المحصور النيّة عند البعث على ما صرّح به جماعة ، واختلف العامّة في اشتراط الذبح على ما سيظهر ، وهل يشترط فيه الحلق أو التقصير أم لا؟ ظاهر أكثر الأصحاب الثاني . ويدلّ عليه صحيحة زرارة . (82) وظاهر ابن إدريس الأوّل حيث قال : «فإذا بلغ الهدي محلّه قصّ من شعر رأسه وحلّ له كلّ شيء إلّا النساء» . (83) وفي العزيز : وهل يجب الحلق؟ بناه الأئمّة على الأصل الذي سبق ، وهو أنّ الحلق نسك أم لا ؟ إن قلنا : نسك فنعم ، وإن قلنا : استباحة محظور ، فتخرّج من هذا أنّا إذا اعتبرنا الذبح والحلق مع النيّة فالتحلّل يحصل بثلاثتها ، وإن أخرجنا الذبح عن الاعتبار فالتحلّل يحصل بالحلق مع النيّة أو بمجرّد النيّة ؟ فيه وجهان . (84) الرابعة : ظاهر الأقوال والأدلّة أنّ التحلّل فيهما من باب الرخصة والتخفيف لا العزيمة ، فيجوز لهما الصبر إلى زوال المانع ، بل صرّح جماعة باستحباب بقائهما على الإحرام مع ظنّ زوال المانع . وعلى أيّ حال إذا لم يتحلّلا أو بقيا على إحرامهما ، فإن زال المانع ففي العمرة يعتمران ، وفي الحجّ يحجّان مع الوقت ، وإلّا فيتحلّلان بعمرة مفردة بغير دم كمن فاته الحجّ . وحكى في المختلف (85) عن عليّ بن بابويه أنّه قال : ولو أنّ رجلاً حبسه سلطان جائر بمكّة وهو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ فلم يطلق عنه إلى يوم النحر كان عليه أن يلحق الناس بجمع ، ثمّ ينصرف إلى منى ، فيرمي ويذبح ويحلق رأسه ولا شيء عليه ، وإن خلّي عنه يوم النحر بعد الزوال فهو مصدود عن الحجّ ، فإن كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت اسبوعا ، ويسعى اسبوعا ، ويحلق رأسه ويذبح شاة ، وإن كان دخل مكّة مفردا للحجّ فليس عليه الذبح ولا شيء عليه ، بل يطوف بالبيت ويصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ويسعى بين الصفا والمروة ، ويجعلها عمرة ويلحق بأهله . (86) وكأنّه تمسّك في وجوب الدم بموثّق الفضل بن يونس (87) ، ويأتي تحقيق القول فيه في باب من فاته الحجّ . الخامسة : إطلاق الأخبار والفتاوى يقتضي جواز التحلّل بما ذكر بمجرّد تحقّق الحصر والصدّ من غير توقّف على اليأس من زوال العذر مطلقا في العمرة المفردة ، وقبل فوات وقت الحجّ وعمرة التمتّع ، بل صرّح المحقّق (88) وجماعة (89) بجواز التحلّل للمصدود وإن غلب على ظنّه انكشاف العدوّ قبله . ويظهر من المسالك في المصدود اشتراط اليأس المذكور حيث قال : فإذا عرض الصدّ بعد التلبّس بالإحرام ، فإن كان الإحرام بعمرة التمتّع أو بالحجّ مطلقا ولم يكن له طريق غير الممنوع منها ، أو كان وقصرت النفقة عن سلوكه ، ولم يرج زوال المانع قبل خروج الوقت ، جاز له تعجيل التحلّل بالهدي إجماعا ، وله الصبر على إحرامه إلى أن يتحقّق الفوات ، فإن أراد تعجيل التحلّل فبالهدي وإن أخّره إلى أن تحقّق الفوات سقط التحلّل حينئذٍ بالهدي ، ووجب أن يتحلّل بعمرة ، فإن استمرّ المنع تحلّل منها بالهدي . ولو كان إحرامه بعمرة الإفراد لم يتحقّق خوف الفوات ، بل يتحلّل منها عند تعذّر إكمالها بالقيود المتقدّمة . ولو أخّر التحلّل كان جائزا ، فإن يئس من زوال العذر تحلّل بالهدي حينئذٍ . (90) والأوّل أظهر . السادسة : المحصور إذا وجد من نفسه خفّة بعد بعث الهدي قبل الميعاد فليلحق بأصحابه ؛ لأنّه محرم فيجب عليه إتمام النسك ؛ لقوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّه ِِ» (91) ، فإن أدرك أحد الموقفين في إحرام الحجّ أو قدم مكّة في إحرام العمرة قبل أن ينحر الهدي ، فيتمّ النسك وليس عليه قضاء ، وإن فاته الحجّ تحلّل بعمرة ، وإن كان قد ذبح هديه فقد تحلّل فيقضي الحجّ مع وجوبه في القابل . وكذا العمرة إن كانت تمتّعا ، وإن كانت مفردة ففي الشهر الداخل أو بعد عشر أو مهما شاء ، على اختلاف الأقوال في المدّة ما بين العمرتين . ويدلّ عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام . (92) ومثله المصدود إذا زال العدوّ قبل ذبح الهدي والتحلّل ، وأمّا بعد التحلّل فيجب عليه قضاء العمرة المفردة كما ذكر ، وقضاء عمرة التمتّع وقضاء الحجّ في عامه لو زال المانع مع سعة الوقت ، على ما صرّح به جماعة منهم الشهيد في الدروس . (93) وإنّما خصّصنا ذلك بالمصدود لعدم إمكانه في المحصور ؛ لأن ذبح هدي تحلّله لا يجوز إلّا في يوم النحر ، فإذا وجدهم قد ذبحوه فقد فاتهم الموقفان . نعم ، يتصوّر ذلك على بعدٍ على القول بجواز تحلّله مكان الحصر مع الاشتراط أو مطلقا من غير انتظار بلوغ الهدي محلّه على ما سبق ، وعلى القول بإدراك الحجّ باضطراري المشعر المتأخّر ، كما ذهب إليه السيّد المرتضى (94) إن جوّزنا إحرامه من موضعه مع عدم إمكان رجوعه إلى الميقات ، كما هو المذهب المنصور في المتجاوز عنه ، ناسيا أو جاهلاً أو غير مريد للنسك ، فتأمّل . السابعة : لو ظهر للمحصور أنّه لم يذبح له الهدي لم يبطل تحلّله ، ويبعث به في القابل ، ويمسك من حين البعث عن المحرمات وجوبا على المشهور إلى اليوم الموعود ؛ لموثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (95) ، ولقول أبي عبداللّه عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار : «فإنّ ردّوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحلّ لم يكن عليه شيء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا» (96) ، وستأتي . ومنع ابن إدريس من وجوب الإمساك محتجّا بأصالة البراءة ، وبأنّه ليس بمحرم فكيف يحرم عليه لبس المخيط والجماع . (97) واستوجهه العلّامة في المختلف (98) حملاً للأخبار على الاستحباب . ولا يبطل أصلاً لو وجدهم ذابيحن له في غير الوقت الموعود ؛ لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن وهو أخوه وكان ثقة أيضا عن زرعة وهو ابن محمّد أبو محمّد الحضرمي الثقة ، فإنّه الذي يروي عنه الحسن بن سعيد على ما يظهر من تتبّع الرجال (99) قال : سألته عن رجل أحصر في الحجّ ، قال : «فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه ، ومحلّه منى يوم النحر إذا كان في الحجّ ، وإن كان في عمرة نحر بمكّة ، وإنّما عليه أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفا ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إن شاء اللّه » . (100) الثامنة : ذهب الأصحاب إلى أنّ التحلّل بالحصر والصدّ ليس كالإفساد في إيجاب القضاء ، بل إنّما يجب عليهما الحجّ والعمرة فيما بعد إذا كانا مستقرّين عليه قبل ذلك أو تحصل الاستطاعة ، وإليه ذهب الشافعيّ ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه ؛ لأصالة البراءة ، وعدم دليل صالح عليه ، وإطلاق القضاء في بعض الأخبار مخصّص بالواجب المستقرّ . واحتجّ عليه في العزيز بأنّ الذين صُدّوا مع النبيّ صلى الله عليه و آله بالحديبيّة كانوا ألفا وأربعمئة ، والذين اعتمروا معه في عمرة القضيّة كانوا نفرا يسيرا ، ولم يأمر الباقين بالقضاء . (101) وخالفه أبو حنيفة فأوجب القضاء ولو كان ذلك النسك الممنوع منه ندبا (102) ؛ محتجّا بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا تحلّل بالحديبيّة قضاها من قابل ، وقال : لذلك سمّيت هذه العمرة عمرة القضيّة ، وقياسا للتحلّل على الإفساد ؛ لاشتراكهما في عدم إتمام أفعال النسك . واُجيب عن الأوّل بما عرفت ، وعن الثاني بالفرق ، فإنّ المفسد مفرّط بخلاف المصدود والمحصور ، وقد بالغ في ذلك حيث قال : إذا كان ما صُدَّ عنه حجّا وجب عليه قضاء حجّة وعمرة معا محتجّا بقوله تعالى : «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» إلى قوله سبحانه _ : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ» (103) زعما منه أنّ التفريع على القضاء قائلاً : إنّ تعريف العمرة في القضاء دلَّ على عمرة معهودة واجبة عليه ، وليست تلك إلّا العمرة الواجبة بالصدّ عن الحجّ ، وبأنّ المصدود عن الحجّ قد فات عنه الحجّ ، وفائته يتحلّل بأفعال العمرة ، فإذا لم يأت بها في الحال يجب عليه قضاؤها ، وفرّع على ذلك قوله : ثمّ إن كان إحرامه بعمرة مندوبة قضاها واجبة ، وإن كان بحجّة مندوبة عليه أن يأتي بحجّة وعمرة ، وإن كان قرن بينهما لزمه حجّة وعمرتان ، عمرة لأجل العمرة ، وحجّة وعمرة لأجل الحجّ ، والشجرة تنبئ عن الثمرة . (104) وحكى في المنتهى (105) عن الشافعيّ (106) أنّه فرّق في قول بين الصدّ الخاصّ والعام ، فأوجب القضاء في الأوّل دون الثاني ، وهو من غير فارق . هذا ، وهل يجب مع الاستقرار قضاء حجّ مماثل في النوع لما منع منه أم لا؟ ذهب إلى الأوّل جماعة من الأصحاب في خصوص القارن ، منهم المفيد (107) والمحقّق (108) ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب . (109) ويدلّ عليه خبر رفاعة ، ومثله ما رويناه آنفا عن الشيخ من صحيحة محمّد بن مسلم [ عن أبي جعفر] ورفاعة عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّهما قالا : القارن يُحصر وقد قال واشترط : فحلّني حيث حبستني ، قال : «يبعث بهديه» ، قلنا : هل يتمتّع في قابل؟ قال : «لا ، ولكن يدخل بمثل ما خرج منه» . (110) ويظهر من قوله عليه السلام : «ولكن يدخل في مثل ما خرج منه» عموم الحكم في غير القارن أيضا ، كما قال به الأكثر على ما في الدروس . (111) وذهب الشهيد في الدروس (112) ، والعلّامة في المنتهى (113) إلى وجوب قضاء ما كان واجبا ، عليه إن كان إحرامه ذلك واجبا ، وإلّا تخيّر ، لكنّ الأفضل الإتيان بمثل ما خرج منه ؛ حملاً للخبرين في المنتهى على الاستحباب أو على تعيّن القِران في حقّه ؛ معلّلاً بأنّه إذا لم يكن واجبا لم يجب القضاء ، فعدم وجوب الكيفيّة أولى . وقال ابن إدريس : «يحرم بما شاء» . (114) التاسعة : المصدود يحلّ من كلّ شيء بخلاف المحصور ، فإنّه إنّما يحلّ ممّا عدا النساء ، سواء كان نسكه واجبا أو مندوبا على ما ذهب إليه أكثر الأصحاب (115) ، بل كاد أن يكون إجماعا ، والفارق صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وهو البزنطيّ (116) ، وحسنة معاوية بن عمّار (117) ، وموثّقة زرارة (118) ، وما رويناه عن الشيخ من صحيحة معاوية بن عمّار . (119) ثمّ إنّ جماعة منهم منهم الشيخ في المبسوط (120) والمحقّق في الشرائع (121) قالوا بتوقّف حلّ النساء عليه على أن يحجّ في القابل إن كان الحجّ المحصور عنه واجبا ، وعلى طواف النساء عنه إن كان ذلك الحجّ ندبا . والظاهر أنّهم إنّما قالوا بتوقّفه على الحجّ في القابل في الواجب إذا تمكّن من العود إلى مكّة ، فمع العجز عنه يجزي الاستنابة لطواف النساء ، وبه صرّح العلّامة في القواعد (122) ، بل إطلاق كلام بعضهم جواز الاستنابة له اختيارا أيضا ، فقد قال الشيخ في الخلاف : «المحصور بالمرض يجوز له التحلّل غير أنّه لا يحلّ له النساء حتّى يطوف في القابل أويأمر من يطوف عنه» . (123) وفي المنتهى : «فإذا بلغ الهدي محلّه أحلّ من كلّ شيء إلّا من النساء إلى أن يطوف في القابل أو يأمر من يطوف عنه ، فتحلّ له النساء حينئذٍ ، ذهب إليه علمائنا أجمع» . (124) ويظهر ممّا نقلناه عن باب نوادر المقنعة (125) ممّا رواه مرسلاً عن الصادق عليه السلام حلَّ النساء أيضا على المحصور في الحجّ المندوب ، ولم أرَ قائلاً صريحا به من الأصحاب . نعم ، يظهر من المفيد الميل إليه . هذا في الحجّ وعمرة التمتّع ، وأمّا العمرة المفردة فالظاهر أنّها أيضا كذلك في الفرق بين الواجب والمندوب منها ، فتكفي الاستنابة لطواف النساء في حلّ النساء في الحصر عنها ، وقد صرّح بذلك الأكثر ، منهم المحقّق الشيخ عليّ حيث قال في شرح القواعد : «والتفصيل في العمرة المفردة بكونها واجبة ومندوبة كالحجّ» . (126) لكن ظاهر المحقّق في الشرائع أنّه لا يكتفي بتلك الاستنابة فيها ، فإنّه قال بعدما ذكر التفصيل الذي حكيناه عنه في الحجّ : «والمعتمر إذا تحلّل يقضي عمرته عند زوال العذر ، وقيل : في الشهر الداخل» (127) ، ولم يفصّل . ولم أجد في الأخبار ما يدلّ على كفاية الاستنابة لطواف النساء صريحا أو ضمنا مطلقا ، وكأنّهم حملوا المحصور على من فات عنه طواف النساء في الحجّ والعمرة ، فإنّه يكفي فيه الاستنابة بمقتضى الأخبار كما يأتي في موضعه ، وبذلك يشعر كلام المحقّق الشيخ عليّ في الشرح (128) حيث علّل الكفاية في صورة العجز في أحد التعليلين بأنّ طواف النساء تجزي الاستنابة فيه عند الضرورة ، وهو في محلّ المنع . لا يقال : يمكن استفادته من قوله عليه السلام في قصّة إحلال الحسين عليه السلام من عمرته : «لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة» (129) بأن يقال ذلك دليل على كفاية الطواف ، فتكفي الاستنابة أيضا لما يدلّ على جواز الاستنابة لمن يفوت منه طواف النساء مع بُعده عن مكّة . لأنّا نقول : ظاهر ذلك القول أنّ المراد حتّى يعتمر بقرينة قوله :« وبالصفا والمروة» . وذهب جماعة من العامّة إلى حلّ النساء أيضا له بمجرّد بلوغ الهدي محلّه ؛ حكاه في المنتهى (130) عن عطاء والثوريّ والنخعيّ وأحمد في إحدى الروايتين عنه وعن أصحاب الرأي . (131) العاشرة : تدلّ حسنة معاوية بن عمّار الثانية (132) على أنّ لهدي التحلّل مع فقد الثمن بدلاً وهو الصوم ، ورواها في الفقيه (133) في الصحيح عنه بأدنى تغيير لفظي ، وقد جعل صاحب المدارك (134) خبر زرارة الذي بعده دليلاً عليه ، وأنت خبير بأنّ المراد منه بدل هدي أذى الحلق كما أشرنا إليه سابقا ، وهذا الإبدال هو ظاهر الصدوق ، ونسبه طاب ثراه في تعليقاته على الفقيه إلى جماعة من الأصحاب ، وقال : واختلفوا في عدد هذا الصوم فقيل عشرة كما في بدل هدي التمتّع . وقال الشهيد في رواية ثمانية عشر . (135) انتهى . والمشهور بين الأصحاب أنّه لا بدل له . (136) ثمّ المشهور بينهم أنّه لا يحلّ بل يبقى محرما إلى أن يتمكّن منه ، وبه قال الشيخ في المبسوط (137) والخلاف (138) ، والشهيد في الدروس (139) ، والعلّامة في المنتهى (140) وجماعة . (141) واحتجّ عليه الشيخ فيهما بأنّه لا دليل على الانتقال من الهدي إلى بدل من الصوم أو الإطعام ، وبأنّه تعالى منعه من الحلق إلى أن يبلغ الهدي محلّه ، ولم يذكر له بدلاً . والعلّامة بنحو منه ، وبأنّه لو كان له بدل لذكره سبحانه كما ذكر بدل هدي حلق الأذى ، وحكى عن ابن الجنيد أنّه يتحلّل حينئذٍ معلّلاً بأنّه ممّن لم يتيسّر له الهدي . (142) وهو عليل . واختلف العامّة أيضا فيه ، ففي العزيز : على المحصر دم شاة للتحلّل ، ولا معدل عنه إن وجد الشاة ، وإلّا فهل لهذا الدم من بدل؟ فيه قولان ، أصحّهما وبه قال أحمد نعم ، كسائر الدماء الواجبة على المحرم . والثاني و به قال أبو حنيفة لا ، لأنّ اللّه تعالى لم يذكر لدم الإحصار بدلاً ، ولو كان له بدل لأشبه أن يذكره كما ذكر بدل غيره . وإن قلنا له بدل فما ذلك البدل؟ فيه ثلاثة أقوال : أحدها : الصوم وبه قال أحمد كدم التمتّع ؛ لأنّ التحلّل والتمتّع جميعا مشروعان تخفيفا وترفيها ، وفيهما جميعا ترك بعض النسك ، فيلحق أحدهما بالآخر . والثاني : الإطعام ؛ لأنّ قيمة الهدي أقرب إليه من الصيام ، وإذا لم يرد نصّ فالرجوع إلى الأقرب أولى . والثالث : أنّ لكلّ واحد منهما مدخلاً في البدلية كفدية الحلق . ووجه الشبه بينهما : أنّ المحصر يبغي دفع أذى العدوّ والإحرام عن نفسه كما أنّ الحالق يبغي دفع أذى الشعر . فإن قلنا : إنّ بدله الصوم فما ذلك الصوم؟ فيه ثلاثة أقوال : أحدها وبه قال أحمد _ : صوم هدي المتمتّع عشرة أيّام . والثاني : صوم فدية الأذى ثلاثة أيّام . والثالث : ما يقتضيه التعديل ، وإنّما يدخل الطعام في الاعتبار على هذا القول ليعرف به قدر الصوم [ لا ليطعم] . وإن قلنا : إنّ بدله الإطعام ففيه وجهان : أحدهما : أنّه مقدّر كفدية الأذى ، وهو إطعام ثلاث آصع ستّة مساكين ، والثاني : أنّه يطعم ما يقتضيه التعديل . وإن قلنا : إنّ لكلّ واحدٍ منهما مدخلاً ، فهل بينهما ترتيب؟ فيه وجهان : أحدهما : لا ، كما في فدية الحلق ، وأصحّهما نعم كالترتيب بين الهدي وبدله ، فعلى الأوّل قدر الطعام والصيام كقدرهما في الحلق ، والثاني : الطريق فيهما التعديل (143) إلى قوله _ : وإن قلنا : إنّ دم الإحصار لا بدل له وكان واجدا لدم ، فيذبح وينوي أن يتحلّل عنده ، وإن لم يجد الهدي إمّا لإعساره أو غير ذلك ، فهل يتوقّف التحلّل على وجدانه؟ فيه قولان : أحدهما : نعم ، وبه قال أبو حنيفة ، وأصحّهما لا ، بل له التحلّل في الحال ؛ لأنّ التحلّل إنّما اُبيح تخفيفا ورفقا حتّى لا يتضرّر بالمقام على الإحرام ، ولو أمرناه بالصبر إلى أن يجد الهدي لتضرّر . (144) قوله في خبر حمران : (فأمّا المحصور فإنّما يكون عليه التقصير) .[ ح 1 / 7353] يوهم ذلك عدم جواز الحلق للمحصور ، ولم أرَ قائلاً به من الأصحاب ، بل ظاهرهم الإجماع على جواز الأمرين له أيضا كالمصدود ، فينبغي أن يحمل على استحباب التقصير له ، ويؤيّده قوله عليه السلام في حسنة معاوية : «فإذا كان يوم النحر فليقصّ (145) من رأسه ، ولا يجب عليه الحلق حتّى يقضي المناسك» . (146) قوله في حسنة معاوية : (فأدركه بالسُّقيا) .[ ح 3 / 7355] قال طاب ثراه : السُقْيا بالضمّ وسكون القاف والقصر : قرية جامعة بين مكّة والمدينة ، على ثلاث مراحل من المدينة ، وهي من أعمال الفرع بضمّ الفاء وسكون الراء والعين المهملة . (147) انتهى . وفي النهاية : «قيل : هي على يومين من المدينة» . (148) وفي القاموس : «موضع بوادي الصفراء» . (149) وقد روى الشيخ هذا الخبر في التهذيب صحيحا عن معاوية بن عمّار بأدنى زيادة ونقصان ، وفيه أيضا : أنّ عليّا عليه السلام خرج في طلب الحسين عليه السلام حتّى أدركه بالسقيا (150) ، فما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح المتقدّم عن رفاعة عن أبي عبداللّه عليه السلام من أنّ الحسين عليه السلام أقبل حتّى جاء فضرب الباب ، فقال عليّ عليه السلام : «ابني وربّ الكعبة ، افتحوا له» (151) ، كأنّه مبني على رجوع عليّ عليه السلام إلى داره قبل الحسين عليه السلام معجّلاً ليهيّئ له ما ينفعه . ويؤيّده قوله فيه : «وكانوا قد حموا له الماء ، فأكبّ عليه فشرب» . وحمله على واقعة اُخرى بعيد . قال طاب ثراه : عمرة الحديبيّة كانت سنة ستّ ، صدّه المشركون فيها عن البيت ، فحلّ منها بالحديبيّة ونحر وحلق ورجع إلى المدينة ، وقيل : إنّه اعتمر في القابل سنة سبع ، وسمّيت عمرة القضاء و عمرة القضيّة ؛ لأنّها التي قاضى قريشا أي صالحهم على أن يعتمرها ، وشرطوا عليه أن لا يدخل عليهم بسلاح إلّا بالسيف في قِرابه ، إلى غير ذلك من شرائطهم التي ذكرت في السِّير ، ووفي لهم صلى الله عليه و آله بذلك . (152) قوله : (عن أحمد بن الحسن الميثميّ) .[ ح 9 / 7361] هو أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار ، مولى بني أسد ، وكان واقفيّا موثّقا (153) ، وفي بعض النسخ : أحمد بن الحسن المثنّى ، وهو غير مذكور في كتب الرجال ، وكأنّه من سهو النسّاخ .

.


1- . البقرة (2) : 196 .
2- . كنز العرفان ، ج 1 ، ص 289 .
3- . اُنظر : التبيان ، ج 2 ، ص 158 ؛ مجمع البيان ، ج 2 ، ص 39 .
4- . اُنظر : مختار الصحاح ، ص81 .
5- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 850 .
6- . اُنظر : أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 325 .
7- . المقنع ، ص 244 ؛ معاني الأخبار ، ص 223 ، معنى المحصور و المصدود ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 514 ، ح 3104 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 423 ، ح 1467 ؛ و ص 464 ، ح 1621 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 177 ، ح 17251 .
8- . السرائر ، ج 1 ، ص 641 .
9- . اُنظر : بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 175 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 283 286 .
10- . بدائع الصنائع، ج 2، ص 175؛ التمهيد، ج 15، ص 209؛ فتح العزيز، ج 8، ص 9.
11- . المغني ، ج 3 ، ص 376 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 527 ؛ التمهيد ، ج 15 ، ص 205 و 207 .
12- . سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1028 ، ح 3078 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 417 ، ح 1862 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 470 و 483 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 220 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 381 ، ج 3844 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 244 ، ح 2666 .
13- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 9 8 .
14- . مسند الشافعي ، ص 123 و 389 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 221 ؛ وج 7 ، ص 137 ؛ معرفة السنن و الآثار ، ج 4 ، ص 247 ، ح 3261 .
15- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 10 ؛ الاستذكار ، ج 4 ، ص 171 .
16- . كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 178 ؛ مسند الشافعي ، ص 367 ؛ مختصر المزني ، ص 73 ؛ فتح العزيز ، ج 8 ، ص 8 ؛ معرفة السنن و الآثار للبيهقي ، ج 4 ، ص 241 و 242 ، ح 3251 .
17- . عمدة القاري ، ج 10 ، ص 141 .
18- . مواهب الجليل ، ج 4 ، ص 294 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 371 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 515 .
19- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 423 ، ح 1467 ، و ص 464 ، ح 1621 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 514 ، ح 3104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 177 ، ح 17251 .
20- . اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 8 ، ص 292_ 293 .
21- . تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 392 .
22- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 847 .
23- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 481 ، الدرس 120 .
24- . جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 289 .
25- . مدارك الأحكام ، ج 8 ، ص 292 293 .
26- . مدارك الأحكام ، ج 8 ، ص 293 294 .
27- . البقرة (2) : 196 .
28- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 846 .
29- . المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 371 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 515 516 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 388 .
30- . السرائر ، ج 4 ، ص 352 .
31- . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
32- . وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص186 _187 ، ح 17536 .
33- . المراسم العلويّة ، ص 117 .
34- . الكافي في الفقه ، ص 218 .
35- . المهذّب ، ج 1 ، ص 270 .
36- . المبسوط ، ج 1 ، ص 333 ؛ النهاية ، ص 282 .
37- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 347 .
38- . الفقيه ، ج 2 ، ص 514 ، بعد الحديث 3104 .
39- . حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 639 .
40- . كذا في الأصل .
41- . السرائر ، ج 1 ، ص 640 .
42- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 477 ، الدرس 119 .
43- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 347 348 .
44- . زبدة البيان ، ص 239 .
45- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 421 422 ، ح 1465 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 181 182 ، ح 17527 .
46- . حكاه عنه المحقق الأردبيلي في زبدة البيان ، ص 239 .
47- . اُنظر : غنية النزوع ، ص 196 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 221 ؛ تذكره الفقهاء ، ج 8 ، ص 386 .
48- . حزورة _ كمقبرة _ : في اللغة الرابية الصغيرة ، و كانت الحزورة سوق مكّة و قد دخلت في المسجد لمّا زيد فيه . معجم اللبدان ، ج 2 ، ص 255 .
49- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
50- . بعده بالأصل بياض بقدر سطرين .
51- . هي الحديث الثالث من هذا الباب .
52- . هي الحديث الرابع من هذا الباب .
53- . هو الحديث السادس من هذا الباب .
54- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 423 ، ح 1468 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 184 185 ، ح 17531 .
55- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 423 ، ح 1470 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 182 ، ح 17528 .
56- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 851 .
57- . هو الحديث السادس من هذا الباب ، و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 334 ، ح 1149 ، و ص 423 ، ح 1469 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 196 ، ح 658 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 167 ، ح 17496 .
58- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 477 ، الدرس 119 .
59- . الحديث الثالث من هذا الباب .
60- . الفقيه ، ج 2 ، ص 515 ، ح 3105 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 187 ، ح 17537 .
61- . هو من البِرْسام بالكسر : علّة معروفة يهذي فيها ، يقال : برسم الرجل فهو مبركم . مجمع البحرين ، ج 6 ، ص 17 (برسم) .
62- . الفقيه ، ج 2 ، ص 516 ، ح 3107 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 186_ 187 ، ح 17536 .
63- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 343 .
64- . المقنعة ، ص 446 .
65- . المراسم العلويّة ، ص 118 .
66- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 447 ، الدرس 119 .
67- . المقنعة ، ص 446 .
68- . الخلاف ، ج 2 ، ص 424 ، المسألة 316 .
69- . البقرة (2) : 196 .
70- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 350 351 .
71- . الكافي في الفقه ، ص 218 .
72- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 351 .
73- . صحيح البخاري، ج 2، ص 207، باب المحصر و جزاء الصيد.
74- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 18 19 .
75- . المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 373 ؛ الشرح الكبير ، ج 3، ص 348 و 519 .
76- . البقرة (2) : 196 .
77- . الحجّ (22) : 33 .
78- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 847 .
79- . اُنظر : مجمع البيان ، ج 7 ، ص 150_ 151 ؛ و جامع البيان للطبري ، ج 17 ، ص 210 .
80- . الحجّ (22) : 34 .
81- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 846 .
82- . هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
83- . السرائر ، ج 1 ، ص 638 .
84- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 16 .
85- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 356 .
86- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 229 إلى قوله : «و لا شيء عليه .» .
87- . هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي .
88- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 212 .
89- . منهم العلّامة في تحرير الأحكام ، ج 2 ، ص 77 ؛ و تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 395 ؛ و قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 454 ؛ و منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 848 ؛ و الشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 481 ، الدرس 120 .
90- . مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 388 .
91- . البقرة (2) : 196 .
92- . هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
93- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 476 477 ، الدرس 119 .
94- . جوابات المسائل الموصليّات الثالثة (رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 229) ؛ الانتصار ، ص 234 .
95- . هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
96- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 421_ 422 ، ح 1465 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 181 _182 ، ح 17527 .
97- . السرائر ، ج 1 ، ص 639 .
98- . مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 347 .
99- . اُنظر : خلاصة الأقوال ، ص 99 100 ، ترجمة الحسن بن سعيد بن حمّاد بن مهران .
100- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 423 ، ح 1470 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 182 ، ح 17527 .
101- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 56 ؛ و انظر : المجموع للنووي ، ج 8 ، ص 306 ؛ عمدة القاري ، ج10 ، ص 148 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 523 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 372 .
102- . اُنظر : المصادر المتقدّمة .
103- . البقرة (2) : 196 .
104- . منتهى المطلب ، ج2 ، ص 848 .
105- . نفس المصدر .
106- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 59 ؛ المجموع للنووي ، ج 8 ، ص 306 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 394 .
107- . اُنظر: المقنعة، ص 446.
108- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 214 .
109- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 423 ، بعد الحديث 1467 .
110- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 423 ، ح 1468 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 184_ 185 ، ح 17531 .
111- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 478 ، الدرس 119 .
112- . نفس المصدر .
113- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 851 . و مثله في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 349 350 .
114- . السرائر ، ج 1 ، ص 641 .
115- . اُنظر : الخلاف ، ج 2 ، ص 428 ، المسألة 322 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 846 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 222 .
116- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
117- . هي الحديث الثالث من هذا الباب .
118- . هي الحديث التاسع من هذا الباب .
119- . وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 181_ 182 ، ح 17527 .
120- . المبسوط ، ج 1 ، ص 334_ 335 .
121- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 213 .
122- . قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 455 456 .
123- . الخلاف ، ج 2 ، ص 428 ، المسألة 322 .
124- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 850 .
125- . المقنعة ، ص 446 .
126- . جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 298 .
127- . شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 213 .
128- . جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 298 .
129- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 178 179 ، ح 17523 .
130- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 850 ؛ و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 8 ، ص 402 .
131- . اُنظر : الخلاف ، ج 2 ، ص 428 ، المسألة 322 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 376 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 527 ؛ تفسير القرطبي ، ج 2 ، ص 375 .
132- . هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
133- . الفقيه ، ج 2 ، ص 515 ، ح 3106 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 187 ، ح 17538 .
134- . مدارك الأحكام ، ج 8 ، ص 292 .
135- . لم أعثر على تعليقات الفقيه للمولى محمدصالح المازندراني ، و كلام الشهيد حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 283 ، و ج 5 ، ص 202 .
136- . اُنظر : شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 212 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 87 ، ص 388 ، المسألة 701 ؛ إرشاد الإذهان ، ج 1 ، ص 338 ؛ تحرير الأحكام ، ج 2 ، ص 74 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 480 ، الدرس 120 ؛ مدارك الأحكام ، ج 8 ، ص 291 .
137- . المبسوط ، ج 1 ، ص 333 .
138- . الخلاف ، ج 2 ، ص 428 ، المسألة 321 .
139- . الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 478 ، الدرس 119 .
140- . منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 846 .
141- . اُنظر : شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 212 ؛ مجمع الفائدة و البرهان ، ج 7 ، ص 405 ؛ مدارك الأحكام ، ج 8 ، ص 291 .
142- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 356.
143- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 80 81 ، و المذكور بعده هنا ليس من تتمّته ، بل مذكور قبل ذلك .
144- . فتح العزيز ، ج 8 ، ص 15 .
145- . المثبت من المصدر، و في الأصل: «فالتقصير»، و في وسائل الشيعة: «فليقصّر».
146- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 421 422 ، ح 1465 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 181 ، ح 17527 .
147- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 108 .
148- . النهاية ، ج 2 ، ص 382 (سقا) .
149- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 343 (سقي) و لفظه هكذا : «و السقيا بالضمّ _ ... بين المدينة و وادي الصفراء» .
150- . تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 421 422 ، ح 1465 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 178 179 ، ح 17523 .
151- . الفقيه ، ج 2 ، ص 516 ، ح 3107 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 186 187 ، ح 17536 .
152- . اُنظر : شرح صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 235 ؛ جامع البيان ، ج 2 ، ص 269 270 ، الرقم 2567 ؛ تفسير القرطبي ، ج 2 ، ص 354 .
153- . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 74 ، الرقم 179 ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 768 ، الرقم 890 ؛ رجال الطوسي ، ص 332 ، الرقم 4950 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 319 .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

. .

ص: 95

. .

ص: 96

. .

ص: 97

. .

ص: 98

. .

ص: 99

. .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

. .

ص: 103

. .

ص: 104

. .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

باب المحرم يتزوّج أو يزوّج ويطلّق ويشتري الجواري

باب المحرم يتزوّج أو يزوّج ويطلّق ويشتري الجواريفيه مسائل :الاُولى : أجمع أهل العلم إلّا ما سيحكى على تحريم التزوّج وكذا التزويج ولايةً ووكالةً وإن كان للمحلّين على المحرم والمحرمةُ ، وعلى فساده . (1) ويدلّ عليه الأخبار المتظافرة من الطريقين ، فمن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب ، و في كتاب النكاح بأسناد متعدّده منها صحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام . و في خبر فيه : «والمحرم إذا تزوّج و هو يعلم أنّه حرام عليه لم تحلّ له أبدا» . (2) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «ليس ينبغي للمحرم أن يتزوّج ولا يزوّج محلّاً» . (3) وفي الصحيح عن ابن سنان والظاهر أنّه عبداللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس للمحرم أن يتزوّج ولا يزوّج، فإن تزوّج أو زوّج محلّاً فتزويجه باطل» . (4) وفي الصحيح عن أبي الصباح الكنانيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم يتزوّج ، قال : «نكاحه باطل» . (5) وفي الصحيح عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس وهو البجليّ الكوفيّ الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحلّ، فقضى أن يخلّي سبيلها، ولم يجعل نكاحه شيئا حتّى يحلّ، فإذا أحلّ خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوّجوه، وإن شاؤوا لم يزوّجوه» . (6) وعن اُدَيم بن الحرّ الخزاعيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ المحرم إذا تزوّج وهو محرم فرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً، والتي تتزوّج ولها زوج يفرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً» . (7) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الموثّق عن يونس بن يعقوب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يتزوّج ، قال : «لا ، ولا يزوّج المحرم المُحلّ» . (8) ومن طريق العامّة ما رواه في المنتهى (9) عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفّان: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب» . (10) ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن عمر بن أبان، قال : انتهيت إلى باب أبي عبداللّه عليه السلام فخرج المفضّل فاستقبلته، فقال لي : مالَكَ؟ قلت : أردت أن أصنع شيئا فلم أصنع حتّى يأمرني أبو عبداللّه عليه السلام فأردت أن يحصّن اللّه فرجي ويغضّ بصري في إحرامي ، فقال لي : كما أنت ، ودخل فسأله عن ذلك ، فقال : «هذا الكلبي على الباب، وقد أراد الإحرام، وأراد أن يتزوّج ليغضّ اللّه بذلك بصره إن أمرته فعل وإلّا انصرف عن ذلك»، فقال لي : «مُره فليفعل وليستتر» . (11) فإنّه ليس صريحا في أمره عليه السلام بأن يتزوّج في الإحرم ولا ظاهراً فيه، فإنّ قوله: «في إحرامي» إنّما يتعلّق بتحصين الفرج وغضّ البصر، والنكاح قبل الإحرام يوجب هذين إذا كان قريبا منه، كما لا يخفى . (12) وحكى العلّامة رحمه الله في المنتهى (13) عن أبي حنيفة (14) جواز العقد؛ محتجّا بما رواه عكرمة عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تزوّج ميمونة وهو محرم . (15) وقد رواه البخاريّ (16) بإسناده عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عبّاس، وبأنّه عقد يملك به الاستمتاع، فلا يحرّمه الإحرام كشراء الجواري . وأجاب عن الأوّل بمعارضته بقول النبيّ صلى الله عليه و آله في خبر عثمان، (17) وبما رواه يزيد بن الأصمّ عن ميمونة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تزوّجها حلالاً وبنى بها حلالاً . (18) وأبو رافع أنّه قال : تزوّج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما . (19) وقال : وهذا الحديث أولى من حديث أبي حنيفة؛ لأنّ ميمونة صاحب القصّة وأبا رافع كان سفيراً بينهما، فهما أعلم من ابن عبّاس ، ولأنّ ابن عبّاس كان صغيراً في هذا الوقت لا يعرف حقائق الأشياء ، فربّما كان توهّم الإحرام . وقال سعيد بن المسيّب : وهم ابن عبّاس، ما تزوّجها النبيّ صلى الله عليه و آله إلّا حلالاً . (20) وعن الثاني بالفرق، فإنّ شراء الأمَة قد لا يكون للاستمتاع بخلاف عقد النكاح . (21) انتهى. وأجاب السيّد رضى الله عنه في الانتصار عن الأوّل بوجهين آخرين، مبنى الأوّل منهما على ما اعتقده من عدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية، كما حكيناه عنه سابقا ولو في القران، فقال : وقد قيل: يمكن أن يتأوّل خبر ميمونة على أنّ ابن عبّاس كان يرى أنّ من قلّد الهدي كان محرما، فلمّا رآه قلّد الهدي اعتقد أنّه محرم، وأيضا فيحتمل أن يكون أراد تزوّجها في الشهر الحرام، والعرب تسمّي من كان في الشهر الحرام محرما ، واستشهد بقول الشاعر : «قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما»، ولم يكن عاقده بلا خلاف ، وإنّما كان في أشهر الحرم . (22) انتهى . وعن الشافعيّ أنّه جوّز للإمام تزويج المحرمين بولايته العامّة ، محتجّا بأنّه موضع الحاجة ، (23) ودفعه واضح، وأكثر الأخبار صريحة في بطلان العقد، فيجب التفريق بغير طلقة . واحتجّ عليه في الخلاف (24) بإجماع الفرقة، وبأنّ الطلاق فرع ثبوت العقد، وبأنّ النهي عن نكاح المحرم يدلّ على فساده، وهو مبني على كون النكاح عبادة، وهل تحرم المعقودة في الإحرام مؤبّداً مطلقا؟ هو ظاهر إطلاق الشيخ في المبسوط حيث قال : فإذا تزوّج امرأة وهو محرم فُرِّق بينهما ولا تحلّ له أبداً ». (25) ويدلّ عليه خبر إبراهيم بن الحسن (26) وأديم بن الحرّ (27) المتقدّمين ، وقيّده المفيد قدس سرهبالعلم بالتحريم، فقد قال في المقنعة : «ومَن تزوّج وهو محرم فرّق بينه وبين المرأة وكان نكاحه باطلاً ، فإن كان يعلم أنّ ذلك محرّم ثمّ أقدم عليه لم تحلّ له المرأة أبداً ». (28) وإليه ذهب الشيخ في التهذيب، (29) وبذلك جمع بين ما أشرنا إليه من الخبرين وبين صحيح محمّد بن قيس (30) المتقدِّم. و يدلّ عليه ما حكيناه عن المصنّف قدّس سرّه اللّه رواه في كتاب النكاح و يمكن حمل هذا الصحيح على التقيّة؛ لموافقته لمذاهب العامّة على ما ستعرف . وبه قال السيّد أيضا في الانتصار محتجّا عليه بالإجماع، وبأنّ الإجماع الواقع على فساد النكاح مستلزم لتحريمها أبداً ، معلّلاً بأنّ ما ثبت فساده أو صحّته في الشريعة لا يجوز تغيّره. وتعليله الثاني إن تمّ لدلّ على تحريمها أبداً مطلقا وإن لم يعلم بالتحريم. ولمّا كان مدّعاه خاصّا قال بعد ذلك : وإذا ثبت (31) هذه الجملة ووجدنا كلّ من قال من الاُمّة: إنّ نكاح المحرم وإنكاحه فاسد على كلّ وجه ومن كلّ أحد يذهب إلى ما فصّلناه من أنّه إذا فعل ذلك عالما به، بطل نكاحه ، ولم تحلّ له المرأة أبداً؛ لأنّ أحداً من الاُمّة لم يفرّق بين الموضعين، والفرق بينهما خروج عن إجماع الاُمّة . (32) وقيّده الشيخ في الخلاف بالعلم بالتحريم أو الدخول حيث قال : «إذا عقد المحرم على نفسه عالما بتحريم ذلك أو دخل بها وإن لم يكن عالما فرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً ». (33) واحتجّ عليه بإجماع الفرقة وبالاحتياط وبالأخبار . وبه قال العلّامة في المنتهى (34) محتجّا على جواز المراجعة مع الجهل وعدم الدخول بصحيح محمّد بن قيس، وكأنّه خصّ جواز نكاح تلك المرأة بعد الإحرام بما إذا لم يكن عالما بالتحريم؛ لما عرفت من الجمع، ولا مدخولاً بها؛ لما يستفاد من آخر الخبر حيث إنّه عليه السلام إنّما جوّز تزويجها بإذن أهلها، وذلك التوقّف إنّما يكون في البكر. ولو كانت مدخولاً بها في العقد الأوّل لما كان كذلك ، ومن هذا يظهر سرّ استدلال الشيخ عليه بالأخبار . وحكى في المختلف (35) هذا القول عن ابن الجنيد ، ويظهر من الخلاف والانتصار وفاق العامّة على عدم تأبيد التحريم مطلقا، فقد قال في الخلاف بعدما حكينا عنه: «ولم يوافقنا عليه أحد من العامّة ». (36) وفي الانتصار : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من تزوّج امرأة وهو محرم عالما بأنّ ذلك محرّم عليه بطل نكاحه، ولم تحلّ له المرأة أبداً ، وهذا ممّا لم يوافق فيه أحد من الفقهاء ؛ لأنّ الشافعيّ ومالكا وإن أبطلا نكاح المحرم وجوّز ذلك أبو حنيفة، فإنّهما لا يقولان: إنّه إذا فعل ذلك على بعض الوجوه حرمت عليه المرأة أبداً. (37) ويجب بدنة على الواطي مع العلم بالتحريم، وعلى العاقد أيضا مع العلم به مطلقا وإن كان محلّاً على ما هو ظاهر إطلاق الأكثر . وبه صرّح جماعة منهم الشيخ في التهذيب، (38) والشهيد في الدروس . (39) ويدلّ عليه موثّق سماعة. (40) وظاهر ابن إدريس عدم وجوبها على العاقد المحلّ حيث خصّ العاقد المحلّ بالذكر ، وقال : «والمحرم: إذا عقد المحرم على زوجة ودخل بها الزوج كان على العاقد بدنة، وعلى الزوج الداخل بها الوطي لها ما على المحرم إذا وطأ امرأته من الأحكام ». (41) واعلم أنّه أجمع الأصحاب على جواز الرجوع للمحرم في العدّة الرجعيّة؛ لأصالة الجواز وعدم مانع عنه ، والفرق بينه وبين العقد ظاهر، فإنّ العقد استباحة بضع بخلاف الرجوع، فإنّ البضع كان مباحا قبله؛ إذ لا يخرج المطلّقة الرجعيّة عن أحكام الزوجات ، فالرجعة إنّما يكون استبقاء إباحته . واحتجّ عليه في الخلاف (42) والمنتهى (43) بعموم قوله تعالى : «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ» (44) ، وقوله سبحانه : «فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» (45) . وحكاه في المنتهى عن الشافعيّ ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وحكى عن روايته الاُخرى عدم الجواز محتجّا بأنّه استباحة فرج، فلا يجوز كالنكاح ، (46) ودفعه واضح . الثانية : تدلّ مرسلة الحسن بن عليّ (47) على حرمة الخطبة في الإحرام وإن كانت للعقد بعد الإحلال ، ويؤيّدها قوله صلى الله عليه و آله : «ولا يخطب» في خبر عثمان بن عفّان (48) المتقدّم ، وهو ظاهر المصنّف، وهو منقول في المختلف (49) عن ابن الجنيد ، وكرهها الشيخ في المبسوط (50) والعلّامة في المنتهى محتجّا بأنّه تسبّب إلى الحرام، فكان مكروها كالصرف ، وقال : والفرق بين الخطبة هاهنا وبين الخطبة في العدّة أنّ الخطبة في العدّة إنّما حرّمت لأنّها تكون داعية للمرأة إلى أن تخبر بانقضاء عدّتها قبل انقضائها رغبةً في النكاح، فكان حراما ، أمّا هاهنا فليس كذلك . (51) انتهى . ويؤيّدها: أنّ الرواية بعينها مرويّة في التهذيب، (52) وليس فيها قوله : «ولا يخطب» ، وهو ظاهر ابن إدريس، (53) فإنّه لم يذكر الخطبة في محرّمات الإحرام، وعدَّ جوازها في الدروس أقرب . (54) الثالثة : الشهادة على النكاح تحمّلاً وأداءً في الإحرام حرام عند الأصحاب وإن كان في العقد بين المحلّين ، وحكاه في الخلاف (55) عن أبي سعيد الاصطخريّ من أصحاب الشافعيّ. (56) ويدلّ عليه المرسلة المشار إليها، وما رواه عثمان بن عيسى، عمّن ذكره عن أبي عبداللّه عليه السلام في المحرم يشهد على نكاح المحلّين ، قال: «لايشهد؛ لأنّه معونة على المحرّم فكان حراما» . (57) وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يشهد» . (58) وقال الشافعيّ : لا بأس به مطلقا ، محتجّا بأنّه لا مدخل للشاهد في العقد فاشتبه الخطيب . (59) واُجيب بالفرق بأنّ الخطبة لإيقاع العقد في حال الإحلال بخلاف الشهادة على عقد المحرم، فإنّه معونة على فعل الحرام. (60) وفيه أنّه لا يدفع جواز الشهادة على عقد المحلّين، إلّا أن يريد بيان عدم إفادة القياس عموم المدّعي ، فتأمّل . الرابعة : تدلّ صحيحة أبي بصير (61) على جواز الطلاق للمحرم ، وفي المنتهى : «ويجوز له مفارقة النساء حال الإحرام بكلّ حال من طلاق أو خلعٍ أو ظهارٍ أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة، ولا نعلم فيه خلافا ». (62) الخامسة : تدلّ صحيحة سعد بن سعد (63) على جواز شراء الأمَة وبيعها في حال الإحرام، وإطلاقه يقتضي جواز شرائها للتسرّي أيضا، وهو ظاهر إطلاق الفتاوى ، وبه صرّح جماعة منهم العلّامة في المنتهى . (64) واحتجّ عليه بأنّه ليس بموضوع لاستباحة البضع، ولذلك اُبيح شراء من لا يحلّ وطئها، ولم يحرم الشراء في حال يحرم فيه الوطئ ، وأيّده بهذه الصحيحة. ولو قصد بالشراء الوطئ في حال الإحرام فظاهر الخبر وإطلاق الأصحاب عدم حرمة الشراء حينئذٍ أيضا ، وإن كان قصده محرّما . وفي المسالك ذكر وجها لبطلان الشراء معلّلاً بالنهي عنه ، ثمّ قال : «والأقوى العدم ؛ لأنّه عقد لا عبادة »، (65) فتدبّر .

.


1- . اُنظر : الخلاف ، ج 2 ، ص 317 ، المسألة 114 ؛ تذكرة الفقهاء ، ح 7 ، ص 384 385 ، المسألة 303 ؛ مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 164 ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 287 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 313 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 314 .
2- . الكافي، كتاب النكاح، باب المرأة الّتي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبدا، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 20، ص 491، ح 26172.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 330، ح 1137؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 437، ح 16711.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 328، ح 1128؛ الاستبصار، ج 2، ص 193، ح 647 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 436، ح 16706.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 328، ح 1129؛ الاستبصار، ج 2، ص 193، ح 648 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 437، ح 16708.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 330، ح 1134؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 440، ح 16718.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 329، ح 1132؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 440، ح 16717.
8- . الفقيه، ج 3، ص 410، ح 4433؛ وسائل الشيعة، ج 20، ص 491، ح 26173.
9- . منتهى المطلب، ج 2، ص 809 .
10- . صحيح مسلم، ج 4، ص 136 و 137؛ مسند الشافعي، ص 180؛ مسند أحمد، ج 1، ص 64 ؛ سنن النسائي، ج 6 ، ص 88 و 89 ؛ والسنن الكبرى له أيضا، ج 3، ص 289، ح 5413 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 7، ص 210.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 329، ح 1131؛ الاستبصار، ج 2، ص 193، ح 650 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 438، ح 16713.
12- . في هامش الأصل: «فإن قيل: لِمَ لَم تحمله على التقيّة، فإنّ أبا حنيفة قد جوّز النكاح في الإحرام، على ما ستعرف. لأنّا نقول: إنّما جوّز هو العقد لا الوطي، وما يوجب تحصين الفرج وغضّ البصر إنّما هو الوطي لا العقد، بل العقد تنافيهما. منه عفي عنه».
13- . منتهى المطلب، ج 2، ص 808 .
14- . المجموع، ج 7، ص 288؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 191؛ المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة، ج 3، ص 312.
15- . مسند أحمد، ج 1، ص 336 و 346 و 354 و 360؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 413، ح 1844.
16- . صحيح البخاري، ج 2، ص 214. ورواه أحمد في المسند، ج 1، ص 286 و 330.
17- . كذا بالأصل، والمذكور في المنتهى أوّلاً خبر يزيد بن الأصم، ثمّ خبر أبي رافع، والمذكور في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 384 أوّلاً خبر أبي رافع ثمّ خبر يزيد بن الأصمّ، ولم يذكر خبر عثمان، وتقدّم خبر عثمان آنفا.
18- . مسند أحمد، ج 6 ، ص 333؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 169، ح 847 ؛ المستدرك للحاكم، ج 4، ص 31؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 66 ؛ وج 7، ص 211؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 3، ص 288، ح 5404 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 9، ص 443؛ سنن الدارقطني، ج 3، ص 182، ح 3611.
19- . سنن الترمذي، ج 2، ص 167 168، ح 843 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 3، ص 288، ح 5402 ؛ صحيح ابن حبّان، ج 9، ص 443؛ سنن الدارقطني، ج 3، ص 183، ح 3616.
20- . سنن أبي داود، ج 1، ص 413 414، ح 1845.
21- . منتهى المطلب، ج 2، ص 808 809 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 7، ص 212.
22- . الانتصار، ص 247. وانظر: المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 312؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 194.
23- . منتهى المطلب، ج 2، ص 809 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 385؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 284.
24- . الخلاف، ج 2، ص 318، المسألة 116.
25- . المبسوط، ج 1، ص 318.
26- . وسائل الشيعة، ج 12، ص 439، ح 16716.
27- . وسائل الشيعة، ج 12، ص 440، ح 16717.
28- . المقنعة، ص 433.
29- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 329، ذيل الحديث 1131.
30- . وسائل الشيعة، ج 12، ص 440، ح 16718.
31- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «ثبتت».
32- . الانتصار، ص 246.
33- . الخلاف، ج 2، ص 317، المسألة 114.
34- . منتهى المطلب، ج 2، ص 809 .
35- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 84 .
36- . الخلاف، ج 2، ص 317، المسألة 114، ولفظه: «... ولم يوافقنا أحد من الفقهاء».
37- . الانتصار، ص 246، المسألة 129.
38- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 331.
39- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 369، الدرس 98.
40- . هو الحديث الخامس من هذا الباب.
41- . السرائر، ج 1، ص 553 .
42- . الخلاف، ج 2، ص 318، المسألة 117.
43- . منتهى المطلب، ج 2، ص 810 .
44- . البقرة (2) : 228 .
45- . البقرة (2) : 229 .
46- . تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 398؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 338؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 290.
47- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
48- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 7، ص 210.
49- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 84 .
50- . المبسوط، ج 1، ص 318.
51- . منتهى المطلب، ج 2، ص 809 .
52- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 330، ح 1136؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 438، ح 16712.
53- . اُنظر: السرائر، ج 1، ص 542 547 .
54- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 368 ، الدرس 98 .
55- . الخلاف، ج 2، ص 317، المسألة 115.
56- . المجموع للنووي، ج 7، ص 283، وحكاه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 314 عن بعض أصحاب الشافعي من غير تصريح باسمه.
57- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 315، ح 1087؛ الاستبصار، ج 2، ص 188، ح 630 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 417، ح 16657، وص 437، ح 16710.
58- . المجموع للنووي، ج 7، ص 284.
59- . المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 314.
60- . تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 386.
61- . هى الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
62- . منتهى المطلب، ج 2، ص 810 .
63- . هي الحديث الثامن هذا الباب.
64- . منتهى المطلب، ج 2، ص 810 .
65- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 252.

ص: 108

. .

ص: 109

. .

ص: 110

. .

ص: 111

. .

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

. .

ص: 115

. .

ص: 116

باب المحرم يواقع امرأته قبل أن يقضي شيئا من مناسكه

باب المحرم يواقع امرأته قبل أن يقضي شيئا من مناسكه ، أو محلّ يقع على محرَمةلقد أجمع أهل العلم على حرمة الوطي حال الإحرام ، والأصل فيه قوله سبحانه : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ» (1) ، فإنّ الرّفث هو الجماع على ما رواه الأصحاب ، ففي صحيحة عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن الرّفث والفسوق والجدال، ما هو؟ وما على مَن فعله؟ فقال : «الرّفث: جماع النساء ، والفسوق: الكذب والتفاخر ، (2) والجدال: قول: لا واللّه ، وبلى واللّه ، فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، وإن لم يجد فشاة، وكفّارة الفسوق يتصدّق به إذا فعله وهو محرم» . (3) وفي صحيحة معاوية بن عمّار، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه وذكر اللّه وقلّة الكلام إلّا بخير، فإنّ تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّا من خير، كما قال اللّه تعالى، فإنّ اللّه يقول : «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ» ، فالرّفث: الجماع، والفسوق: الكذب والسباب، والجدال: قول الرجل: لا واللّه ، وبلى واللّه ». (4) وهو المشهور بين المفسّرين ، (5) وقيل : هو المواعدة للجماع والغمز له بالعين، (6) ويتفرّع عليه مسائل : الاُولى : أجمع أهل العلم على أنّ الجماع في الإحرام في الجملة موجب لفساد الحجّ والكفّارة وإتمام الحجّ الفاسد والقضاء في القابل، سواء كان الحجّ واجبا أم مندوبا . واختلفوا في أنّه إلى متى ذلك؟ فاعتبر المفيد قدس سره (7) كونه قبل وقوف عرفة ، وحكاه في الدروس (8) عن سلّار (9) والحلبيّ (10) وأحد قولي السيّد رضى الله عنه ، (11) وفي المختلف (12) عن جمل السيّد، (13) وفيه: احتجّ المفيد بما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الحجّ عرفة» . (14) أقول : ويؤيّده ما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «مَن وقف بعرفة فقد تمّ حجّه» . (15) والخبران مع كونهما عاميّين قابلان للتأويل الذي يأتي في باب الموقفين . وحكاه الشيخ في الخلاف عن أبي حنيفة، (16) واعتبر فيه قبلية التحلّل الأوّل، فقال : إذا وطئ بعد الوقوف بعرفة قبل التحلّل أفسد حجّه وعليه بدنة مثل الوطي قبل الوقوف . (17) واحتجّ عليه بإجماع الفرقة، وبما رواه عن ابن عمر وابن عبّاس أنّهما قالا : مَن وطيء قبل التحلّل أفسد حجّه وعليه ناقة . (18) وأراد بالتحلّل التحلّل الأوّل، وهو بعد مناسك منى يوم النحر، فإنّه يتحلّل حينئذٍ من كلّ شيء إلّا النساء والطيب . ويدلّ عليه أنّه قال بعد ذلك : «إذا وطئ في الفرج بعد التحلّل الأوّل لم يفسد حجّه وعليه بدنة ». (19) وحكاه السيّد في الانتصار (20) عن الشافعيّ، والعلّامة في المنتهى (21) عن مالك أيضا ، وعن أحمد أنّه قال : إن كان بعده لم يفسد إحرامه الماضي ويفسد ما بقي من إحرامه، ويجب عليه أن يأتي بعمرة ليأتي بالطواف في إحرام صحيح وتلزمه شاة . (22) وحكي في الخلاف (23) عن مالك إلّا أنّه لم ينسب إليه الفدية ، والأظهر اعتبار قبلية المشعر ، وبه قال السيّد في الانتصار محتجّا عليه بالإجماع البسيط والمركّب، حيث قال : دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتردّد: أنّه قد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر، وأنّه ينوب في تمام الحجّ عن الوقوف بعرفة عمّن لم يدركه، وكلّ من قال بذلك أوجب بالجماع قبله فساد الحجّ ولم يفسد بالجماع بعده ، فالتفرقة بين الأمرين خلاف إجماع الاُمّة. (24) وإليه ذهب الشيخ في المبسوط، (25) وهو ظاهر الصدوق في الفقيه، (26) وحكاه في المختلف (27) عن مقنعه (28) وعن أبيه (29) وعن ابن الجنيد (30) وابن البرّاج ، (31) وعدّه ابن إدريس أظهر . (32) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا وقع الرجل بإمرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحجّ من قابل» . (33) ويرويه المصنّف (34) فيما سيأتي في الحسن عنه ، فينبغي أن يحمل عليه ما ورد في أنّه مفسد للحجّ في حال الإحرام من غير تقييد بين الطريقين للجمع ، فأمّا من طريق الأصحاب فمنها: حسنتا زرارة ومعاوية بن عمّار، (35) وخبر عليّ بن أبي حمزة، (36) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : «إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة، ويفرّق بينهما حتّى يقضيا المناسك يرجعا إلى المكان الذي أصابا، فيه ما أصابا وعليهما الحجّ من قابل» . (37) وفي الصحيح عن جميل بن درّاج، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم وقع على أهله؟ قال : «عليه بدنة» ، قال : فقال له زرارة : قد سألته عن الذي سألته عنه، فقال لي : «عليه بدنة» ، قلت : عليه شيء غير هذا؟ قال : «نعم، عليه الحجّ من قابل» . (38) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل وقع على أهله (39) فيما دون الفرج؟ قال : «عليه بدنة، وليس عليه الحجّ من قابل، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان، وعليهما الحجّ من قابل» . (40) وأمّا من طريق العامّة فما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ رجلاً سأله، فقال : إنّي وقعت بامرأتي ونحن محرمان ، فقال : «أفسدت حجّك، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما تقضون، وحلّا إذا أحلّوا، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هديا، فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيّام في الحجّ، وسبعة إذا رجعتم» . (41) ونقلوا مثله عن ابن عبّاس، وفي حديثه: «ويفترقان من حيث يخرجان حتّى يقضيا حجّهما» . (42) وعن ابن المنذر أنّه قال : قول ابن عبّاس أعلى شيء روي فيمن وطئ في حجّه . (43) ويؤيّد ذلك الجمع ما ورد في أنّ من جامع بعد المشعر يجب عليه بدنة من غير ذكر للإفساد ، ويأتي في موضعه إن شاء اللّه تعالى ، وإذا خرج ما بعد المشعر بالدليل يبقى ما قبله في العموم، ومنه ما بين الموقفين، فتدبّر . فأمّا ما رواه الشيخ عن عبد العزيز العبدي، عن عبيد بن زرارة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت اُسبوعا طواف الفريضة، ثمّ سعى بين الصفا والمروة أربعة أشواط، ثمّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، ثمّ غشى أهله؟ قال : «يغتسل، ثمّ يعود فيطوف ثلاثة أشواط، وليستغفر ربّه، ولا شيء عليه» ، قلت : فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط، ثمّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟ قال : «أفسد حجّه، وعليه بدنة يرجع فيطوف اُسبوعا، ثمّ يسعى ويستغفر ربّه» ، قلت : كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟ قال : «إنّ الطواف فريضة وفيه صلاة، والسعي سنّة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، قلت : أليس اللّه تعالى يقول : «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ» ؟ قال : «بلى، ولكن قد قال فيها : «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرا فَإِنَّ اللّه َ شَاكِرٌ عَلِيمٌ» (44) ، فلو كان السعي فريضة لم يقل: فمن تطوّع» . (45) وفي الحسن عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده إلى قوله _ : «فطاف منه ثلاثة أشواط، ثمّ خرج فغشي، فقد أفسد حجّه، وعليه بدنة، ويغتسل ثمّ يعود فيطوف اُسبوعا »، (46) الخبر . وسيأتي . فالمراد بإفساد الحجّ فيهما نقصه لا نقضه؛ للجمع . ويؤيّده عدم التعرّض للقضاء من قابل كما في الأخبار الماضية. ويجب على المرأة أيضا مثل ما وجب على الرجل إن كانت مطاوعة على مذهب الأصحاب (47) وفاقا لأكثر أهل الخلاف . وعن الشافعيّ أنّه يجزي عنهما هدي واحد، محتجّا بأنّه جماع واحد فلم يوجب أكثر من بدنة كرمضان . (48) واُجيب بالمنع بالأصل . وحكي مثله عن أحمد في إحدى الروايتين عنه وعن عطاء. (49) ولو كانت مكرهة لم يلزمها شيء ، ويتخلّف عنها البدنة، فوجب عليه بدنتان، وهو أيضا ممّا أجمع عليه الأصحاب ووافقهم مالك وأحمد في إحدى الروايتين، وفي ثانية لا يتحمّل عنها، وفي ثالثة أنّ البدنة لها على نفسها ، (50) وما ذهبنا إليه يستفاد من أكثر بعض الأخبار التي تقدّمت . واعلم أنّ هذا الحكم مجمعٌ عليه بين الأصحاب في وطي قبل الزوجة، أنزل أو لم يُنزل ، وأمّا في دبرها فالمشهور بينهم أنّه أيضا كذلك ، بل كاد أن يكون إجماعا . وأمّا وطي غير الزوجة فلا يبعد إلحاق وطي الشبهة به . وألحق العلّامة في المنتهى (51) به الزنا بالأولويّة ووطي الغلام أيضا معلّلاً بأنّه وطي في فرج يوجب الغسل، فيوجب الإفساد أيضا كالقبل . وصرّح بهذا التعميم الشهيد أيضا في الدروس حيث قال : «لا فرق بين الوطي قبلاً أو دبراً، ولا بين كون الموطوءة أجنبيّة أو زوجة أو أَمَة أو كان ذكراً، ولا بين الإنزال وعدمه، لابوطي البهيمة» (52) وهو ظاهر السيّد رضى الله عنه. (53) ونسب الشيخ في الخلاف (54) إلحاق وطي البهيمة أيضا به إلى بعض الأصحاب وإلى الشافعيّ ، (55) وحكى عن أبي حنيفة روايتين في وطي الدبر مطلقا. (56) وإلحاق اللواط وإتيان البهائم به لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ الإفساد خلاف للأصل محتاج إلى دليل شرعي. وكونهما أفضح لا يوجب ذلك شرعا على الأظهر . وربّما ألحق به الاستمناء أيضا ، وسيأتي القول فيه في الباب الآتي . ثمّ الظاهر اختصاص الإفساد وما يتفرّع عليه والكفّارة بالعلم بالمسألة، وأنّ الجاهل بها لا شيء عليه ، وأمّا ناسي الإحرام فعموم قوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار: «وإن لم يكن جاهلاً فعليه سوق بدنة، وعليه الحجّ من قابل» (57) أنّه كالعالم، فإنّ الجاهل شامل لناسي الإحرام . الثانية : المشهور بين الأصحاب وجوب الافتراق بينهما في حجّة القضاء إذا بلغا الموضع الذي فعلا فيه ما فعلا . (58) ويدلّ عليه بعض الأخبار المذكورة ، وبه قال الشافعيّ في القديم وبعض أصحابه وأحمد ، وبالغ مالك حيث قال بوجوبه من حيث يحرمان على ما حكي عنه ، (59) وقيل : نقله في الموطّأ (60) عن أمير المؤمنين عليه السلام . وظاهر الشيخ في المبسوط وابن إدريس استحبابه، حيث قالا : «وينبغي أن يفترقا إذا انتهيا إلى المكان الذي فعلا فيه ما فعلا إلى أن يقضيا المناسك». (61) وهو المنقول عن بعض الشافعيّة ، (62) وعن أبي حنيفة أنّه قال : «لا أعرف هذه التفرقة »، محتجّا بأنّه لو وطأها في شهر رمضان لم يجب التفريق بينهما في قضائه ، فكذا هنا ، (63) وظاهره نفي الاستحباب أيضا . ومعنى الافتراق على ما يستفاد من بعض الأخبار وصرّح به العلماء الأخيار أن لا يخلوا إلّا ومعهما ثالث مميّز ، روى ذلك المصنّف قدس سره عن أبان بن عثمان مرسلاً عن أحدهما عليهماالسلام ، (64) والشيخ عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في المحرم يقع على أهله؟ قال : «يفرّق بينهما ولا يجتمعان في خباء، إلّا أن يكون معهما غيرهما حتّى يبلغ الهدي محلّه» . (65) وعن أبان بن عثمان رفعه إلى أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام قالا : «المحرم إذا وقع على أهله يفرّق بينهما» ، (66) يعني بذلك لا يخلوان إلّا أن يكون معهما ثالث. ولو حجّا في القابل على غير تلك الطريق لا يجب التفريق؛ لأصالة عدم وجوبه وانتفاء دليل عليه، ولفوات مقتضيه وهو التذكير بالمكان . وقد صرّح بذلك جماعة منهم الصدوق (67) والشهيد (68) والعلّامة في المنتهى ، (69) والظاهر عدم قول بوجوبه من أحد . هذا ، ويدلّ عليه حسنة حريز (70) وخبر عليّ بن أبي حمزة، (71) وما رويناه أخيراً من خبر معاوية بن عمّار ومرفوعة أبان بن عثمان (72) على وجوب التفريق في الحجّة الاُولى الفاسدة أيضا من موضع الجماع إلى آخر المناسك ، وبه صرّح جماعة منهم الشهيد في الدروس (73) والعلّامة في المنتهى . (74) وحكى الشهيد عن ابن الجنيد أنّه بالغ في ذلك فقال : «يستمرّ التفريق في الحجّة الاُولى، ويحرم الجماع إلى أن يعودا إلى مكان الخطيئة وإن كانا قد أحلّا ». (75) الثالثة : اختلف الأصحاب في أنّ أيّ الحجّتين هو حجّة الإسلام؟ فصرّح الشيخ في التهذيب إلى أنّها هي الاُولى الفاسدة، والثانية إنّما تكون عقوبة محتجّا بحسنة زرارة . (76) وبه قال في النهاية (77) أيضا، وهو الأشهر ، وعلى ذلك فتسميتها فاسدة مجاز كما في الدروس ، (78) ومنع فسادها في المختلف (79) مستندا بأنّ الأحاديث إنّما دلّت على وجوب حجّ في القابل من غير تضمّن ذكر الفساد، وإنّما تضمّنته في العمرة. ولو سلم كونها فاسدة حقيقة فلا بُعد في إجزائها عن حجّة الإسلام بضميمة العقوبة . وذهب ابن إدريس إلى أنّها هي الثانية، وأكمل الاُولى العقوبة . وقال في السرائر : «هذا هو الصحيح الذي يشهد به اُصول المذهب ؛ لأنّ الفاسد لا يجزي ولا تبرأ ذمّته بفعله ». (80) وإليه ذهب الشيخ في الخلاف حيث احتجّ فيه على فوريّة القضاء ردّاً على من زعم من أصحاب الشافعيّ (81) أنّه على التراخي بقوله: «لأنّا قد بيّنا أنّ حجّة الإسلام على الفور، وهذه حجّة الإسلام ». (82) وقوّاه العلّامة في المنتهى (83) لما ذكر، مجيبا عن الحسنة بأنّها غير مستندة إلى إمام، فجاز أن يكون المسؤول غير معصوم . وتظهر الفائدة في حجّ الأجير لتلك السنة، فيستحقّ الاُجرة ويجزي حجّه عن المنوب على الأوّل دون الثاني، وفي نذر الحجّ المقيّد بها، فيجب عليه كفّارة خلف النذر على الثاني دون الأوّل . وفي الدروس: «وفي المصدود المفسد إذا تحلّل ثمّ قدر على الحجّ لسنته أو غيرها ». (84) الرابعة : الجماع كما يفسد الحجّ على ما فصّل يوجب فساد العمرة أيضا إذا وقع قبل إكمال سعيها، ويوجب بدنة بعده قبل إكمالها ، وقد اشتهر ذلك بين الأصحاب في العمرة المفردة؛ (85) لصحيحة بريد بن معاوية العجليّ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة، فغشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه ، قال : «عليه بدنة لفساد عمرته، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر، فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة» . (86) وخبر مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة، فيطوف بالبيت طواف الفريضة، ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : «قد أفسد عمرته وعليه بدنة، وعليه أن يقيم بمكّة محلّاً حتّى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل بلاده، فيحرم منه ويعتمر». (87) و قال الشيخ في المبسوط : «متى جامع وهو محرم بعمرة مبتولة قبل أن يفرغ من مناسكها بطلت عمرته، وعليه بدنة والمقام [ بمكّة] إلى الشهر الداخل ثمّ يقضي عمرته ». (88) ومثله في النهاية (89) والتهذيب ، (90) وهو مشعر باعتبار فراغه من طواف النساء ، ولا يبعد أن يقال: أراد بمناسكها أركانها، فيرجع إلى الأوّل وقد اصطلح عليه . ويؤيّد ذلك أمران : أحدهما : أنّه احتجّ عليه في التهذيب بما ذكرنا من الخبرين، وهما إنّما يدلّان على ما اعتبرناه . وثانيهما : أنّه قال في الحجّ: «وإذا جامع بعد قضاء المناسك قبل طواف النساء كان عليه بدنة »، (91) فتأمّل . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه توقّف في فساد العمرة بذلك، وأنّه قال : «إذا جامع في عمرته قبل أن يطوف لها ويسعى فلم أحفظ عن الأئمّة عليهم السلام اُعرّفكم، فوقفت عند ذلك، ورددت الأمر إليهم». (92) وهو كما ترى . وأمّا العمرة المتمتّع بها فقد صرّح جماعة من الأصحاب بمساواتها للعمرة المفردة في الحكم، منهم الشهيدان في الدروس (93) والمسالك، (94) والمحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد . (95) وأطلق العمرة جماعة منهم المحقّق في الشرائع، (96) والعلّامة في المنتهى (97) والإرشاد ، (98) ولكن احتجّ عليه في الأوّل بما ورد في المفردة من الخبرين. واقتصر الشيخ في النهاية (99) والمبسوط (100) والتهذيب (101) على ذكر المفردة . (102) واستشكل العلّامة في القواعد في طرد الحكم فيها، فقال : «ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أوالمتمتّع بها على إشكال قبل السعي عامدا عالما عامداً بالتحريم بطلت عمرته، ووجب إكمالها وقضاؤها وبدنة ». (103) وإنّما استشكله بناءً على عدم وجود نصّ فيها ، بل ظاهر إطلاق ما رواه الشيخ عن ابن مسكان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت : متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصر؟ قال : «عليه دم شاة» (104) عدم فسادها بذلك. فإن قيل : قد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على فسادها أيضا ؛ رواه الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّع وقع على أهله ولم يزر ، فقال : «ينحر جزوراً» ، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما، وإن كان جاهلاً فلا بأس عليه» (105) فإنّ خشيتهم عليهم السلام كناية عن علمهم . قلت : الخبر هو ما يرويه المصنّف في باب المحرم يأتي أهله، وقد قضى بعض مناسكه، (106) وله تتمّة تدلّ على أنّه في شأن الحاجّ لا المعتمر، وستعرفه . وقال المحقّق الشيخ عليّ في شرحه : لا يظهر لهذا الإشكال موضع ؛ لأنّ وجوب الأحكام المذكورة مشترك بين عمرة الإفراد والتمتّع، وإنّما الذي هو محلّ النظر وجوب إتمامها ووجوب الحجّ ووجوب قضائهما، بناءً على أنّ العمرة المتمتّع بها لا تنفرد عن الحجّ، والشروع فيها شروع فيه، والأصحّ وجوب الأمرين معا . (107) انتهى . وفي حاشية كتاب القواعد الذي عندي في تفسير الإشكال: يحتمل فساد الحجّ التمتّع؛ لقوله عليه السلام : «دخلت العمرة في الحجّ هكذا» وشبّك بين أصابعه ، ويحتمل عدمه؛ لانفراد الحجّ بإحرام ، هكذا قال [ لي ]المصنّف . (108) انتهى . وأظنّه منقولاً عن الإيضاح، (109) ولم يكن عندي الآن، وهو حمل بعيد من العبارة وإن احتمل الأمران في الواقع ، بل وقع قولان بهما . فالمشهور فساد الحجّ أيضا، وهو الذي رجّحه المحقّق الشيخ عليّ على ما عرفت ، وذهب إليه الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : «ولو كانت يعني العمرة الفاسدة عمرة التمتّع، ففي وجوب إكمال الحجّ أيضا ثمّ قضاؤهما والافتراق كما مرّ قولان أجودهما الوجوب ». (110) واستشكله العلّامة في القواعد (111) بناءً على كون كلّ منهما عبادة مستقلّة وإن ربطت إحداهما بالاُخرى مع أصالة عدم الوجوب وانتفاء نصّ عليه. والمسألة لا تخلو عن إشكال مع ضيق الوقت ، وأمّا في السعة فالظاهر أنّه يعتمر عمرة اُخرى للتمتّع في الشهر القابل ويحجّ بعدها . ثمّ المشهور بين الأصحاب وجوب إتمام العمرة الفاسدة، وليس في الأخبار تعرّض لذكره، وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بأصالة وجوب الإتمام وانتفاء دليل على سقوطه، فإنّ الفساد لا يستلزمه كما في الحجّ ، ويؤيّده الأمر بالإتمام في الفاسد من الحجّ . وبالجملة، فالمحتاج إلى الدليل إنّما هو سقوط الوجوب، لا الوجوب، فلا وجه لما ذكر صاحب المدارك حيث قال : ولم يذكر الشيخ والمصنّف وأكثر الأصحاب وجوب إتمام العمرة الفاسدة ، وقطع العلّامة في القواعد (112) والشهيدان (113) بالوجوب، وهو مشكل؛ لعدم الوقوف على مستنده ، بل ربّما كان في الروايتين المتقدّمتين إشعار بالعدم؛ للتصريح فيهما بفساد العمرة بذلك وعدم التعرّض لوجوب الإتمام . (114) هذا ، واختلف في وقت قضاء العمرة المفردة بناءً على اختلافهم في مقدار ما بين العمرتين ، فذهب العلّامة إلى استحبابه في الشهر الداخل . (115) وقال الشهيد في اللمعة (116) بوجوبه فيه بناءً على أنّه الزمان بين العمرتين. وفي شرحها: ولو جعلناه عشرة أيّام اعتبر بعدها». (117) وعلى الأقوى من عدم تحديد وقت بينهما يجوز قضاؤهما معجّلاً بعد إتمامها وإن كان الأفضل التأخير . وأمّا الجماع فيها بعد السعي قبل التقصير فلا خلاف في أنّه غير مفسد لها مطلقا، مفردة كانت أو متمتّعة بها، لكنّه موجب للفدية . ويدلّ عليه في المفردة ما تقدّم من الخبرين الأوّلين، وفي عمرة التمتّع خبر ابن مسكان الذي سيأتي . وصحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة وقبّل امرأته قبل أن يقصّر؟ قال : «عليه دمٌ يهريقه، وإن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة» . (118) لا يقال: يستفاد من بعض الأخبار فسادها بذلك بناءً على ما سبق من إرادة العلم من الخشية . رواه الشيخ في موضع آخر من التهذيب عن المصنّف عن عليّ بن إبراهيم [ عن أبيه] عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّع وقع على امرأته ولم يقصّر؟ قال : «ينحر جزوراً، وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما، وإن كان جاهلاً فلا شيء عليه» . (119) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصّر ، قال : «ينحر جزوراً، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه» . (120) وعن ابن مسكان، عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصّر ، قال : «ينحر جزوراً، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه» . (121) لأنّا نقول: الظاهر وقوع سهو من بعض الرواة في هذه الأخبار في ذكر «لم يقصّر» مكان «لم يزر»، فإنّ الخبر الأوّل بعينه ما أشرنا إليه، وإنّما روى المصنّف فيه: «لم يزر» ، (122) فالثاني أيضا كذلك؛ لاتّحاد راويهما، وهو معاوية بن عمّار، فليكن الثالث أيضا كذلك ، فهذه الأخبار في حجّ التمتّع لا في عمرته . ويؤيّد ذلك نسبة الانثلام إلى الحجّ ، فالمراد بالخشية معناها الظاهر، والغرض منها المبالغة في نقصان الحجّ . الخامسة : كفّارة إفساد الحجّ بدنة إجماعا كما هو المستفاد من أخباره ، وأمّا في العمرة فقد اختلف فيها بناءً على اختلاف أخبارها، فقال المفيد : «عليه جزورٌ إن كان موسراً، وإن كان متوسّطا فبقرة، وإن كان فقيراً فدم شاة ». (123) وقال الشيخ : «عليه بدنة، فإن عجز فبقرة، وإن عجز فشاة ». (124) وبه قال العلّامة فى¨ المختلف (125) وابن إدريس، (126) إلّا أنّهما أبدلا الجزور بالبدنة، وبذلك جمعوا بين ما تقدّم من الأخبار؛ حملاً لما دلّ على البدنة والجزور فيها على ما إذا جامع الموسر، والترديد بين الجزور والبقرة الواردة في صحيحة الحلبيّ المتقدّمة على أنّ التوزيع على الموسر والمتوسّط، والدم في خبر ابن مسكان المتقدّم على جماع الفقير. وهو ضعيف؛ لعدم دليل عليه . والشيخ أيضا جمع بينهما بنحو ممّا ذكر . (127) وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل وجوب البدنة مطلقا ترجيحا لأخبارها ، وعن سلّار (128) أنّ عليه بقرة ترجيحا لصحيح الحلبيّ، قائلاً : «إنّه عليه السلام خيّر فيه بين البقرة والبدنة، فيسقط وجوب البدنة »، (129) وكأنّه أراد بقوله عليه بقرة جوازها لا تعيّنها، كما يشعر به تعليله . السادسة : هل يوجب الوطي الثاني كفّارة أم لا؟ المشهور بين الأصحاب منهم السيّد والشيخ في المبسوط (130) وابن إدريس (131) والمحقّق في الشرائع (132) والعلّامة في المنتهى (133) تعدّدها على حسب تعدّده مطلقا، كفّر عن الأوّل أو لا، في مجلس أو في مجالس . ويدلّ عليه عموم أخبارها . واحتجّ عليه في الانتصار (134) بالإجماع وبالاحتياط لطريقة اليقين ببراءة الذمّة . وقوّى الشيخ في الخلاف تفصيلاً نسبه إلى الشافعيّ حيث حكى فيه عنه أنّه قال : إن وطئ بعد أن كفّر عن الأوّل وجب عليه الكفّارة قولاً واحداً، وهل هي شاة أو بدنة على قولين . وإن وطئ قبل أن يكفّر عن الأوّل ففيها ثلاثة أقوال : أحدها : لا شيء عليه ، والثاني : شاة ، والثالث : بدنة . (135) ثمّ قال : وإن قلنا بما قاله الشافعيّ: إنّه إن كفّر عن الأوّل لزمه كفّارة، وإن كان قبل أن يكفّر فعليه كفّارة واحدة، كان قويّا ؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة . (136) ونسبه في الانتصار إلى محمّد من العامّة . (137) وذهب العلّامة في المختلف إلى تفصيل آخر نسبه إلى ابن حمزة، فقال : وقال ابن حمزة ونِعْمَ ما قال _ : الجماع إمّا مفسد للحجّ أو لا ، والأوّل لا يتكرّر فيه كفّارة، والثاني إن تكرّر فعله في حالة واحدة لا تتكرّر فيه الكفّارة بتكرّر الفعل، وإن تكرّرت في دفعات تكرّرت الكفّارة . (138) وحكى في الانتصار (139) عن أبي حنيفة الفصل بين مجلس واحد ومجالس متعدّدة ، وعن مالك والشافعيّ عدم تكرّرها مطلقا. (140) وكأنّ هذا كان أحد قولين للشافعيّ، فلا ينافي ما حكاه الشيخ في الخلاف (141) عنه ، وقد نقلناه . ومال صاحب المدارك إليه، ونسبه إلى قول الشيخ في الخلاف حيث ذكر ما نقلناه عن العلّامة في المختلف من التفصيل ، ثمّ قال : «وهو غير بعيد ، بل لو قيل بعدم التكرّر بذلك مطلقا كما هو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف لم يكن بعيداً». (142) وكأنّه خصّ عموم الأخبار الواردة في الكفّارة للجماع بالتحليل منه؛ لدلالة أكثرها على فساد الحجّ أيضا به ومنع مساواة الوطي الثاني للأوّل مستنداً بما ذكر، وهو قويّ، لكنّ ما نسبه إلى خلاف الشيخ محلّ تأمّل يظهر ممّا نقلنا عنه . قوله في حسنة زرارة : (قال إن كانا جاهلين) إلخ . [ ح 1 / 7370] يدلّ على أنّ جاهل المسألة معذور هنا، وعلى سقوط الكفّارة عنه ، وفي حكمه ناسي الإحرام وغير المواقعة من محرّمات الإحرام ما عدا الصيد عند الأصحاب، ولا نعلم فيه مخالفا . ويدلّ عليه أخبار متعدّدة في مواضع من محرّمات الإحرام، وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة، إلّا الصيد فإنّ عليك الفداء فيه بجهلٍ كان أو بعمد» . (143) ودلّ على وجوبها في الصيد بجهالة صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن المحرم يصيد الصيد بجهالة؟ قال : «عليه كفّارة» ، قلت : فإن أصابه خطأً؟ قال : «وأيّ شيء الخطأ عندك؟» قلت : يرمي هذه النخلة فيُصيب نخلة اُخرى ، قال : «نعم هذا الخطأ وعليه الكفّارة» . (144) وقد ألحق المحقّق في الشرائع (145) بهما المجنون، ونسبه في المدارك إلى مذهب الأصحاب؛ محتجّا بأنّ المجنون أعذر منهما، فيكون أولى بالسقوط. (146) ولولا دعوى الإجماع على ذلك لأمكن القدح في التعليل كما في الصبيّ، وعموم ما دلّ على الكفّارة خرج ما خرج وبقي الباقي . وحكى ابن أبي عقيل عن بعض الأصحاب على ما نقل عنه في المختلف (147) قولاً بسقوط الكفّارة من الناسي في الصيد ، وهو مخالف للمشهور .

.


1- . البقرة (2) : 197 .
2- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «والمفاخرة».
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 297، ح 1005؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 465، ح 16791.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 296 _ 297، ح 1003؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 463، ح 16788.
5- . اُنظر: التبيان، ج 2، ص 132 و 164؛ مجمع البيان، ج 2، ص 20 و 43.
6- . التبيان، ج 2، ص 164؛ مجمع البيان، ج 2، ص 43.
7- . المقنعة، ص 433.
8- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 369، الدرس 98.
9- . المراسم، ص 105.
10- . الكافي في الفقه، ص 203.
11- . الانتصار، ص 243.
12- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 148.
13- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 70).
14- . عوالي اللآلي، ج 2، ص 93، ح 247، وص 236، ح 5 ؛ وج 3، ص 162، ح 47؛ مسند أحمد، ج 4، ص 309؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1003، ح 3015؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 188، ح 890 .
15- . بدائع الصنائع، ج 12، ص 125 و 126 و 127؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 116؛ نصب الراية، ج 3، ص 240.
16- . المجموع للنووي، ج 7، ص 414؛ المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة، ج 3، ص 315.
17- . الخلاف، ج 2، ص 364، المسألة 201، وانظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 414؛ المغني والشرح الكبير لابنَي قدامة، ج 3، ص 315؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 194.
18- . اُنظر: المغني، ج 3، ص 316؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 339.
19- . الخلاف، ج 2، ص 365، المسألة 203.
20- . الانتصار، ص 243.
21- . منتهى المطلب، ج 2، ص 835 .
22- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 516 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 321؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 41.
23- . الخلاف، ج 2، ص 365 366، المسألة 203.
24- . الانتصار، ص 243.
25- . المبسوط، ج 1، ص 336.
26- . الفقيه، ج 2، ص 578 .
27- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 146.
28- . الفقيه، ج 2، ص 329، ذيل الحديث 2587.
29- . حكاه عنه في الفقيه، ج 2، ص 329.
30- . لم أعثر على رسالته.
31- . المهذّب، ج 1، ص 222.
32- . السرائر، ج 1، ص 548 .
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 319، ح 1099؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 110، ح 17359، وص 118، ح 17380.
34- . الحديث الثالث من هذا الباب.
35- . الحديث الأوّل والثالث من هذا الباب من الكافي.
36- . الحديث الخامس من هذا الباب.
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 318، ح 1095؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 110 111، ح 17360.
38- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 318، ح 1096؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 111، ح 17361.
39- . في الأصل: «وقع عليه»، و ما اُ ثبت من المصدر.
40- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 318 319، ح 1097؛ الاستبصار، ج 2، ص 192، ح 644 (واقتصر فيه على الفقرة الاُولى من الحديث)؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 119، ح 17382.
41- . المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 315.
42- . نفس المصدرين.
43- . المغني والشرح الكبير لابني القدامة، ج 5 ، ص 315؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 27؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 835 .
44- . البقرة (2) : 158 .
45- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 321 322، ح 1107؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 126 127، ح 17398.
46- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 323، ح 1110. ورواه الكليني في الكافي، باب المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه، ح 6 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 126، ح 17397.
47- . اُنظر: المقنعة، ص 434؛ المراسم العلويّة، ص 118؛ الخلاف، ج 2، ص 367 368، المسألة 206؛ المبسوط للطوسي، ج 1، ص 336؛ الوسيلة، ص 166؛ السرائر، ج 1، ص 548 ؛ المختصر النافع، ص 106 107؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 224؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 322؛ تبصرة المتعلّمين، ص 94؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 32 33.
48- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 32؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 836 ؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 418 419؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 316؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 339.
49- . نفس المصادر المتقدّمة.
50- . المغني، ج 3، ص 316؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 339.
51- . منتهى المطلب، ج 2، ص 837 . ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 37 38 .
52- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 369 370، الدرس 98.
53- . الانتصار، ص 257.
54- . الخلاف، ج 2، ص 370 371، المسألة 210.
55- . فتح العزيز، ج 7، ص 471؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 409؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 316.
56- . فتح العزيز، ج 7، ص 471؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 316.
57- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 113، ح 17370.
58- . اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 368، المسألة 207؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 149؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 28.
59- . المجموع للنووي، ج 7، ص 415؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 119؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 218.
60- . لم نعثر على مصدره.
61- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 336؛ السرائر، ج 1، ص 548 .
62- . الخلاف، ج 2، ص 34؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 34؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 837 ؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 399؛ فتح العزيز، ج 7، ص 476.
63- . بدائع الصنائع، ج 2، ص 218؛ فتح العزيز، ج 7، ص 476.
64- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
65- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 319، ح 1100؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 111، ح 17363.
66- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 319 320، ح 1101؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 111، ح 17364.
67- . الفقيه، ج 2، ص 329، ذيل الحديث 2587، نقلاً عن والده.
68- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 369، الدرس 98.
69- . منتهى المطلب، ج 2، ص 837 .
70- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
71- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
72- . تقدّم الخبران آنفا.
73- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 369، الدرس 98.
74- . منتهى المطلب، ج 2، ص 837 .
75- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 369، الدرس 98.
76- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 317، ح 1092.
77- . النهاية، ص 230.
78- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 370، الدرس 98.
79- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 149.
80- . السرائر، ج 1، ص 550 .
81- . المجموع للنووي، ج 7، ص 384؛ فتح العزيز، ج 7، ص 473.
82- . الخلاف، ج 2، ص 367.
83- . منتهى المطلب، ج 2، ص 836 .
84- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 370، الدرس 98.
85- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 155.
86- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 324، ح 1112؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 128، ح 17399.
87- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 323 324، ح 1111؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 128، ح 17400.
88- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 337.
89- . النهاية، ص 231.
90- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 323، ذيل الحديث 1110.
91- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 337.
92- . مختلف الشيعة، ج 3، ص 155.
93- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 338، الدرس 88 .
94- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 481.
95- . جامع المقاصد، ج 3، ص 350.
96- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 225.
97- . منتهى المطلب، ج 2، ص 841 .
98- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 322.
99- . النهاية، ص 231.
100- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 337.
101- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 323، ذيل الحديث 1110.
102- . صرّح في الجميع بالعمرة المفردة.
103- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 469، الاستمتاع بالنساء.
104- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 161، ح 538 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 130، ح 17405.
105- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 321، ح 1104؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 121 122، ح 17387.
106- . الحديث الثالث من ذلك الباب.
107- . جامع المقاصد، ج 3، ص 350.
108- . إيضاح الفوائد، ج 1، ص 347.
109- . ما ظنّه صحيح كما ذكرنا.
110- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 481.
111- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 469.
112- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 469.
113- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 338 339، الدرس 88 ؛ مسالك الأفهام للشهيد الثاني، ج 2، ص 481.
114- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 423.
115- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 469.
116- . اللمعة الدمشقيّة، ص 69 .
117- . شرح اللمعة، ج 2، ص 359.
118- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160 161، ح 535 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 129 130، ح 17403.
119- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 161، ح 539 . ورواه الكليني في باب «المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه»، ح 3، وباب «المتمتّع ينسى أن يقصّر حتّى يهلّ بالحجّ أو يحلق رأسه أو يقع أهله قبل أن يقصّر» ح 5 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 130، ح 17404.
120- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 161، ح 537 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 130، ح 17404.
121- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 161، ح 536 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 130، ذيل الحديث 17404، وذيله غير موجود في تهذيب الأحكام، نعم يظهر من وسائل الشيعة وجود هذا الذيل في رواية التهذيب حيث ذكره بعد رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة آنفا، ثمّ ذكر سند هذه الرواية ولم يذكر متنها واكتفى بقوله: «مثله».
122- . الكافي، باب المحرم يأتي أهل وقد قَضى بعض مناسكه، ح 3، لكنّه رواه أيضا في باب المتمتّع ينسى أن يقصّر حتّى يهلّ بالحج... ، ح 5، وفيه: «لم يقصّر» بدل «لم يزر».
123- . المقنعة، ص 433، ولم يصرّح باختصاص الحكم بالعمرة، بل ظاهره جريان الحكم في الحجّ، وقال بذلك في مَن نظر إلى غير أهله فأمنى، والموجود فيه «بدنة» بدل «جزور».
124- . المبسوط، ج 1، ص 363.
125- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 157.
126- . السرائر، ج 1، ص 550 و 581 .
127- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160.
128- . المراسم العلويّة، ص 119.
129- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 157.
130- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 337.
131- . السرائر، ج 1، ص 549 .
132- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 228.
133- . منتهى المطلب، ج 2، ص 838 .
134- . الانتصار، ص 253، المسألة 136.
135- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 407؛ فتح العزيز، ج 7، ص 472 473؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 318.
136- . الخلاف، ج 2، ص 367، المسألة 204.
137- . الانتصار، ص 253، المسألة 136. وانظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 420؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 297.
138- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 178؛ الوسيلة، ص 165 166.
139- . الانتصار، ص 252 253.
140- . المجموع للنووي، ج 7، ص 420؛ فتح العزيز، ج 7، ص 473؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 523 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 342؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 297.
141- . الخلاف، ج 2، ص 367، المسألة 204.
142- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 452.
143- . الكافي، باب النهي عن الصيد وما يصنع به إذا أصابه المحرم والمحلّ في الحلّ والحرم، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 315، ح 1085؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 68 69 ، ح 17251.
144- . الكافي، أبواب الصيد، باب النهي عن الصيد ... ، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 69 ، ح 17252.
145- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 228.
146- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 454 455.
147- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 176.

ص: 117

. .

ص: 118

. .

ص: 119

. .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

. .

ص: 123

. .

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

. .

ص: 130

. .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

. .

ص: 134

. .

ص: 135

باب المُحرم يقبِّل امرأته أو ينظر إليها

باب المُحرم يقبِّل امرأته أو ينظر إليها بشهوة أو غير شهوة أو ينظر إلى غيرهافيه مسائل :الاُولى : قال الشيخ في النهاية : «من عبث بذكره حتّى أمنى كان حكمه حكم مَنْ جامع على السواء ». (1) ومثله في التهذيب، (2) وظاهره فساد الحجّ والعمرة أيضا بذلك في وقت يفسدهما الجماع . وصرّح به في المبسوط، (3) ورجّحه العلّامة في المختلف، (4) وحكاه عن ابن البرّاج (5) وابن حمزة . (6) واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بخبر عبد الرحمن بن الحجّاج ، (7) وقد رواه في الصحيح ، وبخبر إسحاق بن عمّار، (8) والعلّامة في المختلف (9) بهما، وبأنّه إنزال على وجه محرّم غير مباح على وجه، وكان أفحش من الجماع ، فناسب المساواة أوالزيادة في العقوبة دون القصور . ونفاه ابن إدريس (10) محتجّا بأصالة البراءة بناءً على أصله على أنّ الصحيحة غير صريحة في الإفساد ، بل يحتمل المساواة في إيجاب البدنة فقط ، بل هو الأظهر منها على أنّها في الملاعبة بالأهل. وحمل العبث بالذَّكر عليه قياس، والصحيحة غير صريحة . وقد جوّز في الاستبصار (11) حملها على تأكّد الاستحباب . ثمّ ظاهر الأكثر اختصاص فساد الحجّ بالاستمناء باليد وعدم اطّراده في الاستمناء بغيرها من الملاعبة والتقبيل والنظر ولو بقصد الإمناء أوالاعتياد . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد الاطّراد، قال : «وقال أبو عليّ بن الجنيد : وعلى المحرم إذا أنزل الماء [ إمّا] بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل ما على الذي يجامع». (12) ويظهر من شرح اللمعة (13) تحقيق القول بذلك العموم، والأقرب الاقتصار على مورد النصّ من العبث بالذكر، وهو الاستمناء باليد، وهو ظاهر الأخبار المذكورة في الباب ، فتأمّل . الثانية : قال الشيخ في المبسوط : «إذا نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى لم يكن عليه شيء، إلّا أن يكون نظر إليها بشهوة فأمنى، فإنّه يلزمه الكفّارة وهي بدنة ». (14) ومثله في السرائر (15) وكتب الأكثر ، (16) إلّا أنّه أبدل البدنة في الدروس (17) بالجزور ، بل نسبه في المنتهى (18) إلى علمائنا، والظاهر إجزاؤهما لورود الأوّل في حسنة معاوية بن عمّار، ودلالة صحيحة مسمع على الثاني . ونفى المفيد قدس سره الكفّارة مطلقا فقال : «ومَن نظر إلى أهله فأمنى أو أمذى فلا كفّارة عليه، ويستغفر اللّه تعالى». (19) وكأنّه تمسّك في ذلك بما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى ، قال : «ليس عليه شيء» . (20) وحمله الشيخ في التهذيب على حال السهو دون العمد ، وربّما خصّ كلام المفيد بما إذا لم يكن النظر بشهوة، و إطلاق أكثر الفتاوى يقتضي عدم الفرق فيما لولم يكن النظر بشهوة بين ما كان عادته الإمناء بمجرّد النظر أم لا . وصرّح جماعة منهم الشهيد الثاني بوجوب الكفّارة في الشقّ الأوّل ، بل قال بوجوبها في الشقّ الثاني أيضا إذا قصد الإمناء، فقد قال في شرح اللمعة : «وبغير شهوة لا شيء وإن أمنى ما لم يقصده أو يعتده». (21) ولم يظهر إليّ إمكان اجتماع قصد الإمناء مع عدم الشهوة ، فتأمّل . وأمّا النظر إلى الأجنبيّة فمذهب الأصحاب إيجابه للكفّارة إذا أمنى به ولو بغير شهوة. واختلفوا في كفّارته ، ففي المبسوط : «مَن نظر إلى غير أهله فأمنى فعليه بدنة، وإن لم يجد فبقرة، وإن لم يجد فشاة ». (22) ومثله في السرائر (23) والدروس (24) واللمعة (25) والقواعد (26) والشرائع (27) والإرشاد . (28) ويدلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي بصير، (29) وقد رواه الشيخ بسندٍ آخر موثّق أيضا عنه. (30) وبه قال الأكثر، منهم المفيد إلّا أنّه أوجب بعد العجز عن الشاة الصيام، (31) ولم يذكره غيره، والرواية خالية عنه . وقال الصدوق في الفقيه : «فإن نظر محرم إلى غير أهله فأنزل فعليه جزور أو بقرة، فإن لم يقدر فشاة ». (32) ويدلّ عليه صحيحة زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : «عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة» . (33) وأوجب العلّامة في المنتهى بدنة مطلقا ، فقد قال : «ولو نظر إلى غير أهله فأمنى لم يفسد حجّه، ووجب عليه بدنة ، وذهب إليه علمائنا أجمع ». (34) وأراد بالإجماع على عدم الإفساد لا على وجوب البدنة، فإنّه قال بعد ذلك بلا فصل: وبعدم الإفساد قال ابن عبّاس وأبو حنيفة والشافعيّ وأحمد ، وقال مالك : إذا ردّد النظر حتّى أمنى وجب عليه الحجّ من قابل ، وبه قال الحسن البصري وعطاء . (35) ولم أجد على البدنة نصّا . نعم ، ورد في مقطوعة معاوية بن عمّار: «الدم» ، (36) والمتبادر منه الشاة ، وحكى فيه عن ابن عبّاس وإحدى الروايتين عن أحمد وجوب البدنة مع تكرار النظر ، والشاة مع وحدته . وفي رواية اُخرى عنه وعن سعيد بن جبير وإسحاق وجوب الشاة مطلقا . وعن أبي حنيفة والشافعيّ وأبي ثور عدم وجوب شيء مطلقا. (37) ولو لم يمنِ فلا شيء عليه بإجماع أهل العلم وإن كان آثما . ويدلّ عليه الأصل، ومقطوعة معاوية بن عمّار . الثالثة : قال الشيخ في المبسوط: «من قبَّل امرأته من غير شهوة كان عليه دم شاة، وإن كان عن شهوة كان عليه جزور ». (38) ومثله في النهاية، (39) وهو المشهور بين الأصحاب منهم الشهيد في الدروس (40) واللمعة، (41) والعلّامة في أكثر كتبه . (42) وظاهرهم عدم الفرق بين الإنزال وعدمه في الموضعين، ولم أجد بهذا التفصيل خبراً . وصحيح مسمع (43) إنّما يدلّ على وجوب الجزور مع الشهوة والإمناء جميعا . وخبر عليّ بن أبي حمزة (44) وإن عارضه لصراحته في وجوب الجزور مع عدم الإمناء، لكنّه ضعيف بسهل (45) واشتراك عليّ بن أبي حمزة ، (46) فالأظهر وجوبه معهما، ووجوب الشاة إذا انتفى أحدهما، كما ذهب إليه ابن إدريس حيث قال : «ومَن قبّل امرأته من غير شهوة كان عليه دم، فإن قبّلها بشهوة كان عليه دم شاة» إذا لم يمن، فإن أمنى كان عليه جزور ». (47) وهو ظاهر أبي الصلاح، فإنّه قال على ما نقل عنه _ : «في القبلة دم شاة، وإن أمنى فبدنة ». (48) وظاهر المفيد وجوب الجزور له مع الشهوة مطلقا وإن لم ينزل، فإنّه قال : «ومَنْ قبّل امرأته وهو محرم فعليه بدنة أنزل أو لم ينزل، فإن هويت المرأة ذلك كان عليها مثل ما عليه ». (49) ويستفاد اعتبار الشهوة من ذكرها في جانب المرأة . وحكاه في المختلف (50) عن السيّد المرتضى رضى الله عنه، (51) وإليه ذهب الشيخ في التهذيب محتجّا بخبر عليّ بن أبي حمزة، (52) وفيه تأمّل؛ لما عرفت . قال الصدوق في المقنع على ما حكى عنه في المختلف (53) _ : «فإن قبّلها فعليه بدنة ، وروي أنّ عليه دم شاة ». (54) وفي الفقيه : «فإن قبّلها فعليه دم شاة ». (55) وظاهر إطلاقه في الأوّل شمول الحكم لما إذا لم يكن مجامعا للشهوة، وفي الثاني لما إذا كان مع الإمناء . وعلى أيّ حال، فمذهب الأصحاب أنّه لا يفسد حجّه مطلقا . وفي المنتهى: وممّن قال بعدم الإفساد سعيد بن المسيّب وعطاء وابن سيرين والزهريّ وقتادة والثوريّ والشافعيّ وأصحاب الرأي ، وقال مالك : إن أنزل فسد حجّه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، ومروي عن سعيد بن جبير . (56) واحتجّوا بأنّه إنزال عن سبب محرّم، فأفسد الحجّ كالإنزال عن الجماع . والجواب: الفرق، [ ظاهر] (57) ، فإنّ الجماع أبلغ أنواع الاستمناء ، ولهذا أفسد الحجّ مع الإنزال وعدمه . (58) وإطلاق بعض الأصحاب يعطي جريان الحكم في تقبيل الأجنبيّة أيضا، ولا بعد فيه؛ لكونه أفحش ، ولإطلاق قوله عليه السلام : «إنّما يكره قبلة الشهوة»، (59) ولتعليل نفي البأس في تقبيل الاُمّ بأنّها قبلة رحمة ، وأمّا الاُمّ فيجوز تقبيلها إجماعا؛ لأنّه إنّما يكون من جهة الرحمة والتعطف دون الشهوة. ويدلّ عليه خبر الحسين بن حماد . (60) الرابعة : قال الشيخ في المبسوط : «فإن مسّها يعني امرأته بشهوة كان عليه دم يهريقه وإن لم ينزل، وإن مسّها بغير شهوة لم يكن عليه شيء وإن أمنى ». (61) وبمثله قال الشهيد في اللمعة (62) والدروس، (63) والعلّامة في المنتهى (64) والقواعد (65) والإرشاد ، (66) وفي حكم المسّ الحمل والضمّ على المشهور . ويدلّ على هذا التفصيل زائداً على ما رواه المصنّف قدس سره في الباب ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل محرم حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى، قال : «إن كان حملها ومسّها بشيء من الشهوة، فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ، فعليه دم يهريقه، وإن حملها أو مسّها بغير شهوه، أمنى أو أمذى، فليس عليه شيء» . (67) وفي طريقه عليّ بن أبي حمزة ، والظاهر أنّه الثمالي، فيكون الخبر صحيحا . وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى ، فقال : «إن كان حملها بشهوة، فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ، فعليه دم يهريقه، فإن حملها أو مسّها بغير شهوة، فأمنى أو لم يُمنِ، فليس عليه شيء» . (68) وعن الحلبيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المحرم يضع يده على امرأته ، قال : «لا بأس» ، قلت : فينزلها من المحمل ويضمّها إليه؟ قال : «لا بأس» ، قلت : فإنّه أراد أن ينزلها من المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوه؟ قال : «ليس عليه شيء، إلّا أن يكون طلب ذلك» . (69) واعتبر المفيد في وجوب الشاة مع الشهوة الإمناء أيضا ، ونفاه مع عدم الإمناء ولو كان المسّ بشهوة . (70) وفصّل ابن إدريس فيما إذا كان المسّ بشهوة، فأوجب مع الإنزال بدنة، وخصّ الشاة بما إذا لم يكن معه (71) إنزال . (72) الخامسة : قال ابن إدريس : «مَن تسمّع لكلام امرأة أو استمع على من يجامع من غير رؤية لهما فأمنى، لم يكن عليه شيء ». (73) وبه صرّح جماعة اُخرى، (74) ولم أجد مخالفا له . ويدلّ عليه حسنة وهيب بن حفص، (75) ومرسلة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، (76) وهو البزنطيّ. وقد روى الشيخ هذه عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسين، عنه، عن محمّد بن سماعة الصيرفيّ، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبداللّه عليه السلام . (77) وفي حكمهما استماع شمائل المرأة الجميلة حتّى يمني، على ما دلّ عليه خبر سماعة (78) عن أبي عبداللّه عليه السلام . (79) واعلم أنّ إطلاق الأخبار الواردة في هذه المسائل وفتاوى أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون المذكورات بقصد الإمناء أو اعتياده وعدمهما في عدم الإفساد ، ويظهر من شرح اللمعة (80) اشتراطه بعدمهما ، فتأمّل .

.


1- . النهاية، ص 231.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 324، ذيل الحديث 1112.
3- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 337.
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 153.
5- . المهذّب، ج 1، ص 222.
6- . الوسيلة، ص 166.
7- . هذا هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 324، ح 1114؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 131 132، ح 17408.
8- . وهو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 324، ح 1113. ورواه في الاستبصار، ج 2، ص 192 _ 193، ح 646 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 132 _ 133، ح 17409.
9- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 154.
10- . السرائر، ج 1، ص 552 .
11- . الاستبصار، ج 2، ص 193، ذيل الحديث 646 .
12- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 153.
13- . شرح اللعمة، ج 2، ص 358.
14- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 337.
15- . السرائر، ج 1، ص 552 .
16- . اُنظر: الجامع للشرائع، ص 194؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 62 63 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 382؛ وج 8 ، ص 54 ، المسألة 452؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 810 .
17- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 371، الدرس 98.
18- . اُنظر: منتهى المطلب، ج 2، ص 810 ، وليس فيه نسبته إلى علمائنا.
19- . المقنعة، ص 433.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 327، ح 1122؛ الاستبصار، ج 2، ص 192، ح 643 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 138، ح 17421.
21- . شرح اللعمة، ج 2، ص 357.
22- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 337.
23- . السرائر، ج 1، ص 552 .
24- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 371، الدرس 98.
25- . اللمعة الدمشقيّة، ص 69 .
26- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 470.
27- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 226.
28- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 322.
29- . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
30- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 325، ذيل الحديث 1114؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 133، ح 17411.
31- . المقنعة، ص 433.
32- . الفقيه، ج 2، ص 331، ذيل الحديث 2589.
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 325، ح 1116؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 133، ح 17410.
34- . منتهى المطلب، ج 2، ص 842 .
35- . منتهى المطلب، ج 2، ص 842 . واُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 52 ؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 413؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 329؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 323.
36- . هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
37- . المجموع للنووي، ج 7، ص 422.
38- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 338.
39- . النهاية، ص 232.
40- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 371، الدرس 98.
41- . اللمعة الدمشقيّة، ص 69 .
42- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 56 ؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 162 163؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 843 .
43- . هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
44- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
45- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 185، الرقم 490.
46- . بين البطائني الواقفيّ الضعيف، وبين الثماليّ الثقة. اُنظر: خلاصة الأقوال للعلّامة الحلّي، ص 181، الرقم 29.
47- . السرائر، ج 1، ص 552 .
48- . الكافي في الفقه، ص 203. وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 163.
49- . المقنعة، ص 434.
50- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 162.
51- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 70).
52- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 327، ح 1123؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 139، ح 17425.
53- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 163.
54- . المقنع، ص 243، وليس فيه: «وروي فيه أنّ عليه دم شاة». نعم ذكره في المطبوعة بين الحاصرتين نقلاً عن مختلف الشيعة.
55- . الفقيه، ج 2، ص 332، ذيل الحديث 2589.
56- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 421؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 327؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 55 .
57- . في الأصل: «والجواب بالفرق»، و ما اُثبت من المصدر.
58- . منتهى المطلب، ج 2، ص 834 .
59- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 328، ح 1127؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 139 140، ح 17426.
60- . نفس المصادر المتقدّمة.
61- . المبسوط، ج 1، ص 337. ونحوه في النهاية، ص 232.
62- . اللمعة الدمشقيّة، ص 69 ؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 357.
63- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 372، الدرس 98.
64- . منتهى المطلب، ج 2، ص 843 .
65- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 470.
66- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 323.
67- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 326، ح 1119؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 137، ح 17420.
68- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 326، ح 1120؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 138، ذيل الحديث 17420.
69- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 326، ح 1118؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 137، ح 17419.
70- . المقنعة، ص 433.
71- . في هامش الأصل: «أي مع المسّ بشهوة، منه».
72- . السرائر، ج 1، ص 552 .
73- . السرائر، ج 1، ص 553 .
74- . اُنظر: النهاية، ص 232؛ الجامع للشرائع، ص 194؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 470.
75- . هي الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 142، ح 17432.
76- . هي الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 141، ح 17431.
77- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 328، ح 1126؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 142، ح 17433.
78- . في الأصل: «محمّد بن سماعة» والتصويب حسب المصدر.
79- . الحديث 12 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 141، ح 17430.
80- . شرح اللمعة، ج 2، ص 358.

ص: 136

. .

ص: 137

. .

ص: 138

. .

ص: 139

. .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

باب المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه

باب المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكههنا مقامان : الأوّل : المجامعة قبل الموقفين، وقد سبق . والثاني : الجماع بعدهما قبل إكمال المناسك ، وهذا هو المراد في الباب ، فقد قال الشيخ في المبسوط : وإذا جامع بعد قضاء المناسك قبل طواف النساء كان عليه بدنة، فإن كان قد طاف من طواف النساء شيئا، فإن كان أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل ولم تلزمه الكفّارة، وإن طاف أقلّ من النصف لزمته الكفّارة وإعادة الطواف . (1) وأراد بالأكثر الأربعة وما زاد، كما صرّح به الأكثر، وهو المشهور . ويدلّ عليه خبر سلمة بن محرز، (2) وقد رواه الشيخ بسندٍ آخر أيضا في أواخر باب الزيادات من كتاب الحجّ، عن أبي أيّوب، قال : حدّثني سلمة بن محرز أنّه كان تمتّع حتّى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثمّ رجع إلى منى ولم يطف طواف النساء، فوقع على أهله فذكر لأصحابه، فقالوا : فلان قد فعل مثل ذلك فسأل أبا عبداللّه عليه السلام فأمره أن ينحر بدنة ، قال سلمة : فذهبت إلى أبي عبداللّه عليه السلام فسألته ، فقال : «ليس عليك شيء» ، فرجعت إلى أصحابي، فأخبرتهم بما قال ، فقالوا : اتّقاك وأعطاك من عين كدرة ، فرجعت إلى أبي عبداللّه عليه السلام فقلت : إنّي لقيت أصحابي فقالوا: اتّقاك، فقد فعل فلان مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة ، فقال : «صدقوا، ما اتّقيتك، ولكن فلان فعله متعمّداً وهو يعلم، وأنت فعلته وأنت لا تعلم، فهل كان بلغك ذلك؟» قال : قلت : لا واللّه ، ما بلغني فقال : «ليس عليك شيء» . (3) ويؤيّدها حسنة معاوية بن عمّار الأوّلة، (4) وما رواه الصدوق في الموثّق عن أبي بصير أنّه سأله يعني الصادق عليه السلام عن رجل واقع امرأته وهو محرم ، قال : «عليه جزور كومآء (5) ، فقال: لايقدر ، قال : «ينبغي لأصحابه أن يجمعوا له، ولا يفسدوا عليه حجّه» . (6) وهذه الأخبار وإن كانت مطلقة في وجوب الفدية لكنّها خصّت على المشهور بما إذا لم يتمّ أربعة أشواط؛ للجمع بينها وبين ما رواه الصدوق عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في رجل نسي طواف النساء ، قال : «إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف» . (7) واعتبر الشهيد في الدروس (8) خمسة أشواط؛ لخبر حمران بن أعين . (9) وفي اللمعة (10) عدّها أولى . وفيه: أنّ دلالة ذلك الخبر على مدّعاه إنّما هو بالمفهوم، وهو على تقدير حجّيّته إنّما يكون معتبراً إذا كان في كلام المعصوم من غير معارضته منطوق له، وكلاهما منتفيان هنا. على أنّه معارض بمفهوم الثلاثة في هذا الخبر بعينه . ويحتمل أن يكون الراوي أبدل الأربعة بالخمسة سهواً . وفصّل ابن إدريس فاعتبر في سقوط الكفّارة إكمال السبعة الأشواط، وإنّما اعتبر الأربعة فى¨ صحّة الطواف والبناء عليه، محتجّا بالاحتياط معلّلاً إيّاه بأنّ هذا قد جامع قبل طواف النساء، وانعقد الإجماع على أنّ من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفّارة. (11) وفيه: منع الصغرى إن أراد بطواف النساء ما يشمل الأربعة الأشواط، ومنع الكبرى إن خصّ بالسبعة . وفي المنتهى: «ولا تعويل على هذا الكلام مع ورود الحديث وعمل الأصحاب عليه ». (12) وخبر عبيد بن زرارة (13) يدلّ على كفاية الأربعة من طواف الزيارة، وهو شاذّ ضعيف بعبد العزيز العبدي، (14) فلا يقبل المعارضة لما ذكر . هذا كلّه في الحجّ ، وأمّا المعتمر فقد سبق أنّ الجماع قبل إكمال السعي مفسد لعمرته مطلقا، تمتّعا كانت العمرة أو مفردة، وبعد السعي قبل التقصير موجب للبدنة، وأمّا بعد التقصير ففي المتعة يحلّ له كلّ شيء حتّى النساء، فلا شيء عليه للجماع بعده قبل إحرام الحجّ ، وأمّا المفردة فالظاهر وجوب بدنة عليه للجماع قبل أربعة أشواط من طواف النساء، وعدمه بعدها؛ لتوقّف حلّ النساء له عليه . أبواب الصيد قد سبق تحقيق ما يحرم اصطياده في الإحرام و في الحرم.

.


1- . المبسوط، ج 1، ص 337.
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 486، ح 1733؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 124، ح 17394.
4- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
5- . الكوماء من الإبل: الضخمة السنام السمينة. مجمع البحرين، ج 6 ، ص 159 (كوم).
6- . الفقيه، ج 2، ص 331، ح 2589؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 113، ح 17371؛ وص 143، ح 17435.
7- . الفقيه، ج 2، ص 391، ح 2789؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 409، ح 18085 .
8- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 370، الدرس 98.
9- . هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
10- . اللمعة الدمشقيّة، ص 69.
11- . السرائر، ج 1، ص 552 .
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 840 .
13- . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 126، ح 17398.
14- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 244، الرقم 641 ؛ خلاصة الأقوال، ص 375.

ص: 144

. .

ص: 145

باب النهي عن الصيد وما يصنع به إذا أصابه المحرم والمحلّ

باب النهي عن الصيد وما يصنع به إذا أصابه المحرم والمحلّ في الحلّ والحَرمالظرف على ما سيظهر متعلّق بكلّ من المحرم والمحلّ ، وفي الباب مسائل : الاُولى : لا خلاف بين الأصحاب في ضمان المحرم للصيد، ولا في ضمان المحلّ في الحرم بالدلالة والإشارة في الحلّ والحرم مطلقا، سواء كان المدلول محرما أو محلّاً إذا كانتا سببين لقتله، ولو لم تكونا كذلك بأن علم المدلول به قبلهما فقد قيل بالضمان أيضا، والأشهر عدمه ، وبه قال في المنتهى، (1) وهو الأظهر ؛ لأصالة البراءة وعدم دليل عليه؛ لظهور أخبار الضمان في انحصاره فيما إذا كانتا سببين له، ولأنّهما مع علم المدلول بالصيد لا تسمّيان دلالة وإشارة . ومستند الحكم صحيح الحلبيّ (2) وحسن منصور بن حازم ، (3) وحكي في المختلف (4) عن ابن البرّاج (5) أنّه أوجب الفدية بمجرّدهما من غير تقييد بالقتل، محتجّا بما رواه منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم لا يدلّ على صيد، فإن دلّ فعليه الفداء» . ولم أجد هذا الخبر إلّا مقيّداً بالقتل، كما رواه المصنّف (6) والشيخ في هذه المسألة من التهذيب، وفي باب النوادر منه . (7) وأمّا دلالة المحلّ للمحرم وإشارته له فمذهب الأصحاب أنّه لا يوجب فدية عليه وإن تحقّق قتل الصيد بهما؛ للأصل من غير معارض . نعم ، هو مسيء بالإعانة على المعصية، وكذا العكس . نعم ، لو كان الصيد المشار إليه في يده ضمن مع القتل؛ لكون تلك الإشارة في حكم قتله . وفي العزيز : ولو دلّ المحرم حلالاً على صيد فقتله نظر، إن كان الصيد في يد المحرم وجب عليه الجزاء؛ لأنّ حفظه واجب عليه، ومن يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ، كما لو دلّ المودع السارق على الوديعة ، وإن لم يكن في يده فلا جزاء على الدال ولا على القاتل ؛ أمّا القاتل فلأنّه حلال، وأمّا الدال فكما لو دلّ رجلاً على قتل إنسان لا كفّارة على الدال . وساعدنا مالك على ذلك، وقال أبو حنيفة : إن كانت الدلالة ظاهرة فلا جزاء عليه، وإن كانت خفيّة لولاها لما رأى الحلال الصيد يجب الجزاء، وسلّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ . وعن أحمد أنّ الجزاء يلزم الدال والقاتل بينهما . (8) وأجاب العلّامة في المنتهى عن احتجاج الشافعيّة: «بأنّه قياس في مقابلة النصّ، فلا يقبل، مع وقوع الفرق، فإنّ التحريم هنا لحرمة الحرم أو الإحرام لا للصيد، فكلّ من انتهكه وجبت عليه العقوبة، بخلاف الآدمي، فإنّ انتهاك حرمته متعلّق بقاتله لا غير ». (9) الثانية : أجمع الأصحاب على تساوي الخاطئ والجاهل مع العامد في وجوب الفدية للصيد وإن اختلفوا في كمّيتها، فالمشهور التساوي فيها أيضا وأنّ في العمد أيضا جزاء واحد ، وإنّما التفاوت في الإثم وعدمه . وتدلّ عليه صحيحتا معاوية بن عمّار (10) وابن أبي نصر، (11) وحسنة معاوية بن عمّار ، (12) ويستفاد ذلك من أفراد الجزاء في قوله سبحانه : «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» (13) . فإن قيل : يستفاد من الآية اختصاص الجزاء بالعامد، كما هو المقرّر في سائر كفّارات محرّمات الإحرام، ويؤيّده عموم : «رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» . (14) لأنّا نقول : المفهوم لو سلّمنا حجّيّته فإنّما نسلّم مع عدم المعارض الصريح وانتفاء محمل آخر له، وهنا قد عارضه الإجماع والنصوص . وفي كنز العرفان: إنّما قيّد القتل بالعمد في الآية؛ لأنّ سبب نزولها فيمن تعمّد ، فقد روي أنّه عَنَّ لهم في عمرة الحديبيّة حمار وحش، فحمل عليه أبو اليسر، (15) فطعنه برمحه فقتله، فقيل : إنّك قتلت الصيد وأنت محرم، فنزلت ، (16) أو لأنّ الأصل فعل التعمّد ، وألحق به الخطأ للتغليظ . ويدلّ عليه قوله : «لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّه ُ عَمَّا سَلَفَ» . قال الزّهري : نزل الكتاب بالعمد ووردت السنّة بالخطأ . (17) انتهى . (18) وأوجب السيّد رضى الله عنه في الانتصار (19) جزائين على المتعمّد وجزاءً واحداً على الناسي، ومثله المخطي محتجّا بإجماع الطائفة والاحتياط، وبأنّ العمد أغلظ من النسيان في الشريعة، فيجب أن يتضاعف جزاؤه . وردّه في المختلف بمنع الإجماع، وبأنّ الاحتياط معارض بأصالة البراءة. على أنّه لا ينهض دليلاً شرعيّا على إيجاب حكم، وبأنّ الغلظة في العقوبة لا يستلزم زيادة الفدية كما في قتل العمد والخطأ. (20) وبه قال في المسائل الناصرية أيضا، إلّا أنّه قيّده بقصد رفض إحرامه حيث قال : «عندنا أنّ من قتل صيداً متعمّداً قاصداً فنقض إحرامه كان عليه جزاءان، وإن، قتله خطأً وجهلاً فعليه جزاء واحد ». (21) وقال الشهيد في الدروس بعدما نقل عنه هذين القولين _ : «ونقل عنه وجوب جزائين على المحرم في الحلّ إذا تعمّد ، وضعفهما لو كان محرما في الحرم». (22) والناقل هو ابن إدريس، ففي السرائر أيضا: وذهب السيّد المرتضى إلى أنّ مَن صاد متعمّداً وهو محرم في الحلّ كان عليه جزاءان، فإن كان ذلك منه في الحرم وهو محرم عامداً إليه تضاعف ما كان عليه في الحلّ . (23) ويظهر ذلك ممّا نقلنا عن انتصاره بضميمة قوله فيه : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ المحرم إذا صاد في الحرم تضاعفت عليه الفدية. والوجه في ذلك بعد إجماع الطائفة المحقّة أنّه قد جمع بين وجهين يقتضي كلّ واحدٍ منهما الفداء، وهو الصيد مع الإحرام، ثمّ إيقاعه في الحرم ، ألا ترى أنّ المحرم إذا صاد في غير الحرم تلزمه الفدية، والحلال إذا صاد في الحرم لزمته الفدية، فاجتماع الأمرين يوجب اجتماع الجزائين . (24) ووافق المشهور بيننا أكثر العامّة منهم فقهاؤهم الأربع على ما يظهر من كتابي السيّد رضى الله عنه، ولهم فيها قولان نادران فارقان بين العامد وغيره ، أحدهما: أنّه لا فدية على المخطئ والناسي كسائر محرّمات الإحرام . حكاه في المنتهى (25) عن ابن عبّاس وسعيد بن جبير وجماعة اُخرى، محتجّين بمفهوم الآية وعموم الخبرين المذكورين . وجوابه معلوم ممّا سابق . وثانيهما وهو أغرب وأعجب _ : اختصاصها بغير العامد من المخطئ والناسي، وهو محكي عن مجاهد ، وإحدى الروايتين عن الحسن البصريّ، وعن ابن جبير أيضا، وكأنّه قول آخر له . (26) الثالثة : أجمع الأصحاب على تعدّد الجزاء على حسب تعدّد الصيد إذا صيدت برمية واحدة . ويدلّ عليه صحيحة مسمع ، (27) ولا فرق في ذلك بين صيدها خطأً وعمداً، وليس العامد لصيدها جميعا في حكم إعادة الصيد؛ لاتّحاد الفعل . الرابعة : المشهور استحباب دفن الصيد، وهو الظاهر من حسنة معاوية بن عمّار ، (28) وحمل عليه ما سنرويه من خبر خلّاد ومرسلة أحمد ، وعلّله في المنتهى (29) بأنّ فيه احتراما للصيد، وحفظا له عن أن تظهر جيفته وتأكله الهوام . ثمّ المشهور استحباب فدية اُخرى له لو لم يدفنه ، وظاهر الدروس الميل إلى وجوبهما حيث قال : «ويدفن المحرم الصيد إذا قتله، فإن كان أكله أو طرحه فعليه فداء آخر على الرواية». (30) وهو ظاهر ما أشرنا إليه من الخبرين . الخامسة : المشهور بين الأصحاب أنّ الصيد المذبوح ميتة مطلقا، حرميّا كان أو إحراميّا ، ذهب إليه الشيخ (31) وابن إدريس، (32) وتبعهما على ذلك عامّة المتأخّرين، (33) وهو المشهور بين العامّة أيضا ، ذهب إليه أبو حنيفة والشافعيّ في قوله الجديد ومالك وأحمد . (34) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال : «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام» . (35) وعن إسحاق، عن جعفر عليه السلام : «أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة، لا يأكله محلّ ولا محرم ، فإذا ذبح المحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة، لا يأكله محلّ ولا محرم» . (36) ويؤيّدهما ما رواه عن خلّاد السرّي، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم؟ قال : «عليه الفداء» ، قلت : فيأكله؟ قال : «لا» ، قلت : فيطرحه؟ قال : «إذا طرحه فعليه فداء آخر» ، قلت : فما يصنع به؟ قال : «يدفنه» . (37) وعن [ أبي] أحمد، (38) عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه، فيطعمه أو يطرحه؟ قال : «إذاً يكون عليه فداء آخر» ، قلت : فما يصنع به؟ قال : «يدفنه» . (39) وفصّل جماعة وجوّزوا أكل المحلّ ما ذبحه المحرم في الحلّ ولو في الحرم ، وبه قال الصدوق ، ففي الفقيه : وإن أصاب المحرم صيداً خارجا من الحرم فذبحه، ثمّ أدخله الحرم مذبوحا وأهدى إلى رجل محلّ، فلا بأس بأكله، وإنّما الفداء على الذي أصابه . (40) ونقل ذلك عن مقنعه (41) أيضا، وهو محكي عن ابن الجنيد، (42) وهو ظاهر المصنّف حيث اكتفى في الباب بذكر ما يدلّ عليه من حسنتي الحلبيّ (43) ومعاوية بن عمّار، (44) وصحيحة منصور بن حازم . (45) ويدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ بسند آخر صحيح عن منصور بن حازم، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل أصاب صيداً وهو محرم، آكل منه وأنا حلال؟ قال : «أنا كنت فاعلاً» ، قلت له : فرجل أصاب مالاً حراما؟ فقال : «ليس هذا مثل هذا يرحمك اللّه ، إنّ ذلك عليه» . (46) وفي الصحيح عن حريز، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم أصاب صيداً، أيأكل منه المحلّ؟ فقال : «ليس على المحلّ شيء، إنّما الفداء على المحرم» . (47) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أصاب صيداً وهو محرم، أيأكل منه الحلال؟ فقال : «لا بأس إنّما الفداء على المحرم» . (48) وقال شيخنا المفيد في المقنعة : «ولا بأس أن يأكل المحلّ ممّا صاده المحرم ، وعلى المحرم فداؤه ». (49) وهو وإن كان مطلقا في جواز أكل ما صاده المحرم، لكنّ الظاهر أنّ مراده التقييد بما صاده في الحلّ، كتقييد أكثر الأخبار المذكورة بذلك؛ للإجماع على تحريم ما صيد في الحرم مطلقا، و به قال الشافعيّ في قوله القديم، (50) وهو أحد وجوه الجمع بين الأخبار للشيخ في التهذيب حيث قال : «ما نقلنا عن المفيد وهذا إنّما يجوز للمحلّ أكل ما يصطاد المحرم إذا كان صيده في الحلّ، ومتى كان صيده في الحرم فإنّه لا يجوز أكله على حال». (51) ووجهه الثاني: حمل الصيد في هذه الأخبار على الذي به رمق يحتاج إلى الذبح . والثالث: الفرق بين ذبحه وقتله بالرمي، فقال : ويجوز أيضا أن يكون المراد إذا قتله برميه إيّاه ولم يكن ذبحه، وإذا كان الأمر على ذلك جاز أكله للمحلّ دون المحرم ، والأخبار الأوّلة تناولت من ذبح وهو محرم، وليس الذبح من قبيل الرمي في شيء . (52) وظهر ممّا ذكرنا إجماع الأصحاب على تحريم صيد الحرم مطلقا . وفي العزيز: «الفرق أنّ صيد الحرم منع منه الناس في جميع الأحوال، فكان آكد تحريما». (53) وربّما اطّرد بعضهم القولين فيه أيضا وعدّه فيه أظهر، وهو في غاية الضعف؛ لما ذكر . واعلم أنّ الصيد لو كان مملوكا للغير فعلى القول الأوّل يجب عليه مع الفدية قيمته لمالكه مطلقا؛ لأنّه قد صيّره ميتة لا قيمة له ، وعلى القول الثاني لو قتله المحرم في الحلّ تجب له مع الفدية ما بين قيمته حيّا ومذبوحا منه، كما إذا ذبحه المحلّ في الحلّ من غير إذن لمالكه .

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 803 .
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . هو الحديث الثاني من هذا الباب.
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 142.
5- . المهذّب، ج 1، ص 228.
6- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 351، ح 1218، وص 467، ح 1634، وعبارته هكذا: «المحرم لا يدلّ على الصيد، فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء». ورواه في الاستبصار، ج 2، ص 187 188، ح 629 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 416، ح 16652؛ وج 13، ص 43، ح 17195 .
8- . فتح العزيز، ج 7، ص 491 492 .
9- . منتهى المطلب، ج 2، ص 802 803 .
10- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 315، ح 1085؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 68 69 ، ح 17251.
11- . هي الحديث الرابع من هذا الباب؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 69 ، ح 17252.
12- . هي الحديث العاشر من هذا الباب؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 70، ح 17254.
13- . المائدة (5) : 95 .
14- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 373، ح 5430 ؛ وج 15، ص 369، ح 20769.
15- . أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري، شهد العقبة وبدرا وهو ابن عشرين سنة، وهو الّذي أسر العبّاس بن عبد المطلّب، مات بالمدينة سنة خمس و خمسين، ويقال: هو آخر مَن مات من أهل بدر. تهذيب الكمال، ج 25، ص 185 187، الرقم 4978.
16- . الكشّاف للزمخشري، ج 1، ص 644 ، ذيل الآية الشريفة؛ تفسير الثعلبي، ج 4، ص 108.
17- . الكشّاف، ج 1، ص 644 ؛ تفسير النسفي، ج 1، ص 302؛ تفسير أبي السعود، ج 3، ص 79.
18- . كنز العرفان، ج 1، ص 324.
19- . الانتصار، ص 248 249، المسألة 131.
20- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 122.
21- . الناصريّات، ص 312.
22- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 360، الدرس 95.
23- . السرائر، ج 1، ص 562 .
24- . الانتصار، ص 249، المسألة 132.
25- . منتهى المطلب، ج 2، ص 818 .
26- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 320 321؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 530 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 285.
27- . هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 71، ح 17256.
28- . هي الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ الاستبصار، ج 2، ص 215، ح 736؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 378، ح 1318؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 420، ح 16665.
29- . منتهى المطلب، ج 2، ص 805 .
30- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 364 365، الدرس 96 .
31- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 349.
32- . السرائر، ج 1، ص 569 .
33- . اُنظر: المختصر النافع، ص 106؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 220؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 317؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 132 133؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 803 ؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 306.
34- . فتح العزيز، ج 7، ص 494؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 304؛ المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 292 293.
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 377، ح 1315؛ الاستبصار، ج 2، ص 214، ح 733؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 432، ح 16696.
36- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 377، ح 1316؛ الاستبصار، ج 2، ص 214، ح 734؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 432، ح 16697.
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 378، ح 1319؛ الاستبصار، ج 2، ص 215، ح 739؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 431، ح 16694؛ وج 13، ص 102، ح 17343.
38- . ما بين الحاصرتين من مصادر الحديث، وأبو أحمد هذا هو ابن أبي عمير.
39- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 378، ح 1320؛ الاستبصار، ج 2، ص 215 216، ح 740؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 432، ح 16695؛ وج 13، ص 103، ح 17334.
40- . الفقيه، ج 2، ص 372، ذيل الحديث 2732.
41- . المقنع، ص 253.
42- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 133.
43- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
44- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
45- . الحديث السابع من هذا الباب.
46- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 375، ح 1305؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 421، ح 16666.
47- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 375، ح 1306؛ الاستبصار، ج 2، ص 215، ح 737؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 421، ح 16667.
48- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 375، ح 1307؛ الاستبصار، ج 2، ص 215، ح 738؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 421، ح 16668.
49- . المقنعة، ص 438.
50- . فتح العزيز، ج 7، ص 494؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 304؛ روضة الطالبين، ص 428 429؛ زاد المسير، ج 2، ص 323.
51- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 375، ذيل الحديث 1307.
52- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 378، ذيل الحديث 1318.
53- . فتح العزيز، ج 7، ص 494.

ص: 146

. .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

. .

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

باب المحرم يضطرّ إلى الصيد والميتة

باب المحرم يضطرّ إلى الصيد والميتةقال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة : «من اضطرّ إلى صيد وميتة فليأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة ». (1) و ظاهره عدم جواز أكل الميتة مع القدرة على الصيد، ووجوب الفدية عليه في ذلك الوقت إن قدر عليها، وإلّا ففي وقت القدرة . ويدلّ عليه إطلاق أخبار الباب، وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم، قال : سألته عن محرم اضطرّ إلى أكل الصيد والميتة ، قال : «أيّهما أحبّ إليك أن تأكل من الصيد أو الميتة؟» قلت : الميتة؛ لأنّ الصيد محرّم على المحرم ، فقال : «أيّهما أحبّ إليك أن تأكل من مالك أو الميتة؟» قلت : آكلُ من مالي ، قال : «فكُلْ الصيد وافده» . (2) وهو ظاهر المصنّف، وبه قال السيّد في الانتصار (3) محتجّا بإجماع الطائفة، وبأنّ الصيد له فداء يسقط إثمه بخلاف الميتة ، وبالإجماع على حرمة الميتة، بخلاف الصيد فإنّه في الناس مَن يقول: إنّ الصيد ليس بميتة، وأنّه مذكّى وأكله مباح، يعني للمحلّ . وقال الشيخ في المبسوط : «إذا اضطرّ إلى أكل الميتة والصيد أكل الصيد وفداه ولا يأكل الميتة، فإن لم يتمكّن من الفداء جاز له أكل الميتة ». (4) وفي النهاية (5) مثله، وهو منقول عن ابن الجنيد ، (6) وظاهره القدرة في الوقت ، وصرّح بذلك ابن الجنيد على ما ستعرف، وهو محكي عن ابن البرّاج . (7) وإنّما قالوا بذلك؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه الشيخ من موثّق إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام: «أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : إذا اضطرّ المحرم إلى الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي أحلَّ اللّه له» . (8) وفي الصحيح عن عبد الغفّار الجازيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم إذا اضطرّ إلى ميتة فوجدها ووجد صيداً ، فقال : «يأكل الميتة ويترك الصيد»؛ (9) حملاً لهذين الخبرين على من لا يقدر على الفداء في الوقت ، والأخبار الأوّلة على من قدر عليه فيه . وربّما جمع بينها بحمل الأوّلة على الصيد المذبوح، والأخيرين على غير المذبوح منه . ويردّه ما سنرويه عن الصدوق. وبالوجهين جمع الشيخ بينها في كتابي الأخبار، وحمل في وجه ثالث خبر عليّ عليه السلام على ما إذا لم يجد الصيد، وقال : ليس في الخبر أنّه إذا اضطرّ إلى الصيد والميتة وهو قادر عليهما متمكّن من تناولهما، وإذا لم يكن في ظاهره حملناه على من لا يجد الصيد ولا يتمكّن من الوصول إليه ويتمكّن من الميتة . (10) وذهب الصدوق في الفقيه إلى التخيير مع رجحان الصيد، فقال : إذا اضطرّ المحرم إلى صيد وميتة فإنّه يأكل الصيد ويفدي، وإن أكل الميتة فلا بأس ، إلّا أنّ أبا الحسن الثاني عليه السلام قال : «يذبح الصيد ويأكله ويفدي أحبّ إليَّ من الميتة» . (11) واضطرب ابن إدريس هنا، فتارةً رجّح الصيد مع القدرة على الفداء ، واُخرى أكل الميتة مطلقا ، ففي السرائر : فإذا اضطرّ المحرم إلى أكل الميتة والصيد اختلف أصحابنا في ذلك واختلف الأخبار أيضا، فبعضٌ قال: يأكل الميتة، وبعض قال: يأكل الصيد ويفديه ، وكلّ منهما أطلق مقالته ، وبعض قال: لا يخلو الصيد إمّا أن يكون حيّا أو لا ، فإن كان حيّا فلا يجوز له ذبحه، بل يأكل الميتة؛ لأنّه إذا ذبحه صار ميتة بغير خلاف ، فأمّا إن كان مذبوحا فلا يخلو ذابحه إمّا أن يكون محرما أو محلّاً، فإن كان محرما فلا فرق بينه وبين الميتة، وإن كان ذابحه محلّاً، فإن ذبحه في الحرم فهو ميتة أيضا، وإن ذبحه في الحلّ، فإن كان المحرم المضطرّ قادراً على الفداء أكل الصيد ولم يأكل الميتة، وإن كان غير قادر على فدائه أكل الميتة، وهو الذي يقوى في نفسي؛ لأنّ الأدلّة تعضده وأصول المذهب يؤيّده، وهو الذي اختاره شيخنا أبو جعفر في استبصاره (12) وذكر في نهايته أنّه يأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة، فإن لم يتمكّن من الفداء جاز له أن يأكل الميتة . (13) قال محمّد بن إدريس : والأقوى عندي أنّه يأكل الميتة على كلّ حال ؛ لأنّه مضطرّ إليها ولا عليه في أكلّها كفّارة ، ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كلّ حال؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة من الكفّارة . (14) انتهى . ولا تظنّنّ احتجاجه على قوله الثاني مصادرة؛ لأنّه رحمه الله عنى به أنّ الآيات الواردة في تحريم الصيد على المحرم وقد سبقت عامّة لجميع الأحوال؛ لعدم استثناء المضطرّ فيها بخلاف آيات تحريم الميتة، فإنّه قد استثنى فيها المضطرّ، وهي قوله سبحانه : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه ِ بِهِ » ] إلى أن قال: [ «فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِاءِثْمٍ فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (15) ، وقوله عزّ وجلّ : «قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَما مَسْفُوحا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه ِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (16) ، وقوله عزّ وجلّ مشيراً إلى ما ذكر : «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلَا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» (17) . وإنّما قال بذلك مع وجود الأخبار في استثناء المضطرّ بناءً على أصله . وفي الانتصار : وربّما رجّحوا الميتة على الصيد بأنّ الحظر في الصيد ثبت من وجوه ، منها : تناوله، ومنها : قتله ، ومنها : أكله ، وليس في الميتة إلّا حظر واحد وهو الأكل ، وهذا ليس بشيء، لأنّا لو فرضنا أنّ رجلاً غصب شاة، ثمّ وقذها وضربها حتّى ماتت، ثمّ أكلها، لكان الحظر هاهنا أيضا من وجوه ، وأنتم مع ذلك لا تفرّقون بين أكل هذه الميتة وبين غيرها عند الضرورة، وتعدلون إليها عن أكل الصيد . (18) ثمّ الظاهر أنّ المراد بالميتة الميتة ممّا يؤكل لحمه، وأنّ الصيد منه بل مطلقا مقدّم على الميتة من غيره بلا شبهة ، وصرّح بذلك ابن الجنيد، فقد قال على ما حكي عنه : وإذا اضطرّ المحرم المطيق للفداء إلى الميتة والصيد أكل الصيد وفداه، وإن كان في الوقت من لا يطيق الجزاء أكل الميتة التي كان مباحا أكلها بالذكاة، فإن لم يكن كذلك أكل الصيد . (19)

.


1- . المقنعة، ص 438.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 368، ح 1282؛ الاستبصار، ج 2، ص 209، ح 713؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 87 ، ح 17303.
3- . الانتصار، ص 251.
4- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 349.
5- . النهاية، ص 230.
6- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 135.
7- . المهذّب، ج 1، ص 230.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 368، ح 1284؛ الاستبصار، ج 2، ص 209، ح 715؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 87 ، ح 17305.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 369، ح 1286؛ الاستبصار، ج 2، ص 210، ح 717؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 87 _ 88 ، ح 17306.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 368، ذيل الحديث 1284؛ الاستبصار، ج 2، ص 209، ذيل الحديث 715.
11- . الفقيه، ج 2، ص 373، ح 2733.
12- . الاستبصار، ج 2، ص 209، باب من اضطرّ إلى أكل الميتة والصيد.
13- . النهاية، ص 230. ومثله فيالمبسوط، ج 1، ص 349.
14- . السرائر، ج 1، ص 568 .
15- . المائدة (5) : 3 .
16- . الأنعام (6) : 145 .
17- . الأنعام (6) : 118 119 .
18- . الانتصار، ص 251، المسألة 134.
19- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 135.

ص: 154

. .

ص: 155

. .

ص: 156

. .

ص: 157

باب المحرم يصيد الصيد من أين يفديه؟ وأين يذبحه؟

باب المحرم يصيد الصيد من أين يفديه؟ وأين يذبحه؟يعني من أين يشتري الفداء؟ وأين يذبحه ؟ ويريد بيان أنّه يشتري فداء الصيد من موضع الإصابة مع الإمكان ويذبحه بمكّة في إحرام العمرة أينما شاء من مكّة ، والأفضل وقوعه في الحزورة (1) وبمنى في إحرام الحجّ ، أمّا الأوّل فهو مستحبّ على ما يظهر من خبر زرارة، (2) وصرّح بذلك الشيخ في التهذيب حيث قال : قوله عليه السلام : «وإن شاء تركه إلى أن يقدر فيشتريه» رخصة لتأخير شراء الفداء إلى مكّة أو منى؛ لأنّ من وجب عليه كفّارة الصيد فإنّ الأفضل أن يفديه من حيث أصابه . واحتجّ عليه بقوله عليه السلام : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد» ، (3) وحملاً لقوله : «يفدي» على معنى يشتري الفداء كما أشرنا إليه . وفي الدروس: «وأوجب الحلبيّ (4) سياق الفداء من حيث قتل الصيد إلى محلّه، فإن تعذّر فمن حيث أمكن ». (5) وأمّا الثاني فهوالمشهور بين الأصحاب، منهم الشيخان، (6) والمنقول عن أبي الصلاح (7) وابن البرّاج (8) وسلّار. (9) ولم يفرّق أكثرهم في العمرة بين المفردة وعمرة التمتّع، ولا في الفدية بين جزاء الصيد وباقي محرّمات الإحرام . وفصّل ابن إدريس بين العمرتين، فأوجب ذبح ما وجب في عمرة التمتّع أيضا بمنى كما وجب في الحجّ ، ففي السرائر : من وجب عليه جزاء ] صيد] (10) أصابه وهو محرم، فإن كان حاجّا أو معتمراً عمرة متمتّعا بها إلى الحجّ نحر أو ذبح ما وجب عليه بمنى ، وإن كان معتمراً عمرة مبتولة نحر بمكّة أو ذبح قبالة الكعبة، فإن أراد أن ينحر أو يذبح بمنى نحر أيّ مكان شاء منها، وكذلك بمكّة ينحر حيث شاء ، غير أنّ الأفضل أن ينحر قبالة الكعبة في الموضع المعروف بالحزورة . (11) وعن عليّ بن بابويه أنّه فرّق في خصوص جزاء الصيد بين العمرتين، فخيّر في عمرة التمتّع بين ذبح الجزاء بمكّة أو منى، فقال : كلّ ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكّة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن شئت أخّرته إلى أيّام التشريق فتنحره بمنى إذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته ممّا يجب عليك فيه الجزاء في حجّ فلا تنحره إلّا بمنى . (12) وعن ابن البرّاج أنّه قال بذلك التخيير في خصوص جزاء غير الصيد في العمرة المفردة، وأنّه قال : كلّ من كان محرما بالحجّ وَ وجب عليه جزاء صيد أصابه وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى، وإن كان معتمراً فعل ذلك بمكّة، أيّ موضع شاء منها، والأفضل أن يكون فعله ذلك بالحزورة مقابل الكعبة، وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفّارة ليست كفّارة صيد فإنّه يجوز له ذبحها أو نحرها بمنى . (13) وإليه ذهب الشيخ في التهذيب حيث ذكر أوّلاً المذهب المشهور وأخباره، ثمّ عارضها بصحيحة منصور بن حازم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن كفّارة العمرة المفردة، أين تكون؟ فقال : «بمكّة، إلّا أن يشاء صاحبها أن يؤخّرها إلى منى ويجعلها بمكّة أحبّ إليّ وأفضل» . (14) وأجاب عنها بأنّ هذا الخبر رخصة لما يجب من الكفّارة في غير الصيد ، فأمّا ما يجب في كفّارة الصيد فإنّه لا ينحر إلّا بمكّة . واحتجّ عليه بمرسلة أحمد بن محمّد . (15) هذا ، ويدلّ على المشهور في خصوص جزاء الصيد صحيحة عبداللّه بن سنان (16) وخبر زرارة (17) ولم أجد لهم مستنداً في جزاء غير الصيد ، وكأنّهم حملوه على جزائه. وقوله تعالى في جزاء الصيد «هَدْيا بَالِغَ الْكَعْبَةِ» وقوله : «ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» (18) يقتضي جوازه بمكّة مطلقا، فلا يبعد حمل ما دلّ على ذبحه بمنى على الاستحباب ولو كان جزاء صيد وجب في الحجّ ، فتدبّر . واختلف العامّة أيضا في محلّه ، فعن الشافعيّ أنّه الحرم مطلقا وعدم جوازه في غيره ولو كان موضع السبب . وعن أحمد جوازه في موضع السبب (19) محتجّا بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر كعب بن عجرة بالفداء في الحديبيّة، (20) ولم يأمره بالبعث . واُجيب بأن أمره صلى الله عليه و آله بالفداء في الحديبيّة لا يستلزم ذبحه بها . (21) هذا كلّه في ما عدا ما يجب على المحصور والمصدود من الهدي، وقد سبق حكم ما يجب عليهما .

.


1- . الحزورة وزان قسورة _ : موضع كان به سوق مكّة بين الصفا والمروة قريب من موضع النخّاسين. مجمع البحرين، ج 1، ص 500 (حزر)؛ معجم البلدان، ج 2، ص 255.
2- . . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في التهذيب، ج 5 ، ص 373، ح 1300؛ والاستبصار، ج 2، ص 212، ح 723؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 95 96، ح 17327.
3- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «حيث أصابه». تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 373.
4- . الكافي في الفقه، ص 199 200.
5- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 362، الدرس 95.
6- . ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص 438؛ والشيخ الطوسي في المبسوط، ج 1، ص 345؛ والنهاية، ص 226.
7- . الكافي في الفقه، ص 200.
8- . المهذّب، ج 1، ص 230.
9- . المراسم العلويّة، ص 121.
10- . اُضيفت من المصدر.
11- . السرائر، ج 1، ص 564 .
12- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 179 180 . وتجد قريبا منها في فقه الرضا عليه السلام ، ص 221.
13- . المهذّب، ج 1، ص 230.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 374، ح 1303. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 212، ح 725؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 96، ح 17329.
15- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 96، ح 17328، وقد تقدّم الحديث.
16- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 373، ح 1299؛ والاستبصار، ج 2، ص 211، ح 722. وسائل الشيعة، ج 13، ص 95، ح 17326.
17- . هو الحديث الرابع من هذا الباب. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 372، ح 1300؛ الاستبصار، ج 2، ص 212، ح 723. وسائل الشيعة، ج 13، ص 95 _ 96، ح 17327.
18- . الحجّ (22): 33.
19- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3، ص 569 ؛ فتح العزيز، ج 8 ، ص 87 88 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 347.
20- . صحيح البخاري، ج 2، ص 208. وقد تقدّم الحديث.
21- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 253.

ص: 158

. .

ص: 159

. .

ص: 160

باب كفّارات ما أصاب المحرم من الوحش

باب كفّارات ما أصاب المحرم من الوحشفيه مسائل :الاُولى : أجمع الأصحاب على وجوب بدنة للنعامة، وبقرة لبقرة الوحش، وشاة للظبي ، والمشهور بينهم أنّ لحمار الوحش أيضا بقرة، وبه قال الشيخان (1) وابن إدريس (2) وأكثر المتأخّرين، (3) وهو محكي عن عليّ بن بابويه (4) وأبي الصلاح (5) وابن البرّاج (6) وابن حمزة (7) وابن أبي عقيل؛ (8) للماثلة ، وقد قال سبحانه : «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» ، (9) ولما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الصباح، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ في الصيد : «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» ، قال : «في الظبي شاة، وفي حمار وحش بقرة، وفي النعامة جزور ». (10) وفي الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه : «فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» قال : «في النعامة بدنة، وفي حمار وحش بقرة، وفي الظبي شاة، وفي البقرة بقرة» . (11) وسيأتي بعض آخر من الأخبار في ذلك . ويدلّ على حكم غير الحمار ما رواه المصنّف في الباب ، وقد ورد في بعض الأخبار بدنة للحمار، كخبر أبي بصير (12) وصحيحة يعقوب بن شعيب، (13) وما رواه الشيخ في الصحيح عن سلميان بن خالد، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة، وفي الحمار بدنة، وفيما سوى ذلك قيمته» . (14) وبه قال الصدوق رضى الله عنه ، (15) وهو ظاهر المصنّف قدس سره حيث اكتفى بذكر ما دلّ عليه . ولا يبعد القول بالتخيير فيه واستحباب البدنة، وهو محكي عن ابن الجنيد . (16) وقد أجمع الأصحاب على أنّ المثل هو مضمون ابتداء من غير اعتبار قيمة الصيد؛ لظهور النصوص في ذلك، وهو المشهور بين العامّة منهم الشافعيّ في قوله القديم وابن عبّاس ، وقال أبو حنيفة : الواجب أوّلاً القيمة، ثمّ الصرف في المثل، محتجّا بأنّ الصيد ليس مثليّا . (17) واُجيب بعدم لزوم المماثلة الحقيقيّة، بل اللّازم المماثلة من حيث الصورة ، فالبدنة تشبه النعامة، والبقرة الأهلية تشبه بقرة الوحش والحمار . (18) وأقول : ويردّه أيضا قوله : ثمّ يصرف في المثل، حيث اعترف بأنّ للصيد مثلاً، بل ما ذكره ردّ على اللّه عزّ وجلّ في الحقيقة . وردّه الجمهور أيضا بأنّ عليّا عليه السلام وابن عبّاس وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وجماعة من الصحابة حكموا في النعامة بالبدنة، وحكم عمر في حمار الوحش بالبقر، وحكم عليّ عليه السلام وعمر في الضبع بشاة . (19) ووقوع هذه الأحكام في أزمنة مختلفة وأوقات متباينة وأماكن متباعدة دليل على أنّها ما كانت على وجه القيمة؛ لبُعد اتّفاقها كذلك . وتظهر فائدة الخلاف في الأبدال ، فعلى مذهب الأصحاب يعتبر قيمة الفداء وقت إخراج البدل؛ إذ في ذلك الوقت ينتقل إلى القيمة لكون القيمة بدلاً عن الفداء لا عن الصيد ، وعلى مذهب أبي حنيفة وأضرابه يعتبر حينئذٍ قيمة الصيد وقت الإتلاف؛ إذ في ذلك الوقت تلزم القيمة لكونها بدلاً عن الصيد لا عن الفداء . هذا ، وقد أجمعوا على أنّ لهذه الأنعام الثلاثة أبدالاً، واختلفوا في موضعين : الأوّل: في خصالها، فقال الشيخ في المبسوط : إذا قتل نعامة كان عليه جزور، فإن لم يقدر قوّم الجزاء وفضّ ثمنه على الحنطة، وتصدّق على كلّ مسكين نصف صاع، فإن زاد على إطعام ستّين لم يلزمه أكثر منه، وإن كان أقلّ منه فقد أجزأه، فإن لم يقدر على إطعام ستّين مسكينا صام عن كلّ نصف صاع يوما، فإن لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر يوما ، فإن قتل بقرة وحش أو حمار وحش فعليه دم بقرة، فإن لم يقدر قوّمها وفضّ ثمنها على الطعام، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع، فإن زاد على إطعام ثلاثين مسكينا لم يلزمه أكثر منه، وإن نقص عنه لم يلزمه أكثر منه، فإن لم يقدر على ذلك صام عن كلّ نصف صاع يوما، فإن لم يقدر صام تسعة أيّام ، ومَن أصاب ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا كان عليه دم شاة، فإن لم يقدر على ذلك قوّم الجزاء وفضّ ثمنه على البرّ، وأطعم كلّ مسكين منه نصف صاع، فإن زاد ذلك على إطعام عشرة مساكين لم يلزمه أكثر منه، وإن نقص عنه لم يلزمه أكثر منه، فإن لم يقدر صام عن كلّ نصف صاع يوما، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيّام. (20) وهو المشهور بين الأصحاب ، واستفادوا ذلك من مجموع أخبار، منها : ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب . ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن قوله تعالى : «أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما» ؟ (21) قال : «عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكلّ طعام مسكين يوما» . (22) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم وزرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام في محرم قتل نعامة، قال : «عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكينا لم يزد على طعام ستّين مسكينا، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكينا لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة» . (23) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «مَن أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل، فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكينا، كلّ مسكين مدّاً، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما، مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام، ومن كان عليه شيء من الصيد فداؤه بقرة، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام ، ومَن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة أيّام» . (24) وسكت شيخنا المقداد في كنز العرفان (25) عن ذكر صيام ثمانية عشر يوما وتسعة أيّام وثلاثة أيّام بعد العجز عمّا سبق عليها في الثلاثة، وكأنّه أحالها على المشهور . وذكر بعض الأصحاب الاستغفار مع العجز عن تلك الخصال أجمع ، ولا ريب في ذلك. واختلف في البدلين الأوّلين عن البدنة ونظيريها فالمشهور كما عرفت عدم وجوب إكمال الستّين فيهما لو نقص قيمة البدنة عنها، ولا إكمال إطعام الثلاثين في بدل البقرة ولا أكمال إطعام العشرة في بدل الشاة على تقدير نقص قيمتها . وفصّل العلّامة في القواعد بينهما في بدل البدنة، فأوجب صيام الشهرين دون إطعام الستّين، حيث قال: في قتل النعامة بدنة، فإن عجز قوّم البدنة وفضّ ثمنها على البرّ، وأطعم لكلّ مسكين نصف صاع، ولا يجب الزيادة على الستّين و[ لا]الإتمام لو نقص، فإن عجز صام في كلّ نصف صاع يوما، فإن انكسر أكمل، ولا يصام عن الزائد لو كان، والأقرب الصوم عن الستّين وإن نقص البدل، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما . (26) ولم أجد له شاهداً ، مع أنّه مستلزم لزيادة البدل على المبدل منه، وهو بعيد ، وقد وافق المشهور في البدلين الأوّلين عن البقرة والشاة. وظاهر السيّد رضى الله عنهفي الانتصار على ما ستعرف وجوب الإكمال فيهما جميعا في بدل البدنة ، وحكي ذلك عنه في بديى البقرة والشاة أيضا ، وإليه ذهب المفيد في المقنعة. (27) وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة؛ (28) لظهورها في ذلك ، ونقل ذلك عن عليّ بن بابويه في بدل البقرة، (29) وعن ابن أبي عقيل (30) ومقنع الصدوق في بدل الشاة. (31) وثانيهما: في أنّ الأبدال هل هي على الترتيب أو على التخيير؟ فالمشهور على ماعرفت الأوّل ، بل ادّعي عليه الإجماع، وإليه ذهب السيّد في الانتصار، قال : وممّا ظنّ انفراد الإماميّة به القول بأنّ جزاء الكفّارة على الترتيب دون التخيير، وأنّهم يوجبون في النعامة مثلاً بدنة، فإن لم يجد أطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر صام شهرين متتابعين ، ورويت الموافقة للإماميّة عن ابن عبّاس وابن سيرين، وأنّهما قالا: ذلك على الترتيب، فلا يجوز أن يطعم مع القدرة على إخراج المثل، ولا أن يصوم مع القدرة على الإطعام ، وباقي الفقهاء يقولون: ذلك على التخيير . (32) ثمّ احتجّ على ما ذهب إليه بإجماع الطائفة ، واحتجّ في المشهور عليه بما ذكر من الأخبار، فإنّها صريحة في الترتيب . وذهب الشيخ في الخلاف إلى الثاني محتجّا بقوله تعالى : «ومَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما» ، (33) وقال : «أو للتخيير بلا خلاف بين أهل اللّسان، فمن ادّعى الترتيب فعليه الدلالة ». (34) ويدلّ عليه ما رواه حريز في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ شيء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار، يختار ما شاء ، وكلّ شيء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» ، فالأوّل بالخيار» . (35) وأجاب عنه في الانتصار بأنّا ندع الظاهر للدلالة، كما تركنا ظاهر إيجاب الواو للجمع وحملناها على التخيير في قوله تعالى : «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» (36) . (37) والأظهر القول بالتخيير؛ حملاً لما دلّ من الأخبار على الترتيب على الندب، كما لا يخفى . الثانية : المشهور بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا وجوب شاة للثعلب والأرنب ، (38) وذكر جماعة منهم الشيخ (39) وابن إدريس (40) مع العجز عنها وجوب الأبدال المذكورة لشاة فداء الظبي، وهو ظاهر المفيد حيث قال : «وفي الثعلب والأرنب مثل ما في الظبي »، (41) ولم أجد نصّا في خصوص المسألة، فكأنّهم تمسّكوا هنا بعموم قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة : «من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة أيّام» . (42) ويؤيّدها قوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة : «عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ، لكلّ طعام مسكين يوما» . (43) ولم يتعرّض بعض الأصحاب لبدل الشاة فيهما . وقيل : مع العجز عن الشاة فيهما يستغفر اللّه ولا شيء عليه غيره . (44) وفي الدروس (45) نسب مشاركتهما للظبي في الأبدال إلى الشيخين (46) والمرتضى، (47) وهو مشعر بعدم قوله بها . الثالثة : قال الشيخ في المبسوط والنهاية: «في فراخ النعامة مثل ما في النعامة »، (48) وحكاه في المنتهى (49) عن مالك . (50) ويدلّ عليه خبر أبان بن تغلب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها وأكلوها ، فقال : «عليهم مكان كلّ فرخ أصابوه وأكلوه بدنة يشتركون فيهنّ، فيشترون على عدد الفراخ وعدد الرجال» ، قلت : فإنّ فيهم مَن لا يقدر على شيء؟ قال : «يقوّم بحساب ما يصيبه من البدن ويصوم لكلّ بدنة ثمانية عشر يوما» . (51) ويؤيّده إطلاق النعامة فيما سبق من الأخبار؛ لصدق اسمها على فراخها أيضا . وكذا الحكم في صغار البقرة والحمار والظبي والثعلب والأرنب ، ولا يبعد القول في غير فراخ النعامة بصغار المماثل؛ لعدم نصّ عليها بخصوصها، لعموم قوله : «فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» . (52) وقد طرح الأكثر الخبر فحكموا بوجوب صغار المماثل مطلقا حتّى في فراخ النعامة، وبه قال المفيد في المقنعة، (53) والشيخ في الخلاف (54) محتجّا عليه بما ذكر، وبالإجماع . ورجّحه ابن إدريس (55) محتجّا عليه بظاهر التنزيل، وبأصالة براءة الذمّة ممّا زاد ، وحكاه في المختلف (56) عن السيّد رضى الله عنه (57) في صغار النعام . وعن ابن الجنيد (58) وأبي الصلاح (59) أنّهما اعتبرا المماثلة في الذكورة والاُنوثة أيضا . الرابعة : يدلّ الخبر الثاني لأبي بصير (60) على أنّ من كسر يد ظبي فمضى لوجهه كذلك،فعليه فداؤه، وإن رآه قد انصلح فعليه ربع قيمته . ومثله ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل رمى ظبيا وهو محرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه، فلم يدر ما صنع ، قال : «فعليه فداؤه» ، قلت : فإنّه رآه بعد ذلك مشى؟ قال : «عليه ربع ثمنه» . (61) ويؤيّدهما قوله عليه السلام : «إن كسر يده ولم يرع فعليه دم شاة» في خبر سماعة بن مهران عن أبي بصير ، (62) والأوّل هو المشهور، بل يظهر من المنتهى (63) وفاق الأصحاب عليه حيث لم يذكر فيه مخالفا منّا ، ونسب الخلاف فيه إلى بعض أهل الخلاف . ويدلّ عليه أيضا صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل رمى صيداً وهو محرم فكسر يده أو رجله، فمضى الصيد على وجهه، فلم يدرِ الرجل ما صنع الصيد؟ قال : «عليه الفداء كاملاً إذا لم يدرِ ما صنع الصيد» . (64) وأمّا الثاني (65) فقد ذهب إليه جماعة منهم الشيخ . ويدلّ عليه صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليهماالسلامقال : سألته عن رجل رمى صيداً فكسر يده أو رجله وتركه، فرعى الصيد، قال : «عليه ربع الفداء» . (66) وبه قال العلّامة في الإرشاد . (67) وذهب في القواعد (68) وفي المنتهى (69) إلى وجوب الأرش، بل لم ينقل فيه خلافا إلّا ما نقل عن داوود من القول بعدم وجوب شيء ، (70) وبه قال المحقّق. (71) واحتجّ عليه بعض الأصحاب (72) بوجود السبب للضمان، فكان عليه أرش الجناية ، وهو ضعيف في مقابل النصّ . واعلم أنّ الأصحاب فرضوا المسألة في مطلق الصيد من غير تخصيص لها بالظبي ، وفي مطلق الجراحة من غير تخصيص بكسر اليد والرجل . أمّا التعميم الأوّل فهو حسن؛ لإطلاق الصيد في صحيحة عليّ بن جعفر ، (73) وأمّا التعميم الثاني فهو غير وجيه على إطلاقه . نعم ، هو متوجّه في الشقّ الأوّل لو انجرّ إلى العرج؛ لما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن محرم رمى صيداً فأصاب يده وجرح ، (74) قال : «فإن كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شيء عليه، وإن كان الظبي ذهب على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه؛ لأنّه لا يدري لعلّه قد هلك» . (75) وأمّا مع عدم العرج فالظاهر ثبوت الأرش بمقتضى القواعد، والخبر يدلّ على عدم وجوب شيء فيه ، فتأمّل . وقال المفيد في المقنعة : ومن رمى شيئا من الصيد فجرحه ومضى لوجهه فلم يدرِ أَحيّ هو أم ميّت فعليه فداؤه، فإن رآه بعد ذلك حيّا وقد صلح وزال منه العيب وعاد إلى ما كان عليه تصدّق بشيء واستغفر اللّه عزّ وجلّ، وإن بقى معيبا فعليه مقدار ما بين قيمة فداؤه صحيحا وما بين ذلك العيب . (76) وقد ألحق جماعة منهم الشيخ في النهاية (77) والمبسوط، (78) والمحقّق في الشرائع (79) بالشقّ الأوّل ما لو لم يعلم أنّه أثر في الصيد أم لا ، وحكاه في النافع (80) قولاً مؤذنا بتمريضه، وأصالة البراءة يقتضي عدمه كما في صورة الشكّ في الأصابة . الخامسة : قال الشيخ في المبسوط : وإذا كسر المحرم قرني الغزال كان عليه نصف قيمته، فإن كسر إحداهما فعليه ربع القيمة، فإن فقأ عينيه فعليه القيمة، فإن فقأ إحداهما فعليه نصف القيمة، فإن كسر إحدى يديه فعليه نصف قيمته، فإن كسرهما جميعا فعليه قيمته، وكذلك حكم الرجلين . (81) وفي النهاية أيضا قال مثله، (82) وهو المشهور بين الأصحاب. واستندوا في ذلك بخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحلّ؟ قال : «عليه ربع قيمة الغزال »، قلت : فإن كسر قرنيه؟ قال : «عليه نصف قيمته يتصدّق به »، قلت : فإن هو فقأ عينيه؟ قال : «عليه قيمته »، قلت : فإن هو كسر إحدى يديه؟ قال : «عليه نصف قيمته »، قلت : فإن هو كسر إحدى رجليه؟ قال : «عليه نصف قيمته »، قلت : فإن هو قتله؟ قال : «عليه قيمته »، قلت : فإن هو فعل به وهو محرم في الحرم؟ (83) قال : «عليه دمٌ يهريقه، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم ». (84) وهو وإن كان ضعيفا؛ لاشتماله على أبي جميل (85) وغيره من الضعفاء، لكنّهم قالوا تجبر ضعفه الشهرة . وفي الدروس (86) جزم بالحكم في العينين، ونسبه في اليدين والرجلين إلى القول إشعاراً بتمريضه، والفرق تحكّم . نعم ، لا يبعد القول بوجوب الأرش بناءً على اقتضاء القاعدة؛ إطّراحا للرواية . بل عدّه الشهيد الثاني في شرح اللمعة أقوى، (87) ونسبه في المدارك (88) إلى الأكثر ، وقال المفيد في المقنعة : «والمحرم إذا فقأ عين الصيد أو كسر قرنه تصدّق بصدقة ». (89) ولم أجد مستنداً له . وظاهر خبر سماعة بن مهران عن أبي بصير (90) وجوب فداء كامل لكسر إحدى القرنين، وكذا لإحدى اليدين ، فتأمّل . السادسة : يدلّ خبر مسمع (91) على وجوب جدي في كلّ من القنفذ والضبّ واليربوع، وهو المشهور بين الأصحاب ، (92) وألحق الشيخان (93) بها ما أشبهها . وعن أبي الصلاح أنّه أوجب فيها حملاً فطيما قد رعى . (94) السابعة : قال الشهيد في الدروس : لو حكم عدلان بأنّ الصيد غير المنصوص مثلاً من النعم رجع إليهما إن أمكن هذا الغرض، قاله الشيخ في الخلاف ، (95) وروى في التهذيب عن الصادق عليه السلام فيما سوى النّعامة والبقرة و الحمار والظبي قيمته . (96) وروى أيضا أنّ ذوي العدل النبيّ والإمام، (97) فيمتنع حكم غيرهما ، فعلى الأوّل لو عارضهما مثلهما إمّا في مثل آخر أو شهدا بأنّه لا مثل له، ففي الترجيح وتعيّنه نظر . (98) الثامنة : قال المفيد في المقنعة : وإذا كسر المحرم بيض النعام فعليه أن يرسل من فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر، فما نتج كان هديا لبيت اللّه عزّ وجلّ، فإن لم يجد فعليه لكلّ بيضة شاة، فإن لم يجد أطعم عن كلّ بيضة عشرة مساكين، فإن لم يجد صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام . (99) ومثله عبارة السيّد في الانتصار، (100) وظاهرهما عدم الفرق في ذلك بين ما تحرّك فيه الفرخ وما لم يتحرّك . واحتجّ عليه في الانتصار بإجماع الطائفة وبحصول البراءة يقينا احتياطا. (101) ويدلّ عليه خبر عليّ بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام ، (102) وهو قويّ بعمل الأصحاب. وعلى خصوص الإرسال ما يأتي في الباب الآتي، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدّة البيض من الإبل، فإنّه ربما فسد كلّه، وربما خُلِق كلّه، وربما صلح بعضه وفسد بعضه، فما نتجت فهديا بالغ الكعبة ». (103) وقال الشيخ : وروي أنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال له : يا أمير المؤمنين، إنّي خرجت محرما فوطئت ناقتي بيض نعام فكسرته، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال له : «امض فاسأل ابني الحسن عنها»، وكان بحيث يستمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل فسأله، فقال له الحسن عليه السلام : «يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت اللّه عزّ وجلّ »، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «يا بُني، كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإبل ربّما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟» فقال : «يا أمير المؤمنين، والبيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق»، فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام وقال له : «صدقت يا بنيّ»، ثمّ تلا هذه الآية : «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (104) . (105) وعن أبي الصباح الكنانيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها ، قال : «فقضى فيها أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث، فما لقح وسلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة ». وقال أبو عبداللّه عليه السلام : «ما وطأته أو وطئتهُ بعيرك أو دابّتك وأنت محرم فعليك فداؤه ». (106) وعن عبد الملك، عن سليمان بن خالد، قال : سألته عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه؟ قال : «يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل، ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم ». (107) وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألناه عن المحرم وطئ بيض القطا فشدخه، قال : «يرسل الفحل في مثل عدّة البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدّة البيض من الإبل ». (108) والمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ (109) والمحقّق (110) والعلّامة (111) وابن إدريس (112) تخصيص هذه الأخبار بما إذا لم يتحرّك الفرخ فيه، وأوجبوا فيما تحرّك فيه الفرخ بكارة من الإبل، محتجّين عليه بصحيح عبد الرحمن، عن سليمان بن خالد (113) الذي يأتي في الباب الآتي، حاملين للبيض فيه على ما تحرّك فيه الفرخ، مستشهدين له بصحيح عليّ بن جعفر، قال : سألت أخى¨ عليه السلام عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرّك، فقال : «عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر» (114) على إرادة البكارة من البعير؛ للجمع . ثمّ المتبادر من الأخبار ومن أكثر الفتاوى أنّ ذلك في البيض إذا كان فيها الفرخ، فما لا فرخ فيه ليس كذلك، بل فيه فداء آخر، وهو ظاهر ابن إدريس حيث قال بعدما ذكر حكم الإرسال: «وإذا اشترى محلّ لمحرم بيض نعام فأكله المحرم كان على المحلّ لكلّ بيضة درهم، وعلى المحرم عن كلّ بيضة شاة، ولا يجب [ عليه] الإرسال هاهنا ». (115) انتهى . ويدلّ عليه خبر أبي عبيدة ، (116) وذهب الشهيد في الدروس إلى عموم الحكم لذلك أيضا؛ حملاً للخبرين على المكسور أو المسلوق من البيض ، فقال : لو اشترى محلّ بيض نعام لمحرم فأكله فعلى المحرم عن البيضة شاة، وعلى المحلّ درهم ، هذا إذا اشتراه مكسوراً أو كسره المحلّ أو كان مسلوقا؛ إذ لو لم يكن كذلك وكسره المحرم فعليه الإرسال كما سلف، ولا تسقط الشاة لوجوبها بالأكل . (117) والمعتبر في الإرسال كون الإناث بعدد البيض، ولا يشترط ذلك في الفحول، فيكفي إرسال فحل واحد في إناث متعدّدة بعدد البيض. صرّح به جماعة منهم ابن إدريس . (118) ولا تحتسب بنيّة الناتج على ما ذكره صاحب المدارك، (119) بل يجوز صرفه من حين النتاج ، ولقد أغرب المفيد في هذا المقام حيث خالف صريحا ما نقلناه عنه في موضع آخر من المقنعة بما لا أصل له ولا مستند، فقال في باب الكفّارات من المقنعة : ومن وطأ بيض نعام وهو محرم فكسره كان عليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر من البيض، فما نتج منها كان المنتوج هديا لبيت اللّه عزّ وجلّ، فإن لم يقدر على ذلك كفّر عن كلّ بيضة بإطعام ستّين مسكينا، فإن لم يجد الإطعام صام عن كلّ بيضة شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين صام ثمانية عشر يوما عوضا عن إطعام كلّ عشرة مساكين بصيام ثلاثة أيّام . (120) وقد أسند إليه هذا المذهب ابن إدريس في السرائر (121) ولم ينقل عنه المذهب الأوّل . هذا ، وليس في الأخبار ولا في كلام الأكثر ذكر مصرف لهذا الهدي ، والظاهر أنّ مصرفه مصرف مطلق جزاء الصيد من مساكين الحرم . وخيّر الشهيد الثاني في الروضة (122) من صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاجّ كغيره من أموال الكعبة، وهو محلّ تأمّل . واختلف العامّة في جزاء مطلق البيض ؛ ففي العزيز: «بيض الطائر المأكول مضمون بقيمته، خلافا لمالك حيث قال : فيه عشر قيمة البائض، وللمزنيّ حيث قال: لا يضمن أصلاً». (123) واحتجّ على ما ذهب إليه بما رواه عن كعب بن عجرة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قضى في بيض نعام أصابه المحرم بقيمته ، (124) وربّما احتجّ عليه بما رواه أبو هريرة عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «في بيض النعامة ثمنها ». (125) وأجاب عنه السيّد رضى الله عنه في الانتصار (126) بأنّه خبر واحد، وبجواز حمل الثمن فيه على الجزاء مستنداً بأنّ الجزاء والبدل يجوز وصفهما بالثمن . وفي المنتهى: (127) وقال الشافعيّ : يجب عليه قيمة البيض ، وبه قال عمر بن الخطّاب والنخعيّ والزهريّ وأبو ثور وأصحاب الرأي . (128) وقال مالك : يجب في البيضة عشر قيمة الصيد . وقال داوود و أهل الظاهر: لا شيء في البيض . (129) التاسعة : يدلّ خبر يزيد بن عبد الملك (130) على وجوب شاة وقيمة اللبن لحلب الظبية وشرب لبنها على المحرم في الحرم، وذلك ينبئ عن وجوب الدم للإحرام والقيمة للحرم . ومقتضى الخبر ترتّب ذلك على الحلب والشرب معا ، وقد عنون الشيخ (131) وجماعة (132) المسألة بشرب اللبن فقط، وهو خارج عن موضع [ الكلام] (133) ، فالأولى وجوب القيمة فقط له ، بل ربّما قيل بوجوب القيمة مطلقا اطّراحا للخبر؛ لجهالة يزيد، (134) وضعف صالح بن عقبة، فإنّه قيل: «إنّه كان غاليا كذّابا لا يلتفت إلى قوله ». (135) وقد ألحق بعض الأصحاب الظبيّة البقرة ونحوها، وهو ضعف في ضعف ، والأظهر في لبن غيرها القيمة . وفي العزيز : ولو حلب لبن صيد فقد قال كثير من أئمّتنا من العراقيّين وغيرهم أنّه يضمن، وحكوا عن أبي حنيفة أنّه إن نقص الصيد به ضمنه، وإلّا فلا . واحتجّوا عليه بأنّه مأكول انفصل من الصيد فأشبه البيض . وذكر القاضي الروياني في التجربة أنّه لا ضمان في اللبن، بخلاف البيض فإنّه يعرض أن يخلق منه مثله . (136)

.


1- . قاله المفيد في المقنعة، ص 435؛ والطوسي في النهاية، ص 222؛ والخلاف، ج 2، ص 399؛ والمبسوط، ج 1، ص 340.
2- . السرائر، ج 1، ص 556.
3- . اُنظر: شرائع الإسلام، ج 1، ص 216؛ المختصر النافع، ص 102؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 191؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 318؛ تبصرة المتعلّمين، ص 92؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 40؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 95؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 821 .
4- . فقه الرضا عليه السلام ، 227.
5- . الكافي في الفقه، ص 205.
6- . المهذّب، ج 1، ص 223.
7- . الوسيلة، ص 167.
8- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 96 .
9- . المائدة (5): 95 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 341، ح 1180؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 6 ، ح 17098.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 341، ح 1181؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 5 ، ح 17096.
12- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
13- . هي الحديث الرابع من هذا الباب.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 341، ح 1182؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 5 6 ، ح 17097.
15- . المقنع، ص 246.
16- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 97.
17- . فتح العزيز، ج 7، ص 499 500 ؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 438؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 540 .
18- . تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 39 40؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 820 .
19- . تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 406، المسألة 322؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 423؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 82 83 ؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 198؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 535 و 536 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 350 351.
20- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 339 340.
21- . المائدة (5): 95 .
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 342، ح 1184؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 11، ح 17112.
23- . رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 364 365، ح 2723. والموجود في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 342، ح 1185 هذا المتن بسند آخر عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 8 ، ح 17104، و ص 11، ح 17111.
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 343، ح 1187؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 13، ح 17115.
25- . اُنظر: كنز العرفان، ج 1، ص 324.
26- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 457.
27- . المقنعة، ص 435.
28- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 13، ح 17115.
29- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 227.
30- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 93 .
31- . المقنع، ص 247.
32- . الانتصار، ص 251 252.
33- . المائدة (5): 95.
34- . الخلاف، ج 2، ص 402 403.
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 333، ح 1147؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 165 166، ح 17494.
36- . النساء (4) : 3 .
37- . الانتصار، ص 252.
38- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 98 99؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 329.
39- . النهاية، ص 222 _ 223؛ المبسوط، ج 1، ص 340.
40- . السرائر، ج 1، ص 557 .
41- . المقنعة، ص 435.
42- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 343، ح 1187؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 13، ح 17115.
43- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 342، ح 1184؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 11، ح 17112.
44- . حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، ج 2، ص 419 عن بعض الأصحاب.
45- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 355 356.
46- . ذهب إليه المفيد في المقنعة، ص 435؛ والطوسي في المبسوط، ج 1، ص 340؛ والنهاية، ج 1، ص 222 223.
47- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 71).
48- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 342؛ النهاية، ص 225.
49- . منتهى المطلب، ج 2، ص 821 .
50- . تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 405، المسألة 321؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 439؛ فتح العزيز، ج 7، ص 504 .
51- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 353، ح 1227؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 12، ح 17113.
52- . المائدة (5): 95.
53- . المقنعة، ص 436.
54- . الخلاف، ج 2، ص 399.
55- . السرائر، ج 1، ص 561 .
56- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 102.
57- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 71).
58- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 102.
59- . الكافي في الفقه، ص 206، والمذكور فيه: «وفي صغار الصيد مثله من صغار الأنعام»، والمحكي عنه في مختلف الشيعة، ج 4، ص 102 ذلك لا المماثله في الذكورة والانوثة.
60- . هو الحديث السادس من هذا الباب.
61- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 359، ح 1248؛ الاستبصار، ج 2، ص 205، ح 699 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 61 ، ح 17236، وص 64 ، ح 17242.
62- . الحديث 14 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 63 ، ح 17240.
63- . منتهى المطلب، ج 2، ص 807 .
64- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 359، ح 1246؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 61 ، ح 17235.
65- . يعني إذا راه قد انصلح.
66- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 359، ح 1247؛ الاستبصار، ج 2، ص 205، ح 698 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 63 ، ح 17241.
67- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 320.
68- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 463.
69- . منتهى المطلب، ج 2، ص 828 .
70- . تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 432، المسألة 353؛ الخلاف، ج 2، ص 401.
71- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 219.
72- . قاله العلّامة في منتهى المطلب، ج 2، ص 828 .
73- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 61 ، ح 17235، وص 63 ، ح 17241.
74- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «فعرج»، ويظهر من كلام الشارح بعد ذكر الحديث صحّة الثاني.
75- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 358، ح 1245؛ الاستبصار، ج 2، ص 205 206، ح 700؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 62 ، ح 17237.
76- . المقنعة، ص 437.
77- . النهاية، ص 228.
78- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 343.
79- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 219.
80- . المختصر النافع، ص 103.
81- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 342.
82- . النهاية، ص 227.
83- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «في الحلّ»، وهو الظاهر؛ لأنّه يبيّن حكم داخل الحرم في الفقرة التالية.
84- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 387، ح 1354؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 64 ، ح 17243.
85- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «أبو جميلة»، وهو المفضل بن صالح الأسدي، قالوا فيه: «ضعيف كذّاب، يضع الحديث». اُنظر: خلاصة الأقوال، ص 407؛ رجال ابن داود، ص 280، الرقم 511 .
86- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 358، الدرس 94.
87- . شرح اللمعة، ج 2، ص 350.
88- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 358 .
89- . المقنعة، ص 439.
90- . هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 63 ، ح 17240، وص 64 ، ح 17244.
91- . هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 344، ح 1192؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 19، ح 17128 .
92- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 101.
93- . قاله المفيد في المقنعة، ص 435؛ والطوسي في المبسوط، ج 1، ص 340؛ والنهاية، ص 223.
94- . الكافي في الفقه، ص 206.
95- . الخلاف، ج 2، ص 399، المسألة 261.
96- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 341، ح 1182؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 5 6 ، ح 17097 .
97- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 314، ح 867 ؛ وسائل الشيعة، ج 27، ص 70، ح 33228 .
98- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 367، الدرس 97.
99- . المقنعة، ص 436.
100- . الانتصار، ص 249.
101- . نفس المصدر، ص 250.
102- . هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 53 54 ، ح 17218 .
103- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 354، ح 1230؛ الاستبصار، ج 2، ص 202، ح 685 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 52 ، ح 17214 .
104- . آل عمران(3) : 34 .
105- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 354 355، ح 1231؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 53 ، ح 17217 .
106- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 355، ح 1232؛ الاستبصار، ج 2، ص 202، ح 686 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 52 ، ح 17215 .
107- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 356 357، ح 1239؛ الاستبصار، ج 2، ص 203 204، ح 692 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 58 ، ح 17229 .
108- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 356، ح 1237؛ الاستبصار، ج 2، ص 203، ح 689 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 57 ، ح 17226 .
109- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 344 345؛ النهاية، ص 227.
110- . المختصر النافع، ص 102؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 216 و 217.
111- . تحرير الأحكام، ج 1، ص 42؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 414، المسألة 332؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 116.
112- . السرائر، ج 1، ص 558 559 .
113- . الحديث الخامس من ذلك الباب.
114- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 355، ح 1234؛ الاستبصار، ج 2، ص 203، ح 688 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 54 55 ، ح 17220 .
115- . السرائر، ج 1، ص 562، ومابين الحاصرتين منه.
116- . الحديث 12 من هذا الباب من الكافي.
117- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 365 366، الدرس 97.
118- . السرائر، ج 1، ص 559 .
119- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 334.
120- . المقنعة، ص 572 .
121- . السرائر، ج 1، ص 565 .
122- . شرح اللمعة، ج 2، ص 337.
123- . فتح العزيز، ج 7، ص 486.
124- . أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 585 ؛ تلخيص التحبير، ج 7، ص 486.
125- . سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1031، ح 3086؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 220، ح 2539.
126- . الانتصار، ص 250.
127- . منتهى المطلب، ج 2، ص 283. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 412 413.
128- . اُنظر: الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 293؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 540 ؛ المحلّى، ج 7، ص 234.
129- . المصادر المتقدّمه؛ الانتصار، ص 250؛ الخلاف، ج 2، ص 416.
130- . الحديث 13 من هذا الباب من الكافي، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 371، ح 1292؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 90، ح 17312 .
131- . اُنظر: النهاية، ص 226، المسألة 355؛ المبسوط، ج 1، ص 342.
132- . اُنظر: المهذّب، ج 1، ص 230؛ السرائر، ج 1، ص 562 ؛ المختصر النافع، ص 104؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 219؛ الجامع للشرائع، ص 191؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 48؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 438؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 462؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 129.
133- . اُضيفت لاقتضاء الضرورة.
134- . اُنظر: القاموس الرجال، ج 11، ص 107 108، الرقم 8444 .
135- . رجال ابن داود، ص 250، الرقم 237؛ خلاصة الأقوال، ص 360.
136- . فتح العزيز، ج 7، ص 487.

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

. .

ص: 166

. .

ص: 167

. .

ص: 168

. .

ص: 169

. .

ص: 170

. .

ص: 171

. .

ص: 172

. .

ص: 173

. .

ص: 174

. .

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

باب كفّارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض

باب كفّارة ما أصاب المحرم من الطير والبيضأراد قدس سره بالطير ما يطير في الجوّ، وهو المتبادر منه، فيخرج النعامة ويدخل في الوحش، وهذا هو السرّ في أن ذكر قدس سرهالنعامة وبيضها في الباب السابق، وفيه مسألتان : الاُولى : المشهور بين الأصحاب وجوب شاة على المحرم للحمامة، وحمل لفرخها، (1) بل لم أجد مخالفا له . ويدلّ عليهما حسنة حريز (2) وخبر أبي الصباح (3) وأبي بصير ، (4) ويؤيّدها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في محرم ذبح طيراً : «إنّ عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن ». (5) وقد روي ذلك في الحمامة عن ابن عبّاس وجماعة من الصحابة ، (6) والحمل بالتحريك من أولاد الضأن ما له أربعة أشهر فصاعداً، على ما صرّح به بعض الأصحاب ، والأظهر التخيير بينه وبين الجدي، وهو من أولاد المعز ما بلغ سنة ؛ كذلك للصحيحة المذكورة . ويظهر من خبر حمّاد بن عثمان (7) وجوب القيمة للحرم، وقد سبق ذلك في مطلق الصيد الحرمي . وأمّا بيضها فقد قال العلّامة في القواعد: «في كسر كلّ بيضة بعد التحرّك حمل، وقبله درهم على المحرم في الحلّ، وربع درهم على المحلّ في الحرم، ويجتمعان على المحرم في الحرم ». (8) أمّا الأوّل فهو ممّا أجمع عليه الأصحاب ، (9) ولكن لم أجد خبراً صريحا فيه، وكأنّهم تمسّكوا بما دلّ على وجوب الكُلّ للفرخ من غير تقييد بكونه خارجا عن البيضة ، وقد صرّح الشهيد في الدروس (10) بأنّ حكم ما تحرّك فيه الفرخ كالفرخ . وأمّا الثاني فهو المشهور بين الأصحاب، (11) ولم أجد له أيضا مستنداً . واحتجّ عليه في المنتهى (12) بصحيحة حريز عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وإن وطئ المحرم بيضة فكسرها فعليه درهم كلّ فداء، يتصدّق به بمكّة ومنى، وهو قول اللّه تعالى : «أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ» (13) » ، (14) ومثله حسنة حريز . (15) وأنت خبير بعدم دلالتهما على المدّعي؛ لظهورهما في أنّ ذلك على المحرم في الحرم أيضا . ومثله الثالث في الشهرة وعدم نصّ صريح فيه . واحتجّ عليه في المنتهى (16) بقوله عليه السلام : «وفي البيض ربع درهم»؛ (17) حملاً له على ما إذا كسره المحلّ في الحرم، وهو محلّ تأمّل . ومقتضى القاعدة وجوب قيمة البيضة لتقرّر ذلك في صيد المحلّ في الحرم . وكذا الرابع فقد اشتهر من غير دليل. واحتجّ عليه في المنتهى (18) بوجوب تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب، وهو إنّما يتمّ إذا تمّ ما تقدّمه . وذهب الشيخ في التهذيب إلى وجوب قيمة البيضة على المحرم في الحرم محتجّا عليه برواية يزيد بن خليفة، قال : سئل أبو عبداللّه عليه السلام وأنا عنده، فقال له رجل : إنّ غلامي طرح مكتلاً في منزلي وفيه بيضتان من طير حمام الحرم ، فقال : «عليه قيمة البيضتين يعلف بها حمام الحرم ». (19) وبروايته الاُخرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : كان في بيتي مكتل فيه بيض من حمام الحرم، فذهب غلامي، فأكبّ المكتل وهو لا يعلم أنّ فيه بيضا فكسره، فخرجت فلقيت عبداللّه بن الحسن، فذكرت له ذلك، فقال : تصدّق بكفّين من دقيق ، قال : ثمّ لقيت أبا عبداللّه عليه السلام فأخبرته، فقال : «ثمن طيرين تطعم به حمام الحرم »، فلقيت عبداللّه بن الحسن بعد ذلك فأخبرته ، قال : صدق فخذ به، فإنّه أخذه عن آبائه عليهم السلام . (20) وقد حمل قدس سره هذا الخبر على أنّه كان قيمة البيضتين والطيرين سواء في ذلك الوقت، وهو أيضا محلّ تأمّل؛ لظهور الخبرين في أنّ ذلك على المحلّ ، ولو سلّم عدم ظهورهما فيه لأمكن حملهما عليه . وممّا ذكرنا ظهر أنّ الأظهر في المسألة وجوب حَمَل (21) لما تحرّك فيه الفرخ كالفرخ على المحرم في الحلّ، ووجوب قيمة البيضة على المحلّ في الحرم، ووجوبها على المحرم في الحرم (22) وإن كان أكثر ذلك مخالفا للمشهور ، وقد ورد في بعض الأخبار ما ينافي ذلك كلّه. رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرّك؟ فقال : «عليه أن يتصدّق عن كلّ فرخ قد تحرّك بشاة، ويتصدّق بلحومها إن كان محرما، وإن كان الفراخ لم يتحرّك تصدّق بقيمته ورقا يشتري به علفا تطرحه لحمام الحرم ». (23) وفي الصحيح عن الحلبيّ، قال : حرّك الغلام مكتلاً فكسر بيضتين في الحرم، فسألت أبا عبداللّه عليه السلام فقال : جديين أو حملين ». (24) والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو عن إشكال ، فتأمّل . الثانية : قال شيخنا المفيد قدس سره : «وفي القطاة وما أشبهها حَمَل قد فُطِم [ من اللبن ]ورعى من الشجر». (25) وظاهرهُ جريان الحكم في كلّ ما في جثّتها، وهو المستفاد من خبر سليمان بن خالد الأخير، (26) والدم فيه وإن كان متبادر منه الشاة لكنّه حُمل على الحَمَل؛ لخبر المفضّل بن صالح، (27) ولما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام في القطاة إذا أصابها المحرم حَمَل قد فُطِم من اللبن وأكل من الشجر »، (28) والأكثر اقتصر فيما يشبهها على ذكر الحجل والدرّاج، وسكتوا عمّا عداهما ممّا شابهها . وأمّا بيضها فقد أجمع الأصحاب على أنّه يجب في كسر كلّ بيضة من القطا والقبج (29) والدرّاج بكارة من الغنم إن تحرّك الفرخ فيها، وإلّا فمع القدرة يجب إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض، فما نتج كان هديا؛ للجمع بين صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن سليمان بن خالد، (30) وخبر سليمان بن خالد، (31) وما رويناه سابقا ممّا دلّ على وجوب الإرسال ، وما رواه الشيخ عن ابن رباط، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن بيض القطاة ، قال : «يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل ». (32) وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «في كتاب عليّ عليه السلام في بيض القطاة كفّارة مثل ما في بيض النعام ». (33) وأمّا مع العجز عن الإرسال فالمشهور أنّه يجب هنا أيضا ما مرّ في بيض النعام بعد العجز عن الإرسال من الشاة، ثمّ إطعام عشرة، ثمّ صيام ثلاثة أيّام. صرّح به جماعة ، منهم الشيخ المفيد، فإنّه وإن سكت عن حكم ما بعد العجز في موضع من المقنعة حيث قال : «فإن كسر بيض القطاة وشبهها أرسل فحولة الغنم على إناثها، فما نتج كان هديا لبيت اللّه » (34) واقتصر عليه، إلّا أنّه قال في باب الكفّارات منها: وإن وطأ بيض القبج أو الدرّاج أرسل فحولة الغنم على إناثها بعدد المكسور من البيض، فما نتج كان هديا لبيت اللّه عزّ وجلّ، فإن لم يجد ذلك ذبح عن كلّ بيضة شاة، فإن لم يجد أطعم عن كلّ بيضة عشرة مساكين، فإن لم يقدر على الطعام صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام . (35) و به صرّح العلّامة أيضا في الإرشاد، (36) وهو ظاهر جماعة منهم الشيخ في المبسوط، والشهيد والمحقّق في اللمعة (37) والشرائع (38) حيث حكموا في هذه البيوض بعد العجز عن الإرسال حكمها حكم بيض النعام . وقد قال في المبسوط : «فإن لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء ». (39) وفي السرائر: معنى قول الشيخ: «حكم بيض النعام» أنّ النعام إذا كسر بيضه فتعذّر الإرسال وجب في كلّ بيضة شاة ، والقطا إذا كسر بيضه وتعذّر إرسال الغنم وجب في كلّ بيضة شاة ، فهذا وجه المشابهة بينهما، فصار حكمه حكمه عند تعذّر الإرسال . (40) انتهى . وهو لا يخلو عن إشكال، لا لما قاله بعض المحقّقين (41) من أنّ الشاة حينئذٍ يجب أن يكون مجزية مع القدرة على الإرسال بطريق أولى؛ لأنّها أعلى قيمة وأكثر منفعة من النتاج لو حصل لمنع الأولويّة؛ إذ ربّما يكون تحصيل أسباب الإرسال وتعهّد الحمل والنتاج إلى محلّه أشقّ على المكلّف وأصعب عليه من إخراج الشاة بكثير ، بل لا نسبة بينهما بالنسبة إلى المترفّعين ، بل لبُعد تلك الموافقة فيهما بعد العجز مع غاية التباعد بينهما قبله، ولعدم نصّ عليها؛ إذ المتبادر من التشبيه فيما ذكر من الأخبار التشبيه في خصوص الإرسال . نعم ، خبر سليمان بن خالد الذي رويناه عن الشيخ ظاهر في المشابهة في الجميع، خرج منه كيفيّة الإرسال فبقي الباقي، لكنّ الحكم بمجرّد هذا الظهور بهذا الأمر الخارج عن الاُصول مشكل . وقال العلّامه في المنتهى : «والأقرب أنّ مقصود الشيخ من مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو الصيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإطعام ». (42) وإليه ذهب الشهيد في الدروس، واستبعد الأوّل حيث قال في بيض القطاة والقبج: في كسر البيض مع تحرّك الفرخ مخاض من الغنم ، أي ما من شأنها الحمل و إلّا أرسل فحولة الغنم في إناثها بالعدد، فإن عجز أطعم عشرة لعشرة، فإن عجز صام ثلاثة أيّام ، وقيل: مع العجز تجب الشاة، ثمّ الإطعام، ثمّ الصيام، وهو بعيد . ولا يخفى بُعد هذا أيضا، بل هو أبعد من الأوّل . وحكى عن ابن حمزة أنّه أوجب مع العجز عن الإرسال في بيض القطاة درهما، (43) وعن ابن الجنيد طرد ذلك في كلّ بيضة فداء اُمّها شاة، (44) ولم أجد لهما مستنداً، وكأنّهما ألحقاه ببيض الحمامة، وقد حكى ذلك الإلحاق عن القاضي، (45) و أبو الصلاح الحلبيّ . (46) واعلم أنّه ذهب الشهيد في الدروس (47) على ما نقلناه عنه إلى وجوب مخاض من الغنم، وهو ما من شأنها أن تكون حاملاً في هذه البيوض مع تحرّك الفرخ. وبه قال الشيخ أيضا في المبسوط حيث قال : «وإذا أصاب المحرم بيض القطا والقبج اعتبر حال البيض، فإن كان تحرّك فيها فرخ كان عليه عن كلّ بيضة مخاض من الغنم ». (48) وهو ظاهره في التهذيب حيث قال بعد ذكر خبر المخاض : «الوجه فيه أنّ المخاض إنّما يلزمه على التعيين إذا كان في البيض فرخ كما قلنا في بيض النعام أنّه تلزمه البدنة إذا كان فيه الفرخ ». (49) وإليه ذهب العلّامة أيضا في المنتهى . (50) واحتجّوا عليه بقوله عليه السلام : «ومَن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم» فيما رويناه في الباب السابق عن سليمان بن خالد . (51) واُورد عليه بضعف الخبر ومعارضته بما هو أكثر منه وأسلم ممّا يدلّ على وجوب كفّارة من الغنم ، أي الصغير منها، وباستلزام ذلك زيادة فدية البيضة عن فداء بائضها. وربما حمل المخاض في كلامهم وفي الخبر على بنت المخاض؛ لتطابق الفتاوى والأخبار، وهو قريب في عبارة المنتهى (52) حيث احتجّ على ذلك بما ذكر، وبخبر البكارة، (53) وبأنّه بيض تحرّك فيه الفرخ، فكان عليه صغير من ذلك النوع كما في بيض النعام ، وقد أفتى فيه مع تحرّك الفرخ لوجوب بكارة من الإبل. وربّما جمع بين الخبرين بالتخيير بين الأمرين ، فتدبّر . قوله في خبر أبي الصباح : (ففدغها) . [ ح 2 / 7431] الفدغ بالفاء والدال المهملة و العين المعجمة: الشدخ والشقّ اليسير . (54) قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : (بكارة من الغنم إلى قوله : بكارة من الإبل ) .] ح 5 / 7434] البكارة بالكسر: جمع بكر بالفتح، وهو الفصيل من الإبل والغنم . (55) وفي السرائر: قال ابن الأعرابي في نوادره : يُقال بكار بلا هاء ويثبت فيها للإناث، وبكارة بإثبات الهاء للذكران ، قال محمّد بن إدريس : فلا يظنّ ظانّ أنّ البكارة للاُنثى من الإبل، وإنّما البكارة جمع بكر. (56) و في شرح اللمعة: «وهي يعني البكرة الفتيّة منها، بنت المخاض فصاعداً مع صدق اسم الفتى ، والأقوى إجزاء البكر؛ لأنّ مورد النصّ البكارة، وهي جمع لبكَر وبكرة ». (57) فتأمّل . قوله : (محمّد بن جعفر عن محمّد بن عبد الحميد ) . [ ح 9 / 7438] محمّد بن جعفر هذا هو أبو العبّاس الرزّاز على ما يظهر من قول بعض أرباب الرجال، وهو مجهول الحال . (58)

.


1- . اُنظر: السرائر، ج 1، ص 560 ؛ تبصرة المتعلّمين، ص 92؛ المختصر النافع، ص 104؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 220؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 320؛ تبصرة المتعلّمين، ص 92؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 50 ؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 68 .
2- . هى الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . هى الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- . هى الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 346، ح 1201؛ الاستبصار، ج 2، ص 201، ح 682 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 23، ح 17140 .
6- . المجموع للنووي، ج 7، ص 440؛ المحلّى، ج 7، ص 229.
7- . هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 353، ح 1228؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 51 ، ح 17215 .
8- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 459.
9- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 117 118؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 419.
10- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 355، الدرس 93.
11- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 419، المسألة 338؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 825 ؛ مدارك الأحكام، ح 8 ، ص 367 و 397.
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 825 .
13- . المائدة (5): 94.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 346 347، ح 1202؛ الاستبصار، ج 2، ص 201، ح 683 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 23، ح 17141 .
15- . هى الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
16- . منتهى المطلب، ج 2، ص 825 .
17- . الحديث العاشر من باب صيد الحرم من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 345، ح 1196؛ الاستبصار، ج 2، ص 200، ح 677 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 26، ح 17150 .
18- . منتهى المطلب، ج 2، ص 825 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 357، ح 1241؛ الاستبصار، ج 2، ص 204، ح 694 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 60 61 ، ح 17234 .
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 357 358، ح 1242؛ الاستبصار، ج 2، ص 204، ح 695 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 60 ، ح 17233 .
21- . الحَمَل محرّكة : الخروف، أو الجذع من أولاد الضأن فمادونه. القاموس المحيط، ج 3، ص 361 (حمل).
22- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 117 118.
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 358، ح 1244؛ الاستبصار، ج 2، ص 205، ح 697 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 24، ح 17142، و ص 59 ، ح 17231 .
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 358، ح 1243؛ الاستبصار، ج 2، ص 204 205، ح 696 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 59 ، ح 17232 .
25- . المقنعة، ص 435، ومابين الحاصرتين منها.
26- . هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 355، ح 1233؛ الاستبصار، ج 2، ص 203، ح 691 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 55 56 ، ح 17223 .
27- . هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 19، ح 17127.
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 344، ح 1190؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 18، ح 17125 .
29- . القَبج: معرّب كبك بالفارسيّة، وهو طائر يشبه الحجل.
30- . هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
31- . هو الحديث الثالث من هذا الباب.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 356، ح 1238؛ الاستبصار، ج 2، ص 203، ح 690 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 58 ، ح 17228 .
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 357، ح 1240؛ الاستبصار، ج 2، ص 204، ح 693 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 55 ، ح 17221، و ص 58 ، ح 17227 .
34- . المقنعة، ص 436.
35- . المقنعة، ص 572 .
36- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 319.
37- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 355 356، الدرس 93.
38- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 217.
39- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 345.
40- . السرائر، ج 1، ص 565 .
41- . اُنظر: مسالك الأفهام، ج 2، ص 428.
42- . منتهى المطلب، ج 2، ص 824 . ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 415.
43- . الوسيلة، ص 169. وعنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 116.
44- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 115.
45- . المهذّب، ج 1، ص 224.
46- . هذا هو الظاهر، وكان في الأصل: «وهو أبو الصلاح الحلبي». اُنظر: الكافي في الفقه، ص 206.
47- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 355، الدرس 93.
48- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 344 345.
49- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 357، ذيل الحديث 1239.
50- . منتهى المطلب، ج 2، ص 824 .
51- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 55 ، ح 17222 .
52- . منتهى المطلب، ج 2، ص 824 .
53- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 55 56، ح 17223 .
54- . النهاية، ج 3، ص 420 (فدغ).
55- . اُنظر: النهاية، ج 4، ص 353 (ملج).
56- . السرائر، ج 1، ص 561 .
57- . شرح اللمعة، ج 2، ص 337.
58- . اُنظر: إيضاح الاشتباه، ص 267، وترجمته في معجم رجال الحديث.

ص: 178

. .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

. .

ص: 185

باب القوم يجتمعون على الصيد وهم محرمون

باب القوم يجتمعون على الصيد وهم محرمونقال شيخنا المفيد قدس سره : «لو اجتمع جماعة محرمون على صيد فقتلوه لوجب على كلّ واحدٍ منهم فداء »، (1) وبه صرّح الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط، (3) وابن إدريس (4) والشهيد (5) وغيرهم ، (6) وفي حكمه الاجتماع على أكله . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلامعن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم، ما عليهم؟ قال : «على كلّ من أكل منهم فداء صيد، كلّ إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً ». (7) وعن أبان بن تغلب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قوم محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها وأكلوها، فقال : «عليهم مكان كلّ فرخ أصابوه وأكلوه بدنة، يشتركون فيهنّ، فيشترون على عدد الفراخ وعدد الرجال »، (8) الخبر ، وقد سبق . ويؤيّدها بعض ما نرويه عن قريب . واحتجّ عليه في الخلاف (9) بالإجماع وبالاحتياط، وظاهر بعض الأخبار وأكثر الفتاوى تأثير فعل المحرمين جميعا في قتل الصيد، فعلى هذا لم يكن على المخطيّ شيء، وبه صرّح ابن إدريس، حيث قال : وإذا رمى اثنان صيداً فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر كان على كلّ واحدٍ منهما الفداء، على ما روي في بعض الأخبار ، والذي يقتضيه اُصول المذهب أنّ الذي لم يصب ولم يقتل لا كفّارة عليه ، إلّا أن يكون دلّ القاتل، ثمّ رمى معه فأخطأ، فتكون الكفّارة للدلالة لا لرميه ، فأمّا إذا لم يدلّ فلا كفّارة عليه بحال . (10) وذهب جماعة منهم الشيخ (11) والشهيد (12) إلى عدم اشتراط تأثير فعله، وأوجبوا على المخطئ أيضا فداء . واحتجّ عليه في التهذيب بصحيحة ضريس بن أعين، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجلين محرمين رميا صيداً، فأصابه أحدهما ، قال : «على كلّ واحدٍ منهما الفداء ». (13) وخبر إدريس بن عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلين محرمين يرميان صيداً، فأصابه أحدهما ، الجزاء بينهما أو على كلّ واحدٍ منهما؟ قال : «عليهما جميعا، يفدي كلّ واحدٍ منهما على حدته ». (14) وحكى في المنتهى عن الشافعيّ وجوب جزاء واحد على الكلّ محتجّا بقوله تعالى : «فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» ، (15) قائلاً: إنّ المقتول لمّا كان واحدا وجب أن يكون المثل أيضا واحدا . (16) وأجاب عنه : بأنّ كلّ واحد منهم قاتل فيجب عليه المثل . وحكى القولين عن أحمد، وقولاً ثالثا أيضا بالفصل بين الهدي وبدله، فقال : إن صاموا صاموا تامّا، وإن كان غير صوم فجزاء واحد، وإن كان أحدهما يهدي والآخر يصوم فعلى المهدي بحصّته، وعلى الآخر صوما تامّ ؛ محتجّا بأنّ الجزاء ليس بكفّارة وإنّما هو بدل ، بدليل أنّه تعالى عطف عليه الكفّاره، فقال تعالى : «فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» إلى قوله _: «أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما» ، (17) فالصوم كفّارة، فتكمل ككفّارة قتل الآدمي . (18) وأجاب عنه : بأنّه متى ثبت اتّحاد الجزاء في الهدي وجب اتّحاده في الصيام، وإن ثبت التعدّد في الهدي ثبت في الصيام؛ لقوله تعالى : «أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما» ، وبأنّ الإجماع واقع على أنّ المعدول القيمة ، أمّا قيمة المتلف وقيمة مثله والمثل عنده واحد ، فإيجاب الزائد في الصوم لا معنى له . (19) هذا ، واختلف الأصحاب في مقامين خارجين عن النصوص المذكورة ، أحدهما :اشتراك المحرم و المحلّ في صيد الحرم، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (20) وابن إدريس، (21) والعلّامة في المنتهى (22) انسحاب الحكم فيه أيضا؛ للاشتراك في العلّه؛ لصدق القاتل على كلّ منهما، فيجب على المحرم الجزاء و القيمة معا، وعلى المحلّ القيمة فقط على ما هو المقرّر ، وقد صرّحوا بذلك أيضا . وخالفه الشيخ في التهذيب حيث أوجب على المحلّ نصف الفداء وعلى المحرم فداءً كاملاً، محتجّا بما رواه إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلامقال : «كان عليّ عليه السلام يقول في محرم ومحلّ قتلا صيداً، فقال : على المحرم الفداء كاملاً، وعلى المحلّ نصف الفداء ». (23) وثانيهما : اشتراك المحلّين في صيد الحرم، فقد ذهب إلى انسحاب الحكم فيه أيضا جماعة منهم الشهيد في الدروس ، (24) وتردّد فيه المحقّق في الشرائع. (25) وفي المسالك: ينشأ التردّد من أنّ المقتول واحد، فيجب له فداء واحد على الجميع، وأصالة البراءة من الزائد، خرج منهما قتل الجماعة المحرمين، يبقيان معمولاً بهما فيما عداه، ومن اشتراك المحلّين والمحرمين في العلّة، وهي الإقدام على قتل الصيد، خصوصا إذا كان فعل كلّ واحد متلفا، وهذا هو الأقوى؛ إذ كما يحرم على المحلّ قتل الصيد في الحرم يحرم عليه أسبابه من الدلالة والإعانة وغيرهما . (26) انتهى . هذا كلّه في صورة المباشرة للقتل ، وأمّا إذا تسبّبوا له فقد صرّح الأكثر فيها بالفصل بين القاصد للصيد وغيره ، منهم الشيخ في المبسوط، قال : «إذا أوقد جماعة ناراً فوقع فيها طائر، فإن قصدوا ذلك لزم كلّ واحدٍ منهم فداء كامل ، وإن لم يقصدوا ذلك فعليهم كلّهم فداء واحد ». (27) ومثله في المقنعة (28) والسرائر (29) وما رأينا من كتب الأصحاب، ولم أرَ مخالفا له . ويدلّ عليه صحيحة أبي ولّاد . وفرّع عليه في الدروس بقوله : ولو قصد بعضهم تعدّد على من قصد، وعلى الباقين فداء واحد ولو كان غير القاصدين واحداً على إشكال ينشأ من مساواته القاصد. ويحتمل مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع قصد الجميع، فلو كان اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة وعلى الآخر نصفها لو كان الواقع كالحمامة. ولا إشكال في وجوب الشاة على الموقد الواحد قَصد أو لا . (30) وفي المدارك : وألحق جمع من الأصحاب بذلك المحلّ في الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة، وصرّحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم، وهو جيّد مع القصد بذلك إلى الاصطياد ، وأمّا بدونه فمشكل؛ لانتفاء النصّ . (31) قوله : (عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير ) .] ح 4 / 7443] روى الشيخ هذا الخبر في الموثّق عن عبداللّه بن مسكان عن أبي بصير، وزاد قوله : «فاشتركوا فيه»، بعد قوله : «اشتروا صيداً ». (32)

.


1- . المقنعة، ص 436.
2- . الخلاف، ج 2، ص 410، المسألة 285.
3- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 341. ومثله في النهاية، ص 225.
4- . السرائر، ج 1، ص 560 .
5- . اللمعة الدمشقيّة، ص 68.
6- . اُنظر: شرح اللمعة، ج 2، ص 349؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 222؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 265؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 829 ؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 378 .
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 351، ح 1221؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 44، ح 17197 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 353، ح 1227؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 12، ح 17113، و ص 45، ح 17119 .
9- . الخلاف، ج 2، ص 411.
10- . السرائر، ج 1، ص 560 561 .
11- . المبسوط، ج 1، ص 341؛ النهاية، ص 225.
12- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 360، الدرس 95.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 352، ح 1223؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 49، ح 17205 .
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 351 352، ح 1222؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 49، ح 17206 .
15- . المائدة (5): 95.
16- . فتح العزيز، ج 7، ص 508 ؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 439؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 202؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 546 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 357.
17- . المائدة (5): 95.
18- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 546 547 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 357.
19- . منتهى المطلب، ج 2، ص 829 .
20- . المبسوط، ج 1، ص 346.
21- . السرائر، ج 1، ص 566 .
22- . منتهى المطلب، ج 2، ص 800 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 352، ح 1224؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 49 50 ، ح 17207 .
24- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 492، الدرس 95.
25- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 222.
26- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 459.
27- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 342. ومثله في النهاية، ص 225.
28- . لم أعثر عليه في المقنعة.
29- . السرائر، ج 1، ص 561 .
30- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 360، الدرس 95.
31- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 371.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 351، ح 1220؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 45 46، ح 17200 .

ص: 186

. .

ص: 187

. .

ص: 188

. .

ص: 189

. .

ص: 190

باب فصل ما بين صيد البرّ والبحر وما يحلّ للمحرم من ذلك

باب فصل ما بين صيد البرّ والبحر وما يحلّ للمحرم من ذلكأراد قدس سره بيان حرمة صيد البرّ على المحرم وحلّيّة صيد البحر له، وقد سبق ذلك ، وأراد أيضا بيان حرمة صيد الجراد بأنواعه وإن كان أصله من الحوت، كما سيروي المصنّف عن أبي عبداللّه عليه السلام : أنّ الجراد نثرة (1) من حوت في البحر ، (2) وما سنرويه عن معاوية بن عمّار ، وقد روي مثله من طرق العامّة أيضا . (3) ويؤيّده كون ذكاته أخذه كالسمكة، وإنّما حُرّم على المحرم لعدم تعيّشه في الماء، كما يستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم . (4) والمشهور في جرادة تمرة، وفي الكثير منها شاة ، أمّا الثاني فهو مجمعٌ عليه، ومستفاد من بعض ما سنشير إليه من الأخبار ، وأمّا الأوّل فلمرسلة حريز (5) وحسنة معاوية بن عمّار، (6) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس للمحرم أن يأكل جراداً ولا يقتله »، قال قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : «تمرة خير من جرادة، وهي من البحر، وكلّ شيء أصله من البحر ويكون في البرّ والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله متعمِّداً فعليه الفداء كما قال اللّه تعالى ». (7) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام في محرم قتل جرادة؟ قال : «يطعم تمرة، وتمرة خيرٌ من جرادة ». (8) وقيل: في الواحدة كفّ من طعام، لصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «سألته عن محرم قتل جراداً ، قال : «كفّ من طعام، وإن كان أكثر فعليه شاة ». (9) واختار التخيير جماعة منهم الشيخ في المبسوط، (10) والشهيد في الدروس، (11) والعلّامة في المنتهى . (12) وقد ورد في بعض الأخبار الدم في جرادة، رواه الشيخ عن صالح بن عقبة، عن عروة الحنّاط، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أصاب جرادة فأكلها ، قال : «عليه دم ». (13) وهو غير صالح للمعارضة لما ذكر؛ لوجود صالح فيه، وهو كان غاليا كذّابا. (14) وأفتى به عليّ بن بابويه في أكلها على ما روى في السرائر عنه أنّه قال في رسالته : «وإن أكلت جرادة فعليك دم شاة ». (15) والشيخ حمله على الجراد الكثير، (16) ويأباه علامة الوحدة والتنكير في جرادة . وحكى في الخلاف (17) عن الشافعيّ وجوب القيمة لها، (18) وهذا كلّه إذا تمكّن من الاحتراز عن قتله، وإلّا فلا شيء في قتله إجماعا؛ للحرج، ولحسنة زرارة، عن أحدهما عليهماالسلام ، (19) وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «على المحرم أن يتنكّب الجراد إذا كان على طريقه، وإن لم يجد بدّاً فقتل فلا بأس ». (20) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم محرمون، فكيف يصنعون؟ قال : «يتنكّبونه ما استطاعوا »، قلت : فإن قتلوا منه شيئا ما عليهم؟ قال : «لا شيء عليهم ». (21) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (اعلم أنّ ما وطئت من الدّباء ) إلخ .[ ح 5 / 7450] الدباء مقصوراً: الجراد قبل أن يطير ، وقيل : هو نوع آخر يشبه الجراد، واحدته دباءة، (22) وهو ظاهر المبسوط حيث عطف على الجراد، وهو مقتضٍ للمغايرة، فقال: «في جرادة تمرة أو كفّ من طعام، وفي كثير منه دم ، وفي الدّبا مثله». (23) إلّا أن يُقال: من باب عطف الخاصّ على العام ّ، فتأمّل .

.


1- . أي عطسة (منه).
2- . الكافي، كتاب الصيد، باب الجراد، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 24، ص 87 88 ، ح 30069.
3- . اُنظر: كنز العمّال، ج 13، ص 387؛ وج 15، ص 277، ح 40973 .
4- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
5- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- . الحديث الثاني من هذا الباب.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 363، ح 1264؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 76 77، ح 17269 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 363 364، ح 1265؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 77، ح 17270 .
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 364، ح 1267؛ الاستبصار، ج 2، ص 208، ح 708؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 77، ح 17271 .
10- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 348.
11- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 357، الدرس 94.
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 826 .
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 364، ح 1266؛ الاستبصار، ج 2، ص 207، ح 707؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 77، ح 17273 .
14- . رجال ابن الغضائري، ص 69 ، الرقم 70؛ خلاصة الأقوال، ص 360؛ رجال ابن داود، ص 250، الرقم 237.
15- . السرائر، ج 1، ص 558 . وقال به أيضا في فقه الرضا عليه السلام ، ص 228.
16- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 348؛ النهاية، ص 228 .
17- . الخلاف، ج 3، ص 232.
18- . الُام للشافعي، ج 2، ص 218؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 332؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 534 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 309؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 291.
19- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 364، ح 1268؛ الاستبصار، ج 2، ص 208، ح 710؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 428، ح 16686؛ وج 13، ص 78 79، ح 17277 .
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 364، ح 1269؛ الاستبصار، ج 2، ص 208، ح 709؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 79، ح 17278 .
22- . صحاح اللغة، ج 6 ، ص 2333 (دبى)؛ النهاية، ج 2، ص 100.
23- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 348.

ص: 191

. .

ص: 192

باب المحرم يصيب الصيد مراراً

باب المحرم يصيب الصيد مراراًتكرير الصيد خطأً ونسيانا موجب لتكرّر الكفّارة إجماعا من الفريقين . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين. وفي حكمه العمد بعد الخطأ وعكسه . وأمّا العمد بعد العمد فقد اختلفوا فيه، ظاهر المصنّف قدس سرهوصريح أكثر الأصحاب _ منهم الصدوق (1) والشيخ في كتابي الأخبار (2) وأكثر المتأخّرين (3) العدم؛ لقوله سبحانه : «وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّه ُ مِنْهُ» ، (4) و لما رواه الشيخ في الكتابين عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أصاب المحرم الصيد خطأً فعليه الكفّارة، فإن أصابه ثانيا خطأً فعليه الكفّارة أبداً إذا كان خطأً، فإن أصابه متعمّداً كان عليه الكفّارة، فإن أصابه ثانيا متعمّداً فهو ممّن ينتقم اللّه منه ولم يكن عليه الكفّارة ». (5) وحمل عليه حسنة الحلبيّ (6) وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه، ويتصدّق بالصيد على مسكين، فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاؤه، وينتقم اللّه منه ». (7) وهو محكي عن جماعة من العامّة كابن عبّاس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والبصريّ والنخعيّ وإحدى الروايات عن أحمد . (8) وذهب ابن إدريس (9) إلى تكرّرها بتكرّره مطلقا، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : إذا عاد إلى قتل الصيد وجب عليه الجزاء ثانيا ، وبه قال عامّة أهل العلم ، وروي في كثير من أخبارنا أنّه إذا عاد لا يجب عليه الجزاء، وهو ممّن ينتقم اللّه منه، وهو الذي ذكرتُ في النهاية، (10) وبه قال داود. (11) فأطلق وجوب الإعادة من غير تقييد بالخطأ، وهو ظاهر جماعة، فقد حكى في المختلف (12) عن ابن الجنيد وأبي الصلاح (13) أنّهم أطلقوا القول بتكرّر الفدية بتكرّره . وعن عليّ بن بابويه أنّه أطلق وجوب الفدية على من صاد متعمّداً من غير تقييد بالأوّل، (14) وإليه ذهب السيّد رضى الله عنه (15) على ما سبق ، وفي المبسوط عُدّ أحوط، (16) ورجّحه العلّامة في المنتهى (17) والمختلف محتجّا بعموم قوله تعالى : «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ» (18) من غير معارض، قائلاً : إنّ المعارض على ما يدّعونه ليس إلّا قول اللّه تعالى «وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّه ُ مِنْهُ» ، وهو غير قابل للمانعيّة؛ لعدم امتناع الجمع بين ثبوت الجزاء واستحقاق الانتقام. (19) وبعموم حسنة معاوية بن عمّار، (20) وصحيحة معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : محرم أصاب صيداً ، قال : «عليه الكفّارة »، قلت : فإنّه عاد ، قال : «عليه كلّما عاد كفّارة ». (21) وصحيحة ابن أبي عمير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : محرم أصاب صيداً ، قال : «عليه الكفّارة »، قلت : فإنّه عاد ، قال : «كلّما عاد عليه كفّارة». (22) وبأنّه أحوط . وبوجوه عقلية غير نقيّة. وأدلّة النافي للتعدّد تقتضي نفيه مطلقا وإن اختلف نوع الصيد، فلو تصيّد النعامة بعد الجرادة عمداً ليس عليه جزاء النعامة، وثبوت الإثم والجزاء في يوم الجزاء ينفي تنافره؛ للحكمة ، فتدبّر . وفي المسالك: والظاهر من كلامهم أنّ الكلام في الصيد المتكرّر في إحرام واحد، فلو وقع في إحرامين تكرّرت قطعا، وكذا لو كانا في عام واحد ولم يكن أحدهما مرتبطا بالآخر كحجّ الإفراد وعمرته ، أمّا مع ارتباطهما كحجّ التمتّع وعمرته فيحتمل كونهما كذلك؛ لصدق التعدّد وعدمه، لأنّهما بمنزلة إحرام واحد في كثير من الأحكام، ولعدم الدليل الدال على اشتراط كونه في إحرام واحد، إلّا الاتّفاق عليه في بعض الموارد فيبقى الباقي. وهذا أقوى . وقوّى الشهيد قدس سره في شرح الإرشاد (23) صدق التكرار مع تقارب زمان الفعل، بأن تصيّد في آخر المتلوّ وأوّل الثاني مع قصر زمان التحلّل، ولم يفرّق في ذلك بين المرتبطين وغيرهما ، واستشكل بمنع كون قرب الزمان له مدخل في ذلك مطلقا مع أنّ ما ذكره يأتي في الإحرامين في عامين ، مع أنّه لا خلاف فيه. (24) والخلاف الواقع في العمد إنّما هو مع تعدّد الفعل ، وأمّا مع اتّحاده فبتعدّد الفداء إجماعا، وقد سبقت الإشارة إليه .

.


1- . المقنع، ص 251.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 372؛ الاستبصار، ج 2، ص 211 .
3- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 123.
4- . المائدة (5): 95.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 372 373، ح 1298؛ الاستبصار، ج 2، ص 211، ح 721؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 94، ح 17322 .
6- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 372، ح 1297، وص 467، ح 1633؛ الاستبصار، ج 2، ص 211، ح 720؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 93 94، ح 17321 .
8- . تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 456؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 323؛ المغني، ج 3، ص 545 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 356.
9- . السرائر، ج 1، ص 563 .
10- . النهاية، ص 226 .
11- . الخلاف، ج 2، ص 397 . وانظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 323.
12- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 122.
13- . الكافي في الفقه، ص 205.
14- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 122 123. وبه قال أيضا الصدوق في فقه الرضا عليه السلام ، ص 227.
15- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 72).
16- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 342.
17- . منتهى المطلب، ج 2، ص 819 .
18- . المائدة (5): 95.
19- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 123.
20- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 92 93، ح 17318 .
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 372، ح 1296؛ الاستبصار، ج 2، ص 210، ح 719؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 93، ح 17320 .
22- . مكرّر للحديث المتقدّم، فإنّ ابن أبي عمير يرويه عن معاوية بن عمّار، والخطأ ناش من رواية العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 123 124. فإنّه لم يذكر الواسطة بين ابن أبي عمير وبين الامام الصادق عليه السلام .
23- . غاية المراد، ج 1، ص 411.
24- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 466 467 .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

باب المحرم يصيب الصيد في الحرم

باب المحرم يصيب الصيد في الحرمقال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة : «والمحرم إذا صاد في الحلّ كان عليه الفداء، و إذا صادَ في الحرم كان عليه الفداء والقيمة»؛ (1) لتعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب، ولأخبار متظافرة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الشيخ في الحسن عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : محرم قتل طيراً فيما بين الصفا والمروة عمداً ، قال : «عليه الفداء والجزاء ويعزّر »، قلت : فإنّه قتله في الكعبة عمداً؟ قال : «عليه الفداء والجزاء ويُضرب دون الحدّ، ويُقلب للناس كي ينكل غيره ». (2) وعن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل مرّ وهو محرم في الحرم، فأخذ عنزة ظبية، فاحتلبها وشرب لبنها؟ قال : «عليه دم وجزاء الحرم ثمن اللبن ». (3) وقيل : يتضاعف عليه الفداء المقدّر للإحرام، حكاه في المختلف (4) عن ابن الجنيد، وكأنّه تمسّك في ذلك بما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحلّ فعليك القيمة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا ». (5) ففيه: أنّه مع ضعفه لوجود إبراهيم بن أبي سمال في طريقه، وهو كان واقفيّا مجهول الحال، (6) وعدم قابليّته للمعارضة، يحتمل أن يراد بالفداء فيه ما يعمّ القيمة، بل ظاهره اختصاصه بها، فلا يتمّ التقريب . وحكاه فيه عن أحد قولي السيّد أيضا. وكأنّه أشار بذلك إلى ما قال في الانتصار من قوله : «وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ المحرم إذا صاد في الحرم تضاعفت عليه الفدية ». (7) وفيه: أنّ الظاهر أنّه أراد بالفدية المعنى العام، بدليل أنّه قال في الاحتجاج عليه : والوجه في ذلك بعد إجماع الطائفة المحقّة أنّه قد جمع بين وجهين يقتضي كلّ واحدٍ منهما الفداء، وهو الصيد مع الإحرام ثمّ إيقاعه في الحرم ، ألا ترى أنّ المحرم إذا صاد في غير الحرم تلزمه الفدية، والحلال إذا صاد في الحرم لزمته الفدية، فاجتماع الأمرين يوجب اجتماع الجزائين. (8) فتأمّل . وحكى فيه عنه قولاً ثانيا أنّه يجب عليه الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة ، (9) ولعلّه جمع بذلك بين ما ذكر من الأخبار الأوّلة، وبين ما دلّ على وجوب القيمة مضاعفة ، رواه الشيخ مرسلاً عن سليمان بن خالد، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : ما في القمريّ والزنجيّ (10) والسمانيّ والعصفور والبلبل؟ قال : «قيمته، فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان، ليس عليه دم ». (11) وعن معاوية بن عمّار، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في محرم اصطاد طيراً في الحرم، فضرب به الأرض فقتله ، قال : «عليه ثلاث قيمات : قيمة لإحرامه، وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره [ إيّاه ] »، (12) وهما مع عدم صحتهما مخالفان للقاعدة أيضا. وهو ظاهر ابن إدريس، فإنّه قال في السرائر : «وإذا صاد المحرم في الحرم كان عليه جزاءان، أو القيمة مضاعفة إن كان له قيمة منصوصة ». (13) وهؤلاء أطلقوا القول بالتضاعف من غير تقييد بما لم يبلغ الفداء بدنة ، وصرّح ابن إدريس بالتعميم، وظاهر ابن أبي عقيل عدم التضاعف مطلقا، حيث قال على ما حكي عنه _ : «من قتل حمامة في الحرم وهو محرم فعليه شاة»، (14) والظاهر أنّه يحكم بأكثر الكفّارتين . وفصل الشيخ في التهذيب (15) والمبسوط (16) والنهاية، (17) فحكم بالتضاعف ما لم يبلغ الفداء الإحرامى¨ بدنة ، وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين (18) متمسّكين بمرسل الحسن بن عليّ، (19) و هو مع عدم صحّته وعدم قابليّته لتخصيص الأخبار المتظافرة مخالف للقاعدة أيضا ، فتأمّل . وظاهر الخبر اعتبار بلوغ الفداء نفس البدنة، فلا يسقط التضاعف على القول بسقوطه لو بلغ قيمتها؛ لإطلاق أدلّة التضاعف من غير مخصّص هذا التخصّص . وفي الدروس : لو لزمه أرش نعامة وهو محرم في الحرم ففي تضاعف القيمة هنا على القول بعدمه فيما يبلغ بدنة نظر، من المساواة بين الجزء و كلّه، ومن عدم بلوغ البدنة، وهو قوّي . (20) وفي المسالك : المراد ببلوغ البدنة نفسها أو قيمتها. (21) ولا يلحق بالبدنة أرشها ، فتدبّر .

.


1- . المقنعة، ص 438 .
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 371، ح 1291؛ و هذا هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 89 ، ح 17309 .
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 371، ح 1292، وص 466، ح 1627؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 90، ح 17312 .
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 126.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 370، ح 1288؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 70، ح 17255 .
6- . رجال الطوسي، ص 332، الرقم 4953 .
7- . الانتصار، ص 249.
8- . نفس المصدر.
9- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 72) وفيه: «... كان عليه الفداء والقيمة مضاعفة».
10- . كذا بالأصل والمصدر، وفي وسائل الشيعة: «الدبسي» ومثله في الكافي، باب كفارة ما أصاب المحرم من الصيد، ح 7، وهو طائر صغير منسوب إلى دِبس الرطب: والأدبس من الطير الذي لونه غمبرة بين السواد والحمرة، وهذا النوع قسم من الحمام البرّي. مجمع البحرين، ج 2، ص 9 (دبس).
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 371، ح 1293، وص 466، 1630؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 90، ح17313 .
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 370 371، ح 1290؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 91، ح 17315، ومابين الحاصرتين منهما .
13- . السرائر، ج 1، ص 563 .
14- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 127.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 371، ذيل الحديث 1293 .
16- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 342.
17- . النهاية، ص 226.
18- . اُنظر: المختصر النافع، ص 105؛ تبصرة المتعلّمين، ص 93؛ قواعد الأحكام، ج1، ص 466 467؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 50 ؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 436؛ جامع المقاصد، ج 3، ص 335.
19- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 92، ح 17316 .
20- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 362، الدرس 95.
21- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 465 .

ص: 196

. .

ص: 197

. .

ص: 198

باب نوادر

باب نوادركذا في النسخ التي رأيناها من غير تعريف، وهي صفة موصوف محذوف بتقدير باب روايات نوادر، ويذكر فيه أحكام متفرّقة قد سبقت . قوله في موثّق ابن بكير عن زرارة : (هذا ممّا أخطأت به الكتّاب) [ ح 5 / 7468] أي العلماء ، جمع كاتب . قال ابن الأثير في النهاية : وفي كتابه إلى اليمن: قد بعثت عليكم كاتبا من أصحابي، أراد عالما؛ سمّي به لأنّ الغالب على من كان يعرف الكتابة أن يكون عنده عِلم ومعرفة، وكان الكاتب فيهم عزيزاً وفيهم قليلاً. (1) ونسبة الخطأ إليهم لتعميمهم العدلين. هذا هو المشهور في تفسير هذا الكلام ، والأظهر أنّ المراد بالكتّاب نُسّاخ القرآن، يعني أنّ المنزل كان ذو عدل بلفظ المفرد ، والتثنية من غلطهم . والدليل على ذلك أنّه نسب الشيخ الطبرسي قدس سره في مجمع البيان (2) المفرد إلى قراءة أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام . وروى المصنّف قدس سره في كتاب الروضة قُبيل حديث الصيحة، عن حمّاد بن عثمان، قال : تلوت عند أبي عبداللّه عليه السلام ذوا عدلٍ منكم ، فقال : «ذو عدلٍ منكم ، هذا ممّا أخطأت به الكتّاب ». (3) روى الشيخ في التهذيب عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (4) قال : «العدل رسول اللّه صلى الله عليه و آله والإمام من بعده يحكم به، وهو ذو عدل »، (5) ولعلّ منشأ خطأهم رسم إمامهم، وهو المصحف الذي كتبه عثمان بيده ، حيث كتب المفرد بألف بعده على ما هو دأبه، فتوهّموا أنّه بلفظ التثنية، ثمّ الأحسن تعميم الخطأ ، فتذكّر . قوله في صحيح عليّ بن مهزيار : (يشرب من جلودها ) .[ ح 9 / 7472] كذا في النسخ التي رأيناها، و كأنّ تأنيث الضمير من سهو الرواة أو الكتّاب .

.


1- . النهاية، ج 4، ص 148 (كتب).
2- . مجمع البيان، ج 3، ص 416.
3- . الكافي، ج 8 ، ص 205، ح 247.
4- . المائدة (5): 95.
5- . تهذيب الأحكام، ج 6، ص 314، ح 867 ؛ وسائل الشيعة، ج 27، ص 70، ح 33228 .

ص: 199

. .

ص: 200

باب قطع تلبية المتمتّع

أبواب دخول الحرم وبيان ما يقارنه من الآدابباب قطع تلبية المتمتّعيعنى¨ في عمرة التمتّع . قد عرفت استحباب تكرير التلبية على المتمتّع إلى أن يشاهد بيوت مكّة، ووجوب قطعها حينئذٍ ، والمراد بيوت مكّة التي كانت قبل في عهدهم عليهم السلام ، وحدّها: عقبة المدينين إن دخل مكّة من أعلاها، وعقبة ذي طوى إن دخلها من أسفلها . (1) وبذلك يجمع بين حسنة معاوية (2) وصحيحة أحمد بن محمّد . (3) وما رواه الشيخ في الموثّق عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا دخلت مكّة وأنت متمتّع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية، وحدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدينين فاقطع التلبية، وعليك بالتهليل والتكبير والثناء على اللّه ما استطعت ، وإن كنت قارنا (4) بالحجّ فلا تقطع التلبية حتّى يوم عرفة عند زوال الشمس ، وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم ». (5) وعن أبي خالد مولى عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عمّن أحرم من حوالي مكّة من الجعرانة والشجرة، من أين يقطع التلبية؟ قال: «يقطع التلبية عند عروش مكّة، وعروش مكّة ذي طوى». (6) وما ذكر من التفصيل هو المشهور . وحكى الشيخ في التهذيب (7) عن مقنعة المفيد (8) أنّه إذا عاين بيوت مكّة وكان قاصداً إليها من طريق المدينة قطع التلبية، وحدّ بيوت مكّة عقبة المدينين ، وإن كان قاصداً إليها من طريق العراق فإنّه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى، وعكس ما ذكر . وبذلك جمع بين ما رويناه عنه من موثّق معاوية وصحيح البزنطي ّ، (9) ويردّه ما رويناه عن أبي خالد، وما حكاه عنه مخالف للمقنعة التي عندي ففيها: وليلبّ كلّما صعد علوّاً أو هبط سفلاً أو نزل من بعيره أو ركب، وعند انتباهه من منامه، وبالأسحار، فإذا عاين بيوت مكّة قطع التلبية، وحدّ بيوت مكّة عقبة المدينين، ثمّ أخذ في التهليل والتكبير ، وإن كان قاصداً إليها من طريق المدينة فإنّه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى . (10) فتدبّر . وقد روي أنّ المتمتّع يقطعها عند دخول الحرم ، رواه سعد بن عبداللّه ، عن موسى بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن زيد الشحّام، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن تلبية المتعة، متى تقطع؟ قال : «حين يدخل الحرم ». (11) وهو مع ضعفه باشتراك موسى بن الحسن، (12) وضعف أبي جميلة، (13) وجهالة أبي اُسامة زيد (14) يمكن حمله على الجواز . وأمّا المعتمر عمرة مفردة فذهب الشهيد في اللمعة إلى أنّه يقطعها إذا دخل الحرم . (15) وإطلاقه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ما لو أحرم من أحد المواقيت أو خرج لها من مكّة إلى أدنى الحلّ ، ولم أجد نصّا على هذا الإطلاق . فإن قيل : يدلّ عليه إطلاق قوله عليه السلام : «وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» في موثّق معاوية بن عمّار (16) المتقدّم . قلنا : إطلاقه ممنوع، بل عطفه على ما سبقه يقتضي تقييده بالمحرم من الميقات . وقيّده الشهيد الثاني (17) بما إذا أحرم بها من أحد المواقيت، ذاهبا إلى أنّ الخارج لها من مكّة يقطعها إذا شاهد بيوت مكّة، وبه قال جماعة اُخرى، وهو الأشهر بين الأصحاب . وبه قال ابن إدريس ، إلّا أنّه أبدل مشاهدة البيوت بمشاهدة الكعبة . (18) وبهذه الأقوال جمعوا بين ما سيأتي من الأخبار . ولا يبعد القول بالتخيير بين بلوغ العقبة ودخول الحرم إن أحرم بها من أحد المواقيت، ويتحتّم القطع عند مشاهدة الكعبة للخارج لها من مكّة ؛ أمّا الأوّل فللجمع بين ظاهر ما سبق عن معاوية بن عمّار على ما عرفت وخبر يونس بن يعقوب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة، من أين يقطع التلبية؟ قال : «إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية ». (19) وخبر الفضيل بن يسار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام قلت : دخلت بعمرة، فأين أقطع التلبية؟ قال : «حيال العقبة، عقبة المدينين »، فقلت : أين عقبة المدينين؟ قال : «حيال القصّارين ». (20) وهو أظهر من الأوّلين في كون إحرامه من الميقات؛ لأنّ الفضيل كان كوفيّ الأصل بصريّ المسكن ، (21) والظاهر أنّه كان جائيا منها؛ وبين ما رواه عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة والحديبيّة أو ما أشبهها ، ومَن خرج من مكّة يريد العمرة ثمّ دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتّى ينظر إلى الكعبة» . (22) وأمّا الحاجّ فيجب عليه قطعها زوال عرفة، تمتّعا كان الحجّ أو قرانا أو إفراداً ، ويأتي في باب قطع تلبية الحاجّ إن شاء اللّه تعالى . قوله : (عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ) . [ ح4/ 7481] كذا في النسخ التي رأيناها، ورواه في التهذيب عن المصنّف، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عنه عليه السلام . (23) والظاهر سقوط الزائد هنا من الكتاب . وقال طاب ثراه : من طرق العامّة في حديث ابن عمر: كان إذا نظر إلى عُرش مكّة قطع التلبية . (24) قال أبو عبيد : وسمّيت بيوت مكّة عُرشا؛ لأنّها عيدان تُنصب ويظلّل عليها ، ويقال لها: عُروش بزيادة الواو ، والواحد منها: عُرش بسكون الراء، وواحد العُرش بضمّ الراء: عريش كقَليب وقُلُب . (25)

.


1- . اُنظر: المقنع، ص 254؛ الهداية، ص 222 223؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 579 ؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 348؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 234.
2- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . هي الحديث الرابع من هذا الباب .
4- . في نسخة بدل: «مفردا».
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 94، ح 309؛ الاستبصار، ج 2، ص 176، ح 583 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 388 389، ح 16581 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 94، ح 311؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 391، ح 16588 .
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 93.
8- . المقنعة، ص 398 399، وانظر ما سيأتي عن المقنعة.
9- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
10- . المقنعة، ص 398، وأشار محقّقه في الهامش أنّ في نسخة من المقنعة: «العراق» بدل «المدينة»، فعلى هذا تكون العبارة موافقا لنقل الشيخ في التهذيب.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 95، ح 312؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 585 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 391، ح 16589 .
12- . اُنظر: معجم رجال الحديث، ج 19، ص 38 41، الرقم 12754 12758
13- . رجال ابن الغضائري، ص 88 ، الرقم 118؛ خلاصة الأقوال، ص 407؛ رجال ابن داود، ص 280، الرقم 511 .
14- . وثّقه الشيخ في الفهرست، ص 129، الرقم 298؛ وابن شهر آشوب في معالم العلماء، ص 86 ، الرقم 337؛ والشيخ حسن في التحرير الطاووسي، ص 225.
15- . اللمعة الدمشقيّة، ص 59 ؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 234.
16- . وسائل الشيعة، ج 12، ص 393 _ 394، ح 16597 .
17- . شرح اللمعة، ج 2، ص 234.
18- . السرائر، ج 1، ص 634 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 95، ح 314؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 587 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 394، ح 16599 .
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 96، ح 316؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 589 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 395، ح 16607 .
21- . اُنظر: خلاصة الأقوال، ص 228؛ رجال النجاشي، ص 309، الرقم 846 .
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 95 96، ح 315؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 588 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 341، ح 14967 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 94، ح 310. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 176، ح 584 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 389 390، ح 16584 .
24- . شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 204، وفيه «عمر» بدل «ابن عمر»؛ الفائق للزمخشري، ج 2، ص 352.
25- . حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 204.

ص: 201

. .

ص: 202

. .

ص: 203

. .

ص: 204

باب دخول مكّة

باب دخول مكّةيستحبّ دخول مكّة من أعلاها والخروج عنها من أسفلها؛ تأسّيا بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، ففي الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخل من أعلى مكّة من عقبة المدينين»، (1) وكان دأبه صلى الله عليه و آله أينما توجّه الذهاب من طريق والعود من آخر . روى ذلك عمر بن بزيع، قال : قلت للرّضا عليه السلام : جعلتُ فداك، إنّ الناس رووا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره، فكذا كان يفعل؟ فقال : «نعم ، وأنا أفعله كثيراً فافعله ». ثمّ قال : «أما إنّه أرزق لك ». (2) وللأمر به في موثّق يونس بن يعقوب، (3) وإنّما يستفاد من النصّ استحباب ذلك بالنظر إلى أهل المدينة ومن قدم منها . وخصّه العلّامة في التذكرة بالمدني والشامي، وقال : «فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنية ». (4) حكى عنه صاحب المدارك (5) وحسّنه . والمشهور عموم الحكم، وهو بعيد . وفي الدروس: ويستحبّ عندنا دخوله من ثنية كدآء بالفتح والمدّ _ ، وهي التي ينحدر منها إلى الحجون بمقبرة مكّة، ويخرج من ثنية كُدىً بالضمّ والقصر منوّنا_ ، وهي بأسفل مكّة. (6) وكأنّهما اسمان لتينك القصبتين . ويستحبّ أيضا الغسل لدخول مكّة، وإعادة الغسل إذا نام بعده، والدخول حافيا بسكينة ووقار ، وكفاك في ذلك كلّه ما رواه المصنّف في الباب . قوله في حسنة معاوية بن عمّار الأوّلة: (فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ) . [ ح 4 / 7485] بئر ميمون الحضرمي بالأبطح ، وبئر فخ على فرسخ من مكّة في طريق المدينة . (7) قوله في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج: (قال : لا يجزيه ) .[ ح 8 / 7489] الظاهر أنّ كلمة «لا» نفي لما بعده ، فالتعليل واضح؛ لأنّ المستحبّ إنّما هو الدخول بغسل لا بوضوء ، ويحتمل على بعد أن يكون نفيا لما قبله ، فخلاصة التعليل أنّ الوضوء يجزيه؛ لأنّه أحد الطهورين . (8) قوله في حسنة معاوية بن عمّار الثانية: (قلت : كيف يدخلها بسكينة؟ قال : يدخل غير متكبِّر ولا متجبّر ) .] ح 9 / 7490] ومثلها صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع »، وقال : «مَن دخله بخشوع غفر له إن شاء اللّه »، قلت : ما الخشوع؟ قال : «السكينة ، لا تدخل بتكبّر ». (9) قال طاب ثراه : هذا نوع من أنواع السكينة، ومن أنواعها سكون القلب واعتدال الجوارح في الحركة لا سيما في الكثرة؛ لما فيها من الرفق بالناس والأمن من الأذاية والتشبّه بالأحرار، خلاف العجلة .

.


1- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 199، ح 17561.
2- . الكافي، كتاب المعيشة، باب النوادر، ح 41؛ وج 8 ، ص 147، ح 124؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 226، ح 987؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 479، ح 9907؛ وج 17، ص 463، ح 23002 .
3- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 199، ح 17560 .
4- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 80 .
5- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 122.
6- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 392، الدرس 103.
7- . اُنظر: السرائر، ج 1، ص 569 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 427 428.
8- . هذه الفقرات من: «قوله في صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج» كانت في الأصل في آخر باب دخول المسجد الحرام، مع أنّ صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج من أحاديث باب دخول مكّه، فذكرناها هنا.
9- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 99 100، ح 327؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 204، ح 17572 .

ص: 205

باب دخول المسجد الحرام

باب دخول المسجد الحرامالمستفاد من أخبار الباب وممّا رويناه في باب الأغسال المستحبّة استحباب ثلاثة أغسال للقادم زائداً على غسل دخول الكعبة: غسل لدخول الحرم، وغسل لدخول مكّة، وغسل للطواف . ويدلّ على استحباب الأوّل خبر أبان بن تغلب (1) وحسنة معاوية بن عمّار (2) وخبر الحسين بن المختار (3) المتقدّمة في بابي دخول الحرم ودخول مكّة، وما رواه الشيخ في باب الأغسال عن سماعة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن غسل الجمعة ، فقال : «واجب» إلى قوله : «وغسل دخول البيت واجب ، وغسل دخول الحرم، يستحبّ أن لا يدخله إلّا بغسل ». (4) وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الغسل من الجنابة» إلى قوله : «وحين يدخل الحرم ». (5) وعلى الثاني خبر محمّد الحلبيّ (6) وحسنته، (7) وخبر عجلان أبي صالح، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (8) المتقدّمة في باب دخول مكّة . وما رواه المصنّف في باب أنواع الغسل عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم وحين تدخل مكّة والمدينة ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة »، (9) الحديث . وما رواه الشيخ في الباب المشارإليه في الصحيح [ عن ابن سنان] والظاهر أنّه عبداللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الغسل من الجنابة» إلى قوله : «وحين تحرم ودخول مكّة والمدينة ودخول الكعبة ». (10) وعلى الثالث صحيحة عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة في باب دخول مكّة . (11) نعم ، يظهر منها كفاية غسل واحد لدخول مكّة وللطواف معا ما لم ينم بعده . ويدلّ صحيح ذريح المذكور في باب دخول الحرم (12) على كفاية غسل واحد للحرم ومكّة، بل للطواف أيضا، ولا ينافيان استحباب ما ذكر . والمشهور بين الأصحاب استحباب غسل آخر أيضا لدخول المسجد الحرام ، ولم أجد شاهداً له . وظاهر المحقّق في الشرائع عدم استحباب الغسل للطواف، وأنّ هذا الغسل إنّما هو لدخول المسجد الحرام . (13) وصاحب المدارك رجّح استحباب غسل واحد للجميع ونفى استحباب الجميع، حيث قال بعدما نقل الأخبار التي رواها المصنّف في الباب : هذه جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه المسألة، ومقتضاها استحباب غسل واحد، إمّا قبل دخول الحرم أو بعده من بئر ميمون أو من فخ أو من المحلّ الذي ينزل فيه بمكّة على سبيل التخيير . وغاية ما يستفاد منها أنّ إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل، فما ذكره المصنّف وغيره من استحباب غسل لدخول مكّة وآخر لدخول المسجد غير واضح ، وأشكل منه حكم العلّامة (14) وجمع من المتأخّرين (15) باستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر للحرم ، وكذا الإشكال في قول المصنّف : «فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله »؛ (16) إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل الدخول وبعده، لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح . (17) انتهى . وممّا ذكرنا يظهر ضعفه . واعلم أنّه اشتهر بين الأصحاب استحباب دخول المسجد من باب بني شيبة، واستقبال الكعبة، والدّعاء بالمنقول عنده، وهو ظاهر ما مرّ في باب حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله في الصحيح عن عبداللّه بن سنان أنّه قال : «إنّ باب المسجد الذي عنده استقبل الرسول صلى الله عليه و آله الكعبة وحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على أبيه إبراهيم هو باب بني شيبة»، (18) لكنّه غير صريح فيه . ومقتضى إطلاق الأخبار الدّعاء من أيّ باب دخل . واحتجّ عليه في المنتهى (19) بالتأسّي بالنبيّ صلى الله عليه و آله وبأنّ هبل مدفون تحته، فإذا دخل منها وطئه برجله . وقال الشهيد الثاني : «هو الآن داخل المسجد بأزاء باب السلام، وليس له علامة تخصّه، فليدخل من باب السلام على استقامة إلى أن يتجاوز الأساطين ». (20)

.


1- . الحديث الأوّل من باب دخول الحرم.
2- . الحديث الرابع من باب دخول مكّة.
3- . الحديث الثاني من باب دخول الحرم.
4- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 104، ح 270؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 303 304، ح 3710 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 105، ح 272؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 307، ح 3719 .
6- . الحديث الثالث من باب دخول مكّة.
7- . الحديث الخامس من ذلك الباب.
8- . الحديث السادس من ذلك الباب.
9- . الحديث الأوّل من باب أنواع الغسل من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 303، ح 3708 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 110 111، ح 290؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 306، ح 3717 .
11- . الحديث الأوّل من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 202، ح 17567.
12- . الحديث الخامس من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 197، ح 17555 .
13- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 199.
14- . منتهى المطلب، ج 2، ص 688 689 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 143، المسألة 277.
15- . منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 391 392، الدرس 103.
16- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 199.
17- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 121.
18- . الحديث السابع من باب حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 223 224، ح 14658 .
19- . منتهى المطلب، ج 2، ص 689 .
20- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 331.

ص: 206

. .

ص: 207

. .

ص: 208

باب الدُّعاء عند استقبال الحجر واستلامه

باب الدُّعاء عند استقبال الحجر واستلامهفي شرح اللمعة : الاستلام بغير همز: المسّ من السِلام بالكسر، وهي الحجارة بمعنى مسّ السِّلام أو من السلام، وهو التحيّة ، وقيل : بالهمز من اللّامة، وهي الدرع كأنّه اتّخذه جُنّة وسِلاحا . (1) واستلام الحجر مستحبّ على المشهور؛ لحسنة معاوية بن عمّار، (2) وكذا تقبيله. وحمل عليه الأمر بهما في بعض الأخبار، ونقل عن سلّار وجوبهما؛ (3) نظراً إلى ظاهر الأمر . قوله في خبر أبي بصير : (ثمّ ذكر كما ذكر) ] ح 2 / 7495] يعني قوله : «اللّهمَّ أمانتي أدّيتها»، إلى آخره . ويظهر من قوله عليه السلام : «فستقبله» ومن مثله في أخبار متكثّرة وجوب استقبال الحجر عند الشروع في الطواف . وأيّد بما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا دخل المسجد استقبل الحجر واستلمه . (4) والمشهور بين الأصحاب استحبابه، وجواز قيامه بجعل يساره إلى الكعبة محاذيا أوّل جزء من مقاديم بدنه لأوّل جزء من الحجر، بحيث يمرّ عليه بعد نيّة الطواف بجميع بدنه ، وكأنّهم جمعوا بذلك بين ما ذكر ومرسلة حريز، (5) فإنّ ذلك ظاهر المحاذاة التي فيها، وهو أحد قولي الشافعيّ ، وفي قوله الآخر قال بوجوبه ، (6) وعلى الأوّل فهل يجب استقباله بجميع البدن أم يكفي ببعضه؟ الظاهر الأوّل وإن قلنا باستحباب الاستقبال كما يجب ذلك في استقبال القبلة .

.


1- . شرح اللمعة، ج 2، ص 254 255.
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . المراسم العلويّة، ص 113 114؛ وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 195.
4- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 384؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 383.
5- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
6- . فتح العزيز، ج 7، ص 293؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 13 و 29؛ روضة الطالبين، ج 2، ص 360.

ص: 209

باب الاستلام والمسح

باب الاستلام والمسحيعني الفرق بينهما ، ويظهر منه أنّ الاستلام هو إلصاق البطن بالحجر، والمسح مسحه باليد، فبينهما مباينة . (1) والمشهور أنّ الاستلام أن يتناوله بفيه أو بيده أو بعصى على الترتيب، (2) والمسح المعنى المذكور ، وحكى طاب ثراه عن المازريّ أنّهما بمعنى، وهو الذي نسبناه إلى الشهرة .

.


1- . اُنظر: عمدة القاري، ج 9، ص 249.
2- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 102؛ السرائر، ج 1، ص 570 571 و 603 ؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 398، الدرس 104؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 160 161.

ص: 210

باب المزاحمة على الحجر الأسود

باب الطواف واستلام الأركان

باب المزاحمة على الحجر الأسوديعني أنّه يسقط حينئذٍ تناول الحجر بفيه وتقبيله ، بل يمسحه بيده ويقبّله إن أمكن، وإلّا فيومي إليه بيده أو بمحجنة، كما فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين طاف راكبا . (1) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (كنّا نقول : لابدّ أن يستفتح بالحجر ويختم به، فأمّا اليوم فقد أكثر الناس) .] ح 1 / 7498] المراد بالاستفتاح بالحجر والختم به هنا الوقوف عنده واستلامه وتقبيله، والدعاء عند الشروع في الطواف وعند إكماله وانقطاعه، وإلّا فقد انعقد الإجماع على وجوب البدأة بالحجر والختم به في الطواف مطلقا. ولا يؤثّر فيه الزحام؛ لأخبار متكثّرة دالّة على ذلك الوجوب .

باب الطواف واستلام الأركانفيه مسألتان :الاُولى : في الطواف ، فطواف الزيارة واجب في الحجّ والعمرة مطلقا بالإجماع والأخبار المتظافرة . واحتجّ أيضا عليه في المنتهى (2) بقوله سبحانه : «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» (3) ؛ حملاً للطواف فيه على طواف الزيارة، وستأتي الأخبار في أنّه طواف النساء، وهو ركن من أركانهما، يبطلان بتركهما عامداً عالما إجماعا، وجهلاً أيضا على ما صرّح به جماعة من الأصحاب . ويظهر من بعض الأخبار ، فقد روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن أبي حمزة، قال : سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتّى رجع إلى أهله، قال : «إذا كان على جهة الجهالة أعاد الحجّ وعليه بدنة ». (4) وفي الصحيح عن عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة؟ قال : «إن كان على وجه الجهالة أعاد وعليه بدنة »، (5) فالظاهر من الإعادة فيه إعادة الحجّ لا إعادة الطواف، فإنّ الإعادة فعل ما فعلته ناقصا . وقال المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد : «الجاهل كالعامد ». (6) وفي شرح اللمعة : «والجاهل عامد ». (7) وفي المدارك : «قد نصّ الشيخ (8) وغيره (9) على أنّ الجاهل كالعامد في هذا الحكم ». (10) وسكت أكثرهم منهم المحقّق في الشرائع، (11) والعلّامة في المنتهى (12) والقواعد (13) والإرشاد (14) عن حكم الجاهل، وكأنّهم أدرجوه في العامد . ولم أجد نصّا على حكم العامد، وكأنّهم حملوه على الجاهل بالأولويّة، والظاهر أنّه لذلك لم يتعرّض الشيخ في المبسوط (15) والتهذيب لحكم العامد، لكنّه سكت عن الجاهل أيضا. ثمّ ظاهر الخبرين وجوب بدنة على الجاهل ، فلو ألحق العالم به وجب عليه أيضا بدنة ، ولم يتعرّض العلّامة في كتبه و لا المحقّق لها ، ونسب وجوبها عليه في المدارك إلى الأكثر .] ثمّ قال] : وقال الشهيد في الدروس: في وجوب هذه البدنة على العالم نظر، من الأولويّة. (16) وفيه منع؛ لاختصاص الجاهل بالتقصير في التعلّم المناسب لزيادة العقوبة ، مع أنّه يكفي في منع الأولويّة عدم ثبوت تعليل الأصل كما بيّناه مراراً . (17) انتهى . ولو تركه نسيانا فعلى المشهور لا يفسد حجّه، بل إنّما وجب عليه العود له مع الإمكان، والاستنابة مع عدمه؛ لأصالة عدم الإفساد، وانتفاء دليل عليه . 18 وذهب الشيخ في التهذيب إلى فساد الحجّ بذلك حيث قال : «من نسي طواف الحجّ حتّى رجع إلى أهله فإنّ عليه بدنة وعليه إعادة الحجّ »، واحتجّ عليه بخبري عليّ بن أبي حمزة وعليّ بن يقطين (18) المتقدّمين ، وهو كما ترى . هذا ، ومتى يتحقّق ترك الطواف؟ قال المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد : ممّا يشكل تحقيق ما به يتحقّق الترك، فإنّه لو سعى قبل الطواف لم يعتدّ به، ولو قصّر لزمته الكفّارة إن كان معتمراً، وإن أحرم بنسك آخر بطل فعله . ويمكن أن يحكّم في ذلك العرف، فإذا شرع في نسك آخر عازما على ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا حكم ببطلان الحجّ ، أو يُراد به خروجه من مكّة بنيّة عدم فعله ، ولم أظفر في هذا الباب بشيء . وفي رواية عليّ بن أبي حمزة: «من جهل أن يطوف حتّى رجع إلى أهله عليه إعادة الحجّ وبدنة »، (19) ولا دلالة فيهما على اعتبار الرجوع إلى الأهل في تحقّق الترك؛ لأنّ ذلك وقع في حكاية حال التارك . ويمكن أن يُقال : إن كان الطواف لعمرة التمتّع فيستحقّ الترك إذا تركه بعد ضيق الوقت، إلّا عن باقي المناسك من الإحرام للحجّ والوقوفين وغيرهما أقلّ الواجب، وإن كان للحجّ فبعد خروج ذي الحجّة ، وإن كان لعمرة إلافراد فبعد الخروج من مكّة، أو يحكم في هذا الأخير العرف، أو يقال في هذا الأخير ما دام لا يضيق عليه نسك آخر لا يتحقّق الترك ، بل يقال : لا يكاد يتحقّق معنى الترك المقتضي للبطلان فيها؛ لأنّ العمرة المفردة هي المحلّلة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها، فلو بطلت لاحتيج في التحلّل من إحرامها إلى أفعال العمرة، وهو ظاهر البطلان . (20) انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه . وفي المدارك: يتحقّق ترك الطواف في الحجّ بخروج ذي الحجّة قبل فعله، وفي عمرة التمتّع يضيق وقت الوقوف إلّا عن التلبّس بالحجّ قبله، وفي العمرة المفردة المجامعة لحجّ الإفراد والقران بخروج السنة بناءً على وجوب إيقاعها فيها ، لكنّه غير واضح . وفي المجرّدة إشكال؛ إذ يحتمل وجوب الإتيان بالطواف فيها مطلقا لعدم التوقيت، والبطلان بالخروج من مكّة بنيّة الإعراض عن فعله . واحتمل الشارح قدس سره تحقّق الترك في الجميع بنيّة الإعراض عنه والرجوع إلى ما يُعدّ تركا في العرف، (21) وهو غير واضح ؛ لأنّه مع بقاء الوقت يمكن الإتيان بالمأمور به على وجهه، فينتفي المقتضي للبطلان . (22) واعلم أنّ ظاهر الأمر بإعادة الحجّ فيما ذكر من الخبر إحداث إحرام جديد بدله، وهو الظاهر من الأمر، ويلزم من ذلك حصول التحلّل له من حجّه الفاسد، كما في صورة إفساد الحجّ والعمرة بالمواقعة في غير الموقع. وقد تردّد فيه صاحب المدارك حيث قال : إذا بطل الحجّ بترك الركن كالطواف وما في معناه، فهل يحصل التحلّل بذلك، أو يبقى على إحرامه إلى أن يأتي بالفعل الفائت في محلّه ويكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازاً، كما قاله الشهيد في الحجّ الفاسد بناءً على أنّ الأوّل هو الفرض، (23) أو يتحلّل بأفعال العمرة؟ أوجه . وجزم المحقّق الشيخ عليّ في حواشي القواعد بالأخير، وقال : إنّه على هذا لا يكاد يتحقّق معنى الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة؛ لأنّها هي المحلّلة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها ، فلو بطلت اُحتيج في التحلّل من إحرامها إلى أفعال العمرة، وهو معلوم البطلان . (24) وما ذكره رحمه الله غير واضح المأخذ، فإنّ التحلّل بأفعال العمرة إنّما ثبت مع فوات الحجّ لا مع بطلان النسك مطلقا ، والمسألة قويّة الإشكال من حيث استصحاب حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول المحلّل، وإنّما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة، ومن أصالة عدم توقّفه على ذلك مع خلوّ الأخبار الواردة في مقام البيان منه ، ولعلّ المصير إلى ما ذكره أحوط . (25) وأمّا طواف النساء فواجب عند الأصحاب في الحجّ مطلقا إجماعا، وفي العمرة المفردة دون التمتّع على المشهور ، بل ربما ادّعي عليه أيضا الإجماع . وحكى في الدروس (26) وجوبه في عمرة التمتّع أيضا عن بعض الأصحاب من غير أن يعيّن قائله، وعن بعض كذلك عدم وجوبه في المفردة أيضا، وأجمعوا على أنّه ليس بركن ، ويأتي كلّ ذلك في باب طواف النساء . الثانية : استحباب استلام الأركان الأربعة في كلّ شوط ، وتأكّد ذلك في ركني الحجر واليماني، وهو المشهور بين الأصحاب ، (27) بل ادّعي الإجماع عليه ، (28) وبذلك جمعوا بين الأخبار . ومنع ابن الجنيد من استلام ركني الشامي والغربي على ما حكى عنه الشهيد الثاني في المسالك. (29) وكأنّه تمسّك في ذلك بما ورد من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ما استلمهما ، (30) وقد عرفت وجه الجمع. على أنّه يحتمل أن يكون وروده على التقيّة؛ لأنّه مذهب جميع علماء العامّة، وإنّما ذهبوا إليه بناءً على قاعدتهم الفاسدة من أنّ هذين الركنين ليسا على قواعد إبراهيم عليه السلام ، كما سبق وسيأتي ، فقد حكى طاب ثراه عن محيي الدِّين البغوي أنّه قال : «تخصيص ركني العراقي واليماني بالاستلام يحتمل أن يكون لأنّهما على قواعد إبراهيم، والآخران قصرا عنها ». (31) وقال القابسي : (32) لو أدخل الحجر في البيت حتّى عاد الركنان الآخران على قواعد إبراهيم استلما . وعن المازريّ أنّه قال : «اختصّا بالاستلام، لأنّهما على قواعد إبراهيم ، وأمّا الآخران فقد أحدثهما قريش؛ لقصر نفقتهم ، فلذلك أجمعت الاُمّة على استلام الأوّلين». (33) واتّفق الجمهور على عدم استحباب استلام الآخرين غير الحسن والحسين ابني عليّ، وجابر بن عبداللّه وابن الزبير وأنس، فإنّهم استحبّوا استلام الآخرين أيضا ، (34) وكان الخلاف في ذلك في الصدر الأوّل، ثمّ انقطع، وأجمعوا على أنّهما لا يستلمان . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (أسألك باسمك الذي يُمشى به على طلل الماء) إلخ .[ ح 1 / 7508] طَلَل الماء بالتحريك: ظهره. (35) والجُدَد بضم الجيم وفتح الدال المهملة الاُولى: وجه الأرض كالجِدّ بالكسر والجديد والجَدد محرّكة . (36) وحكى طاب ثراه عن المازريّ أنّه قال : اللغة المشهورة الفصيحة في اليماني تخفيف الياء، وهو منسوب إلى اليمن، والقياس أن يُقال: يمني، فزادوا فيه الألف عوضا عن إحدى يائي النسب، فلو شدّدوا جمعوا بين العوض والمعوّض عنه، ولا ينبغي ذلك . وحكم سيبويه فيه بالتشديد، ووجّهه بأنّ الألف فيه زائدة، كما قالوا في النسب إلى صنعاء صنعاني، وفي النسب إلى الريّ رازيّ، فزادوا النون والزاي، ولذلك نظائر، (37) وهو الركن الذي يلي اليمن، والذي فيه الحجر هو العراقي؛ لأنّه يلي أهل العراق . قوله في خبر العلاء بن المقعد : (وكّل بالركن اليماني ملكا هجّيراً) .[ ح 11 / 7518] الهجّير: مثال الفسيق الدأب والعادة، كذا في كتب اللغة ، (38) والظاهر هنا ما نقله عليه السلام في الخبر الآتي، وهو من ليس له عمل ، والمعنى: أنّه تعالى وكّل ملكا ليس له شغل إلّا التأمين على دعاء الدّاعين عند الركن اليماني، ولا يشتغل بغير ذلك ممّا يشتغل به صنوف الملائكة الموكّلين بتدبير اُمور العالم . قوله في خبر إبراهيم بن عيسى : (اللّهُمَّ اهدِ له خيار خلقك وجنّبه شِرار خلقك) . [ ح 19 / 7526] الضميران الغائبان للركن اليماني، والمراد بالخيار شيعة آل محمّد عليهم السلام ، وبالشرار مخالفوهم . ويدلّ عليه خبر أبي الفرج السندي . (39)

.


1- . الكافي، باب نوادر الطواف، ح 16؛ الفقيه، ج 2، ص 402، ح 2818؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 441 و 442، ح 18166 و 18167.
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 699 و 703 و 766.
3- . الحجّ (22) : 29 .
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 127، ح 419؛ الاستبصار، ج 2، ص 228، ح 786؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 404، ح 18074 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 127 128، ح 420؛ الاستبصار، ج 2، ص 228، ح 787؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 404، ح 18073 .
6- . جامع المقاصد، ج 3، ص 201.
7- . شرح اللمعة، ج 2، ص 256.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 127 128، ح 419 و 420.
9- . كالشهيد في المساك، ج 2، ص 336.
10- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 174.
11- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 202.
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 699 .
13- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 428.
14- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 328.
15- . اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 359.
16- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 403 404.
17- . مدارك الاحكام، ج 13، ص 174.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 127 128، ح 419 و 420 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 127، ح 419؛ الاستبصار، ج 2، ص 228، ح 786؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص404، ح 18074 . والمذكور هنا مُلخّص منه.
20- . جامع المقاصد، ج 3، ص 201.
21- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 349.
22- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 173.
23- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 373، الدرس 98.
24- . جامع المقاصد، ج 3، 201.
25- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 174 175.
26- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 329، الدرس 86 .
27- . اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 356؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 194؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 694 ؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 345؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 165.
28- . منتهى المطلب، ج 2، ص 694 .
29- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 345. وحكاه عنه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 194.
30- . صحيح مسلم، ج 4، ص 66 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 174، ح 860 ؛ سنن النسائي، ج 5 ، ص 231؛ والسنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 403، ح 3932.
31- . لم أعثر عليه.
32- . أبو الحسن عليّ بن محمّد بن خلف المعافري القيرواني ابن القابسي، عالم المالكيّة بإفريقيّة في عصره كان حافظا للحديث وعلله ورجاله، فقيها اُصوليا من أهل القيروان، نسبته إلى المعافرين من قرى قابس، رحل إلى المشرق سنة 352، وعاد إلى القيروان سنة 357 وتولى الفتيا وكان أعمى، وتوفّي سنة 403 بالقيروان، له تصانيف منها: الممهّد في الفقه، المنقذ من شبه التأويل، ملخّص الموطّأ، وغيرها. راجع: الأعلام للزركلي، ج 4، ص 326؛ معجم المؤلّفين، ج 7، ص 194؛ الوافي بالوفيّات، ج 21، ص 301 302.
33- . اُنظر: عمدة القاري، ج 3، ص 27.
34- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 394؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 386؛ عمدة القاري، ج 3، ص 27؛ وج 9، ص 255؛ الاستذكار، ج 4، ص 52 ؛ التمهيد، ج 10، ص 51 ؛ وج 21، ص 76.
35- . مجمع البحرين، ج 3، ص 95 (طلل).
36- . ترتيب كتاب العين، ج 1، ص 267 (جد)؛ معجم مقائيس اللغة، ج 1، ص 408.
37- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 38؛ تحفة الأحوذي، ج 3، ص 505 .
38- . صحاح اللغة، ج 2، ص 852 (هجر)؛ النهاية، ج 5 ، ص 246.
39- . هو الحديث 15 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 342، ح 17905.

ص: 211

. .

ص: 212

. .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

. .

ص: 217

باب الملتزم والدّعاء عنده

باب الملتزم والدّعاء عندهالملتزم: المستجار، وهو جزء من حائط الكعبة، خلفها حذاء الباب دون الركن اليماني بقليل . (1) ويدلّ على هذا التحديد وعلى استحباب التزامه والدعاء والاستغفار عنده ما رواه المصنّف في الباب، والمشهور بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا في التزامه أن يبسط يديه على البيت، ويلصق خدّه وبطنه به، كما يدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار . (2) وقال الشيخ قدس سره في النهاية : «بسطت يديك على الأرض وألصقت خدّك وبطنك بالبيت ». (3) وقال ابن إدريس : «إنّما ورد بهذا اللفظ حديث فأورده على جهته ». (4) وأقول : الظاهر وقوع سهو من بعض رواة هذا الحديث في إبدال البيت بالأرض، وإلّا فلا يتصوّر بسط اليدين على الأرض وإلصاق الخدّ والبطن بالبيت .

.


1- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 344؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 163.
2- . هي الحديث الرابع من معاوية بن عمّار؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 346، ح 17913.
3- . النهاية، ص 236.
4- . السرائر، ج 1، ص 571 . والحديث في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 104، ح 339؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 347 348، ح 17917 .

ص: 218

باب فضل الطواف

باب

باب حدّ موضع الطواف

باب فضل الطوافقد اختلفت الأخبار في كمّيّة فضله، وحُملت على اختلاف رُتَب الطائفين، ولا يبعد حمل أخبار السبعين ألفا (1) على الطواف الواجب، وأخبار الستّة الآلاف (2) على المندوب منه، وهو يحتمل جعل الأوّل كناية عن الكثرة، فقد شاع استعمال السبع والسبعين والسبعمئة والسبعين ألفا ونظائرها في هذا المعنى، وقد بسطنا ذلك سابقا .

بابهو من الباب الأوّل، والفرق: أنّ الأوّل لبيان فضيلة الطواف في نفسه، وهذا لبيان فضيلة نوع منه على نوع آخر، أو على الصلاة في الجملة .

باب حدّ موضع الطوافالمذهب المنصور أنّ المطاف مطلقا ما بين البيت والمقام ونحوه من جوانب البيت إلّا من جانب الحجر، فيعتبر ذلك البُعد منه لا من البيت . واحتجّوا عليه بخبر محمّد بن مسلم، (3) وهو مع كونه عليلاً بضرير (4) إنّما يدلّ على احتساب المسافة من البيت بين جميع جوانبه، وقد ثبت من مذهب أهل البيت عليهم السلام خروج الحِجر كلّه من البيت ، ولذلك قال الشهيد الثاني قدس سره في المسالك : «يحتمل احتساب الحجر من المسافة على القول بخروجه وإن لم يجز سلوكه ». (5) وقيل : هو أحوط . (6) ونقل عن ابن الجنيد جواز الطواف خارج المقام عند الضرورة (7) محتجّا بما رواه الصدوق عن أبان، عن الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الطواف خلف المقام ، قال : «ما أحبّ ذلك وما أرى به بأسا، فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بُدّاً ». (8) وهو ظاهر الصدوق أيضا . (9) وذهب الجمهور إلى جوازه في الحجر، مع أنّهم يعتقدون أنّه كلّه أو بعضه من الحجر . (10) والمراد بالمقام في هذا المقام نفس الصخرة لا ما عليه من البناء؛ ترجيحا للاستعمال الشرعي على العرفي، على ما قاله الشهيد الثاني . (11) قوله في خبر محمّد بن مسلم : (كان الناس يطوفون بالبيت والمقام) .] ح 1 / 7538] والسرّ في ذلك أنّ المقام كان متّصلاً بالبيت في عهده صلى الله عليه و آله إلى زمان خلافته، فحوّله إلى المكان الذي فيه الآن كما سبق .

.


1- . كما في الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- . كما في الحديث الثاني من هذا الباب.
3- . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 108، ح 351؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 350، ح 17920 .
4- . لم يرد فيه توثيق. اُنظر: رجال النجاشي، ص 453، الرقم 1227؛ رجال داود، ص 201، الرقم 1689.
5- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 333.
6- . كفاية الأحكام، ج 1، ص 331.
7- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 183.
8- . الفقيه، ج 2، ص 399، ح 2809؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 351، ح 17921.
9- . نسب إليه في مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 131.
10- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 25 26؛ فتح العزيز، ج 3، ص 356.
11- . شرح اللمعة، ج 2، ص 249.

ص: 219

باب حدّ المشي في الطواف

باب حدّ المشي في الطوافقال الشيخ قدس سره في التهذيب: «ينبغي لمن يطوف أن يمشي بين المشيين، لا يسرع ولا يبطئ ». (1) واحتجّ عليه بخبر عبد الرحمن بن سيّابة، (2) وظاهره استحباب ذلك في مطلق الطواف ، وهو المشهور بين الأصحاب، وإنّما حملوا الخبر على الاستحباب مع أنّ ظاهره الوجوب؛ للجمع بينه وبين ما رواه الصدوق رضى الله عنهعن سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المسرع والمبطئ في الطواف ، فقال : «كلّ واسع ما لم يؤذ أحداً ». (3) وقال المحقّق : «وقيل : يرمل ثلاثا»، (4) و الرمل: هو الإسراع في المشي مع تفاوت الخطى، دون الوثوب والعدو ، ويقال له الخبب، وغلط من الأئمّة من ظنّ كونه دون الخبب ، كذا في العزيز . (5) ولم يعرف القائل به في مطلق الطواف، ولا نصّ عليه أيضا . نعم ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط في خصوص طواف القدوم محتجّا بما رواه عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رمل ثلاثا ومشى أربعا . (6) وحكاه في المنتهى (7) عن العامّة كافّة محتجّين بهذا الخبر، لكنّهم نقلوه عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام ، عن جابر رضى الله عنه. (8) ونقلوا عن ابن عبّاس أيضا مثله . (9) وعن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رمل في عمره كلّها وفي حجّه، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ عليه السلام . (10) ويظهر منه أنّهم قالوا جميعا باستحباب الرمل في الأشواط الثلاثة من جميع جوانب البيت، وفي كلّ طواف، وليس كذلك ؛ ففي العزيز: لا خلاف في أنّ الرمل لا يُسَنّ في كلّ طواف . و فيمَ : يُسَنّ؟ فيه قولان: أحدهما: قال في التهذيب وهو الأصحّ _ : إنّما يُسَنّ في طواف القدوم والابتداء؛ لأنّه أوّل العهد بالبيت، فيليق به النشاط والاهتزاز . والثاني: أنّه إنّما يُسَنّ في طواف يستعقب السعي؛ لانتهائه إلى تواصل الحركات بين الجبلين، وهذا أظهر عند الأكثرين . ويشهد للأوّل ما روي أنّه صلى الله عليه و آله لم يرمل في طوافه بعدما أفاض ، وللثاني أنّه صلى الله عليه و آله رمل في طواف عمره كلّها . (11) انتهى . والظاهر استحباب اختصاصه بطواف قدوم الصحابة مع النبيّ صلى الله عليه و آله في الأشواط الثلاثة الاُول في غير ما بين الركنين بناءً على العلّة المنقولة في ذلك ، ففي المنتهى: السبب فيه ما رواه ابن عبّاس، قال : قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكّة فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم قوم قد نهكتهم الحمّى ولقوا منها شرّاً ، فأمرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين ، فلمّا رأوهم قالوا : ما نراهم إلّا كالغزلان . (12) وفي العزيز: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد شرط على المشركين عام الصدّ أن يتجلّوا عن بطحاء مكّة إذا عاد لقضاء العمرة ، فلمّا عاد وَفَوا ورَقوا قُعيقعان، وهو جبل في مقابلة الحجر والميزاب، فكان أصحابه يظهرون القوّة والجلادة حيث يقع أبصارهم عليهم، وإذا صاروا بين الركنين اليمانيّين كان البيت حائلاً بينهم وبين أبصارهم . (13) ولا يؤبه بقول صاحب العزيز ولا بما احتجّ به عليه، حيث قال بعدما ذكرنا عنه : ثمّ إنّ ذلك بقي سنّة متّبعة وإن زال السبب؛ لما روي عن عمر أنّه قال : فيمَ الرمل وقد نَعَى اللّه الشرك وأهله وأعزّ الإسلام؟ إلّا أنّي لا أحبّ أن أدع شيئا كنّا نفعله على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (14) هذا ، واستحبابه على القول به مختصّ بالرجال لصعوبته على النساء والصبيان مع منافاته في النساء للتستّر المطلوب فيهنّ .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 109.
2- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 109، ح 352؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 352، ح 17925.
3- . الفقيه، ج 2، ص 411، ح 2842؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 351، ح 17922.
4- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 201.
5- . فتح العزيز، ج 7، ص 326.
6- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 356.
7- . منتهى المطلب، ج 2، ص 696 .
8- . سنن النسائي، ج 5 ، ص 235؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 409، ح 3955؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 174، ح 859 ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 983، ح 2951؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 74.
9- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 387؛ صحيح ابن حبّان، ج 9، ص 122 123؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 387.
10- . مسند أحمد، ج 1، ص 255؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 696 ؛ المغني، ج 3، ص 387؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 387؛ تلخيص الحبير، ج 7، ص 331.
11- . فتح العزيز، ج 7، ص 329 331.
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 696 .
13- . فتح العزيز، ج 7، ص 329.
14- . فتح العزيز، ج 2، ص 325.

ص: 220

. .

ص: 221

باب الرجل يطوف فتعرض له الحاجة أوالعلّة

باب الرجل يطوف فتعرض له الحاجة أوالعلّةالمشهور بين الأصحاب جواز قطع الطواف المندوب لعذر وغيره، قبل أربعة أشواط وبعدها، ثمّ البناء مطلقا قبل الأربعة وبعدها إن كان القطع لعذر، وبعدها والاستيناف قبلها لو كان القطع من غير عذر . وجوّز الشهيد في الدروس (1) البناء مطلقا، وهو ظاهر ابن إدريس على ما سيحكى عنه . وأجمعوا على عدم جواز قطع الواجب منه من غير سبب، وعلى جوازه معه . ويستفاد ذلك كلّه من الأخبار . ثمّ المشهور بين المتأخّرين البناء على ما مضى مع بلوغ الأربعة والاستيناف قبله مطلقا ، ففي الدروس فرّع على اشتراط الموالاة في الواجب بقوله : فلو قطعه في أثنائه ولمّا يطف أربعة أعاد، سواء كان لحدث أو خبث أو دخول البيت أو صلاة فريضة على الأصحّ أو نافلة أو لحاجة له أو لغيره أم لا . (2) ومثله في شرح اللمعة. وفي المقنعة : وإذا طاف الرجل بالبيت بعض الطواف ثمّ قطعه واشتغل بغيره، ناسيا كان أو متعمّداً، فإنّه إن كان ما طافه يزيد على النصف بنى على ما مضى ، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف ، وإذا حاضت المرأة وهي في الطواف قطعت وانصرفت ، فإن كان ما طافته أكثر من النصف بنت عليه إذا طهرت، وإن كان أقلّ استأنفت . (3) وفصّل جماعة في البناء والاستيناف تفصيلاً آخر، فاعتبر العلّامة في المنتهى (4) في البناء تواصل الأربعة في القطع نسيانا ولدخول البيت و السعي في حاجته أو حاجة غيره و الحيض، و أوجَبَ البَناء مطلقا لو قطعه لصلاة فريضة أو للوتر وصلاة الجنازة، ونسبه في الفريضة إلى أهل العلم كافّة إلّا الحسن البصري . (5) وهو ظاهر المحقّق في النافع حيث أوجب البناء مطلقا في القطع للصلاة الواجبة والوتر، واعتبر التواصل في البواقي لكنّه لم يتعرّض لصلاة الجنازة ، إلّا أن يقال بإدراجه في الصلاة الفريضة الحاضرة، فقد قال: ولو نقص من طوافه وقد تجاوز النصف أتمّ ، ولو رجع إلى أهله استناب ، ولو كان دون ذلك استأنف ، وكذا من قطع الطواف لحدث أو لحاجة، ولو قطعه لصلاة فريضة حاضرة صلّى وأتمّ طوافه ولو كان دون الأربع ، وكذا الوتر. (6) وهو ملخّص كلام الشيخ في المبسوط (7) والتهذيب، (8) ومحكي عن أبي الصلاح (9) في خصوص الصلاة الفريضة البناء مطلقا، واعتبار التواصل فيما عداها ، وإليه ذهب ابن إدريس . (10) والذي ظهر لي من الأخبار البناء في صورة القطع لعذر الصلاة والإعياء والنجاسة مطلقا من غير اعتبار تواصل الأربعة ؛ أمّا الأوّلان فلإطلاق ما يرويه المصنّف في القطع لهما والبناء في الباب الآتي (11) من غير مخصّص ، ويؤيّده الأصل . وأمّا النجاسة فلعموم خبر يونس بن يعقوب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف، قال : «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه، ثمّ يخرج فيغسله، ثمّ يعود فيتمّ طوافه ». (12) وخصوص ما رواه الصدوق رضى الله عنه عن حمّاد بن عيسى، عن حبيب بن مظاهر، قال : ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته، ثمّ جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبداللّه عليه السلام فقال : «بئس ما صنعتَ كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، أما إنّه ليس عليك شيء ». (13) والخبران وإن كانا مجهولين لوجود بنان (14) بن محمّد و محسن بن أحمد (15) في سند الأوّل، وحبيب بن مظاهر في الثاني، إلّا أنّهما مؤيّدان بالأصل السالم عن المعارض. على أنّه يحتمل ولو على بُعد أن يكون حبيب هو الشهيد بكربلاء [ و] على إرادة الحسين عليه السلام من أبي عبداللّه . (16) واختلفت الأخبار في الحدث، فدلّ أكثرها على ما اشتهر من اعتبار التواصل في البناء فيه، منها : مرسلة ابن أبي عمير . (17) ومنها : ما رواه الشيخ من مرسلة جميل، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة، وقد طاف بعضه؟ قال : «يخرج ويتوضّأ، فإن كان قد جاز النصف بنى على طوافه، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف ». (18) وخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إذا حاضت المرأة في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة فجاوزت النصف، فعَلَمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقيّة طوافها من الموضع الذي علمت فيه، وإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف ». (19) وخبر إبراهيم بن إسحاق، عمّن سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت، قال : «تتمّ طوافها وليس عليها غيره، ومتعتها تامّة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة؛ لأنّها زادت على النصف، وقد مضت متعتها فلتستأنف بعد الحجّ ». (20) وخبر أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ، قال : حدّثني مَن سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتّعة: «إذا طافت بالبيت أربعة أشواط، ثمّ حاضت فمتعتها تامّة، وتقضي ما فاتها من الطواف في البيت وبين الصفا والمروة، وتخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الأخير ». (21) ويؤيّدها خبر فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاءت ». (22) وقد ورد في بعضها البناء لعذر الحيض مطلقا ، رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثمّ رأت دما ، فقال : «تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت منه واعتدّت بما مضى ». (23) وفي الصحيح عن العلاء عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام مثله ، ثمّ قال رضى الله عنه : «وبهذا الحديث أفتي دون الحديث الذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق، _ مشيراً إلى ما رويناه معلّلاً بأنّ هذا الحديث إسناده منقطع، والحديث الأوّل رخصة ورحمة وإسناده متّصل ». (24) وعلى المشهور حُمِلا على الطواف المندوب؛ للجمع . وأمّا دخول الكعبة فمقتضى إطلاق أخباره إعادة الطواف له مطلقا من غير مخصّص يعتدّ به، كصحيحة عمران بن عليّ الحلبيّ، (25) وقد رواها الشيخ بسند آخر صحيح أيضا عن حمّاد عن الحلبيّ (26) بأدنى تغيير . ويحتمل أن يكون الحلبيّ في سنده محمّد بن عليّ الحلبيّ كما هو الشائع في إطلاق الحلبيّ. وصحيحة حفص بن البختريّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام فيمن كان يطوف بالبيت فعرض له دخول الكعبة فدخلها، قال : «يستقبل طوافه». (27) ولا يوجب تخصيصها بما دون الأربعة خبر ابن مسكان، قال : حدّثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط، ثمّ وجد من البيت خلوة فدخله ، قال : «نقض طوافه وخالف السنّة فليعد»؛ (28) لأنّه مع عدم صحّته وإضماره إنّما كان التقييد بالثلاثة فيه في كلام السائل ، فلا يبعد القول به، لا سيّما في حقّ غير الصرورة ؛لعدم استحباب دخول الكعبة عليه . واختلفت الأخبار في القطع لقضاء حاجته أو حاجة أخيه أيضا، فدلّت أكثرها على البناء مطلقا ، بل في بعضها تصريح بذلك فيما دون النصف ؛ فقد روى موسى بن القاسم بإسناده عن أبان بن تغلب، قال : كنت مع أبي عبداللّه عليه السلام في الطواف فجائني رجل من إخواني، فسألني أن أمشي معه في حاجته ، ففطن بي أبو عبداللّه عليه السلام فقال : «يا أبان، مَن هذا الرجل؟» قلت : رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجته ، فقال : «اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته فاقضها له »، فقلت : إنّي لم أتمّ طوافي؟ قال : «احص ما طفت وانطلق معه في حاجته »، قلت : وإن كان فريضة؟ قال : «نعم ، وإن كان فريضة »، ثم قال : «يا أبان، وهل تدري ما ثواب مَن طاف بهذا البيت اُسبوعا»؟ فقلت : لا واللّه ما أدري ، قال : «تكتب له ستّة آلاف حسنة، وتُمحى عنه ستّة آلاف سيّئة، وتُرفع له ستّة آلاف درجة ». قال : (29) وروى إسحاق بن عمّار : «وتُقضى له ستّة آلاف حاجة ، ولقضاء حاجة مؤمن خيرٌ من طواف وطواف» حتّى عدّ عشرة أسابيع ، فقلت له : جُعلت فداك، أفريضة أو نافلة ؟ فقال : «يا أبان، إنّما يسأل اللّه العباد عن الفرائض لا عن النوافل ». (30) وروى الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن صفوان الجمّال، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف؟ فقال : «يخرج معه في حاجته، ثمّ يرجع ويبني على طوافه ». (31) وقال رضى الله عنه : وفي نوادر ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهماالسلام أنّه قال في الرجل يطوف فتعرض له الحاجة ، قال : «لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف، وإذا أراد أن يستريح في طوافه ويقعد فلا بأس به، فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقلّ من النصف ». (32) وبعضها يدلّ على الاستيناف في الفريضة من غير تقييد كحسنة أبان بن تغلب، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (33) وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه . (34) وعلى المشهور حملوا الأوّل على ما إذا بلغ الأربعة، والثاني عليه أو على الطواف المندوب ، والثالث عليه للجمع بينها وبين حسنة أبان ومرسلة جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهماالسلام قال في الرجل يطوف ثمّ تعرض له الحاجة ، قال : «لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف، وإن أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك، فإذا رجع بنى على طوافه، فإن كان نافلة بنى على الشوطين، وإن كان طواف فريضة ثمّ خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه »، (35) فتأمّل . وأمّا العبادة فلم أقف على دليل على اعتبار التواصل فيه . نعم ، قد قيّد البناء فيها بالخمسة في كلام السائل في خبر عليّ بن عبد العزيز، عن أبي غرّة ، (36) وما رواه الشيخ عن عبّاس، عن عبداللّه بن يحيى الكاهليّ، عن أبي الفرج، قال : طفت مع أبي عبداللّه عليه السلام خمسة أشواط، ثمّ قلت : إنّي اُريد أن أعود مريضا؟ فقال : «احفظ مكانك، ثمّ اذهب فعُدُه، ثمّ ارجع فأتمّ طوافك ». (37) على أنّ الخبرين مجهولان بجهالة عبد العزيز وأبي غرّة في الأوّل، واشتراك عبّاس (38) وجهالة أبي الفرج في الثاني، فإنّ الظاهر أنّه عثمان بن أبي زياد الأسديّ (39) أو السنديّ عيسى (40) أو الأصبهاني عليّ بن الحسين (41) الزيدي ّ، ولا يحتمل أن يكون محمّد بن أبي عمران القزوينيّ الثقة، فإنّه كان معاصراً للنجاشيّ، (42) ولا مظفّر بن أحمد القزوينيّ، فإنّه لم يرو [ عن الأئمة عليهم السلام ]. مع أنّه أيضا مجهول . (43) وأمّا تركه نسيانا فلم أجد فيه سوى موثّق إسحاق بن عمّار، (44) وحسن الحسن بن عطيّة، (45) ويرويهما المصنّف في باب السهو في الطواف ، (46) والثاني مقيّد بالسنّة لكن في كلام السائل ، والأوّل مطلق، بل تعليله يُشعر بالبناء ولو على شوط . والشيخ قال في التهذيب : فإن بدأ بالطواف فطاف أشواطا، ثمّ سها فقطع الطواف وسعى بين الصفا والمروة سعيين ثمّ ذكر، فليقطع السعي وليرجع إلى البيت فيتمّ طوافه، ثمّ يرجع إلى السعي فيبني على ما قطع عليه . (47) والظاهر أنّه أراد به الستّة لما صرّح به في غير هذا الموضع، حيث قال : «ومَن طاف بالبيت ستّة أشواط وانصرف فليضف إليه شوطا آخر ولا شيء عليه، فإن لم يذكر حتّى يرجع إلى أهله أمر من يطوف عنه ». (48) واحتجّ عليه بخبر الحسين بن عطيّة، (49) وقد رواه في الصحيح ، وبصحيحة الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : رجل طاف بالبيت واختصر شوطا واحداً في الحجر؟ قال : «يعيد ذلك الشوط ». (50) واعلم أنّ المشهور وجوب العود إلى موضع القطع فيما إذا يبني، وإذا ذهب من موضع الطواف نحو البيت لاستلام الأركان، وقالوا: يعلم الموضع ويعود إليه ليتمّ طوافه من غير زيادة ونقصان . ويدلّ عليه أخبار أبي غرّة (51) وأبي بصير (52) وأبي الفرج، (53) وصحيحة محمّد بن مسلم (54) المتقدّمة، وفي مقابلها حسنة معاوية بن عمّار في باب من طاف واختصر في الحجر، (55) حيث دلَّ على إعادة الشوط من الحجر الأسود . وفي المدارك: وجوّز العلّامة في المنتهى (56) البناء على الطواف السابق من الحجر وإن وقع القطع في أثناء الشوط، بل جعل ذلك أحوط من البناء من موضع القطع، وهو صريح في عدم تأثير مثل هذه الزيادة، ولا بأس به . (57)

.


1- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 395.
2- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 395، الدرس 103.
3- . المقنعة، ص 440.
4- . منتهى المطلب، ج 2، ص 697 698 .
5- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 413؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 400.
6- . المختصر النافع، ص 93.
7- . المبسوط، ج 1، ص 358.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 118، ذيل الحديث 385.
9- . الكافي في الفقه، ص 195.
10- . السرائر، ج 1، ص 573 .
11- . ح 1 و 3 و 4 من الباب الآتي.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 126، ح 415؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 399، ح 18060 .
13- . الفقيه، ج 2، ص 395، ح 2798؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 379، ح 18006 .
14- . هذا هو الظاهر الموافق للمصادر، وفي الأصل: «أبان». وبنان لقب لعبد اللّه بن محمّد بن عيسى، روى الكشّي على ما في اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 590 ، الرقم 541 ؛ وخلاصة الأقوال، ص 328 بإسناده عن ابن سنان أنّ الصادق عليه السلام لعن بنانا، وفي رجال ابن داود، ص 58 ، ص 267: «مهمل». وفي منتقي الجمان، ج 1، ص 459: «لم يذكره غير الكشّي».
15- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 423، الرقم 1133؛ رجال الطوسي، ص 368، الرقم 5471 ؛ رجال ابن داود، ص 158، الرقم 1261.
16- . الرواى عن حبيب في هذا الحديث حمّاد بن عثمان المتوفّى سنة 190، واستهشد حبيب بن مظاهر مع الحسين عليه السلام ، فلا يمكن رواية حمّاد عنه، فالرواية مرسلة، أو من روى عنه حمّاد شخص آخر مجهول روى عن الصادق عليه السلام ، وهو الظاهر، لأنّ كلمة «أبي عبد اللّه » ظاهرة في ذلك. كذا قال السيّد الخوئي في ترجمة حبيب من معجم رجال الحديث.
17- . هي الحديث الثاني من هذا الحديث من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 378، ح 18004.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 118، ح 384؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 378، ح 18004 ، وهذا الحديث نفس الحديث المتقدّم، إلّا أنّ الكليني رواه بسنده عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، والشيخ رواه عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا.
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 395 396، ح 1377؛ الاستبصار، ج 2، ص 315 316، ح 1118؛ والشيخ رواه عن الكليني، والحديث في الكافي، باب المرأة تحيض بعد ما دخلت في الطواف، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 453 454، ح 18199 .
20- . الاستبصار، ج 2، ص 313، ح 1112. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 383، ح 2767؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 455 456، ح 18202 و 18203 .
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 393، ح 1370؛ الاستبصار، ج 2، ص 313، ح 1111؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 456، ح 18204 .
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 397، ح 1382؛ ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 382، ح 2763؛ والكليني في الكافي، باب نادر، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 461، ح 18213 .
23- . الفقيه، ج 2، ص 383، ح 2766. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 397، ح 1380، وص 475، ح 1674؛ الاستبصار، ج 2، ص 317، ح 1121؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 454 455، ح 18201 .
24- . الفقيه، ج 2، ص 382 383، وحديث إبراهيم بن إسحاق هو الحديث 2767 من هذا الكتاب.
25- . هي الحديث الثالث من هذا الباب الكافي.
26- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 118، ح 386؛ الاستبصار، ج 2، ص 223، ح 768؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 379، ح 18007 .
27- . الفقيه، ج 2، ص 394، ح 2797؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 378 379، ح 18005 .
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 118، ح 387؛ الاستبصار، ج 2، ص 223، ح 769؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 379، ح 18008 .
29- . في الهامش: «موسى بن القاسم، منه».
30- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 120، ح 392 و 393؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 380، ح 18011 .
31- . الفقيه، ج 2، ص 395، ح 2799؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 382، ح 18015 .
32- . الفقيه، ج 2، ص 393 394، ح 2795؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 120 121، ح 394؛ والاستبصار، ج 2، ص 224 225، ح 774؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 381، ح 18012 .
33- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
34- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 119، ح 388؛ الاستبصار، ج 2، ص 223، ح 770؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 380، ح 18009 .
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 120 121، ح 394؛ الاستبصار، ج 2، ص 224 225، ح 774؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 381، ح 18012 .
36- . وهو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 13، ص 382، ح 18014 .
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 119، ح 390؛ الاستبصار، ج 2، ص 223 224، ح 772؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 180، ح 18010 .
38- . في الهامش: «عباس مشترك بين جماعة كثيرة، أكثرهم المجاهيل، منه».
39- . اُنظر: رجال الطوسي، ص 259، الرقم 3686 .
40- . رجال الطوسي، ص 259، الرقم 3675؛ قاموس الرجال، ج 11، ص 463، الرقم 728 .
41- . هذا هو الظاهر الموافق لترجمة الرجل، وفي الأصل: «الحسن»، اُنظر: معالم العلماء، ص 175، الرقم 986.
42- . الرجال النجاشي، ص 397، ح 1062.
43- . رجال الطوسي، ص 446، ح 6340 ؛ نقد الرجال، ج 4، ص 381، الرقم 5308 .
44- . هو الحديث الثامن من باب السهو في الطواف من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 358، ح 17943.
45- . هو الحديث التاسع من ذلك الباب من الكافي. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 396 397، ح 2803؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 109، ح 354. وسائل الشيعة، ج 13، ص 357، ح 17942 .
46- . هذا هو الصحيح، وفي الأصل: «السهو في الصلاة».
47- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 130، بعد الحديث 427.
48- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 109، بعد الحديث 352.
49- . نفس المصدر، ح 354.
50- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 109، ح 353؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 356، ح 17938 .
51- . هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
52- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 453 454، ح 18199.
53- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 180، ح 18010.
54- . الفقيه، ج 2، ص 383، ح 2766؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 454 455، ح 18201 .
55- . الحديث الثاني من ذلك الباب. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 398 399، ح 2807. وسائل الشيعة، ج 13، ص 357، ح 17940 .
56- . منتهى المطلب، ج 2، ص 698 .
57- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 154.

ص: 222

. .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

. .

ص: 226

. .

ص: 227

. .

ص: 228

. .

ص: 229

. .

ص: 230

باب السهو في الطواف

باب السهو في الطوافأراد قدس سره بقرينة الأخبار من السهو المعنى العام الشامل للشكّ والنسيان ، أمّا الشكّ فله صور متعدّدة مختلفة في الحكم، فقد قال الشهيد الثاني قدس سره في شرح اللمعة : لو شكّ في عدد الأشواط بعد الفراغ منه لم يلتفت مطلقا، وفي الأثناء يبطل إن يشكّ في النقيصة، كأن شكّ بين كونه تامّا أو ناقصا أو في عدد الأشواط مع تحقّق عدم الإكمال، ويبني على الأقلّ إن شكّ في الزيادة على السبع إذا تحقّق إكمالها إن كان على الركن، ولو كان قبله بطل أيضا مطلقا كالنقصان؛ لتردّده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمداً، والقطع المحتمل للنقيصة .وأمّا نفل الطواف فيبنى فيه على الأقلّ مطلقا . (1) وما ذكره قدس سره في الطواف المندوب مجمعٌ عليه بين الأصحاب ، ويدلّ عليه أكثر أخبار الباب. وكذا عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الفراغ ممّا أجمعوا عليه. واحتجّوا عليه بعموم قوله عليه السلام في صحيحة زرارة : «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشككت فليس بشيء» . (2) أو بأنّه شكّ في واجب فات محلّه فلا اعتبار به، كمَن شكّ في عدد الركعات بعد فراغه من الصلاة. ومثلهما في الإجماع عدم اعتبار الشكّ في الزيادة مع بلوغ الركن ، فأجمعوا على أنّه يقطع الطواف ، وعلى صحّته . (3) واستدلّوا له بصحيحة الحلبيّ قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، فلم يدرِ أسبعة طاف أم ثمانية؟ فقال : «أمّا السبع فقد استيقن، وإنّما وقع وهمه على الثامن فليصلِّ ركعتين ». (4) وخبر الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : رجل طاف فلم يدرِ أسبعا طاف أو ثمانيا؟ قال : «يصلّي ركعتين ». (5) ويؤيّدهما أصالة عدم الزيادة . وخصّص الشيخ في التهذيب (6) وغيره خبر أبي بصير الدالّ على فساد الطواف به بالشاكّ فيما دون السبعة، وسكتوا عن الشكّ بين السبعة وما زاد على الثمانية؛ لخلوّ صريح الأخبار عنه، والتعليل الذي في صحيحة محمّد بن مسلم (7) يعطي مشاركته لما ذكر . وأمّا ما ذكره قدس سره من فساد الطواف بالشكّ في الزيادة قبل بلوغ الركن فقد نسبه في المدارك (8) إلى الشيخ (9) معلّلاً بما ذكر، وردّه بأنّه لا دليل على كون احتمال الزيادة مبطلاً . ولا يبعد التمسّك فيه بخبر أبي بصير، فإنّه عامّ في إفساد الشكّ إيّاه، خرج ما خرج بالدليل فبقي الباقي ، وكتب الأكثر خالية عنه . ونقل عن ابن الجنيد أنّه غير مبطل له بل يتمّه ، وكذا ما ذكره قدس سره من حكم الشكّ في النقيصة ذكره الشيخ في التهذيب (10) والمبسوط، (11) وتبعه أكثر المتأخّرين ، وبه قال الصدوق (12) وابن إدريس، (13) ونقل عن ابن البرّاج، (14) وهو ظاهر المفيد في المقنعة حيث قال : «مَن طاف بالبيت فلم يدر ستّا طاف أو سبعا فليطف طوافا آخر؛ ليستيقن أنّه قد طاف سبعا ». (15) وظاهر ما حكاه في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : وإذا شكّ في إتمام طوافه تمّمه حتّى يخرج منه بيقين، وسواء كان شكّ في شوط أو بعضه، وإن كان تجاوز الطواف إلى الصلاة وإلى السعي ثمّ شكّ فلا شيء عليه، وإن كان في طواف الفريضة فالاحتياط خروجه منه على يقين من غير زيادة ولا نقصان ، وإن كان في نافلة بنى على الأقل . (16) وقد حكى فيه مثله عن عليّ بن بابويه وعن أبي الصلاح (17) أيضا . واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بخبر حنّان بن سدير، (18) وبما رواه عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت، فلم يدرِ أستّة طاف أو سبعة طواف فريضة؟ قال: «فليعد طوافه» قيل: إنّه قد خرج وفاته ذلك، قال ليس: «عليه شي». (19) و في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبى عبداللّه عليه السلام في رجل لم يدرِ أستّة طاف أو سبعة؟ قال : «يستقبل ». (20) وفي الصحيح عن منصور بن حازم، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي طفت فلم أدر أستّة طفت أم سبعة، فطفت طوافا ، فقال : «هلّا استأنفت؟» قلت : قد طفت وذهبت ، قال : «ليس عليك شيء ». (21) وعن أحمد بن عمر المرهبي، عن أبي الحسن الثاني عليه السلام ، قال : سألته، قلت : رجل شكّ في الطواف، فلم يدر أستّة طاف أو سبعة؟ قال : «إن كان في فريضة أعاد كلّ ما شكّ فيه، وإن كان في نافلة بنى على ما هو أقلّ ». (22) ويدلّ عليه أيضا ما رواه المصنّف قدس سره عن سماعة عن أبي بصير . (23) وفي الحسن عن الحلبيّ. (24) وأنت خبير بظهور خبر محمّد بن مسلم وصحيحة منصور بن حازم في استحباب الإعادة ، بل صحيحة معاوية بن عمّار أيضا ، فإنّ المصنّف قدس سره قد رواها بعينه بسند آخر حسن عنه بضميمة قوله : قلت : ففاته ذلك؟ قال : «لا شيء عليه ». (25) ويؤكّده ما رواه المصنّف في الصحيح عن منصور بن حازم، والصدوق عن رفاعة عن الصادق عليه السلام أنّه قال في رجل لا يدري أثلاثة طاف أو أربعة؟ قال : «طواف نافلة أو فريضة؟» قال أجبني فيهما جميعا ، قال : «إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت ، وإن كان طواف فريضة [ فأعد الطواف» (26) و في صحيح منصور بن حازم، قال: سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضه فلم يدر ستّة طاف أم سبعة، قال:] (27) «فليعد طوافه ». قيل : إنّه قد خرج وفاته ذلك؟ قال : «ليس عليه شيء ». (28) والظاهر صحّة سنده إليه، فليحمل عليه أخبار المرهبيّ وسماعة وحنّان والحلبيّ مع ضعف أكثرها؛ لجهالة المرهبيّ (29) ووجود إسماعيل بن مرار (30) في خبر الثاني، وهو أيضا مجهول الحال ، ووقف حنّان من غير توثيق ، (31) فتأمّل . وأمّا النسيان فمَن نسي بعض الأشواط و مضى فقد مضى، ومَن زاد فيه فبعد إكمال الشوط يضيف إليه ستّة أشواط، ويجعله طوافين على المشهور تعويلاً على رواية أبي كهمش (32) على ما رواه الشيخ ، ففي التهذيب بعد قوله : «فليقطعه» قوله : «وقد أجزأ عنه، وإن لم يذكر حتّى بلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا، وليصلِّ أربع ركعات ». (33) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن أبي أيّوب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة ، قال : «فليضمّ إليها ستّا، ثمّ يصلّي أربع ركعات ». (34) وما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام قال : «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف إليها ستّا ، وكذا إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا ». (35) وفي صحيح آخر عنه عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية ، قال : «يضيف إليها ستّة ». (36) وفي الصحيح عن معاوية بن وهب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ عليّا عليه السلام طاف ثمانية فزاد ستّا، ثمّ ركع أربع ركعات ». (37) وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ عليّا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية، فترك سبعة وبنى على واحد، وأضاف إليها ستّا، ثمّ صلّى ركعتين خلف المقام، ثمّ خرج إلى الصفا والمروة ، فلمّا فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين للّذي ترك في المقام الأوّل ». (38) وعن رفاعة، قال : كان عليّ عليه السلام يقول : «إذا طاف ثمانية فليتمّ أربعة عشر »، قلت : يصلّي أربع ركعات؟ قال : «يصلّي ركعتين ». (39) ويظهر من المصنّف القول بوجوب إعادة الطواف حينئذٍ حيث اكتفى في الباب بذكر ما يدلّ عليه من صحيحة هارون بن خارجة وخبر أبي بصير ، (40) ويؤكّدهما خبر عبداللّه بن محمّد، عن أبي الحسن عليه السلام قال : الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة، إذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذا السعي ». (41) وإليه ذهب الصدوق في المقنع (42) على ما حكى عنه في المختلف . (43) وجمع الشيخ قدس سرهفي التهذيب (44) بينها وبين ما سبق بحمل هذه على ما إذا زاد الشوط عمداً والأوّلة على النسيان ، واستند فيه بصحيحة عبداللّه بن سنان الآتية؛ لصراحتها في التقييد بالوهم، والأوّلون تبعوه في ذلك . هذا ، وهل الواجب هو الطواف الأوّل أو الثاني؟ ظاهر جماعة منهم العلّامة في المنتهى (45) هو الأوّل، حيث صرّحوا بأنّ إكمال الاُسبوعين على الندب والاستحباب دون الفرض والإيجاب . وحكى في المختلف (46) عن ابن الجنيد وعليّ بن بابويه أنّهما حكما بأنّه هو الثاني . وصحيحة زرارة (47) المتقدّمة ظاهرة فيه . وعلى هذا فيكون إكمال الاُسبوعين واجبا، وكذا عدول النيّة كعدولها في أثناء الصلاة على ما يظهر من المسالك . (48) وتردّد فيه الصدوق حيث قال في الفقيه بعد رواية صحيحة أبي أيّوب المتقدّمة: «وفي خبر آخر مشيراً إلى ما تقدّم من صحيحة زرارة أنّ الفريضة هو الطواف الثاني، والركعتان الأوّلتان لطواف الفريضة، والركعتان الأخيرتان والطواف الأوّل تطوّع». (49) ولو ذكر الزيادة قبل الوصول إلى الحجر فيقطع الشوط وصحّ طوافه إجماعا . ويدلّ عليه خبر أبي كهمس. (50) وعورض ذلك بصحيحة عبد الرحمن، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «من طاف بالبيت فوهم حتّى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطا، ثمّ ليصلِّ ركعتين ». (51) فإنّ إطلاق الدخول في الثامن شامل لما لو لم يبلغ الركن ، بل ظاهره خصوص ذلك . وأجاب الشيخ عنه في الاستبصار بأنّه مجمل، ورواية أبي كهمس مفصّلة، والحكم بالمفصّل أولى منه بالمجمل . (52) وأورد عليه في المدارك بأنّ «هذا جيّد لو تكافأ السندان، لكنّ الاُولى يعني رواية أبي كهمس ضعيفة؛ لاشتمال سندها على عدّة من الضعفاء ، وهذه الرواية معتبرة الأسناد، بل قد حكم العلّامة في المنتهى (53) بصحّتها ». (54)

.


1- . شرح اللمعة، ج 2، ص 252.
2- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 352، ح 1459؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 237، ح 10524 .
3- . اُنظر: تحرير الأحكام، ج 1، ص 587 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 117، المسألة، 481؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 699 ؛ النهاية للطوسي، ص 238؛ السرائر، ج1، ص 572 ؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 203.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 114، ح 370؛ الاستبصار، ج 2، ص 220، ح 756؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 368، ح 17974 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 113، ح 368؛ الاستبصار، ج 2، ص 219، ح 754؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 368 _ 369، ح 17975 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 113 114، ح 369. ومثله في الاستبصار، ج 2، ص 219 220، ح 755 .
7- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 359، ح 17944.
8- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 178 179.
9- . كذا بالأصل، والصحيح الموافق للمصدر: «الشهيد»، وكلامه في المسالك، ج 2، ص 349.
10- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 110.
11- . المبسوط، ج 1، ص 357.
12- . المقنع، ص 267.
13- . السرائر، ج 1، ص 572 .
14- . المهذّب، ج 1، ص 238.
15- . المقنعة، ص 440.
16- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 188.
17- . الكافي في الفقه، ص 195.
18- . هو الحديث السابع من هذا الباب. تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 111، ح 360؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 360 361، ح 17950 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 110، ح 356؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 359، ح 17944 .
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 110، ح 357؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 359، ح 17945 .
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 110، ح 358؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 359 360، ح 17946 .
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 110، ح 359؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 360، ح 17947 .
23- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 13، ص 362، ح 17954 .
24- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 13، ص 361، ح 17952 .
25- . الحديث الثالث من هذا الباب، ولفظه: «ليس عليه شيء».
26- . الفقيه، ج 2، ص 397، ح 2805؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 360، ح 17949 .
27- . ما بين الحاصرتين من المصدر ولابدّ منه، وفي الأصل وقع الخلط بين الروايتين.
28- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
29- . فإنّه لم يذكر في كتب الرجال.
30- . ذكره الشيخ في رجال الطوسي، ص 412، الرقم 5972 فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهم السلام ، وانظر ترجمته في معجم رجال الحديث.
31- . رجال الطوسي، ص 334، الرقم 4974. ووثّقه في الفهرست، ص 119، الرقم 254، وكذا ابن شهر آشوب في معالم العلماء، ص 80 ، الرقم 289.
32- . هي الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي.
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 113، ح 367؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 364، ح 17959 .
34- . الفقيه، ج 2، ص 396، ح 2801؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 367، ح 17969.
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 152، ح 502 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 240، ح 835 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 366، ح 17966 .
36- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 111 112، ح 362؛ الاستبصار، ج 2، ص 218، ح 748؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 365، ح 17964 .
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 112، ح 365؛ الاستبصار، ج 2، ص 218، ح 751؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 365، ح 17962 .
38- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 112، ح 366؛ الاستبصار، ج 2، ص 218 219، ح 752؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 365، ح 17963 .
39- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 112، ح 363؛ الاستبصار، ج 2، ص 218، ح 749؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 365 366، ح 17965 .
40- . هما ح 5 و 6 من هذا الباب.
41- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 151، ح 498؛ الاستبصار، ج 2، ص 217، ح 747؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 366، ح 17967 .
42- . المقنع، ص 266.
43- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 190.
44- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 112، بعد الحديث 361.
45- . منتهى المطلب، ج 2، ص 700.
46- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 191 192.
47- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 365، ح 17963.
48- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 347.
49- . الفقيه، ج 2، ص 396، ذيل الحديث 2801؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 367، ح 17970 .)
50- . هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي.
51- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 112، ح 364؛ الاستبصار، ج 2، ص 218، ح 750؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 364 365، ح 17961 .
52- . الاستبصار، ج 2، ص 19، ذيل الحديث 753.
53- . منتهى المطلب، ج 2، ص 700 .
54- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 170.

ص: 231

. .

ص: 232

. .

ص: 233

. .

ص: 234

. .

ص: 235

. .

ص: 236

. .

ص: 237

باب القران بين الأسابيع

باب القران بين الأسابيعقال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : المراد بالقران على ما ذكره الأصحاب الزيادة على السبع ولو كان خطوة أو أقلّ ، وقالوا بحرمتها في الفريضة وكراهتها في النافلة ، وظاهر الأخبار يدلّ على أنّ المراد به الإتيان بطوافين بدون صلاة في البين . (1) انتهى . والمعنى الأوّل هو المصرّح به في كلام جماعة ، ففي شرح اللمعة: القران بين الاُسبوعين بحيث لا يجعل بينهما تراخيا، وقد يُطلق على الزيادة عن العدد مطلقا مبطل في طواف الفريضة، ولا بأس به في النافلة وإن كان تركه أفضل . (2) وهذا المعنى الأخير هو مراد المصنّف في الباب، وهو المصرّح به في كتب الأكثر منهم الشيخ ، ففي المبسوط : «لا يجوز القران في طواف الفريضة ويجزي ذلك في النافلة، وينبغي أن لا ينصرف إلّا على وتر مثل أن يتمّم ثلاثة أسابيع ». (3) ومثله في التهذيب . (4) وما ذكر من حرمته في الفريضة هو قول الأكثر على ما صرّح به في المنتهى . (5) واحتجّ عليه بما دلّ على وجوب إعادة الطواف فيما إذا طاف ثمانية أشواط، وقد سبق . ويدلّ عليه أيضا بعض ما سيأتي من الأخبار . وقال ابن إدريس في السرائر : ذلك على جهة تغليظ الكراهة في الفرائض دون الخطر وفساد الطواف وإن كان قد ورد: لا يجوز القران بين طوافين في الفريضة، فإنّ الشيء إذا كان شديد الكراهة قيل: لا يجوز، ويعرف ذلك بقرائن وشاهد حال . (6) وهذا هو ظاهر الشيخ في الاستبصار، (7) وهو المستفاد من الجمع بين الأخبار ، وحكاه في المنتهى عن [ ابن] عمر والحسن البصريّ والزهريّ ومالك وأبي حنيفة، و[ عن ]أحمد وإسحاق وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير [ أنّه لا بأس به]. (8) وربّما قيل: مراد الأكثر أيضا ذلك، وهو بعيد ، بل ظاهرهم فساد الطواف أيضا بذلك ، وصرّح به جماعة منهم الشهيد في اللمعة (9) والمحقّق في النافع (10) نسبه إلى الشهرة، ولم أجد خبراً في ذلك، وكأنّهم تمسّكوا فيه بدلالة النهي في العبادة على الفساد، والحرمة والكراهة في الفريضة والنافلة إنّما هو في حال الاختيار ، وأمّا في التقيّة والاضطرار فلا ، بل قد يجب . ويدلّ على ذلك خبر عليّ بن أبي حمزة، (11) وما رواه الشيخ عن عليّ بن أحمد بن أشيم، عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : سألناه عن قران الطواف بين السبوعين والثلاثة؟ قال : «لا ، إنّما هو سبوع وركعتان »، وقال : «كان أبي يطوف مع محمّد بن إبراهيم فيقرن، وإنّما كان ذلك منه لحال التقيّة ». (12) وعنه عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن؟ قال : «لا ، الاُسبوع وركعتان »، وإنّما قرن عليه السلام لأنّه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال التقيّة . (13) وعلى أيّ حال، فمع القران يستحبّ القطع على الوتر إجماعا؛ لما رواه طلحة بن زيد، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه كان يكره أن ينصرف في الطواف إلّا على وتر من طوافه. (14) وطلحة وإن كان عامّيا إلّا أنّ الأصحاب اعتمدوا على كتابه ، (15) والدليل على جواز الشفع الأربعة في خبر عليّ بن أبي حمزة . (16)

.


1- . روضة المتّقين، ج 4، ص 556 .
2- . شرح اللمعة، ج 2، ص 261.
3- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 357.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 114، ذيل الحديث 371.
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 699 .
6- . السرائر، ج 1، ص 572 573 .
7- . الاستبصار، ج 2، ص 221، ذيل الحديث 761.
8- . منتهى المطلب، ج 2، ص 700، وما بين الحاصرات أضفناه من المصدر. اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3، ص 402؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 402.
9- . اللمعة الدمشقيّة، ص 61 .
10- . المختصر النافع، ص 92.
11- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 116، ح 375؛ الاستبصار، ج 2، ص 221، ح 760؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 371، ح 17982 .
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 116، ح 376؛ الاستبصار، ج 2، ص 221، ح 761؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 371، ح 17983 .
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 116، ح 377؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 373، ح 17991 .
15- . رجال النجاشي، ص 207، الرقم 550 ؛ الفهرست، ص 149، الرقم 372؛ معالم العلماء، ص 96، الرقم 419؛ خلاصة الأقوال، ص 361؛ رجال ابن داود، ص 251، الرقم 244.
16- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.

ص: 238

. .

ص: 239

باب من طاف فاختصر في الحجر

باب من طاف فاختصر في الحجرقد عرفت وجوب إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف إجماعا، فلو اختصر الشوط وطاف من داخل الحجر أعاد ذلك الشوط؛ لما رواه المصنّف في الباب، والصدوق في الصحيح عن الحلبيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل طاف بالبيت واختصر شوطا واحداً في الحجر، كيف يصنع؟ قال : «يعيد الطواف الواحد ». (1) وعن إبراهيم بن أبي سفيان، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : امرأة طافت طواف الحجّ، فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت، فطافت في الحجر، وصلّت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء، ثمّ أتت منى ، فكتب عليه السلام : «تعيد ». (2) وإنّما شرع إدخال الحجر في الطواف لحرمة مَن به من الأنبياء وهاجر، لا لكون الحجر أو شيء من البيت؛ لعدم دليل عليه يعتدّ به ، بل قد روي عن الأئمّة عليهم السلام أنّه ليس من البيت ولا قلامة ظفر منه ، وأهل البيت هم أدرى بما فيه ، رواه المصنّف قدس سرهفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحجر، أمِنَ البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال : «لا ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن اُمّه فيه فكَرِه أن توطأ فحجّر عليه حجيراً، وفيه قبور الأنبياء ». (3) وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الحجر، هل فيه شيء من البيت؟ قال : «لا ولا قلامة ظفر ». (4) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي كنت اُصلّي في الحجر، فقال لي رجل : لا تصلِّ المكتوبة في هذا الموضع، فإنّ الحجر من البيت ، فقال : «كذب صلِّ فيه حيث شئت». (5) وهذا هو المشهور والمذهب المنصور ، بل كاد أن يكون إجماعا . وقال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : «وما ذكره بعض الأصحاب من أنّ الحجر من البيت محمول على السهو أو على عدم التتبّع» (6) ولم أعثر على قائله . (7) وزعم العامّة أكثرهم دخول الحجر كلّه في البيت، وبعضهم دخول نحو من ستّة أذرع منه فيه ، وفرّعوا على ذلك إدخال الحجر كلّه أو هذا القدر منه في الطواف ، ففي العزيز : ينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر الذي ذكرنا أنّه بين الركنين الشاميّين، وهو موضع محوّط عليه بجدار قصير، بينه وبين كلّ واحد من الركنين فتحة . وكلام جماعة من الأصحاب يقتضي كون جميعه من البيت، وهو ظاهر لفظ المختصر ، لكنّ الصحيح أنّه ليس كذلك بل الذي هو من البيت منه قدر ستّة أذرع متّصل بالبيت ، روي أنّ عائشة قالت: نذرت أن اُصلّي ركعتين في البيت، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «صلِّي في الحجر، فإنّ ستّة أذرع منه من البيت »، ومنهم من يقول: ستّة أذرع أو سبعة، كأنّ الأمر فيه على التقريب ، ولفظ المختصر محمول على هذا القدر ، فلو دخل إحدى الفتحتين وخرج من الاُخرى فهو ماش في البيت، لا يحسب له ذلك، ولو خلف القدر الذي هو من البيت، ثمّ اقتحم الجدر وتخطّى الحجر على السمت صحّ طوافه . (8) انتهى . وروى البخاريّ بإسناده عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت : سألت النبيّ صلى الله عليه و آله عن الجَدر أمن البيت هو؟ قال : «نعم »، قلت : فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال : «إنّ قومك قصرت بهم النفقة »، قلت : فما شأن بابه مرتفعا؟ قال : «فعل ذلك قومك يدخلوه مَن شاؤوا، ولولا أنّ قومك حديثوا عهد بالجاهليّة فأخاف أن تنكر قلوبهم أن اُدخل الجَدْر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض ». (9) وبإسناده عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت، ثمّ لبنيته على أساس إبراهيم، فإنّ قريشا استقصرت بناءه وجعلت له خَلفا ». وقال أبو معاوية : حدّثنا هشام خلفا يعني بابا . (10) وبإسناده عن سالم بن عبداللّه : أنّ عبداللّه بن محمّد بن أبي بكر أخبر عبداللّه بن عمر عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لها : «ألم تري أنّ قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم»؟ فقلت : يا رسول اللّه ، ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال : «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت ». قال عبداللّه : لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما أرى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر، إلّا أنّ البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيم . (11) وبإسناده عن جرير بن حاتم، عن يزيد بن رومان، عن عائشة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لها : «يا عائشة، لولا أنّ قومك حديثوا عهدٍ بالجاهليّة لأمرت بالبيت فهُدِم، فأدخلت فيه ما اُخرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين بابا شرقيّا وبابا غربيّا، فبلغت به أساس إبراهيم ». فذلك الذي عمل ابن الزبير على هدمه . قال يزيد : وشهدت ابن الزبير حين هدمه بناه وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل . قال جرير : قلت : فأين موضعه؟ قال : أريكه الآن ، فدخلت معه الحجر، فأشار إلى مكان فقال : هاهنا ، قال جرير : فحرزت من الحجر ستّة أذرع أو نحوها . (12) وقد سبق منّا روايات اُخر عنهم في هذا المعنى كلّها ينتهي إلى عائشة، والشجرة تنبئ عن الثمرة . قوله في حسنة حفص بن البختريّ : (يقضي ما اختصر من طوافه) .[ ح 1 / 7565] الطواف في هذا الخبر ونظائره: الشوط، كما قال جدّي قدس سره في شرح الفقيه ، (13) ويشعر بذلك قوله عليه السلام : «ما اختصر »، وقوله عليه السلام : «يعيد الطواف الواحد» في جواب قول السائل : واختصر شوطا واحداً، (14) صريح فيه، وإطلاق الطواف على الشوط منه شائع ، بل هو أفصح من الشوط على ما قال الشيخ قدس سره في الخلاف: «الأفضل أن يقال: طواف، وطوافان، وثلاثة أطواف، وإن قال شوطا وشوطين وثلاثة أشواط جاز ». (15) وحكي عن الشافعيّ ومجاهد أنّهما كرها ذكر الشوط ، (16) وظاهره أنّهما أرادا بالكراهة عدم الجواز، حيث احتجّ على ما ذهب إليه بأصل الإباحة بعد الإجماع ، فالزيادة الواقعة في الطواف بهذا الشوط المختصر مفقودة .

.


1- . الفقيه، ج 2، ص 398، ح 2806. ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 109، ح 353؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 356، ح 17938 .
2- . الفقيه، ج 2، ص 399، ح 2808؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 357، ح 17941 .
3- . الكافي، باب حج إسماعيل و إبراهيم و... ، ح 15؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 353، ح 17928.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 469، ح 1643؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 276، ح 6535 ؛ وج 13، ص 355، ح 17933 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 4، ص 474، ح 1670؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 276، ح 6534 .
6- . روضة المتّقين، ج 4، ص 17.
7- . نسبه الشهيد قدس سره في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 394، الدرس 103 إلى المشهور.
8- . فتح العزيز، ج 7، ص 296 297.
9- . صحيح البخاري، ج 2، ص 156 كتاب الحجّ؛ وج 8 ، ص 132، كتاب التمنّي. ورواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 100؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج 5 ، ص 89 ، باب موضع الطواف.
10- . صحيح البخاري، ج 2، ص 156. ورواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 97؛ وأحمد في مسنده، ج 6 ، ص 57 ؛ والدرامي في السنن، ج 2، ص 53 54 ؛ والنسائي في السنن، ج 5 ، ص 215؛ وفي السنن الكبرى، ج 2، ص 391، ح 3885 .
11- . صحيح البخاري، ج 2، ص 156، كتاب الحجّ؛ وج 4، ص 118، كتاب بدء الخلق؛ و ج5 ، ص 150، كتاب تفسير القرآن؛ ورواه الشافعيّ في مسنده، ص 129، كتاب المناسك؛ و أحمد في مسنده، ج 6 ، ص 113 و 177 و 247؛ ومسلم في صحيحه، ج 4، ص 97؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 391، ح 3883؛ وج 6 ، ص 290، ح 10999.
12- . صحيح البخاري، ج 2، ص 157؛ و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5 ، ص 89 ، باب موضع الطواف.
13- . روضة المتّقين، ج 4، ص 551 .
14- . هذه العبارات من رواية الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 398، ح 2806؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 109، ح 353. وسائل الشيعة، ج 13، ص 356، ح 17938.
15- . الخلاف، ج 2، ص 322، المسألة 128.
16- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 55 56 .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

باب من طاف على غير وضوء

باب من طاف على غير وضوءلقد أجمع الأصحاب على اشتراط الطواف الواجب بالطهارة عن الحدث مطلقا ، وأمّا المندوب فالمشهور عدم اشتراطه بالطهارة من الحدث الأصغر وإن اشترطت صلاته بها. وهذا التفصيل هو المستفاد من الجمع بين أخبار، منها : ما رواه المصنّف قدس سره في الباب . ومنها : ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا بأس بأن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل ». (1) ومنها : ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهماالسلامفي الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال : «يخرج ويتوضّأ »، (2) الخبر . وقد سبق عن عبداللّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة، (3) عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : إنّي أطوف طواف النافلة وأنا على غير وضوء ، فقال : «توضّأ وصلِّ وإن كنت متعمّداً ». (4) وفي الموثّق عن عبيد بن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل طاف على غير وضوء ، فقال : «إن كان تطوّعا فليتوضّأ وليصلِّ ». (5) وفي الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل طاف تطوّعا وصلّى ركعتين وهو على غير وضوء؟ فقال : «يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف ». (6) ومنها : ما رواه في المختلف (7) في الصحيح عن رفاعة بن موسى، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أشهد شيئا من المناسك وأنا على غير وضوء ، قال : «نعم، إلّا الطواف بالبيت فإنّ فيه صلاة ». (8) وفي الموثّق عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سُئل: أنُسُكٌ من المناسك على غير وضوء؟ فقال : «نعم، إلّا الطواف بالبيت فإنّ فيه صلاة ». (9) وحكى في المختلف (10) عن أبي الصلاح اشتراط المندوب أيضا بها (11) محتجّا بعموم قوله عليه السلام : «الطواف بالبيت صلاة ». وبالموثّق المذكور ، فتأمّل . وأمّا الطهارة عن الحدث الأكبر فمشترطة فيه أيضا إجماعا . ويدلّ عليه ما دلّ على عدم جواز دخول المحدث بذلك الحدث في المسجد الحرام، وقد سبق في كتاب الطهارة، وخصوص صحيحة عليّ بن جعفر، (12) وأخبار عدول الحائض والنفساء من التمتّع إلى الإفراد ، وأخبار القطع للحيض، وقد سبق بعضها ويأتي بعض آخر في مواضعها . وهل تقوم الطهارة الترابيّة مقام الطهارة المائيّة مع تعذّرها فيه؟ فالظاهر ذلك، لعموم قوله عليه السلام : «وكلّ شيء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت» فيما سيأتي من خبر عبد الرحمن بن أبي عبداللّه . (13) قال صاحب المدارك : واعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابيّة ، ويدلّ عليه عموم قوله عليه السلام في صحيحة جميل : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً ». (14) وفي صحيحة ابن مسلم (15) : «هو بمنزلة الماء ». (16) وذهب فخر المحقّقين إلى أنّ التيمّم لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث فيما عداهما [ من المساجد]، (17) ومقتضاه عدم استباحة الطواف به أيضا، وهو ضعيف . (18) انتهى . وحكي في العزيز عن أبي حنيفة أنّه قال : لو طاف جُنبا أو محدثا أو عاريا أو طافت المرأة حائضا لزمت الإعادة ما لم يفارق مكّة، فإن فارقها أجزأه دم شاة إن طاف مع الحدث، وبدنة إن طاف مع الجنابة . (19) وأمّا الطهارة عن الخبث فقد اختلف في اشتراطه بها ، والمشهور بين الأصحاب الاشتراط واحتجّوا عليه بقوله عليه السلام : «الطواف بالبيت صلاة ». (20) واحتجّ الشيخ عليه في الخلاف بالإجماع والاحتياط ، (21) وفي التهذيب بخبر يونس بن يعقوب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف؟ قال : «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه، ثمّ يخرج فيغسله، ثمّ يعود فيتمّ طوافه ». (22) ويؤيّده ما رواه الصدوق عن حبيب بن مظاهر، قال : ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته فابتدأت الطواف ، (23) الحديث ، وقد سبق . وهؤلاء اتّفقوا على أنّه إنّما يعيد الطواف كلّاً أو بعضا مع العلم بالنجاسة لا مع الجهل والنسيان، وهو المستفاد من الخبرين، وعليه حملوا ما سيأتي من مرسلة ابن أبي نصر. (24) وإطلاق عبارات أكثرهم يعطي عدم الفرق في ذلك في الطواف بين الواجب والمندوب، وفي الطائف بين الرجل والمرأة ، وفي النجاسة بين المعفوّ عنها في الصلاة وغيرها . وصرّح جماعة منهم العلّامة في المنتهى (25) وابن إدريس بالتعميم الأخير . واحتجّ عليه في السرائر (26) بعموم الدليل من غير مخصّص وعدم جواز قياسه على الصلاة ، وقيّده الشيخ في التهذيب بالرّجل ساكتا عن حكم المرأة، فقال : «ولا يجوز أن يطوف الرّجل وفي ثوبه شيء من النجاسات من الدم وغيره »، (27) وهو ظاهره في المبسوط، حيث قال : ولا يجوز أن يطوف وفي ثوبه شيء من النجاسة، فإن لم يعلم ورأى في خلال الطواف النجاسة رجع فغسل ثوبه ثمّ عاد فتمّم طوافه، فإن علم بعد فراغه من الطواف مضى طوافه وصلّى في ثوب طاهر . (28) واللّه أعلم بما في الضمائر ، فإن أراد التخصيص لتقييد ما تقدّم عن يونس بن يعقوب ففيه: أنّه من حكاية حال السائل، وهو غير موجب للتخصيص لا سيّما مع عموم ما عداه من الأدلّة السابقة . نعم ، لا يبعد تخصيص النجاسة بغير المعفوّ عنها في الصلاة؛ لظهور تشبّهه بالصلاة في ذلك، إلّا أن يقال بتحريم إدخال مطلق النجاسة في المسجد، ولم يثبت ، بل خبر ابن أبي نصر، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه ، فقال : «أجزأه الطواف فيه، ثمّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر » (29) يدلّ على جواز الطواف مع مطلق النجاسة، فلا يبعد الجمع بينه وبين ما تقدّم بالقول بالكراهة مطلقا، كما ذهب إليه ابن حمزة (30) على ما حكاه عنه في المختلف . (31) وعن ابن الجنيد (32) كراهة الطواف فيما لا تحلّ الصلاة فيها محتجّا بهذا الخبر، وبالأصل، وبأنّه ليس له حرمة الصلاة. والاحتياط واضح . واستثني منها دم الاستحاضة، إذا عملت المستحاضة بشرائطها فيجوز طوافها إجماعا؛ لما رواه الشيخ عن المصنّف في الحسن عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أراد الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهلّ بالحجّ »، قال : «فلمّا قدموا ونسكوا المناسك وقد أتى لها ثمانية عشر يوما، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تطوف بالبيت وتصلّي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت [ ذلك]. (33) وعنه بإسناده عن يونس بن يعقوب، عمّن حدّثه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المستحاضة تطوف بالبيت وتصلّي ولا تدخل الكعبة ». (34) وعن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المستحاضة، أيطأها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال : «تقعد قرؤها التي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، ولو كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، ولتغتسل ولتستدخل كرسفا، فإذا ظهر عن الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفا آخر، ثمّ تصلّي، فإن كان دما سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، وكلّ شهر استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت ». (35) وأمّا السعي فغير مشترط بالطهارة مطلقا على المشهور، وسيأتي القول فيه إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . الفقيه، ج 2، ص 339 340، ح 2810؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 374، ح 17992 .
2- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 118، ح 384؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 378، ح 18004 .
3- . في الهامش بخطّ الأصل: «في طريقه النخعي، وهو مشترك، منه عفي عنه».
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 117، ح 383؛ الاستبصار، ج 2، ص 222 223، ح 767؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 376 377، ح 18000 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 117، ح 382؛ الاستبصار، ج 2، ص 222، ح 766؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 376، ح 17999 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 118، ح 385؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 376، ح 17998 .
7- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 199.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 154 155، ح 510 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 241، ح 838 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 493 494، ح 18286 .
9- . هذا هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 116، ح 379؛ الاستبصار، ج 2، ص 222، ح 763؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 376، ح 17997 .
10- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 199.
11- . الكافي في الفقه، ص 195.
12- . هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 375، ح 17995.
13- . وسائل الشيعة، ج 2، ص 375، ح 2397؛ وج 13، ص 462 463، ح 18217.
14- . الفقيه، ج 1، ص 109، ح 224؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 404، ح 1264؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 133، ح 322 .
15- . كذا بالأصل والمصدر، ولم أعثر على الحديث برواية محمّد بن مسلم، والصحيح «حمّاد بن عثمان»، اُنظر مصادر الحديث.
16- . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 200، ح 581 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 163، ح 566 ؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 379، ح 3918، وفي الجميع عن حمّاد بن عثمان .
17- . إيضاح الفوائد، ج 1، ص 66 .
18- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 115 116، ومابين الحاصرتين منه.
19- . فتح العزيز، ج 7، ص 288.
20- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 84 85 ، المسألة 451؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 44؛ سنن النسائي، ج 5 ، ص 222؛ والسنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 406، ح 3944؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 459، و ج 2، ص 267؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 85 و 87 .
21- . الخلاف، ج 2، ص 322، المسألة 129.
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 126، ح 415؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 399، ح 18060 .
23- . الفقيه، ج 2، ص 395، ح 2798؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 379، ح 18006.
24- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 399، ح 18061.
25- . منتهى المطلب، ج 2، ص 690 .
26- . السرائر، ج 1، ص 574 .
27- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 126، بعد الحديث 414.
28- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 358 359. ومثله في النهاية، ص 240.
29- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 126 127، ح 416؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 399، ح 18061 .
30- . الوسيلة، ص 173.
31- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 198.
32- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 198.
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 399، ح 1388؛ وهو الحديث الأوّل من باب أنّ المستحاضة تطوف بالبيت من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 384، ح 2417؛ وج 13، ص 462، ح 18215 .
34- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 399، ح 1389؛ و هو الحديث الثاني من باب أنّ المستحاضة تطوف بالبيت من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 462، ح 18216 .
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 400، ح 1390؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 375، ح 2397 .

ص: 244

. .

ص: 245

. .

ص: 246

. .

ص: 247

. .

ص: 248

باب من بدأ بالسّعي قبل الطواف أو طاف وأخّر السعي

باب من بدأ بالسّعي قبل الطواف أو طاف وأخّر السعيفيه مسألتان :الاُولى : يجب الترتيب بين طواف الزيارة والسعي تقديما للطواف، وهو ممّا أجمع عليه الأصحاب، ولا مخالف له من العامّة أيضا وإن اختلفوا في صحّة النكس وعدمها في الجملة على ما ستعرف . ويدلّ على ذلك موثّق إسحاق بن عمّار (1) وخبر منصور بن حازم . (2) ويؤيّدهما ما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه سعى بعد طوافه (3) وقال : «خذوا عنّي مناسككم ». (4) والأخبار الواردة في مناسك الحجّ والعمرة حيث ذكر فيها الطواف أوّلاً ثمّ السعي ، وفي بعضها عطف السعي على الطواف بلفظة «ثمّ» الدالّة صريحا على التعقيب ، فلو نكس أعاد السعي مطلقا إجماعا من الأصحاب، وفاقا لمالك والشافعيّ وأحمد في إحدى الروايتين، على ما حكاه عنهم في المنتهى، (5) وهو المستفاد من بعض ما أشرنا إليه من الأخبار . وعن أحمد في رواية اُخرى عدم وجوب إعادته مع النسيان . (6) وظاهر بعض الأخبار الإجزاء فيما إذا قدّم السعي وذكر ذلك بعد خروج ذي الحجّة ، رواه منصور بن حازم في الصحيح، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة، قال : «يرجع فيطوف بالبيت، ثمّ يستأنف السعي »، قلت : إنّ ذلك قد فاته؟ قال : «عليه دم ، ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك ». (7) ولم أجد تصريحا بذلك في كلام الأصحاب نفيا وإثباتا، ولو ذكر نقصانا من الطواف في أثناء السعي يقطعه ويعود، فيتمّ طوافه أو يستأنفه على ما مضى . وأمّا السعي فالبناء على ما فعله من أشواطه أو استئنافه مبني على البناء والاستئناف في الطواف، فمتى يبني على الطواف يبني عليه أيضا وإن كان شوطا واحداً على ما هو المشهور من عدم اعتبار تواصل أربعة أشواط في البناء عليه . وأمّا على معتقد المفيد (8) وأبو الصلاح (9) وسلّار (10) من اشتراط البناء فيه أيضا على التواصل المذكور فيستأنفه مع عدمه، وكما وجب تقديم الطواف وجب تقديم ركعتيه أيضا إجماعا. ويقتضي ذلك وجوب إعادة السعي لو سعى قبلهما مطلقا، لكن الأخبار التي تأتي في باب السهو في ركعتي الطواف تدلّ على إجزاء السعي لو ذكر بعده أنّه لم يصلّهما، وإنّما عليه أداء الصلاة ، والظاهر وفاق الأصحاب على ذلك . واختلف الأخبار والأقوال فيما لو ذكرهما في أثنائه، فالمشهور وجوب العود إلى المسجد لهما، ثمّ إلى المسعى لإتمام السعي من حيث قطع . ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن رجل يطوف بالبيت، ثمّ ينسى أن يصلّي الركعتين حتّى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك ، قال : «ينصرف حتّى يصلّي الركعتين، ثمّ يأتي مكانه الذي كان فيه ويتمّ سعيه ». (11) وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتّى طاف بين الصفا والمروة ثمّ ذكر ، قال : «يعلم ذلك المكان، ثمّ يعود فيصلّي الركعتين، ثمّ يعود فيصلّي الركعتين، ثمّ يعود إلى مكانه ». (12) وقال الصدوق رضى الله عنه في الفقيه بعد أن أورد صحيحة معاوية وقد رخّص له أن يتمّ سعيه، ثمّ يرجع فيركع خلف المقام ، روى ذلك محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، فبأيّ الخبرين أخذ جاز . (13) الثانية : قال الشيخ في المبسوط : «من طاف بالبيت جاز له أن يؤخّر السعي إلى بعد ساعة، ولا يجوز أن يؤخّر ذلك إلى غد يومه ». (14) وبه قال ابن إدريس (15) والمحقّق فى¨ النافع . (16) واحتجّ عليه في التهذيب بصحيحة عبداللّه بن سنان، وقد رواها بزيادة في آخرها، وهي قوله : قال : «وربّما رأيته يؤخّر السعي إلى الليل ». (17) وبمضمر العلاء بن زرين . (18) ويدلّ عليه أيضا صحيحة رفاعة، (19) وما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : «لا ». (20) وذهب المحقّق في الشرائع (21) إلى جواز تأخيره إلى الغد، وكأنّه قال به مع الكراهة كما نسبها جدّي قدس سرهفي شرح الفقيه (22) إلى بعض الأصحاب؛ حملاً للنهي في صحيحة عبداللّه بن سنان على الكراهة؛ عملاً بإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم، قال : سألت أحدهما عليهماالسلامعن رجل طاف بالبيت فأعيا، أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة؟ فقال : «نعم ». (23) وخّص على المشهور بما قبل الغد؛ للجمع بينها وبين ما سبق . وعلى أيّ حال فالظاهر صحّة الحجّ ، وصرّح بذلك بعضهم ، ففائدة الخلاف إنّما ترجع إلى الإثم وعدمه .

.


1- . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 413 414، ح 18095 .
2- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وعنه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 129، ح 426؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 413، ح 18094 .
3- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 142، وانظر: سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1023، ح 3074؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 40؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 425، ح 1905؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 7.
4- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 125. و ورد بدون الفظة «عنّي»: مسند أحمد، ج 3، ص 318؛ سنن النسائي، ج 5 ، ص 270؛ والسنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 425، ح 4016؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 111، ح 2147؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 277 278.
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 708.
6- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3، ص 408 409؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 408 409.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 129 130، ح 427؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 413، ح 18093 .
8- . المقنعة، ص 441.
9- . الكافي في الفقه، ص 196.
10- . المراسم العلويّة، ص 124.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 143، ح 474؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 438، ح 18160 .
12- . الفقيه، ج 2، ص 407، ح 2831؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 438، ح 18158 .
13- . نفس المصدر.
14- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 359. ومثله في النهاية، ص 240.
15- . السرائر، ج 1، ص 574 .
16- . المختصر النافع، ص 95.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 128 129، ح 423. و رواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 229، ح 790؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 410، ح 18088 .
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 129، ح 425؛ الاستبصار، ج 2، ص 229، ح 792؛ وهذا هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 405، ح 2827؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 411، ح 18090 .
19- . هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 412، ح 18092.
20- . الفقيه، ج 2، ص 405، ح 2827؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 411، ح 18089.
21- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 202.
22- . روضة المتّقين، ج 4، ص 566 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 129، ح 424؛ الاستبصار، ج 2، ص 229، ح 791؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 411، ح 18089 .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

باب طواف المريض ومن طاف محمولاً من غير علّة

باب طواف المريض ومن طاف محمولاً من غير علّةالمشهور بين الأصحاب ما ذكره الشيخ في التهذيب من قوله : وأمّا المريض فعلى ضربين، فإن كان مرضه مرضا يستمسك معه الطهارة فإنّه يُطاف به ولا يطاف عنه ، وإن كان مرضه مرضا لا يستمسك معه بالطهارة فإنّه ينتظر به، إن صلح طاف هو بنفسه وإن لم يصلح طيف عنه، ويصلّي هو الركعتين . (1) ومثله في السرائر . (2) وأرادا بقولهما : «ينتظر به» ما إذا اتّسع الوقت ، فمع الضيق يطاف عنه أيضا ، وقد صرّح بذلك في المنتهى، قال : «وإن كان المريض لا يستمسك الطهارة طِيفَ عنه مع ضيق الوقت، وينتظر به مع السعة، فإن برأ وإلّا طيف عنه؛ للضرورة». (3) فله ثلاث حالات : أحدها : أن يكون مأمونا منه الحدث وأمكن أن يُطاف به وحينئذٍ يجب أن يُطاف به، ولا يجوز تأخيره على ما مرّ ولا أن يُطاف عنه . وثانيها : أن يكون الحدث منه مأمونا لكن لا يمكن أن يطاف به . وثالثها : أن لا يكون مأمونا منه الحدث ، وفي هاتين لابدّ أن يؤخّر الطواف إلى زوال العذر مع السعة، وإلّا فيطاف عنه . ويدلّ على الاُولى ما رواه المصنّف في الباب، (4) وما رواه الصدوق في الموثّق عن أبي بصير، أنّ أبا عبداللّه عليه السلام مرض، فأمر غلمانه أن يحملوه ويطوفوا به، وأمرهم أن يخطّوا برجله الأرض حتّى تمسّ الأرض قدماه في الطواف . (5) وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المريض يقدم مكّة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا يأتي بين الصفا والمروة؟ قال : «يُطاف به محمولاً يخطّ الأرض برجليه حتّى تمسّ الأرض قدميه في الطواف، ثمّ يوقف به في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلاً ». (6) وفي الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يُطاف به ويُرمى عنه، قال : «نعم إذا كان لا يستطيع ». (7) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المريض يُطاف عنه بالكعبة ، قال : «لا ، ولكن يطاف به ». (8) ويظهر من بعض الأخبار أنّ ذلك فيما إذا كان للمريض إدراك وشعور، وإلّا فيطاف عنه ، رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويُطاف عنه ». (9) والظاهر التخيير بين الأمرين هنا؛ للجمع بينه وبين ما رواه المصنّف من موثّق إسحاق بن عمّار؛ (10) حملاً لقوله عليه السلام : «لا » فيه على نفي التحتّم لا على نفي الجواز . ويدلّ على هذا التخيير صريحا ما رواه المصنّف في الحسن عن معاوية بن عمّار فقط عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (11) وما رواه الشيخ عن إبراهيم الأسدي، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليُحرم عنها، وعليها ما يتّقى على المحرم، ويُطاف بها أو يطاف عنها ويرمى عنها ». (12) ولكن لم أجد القول به في كتب الأصحاب ، وحمل ذلك الصحيح وهذا الحسن على المغلوب الذي لا يؤمن منه الحدث كما فعله الشيخ في التهذيب (13) محتملاً ، لكن مع بعد، فتأمّل . وأمّا الأخيرتان فيدلّ عليهما حسنة عبدالرحمن (14) بن الحجّاج ومعاوية بن عمّار، (15) وما رواه الشيخ في الصحيح عن حبيب الخثعميّ وهو ابن المعلَّل الإماميّ المداينيّ الثقة (16) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يُطاف عن المبطون والكسير ». (17) وعن يونس بن عبد الرحمن البجليّ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام أو كتبت إليه أسأله عن سعيد بن يسار أنّه سقط عن جمله فلا يستمسك بطنه، أطوف عنه وأسعى؟ قال : «لا ، ولكن دعه، فإن برئ قضى، وإلّا فاقض أنت عنه »، (18) على ما هو الظاهر من أنّ الأمر بالقضاء عنه فيما إذا خيف الفوات . وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الكسير يحمل فيطاف به، والمبطون يرمي ويطاف عنه ويصلّى عنه ». (19) ثمّ الظاهر من إطلاق الأخبار وفتاوى أكثر العلماء الأخيار امتداد وقت الطواف اضطراراً إلى آخر ذي الحجّة، (20) ويتبعه امتداد وقت الانتظار مطلقا وإن عرضت العلّة بعد أربعة أشواط من الطواف . وقد ورد في بعض الأخبار الاستنابة لإتمام الطواف من غير انتظار إذا اعتلّ بعد أربعة أشواط منه، وقبلها بعد انتظار يوم ويومين، ولا يبعد القول بجوازه ، رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل طاف بالبيت بعض طوافه طواف الفريضة، ثمّ اعتلّ علّة لا يقدر معها على تمام طوافه، قال : «إذا طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تمّ طوافه ، وإن كان طاف ثلاثة أشواط وكان لا يقدر على التمام فإنّ هذا ممّا غلب اللّه عليه، فلا بأس أن يؤخّره يوما أو يومين، فإن كانت العافية وقدر على الطواف طاف اُسبوعا، وإن طالت علّته أمرَ مَنْ يطوف عنه اُسبوعا ويصلّي عنه وقد خرج من إحرامه ، وفي رمي الجمار مثل ذلك ». (21) ثمّ قال الشيخ : وفي رواية محمّد بن يعقوب : «ويصلّي هو ». (22) وفي السرائر بعدما حكينا عنه: «ومَن طاف بالبيت أربعة أشواط ثمّ مرض ينتظر به يوم أو يومان، فإن صلح تمّم طوافه، وإن لم يصلح أمر من يطوف عنه ما بقي عليه، ويصلّي هو الركعتين ». (23) ولم أجد به خبراً، ولا في كلام غيره منه أثراً . (24) وهل تجوز الاستنابة للمعذور في صلاته أيضا؟ صرّح جماعة منهم الشيخ وابن إدريس (25) إلى عدمه قائلين: «إنّه يصلّي هو الركعتين» على ما حكينا عنهما. وإطلاقهم يعطي عدم جواز استنابة لها ووجوب فعلها عليه ولو في غير المسجد . ويدلّ عليه ما رويناه عن الشيخ عن محمّد بن يعقوب ، ويؤيّده أنّ معظم الصلوات لا يسقط عمّن هو بصفة التكليف على حال ، بل يصلّي على أيّ حال أمكن ، فصلاة الطواف أيضا ينبغي أن تكون كذلك ، ولا يبعد القول بذلك مع بقاء الشعور والإدراك. ولو لم يكن مستمسكا للطهارة فيصلّي في غير المسجد؛ للضرورة . وحمل الشيخ في التهذيب هذا الخبر على مَن استمسك طهارته؛ للجمع بينه وبين ما سبق من صحيح معاوية بن عمّار وخبر إسحاق بن عمّار الدالّين على أنّه يصلّي أيضا عنه؛ حملاً لهما على من لم يستمسك طهارته ، فقال بعدما رويناه عنه أخيراً عن إسحاق بن عمّار: وفي رواية محمّد بن يعقوب : «ويصلّي هو» يعني بذلك متى استمسك طهارته صلّى هو بنفسه، ومتى لم يقدر على استمساكه صُلِّيَ عنه وطيف عنه حسبما قدّمناه. (26) وكما يجوز حمل الطائف لعذر جاز أيضا حمل الساعي معه إجماعا وإن خلت كتب الأكثر عنه نفيا وإثباتا . ثمّ المشهور إجزاء هذا الطواف والسعي ، وحكى في الدروس عن ابن الجنيد وجوب إعادتهما، (27) والأصل وظاهر الأخبار من غير معارض وتحقّق الامتثال تدفعه . هذا ، وأمّا الحمل من غير عذر فيهما فهو حرام، وطواف المحمول وسعيه كذلك غير مجز على ما هو المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب، ولا تحمله على الراكب فيهما؛ لبطلان القياس عندنا . وأمّا طواف الراكب من غير عذر فقد أجمع أهل العلم على إجزائه، واختلفوا في جوازه ، والمشهور بين الأصحاب جوازه، لكن مع الكراهة، (28) لما ثبت من الطريقين من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله ، فأمّا من طريق الأصحاب فمنها: ما سيرويه المصنّف في باب نوادر الطواف من حسنة عبداللّه بن يحيى الكاهلي . (29) ومنها : ما رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «حدّثني أبي: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه وسعى عليها بين الصفا والمروة ». (30) وقال: في خبر آخر : إنّه كان يقبّل الحجر بالمحجن . (31) ومن طريق العامّة عن جابر، قال : طاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة، ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه، فإنّ الناس غشوة . (32) وهو محكي في الخلاف (33) والمنتهى (34) عن الشافعيّ . (35) وحكى في المختلف (36) عن ابن زهرة (37) عدمه ، ونقل في الخلاف (38) ذلك عن أبي حينفة، وأنّه لو طاف كذلك وجب عليه الدم، (39) وهو منقول في المنتهى . (40) وفي العزيز عن مالك وأحمد أيضا . (41) وفي المنتهى: «احتجّ المخالف بأنّه عبادة واجبة تتعلّق بالبيت، فلا يجوز فعلها لغير عذر راكبا كالصلاة . وجوابه: الفرق؛ فإنّ الصلاة لا تصحّ راكبا، وهنا يصحّ ». (42) انتهى . وفيما ذكره من الفرق تأمّل، فإنّه تمسّك بعين المتنازع فيه ، والأظهر أن يعلّل الفرق بالنصّ ، ثمّ نقول: على القول بالتحريم ينبغي أن يكون الطواف باطلاً على ما هو شأن النهي في العبادة، والقول بإجزائه وجبرانه بدم محتاج إلى نصّ ودليل يعتدّ به . قوله : (عن محمّد بن الفضيل عن الربيع بن خثيم، قال : شهدت أبا عبداللّه عليه السلام ) . [ ح 1 / 7576] قال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : خثيم كزبير، وربيع بن خثيم هذا مجهول، ولا يحتمل أن يكون أحد الزهّاد الثمانية من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام فإنّه نقل أنّه مات قبل السبعين . ثمّ قال : ويحتمل أن يكون المراد بأبي عبداللّه الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما، ويكون الخبر مرسلاً عن محمّد بن الفضيل، لكنّه بعيد . (43)

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 122، ذيل الحديث 397.
2- . السرائر، ج 1، ص 573 .
3- . منتهى المطلب، ج 2، ص 701.
4- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
5- . الفقيه، ج 2، ص 403، ح 2820؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 392، ح 18038 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 123، ح 401؛ الاستبصار، ج 2، ص 225، ح 777؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 389، ح 18030 .
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 123، ح 402؛ الاستبصار، ج 2، ص 225 226، ح 778؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 389، ح 18031 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 123، ح 399؛ الاستبصار، ج 2، ص 225، ح 775؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 390، ح 18035 .
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 123، ح 403؛ الاستبصار، ج 2، ص 226، ح 779؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 393، ح 18042 .
10- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 123، ح 399؛ والاستبصار، ج 2، ص 225، ح 775. وسائل الشيعة، ج 13، ص 390، ح 18035 .
11- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 398، ح 1386؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 390، ح 18032 .
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 123، ذيل الحديث 402. ومثله في الاستبصار، ج 2، ص 226، ذيل الحديث ح 779.
14- . هذا هو الظاهر الموافق للمصدر، وفي الأصل: «معاوية» بدل «عبد الرحمن».
15- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 124، ح 404؛ والاستبصار، ج 2، ص 226، ح 780، وفيهما عبد الرحمن بن الحجّاج عن معاوية بن عمّار»؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 393 394، ح 18044 .
16- . رجال النجاشي، ص 141، الرقم 368.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 124، ح 405؛ الاستبصار، ج 2، ص 226، ح 781؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 394، ح 18046 .
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 124، ح 406؛ الاستبصار، ج 2، ص 226، ح 782؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 387، ح 18025 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 125، ح 409؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 394، ح 18047 .
20- . اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 457، الدرس 115؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 112.
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 124 125، ح 407؛ الاستبصار، ج 2، ص 226 227، ح 783؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 386 _387، ح 18024 .
22- . الكافي، باب الرجل يطوف فتعرض له الحاجة أو العلّة، ح 5 .
23- . السرائر، ج 1، ص 573 .
24- . بل قال به الشيخ في النهاية، ص 239؛ والمبسوط، ج 1، ص 358.
25- . نفس المصادر المتقدّمة.
26- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 125، ذيل الحديث 408 .
27- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 405، الدرس 105.
28- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 210.
29- . هي الحديث 16 من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 441، ح 18166 .
30- . الفقيه، ج 2، ص 402، ح 2818؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 442، ح 18167، وص 497، ح 18298.
31- . الفقيه، ج 2، ص 402، ح 2819؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 442، ح 18168.
32- . مسند أحمد، ج 3، ص 317، وص 333 334؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 67 68 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 420، ح 1880؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 413، ح 3969؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 100.
33- . الخلاف، ج 2، ص 326، المسألة 136.
34- . منتهى المطلب، ج 2، ص 697 . ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 111، المسألة 474.
35- . مسند الشافعي، ص 128؛ كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 189؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 27 و 64 ؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 45.
36- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 210.
37- . الغنية، ص 176.
38- . الخلاف، ج 2، ص 326.
39- . المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 44 45؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 128؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 415؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 394؛ المجموع ج 8 ، ص 27.
40- . منتهى المطلب، ج 2، ص 697 .
41- . فتح العزيز، ج 7، ص 316.
42- . منتهى المطلب، ج 2، ص 697 .
43- . روضة المتّقين، ج 4، ص 559 560 .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

. .

ص: 257

. .

ص: 258

باب ركعتي الطواف ووقتهما والقراءة فيهما والدُّعاء

باب ركعتي الطواف ووقتهما والقراءة فيهما والدُّعاءقد اشتهر بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا وجوب صلاة الطواف الواجب . (1) واحتجّوا عليه بالأمر بها في قوله تعالى : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» ، (2) وبأخبار متعدّدة تأتي الإشارة إليها . وبه قال أبو حنيفة والشافعيّ في قول. (3) وحكى الشيخ في الخلاف (4) والعلّامة في المنتهى (5) عن بعض الأصحاب استحبابها من غير أن تعيين قائله ، وبه قال الشافعيّ في قول آخر . (6) واحتجّ عليه في المنتهى بأنّها صلاة لا تشرع لها الأذان والإقامة، فلم تكن واجبة كسائر النوافل، وهو منقوض بصلاة الآيات ونحوها. (7) ومقام هذه الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام أو أحد جانبيه في الواجب مطلقا . ويدلّ على الخَلف ما سبق من الآية، وحسنة معاوية بن عمّار، (8) وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود، (9) وخبر هشام بن المثنّى، (10) وما رواه الشيخ في الموثّق عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ثمّ تأتي مقام إبراهيم فتصلّي فيه ركعتين، واجعله اماما، واقرأ فيهما سورة توحيد «قل هو اللّه أحد » ، وفي الثانية قل يا أيّها الكافرون، ثمّ تشهّد واحمد اللّه واثن عليه ». (11) وعن صفوان بن يحيى، عمّن حدّثه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» ، فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة ». (12) وما يرويه المصنّف في الباب الآتي من حسنة معاوية بن عمّار، (13) وما سنرويه في شرحه عن الشيخ قدس سرهمن صحيحة أبي بصير، (14) وخبر أبي عبداللّه الأبزاريّ . (15) واحتجّوا على أحد الجانبين بما ورد من لفظ المقام في مرسلة زرارة، (16) وما يأتي في الباب الآتي من خبر أبي الصباح الكنانيّ، (17) وموثّق عبيد بن زرارة، (18) وصحيحة محمّد بن مسلم، (19) وبلزوم الحرج لو اختصّ بالخلف . وعلى هذا فلو فعلها في غير ما ذكر تلزم الإعادة فيه . وذهب مالك إلى إجزائها في غير خلف المقام مع جبرانه بدم . (20) وذهب الشيخ في الخلاف إلى استحباب فعلها خلف المقام ، وقال : «فإن لم يفعل وفعل في غيره أجزأه». (21) وهو ظاهر ما نقل عن أبي الصلاح (22) من جواز فعلها في غير ما ذكر من المسجد . وعن الصدوقين من جواز ذلك في خصوص طواف النساء ، (23) وعن الثوريّ أنّه يأتي بها أيّ موضع شاء من الحرم ، (24) وبه قال الشافعيّ (25) محتجّا بأنّها صلاة فلا تختصّ بمكان كغيرها من الصلوات. وفيه: أنّه على تقدير تسليمه يدلّ على عدم اختصاصه بالحرم أيضا . هذا في حال الاختيار ، وأمّا في الاضطرار فقد قال الشيخ في التهذيب : «وإذا كان الزحام فلا بأس أن يصلّي الإنسان بحيال المقام »، واحتجّ عليه بخبر الحسين بن عثمان ، ورواه بسند آخر ضعيف بضميمة صريحة في أنّه عليه السلام صلّاهما هناك للضرورة وهي قوله : قال: «رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الظلال؛ لكثرة الناس ». (26) وأمّا صلاة الطواف المندوب فيجوز فعلها اختياراً أينما شاء من المسجد، والفضل في خلف المقام أو أحد جانبيه إجماعا . ويدلّ عليه بعض ما أشرنا إليه من الأخبار ، والمراد بالمقام حيث هو الآن إجماعا؛ لصحيحة إبراهيم بن أبي محمود، (27) ولظهور الأخبار في ذلك . هذا ، والمستفاد من الأخبار عدم كراهة تلك الصلاة في الأوقات المكروهة للطواف الواجب، وكراهتها للمندوب منه بعد صلاة الفجر وبعد بلوغ الشمس وبعد العصر إلى المغرب. وبه صرّح جماعة من الأصحاب، منهم العلّامة في المنتهى حيث قال : وقت ركعتي الطواف حين يفرغ منه، سواء كان بعد الغداة أو بعد القصر إذا كان طواف فريضة ، وإن كان طواف نافلة أخّرهما إلى بعد طلوع الشمس أو بعد صلاة المغرب . (28) ومثله في التهذيب . (29) ويدلّ على حكم الواجب منها إطلاق أكثر الأخبار الواردة في الباب، وعموم صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ حال : صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أدّيتها، وركعتي طواف الفريضة، وصلاة الكسوف، والصلاة على الميّت ». (30) وما روي عنهم عليهم السلام : «خمس صلوات تصليهنّ على كلّ حال : الصلاة على الميّت، وصلاة الكسوف، وصلاة الإحرام، وصلاة الطواف ، وصلاة الناسي في كلّ وقت ذكرها ». رواها المفيد قدس سره في باب الزيادات من أبواب نوافل الصلاة من المقنعة، (31) وخصوص حسنتي محمّد بن مسلم (32) ورفاعة (33) وموثّق إسحاق بن عمّار، (34) وما رواه الشيخ عن ميسر، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صلِّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر ». (35) وعن منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن ركعتي طواف الفريضة ، قال : «لا تؤخّرها ساعة، إذا طفت فصلِّ ». (36) وعلى حكم المندوب ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال : سألت الرضا عليه السلام عن صلاة التطوّع بعد العصر، فقال : فذكرت له قول بعض آبائه: إنّ الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين عليهماالسلام إلّا الصلاة بعد العصر بمكّة ، فقال : «نعم ، ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه »، فقلت : إنّ هؤلاء يفعلون؟ فقال : «لستم مثلهم ». (37) وحمل هذا التفصيل خبر حكيم بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الطواف بعد العصر ، فقال : «طف طوافا، وصلِّ ركعتين قبل صلاة المغرب عند غروب الشمس، وإن طفت طوافا آخر فصلِّ الركعتين بعد المغرب ». وسألته عن الطواف بعد الفجر ، فقال : «طف حتّى إذا طلعت الشمس فاركع الركعات ». (38) وقد ورد كراهيّة الواجب أيضا عند طلوع الشمس واحمرارها واصفرارها ففي صحيحة محمّد بن مسلم، قال : سئل أحدهما عليهماالسلام عن الرجل يدخل مكّة بعد الغداة أو بعد العصر ، قال : «يطوف ويصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها ». (39) وفي صحيحته الاُخرى، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن ركعتي طواف الفريضة ، فقال : «وقتهما إذا فرغت من طوافك، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها ». (40) وفي خبر عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت الصلاة، أيصلّي ركعات الطواف نافلةً كانت أو فريضة؟ قال : «لا ». (41) وحمل الشيخ الأوّلين على التقيّة ، والأخير على أنّه كان لم يصلِّ الحاضرة، فيكون الوقت لها للضيق . وجوّز في المدارك (42) العمل بهذه الأخبار بحمل الكراهة المنفيّة في الأخبار المتقدّمة على الكراهة المؤكّدة . وظاهر الشيخ المفيد عدم كراهة الصلاة للطواف مطلقا وإن كان مندوبا في تلك الأوقات، حيث روى في أبواب الزيادات من أبواب الصلوات المندوبة عن الصادقين عليهم السلام أنّهم قالوا : «خمس صلوات تصليهنّ على كلّ حال»، (43) الحديث، من غير نقل معارض له ولا تأويل . ويستحبّ القراءة فيهما بالتوحيد والجحد على ما دلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار (44) وموثّقته (45) المتقدّمتين ومرسلة جميل بن درّاج (46) وصحيحة معاوية بن مسلم، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «اقرأ في الركعتين للطواف بقل هو اللّه أحد وقل يا أيّها الكافرون ». (47)

.


1- . اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 327، المسألة 138؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 94؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 84 ؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 133.
2- . البقرة (2): 125.
3- . الخلاف، ج 2، ص 327، المسألة 138؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 66 ؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 49 و 51 ؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 148؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 401؛ شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 176.
4- . الخلاف، ج 2، ص 327.
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 691 .
6- . فتح العزيز، ج 7، ص 306 307؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 401؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 175.
7- . منتهى المطلب، ج 2، ص 691 .
8- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9- . الحديث الرابع من هذا الباب.
10- . الكافي، باب السهو في ركعتي الطواف، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 139، ح 460؛ الاستبصار، ج 2، ص 235، ح 817 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 429، ح 18131 .
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 104 105، ح 339؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 423، ح 18114 .
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 137، ح 451، وص 285، ح 969؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 296، ح 17786، وص 425، ح 18117 .
13- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
14- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، ح 18132.
15- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 425، ح 18118 .
16- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
17- . الحديث الأوّل من ذلك الباب.
18- . الحديث الثالث من ذلك الباب.
19- . الحديث السادس من ذلك الباب.
20- . الخلاف، ج 2، ص 327، المسألة 139. وفي المجموع للنووي، ج 8 ، ص 62 ؛ «وقال مالك: إذا صلّاهما في الحجر أعاد الطواف والسعي إن كان بمكّة، فإن لم يصلّهما حتّى رجع إلى بلاده أراق دما ولا إعادة عليه». ومثله في التمهيد، ج 4، ص 414؛ والاستذكار، ج 4، ص 189.
21- . الخلاف، ج 2، ص 327، المسألة 139.
22- . الكافي في الفقه، ص 157 158.
23- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 222 223؛ المقنع، ص 287. وحكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 201.
24- . الخلاف، ج 2، ص 328؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 62 .
25- . فتح العزيز، ج 7، ص 309؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 53 ؛ شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 175؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 96.
26- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 140، ح 364؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 433، ح 18143 .
27- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 422، ح 18112.
28- . منتهى المطلب، ج 2، ص 692 . ومثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 582 .
29- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 140 141، بعد الحديث 364.
30- . الفقيه، ج 1، ص 434، ح 1264؛ الخصال، ص 247، باب الأربعة، ح 107. ورواه الكليني في الكافي، باب التطوع في وقت الفريضة، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 240، ح 5030 .
31- . المقنعة، ص 231.
32- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
33- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
34- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 141، ح 465؛ الاستبصار، ج 2، ص 236، ح 819 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 435، ح 18150 .
36- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 141، ح 466؛ الاستبصار، ج 2، ص 236، ح 820 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 435، ح 18149 .
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 142، ح 470؛ الاستبصار، ج 2، ص 237، ح 825 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 436 437، ح 18154 .
38- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 142، ح 469؛ الاستبصار، ج 2، ص 237، ح 824 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 434، ح 18153 .
39- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 141، ح 468؛ الاستبصار، ج 2، ص 237، ح 823 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 436، ح 18152 .
40- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 141، ح 467؛ الاستبصار، ج 2، ص 236، ح 822 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 435 436، ح 18151 .
41- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 142، ح 471؛ الاستبصار، ج 2، ص 237، ح 826 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 437، ح 18155 .
42- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 147.
43- . المقنعة، ص 231.
44- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
45- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 423، ح 18114.
46- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
47- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 136، ح 449؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 424، ح 18115 .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

. .

ص: 264

باب السهو في ركعتي الطواف

باب السهو في ركعتي الطوافالمشهور بين الأصحاب أنّه لو نسي ركعتي الطواف الواجب رأسا أو فعلهما في غير المقام أعادهما فيه، وإن خرج من مكّة رجع مع المكنة، ومع عدمها ولو لمشقّة لا تتحمّل عادةً صلّى حيث ذكر؛ لخبر الكناني (1) وموثّق عبيد بن زرارة (2) ومرسلة حمّاد بن عيسى (3) وصحيحة محمّد بن مسلم . (4) ولما رواه الشيخ عن أحمد بن عمر الحلّال، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتّى أتى منى ، قال : «يرجع إلى مقام إبراهيم عليه السلام فيصلّيهما ». (5) وفي الموثّق عن عبيد بن زرارة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصلِّ الركعتين حتّى ذكر وهو بالأبطح، فصلّى أربعا ، قال : «يرجع فيُصلّي عند المقام أربعا ». (6) وعن عبداللّه بن مسكان، عن أبي عبداللّه الأبزاريّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسى فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر ، قال : «يعيدهما خلف المقام؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» (7) يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة ». (8) وعن ابن مسكان، قال : حدّثني مَن سأله عن الرجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتّى يخرج ، فقال : «يوكّل ». (9) قال ابن مسكان: وفي حديث آخر : «إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلّيهما، فإنّ اللّه تعالى يقول : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» ». (10) وعارضتها روايات دلّت على جواز فعلها موضع الذكر إذا ذكرها بعد الارتحال من مكّة، كحسنة معاوية بن عمّار، (11) وخبر هشام بن المثنّى، (12) وما رواه الشيخ عن حنّان بن سدير، قال : زرت فنسيت ركعتي الطواف، فأتيت أبا عبداللّه عليه السلام وهو بقرن الثعالب، (13) فسألته فقال : «صلِّ في مكانك ». (14) وعن ابن مسكان، عن عمر بن البراء، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين للفريضة حتّى أتى منى ، قال : «يصلّيهما بمنى »، (15) وحملت على ما إذا شقّ عليه العود مستشهدين عليه بصحيحة أبي بصير، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسى أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال اللّه تعالى : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» (16) حتّى ارتحل ، فقال : «إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع، ولكن يصلّي حيث يذكر ». (17) واحتمل في الاستبصار (18) استحباب العود مطلقا وإن لم يشقّ العود؛ للجمع، وهو قوي ، وإن كان الأوّل أحوط . ولقد بالغ الشيخ في المبسوط حيث اعتبر في جواز فعلها في موضع الذكر عدم إمكان العود إلى مكّة ، فقال في فصل الطواف منه : ومَن نسي هاتين الركعتين أو صلّاهما في غير المقام ثمّ ذكرهما عاد إلى المقام وصلّى فيه، ولا يجوز له أن يصلّي في غيره ، فإن خرج من مكّة وقد نسي ركعتي الطواف فإن أمكنه الرجوع إليها رجع وصلّى عند المقام، وإن لم يمكنه الرجوع صلّى حيث ذكر ولا شيء عليه . (19) وقد عرفت قوله في الخلاف (20) باستحباب فعلها عند المقام، وهما في طرفي النقيض . وأوجب الشهيد العود إلى مكّة مع الإمكان، ومع تعذّره العود إلى الحرم إن أمكن، وإن تعذّر ذلك أيضا فحيث شاء من البقاع . (21) وكأنّهما أرادا بالتعذّر المشقّة التي لا تحتمل عادةً كما هو المشهور . وقد ورد في بعض الأخبار الاستنابة لها إذا خرج من مكّة، كخبر ابن مسكان المتقدّم، وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : سألته عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين ، قال : «يصلّى عنه ». (22) ولا يبعد الجمع بين الأخبار بالتخيير بين العود والاستنابة لها ولو من منى . ويدلّ على التخيير صريحا ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «إن كان قد مضى قليلاً فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض الناس فيصلّيهما عنه »، (23) فتأمّل . وأمّا الجاهل فظاهر الأكثر أنّه في حكم الناسي، وصرّح به في الدروس . (24) ويدلّ عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام بمنزلة الناسي ». (25) وأمّا العامد فلم أجد خبراً دالّاً على حكمه ، ومن ثمّ استشكل، فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز الاستنابة له ، والظاهر أنّه قال بذلك مع تعذّر العود أو تعسّره، فقال في فصل فرائض الحجّ منه: «ويجب مع كلّ طواف ركعتان عند المقام، وهما فرضان، فإن تركهما متعمّداً قضاهما في ذلك المقام، فإن خرج سأل من ينوب عنه فيهما، ولا يبطل حجّه». (26) وفي المدارك : أمّا العامد فقال الشارح قدس سره (27) : «إنّ الأصحاب لم يتعرّضوا لذكره، والذي يقتضيه الأصل أنّه يجب عليه العود مع الإمكان ومع التعذّر يصلّيهما حيث أمكن »، (28) ولا ريب أنّ مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان، وإنّما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذّر أو بقائهما في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن من الإتيان بهما في محلّهما ، وكذا الإشكال في صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما، من صدق الإتيان بهما، ومن عدم وقوعهما على الوجه المأمور به . (29) انتهى .

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- . الحديث الثالث من هذا الباب.
3- . الحديث الخامس من هذا الباب.
4- . الحديث السادس من هذا الباب.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 140، ح 462؛ الاستبصار، ج 2، ص 234، ح 812 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، ح 18134 .
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 138، ح 456؛ الاستبصار، ج 2، ص 234، ح 811 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 428 429، ح 18128 .
7- . البقرة (2): 125.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 138، ح 454؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 425، ح 18118 .
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 140، ح 463؛ الاستبصار، ج 2، ص 234، ح 813 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 431، ح 18136 .
10- . نفس المصدَرَين؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 431، ح 18137.
11- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
12- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
13- . قرن الثعالب: هو قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكّة. شرح صحيح مسلم للنووي، ج 12، ص 155.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 138، ح 457؛ الاستبصار، ج 2، ص 234 235، ح 814 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، ح 18133 .
15- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 471، ح 1654؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 427، ح 18124 .
16- . البقرة (2): 125.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 140، ح 461؛ الاستبصار، ج 2، ص 235 236، ح 818 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، ح 18132 .
18- . الاستبصار، ج 2، ص 235.
19- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 360. ومثله في النهاية، ص 242.
20- . الخلاف، ج 2، ص 327، المسألة 139.
21- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 324 325، الدرس 85 .
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 471، ح 1652؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 428، ح 18126 .
23- . الفقيه، ج 2، ص 408، ح 2832؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 427، ح 18123 .
24- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 397، الدرس 103.
25- . الفقيه، ج 2، ص 408 409، ح 2834؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 428، ح 18125 .
26- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 383.
27- . في الأصل: «الشيخ» بدل «الشارح»، والمثبت من المصدر.
28- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 335.
29- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 136.

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

باب نوادر الطواف

باب نوادر الطوافوفيه مسائل متفرّقه منه : الاُولى : يستفاد من خبر أحمد بن هلال (1) استحباب أن لا يزاحم صاحب النافلة صاحب الفريضة، ولا أهل مكّة الآفاقي ، وصرّح به الأكثر . الثانية : يستفاد من خبر أيّوب (2) استحباب القراءة في أثناء الطواف، بل رجحانها على الذكر . وبه صرّح الشيخ في الخلاف (3) محتجّا بأنّ كلّ ما ورد من فضل قراءة القرآن لا يختصّ بمكان دون مكان، وبعموم قوله تعالى : «فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ» (4) ، وقوله عزّ وجلّ : «فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» . ونسبه في المنتهى (5) إلى علمائنا، واحتجّ عليه بما روته عائشة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يقول في طوافه : «رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْأَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (6) . (7) وبما رواه الشيخ عن محمّد بن الفضيل: أنّه سأل محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام فقال له : سعيت شوطا ثمّ طلع الفجر ، فقال : «صلِّ، ثمّ عد فأتمّ سعيك ، وطواف الفريضة لا ينبغي أن نتكلّم فيه إلّا بالدّعاء وذكر اللّه وقراءة القرآن »، قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه المسلم فيسلّم ويحدّثه للشيء من أمر الآخرة والدُّنيا، قال: «لا بأس به». (8) وبأنّ الطواف كالصلاة، وأفضل الذكر في الصلاة القرآن ، وحكاه في الخلاف عن مجاهد والشافعيّ ، وعن مالك والأوزاعيّ كراهتها . (9) الثالثة : قد ورد النهي عن لبس البُرْطُلَة (10) في الطواف في خبر زياد بن يحيى الحنظليّ ، (11) والطواف فيه شامل للمندوب أيضا ، فالظاهر أنّ العلّة فيه ليست ستر الرأس، بل كونها من زيّ اليهود ، وقد ورد التصريح بذلك في خبر يزيد بن خليفة أنّه قال : رآني أبو عبداللّه عليه السلام أطوف حول الكعبة وعليَّ برطلة، فقال لي بعد ذلك : «رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة، لا تلبسها حول الكعبة؛ فإنّها من زيّ اليهود ». (12) ويظهر من تأخيره عليه السلام ذلك النهي عن وقت مشاهدته طائفا مع البرطلة أنّه للتنزيه لا للتحريم، وهو المشهور بين الأصحاب في الطواف الذي لا يجب فيه ستر الرأس ، منهم الشيخ في التهذيب محتجّا عليه بالخبرين . (13) وأمّا الذي يجب فيه كشف الرأس كطواف العمرة، فلا ريب في تحريم لبسها ، وصرّح بذلك التفصيل جماعة، منهم ابن إدريس حيث قال: إنّه مكروه في طواف الحجّ، محرّم في طواف العمرة ، (14) وظاهر الشيخ في المبسوط التحريم مطلقا، فإنّه قال : «ولا يطوف الرجل وعليه برطلة». (15) من غير تقييد . وفي المنتهى: «قال الشيخ رحمه الله : لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة (16) وأطلق ». (17) انتهى ، والتفصيل أجود؛ لما ذكر . الرابعة : قال الشيخ في التهذيب : «مَن نذر أن يطوف على أربع فليطف اُسبوعين، اُسبوعا ليديه واُسبوعا لرجليه ». (18) ومثله في المبسوط، (19) وظاهره عموم الحكم للرجل والمرأة، ومستند الحكم خبر أبي الجهم (20) والسكونيّ ، (21) وقصر المحقّق الحكم على المرأة؛ وقوفا فيما خالف الأصل على موضع النصّ . (22) وفي المنتهى: «الذي ينبغي الاعتماد عليه بطلان النذر في حقّ الرجل والتوقّف في حقّ المرأة ، فإن صحّ سند هذين الخبرين عمل بموجبهما، وإلّا بطل كالرجل ». (23) وقال ابن إدريس (24) : لا ينعقد هذا النذر أصلاً؛ لعدم مشروعيّة تلك الهيئة ، وإنّما قال بذلك بناءً على أصله ، وربّما قيل بانعقاد النذر دون الوصف بناءً على أنّ عدم مشروعيّة الوصف غير مستلزم لفساد الأصل ، فتأمّل . الخامسة : يستحبّ في أيّام الحجّ ثلاثمئة وستّون طوافا ومع التعسّر ثلاثمئة وستّون شوطا، إجماعا . (25) ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار، (26) وقد رواها الصدوق في الصحيح . (27) ولمّا كانت هذه الأشواط أحداً وخمسين طوافا وثلاثة أشواط قال جماعة منهم المحقّق (28) بالقران في الطواف الأخير على أن يكون عشرة أشواط ، واستثنوه من قاعدة كراهية القران في الطواف المندوب ، وقيل بإلحاق أربعة اُخرى . نقله العلّامة في المختلف (29) عن ابن زهرة، (30) ونفى عنه البأس، واستحسنه صاحب المدارك، وقال : «إنّما قالوا بذلك للحذر عن كراهة القران أو ليوافق عدد أيّام السنة الشمسيّة ». (31) انتهى . وأقول : هذا القول في غاية القوّة، لكن لا لما ذكر كما عرفت من جواز استثناء هذا الفرد من القران من قاعدة الكراهة، فمقتضى ذلك النصّ الحسن ، بل الصحيح؛ ولأنّه بزيادة الأربعة لا يوافق عدد الأشواط عدد أيّام السنة الشمسيّة حقيقةً، فإنّ السنة الشمسيّة الحقيقيّة ثلاثمئة وخمسة وستّون يوما وأربع وسبعون جزئا من ثلاثمئة جزء من يوم بليلته والا صطلاحية منها ثلاثمئة وخمسة وستون يوما وربع يوم، أو ثلاثمئة وخمسة وستّون يوما بلا كسر، على اختلاف الاصطلاحين على ما حقّقناه في حكم الكبيسة من كتاب الصوم _ بل للتصريح بذلك فيما رواه الشيخ قدس سرهفي باب زيادات الحجّ من التهذيب بسند صحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ، عن عليّ وكأنّه ابن أبي حمزة الثماليّ عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يستحبّ أن يطاف بالبيت عدد أيّام السنة، كلّ اُسبوع لسبعة أيّام، فذلك اثنان وخمسون اُسبوعا ». (32) فإن قيل : قد عبّر في خبر الكتاب عن ثلاثمئة وستّين بعدد أيّام السنة ، وفي خبر الشيخ عبّر عن ثلاثمئة وأربعة وستّين بذلك العدد، فما المراد بالسنة مع أنّهما لا يطابقان السنة الشمسيّة ولا القمريّة ، أمّا الشمسيّة فلما عرفت ، وأمّا القمرية فلأنّها ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما واثنتان وعشرون دقيقة من ستّين دقيقة هي دقائق اليوم بليلة . قلنا : قد تسامح عليه السلام في الخبرين في السنة على إرادة الشمسيّة، ووجه التسامح في خبر الكتاب أنّ المتأخّرين من أهل التنجيم كانوا يعتبرون شهور السنة الشمسيّة ثلاثين ثلاثين، ويزيدون في آخر السنّة خمسة أيّام، ويسمّونها بالخمسة المسترقة، ويكبسون بيوم آخر في أربع وستّين أو في خمس وستّين جبراً للكسر المتقدّم ، (33) فأطلق السنة على ما هو عدد أيّام الشهور المذكورة من غير اعتبار الخمسة المسترقة وما يتبعها . وأمّا في خبر الشيخ فلغاية القرب من السنة الشمسيّة الحقيقيّة، فإنّها إنّما يقصر عنها بيوم وكسر تقدّم، ويحتمل أن يكون هذا مراد من علّل ما ذكر بموافقة عدد أيّام السنة الشمسيّة، فتدبّر . قوله في خبر أحمد بن محمّد : (قطع لهم قطعة من الاُردن ) . [ ح 7 / 7604] الاُردن بضمّتين وشدّ اللّام: كورة بالشام . (34) قوله في صحيحة الهيثم : (فقال: أيها اللّه ) .[ ح 9 / 7606] قال طاب ثراه: قال الخطّابيّ: لا ها اللّه ذا وأيها اللّه ذا بغير ألف قبل الذال، ومعناها في كلامهم: لا يكون واللّه ذا، وإي واللّه يكون ذا، يجعلون الهاء مكان الواو. كذا في شرح السنّة، (35) وفي شرح مختصر الاُصول: «إذا تصحيف »، وقال العلّامة التفتازانيّ في شرحه : قوله إذا: تصحيف، إشارة إلى ما ذكره الخطابيّ ، وأمّا الصيغة فيروى: لاها اللّه بإثبات الألف والتقاء الساكنين على حدّه ، ولاه اللّه بحذف الألف، والأصل لا واللّه ، فحذفت الواو وعوّض عنها حرف التنبيه ، وينبغي أن يكون هذا مراد من قال يجعلون الهاء مكان الواو ، وأمّا التقدير، فقول الخليل: إن ذا مقسم عليه وتقديره: لا واللّه ، أو إي واللّه الأمر ذا، فحذفت الأمر لكثرة الاستعمال ، وقول الأخفش : إنّه من جملة القسم توكيد له، كأنّه قال : ذا قسمي ، (36) والدليل عليه أنّهم يقولون: لاها اللّه ذا لقد كان كذا، فيجيئون بالمقسم عليه بعده . (37) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وإن لم تستطع فثلاثمئة وستّين شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف ) .[ ح 14 / 7611] روى الشيخ في باب الطواف من التهذيب هذه الحسنة عن المصنّف قدس سره بهذا السند من غير تغيير (38) لكن رواها في باب الزيادات منه بسندٍ آخر عن فضالة، عن معاوية بن عمّار، قال : «يستحبّ أن تطوف ثلاثمئة وستّين اُسبوعا عدد أيّام السنة، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف »، (39) ولعلّ فيها سقطا من بعض الرواة أو النسّاخ . قوله في حسنة الكاهليّ : (طاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ناقته العضباء) إلخ .[ح 16/7613] قال ابن الأثير في النهاية: فيه: كان اسم ناقته صلى الله عليه و آله العضباء، هو علم لها، منقول من قولهم: ناقة عضباء، أي مشقوقة الاُذن ، [ ولم تكن مشقوقة الاُذن]. (40) وقال بعضهم: إنّها كانت مشقوقة الاُذن ، والأوّل أكثر . وقال الزمخشري : هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي قصيرة اليد . (41) وفي بعض النسخ بدل العضباء القصوى مقصورة، والظاهر المدّ . قال ابن الأثير : وفي الحديث: أنّه خطب على ناقته القصواء، وقد تكرّر ذكرها في الحديث وهو لقب ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والقصواء: الناقة التي قُطع طرف اُذنها، وكلّ ما قُطع من الاُذن فهو جَذع، فإذا بلغ الربع فهو قصع، فإذا جاوز فهو عضب، وإذا استؤصلت فهو صَلم. يقال: قَصَوْتُه قَصواً فهو مَقْصُوٌّ، والناقة قصواء، ولا يقال بعير أقصى، ولم تكن ناقة النبيّ صلى الله عليه و آله قصواء، وإنّما كان هذا لقبا لها ، وقيل : كانت مقطوعة الاُذن ، وقد جاء في الحديث أنّه كان له ناقة تسمّى «العضباء»، وناقة تسمّى «الجدعاء »، وفي حديث آخر «صَلْماء»، وفي رواية اُخرى «مُخَضرمة »، هذا كلّه في الاُذن، فيحتمل أن يكون كلّ واحد صفة ناقة مفردة، ويحتمل أن يكون الجميع صفة ناقة واحدة، فسمّاها كلّ واحدٍ منهم بما تخيّل فيها . ويؤيّد ذلك ما روي في حديث عليّ رضى اللّه عنه حين بعثه رسول اللّه صلى الله عليه و آله يبلّغ أهل مكّة سورة براءة، فرواه ابن عبّاس أنّه ركب ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله القصواء ، وفي رواية جابر العضباء ، وفي رواية غيرهما الجدعاء ، فهذا يصرّح أنّ الثلاثة صفة ناقة واحدة ؛ لان القضية واحدة. (42) وقال أيضا : «وفيه: أنّه كان يستلم الركن بمحجنه ، المحجن: عصا مُعقفة الرأس كالصّولجان ، والميم زائدة ». (43)

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب.
2- . الحديث الثالث من هذا الباب.
3- . الخلاف، ج 2، ص 322، المسألة 127.
4- . المزمّل (73) : 20 .
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 702.
6- . البقرة (2): 201.
7- . المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 392.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 127، ح 417؛ الاستبصار، ج 2، ص 227، ح 785؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 500 ، ح 18303 .
9- . الخلاف، ج 2، ص 321، المسألة 127. وانظر: كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 189؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 44 و 59 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 391؛ عمدة القاري، ج 9، ص 263.
10- . البُرطُلَه: المِظَلَّة الضيّقة، نبطيّة، وقد استعملت في لفظ العربية. لسان العرب، ج 11، ص 51 (برطل). وقيل: هي قلنسوة طويلة. انظر: مجمع البحرين، ج 5 ، ص 320 (برطل).
11- . هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
12- . الفقيه، ج 2، ص 410 411، ح 2839؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 134، ح 444؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 420، ح 18107 .
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 134، ح 442 و 443.
14- . السرائر، ج 1، ص 576 .
15- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 359.
16- . النهاية، ص 242.
17- . منتهى المطلب، ج 2، ص 702.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 135، بعد الحديث 445.
19- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 360. ومثله في النهاية، ص 242.
20- . الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 422، ح 18111.
21- . الحديث 18 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 421 422، ح 18110.
22- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 203.
23- . منتهى المطلب، ج 2، ص 703.
24- . السرائر، ج 1، ص 576 .
25- . اُنظر: المقنعة، ص 406؛ المبسوط، ج 1، ص 359؛ النهاية، ص 242؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 402، الدرس 104؛ السرائر، ج 1، ص 576 ؛ الجامع للشرائع، ص 200؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 199؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 111، المسألة 475؛ الكافي للحلبي، ص 217؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 203؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 167.
26- . هي الحديث 14 من هذا الباب من الكافي.
27- . الفقيه، ج 2، ص 411، ح 2840؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 308، ح 17812 .
28- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 201.
29- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 203.
30- . الغنية، ص 170.
31- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 167.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 471، ح 1655؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 308 309، ح 17813 .
33- . اُنظر: بحار الأنوار، ج 55 ، ص 347.
34- . معجم البلدان، ج 1، ص 147.
35- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 12، ص 60 ؛ عمدة القاري، ج 15، ص 68 ؛ الجوهر النقي، ج 10، ص 44 45؛ عون المعبود، ج 7، ص 276؛ مجمع البحرين، ج 2، ص 80 .
36- . شرح الرضي على الكافية، ج 4، ص 303؛ المفصّل للزمخشري، ص 488 باب حذف الواو.
37- . اُنظر: تيسير التحرير، ج 4، ص 283.
38- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 135، ح 445.
39- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 135، ح 1656؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 308، ح 17812 .
40- . اُضيفت من المصدر.
41- . النهاية، ج 3، ص 251 (عضب). وكلام الزمخشري تجده في الفائق، ج 2، ص 136.
42- . النهاية، ج 2، ص 75 (قصا).
43- . النهاية، ج 1، ص 347 (حجن).

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

. .

ص: 274

باب استلام الحجر بعد الركعتين وشرب ماء زمزم قبل الخروج

باب استلام الحجر بعد الركعتين وشرب ماء زمزم قبل الخروج إلى الصفا والمروةأجمع الأصحاب على استحباب استلام الحجر، والشرب من ماء زمزم، والصبّ منه على الجسد حين الخروج إلى السعي من الدلو الذي بحذاء الحجر الأسود . (1) وقال طاب ثراه : «قد استحبّ العلماء الإكثار من الشرب من ماء زمزم حتّى قيل: الشرب منه من تمام الحجّ ». (2) وفي مسند أبي داوود الطيالسيّ : «زمزم مباركة، وهي طعام طُعم وشفاء سُقم ». (3) ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام . وفي الصحيح عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيداللّه الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قالا : قال : «يستحبّ أن تستقي من ماء زمزم دلواً أو دلوين، فتشرب منه وتصبّ على رأسك وجسدك، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر ». (4) وفي الفقيه : وقال الصادق عليه السلام : «ماء زمزم [ شفاء ]لما شرب له ». (5) وروي: «أنّه من رَوِي من ماء زمزم أحدث له به شفاء وصُرِف عنه داء» (6) «وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة ». (7) ومن طريق العامّة أيضا: «ماء زمزم لمّا شرب له ». (8) واعلم أنّ لزمزم أسماء ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «أسماء زمزم: رَكْضَةُ جبرئيل عليه السلام ، وسُقيا إسماعيل عليه السلام ، وحُفيرَة عبد المطّلب، وزمزم، والمضنونة، (9) والسقيا، وطعام طعم، وشفاء سقم ». (10)

.


1- . اُنظر: المختصر النافع، ص 95؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 203؛ الجامع للشرائع، ص 201؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 327؛ تبصرة المتعلّمين، ص 98؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 430؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 409، الدرس 106؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 355 356؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 202.
2- . اُنظر: عمدة القاري، ج 9، ص 276 277.
3- . مسند الطيالسي، ص 61 .
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 145، ح 478؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 474، ح 18241 .
5- . الفقيه، ج 2، ص 208، ح 2164؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 245، ح 17659 .
6- . الفقيه، ج 2، ص 208، ح 2165؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 245، ح 17660 .
7- . الفقيه، ج 2، ص 208، ح 2166؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 245، ح 17661 .
8- . مسند أحمد، ج 3، ص 357 و 372؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1018، ح 3062؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 473؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 148 و 202.
9- . في متن الأصل: «المصونة». ومثله في وسائل الشيعة، وما اثبتناه في هامش الأصل مع علامة خ ل، وهو الموافق للمصدر.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 145، ح 479؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 474، ح 18242 .

ص: 275

باب الوقوف على الصفا والدّعاء

باب الوقوف على الصفا والدّعاءاستحبابهما مجمعٌ عليه ، وكذا إطالتهما بقدر قراءة سورة البقرة ، وكفاك في ذلك ما رواه المصنّف في الباب . واعلم أنّه يفهم من حسنة معاوية بن عمّار (1) توقّف رؤية البيت على الصعود إلى الصفا، وهو المستفاد من كلام بعض علماء الفريقين أيضا ، ففي تعليقات المحقّق الشيخ عليّ قدس سره على الإرشاد : «ويستحبّ الصعود على الصفا بحيث يرى البيت ». (2) وفي المسالك : «والمستحبّ الصعود على الصفا بحيث يرى البيت ، وذلك يحصل بالدرجة الرابعة ». (3) وفي الوجيز : ورقى في الصفا مقدار قامة حتّى يقع بصره على الكعبة . وفي العزيز : ويرقى على الصفا بقدر قامة رجل حتّى يتراءى له البيت ويقع بصره عليه ». (4) وظنّ أنّه ليس كذلك، بل يتراءى من غير صعود، وإن لم أجزم الآن بذلك لبُعد عهدي عنه . ويدلّ عليه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن النساء يطفن على الدواب، أيجزيهنّ أن يقفن تحت الصفا والمروة؟ فقال : «نعم بحيث يرين البيت ». (5) ولعلّ المراد في هذه الحسنة الترقّي إليه بحيث يرى الحجر الأسود، فإنّ رؤيته متوقّفة عليه جزما ، ويشعر بذلك قوله عليه السلام : «وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود»، واستقباله مستحبّ أيضا على ما هو صريح الأصحاب والأخبار . وقد ورد في هذه الحسنة الأمر بالخروج من الباب الذي خرج منه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو الباب المقابل للحجر، وقد دخل في المسجد لكنّه معلم بإسطوانتين، فليخرج من بينهما، والأفضل أن يخرج من الباب الموازي لهما أيضا، على ما صرّح به جماعة من الأصحاب . ومثلها خبر عبد الحميد، (6) والأمر فيهما للاستحباب إجماعا . قال طاب ثراه: «والمراد بالأحزاب الذين تحزّبوا من الكفّار عام الخندق، وهو سنة ستّ أو خمس ». انتهى، ويحتمل الأعمّ . قوله : (عن عبد الحميد بن سعيد ) إلخ .] ح 4 / 7622] في بعض النسخ عبد الحميد بن سعد ، والأوّل مطابق لما قاله النجاشيّ، (7) والثاني محكي عن البرقي، (8) وهو مجهول الحال . والسقاية بكسر السين: إناء يشرب منه . (9) قال طاب ثراه : «بنو عبد المطّلب كانوا يستقون من زمزم في الحياض ويسقون الناس ».

.


1- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 146، ح 481؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 476 477، ح 18245.
2- . على أعثر عليه.
3- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 356.
4- . فتح العزيز، ج 7، ص 342.
5- . الحديث الخامس من باب الاستراحة في السعي والركوب فيه من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 156، ح 517 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 498، ح 18299.
6- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 412، ح 2847؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 475، ح 18243.
7- . رجال النجاشي، ص 246، الرقم 648 ، والموجود فيه: «سعد».
8- . جامع الرواة للأردبيلي، ج 1، ص 440.
9- . النهاية، ج 2، ص 382 (سقا).

ص: 276

. .

ص: 277

باب السعي بين الصفا والمروة

باب السعي بين الصفا والمروةأجمع الأصحاب على وجوبه في الحجّ والعمرة، وعلى أنّه ركنٌ فيهما، يبطلان بتركه عمداً ، وحكاهما في المنتهى (1) عن عائشة وعروة ومالك والشافعيّ وأحمد في إحدى الروايتين ، وعن أبي حنيفة: أنّه واجب غير ركن إذا تركه وجب عليه دم ، ومثله عن الحسن البصريّ والثوريّ ، وعن أحمد في الرواية الاُخرى وابن عبّاس وابن الزبير وابن سيرين أنّه مستحبّ لا يجب بتركه دم . (2) لنا على الأوّل: مرسلة الحسن بن عليّ الصيرفيّ، (3) وأخبار متكثّرة وردت في بيان مناسك الحجّ والعمرة وفعل النبيّ صلى الله عليه و آله (4) وقد قال : «خذوا عنّي مناسككم ». (5) وما رواه الجمهور عن حبيبة بنت أبي تجراة (6) أحد نساء بني عبد الدار، قالت : دخلت مع نسوة من بني قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى وأنّ ميزره ليدور في وسطه من شدّة سعيه حتّى لأقول إنّي لأرى ركبتيه، وسمعته يقول : «اسمعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السعي ». (7) وعن عائشة، قالت : طاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وطاف المسلمون، يعني بين الصفا والمروة، فكانت سنّة ، فلعمري، ما أتمّ اللّه حجّ من لم يطف بين الصفا والمروة . (8) وعلى الثاني: حسنة معاوية بن عمّار، (9) وصحيحته عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : «يعيد السعي »، قلت : فإنّه خرج؟ قال : «يرجع فيعيد السعي ، إنّ هذا ليس كرمي الجمار إنّ الرمي سُنّة، والسعي بين الصفا والمروة فريضة ». وقال في رجل ترك السعي متعمّداً، قال : «لا حجّ له ». (10) واحتجّ أحمد على استحبابه بأنّه تعالى رفع الحرج عن فاعله بقوله سبحانه : «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» (11) ، وهذا رتبة المباح وأيّدوه بأنّ في مصحف أبىّ وابن مسعود: فلا جناح عليه أن يطّوف بهما، قائلين : إنّ هذا وإن لم يكن قرانا لكن لا ينحطّ عن رتبة الخبر . (12) والجواب عن الأوّل يظهر من مرسلة الصيرفيّ ، (13) وقد روى البخاريّ بإسناده عن عروة أنّه قال : سألت عائشة فقلت لها : رأيت قول اللّه تعالى : «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» ، (14) فواللّه ما على أحد جناح أن لا يطّوف بالصفا والمروة . قالت : بئس ما قلت يا ابن اُختي إنّ هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يطوّف بهما، ولكنّها اُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون لمناة الطاعة التي كانوا يعبدونها عند المشلّل، فكان من أهلّ يتحرّج أن يطوّف بالصفا والمروة ، فلمّا أسلموا سألوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن ذلك ؛ قالوا : يارسول اللّه ، إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بالصفا والمروة، فأنزل اللّه «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ» ، الآية . (15) وروى طاب ثراه عن محيي الدِّين البغوي أنّه قال : إنّ اُناسا من الأنصار كانوا يرون أنّ الطواف بين الصفا والمروة من أمر الجاهليّة، وقال آخرون : إنّما اُمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة ، فنزلت الآية . ومن طريق آخر لهم: أنّ الجاهليّة كانوا يهلّون لمناة على شطّ البحر، ثمّ يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة، ثمّ يحلقون، فلمّا جاء الإسلام تحرّجوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية، فأنزل اللّه الآية . (16) واُجيب عنه أيضا بأنّ رفع الحرج لا ينافي الوجوب كما لا يدلّ عليه ، والوجوب مستفاد من دليل آخر ، وعن القراءة بعدم ثبوتها، فيكون خطأً قطعا إذا نقلت قرآنا وليست به فارتفع الثقة ، وبهذا يظهر انحطاطها عن رتبة الخبر للقطع بعدم الوثوق بها بخلاف الخبر الواحد . وأمّا إذا نسيه فعليه أن يعيد السعي، وإن تعذّر عليه العود استناب على المشهور . ويدلّ عليه الجمع بين صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة (17) ورواية زيد الشحّام، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتّى رجع إلى أهله، فقال : «يطاف عنه ». (18) وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة ، فقال : «يطاف عنه ». (19) والظاهر اعتبار التعسّر لا التعذّر . وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان ، وفي المدارك: «أظهرهما الأوّل ». (20) قوله في موثّق سماعة : (إذا انتهيت ) إلخ .] ح 1 / 7628] قال طاب ثراه : «لعلّ المراد بأوّل الوادي غاية سفح جبل الصفا، وبآخره أوّل الارتفاع من جبل المروة، وعنده أوّل الزقاق ». قوله : (عن الحسن بن عليّ الصيرفيّ ) .] ح 8 / 7636] روى الشيخ في التهذيب (21) هذا الخبر عن المصنّف بهذا السند، وفيه الحسين مصغّراً، ولم أجده في كتب الرجال، وأظنّه من تصحيف النسّاخ ، والحسن بن عليّ، هذا على ما قاله الفاضل الاسترآبادي (22) هو: الحسن بن عليّ بن زياد الوشّا بن بنت الياس الصيرفيّ، وكان عينا من عيون الطائفة المحقّة . وروى الصدوق في العيون عن أبيه، عن صالح ابن أبي حمّاد، عن الحسن بن عليّ الوشّا، قال : كنت قبل أن أقطع على الرضا عليه السلام جمعت ممّا روي عن آبائه عليهم السلام وغير ذلك مسائل كثيرة في كتاب، وأحببت أن أثبت في أمره وأختبره، وحملت الكتاب في كمّي وصرت إلى منزله، اُريد منه خلوة أناوله الكتاب ، فجلست في ناحية متفكّراً في الاحتيال للدخول، فإذا بغلام قد خرج من الدار في يده كتاب، فنادى: «أيّكم الحسن بن عليّ الوشّا؟» فقمت إليه وقلت : أنا ، قال : «فهاك خُذ الكتاب»، فأخذته وتنحّيت ناحية، فقرأته فإذا واللّه جواب مسألةٍ مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه وتركت الوقف . (23)

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 706.
2- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3، ص 407؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 503 504 .
3- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 468 469، ح 18227.
4- . اُنظر: المبسوط، ج 4، ص 51 ؛ فتح العزيز، ج 7، ص 342؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 155؛ المغني، ج 3، ص 407؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 403 و 407؛ مسند الشافعي، ص 372؛ مسند أحمد، ج 1، ص 79؛ وج 2، ص 98؛ وج 6 ، ص 404؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 42؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 163 و 170؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 63 ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 995، ح 2987 .
5- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 125.
6- . في الأصل: «حبيبة بنت أبي غرّا»، والتصويب من مصادر الحديث وترجمتها في الإصابة، ج 8 ، ص 79، الرقم 11025.
7- . المغني، ج 3، ص 407؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 504 ؛ مسند الشافعي، ص 372؛ مسند أحمد، ج 6 ، ص 421 422 و 437؛ المستدرك للحاكم، ج 4، ص70؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 98؛ الآحاد والمثاني، ج 6 ، ص 83 84 ؛ مسند ابن راهويه، ج 5 ، ص 195 196، ح 2324.
8- . المغني، ج 3، ص 407؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 504.
9- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 482، ح 18256 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 150، ح 492؛ الاستبصار، ج 2، ص 238، ح 829 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 485 486، ح 18265.
11- . البقرة (2) : 158 .
12- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 407 408؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 504 .
13- . هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
14- . البقرة (2): 158.
15- . صحيح البخاري، ج 2، ص 169، باب وجوب الصفا والمروة، و ص 202 203، باب طواف الوداع؛ وج 5 ، ص 153، كتاب تفسير القرآن. ورواه أيضا مسلم في صحيحه، ج 4، ص 68 و 69 .
16- . صحيح مسلم، ج 4، ص 68 ، باب بيان أنّ السعي بين الصفا والمروة ركن؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 96 ؛ معرفة السنن والآثار، ج 4، ص 85 ؛ مسند ابن راهوية، ج 2، ص 189.
17- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 485 486، ح 18265 .
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 150، ح 493؛ وسائل الشيعة، ج 13، ح 486، ح 18266 .
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 472، ح 1658 ؛ الفقيه، ج 2، ص 413، ح 2848؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 486، ح 18267 .
20- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 212.
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 149، ح 490؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 468 469، ح 18227.
22- . منتهى المقال، ج 2، ص 419.
23- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 252، باب 55 ، ح 1.

ص: 278

. .

ص: 279

. .

ص: 280

. .

ص: 281

باب من بدأ بالمروة قبل الصفا أو سها في السعي بينهما

باب من بدأ بالمروة قبل الصفا أو سها في السعي بينهماأجمع الأصحاب على وجوب البدأة من الصفا والختم على المروة في السعي، وهو المشهور بين العامّة . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين، فمن طريق الأصحاب خبرا عليّ بن أبي حمزة، (1) وعليّ الصايغ، (2) وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين فرغ من الطواف وركعتيه قال : «ابدأوا بما بدأ اللّه به، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ» (3) ». (4) وصحيحته الاُخرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة ». (5) وخبر آخر عنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ». (6) ومن طريق العامّة ما نقلوه عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام، عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وبدأ بالصفا وقال : ابدؤوا بما بدأ اللّه به ». (7) وحكى في العزيز عن أبي حنيفة أنّه جوّز البدأة بالمروة . (8) وفي المنتهى بعدما روى عنه هذا القول: «وقد رُوِي عنه خلاف هذه الرواية رويت عنه، فكان إجماعا». (9) فلو عكس يجب عليه إعادة السعي رأسا، ولا يكفيه اطراح الشوط الأوّل المبتدأ من المروة عمداً كان أو نسيانا أو جهلاً؛ لإطلاق بعض ما أشرنا إليه من الأخبار، ولعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه . وأجمع أهل العلم على تعيّن سبعة أشواط فيه، واختلفوا في تحقيق الشوط ، فمذهب الأصحاب وأكثر أهل الخلاف أنّ الذهاب من الصفا إلى المروة شوط والعود شوط آخر ، (10) وأخبارنا مستفيضة في ذلك . وروى الجمهور عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ثمّ نزل إلى المروة حتّى انصبّت قدماه رمل في بطن الوادي حتّى إذا صعد، فمشى حتّى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، فلمّا كان آخر طوافه على المروة قال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ». (11) وقد سبق، وقد أطبق الحجيج من عصر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى يومنا هذا على العمل عليه . وحكى في المنتهى عن أبي بكر الصيرفيّ من الشافعيّة (12) أنّه جعل الذهاب والعود شوطا واحداً، وقال : «ويحكى عن ابن جرير أنّه أفتى به وتابعه الصيرفيّ، فلمّا حمل الفتيا إلى أبي إسحاق ضرب على فتوى الصيرفيّ واعتقد أنّه غلط منه ، فلمّا بلغه ذلك عن ابن جرير أقام على ذلك ». (13) وقال الشيخ في الخلاف : «وحكي عن ابن جرير أنّه استُفتِي فأفتى بذلك، فحمل الفتيا إلى أبي بكر الصيرفيّ [ فأفتى بمثله، فحمل الفتيا إلى إسحاق المروزي فخطّ على فتيا الصيرفي] ظنّا منه أنّه مع ابن جرير، فأقام الصيرفيّ على فتياه» ، (14) والظاهر سقوط شيء من البين . (15) ورواه في العزيز عن أبي عبد الرحمن بن بنت الشافعيّ (16) وابن الوكيل (17) أيضا، (18) وإنّما قالوا بذلك بقياس غير مشتمل على جامع ، ففي العزيز: وذهب أبو بكر الصيرفيّ إلى أنّ الذهاب والعود يحسب مرّة واحدة لينتهي إلى ما منه ابتدأ، كالطواف بالبيت، وكما أنّ في مسح الرأس يذهب باليدين إلى القفا ويردّهما ويكون ذلك مرّة واحدة . (19) إذا عرفت هذا فنقول : لو زاده عمداً عالما بطل سعيه ، وقد قطع به الأصحاب . واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن عبداللّه بن محمّد، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذا السعي ». (20) والخبر وإن كان غير مقطوع بالصحّة؛ لاشتراك محمّد بن عبداللّه ، (21) لكنّه مؤيّد بعمل الأصحاب وبمفهوم صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، (22) وإطلاق صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية، وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي ، وإن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا ». (23) وظاهر أكثر الأصحاب عدم الفرق فيما زاد على السبع بين الثامن وما زاد عليه، وهو مقتضى إطلاق أكثر الأدلّة . وفصّل الشيخ في التهذيب فقال : فإن طاف ثمانية أشواط عامداً فعليه إعادة السعي ، وقد بيّنا ذلك ، وإن سعى تسعة أشواط فلا يجب عليه إعادة السعي ، وإن أراد أن يبني على ما زاد فعل . (24) واحتجّ على حكم التسعة بصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة ، وهذا الفرق واضح، فإنّه لا يمكن البناء على الثامن، فإنّه كان مبتدءاً من المروة بخلاف التاسع، ولا يخلو ذلك عن قوّة . هذا، والناسي مخيّر بين قطع السعي وطرح ما زاد على السبعة، وبين ضمّ ما بقي من سعي ثان إليه؛ لما سيأتي . وأمّا الجاهل فلم يتعرّض له الأكثر، منهم الشيخ في المبسوط (25) والمحقّق في الشرائع (26) والعلّامة في كتبه (27) التي رأيناها ، وكأنّهم ألحقوه بالعامد كما هو شأن أكثر مسائل الحجّ ، ويحتمل إلحاقه بالناسي بناءً على عموم : «رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان ». والشيخ صرّح في التهذيب بالفرق بينهما فقال بعدما ذكر حكم العمد : وإن كان على جهة الخطأ يطرح ما زاد عليه ويعتدّ بالسبعة، ومَن نسي فسعى ثمانية أشواط ثمّ تيقّن فليضف إليه ستّا اُخر إن شاء، وإن شاء قطعه ويطرح واحداً حسب ما قدّمناه . (28) واحتجّ على الأوّل بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، (29) وحسنة جميل بن درّاج، (30) وصحيحة هشام بن سالم، قال : سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيداللّه بن راشد، فقلت له : تحفظ عَليَّ ، فجعل يعدّ ذاهبا وجائيا شوطا واحداً، فبلغ مثل ذلك ، كأنّه أشار بأصابعه إلى أربعة عشر، فقلت له : كيف تعدّ؟ قال : ذاهبا وجائيا شوطا واحداً فأتممنا أربعة عشر شوطا، فذكرنا ذلك لأبي عبداللّه عليه السلام ، فقال : «قد زادوا على ما عليهم، ليس عليهم شيء ». (31) وعلى الثاني بصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف إليها ستّا ، وكذلك إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا ». (32) واعلم أنّ المصنّف قدس سره أراد بالسعي في قوله : (أو سها في السعي بينهما) الهرولة فيما بين المنارة وزقاق العطّارين، فهي مستحبّة على الرجال على المشهور ، (33) بل ربّما ادّعي عليه الإجماع، (34) لما ثبت من فعله صلى الله عليه و آله كذلك في حجّة الوداع ، وللأخبار المتكثّرة . ويستحبّ للراكب إسراع دابّته فيما بينهما، لصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس على الراكب سعي ولكن ليسرع شيئا ». (35) والأمر فيها للندب إجماعا . ويدلّ عليه خبر سعيد الأعرج، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة ، قال : «لا شيء عليه ». (36) وروى الجمهور عن ابن عمر أنّه قال : إن أسعى بين الصفا والمروة فقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسعى، وإن أمشي فقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمشي وأنا شيخ كبير. (37) ولو نسيها فذكرها بعد المجاوزة رجع القهقرى مستحبّا إلى المنارة . ذكره الشيخ في المبسوط (38) وتبعه المتأخّرون . (39) ويدلّ عليه ما ورد في باب زيادات الحجّ من التهذيب مرسلاً عن أبي عبداللّه وأبي الحسن موسى عليهماالسلام أنّهما قالا : «مَن سها عن السعي حتّى يصير من السعي على بعضه أو كلّه، ثمّ ذكر، فلا يصرف [ وجهه منصرفا] ولكن يرجع القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي ». (40) وفي المدارك: «وهل استحباب العود مخصوص بمن ذكرها في ذلك الشوط، أم يرجع إلى الشوط الذي نسيها فيه وإن تجاوزه؟ وجهان، أظهرهما الأوّل ». (41) وظاهر أبي الصلاح وجوب الهرولة وإسراع الدابّة حيث قال على ما حكى في المختلف _ (42) : «وإذا سعى راكبا فليركض الدابّة حيث تجب الهرولة ». (43) واحتجّ عليه بأنّه قد وقع الأمر به . وفيه: أنّ الأمر شائع فيالندب، لا سيما مع القرينة، وقد عرفت ما دلّ على أنّه للاستحباب. ولا يستحبّ على النساء؛ لمنافاتها للستر المطلوب منهنّ، ولمضمر سماعة الذي رواه المصنّف في الباب السابق ، (44) والظاهر أنّ العلّة فيها التذلّل ورفع التكبّر . وروى البخاريّ عن ابن عبّاس أنّه قال : «إنّما سعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالبيت وبين الصفا والمروة ليرى المشركين قوّته» (45) وهو مسلم في الطواف بالبيت، ولذا قيل بعدم استحبابه غير حجّة الوداع ، وأمّا فيما بين الصفا والمروة فهو ممنوع؛ لدلالة الأخبار على استحبابها دائما ، فتأمّل .

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
3- . البقرة (2): 158 .
4- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 145، ح 481؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 483 484، ح 18261.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 51 ، ح 495؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 487، ح 18270 .
6- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 252، ح 853 ؛ وبسند آخر في ص 148، ح 487؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 482، ح 18255.
7- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 132، المسألة 492؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 705؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 7.
8- . فتح العزيز، ج 7، ص 347.
9- . منتهى المطلب، ج 2، ص 705.
10- . انظر: الخلاف، ج 2، ص 328 329، المسألة 141؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 705؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 133، المسألة 493؛ جامع الخلاف والوفاق، ص 205؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 14؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 403؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 149.
11- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 133، المسألة 493؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 46؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 40، باب حجّة النبي... ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 10231022، ح 3074؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 424 426، ح 1905؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 7.
12- . أبو بكر محمد بن عبد اللّه الصيرفي من أهل بغداد، قال أبو بكر القفّال: كان أعلم الناس بالاُصول بعد الشافعي له كتب، منها: البيان في دلائل الأعلام على اُصول الأحكام، و كتاب الفرائض، وشرح رسالة الشافعي، توفّي بمصر في سنة 330. الأعلام، ج 6 ، ص 224؛ معجم المؤلّفين، ج 10، ص 220؛ تاريخ بغداد، ج 3، ص 68 ، الرقم 1049.
13- . منتهى المطلب، ج 2، ص 705؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 10، ص 408. وانظر: فتح العزيز، ج 7، ص 347؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 63 64 و 81 .
14- . الخلاف، ج 2، ص 329، وما بين الحاصرتين منه.
15- . الظاهر أنّ نسخة الخلاف الّتي كانت عند الشارح كانت ناقصة، وبما وضعناه بين الحاصرتين رفع النقص.
16- . أبو عبد الرحمن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن عثمان بن شافع، واُمّه زينب بنت محمد بن إدريس الشافعي، ويقال في كنيته أبو محمّد. اُنظر: المجموع للنووي، ج 2، ص 501 .
17- . أبو حفص عمر بن عبد اللّه بن موسى المعروف بابن الوكيل من فقهاء الشافعيّة وكبار علمائهم تفقّه على الأنماطي، مات بعد سنة 310ه . طبقات الشافعيّة، ج 1، ص 97، الرقم 43؛ موسوعة طبقات الفقهاء، ج 4، ص 322، الرقم 1520.
18- . فتح العزيز، ج 7، ص 347؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 71.
19- . فتح العزيز، ج 7، ص 347.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 151، ح 498. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 217، ح 747؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 366، ح 17967.
21- . كذا بالأصل، والصحيح: «عبد اللّه بن محمّد» كما في المصدر.
22- . وهي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 153، ح 503 ، و ص 472، ح 1659؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 489 490، ح 18276.
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 153، بعد الحديث 502 .
25- . اُنظر: المبسوط للطوسي، ج 1، ص 361 364.
26- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 204.
27- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 139، المسألة 499؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 431.
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 151، بعد الحديث 497 صدر الكلام، و ص 152، بعد الحديث 501 من قوله: «ومَن نسي فسعي» إلى آخر الكلام.
29- . هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 152، ح 499.
30- . هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 152، ح 500.
31- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 152، ح 501 ، وص 473، ح 1663. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 239 240، ح 834 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 488 489، ح 18275.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 152_ 153، ح 502 ؛ ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 240، ح 835 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 366، ح 17966.
33- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 214.
34- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 208.
35- . الكافي، باب الاستراحة في السعي، ح 6 ؛ الفقيه، ج 2، ص 417، ح 2853؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 498، ح 18300.
36- . الحديث التاسع من الباب المتقدّم من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 151، ح 494؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 486 487، ح 18268.
37- . مسند أحمد، ج 2، ص 60 و 61 ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 995، ح 2988.
38- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 363.
39- . اُنظر: المختصر النافع، ص 96؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 204؛ الجامع للشرائع، ص 202؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 327؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 430؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 412، الدرس 106؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 358.
40- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 453، ح 1581. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 521 ، ح 3117؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 487، ح 18269.
41- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 210.
42- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 214.
43- . الكافي في الفقه، ص 196.
44- . هي الحديث الأوّل من ذلك الباب.
45- . صحيح البخاري، ج 2، ص 171، باب وجوب الصفا والمروة؛ وج 5 ، ص 86 . ورواه الترمذي في سننه، ج 2، ص 176، ح 864 ؛ والنسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 405، ح 3941، وص 414، ح 3973؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج 5 ، ص 82 ؛ والحميدي في مسنده، ج 1، ص 232، ح 497، والطبراني في المعجم الكبير، ج 11، ص 134.

ص: 282

. .

ص: 283

. .

ص: 284

. .

ص: 285

. .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

باب الاستراحة في السعي والركوب فيه

باب الاستراحة في السعي والركوب فيهأجمع الأصحاب على جواز الجلوس للاستراحة في أثناء السعي وإن اختلفوا في محلّها ، فالمشهور بينهم جوازها مطلقا؛ للأصل وإطلاق مرسلة المعلّى بن محمّد (1) وحسنة الحلبيّ الثانية، (2) وصحيحة عليّ بن رئاب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يعيى في الطواف، أله أن يستريح؟ قال : «نعم يستريح، ثمّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة وغيرها، ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه ». (3) وحكى في المختلف (4) عن أبي الصلاح أنّه قال : «لا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة اختياراً، ويجوز الوقوف عند الإعياء حتّى يستريح، والجلوس على الصفا والمروة» (5) محتجّا بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «لا تجلس بين الصفا والمروة إلّا من جهد ». (6) وأجاب بأنّه محمول على الكراهة . وقد حكى مثله عن ابن زهرة أيضا . (7) وأمّا الركوب فيه فالظاهر وفاق أهل العلم على جوازه وإن كان المشي أفضل . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابّة أو على بعير ؟ قال : «لا بأس بذلك ». قال : وسألته عن الرجل يفعل ذلك ، قال : «لا بأس به ، والمشي أفضل ». (8) ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن حجّاج الخشّاب، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يسأل زرارة فقال : «سعيت بين الصفا والمروة؟» فقال : نعم ، قال : «وضَعُفتَ؟» قال : لا واللّه ، لقد قويت ، قال : «فإن خشيت الضعف فاركب، فإنّه أقوى لك على الدعاء ». (9) ومنها : ما رواه جمهور العامّة عن جابر، قال : طاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع على راحلته وبالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس ، (10) الخبر، وقد مرّ .

.


1- . هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 502، ح 18309.
2- . هي الحديث الثالث من هذا الباب، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 156، ح 516 . وسائل الشيعة، ج 13، ص 501 ، ح 18306.
3- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 388، ح 18026.
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 213.
5- . الكافي في الفقه، ص 196.
6- . الكافي، باب الاستراحة في السعي والركوب فيه، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 502 ، ح 18309.
7- . الغنية، ص 179.
8- . الفقيه، ج 2، ص 416، ح 2851؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 497، ح 18296.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 155، ح 514 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 497، ح 18297.
10- . مسند الشافعي، ص 127 128؛ مسند أحمد، ج 3، ص 317 و 333 334؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 67 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 420، ح 1880؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 413، ح 3969؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 239، باب الرخصة في الركوب بين الصفا والمروة.

ص: 289

باب من قطع السعي للصلاة أو غيرها والسعي بغير وضوء

باب من قطع السعي للصلاة أو غيرها والسعي بغير وضوءأطلق أكثر الأصحاب منهم الشيخ في التهذيب (1) والمبسوط (2) جواز قطع السعي للصلاة وقضاء حاجة له ولأخيه والبناء على ما مضى من غير تقييد بأربعة أشواط. ويدلّ عليه الأصل، وحسنة معاوية بن عمّار، (3) وصحيحة يحيى بن عبد الرحمن الأزرق، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة، ثمّ يلقاه صديق (4) له فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام ، فقال : «إن أجابه فلا بأس ». (5) وموثّقة الحسن بن عليّ بن فضّال، قال : سأل محمّد بن عليّ أبا الحسن عليه السلام فقال له : سعيت شوطا واحداً ثمّ طلع الفجر ؟ فقال : «صلِّ ثمّ عد فأتمّ سعيك ». (6) ويؤيّدها إطلاق الأخبار التي دلّت على البناء على ما فعل من السعي بعد إكمال الطواف فيما لو ذكر نقصان الطواف في أثناء السعي، وقد مضت . وربّما ادّعي الإجماع على عدم وجوب الموالاة فيه، ومقتضاه جواز القطع والبناء اختياراً من غير عذر ، ولم أجد تصريحا منهم بذلك . وخالف في ذلك المفيد قدس سرهواعتبر في البناء فيه أيضا تواصل أربعة أشواط كالطواف ، فقال في المقنعة : «وحكم السعي في النصف وأقلّ منه وأكثر حكم الطواف سواء ». (7) وقد عرفت أنّه اعتبر ذلك في الطواف . وحكاه في المختلف (8) عن أبي الصلاح (9) وسلّار (10) أيضا، وقال : «واحتجّوا بأنّه نوع طواف، وهو قياس مع الفارق ؛ إذ للطواف من الحرمة ما ليس للسعي ». وأمّا الطهارة فالمشهور بيننا وبين العامّة استحبابها فيه. ويدلّ عليه خبر الأزرق، (11) وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء، إلّا الطواف فإنّ فيه صلاة، والوضوء أفضل ». (12) وصحيحة رفاعة بن موسى، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أشهد شيئا من المناسك وأنا على غير وضوء؟ قال : «نعم، إلّا الطواف بالبيت فإنّ فيه صلاة ». (13) وخبر زيد الشحّام، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء، فقال : «لا بأس ». (14) ورواية عجلان أبي صالح أنّه سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إذا اعتمرت المرأة ثمّ اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي وشهدت المناسك، فإذا طهرت وانصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة وطواف الحجّ وطواف النساء، ثمّ أحلّت من كلّ شيء ». (15) وبمضمون هذا الخبر قد وردت أخبار اُخرى تجيء في محلّها في باب إحرام الحائض والمستحاضة إن شاء اللّه تعالى . وحكي عن ابن أبي عقيل، (16) وجوبها فيه واشتراطه بها محتجّا بموثّق ابن فضّال (17) وبصحيح الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض؟ قال : «لا ، إنّ اللّه تعالى يقول : «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ» (18) »، (19) وهو إحدى الروايتين عن أحمد، (20) وعن الحسن أنّه كان يقول : «إن ذكر قبل أن يحلّ فليعد الطواف بين الصفا والمروة، وإن ذكر بعدما أحلّ فلا شيء عليه ». (21)

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 156، بعد الحديث 519 .
2- . المبسوط، ج 1، ص 362.
3- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
4- . كذا بالأصل، وفي المصادر: «الصديق».
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 157، ح 520 ، وص 472 473، ح 1662؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 500 ، ح 18304.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 156، ح 518 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 499 500 ، ح 18302.
7- . المقنعة، ص 441.
8- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 216.
9- . الكافي في الفقه، ص 196.
10- . المراسم العلويّة، ص 124.
11- . هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 154، ح 509 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 241، ح 841 ؛ ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 399 400، ح 2810؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 374، ح 986؛ و ج13، ص 374، ح 17992، و ص 493، ح 18285.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 154 155، ح 510 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 241، ح 838 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 493 494، ح 18286.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 154، ح 507 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 241، ح 837 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 494، ح 18288.
15- . الكافي، باب ما يجب على الحائض في أداء المناسك، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 394، ح 1374؛ الاستبصار، ج 2، ص 314، ح 1115؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 449، ح 18188.
16- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 211.
17- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 154، ح 508؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 459، ح 18291.
18- . البقرة (2): 158.
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 394، ح 1373؛ الاستبصار، ج 2، ص 314، ح 1114؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 457 458، ح 18206، و ص 494، ح 18287.
20- . منتهى المطلب، ج 2، ص 703، وفي ط الحديثة، ج 10، ص 397؛ المغني، ج 3، ص 413.
21- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 79؛ عمدة القاري، ج 9، ص 184.

ص: 290

. .

ص: 291

. .

ص: 292

باب تقصير المتمتّع وإحلاله

باب تقصير المتمتّع وإحلالهالمشهور بين الأصحاب وجوب التقصير عينا للتحلّل في عمرة التمتّع ، ذهب إليه الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) وابن إدريس، (3) وحكاه في المختلف (4) عن والده و عن ابن البرّاج، (5) وهو ظاهر المفيد قدس سرهفي المقنعة (6) حيث اكتفى فيها بذكر التقصير . واحتجّ عليه بتعليق الحلّ على التقصير بخصوصه في أخبار، منها : ما رواه المصنّف قدس سره ، ومنها : ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : وسمعته يقول : «طواف المتمتّع: أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصّر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ ». (7) وعن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ثمّ ائت منزلك فقصّر من شعرك، وحلّ لك كلّ شيء ». (8) وهذا الاحتجاج إنّما يتمّ لو لم يكن دليل على حصول الحلّ بالحلق أصلاً ، وفيه ما ستعرفه . والشيخ قدس سره أوجب في الاستبصار (9) والمبسوط (10) دما للحلق، وبه صرّح جماعة اُخرى (11) أيضا . ويدلّ عليه خبر جميل، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّع حلق رأسه بمكّة ، قال : «إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك في أوّل شهور الحجّ بثلاثين يوما فليس عليه شيء، وإن تعمّد بعد الثلاثين الذي يوفر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه ». (12) وخبر أبي بصير، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : «عليه دم يهريقه ». (13) وذهب في الخلاف إلى تخييره بين الحلق والتقصير وأفضليّة التقصير، حيث قال : «وأفعال العمرة يعني عمرة التمتّع خمسة: الإحرام، والتلبية، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والتقصير، وإن حلق جاز والتقصير أفضل ». (14) والقولان مطلقان لم يقيّد الأوّل منهما بالفراغ من العمرة في ذي القعدة وما بعده، ولا الثاني منهما بالفراغ منها في شوّال . ولا يبعد القول بالفصل بينهما بتخصيص التحريم بالأوّل والتخيير بالثاني؛ فإنّ الظاهر أنّ علّة تحريم الحلق فيها وجوب توفير شعر الرأس للحجّ فيخصّص بالأوّل؛ لاختصاص وجوب توفيره بما إذا طلع هلال ذي القعدة وعدم وجوبه في شوّال، ولصراحة خبر جميل في ذلك التفصيل، ولكن لم أجد قائلاً به صريحا . نعم ، هو ظاهر المصنّف قدس سرهفي الباب الآتي حيث اكتفى فيه ممّا يتعلّق بهذه المسألة بذكر هذا الخبر . بل لا يبعد القول بوجوب الحلق عينا على العاقص والملبّد؛ لصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحجّ، وليس في المتعة إلّا التقصير ». (15) وصحيحة هشام بن سالم، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في الحجّ أو العمرة فقد وجب عليه الحلق ». (16) بل يستفاد من بعض الأخبار وجوب الدم لو اقتصر العاقص على التقصير، وهو صحيح عيص، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل عقص شعر رأسه وهو متمتّع، ثمّ قدم مكّة فقضى نسكه وحلّ عقاص رأسه فقصّر وادّهن وأحلّ، قال : «عليه دم شاة ». (17) ولم أجد قائلاً به صريحا . نعم ، هو ظاهر الشيخ قدس سرهفي التهذيب حيث قال بعدما حكي عن الشيخ المفيد وجوب التقصير في عمرة التمتّع : «ومن عقص شعر رأسه عند الإحرام أو لبَّده فلا يجوز له إلّا الحلق، ومتى اقتصر على التقصير وجب عليه دم شاة ». (18) واحتجّ عليه ببعض ما ذكر من الأخبار، ولا بُعد فيه، لا سيّما على القول بعدم وجوب توفير شعر الرأس من هلال ذي القعدة، أو ما إذا حلق في شوّال . والأصحاب خصّصوا هذه الأخبار بالعاقص والملبّد في إحرام الحجّ والعمرة المفردة ، بل حملوا كلام الشيخ أيضا على ذلك وقالوا بأنّهما في عمرة التمتّع إنّما يحلّلان بالتقصير، ولا يحلّلان العقاص ولا التلبيد إلّا في منى للحلق ، فقد قال المحقّق المجلسي قدس سرهفي شرح الفقيه في توجيه الدم في خبر عيص : «بأنّ العاقص يلزمه الحلق في الحجّ ولا يجوز له أن يحلّ عقاصه إلّا في منى للحلق ». (19) وعلى أيّ حال فمع الحلق يستحبّ إمرار الموسى على الرأس يوم النحر إذا لم يبلغ شعره حدّ الحلق على المشهور؛ وللأمر به في الخبر المشار إليه. وعلى تحريمه ، فظاهر الأكثر تحريم مسمّى الحلق عرفا ووجوب الدم به ، وخصّهما في النهاية (20) بما إذا حلق الرأس كلّه ، واستوجهه العلّامة في المنتهى ، وهل يجزي عن التقصير ويحصل الإحلال به، أم لابدّ معه من تقصير؟ صرّح في المنتهى بالأوّل، حيث قال : «الحلق مجز وإن قلنا: إنّه محرّم»، (21) وهو ظاهر أكثر ما اُشير إليه من الأخبار، حيث لم يتعرّض فيها لذكر غير الدم . ويؤيّده تحقّق التقصير بأوّل جزء من الحلق ، إلّا أن يقال باشتراط نيّته . وذهب الأكثر إلى الثاني، ورجّحه صاحب المدارك (22) معلّلاً بأنّ الأمر ورد فيها بالتقصير، فلا يتحقّق الامتثال بغيره، وبذلك ردّ على المنتهى ، فتأمّل . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (بمشقص ) . [ ح 6 / 7659] قال طاب ثراه : قال أبو عبيد : نصل السهم إن كان طويلاً غير عريض فهو مشقص ، وإن كان عريضا فهو معبل . (23) وقال أبو حنيفة الدينوريّ : هو كلّ نصل فيه عترة، وهو الناتي وسط الحربة . (24) وقال الخليل : هو سهم فيه نصل عريض يرمى به الوحش . (25) وقال الداووديّ : هو السكّين . ولا يصحّ قوله وإنّما أخذه على المعنى . وقال الآبيّ : قيل : قد يُطلق ويُراد به الجَلَم، وهو محرّكة ما يجزّ به الشعر من جلمه إذا قطعه . (26)

.


1- . النهاية، ص 215.
2- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 355.
3- . السرائر، ج 1، ص 536 .
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 217.
5- . المهذّب، ج 1، ص 242.
6- . المقنعة، ص 406.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 157، ح 522 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 505 ، ح 18318.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 157، ح 523 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 506 ، ح 18319.
9- . الاستبصار، ج 2، ص 242، ذيل الحديث 842 .
10- . المبسوط، ج 1، ص 363.
11- . اُنظر: الوسيلة لابن حمزة، ص 176؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 230؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 438 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 452؛ مدارك الأحكام، ج 8، ص 461.
12- . الفقيه، ج 2، ص 378، ح 2750؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 48 49، ح 149، وص 158، ح 526 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 242، ح 843 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 321، ح 16406؛ وج 13، ص 510 ، ح 18330.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 158، ح 525 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 242، ح 842 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 510 ، ح 18328؛ وج 14، ص 229، ح 19059.
14- . الخلاف، ج 2، ص 330، المسألة 144.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160، ح 533 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 224، ح 19044.
16- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 484، ح 1724؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 222، ح 19038.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160، ح 534 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 224، ح 19045.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160، بعد الحديث 532 .
19- . روضة المتقين، ج 4، ص 494.
20- . النهاية، ص 246. ومثله في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 158، بعد الحديث 524 .
21- . حكاه عنه في مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 461. ولفظُة في منتهى المطلب، ج 2، ص 879 هكذا: «والتقصير متعيّن في عمرة التمتع لأنّه يوجر الحلق إلى مِنى». وقال في ص 711 : «لو قصّ الشعر بأي شيء كان أجزأه، وكذا لو نتفه أو أزاله بالنورة؛ لأنّ القصد الإزالة والأمر ورد مطلقا، فيجري كلّما يتناوله الأطلاق، لكنّ الأفضل التقصير في إحرام العمرة والحلق في الحجّ».
22- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 461.
23- . غريب الحديث، ج 2، ص 257.
24- . حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 232.
25- . ترتيب كتاب العين، ج 2، ص 932 (شقص).
26- . اُنظر: النهاية، ج 1، ص 290 (جلم).

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

باب المتمتّع ينسى أن يقصّر حتّى يهلّ بالحجّ أو يحلق رأسه

باب المتمتّع ينسى أن يقصّر حتّى يهلّ بالحجّ أو يحلق رأسه أو يقع على أهله قبل أن يقصّرإذا أهلّ المتمتّع بالحجّ بعد سعي العمرة قبل التقصير نسيانا فالمشهور صحّة إحرام الحجّ واستحباب جبره بشاة؛ لموثّق إسحاق بن عمّار، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتّى يهلّ بالحجّ؟ قال : «فعليه دم يهريقه »؛ (1) حملاً للأمر بالدّم فيه على الاستحباب، للجمع بينه وبين صحيحة عبداللّه بن سنان (2) وحسنة معاوية بن عمّار (3) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، (4) حيث لم يذكر فيها الدم، وهو مستلزم لنفي وجوبه، وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة . ويؤكّد ذلك نفي شيء في الحسنة . وقال الصدوق رضى الله عنه في الفقيه : «الدم على الاستحباب، والاستغفار يجزي عنه ». (5) ونسب جدّي قدس سره في شرحه إلى بعض الأصحاب القول بوجوبهما، وحمل نفي الشيء فيما اُشير إليه على نفي العقاب، وعدّه أحوط . (6) وحكى العلّامة في المنتهى (7) عن بعض الأصحاب قولاً ببطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأوّل، فيجدّد الإحرام للحجّ بعد التقصير ، ولم أعرف قائله . وأمّا مع العمد فقد ذهب ابن إدريس إلى بطلان الإحرام الثاني والبقاء على الأوّل محتجّا بأنّ الإحرام بالحجّ إنّما يسوغ بعد التحلّل من العمرة، وبالإجماع على عدم جواز إدخال الحجّ على العمرة كعكسه . (8) وعدّه الشهيد في الدروس أقرب وأنسب . (9) وقال الشيخ في التهذيب بانتقال حجّه إلى الإفراد حينئذٍ، حيث قال : والخبر الذي رواه موسى بن القاسم، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المتمتّع إذا طاف وسعى ثمّ لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر، وليس له متعة» فمحمول على من فعل ذلك متعمّداً ، فأمّا إذا فعله ناسيا فلا تبطل عمرته حسب ما قدّمناه . (10) وتبعه على ذلك الأكثر . (11) وأنت خبير بعدم دلالة الخبر على مدّعاه؛ إذ ليس فيه ذكر تداخل الإحرامين ، بل ظاهره الإشارة إلى مسألة اُخرى متفرّعة على ما سبق من تحريم التلبية على المعتمر للتمتّع بعد مشاهدة بيوت مكّة، وتبيين أنّها بعد السعي وقبل التقصير توجب الانتقال إلى حجّ الإفراد ، وقد اختلف الأصحاب فيها، فمنهم من قال بذلك الانتقال مطلقا وإن لم تكن تلك العمرة معدولة عن حجّ الإفراد، ولا الملبّي قاصداً للعدول، كما هو ظاهر إطلاق الخبر ، ومنهم من خصّه بالعمرة المعدولة عن الحجّ، كما فعله الشهيد قدس سرهفي الدروس ، (12) ومنهم من قيّده بما إذا قصد العدول عن تلك العمرة إلى حجّ الإفراد . وبالجملة، فهذا الخبر إنّما يدلّ على أنّ التلبية بعد السعي عاقد للإحرام، وأنّ السعي إنّما يكون محلّلاً ما لم يعارضه العاقد . (13) ويؤيّده صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا قدموا مكّة وطافوا بالبيت أحلّوا، وإذا لبّوا أحرموا، فلا يزال يحلّ ويعقد حتّى يخرج إلى منى بلا حجّ ولا عمرة ». (14) وموثّقة إسحاق، عن أبي بصير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يفرد الحجّ ثمّ يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، ثمّ يبدو له أن يجعلها عمرة؟ قال : «إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له »، (15) وما دلّ على أنّ القارن والمفرد إذا قدّما الطواف والسعي على الموقفين أحلّا لو لم يجدّدا التلبية ، ويجيء في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وقد استشكل الشهيد في الدروس إجزاء الإحرام الثاني؛ معلّلاً بورود النهي عنه، وبوقوع خلاف ما نواه إن أدخل حجّ التمتّع، وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره ، ثمّ قال : فالبطلان أنسب ، ورواية أبي بصير قاصرة الدلالة، مع إمكان حملها على متمتّع عدل عن الإفراد، ثمّ لبّى بعد السعي؛ لأنّه روى التصريح بذلك في رواية اُخرى . (16) انتهى . ولم أجد الرواية التي أشار إليها، فإن أشار بها إلى ما رويناه ثانيا عن أبي بصير، ففي دلالته على مدّعاه تأمّل . ونِعمَ ما قال صاحب المدارك بعدما حكى عنه ما نقلناه : «هو حمل بعيد ، وما ادّعاه من النصّ لم نقف عليه ». (17) فتأمّل . وحكى في المنتهى (18) عن أبي حنيفة وأحد قولي الشافعيّ جواز إدخال الحجّ على العمرة ، (19) وردّه بأنّه عبادة شرعيّة فتقف على إذن الشارع، ولم يثبت . وفي الباب مسائل اُخرى قد سبق القول في أكثرها، وبقي القول في استحباب التشبّه بالمحرمين للمتمتّع بعد العمرة في الاجتناب عن محرّمات الإحرام مطلقا، كما هو ظاهر خبر حفص . (20) وخصّه الشهيد في الدروس (21) بترك المخيط، وكأنّه حمل قوله عليه السلام : «وليتشبّه بالمحرمين» على التأكيد، والأوّل أظهر، إذ التأسيس خير من التأكيد .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 158 159، ح 527 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 42، ح 854 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 412، ح 16647؛ وج 13، ص 513 ، ح 18337، وفي الجميع: «عليه دم يهريقه» بدون الفاء.
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
5- . الفقيه، ج 2، ص 376، بعد الحديث 2742.
6- . روضة المتّقين، ج 4، ص 493.
7- . منتهى المطلب، ج 2، ص 686 .
8- . السرائر، ج 1، ص 581 .
9- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 333، ح 87 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 159، ح 529 . ومثله في الاستبصار، ج 2، ص 243، ح 846 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 412، ح 16646.
11- . اُنظر: المختصر النافع، ص 83 ؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 577 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 73، المسألة 440؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 63 64 .
12- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 333، الدرس 87 .
13- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 284 285.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 31، ح 93؛ الاستبصار، ج 2، ص 156، ح 511 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 253، ح 14723؛ وج 12، ص 392، ح 16592.
15- . الفقيه، ج 2، ص 314، ح 2550؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 90، ح 295؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 256 257، ح 14733.
16- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 333، الدرس 87 .
17- . مدارك الأحكام، ج 7، ص 282.
18- . منتهى المطلب، ج 2، ص 662 ، والمذكور فيه عدم جواز إدخال الحجّ على العمرة. ثمّ قال: «واختلوا في إدخال العمرة على الحجّ بعد عقدية الإفراد، فقال أبو حنيفة بالجواز، وهو أحد قولي الشافعي».
19- . فتح العزيز، ج 7، ص 125؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 162؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 512 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 239.
20- . هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
21- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 415، الدرس 106.

ص: 297

. .

ص: 298

. .

ص: 299

باب المتمتّع تعرض له الحاجة خارجا من مكّة بعد إحلاله

باب المتمتّع تعرض له الحاجة خارجا من مكّة بعد إحلالهالمشهور بين الأصحاب أنّ عمرة التمتّع مرتبطة بالحجّ، يجب الحجّ بعدها في عامها وإن كانا مندوبين، فلا يجوز له الخروج عن مكّة بعدها إلّا بنيّة العود . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب قوله صلى الله عليه و آله : «دخلت العمرة في الحجّ هكذا» وشبّك بين أصابعه، في الخبر الثابت من الطريقين ، (1) وقد سبق . وخبر معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : من أين افتراق المتمتّع والمعتمر؟ فقال : «إنّ المتمتّع مرتبطٌ بالحجّ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء ». (2) ورواية حفص، عن عليّ، قال : سأله أبو بصير وأنا حاضر عمّن أهلَّ بعمرة في أشهر الحجّ، له أن يرجع؟ فقال : «ليس في أشهر الحجّ عمرة يرجع فيها إلى أهله، ولكنّه يجلس بمكّة حتّى يقضي حجّه؛ لأنّه إنّما أحرم لذلك ». (3) وحكى العلّامة قدس سره في المختلف عن ابن إدريس (4) أنّه نفى التحريم محتجّا بعدم الدليل ، وردّه بدلالة ما ذكر من الأخبار عليه . (5) وأمّا مع نيّة العود فقد قال الشيخ في المبسوط : لا ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يخرج من مكّة قبل أن يقضي مناسكه كلّها إلّا لضرورة، فإن اضطرّ إلى الخروج خرج إلى حيث لا يفوته الحجّ، ويخرج محرما بالحجّ، فإن أمكنه الرجوع إلى مكّة، وإلّا مضى إلى عرفات، فإن خرج بغير إحرام ثمّ عاد، فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضرّه أن يدخل مكّة بغير إحرام ، وإن كان عوده إليها في غير ذلك الشهر دخلها محرما بالعمرة إلى الحجّ، وتكون العمرة الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلى الحجّ . (6) ومثله في التهذيب (7) والنهاية ، (8) وفي النافع (9) أيضا، إلّا أنّه صرّح بكراهة الخروج، وهو الظاهر من أكثر أخبار الباب وممّا رواه الصدوق رضى الله عنه قال : قال الصادق عليه السلام : «إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك، لأنّه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه إلّا أن يعلم أنّه لا يفوته الحجّ، فإذا علم وخرج ثمّ رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلّاً، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما ». (10) والشيخ قدس سره في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وأبان بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم، قال : «إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام ». (11) واختلفوا في المدّة التي يعتبر في وجوب تجديد العمرة ، فاعتبر الشيخ والمحقّق على ما عرفت دخول شهر آخر وإن كانت العمرة السابقة في آخر الشهر السابق، كما هو ظاهر الأخبار المشار إليها، وهو مبني على أنّ لكلّ شهر عمرة . ويدلّ عليه صريحا التعليل في موثّقة إسحاق بن عمّار: «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتّع فيه؛ لأنّ لكلّ شهر عمرة »، (12) واعتبر أكثر المتأخّرين الفصل بشهر هلالي أو عددي بين العمرتين ، (13) ولم أرَ شاهداً لهم على ذلك . وعلى أيّ حال، فهل المعتبر إحرام العمرة الاُولى أو الإحلال عنها؟ الأوّل هو المستفاد من بعض الأخبار، إذ يفهم من بعضها كفاية وقوع إحرام العمرة في شهر في كونها من ذلك الشهر، وإن وقعت أفعالها في شهر آخر ، ففي موثّق إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : «يحرم قبل الوقت لرجب، فإنّ لرجب فضلاً ،[ و هو الذي نوي]». (14) وفي صحيحة معاوية بن عمّار، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة ». (15) واعتبر المحقّق في الشرائع (16) في الجواز الخروج على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة بأن يخرج محرما أو يرجع قبل شهر . ونسبه في المدارك (17) إلى الشهرة بين الأصحاب، واشترط فيها الخروج محرما . ويردّهما إطلاق أكثر ما ذكر من الأخبار. وتقييد الخارج بغير إحرام بالجهل في حسنة حمّاد بن عيسى (18) لا يوجب تقييد ذلك الإحرام؛ لكونه في كلام السائل . وعلى تقدير تحديد الإحرام وصيرورة عمرته الاُولى مفردة فظاهر إطلاق الأخبار وأكثر الفتاوى عدم وجوب استدراك طواف النساء لها . ويؤيّده أنّه قد حلّ له النساء بالتقصير شرعا، فلا يعود التحريم بدون دليل يعتدّ به . واحتمل بعض الأصحاب افتقارها إليه؛ معلّلاً باقتضاء صيرورتها مفردة ذلك . واعلم أنّه يفهم من قول الشيخ: «فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لا يضرّه أن يدخل مكّة بغير إحرام»، (19) جواز دخوله حينئذٍ محرما، فيحرم للحجّ لا للعمرة بناءً على عدم جواز عمرتين في شهر ، بل قد صرّح باستحبابه بقوله : «ومن خرج من مكّة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه فالأفضل أن يدخلها محرما بالحجّ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام حسب ما قلناه ». (20) وبه صرّح العلّامة أيضا في المنتهى حيث قال : «ولو خرج من مكّة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه استحبّ له أن يدخلها محرما بالحجّ ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام». (21) ويدلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار، (22) وهو مناف لما هو المشهور بين الأصحاب من أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ، بل يظهر من المنتهى وفاقهم عليه، فإنّه قال : أمّا ميقات حجّ التمتّع فمكّة لا غير ، ولو أحرم من غيرها اختياراً لم يجزه، وكان عليه العود إلى مكّة لإنشاء الإحرام ، ذهب إليه علماؤنا، ولا نعرف فيه خلافا إلّا في رواية عن أحمد (23) أنّه يخرج إلى الميقات، فيحرم منه للحجّ، وليس بصحيح . (24) وظاهره عدم جواز ذلك ولو دخل مكّة بإحرامه، لكن الظاهر من المحقّق في الشرائع وقوع خلاف فيه فإنّه قال : «ولو أحرم بحجّ التمتّع من غير مكّة لم يجزه، ولو دخل مكّة بإحرام على الأشبه و وجب استئنافه منها، وكأنّه أشار إلى قول الشيخ ذلك ». (25) وربّما قيل : قد يشير في كتابه إلى خلاف العامّة أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد ، فيظهر أنّ فيه خلافا والاحتياط بمقتضى العود حينئذٍ بغير إحرام وإيقاع الإحرام بمكّة ، ثمّ الظاهر من أكثر الأخبار اختصاص تحريم الخروج بغير إحرام، ووجوب العود بعمرة جديدة على تقدير الخروج بالتجاوز عن المواقيت، لا مجرّد الخروج عن الحرم ، ولم أرَ تصريحا بذلك في كلام أحد .

.


1- . الكافي، باب حجّ النبى صلى الله عليه و آله ، ح 4؛ علل الشرائع، ص 414، الباب 153، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 11، 236، ح 14676؛ مسند أحمد، ج 1، ص 253 و 259؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1024، ح 3074؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 426، ح 1905؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 7 . وللحديث بدون ذكر تشبيك الأصابع مصادر كثيرة.
2- . الكافي، باب العمرة المبتولة في أشهر الحجّ، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 437، ح 1519؛ الاستبصار، ج 2، ص 328، ح 1163؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 311، ح 19286.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 437، ح 1520؛ الاستبصار، ج 2، ص 328، ح 1164؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 312، ح 19290.
4- . السرائر، ج 1، ص 633 634 .
5- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 362.
6- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 363 364.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 163، بعد الحديث 545 .
8- . النهاية، ص 246.
9- . المختصر النافع، ص 99.
10- . الفقيه، ج 2، ص 378 379، ح 2752؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 304، ح 14870.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 166، ح 554 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 246، ح 859 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 407، ح 16637.
12- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 164 165، ح 549 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 303 304، ح 14868.
13- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 358 360.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 53 ، ح 160؛ الاستبصار، ج 2، ص 162 163، ح 532 ؛ ورواه الكليني في الكافي، باب من أحرم دون الوقت، ح 9؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 326، ح 14927.
15- . الكافي، باب مَن أحرم دون الوقت، ح 8 ؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 53 ، ح 161؛ الاستبصار، ج 2، ص 163، ح 533 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 325 326، ح 14926.
16- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 174.
17- . مدارك الأحكام، ج 7، ص 173 174.
18- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
19- . النهاية، ص 246 247.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 164، بعد الحديث 548 .
21- . منتهى المطلب، ج 2، ص 711 وفي ط الحديث، ج 10، ص 449. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 152.
22- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 164 165، ح 549 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 303 304، ح 14868.
23- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 379؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 319.
24- . منتهى المطلب، ج 2، ص 667 .
25- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 174.

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

. .

ص: 303

باب الوقت الذي تفوت فيه المتعة

باب الوقت الذي تفوت فيه المتعةقد اختلف الأصحاب فيه اختلافا كثيراً على حذو اختلاف الأخبار ، ففي بعضها ما يدلّ على امتداد وقتها يوم التروية ، رواه البزنطيّ عن عبد الكريم، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك، فاجعلها حجّة مفردة »، (1) الحديث . ولم أجد قائلاً به، وكأنّه خصّصه بما بعد الزوال من قال بامتداد وقتها إلى زوال ذلك اليوم . ومنها : ما يدلّ على امتداد وقتها إلى زوال الشمس يوم التروية ، رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة فتحيض قبل أن تحلّ، متى تذهب متعتها؟ قال : «كان أبو جعفر عليه السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية ». فقلت : جُعلت فداك، عامّة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون، ثمّ يحرمون بالحجّ ، فقال : «زوال الشمس ». فذكرت له رواية عجلان أبي صالح، فقال : «لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة »، فقلت : فهي على إحرامها أو تجدّد إحرامها للحجّ؟ فقال : «لا هي على إحرامها »، قلت : فعليها هدي؟ قال : «لا، إلّا أن تحبّ أن تتطوّع »، ثمّ قال : «أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة ». (2) وهو منقول عن عليّ بن بابويه، وأنّه صرّح بذلك في الحائض . (3) ومنها : ما يدلّ على انقضاء أجلها بانقضاء يوم التروية ؛ رواه الشيخ عن عيص بن القاسم في الصحيح، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المتمتّع المقدم مكّة يوم التروية ، صلاة العصر تفوته المتعة؟ فقال: «لا، له ما بينه وبين غروب الشمس»، وقال: «قد صنع ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم». (4) وفيالصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا قدمت مكّة يوم التروية وأنت متمتّع فلك ما بينك وبين الليل أن تطوف بالبيت وتسعى وتجعلها متعة ». (5) وفي الصحيح عنه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا قدمت مكّة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة، امض كما أنت بحجّك ». (6) وعن إسحاق بن عبداللّه ، قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المتمتّع يدخل مكّة يوم التروية، فقال : للمتمتّع ما بينه وبين الليل ». (7) وعن إسحاق بن عبداللّه ، (8) عن أبي الحسن عليه السلام قال : «المتمتّع إذا قدم مكّة ليلة عرفة فليست له متعة، يجعلها حجّة مفردة، إنّما المتعة إلى يوم التروية (9) ». (10) وعن موسى بن عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المتمتّع يقدم مكّة ليلة عرفة ، قال : «لا متعة له، يجعلها حجّة مفردة، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويخرج إلى منى، ولا هدي عليه، إنّما الهدي على المتمتّع ». (11) وعن عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل والمرأة يتمتّعان بالعمرة إلى الحجّ، ثمّ يدخلان مكّة يوم عرفة، كيف يصنعان؟ قال : «يجعلانها حجّة مفردة ، وحدّ المتعة إلى يوم التروية ». (12) وبه قال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة ، (13) وحكاه في المختلف (14) عن مقنع الصدوق رضى الله عنه . (15) ومنها : ما يدلّ على امتداد وقتها إلى أن يدرك الناس بمنى يوم عرفة بعد أفعال العمرة والإحرام بالحجّ ، ولم أجد قائلاً به بخصوصه ، رواه المصنّف قدس سرهفي مرسلة ابن بكير، (16) والشيخ في الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المتمتّع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى ». (17) وفي الصحيح عن مرازم بن حكيم، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : «المتمتّع يدخل ليلة عرفة مكّة أو المرأة الحائض، متى تكون لهما المتعة؟ فقال : «ما أدركوا الناس بمنى ». (18) ويؤيّدها صحيحة موسى بن القاسم بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إلى متى تكون للحاج عمرة؟ قال : «إلى السحر من ليلة عرفة ». (19) وقال موسى بن القاسم : وروى لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنّه قال : «أهلّ بالمتعة بالحجّ يريد يوم التروية إلى زوال الشمس، وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء، ما بين ذلك كلّه واسع ». (20) وخبر محمّد بن أبي حمزة، عن بعض أصحابه، عن أبي بصير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المرأة تجيء متمتّعة، فتطمث قبل أن تطوف بالبيت، فيكون طهرها ليلة عرفة؟ فقال : «إن كانت تعلم أنّها تطهر وتطوف بالبيت وتحلّ من إحرامها وتلحق بالناس فلتفعل ». (21) ومنها : ما يدلّ على اعتبار إدراك وقوف عرفات ، والظاهر أنّ المراد منه إدراك أوّل الوقوف، وهو المشهور بين المتأخّرين، وهو خبر يعقوب بن شعيب، (22) وصحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أهلَّ بالحجّ والعمرة جميعا، ثمّ قدم مكّة والناس بعرفات، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروه أن يفوته الموقف، فقال : «يدع العمرة، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة، ولا هدي عليه ». (23) وصحيحة زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه وبين مكّة ثلاثة أميال، وهو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال : «يقطع التلبية تلبية المتعة ويهلّ بالحجّ بالتلبية إذا صلّى الفجر، ويمضي إلى عرفات، فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك، ويقيم بمكّة حتّى يعتمر عمرة المحرم ولا شيء عليه ». (24) وصحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر ». (25) وهذه الصحيحة ظاهرة الدلالة على ما ذكرناه من اعتبار إدراك أوّل الزوال كما ستعرفه . ومنها : ما يشعر بأنّه يكفي إدراك مسمّى الوقوف من آخر الوقت واشتراط الإفاضة منها مع الناس ، رواه محمّد بن سرو، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول في رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وافي غداة عرفة، وخرج الناس من منى إلى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه؟ إلى أيّ وقت عمرته قائمة إذا كان متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فلم يواف يوم التروية، ولا ليلة التروية؟ فكيف يصنع؟ فوقّع عليه السلام : «ساعة يدخل مكّة إن شاء اللّه يطوف ويصلّي ركعتين، ويسعى ويقصّر، ويخرج بحجّته، ويمضي إلى الموقف، ويفيض مع الإمام ». (26) وإليه ذهب الشيخ قدس سره في المبسوط والنهاية ، ففي النهاية : لو دخل يوم التروية مكّة طاف وسعى وقصّر وأحلّ، ثمّ عقد إحرام الحجّ، فإن لم يلحق مكّة إلّا ليلة عرفة جاز له أن يفعل ذلك أيضا ، فإن دخلها يوم عرفة جاز له أن يحلّ أيضا ما بينه وبين زوال الشمس، فإذا زالت فقد فاتته العمرة وكانت حجّته مفردة . هذا إذا علم أنّه يلحق عرفات ، فإن غلب على ظنّه أنّه لا يلحقها فلا يجوز له أن يحلّ، بل يقيم على إحرامه ويجعل حجّته مفردة . (27) ومثله في المبسوط. (28) وأنت خبير بأنّ ذلك الخبر مع عدم قابليّته للمعارضة لما تقدّم؛ لندرته وعدم صحّته، غير صريح فيما ادّعاه، بل يحتمل الحمل على ما إذا غَلَب على ظنّه لحوق الناس بعرفات أوّل الزوال، فإن تمسّك قدس سره بذلك فقد تمسّك بما لا يدلّ على مدّعاه. لا يقال: يمكن أن يكون قدس سره مستنداً في ذلك بقوله عليه السلام : «المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة» في صحيحة جميل المتقدّمة . (29) لأنّا نقول : هو أيضا غير صريح فيما ادّعاه ، بل غير ظاهر أيضا فيه، فإنّ ظاهره أنّ له المتعة إلى أن يغلب على ظنّه لحوق الناس بعرفات أوّل الزوال بقرينة قوله عليه السلام : «وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر ». وقد بالغ ابن إدريس حيث اكتفى بإدراك اضطراري عرفة في البقاء على المتمتّع، فقد قال في السرائر : يجوز للمحرم المتمتّع إذا دخل مكّة أن يطوف ويسعى ويقصّر إذا علم أو غلب على ظنّه أنّه يقدر على إنشاء الإحرام بالحجّ بعده والخروج إلى عرفات والمشعر، ولا يفوته شيء من ذلك، سواء كان دخوله مكّة بعد الزوال، من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم عرفة، قبل زواله أو بعد زواله على الصحيح والأظهر من أقوال أصحابنا؛ لأنّ وقت الوقوف بعرفة للمضطرّ إلى طلوع الفجر من يوم النحر. (30) فقد تمسّك بما يردّ قوله، فإنّ هذا الحاجّ ليس بمضطرّ؛ لإمكان عدوله إلى الإفراد، وقد ثبت وجوب العدول عليه بما تقدّم من الأخبار، وكأنّه قال بذلك بناءً على ما أصّله من عدم جواز العمل بأخبار الآحاد أصلاً . وممّا ذكرنا يظهر تحتّم العدول إلى الإفراد إذا غلب على ظنّه أنّه لا يدرك عرفات أوّل الزوال مع التمتّع، ولا يبعد القول بالتخيير فيما قبله إلى زوال الشمس يوم التروية مطلقا، سواء كانت حجّته حجّة الإسلام أو غيره . وذهب الشيخ قدس سره في التهذيب إلى التخيير في الجميع في غير حجّة الإسلام؛ للجمع. ويفهم منه تحتّم التمتّع في حجّة الإسلام فيما إذا أدرك مسمّى الوقوف بعرفات، كما ذهب إليه في الكتابين، فقد قال فيه: والمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ تكون عمرته تامّة ماأدرك الموقفين، سواء كان ذلك يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم عرفة إلى بعد زوال الشمس، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتت المتعة؛ لأنّه لا يمكنه (31) أن يلحق الناس بعرفات والحال على ما وصفناه ، إلّا أنّ مراتب الناس تتفاضل في الفضل والثواب، فمَن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس يكون ثوابه أكثر ومتعته أكمل ممّن لحق بالليل ، ومَن أدرك بالليل يكون ثوابه دون ذلك وفوق من يلحق يوم عرفة إلى بعد الزوال . والأخبار التي وردت في أنّ مَن لم يدرك يوم التروية فقد فاتته المتعة، المراد بها فوت الكمال الذي يرجوه بلحوقه يوم التروية ، وما تضمّنت من قولهم عليهم السلام : «وليجعلها حجّة مفردة »، فالإنسان بالخيار في ذلك بين أن يمضي المتعة وبين أن يجعلها حجّة مفردة إذا لم يخف فوت الموقفين، وكانت حجّته غير حجّة الإسلام التي لايجوز فيها الإفراد مع الإمكان، حسب ما قدّمناه، وإنّما يتوجّه وجوبها، والحتم على أن يجعل حجّته مفردة لمن غلب على ظنّه أنّه إن اشتغل بالطواف والسعي والإحلال ثمّ الإحرام بالحجّ يفوته الموقفان ، ومهما حملنا هذه الأخبار على ما ذكرناه فلم نكن قد دفعنا شيئا منها . (32) هذا كلامه أعلى اللّه مقامه .

.


1- . رواه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 794؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 39. ولم أعثر عليها في كتب الحديث.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 391، ح 1366؛ الاستبصار، ج 2، ص 311، ح 1107؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 299 300، ح 14858.
3- . فقه الرضا عليه السلام ، ص 230. وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 218.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 172، ح 574 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 248، ح 869 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 294، ح 14837.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 172، ح 576 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 248، ح 871 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 294، ح 14839.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 173، ح 583 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 249، ح 878 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 299، ح 14856.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 172، ح 575 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 294، ح 14838.
8- . هذا هو الصحيح الموافق لمصادر الحديث. وفي الأصل: «عمر بن يزيد» بدل «إسحاق بن عبد اللّه ».
9- . في هامش الأصل: «أي إلى آخره بقرينة أوّل الخبر، منه عفي عنه».
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 173، ح 580 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 249، ح 875 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 298، ح 14853.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 173، ح 581 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 249، ح 876 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 298 299، ح 14854.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 173، ح 582 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 249، ح 877 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 299، ح 14855.
13- . المقنعة، ص 431.
14- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 218.
15- . المقنع، ص 265.
16- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 170، ح 566 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 246، ح 861 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 293، ح 14833.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 170، ح 565 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 246، ح 860 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 293، ح 14835.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 171، ح 567 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 246 247، ح 862 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 294 295، ح 14841.
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 172، ح 573 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 248، ح 872 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 293، ح 14836.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 172 173، ح 578 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 248، ح 873 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 294، ح 14840.
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 391، ح 1367 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 311، ح 1108 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 449 450، ح 18189.
22- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 171، ح 568 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 247، ح 863 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 292 293، ح 14832.
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 174، ح 584 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 250، ح 879 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 297 298، ح 14850.
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 174، ح 585 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 250 251، ح 880 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 298، ح 14851.
25- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 171، ح 569 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 247، ح 864 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 295، ح 14842.
26- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 171، ح 570 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 247، ح 865 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 295، ح 14843.
27- . النهاية، ص 247.
28- . المبسوط، ج 1، ص 364.
29- . وسائل الشيعة، ج 11، ص 295، ح 14842.
30- . السرائر، ج 1، ص 581 582 .
31- . في الاصل: «لا يمكن»، والمثبت من المصدر.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 170، بعد الحديث 564 .

ص: 304

. .

ص: 305

. .

ص: 306

. .

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

باب إحرام الحائض والمستحاضة

باب ما يجب على الحائض في أداء المناسك

باب إحرام الحائض والمستحاضةأجمع أهل العلم على جواز الإحرام في حال الحيض والنفاس وعدم اشتراطه بالطهارة، وعلى استحباب الغسل للإحرام لهما أيضا ، والأخبار المتظافرة من الطريقين شاهدة عليهما ، منها : ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب والذي بعده . ومنها : ما ثبت عند الفريقين من أمر النبيّ صلى الله عليه و آله أسماء بنت عميس بالاغتسال والإحرام، وقد نفست بمحمّد بن أبي بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة، ولم تطهر بَعدُ . (1)

باب ما يجب على الحائض في أداء المناسكأراد قدس سره بيان أنّه متى ينتقل فرضها إلى الإفراد إذا ضاق وقتها عن إكمال العمرة أو الإحرام للحجّ، ولها أحوال : الاُولى : وجود الحيض قبل الإحرام، وهذه تحرم بالإفراد إجماعا من الفريقين . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين ، وكفاك شاهداً عليه ما ثبت من أمره صلى الله عليه و آله لعائشة بذلك . (2) الثانية : أن تحيض بعد الإحرام بعمرة التمتّع وبعد الطواف أجمع ، فالذي رأيت في كلام الأصحاب أنّها تبقى على التمتّع مطلقا، سواء صلّت للطواف أم لا ، فتسعى وتقصّر، ثمّ تهلّ بالحجّ بمكّة في غير المسجد، وإن لم تكن صلّت قضت الصلاة في إحرام الحجّ . (3) ويدلّ عليه خبر أبي الصباح ، (4) وذلك واضح على ما هو المشهور بين الأصحاب من عدم اشتراط السعي بالطهارة ، وما أدري ما قال ابن أبي عقيل في هذه المسألة، حيث أوجب الطهارة فيه أيضا كالطواف . (5) الثالثة : أن تحيض بعد أربعة أشواط من الطواف ، والمشهور بين الأصحاب أنّها تبقى على التمتّع، فتسعى وتقصّر وتقضي بقيّة الطواف وصلاته في إحرام الحجّ . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ، قال : حدّثني مَن سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتّعة : «إذا طافت بالبيت أربعة أشواط، ثمّ حاضت، فمتعتها تامّة، وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، وتخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف (6) الآخر ». (7) وعن سعيد الأعرج، قال : سُئل أبو عبداللّه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة، ثمّ طمثت، قال : «تتمّ طوافها، فليس عليها غيره، ومتعتها تامّة، فلها أن تطوف بين الصفا والمروة؛ [ وذلك] لأنّها زادت على النصف ومضت متعتها، ولتستأنف بعد الحجّ». (8) ومارواه الصدوق رضى الله عنه عن ابن مسكان، عن إبراهيم بن إسحاق ، عمن سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة طافت أربعة أشواط وهى معتمرة، ثمّ طمثت، قال: «تتّم طوافها وليس عليها غيره، ومتعتها تامّة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة، لأنّها زادت على النصف وقد قضت متعتها، فلتستأنف بعد الحجّ ، وإن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ، (9) فإن أقام جمّالها بعد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم، فليعتمر ». (10) ويؤيّدها خبر أبي بصير وأحمد بن عمر الحلّال، (11) وما مضى ممّا دلّ على البناء فيما زاد الطواف على النصف . وخالف في ذلك ابن إدريس، فاعتبر في البقاء على التمتّع إكمال الطواف قبل الحيض، فقال : «والذي تقتضيه الأدلّه أنّها إذا جاءها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها ». (12) وفي المختلف: «وما أدري الأدلّة التي قادت ابن إدريس إلى ما ذهب إليه أيّها هي ؟» (13) الرابعة : أن تحيض في الطواف قبل الأربعة، والمشهور أنّها تنتقل إلى الافراد؛ لما ثبت من أنّه لا يجوز البناء في الطواف على أقلّ من أربعة أشواط، ولا يعتدّ بما طاف حتّى يجوز أن تسعى بعده ويقصّر . ويؤكّده مرسلة إبراهيم بن إسحاق المتقدّمة، حيث صرّح آخرها بذلك . وحكى في المختلف (14) عن الصدوق قولاً به، وقولاً آخر أيضا بالاكتفاء بثلاثة أشواط فما دونها في البقاء على التمتّع ، وإليه ذهب في الفقيه حيث قال فيه : وروى حريز عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثمّ رأت دما ، فقال : «تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت منه واعتدّت بما مضى ». وروى العلاء عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام مثله، قال مصنّف هذا الكتاب رضى الله عنه: بهذا الحديث أفتى دون الحديث الذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمّن سأل أبا عبداللّه عليه السلام وذكر الخبر الذي سبق إلى آخره ثمّ قال : لأنّ إسناد هذا الحديث منقطع، والحديث الأوّل رخصة ورحمة، وإسناده متّصل . (15) وأنت خبير بعدم معارضة هذين الخبرين ؛ فإنّ الأوّل إنّما يدلّ على البناء في الطواف على ثلاثة أشواط، وهو معنى آخر غير البقاء على التمتّع ولا تعلّق له بهذه المسألة ، فتأمّل ، بضميمة عموم ما سيأتي ممّا دلّ على البقاء على التمتّع قبل الطواف، ويأتي القول فيه ، ويدلّ على المشهور بعض ما تقدّم من الأخبار . الخامسة : أن تحيض قبل الشروع في الطواف بعد الإحرام، وهذه أيضا تنتقل إلى الإفراد على المشهور؛ لما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في الحائض إذا قدمت يوم التروية: «أنّها تمضي كما هي إلى عرفات، فتجعلها حجّة، ثمّ تقيم حتّى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة ». (16) ورواه الشيخ أيضا بضميمة : قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة . (17) وما رواه إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن المرأة تجيء متمتّعة، فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتّى تخرج إلى عرفات ، قال : «تصير حجّة مفردة »، قلت : هل عليها شيء؟ قال : «دمٌ تهريقه، وهي اُضحيتها ». (18) ويؤكّدهما مرسلة إبراهيم بن إسحاق المتقدّمة، (19) ويؤيّدها ما سبق في باب الذي تفوت فيه المتعة. لكن بإزائها أخبار كثيرة دلّت على بقائها على التمتّع بفعل السعي والتقصير، ثمّ إحرام للحجّ وتأخير طواف العمرة إلى وقت طواف الحجّ ، وقد روى أكثرها المصنّف قدس سره في الباب ، منها : صحيحتا عبد الرحمن بن الحجّاج وعليّ بن رئاب، (20) والبواقي ضعيفة ، أمّا خبرا أبي بصير فبالإرسال (21) وسهل بن زياد ، (22) وأمّا ما عداهما فلانتهائها كلّها إلى درست عن عجلان الواسطيّين، والأوّل واقفي غير موثّق، والثاني مجهول الحال . والكشي وإن حكى توثيقه عن ابن فضّال وروى مدحه حيث قال : قال محمّد بن مسعود : سمعت عليّ بن الحسن بن فضّال يقول : عجلان أبو صالح ثقة ، قال : قال له أبو عبداللّه عليه السلام : «يا عجلان، كأنّي أنظر إليك إلى جنبي والناس يعرضون عليَّ ». (23) لكنّه ليس صريحا في الواسطيّ، بل محتمل لجماعة، فإنّ عجلان أبا صالح مشترك، وإنّما حملناه هنا على الواسطيّ بقرينة رواية الواسطيّ عنه ، وقد ضعف بعضها من جهات اُخرى أيضا . وقال الشيخ في التهذيب بعد رواية خبرين منها، وهما خبرا عجلان (24) : فليس في هاتين الروايتين ما ينافي ما ذكرناه؛ لأنّه ليس في هذين الخبرين أنّه قد تمّ متعتها، ويجوز أن يكون من هذه حاله يجب عليه العمل على ما تضمّنه الخبران، ويكون حجّة مفردة دون أن تكون متعة ، ألا ترى إلى الخبر الأوّل وقوله عليه السلام : «إذا قدمت مكّة طافت طوافين »، فلو كان المراد تمام المتعة لكان عليها ثلاثة أطواف وسعيان، وإنّما كان عليها طوافان وسعي ؛ لأنّ حجّتها صارت مفردة ، وإذا حملناهما على هذا الوجه يكون قوله عليه السلام : «يهلّ بالحجّ» تأكيداً لتجديد التلبية بالحجّ دون أن يكون ذلك فرضا واجبا . والوجه الثاني: أنّه ليس في صريحهما أنّها رأت الدم في أيّ حال، وإذا لم يكن ذلك في ظاهرهما جاز أن يكون المراد بهما أنّها رأت الدم بعد أن طافت من طواف الفريضة ما يزيد على النصف، فإنّه متى كان الأمر على ما ذكرناه تكون هي بمنزلة من قضى متعته . (25) وتمسّك في ذلك بخبري أبي إسحاق اللؤلؤي وسعيد الأعرج . (26) ولتعارض الأخبار ذهب ابن الجنيد إلى تخييرها بين التمتّع والإفراد حينئذٍ مطلقا، سواء كان إحرامها بعد ظهور الحيض أو بالعكس ، لكن على تقدير اختيار التمتّع يقول: لا يقصر ولا يتحلّل ، بل يتمّ أفعال العمرة والحجّ معا بإحرامه السابق كالسابق عند بعض الأصحاب، ويطوف للعمرة مع طواف الحجّ، فقد قال على ما نقل عنه فى¨ المختلف : الحائض والنفساء من ابتدأ منهما إحرامه وبها الدم وكانت متمتّعة بالعمرة إلى الحجّ أقامت على إحرامها ولم تطف إذا وردت مكّة إلى أن يخرج الناس إلى منى، فإن لم تطهر قبل ذلك خرجت [ معهم]، فإذا طهرت رجعت وسعت له وطافت طواف النساء وقد صحّت متعتها، وعليها دم، وكانت كالسائق المهلّ بمتعة إلى الحجّ، ولو اختارت عند خروجها إلى منى إبطال متعتها وإفراد الحجّ جاز ذلك لها واعتمرت من التنعيم [ وإخراجها من متعتها]، وأمّا مَن أحرم منهنّ طاهراً بمتعة إلى الحجّ ثمّ حاضت كانت مخيّرة إذا قدمت مكّة بين أن تقدّم السعي، فإذا طهرت قبل الخروج إلى منى طافت وأحلّت، وبين أن تقف على إحرامها، وإن لم تطهر حتّى خرج الناس إلى منى كانت أيضا مخيّرة أن تجعلها حجّة مفردة وتقدّم السعي وتشهد المناسك، وإن رجعت طافت طواف الزيارة وطواف النساء وأحلّت ، فإن اختارت المقام على متعتها كان لها أن تقدّم سعي العمرة والسعي وتقيم على إحرامها ، فإذا رأت الطهر يوم النحر طافت ثلاثة أطواف : طواف العمرة، وطواف الحجّ، وطواف النساء، وذبحت دم متعتها ، وإن لم تطهر إلى أن نفر الناس آخر أيّام التشريق أقامت إلى أن تمضي لها تتمّة عشر[ ة أيّام] (27) ، ثمّ فعلت ما تفعل المستحاضة ، فإن فعلت ذلك ثمّ أقامت بمكّة ورأت الطهر بعده أعادت الطواف والسعي وطواف النساء . (28) وما اُشير إليه من الأخبار غير منطبق على ذلك، وتأويلها عليه في غاية البُعد . وذهب الصدوق رضى الله عنه في الفقيه إلى الفصل بين من حاضت بعد الإحرام ومن حاضت قبله ، وقال ببقاء الاُولى على التمتّع على ما دلّت عليه الأخبار المتكثّرة التي أشرنا إليها، وانتقال الثانية إلى الإفراد على ما هو المشهور ومدلول الأخبار الأولة، وعبارته هنا لا تخلو عن دقّة وخفاء، حيث قال بعدما نقلنا عنه بلا فصل : وإنّما لا تسعى الحائض التي حاضت قبل الإحرام بين الصفا والمروة وتقضي المناسك كلّها؛ لأنّها لا تقدر أن تقف بعرفة إلّا عشيّة عرفة، ولا بالمشعر إلّا يوم النحر، ولا ترمي الجمار إلّا بمنى ، وهذا إذا طهرت قضته . (29) وقال جدّي قدس سره في شرحه: لمّا وردت أخبار كثيرة بأنّ الحائض تسعى بين الصفا والمروة وتتمّ حجّها متمتّعة، ورويت أخبار كثيرة في أنّها لا تسعى بل تصير حجّتها مفردة، وذهب إلى كلٍّ فريق، وذهب جماعة إلى التخيير حاول المصنّف الجمع بينهما بما ورد في الخبر بأنّ مَن أحرم وهي حائض تفرد الحجّ؛ لأنّها تعلم بالنظر إلى عادتها أنّها لا تطهر بمقدار ما تطوف وتسعى وتقصّر وتهلّ بالحجّ، وتدرك عرفات قبل الغروب، فلا يمكنها أن تنوي العمرة ؛ لأنّ وقوف عرفات لا يمكن إيقاعه في غير عرفة، ووقوف المشعر لا يمكن إيقاعه في غير وقته، وكذا مناسك منى يوم النحر فلا يمكنه نيّة العمرة مع العلم بعدم إمكان إيقاعها، بخلاف من كانت طاهرة عند الإحرام، فإنّها تمكنها النيّة على استصحاب الطهارة، فلمّا نوت العمرة بنيّة صحيحة لزمها إتمامها بالسعي والتقصير، فيحمل أخبار إيقاع السعي على هذه الصورة ، وأخبار الترك والإفراد على الأوّل . (30)

.


1- . اُنظر: الفقيه، ج 2، ص 380، ح 2755؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 401، ح 16621؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 33؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 32؛ المعجم الكبير للطبراني، ج 4، ص 141.
2- . اُنظر: مسند أحمد، ج 6 ، ص 177؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 149؛ وج 5 ، ص 124؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 27؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 400، ح 1781؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 357، ح 3745؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 105.
3- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 417 419، المسألة 725؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 178.
4- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
5- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 211.
6- . في هامش الأصل: «يعني البقية في طوافها، منه».
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 393، ح 1370؛ الاستبصار، ج 2، ص 313، ح 1111؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 456، ح 18204.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 393، ح 1371؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 456، ح 18203.
9- . كذا بالأصل ومثله في وسائل الشيعة، وفي المصدر: «بعد الحج».
10- . الفقيه، ج 2، ص 383، ح 2767؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 455، ح 148202.
11- . هما ح 2 و 3 من هذا الباب من الكافي.
12- . السرائر، ج 1، ص 623 .
13- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 339.
14- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 338 339.
15- . الفقيه، ج 2، ص 383، ح 2766 و 2767.
16- . الفقيه، ج 2، ص 381، ح 2759؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 297، ح 14846.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 390، ح 1363.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 390، ح 1365؛ الاستبصار، ج 2، ص 310، ح 1106؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 299، ح 14857.
19- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 455، ح 18202.
20- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
21- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
22- . الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي.
23- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 710، ح 772.
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 391 392، ح 1368 و 1369.
25- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 392 393، بعد الحديث 1369.
26- . نفس المصدر، ح 1370 و 1371.
27- . مابين الحاصرتين من المصدر، وفي الهامش بخطّ الأصل: «ثمانية عشر يوما».
28- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 340.
29- . الفقيه، ج 2، ص 383 384، بعد الحديث 2767.
30- . روضة المتّقين، ج 4، ص 513 .

ص: 311

. .

ص: 312

. .

ص: 313

. .

ص: 314

. .

ص: 315

. .

ص: 316

باب أنّ المرأة تحيض بعدما دخلت في الطواف

باب أنّ المستحاضة تطوف بالبيت

باب أنّ المرأة تحيض بعدما دخلت في الطوافأراد قدس سره بيان أنّ الحائض إذا قطعت الطواف للحيض متى تستأنف ومتى تبني على ما مضى ، وقد سبق القول فيه مستقصىً في باب الرجل يطوف فتعرض له الحاجة ، والأولى جمعهما في باب واحد .

باب أنّ المستحاضة تطوف بالبيتالمستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها كانت بحكم الطاهر، يجب عليها ما يجب عليه، ويصحّ منها ما يصحّ منه، فيصحّ منها الطواف إجماعا . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف قدس سره ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المستحاضة، أيطأها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال : «تقعد قرؤها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل، ولتستدخل كرسفا، فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفا آخر، ثمّ تصلّي، فإذا كان دما سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، وكلّ شيء استحلّت به الصلاه فليأتها زوجها ولتطف بالبيت ». (1)

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 400، ح 1390؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 375، ح 2397.

ص: 317

باب نادر

باب نادريذكر فيه أحكام متفرّقة متعلّقة بالحائض، منها : أنّ المرأة إذا قضت مناسك الحجّ حتّى الطوافين في الحيض جهلاً وأحلّت بظنّ صحّة حجّها، ثمّ واقعها زوجها بعد خروج ذي الحجّة، يجب عليها سوق بدنة، وقضاء الحجّ من قابل . ومنها : أنّ الحائض تودّع على باب المسجد . ومنها : أنّ الحائض بعد العمرة تنتظر يوم التروية لتهلّ للحجّ في المسجد وإن لم تطهر، فتحرم قبل طلوع الفجر من ذلك اليوم بمكّة، وهو من باب الندب والاستحباب، وإلّا فيجوز لها تأخيره إلى زوال ذلك اليوم إجماعا . ومنها : أنّ الحائض في أثناء الطواف بعد تجاوز النصف يجوز لها أن تنفرد وتستنيب لإتمامه . ومنها : أنّ الحائض قبل طواف النساء إن استطاعت أن تقوم بمكّة حتّى تطهر وتطوف وجب عليها ذلك، وإلّا فتنفرد وتستنيب له . كلّ ذلك مستفاد من أخبار الباب، وقد سبق بعض منها .

.

ص: 318

باب علاج الحائض

باب الإحرام يوم التروية

باب علاج الحائضتدلّ أخبار الباب وبعض ما يأتي في الباب الذي بعده [ على ]استحباب استعلاج الحائض والدّعاء لانقطاع دمها إذا خافت فوات الحجّ لو صبرت إلى انقضاء الحيض على عادتها ، وكذا إذا خافت فوات زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله بالمسجد ، وصرّح به العلماء الأخيار رضي اللّه عنهم .

باب الإحرام يوم الترويةيعني أنّ المستحبّ الإحرام للحجّ يوم التروية، ويجوز تقديمه في أشهر الحجّ، وإنّما حملناه على الاستحباب لما قد سبق من قوله عليه السلام : «وأمّا نحن فنحرم للحجّ أوّل ذي الحجّة ». (1) وفي المنتهى : «ولا خلاف في أنّه لو أحرم المتمتّع والمكّي قبل ذلك في أيّام الحجّ فإنّه يجزيه ». (2) وحكى فيه عن العامّة أنّ لهم في وقت الإحرام بالحجّ للمكّي قولين : يوم التروية، وهلال ذي الحجّة، وكأنّهم قالوا بذينك القولين في وقت استحبابه لا الوجوب ، فقد نسب طاب ثراه استحبابه يوم التروية إلى أكثرهم ، (3) وعن بعضهم: أنّه يستحبّ للمكّي أن يحرم للحجّ من أوّل ذي الحجّة؛ (4) ليدخل عليه شعث الحاجّ كما يدخل على غيره . قوله في حسنة الحلبيّ : (وقد أزمع بالحجّ ) . [ ح 3 / 7709] الظاهر أنّ الباء في قوله بالحجّ بمعنى على أو لتأكيد التعدية، فإنّ أزمع إنّما يتعدّى بنفسه أو بعلى ، ففي القاموس : «أزمعت الأمر وعليه: أجمعته ». (5) وحكى الجوهريّ عن الفرّاء أنّه قال : «أزمعته وأزمعت عليه بمعنى مثل أجمعته وأجمعت عليه ». (6) قوله في خبر زرارة : (قال إذا جعلت شعب دُبّ عن (7) يمينك والعقبة عن يسارك فلبِّ ) .] ح 6 / 7712] ظاهره التلبية العاقدة للإحرام ، وحمل في المشهور على الجهر بها، والشِعب: الطريق في الجبل. (8) والدرب: الزقاق . (9) وفي النهاية : «وقيل: هو بفتح الراء للنافذ منه، وبالسكون لغير النافذ ». (10)

.


1- . لم أعثر عليه بهذه العبارة، نعم تقدّم بلفظ: «أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة». وسائل الشيعة، ج 11، ص 299، ح 14858.
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 714.
3- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 181؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 150؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 421؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 421.
4- . المجموع للنووي، ج 7، ص 181؛ شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 96 و 162.
5- . القاموس المحيط، ج 3، ص 35 (زمع).
6- . صحاح اللغة، ج 3، ص 1226 (زمع).
7- . في الكافي المطبوع: «على».
8- . صحاح اللغة، ج 1، ص 156 (شعب).
9- . لم أعثر على هذا المعنى.
10- . النهاية، ج 2، ص 111 (درب).

ص: 319

باب الحجّ ماشيا وانقطاع مشي الماشي

باب الحجّ ماشيا وانقطاع مشي الماشيقد اختلفت الأخبار في أنّ المشي في الحجّ أفضل أم الركوب ، فأكثر أخبار الباب تدلّ على الثاني، ويؤكّدها ما رواه الشيخ عن رفاعة، قال : سأل أبا عبداللّه عليه السلام رجل : الركوب أفضل أم المشي؟ فقال : «الركوب أفضل من المشي ؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ركب ». (1) وقد روى مثله الصدوق رضى الله عنه في العلل بسند آخر عن رفاعة وعبداللّه بن بكير عنه عن أبي عبداللّه عليه السلام . (2) ويدلّ على الأوّل ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن الحلبي، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن فضل المشي ، فقال : «الحسن بن عليّ عليهماالسلام قاسم ربّه ثلاث مرّات حتّى نعلاً ونعلاً، وثوبا، وثوبا وديناراً، وديناراً، وحجّ عشرين حجّة ماشيا على قدميه ». (3) ويؤيّدها ما رواه عن محمّد بن إسماعيل بن رجاء الزبيديّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ما عبد اللّه بشيءٍ أفضل من المشي ». (4) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ما عُبد اللّه بشيء أشدّ من المشي و لاأفضل». (5) والمشهور بين الأصحاب التفصيل، ففصّلوا تارةً بالضعف وعدمه، فقالوا : المشي أفضل إلّا مع الضعف عن العبادة فالركوب أفضل . (6) ويشعر به صحيحة سيف التمّار . (7) وتارةً بالشحّ والتخشّع ، ويستفاد ذلك من موثّق ابن بكير (8) وخبر أبي بصير ، (9) ويؤيّدهما ما رواه الصدوق رضى الله عنه في العلل عن المفضّل بن يحيى، عن سليمان، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّا نريد أن نخرج إلى مكّة مشاة ، فقال : «لا تمشوا، اخرجوا ركبانا »، فقلنا : أصلحك اللّه إنّا بلغنا عن الحسن بن عليّ عليهماالسلامأنّه حجّ عشرين حجّة ماشيا ، فقال : «إنّ الحسن بن عليّ عليهماالسلامكان يحجّ وتساق معه الرحال ». (10) وقال الشيخ قدس سره في التهذيب : يحتمل أيضا أن يكون إنّما فضّل الركوب على المشي إذا علم أنّه يلحق مكّة إذا ركب قبل المشاة فيعبد اللّه ويستكثر من الصلاة إلى أن يقدم المشّاءون ، فقد روى هذا المعنى أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ، عن هشام بن سالم، قال : دخلنا على أبي عبداللّه عليه السلام أنا وعنبسة بن مصعب وبضعة عشر رجلاً من أصحابنا، فقلت : جعلني اللّه فداك، أيّهما أفضل: المشي أو الركوب؟ فقال : «ما عُبد اللّه بشيء أفضل من المشي »، فقلنا : أيّما أفضل: نركب إلى مكّة فنعجّل فنقيم بها إلى أن يقدم الماشي، أو نمشي؟ فقال : «الركوب أفضل ». (11) وقال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : (12) يمكن أن يحمل أخبار المشي على المشي من مكّة لأفعال الحجّ، كما يظهر من صحيحة رفاعة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن مشي الحسن عليه السلام من مكّة أو المدينة؟ قال : «من مكّة ». (13) ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ غاية المشي في الحجّ هل هي رمي الجمار في آخر أيّام التشريق أو طواف النساء؟ رجّح الأوّل الشهيد الثاني في شرح اللمعة. (14) ويدلّ عليه خبر عليّ بن أبي حمزة. (15) ويؤيّده أنّ المشي وصف في الحجّ المركّب من الأفعال الواجبة، فلا يتمّ إلّا بآخرها . وقد اشتهر بين الأصحاب الثاني، وهو الذي قطع به الشهيد قدس سرهفي الدروس، (16) وظاهر صحيحة إسماعيل بن همّام (17) أنّها رمي جمرة العقبة يوم النحر . ولم أجد قائلاً به، وحمل بعض الأصحاب الجمرة فيها على جميع الجمار، (18) وزيارة البيت على طواف الوداع، وهو بعيد ، وتظهر فائدة الخلاف في نذر المشي فيه .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 12، ح 31؛ الاستبصار، ج 2، ص 142، ح 463؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 81 ، ح 14295 و 14296.
2- . علل الشرائع، ص 446، باب 198، ح 1 و 2.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 11 12، ح 29؛ الاستبصار، ج 2، ص 141 142، ح 461؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 480، ح 1253؛ و ج 11، ص 78 79، ح 14286.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 12، ح 30؛ الاستبصار، ج 2، ص 142، ح 462؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 79، ح 14287.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 11، ح 28؛ الاستبصار، ج 2، ص 141، ح 460؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 78، ح 14282.
6- . اللمعة الدمشقيّة، ص 54 ؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 170؛ مسالك الأفهام، ج 11، ص 320.
7- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
8- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
10- . علل الشرائع، ص 447، باب 198، ح 6 .
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 13، ح 34. ومثله في الاستبصار، ج 2، ص 143، ح 466؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 78، ح 14285.
12- . كذا بالأصل، ولم أعثر على هذا الكلام في شرح الفقيه. وانظر التعليق التالي.
13- . هذا الكلام في ملاذ الأخيار، ج 7، ص 200، ونحوه في مرآة العقول، ج 18، ص 109، والحديث رواه الكليني في الكافي، باب الحجّ ماشيا، ح 5 .
14- . شرح اللمعة، ج 2، ص 181.
15- . هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 90، ح 14321.
16- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 319، الدرس 83 .
17- . هي الحديث السابع من هذا الباب؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 90، ح 14320.
18- . مسالك الأفهام، ج 11، ص 322.

ص: 320

. .

ص: 321

. .

ص: 322

باب تقديم طواف الحجّ للمتمتّع قبل الخروج إلى منى

باب تقديم طواف الحجّ للمتمتّع قبل الخروج إلى منىلقد أجمع الأصحاب على عدم جواز تقديم طواف الحجّ وسعيه على الوقوفين للمتمتّع اختياراً ، ونسبه في المنتهى (1) إلى العلماء كافّة ، والمشهور بينهم جواز ذلك لعذر ، وبه قال الشيخ (2) والعلّامة (3) في أكثر كتبهما . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ عن يحيى الأزرق، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلى الحجّ، ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر، يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحجّ قبل أن تأتي منى؟ قال : «إذا خافت أن تضطرّ إلى ذلك فعلت ». (4) وقد ورد في بعض الأخبار جوازه من غير تقييد، وحمل على الضرورة للجمع ، رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المتمتّع يهلّ بالحجّ ثمّ يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى؟ قال : «لا بأس به ». (5) وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يتمتّع ثمّ يهلّ بالحجّ ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى، قال : «لا بأس به ». (6) وسيأتي مثله في صحيحة عليّ بن يقطين (7) أيضا. ومثله طواف النساء له عند الأصحاب في جوازه للضرورة وعدمه اختياراً . واحتجّ على الثاني بما رواه المصنّف في الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، (8) وفي الصحيح عن عليّ بن أبي حمزة . (9) وعلى الأوّل بما رواه في الصحيح عن عليّ بن يقطين، قال : سمعت أبا الحسن الأوّل عليه السلام يقول : «لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية». (10) وكذلك لا بأس لمن خاف أمراً لا يتهيّأ له الانصراف إلى مكّة أن يطوف ويودّع بالبيت، ثمّ يمرّ كما هو من منى إن كان خائفا ، فتأمّل .

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 708 .
2- . النهاية، ص 241؛ المبسوط للطوسي، ج 1، ص 359.
3- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 205؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 597 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 708؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 143، المسألة 504 .
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 398، ح 1384؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 415، ح 18097، و ص 451 452، ح 18194.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 131، ح 430؛ الاستبصار، ج 2، ص 229 230، ح 794؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 281، ح 14803.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 477، ح 1686؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 281، ح 14802.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 131، ح 430؛ الاستبصار، ج 2، ص 229 230، ح 794؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 281، ح 14803.
8- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 133، ح 437؛ الاستبصار، ج 2، ص 230، ح 798؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 415، ح 18096.

ص: 323

باب تقديم الطواف للمفرد

باب تقديم الطواف للمفردالمشهور بين الأصحاب جواز تقديم طواف الزيارة والسعي للمفرد والقارن ولو اختياراً؛ لما رواه المصنّف في الباب ، وما رواه البزنطيّ، عن عبد الكريم، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كنت أحرمت بالمتعة فقدّمت يوم التروية فلا متعة لك، فاجعلها حجّة مفردة تطوف بالبيت ،وتسعى بين الصفا والمروة، ثمّ تخرج إلى منى ولا هدي عليك ». (1) وأمّا طواف النساء فإنّما يجوز لهما أيضا تقديمه مع العذر كالمتمتّع؛ لموثّق إسحاق . (2) ومنع ابن إدريس تقديم الطواف لهما مطلقا، سواء كان طواف الزيارة أو طواف النساء ، والظاهر أنّه إنّما منع ذلك اختياراً فقد قال : «القارن والمفرد حكمهما حكم المتمتّع، فإنّه لا يجوز لهما تقديم الطواف قبل الموقفين ، وكذا لا يجوز تقديم طواف النساء إلّا مع الضرورة ». (3) وفي المنتهى: «واحتجّ ابن إدريس على وجوب الترتيب بالإجماع . وجوابه أنّه ممنوع مع وجود الخلاف . على أنّ شيخنا رحمه اللهقد ادّعى إجماع الطائفة على جواز التقديم، (4) فكيف يصحّ له حينئذ دعوى الإجماع على خلافه والشيخ أعرف بمواضع الخلاف والوفاق. (5) ومع التقديم يجدّد التلبية بعد ركعتي الطواف وجوبا أو ندبا، وهل ينقلب إحرامه بالحجّ عمرة مفردة أم لا؟ قد مضى القول فيهما في باب الإفراد، فليرجع إليه . وقد نسب فيه القول بالمنع مطلقا إلى جمهور العامّة كافّة ، (6) والأظهر الجواز . قوله : (عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته ) .[ ح 3 / 7727] كذا في بعض النسخ، وفي بعض النسخ المصحّحة: عن زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام ، وهو المطابق لنسخ التهذيب ، (7) والمراد بالاُمّ في قوله : «فإذا هو أخو عليّ بن الحسين لاُمّه» اُمّ ولد أبيه المربّية له عليه السلام وكان عليه السلام يسمّيها اُمّا ، واشتهرت بذلك الاسم . 8

.


1- . رواه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 794؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 39. ولم أعثر عليه في الكتب الروائيّة.
2- . الحديث الأوّل من الباب السابق من الكافي.
3- . السرائر، ج 1، ص 575 576 .
4- . الخلاف، ج 2، ص 350 351، المسألة 175.
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 709.
6- . نفس المصدر. اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 144 145.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 45، ح 136، و ص 477 _ 478، ح 1688؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 283، ح 14810.

ص: 324

. .

ص: 325

باب الخروج إلى منى

باب الخروج إلى منىقد صرّح أكثر الأصحاب باستحباب الخروج إلى منى يوم التروية بعد الظهرين لغير أمير الحاجّ والمرأة وخائف الزحام من المريض والشيخ الكبير، ومَن له عدوّ يخاف منه في الطريق . (1) ويدلّ عليه قوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار : «ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة، ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، فأحرم بالحجّ، ثمّ امض وعليك السكينة والوقار »، (2) الحديث ، وقد سبق، وحمل الأمر فيه على الاستحباب؛ لخبر رفاعة، (3) وحسنة معاوية الآتية في الباب الآتي . وقد ورد في بعض الأخبار فضيلة الرّواح إلى منى زوال الشمس من ذلك اليوم، ولا ينافي ذلك أفضليّة رواحه بعد الصلاتين ، رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الذي يريد أن يتقدّم فيه الذي ليس له وقت أوّل منه؟ قال : «إذا زالت الشمس ». وعن الذي يريد أن يتخلّف بمكّة عشيّة التروية إلى أيّة ساعة يسعه أن يتخلّف؟ قال : «ذلك موسّع له حتّى يصبح بمنى ». (4) وعن أبي بصير (5) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم، فخذ من شاربك ومن أظفارك ومن عانتك إن كان لك شعر، وانتف ابطك واغتسل، والبس ثوبيك، ثمّ ائت المسجد الحرام، فصلِّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم، وتدعو اللّه وتسأله العون، وتقول : اللّهمَّ، إنّي اُريد الحجّ فيسّره لي، وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليَّ. [ وتقول: أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي من النساء والثياب والطيب، اُريد بذلك وجهك والدار الآخرة وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت علَيّ]. ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت، وتقول : لبّيك بحجّة تمامها وبلاغها عليك. فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس وإلّا فمتى ما تيسّر لك من يوم التروية ». (6) ولا يبعد أيضا أن يراد بالزوال في هذين الخبرين ما بعد الصلاتين مسامحة . وأمّا الإمام فالمستحبّ له أن يخرج قبل الزوال من ذلك اليوم، والأفضل له أن يصلّي الظهرين بمنى . ويدلّ عليه بعض أخبار الباب، وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلامقال : «لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر يوم التروية إلّا بمنى ويبيت بها إلى طلوع الشمس ». (7) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «على الإمام أن يصلّي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف، ويصلّي الظهر يوم النفر في المسجد الحرام ». (8) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : هل صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله الظهر بمنى يوم التروية؟ فقال : «نعم، والغداة بمنى يوم عرفة ». (9) وأمّا صاحب الأعذار فلا يستحبّ لهم ذلك، بل يجوز لهم التقدّم بما شاؤوا على ما صرّح به في الدروس . (10) وظاهره عدم كراهة ما زاد على ثلاثة أيّام . وظاهر الشيخ في التهذيب كراهته أو حرمته كما سيظهر عن قريب . واحتجّوا على ذلك بما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن بعض أصحابه، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : يتعجّل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام وضغاط الناس ، قال : «لا بأس ». (11) وحملوا على خائف الزحام صاحب الأعذار الباقية . واعلم أنّه قال الشيخ في التهذيب : لا يجوز الخروج إلى منى قبل الزوال من يوم التروية مع الاختيار ، ولا بأس أن يتقدّمه صاحب الأعذار والمريض والشيخ الكبير والمرأة التي تخاف ضغاط الناس بثلاثة أيّام ، فأمّا ما زاد عليه فإنّه لا يجوز على كلّ حال ، فأمّا الإمام فإنّه لا يجوز له أن يصلّي الظهر يوم التروية إلّا بمنى. (12) ولعلّه قدس سره أراد بعدم الجواز في المواضع المذكورة الكراهة، وهو شائع في كلامه . وذهب شيخنا المفيد قدس سره تارةً إلى استحباب الخروج بعد صلاة الظهرين من غير تقييد بغير الإمام ، وتارةً إلى استحباب فعل الصلاتين بمنى كذلك، حيث قال في باب الإحرام للحجّ : فإذا كان يوم التروية فليأخذ من شاربه، ويقلّم أظفاره ويغتسل، ويلبس ثوبيه، ثمّ يأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار، وليطف اُسبوعا إن شاء، ثمّ ليصلِّ ركعتين لطوافه عند مقام إبراهيم عليه السلام ، ثمّ ليقعد حتّى تزول الشمس، فإذا زالت فليصلِّ ستّ ركعات، ثمّ ليصلِّ المكتوبة وليدعُ اللّه عزّ وجلّ، ثمّ يقول : اللّهمَّ إنّي اُريد الحجّ، (13) إلى آخره . وفي باب نزول منى: وإذا أتى منى فليقل : الحمد للّه الذي أقدمنيها صالحا، وبلغني هذا المكان في عافية ، اللّهمَّ هذه منى - إلى قوله -: ثمّ يصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر . (14) قوله : (عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج ) .[ ح 2 / 7729] في بعض النسخ جميل بن صالح، وهو المطابق لما في التهذيب . (15)

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 163 164؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 715؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 224.
2- . الحديث الأوّل من باب الإحرام يوم التروية من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 408، ح 16639؛ وج 13، ص 519 ، ح 18348.
3- . الحديث الثالث من هذا الباب.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 175، ح 587 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 252 253، ح 887 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 520 ، ح 18349.
5- . في الكافي: «وفي رواية أبي بصير».
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 168، ح 559 ، وما بين الحاصرتين منه. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 251، ح 882 إلى قوله عليه السلام : «وتسأله العون»؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 340، ح 14966؛ وج 12، ص 397، ح 16612، وص 409، ح 16640.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 176 177، ح 591 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 253 254، ح 891 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 523 ، ح 18356.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 177، ح 593 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 254، ح 893 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 524 ، ح 18358.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 177، ح 594 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 524 ، ح 18359.
10- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 417.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 176، ح 590 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 253، ح 890 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 523 ، ح 18354.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 175، باب 12 نزول منى.
13- . المقنعة، ص 407.
14- . المقنعة، ص 408.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 177، ح 592 ؛ ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 254، ح 892 . ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 462 463، ح 2976. وفي الجميع: «جميل بن درّاج».

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

باب نزول منى وحدودها

باب نزول منى وحدودهاقد اشتهر بين الأصحاب استحباب نزول منى ليلة عرفة، والبيتوتة بها إلى طلوع الفجر من يوم عرفة؛ للاستراحة والخروج منها بعد صلاة الفجر بها، وكراهة الخروج منها قبل الفجر إلّا لعذر كالمرض والهمم وخوف الزحام والعدوّ . والأفضل الوقوف بها إلى طلوع الشمس، وكراهة الجواز عن وادي محسّر لو نفر قبل طلوعها لغير إمام الحاجّ، واستحباب الوقوف بها إلى طلوع الشمس له ليخرج بعد الحجيج . ويستفاد ذلك كلّه من مجموع أخبار قد ذكر المصنّف قدس سره بعضها في البابين المتقدّمين ، ويروي بعضها في الباب الآتي . ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يَجوز وادي محسّر حتّى تطلع الشمس ». (1) وظاهر بعض هذه الأخبار الوجوب والحرمة، لكن حملا على الاستحباب والكراهة المؤكّدين؛ عملاً بأصالة البراءة . وظاهر بعض الأصحاب إبقاؤها على الظاهر ، فقد قال الشيخ في النهاية والمبسوط : «لا يجوز له أن يجوز وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشمس ». (2) وفي التهذيب: قد بيّنا أنّه يخرج الإنسان بعد طلوع الفجر من منى إلى عرفات، وموسّع له إلى طلوع الشمس، ولا يجوز أن يجوز وادي محسَّر إلّا بعد طلوع الشمس ، فأمّا الإمام فلا يخرج منه إلّا بعد طلوع الشمس . (3) وحكى في المختلف (4) عن أبي الصلاح أنّه قال : «لا يجوز أن يفيض منها قبل الفجر مختاراً ». (5) وعن ابن البرّاج أنّه قال في ذيل التروك المفروضة : «ولا يخرج أحد من منى إلى عرفات إلّا بعد طلوع الفجر . وأنّه قال في ذيل تلك التروك : «ولا يجوز الخارج منها وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشمس ». (6) ولعلّهم أرادوا الكراهة المشدّدة كما فيما سبق عن الشيخ .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 178، ح 597 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 528 ، ح 18370.
2- . النهاية، ص 249 250؛ المبسوط، ج 1، ص 366.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 178، باب الغدوّ إلى عرفات (13).
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 232 233.
5- . الكافي في الفقه، ص 213.
6- . المهذّب، ج 1، ص 251.

ص: 329

باب الغدو إلى عرفات وحدودها

باب الغدو إلى عرفات وحدودهاقد سبق استحباب الإفاضة من منى إلى عرفات بعد طلوع الفجر ، والتفصيل فيها . وفي المنتهى : وحدّ عرفة من بطن عُرنة وثويّة ونَمِرة إلى ذي المجاز، فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود، ولا الوقوف تحت الأراك، فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات ، فلو وقف بها بطل حجّه ، وبه قال الجمهور كافّة، (1) إلّا ما حكي عن مالك: أنّه لو وقف ببطن عرنة أجزأه ولزمه الدم . (2) وقال ابن عبد البرّ : أجمع الفقهاء على أنّه لو وقف ببطن عرنة لم يجزه . (3) لنا أنّ هذه حدود وليست من عرفة، وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «كلّ عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة ». (4) ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، (5) عن أبي عبداللّه عليه السلام : «وحدّ عرفة من بطن عُرنَة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز، وخلف الجبل موقف ». (6) وعن أبي بصير، (7) قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «حدّ عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف ». (8) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات ». (9) وعن سماعة بن مهران، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : [ واتّق الأراك ونمرة وبطن عرنة وثويّة وذاالمجاز فإنّه ليس من عرفة، فلا تقف فيه». (10) وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال:] «إنّ أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك لا حجّ لهم » (11) يعني من وقف تحت الأراك . (12) ويجوز النزول تحت الأراك إلى أن تزول الشمس، ثمّ يمضي إلى الموقف، فيقف هناك؛ لما رواه الشيخ عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأمّا النزول تحته حتّى تزول الشمس وينهض إلى الموقف فلا بأس ». (13) والمستحبّ أن يضرب خباءه أو قبّته بنمرة دون عرفة ودون الموقف، كما فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإذا جاء وقت الوقوف مضى ووقف في الموقف . (14) قوله : (عن عبد الحميد الطائي ) . [ ح 2 / 7734] هو عبد الحميد بن عواض، وكان ثقة، وقد قتله الرشيد . (15) وقوله: (وأمّا أنتم) [ ح 2 / 7734] يعني المشاة ، ودلّ على رجحان خروج المشاة قبل صلاة الغداة من منى كصاحب الأعذار؛ لتضرّرهم من الركبان لو ارتحلوا معهم، فيصلون هؤلاء في الطريق، ويجوز لهم الارتحال منها ليلاً بحيث تكون صلاتهم بعرفات؛ للأصل وعدم دليل على خلافه ، والظاهر الوفاق عليه . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وأن تجعلني اليوم ممّن تباهي به من هو أفضل منّي ) . [ ح 3 / 7735] قال طاب ثراه : يعني تباهي به الملائكة، أي تثني عليهم عندهم، وتعظّمهم بحضرتهم، وتقول للملائكة : انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاء غبراء، اُشهدكم أنّي قد غفرت لهم ، (16) ويكون هذا واللّه أعلم تذكيراً للملائكة في قولهم : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا» (17) ، وتحقيقا لقوله سبحانه وتعالى : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» .

.


1- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 120؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 405؛ الجوهر النقي، ج 5 ، ص 115؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 428؛ المحلى، ج 7، ص 188؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 279.
2- . الاستذكار، ج 4، ص 275؛ التمهيد، ج 24، ص 420؛ تفسير القرطبي، ج 2، ص 418؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 428؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 427 428؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 120.
3- . حكياه عنه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 428.
4- . سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1002، ح 3012؛ المعجم الكبير للطبراني، ج 2، ص 138؛ كنز العمّال، ج 5 ، ص 61 ، ح 12050.
5- . في الهامش بخطّ الأصل: «هذه الرواية هي التي رواه المصنّف عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار بضميمة، والشيخ أيضا رواها مع الضميمة بهذا السند بعينه، وهي مجهولة بمحمّد بن إسماعيل، وإنّما حكم العلّامة بصحّتها بناء [ على] ما زعمه من أنّ محمّد بن إسماعيل هو ابن بزيع، وقد ذكرنا مرارا أنّه هو البندقي النيشابوري، وهو مجهول الحال، منه عفي عنه».
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 179، ح 600 ، وهذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 463 464، ح 2979؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 531 ، ح 18376.
7- . في هامش الأصل: «في دلالة خبر أبي بصير على مدّعاه تأمّل، منه».
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180، ح 601 . وهذا هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج 13، ص 531 ، ح 18377.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180، ح 602 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 532 ، ح 18379.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180 181، ح 604 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 532 ، ح 18381.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 181، ح 606 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 532 ، ح 18378.
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 722. وما بين الحاصرتين منه.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 181، ح 605 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 533 ، ح 18382.
14- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 167؛ فتح العزيز، ج 7، ص 353؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 79؛ تلخيص الحبير، ج 7، ص 353.
15- . رجال النجاشي، ص 424، ترجمة مرازم بن حكيم، برقم 1138؛ رجال الطوسي، ص 339، الرقم 5045 ؛ خلاصة الأقوال، ص 207.
16- . اُنظر: وسائل الشيعة، ج 13، ص 551 552 ، ح 18419.
17- . البقرة (2): 30.

ص: 330

. .

ص: 331

. .

ص: 332

باب قطع تلبية الحاجّ

باب الوقوف بعرفة وحدّ الموقف

باب قطع تلبية الحاجّقد ذكرنا سابقا وجوب قطع التلبية على الحاجّ عند زوال عرفة . وقال طاب ثراه : هو مذهب أصحابنا . (1) وأمّا العامّة فقد اختلفوا فيه ؛ فقيل بذلك، وقيل: إلى صلاة الظهر في ذلك اليوم، وقيل: عند رمي جمرة العقبة في يوم النحر ، والقائلون به اختلفوا، فقيل: يقطع بالشروع في الرمي، وقيل: بعد إتمام السبع ، وأكثر رواياتهم دلّت على القطع عند الرمي . (2)

باب الوقوف بعرفة وحدّ الموقفقال العلّامة رحمه الله في المنتهى : «الوقوف بعرفة ركن من أركان الحجّ يبطل بالإخلال به عمداً، وهو قول علماء الإسلام ». (3) واحتجّ عليه فيه بما رواه الجمهور عن عبد الرحمن بن نعيم الديلميّ، (4) قال : أتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعرفة فقال : «خذوا عنّي مناسككم ». وما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر رجلاً ينادي: «الحجّ عرفة ». (5) ومن طريق الأصحاب ببعض الأخبار الواردة في الوقوف بها . ولا يعارض ذلك ما رواه ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف بعرفة سنّة »؛ (6) لأنّ السنّة فيه محمولة على ما ثبت وجوبه بالسنّة مقابل الفريضة، بمعنى ما علم وجوبه من القرآن ، كما حملها عليه الشيخ في التهذيب وبيّن الفرق بينهما: «بأنّ المشعر علم وجوبه بقوله تعالى : «فَاذْكُرُوا اللّه َ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ» (7) ، وليس في ظاهر القرآن أمر بالوقوف بعرفات» (8) وكأنّه أراد نفي الأمرالصريح ، وإلّا فيفهم وجوب وقوف عرفات أيضا بقوله تعالى : «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ» ؛ لدلالة الإفاضة منها على الكون بها ، ومن قوله سبحانه : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناسْ» (9) ؛ للأمر بالإفاضة منها، وهي مستلزمة للكون بها بناءً على ما نقله في كنز العرفان عن الباقر عليه السلام وعن ابن عبّاس وجماعة: «أنّ المراد الإفاضة من عرفات وأنّ الأمر لقريش وحلفائهم [ ويقال لهم الحمس] ؛ لأنّهم كانوا لا يقفون بعرفات مع سائر العرب ، بل بالمزدلفة ، كأنّهم يرون لهم ترفّعا على الناس فلا يساوونهم في الموقف، ويقولون: نحن أهل حرم اللّه ، فلا نخرج منه ، فأمرهم اللّه بموافقة سائر العرب ». وأمّا على ما حكاه الجبائيّ ورجّحه ورواه عن الصادق عليه السلام من أنّها إفاضة المشعر فلا . (10) وأراد قدس سرهبقوله : وحدّ الموقف، بيان أنّ عرفات بحدودها موقف، ويجوز الوقوف في المحدود كلّه . قال في المنتهى : عرفة كلّها موقف، يصحّ الوقوف في أيّ حدٍّ شاء منها ، وهو قول العلماء الأعلام ، روى الجمهور عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقف بعرفة وقد أردف اُسامة بن زيد، فقال : هذا الموقف وكلّ عرفة موقف ». (11) وقال عليه السلام : «عرفة كلّها موقف، وارتفعوا من بطن عُرَنة، والمزدلفة كلّها موقف، وارتفعوا عن وادي محسّر ». (12) وما رواه الجمهور عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، عن أبيه الباقر عليهماالسلام ، عن جابر لمّا وصف حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «كلّ عرفة موقف، وكلّ منى منحر، وكلّ المزدلفة موقف، وكلّ فجاج مكّه طريق ومنحر ». (13) ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقف بعرفات، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته، فيقيمون (14) إلى جانبها، فنحّاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ففعلوا مثل ذلك، فقال : أيّها الناس، أنّه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف، ولكن هذا كلّه موقف وأشار بيده إلى الموقف فتفرّق الناس ، وفعل ذلك بالمزدلفة». (15) وقال عليه السلام : عرفة كلّها موقف، ولو لم يكن إلّا ما تحت خفّ ناقتي لم يسع الناس ذلك ». (16) رواه ابن بابويه رحمه الله . (17) انتهى . ويدلّ أيضا على ذلك ما رواه المصنّف قدس سره في الباب من حسنة معاوية بن عمّار ، (18) وحكى في المختلف عن ابن إدريس (19) وجوب الوقوف في ميسرة الجبل محتجّا بفعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث أناخ ناقته أوّلاً في ميسرة الجبل . وأجاب عنه : بأنّ قوله صلى الله عليه و آله أحقّ بالاتّباع، وهو صريح في التعميم ، ثمّ قال : نعم، يستحبّ ذلك في المشهور؛ لذلك، ولقوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار : «قف في ميسرة الجبل ». (20) وأمّا الجبل ففي المختلف: يكره الوقوف عليه بل المستحبّ الوقوف على السهل ، هذا هو المشهور . وعدّ ابن البرّاج في التروك المفروضة ألّا يرتفع على الجبل إلّا لضرورة . (21) لنا: أنّ الأصل عدم التحريم، وأنّه داخل في حدّ عرفة . وما رواه إسحاق بن عمّار في الصحيح، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض؟ فقال : «على الأرض ». (22) وفي الموثّق عن سماعة بن مهران، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : «إذا كانوا في الموقف وكثروا فضاق عليهم، كيف يصنعون؟ قال : «يرتفعون إلى الجبل » (23) . (24) انتهى . وإليه ذهب الشيخ أيضا في التهذيب (25) محتجّا بهذا الخبر . وأنت إذا تأمّلت الخبر عرفت أنّ «إلى» فيه لانتهاء الغاية، وأنّ ما بعدها خارجة عن الموقف، وأنّ المراد بالارتفاع الارتفاع على الأرض من أعلى الجبل لا الصعود عليه . ويدلّ عليه أوائل الخبر، فإنّ الخبر هكذا : قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم، كيف يصنعون؟ فقال : «يرتفعون إلى وادي محسّر »، قلت : فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم، كيف يصنعون؟ قال : «يرتفعون إلى المأزمين »، قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا، إلى آخره . وإطلاق الارتفاع على البُعد في الأرض شائع ، بل إطلاق الصعود أيضا عليه، كما في قول الشاعر (26) : هواي مع الركب اليمانين مصعد[ جنيت وجثماني بمكّة موثق] أي مبّعد في الأرض، ذاهب فيها . لا يقال: قوله عليه السلام : «وخلف الجبل موقف» في صحيحة معاوية ابن عمّار التي رويناها في باب الغدوّ إلى عرفات وحدودها (27) يدلّ على جواز الوقوف في خلفه أيضا ولو اختيارا، فيجوز عليه بالأولويّة . لأنّا نقول: المراد بخلف الجبل عرفات، وكأنّه عليه السلام قال ذلك بمكّة أو غيرها، لا في عرفات ، فتأمّل . وأمّا وقت الوقوف فقد أجمع الأصحاب على أنّه من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها اختياراً واضطراراً إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، (28) والأخبار شاهدة لهما . وقال الشيخ في الخلاف : «وقت الوقوف من حين تزول الشمس إلى طلوع الفجر من يوم العيد ». (29) وأراد به الوقت الشامل للاختياري والاضطراري جميعا ؛ لما صرّح به في كتبه الاُخرى . وقد قال فيه أيضا : «إنّ المغرب والعشاء الآخرة لا تصلّيان إلّا بالمزدلفة، إلّا لضرورة خوف فواتهما بمضيّ ربع الليل ». (30) ولم يرد الوقت الاختياري فقط، كما فهمه ابن إدريس، ونسبه إلى مبسوطه أيضا، حيث قال : وقال شيخنا في مسائل خلافه وفي مبسوطه : إنّ وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم العيد، والصحيح أنّ وقتها من الزوال إلى غروب الشمس من يوم عرفة ؛ لأنّه لا خلاف في ذلك، وما ذكره في الكتابين من مذهب بعض المخالفين . (31) انتهى. على أنّ الذي نسبه إلى المبسوط غير موجود في النسخة التي عندي، بل ظاهره فيه ما هو المشهور، فقد قال : «ولا يفيض من عرفات قبل غروب الشمس »، (32) فمفهومه جواز الإفاضة بعده . وقال في موضع آخر منه : «فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا وجب عليه أن يعود، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النحر »، (33) فتدبّر . قوله في خبر مسمع : (وأفضل الموقف سفح الجبل ) .[ ح 1 / 7741] سفح الجبل حيث يسفح فيه الماء، وهو مضطجعه ، (34) ولو وقف في سفح الجبل في ميسرته لكان أفضل؛ للجمع بين هذا الخبر وقوله عليه السلام : «وقف في ميسرة الجبل» في حسنة معاوية بن عمّار المتقدّمة . (35) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (فإذا رأيت خللاً فسدّه بنفسك وراحلتك ) إلخ .[ ح 4 / 7744] وفي بعض النسخ: «فتقدّم فسدّه ». والخلل: الفرجَة، (36) وإنّما يستحبّ سدّ الخلَل لاطمئنان النفس من السرّاق . والهضاب: جمع الهضبة، وهو الجبل الصغير . (37) وقال طاب ثراه : «القُبُل بضمّ القاف والباء، ويجوز إسكان الباء: ما استقبل منها ، وقيل: مقابلها ». قوله في خبر عمرو بن أبي المقدام : (فقالوا : هَه لغة بني فلان أنا فاسألوني ) . [ ح10/ 7750] يعني: أنّ هَهْ في لغة بني فلان بمعنى أنا، فاسألوني . (38)

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 181؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 718؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 294.
2- . اُنظر: بداية المجتهد، ج 1، ص 272؛ المحلّى، ج 7، ص 136؛ مسند أحمد، ج 1، ص 417؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 440 441، ح 4086.
3- . منتهى المطلب، ج 2، ص 719.
4- . كذا بالأصل، وفي بعض المصادر: «عبد الرحمن بن نعم الديلي». وفي بعضها: «عبد الرحمن بن يعمر».
5- . اُنظر: المغني، ج 3، ص 428؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 502 503 ؛ تلخيص الحبير، ج 7، ص 361؛ مسند أحمد، ج 4، ص 309؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1003، ح 3015؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 173.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 287، ح 977؛ الاستبصار، ج 2، ص 302، ح 1080؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 552 ، ح 18421.
7- . البقرة (2) : 198 .
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 287 288.
9- . البقرة (2) : 199 .
10- . كنز العرفان، ج 1، ص 305 306.
11- . مسند أحمد، ج 1، ص 72 و 76؛ العلل للدارقطني، ج 4، ص 16، الرقم 411.
12- . الموطّأ، ج 1، ص 388، ح 166؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 115.
13- . سنن أبي داود، ج 1، ص 433، ح 1937؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 122؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج 3، ص 290؛ كنز العمّال، ج 5 ، ص 61 ، ح 12049.
14- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «يقفون».
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180، ح 604 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 535 ، ح 18390.
16- . الفقيه، ج 2، ص 464 465، ح 2980.
17- . منتهى المطلب، ج 2، ص 722.
18- . وهي الحديث الرابع من هذا الباب.
19- . السرائر، ج 1، ص 587 .
20- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 234.
21- . المهذّب، ج 1، ص 246.
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180، ح 603 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 532 ، ح 18380.
23- . الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180، ح 604 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 535 ، ح 18389 و 18390؛ وج 14، ص 19، ح 18487.
24- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 236 237.
25- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180.
26- . وهو جعفر بن علبة بن ربيعة الحارثي أبو عارم، شارع غزل مقل، من مخضرمي الدولتين الامويّة والعبّاسيّة، وهو من شعراء الحماسة لأبي تمام، وكانت إقامته بنجران، وحبس بها متّهما بالاشتراك في قتل رجل من بني عقيل، فقتله عامل المنصور على مكّة قصاصا. وقيل: قتله رجل من بني عقيل. الأعلام للزركلي، ج 2، ص 125.
27- . الحديث الثالث من ذلك الباب.
28- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 186؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 237؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 394.
29- . الخلاف، ج 2، ص 337، المسألة 156.
30- . الخلاف، ج 2، ص 340، المسألة 160.
31- . السرائر، ج 1، ص 587 .
32- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 367.
33- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 383.
34- . صحاح اللغة، ج 1، ص 375 (سفح).
35- . الحديث الرابع من هذا الباب.
36- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1687 (خلل).
37- . صحاح اللغة، ج 1، ص 238 (هضب).
38- . اُنظر: مجمع البحرين، ج 4، ص 403 (ها).

ص: 333

. .

ص: 334

. .

ص: 335

. .

ص: 336

. .

ص: 337

. .

ص: 338

باب الإفاضة من عرفات

باب الإفاضة من عرفاتلقد أجمع الأصحاب على عدم جواز الإفاضة منها قبل الغروب (1) ووافقنا عليه أكثر العامّة . (2) ويدلّ عليه فعل النبيّ والأئمّة عليهم السلام والصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا ، والأخبار المتظافرة . ولو أفاض قبله عمداً عالما وجب عليه العود إجماعا وبدنة على المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في أكثر كتبه، (3) وفاقا للحسن البصريّ وابن جريح من العامّة . (4) ويدلّ عليها صحيحة ضريس الكناسيّ، (5) وصحيحة مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ، قال : «إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ، وإن كان متعمِّداً فعليه بدنة ». (6) ومع العجز عنها يجب عليه صيام ثمانية عشر يوما مخيّراً في صومها بمكّة أو في الطريق أو في أهله كما صرّح به بعض الأصحاب ، ودلّ عليه صحيح ضريس ، وفي التتابع وعدمه؛ لأصالة عدمه وانتفاء دليل عليه ، واعتبره جماعة منهم الشهيد في الدروس، (7) ولم أرَ مستنداً لهم . وذهب الصدوق رضى الله عنه إلى وجوب شاة عليه، (8) ولم أجد شاهداً له، وكأنّه تبع في ذلك أباه ، فقد حكي عنه أيضا ذلك، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : «فإن دفع قبل الغروب لزمه دم ». (9) وحكاه في أكثر كتبه عن الجمهور ، وعن الشافعيّ القول باستحبابها . (10) ثمّ الظاهر من إطلاق الصحيحتين عدم سقوط الفدية بالعود قبل الغروب ، ويؤيّده تعلّق وجوبها بذمّته، وانتفاء دليل على سقوطها بذلك ، وذهب الشيخ في الخلاف (11) والمبسوط (12) وابن إدريس (13) والمحقّق (14) والعلّامة إلى سقوطها معه، (15) وهو المشهور بين الأصحاب ، بل لم ينسب في المنتهى (16) خلافه إلّا إلى بعض العامّة . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر ) الخ . [ ح2 / 7753] الكثيب : التلّ الصغير ، (17) والوجيف: ضرب سريع من سير الخيل والإبل. (18) وإيضاع الإبل: حملها على العدو السريع ، (19) وتؤذوا معطوف على توطئوا .

.


1- . اُنظر: النهاية للطوسي، ص 251؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 245 246؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 183، المسألة 534 ، و ص 186، المسألة 538 ؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 402.
2- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3، ص 432.
3- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 234)؛ المبسوط، ج 1، ص 367؛ الخلاف، ج 2، ص 338، المسألة 157.
4- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 433؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 436؛ عمدة القاري، ج 10، ص 5 .
5- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 187، ح 621 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 558 ، ح 18437.
7- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 419، الدرس 108.
8- . المقنع، ص 261.
9- . الخلاف، ج 2، ص 338، المسألة 157.
10- . اُنظر: المجموع للنووي، ص 95؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 433 و 529 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 436؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 300؛ عمدة القاري، ج 10، ص 5 .
11- . الخلاف، ج 2، ص 339، المسألة 158.
12- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 367.
13- . السرائر، ج 1، ص 588 .
14- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 188.
15- . تحرير الأحكام، ج 1، ص 606 ؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 435.
16- . منتهى المطلب، ج 2، ص 720.
17- . النهاية، ج 4، ص 152 (كثب).
18- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1437 (وجف).
19- . مجمع البحرين، ج 4، ص 515 (وضع).

ص: 339

. .

ص: 340

باب ليلة المزدلفة والوقوف بالمشعر والإفاضة منه وحدوده

باب ليلة المزدلفة والوقوف بالمشعر والإفاضة منه وحدودهفيه مسائل :الاُولى : أجمع الأصحاب على وجوب الوقوف بالمشعر محتجّين عليه بقوله تعالى : «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللّه َ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ» (1) ، ووجّهه السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار (2) أوّلاً بالأمر بالذكر عند المشعر الحرام مستلزم لوجوب الكون فيه، وبنى ذلك على وجوب مطلق الذكر فيه، كما هو ظاهر الآية والأخبار ، ومثله في كنز العرفان ، (3) ثمّ لمّا رأى أنّ وجوب مطلق الذكر خلاف المشهور وجّهه باقتضاء سياق الآية وجوب الكون فيه والذكر جميعا، وقال : فإذا خرج الذكر بالدليل يبقى الآخر . (4) ولعلّه حمل الآية الكريمة على طريقة الإيجاز الشائع في القرآن العزيز ، وتقدير الكلام: فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا اللّه فيه، (5) كما قال المفسّرون في قوله تعالى : «لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» (6) : أنّ المعنى له السماوات والأرض وما فيهما . (7) واُخرى بالأمر بالشكر عند المشعر الحرام (8) بتقريب ما ذكر؛ حملاً للذكر الثاني على الشكر، (9) وكأنّه حمله على ذلك قوله سبحانه : «كَمَا هَدَاكُمْ» ، ولئلّا يلزم التكرار معنى . ووجّهه بعض الأصحاب بنحو ممّا ذكره السيّد أوّلاً؛ حملاً للذكر على صلاة الفجر أو العشائين، كما ذكره بعض المفسّرين . (10) ويدلّ عليه أيضا بعض أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف به وإن كان قد وجد الناس أفاضوا من جمع ». (11) أقول : يعني إلى زوال الشمس يوم النحر، وهو وقته الاضطراري . وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر، فلم يقف حتّى انتهى إلى منى فرمى الجمرة ولم يعلم حتّى ارتفع النهار ، قال : «يرجع إلى المشعر فيقف، ثمّ يرجع فيرمي الجمرة ». (12) وعن ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة سنّة ». (13) وعن إدريس بن عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أدرك الناس بجمع وخشى إن مضى إلى عرفات أنّ يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها ، فقال : «إن ظنّ أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع، ثمّ ليفض مع الناس وقد تمَّ حجّه ». (14) والمشهور بينهم أنّه ركن يفوت الحجّ بفواته عمداً (15) محتجّين بصحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات؟ فقال : «إن كان في مهلٍ حتّى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثمّ يفيض، فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتمّ حجّه حتّى يأتي عرفات، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه الحجّ من قابل ». (16) وبخبر محمّد بن سنان، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي إذا أدركه الناس فقد أدرك الحجّ، فقال : «إذا أتى جمعا والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ ولا عمرة، له فإن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حجّ له ». (17) وبمفهوم خبر إدريس بن عبداللّه المتقدّم. وفي دلالة هذه الأخبار على المدّعى نظر، فإنّها إنّما تدلّ على أنّ مجموع الوقوفين كأركان الصلاة، وهو خارج عن المطلوب . وحكى في الدروس عن ابن الجنيد أنّه قال : «ليس ركنا ولا يجب بتركه عمداً إلّا بدنة». (18) وكأنّه تمسّك في ذلك بخبر حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أفاض من عرفات مع الناس، ولم يقف معهم بجمع، ومضى إلى منى متعمّداً أو مستخفّا، فعليه بدنة»، (19) وهو مع ضعفه بوجود سهل بن زياد في طريقه ليس صريحا في عدم فساد الحجّ بتركه، وربّما حمل على من وقف به ليلاً قليلاً، ثمّ مضى قبل إكمال الوقوف . وحكى في المختلف عنه أنّه قال : يستحبّ أن لاينام الحاجّ تلك الليلة، وأن يحيوها بالصلاة والدّعاء والوقوف بالمشعر، ومن لم يقف به جاهلاً رجع ما بينه وبين زوال الشمس من يوم النحر حتّى يقف به ، وإن تعمّد ترك الوقوف فعليه بدنة . ثمّ قال : وهذا الكلام يحتمل أمرين : أحدهما : أنّ مَن ترك الوقوف بالمشعر الذي حدّه ما بين المازمين إلى الحياض إلى وادي محسّر وجب عليه بدنة . والثاني : أنّ مَن ترك الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل فإنّه يستحبّ الوقوف عليه عند أصحابنا وجب عليه بدنة . وكلا الاحتمالين فيه خلاف لما ذكره علماؤنا، فإنّ أحداً من علمائنا لم يقل بصحّة الحجّ مع ترك الوقوف بالمشعر عمداً مختاراً، ولم يقل أحدٌ منهم بوجوب الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل وإن تأكّد استحباب الوقوف به ، وحمل كلامه على الثاني أولى لدلالة سياق كلامه عليه . ويحتمل ثالث: وهو أن يكون قد دخل المشعر، ثمّ ارتحل متعمّداً قبل أن يقف مع الناس مستخفّا؛ لما رواه عليّ بن رئاب عن الصادق عليه السلام . (20) وأقول : الظاهر أنّه أراد بالمشعر في قوله : «والوقوف بالمشعر» الذي هو على الجبل؛ بقرينة أنّه ذكره في ذيل المستحبّات، وهو مذهب الأصحاب، وأراد به في مرجع الضمير في قوله : «ومن لم يقف به»، المشعر المرادف للمزدلفة؛ بقرينة إيجابه الرجوع إليه إلى زوال الشمس يوم النحر والبدنة، فيكون قوله : «ومن لم يقف»، إلى آخره كلاما مستأنفا ، فيدلّ على ما نسبه الشهيد قدس سره إليه ، (21) فتأمّل . هذا ، ونسب السيّد رضى الله عنه في الانتصار القول بعدم وجوبه إلى العامّة كافّة ، وقال : «ولم يوجبه أحد منهم». (22) وهو محكيّ عنهم في كنز العرفان أيضا حيث قال في تفسير الآية المذكورة: «فيه دلالة على وجوب الكون به كما يقول أصحابنا، خلافا للفقهاء ». (23) ويظهر من المنتهى والعزيز ، أنّهم إنّما نفوا ركنيّته لا وجوبه ، ففي الأوّل: الوقوف بالمشعر الحرام ركن من أركان الحجّ يبطل بالإخلال به عمداً ؛ ذهب إليه علماؤنا، وهو أعظم من الوقوف بعرفة عندنا، وبه قال الشعبيّ والنخعيّ ، وقال باقي الفقهاء: إنّه نسك وليس بركن . (24) وفي الثاني: «وقال أبو حنيفة : لا اعتبار بالمبيت وإنّما الاعتبار بالوقوف بالمزدلفة بعد طلوع الفجر، فإن تركه لزمه دم ». (25) والواجب عند الأصحاب هو الكون بجمع بعد الوصول إليها إلى طلوع الفجر، إلّا أنّ الركن منه اختياراً مسمّاه فيما بين الطلوعين، واضطراراً مسمّاه قبل الفجر. وقد أجمعوا على ذلك فيما بعد الطلوعين، ولم أجد مخالفا له . (26) ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «أَصْبِ_حْ على طهر بعدما تصلّي الفجر (27) [ إلى أن قال]: ثمّ أفض حين يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها ». (28) وحسنة هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تجاوز وادي محسّر حتّى تطلع الشمس ». (29) وخبر مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل وقف مع الناس بجمع ثمّ أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : «إن كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ». (30) وأكثر ما تقدّم من الأخبار . وأمّا المبيت به فالمشهور وجوبه أيضا ، بل لا مخالف له إلّا ما حكاه في الدروس (31) عن التذكرة (32) من نفيه . ويدلّ عليه قوله صلى الله عليه و آله : «خذوا عنّي مناسككم »، (33) وما سيأتي في باب من تعجّل من مزدلفة قبل الفجر ، والأخبار الدالّة على عدم جواز الجواز عن وادي محسّر قبل طلوع الشمس، بانضمام ما دلّ على وجوب الإفاضة من عرفات بعد الغروب من يوم عرفة، وقد سبقت . ويظهر من العزيز وغيره أنّ أكثر العامّة لم يوجبوا إلّا المبيت وحصروا وقوف المشعر به ، ففيه: ذكرنا أنّ الحجيج يفيضون بعد غروب الشمس يوم عرفة إلى مزدلفة، فإذا انتهوا إليها جمعوا بين الصلاتين وباتوا بها، وليس هذا المبيت بركن، خلافا لأبي عبد الرحمن بن بنت الشافعيّ وأبي بكر[ بن] خزيمة من أصحابنا؛ لما روى من أنّه صلى الله عليه و آله قال : «مَن ترك المبيت بمزدلفة فلا حجّ له ». (34) لنا: ما روي أنّه صلى الله عليه و آله قال : «الحجّ عرفة، فمَن أدركها فقد أدرك الحجّ ». (35) ثمّ هو نسك مجبور بالدم في الجملة، وتفصيله: أنّه إن دفع منها ليلاً نُظِر إن كان بعد انتصاف الليل فلا شيء عليه، معذوراً كان أو غير معذور؛ لأنّ سودة واُمّ سلمة أفاضتا في النصف الأخير بإذن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يأمرهما بدم ولا النفر الذين نفروا معهما . وعن أبي حنيفة أنّ غير المعذور إن لم يعد ولم يقف بعد طلوع الفجر ليس عليه شيء، وإن دفع قبل انتصاف الليل وعاد قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه أيضا، كما لو دفع من عرفة [ قبل الغروب]وعاد وإن لم يعد وترك المبيت أصلاً أراق دما ، وهل هو واجب أو مستحبّ؟ فيه طرق أظهرها أنّه على قولين كما ذكرنا في الإفاضة من عرفة قبل غروب الشمس . وعن أحمد روايتان كالقولين ، وعند مالك هو واجب . وقال أبو حنيفة : لا اعتبار بالمبيت وإنّما الاعتبار بالوقوف بالمزدلفة بعد طلوع الفجر، فإن تركه لزمه دم ، والطريق الثاني في القطع بالاستحباب، والثالث القطع بالإيجاب . (36) انتهى . وفي الوجيز : «فإذا جمع الحجيج بين المغرب والعشاء بالمزدلفة باتوا بها، ثمّ ارتحلوا عند الفجر، فإذا انتهوا إلى المشعر الحرام وقفوا ودعوا ». (37) وقال طاب ثراه : المبيت في المشعر عندنا واجب ، وأمّا العامّة فقد اختلفوا فيه ، قال عياض : لم يختلف في أنّ المبيت بالمزدلفة من المناسك إلّا ما روي عن بعضهم أنّ المزدلفة كغيرها من منازل السفر، إن شاء نزل بها وإن شاء لم ينزل . ثمّ اختلفوا، فقال الأكثر هو سنّة ؛ لأنّ إذنه صلى الله عليه و آله لبعض زوجاته بالذهاب إلى منى ليلاً دلّ على أنّه غير واجب . وقال الشافعيّ وجماعة : إنّه واجب، من فاته فات الحجّ . (38) هذا ، وأمّا في حال الاضطرار ولصاحب العذر كصاحب الهمّ والخائف والمريض والمرأة وكفيلها فيجوز لهم النفر منه ليلاً بعد مسمّى الوقوف، وهو ركن بالنسبة إليهم . ويدلّ عليه ما ثبت وسبق من حكاية سودة واُمّ سلمة وغيره ممّا يأتي في باب مَن تعجّل من مزدلفة، وسمّوا هذا بالوقوف الاضطراري المشوب بالاختياري؛ لإجزائه اختياراً في الجملة، وله اضطراري آخر مؤخّر بعد طلوع الشمس إلى زوال يوم النحر ، والواجب منه المسمّى كالركن، ويأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى . الثانية : قال العلّامه رحمه اللهفي المنتهى : «وينبغي له أن يصلّي المغرب والعشاء بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل أو ثلثه ، أجمع عليه أهل العلم كافّة». (39) وظاهره استحباب ذلك، وصرّح به أكثر الأصحاب جامعين بذلك بين حسنة الحلبيّ (40) وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام قال : «لا تصلّي المغرب حتّى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل ». (41) وموثّقة سماعة، قال : سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بجمع؟ فقال : «لا تصلّهما حتّى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جمعهما بأذان واحد وإقامتين، كما جمع بين الظهر والعصر بعرفات ». (42) وبين ما دلّ على جواز فعلهما في غيره كصحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة ». (43) وخبر محمّد بن سماعة بن مهران، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : للرجل أن يصلّي المغرب والعتمة في الموقف؟ قال : «قد فعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، صلّاهما في الشعب ». (44) وصحيحة ربعي بن عبداللّه ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة، فنزل وصلّى المغرب وصلّى العشاء الآخرة بالمزدلفة ». (45) وذهب الشيخ في التهذيب والاستبصار إلى وجوب ذلك، إلّا إذا عاق عائق عن الوصول إلى المزدلفة قبل ثلث الليل . وبه قال في الخلاف (46) والمبسوط ، (47) إلّا أنّه في الخلاف جعل آخر الوقت ربع الليل . ونسب إلى الرواية نصف الليل . واحتجّ عليه فيه بإجماع الفرقة، وبالاحتياط، وبحديث اُسامة بن زيد: أنّه لمّا نزل المعرّس أناخ النبيّ صلى الله عليه و آله ناقته، ثمّ بال، ثمّ دعا بالوضوء، فتوضّأ وضوءاً ليس بالبالغ جدّاً، فقلت : يارسول اللّه ، للصلاة؟ فقال : «الصلاة أمامك »، ثمّ ركب حتّى قدمنا المزدلفة ونزل وتوضّأ وأسبغ الوضوء (48) وصلّى . (49) وإليه ذهب المفيد أيضا في المقنعة حيث قال : «ولا يصلّي المغرب ليلة النحر إلّا بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل ». (50) وعن أبي حنيفة أنّه قال بذلك ، إلّا أنّه قيّده بطلوع الفجر . (51) وعن الشافعيّ أنّه قال : «إن صلّى المغرب في وقتها بعرفات والعشاء بالمزدلفة أجزأه ». (52)

.


1- . البقرة (2) : 198 .
2- . الانتصار، ص 232.
3- . كنز العرفان، ج 1، ص 303 304.
4- . الانتصار، ص 233.
5- . الانتصار، ص 233؛ مجمع البيان، ج 2، ص 47؛ فقه القرآن، ج 1، ص 277.
6- . البقرة (2) : 255 .
7- . مجمع البيان، ج 5 ، ص 198.
8- . في الأصل: «المسجد الحرام» والتصويب حسب المصدر.
9- . الانتصار، ص 233.
10- . اُنظر: أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 378 و 380.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 288، ح 978؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 10، ح 18456.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 288، ح 979، وهذا هو الحديث الرابع من باب من جهل أن يقف بالمشعر من الكافي، ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 469، ح 2991؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 35، ح 18523.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 287، ح 977؛ الاستبصار، ج 2، ص 302، ح 1080؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 552 ، ح 18421؛ وج 14، ص 10، ح 18457 بالفقرة الاُولى.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 289، ح 982؛ الاستبصار، ج 2، ص 301، ح 1077؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 36 37، ح 18526.
15- . اُنظر: جامع الخلاف والوفاق، ص 210؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 202؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 238؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 725؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 425، الدرس 109.
16- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 289، ح 981؛ الاستبصار، ج 2، ص 301، ح 1076؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 36، ح 18525.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 290، ح 984، وص 294، ح 997؛ الاستبصار، ج 2، ص 303، ح 1082، و ص 306، ح 1094؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 38، ح 18531.
18- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 425، الدرس 109.
19- . الكافي، باب من جهل أن يقف بالمشعر، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 294، ح 996. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 469، ح 2990 بإسناده عن عليّ بن رئاب عن الصادق عليه السلام . وسائل الشيعة، ج 14، ص 48، ح 18557.
20- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 249 250.
21- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 425، الدرس 109.
22- . الانتصار، ص 232.
23- . كنز العرفان، ج 1، ص 304.
24- . منتهى المطلب، ج 2، ص 725، وانظر: المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 441.
25- . فتح العزيز، ج 7، ص 368 369.
26- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 431 432.
27- . بعده في الأصل بياض بمقداد ثلث سطر.
28- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 191، ح 635 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 20 21، ح 18489.
29- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 178، ح 597 ، وص 193، ح 640 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 528 ، ح 18370؛ وج 14، ص 25، ح 18499.
30- . الكافي، باب من تعجّل من المزدلفة قبل الفجر، ح 1؛ الفقيه، ج 2، ص 471، ح 2994؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 193، ح 642 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 256، ح 902؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 27، ح 18503.
31- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 423، الدرس 109.
32- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 199. والمذكور فيها: «والمبيت بمزدلفة ليس ركنا و إن كان الوقوف بها ركنا».
33- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 125.
34- . تلخيص الحبير، ج 7، ص 367، وقال: «لم أجده». و ورد الحديث في عوالي اللآلي، ج 1، ص 215، ح 74؛ وفي المجموع للنووي، ج 8 ، ص 150: «من فاته المبيت بالمزدلفة فقد فاته الحجّ».
35- . التمهيد لابن عبد البرّ، ج 2، ص 97 بلفظ: «الحجّ عرفات...». والحديث مع مغايرة رواه أيضا الحميدي في مسنده، ج 2، ص 399. ونحوه في سنن الدار قطني، ج 2، ص 212، ح 2496.
36- . فتح العزيز، ج 7، ص 367 369. و ما بين الحاصرات منه.
37- . فتح العزيز، ج 7، ص 367.
38- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 38 39؛ عمدة القاري، ج 10، ص 16 17.
39- . منتهى المطلب، ج 2، ص 723.
40- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
41- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 188، ح 625 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 254، ح 895 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 12، ح 18462.
42- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 188، ح 624 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 254، ح 894 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 12، ح 18463.
43- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 189، ح 629 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 255، ح 898 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 12، ح 18464.
44- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 189، ح 627 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 255، ح 896 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 13، ح 18466.
45- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 189، ح 628 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 255، ح 897 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 13، ح 18465.
46- . الخلاف، ج 2، ص 340، المسألة 160.
47- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 367.
48- . المثبت من المصدر، وفي الأصل: + «فتوضّأ».
49- . الخلاف، ج 2، ص 341.
50- . المقنعة، ص 416.
51- . الخلاف، ج 2، ص 340 341.
52- . الخلاف، ج 2، ص 341.

ص: 341

. .

ص: 342

. .

ص: 343

. .

ص: 344

. .

ص: 345

. .

ص: 346

. .

ص: 347

. .

ص: 348

فروع :الأوّل : دلّ موثّق سماعة (1) المتقدِّم على الجمع بين العشائين بأذان واحد وإقامتين ، ومثله صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صلاة المغرب والعشاء تجمع بأذان واحد وإقامتين، ولا تصلِّ بينهما شيئا ، وهكذا صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (2) ونسبه في المنتهى (3) إلى علمائنا . وحكي في المختلف (4) عن الشيخ أنّه قال في الخلاف (5) بالجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة مثل صلاة واحدة محتجّا بالإجماع وبحديث جابر . (6) واعترض عليه بأنّ الإجماع إنّما هو على أذان وإقامتين ، وحديث جابر إنّما دلّ على ما قلناه، وكأنّه كان ساقطا من الخلاف الذي عنده شيء، ونسخته التي عندي هكذا مطابقا للمشهور _: «ويجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ». وقال أبو حنيفة : «يجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة مثل صلاة واحدة » (7) وقال الشافعيّ مثل ما قلنا ، وهو الصحيح عندهم ، (8) وقال في الجديد : «يجمع بينهما بإقامتين بغير أذان »، (9) وقال في الإملاء : «إن رجا اجتماع الناس أذّن وإلّا لم يؤذِّن» ، (10) وحُكي عن مالك مثل قولنا سواء . (11) دليلنا إجماع الفرقة، وحديث جابر، قال : «جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة بأذان وإقامتين ». (12) الثاني : أكثر الأخبار المذكورة وإن دلّت على وجوب الجمع بين الصلاتين إلّا أنّها حملت على الاستحباب؛ للجمع بينها وبين صحيحة هشام بن الحكم (13) المتقدِّمة . وفي المنتهى: ذهب إليه علماؤنا، وبه قال عطاء وعروة والقاسم بن محمّد وسعيد بن جبير ومالك والشافعيّ وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأبو يوسف وابن المنذر . وقال أبو حنيفة والثوريّ ومحمّد : لا يجزيه . لنا: أنّ كلّ صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق بينهما كالظهر والعصر بعرفة ، وما تقدّم من الأخبار. احتجّوا بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جمع بين الصلاتين، فكان نسكا فقال : «خذوا عنّي مناسككم »، ولأنّه قال لاُسامة : «الصلاة أمامك ». (14) والجواب: أنّه محمول على الاستحباب؛ لئلّا ينقطع سيره . (15) الثالث : ظاهر الجمع بين العشائين عدم التنفّل بينهما ، بل ظاهر النهي عنه في صحيحة منصور بن حازم (16) تحريمه ، ومثله خبر عنبسة بن مصعب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إذا صلّيت المغرب بجمع أُصلّي الركعات بعد المغرب؟ قال : «لا ، صلِّ المغرب والعشاء، ثمّ تصلّي الركعات [ بعد]». (17) ويؤيّدهما الأمر بتأخير نافلة المغرب عن العشاء فيما إذا كان وقتها ، وقد مضى في أبواب الصلاة . وصرّح جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في التهذيب (18) والعلّامة في المنتهى (19) بكراهته؛ للجمع بين ما ذكر وبين صحيحة أبان بن تغلب، قال : صلّيت خلف أبي عبداللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة، فقام فصلّى المغرب، ثمّ صلّى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ، ثمّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات . (20) ولم أجد قولاً صريحا بتحريمه . الثالثة : ذهب الأصحاب إلى استحباب وطي الصرورة المشعر برجله أو ببعيره ، واختلفوا في المراد من المشعر هنا بعد اتّفاقهم على أنّه أخصّ من المزدلفة ، فقال الشهيد في الدروس : «إنّه قرب المنارة، والظاهر أنّه المسجد الموجود الآن ». (21) وقال الشيخ في المبسوط : «إنّه جبل هناك يسمّى قُزح». (22) ويدلّ عليه حسنة الحلبيّ (23) ومرسلة أبان بن عثمان. (24) ويؤيّدهما ما رواه الجمهور عن جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه عليه السلام ، عن جابر: «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ركب القصوى حتّى أتى المشعر، فرقا عليه، واستقبل القبلة، فحمد اللّه وهلّله وكبّره ووحّده، فلم يزل واقفا عليه حتّى أسفر جدّاً ». (25) وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه أردف الفضل بن العبّاس (26) ووقف على قزح، وقال : «هذا قزح، وهو الموقف، وجمع كلّها موقف ». (27) وقال المحقّق في ذيل المستحبّات : «وأن يطأ الصرورة المشعر برجله ، وقيل : يستحبّ الصعود على قزح وذكر اللّه عليه». (28) وكأنّه حمل المشعر فيما ذكر من الأخبار على المزدلفة ، فتأمّل . الرابعة : صرّح أكثر الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط والتهذيب باستحباب إفاضة غير الإمام من موضع الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس بقليل، إلّا أنّه لا يجوز وادي محسّر إلّا بعد طلوعها . (29) وحكى في المنتهى (30) عن الشيخ أنّه قال في بعض كتبه باستحباب ذلك للإمام أيضا . وظاهر ابن إدريس استحباب التوقّف في موضع الوقوف إلى طلوع الشمس، حيث قال : «الدّعاء وملازمة الموضع إلى أن تطلع الشمس مندوب غير واجب ». (31) وظاهر شيخنا المفيد عدم جواز تلك الإفاضة اختياراً، فإنّه قال : «ولا يفيض منها قبل طلوع الشمس إلّا مضطرّاً، لكنّه لا يجوز وادي محسّر إلّا بعد طلوعها »، (32) وهو محكي عن السيّد (33) وأبي الصلاح (34) وسلّار. (35) ويدلّ على المشهور حسنة معاوية بن عمّار (36) ظاهراً، وموثّق اسحاق بن عمّار، (37) وما رواه الشيخ عن معاوية بن حكيم، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام : أيّ ساعة أحبّ إليك أن نفيض من جمع؟ فقال : «قبل أن تطلع الشمس بقليل هي أحبّ الساعات إليّ »، قلت : فإن مكثنا حتّى تطلع الشمس؟ قال : «ليس به بأس ». (38) وما رواه البخاري أنّ المشركين كانوا لا يفيضون حتّى تطلع الشمس ويقولون : أشرق ثبير، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خالفهم، ثمّ أفاض قبل أن تطلع الشمس . (39) وهذه الأخبار وإن كانت عامّة للإمام أيضا مطلقة غير مقيّدة بعدم الجواز عن وادي محسّر قبل طلوع الشمس، إلّا أنّها في المشهور رخّصت بغير الإمام؛ لمرسلة جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتّى تطلع الشمس وسائر الناس إن شاؤوا عجّلوا وإن شاؤوا أخّروا ». (40) بل أوجب عليه ذلك ابن حمزة (41) على ما حكى عنه في الدروس ، (42) وقيّدت بعدم الجواز عن محسّر قبل طلوع الشمس، لحسنة هشام بن الحكم، (43) وبعمومها عمل الشيخ (44) في القول المحكي عنه، وبإطلاقها عمل العلّامة في المنتهى (45) والمختلف . (46) وعلى المشهور هل يجب عليه كفّارة إذا جاز وادي محسّر قبل طلوع الشمس؟ فقال في الدروس : «وقال الصدوقان : عليه شاة»، (47) وهو أظهر ؛ لما سيجيء في باب مَن تعجّل من مزدلفة قبل الفجر . واعلم أنّه قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث الحجّ: أشرق ثبير كيما نغير ، أي نذهب سريعا، يُقال أغار يغير، إذا أسرع في العَدُو ، وقيل : أراد نغير على لحوم الأضاحي من الإغارة: النهب ، وقيل : ندخل في الغَور، وهو المنخفض من الأرض على لغة من قال : أغار إذا أتى الغور . (48) أقول : الأظهر هو المعنى الأوّل؛ لما رواه الشيخ قدس سره عن إبراهيم الأسديّ، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ثمّ أفض حين يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها ». قال أبو عبداللّه عليه السلام : «كان أهل الجاهلية يقولون: أشرق ثبير، يعنون الشمس، كيما نغير، وإنّما أفاض رسول اللّه صلى الله عليه و آله خلاف أهل الجاهليّة، كانوا يفيضون بإيجاف الإبل وإيضاع الإبل، فأفاض رسول اللّه صلى الله عليه و آله خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة، فأفض بذكر اللّه والاستغفار، وحرّك به لسانك، فإذا مررت بوادي محسّر وهو وادٍ عظيم بين جمع ومنى، وهو إلى منى أقرب فاسع فيه حتّى تجاوزه، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حرّك ناقته ويقول : اللّهمَّ سلِّم عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني فيمن تركت بعدي ». (49) الخامسة : قال الشيخ في التهذيب : «وحدّ المشعر الحرام ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسّر ». واحتجّ عليه بصحيحة معاوية بن عمّار، قال: «حدّ المشعر ما بين المأزمين إلى حياض وادى محسّر» (50) وبصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال للحكم بن عتيبة : ما حدّ المزدلفة؟ فسكت ، فقال أبو جعفر عليه السلام : «حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسّر ». (51) وفي المنتهى: «لا نعلم فيه خلافا». (52) وظاهر صحيحة زرارة خروج الجبل عن الموقف، وهو المفهوم من كلام الشيخ في التهذيب (53) وابن إدريس، (54) والعلّامة في المنتهى، (55) حيث شرطوا في جواز ارتفاعه على الجبل ضيق المقام، ويفهم منه تحريمه اختياراً، وهو محكي عن القاضي أبي الصلاح الحلبيّ . (56) وفي الدروس: «والظاهر أنّ ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها ». (57) ويؤيّده استحباب وطي الصرورة المشعر برجله ، وصرّح بكراهيّة الوقوف عليها اختياراً .

.


1- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 12، ص 18463.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 190، ح 630 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 255، ح 899 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 15، ح 18470.
3- . منتهى المطلب، ج 2، ص 723.
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 240 241.
5- . الخلاف، ج 2، ص 339 340، المسألة 159، والموجود فيه: «بأذان واحد وإقامتين».
6- . صحيح مسلم، ج 4، ص 42، باب حجّة النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1026، ح 3074؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 427، ح 1905؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 8 . والمذكور في الجميع: «بأذان واحد و إقامتين».
7- . بدائع الصنائع، ج 2، ص 154؛ المحلّى، ج 7، ص 128؛ فتح العزيز، ج 3، ص 156.
8- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 149؛ المحلّى، ج 7، ص 128؛ نيل الأوطار للشوكاني، ج 3، ص 271.
9- . كتاب الاُمّ، ج 2، ص 233؛ مختصر المزني، ص 12؛ المحلّى، ج 7، ص 128؛ نيل الأوطار، ج 3، ص 271.
10- . فتح العزيز، ج 3، ص 156؛ المجموع للنووي، ج 3، ص 83 .
11- . المذكور في المجموع، ج 8 ، ص 149: «بأذانين وإقامتين». وفي السنن الكبرى، ج 1، ص 61: «بأذانين و إقامتين للإمام، وأمّا غير الإمام فتجزئهم إقامة للمغرب وإقامة للعشاء». وفي التمهيد، ج 9، ص 266: «لكلّ صلاة أذان وإقامة».
12- . تقدّم تخريجه آنفا.
13- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 12، ح 18464.
14- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 440؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 439؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 155.
15- . منتهى المطلب، ج 2، ص 723 724. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 197 198، المسألة 544 .
16- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 15، ح 18470.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 190، ح 631 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 255، ح 900؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 15، ح 18471، وما بين الحاصرتين من المصادر.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 190.
19- . منتهى المطلب، ج 2، ص 723.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 190، ح 632 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 256، ح 901؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 15، ح 18472.
21- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 422، الدرس 109.
22- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 368، وفيه: «فراخ» بدل «قزح»، وهو تصحيف.
23- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
24- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
25- . صحيح مسلم، ج 4، ص 42؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1026، ح 3074.
26- . كذا بالأصل، ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 202، و في سائر المصادر: «اُسامة بن زيد» بدل «الفضل بن العبّاس».
27- . سنن الترمذي، ج 2، ص 185، ح 886 ؛ مسند أحمد، ج 1، ص 157؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 122.
28- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 190؛ المختصر النافع، ص 88 .
29- . المبسوط، ج 1، ص 366؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 178 و 192.
30- . منتهى المطلب، ج 2، ص 726.
31- . السرائر، ج 1، ص 589 .
32- . المقنعة، ص 417.
33- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 68).
34- . الكافي في الفقه، ص 197.
35- . المراسم العلويّة، ص 112.
36- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
37- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
38- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 192، ح 638 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 257، ح 907؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 25 26، ح 18498.
39- . صحيح البخاري، ج 2، ص 179، باب الوقوف بعرفة، ورواه أحمد في مسنده، ج 1، ص 14 و 50 ؛ وابن ماجة في سننه، ج 2، ص 1006، ح 3022؛ والترمذي في سننه، ج 2، ص 190، ح 897 ؛ والنسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 433، ح 4054.
40- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 193، ح 641 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 258، ح 909؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 26، ح 18501.
41- . الوسيلة، ص 177.
42- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 424، الدرس 109.
43- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 12، ح 18464.
44- . المبسوط، ج 1، ص 366؛ النهاية، ص 252.
45- . منتهى المطلب، ج 2، ص 716.
46- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 247.
47- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 423، الدرس 109.
48- . النهاية، ج 3، ص 394 (غور).
49- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 192، ح 637 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 26، ح 18502.
50- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 190، ح 633 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 17، ح 18478.
51- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 190، ح 634 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 17، ح 18479.
52- . منتهى المطلب، ج 2، ص 726.
53- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 180 و 190.
54- . السرائر، ج 1، ص 588 .
55- . منتهى المطلب، ج 2، ص 722.
56- . الكافي في الفقه، ص 196.
57- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 423، الدرس 109.

ص: 349

. .

ص: 350

. .

ص: 351

. .

ص: 352

. .

ص: 353

. .

ص: 354

. .

ص: 355

باب السعي في وادي محسّر

باب السعي في وادي محسّروادي محسّر: هو حدّ المشعر من جانب منى، وهو قدر مئة خطوة، كما يفهم من خبر محمّد بن إسماعيل، (1) وهو قريب من مئة ذراع، كما دلّ [ خبر]عمر بن يزيد ، (2) ومن قدر رمية حجر كما تشعر به عبارة العزيز . (3) وحكى طاب ثراه عن عياض أنّه قال : سمّي محسّراً؛ لأنّ فيل أصحاب الفيل أعيى فيه وكلَّ منه ، وأنّ السبب في الإسراع عند المرور به أنّ أصحاب الفيل هلكوا فيه . (4) وفي العزيز: «وقد قيل : إنّ النصارى كانت تقف، ثَمَّ، فأمرنا بمخالفتهم ». (5) ويظهر من المنتهى وفاق أهل العلم على استحباب الهرولة فيه، حيث قال : «لا نعلم فيه خلافا ». (6) ويدلّ عليه حسنة حفص (7) ومعاوية بن عمّار (8) وخبر عمر بن يزيد، (9) وخبر عبد الأعلى، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا مررت بوادي محسّر فاسع فيه، فأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سعى فيه »، (10) وقد سبق أيضا بعض الأخبار في ذلك . (11) وفي العزيز: «رواه عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه و آله ». (12) وفي المنتهى (13) أيضا رواه عن جمهور العامّة عن جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام ، عن أبيه عليه السلام ، عن جابر في صفة حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله : «لمّا أتى وادي محسّر حرّك قليلاً، وسلك الطريق الوسطى». (14) ولو ترك السعي فيه استحبّ له أن يرجع ويهرول مطلقا، عمداً كان الترك أو جهلاً أو نسيانا؛ لإطلاق حسنة حفص (15) ومرسلة الحجّال ، (16) وهذا الإطلاق هو ظاهر إطلاق الأكثر . وفي شرح اللمعة : «واستحبابها يعني الهرولة مؤكّد حتّى لو نسيها رجع إليها ». (17) وكأنّه قدس سرهخصّص النسيان بالذكر؛ لاستلزامه الرجوع في أخويه بالأولويّة ، وإلّا فهو تخصيص من غير مخصّص، والمخاطب بها الرجال إجماعا . قال طاب ثراه : «ولا يخاطب بها النساء لمشقّته عليهنّ؛ ولئلّا يظهر منهنّ ما يجب ستره عليهنّ ». قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (واخلفني فيمن تركت بعدي ) .[ ح 3 / 7766] قال طاب ثراه : يقال فلان خلّف فلانا، إذا كان خليفته في قومه ، ومنه قوله تعالى : «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» (18) . قوله في خبر عمر بن يزيد: (قال : الرَمَل في وادي محسّر ) .[ ح 8 / 7771] قال طاب ثراه : «قيل : الرَمَل: شدّة الحركة في المشي ، وقيل : المشي سريعا مع تقارب الخُطى ، ولا يثب وثبا ». (19)

.


1- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
2- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
3- . فتح العزيز، ج 7، ص 370.
4- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 18، ص 111؛ عمدة القاري، ج 10، ص 16.
5- . فتح العزيز، ج 7، ص 370.
6- . منتهى المطلب، ج 2، ص 729.
7- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
8- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
9- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 195، ح 648 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 22، ح 18492.
11- . في الهامش بخطّ الأصل: «قد سبق عن إبراهيم الأسدي، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «فإذا مررت بوادي محسّر وهو واد عظيم بين جمع ومنى وهو إلى منى أقرب فاسع فيه حتّى تجاوزه» [ وسائل الشيعة، ج 14، ص 22، ح 18491].
12- . فتح العزيز، ج7، ص 370.
13- . منتهى المطلب، ج 2، ص 729. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 212.
14- . صحيح مسلم، ج 4، ص 42، باب حجّة النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 425، باب من كان يأمر بتعليم المناسك، ح 12.
15- . هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
16- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
17- . شرح اللمعة، ج 2، ص 280.
18- . الأعراف (7) : 142 . وانظر: صحاح اللغة، ج 4، ص 1356 (خلف).
19- . اُنظر: فتح العزيز، ج 7، ص 326؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 41.

ص: 356

. .

ص: 357

باب من جهل أن يقف بالمشعر

باب من جهل أن يقف بالمشعرأجمع الأصحاب على أنّ من ترك وقوف المشعر جاهلاً يجب عليه العود إليه إن كان وقته باقيا ولو وقتا اضطراريّا . ويدلّ عليه خبر أبي بصير (1) ومعاوية بن عمّار (2) وموثّقة يونس بن يعقوب (3) وحسنة محمّد بن يحيى، وهو الخثعميّ . (4) وإن فات وقته رأسا فيصحّ الحجّ متى وقف بعرفات . ويستفاد ذلك من بعض الأخبار المذكورة في الباب ، وما رواه الشيخ عن محمّد بن يحيى الخثعميّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام فيمن جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتّى أتى منى ، قال : «يرجع »، قلت : إنّ ذلك فاته ، فقال : «لا بأس [ به]». (5) وهو المشهور بين الأصحاب وفي حكم الجهل والنسيان . وأمّا العمد فقد سبق أنّه موجب لفساد الحجّ وبدنة؛ لكونه ركنا . وظاهر الشيخ في المبسوط فساد الحجّ بتركه مطلقا ولو جهلاً أو نسيانا، فإنّه قال : واعلم أنّ الوقوف بالمشعر ركن على ما مضى القول فيه، وهو آكد من الوقوف بعرفة ؛ لأنّ من فاته الوقوف بعرفة أجزأه الوقوف بالمشعر، ومَن فاته الوقوف بالمشعر لم يجزه الوقوف بعرفة . (6) ويؤيّده ما سبق من مرسلة ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف بعرفة سنّة ». (7) وصرّح بذلك التعميم في كتابي الأخبار حيث قال في التهذيب : «ومَن فاته الوقوف بالمشعر فلا حجّ له على كلّ حال ». (8) واحتجّ عليه بما رواه عن القاسم بن عروة، عن عبداللّه وعمران ابني الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ »، (9) وقال: هذا الخبر عامّ فيمن فاته ذلك عامداً أو جاهلاً ، وعلى كلّ حال. ثمّ عارض ذلك بخبري الخثعميّ، (10) وأجاب بقوله : الوجه في هذين الخبرين وإن كان أصلهما محمّد بن يحيى الخثعميّ وأنّه تارةً يرويه عن أبي عبداللّه صلى الله عليه و آله بلا واسطة، وتارةً يرويه بواسطة ، أنّ من كان قد وقف بالمزدلفة شيئا يسيراً فقد أجزأه ، والمراد بقوله : لم يقف بالمزدلفة الوقوف التامّ الذي متى وقفه الإنسان كان أكمل وأفضل، ومتى لم يقف على ذلك الوجه كان أنقص ثوابا وإن كان لا يفسد الحجّ ؛ لأنّ الوقوف القليل يجزي هناك مع الضرورة . واستند في ذلك بخبري محمّد بن حكيم (11) وأبي بصير، (12) وقد فعل مثل ذلك في الاستبصار أيضا، إلّا أنّه صرّح فيه بضعف الخبرين، بأنّ الخثعميّ، عامّي ، وقد أشار إليه في التهذيب بقوله : «وإن كان أصلهما محمّد بن يحيى الخثعميّ»، وهو معارض بقول النجاشيّ: «إنّ محمّد بن يحيى بن سلمان الخثعميّ أخو مغلّس كوفي ثقة، روى عن أبي عبداللّه عليه السلام » (13) وهو منقول عن الخلاصة أيضا . (14) واقتصر العلّامة في المنتهى (15) على حكاية قول الشيخ ، وما حكيناه عنه من المعارضة والجواب ولم يرجّح شيئا . ومال الشهيد في الدروس إلى ما هو المشهور، حيث قال : «ولو ترك الوقوف بالمشعر جهلاً بطل حجّه عند الشيخ في التهذيب ، ورواية محمّد بن يحيى بخلافه، وتأوّلها الشيخ على تارك الوقوف جهلاً، وقد أتى باليسير منه »، (16) وقد حكي في المنتهى عن السيّد المرتضى عكس ما ذكره الشيخ في المبسوط، فقال : «وأمّا السيّد المرتضى فقال : إذا لم يدرك الوقوف بعرفات [ وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج، أمّا الجمهور فقالوا إذا فاته الوقوف بعرفات] فقد فاته الحجّ مطلقا، سواء وقف بالمشعر أو لا ». (17) وهذه الحكاية مخالفة لما حكاه عنه فيه من قبل بقليل، حيث قال : قد بيّنا أنّ وقت الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. هذا في حال الاختيار ، أمّا لو لم يتمكّن من الوقوف بالمشعر إلّا بعد طلوع الشمس للضرورة جاز، ويمتدّ الوقت إلى زوال الشمس من يوم النحر. وقال المرتضى رحمه الله : وقت الوقوف الاضطراري بالمشعر يوم النحر، فمن فاته الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحجّ ، (18) انتهى . قد صرّح بذلك في الانتصار، قال : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من فاته الوقوف بعرفة وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحجّ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك. والحجّة لنا - بعد الإجماع المتقدّم - أنّا قد دللنا على وجوب الوقوف بالمشعر، وكلّ مَن قال من الاُمّة كلّها بوجوب ذلك قال: إنّ الوقوف به إذا فات الوقوف بعرفة يتمّ معه الحجّ، والتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع المسلمين. (19) قوله في حسنة محمّد بن يحيى: (فقال ألم يرَ الناس لم يبكر منى حين دخلها) . [ ح 5 / 7776] يعني أنّه حين وصل إلى منى وطلع الفجر وحصل البكور رأى أنّ الناس لم يجيئوا إليه بعد، فلابدّ له أن يستفسر عن حالهم، وأنّهم لِمَ لم يفيضوا إليها، ولو تفحّص عن هذا لعلم أنّهم أقاموا بالمشعر ليلاً ولعاد إليه. وفي بعض نسخ التهذيب: «لم يكونوا» بدلاً عن «لم يبكر»، وهو يفيد مفاده، وفي بعضها: «لم ينكر» وهو تصحيف.

.


1- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- . الحديث الثالث من هذا الباب.
3- . الحديث الرابع من هذا الباب.
4- . الحديث الخامس من هذا الباب.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 292، ح 992؛ الاستبصار، ج 2، ص 305، ح 1090؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 46، ح 18554.
6- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 368.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 287، ح 977؛ الاستبصار، ج 2، ص 302، ح 1080؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 552 ، ح 18421.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 292، بعد الحديث 990.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 292، ح 991؛ الاستبصار، ج 2، ص 305، ح 1089؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 38، ح 18529.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 292، ح 992. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 305، ح 1091؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 46، ح 18554.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 293 294، ح 995؛ الاستبصار، ج 2، ص 306، ح 1093؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 45 46، ح 18552.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 293، ح 994؛ الاستبصار، ج 2، ص 306، ح 1092؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 47 48، ح 18556.
13- . رجال النجاشي، ص 359، الرقم 963.
14- . خلاصة الأقوال، ص 262، الرقم 119.
15- . منتهى المطلب، ج 2، ص 728.
16- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 425، الدرس 109.
17- . منتهى المطلب، ج 2، ص 727، وما بين الحاصرتين منه.
18- . نفس المصدر.
19- . الانتصار، ص 234، المسألة 120.

ص: 358

. .

ص: 359

. .

ص: 360

باب مَن تعجّل من مزدلفة قبل الفجر

باب مَن تعجّل من مزدلفة قبل الفجرأراد قدس سره بيان عدم جواز الإفاضة عن المشعر قبل الفجر للمختار، ووجوب شاة عليه لو أفاض قبله، وجوازه للمضطرّ من النسوان والشيوخ وخائف الزحام وأمثالهم من غير فدية. ويدلّ على الأوّل خبر مسمع، (1) وقد رواه الصدوق بعينه في الصحيح عنه، عن أبي إبراهيم أو عن أبي عبداللّه عليهماالسلام (2) على اختلاف النسخ، ويؤيّده بعض ما تقدّم في الأبواب السالفة. وبملاك الفدية صرّح الأكثر، (3) ولم أجد مخالفا لهم. نعم، قد ورد في بعض الأخبار وجوب بدنة عليه، وهو ما تقدّم عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «مَن أفاض من عرفات مع الناس ولم يقف معهم بجمع ومضى إلى منى متعمّداً أو مستخفّا فعليه بدنة». (4) وهو مع ضعفه بوجود سهل في طريقه مختصّ بمَن لم يقف كذلك بمنى أصلاً، فإنّه حينئذٍ قد أفسد حجّه؛ لما سبق من أنّ الوقوف بالمشعر ركن تبطل بتركه عمداً، لا سيّما إذا كان مستخفّا، فحينئذٍ تجب عليه بدنة للإفساد كما في غيره ممّن أفسده بالجماع ونحوه، وكلامنا فيما إذا وقع منه وقوف فيه بالليل لكن لا إلى طلوع الفجر. وأمّا الثاني فيدلّ عليه ما عدا خبر مسمع (5) من أخبار الباب، وما رواه الصدوق رضى الله عنهفي الموثّق عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل، من هو؟ قال: «الحاطبة، والمملوك الذي لا يملك من أمره شيئا، والخائف، والمدين، والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي، يحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي، وإلّا فارم عنه وهو حاضر». (6) وعن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في الخائف: «لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، ويضحّي بالليل، ويفيض بالليل» (7) حمل على العذر. وما رواه عليّ بن عطية، قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام بن عبد الملك الكوفي، وكان هشام خائفا، فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أيّ شيء أحدثنا في حجّنا، فنحن كذلك إذ لقينا أبو الحسن موسى عليه السلام قد رمى الجمار وانصرف، فطابت نفس هشام. (8) وما رواه هشام بن سالم وغيره في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «في التقدّم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، والتقدّم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلّون الفجر في منازلهم بمنى[ لابأس]». (9)

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- . الفقيه، ج 2، ص 471، ح 2994؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 27، ح 18503.
3- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 244؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 424.
4- . الحديث السادس من الباب المتقدم من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 294، ح 996؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 48، ح 18557.
5- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- . الفقيه، ج 2، ص 476، ح 3004؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 72، ح 18620.
7- . الفقيه، ج 2، ص 475، ح 3001؛ و رواه الكليني في باب من نسي الجمار أو جهل، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 71، ح 18617.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 263، ح 897 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 71، ح 18616.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 193 194، ح 643 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 256، ح 903؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 30 31، ح 18511.

ص: 361

. .

ص: 362

باب مَن فاته الحجّ

باب مَن فاته الحجّفيه مسألتان:الاُولى: في وقت فوات الحجّ، وقد أجمع الأصحاب على إدراكه بإدراك أحد الاختيارين وإن فات الآخر لضرورة أو جهل أو نسيان، إلّا على القولين المتعاكسين اللّذين سبقا: قول السيّد المرتضى رضى الله عنهبفواته بفوات عرفة مطلقا، على ما حكاه في المنتهى، (1) وقول الشيخ بفواته بفوات المشعر مطلقا. (2) والدليل على إدراكه بإدراك اختياري المشعر فقط حسنة معاوية بن عمّار، (3) وصحيحة هشام بن الحكم، (4) وما رواه الشيخ عن محمّد بن سنان، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي إذا أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ، فقال: «إذا أتى جمعا والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ، ولا عمرة له، وإن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حجّ له، فإن شاء أن يقيم بمكّة أقام، وإن شاء أن يرجع إلى أهله رجع، وعليه الحجّ من قابل». (5) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «مَن أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ»، قال: وقال أبو عبداللّه عليه السلام : «أيّما حاجّ ساق الهدي أو مفرد للحجّ أو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ قدم وقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة، وعليه الحجّ من قابل». (6) وفي الصحيح عن حريز، قال سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل مفرد للحجّ فاته الموقفان جميعا، فقال: «له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ، ويجعلها عمرة مفردة وعليه الحجّ من قابل». (7) وعن إسحاق بن عبداللّه ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل دخل مكّة مفرداً للحجّ، فخشي أن يفوته الموقفان، فقال: «له يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حجّ»، فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال: «يأتي مكّة فيطوف البيت، ويسعى بين الصفا والمروة»، فقلت: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: «إن شاء أقام بمكّة، وإن شاء رجع إلى الناس بمنى، وليس منهم في شيء، وإن شاء رجع إلى أهله وعليه الحجّ من قابل». (8) ولم أجد نصّا صريحا في إدراكه بإدراك اختياري عرفة، بل يناقضه ظاهر قول الصادق عليه السلام : «الوقوف بالمشعر فريضة، و[ الوقوف]بعرفة سنّة»، (9) وإطلاق قوله عليه السلام : «إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ». (10) وكأنّه لذلك ذهب الشيخ إلى ما حكينا عنه. وخرّج الفاضل (11) وجها بإجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة، على ما حكى عنه في الدروس . (12) وكأنّهم استندوا في القول المشهور بما ثبت من قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «الحجّ عرفة». (13) وبما سبق من خبر حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «مَن أفاض من عرفات مع الناس ولم يقف معهم بجمع ومضى إلى منى متعمّداً أو مستخفّا فعليه بدنة». (14) فتأمّل. واختلفوا في إدراكه بإدراك الاضطراريّين معا أو أحدهما، أمّا الأوّل فذهب إليه الشهيد في الدروس (15) واللمعة، (16) والعلّامة في المنتهى (17) والمختلف (18) عدّه أقرب. وأمّا الثاني فقيل: إنّه لا يجزي مطلقا وإن كان اضطراري المشعر، وإليه ذهب الشهيد في الكتابين، (19) ونسبه في شرح اللمعة إلى المشهور، وقوّى إجزاء اضطراريّ المشعر وحده. (20) ونسبه في الدروس إلى جماعة، قال: وفي اضطراريّ المشعر رواية صحيحة بالإجزاء، وعليها ابن الجنيد والصدوق (21) والمرتضى (22) في ظاهر كلامهما، وقال ابن الجنيد: «يلزمه دم لفوات عرفة». (23) ويمكن تأويلها بمَن أدرك اضطراريّ عرفة، وظاهر أكثرهم الوفاق على عدم إجزاء اضطراريّ عرفة وحده. (24) وصرّح به في الدروس، قال: «ولا يجزي اضطراريّ عرفات قولاً واحداً». (25) ولكنّه يفهم من المفيد إجزاؤه، حيث قال في المقنعة: ومن حصل بعرفات قبل طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدركها، وإن لم يحضرها حتّى يطلع الفجر فقد فاتته، فإن حضر المشعر الحرام قبل طلوع الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحجّ، وإن لم يحضره حتّى تطلع الشمس فقد فاته الحجّ، وقد جاءت رواية أنّه إن أدركه قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ، (26) غير أنّ هذه الرواية جاءت من نوادر الأخبار، وما ذكرناه متواتر ظاهر من الأخبار. (27) فتدبّر. ويدلّ على إجزاء اضطراريّ المشعر وحده حسنة جميل، (28) وما رواه الصدوق رضى الله عنهمن موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «مَن أدرك المشعر الحرام قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحجّ»، قال: وقال: ورواه إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، (29) ويلزم من هذه الأخبار الاضطراريّين بالأولويّة. ويدلّ أيضا عليه ما رواه الحسن العطّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلاً بالمشعر ليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه». (30) واحتجّ من قال بعدم إجزاء اضطراريّ المشعر بما تقدّم عن محمّد بن سنان، (31) وصحيحة حريز (32) وإسحاق بن عبداللّه ، (33) ويؤيّدها إطلاق يوم النحر في صحيحة ضريس، (34) وستأتي. ومحلّ الخلاف إنّما هو اضطرارية المتأخّر، وأمّا اضطراريّة المتقدّم فقد عرفت أنّه مجز في العذر إجماعا. الثانية: ذهب الأصحاب (35) إلى أنّ مَن فاته الحجّ إنّما يتحلّل بعمرة مفردة، ثمّ إن كان الحجّ واجبا مستقرّاً عليه وجب عليه الحجّ من قابل، وإلّا فلا. ويدلّ عليه ما تقدّم من الأخبار، وتقييد العمرة بالمفردة في خبر محمّد بن سنان وصحيحة حريز المتقدّمين، وكتب الأكثر تدلّ على وجوب طواف النساء أيضا فيهما؛ لأنّه واجب فيها. ولا ينافيه إطلاق العمرة في أكثر الأخبار؛ لتبادر المفردة منها. ولم يذكر الشيخ قدس سرهطواف النساء بها، فقد قال في المبسوط: ومن فاته الحجّ سقطت عنه توابع الحجّ من الرمي وغير ذلك، وإنّما عليه المقام بمنى استحبابا، وليس عليه بها حلق ولا تقصير، ولا ذبح، وإنّما يقصّر إذا تحلّل بعمرة بعد الطواف والسعي، ولا يلزمه دم لمكان الفوات. (36) ومثله في الخلاف (37) وكتابي الأخبار، (38) وكذا كلام الصدوقين أيضا خالية عن ذكره، على ما حكى عنهما في الدروس. (39) وكأنّهم سكتوا عن ذكره إحالةً على المشهور. لا يقال: يمكن الجمع بين الأخبار بحمل ما خلا طواف النساء على ما إذا كان محرما بحجّ التمتّع على أن يعتمر عمرته التمتّع التي كان محرما بها بقرينة قوله عليه السلام : «يقيم على إحرامه» لمن خرج متمتّعا في صحيحة ضريس بن أعين، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ، فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر، فقال : «يقيم على إحرامه، ويقطع التلبية حين يدخل مكّة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ». وقال : «هذا لمَن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحجّ من قابل »، (40) فإنّ الظاهر منه البقاء على إحرامه لعمرة التمتّع، فيتحلّل بالتقصير أو الحلق (41) من جميع المحرّمات حتّى من النساء من غير توقّف لحلّها على طواف النساء، كما هو شأن عمرة التمتّع، وتخصيص الانتقال إلى العمرة المفردة في غير حجّ التمتّع لتقييد صحيحة حريز (42) بما صرّح فيه بالعمرة المفردة بالمفرد للحجّ ، ويويّد بهذا التفصيل الاعتبار لأصالة البقاء على الإحرام، إلّا فيما إذا منع مانع، ولا مانع في الأوّل ، بخلاف الثاني. لأنّا نقول: صحيحة معاوية بن عمّار (43) المتقدّمة صريحة في جعلها عمرة، والمتبادر منه نقله إلى العمرة المفردة مع التصريح بالتعميم للسائق والمفرد والمتمتّع، وخبر إسحاق بن عبداللّه (44) خالٍ عن ذكر طواف النساء مع تقييده بالمفرد للحجّ ، فتأمّل . ثمّ المشهور بين الأصحاب أنّه على تقدير الانتقال إلى العمرة يتحلّل بالفراغ منها من غير حاجة إلى هدي التحلّل، إلّا أن يكون سائقا، فيذبح هديه بمكّة كما في العمرة التي ساق فيها الهدي لا بمنى؛ لعدم سلامة الحجّ له، كما صرّح به في الدروس ، (45) وحكى فيها وجوب شاة عن الصدوقين في خصوص المتمتّع . وحكى الشيخ في الخلاف (46) عن بعض الأصحاب وجوب ذلك الهدي من غير تقييد بالمتمتّع ، ونسبه إلى الرواية ، ولم أجد هذه الرواية فإن أشار بها إلى ما رواه المصنّف في الصحيح عن داوود الرقّي (47) ففيه أنّه إنّما يدلّ على التحلّل بالهدي فقط كالمصدود، وكذا المشهور أنّ فوات الحجّ ليس كالإفساد موجبا للحجّ في القابل ، بل إن كان مستقرّاً عليه وجب في القابل، وإلّا فلا ، وإن لم يعتمر بعد التحلّل عمرة اُخرى . ولا أعلم فيه مخالفا ، وظاهر صحيح داوود وجوبه في القابل إذا لم يكن اعتمر بعد التحلّل بناءً على أنّ الظاهر أنّ حجّه الفائت كان مندوبا . ويمكن حمله على الندب ، وإنّما حملناه على الحجّة المندوبة لما دلّ الخبر عليه من سقوط الحجّ في القابل على تقدير الاعتمار بعد التحلّل، وهو مخالف للإجماع في الحجّ الواجب؛ ولإطلاق بعض ما ذكر من الأخبار في وجوب الحجّ في القابل في الواجب منه ، وهو أحد وجهي الجمع بين الأخبار للشيخ قدس سرهفي التهذيب (48) وله وجه آخر فيه للجمع بحمل الحجّة الفائتة على الواجبة تخصيصا لِسقوط الحجّ في القابل بمن اشترط في إحرامه مستنداً بقوله عليه السلام في صحيحة ضريس المتقدّمة : «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحجّ من قابل ». (49) وقال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : والاحتياط في ذبح الهدي والعمرة المفردة والحجّ من قابل وإن كان غير واجب عليه . واعلم أنّ ظاهر الأصحاب اعتبار قصد نقل نيّة الإحرام من الحجّ إلى العمرة . وصرّح به المحقّق الشيخ علي قدس سره حيث قال على ما حكي عنه طاب ثراه : «المراد نقل نيّة الإحرام للحجّ إلى إحرام العمرة والإتيان بباقي أفعالها ». (50) وفي الدروس: «وهل ينقلب إحرامه أو يقلبه بالنيّة؟ الأحوط الثاني. ورواية محمّد بن سنان: «فهي عمرة مفردة» (51) تدلّ على الأوّل، ورواية معاوية: «فليجعلها عمرة» (52) تدلّ على الثاني ». (53) واختلف جمهور العامّة في أصل المسألة ، ففي الخلاف بعدما حكينا عنه: وبمثله قال الشافعيّ إلّا في الحلق، فإنّه على قولين إلّا أنّه قال : لا تصير حجّته عمرة وإن فعل أفعال العمرة فعليه القضاء وشاة ، وبه قال أبو حنيفة ، ومحمّد إلّا في فصل، وهو أنّه لا هدي عليه . وقال أبو يوسف : ينقلب حجّته عمرة مثل ما قلناه ، وعن مالك ثلاث روايات: أوّلها: مثل قول الشافعيّ ، والثانية: يحلّ بعمرة وعليه الهدي دون القضاء ، والثالثة: لا يحلّ بل يقيم على إحرامه حتّى إذا كان من قابل أتى بالحجّ فوقف وأكمل الحجّ . وقال المزني : يمضي في فائته فيأتي بكلّ ما يأتي به الحاجّ إلّا الوقوف ، فخالف الباقين في التوابع . (54)

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 727، والمذكور فيه أنّ السيّد قال: «إذا لم يدرك الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحجّ». وانظر كلام السيّد في جوابات المسائل التبّانيّات (رسائل المرتضى، ج 1، ص 229).
2- . النهاية، ص 273؛ المبسوط، ج 1، ص 327.
3- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 290، ح 984، وص 294، ح 997؛ الاستبصار، ج 2، ص 303، ح 1082، وص 306، ح 1094؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 38، ح 18530.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 294، ح 998؛ الاستبصار، ج 2، ص 307، ح 1095؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 48 49، ح 18558.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 291، ح 986؛ الاستبصار، ج 2، ص 304، ح 1084؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 37 38، ح 18528.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 290 291، ح 985؛ الاستبصار، ج 2، ص 303، ح 1083؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 38 39، ح 18532.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 287، ح 977؛ الاستبصار، ج 2، ص 302، ح 1080؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 552 ، ح 18421، وما بين الحاصرتين من المصادر.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 292، ح 991؛ الاستبصار، ج 2، ص 305، ح 1089؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 45، ح 18550.
11- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 221.
12- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 426، الدرس 109.
13- . مسند أحمد، ج 4، ص 309؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 59 ؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1003، ح 3015؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 188، ح 890 ؛ و ج 5 ، ص 416، ح 4105؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 424، ح 4011؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 464؛ و ج 2، ص 278؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 173.
14- . الكافي، باب من جهل أن يقف بالمشعر، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 294، ح 996؛ الفقيه، ج 2، ص 469، ح 2990؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 48، ح 18557.
15- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 425، الدرس 109.
16- . اللمعة الدمشقيّة، ص 63 .
17- . منتهى المطلب، ج 2، ص 728.
18- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 251.
19- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 425 426، الدرس 109؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 63 .
20- . شرح اللمعة، ج 2، ص 278.
21- . علل الشرائع، ص 451، الباب 204.
22- . الانتصار، ص 234.
23- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 251.
24- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 425، الدرس 109.
25- . نفس المصدر، ص 426.
26- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 40، ح 18536.
27- . المقنعة، ص 431.
28- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
29- . الفقيه، ج 2، ص 386، ح 2775؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 41، ح 18538.
30- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 292، ح 990؛ الاستبصار، ج 2، ص 305، ح 1088؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 44 45، ح 18549.
31- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 38، ح 18530.
32- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 37 38، ح 18528.
33- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 38 _ 39، ح 18532.
34- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 49، ح 18559.
35- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 435 436.
36- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 384.
37- . الخلاف، ج 2، ص 374، المسألة 219.
38- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 295، ذيل الحديث 1000؛ الاستبصار، ج 2، ص 307، ذيل الحديث 1097.
39- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 427، الدرس 109.
40- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 295 296، ح 1001؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 49، ح 18559.
41- . في الأصل + «كما»، والظاهر زيادته.
42- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 37 38، ح 18528.
43- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 48 49، ح 18558.
44- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 38 39، ح 18532.
45- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 427، الدرس 109.
46- . الخلاف، ج 2، ص 374، المسألة 219.
47- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
48- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 295، ذيل الحديث 1000.
49- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 49، ح 18559.
50- . جامع المقاصد، ج 12، ص 109.
51- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 38، ح 18531.
52- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 48 49، ح 18558.
53- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 427، الدرس 109.
54- . الخلاف، ج 2، ص 375، المسألة 219. وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 287 و 290.

ص: 363

. .

ص: 364

. .

ص: 365

. .

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

. .

ص: 369

باب حصى الجمار من أين تُؤخذ ومقدارها

باب حصى الجمار من أين تُؤخذ ومقدارهاأراد قدس سره بيان وجوب رمي الجمار بالحصى دون غيرها ، ووجوب أخذها من الحرم من غير المسجدين: المسجد الحرام، ومسجد الخيف، وكونها مقدار انملة ، أمّا الاُوّل فهو المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في المبسوط حيث قال : «ولا يجوز أن يرمي الجمار إلّا بالحصى ». (1) والظاهر من الأخبار من الطريقين حيث عبّر فيها عن المرميّ بالحصى ولم يعبّر عنه في شيء منها بغيرها ، فمن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب ، ومن طريق العامّة ما رواه في المنتهى (2) عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله غداة العقبة وهو على ناقته : «التقط لي حصى ، فلقطت له سبع حصيّات هي حصى الخذف، فجعل يقبضهنّ في كفّه ويقول أمثال هؤلاء فارموا »، (3) الخبر . وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «عليكم بحصى الخذف »، (4) وأنّه قال صلى الله عليه و آله حين لقط له الفضل بن عبّاس حصاه : بمثلها فارموا ، (5) وأنّه قال صلى الله عليه و آله : «أيّها الناس، لا يقتل بعضكم بعضا، فإذا رميتم فارموا بمثل حصى الخذف ». (6) وفي الخلاف : وروى الفضل بن عبّاس، قال : أفاض رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المزدلفة وهبط بمكان محسّرو وقال : «أيّها الناس، عليكم بحصى الخذف ». (7) وجوّز الشيخ في الخلاف الرمي بغير الحصى من أنواع الحجارة، فقال : لا يجوز الرمي إلّا بالحجر، وما كان من جنسه من البرام والجواهر وأنواع الحجارة، ولا يجوز بغيره كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ والملح وغير ذلك من الذهب والفضّة . (8) وحكاه عن الشافعيّ . (9) وفي الدروس: «فيه بُعدٌ إن كان من الحرم وبُعدان (10) إن كان من غيره ». (11) وفي المنتهى : وقال أبو حنيفة : يجوز كلّ ما كان من جنس الأرض مثل الكحل والزرنيخ والمَدر ، فأمّا ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز . (12) وقال داوود : يجوز الرمي بكلّ شيء حتّى حكي عنه أنّه قال : لو رمى بعصفور ميّت أجزأه (13) . (14) ثمّ قال : احتجّ أبو حنيفة وداوود بقوله صلى الله عليه و آله : «إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء» (15) ولم يفصّل . وما روي عن سكينة بنت الحسين عليه السلام أنّها رمت الجمرة ورجل يناولها الحصى تكبّر مع كلّ حصاة، فسقطت حصاة فرمت بخاتمها . (16) وزاد أبو حنيفة : أنّه رمى بما هو من جنس الأرض فأجزأه كالحجارة . والجواب : أنّه لا دلالة في الحديث ؛ لأنّ الرمي هنا مجمل وإنّما بيّنه عليه السلام بفعله ، وما روي عن سكينة إن سلم السند عن الطعن محتمل للتأويل، إذ يمكن أن يكون فصّه حجرا يجوز به الرمي كالعقيق والفيروزج على رأى من يجوّز الرمي بكلّ حجر . وقياس أبي حنيفة منتقض بالدرهم . (17) وأمّا الثاني (18) فهو مجمعٌ عليه بين الأصحاب وفاقا لأكثر العامّة، ويدلّ عليه بعض أخبار الباب . وألحق الأكثر بالمسجدين غيرهما من مساجد الحرم ، ورجّحه الشهيد فى¨ الدروس، (19) وكأنّهم استندوا في ذلك بما دلّ على عدم جواز إخراج حصى المساجد عنها مطلقا . وأمّا الثالث فظاهر المصنّف وجوب كونها بذلك المقدار لما ثبت من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بالتقاط حصى الخذف، والخذف إنّما يكون بأحجار صغار مثل الأنملة وما دونها . وفي حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «حصى الجمار (20) يكون مثل الاُنملة ». (21) وحكى في المنتهى عن أحمد في إحدى الروايتين أنّه قال : «لا يجزيه ما زاد عن الأنملة ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بهذا المقدار ونهى عن تجاوزه ، والأمر للوجوب، والنهي يدلّ على الفساد ». (22) والمشهور بين الأصحاب استحباب ذلك، وجواز ما زاد عليها إذا سمّيت حصاة، وما هو أصغر منها كذلك، وهو أظهر ، بل لم أجد قولاً صريحا من الأصحاب بخلافه . وخبر البزنطيّ يحتمل الندب . وحكى في المنتهى عن الشافعيّ استحباب كونها أصغر من الاُنملة طولاً وعرضا . وعن أحمد في إحدى الروايتين عدم إجزاء ما زاد فيها . وعن بعضهم تحديدها بقدر النواة ، وعن بعض آخر منهم قدر الباقلى . (23) بقي أحكام : منها : أن تكون أبكاراً ، وأجمع الأصحاب على وجوب ذلك . (24) ويدلّ عليه مرسلة حريز، (25) وخبر عبدالأعلى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تأخذ من حصى الجمار». (26) وهو مذهب أكثر العامّة . وحكى في المنتهى [ عن الشافعي] كراهة رمي حصى الجمار . وعن المازنيّ أيضا إجزاء ما رمى به غيره . (27) ومنها : أن تكون رخوة لا صُمّا، وأن تكون بُرشا (28) كحُلية منقّطة، وهي مستحبّة إجماعا ، ويكره أن تكون صلبة سوداء أو بيضاء أو حمراء على ما صرّح به جماعة، منهم الشهيد في الدروس. (29) والحجّة على استحبابها خبرا أبي بصير (30) وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، (31) وما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حصى الجمّار، قال : «كره الصمّ منها »، وقال : «خذ البرش ». (32) وفي الدروس: وقال الحلبيّ : «الأفضل البرش، ثمّ البيض والحمر »، (33) وتبعه ابن زهرة، (34) ورواية البزنطيّ تدفعه . (35) ومنها : أن تكون ملتقطة على قدر الاُنملة، وتكره المكسّرة . وفي المنتهى: «لا نعلم فيه خلافا عندنا، وبه قال الشافعيّ وأحمد ». (36) واحتجّ عليه بخبر أبي بصير، (37) وبقوله صلى الله عليه و آله : «بمثلها فارموا »، (38) في الخبر المتقدّم، وبأنّه لا يؤمن لو كسره أن يطير شيء منه إلى وجهه فيؤذيه . ومنها : رميها بالخذف، وهو على المشهور _: وضع الحصاة على بطن إبهام اليمنى ودفعها بظهر سبّابتها؛ (39) لخبر البزنطيّ . (40) واعتبر السيّد رضى الله عنه دفعها بظفر الوسطى منه ، (41) ولم أرَ شاهداً له بخصوصه . نعم . ذكر الجوهريّ أنّه رمى الحصا بالأصابع، (42) وهو أعمّ من المعنيين ، وأوجب فى¨ الانتصار (43) الخذف محتجّا بإجماع الطائفة، وبأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر به، وهو كيفيّة في الرمي مخالفةً لغيرها، وهو ظاهر ابن إدريس حيث قال : «فإذا أراد رمي الجمار إلى قوله _ : يرميهنّ خذفا ». (44) وحكاه في المختلف (45) عن ابن حمزة ، (46) والأشهر بين الأصحاب استحبابه ، واحتجّ عليه في المختلف بأصالة عدم الوجوب، وعدم شغل الذمّة بواجب حتّى يظهر دليل عليه ، وحكى في الانتصار عن فقهاء العامّة أنّهم لم يراعوه، (47) وظاهره أنّهم لم يقولوا به لا وجوبا ولا استحبابا . قوله في خبر البزنطيّ : (وتدفعها بظفر السبّابة ) . [ ح 7 / 7798] قال الجوهري : «السبّابة من الأصابع التي تلي الإبهام ». (48) وفي مهذّب اللغة : السبّابة: انگشت شهادت . والمراد بقوله عليه السلام : «ولا ترم على الجمرة» النهي عن رميها عاليا على الجمرة ، بل رميها من بطن الوادي ، وقد قيل في تفسيره ؛ أي واضعا لها على الجمرة ، (49) ويؤيّد ما ذكرناه وجود «أعلى الجمرة» في بعض النسخ ، (50) وقوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار في الباب الآتي: «ولا ترمها من أعلاها ». (51)

.


1- . المبسوط، ج 1، ص 369. ومثله في النهاية، ص 253.
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 729.
3- . سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1008، ح 3029.
4- . مسند أحمد، ج 2، ص 210 و 213؛ وج 3، ص 319 و 337؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 71؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 437، ح 1957؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 434، ح 4056؛ سنن أبي يعلى، ج 2، ص 92، ح 6724 ؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 275؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 126 و 127 و 128 و 139.
5- . اُنظر: سنن النسائي، ج 5 ، ص 268؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 216.
6- . مسند أحمد، ج 6 ، ص 379؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1008، ح 3028؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 439، ح 1966؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 128 و 130.
7- . الخلاف، ج 2، ص 343، المسألة 163. وانظر: السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 127.
8- . الخلاف، ج 2، ص 342، المسألة 163.
9- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 154؛ فتح العزيز، ج 7، ص 397.
10- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «أبعد» بدل «بعدان».
11- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 428، الدرس 110.
12- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 282؛ عمدة القاري، ج 10، ص 89 ؛ المغني، ج 3، ص 446.
13- . عمدة القاري، ج 10، ص 89 .
14- . منتهى المطلب، ج 2، ص 729؛ ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 215.
15- . سنن الدار قطني، ج 2، ص 243، ح 2661؛ فتح العزيز، ج 7، ص 374. ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار، ج 3، ص 545 عن عمر.
16- . المغني لابن قدامة، ج 3، ص 446؛ الشرح الكبيرلعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 451.
17- . منتهى المطلب، ج 2، ص 730؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 215.
18- . يعني وجوب أخذ الحصاة من الحرم.
19- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 428، الدرس 110.
20- . هذا هو الصحيح الموافق لمصادر الحديث، وفي الأصل: «حصى الحذف».
21- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 197، ح 656 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 33 34، ح 18519.
22- . منتهى المطلب، ج 2، ص 730.
23- . نفس المصدر. وانظر: نيل الأوطار، ج 5 ، ص 157؛ عون المعبود، ج 5 ، ص 304؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 154 و 171؛ فتح الوهاب، ج 1، ص 256.
24- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 216؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 441.
25- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 32، ح 18516.
26- . الكافي، باب من خالف الرمي أو زاد أو نقص، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 266، ح 906؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 269، ح 19167.
27- . منتهى المطلب، ج 2، ص 730. وانظر: المجموع، ج 8 ، ص 172 و 185.
28- . البرش: نكت صغار تخالف سائر لونه. صحاح اللغة، ج 3، ص 995 (برش).
29- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 428، الدرس 110.
30- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 34، ح 18520.
31- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 33 34، ح 18591.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 197، ح 655 ؛ سائل الشيعة، ج 14، ص 33، ح 18518.
33- . الكافي في الفقه، ص 198.
34- . الغنية، ص 187.
35- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 428، الدرس 110.
36- . منتهى المطلب، ج 2، ص 730. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 218، المسألة 562 . وانظر: المجموع، ج 8 ، ص 139 و 153.
37- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 34، ح 18520.
38- . سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1008، ح 3029 بمغايرة.
39- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 433، الدرس 110.
40- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
41- . الانتصار، ص 260.
42- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1347 (خذف).
43- . الانتصار، ص 260.
44- . السرائر، ج 1، ص 608 .
45- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 260.
46- . الوسيلة، ص 180 181.
47- . الانتصار، ص 260. وانظر: المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 445.
48- . صحاح اللغة، ج 1، ص 145 (سبب).
49- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 218 و 223.
50- . هكذا ورد في قرب الإسناد، ص 359، ح 1284؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 66 ، ح 18598.
51- . الحديث الأوّل من ذلك الباب.

ص: 370

. .

ص: 371

. .

ص: 372

. .

ص: 373

. .

ص: 374

. .

ص: 375

باب يوم النحر ومبتدء الرمي وفضله

باب يوم النحر ومبتدء الرمي وفضلهذهب الأصحاب والعامّة إلى أنّه إنّما يجب في يوم النحر رمي جمرة العقبة فقط . (1) ويدلّ عليه بعض أخبار الباب، وأصالة عدم وجوب الاُخريين، وانتفاء دليل عليه، وإنّما يجب عليه رميهما أيضا في أيّام التشريق على ما سيأتي . وادّعى في العزيز تواتر النقل بذينك قولاً وفعلاً. (2) وإلى استحباب استدبار القبلة في رميها من قبل وجهها واستقبال الاُخريين؛ (3) لحسنة معاوية بن عمّار (4) وما سبق من خبر البزنطيّ . (5) وروى مسلم، عن عبدالرحمن بن يزيد، قال : رمى عبداللّه بن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيّات، يكبّر مع كلّ حصاة، قال : فقيل له : إنّ اُناسا يرمونها من فوقها؟ فقال ابن مسعود : هذا والذي لا إله غيره المقام الذي اُنزِل فيه سورة البقرة . (6) وحكى طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال رميها من بطن الوادي هو المستحبّ عند الكافّة، (7) وحيثما رماها من أعلى العقبة أو وسطها أو أسفلها أجزأ ، وأمّا سائر الجمرات فمن فوقها مستقبل القبلة ، وإلى استحباب الوقوف عند الاُخريين دونها؛ لخبر سعيد الرومي، (8) وما سيأتي في الباب الآتي من حسنة معاوية بن عمّار (9) وصحيحة يعقوب بن شعيب . (10) قوله في خبر زرارة : (قد كنّ يُرْمَين ) . [ ح 2 / 7802] بصيغة المجهول ، والضميران للجمار ، والمعنى كُنّ الجمار يُرمَين في الجاهليّة أو في أزمنة الخلفاء الثلاث . ويؤيّد الأوّل وفاق العامّة أيضا على عدم وجوب رمي غير جمرة العقبة في يوم النحر كما عرفت ، ويشعر بالثاني قوله عليه السلام في هذا الخبر، وفي حسنة زرارة : «أما ترضى أن تصنع كما أصنع »، (11) وفي موثّق حمران : «أما ترضى أن تصنع كما كان عليّ عليه السلام يصنع ». (12)

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 213 214، المسألة 557 ؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 257؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 729؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 6 .
2- . فتح العزيز، ج 7، ص 395.
3- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 223؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 731.
4- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 58 ، ح 18579.
5- . الحديث السابع من الباب المتقدّم.
6- . صحيح مسلم، ج 4، ص 78. ورواه أحمد في مسنده، ج 1، ص 374.
7- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 166؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 157؛ المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 447 448.
8- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 66 ، ح 18599.
9- . الحديث الأوّل من ذلك الباب.
10- . الحديث الثانى من ذلك الباب.
11- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
12- . الحديث الثالث من ذلك الباب من الكافي.

ص: 376

باب رمي الجمار في أيّام التشريق

باب رمي الجمار في أيّام التشريقفيه مسائل :الاُولى : يظهر من بعض الأصحاب إجماع الأصحاب ، بل أهل العلم على وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الجمار الثلاث في أيّام التشريق ، ففي السرائر: «وهل رمي الجمار واجب أو مسنون؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا، ولا أظنّ أحداً من المسلمين يخالف فيه ». (1) وفي المنتهى في بحث رمي جمرة العقبة بمنى يوم النحر : «رمي هذه الجمرة واجب لا نعلم فيه خلافا ». (2) وفي بحث أيّام التشريق : «ويجب عليه أن يرمي في كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة سبع حصيّات ، ولا نعلم خلافا في وجوب الرمي ». (3) وكلام العزيز أيضا صريح في وفاقهم عليه حيث قسّم أعمال العمرة والحجّ وفرائضهما إلى الأركان والأبعاض والهيئات ، وقال : سبيل الحصر أنّ كلّ عمل يفرض، فأمّا أن يتوقّف التحلّل عليه فهو ركن أو لا يتوقّف ، فأمّا أن يجبر بالدم فهو بعض، أو لا يجبر فهو هيئة ، والأركان خمسة : الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي، والحلق والتقصير، تفريعا على [ قولنا]: إنّه نسك، فإن لم نقل به عادت إلى أربعة، وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضا، فلا مدخل للجبران فيها بحال ،وأمّا الأبعاض فمجاوزة الميقات والرمي مجبوران بالدم وفاقا . (4) وفي موضع آخر بعده: «الرمي معدود من الأبعاض مجبور بالدم وفاقا». (5) وقد نقل طاب ثراه عن بعضهم ركنيّته أيضا . (6) ويدلّ على وجوبه رمي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد قال : «خذوا عنّي مناسككم ». (7) وفعل الصحابة والأئمّة عليهم السلام والأمر به في حسنة معاوية بن عمّار في هذا الباب (8) وفي الباب السابق وما سنرويه في باب من نسي رمي الجمار . (9) ونسب العلّامة ؛ في المختلف إلى بعض الأصحاب القول باستحبابه، فقال : وذهب الشيخ في الجمل (10) إلى أنّ الرمي مسنون ، وكذا ابن البرّاج، (11) والمفيد قال : «وفرض الحجّ الإحرام والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وشهادة الموقفين، وما بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض ». (12) وهو يشعر بالاستحباب ، والشيخ لمّا عدّ فرائض الحجّ في كتابي النهاية (13) والمبسوط (14) لم يذكر الرمي . وفي الاستبصار : «قد بيّنا أنّ الرمي سنّة وليس بفرض في كتابنا الكبير ». (15) وقال ابن حمزة : «الرمي واجب عند أبي يعلى»، (16) ومندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر ، (17) وقال ابن الجنيد : ورمي الجمار سنّة . (18) انتهى . والظاهر أنّهم أرادوا بالسنّة في هذا المقام مقابل الفرض، وهو ما علم وجوبه بالسنّة لا بالقرآن . ويدلّ عليه في كلام الشيخين أنّ الشيخ المفيد أوجب اُموراً فيه تستلزم وجوبه، منها: الوضوء، (19) على ما سنحكي عنه ، وأنّ الشيخ في المبسوط قال : وعليه بمنى يوم النحر ثلاثة مناسك: أوّله: رمي الجمرة الكبرى، والثاني: الذبح، والثالث: الحلق أو التقصير ، وأمّا أيّام التشريق فعليه كلّ يوم رمي الثلاث جمار على ما نرتّبه . (20) وظاهر قوله عليه السلام الوجوب لا سيما في هذا المقام ، وقد صرّح به في موضع آخر منه، قال : «والواجب عليه أن يرمي ثلاثة أيّام التشريق: الثاني من النحر والثالث والرابع، كلّ يوم إحدى وعشرين حصاة، ثلاث جمّار، كلّ جمرة منها سبع حصيّات ». (21) وفي الاستبصار بعدما أورد أخباراً تتضمّن وجوب الرجوع إلى منى والرمي على من خرج منه بغير رمي ، عارضها بخبر عن معاوية بن عمّار، يتضمّن أنّه ليس عليه الإعادة ، وأجاب: أنّه ليس عليه أن يعيد في هذه السنة؛ لفوات وقت الرمي وإن كان يجب عليه إعادته في السنة القابلة . (22) وقد سبقني على هذا التأويل العلّامة وابن إدريس ؛ ففي المنتهى: وقد يوجد في بعض العبارات أنّه سنّة وذلك في بعض أحاديث الأئمّة عليهم السلام ، وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود، وهو محمول على أنّه ثابت بالسنّة لا أنّه مستحبّ . (23) وفي السرائر : وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنّه مسنون غير واجب؛ لما يجده من كلام بعض المصنّفين عبارة موهمة أوردها في كتبه، وتقلّد المسطور بغير فكر ولا نظر ، وهذا غاية الخطأ وضدّ الصواب . قال شيخنا أبا جعفر رحمه الله قال في الجمل والعقود : والرمي مسنون، (24) فيظنّ من يقف على هذه العبارة أنّه مندوب، وإنّما أراد الشيخ بقوله : مسنون ، عرف من جهة السنّة؛ لأنّ القرآن لا يدلّ على ذلك . (25) وهذا التأويل جارٍ فيما حكاه طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال: «إنّه سنّة مؤكّدة يجب بتركه الدم بقرينة إيجابه للدم بتركه ». الثانية : المشهور بين الأصحاب أنّ وقت الرمي اختياراً من طلوع الشمس إلى غروبها، وأنّه عند الضرورة يجوز تقديمه عليه ولو ليلاً . (26) ويدلّ على الأوّل صحيح منصور بن حازم (27) وحسن زرارة ، (28) وقد رواه الشيخ في الصحيح عن زرارةٍ وابن اُذينة، عن أبي جعفر عليه السلام ، (29) وصحيح إسماعيل بن همّام (30) في خصوص يوم النحر، ولا قائل بالفصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمّال، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها»، (31) والأمر بالرمي عند الزوال في أيّام التشريق في حسنة معاوية بن عمّار، حمله الشيخ في الاستبصار (32) على الفضل؛ للجمع ، وبه صرّح في المبسوط، (33) وتبعه الأكثر منهم ابن إدريس . (34) وحكى في الدروس (35) عن الشيخ (36) وابن زهرة (37) والفاضل (38) إجزاء رميها بعد طلوع الفجر اختيارا. وقد قال في الخلاف بذلك في رمي جمرة العقبة يوم النحر ، وأمّا في أيّام التشريق فظاهره كون وقت رميها بعد الزوال حيث قال : وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بلا خلاف ، ووقت الإجزاء من عند طلوع الفجر مع الاختيار، فإن رمى قبل ذلك لم يجزه ، وللعليل ولصاحب الضرورة يجوز الرمي بالليل . (39) ثمّ قال : «لا يجوز الرمي أيّام التشريق إلّا بعد الزوال ، وقد روى رخصة قبل الزوال في الأيّام كلّها ». (40) وقد اختلف العامّة أيضا في المسألة ، فقد حكى طاب ثراه عن عياض أنّه قال : وقت رمي الجمرات الثلاث في الأيّام الثلاثة زوال الشمس إلى غروبها ، وقال بعضهم : السنّة في رميها من الزوال إلى إلاصفرار، فإن اصفرّت فات إلّا العليل والناسي . (41) وفي العزيز في بحث رمي جمرة العقبة يوم النحر : المستحبّ أن يرمي بعد طلوع الشمس، ثمّ يأتي بباقي الأعمال، فيقع الطواف في ضحوة النهار، ويدخل وقتها جميعا بانتصاف ليلة النحر ، وبه قال أحمد . وعن أبي حنيفة ومالك: إنّ شيئا منها لا يجوز قبل طلوع الفجر . لنا: ما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر اُمّ سلمة فرمت جمرة العقبة قبل الفجر. (42) ومتى يخرج وقتها ؟ أمّا الرمي يوم النحر فيمتدّ وقته إلى غروب الشمس ، وهل يمتدّ تلك الليلة؟ فيه وجهان، أصحّهما: لا. (43) وقال في بحث أيام التشريق: يدخل وقته بالزوال ويبقى إلى غروب الشمس، روي عن جابر رضى الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رمى الجمرة يوم النحر ضحى، ثمّ لم يرم في سائر الأيّام حتّى زالت الشمس . (44) وبهذا قال مالك وأحمد ، وعند أبي حنيفة يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال. وهل يمتدّ وقتها إلى طلوع الفجر ؟ أمّا في اليوم الثالث فلا ؛ لانقضاء أيّام المناسك ، وأمّا في اليومين الأوّلين فوجهان، كما في رمي يوم النحر، أصحّهما أنّه لا مبيت ، (45) ووجه الثاني: التشبيه بوقوف عرفة . (46) انتهى . ويدلّ على الثاني أعني جواز تقديمه ليلاً في غير الاختيار ما ثبت من حكاية أمر النبيّ صلى الله عليه و آله لاُمّ سلمة ليلة النحر الذهاب إلى منى ورمي جمرة العقبة، (47) وقد تقدّم في ذلك بعض الأخبار . الثالثة : المشهور بين الأصحاب استحباب الطهارة عن الحدث في الرمي؛ لقوله عليه السلام : «ويستحبّ أن يرمي الجمار على طهر »، في حسنة معاوية في الباب السابق . (48) ولما رواه الشيخ عن حميد بن مسعود قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رمي الجمار على غير طهور، قال : «الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان، إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، والطهر أحبّ إليَّ، فلا تدعه وأنت تقدر عليه ». (49) وبذلك جمعوا بين الخبرين وبين صحيح محمّد بن مسلم؛ (50) حملاً للنهي فيه على الكراهة ، وظاهر المفيد قدس سرهوجوب الطهارة له حيث قال : «فإذا نزل بمنى فإن قدر على الوضوء لرميه الجمار فليتوضّأ، وإن لم يقدر أجزأه عنه غسله ولا يجوز له رمي الجمار إلّا وهو على طهر ». (51) وحكاه في المختلف عن السيّد المرتضى (52) وابن الجنيد أيضا. (53) وهو بعيد. ولا يستحبّ الغسل له بخصوصه إجماعا؛ لأصالة العدم وعدم دليل عليه ، بل حسنة الحلبيّ (54) صريحة في عدمه ، فتأمّل .

.


1- . السرائر، ج 1، ص 606 .
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 729.
3- . منتهى المطلب، ج 2، ص 771.
4- . فتح العزيز، ج 7، ص 391.
5- . نفس المصدر، ص 395.
6- . شرح صحيح مسلم، ج 9، ص 42 نقلاً عن بعض أصحاب مالك.
7- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 125.
8- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9- . في الأصل بعده بياض بقدر سطر.
10- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 234).
11- . المهذّب، ج 1، ص 254.
12- . المقنعة، ص 431.
13- . النهاية، ص 271 272.
14- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 382 383.
15- . الاستبصار، ج 2، ص 297، ذيل الحديث 1061.
16- . الوسيلة، ص 180؛ المراسم العلويّة، ص 105.
17- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 234).
18- . منتهى المطلب، ج 4، ص 257 258.
19- . المقنعة، ص 417.
20- . المبسوط، ج 1، ص 368 369.
21- . المبسوط، ج 1، ص 378.
22- . الاستبصار، ج 2، ص 297، ذيل الحديث 1059 وهو حديث معاوية بن عمّار.
23- . منتهى المطلب، ج 2، ص 771.
24- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 234).
25- . السرائر، ج 1، ص 606 .
26- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 360، المسألة 679 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 733؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 230 231.
27- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
28- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
29- . تهذيب الأحكام، ج 2، ص 262، ح 892 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 296، ح 1056؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 69 ، ح 18611.
30- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
31- . الاستبصار، ج 2، ص 296، ح 1054؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 69 ، ح 18609.
32- . الاستبصار، ج 2، ص 296، ح 1057.
33- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 378.
34- . السرائر، ج 1، ص 605 .
35- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 429، الدرس 110.
36- . الخلاف، ج 2، ص 344، المسألة 167.
37- . الغنية، ص 187.
38- . تحرير الأحكام، ج 1، ص 619 .
39- . الخلاف، ج 2، ص 344 345، المسألة 167.
40- . الخلاف، ج 2، ص 351، المسألة 176.
41- . اُنظر: مواهب الجليل، ج 4، ص 190.
42- . فتح العزيز، ج 7، ص 381؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 434، ح 1942؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 469؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 133؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 243، ح 2663.
43- . فتح العزيز، ج 7، ص 381.
44- . مسند أحمد، ج 2، ص 312 313 و 319 و 399 400؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 192؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 80 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 439، ح 1971؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 190، ح 895 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 437، ح 4069.
45- . كذا بالأصل، وفي المصدر: «لامبيت».
46- . فتح العزيز، ج 7، ص 396 397.
47- . سنن أبي داود، ج 1، ص 434، ح 1942.
48- . الحديث الأوّل من الباب المتقدّم.
49- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 198، ح 660 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 258، ح 912؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 57 ، ح 18577.
50- . الحديث العاشر من الباب المتقدّم؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 56 ، ح 18573.
51- . المقنعة، ص 417.
52- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 68).
53- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 261.
54- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.

ص: 377

. .

ص: 378

. .

ص: 379

. .

ص: 380

. .

ص: 381

. .

ص: 382

. .

ص: 383

باب من خالف الرمي أو زاد أو نقص

باب من خالف الرمي أو زاد أو نقصأراد قدس سره بالمخالفة فيه المخالفة في الترتيب في رمي الجمار . قال الشيخ في المبسوط : الترتيب واجب في الرمي يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى، ثمّ الوسطى، ثمّ جمرة العقبة، فمَن خالف شيئا منها أو رماها منكوسة كان عليه الإعادة ، ومَن بدأ بجمرة العقبة ثمّ بالوسطى ثمّ الأولى أعاد على الوسطى ثمّ جمرة العقبة . (1) وفي المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال مالك والشافعيّ وأحمد ، وقال الحسن البصريّ، وعطاء : لا يجب الترتيب، وهو قول أبي حنيفة ». (2) ويدلّ على مذهب الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب، واحتجّ أيضا عليه بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رتّبها في الرمي ، وقد قال : «خذوا عنّي مناسككم ». (3) وفي المنتهى: واحتجّ أبو حنيفة بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «مَن قدَّم نسكا بين يدي نسك فلا حرج»، (4) وبأنّها مناسك متكرّرة في أمكنة متفرّقة في وقت واحد، ليس بعضها تابعا لبعض، فلا يشترط فيها الترتيب كالرمي والذبح . والجواب عن الأوّل : أنّ الحديث ورد فيمن قدّم نسكا على نسك، لا فيمن قدّم بعض النسك على بعض . وعن الثاني: أنّه يبطل بالطواف والسعي . (5) وأراد قدس سرهبالزيادة والنقصان زياده حصاة على جمرة ونقصانها ، ففي الزيادة يسقطها ويجزي عن تلك الجمرة، وفي النقصان يتمّ رميها ، فلو نسي رمي بعض الحصيات على جمرة وذكر النقص بعدما رمى جمرة بعدها، فيعتبر في الترتيب وإجزاء هذه الجمرة والتي بعدها تجاوز النصف على المشهور بين الأصحاب ، منهم الشيخ في المبسوط، فقد قال : فإن نسي فرمى من الجمرة الاُولى بثلاث حصيات، ورمى الجمرتين الأخيرتين على التمام أعاد الرمي عليها كلّها ، وإن كان قد رمى الجمرة الاُولى بأربع حصيات ورمى الجمرتين على التمام أعاد على الأوّل بثلاث حصيات، وكذلك إن رمى الوسطى أقلّ من أربعة أعاد عليها وعلى ما بعدها، وإن رماها بأربعة يتمّها، ولا إعادة عليه في الثالثة، وإن رمى الأوّلتين على التمام ورمى الثالثة ناقصة تمّمها على كلّ حال؛ لأنّه لا يترتّب عليه رمي آخر . (6) وقال في النهاية (7) أيضا نحواً منه، وهو منقول عن ابن حمزة (8) وابن البرّاج (9) وابن الجنيد، وبه قال العلّامة أيضا في القواعد ، (10) وعدّه في المختلف أقرب . (11) ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب، والعلّامة في المنتهى (12) عن عليّ بن أسباط، قال : قال أبو الحسن عليه السلام : «إذا رمى الرجل الجمار أقلّ من أربعة لم يجزه أعادها وأعاد على ما بعدها وإن كان قد أتمّ ما بعدها ، وإذا رمى شيئا منها أربعا بنى عليها ولم يعد على ما بعدها إن كان قد أتمّ رميه ». (13) وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام في رجل رمى الجمار، فرمى الاُولى بأربع حصيات، ثمّ رمى الاُخريين بسبع ، قال : يعود فيرمي الاُولى بثلاث وقد فرغ، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثمّ رمى الاُخرى فليرم الوسطى بسبع، وإن كان رمى الوسطى بثلاث رجع فرمى بثلاث». (14) والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل رمى الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع؟ قال : «يعيد ويرميهنّ جميعا بسبع سبع»، قلت: وإن رمى الاُولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع؟ قال : «يرمي الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع، ويرمي جمرة العقبة بسبع». قلت له: فانّه رمى الجمرة الاولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع ، قال : «يعيد ويرمي الاُولى بثلاث ولا يعيد على الثالثة ». (15) واعتبر العلّامة في المنتهى أيضا تحقّق الأربع في الترتيب، لكن اكتفى في الناقصة إكمال السبع مطلقا حيث قال : وقد يحصل الترتيب إذا أخلَّ ببعض الرميات في الاُولى، وفي الثانية ناسيا بشرط أن رمى التي أخلّ برمي بعضها بأربع حصيات فما زاد ، فلو نسي فرمي الأولى بأربع حصيات ورمى الثانية بسبع ثمّ رمى الثالثة وذكر الإخلال أكمل على الاُولى بثلاث، وكذا لو كان السهو في الثانية ، أمّا لو رماها بثلاث فإنّه يعيد على ما بعدها بعد إكمالها، فلو رمى الاُولى بثلاث ثمّ الثانية بسبع وثمّ الثالثة كذلك أتمّا بأربع على الاُولى، ثمّ أعاد على الوسطى والقصوى ، ولو رمى الثانية بثلاث ثمّ الثالثة أكمل الثانية، ثمّ أعاد على الثالثة . (16) وإليه ذهب ابن إدريس أيضا فقد قال : الاعتبار يعني في الترتيب بحصول رمي أربع حصيات، فإذا كان كذلك تمّمها، ولا تجب الإعادة على ما بعدها، وإن كان قد رمى أقلّ من أربع حصيات على إحدى الجمرات تمّمها وأعاد مستأنفا على ما بعدها. (17) وهو وإن كان أنسب بالأصل من عدم وجوب الموالاة في الرميات ، ولذا اكتفوا بإتمام الثالثة على كلّ حال ، إلّا أنّه يدفعه الروايات المذكورة . وقال الشافعيّ: مع الإخلال بحصاة واحدة يبطل الترتيب على ما حكى عنه فى¨ المنتهى . (18) وظاهر الأخبار شمول الحكم للعمد أيضا، ولا يعارضه ما يعتدّ به، فلا يبعد القول به ، وهو ظاهر المصنّف قدس سره . وفي المدارك: وإطلاق النصّ يقتضي البناء على الأربع مع العمد والجهل والنسيان ، إلّا أنّ الشيخ وأكثر الأصحاب قيّدوه بحالتي النسيان والجهل، وصرّحوا بوجوب إعادة ما بعد التي لم تكمل مع العمد مطلقا؛ لتحريم الانتقال إلى الجمرة المتأخّرة قبل إكمال المتقدِّمة، وهو جيّد إن ثبت التحريم لمكان النهي المفسد للعبادة ، لكن يمكن القول بالجواز تمسّكا بإطلاق الروايتين، وإن كان الأظهر المصير إلى ما ذكروه . (19) ثمّ مذهب الأصحاب وجوب حصول العلم بوصول الحصاة إلى الجمرة كما يستفاد من بعض هذه الأخبار . واحتجّ عليه في المنتهى: (20) أنّ الرمي واجب عليه، والأصل بقاؤه في ذمّته حتّى يتحقّق حصوله منه ، وحكاه عن الشافعيّ في الجديد، وعنه في القديم أنّه يجزيه الظنّ؛ (21) لأنّ الظاهر حصولها في الموضع، وهو ليس بمعتمد. ولابدّ أن تكون الإصابة بفعله ، فلو رمى حصاة فوقعت على شيء وانحدرت على الجمرة أجزأت؛ لأنّه بفعله ، ويقيّده حسنة معاوية بن عمّار، (22) ولو قصرت فتمّمها حركة غيره من إنسان أو حيوان، كما إذا وقعت على ثوب إنسان فنفضه أو على عنق بعير فحرّكه، فوقعت على الجمرة، لم يجزه .

.


1- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 379.
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 772. وانظر: المجموع، ج 8 ، ص 282؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 477.
3- . المصادر المتقدّمة.
4- . المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 477؛ تفسير القرطبي، ج 3، ص 12.
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 772.
6- . المبسوط، ج 1، ص 379.
7- . النهاية، ص 267.
8- . الوسيلة، ص 189.
9- . المهذّب، ج 1، ص 256.
10- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 448.
11- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 314.
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 773.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 266، ح 905؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 268، ح 19164.
14- . الفقيه، ج 2، ص 474 475، ح 3000؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 267، ح 19162.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 265 266، ح 904؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 267 268، ح 19163.
16- . منتهى المطلب، ج 2، ص 772.
17- . السرائر، ج 1، ص 610 .
18- . منتهى المطلب، ج 2، ص 772.
19- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 234.
20- . منتهى المطلب، ج 2، ص 731.
21- . فتح العزيز، ج 7، ص 398؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 173 175.
22- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.

ص: 384

. .

ص: 385

. .

ص: 386

. .

ص: 387

باب من نسي رمي الجمار أو جهل

باب من نسي رمي الجمار أو جهلأجمع الأصحاب على وجوب قضاء ما فات من رمي يوم من أيّام التشريق نسيانا أو جهلاً في يوم آخر مع بقاء وقته، وهو أيّام التشريق، لما دلَّ عليه من أخبار الباب، وما رواه الشيخ عن بريد العجليّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني؟ قال : «فليرمها في اليوم الثالث لما فاته، ولا يجب عليه في يومه ». (1) وظاهرهم وجوب تقديم الفائت على الحاضر، إلّا فيما تذكّر الفائت بعد رمي الحاضر ، وصرّح جماعة منهم المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في تعليقاته على الإرشاد بذلك الوجوب . (2) وفي المنتهى: قال الشيخ رحمه الله : (3) الترتيب واجب بين الفائت والحاضر، فيرمي ما فاته أوّلاً والذي ليومه بعده، فلو رمى الذي ليومه أوّلاً لم يقع الذي لأمسه؛ لعدم إرادته، ولا الذي ليومه؛ لسقوط الترتيب كما لو رمى الجمرة الثانية قبل الاُولى . وللشافعيّ قولان، هذا أحدهما ، والثاني: أنّه سنّة . (4) ثمّ احتجّ على الوجوب بوجوبه أداءً، فيكون في القضاء أيضا كذلك . ويستحبّ الفصل بينهما بساعة أو ساعتين، كما يستفاد من بعض ما اُشير إليه من الأخبار ، ويؤكّده ما سيأتي من صحيحة معاوية بن عمّار . (5) والأفضل أن يكون القضاء بكرة والأداء عند الزوال ؛ لخبر عبداللّه بن سنان الآتي . وأجمعوا على ثبوت الحكم في رمي جمرة العقبة إن فات يوم النحر كذلك وفاقا لأكثر العامّة؛ لأنّه رمي فات وقته، وأيّام التشريق قابل لقضائه أيضا كرمي أيّام التشريق، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض، فلم يرم الجمرة حتّى غابت الشمس، قال : «يرمي إذا أصبح مرّتين، مرّة لما فاته، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه»، (6) والفرق بكون أحدهما بكرة وهو للأمس، والآخر عند زوال الشمس، وهو الذي رواه المصنّف قدس سره (7) بأدنى نقصان . وحكى في المنتهى (8) عن الشافعيّ قولاً بعدم وجوب قضائه معلّلاً بأنّ أيّام التشريق لا تكون وقتا له؛ لأنّه يخالف الرمي في تلك الأيّام؛ إذ لا يتعلّق رمي يوم النحر إلّا بجمرة العقبة، بخلاف رمي أيّام التشريق فإنّه يتعلّق بالجمرات كلّها، فهو جنس آخر غير الرمي فيها، بخلاف من بعض تلك الأيّام مع بعض. (9) وفيه ما فيه . ومع انقضاء تلك الأيّام فقد حكم الأكثر بوجوب قضائه في القابل بنفسه أو بوكيله؛ (10) لما رواه محمّد بن عمر بن يزيد، عن أبيه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أغفل رمي الجمار أو بعضها حتّى يمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحجّ رمى عنه وليّه، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا في أيّام التشريق ». (11) وذهب المحقّق في النافع إلى سقوط وجوب القضاء حينئذٍ واستحبابه في القابل، حيث قال : «ولو نسي الرمي حتّى دخل مكّة رجع وتدارك ، ولو خرج فلا حرج ». (12) والظاهر أنّه أراد بذلك ما لو خرج من مكّة وفات وقته بقرينة الخبر الذي يدلّ عليه وإن كان إطلاق كلامه شاملاً لما لو خرج وكان وقته باقيا بأن ينفر من منى ويخرج من مكّة في النفر الأوّل . والخبر رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل نسي رمي الجمار؟ قال : «يرجع فيرميها »، قلت : فإنّه نسيها حتّى أتى مكّة؟ قال : «يرجع فيرمي متفرّقا ويفصل بين كلّ رميتين بساعة »، قلت : فإن نسي أو جهل حتّى فاته وخرج؟ قال : «ليس عليه أن يعيد ». (13) ويأوّله الشيخ في الاستبصار على أنّ معناه: «أنّه ليس عليه أن يعيده في هذه السنة؛ لفوات وقته وإن كان يجب عليه إعادته في القابل ». وفي المنتهى: وقال الشافعيّ : لا قضاء عليه إذا فاتت أيّام التشريق قولاً واحداً وماذا يجب عليه عنده، قولان: أحدهما: دم واحد، والثاني: أربعة دماء . (14) هذا كلّه فيما إذا تركه نسيانا أو جهلاً ، وأمّا مع العمد فظاهر الأصحاب وفاقهم على وجوب قضائه في ذلك العام أو في القابل على التفصيل المذكور ، ولم أجد خبراً صريحا فيه ، بل بعض الأخبار تدلّ على فساد حجّه بذلك، رواه الشيخ عن يحيى بن المبارك، عن عبداللّه بن جبلة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن ترك رمي الجمار متعمدا لم تحلّ له النساء وعليه الحجّ من قابل »، (15) لكن لم يعمل به أحد؛ لضعفه بجهالة يحيى ، ووقف عبداللّه وإن كان موثّقا . (16) وفي الدروس : «ولم نقف على قائلٍ به من الأصحاب ، فيحمل على الندب » (17) . وحمله الشيخ أيضا في الاستبصار (18) عليه، ولم يتعرّض الأكثر للندب أيضا وكأنّهم طرحوا الخبر لما ذكر ولوقوع التحلّل من المحرمات بعد طواف النساء بمقتضى النصوص، فعود التحريم بمجرّد ترك الرمي بعيد غاية البُعد بحيث لا يجوز والقول به وجوبا أو ندبا بمثل هذا الخبر .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 263، ح 894 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 73، ح 18623.
2- . لم أعثر عليها.
3- . الخلاف، ج 2، ص 353، المسألة 181، و ص356، المسألة 185؛ المبسوط، ج 1، ص 379.
4- . منتهى المطلب، ج 2، ص 774. وانظر: الخلاف، ج 2، ص 353 354، المسألة 181؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 235 236 و 241؛ فتح العزيز، ج 7، ص 402 و 405 408؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 64 66 ؛ تفسير القرطبي، ج 3، ص 6 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 264، ح 899 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 262، ح 19149.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 262، ح 893؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 72 73، ح 18621.
7- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
8- . منتهى المطلب، ج 2، ص 774.
9- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 236؛ فتح العزيز، ج 7، ص 404.
10- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 368؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 237 238.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 264، ح 900؛ الاستبصار، ج 2، ص 297، ح 1060؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 262، ح 19150.
12- . المختصر النافع، ص 97.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 264، ح 899 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 297، ح 1059؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 262، ح 19149.
14- . منتهى المطلب، ج 2، ص 774. وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 241؛ فتح العزيز، ج 7، ص 402؛ الخلاف، ج 2، ص 358، المسألة 189.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 264 265، ح 901؛ الاستبصار، ج 2، ص 297، ح 1061؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 264، ح 18155.
16- . رجال النجاشي، ص 216، الرقم 563 ؛ إيضاح الاشتباه، ص 209، الرقم 348.
17- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 435، الدرس 110.
18- . الاستبصار، ج 2، ص 297 298، ذيل الحديث 1061.

ص: 388

. .

ص: 389

. .

ص: 390

باب الرمي عن العليل والصبيان والرمي راكبا

باب الرمي عن العليل والصبيان والرمي راكبايجوز الرمي عن العليل الذي تمنعه علّته عن رميه بنفسه، وعن الصبيّ غير المميّز، وعن البعيد ونحوهم من ذوي الأعذار إجماعا . ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار وعبد الرحمن بن الحجّاج، (1) وموثّقة إسحاق بن عمّار، (2) وخبر داوود بن علي اليعقوبيّ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار؟ فقال : «يُرمى عنه ». (3) ورواية يحيى بن سعيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن امرأة سقطت عن المحمل فانكسرت ولم تقدر على رمي الجمار؟ قال : «يرمى عنها وعن المبطون ». (4) وموثّق إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المريض يرمى عنه الجمار؟ قال : «نعم يحمل إلى الجمرة ويُرمى عنه ». (5) وصحيح رفاعة بن موسى، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل اُغمي عليه؟ فقال : «يُرمى عنه الجمار ». (6) وأمّا الركوب في حال الرمي فقد اختلف في أنّه أفضل أم الرمي راجلاً بعد الوفاق على جوازهما معا؟ فظاهر أخبار الباب الثاني، وهو ظاهر المصنّف، وبه صرّح جماعة منهم الشيخ في النهاية (7) والعلّامة في المنتهى. (8) وذهب الشيخ في المبسوط في بحث رمي جمرة العقبة إلى الأوّل محتجّا بفعل النبيّ صلى الله عليه و آله . (9) ويدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ عن محمّد بن الحسين، (10) عن بعض أصحابنا، عن أحدهم عليهم السلام في رمي الجمار: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رمى الجمار راكبا ». (11) وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد بن عيسى أنّه رأى أبا جعفر الثاني عليه السلام رمى الجمار وهو راكب حتّى رماها كلّها . (12) ولم يرجّح فيه شيئا في بحث أيّام التشريق، واقتصر على قوله : «ويجوز أن يرمي راكبا وماشيا ». (13) ومثله قال ابن إدريس ، (14) وحكي في المنتهى (15) عن الشافعي أنّه قال : يرمي في اليوم الآخر راكبا، وفي اليومين الأوّلين ماشيا؛ (16) لأنّه يمضي وينفر عقيب الرمي في اليوم الثالث، وفي اليومين الأوّلين يكون مقيما ، والظاهر استحباب المشي في الذهاب من مضربه إلى الجمرات لخبري عنبسة (17) وعليّ بن مهزيار . (18) وأمّا مرسلة الحسن بن صالح (19) فتدلّ على أنّ العلّة في نزوله عليه السلام عند مضرب عليّ بن الحسين وبني هاشم رعاية حرمة منازلهم، ولا بُعد في اجتماع علّتين عليه على ما هو شأن العلل الشرعيّة . قوله في خبر عنبسة بن مصعب : (ومنزلي اليوم أنفس من منزله) [ ح 3 / 7830] أي أبعد قليلاً . قال ابن الأثير في النهاية : «يُقال أنت في نفس من عمرك، أي في سعة وفُسحة قبل المرض والهرم ونحوهما ، ومنه الحديث : ثمّ يمشي أنفس منه، أي أفسح وأبعد قليلاً ». (20)

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 75، ح 18629.
2- . الحديث الثاني من هذا الباب؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 75، ح 18628.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 268، ح 917؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 76، ح 18832.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 268، ح 918؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 76، ح 18633.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 268، ح 915؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 75، ح 18628.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 268، ح 916؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 76، ح 18631.
7- . النهاية، ص 268. ومثله في الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 238).
8- . منتهى المطلب، ج 2، ص 773.
9- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 369.
10- . في الأصل: «الحسن»، والتصويب من المصادر.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 267، ح 909؛ الاستبصار، ج 2، ص 298، ح 1063؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 62 ، ح 18588.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 267، ح 910؛ الاستبصار، ج 2، ص 298، ح 1065؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 62 ، ح 18589.
13- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 379.
14- . السرائر، ج 1، ص 610 .
15- . منتهى المطلب، ج 2، ص 773.
16- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 242.
17- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 63 ، ح 18592.
18- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 64 ، ح 18594.
19- . ذيل الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 64 ، ح 18595.
20- . النهاية، ج 5 ، ص 93 94 (نفس).

ص: 391

. .

ص: 392

باب أيّام النحر

باب أيّام النحرأطلق أكثر الأصحاب أيّام النحر في هذا المقام وظاهرها أيّام مطلق النحر، سواء كان هدي التمتّع والسياق أو الاُضحية، فكأنّهم أرادوا أيّامه اختياراً، وإلّا ففي الضرورة يجوز نحر هدي التمتّع طول ذي الحجّة . ويحتمل أن يريدوا أيّام الأُضحية، وهو الأظهر ؛ بالنظر إلى الأخبار للتعبير بالأضحى في أكثرها . وقد صرّح بذلك الشيخ في المبسوط، قال : أيّام النحر بمنى أربعة أيّام: يوم النحر وثلاثة أيّام بعده، وفي غيره من البلدان ثلاثة أيّام: يوم النحر ويومان بعده. هذا في التطوّع ، فأمّا هدي المتعة فإنّه يجوز ذبحه طول ذي الحجّة، إلّا أن يكون بعد انقضاء هذه الأيّام قضاء، والتطوع يكون قد مضى وقته ولا قضاء فيه . (1) وقال ابن إدريس نحواً منه، إلّا أنّه رجّح كون هدي التمتّع طول ذي الحجّة أداءً؛ معلّلاً بأنّ ذي الحجّة بطوله من أشهر الحجّ ووقت للذبح الواجب . (2) ثمّ ظاهر المصنّف أنّ أيّام النحر بمنى ثلاثة أيّام: العيد ويومان بعده ، وفي الأمصار يوم واحد، فإنّه اكتفى في الباب بما يدلّ عليه من خبري[ كليب الأسدي ومحمّد بن مسلم]. (3) وحكاه في المنتهى (4) عن سعيد بن جبير وجابر بن زيد ، (5) والمشهور بين الأصحاب أنّها بمنى أربعة أيّام: العيد وأيّام التشريق، وفي الأمصار ثلاثة أيّام: يوم النحر ويومان بعده ، بل يظهر من المنتهى (6) وفاقهم على ذلك . واحتجّوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الأضحى، كم هو بمنى؟ فقال : «أربعة أيّام »، وسألته عن الأضحى في غير منى ، فقال : «ثلاثة أيّام »، فقلت : فما تقول في رجل مسافر قدَم بعد الأضحى بيومين، ألَهُ أن يضحّي في اليوم الثالث؟ قال : «نعم ». (7) وفي الموثّق عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الأضحى بمنى ، فقال : «أربعة »، وعن الأضحى في سائر البلدان؟ فقال : «ثلاثة أيّام ». (8) وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أيّام التشريق كلّها منحر ». (9) ويؤيّدها خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال : «الأضحى ثلاثة أيّام، وأفضلها أوّلها» (10) بناءً على كون قوله عليه السلام ذلك في غير منى . وحمل الشيخ قدس سرهفي التهذيب ما رواه المصنّف من الخبرين على أيّام النحر التي لا يجوز فيها الصوم، فإنّها بمنى ثلاثة أيّام، وفي الأمصار يوم على ما معنى القول فيه مستشهدا بصحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال سمعته يقول: «النحر بمنى ثلاثة أيّام، فمَن أراد الصوم لم يصم حتّى تمضي الثلاثة الأيّام، والنحر بالأمصار يوم، فمَن أراد أن يصوم صام من الغد»، (11) وهو جمع وجيه . ويظهر ممّا ذكر من الأخبار عدم جواز ذبح هدي التمتّع ونحوه من الاُضحية، وهدي السياق في الحجّ قبل يوم النحر ، وقد ذهب إليه الأصحاب . وقد اختلفت العامّة في هدي التمتّع في مبدأ وقت النحر ومنتهاه ، ففي المنتهى (12) نسب إلى أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه: أنّ أوّل وقت ذبح الهدي يوم النحر ، وفي رواية اُخرى عن أحمد جواز نحره في شوّال بمكّة، إلّا أن يقدم في العشر، فإنّه لم ينحره حينئذٍ إلّا بمنى يوم النحر . وحكاه عن عطاء أيضا . وعن الشافعيّ جواز نحره بعد الإحرام بالحجّ قولاً واحداً، و أنّه قال فيما قبل ذلك: بعد حلّه من العمرة، احتمالان . (13) ونقل طاب ثراه عن بعضهم أنّ آخره آخر الشهر ، وعن آخرين أنّ آخره آخر اليوم الرابع ، وعن مالك أنّ آخره اليوم الثالث ، وعن بعض آخر أنّ آخره يوم النحر (14) وقال: واختلفوا في ليالي الأيّام هل تدخل مع الأيّام، فيجوز الذبح ليلاً ؟ المشهور عن مالك أنّها لا تدخل، وعليه جمهور أصحابه . وقيل : يجوز ، وبه قال الشافعيّ وأحمد وأبو حنيفة . (15)

.


1- . المبسوط، ج 1، ص 371 372.
2- . السرائر، ج 1، ص 595 .
3- . في الأصل مكانه بياض.
4- . منتهى المطلب، ج 2، ص 739.
5- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 390؛ المحلّى، ج 7، ص 377؛ عمدة القاري، ج 21، ص 148؛ المغني، ج 3، ص 454؛ الاستذكار، ج 5 ، ص 244؛ التمهيد، ج 23، ص 196.
6- . منتهى المطلب، ج 2، ص 739.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 202 203، ح 673 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 264، ح 930؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 91 92، ح 18675.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 203، ح 674 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 264، ح 931؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 92، ح 18676.
9- . السنن الكبرى، ج 5 ، ص 239؛ وج 9، ص 296؛ معرفة السنن والآثار، ج 4، ص 262؛ سنن الدارقطني، ج 4، ص 188، ح 4711. وفي الجميع: «أيّام التشريق كلّها ذبح».
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 203، ح 675 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 264، ح 932؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 92، ح 18678.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 203 204، ح 678 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 265، ح 935؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 93، ح 18679.
12- . منتهى المطلب، ج 2، ص 739.
13- . المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 504 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 244 245.
14- . بداية المجتهد، ج 1، ص 350؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 390.
15- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 391؛ المغني لابن قدامة، ج 11، ص 114؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 556 557 ؛ نيل الأوطار، ج 5 ، ص 217؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 13، ص 111.

ص: 393

. .

ص: 394

. .

ص: 395

باب أدنى ما يجزي من الهدي

باب أدنى ما يجزي من الهديالهدي ما يهدى إلى الحرم من النِّعم ، والهَديّ على فعيل مثله، وقد قرئ في قوله تعالى : «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (1) بالتخفيف والتشديد معا ، والواحدة هديه وهَديّةٍ. (2) ويجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم ، قال اللّه تعالى : «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّه ِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» (3) ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وإنّما اختلفوا في الأفضل منها ، فالمشهور بين الأصحاب أنّه الإبل، ثمّ البقر، ثمّ الغنم . (4) واحتجّوا عليه بصحيحة زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام في المتمتّع، قال : «وعليه الهدي »، فقلت : وما الهدي؟ فقال : «أفضله بدنة، وأوسطه بقرة، وأخسّه شاة»، (5) ولأن ما كان أكثر لحما كان أنفع للفقراء . وفي المنتهى: «ولذلك أجزأت البدنة مكان سبعة من الغنم ». (6) ولما كان طيب اللحم في الغنم أنفع من كثرته مال طاب ثراه إلى تفصيل، فقال : «الإبل أفضل عند من اعتاد أكل لحمها، والشاة عند غيره، حيث نفي عنه البُعد ». أقول : وهو قويّ، لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الكبش أفضل من الجزور ». (7) وبذلك يجمع بينه وبين الصحيحة المتقدّمة . وحكى طاب ثراه عن محيي الدِّين البغوي أنّه قال : أفضل النِّعم عندنا الغنم، لما ورد أنّه عليه السلام ذبح كبشين، ولأنّ الكبش نزل فداء للذبيح عليه السلام . (8) واختلف في الذي يليه فقيل البقر ، وقيل الإبل ، وعن بعضهم، أنّ أفضلها الإبل معلّلاً بما ذكر من أنّها أكثر لحما وأعمّ نفعا ، (9) وردّه بما عرفت .

.


1- . البقرة (2): 196.
2- . صحاح اللغة، ج 6 ، ص 2533 (هدي).
3- . الحج (22) : 28 .
4- . الخلاف، ج 6 ، ص 43، المسألة 4؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 258، المسألة 596 ؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 447، الدرس 113.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 36، ح 107؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 255، ح 14727؛ وج 14، ص 101، ح 18699.
6- . منتهى المطلب، ج 2، ص 740.
7- . الكافي، باب ما يستحبّ من الهدي وما يجوز منه وما لا يجوز، ح 8 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 110، ح 18735، وفيهما: «الكبش في أرضكم أفضل من الجزور».
8- . اُنظر: الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 533 ؛ الإنصاف للمرداوي، ج 4، ص 74؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 11، ص 98.
9- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 398.

ص: 396

باب من يجب عليه الهدي وأين يذبحه

باب من يجب عليه الهدي وأين يذبحهالمشهور بين أهل العلم وجوب الهدي على المتمتّع مطلقا ، قال اللّه تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» ، (1) والأخبار فيه متظافرة من طريق الأصحاب، وقد سبقت متفرّقة . وروي في المنتهى (2) عن ابن عمر أنّه قال : تمتّع الناس مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالعمرة إلى الحجّ، فلمّا قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال للناس : «مَن لم يكن له هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر، ثمّ ليهلّ بالحجّ ويهدي ، فمَن لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله ». (3) وعن جابر أنّه قال : كنّا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله نتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها . (4) وقد سبق قول من الشيخ (5) باختصاص ذلك بالآفاقي بناءً على إرجاع ذلك في قوله عزّ وجلّ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» ، وتكلّمنا عليه، وأجمعوا على أنّه لا يجب على المفرد؛ لأصالة العدم وعدم دليل بل يدلّ الدليل من الأخبار أيضا على عدمه ، وقد سبق . ويستفاد ذلك من خبر سعيد الأعرج (6) أيضا . وأجمع الأصحاب على أنّه لا يجب على القارن أيضا ابتداءً ، إلّا أن يجب القران عليه بنذر وشبهه، وإنّما يجب عليه بالسياق . واتّفق العامّة أيضا على عدم وجوبه ابتداءً كما عرفت إلّا أنّهم قالوا: إنّما يجب إذا قرن بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة بناءً على تفسيرهم القران بذلك. (7) ومحلّ هدي التمتّع منى، كما يدلّ عليه خبر إبراهيم الكرخيّ . (8) وفي المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا، وقال أكثر الجمهور: إنّه مستحبّ، وإنّما الواجب نحره بالحرم . وقال بعض الشافعيّة : لو ذبحه في الحلّ وفرّقه في الحرم أجزأه. (9) وكذا محلّ هدي القران إن ساقه في إحرام الحجّ . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب وصحيحة مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا دخل بهديه في العشر، فإن كان أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر بمنى، وإن كان لم يشعره ولم يقلّده فلينحره بمكّة إذا قدم في العشر »، (10) وإن ساقه في إحرام العمرة فمحلّه مكّة، كموثّق شعيب العقرقوفيّ، (11) وقد سبق بعض الأخبار في ذلك ، وأمّا ما يجب للكفّارة فقد سبق القول فيه . قوله في خبر سعيد الأعرج : (حتّى يحضر الحجّ من قابل فعليه شاة ) إلخ . [ ح 1 / 7838] يستفاد من هذا الخبر اُمور : أحدها : جواز إيقاع عمرة التمتّع في سنة وحجّه في اُخرى ، ولم يقل به أحد ، وأظنّ أنّ لفظة «من قابل» من زيادات النسّاخ سهواً، فإنّ الشيخ روى هذا الخبر بعينه عن المصنّف بهذا السند مرّتين : مرّة في ذيل صفة التمتّع ، (12) واُخرى في باب الذبح، (13) وليس في شيء منهما هذه اللفظة . وثانيهما : عدم صحّة عمرة التمتّع في غير أشهر الحجّ وانقلابها إلى المفردة، وهو مجمع عليه إن فرغ منها قبل دخول أشهر الحجّ، والمشهور بين الأصحاب إن أتى بغير الإحرام فيها . وقال الشيخ في الخلاف : «إذا أتى بالإحرام في غير أشهر الحجّ وفعل بقيّة الأفعال في أشهر الحجّ لزمه دم التمتّع ، وبه قال أبو حنيفة ». (14) وثالثها : عدم استحباب الاُضحية في منى، وكأنّه لنفي تأكّد استحبابها؛ لكثرة اللحوم فيها وقلّة المحتاجين إليها . قوله في حسنة عبداللّه بن سنان : (أمّا لنفسه فلا يدعه ، وأمّا لعياله إن شاء تركه ) . [ ح 2 / 7839] قال طاب ثراه : يراد به الاستحباب المؤكّد لنفسه بالنسبة إلى عياله ، والاُضحية عندنا مستحبّة، (15) وكذا عند أكثر العامّة ، وأوجبها أبو حنيفة لمَن عنده نصاب . (16) وقال ابن حبيب - وهو من كبار أصحاب مالك -: من ترك الاُضحية أثم ، ولعلّه بنى على القول بتأثيم تارك السنن، كما هو المعروف عندهم ، وإن كان ظاهره الوجوب . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (أنّ مكّة كلّها منحر ) . [ ح 6 / 7843] أي للاُضحية المستحبّة، ولما يلزم في إحرام العمرة، ولهدي السياق في العمرة .

.


1- . البقرة (2): 196.
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 734.
3- . المغني، ج 3، ص 498؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 409؛ مسند أحمد، ج 2، ص 139 140؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 181؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 49.
4- . صحيح مسلم، ج 4، ص 88 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 3، ص 59 ، ح 4483؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 31، ح 2034؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 288؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 279.
5- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 307.
6- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 270، ح 14764؛ وج 14، ص 82 ، ح 18649.
7- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 234، المسألة 575 ؛ الخلاف، ج 2، ص 264 265، المسألة 30؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 190 191.
8- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 88 ، ح 18666.
9- . منتهى المطلب، ج 2، ص 738. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 252. وانظر: المجموع ج 8 ، ص 190 191؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 225.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 237، ح 799؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 89 90، ح 18670.
11- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 202، ح 672 ، وص 483، ح 1717؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 88 ، ح 18668، وص 165، ح 18882.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 36، ح 108.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 199، ح 662 . ورواه أيضا في تفصيل فرائض الحجّ، ص 288، ح 980؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 82 ، ح 18649.
14- . الخلاف، ج 2، ص 270، والمذكور فيه هكذا: «... لايكون متمتّعا ولايلزمه دم، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: لا يجب عليه الدم كما قلناه، والثاني: يلزمه دم التمتّع، وبه قال أبو حنيفة». وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 182؛ المغنى لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 500 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 241.
15- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 81 .
16- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 383 و 385؛ نيل الأوطار للشوكاني، ج 5 ، ص 198؛ شرح صحيح مسلم، ج 11، ص 110.

ص: 397

. .

ص: 398

. .

ص: 399

باب ما يستحبّ من الهدي ما يجوز منه وما لا يجوز

باب ما يستحبّ من الهدي ما يجوز منه وما لا يجوزللهدي صفات: منها : كونه من الأنعام الثلاثة ، وقد سبق . ومنها : السنّ ، فأجمع الأصحاب على أنّه لا يجزي في غير الضأن إلّا الثنّي ومن الضأن إلّا الجذع . (1) ويستفاد ذلك من مرسلة حمّاد بن عثمان، (2) وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه ، (3) وخبر سلمة أبي حفص . (4) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم، عن أبي عبداللّه ، عن عليّ عليهماالسلامأنّه كان يقول : الثنيّة من الإبل، والثنيّة من البقر، والثنيّة من المعز، والجذعة من الضأن ». (5) وفي الصحيح عن ابن سنان، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «يجزي من الضأن الجذع، ولا يجزي من المعز إلّا الثنيّ ». (6) وقال طاب ثراه : يجزي الجذع من الضأن اختياراً، وهو مذهب أصحابنا وبعض العامّة . (7) ودلَّ عليه رواياتهم أيضا ، مثل ما رواه أبو هريرة، قال : سمعته يقول : «نعمت الاُضحية الجذع ». (8) وقال بعضهم : لا يجوز ذلك إلّا اضطراراً لقوله صلى الله عليه و آله : «لا تذبحوا إلّا مسنّة، إلّا أن يعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن ». (9) واُجيب بالحمل على الاستحباب . وقد اختلف في تفسير الثنيّ والجذع ؛ ففي المدارك : واعلم أنّ المشهور في كلام الأصحاب أنّ الثنيّ من الإبل ماكمل له خمس ستين و دخل في السادسة، ومن البقر والغنم مادخل في الثانية، وذكر العلاّمة في موضع من التذكرة (10) والمنتهى (11) أنّ الثنىّ من المعز ما دخل في الثانية ، (12) وهو مطابق لكلام أهل اللغة ، قال الجوهريّ : «الثنيّ الذي يلقى ثنيّته» (13) ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وفي الخفّ في السنة السادسة . وفي القاموس : الثنيّة الناقة الطاعنة في السادسة، والفرس الداخلة في الرابعة، والشاة في الثالثة كالبقرة . (14) وأمّا الجذع من الضأن فقال العلّامة في التذكرة والمنتهى : إنّه ما كمل له ستّة أشهر، (15) وهو موافق لكلام الجوهري ، وقيل : إنّه ما كمل له سبعة أشهر ودخل في الثامن . (16) وحكى في التذكره (17) عن ابن الأعرابيّ أنّه قال : إنّ ولد الضأن إنّما يجذع ابن سبعة أشهر إذا كان أبواه شابّين، ولو كانا هرمين لم يجذع حتّى يستكمل ثمانية أشهر ، والتعويل على ذلك كلّه مشكل -إلى قوله -: وحيث ثبت إجزاء الثنيّ فينبغي الرجوع فيما يصدق عليه ذلك إلى العرف إن لم يثبت المعنى اللغوي، والأمر في هذه المسائل يلتبس، وطريق الاحتياط واضح . (18) انتهى . وحكى طاب ثراه عن القاضي القرطبيّ أنّه قال : اختلف في سنّ الجذع، فقيل: ابن ستّة أشهر، وقيل: ابن سبعة، وقيل: ابن ثمانية، وقيل: ابن عشرة، وقيل: ابن سنة كاملة، وهو المشهور . (19) وقال الداووديّ : الجذع ما قارب سقوط ثنيّته، وإذا سقطت فهو ثنيّ . وقال أبو عبيد : الجذع من الضأن ما دخل في السنة الثانية . انتهى . وقال ابن الأثير : أصل الجذع من أسنان الدوابّ، وهو ما كان منها شابّا فتيّا، فهو من الإبل ما دخل منها في السنة الخامسة ،ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية ، وقيل : البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمّت له سنة، وقيل: أقلّ منها . (20) وقد اختلفت العامّة في أقلّ ما يجزي من الهدي في السنّ ، فما ذهبنا إليه هو المشهور بينهم ، ففي المنتهى: وبه قال مالك والليث والشافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وقال ابن عمر والزهريّ : لا يجزي إلّا الثنيّ من كلّ شيء . وقال عطاء والأوزاعي : يجزي الجذع من الكلّ إلّا المعز . (21) ومنها: أن يكون تامّا غير مهزولة، فلا يجزي العوراء، ولا العرجاء البيّن عرجها، ولا المريضة البيّن مرضها، ولا الكسيرة الهرمة التي لا تنقى بضمّ التاء وسكون النون من أنقَت الإبل إذا سمنت، والنقي بالكسر والسكون: مخّ العظم وشحم العين من السمن . (22) ولا التي انكسر قرنها الداخل، ولا المقطوعة الاُذن، ولا الخصيّ، ولا المهزولة وهي التي ليس على كليتيها شحم . والظاهر وفاق أهل العلم على ذلك كلّه، إلّا ما سيحكى في الخصيّ . ويدلّ عليه من الأخبار زائداً على ما رواه المصنّف قدس سره ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، أنّه سأله عن الرجل يشتري الاُضحية عوراء، فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل تجزي عنه؟ قال : «نعم ، إلّا أن يكون هديا واجبا، فإنّه لا يجوز ناقصا ». (23) وعن السكونيّ عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: «لا يضحىّ بالعرجاء بينّ عرجها، ولابالعوراء بيّن عورها، ولا بالعجفاء (24) ولا بالخرماء، (25) ولا بالعضباء (26) ولا بالجذّاء (27) ». (28) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه سئل عن الاُضحية، فقال : «أقرن فحل سمين، عظيم العين والاُذن، والجذع من الضأن يجزي، والثنيّ من المعز، والفحل من الضأن خير من الموجوء، والموجوء خير من النعجة، والنعجة خير من المعزّ »، وقال : «إن اشترى اُضحية وهو ينوي أنّها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، وإن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجزِ عنه ». وقال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم سمين فحل، يأكل في سواد، وينظر في سواد ، فإذا لم يجدوا من ذلك شيئا فاللّه أولى بالعذر ». وقال : «الإناث والذكور من الإبل والبقر تجزي ». وسألته : أيضحّي بالخصيّ؟ قال : «لا ». (29) وفي الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في المقطوع القرن أو المكسور القرن : «إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا ». (30) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الاُضحية بالخصيّ، قال :« لا ». (31) وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يشتري الهدي، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب، ولم يكن يعلم أنّ الخصي لا يجوز في الهدي، هل يجزيه أم يعيده؟ قال : «لا يجزيه، إلّا أن يكون لا قوّة به عليه ». (32) وفي صحيحه الآخر، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الكبش، فيجده خصيّا مجبوبا ، قال : «إن كان صاحبه موسراً فليشتر مكانه ». (33) وعن شريح بن هاني، عن عليّ صلوات اللّه عليه، قال : «أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الأضاحي أن نستشرف العين والاُذن، ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابَلَة والمدابرة ». (34) وفي المنتهى : وروى الجمهور عن عليّ عليه السلام قال : «أمرنا أن نستشرف العين والاُذن، ولا نضحّي بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء ». قال زهير : قلت لأبي إسحاق : ما المقابلة؟ قال : يقطع طرف الأذن ، قلت : فما المدابرة؟ قال : يقطع من مؤخّر الاُذن ، قلت : فما الخرقاء؟ قال : يشقّ الاُذن ، قلت : فما الشرقاء؟ قال : يشقّ اُذنها للسِّمة . (35) وظاهر الأكثر عدم إجزاء العوراء مطلقا ولو لم يكن عورها بيّنا بانخساف العين وذهاب شحمتها . وبه صرّح العلّامة في المنتهى حيث قال : «العوراء لو لم تنخسف عينها وكان على عينها بياض فالوجه المنع من الإجزاء؛ لعموم الخبر، والانخساف ليس بمعتبر ». (36) وأراد بالخبر ما تقدّم من صحيحة عليّ بن جعفر، (37) وخبر السكونيّ (38) يشعر باعتبار ظهور العور، وهو ظاهر الصدوق رضى الله عنهحيث اكتفى في الفقيه بذكر هذا الخبر، فقد قال : وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يضحّى بعرجاء بيّن عرجها، ولا بالعوراء بيّن عورها، ولا بالعجفاء، ولا بالجرباء، ولا بالجدعاء، ولا بالعضباء، وهي المكسورة القرن، والجدعاء: المقطوعة الاُذن ». (39) وفي المنتهى : وروى البراء بن عازب، قال : قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «أربع لا يجوز في الأضحى : العور البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن عرجها، والكسيرة التي لا تُنقى »، قال : قلت : إنّي أكره أن يكون في السن نقص، قال : «ما كرهت فدعه ولا تحرّمه على أحد ». (40) ويؤيّدها أنّ أكثر العيوب المذكورة إنّما تمنع لنقصان أو فساد في اللحم والشحم، والعوراء ما لم تنخسف عينها لا نقص فيها ولا فساد، وبذلك أشار في المنتهى حيث قال بعدما ذكر_: ومعنى قوله : «البيّن عورها» أي التي انخسفت عينها وذهبت شحمتها، فإنّ ذلك ينقصها؛ لأنّ شحمة العين عضو يستطاب أكله ، «والعرجاء البيّن عرجها» التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم ومشاركتهنّ في العلف والرعي فهزل، و«التي لا تُنقى» هي التي لا مُخّ لها لهزالها، لأنّ النقي بالنون المكسورة والقاف المسكّنة: مخّ العظم ، و«المريضة» قيل: هي الجرباء؛ لأنّ الجرب يفسد اللحم ، والأقرب اعتبار كلّ مرض يؤثّر في هزالها وفي فساد لحمها . (41) انتهى . وربما ألحق بالعوراء العمياء ولم يعتبروا مع العمى انخساف العين إجماعا، لأنّه يخلّ بالمشي مع الغنم والمشاركة في العلف أكثر من إخلال العرج ، فيحصل الهزال بمجرّد العمى ، وكذا ظاهر الأخبار والفتاوى عدم إجزاء مقطوعة القرن الداخل مطلقا وإن بقي أكثره . (42) وقال الصدوق رضى الله عنه : سمعت شيخنا محمّد بن الحسن رضى الله عنه يقول : إذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه وبقي ثلثه فلا بأس بأن يضحّي به . (43) وأمّا مشقوقة الاُذن أو مثقوبتها فلا بأس بها؛ لما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سئل عن الأضاحي إذا كانت الاُذن مشقوقة أو مثقوبة بسِمَة فقال : «ما لم تكن مقطوعة فلا بأس ». (44) والنهي عن الخرقاء والشرقاء فيما ذكر للكراهة؛ للجمع ، والمراد بالخصيّ إنّما هو المجبوب والذي قطعت خصيتاه، كما هو المصرّح فيما ذكر من الصحيحتين، (45) والأقوى أنّ الذي سُلّت بيضتاه في حكم الخصيّ؛ لإطلاق الخصيّ عليه، وقد وقع الخصيّ مطلقا في بعض الأخبار من غير تقييد بالمجبوب . وأمّا الموجوء وهو مرضوض الخصيتين حتّى يفسد فقد قطع الأصحاب بكراهة التضحية به وإن صدق عليه اسم الخصي محتجّين عليه بخبر أبي بصير (46) وحسنة معاوية بن عمّار، (47) وبما مرّ في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلاممن قوله عليه السلام : «والفحل من الضان خير من الموجوء، والموجوء خيرٌ من النعجة، والنعجة خير من المعز ». (48) وبما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ضحّى بكبشين أملحين موجوءين . (49) وقد حكى في المختلف عن ابن أبي عقيل كراهية التضحية بالخصيّ مطلقا محتجّا بقوله تعالى : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» ، (50) وبأنّه أنفع للفقراء . (51) ويؤيّد ما ذكره استلزام أفعل التفضيل ثبوت أصل الخير في خبر أبي بصير، (52) وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصيّ من الضأن »، وقال : «الكبش السمين خير من الخصيّ ». (53) وعن بعض العامّة إجزاؤه من غير حكاية كراهية . (54) وحكى طاب ثراه عن أبي عبداللّه الآبي أنّه قال : واختلف في فحل كلّ صنف منها مع خصيّه ، والمشهور أنّ الفحل أفضل . وقيل : هما سيّان ، وقيل : سمين الفحل أحبّ إليَّ من سمين الخصيّ، وسمين الخصيّ أحبّ إليّ من هزيل الفحل . (55) هذا ، ولو ظهرت هذه العيوب بعد الذبح فهل يجزي أم لا؟ المشهور بين الأصحاب أنّ ما كان من عيب ظاهر كالعور والعرج ونحوهما فلا يجزي، بل يجب عليه هدي آخر ، وما كان خفيّا كالهزال فمعفوّ . ويدلّ على الثاني قوله عليه السلام : «إن اشترى اُضحية وهو ينوي أنّها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه» في صحيحة محمّد بن مسلم المشار إليه . (56) وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وإن اشترى الرجل هديا وهو يرى أنّه سمين أجزأ عنه وإن لم يجده سمينا، ومَن اشترى هديا وهو يرى أنّه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، وإن اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول لم يجز عنه ». (57) ويؤيّد هما عدم تقصيره فيه؛ لخفاء ذلك العيب. لا يقال: يدلّ خبر الفضيل (58) على عدم إجزائه ، لأنّا نقول: هو مع ضعفه؛ لجهالة ياسين الضرير مضمر، والضمير في قوله: «لأتيته» كما يحتمل أبا جعفر وأبا عبداللّه عليهماالسلاميحتمل غيرهما. على أنّ دلالته إنّما هي بالمفهوم وحجّيّته إنّما تسلم فيما لم يعارضه المنطوق ، بل قد قيل بالإجزاء فيما إذا ظهر الهزال قبل الذبح أيضا على ما حكى في المدارك . (59) وأمّا الأوّل فلم أجد نصّا صريحا عليه . نعم ، روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، أنّه سأله عن الرجل يشتري الاُضحية عوراء، فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل يجزي عنه؟ قال : «نعم ، إلّا أن يكون هديا واجبا، فإنّه لا يجوز ناقصا ». (60) وظاهره ظهور ذلك قبل الذبح . ويظهر من بعض الأخبار تفصيل آخر، وهو الفرق بين ما إذا ظهر العيب مطلقا قبل نقد الثمن وبعده، وعدم إجزائه في الأوّل و إجزاؤه في الثاني ولو كان ذلك قبل الذبح، حيث قال عليه السلام فيما رواه المصنّف من حسنة معاوية بن عمّار : «إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، وإن لم يكن نقد ثمنه ردّه واشترى غيره ». (61) وروى الشيخ في الصحيح عن عمران الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من اشترى هديا ولم يعلم به أنّ به عيبا حتّى نقد ثمنه ثمّ علم به بعدما نقد الثمن أجزأه ». (62) ويؤيّدهما عموم ما سبق ممّا دلّ على إجزاء المهزول إذا ظهر الهزال بعد الشراء، لشمولها لما إذا ظهر ذلك قبل الذبح أيضا . وإليه ذهب الشيخ قدس سرهفي التهذيب حيث قال : «ومَن اشترى هديه ولم يعلم أنّ به عيبا ونقد ثمنه، ثمّ وجد به عيبا فإنّه قد أجزأ عنه ». (63) ولولا صحيحة عليّ بن جعفر المتقدِّمة (64) لكان القول بهذا التفصيل في غاية القوّة. والجمع بين الأخبار يقتضي تفصيلاً آخر بالفرق بين العيوب الظاهرة والخفيّة، لكن بالقول بعدم إجزائه فيما لو ظهر الأوّل بعد الشراء قبل الذبح، سواء نقد ثمنه أم لا، و اجزاؤه فيما لو ظهر الثاني بعد نقد الثمن ولو قبل الذبح . هذا إذا اشتراه على ظنّ التمام ، وأمّا لو اشتراه على النقص فلو اشتراه على ظنّ الهزال وظهر أيضا ذلك لم يجزِ مطلقا، أي سواء ظهر قبل الذبح أو بعده ؛ لعدم الامتثال؛ ولحسنة الحلبي (65) وصحيحة عيص بن القاسم، (66) ولو خرج سمينا أجزأ إجماعا لو ظهر السمن قبل الذبح ، وعلى المشهور إذا ظهر بعده، لشمول وجدان السّمن في الخبرين، وفي قوله عليه السلام : «ومن اشترى هديا وهو يرى أنّه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه» في صحيحة منصور المتقدّمة (67) لذلك . وعن ابن أبي عقيل عدم الإجزاء في هذه الصورة محتجّا بعدم جواز ذبح ما اعتقده مهزولاً، فلا يمكن التقرّب . واُجيب بمنع الصغرى مستنداً بأنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة عدم إجزاء المهزول لا تحريم ذبحه ، (68) وأمّا باقي العيوب فلم أجد نصّا عليه هنا، والظاهر مساواتها للهزال إلّا في الشقّ الأخير ، فتدبّر . هذا ، ولو تعيّب بعد الشراء فإطلاق الأكثر يقتضي عدم الإجزاء ووجوب الإبدال، لكنّ صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل أهدى هديا وهو سمين، فأصابه مرض وانفقأت عينه وانكسر، فبلغ المنحر وهو حيّ، فقال : «يذبحه وقد أجزأ عنه ». (69) وهي صريحة في الإجزاء من غير معارض خاصّ، فلا يبعد القول به ، وهو ظاهر الشهيد في الدروس حيث قال : «ولوتعيّب بعد شرائه أجزأ في رواية معاوية ». (70) وللهدي صفات اُخرى يستحبّ كونه عليها ؛ منها : الاُنوثة في الإبل والبقر، والذكورة في غيرهما ، وبه صرّح الأصحاب ، بل يظهر من المنتهى إجماع الفريقين عليه حيث قال : والإناث من الإبل والبقر أفضل من الذكران، ومن الضأن والمعز الذكران أفضل ، ولا نعلم خلافا في جواز العكس في البابين إلّا ما روي عن ابن عمر أنّه قال : ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك، والاُنثى أحبّ إليَّ . (71) وهذا أيضا يدلّ على موافقتنا؛ لأنّه لم يصرّح بالمنع من الذكران . (72) انتهى . لكن حكى طاب ثراه عن أبي عبداللّه الآبي من العامّة أنّه قال : وفي أفضليّة ذكر كلّ صنف على اُنثاه أو مساواته لها روايتان . ويدلّ على الأوّل حسنة الحلبيّ، (73) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر، وقد يجزي الذكورة من البدن والضحايا من الغنم الفحولة ». (74) وفي الصحيح عن أبي بصير، قال : سألته عن الأضاحي ، فقال : «أفضل الأضاحي في الحجّ الإبل »، وقال : «ذوو الأرحام ». (75) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يجوز ذكورة الإبل والبقر في البلدان إذا لم يجدوا الإناث ، والإناث أفضل ». (76) ويؤيّد جواز العكس في الإبل عموم قوله تعالى : «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ» (77) ، وقوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : «الإناث والذكر من الإبل والبقر يجزي ». (78) وما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أهدى جملاً كان لأبي جهل في أنفه بُرَة (79) من فضّة يغيظ بذلك المشركين . (80) وعلى الثاني مرسلة حمّاد بن عثمان؛ (81) لدلالة لفظ الجذع بدون التاء واللقاح على كونه ذكراً كما أفاده طاب ثراه . ومرسلة الحلبيّ (82) وخبر أبي بصير (83) وحسنة معاوية بن عمّار ، (84) وإنّما حملت هذه على الندب؛ للإجماع، ولما ثبت في الإبل بضميمة عدم القول بالفصل . ومنها : أن يكون سمينا زائداً على ما يقابل المهزول، ويعبّر عنه بكونه: ينظر في سواد، ويبرك في سواد، ويمشي في سواد، على ما قيل: من أنّ المراد بالسواد في المواضع الثلاثة الخضرة ، وأنّ المراد رعيه فيها، أو أنّ المراد نظره وبروكه ومشيه في نفسه . (85) وأمّا على ما رجّحه ابن إدريس (86) من أنّ المراد أن تكون هذه المواضع الثلاثة منه سواده فهذه وصف زائد على السمن . وعن الراونديّ: أنّ التفاسير الثلاثة مرويّة عن أهل البيت عليهم السلام ، (87) واستحبابه هو المشهور بين الأصحاب محتجّين عليه بمرسلة الحلبيّ، (88) وما رويناه من صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، (89) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يضحّي بكبش أقرن فحل، ينظر في سواد، ويمشي في سواد ». (90) وعن الحسن بن عمارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «ضحّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكبش أجدع أملح فحل سمين ». (91) ويؤيّدها ما رواه مسلم عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد . (92) وقال العلّامة في المختلف : «وكلام ابن حمزة (93) يشعر بوجوبه ». (94) وحكى عنه الاحتجاج عليه بصحيحة عبداللّه بن سنان ؛ لدلالتها على مداومة النبيّ صلى الله عليه و آله بذلك ، فيكون واجبا . وأجاب عنه: أوّلاً بالمنع من دلالة «كان» على المداومة ، ثمّ بمنع دلالة مداومته على ذلك بوجه، فإنّه صلى الله عليه و آله كان مداوما على المندوب أيضا . ومنها : كونه ممّا عرِّف به، أي اُحضِر عشية عرفة بها، واستحبابه هو المشهور بين الأصحاب؛ (95) للجمع بين خبر أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يضحّي إلّا بما قد عرِّف به ». (96) وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : سُئل عن الخصيّ يضحّى به؟ فقال : «إن كنتم تريدون اللّحم فدونكم ». وقال : «لا يضحّى إلّا بما قد عرِّف به »؛ (97) وبين رواية سعيد بن يسار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عمّن اشترى شاة لم يعرِّف بها؟ فقال : «لا بأس بها عرِّف بها أم لم يعرّف» . (98) وذهب الشيخ في التهذيب (99) والمبسوط (100) إلى وجوب ذلك . واحتجّ عليه في الأوّل بالخبرين الأوّلين، ثمّ عارضهما بخبر سعيد بن يسار . (101) وأجاب بأنّه محمول على أنّه إذا لم يعرِّف بها المشتري، وذكر البائع أنّه قد عرّف بها، فإنّه يصدّقه في ذلك ويجزي عنه ، واستشهد له بصحيحة سعيد بن يسار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّا نشتري الغنم بمنى، ولسنا ندري عرّف بها أم لا؟ فقال :«إنّهم لا يكذبون ، لا عليك ضحِّ بها ». (102) وهو محكي في المنتهى عن ابن عمر وسعيد بن جبير ، (103) وحكاه في المدارك (104) عن مقنعة المفيد ، وعن المنتهى: أنّه أوّله بتأكّد الاستحباب، (105) حيث قال : وقال المفيد في المقنعة : «لا يجوز أن يضحّى إلّا بما قد عرّف به ، وهو الذي اُحضر عشيّة عرفة بعرفه »، وظاهره أنّ ذلك على سبيل الوجوب ، لكن قال في المنتهى : إنّ الظاهر أنّه أراد به تأكّد الاستحباب . (106) وأظنّ أنّ هذا سهو منه ، فإنّ المقنعة خالية عن هذه الصفة ، والعلّامة أيضا في المنتهى لم ينسبه إلى المفيد، بل إنّما نسبه إلى الشيخ، فقال : وقول الشيخ: ولا يجوز أن يضحّى إلّا بما قد عرّف به، (107) الظاهر أنّه أراد به شدّة تأكيد الاستحباب ، (108) فتأمّل . قوله في خبر سلمة أبي حفص : (كان عليّ عليه السلام يكره التشريم في الاذن والخرم ) . [ ح 7 / 7850] قال الجوهريّ : التشريم : التشقيق . (109) وفي النهاية : أصل الخرم: الثقب والشقّ ، والأخرم: المثقوب الاُذن ، والذي قطعت وترة أنفه أو طرفه شيئا لا يبلغ الجدع، وقد انخرم ثقبه ؛ أي انشقّ ، فإذا لم ينشقّ فهو أخرم ، والاُنثى خرماء . (110) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (فقال إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، وإن لم يكن نقد ثمنه ردّه ) الخ .[ ح 9 / 7852] هذه الرواية على ما أشرنا إليه مطابقة لصحيحة عمران الحلبيّ، وتدلّان على ما ذهب إليه الشيخ من التفصيل الذي حكيناه عنه . والشيخ في التهذيب احتجّ عليه بصحيحة عمران، (111) ثمّ عارضها بهذه الحسنة بهذا السند ، وقد رواها بتغيير وإسقاط، حيث قال بعدما ذكر خبر الحلبيّ : ولا ينافي هذا الخبر ما رواه محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل اشترى هديا وكان به عيب عور أو غيره، فقال :«إن كان قد نقد ثمنه ردّه واشترى غيره »؛ لأنّ هذا الخبر محمول على مَن اشترى هديا ولم يعلم أنّ به عيبا، ثمّ علم قبل أن ينقد الثمن عيبه، ثمّ نقد الثمن بعد ذلك، فإنّ عليه ردّ الهدي وأن يستردّ الثمن ويشتري بدله ، فلا تنافي بين الخبرين. (112) وكأنّه قد وقع سقط في النسخة التي نقل عنها من الكافي . والوجاء: أن تُرَضّ انثيا الفحل رضّا شديداً يُذهب شهوة الجماع ، وقيل : هو أن توجأ العروق والخصيان بحالهما . (113) قوله في خبر السكونيّ : (ولا بالخرقاء ولا بالجذّاء ولا بالعضباء ) .[ ح 12 / 7855] الخرقاء: بالخاء المعجمة والراء المهملة التي في اُذنها ثقب مستدير من الخُرق الشقّ . (114) وفي التهذيب : (115) الخرماء بالميم: بدلها، وهي أيضا بمعناها (116) على ما عرفت . والجذّاء: المقطوعة الاُذن من الجَذّ القطع ، (117) وناقة عضباء، أي مشقوقة الاُذن ، (118) والأعضب القرن: هو المكسور القرن على ما في النهاية . (119) وحكى الجوهري عن أبي زيد أنّ العضباء: هي الشاة المكسورة القرن الداخل،وهو المُشاش، ويقال: هي التي يكسر أحد قرنيها . (120)

.


1- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 311، المسألة 641 ؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 28 29.
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 206، ح 690؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 103 104، ح 18709.
4- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 105، ح 18714.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 206، ح 688 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 95، ح 18685، وص 103، ح 18706.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 206، ح 689 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 103، ح 18707.
7- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 393 394.
8- . مسند أحمد، ج 2، ص 445؛ سنن الترمذي، ج 3، ص 29، ح 1534؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 271.
9- . مسند أحمد، ج 3، ص 312 و 327؛ صحيح مسلم، ج 6 ، ص 77؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1049، ح 3141؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 639 ، ح 2797؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 229 و 231؛ وج 9، ص 269؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 3، ص 56 ، ح 4468. وفي الجميع: «فتذبحوا جذعة من الضأن».
10- . تذكرة الفقهاء، ج 8، ص 259.
11- . منتهى المطلب، ج 1، ص 491.
12- . في الأصل: «الثالثة» والمثبت من المصدر.
13- . صحاح اللغة، ج 5 ، ص 2140.
14- . القاموس المحيط، ج 4، ص 311.
15- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 259؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 740.
16- . جامع المقاصد، ج 3، ص 241؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 298؛ مجمع الفائدة والبرهان، ج 4، ص 77.
17- . تذكرة الفقهاء، ج 5 ، ص 107، المسألة 57 .
18- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 28 30.
19- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 13، ص 118.
20- . النهاية، ج 1، ص 250 (جذع).
21- . منتهى المطلب، ج 2، ص 740. اُنظر: المحلّى، ج 7، ص 365؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 394؛ المغني، ج 3، ص 581 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 349.
22- . صحاح اللغة، ج 6، ص 2515 (نقي).
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 213 214، ح 719؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 130، ح 18792.
24- . العجفاء: المهزولة، والذكر: أعجف، والجمع: عجاف بالكسر على غير قياس. مجمع البحرين، ج 5 ، ص 92 (عجف).
25- . الخرماء: هي التي تقطع وترة أنفها أوطرف أنفها قطعا. مجمع البحرين، ج 1، ص 639 (خرم).
26- . العضباء: الشاة المكسورة القرن الداخل، وهو المُشاش. ويقال: هي التي انكسر أحد قرنيها، وقد عضبت بالكسر. الصحاح، ج 1 ص 184 (عضب).
27- . الجذّاء: وهي المقطوعة الاُذن. مجمع البحرين، ج 1، ص 355 (جذذ).
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 213، ح 716؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 126، ح 18781.
29- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 205، ح 686 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 109، ح 18730.
30- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 213، ح 717؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 128، ح 18787.
31- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 211، ح 707؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 106، ح 18719.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 211، ح 708؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 106 107، ح 18720.
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 211، ح 709؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 107، ح 18721.
34- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 212 213، ح 715؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 125 126، ح 18780.
35- . منتهى المطلب، ج 2، ص 741. والحديث في مسند أحمد، ج 1، ص 108 و 149؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 641 ، ح 2804.
36- . منتهى المطلب، ج 2، ص 740.
37- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 130، ح 18792.
38- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 126، ح 18781.
39- . الفقيه، ج 2، ص 490، ح 3048. ونحوه رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 213، ح 716؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 126، ح 18781.
40- . منتهى المطلب، ج 2، ص 740. والحديث في مسند أحمد، ج 4، ص 284 و 289؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 77؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1050 1051، ح 3144؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 640 ، ح 2802؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 3، ص 54 ، ح 4460؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 242؛ وج 9، ص 274.
41- . منتهى المطلب، ج 2، ص 740.
42- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 261؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 288؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 741؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 32.
43- . الفقيه، ج 2، ص 496 497، ذيل الحديث 3062.
44- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 213، ح 718؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 129، ح 18788، وفيهما: «ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس».
45- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 106 107، ح 18720 و 18721.
46- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 112، ح 18740.
47- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 130، ح 18791.
48- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 205، ح 686 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 111، ح 18738.
49- . المغني، ج 3، ص 584 ؛ مسند أبي يعلى، ج 3، ص 327، ح 1792.
50- . البقرة (2): 196.
51- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 282.
52- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
53- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 206، ح 687 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 107، ح 18722.
54- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 263؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 361؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 577 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 533 .
55- . لم أعثر عليه.
56- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 113، ح 18742.
57- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 211، ح 712؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 113، ح 18743.
58- . الحديث 16 من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 212، ح 714؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 113 114، ح 18744.
59- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 36. وانظر مسالك الأفهام، ج 2، ص 300.
60- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 213 214، ح 719؛ الاستبصار، ج 2، ص 268، ح 952؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 130، ح 18792.
61- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 130، ح 18791.
62- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 214، ح 720؛ الاستبصار، ج 2، ص 269، ح 953؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 130 131، ح 18793.
63- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 214، بعد الحديث 719.
64- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 130، ح 18792.
65- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 114، ح 18746.
66- . الحديث 15 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 114 115، ح 18747.
67- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 113، ح 18743.
68- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 283؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 36.
69- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 216، ح 728؛ الاستبصار، ج 2، ص 270 271، ح 959؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 135، ح 18804.
70- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 442، الدرس 111.
71- . المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 321، الباب 167، ح 3؛ المغني، ج 3، ص 576 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 532 .
72- . منتهى المطلب، ج 2، ص 742؛ ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 266، المسألة 603 .
73- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
74- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 204، ح 680 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 98، ح 18690.
75- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 204، ح 682 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 95 96، ح 18686.
76- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 205، ح 683 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 98، ح 18691.
77- . الحج (22) : 36 .
78- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 98، ح 18692.
79- . البُرة: حلقة تجعل في لحم الأنف ، وربّما كانت من شعر .
80- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 185 و 230؛ الاستذكار، ج 4، ص 239.
81- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 103، ح 18709.
82- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 110، ح 18733.
83- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 112، ح 18740.
84- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 108، ح 18724.
85- . اُنظر: النهاية، ج 2، ص 419 (سود)؛ الفائق، ج 2، ص 167.
86- . السرائر، ج 1، ص 596 .
87- . حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 439.
88- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 110، ح 18733.
89- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 109، ح 18730.
90- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 205، ح 685 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 109، ح 18729.
91- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 205، ح 684 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 109 110، ح 18732.
92- . صحيح مسلم، ج 6 ، ص 78، ورواه أحمد في مسنده، ج 6 ، ص 78، وأبو داود في سننه، ج 1، ص 638 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج 9، ص 267 و 272 و 286.
93- . الوسيلة، ص 182.
94- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 283.
95- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 267.
96- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 206 207، ح 691 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 265، ح 936؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 116، ح 18751.
97- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 207، ح 692؛ الاستبصار، ج 2، ص 265، ح 937؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 115، ح 18750.
98- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 207، ح 693 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 265، ح 938؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 116، ح 18753.
99- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 206، ذيل الحديث 690 .
100- . المبسوط، ج 1، ص 373.
101- . تهذيب الأحكام، ج 5، ص 207، ح 693؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 116، ح 18753.
102- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 207، ح 694 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 116، ح 18752.
103- . منتهى المطلب، ج 2، ص 742؛ ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 267.
104- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 39؛ ولم أعثر عليه في المقنعة ؛ وهو موجود في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 206.
105- . منتهى المطلب، ج 2، ص 742.
106- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 39.
107- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 206، ذيل الحديث 690 .
108- . منتهى المطلب، ج 2، ص 742.
109- . صحاح اللغة، ج 5 ، ص 1959 (شرم).
110- . النهاية، ج 2، ص 27 (خرم).
111- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 214، ح 720؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 130 131، ح 18793.
112- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 214، ح 721.
113- . النهاية، ج 5 ، ص 152 (وجاء).
114- . النهاية، ج 2، ص 26 (خرق).
115- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 213، ح 716.
116- . القاموس المحيط، ج 4، ص 104.
117- . مجمع البحرين، ج 1، ص 355 (جذذ).
118- . صحاح اللغة، ج 1، ص 184 (عضب).
119- . النهاية، ج 3، ص 251 (عضب).
120- . صحاح اللغة، ج 1، ص 183 184 (عضب).

ص: 400

. .

ص: 401

. .

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

. .

ص: 406

. .

ص: 407

. .

ص: 408

. .

ص: 409

. .

ص: 410

. .

ص: 411

. .

ص: 412

. .

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

باب الهدي يُنتَج أيُحْلَب أو يُرْكَب

باب الهدي يُنتَج أيُحْلَب أو يُرْكَبقد أطلق الأكثر جواز ركوب الهدي وشرب لبنه، ما لم يضرّا به ولا بولده، من غير تقييد للهدي بالواجب المعيّن ولا بالمضمون ، وهو مقتضى إطلاق أخبار الباب ، ومثلها ما رواه في المنتهى (1) عن الجمهور أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «اركبها بالمعروف إذا الجئت إليها ». (2) وعن أبي هريرة وأنس: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأى رجلاً يسوق بدنة فقال : «اركبها »، فقال : يارسول اللّه ، إنّها بدنة ، فقال : «اركبها ». (3) وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «ولا بأس أن يشرب من لبن هديه ، ولا يختار ذلك في المضمون، فإن فعل غرم قيمة ما شرب من لبنها لمساكين الحرم ». (4) ونفى عنه البأس . وفي المنتهى في إحدى الروايتين عن أحمد: أنّه لا يجوز ركوب الهدي مطلقا. (5) ويردّه ما ذكر . قوله في صحيحة أبي الصباح : (حلبها حلابا لا ينهكها ) . [ ح 1 / 7861] قال ابن الأثير : يقال: نهكتُ الناقة حلبا أنهكُها، إذا لم يُبقِ في ضرعها لبنا . (6)

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 751.
2- . مسند أحمد، ج 3، ص 317 و 324 و 325؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 92؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 395، ح 1761؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 236.
3- . مسند أحمد، ج 2، ص 245 و 254 و 478 و 481 و 487؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 180 و 181 و 184؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 91؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1036، ح 3103؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 395، ح 1760؛ سنن البيهقي، ج 5 ، ص 236؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 364، ح 3781، كلّهم عن أبي هريرة. وأما حديث أنس ففي: مسند أحمد، ج 3، ص 106 و 170 و 275؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 180 181؛ وج 3، ص 191؛ وج 7، ص 110؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1036، ح 3104؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 197، ح 913.
4- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 292.
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 751. وانظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 293؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 563.
6- . النهاية، ج 5 ، ص 137 (نهك).

ص: 416

باب الهدي يعطب أو يهلك قبل أن يبلغ محلّه والأكل منه

باب الهدي يعطب أو يهلك قبل أن يبلغ محلّه والأكل منهقال ابن الأثير : وفيه ذكر عَطَبِ الهدي، وهو هلاكه ، وقد يعبّر به عن آفة تعتريه تمنعه عن السير ، (1) وأراد قدس سرههنا المعنيين بقرينة أخبار الباب، وأراد بالهلاك الضلال، وهو الشائع فيه . واعلم أنّ الهدي في المشهور على ثلاثة أنواع : أحدها : التطوّع، كما لو خرج حاجّا أو معتمراً فساق معه هديا لينحره بمنى أو بمكّة من غير أن يشعره أو يقلّده، وهو باق على ملك صاحبه يتصرّف فيه كيف شاء، وكذا ولده الذي تولّد بعد سياقه ، وهو غير مضمون عليه، ولا يجب البدل عليه مع تلفه . وثانيها : الواجب الغير المعيّن المتعلّق بالذمّة، كهدي التمتّع ودماء الكفّارات والنذر المطلق، وهو مضمون عليه، لا يخرج عن عهدته ما لم يبلغ محلّه، ولا يتعيّن بالتعيين، فلم يخرج ما عيّنه عن ملكه، وإن تلف أو ضلّ وجب عليه بدله؛ لتعلّق الحقّ بذمّته لا بعين ما ساقه، إلّا أن يذبحه أو ينحره فيخرج عن ملكه حينئذٍ . وثالثها : الواجب المعيّن، كما لو ساق هديا مع إشعاره أو تقليده ، وكالمنذور الخاصّ بأن ينذر أن يذبح أو ينحر هديا مخصوصا بمكّة أو منى، وهذا غير مضمون عليه خارج عن ملكه، ولا يجوز له التصرّف فيه إلّا بالركوب عليه وشرب لبنه على ما مرّ، وأمانة في يده لمساكين الحرم، وعليه أن يسوقها إلى أن يبلغ محلّه، فإذا تلف أو ضلّ بغير تفريط منه لم يلزمه الإبدال . نعم ، يستحبّ . ويستفاد ما ذكر كلّه من أكثر أخبار الباب، وممّا رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثمّ يَعطَب، قال : «إن كان تطوّعا فليس عليه غيره، وإن كان جزاءً أو نذراً فعليه بدله ». (2) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أهدى هديا فانكسرت، فقال : «إن كانت مضمونة فعليه مكانها ». (3) والمضمون: ما كان نذراً أو جزاءً أو يمينا ، وله أن يأكل منها، فإن لم يكن مضمونا فليس عليه شيء . وفي الصحيح عن محمّد بن أبي حمزة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الهدي إذا عَطِب قبل أن يبلغ المنحر، أيجزي عن صاحبه؟ فقال : «إن كان تطوّعا فلينحره وليأكل منه، وقد أجزأ عنه، بلغ المنحر أو لم يبلغ، فليس عليه فداء ، وإن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه، بلغ المنحر أو لم يبلغ [ وعليه مكانه]». (4) وقد ذكر العلّامة في المنتهى هذه الأقسام الثلاثة على ما ذكر وقال : وهذا كلّه لا نعلم فيه خلافا إلّا أنّه قسّم الثاني على ضربين حيث قال : وأمّا الواجب المطلق - كدم التمتّع وجزاء الصيد والنذر غير المعيّن وما شابه ذلك - فعلى ضربين : أحدهما: أن يسوقه ينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول، فهذا لا يزول ملكه عنه إلّا بذبحه ودفعه إلى أهله، وله التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك؛ لأنّه لم يتعلّق حقّ الغير به ، فإن تلف فمن ماله، وإن غالب لم يجزه ذبحه، وعليه الهدي الذي كان واجبا عليه ؛ لأنّ وجوبه تعلّق بالذمّة فلا يبرأ منه إلّا بإيصاله إلى مستحقّه ، وجرى ذلك مجرى من عليه دين فحمله إليه فتلف قبل وصوله إليه . الثاني : أن يعيّن الواجب عليه، فيقول : هذا الواجب عليَّ، فإنّه يتعيّن الوجوب فيه من غير أن يبرأ الذمّة منه ؛ لأنّه لو أوجب هديا - ولا هدي عليه - لتعيّن ، فكذا إذا كان واجبا بعينه ويكون مضمونا عليه فإن عطب أو سرق أو ضلّ لم يجزه، وعاد الوجوب إلى ذمّته، كما لو كان عليه دين فاشترى صاحبه منه متاعا، فتلف المتاع قبل القبض، فإنّ الدَّين يعود إلى الذمّة، ولأنّ التعيين ليس سببا في إبراء ذمّته وإنّما تعلّق الوجوب بمحلّ آخر، فصار كالدَّين إذا رهن عليه رهنا، فإنّ الحقّ يتعلّق بالذمّة والرهن ، فمتى تلف الرهن استوفى من المدين، وإذا ثبت أنّه يتعيّن فإنّه يزول ملكه عنه وينقطع تصرّفه فيه، وعليه أن يسوقه إلى المنحر، فإن وصل نحره وأجزأه، وإلّا سقط التعيّن ووجب عليه إخراج الذي في ذمّته على ما بيّناه . (5) انتهى . وهو مطالب بالفارق بين الشقّين ، والتعليل الذي ذكره في تعيّن الشقّ الثاني قياس مع الفارق؛ لأنّ من أوجب هديا خاصّا ولا هدي عليه إنّما يتعيّن ذلك الهدي لتعلّق النذر وشبهه به بخصوصه ، ولذا لو تلف لا ضمان عليه، بخلاف محلّ النزاع فإنّه يكون هديا كلّيا، فتعيّنه بتعيينه بمجرّد القول ممنوع كما في الشقّ الأوّل ، وأيّ مزيّة له على تعيينه بالنيّة فقط ؟! فتأمّل . وذهب الشيخ إلى عدم وجوب الأبدال في هدي التمتّع وأضرابه أيضا حيث قال في المبسوط : «وإذا سرق الهدي من موضع حصين أجزأ عن صاحبه، وإن أقام بدله كان أفضل ». (6) وفي التهذيب : «وإذا سرق الهدي من موضع حريز فقد أجزأ عن صاحبه، وإن أقام بدله فهو أفضل ». (7) فقد أطلق الهدي فيهما . واحتجّ عليه بما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل اشترى شاة لمتعته، فسرقت منه أو هلكت ، فقال : «إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه ». (8) وعن الحسين بن سعيد، عن رجل يقال له: الحسن، عن رجل سمّاه، قال : اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت ، فقال لي أبي : أئت أبا عبداللّه عليه السلام فسله عن ذلك ، فأتيته فأخبرته، فقال لي : «ما ضحّي بمنى شاة أفضل من شاتك ». (9) وعن ابن جبلة وطريقه إليه صحيح عن عليّ، عن عبد صالح عليه السلام قال : «إذا اشتريت اُضحيتك وقمطتها وصارت في رحلك فبلغ الهدي محلّه ». (10) وبحسنة معاوية التي رواها المصنّف قدس سره (11) وإليه ذهب الشهيد أيضا في الدروس في هدي التمتّع جزما، وفي غيره ميلاً، حيث قال في صورة عطب الهدي : ولا يجب بدله إلّا إذا كان مضمونا كالمتعة في قولٍ ضعيف ، والجزاء . وفي مرسلة حريز عن الصادق عليه السلام : «كلّ هدي (12) دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوّعا أو غيره ». (13) وقد قال في موضع آخر : «والأصحّ الإجزاء؛ لرواية جماعة إذا تلفت شاة المتعة أو سرقت أجزأت ما لم يفرّط ». (14) ويتفرّع على ما ذكر مباحث : الأوّل : إطلاق الفتاوى كأكثر الأخبار يقتضي وجوب الإبدال فيما لو عطب الهدي المضمون ولو بعد دخول الحرم ، وقوله عليه السلام في خبر حريز : «وكلّ شيء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه »، يدلّ على اختصاص الحكم بما قبله ، ولم أجد قائلاً بالفرق . وقال الشيخ في كتابي الأخبار : هذا محمول على ما إذا عطب عطبا يكون دون الموت، مثل انكسار أو مرض أو ما أشبه ذلك. ويحتمل أن يكون المراد به من لا يقدر على البدل؛ لأنّ من هذه حاله فهو معذور ، فأمّا مع التمكّن فلابدّ له من البدل . (15) واستشهد للأوّل بصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أهدى هديا وهو سمين، فأصابه مرض وانفقأت عينه وانكسر فبلغ المنحر وهو حيّ، قال : «يذبحه وقد أجزأ عنه ». (16) وللثاني بصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج. (17) الثاني: يستفاد ممّا ذكر عدم وجوب الإبدال في غير المضمون إذا ضَلّ، وأنّه لو أبدله ندبا ثمّ وجد وجب ذبحه، سواء ذبح البدل أم لا ، ووجوبه في المضمون، ثمّ لو وجد بعد الإبدال التخيير بين ذبحه وذبح بدله . وصرّح به جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ في أكثر كتبه، ففي المبسوط : فإذا ضاع هديه واشترى بدله ثمّ وجد الأوّل كان بالخيار، إن شاء ذبح الأوّل وإن شاء الأخير ، إلّا أنّه متى ذبح الأوّل جاز له بيع الأخير ، ومتى ذبح الأخير لزمه أن يذبح الأوّل ، ولا يجوز له بيعه . هذا إذا كان قد أشعره أو قلّده، فإذا لم يكن أشعره ولا قلّده جاز له بيع الأوّل إذا ذبح الثاني . (18) ومثله في المنتهى (19) بعينه . ويدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشتري البدنة، ثمّ تضلّ قبل أن يشعرها ويقلّدها، فلا يجدها حتّى يأتي منى، فينحر ويجد هديه، قال : «إن لم يكن قد أشعرها فهي من ماله، إن شاء نحرها، وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها »، (20) حيث فصّل عليه السلام بين هدي السياق وغيره، وذكر حكم كلّ منهما كما ذكر . وذهبت طائفة منهم إلى استحباب ذبح الأوّل لو وجد غير المضمون بعد ذبح بدله أو إرادة ذبحه، فقد قال المحقّق في الشرائع في ذيل هدي السياق : «ولو ضاع فأقام بدله ثمّ وجد الأوّل ذبحه ولم يجب ذبح الأخير، ولو ذبح الأخير ذبح الأوّل ندبا ، إلّا أن يكون منذوراً ». (21) وقال العلّامة في المختلف : قال الشيخ : إذا أشعر الهدي أو قلّده ثمّ ضاع واشترى غيره ثمّ وجد الأوّل وأراد ذبح الثاني لزمه ذبح الأوّل ، (22) والأقرب عندي الاستحباب . لنا أنّه امتثل بالمأمور به فيخرج عن العهدة . نعم ، لو عيّنه بالنذر كان قول الشيخ جيّداً . (23) وفي الإرشاد أيضا في ذيل هدي السياق : «ولو أقام بدله ثمّ وجده ذبحه ولم يجب ذبح الأخير ، ولو ذبح الأخير استحبّ ذبح الأوّل ». (24) وأورد عليه المحقّق الشيخ عليّ أنّ هذا لا يستقيم في هدي السياق المتبرّع به؛ لأنّه لا يجب إقامة بدله، ومتى ذبحه لا يسقط وجوب ذبح الأوّل المتعيّن ذبحه بالاشعار أو التقليد . نعم ، يستقيم ذلك في الهدي المضمون . (25) وأجاب عنه الشهيد الثاني في المسالك بقوله : وطريق التخلّص من الإشكال إمّا بالحكم بوجوب إقامة بدل هدي السياق المتعيّن ذبحه لو ضاع؛ عملاً بالنصّ وتخصيص عدم وجوب البدل بالهلاك والسرقة ، وإمّا بحمل الوجوب على ما لو ضاع بتفريط، فإنّه يجب إقامة بدله لكونه حينئذٍ مضمونا عليه . (26) ويدلّ خبر أبي بصير (27) بإطلاقه على أنّه لو ضلّ الهدي مضمونا كان أو غيره وجب الإبدال، وأنّه لو وجد قبل ذبح البدل يذبحه ويتخيّر في ذبح البدل معه وإن وجد بعد ذبح البدل يذبحه أيضا ويتأبّى عن إجرائه في المضمون ما تضمّنه من وجوب ذبح الأوّل أيضا فيما لو وجد بعد ذبح البدل وعن إجرائه في غيره ما يستفاد من وجوب اتّخاذ بدل له مع الضلال . ويمكن التفصّي عنهما بأحد أمرين : إمّا تخصيص الهدي فيه بغير المضمون مع حمل الأمر باتّخاذ البدل فيه على الاستحباب ، وإمّا بتخصيص الهدي فيه بالمضمون، وحمل الأمر بذبح الأوّل فيما لو وجد بعد ذبح البدل على الاستحباب . وبهذا التأويل يشعر كلام الشيخ في التهذيب، حيث قال : وإذا هلك الهدي فاشترى مكانه غيره ثمّ وجد الأوّل، فصاحبه بالخيار، إن شاء ذبح الأوّل، وإن شاء ذبح الثاني ، إلّا أنّه متى ذبح الأوّل جاز له بيع الأخير ، ومتى ذبح الأخير لزمه أن يذبح الأوّل أيضا . واحتجّ عليه بهذا الخبر، ثمّ قال : وإنّما يجب عليه ذبح الأوّل إذا ذبح الأخير إذا كان قد أشعر الأوّل ، فأمّا إذا لم يكن قد أشعرها فإنّه لا يلزمه ذبحها . (28) واستدلّ له بصحيحة الحلبيّ (29) المتقدِّمة ، ويظهر من الشهيد العمل بإطلاق الخبر مع استحباب ذبح الأوّل فيما إذا وجد بعد ذبح البدل، فقد قال في الدروس : ولو ضلَّ فأقام بدله ثمّ وجده ذبحه وسقط وجوب ذبح البدل، ولو كان قد ذبح البدل، استحبّ ذبح الأوّل ، وأوجبه الشيخ (30) إذا كان قد أشعره أو قلّده، لصحيح الحلبيّ وحكم هدي التمتّع كذلك . (31) انتهى . والاحتياط واضح . الثالث : إذا ضلَّ الهدي عن صاحبه ووجده غيره يستحبّ له تعريفه ثلاثا: يوم النحر ويومين بعده، ثمّ ذبحه عشيّة الثالث عن صاحبه؛ لقوله عليه السلام فيما سيأتي في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام : «وإذا وجد الرجل هديا ضالّاً فليعرّفه يوم النحر ويوم الثاني والثالث، ثمّ ليذبحه عشيّة الثالث» (32) ويجزي عن صاحبه على ما صرّح به الشهيد قدس سرهفي الدروس، (33) ونسبه إلى الشهرة ، وحكي في موضع آخر قولاً بعدم الإجزاء . (34) واحتجّ عليه في المنتهى (35) بحسنة منصور بن حازم، (36) وقد رواها الشيخ في الصحيح ، (37) وبأنّه مع الذبح عن صاحبه يحصل المقصود من الأمر بالذبح فيخرج عن العهدة. ولو ذبحه عن نفسه لم يجز عنه؛ لأنّه منهيّ عنه، ولا عن صاحبه؛ لعدم النيّة . ولو اشترى هديا وذبحه ثمّ عرف أنّه من غير بائعه وثبت ذلك ؛ ففي المنتهى: «كان لصاحبه لحمه، ولا يجزي عن واحد منهما ؛ أمّا عن صاحبه فلعدم النيّة، وأمّا عن المشتري فلأنّه غير ملك ، ولصاحبه الغرم ما بين قيمته مذبوحا وحيّا » (38) واحتجّ عليه بمرسلة جميل . (39) ومثله فعل الشيخ في التهذيب . (40) الرابع : إذا عجز الهدي عن البلوغ إلى محلّه فغير المضمون يذبح أو يُنحر في محلّ العجز، ولا يجب الإبدال وإن كان ذلك الهدي واجبا . وأمّا المضمون فالمستفاد من الجمع بين الأخبار وجوب إبداله قطعا، وأنّه يتخيّر بين بيعه والتصدّق بثمنه وبين ذبح العاجز والتصدّق به إن وجد المستحقّ، وإعلامه بما يدلّ على كونه هدي، بأن يكتب كتاب بأنّه هدي ويوضع عليه، أو يغمس نعله في دمه ويضرب به صفحة سنامه مع فقده، من غير فرق بين الكسر وسائر أنواع العجز . والأخبار هي مرسلتا حريز (41) وأحمد بن محمّد، (42) وحسنة الحلبيّ، (43) وبعض الأخبار التي ذكرناها . وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب، أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي؟ قال : «لا يبيعه فإن باعه فليتصدّق بثمنه وليهد هديا آخر ». وقال : «إذا وجد الرجل هديا ضالّاً فليعرّفه يوم النحر واليوم الثاني والثالث، ثمّ ليذبحه عشيّة الثالث ». (44) وخبر عمر بن حفص الكلبيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه ولا من يعلمه أنّه هدي، قال : «ينحره، ويكتب كتابا ويضعه عليه ليعلم مَن يمرّ به أنّه هدي ». (45) وفرّق الشيخ قدس سره بين الكسر وسائر أنواع العجز، فخصّ جواز البيع والتصدّق بثمنه بالأوّل، والنحر بالثاني، فقال في المبسوط : وإذا هلك الهدي قبل أن يبلغ محلّه نحره أو ذبحه وغمر النعل في الدم وضرب به صفحة سنامه ليعلم بذلك أنّه هدي ، وإذا انكسر الهدي جاز بيعه والتصدّق بثمنه ويقيم بدله، وإن ساقه على ما به إلى المنحر فقد أجزأه . (46) ومثله في التهذيب، محتجّا على الأوّل بخبر الكلبيّ، (47) وعلى الثاني بحسنة الحلبيّ ، (48) مع أنّ هذه الحسنة مشتملة على العطب والكسر معا، وقد تبعه على هذا التفصيل الأكثر، منهم الشهيد والمحقّق والعلّامة . وظاهر الأخبار المشار إليها الجمع بين التصدّق بالثمن وشراء البدل في صورة بيع العاجز ، وهو ظاهر ما نقلناه عن الشيخ، وظاهر الأكثر التخيير بين الأمرين ؛ ففي الدروس (49) والشرائع (50) والإرشاد (51) : «يتصدّق بثمنه أو يقيم بدله »، والأكثر عبّروا في الحكم بالجواز ، ويشعر ذلك بجواز سياق الهدي على ما به إلى المنحر ، وقد صرّح به الشيخ في المبسوط فيما حكينا عنه، وهو مشكل مع الأمر الظاهر في الوجوب من غير معارض خصوصا، مع ما يلزم من إضرار الهدي .

.


1- . النهاية، ج 3، ص 256 (عطب).
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 215، ح 724؛ الاستبصار، ج 2، ص 269، ح 955؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 131، ح 18794.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 215، ح 725؛ الاستبصار، ج 2، ص 269 270، ح 956؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 131، ح 18795.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 215، ح 726؛ الاستبصار، ج 2، ص 270، ح 957؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 132، ح 18796، وما بين الحاصرتين من المصادر.
5- . منتهى المطلب، ج 2، ص 749.
6- . المبسوط، ج 1، ص 373. و مثله في النهاية، ص 260.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 217، بعد الحديث 731.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 217، ح 732؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 140، ح 18816.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 218، ح 734؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 140 141، ح 18817.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 218، ح 735؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 141، ح 18818.
11- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 217 218، ح 733؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 140، ح 18815.
12- . كذا بالأصل، ومثله في الدروس، و في المصادر الروائية: «كلّ شيء».
13- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 444، الدرس 112. والحديث هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 216، ح 727؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 133، ح 18799.
14- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 442، الدرس 111.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 216، ذيل الحديث727 و 728؛ الاستبصار، ج 2، ص 270 و 271، ذيل الحديث 958 و 959.
16- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 135، ح 18804.
17- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 106 107، ح 18720.
18- . المبسوط، ج 1، ص 373 374، ومثله في النهاية، ص 260.
19- . منتهى المطلب، ج 2، ص 750.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 219، ح 738؛ الاستبصار، ج 2، ص 271 272، ح 962؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 143 144، ح 18826.
21- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 196.
22- . المبسوط، ج 1، ص 373 374.
23- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 292.
24- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 334، ومثله في قواعد الأحكام، ج 1، ص 442.
25- . جامع المقاصد، ج 3، ص 251.
26- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 316.
27- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 218.
29- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 143 144، ح 18826.
30- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 374؛ النهاية، ص 260.
31- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 444، الدرس 112.
32- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 217، ح 731؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 137، ح 18809.
33- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 444 445، الدرس 112.
34- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 442، الدرس 111.
35- . منتهى المطلب، ج 2، ص 751.
36- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 219، ح 739؛ الاستبصار، ج 2، ص 272، ح 963؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 317، ح 18810.
38- . منتهى المطلب، ج 2، ص 751.
39- . الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.
40- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 219 220، ح 740؛ الاستبصار، ج 2، ص 272، ح 964؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 145، ح 18829.
41- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
42- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
43- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
44- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 217، ح 731؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 136، ح 18808.
45- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 218، ح 736؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 143، ح 18825، وفيهما: «أنّه هدي» بدل: «أنّه صدقة».
46- . المبسوط، ج 1، ص 373.
47- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 218، ح 736؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 143، ح 18825.
48- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 217، ح 730؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 136، ح 18807.
49- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 444، الدرس 112.
50- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 196.
51- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 333.

ص: 417

. .

ص: 418

. .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

. .

ص: 425

. .

ص: 426

باب البدنة والبقرة عن كم تجزي

باب البدنة والبقرة عن كم تجزيقال الشهيد في الدروس : «يجوز اشتراك جماعة في الهدي المستحبّ إجماعا ولو سبعين ». (1) وأراد بالهدي المستحبّ الاُضحية ، وظاهره جوازه ولو لم يكونوا من أهل بيت واحد . ويدلّ عليه خصوص صحيحة أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «البدنة والبقرة تجزي عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد ومن غيرهم ». (2) ويؤيّدها إطلاق خبر سوادة، (3) وما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال : «أمّا في الهدي فلا ، وأمّا في الأضحى فنعم ». (4) وعن سوادة القطّان وعلي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قالا : قلنا له : جعلنا فداك، عزّت الأضاحي علينا بمكّة، أفيجزي اثنين أن يشتركا في شاة؟ فقال : «نعم، وعن سبعين ». (5) وفي الصحيح عن عليّ بن الرّيان بن الصلت، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام ، قال : كتبت إليه أسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحيّة ، فجاء في الجواب : «إن كان ذكراً فعن واحد، وإن كان اُنثى فعن سبعة ». (6) وفي الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تجزي البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة، ولا تجزي بمنى إلّا عن واحد ». (7) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن البقرة يضحّى بها ، فقال : «تجزي عن سبعة ». (8) واشترط الشيخ في الجزء الثالث من الخلاف (9) في الإجزاء عن السبعة كونهم من أهل بيت واحد ، ولم أجد له مستنداً . وفي خبر إسماعيل بن أبي زياد السكونيّ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال : «البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من أهل بيت واحد ، والمسنّة تجزي عن سبعة نفر متفرّقين ، والجزور تجزي عن عشرة متفرّقين ». (10) وجوّزه في النهاية (11) والمبسوط (12) عن سبعة وعن سبعين اختياراً إن كانوا من أهل خوان واحد ، واضطراراً إن لم يكونوا كذلك . ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «إذا اجتمعوا »، في صحيح أبي بصير (13) المتقدِّم . وحكى طاب ثراه عن جماعة منهم أنّهم منعوا من اشتراك جماعة في شراء الاُضحية، وقال : إنّما يجوز اشتراك مالك لها غيره فيها بأن يذبحها عن نفسه وعنه ، فحينئذٍ تجزي عن ذلك الغير أيضا ويشاركه في الثواب وتسقط عنه وإن كان مليّا، ولحمها باق على ملك صاحبها، يعطي من يشاء منهم، ويمنع من يريد، وليس للداخل منعه من ذلك ومن الصدقة . وقال القرطبيّ : وضابطه من يدخله ثلاثة أوصاف : الأوّل : أن يكون من قرابته وأهله ، والزوجة واُمّ الولد داخلتان في ذلك عند مالك، وأباه الشافعيّ في اُمّ، الولد، وقال : لا اُجيز لها . الثاني : أن تكون نفقته وجبت عليه أو تطوّع بها . الثالث : أن تكون رجعيّة غير بائن عنه إن كانت مطلّقة . (14) واختلف الأصحاب في هدي التمتّع ، ففي الدروس : «وتجب الوحدة على قول، فلا تجزي الواحدة عن أكثر من واحد ولو عزّت الأضاحي ». (15) وبه قال ابن إدريس (16) والعلّامة وعامّة المتأخّرين ، وحكاه في المختلف (17) عن خلاف (18) الشيخ في الجزء الثالث منه، وعدّه في باب الذبح من كتاب الحجّ منه احتياطا . ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم (19) وخبري الحلبيّ (20) المتقدّمة، فعند الضرورة ينتقل الفرض إلى الصوم . وجوّز في المبسوط عند الضرورة اشتراك سبعين فيه؛ عملاً بإطلاق خبر أبي بصير (21) المتقدّم بحيث يشمل الواجب، وحملاً له على حال الضرورة؛ للجمع بينه وبين ما أشرنا إليه من الأخبار، حيث قال : لا يجوز في الهدي الواجب إلّا واحد عن واحد مع الاختيار ، ويجوز عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين، وكلّ ما قلّوا كان أفضل، و ان اشتركوا عند الضرورة أجزأت عنهم، سواء كانوا متّفقين في النسك أو مختلفين . ولا يجوز أن يريد بعضهم اللّحم ، وإذا أرادوا ذبحه أسندوه إلى واحدٍ منهم ينوب عن الجماعة، ويسلّم مشاعا اللّحم إلى المساكين . (22) وبه قال في النهاية (23) وكتابي الأخبار (24) أيضا، وهو ظاهر المصنّف ، لكن في خصوص البدنة والبقرة ، وأطلق في الخلاف جواز اشتراك سبعة في بدنة أو بقرة، لإطلاق خبر أبي بصير المتقدّم، فقد قال فيه : يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة أو بقرة واحدة أو بقرتين إذا كانوا متقرّبين، وكانوا أهل خوان واحد، سواء كانوا متمتّعين أوقارنين أو مفردين، أو بعضهم مفرداً وبعضهم قارنا أو متمتّعا، مفترضين أو متطوّعين ، ولا يجوز أن يكون بعضهم يريد اللحم ، وبه قال أبو حنيفة، إلّا أنّه لم يعتبر أهل خوان واحد ، وقال الشافعيّ مثل ذلك، إلّا أنّه أجاز أن يكون بعضهم يريد اللحم ، وقال مالك : لا يجوز الاشتراك إلّا في موضع واحد، وهو إذا كانوا متطوّعين . وقد روى ذلك أصحابنا، وطريقة الاحتياط تقتضيه . (25)

.


1- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 441، الدرس 111.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 208، ح 699 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 226، ح 944؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 118، ح 18759.
3- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 210، ح 705؛ الاستبصار، ج 2، ص 266، ح 943؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 117، ح 18756.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 209 210، ح 704؛ الاستبصار، ج 2، ص 267، ح 949؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 119، ح 18762.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 209، ح 701؛ الاستبصار، ج 2، ص 267، ح 946؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 112، ح 18741.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 207 208، ح 695 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 266، ح 940؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 118، ح 18757.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 208، ح 698 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 266، ح 943؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 117، ح 18755.
9- . الخلاف، ج 2، ص 65 ، المسألة 27.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 208، ح 700؛ الاستبصار، ج 2، ص 266، ح 945؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 118 119، ح 18760.
11- . النهاية، ص 258.
12- . المبسوط، ج 1، ص 372.
13- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 118، ح 18759.
14- . اُنظر: المجموع، ج 8 ، ص 397 398.
15- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 437، الدرس 111.
16- . السرائر، ج 1، ص 595 .
17- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 278.
18- . الخلاف، ج 6، ص 65، المسألة 27.
19- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 117، ح 18754.
20- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 117، ح 18756، وص 118، ح 18757.
21- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 118، ح 18759.
22- . المبسوط، ج 1، ص 372.
23- . النهاية، ص 258.
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 207؛ الاستبصار، ج 2، ص 268.
25- . الخلاف، ج 2، ص 441 442، المسألة 341. وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 398 و 422؛ المغني لابن قدامة، ج 11، ص 96؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 538 .

ص: 427

. .

ص: 428

. .

ص: 429

. .

ص: 430

باب الذبح

باب الذبحقال العلّامة في المنتهى : «يجب تقديم الذبح على الحلق بمنى، ولو أخّره أثم وأجزأ ، وكذا لو ذبحه في بقيّة ذي الحجّة جاز»، (1) وهو المشهور بين الأصحاب . ويدلّ عليه قوله عزّ وجلّ : «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (2) بناءً على أنّ المراد ببلوغ الهدي محلّه الذبح ، ففي كنز العرفان : «أي لا تحلقوا حتّى يذبح حيث يحلّ ذبحه فيه، ولو كان من الحلول لقال: محلّه بفتح الحاء ». (3) وخبر جميل، (4) وما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم، عن عليّ، قال : «لا يحلق رأسه ولا يزور حتّى يضحّي، فيحلق رأسه ويزور متى ما شاء ». (5) واكتفى الشيخ في المبسوط (6) والتهذيب (7) في جواز الحلق بربط الهدي في رحله، وعدّه بعد الذبح أفضل ، وبذلك جمع بين ما ذكر وبين ما رواه أبو بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اشتريت اُضحيتك وقمطتها (8) وصارت في جانب رجلك فقد بلغ الهدي محلّه، فإن أحببت أن تحلق فاحلق ». (9) ثمّ إنّه يختصّ الإبل بالنحر والبقر والغنم بالذبح، ولا يجوز العكس ؛ لما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : «كلّ منحور مذبوح حرام، وكلّ مذبوح منحور حرام ». (10) والمشهور بين الأصحاب استحباب نحر الإبل قائمة مربوطة يداها ما بين الخفّ إلى الركبة ، صرّح به الشيخ (11) والشهيد (12) والمحقّق (13) والعلّامة . (14) ويدلّ عليه صحيحة عبداللّه بن سنان ، (15) ونسبه في الدروس إلى رواية أبي الصباح، (16) وفيه نظر . والأظهر استحباب ما ذكر أو ربط يدها اليسرى؛ للجمع بينها وبين خبر أبي خديجة (17) وما رواه في المنتهى عن عبد الرحمن بن سابط أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة يدها اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها . (18) قوله في خبر أبي الصباح : (كيف تنحر البدنة ) . [ ح 2 / 7879] قال طاب ثراه : قال المارزيّ : تُطلق البدنة على الذكر والاُنثى من الإبل والبقر والغنم ، وأكثر استعماله في الإبل . (19) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (النحر في اللبّة ) . [ ح 3 / 7880] قال طاب ثراه : «اللبّة: هي المنخفض من أصل العنق والصدر ، والنحر: هو الطعن فيها، ولا حدّ للطعنة طولاً وعرضا بل المعتبر موته بها خاصّة ». (20) قوله في حسنة صفوان : (ولا تنخعها حتّى تموت ) . [ ح 6 / 7883] نخع الذبيحة: جاوز منتهى الذبح فأصاب نخاعها، وهو مثلّثة الخيط الأبيض في جوف الفقار ينحدر من الدماغ، ثمّ ينشعب . (21)

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 740.
2- . البقرة (2): 196.
3- . كنز العرفان، ج 1، ص 289.
4- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 222، ح 749؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 155، ح 18856.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 236، ح 795؛ الاستبصار، ج 2، ص 284، ح 1006؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 158، ح 18862.
6- . المبسوط، ج 1، ص 374. ومثله في النهاية، ص 261.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 235.
8- . أي شدّ قوائمها كى يذبحها. اُنظر: لسان العرب، ج 7، ص 385 (قمط).
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 236، ح 794؛ الاستبصار، ج 2، ص 284، ح 1007؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 157، ح 18860.
10- . الفقيه، ج 2، ص 503 ، ح 3080؛ ج 3، ص 329، 4177؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 154، ح 18853.
11- . المبسوط، ج 1، ص 374؛ النهاية، ص 260.
12- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 439.
13- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 194.
14- . نهاية الأحكام، ج 1، ص 622 623 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 250، المسألة 591 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 738.
15- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 220 221، ح 743؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 148 149، ح 18838.
16- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 439، الدرس 111؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 149، ح 18839.
17- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 149، ح 18840.
18- . منتهى المطلب، ج 2، ص 738، والحديث في سنن أبي داود، ج 1، ص 397، ح 1767؛ والسنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 237 238.
19- . اُنظر: شرح صحيح مسلم، ج 9، ص 65 .
20- . اُنظر: شرح اللمعة، ج 7، ص 223.
21- . مجمع البحرين، ج 4، ص 286؛ شرح اللمعة، ج 7، ص 230 231.

ص: 431

. .

ص: 432

باب الأكل من الهدي الواجب والصدقة منه وإخراجه من منى

باب الأكل من الهدي الواجب والصدقة منه وإخراجه من منىأراد قدس سره بالهدي الواجب هدي التمتّع وهدي السياق بقرينة أخبار الباب، وغرضه بيان أنّه إنّما يجب الأكل والصدقة منهما دون الإهداء ، وإليه ذهب ابن إدريس حيث قال : فأمّا هدي المتمتّع والقارن فالواجب أن يأكل منه ولو قليلاً، ويتصدّق على القانع والمعترّ ولو قليلاً ، واحتجّ عليه بقوله سبحانه : «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» (1) . (2) ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى : «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» (3) ، وأكثر أخبار الباب حيث أمر فيها بتقسيم الهدي قسمين من دون ذكر للإهداء . ومثلها ما رواه الشيخ عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا ذبحت أو نحرت فكُل واطعم، كما قال اللّه تعالى : «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» ، فقال : القانع: الذي يقنع بما أعطيته والمعترّ: الذي يعتريك، والسائل: الذي يسألك في يديه، والبائس: «الفقير »، (4) ورجّحه في المدارك . (5) وقال الشيخ في التهذيب : «ومن السنّة أن يأكل الإنسان من هديه، ويطعم القانع والمعترّ ». (6) وعن أبي الصلاح أيضا أنّه قال : «والسنّة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي ». (7) وكأنّهما أرادا بالسنّة الطريقة الشرعيّة دون الاستحباب، لظهور الأدلّة في الوجوب . وذهب الشهيد إلى وجوب التثليث في هدي التمتّع ، ففي الدروس : «ويجب أن يصرفه في الصدقة والإهداء والأكل ، وظاهر الأصحاب الاستحباب ». (8) ومال إليه في هدي السياق فقال : «ولا تجب الصدقة به ، ومن الأصحاب من جعله كهدي التمتّع ، وهو قريب ، فيقسّم في الجهات الثلاث وجوبا . وعلى القول الآخر يستحبّ قسمته فيها ». (9) وذهب جماعة إلى استحباب التثليث فيهما، منهم العلّامة في المنتهى (10) والقواعد ، (11) وصرّح بذلك في الإرشاد في هدي التمتّع وفي هدي السياق، قال : «ولا يتعيّن للصدقة إلّا بالنذر ». (12) وحكي في المختلف (13) عن ابن البرّاج أنّه قال : «وينبغي أن يقسّم ذلك ثلاثة أقسام، فيأكل أحدها إلّا أن يكون الهدي لنذر أو كفّارة، ويهدي قسما آخر، ويتصدّق بالثالث ». (14) وظاهره استحباب ذلك في مطلق الهدي من الاُضحية وهدي التمتّع وهدي السياق . وبه صرّح الشيخ في المبسوط (15) في خصوص هدي التمتّع ، وربّما قيل باستحباب التثليث مع وجوب الأكل ، ذهب إليه المحقّق في الشرائع، (16) والعلّامة في المنتهى (17) عدّه أقوى متمسّكا بالآية . وفيه: أنّها كما تدلّ على وجوب الأكل تدلّ على وجوب الإطعام أيضا . والحكم بالتثليث استحبابا بل وجوبا واضح في هدي السياق، لورود النصّ به من غير معارض، رواه الشيخ في الموثّق عن شعيب العرقوفيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : سقت في العمرة بدنة، فأين أنحرها؟ قال : «بمكّة »، قلت : فأيّ شيء أعطي منها؟ قال : «كُلْ ثلثا، واهد ثلثا، وتصدّق بثلث ». (18) ويؤيّده ما رواه في الصحيح عن سيف التمّار، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّ سعد بن عبد الملك قدم حاجّا، فلقي أبي فقال : إنّي سقت هديا، فكيف أصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثا، وأطعم القانع وأطعم المعترّ ثلثا، وأطعم المساكين ثلثا ، فقلت : المساكين هم السوّال؟ فقال : نعم . وقال : القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعترّ ينبغي له أكثر من ذلك وهو أغنى من القانع، يعتريك فلا يسألك ». (19) وأمّا في هدي التمتّع فلا يخلو ذلك عن إشكال للأمر في الآية والخبر بالأكل والصدقة ، ولم أجد خبراً صريحا في إهدائه، وكأنّهم حملوا عليه إطعام القانع كما يشعر به الإرسال إليه في صحيحة سيف المتقدّمة . ويظهر من المحقّق الشيخ عليّ قدس سرهفي تعليقاته على الإرشاد أنّه حمل عليه إطعام المعترّ، حيث قال في شرح قول العلّامة : ويستحبّ القسمة أثلاثا بين أكله وإهدائه وصدقته _: أي إهدائه إلى المعترّ الذي هو أغنى من القانع، والصدقة بثلث على القانع . (20) وعلى التقديرين يستفاد فقر المهدى له من الأصدقاء، وهو خلاف ظاهر الأصحاب . وظاهر ابن إدريس تثنية القسمة في هدي التمتّع والسياق على ما هو الظاهر من أنّ إطعام القانع والمعتر كليهما من الصدقة، فقد قال : وأمّا هدي التمتّع والقارن فالواجب أن يأكل منه ولو قليلاً، ويتصدّق على القانع والمعترّ ولو قليلاً؛ لقوله تعالى : «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» ، (21) والأمر عندنا يقتضي الوجوب والفور دون التراخي ، فأمّا الاُضحية فالمستحبّ أن يأكل ثلثها، ويتصدّق على القانع والمعترّ بثلثها، ويهدي إلى أصدقائه ثلثها، على ما رواه أصحابنا . (22) وكأنّه طرح ما ذكر ممّا دلَّ على التثليث في هدي السياق بناءً على أصله ، فتأمّل . وقال طاب ثراه : واختلفت العامّة في المسألة، وفي بعض رواياتهم: فكلوا منها وتصدّقوا . (23) وقال محيي الدِّين البغوي : هذا أمر ندب عند الأكثر ، وحمله بعضهم على الوجوب ، ولا حدّ للصدقة عند مالك والأكثر ، واستحبّ الشافعيّ الصدقة بالثلث ، وبعضهم بالثلثين ، واستحبّ آخرون النصف ، وقال الآبي : ولا بأس أن يطعم منها أهل الذمّة الذين في عياله . (24) واختلف فيمن ليس في عياله ، فقيل : لا بأس أن يهدي منها إليه ، وقيل : لا يجوز . وأمّا الواجب للكفّارة والنذر فالأكل منه غير جائز إجماعا . قال العلّامة في المنتهى : «ولا يجوز الأكل من كلّ واجب غير هدي التمتّع ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ». (25) والظاهر أنّه أراد بالواجب غير هدي السياق، فإنّه قد صرّح فيه باستحباب التثليث فيه أيضا ، فقد قال : «ويستحبّ أن يأكل من هدي السياق ثلثه، ويهدى¨ ثلثه، ويتصدّق بثلثه كالتمتّع »، (26) وقد أشرنا إليه وإلى أنّه قال بذلك في القواعد (27) أيضا . وقال الشيخ في التهذيب : «والهدي إذا كان مضمونا فإنّه لا يجوز أكله »، واحتجّ عليه بخبر أبي بصير (28) وحسنة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن فداء الصيد يأكل منه من لحمه؟ فقال : «يأكل من أضحيته ويتصدّق بالفداء ». (29) وموثّقة أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الهدي يأكل منه، أشيء يهديه في المتعة أو غير ذلك؟ قال : «كلّ هدي من نقصان الحجّ فلا تأكل منه، وكلّ هدي من تمام الحجّ فكُل ». (30) ثمّ عارضها بما دلّ على جواز الأكل منه من حسنة عبداللّه بن يحيى الكاهليّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يؤكل من الهدي مضمونا كان أو غير مضمون ». (31) وصحيحة جعفر بن بشير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن البدن التي تكون جزاء الأيمان والنساء ولغيره، يؤكل منها؟ قال : «نعم يؤكل من كلّ البدن ». (32) وأجاب بحملهما على حال الضرورة مع ضمان قيمة ما أكله مستشهداً بخبر السكوني ، (33) وسيأتي عن قريب . وأمّا الهدي المستحبّ فيستحبّ تثليثه إجماعا منّا . واحتجّ عليه في المنتهى بقوله سبحانه : «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» (34) قائلاً : «إنّه أمر بالأكل وإطعام صنفين، فاستحبب التسوية بينهم». (35) فكان أثلاثا ، وردّ بذلك أحد قولي الشافعيّ من أنّه يأكل النصف ويتصدّق بالنصف . (36) وفي هذا الاحتجاج تأمّل يظهر ممّا سبق ، بل الظاهر أنّ الآية إنّما هي في الهدي الواجب، وحمل الاُضحية عليه قياس لا نقول به، ولم أجد خبراً دالّاً عليه في المندوب ، بل ولا على استحباب الأكل منها، فإنّ الأخبار على ما ستعرف إنّما تدلّ على جوازه والاستحباب أمر زائد عليه، إلّا أن يدّعى الإجماع عليه . ففي المنتهى : (37) هدي التطوّع يستحبّ الأكل منه بلا خلاف ، وقد احتجّ عليه بقوله تعالى : «فَكُلُوا مِنْهَا» (38) وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب، ولأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّا عليه السلام أكلا من بدنهما . (39) وقال جابر : كنّا لا نأكل من بدننا فوق ثلث، فرخّص لنا النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «كُلوا وتزوّدوا »، فأكلنا وتزوّدنا . (40) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن بنان بن محمّد، عن أبيه، قال : إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعا فلا شيء عليه . (41) وعن السكونيّ، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام قال : «إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعا فلا شيء عليه، وإن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل ». (42) ولأنّه لا يزيد على الواجب، وقد سنّ الأكل من هدي المتعة مع وجوبه. وفيه تأمّل . وقد نسب في موضع آخر منه إلى شذوذ من الناس القول بوجوب الأكل محتجّا بقوله تعالى : «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» ، حيث قرنه بالإطعام الواجب . وأجاب : أولاً بمنع وجوب الإطعام في الاُضحية، ثمّ بمنع وجوب ما يقرن بالواجب؛ مستنداً بقوله تعالى : «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» (43) ، (44) فتأمّل . وبقي في الباب مسألتان : الاُولى : يظهر من حسنة محمّد بن مسلم (45) عدم جواز إخراج لحوم الأضاحي عن منى ممّن ضحّى بها مع حاجة الناس بها إليها، وجوازه مع الحاجة . وقال الصدوق أيضا : وقال الصادق عليه السلام : «كنّا ننهى الناس عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاثة أيّام؛ لقلّة اللحم وكثرة الناس ، فأمّا اليوم فقد كثر اللّحم وقلَّ الناس فلا بأس بإخراجه »، (46) وهو ظاهره كالمصنّف. ولم أجد تصريحا به من الأصحاب، وإنّما هم بين قائِلَين : قائلٌ بالكراهة مطلقا ، قال به العلّامة في المنتهى، قال : «يكره أن يخرج شيئا ممّا يضحّيه عن منى، بل يخرجه إلى مصرفه بها ». (47) وقائلٌ بالحرمة كذلك، فبه قال الأكثر، منهم الشيخ (48) والشهيد (49) والمحقّق ، (50) بل قال في المدارك : «هذا مذهب الأصحاب ، لا أعلم فيه مخالفا ». (51) واحتجّ عليه في التهذيب بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن اللحم، أيخرج به من الحرم؟ فقال : «لا يخرج منه شيءٌ إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام». (52) وصحيحة معاوية بن عمّار، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تخرجن شيئا من لحم الهدي ». (53) والأظهر الاحتجاج عليه بخبر حمّاد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «لا يتزوّد الحاجّ من اُضحيته، وله أن يأكل بمنى أيّامها ». قال : وهذه مسألة شهاب كتب إليه فيها . (54) وخبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لا يتزوّد الحاجّ من اُضحيته، وله أن يأكل منها أيّامها، إلّا السنام فإنّه دواء ». قال أحمد : قال : «ولا بأس أن يشتري الحاجّ من لحم منى ويتزوّده ». (55) وحمل الشيخ في التهذيب الحسنة المذكورة على إخراج ما انتقل إليه بالصدقة والهديّة ونحو ذلك، للجمع . ثمّ ظاهر الأخبار النهي عن إخراج لحومها فقط دون الجلد والسنام ونحوهما، وهو مصرّح به في كتب الأصحاب حيث قيّدوا المنع بإخراج اللحم ، وصرّح جماعة منهم بجواز إخراج السنام منها، وهو مصرّح به في بعض ما ذكر من الأخبار، فلا يناسب تنكير «شيئا» في عنوان الباب، ولا في قول المحقّق ، (56) ولا يجوز إخراج شيء ممّا يذبحه عن منى . الثانية : قال الشيخ في المبسوط: «يجوز أكل لحم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام وادّخاره ». (57) واحتجّ عليه في التهذيب بخبر أبي الصباح، (58) وبما رواه عن جابر بن عبداللّه الأنصاريّ، قال : أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاثة، ثمّ أذن لنا أن نأكله ونقدّده ونهدي إلى أهالينا . (59) ثمّ عارضهما بما رواه في الصحيح عن محمّد بن حمران لكن هو مشترك (60) عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى أن يحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيّام ». (61) وأجاب بقوله : لا يمتنع أن يكون محمّد بن مسلم شارك أبا الصباح في سماع الخبر، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك ، ثمّ أذِن بعد ذلك في أكله، فنسيه محمّد بن مسلم ، ورواه أبو الصلاح ، ولو لم يكن كذلك لكان محمولاً على أنّ الأولى أن لا يفعل بعد الثلاثة الأيّام، وأنّ ما يبقى الأفضل أن يتصدّق به . وادّعى في المنتهى أنّه كان ذلك حراما، ثمّ نسخ . (62) وحكاه القرطبيّ أيضا عن طائفة من العامّة ، ويدلّ عليه ما ذكر عن جابر وعن جماعة منهم أنّه لا نسخ، وإنّما كان التحريم لعلّة ، فلمّا زالت ارتفع الحكم ، (63) وهو أظهر، لأصالة عدم النسخ، ولما سيأتي عن سلمة . وقال طاب ثراه : ويروي مسلم خمسة أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله في النهي عنه ، منها : ما رواه عن ابن عمر أنّه صلى الله عليه و آله نهى أن يؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وسبقه الإذن فيه . ومنها : ما رواه عن سلمة بن الأكوع أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «مَن ضحّى منكم فلا يصحبنّ بعد ثالثة [ وفي بيته منه] (64) شيء، فلمّا كان في العام المقبل قالوا : يارسول اللّه ، نفعل كما نفعل عام أوّل؟ قال : «لا ، إنّ ذلك عام كان الناس فيه بجهد، فأردت أن يفشو فيهم ». (65) ومنها : ما رواه عن جابر أنّه نهى صلى الله عليه و آله عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثمّ قال بعد: «كُلوا وتزوّدوا وادّخروا ». (66) ثمّ الظاهر أنّ المراد بما بعد الثلاث الثالث من أيّام التشريق وما بعده . ونقل طاب ثراه عن القرطبيّ أنّه قال : يحتمل الثلاث في قوله : «بعد ثلاث» أنّها من يوم النحر وإن ذبحت في آخره ، ويحتمل أنّها من يوم الذبح؛ لئلّا تضيق الحال [ على] من أراد أن يعجل بذبحها أو يؤخّر ، والأوّل أظهر . وقال عياض : وجاء في حديث ما يخرج منه قولٌ ثالث، وهو قوله: بعد ثلاث ليال، فإنّه يقتضي أن لا يحسب يوم النحر . (67) واختلفت العامّة في أنّ النهي للتحريم أو الكراهة ، وفي أنّ التحريم أو الكراهيّة باقية أبداً أو منسوخان ، حكاه القرطبيّ . (68) قوله في خبر عبد الرحمن : (ولا يكلح ولا يلوى شدقه غضبا ) ، إلخ .] ح 2 / 7887] قال ابن الأثير : الكلوح : العبوس ، يقال : كلح الرجل وأكلحه الهمّ . (69) وفي حديث قتادة : فانطلق الناس لا يلوى أحدٌ على أحد ؛ أي لا يلتفت ولا يعطف عليه . وأَلْوى برأسه ولواه، إذا ماله من جانب إلى جانب . (70) والشدق: جانب الفم . (71) وقال الجوهريّ : المعترّ: الذي يتعرّض للمسألة ولا يسأل . (72) وفي القاموس : عراه يعروه: غشيه طالبا معروفه كاعتراه . (73) قوله : (وروى أيضا أنّه يأكل منه مضمونا كان أو غير مضمون ) . [ ح 8 / 7893] رواه عبداللّه بن يحيى الكاهليّ (74) في الحسن، وجعفر بن بشير (75) في الصحيح، وقد سبقا . قوله في خبر عليّ بن أسباط : (فلمّا ضرب الجزّارون عراقيبها ) . [ ح 9 / 7894] العُرقوب: هو الوَتَر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع، وهو من الإنسان فويق العقب . كذا في النهاية . (76)

.


1- . الحج (22) : 36 .
2- . السرائر، ج 1، ص 598 .
3- . الحجّ (22) : 28 .
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 223، ح 751؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 159، ح 18865.
5- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 44.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 223، بعد الحديث 750؛ ونحوه في المبسوط، ج 1، ص 374؛ والنهاية، ص 261.
7- . الكافي في الفقه، ص 200.
8- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 439، الدرس 111.
9- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 443، الدرس 112.
10- . منتهى المطلب، ج 2، ص 752.
11- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 443.
12- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 333.
13- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 285.
14- . المهذّب، ج 1، ص 259.
15- . المبسوط، ج 1، ص 393.
16- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 195.
17- . منتهى المطلب، ج 2، ص 754.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 202، ح 672 ، وص 483، ح 1717؛ وهذا هو الحديث الخامس من باب من يجب عليه الهدي وأين يذبحه؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 88 89 ، ح 18668، وص 165، ح 18882.
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 223، ح 753؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 160، ح 18867.
20- . لم أعثر على تعليقاته على الإرشاد، وبه قال في جامع المقاصد، ج 9، ص 90.
21- . الحجّ (22): 36.
22- . السرائر، ج 1، ص 598 .
23- . مسند أحمد، ج 4، ص 15؛ وج 6 ، ص 51 ؛ صحيح مسلم، ج 6 ، ص 80 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 642 ، ح 2812؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 3، ص 80 81 ، ح 4556؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 240؛ و ج 9، ص 293.
24- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 419.
25- . منتهى المطلب، ج 2، ص 752.
26- . منتهى المطلب، ج 2، ص 755.
27- . قواعد الأحكام، ج 1، ص 443.
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 224، ح 756.
29- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 224، ح 757؛ الاستبصار، ج 2، ص 273، ح 966؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 164، ح 18879.
30- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 224 225، ح 758؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 160 161، ح 18868.
31- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 225، ح 759؛ الاستبصار، ج 2، ص 273، ح 968؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 161، ح 18870.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 225، ح 760؛ الاستبصار، ج 2، ص 273، ح 969؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 161، ح 18871.
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 225، ح 761؛ الاستبصار، ج 2، ص 273، ح 970؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 161، ح 18869.
34- . الحجّ (22): 36.
35- . منتهى المطلب، ج 2، ص 754.
36- . المجموع للنووي، ج 8 ، ص 413 و 415؛ شرح صحيح مسلم، ج 13، ص 131؛ روضة الطالبين، ج 2، ص 492.
37- . منتهى المطلب، ج 2، ص 752.
38- . الحجّ (22): 36.
39- . اُنظر: وسائل الشيعة، ج 14، الباب 40 من أبواب الذبح، ح 18866 و 18874.
40- . صحيح البخاري، ج 2، ص 187؛ صحيح مسلم، ج 6 ، ص 81 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 291.
41- . هذا الحديث نفس الحديث التالي؛ فإنّ بنان بن محمّد يرويه عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام ، والظاهر أنّ الشارح جعلها حديثين تبعا لمنتهى المطلب، ج 2، ص 752.
42- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 225، ح 761؛ الاستبصار، ج 2، ص 273، ح 970؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 161، ح 18869.
43- . الأنعام (16) : 141 .
44- . منتهى المطلب، ج 2، ص 759.
45- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 172، ح 18904.
46- . الفقيه، ج 2، ص 493، ح 3056؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 170، ح 18898.
47- . منتهى المطلب، ج 2، ص 760، ومثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 638 ، و نحوه في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 323.
48- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 374؛ النهاية، ص 261.
49- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 442، الدرس 111.
50- . المختصر النافع، ص 89 .
51- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 25.
52- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 226، ح 765؛ الاستبصار، ج 2، ص 274، ح 974؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 171، ح 18900.
53- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 226، ح 766؛ الاستبصار، ج 2، ص 275، ح 975؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 171، ح 18901.
54- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 227، ح 767؛ الاستبصار، ج 2، ص 275، ح 976؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 171، ح 18902.
55- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 227، ح 769؛ الاستبصار، ج 2، ص 275، ح 978؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 172، ح 18903.
56- . المختصر النافع، ص 89 .
57- . المبسوط، ج 1، ص 374. ومثله في النهاية، ص 261.
58- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 226، ح 763؛ الاستبصار، ج 2، ص 274، ح 972؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 168، ح 18893.
59- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 225، ح 762؛ الاستبصار، ج 2، ص 274، ح 971؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 169، ح 18894.
60- . اُنظر: رجال الطوسي، ص 313، الرقم 4649 و 4651؛ رجال ابن داود، ص 171، الرقم 1367 و 1368.
61- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 226، ح 764؛ الاستبصار، ج 2، ص 274، ح 973؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 169، ح 18895.
62- . منتهى المطلب، ج 2، ص 760.
63- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 13، ص 129. ورواه أحمد في مسنده، ج 2، ص 34؛ والنسائي في السنن الكبرى، ج 3، ص 67 68 ، ح 4512؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج 9، ص 290.
64- . اُضيفت من المصدر.
65- . صحيح مسلم، ج 6 ، ص 81 . و رواه البخاري في صحيحه، ج 6 ، ص 239.
66- . صحيح مسلم، ج 6 ، ص 80 . و رواه النسائي في السنن الكبرى، ج 3، ص 68 ، ح 4515؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج 9، ص 291.
67- . اُنظر: نيل الأوطار، ج 5 ، ص 218؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 13، ص 130؛ تحفة الأحوذي، ج 5 ، ص 82 ؛ الديباج للسيوطي، ج 5 ، ص 37.
68- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 13، ص 129.
69- . النهاية، ج 4، ص 196 (كلح).
70- . النهاية، ج 4، ص 279 (لوا).
71- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1500 (شدق).
72- . غريب الحديث للحربي، ج 1، ص 207 (عتر)؛ الفائق، ج 1، ص 129.
73- . القاموس المحيط، ج 4، ص 361 (عرو).
74- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 225، ح 759؛ الاستبصار، ج 2، ص 273، ح 968؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 161، ح 18870.
75- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 225، ح 760؛ الاستبصار، ج 2، ص 273، ح 969؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 161، ح 18871.
76- . النهاية، ج 3، ص 221 (عرقب).

ص: 433

. .

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

باب جلود الهدي

باب جلود الهديقال المحقّق في الشرائع : كلّ هدي واجب - كالكفّارات - لا يجوز أن يعطى الجزّار منها شيئا ولا أخذ شيء من جلودها، ولا أكل شيء منها ، فإن أكل تصدّق بثمن ما أكل . ثمّ قال :_ ويكره أن يأخذ شيئا من جلود الأضاحي وأن يعطيها الجزّار ، والأفضل أن يتصدّق بها . (1) ويدلّ على الأوّل حسنة حفص، (2) وخبر معاوية، (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ذبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن اُمّهات المؤمنين بقرة بقرة، ونحر هو ستّا وستّين بدنة، ونحر عليّ عليه السلام أربعا وثلاثين بدنة، ولم يَعط الجزّارين من جلالها ولا من قلائدها، ولا ظهورها، ولكن تصدّق به ». (4) وفي صحيح آخر عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الإهاب؟ فقال : «تصدّق به، أو تجعله مصلّى تنتفع به في البيت، ولا تعطي الجزّارين ». وقال : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يعطى جلالها وجلودها وقلائدها الجزّارين، وأمره أن يتصدّق بها ». (5) وما رواه البخاريّ عن مجاهد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عليّ عليه السلام قال : «بعثني النبيّ صلى الله عليه و آله فقمت على البدن، فأمرني فقسّمت لحومها، ثمّ أمرني فقسّمت جلالها وجلودها». (6) وبسند آخر عنه عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن عليّ عليه السلام قال : «أمرني النبيّ صلى الله عليه و آله أن أقوم على البدن ولا اُعطي عليها شيئا من جزارتها ». (7) وبسند آخر عنه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن على¨ّ عليه السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسّم بدنه كلّها لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزّارتها شيئا ». (8) وبسند آخر عنه عن ابن أبي ليلى، عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «أهدى النبيّ صلى الله عليه و آله مئة بدنة، فأمرني بلحومها فقسّمتها ثمّ أمرني بجلالها فقسّمتها، ثمّ بجلودها فقسّمتها ». (9) وعلّل أيضا بأنّ المهدي قد لزمه إيصال ذلك إلى الفقراء، فكانت اُجرة الجزّار عليه (10) . (11) وقد عارض الشيخ إيّاها بموثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : «سألته عن الهدي أيخرج بشيء منه عن الحرم؟ فقال : «بالجلد والسّنام والشيء ينتفع به »، قلت : إنّه بلغنا عن أبيك أنّه قال : لا يخرج من الهدي المضمون شيئا؟ قال : «بل يخرج بالشيء ينتفع به ». وزاد فيه أحمد : «ولا يخرج بشيء من اللحم من الحرم» (12) وأوّله بقوله : يجوز أن يكون إنّما أباحه عليه السلام لمن يتصدّق به ، واستشهد له بما سيأتي من صحيحة عليّ بن جعفر ، (13) وفيه تأمّل . والأولى الجمع بين الأخبار بالقول بعدم جواز إعطائها الجزّار وإباحة أخذها مصلّى ينتفع به كما هو المشهور . (14) ويدلّ عليه صحيح معاوية (15) المتقدِّم . وأمّا الثاني فيدلّ عليه أخبار ، منها : عموم صحيح معاوية المتقدّم، وخصوص صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحّى بها أن يجعلها جرابا؟ قال : «لا يصلح أن يجعلها جرابا إلّا أن يتصدّق بثمنها ». (16)

.


1- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 197.
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 173، ح 18905.
3- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 173، ح 18906.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 227، ح 770؛ الاستبصار، ج 2، ص 275 276، ح 979؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 100 101، ح 18698.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 228، ح 771؛ الاستبصار، ج 2، ص 276، ح 980؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 174، ح 18909.
6- . صحيح البخاري، ج 2، ص 186. ورواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 6 ، ص 80 .
7- . صحيح البخاري، ج 2، ص 186؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 457، ح 4151.
8- . صحيح البخاري، ج 2، ص 186. ورواه أحمد في مسنده، ج 1، ص 123؛ والدارمي في سننه، ج 2، ص 74؛ ومسلم في صحيحه، ج 4، ص 87 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج 5 ، ص 241؛ والنسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 455، ح 4143.
9- . صحيح البخاري، ج 2، ص 186.
10- . الجُزارة بالضّم: ما يأخذه الجزّار من الذبيحة عن أجرته، كالعمالة للعامل. وأصل الجزارة أطراف البعير: الرأس واليدان والرجلان. النهاية لابن الأثير، ج 1، ص 267 (جزر).
11- . منتهى المطلب، ج 2، ص 760.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 228، ح 772؛ الاستبصار، ج 2، ص 276، ح 981؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 174 175، ح 18910.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 228، ح 773؛ الاستبصار، ج 2، ص 276، ح 982؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 174، ح 18908.
14- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 323؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 760.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 228، ح 771؛ الاستبصار، ج 2، ص 276، ح 980؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 174، ح 18909.
16- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 228، ح 773؛ الاستبصار، ج 2، ص 276، ح 982؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 174، ح 18908.

ص: 443

. .

ص: 444

باب الحلق والتقصير

باب الحلق والتقصيرالمشهور بين الأصحاب وجوب الحلق أو التقصير على الحاجّ ، وحكاه في المنتهى (1) عن مالك وأبي حنيفة والشافعيّ وإحدى الروايتين عن أحمد . (2) وقال ابن إدريس : «وذهب شيخنا في نهايته إلى أنّ الحلق أو التقصير مندوب غير واجب، وكذلك أيّام منى ورمي الجمار ». (3) ولم أجد من هذا القول فيها عينا ولا أثراً ، (4) بل كلامه فيها صريح بوجوب تلك المناسك، حيث قال في باب الحلق والتقصير : يستحبّ أن يحلق الإنسان رأسه بعد الذبح، وإن كان صرورة لا يجزيه غير الحلق ، وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام جاز له التقصير، والحلق أفضل ، اللّهمَّ إلّا أن يكون قد لبّد شعره، فإن كان كذلك لم يجزه غير الحلق في جميع الأحوال ، ومن ترك الحلق عامداً أو التقصير إلى أن يزور البيت كان عليه دم شاة، وإن فعله ناسيا لم يكن عليه شيء، وكان عليه إعادة الطواف ، ومن رحل من منى قبل الحلق فليرجع إليها ولا يحلق رأسه إلّا بها مع الاختيار، فإن لم يتمكّن من الرجوع إليها فليحلق رأسه في مكانه، ويردّ شعره إلى منى ويدفنه هناك، فإن لم يتمكّن من ردّ الشعر إلى منى لم يكن عليه شيء . (5) وفي باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ورمي الجمار: فإذا فرغ الإنسان من الطواف فليرجع إلى منى، ولا يبيت ليالي التشريق إلّا بها، فإن بات في غيرها فإنّ عليه دم شاة إلى قوله : وإذا رجع الإنسان إلى منى لرمي الجمار كان عليه أن يرمي ثلاثة أيّام: الثاني من النحر والثالث والرابع، كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. (6) وأظنّ أنّه قد سها قلمه في تبديل التبيان بالنهاية ؛ ففي المختلف: قال الشيخ في التبيان : «الحلق أو التقصير مندوب غير واجب، وكذلك أيّام منى ورمي الجمار ». (7) وعلى أيّ حال فلم أجد له مستنداً صريحا . نعم ، روى معاوية بن عمّار في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله ، قال : «لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت ويطوف، فإن مات فليقض عنه وليّه ، فأمّا ما دام حيّا فلا يصلح أن يقضى عنه ، وإن نسي رمي الجمار فليسا بسواء، الرمي سنّة، والطواف فريضة ». (8) والظاهر أنّ المراد بالفرض والسنّة هنا ما ثبت وجوبه بالقرآن والحديث ، ويأتي القول فيه في طواف النساء . واحتجّ على المذهب المنصور بقوله تعالى : «مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» (9) ، حيث وصفهم اللّه تعالى بذلك ومدحهم عليه ، فلو لم يكن عبادة لم يصفهم به، كما لم يصفهم بالتطيّب واللّبس وبالأمر به، الدال على كونه عبادة وثوابا في أخبار متكثّرة من الطريقين ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك واغتسل، وقلّم أظفارك وخُذ من شاربك ». (10) وفي الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الحديبيّة : اللّهمَّ اغفر للمحلّقين مرّتين ، قيل : وللمقصّرين يارسول اللّه ؟ قال : وللمقصّرين ». (11) ومنها : ما رواه البخاريّ عن نافع، عن عبداللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «اللّهمَّ ارحم المحلّقين »، قالوا : والمقصّرين يارسول اللّه ؟ قال : «والمقصّرين ». (12) قال : وقال الليث: حدّثني نافع: رحم اللّه المحلّقين، مرّة أو مرّتين . (13) وقال عبيد اللّه : حدّثني نافع، قال : في الرابعة: والمقصّرين . (14) وعن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اللّهُمَّ اغفر للمحلّقين »، قالوا : والمقصّرين؟ قال: «اللّهم اغفر للمحلّقين» قالوا: والمقصّرين، [ قال: اللهمّ اغفر للمحلّقين. قالوا: وللمقصّرين] قالها ثلاثا قال : «وللمقصّرين ». (15) وعن نافع أنّ عبداللّه بن عمر، قال : حلق النبيّ صلى الله عليه و آله وطائفة من أصحابه، وقصّر بعضهم . (16) وعن ابن عبّاس عن معاوية، قال : قصّرت عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمشقص . (17) ثمّ المشهور أنّ الحلق أفضل لا سيما للملبّد والمعقّص والصرورة ، ويستفاد ذلك من استغفاره صلى الله عليه و آله للمحلّقين مراراً، وللمقصّرين مرّة فيما ذكر ، واقتصاره على الاستغفار للمحلّقين في صحيح الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «استغفر رسول اللّه صلى الله عليه و آله للمحلّقين ثلاث مرّات »، قال : وسألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التفث؟ قال : «هو الحلق وما كان على جلد الإنسان ». (18) ولخبري عليّ بن أبي حمزة (19) وحسنة معاوية بن عمّار، (20) وقد روها الشيخ في الصحيح عنه . (21) وصحيحة حفص، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ينبغي للصرورة أن يحلق، وإن كان قد حجّ فإن شاء قصّر وإن شاء حلق، فإذا لبّد شعره أو عقصه فإنّ عليه الحلق وليس له التقصير ». (22) وخبر سويد القلاء، عن أبي سعيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبّد، ورجل حجّ ندبا لم يحجّ قبلها، ورجل عقص رأسه ». (23) وموثّق عمّار الساباطيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق؟ قال : «إن كان قد حجّ قبلها فليجزّ شعره، وإن كان لم يحجّ فلابدّ من الحلق ». وعن رجل حلق قبل أن يذبح؟ قال : «يذبح ويعيد الموسى ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (24) ». (25) وصحيحة هشام بن سالم، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في الحجّ أو العمرة فقد وجب عليه الحلق ». (26) وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحجّ وليس في المتعة إلّا التقصير ». (27) ولظهور أكثر ما ذكر من الأخبار في وجوب الحلق عينا على الصرورة والملبّد والمعقّص، قال الشيخ المفيد في المقنعة : «ولا يجزي الصرورة غير الحلق، ومن لم يكن صرورة أجزأه التقصير ] والحلق أفضل]». (28) وقال الشيخ في النهاية : [ «وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام جازله التقصير] والحلق أفضل ، اللّهمَّ إلّا أن يكون قد لبّد شعره، فإن كان كذلك لم يجزه غير الحلق ». (29) وفي التهذيب : «ومَن عقص شعر رأسه عند الإحرام أو لبّده فلا يجوز له إلّا الحلق ، ومتى اقتصر على التقصير وجب عليه دم شاة ». (30) واحتجّ عليه ببعض ما ذكر من الأخبار، وبصحيحة عيص، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل عقص شعر رأسه وهو متمتّع، ثمّ قدم مكّه فقضى نسكه وحلّ عقاص رأسه، فقصّر وادّهن وأحلّ ، قال : «عليه دم شاة ». (31) وقال في موضع آخر بعده : «قد بيّنا فيما تقدّم من الكتاب أنّ من عقص رأسه أو لبّده لم يجزه التقصير ويجب عليه الحلق ، ومتى اقتصر على التقصير لزمه دم شاة ». (32) وفي المبسوط : فإذا فرغ من الذبح حلق بعده إن كان صرورة، ولا يجزيه غير الحلق، وإن كان حجّ حجّة الإسلام جاز له التقصير، والحلق أفضل ، فإن لبّد شعره لم يجزه غير الحلق على كلّ حال . (33) والظاهر أنّ تأكّد استحباب الحلق أو وجوبه على هؤلاء للنظافة المطلوبة شرعا . وفي نهاية ابن الأ ثير في ترجمة العقص: ومنه حديث عمر: مَن لبّد أو عقص فعليه الحلق، يعني في الحجّ، وإنّما جعل عليه الحلق لأنّ هذه الأشياء تقي الشعر من الشعث ، فلمّا أراد حفظ شعره وصونَه ألزمه حلقه بالكلّيّة مبالغة في عقوبته . (34) انتهى ، فتأمّل . ثمّ ظاهر الأصحاب كالأخبار_ أنّهما نسكان من مناسك الحجّ والعمرة لا مجرّد استباحة محظور، وهو المشهور بين العامّة ، واختلف فيه قول الشافعيّ على ما حكى عنه في العزيز حيث قال : واختلف يعني قوله في أنّ الحلق في وقته، هل هو نسك أم لا؟ فأحد القولين أنّه ليس بنسك وإنّما هو استباحة محظور ؛ لأنّ كلّ ما فعله قبل وقته لزمته الفدية، فإذا فعله في وقته كان استباحة كالطيب واللّبس ، وأصحّهما أنّه نسك يُثاب عليه لما روي أنّه صلى الله عليه و آله قال :«إذا رميتم وحلقتم حلّ لكم كلّ شيء إلّا النساء ». (35) علّق الحلّ بالحلق كما علّقه بالرمي ، وأيضا فإنّ الحلق أفضل من التقصير لما سيأتي ، والتفصيل إنّما يقع في العبادات دون المباحات . (36) وكذا الظاهر من الفتاوى والأخبار عموم التقصير لشعر الرأس وغيره من سائر الجسد، ولقص الظفر أيضا . وفي العزيز : كلّ واحد من الحلق والتقصير يختصّ بشعر الرأس، ولا يحصل النسك بحلق شعر آخر أو تقصيره وإن استوى الكلّ في وجوب الفدية إذا أخذ قبل الوقت ؛ لأنّ الأمر ورد في شعر الرأس . (37) وهذا كلّه في الرجل ، وأمّا المرأة فيتعيّن عليها التقصير ولا يجوز لها الحلق؛ لكونه مثلة للنساء، وظهور الأخبار في ذلك حيث علّق تحليلها على التقصير . وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام قال : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها ». (38) وقد روي عن ابن عبّاس، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ليس على النساء حلق، إنّما على النساء التقصير ». (39) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وإذا لبّد شعره أو عقصه ) .[ ح 6 / 7903] قال ابن الأثير : «وتلبيد الشعر أن يجعل فيه شيء من صمغ عند الإحرام؛ لئلّا يَشعث ويقمل إبقاءً على الشعر ، وإنّما يلبّد من يطول مكثه في الإحرام ». (40) وقال : «العقيصة الشعر المعقوص، وهو نحو من المضفور، وأصل العَقُص: اللّيّ وإدخال أطراف الشعر في اُصوله ». (41) قوله في خبر غياث بن إبراهيم : (السنّة في الحلق أن يبلغ العظمين ) .] ح 10 / 7907] في المبسوط : «إذا أراد الحلق بدأ بناصيته من القرن الأيمن، حلقه إلى العظيمن ». (42) ومثله في المنتهى بزيادة قوله : «بلا خلاف ». (43) ويدلّ على استحباب الانتهاء إلى العظيمن هذا الخبر . واحتجّ على استحباب البدأة بالناصية من القرن الأيمن بما رواه الشيخ عن الحسن بن مسلم، عن بعض الصادقين عليهم السلام ، قال : لمّا أراد أن يقصّر من شعره للعمرة أراد الحجّام أن يأخذ من جوانب الرأس ، فقال له : «ابدأ بالناصية»، فبدأ بها . (44) وفي الصحيح عن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: أمر الحلّاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن، ثمّ أمره أن يحلق وسمّى هو ، وقال : «اللّهمَّ أعطني بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة». (45) وما رواه جمهور العامّة عن أنس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رمى جمرة العقبة يوم النحر،ثمّ رجع إلى منزله بمنى، فدعا بذبح فذبح، ثمّ دعا بالحلّاق فأخذ شقّ رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثمّ أخذ شقّ رأسه الأيسر فحلقه، ثمّ قال : «هاهنا أبو طلحة؟» فدفعه إلى أبي طلحة . (46)

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 762.
2- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 205 و 208؛ فتح العزيز، ج 7، ص 374؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 458؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 459.
3- . كذا بالأصل والموجود في المصدر: «في تبيانه» بدل «في نهايته» ونقل في هامشه عن نسخة منه: «في نهايته»، وكلام الشيخ موجود في تفسير الآية 196 من سورة البقرة في التبيان، ج 2، ص 154.
4- . السرائر، ج 1، ص 602 .
5- . النهاية، ص 262 263.
6- . النهاية، ص 265 266.
7- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 300. وكلام الشيخ مذكور في التبيان، ج 2، ص 154، في تفسير الآية 196 من سورة البقرة.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 253، ح 857 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 233، ح 807 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 406، ح 18077.
9- . الفتح (48) : 27 .
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 240، ح 808 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 211، ح 19005.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 243، ح 822 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 223، ح 19042.
12- . صحيح البخاري، ج 2، ص 188. ورواه أحمد في مسنده، ج 2، ص 79 و 138؛ ومسلم في صحيحه، ج 4، ص 81 .
13- . صحيح البخاري، ج 2، ص 189. ورواه أحمد في مسنده، ج 2، ص 119.
14- . صحيح البخاري، ج 2، ص 189.
15- . صحيح البخاري، ج 2، ص 189 وما بين الحاصرتين منه. ورواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 81 ؛ وأحمد في مسنده، ج 2، ص 231؛ وابن ماجة في سننه، ج 2، ص 1012، ح 3043؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج 5 ، ص 134.
16- . صحيح البخاري، ج 2، ص 189. ورواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 80 81 ؛ والترمذي في سننه، ج 4، ص 198، ح 916.
17- . صحيح البخاري، ج 2، ص 189. ورواه أحمد في مسنده، ج 4، ص 96 98؛ ومسلم في صحيحه، ج 4، ص 58 ؛ و أبو داود في سننه، ج 1، ص 405، ح 1803.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 243، ح 823 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 223، ح 19043.
19- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
20- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 243، ح 821 ، وص 484، ح 1726؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 221 222، ح 19037.
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 484 485، ح 1727.
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 485، ح 1729؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 222، ح 19039.
24- . البقرة (2): 196.
25- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 485، ح 1730؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 222 223، ح 19040.
26- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 484، ح 1724؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 222، ح 19038.
27- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160، ح 533 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 224، ح 19044.
28- . المقنعة، ص 419، ومابين الحاصرتين منه.
29- . النهاية، ص 262 263، وما بين الحاصرتين منه.
30- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160، بعد الحديث 532 .
31- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 160، ح 534 ، وص 224، ح 19045.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 244، بعد الحديث 823 .
33- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 376.
34- . النهاية، ج 3، ص 275 (عقص).
35- . مسند أحمد، ج 6 ، ص 143؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 136.
36- . فتح العزيز، ج 7، ص 374 375.
37- . فتح العزيز، ج 7، ص 377.
38- . سنن الترمذي، ج 2، ص 198، ح 917؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 5 ، ص 407، ح 9297؛ أمالي المحاملي، ص 158، ح 128؛ كنز العمّال، ج 5 ، ص 276، ح 12873.
39- . سنن الدارمي، ج 2، ص 64 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 441، ح 1984 و 1985؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 104؛ المعجم الكبير للطبراني، ج 12، ص 194؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 239، ح 2640.
40- . النهاية، ج 4، ص 224 (لبد).
41- . النهاية، ج 3، ص 275 (عقص).
42- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 376. ونحوه في النهاية، ج 1، ص 263.
43- . منتهى المطلب، ج 2، ص 763.
44- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 244، ح 825 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 516 517 ، ح 18346.
45- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 244، ح 826 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 228 229، ح 19057.
46- . السنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 427.

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

. .

ص: 451

. .

ص: 452

باب من قدّم شيئا أو أخّر شيئا من مناسكه

باب من قدّم شيئا أو أخّر شيئا من مناسكهأراد قدس سره بالمناسك بقرينة أخبار الباب مناسك منى وما بعدها ، أمّا مناسك منى فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في كتابي الأخبار (1) والمبسوط (2) والنهاية (3) والمحقّق (4) والشهيدان، (5) واختاره العلّامة في المنتهى (6) وجوب الترتيب فيها، بتقديم رمي جمرة العقبة على الذبح، وتأخير الحلق عنه . أمّا الأوّل فيدلّ عليه ما تقدّم من الأخبار التي دلّت على رمي الجمرة بعد الإفاضة من المشعر. وأمّا الثاني فلقوله تعالى : «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (7) بناءً على إرادة الذبح من بلوغ الهدي محلّه، ولما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم، عن عليّ، قال :« لا يحلق رأسه ولا يزور حتّى يضحّي فيحلق رأسه ويزور متى شاء ». (8) وعن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك ». (9) وعن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح ». (10) ومثلها صحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي، قال : «لا بأس، وليس عليه شيء ولا يعودنّ » (11) بمقتضى النهي عن العود . ويؤيّدها ما رواه الجمهور في حديث أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رتّب هذه المناسك، وقال : «خذوا عنّي مناسككم ». (12) وذهب الشيخ في الخلاف (13) إلى استحبابه ، وتبعه ابن إدريس، (14) واختاره العلّامة في المختلف ، (15) وهو منقول عن ابن أبي عقيل، (16) وهو ظاهر المصنّف، لظهور الأخبار التي ذكرها في الباب فيه . ومثلها ما رواه الشيخ عن محمّد بن حمران، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال : «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا »، ثمّ قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه ناس يوم النحر فقال بعضهم : يارسول اللّه ، ذبحت قبل أن أرمي. وقال بعضهم : ذبحت قبل أن أحلق. فلم يتركوا شيئا أخّروه كان ينبغي لهم أن يقدِّموه، ولا شيئا قدَّموه كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قال : لا حرج ». (17) ويؤيّدها ما رواه البخاريّ عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قيل له في الذبح والرمي والحلق والتقديم والتأخير، فقال :«لا حرج ». (18) وعن ابن عبّاس، قال : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يسأل يوم النحر بمنى، فيقول : «لا حرج »، فسأله رجل فقال : حلقت قبل أن أذبح ؟ فقال : «اذبح ولا حرج »، قال : رميت بعدما أمسيت؟ فقال : «لا حرج ». (19) وقد حمل الشيخ في كتابي الأخبار (20) هذه على حالة النسيان مستشهداً له بحسنة جميل بن درّاج ، ويؤيّدها ما رواه البخاريّ عن عبداللّه بن عمرو بن العاص: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقف في حجّة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل : لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال : «اذبح ولا حرج ». فجاء آخر فقال : لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال : «ارمِ ولا حرج ». فما سئل يومئذٍ عن شيء قُدِّم ولا اُخِّر إلّا قال : «افعل ولا حرج ». (21) ويمكن حملها على الجاهل أيضا، كما هو ظاهر بعض تلك الأخبار ، ويؤيّدها ما رواه البخاريّ عن عبداللّه بن عيسى بن طلحة أنّ عبداللّه بن عمرو بن العاص حدّثه أنّه شهد النبيّ صلى الله عليه و آله يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل، فقال : كنت أحسب أنّ كذا قبل كذا ، ثمّ قام آخر فقال : كنت أحسب أنّ كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر ونحرت قبل أن أرمي، وأشباه ذلك ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «افعل ولا حرج »، فما سُئِلَ يومئذٍ عن شيء إلّا قال: «افعل ولا حرج [ لهنّ كلهنّ، فما سئل يومئذ عن شيءٍ إلّا قال: افعل ولاحرج]». (22) وحكى في المنتهى (23) عن أبي الصلاح (24) أنّه قال بجواز تقديم الحلق على الرمي، وبجواز تأخيره إلى آخر أيّام التشريق، وحسّن جواز تأخيره بشرط تقديمه على زيارة البيت؛ متمسّكا بأنّ اللّه تعالى بيّن أوّله بقوله «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ» (25) ولم يبيّن آخره ، فمتى أتى أجزأه كالطواف للزيارة والسعي . وعلى القول بالوجوب ليس الترتيب شرطا، ولا الإخلال به موجبا للكفّارة عندنا، وإنّما تظهر فائدة الخلاف في الإثم . وفي المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا». وقد اختلفت العامّة أيضا في المسألة ، ففي المنتهى: وقال الشافعيّ إن قدّم الحلق على الذبح جاز، وإن قدّم الحلق على الرمي وجب الدم إن قلنا: إنّه إطلاق محظور؛ لأنّه حلق قبل أن يتحلّل ، وإن قلنا: إنّه نسك فلا شيء عليه ؛ لأنّه أحد ما يتحلّل به . وقال أبو حنيفة : إذا قدّم الحلق على الذبح لزمه دم إن كان قارنا أو متمتّعا، ولا شيء عليه إن كان مفرداً . وقال مالك : إن قدّم الحلق على الذبح فلا شيء عليه، وإن قدّمه على الرمي وجب الدم . (26) وفي العزيز : ولو حلق قبل أن يرمي فإن جعلنا الحلق نسكا فلا بأس ، وإن جعلناه استباحة محظور فعليه الفدية لوقوع الحلق قبل التحلّل . وروى القاضي ابن كج: أنّ أبا إسحاق وابن القطّان ألزماه الفدية وإن جعلنا الحلق نسكا ، والحديث حجّة عليهما، ومؤيّد للقول الأصحّ، وهو أنّ الحلق نسك . وعن مالك وأبي حنيفة وأحمد أنّ الترتيب بينهما واجب ولو تركه فعليه دم . (27) انتهى . وأمّا تقديم مناسك منى يوم النحر على الطواف والسعي فالظاهر وفاق الأصحاب على وجوبه، ومقتضاه وجوب إعادة الطواف والسعي مع المخالفة مطلقا، عمداً كان ذلك أو نسيانا وجهلاً . ويدلّ عليه صحيحة عليّ بن يقطين فيما إذا وقعا قبل الحلق أو التقصير، حيث قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتّى زارت البيت، فطافت وسعت من الليل، ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : «لا بأس به يقصّر ويطوف للحجّ ، ثمّ يطوف للزيارة، ثمّ قد أحلّ من كلّ شيء ». (28) وإنّما التفاوت بين العمد وغيره وجوب الفدية وعدمه ، والفارق صحيحة محمّد بن مسلم، (29) ولم أجد تصريحا من الأصحاب بوجوب هذه الإعادة ، بل ظاهرهم عدمه، حيث اكتفوا فيمن أخّر الحلق عن النفر من منى بوجوب الحلق أو التقصير، ولم يتعرّضوا لحال الطواف والسعي . وهو ظاهر أكثر الأخبار أيضا ، ففي التهذيب. من رحل من منى قبل الحلق فإنّه يرجع إليها ويحلق بها أو يقصّر، ولا يسعه غير ذلك مع الاختيار فإن لم يتمكّن من الرجوع إلى منى فليحلق أين كان، وليردّ شعره إلى منى فيدفنه هناك . (30) واحتجّ عليه بصحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتّى ارتحل من منى؟ قال : يرجع إلى منى حتّى يلقي شعره بها، حلقا كان أو تقصيراً ». (31) وخبر عليّ بن أبي حمزة (32) عن أبي بصير، قال : سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتّى ارتحل من منى؟ قال : «فليرجع إلى منى حتّى يحلق شعره بها أو يقصّر ، وعلى الصرورة أن يحلق ». (33) وخبر المفضّل بن صالح، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه؟ قال : «يحلقه بمكّة ويحمل شعره إلى منى، وليس عليه شيء ». (34) وبما رواه المصنّف قدس سره في الباب السابق من حسنة حفص بن البختريّ. (35) ويدلّ عليه أيضا خبر أبي الصباح الكنانيّ المروي في ذلك الباب . (36) واحتجّ عليه أيضا فيه بصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى، ويقول : كانوا يستحبّون ذلك». قال : وكان أبو عبداللّه عليه السلام يكره أن يخرج الشعر من منى، يقول : «من أخرجه فعليه أن يردّه »، (37) وفيه تأمّل . وقوله عليه السلام : «وليس عليه شيء» (38) ظاهر في عدم وجوب إعادة الطواف والسعي ، فلا يبعد حمل الإعادة في صحيحة عليّ بن يقطين على الاستحباب ، فتأمّل .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 240؛ الاستبصار، ج 2، ص 284، الباب 195.
2- . المبسوط، ج 1، ص 368 370.
3- . النهاية، ص 262.
4- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 192؛ المختصر النافع، ص 88 .
5- . اللمعة الدمشقيّة، ص 64 ؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 281.
6- . منتهى المطلب، ج 2، ص 729.
7- . البقرة (2): 196.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 236، ح 795؛ الاستبصار، ج 2، ص 284، ح 1006؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 158، ح 18862.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 240، ح 808 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 211، ح 19005.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 222، ح 749؛ وهذا هو الحديث السابع من باب الذبح من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 155، ح 18856.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 237، ح 798؛ الاستبصار، ج 2، ص 285، ح 1010؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 158، ح 18863.
12- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 340؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 472؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 462.
13- . الخلاف، ج 2، ص 345، المسألة 168.
14- . السرائر، ج 1، ص 602 .
15- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 289.
16- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 289.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 240، ح 810 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 155 156، ح 18857.
18- . صحيح البخاري، ج 2، ص 190؛ مسند أحمد، ج 1، ص 258؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 84 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 445، ح 4103؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 142.
19- . صحيح البخاري، ج 2، ص 190، ورواه ابن ماجة في سننه، ج 2، ص 1013 1014، ح 3050.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 222، ح 750؛ الاستبصار، ج 2، ص 284، ذيل 1008.
21- . صحيح البخاري، ج 2، ص 190، ورواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 82 83 ؛ و أبو داود في سننه، ج 1، ص 447، ح 2014؛ والنسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 447، ح 4109.
22- . صحيح البخاري، ج 2، ص 190، وما بين الحاصرتين منه. ونحوه في ج 7، ص 225؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 83 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 139.
23- . منتهى المطلب، ج 2، ص 764.
24- . الكافي في الفقه، ص 200 201.
25- . البقرة (2): 196.
26- . منتهى المطلب، ج 2، ص 764. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 341. وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 216.
27- . فتح العزيز، ج 7، ص 380 381.
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 241؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 217، ح 19022.
29- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 240، ح 809 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 215، ح 19017.
30- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 241.
31- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 241، ح 812 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 285، ح 1011؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 217 218، ح 19023.
32- . في هامش الأصل: «الطريق إليه صحيح، لكنّ علىّ بن أبي حمزة مشترك، منه عفي عنه».
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 241، ح 813 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 285، ح 1012. وهذا هو الحديث الخامس من باب الحلق والتقصير من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 218، ح 19026.
34- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 242، ح 817 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 286، ح 1016؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 221، ح 19035.
35- . الحديث التاسع من الباب المتقدّم؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 242، ح 816 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 219، ح 19029.
36- . الحديث الثامن من الباب المتقدّم؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 218، ح 19025.
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 242، ح 815 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 286، ح 1014؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 220، ح 19033.
38- . في صحيحة أبي بصير المتقدّمة آنفا.

ص: 453

. .

ص: 454

. .

ص: 455

. .

ص: 456

. .

ص: 457

باب ما يحلّ للرجل من اللّباس والطيب إذا حلق قبل أن يزور

باب ما يحلّ للرجل من اللّباس والطيب إذا حلق قبل أن يزورظاهر المصنّف قدس سره بقرينة ما ذكره من الأخبار في الباب ، ويؤيّده ما سيأتي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه يحلّ الحاجّ مطلقا متمتّعا كان أو غيره بالحلق عن جميع محرّمات الإحرام سوى النساء ، فعنده تحلّلان الأوّل بالحلق، والثاني بطواف النساء، ولا مدخل للسعي ولا لطواف الزيارة في التحلّل عن شيء منها، وكأنّه حمل ما سيأتي ممّا دلّ على توقّف التحلّل من الطيب على الطواف مطلقا، أو في المتمتّع على استحباب اجتنابه عنه خصوصا في المتمتّع . وقد ذهب ابن أبي عقيل إلى ما ذهب إليه المصنّف مصرّحا بتلك الكراهة لكن في خصوص المتمتّع، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف _ : «وإذا رمى يوم النحر جمرة العقبة وحلق حلَّ له لبس الثياب والطيب، إلّا المتمتّع فإنّه يكره له إلى أن يطوف طواف الزيارة ويسعى ». (1) وهذا هو المذهب الأصحّ عند العامّة على ما يظهر من العزيز، فإنّه بعدما نقل القولين في حلّ الصيد حينئذٍ على ما سيأتي _ قال : وفي التطيّب طريقان، أشهرهما: أنّه على القولين ، والثاني: القطع بالحلّ ، وسواء أثبتنا الحلّ أو لم نثبته فالمذهب أنّه يحلّ - بل يستحبّ - أن يتطيّب لحلّه بين التحللين . قالت عائشة : طيّبت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لإحرامه قبل أن يحرم، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت. (2) وقال بذلك الشيخ قدس سره في المبسوط في القارن والمفرد. وجعل للمتمتّع ثلاثة تحلّلات، ثانيها بطواف الزيارة للطيب، فقد قال فيه : فإذا حلق رأسه أو قصّر فقد حلّ له كلّ شيء أحرم منه، إلّا النساء والطيب، وهو التحلّل الأوّل إن كان متمتّعا، وإن كان غير متمتّع حلَّ له الطيب أيضا ولا تحلّ له النساء، فإذا طاف المتمتّع طواف الزيارة حلّ له الطيب ولا تحلّ له النساء وهو التحلّل الثاني ، فإذا طاف طواف النساء حلّت له النساء، وهو التحلّل الثالث الذي لا يقع بعده شيء من حكم الإحرام . (3) وقد قال مثل ذلك في النهاية (4) أيضا ، وبذلك جمع بين الروايات في كتابي الأخبار مستنداً بخبر عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمّد بن حمران، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحاج غير المتمتّع يوم النحر ما يحلّ له؟ قال : «كلّ شيء إلّا النساء »، وعن المتمتّع ما يحلّ له؟ قال : «كلّ شيء إلّا النساء والطيب ». (5) ويدلّ أيضا على حكم المتمتّع صحيحة العلاء، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتّع، أطلي رأسي بالحنّاء؟ قال : «نعم، من غير أن تمسّ شيئا من الطيب »، قلت : وألبس القميص وأتقنّع؟ قال : «نعم »، قلت : قبل أن أطوف بالبيت؟ قال : «نعم ». (6) وصحيحته الاُخرى، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : تمتّعت يوم ذبحت وحلقت، فألطخ رأسي بالحنّاء؟ قال : «نعم، من غير أن تمسّ شيئا من الطيب »، قلت : أفألبس القميص؟ قال : «نعم إذا شئت »، قلت : فاُغطّي رأسي؟ قال : «نعم ». (7) وعلى حكم غيره صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «سئل ابن عبّاس : هل كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتطيّب قبل أن يزور البيت؟ قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور »؛ (8) لأنّ الظاهر أنّه كان في حجّة الوداع وهو صلى الله عليه و آله كان قارنا في ذلك الحجّ، بل لم يتمتّع هو صلى الله عليه و آله قط على ما سبق. وخصّ بالمتمتّع خبر عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «اعلم أنّك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كلّ شيء الّا النساء والطيب ». (9) وما سيأتي عن منصور بن حازم ومعاوية بن عمّار؛ لما ذكر ، ولغيره ما رواه المصنّف من صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج. (10) وتبعه على ذلك التفصيل ابن إدريس ، ففي السرائر : إذا حلق رأسه فقد حلَّ له كلّ شيء أحرم منه، إلّا النساء والطيب إن كان متمتّعا، وإن كان قارنا أو مفرداً حلّ له كلّ شيء، إلّا النساء فحسب، فإذا طاف المتمتّع طواف الحجّ ويسمّى طواف الزيارة حلّ له كلّ شى ء أحرم منه الا النساء فحسب فاذا طاف طوافهنّ حلّت له النساء . (11) ويأبى عن هذا التفصيل خبر سعيد بن يسار (12) وصحيحة أبي أيّوب الخرّاز (13) وموثّقة إسحاق بن عمّار، (14) لصراحتها في ذلك في المتمتّع، فالجمع بالقول بكراهة استعمال الطيب على المتمتّع إلى أن يطوف كما ذهب إليه ابن أبي عقيل (15) ويسعى أظهر ، بل الأظهر للجمع بين ما ذكر وما سيأتي ممّا أطلق في توقّف حلّ الطيب على الطواف والسعي كراهة ذلك مطلقا وكراهة مؤكّدة في المتمتّع كما أشرنا إليه . وظاهر السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار توقّف حلّ الطيب على طواف الزيارة فقط مطلقا ولو لم يكن متمتّعا، حيث قال : وممّا انفردت الإماميّة به: القول بأنّ من طاف طواف الزيارة فقد تحلّل من كلّ شيء كان محرما به إلّا النساء، فليس له وطؤهنّ إلّا بطواف آخر، متى فعله حللن له، وهو الذي يسمّونه طواف النساء . (16) ولم أجد خبراً بذلك . نعم ، في بعض الأخبار توقّف حلّ الطيب على الطواف والسعي معا ، رواه الشيخ في الموثّق عن منصور بن حازم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل رمى وحلق، أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال : «لا ، حتّى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ثمّ قد حلّ له كلّ شيء، إلّا النساء حتّى يطوف بالبيت طوافا آخر، ثمّ قد حلّ له النساء ». (17) والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلَّ من كلّ شيء أحرم منه، إلّا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلَّ من كلّ شيء أحرم منه، إلّا النساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه، إلّا الطيب ». (18) وإليه ذهب جماعة من الأصحاب منهم، الصدوق في الفقيه ، (19) ومنهم الشهيد في اللمعة، (20) وهو ظاهره في الدروس أيضا، حيث حكم بحلّ الطيب على القارن والمفرد بالحلق بشرط تقديمهما الطواف والسعي على الوقوفين ، ويفهم منه توقّف حلّه عليهما أيضا، كالمتمتّع بالطواف والسعي لو أوقعهاهما في محلّهما، فقد قال : وإذا حلق أو قصّر بعد الرمي والذبح تحلّل ممّا عدا الطيب والنساء، وهو التحلّل الأوّل للمتمتّع . وأمّا القارن والمفرد فيحلّ لهما الطيب إذا كان قد قدّما الطواف والسعي - إلى قوله -: وإذا طاف للزيارة وسعى حلّ له الطيب ، ولا يكفي الطواف خاصّة على الأصحّ؛ لرواية منصور بن حازم. (21) وهو المشهور بين المتأخّرين ، (22) بل لم يتعرّض الأكثر لنقل الخلاف فيه، وكأنّهم حملوا الأخبار الأوّلة على التقيّة؛ لما عرفت من اشتهار حكمها عند العامّة، وإطلاق أكثر القائلين بتحلّل الطيب للقارن والمفرد بالحلق عدم الفرق بين تقديمهما للطواف والسعي وعدمه ، فتدبّر . واعلم أنّ ظاهر ما ذكر من الأخبار حصول التحلّل من الصيد الإحرامي بمناسك منى يوم النحر، وهو ظاهر الأكثر، حيث حكموا بحلّ كلّ شيء بالحلق ولم يستثنوا منه إلّا النساء والطيب . وصرّح به الشيخ في الخلاف (23) والمبسوط، (24) وابن إدريس في السرائر. (25) وصرّح جماعة منهم المحقّق الشيخ عليّ بتوقّف حلّه منه على طواف النساء، حيث قال : «ويبقى تحريمه إلى أن يطوف طواف النساء ». (26) ومالَ إليه الشهيد ، ففي الدروس: وأمّا الصيد الذي حرم بالإحرام فبطواف النساء ، قاله الفاضل. وذكر أنّه مذهب علمائنا، وتمسّكوا في ذلك بقوله تعالى : «لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» . وصرّح ابن الجنيد بتحريم لحم الصيد أيّام منى ولو أحلّ. (27) وكأنّه استند بما رواه الشيخ في باب النوادر من كتاب الحجّ من التهذيب عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأوّل، ومَن نفر في النفر الأوّل فليس له أن يصيب الصيد حتّى ينفر الناس، وهو قول اللّه تعالى : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى» (28) . قال : اتّقى الصيد ». (29) وما رواه الصدوق رضى الله عنه عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتّى تزول الشمس، فإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق، وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت، قبل الزوال وبعده ». قال : وسمعته يقول في قول اللّه تعالى : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى» فقال : «يتّقي الصيد حتّى ينفر أهل منى في النفر الأخير»، (30) وينفيه ما ذكر . وقوله تعالى : «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا» (31) ، والظاهر أنّه على الاستحباب . وفي العزيز: وفي قتل الصيد قولان - يعني بعد الحلق - أحدهما : أنّه يحلّ؛ لقوله صلى الله عليه و آله : «إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم الطيب واللّباس وكلّ شيء، إلّا النساء ». والثاني : لا يحلّ؛ لقوله تعالى : «لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (32) والإحرام باق . ثمّ اتّفقوا على أنّ قول الحلّ أصحّ . (33) انتهى . هذا ، ويستحبّ التشبيه بالمحرمين بترك لبس المخيط والطيب ونظائرهما بعد حلّها إلى أن يطوف طواف النساء ، بل إلى أن يفرغ من مناسك أيّام التشريق أيضا على المشهور . وعليه حمل صحيحة محمّد بن إسماعيل، وهو ابن بزيع، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال : «لا ». (34) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل تمتّع بالعمرة، فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق، أيغطّي رأسه؟ فقال : «لا ، حتّى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة »، قيل له : فإن كان فعل؟ قال : «ما أرى عليه شيئا ». (35) وخبر إ دريس القميّ (36) قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ مولى لنا تمتّع، فلمّا حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت، فقال : «بئس ما صنع »، قلت : أعليه شيء؟ قال : «لا »، قلت : فإنّي رأيت ابن أبي سمّاك يسعى بين الصفا والمروة وعليه خفّان وقبا ومنطقة ، فقال : «بئس ما صنع »، قلت : أعليه شيء؟ قال :« لا»، (37) ... (38) وبالكراهة . وأصرح منهما في هذا المعنى صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في رجل كان متمتّعا، فوقف بعرفات وبالمشعر وذبح وحلق، فقال : «لا يغطّي رأسه حتّى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإنّ أبي عليه السلام كان يكره ذلك، وينهى عنه »، فقلنا : فإن كان فعل؟ قال : «ما أرى عليه شيئا، وإن لم يفعل كان أحبّ إليّ ». (39) قوله : (أبو عليّ الأشعريّ ) . [ ح 1 / 7915] هو أحمد بن إدريس الأشعريّ القمّي، فإنّه الذي يروي المصنّف عنه كثيراً، كما صرّح به السيّد المصطفى في رجاله، (40) وليس هو محمّد بن عيسى بن عبداللّه بن سعد بن مالك الأشعريّ، شيخ القمّيين الذي لا توثيق له . قوله في صحيح عبد الرحمن : (فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران ) ، إلخ .[ ح 4 / 7918] الخبيص: هو المعمول من التمر والسمن. (41) والتحريش: هو الإغراء والتهييج، ومنه تحريش البهائم بعضها على بعض . (42)

.


1- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 298.
2- . فتح العزيز، ج 7، ص 385.
3- . المبسوط، ج 1، ص 376 377.
4- . النهاية، ص 263.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 247، ح 835 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 289، ح 1024؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 236، ح 19082.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 247، ح 836 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 289، ح 1025؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 233، ح 19073.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 245، ح 830 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 287، ح 1019؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 233، ح 19071.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 246 247، ح 834 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 288، ح 1023؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 233، ح 19072.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 245، ح 831 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 287، ح 1020؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 237، ح 19083.
10- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 237، ح 19084.
11- . السرائر، ج 1، ص 600 601 .
12- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 234، ح 19075.
13- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 235، ح 19078.
14- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 234، ح 19076.
15- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 298.
16- . الانتصار، ص 255.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 245، ح 829 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 287، ح 1018؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 232 233، ح 19070.
18- . الفقيه، ج 2، ص 507 ، ح 3095؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 232، ح 19069.
19- . الفقيه، ج 2، ص 549 .
20- . اللمعة الدمشقيّة، ص 65 ؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 311.
21- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 455، الدرس 114.
22- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 102.
23- . الخلاف، ج 2، ص 348، المسألة 172.
24- . المبسوط، ج 1، ص 363.
25- . السرائر، ج 1، ص 523 .
26- . جامع المقاصد، ج 3، ص 257.
27- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 456، الدرس 114.
28- . البقرة (2): 203.
29- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 490، ح 1758؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 279 280، ح 19197.
30- . الفقيه، ج 2، ص 479 480، ح 3015 و 3016؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 274 275، ح 19181؛ لحديث الاُولى، وص 280، ح 19200 بالثاني.
31- . المائدة (5) : 2 .
32- . المائدة (5): 95.
33- . فتح العزيز، ج 7، ص 385.
34- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 248، ح 840 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 290، ح 1029؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 242، ح 19098.
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 247، ح 837 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 289، ح 1026؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 241، ح 19093.
36- . في هامش الأصل: «هو إدريس بن عبد اللّه القمّي ، مجهول الحال ، ولا تنفع صحّة الطريق إليه ، منه عفى عنه» .
37- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 247 248، ح 838 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 289، ح 1027؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 241، ح 19094.
38- . في الأصل بياض بمقدار ثلاث كلمات.
39- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 248، ح 839 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 290، ح 1028؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 240 241، ح 19092.
40- . نقد الرجال، ج 1، ص 104 _ 105، الرقم 185.
41- . مجمع البحرين، ج 1، ص 620 (خبص).
42- . صحاح اللغة، ج 3، ص 1001 (حرش)؛ مجمع البحرين، ج 1، ص 488.

ص: 458

. .

ص: 459

. .

ص: 460

. .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

. .

ص: 464

باب صوم المتمتّع إذا لم يجد الهدي

باب صوم المتمتّع إذا لم يجد الهديأجمع الأصحاب (1) على أنّ المتمتّع ينتقل فرضه من الهدي إلى صوم عشرة أيّام، ثلاثة في الحجّ، وسبعة بعد رجوعه إلى أهله إذا لم يجد ثمنه، سواء وجد الهدي أو فقد . وذهب إليه العامّة أيضا كافّة. (2) ويدلّ عليه قوله تعالى : «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ» ، (3) وأكثر ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب. وما رواه الشيخ قدس سره وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : كنت قائما اُصلّي وأبو الحسن قائم قدّامي وأنا قائم لا أعلم، فجاءه عبّاد البصريّ، قال : فسلّم ثمّ جلس، فقال له : يا أبا الحسن، ما تقول في رجل تمتّع ولم يكن له هدي؟ قال : «يصوم الأيّام التي قال اللّه تعالى »، قال : فجعلت سمعي إليهما ، قال له عبّاد : وأيّ أيّام هي؟ قال : «قبل التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة »، قال : فإن فاته ذلك؟ قال : «يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك »، قال : فلا تقول كما قال عبداللّه بن الحسن؟ قال : «فأيش قال؟» قال : قال يصوم أيّام التشريق ، قال : «إنّ جعفراً كان يقول : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بُدَيلاً ينادي أنّ هذه أيّام أكل وشرب، فلا يصومنّ أحد »، قال : يا أبا الحسن، إنّ اللّه تعالى قال : «فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ» ؟ قال : «كان جعفر يقول : ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ ». (4) وبسندين صحيحين عن ابن سنان ولعلّه عبداللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل تمتّع فلم يجد هديا؟ قال : «فليصم ثلاث أيّام ليس فيها أيّام التشريق، ولكن يقيم بمكّة حتّى يصومها، وسبعة إذا رجع إلى أهله »، وذكر حديث بُدَيل بن ورقاء . (5) وفي الصحيح عن ابن مسكان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل تمتّع فلم يجد هديا؟ قال : «يصوم ثلاثة أيّام »، قلت له : أفيها أيّام التشريق؟ قال : «لا ، ولكن يقيم بمكّة حتّى يصومها وسبعة أيّام إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكّة فليصم عشرة أيّام إذا رجع إلى أهله»، وذكر حديث بديل بن ورقاء . (6) وفي الصحيح عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : قلت له : ذكر ابن السرّاج أنّه كتب إليك يسألك عن متمتّع لم يكن له هدي، فأجبته في كتابك إليه: يصوم أيّام منى، فإن فاته ذلك صام صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك ، قال : «أمّا أيّام منى فإنّها أيّام أكل وشرب لا صيام فيها وسبعة أيّام إذا رجع إلى أهله ». (7) واختلفوا فيما إذا وجد الثمن وفقد الهدي فمالَ المحقّق إلى أنّه حينئذٍ ينتقل إلى الصوم. (8) ويدلّ عليه إطلاق الآية وأكثر الأخبار المشار إليها ، وجزم بها ابن إدريس، وحكاه عن قول الشيخ في بعض كتبه، وكلامه الذي حكاه ليس صريحا فيما نسبه إليه، ففي السرائر : والأظهر الأصحّ أنّه إذا لم يجد الهدي ووجد ثمنه لا يلزمه أن يخلّفه ، بل الواجب عليه إذا عدم الهدي الصوم، سواء وجد الثمن أو لم يجد ؛ لأنّ اللّه تعالى لم ينقلنا عند عدم الهدي إلّا إلى الصوم، ولم يجعل بينهما واسطة ، فمتى نقلنا إلى ما لم ينقلنا اللّه تعالى إليه نحتاج إلى دليل شرعي . وإلى ما اخترناه يذهب شيخنا أبو جعفرفي جمله وعقوده في فصل نزول منى وقضاء المناسك بها، قال : فهدي التمتّع فرض مع القدرة ، ومع العجز فالصوم بدل منه ، (9) هذا آخر كلامه . (10) انتهى . والمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ (11) في أكثر كتبه والصدوقان (12) والشهيدان (13) أنّه يخلّف الثمن عند ثقة يشتريه ويذبحه عنه طول ذي الحجّة، فإن مضى ذو الحجّة، ولم يوجد ففي قابل ، وهو محكي عن السيّد المرتضى (14) وأبي الصّلاح (15) وابن البرّاج (16) وابن حمزة، (17) وهو ظاهر المفيد في المقنعة في كتاب الصوم منها حيث قال : «فإذا لم يجد المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثمن الهدي لإعساره فعليه أن يصوم ». (18) ويدلّ عليه حسنة حريز، (19) وما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن النضر بن قرواش قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فوجب عليه النسك، فطلبه فلم يصبه، وهو موسر حسن الحال، وهو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له أن يصنع؟ قال : «يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكّة إن كان يريد المضيّ إلى أهله، وليذبح عنه في ذي الحجّة »، فقلت : فإنّه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجّة نسكا وأصابه بعد ذلك؟ قال : «لا يذبح عنه إلّا في ذي الحجّة ». (20) والنضر هذا وإن كان مجهول الحال لكن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن البزنطيّ (21) وبذلك جمعوا بين الأدلّة ، ولا يبعد القول بالتخيير بين الأمرين . وعن ابن الجنيد أنّه قال : ولو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيّراً بين أن ينظر أوسط ما وجد به في سنة هديٌ فتصدّق به بدلاً منه، وبين أن يصوم، وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكّة يذبح عنه إلى آخر ذي الحجّة، فإن لم يجد ذلك أخّره إلى قابل أيّام النحر . (22) هذا ، ويدلّ صحيح رفاعة (23) على أنّ وقت الثلاثة الأيّام التي في الحجّ هو السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة . ومثله بعض ما اُشير إليه من الأخبار ، وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «الصوم الثلاثة الأيّام، إن صامها فأخّرها يوم عرفة». (24) ولاريب في جوازه بعد أيّام التشريق إلى آخر ذي الحجّة . ويستفاد ذلك من بعض الأخبار ، وقد صرّح به أكثر العلماء الأخيار، منهم الشيخ في أكثر كتبه (25) والشهيد ، (26) وهل يجوز قبل السابع؟ ادّعى ابن إدريس إجماع الأصحاب على عدمه ، ثمّ قال : «ولولا إجماعهم لجاز؛ لعموم الآية ». (27) وأقول : الظاهر استحباب صومها في السابع ويومين بعده، وجوازه قبلها مع التلبيس بالحجّ أو العمرة؛ لما ذكر من العموم، والجمع بين الأخبار المشار إليها وبين موثّق عبد الكريم بن عمرو ، (28) وفي المنتهى : ويستحبّ أن يكون الثلاثة في الحجّ هي: يوم قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة ، وذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال عطاء وطاووس والشعبيّ ومجاهد والحسن والنخعيّ وسعيد بن جبير وعلقمة وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي . وقال الشافعيّ : أخّرها يوم التروية، وهو محكي عن ابن عمر وعائشة ومروي عن أحمد . (29) وفي كنز العرفان : ثمّ الصوم في الحجّ هو: أن يصوم يوما قبل التروية، ويومها، ويوم عرفة متتابعا ، وروي جوازها في أوّل ذي الحجّة مع تلبّسه بالمتعة . وقال أبو حنيفة : إذا أهلّ بالعمرة جاز الصوم إلى يوم النحر . وقال الشافعيّ : لا يجوز قبل إحرام الحجّ . (30) فتأمّل . ثمّ ظاهر جماعة من الأصحاب بل صريح بعض منهم _ منهم الشيخ جواز هذا الصوم فيما ذكر من الأيّام الثلاثة وإن لم يتلبّس بالحجّ ، وادّعى ابن إدريس عليه الإجماع، قال : وصيام هذه الأيّام يجوز، سواء أحرم بالحجّ أو لم يحرم؛ لأجل الإجماع من أصحابنا، وإلّا فما كان يجوز الصيام إلّا بعد إحرم الحجّ؛ لأنّه تعالى قال : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ» (31) ، فجعل الحجّ غاية لوجوب الهدي، فإذا لم يحرم ما وجدت الغاية ، بل الإجماع مخصّص لذلك . ويمكن أن يقال : العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ حجّ، وحكمها حكم الحجّ؛ لأنّها لا تنعقد للإحرام بها إلّا في أشهر الحجّ ، فعلى هذا إذا أحرم بها فقد وجد أوّل الحجّ . (32) انتهى . وأنت خبير بأنّه تعالى إنّما جعل الحجّ غاية للتمتّع بالعمرة لا لوجوب الهدي ، وإنّما علّق الهدي على التمتّع بالعمرة ، فلا حاجة إلى التكلّف الذي ارتكبه . واعلم أنّ هذا الصوم إنّما يكون بدلاً عن أصل الهدي لا عن ذبحه، والهدي قد وجب بإحرام عمرة التمتّع عند الأصحاب وأكثر العامّة لما عرفت وإن كان ذبحه إنّما يجب في يوم النحر، فلا يرد أنّه كيف يجزي البدل في هذه الأيّام مع عدم وجوب مبدله فيها . نعم ، يرد ذلك على من قال بأنّه لا يجب أصل الهدي حتّى يقف بعرفة أو يرمي الجمرة، والأوّل منقول عن عطاء، والثاني عن مالك . (33) وهنا مسائل متعلّقة بالباب قد حقّقها شيخنا المقداد في كنز العرفان، ولا بأس أن نذكرها لفوائد جمّة ، قال : فروع : الأوّل : لو وجد الهدي قبل الصوم تعيّن الذبح ولم يجز الصوم ، وللشافعيّ أقوال منشؤها اعتبار حال الوجوب أو الأداء أو أغلظ الحالين . (34) الثاني : لو وجده بعد الشروع في الصوم لم يجب عليه الرجوع إلى الهدي ، لكنّه أفضل ، وبه قال الشافعيّ ، وقال أبو حنيفة بذلك إن وجده في السبعة، وإن وجده في الثلاثة أهدى، وفيما بينهما إن كان قد أحلّ فالصوم، وإلّا فالهدي . (35) الثالث : إذا لم يصم السابع والثامن والتاسع بل ابتدأ بالثامن، صام الثالث بعد أيّام التشريق، ولا يجوز صومها في أيّام التشريق ، وبه قال الشافعيّ في الجديد، وجوّز صومها في القديم . (36) الرابع : إذا لم يصمها في الذي تقدّم صامها في بقيّة ذي الحجّة أداءً، فإذا أهلَّ المحرم ولم يصم تعيّن الهدي ، وقال أبو حنيفة : إذا جاء النحر ولم يصم تعيّن الهدي في ذمّته ، وقال الشافعيّ في الجديد : يصومها بعد أيّام التشريق باقي ذي الحجّة قضاءً . (37) الخامس : يجب فيها التتابع ولذلك قرئ شاذّا : «متتابعات »، (38) فلو أفطر لغير عذر في أثنائها استأنف، إلّا في كون الثالث العيد، ويصحّ صوم هذه ولو صدق عليه اسم السفر . السادس : السبعة يصومها إذا فرغ من أفعال الحجّ بعد الرجوع إلى أهله، ولو أقام بمكّة انتظر بقدر وصول صحبه أو مضيّ شهر . وقال أبو حنيفة : يصومها إذا فرغ من أفعال الحجّ . وللشافعيّ قولان . (39) لنا: ظاهر الآية ، فإنّ الرجوع لا يفهم منه إلّا ذلك . السابع : لا يجب التتابع في السبعة على أصحّ القولين عندنا ، ويجوز صومها متتابعة بعد الثلاثة إذا اتّفق الشرط . (40)

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 268، المسألة 604 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 743.
2- . اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3، ص 505 ؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 334.
3- . البقرة (2): 196.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 230 231، ح 779؛ الاستبصار، ج 2، ص 278، ح 988؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 192 193، ح 18961.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 228 229، ح 774؛ الاستبصار، ج 2، ص 276 277، ح 983؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 191، ح 18958.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 229، ح 775؛ الاستبصار، ج 2، ص 277، ح 984؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 192، ح 18959.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 229، ح 776؛ الاستبصار، ج 2، ص 277، ح 985؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 192، ح 18960.
8- . المختصر النافع، ص 90.
9- . الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 235 236).
10- . السرائر، ج 1، ص 592 .
11- . المبسوط، ج 1، ص 370؛ النهاية، ص 254؛ مصباح المتهجّد، ص 702؛ الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص 235).
12- . الفقيه، ج 2، ص 513 ، باب ما يجب على المتمتّع إذا وجد ثمن الهدي ولم يجد الهدي.
13- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 439، الدرس 111؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 304.
14- . الانتصار، ص 238.
15- . الكافي في الفقه، ص 200.
16- . المهذّب، ج 1، ص 258.
17- . الوسيلة، ص 182.
18- . المقنعة، ص 365.
19- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 176، ح 18913.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 37، ح 110؛ الاستبصار، ج 2، ص 260، ح 917؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 176، ح 18914.
21- . اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 830 ، الرقم 1050.
22- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 271.
23- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 178، ح 18919.
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 234، ح 791؛ الاستبصار، ج 2، ص 283، ح 1003؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 181، ح 18928.
25- . النهاية، ص 255؛ الاقتصاد، ص 307 308؛ المبسوط، ج 1، ص 370.
26- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 440، الدرس 111.
27- . السرائر، ج 1، ص 594 .
28- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 179، ح 18920.
29- . منتهى المطلب، ج 2، ص 743. وانظر: المغني لابن قدامة، ج 3، ص 505 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 334.
30- . كنز العمّال، ج 1، ص 297.
31- . البقرة (2): 196.
32- . السرائر، ج 1، ص 594 .
33- . اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 273؛ الاستذكار، ج 4، ص 101؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 184.
34- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 279؛ الخلاف، ج 2، ص 277 278، المسألة 51 ؛ فتح العزيز، ج 7، ص 191 192؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 190.
35- . اُنظر: المصادر المتقدّمة.
36- . اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 211، المسألة 70؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 272؛ المجموع للنووي، ج 6 ، ص 441؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 345؛ عمدة القاري، ج 10، ص 157.
37- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 273 المسألة 610 ؛ فتح العزيز، ج 7، ص 173 174؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 186.
38- . اُنظر: جامع البيان، ج 7، ص 40 و 41، ح 9750 و 9756؛ مجمع البيان، ج 3، ص 409.
39- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 189.
40- . كنز العرفان، ج 1، ص 297 298.

ص: 465

. .

ص: 466

. .

ص: 467

. .

ص: 468

. .

ص: 469

. .

ص: 470

. .

ص: 471

باب الزيارة والغسل فيها

باب الزيارة والغسل فيهاأراد بالزيارة طواف الحجّ . وفي المنتهى: يسمّى طواف الزيارة؛ لأنّه يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكّة، بل يرجع إلى منى، ويسمّى أيضا طواف الإفاضة، لأنّه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكّة . (1) وهو ركن من أركان الحجّ عند علماء الإسلام على ما ذكره في المنتهى ، (2) واحتجّ على وجوبه بقوله تعالى : «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» (3) ، وبما رواه الجمهور عن عائشة، قالت : حججنا مع النبيّ صلى الله عليه و آله فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفيّة، فأراد النبيّ صلى الله عليه و آله منها ما يريد الرجل من أهله ، فقلت : يارسول اللّه إنّها حائض ، قال : «أحابستنا هي؟» قالوا : يارسول اللّه ، انّها قد أفاضت ليوم النحر ، قال : «اخرجوا »، (4) حيث دلّ على أنّ هذا الطواف لابدّ منه وأنّه جالس لمن لم يأت به . وبما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ثمّ احلق رأسك واغتسل، وقلّم أظفارك، وخُذ من شاربك، وزر البيت وطف به اُسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكّة». (5) وبأنّ الحجّ أحد المنسكين، فكان الطواف واجبا فيه كالعمرة . واختلفوا في وقت هذا الطواف اختياراً بعد الإجماع على جواز فعله إلى آخر ذي الحجّة للمضطرّ ، فالمشهور بين الأصحاب أنّه لا يجوز للمتمتّع تأخيره عن يوم الحادي عشر، وأنّه لو أخّره عنه أتمّ وأجزأ، وأنّه يجوز ذلك للمفرد والقارن . (6) والفارق صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المتمتّع متى يزور البيت؟ قال : «يوم النحر أو من الغد ولا يؤخّر ، والمفرد والقارن ليسا بسواء موسّع عليهما ». (7) وظاهر المصنّف قدس سره كراهية تأخيره عنه مطلقا، متمتّعا كان الحاجّ أو غيره، حيث إنّه لم يتعرّض في الباب إلّا لما دلّ على استحباب تعجيله مطلقا من حسنة الحلبيّ (8) ومعاوية بن عمّار ، (9) ويؤكّدهما إطلاق صحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن تؤخّر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنّما يستحبّ تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض ». (10) وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتّى أصبح ، فقال : «ربّما أخّرته حتّى تذهب أيّام التشريق ، ولكن لا تقربوا النساء والطيب ». (11) وصحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيّام التشريق ، إلّا أنّك لا تقرب النساء ولا الطيب ». (12) وموثّق إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن زيارة البيت يؤخّر إلى اليوم الثالث؟ قال : «تعجيلها أحبّ إليّ [ وليس به بأس إن أخّرها]». (13) وهذا القول هو أظهر في الجمع؛ حملاً للنهي في الخبر الأوّل على الكراهة الشديدة ، وهو ظاهر الصدوق أيضا ، وصرّح به ابن إدريس حيث قال : فإذا فرغ المتمتّع من مناسكه يوم النحر بمنى فليتوجّه إلى مكّة يوم النحر لطواف الحجّ وسعيه، فإن أخّره لعذر زار البيت من الغد ويستحبّ له أن لا يؤخّر طواف الحجّ وسعيه أكثر من ذلك، فإن أخّره فلا بأس عليه، وله أن يأتي بالطواف والسعي طول ذي الحجّة؛ لأنّه من شهور الحجّ، وإنّما يقدّم ذلك على جهة التأكيد للمتمتّع . (14) وقد ورد في بعض الأخبار نهي المتمتّع عن تأخيره عن يوم النحر، رواه منصور بن حازم في الصحيح، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «لا يبيت المتمتّع يوم النحر، بمنى حتّى يزور ». (15) ومحمّد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن المتمتّع متى يزور البيت؟ قال : «يوم النحر ». (16) وهو محمول على الكراهة إجماعا . ويستحبّ الغسل لهذا الطواف إجماعا ، وقد سبق في أبواب الأغسال ما يدلّ عليه . وقال الشيخ في التهذيب : ولا بأس أن يغتسل الإنسان بمنى، ويجيء إلى مكّة ويطوف بذلك الغسل بالبيت ، وكذلك لا بأس أن يغتسل بالنهار ويطوف بالليل ما لم ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم، فإن نقضه بحدث أو نوم فإنّه يعيد الغسل حتّى يطوف وهو على غسل . (17) واحتجّ عليه بخبر الحسين بن أبي العلاء، (18) وهو صحيح بناءً على تزكية السيّد جمال الدِّين إيّاه في البشرى، (19) وموثّق إسحاق بن عمّار، (20) وبصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يغتسل للزيارة ثمّ ينام، أيتوضّأ قبل أن يزور؟ قال : «يعيد غسله لأنّه إنّما دخل بوضوء ». (21) ولا اختصاص لهذا الغسل بالرجال، بل يستحبّ للنساء أيضا، لصحيحة عمران الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال : «نعم، إنّ اللّه تعالى يقول : «وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» (22) ، وينبغي للعبد أن لا يدخل إلّا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهّر ». (23)

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 766.
2- . نفس المصدر.
3- . الحج (22) : 29 .
4- . صحيح البخاري، ج 2، ص 189 190؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 146؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 464.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 250، ح 848 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 247، ح 19111.
6- . تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 349 350، المسألة 670 ؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 204؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 767؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 109 110.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 249، ح 844 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 291، ح 1036؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 245، ح 19106.
8- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 245، ح 19105.
9- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 243، ح 19099.
10- . الاستبصار، ج 2، ص 291، ح 1034؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 245، ح 19107.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 250، ح 847 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 291، ح 1035؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 233 234، ح 19074.
12- . الفقيه، ج 2، ص 389، ح 2785؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 244، ح 19101.
13- . الفقيه، ج 2، ص 388، ح 2781؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 250، ح 845 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 291، ح 1033؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 246، ح 19108. وما بين الحاصرتين من مصادر الحديث.
14- . السرائر، ج 1، ص 602 .
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 249، ح 842 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 290 291، ح 1031؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 245، ح 19104.
16- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 249، ح 841 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 290، ح 1030؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 244، ح 19103.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 250.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 250 251، ح 849 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 248، ح 19113.
19- . حكاه عنه ابن داود في رجاله، ص 79، الرقم 468.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 251، ح 850 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 248، ح 19114.
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 251، ح 851 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 249، ح 19116.
22- . الحج (22) : 26 .
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 251، ح 852 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 247، ح 19112.

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

باب طواف النساء

باب طواف النساءأجمع الأصحاب عدا ابن أبي عقيل (1) على وجوب طواف النساء على الرجال والنساء والخصيان من البالغين وغيرهم في الحجّ مطلقا وفي العمرة المفردة ، (2) بل ربّما عبّر عنه بالفرض بناءً على أنّه المراد بقوله سبحانه : «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ، (3) ودلَّ عليه خبر حمّاد بن عثمان . (4) ويدلّ على ذلك في الحجّ زائداً على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله، قال : «لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت ويطوف، فإن مات فليقض عنه وليّه [ أو غيره]، فأمّا ما دام حيّا فلا يصلح أن يقضى عنه، وإن نسي رمى الجمار فليسا بسواء، الرمي سنّة والطواف فريضة ». (5) وعن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لولا ما منَّ اللّه به على الناس من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم، ولا ينبغي لهم أن يمسّوا نساءهم »، يعني لا تحلّ لهم النساء حتّى يرجع فيطوف بالبيت اُسبوعا آخر بعدما سعى بين الصفا والمروة، وذلك على النساء والرجال واجب . (6) وأخبار متكثّرة وردت فيمن نسيه وستأتي . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «إذا فرغ من الذبح والحلق زار البيت، فيطوف سبعة أشواط ويسعى، فإذا فعل ذلك أحلَّ من إحرامه »، وأنّه نُسب القول بتوقّف حلّها إليه إلى رواية شاذّة . (7) والدليل عليه في العمرة المفردة خبر إسماعيل بن أبي رباح، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال : «نعم ». (8) ورواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن عمر أو غيره، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المعتمر يطوف ويسعى ويحلق»، قال: «ولابدّ له بعد الحلق من طواف آخر »، (9) وما سيأتي عن محمّد بن عيسى . (10) وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على عدم وجوبه فيها ، رواه أبو خالد مولى عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ فقال : «ليس عليه طواف النساء ». (11) وسيف عن يونس، [ عمّن] رواه قال : ليس طواف النساء إلّا على الحاجّ . (12) وحمل الشيخ في التهذيب (13) الأوّل على من اعتمر عمرة مفردة في أشهر الحجّ ، ثمّ أراد أن يجعلها متعة للحجّ . واستدلّ له ببعض ما سنرويه ممّا دلّ على عدم وجوبه في عمرة التمتّع، واطّرح الثاني مستنداً بعدم استناده إلى معصوم؛ ولمعارضتها لأخبار متكثّرة . وأمّا عمرة التمتّع فالمشهور بين الأصحاب عدم وجوبه فيهما، لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن عيسى، قال : كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازيّ إلى الرجل عليه السلام يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء ؟ وعن العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ ؟ فكتب : «أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء ». (14) وعن صفوان بن يحيى، قال : سأله أبو حارث عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فطاف وسعى وقصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال : «لا ، إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى ». (15) ولأخبار متكثّرة وردت في كيفيّة التمتّع، خالية كلّها عن طواف النساء في عمرته ، وقد سبقت في باب ما على المتمتّع من الطواف وغيره . وقد حكى في الدروس (16) قولاً بوجوبه عليه أيضا عن بعض الأصحاب من غير أن يعيّن قائله، وكأنّه تمسّك بما روى سليمان بن حفص المروزيّ عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا حجّ الرجل متمتّعا فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصّر فقد حلّ له كلّ شيء ما خلا النساء؛ لأنّ عليه لتحلّه النساء طوافا وصلاة». (17) وهو غير صريح فيما ذكر، بل يحتمل إرادة وجوبه في حجّه لا في عمرته. وهو ليس بركن إجماعا، فتركه غير مفسد للنسك مطلقا، ولم أجد نصّا صريحا ولا تصريحا من الأصحاب في حكم تركه عمداً وجهلاً، إلّا أنّهم صرّحوا بكونه غير ركن، وهو مستلزم لما ذكر، ولولا ذلك لأمكن القدح فيه؛ لشمول ما ورد في أنّ ترك الطواف جهلاً مفسد للحجّ لطواف النساء أيضا ، وقد سبق في باب الطواف واستلام الأركان . وأمّا تركه نسيانا فقال الشيخ في التهذيب : من نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله، فإنّه لا يحلّ له النساء حتّى يعود فيطوف طواف النساء، فإن لم يتمكّن من الرجوع جاز له أن يأمر مَن يطوف عنه، فإن مات ولم يكن قد طاف فليقض عنه وليّه . (18) واحتجّ عليه بصحيحة معاوية بن عمّار (19) المتقدّمة وصحيحته الاُخرى، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله؟ قال : «يرسل فيُطاف عنه، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه ». (20) وصحيحته الاُخرى عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل نسي طواف النساء حتّى أتى الكوفة، قال : «لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت »، قلت : فإن لم يقدر؟ قال : «يأمر مَن يطوف عنه ». (21) ويدلّ عليه أيضا ما رواه المصنّف في الباب من حسنة معاوية بن عمّار ، (22) والأكثر لم يشترطوا في جواز الاستنابة تعذّر العود، كما هو ظاهر بعض ما ذكر من الأخبار ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط ، وبذلك ميّزه عن طواف الزيارة، فقال : ومن نسي طواف الزيارة حتّى رجع إلى أهله وواقع أهله كان عليه بدنة والرجوع إلى مكّة وقضاء طواف الزيارة، وإن كان طواف النساء وذكر بعد رجوعه إلى أهله جاز أن يستنيب غيره ليطوف عنه، فإن أدركه الموت قضى عنه وليّه . (23) ولقد أجمعوا على أنّ تركه غير موجب للبدنة إلّا مع الجماع قبل قضائه، (24) كما هو شأن الجماع قبل طواف النساء، وقد سبق في باب المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه . ثمّ الظاهر من إطلاق الأخبار والفتاوى عدم حلّ النساء فيما إذا تركه وإن طاف طواف الوداع ، ويظهر من الصدوق في الفقيه الميل إلى إجزائه عنه، حيث قال بعدما ذكر أخبار نسيانه _: «وروي فيمن ترك طواف النساء أنّه إن كان طاف طواف الوداع فهو طواف النساء ». (25) وأشار به إلى خبر إسحاق بن عمّار (26) المتقدّم . وفي المختلف : اعلم أنّ ابن بابويه قال : ومتى لم يطف الرجل طواف النساء لم تحلّ له النساء حتّى يطوف ، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تجامع حتّى تطوف طواف النساء، إلّا أن يكونا طافا طواف الوداع، فهو طواف النساء . وهذا القول في غاية الإشكال، فإنّ طواف الوداع مستحبّ وطواف النساء واجب ، فكيف يجزي عنه؟ (27) هذا ، والمشهور توقّف حلّ الرجال على النساء أيضا على طوافهن للنساء ، ولم أجد قولاً بخلافه، وهو ظاهر إيجاب الشارع هذا الطواف عليهنّ . نعم، استشكله العلّامة في المختلف (28) مستنداً بعدم نصّ عليه، واختصاص النصوص في ذلك الباب بتوقّف حلّ النساء على الرجال على طوافهم ، فتأمّل . والمشهور أنّ وقت هذا الطواف بعد السعي . ويدلّ عليه الأخبار المتكثّرة الواردة في بيان أفعال الحجّ والعمرة، حيث أخّر فيها عن السعي وعطف في بعضها بلفظة «ثمّ» كحسنة معاوية بن عمّار المرويّة في الباب السابق، (29) ومرسلة أحمد بن محمّد (30) المرويّة في الباب الآتي . وفرّعوا عليه وجوب إعادته بعد السعي لو قدّمه عليه ، لكنّ موثّق سماعة (31) تدلّ على جواز تقديمه على السعي، وحمله الأكثر على الضرورة، وعدّوا منها خوف الحيض المتأخّر ، (32) وحمله الشيخ في التهذيب (33) على الساهي . وأنت خبير بعدم دلالة الترتيب على عدم الإجزاء لو وقع على خلافه ؛ لكفاية ترتّب الإثم عليه ، بل ظاهر المرسلة عدم وجوب الإعادة كما لا يخفى ، فتدبّر . قوله في موثّق إسحاق بن عمّار : (لولا ما منَّ اللّه عزّ وجلّ على الناس من طواف النساء ) .] ح 3 / 7943] الظاهر طواف الوداع بدل طواف النساء؛ لئلّا تلزم المصادرة، وكان النساء من تصحيف النسّاخ أو من بعض الرواة عن عبداللّه بن سنان ، ويؤيّده أنّ الشيخ قدس سره قد روى هذا الخبر بعينه بسند آخر عن عبداللّه بن سنان عن إسحاق، وفيه: «الوداع»، (34) وقد سبق . قوله في خبر الحلبيّ : (أليس يزور البيت ) [ ح 6 / 7946] أي: أليس يرجع من منى إلى مكّة لوداع البيت، فليطف النساء بعد الرجوع .

.


1- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 300 و 365.
2- . اُنظر: منتهى المطلب، ج 2، ص 768؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 202؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 353، المسألة 673 ؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 195.
3- . الحجّ (22): 29.
4- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 299، ح 17794.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 253، ح 857 ، و ص 255، ح 865 ، وص 489، ح 1747؛ الاستبصار، ج 2، ص 233، ح 807 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 406، ح 18077.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 253، ح 856 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 299، ح 17792.
7- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 300 301.
8- . الكافي، باب المعتمر يطأ أهله، ح 8 ؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 253، ح 858 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 231، ح 801 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 455، ح 18177.
9- . الكافي، باب المعتمر يطأ أهله، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 254، ح 859 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 231 232، ح 802 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 443، ح 18171.
10- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 442 443، ح 18170.
11- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 254، ح 860 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 232، ح 803 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 445، ح 18178.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 254، ح 863 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 232، ح 806 و ما بين الحاصرتين منه؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 446، ح 18179.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 254.
14- . الكافي، باب المحرم يطأ أهله، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 163، ح 545 ، و ص 254، ح 861 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 232، ح 804 ، و ص 245، ح 854 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 442 443، ح 18170.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 254، ح 862 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 232، ح 805 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 444، ح 18175.
16- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 329، الدرس 86 .
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 162، ح 544 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 444 445، ح 18176.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 255، بعد الحديث 864 .
19- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 406، ح 18077.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 255 256، ح 866 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 233، ح 808 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 407، ح 18078.
21- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 256، ح 867 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 233، ح 809 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 407، ح 18079.
22- . هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 407 408، ح 18081.
23- . المبسوط، ج 1، ص 359. ومثله في النهاية، ص 240.
24- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 160.
25- . الفقيه، ج 2، ص 391، بعد الحديث 2789.
26- . وسائل الشيعة، ج 13، ص 299، ح 17792.
27- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 301 302. و صرّح فيه أنّ ابن بابويه قال في رسالة، ولم أعثر عليه، ونحوه موجود في فقه الرضا عليه السلام ، ص 230.
28- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 203.
29- . الحديث الرابع من الباب المتقدّم؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 243، ح 19099.
30- . الحديث الخامس من الباب المتقدم لا الباب الآتي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 417، ح 18101.
31- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 418، ح 18102.
32- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 144؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 191.
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 133 134، ح 439.
34- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 253، ح 856 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 299، ح 17792.

ص: 475

. .

ص: 476

. .

ص: 477

. .

ص: 478

. .

ص: 479

. .

ص: 480

باب من بات عن منى في لياليها

باب من بات عن منى في لياليهاأجمع الأصحاب (1) على وجوب المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر لمن اتّقى الصيد والنساء ولم يكن بها يوم الثاني عشر إلى الغروب، وإلّا فليلة الثالث عشر أيضا . ويشهد له أخبار، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما سنرويه. وهو المشهور بين العامّة . وحكى في المنتهى (2) عن الحسن البصريّ وفي إحدى الروايتين عن أحمد استحبابه . (3) ثمّ المشهور جواز الخروج بعد الانتصاف مطلقا وإن دخل مكّة قبل الفجر أو لم يكن قصده منه زيارة البيت . ويدلّ عليه صحيح العيص، (4) وعموم روايات اُخرى، منها : حسن معاوية بن عمّار ، (5) ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا فرغت من طوافك للحجّ وطواف النساء فلا تبت إلّا بمنى، إلّا أن يكون شغلك في نسكك ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى ». (6) وعن عبد الغفّار الجازيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكّه، فقال : «لا يصلح له حتّى يتصدّق بها صدقة أو يهريق دما، فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شيء ». (7) وقيّده الشيخ في المبسوط والنهاية بما إذا لم يدخل مكّة قبل الفجر فقال فيهما : «وإن خرج من منى بعد نصف الليل جاز له أن يبيت بغيرها، غير أنّه لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر ». (8) وكأنّه تمسّك في ذلك بالجمع بين ما ذكر وبين ما رواه في الاستبصار عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكنانيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الدلجة إلى مكّة أيّام منى وأنا أريد أن أزور البيت، قال : «لا، حتّى ينشقّ الفجر كراهية أن تبيت بغير منى ». (9) وفيه: أنّ الخبر مع ضعفه بمحمّد بن الفضيل، (10) وعدم قابليّته للمعارضة لما ذكر من الأخبار ظاهر في كراهية الخروج عن منى قبل الفجر من غير اختصاص لها بمكّة، كما ذهب إليه العلّامة في المنتهى (11) محتجّا بهذا الخبر . وعكس في التهذيب فقيّده بما إذا قصد زيارة البيت، وحمل عليه في وجه صحيحة معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل زار البيت، فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتّى يطلع الفجر ، فقال : «ليس عليه شيء، كان في طاعة اللّه عزّ وجلّ ». (12) وفيه تأمّل يظهر وجهه عن قريب . وأجمعوا على وجوب شاة لمن بات بغير منى في ليلة يجب عليه المبيت فيها بها . (13) ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمار، (14) ومرسلة جميل، (15) وصحيحة صفوان، قال : قال أبو الحسن عليه السلام : «سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكّة ، فقلت: لا أدري »، فقلت له : جعلت فداك، ما تقول فيها؟ قال : «عليه دم إذا بات »، فقلت : إن كان إنّما حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه وسعيه، لم يكن لنوم ولا لذّة، أعليه مثل ما على هذا؟ قال : «ليس هذا بمنزلة هذا، وما أحبّ أن ينشقّ له الفجر إلّا وهو بمنى ». (16) وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام ، عن رجل بات بمكّة في ليالي منى حتّى أصبح؟ قال : «إن كان أتاها نهاراً وبات فيها حتّى أصبح فعليه دم يهريقه ». (17) وعلى هذا فلو ترك المبيت بها في الليالي الثلاث جمع وجب عليه ثلاث شياه إن لم يكن متّقيا، أو كان واقفا بها يوم الثاني عشر إلى غروب الشمس، وإلّا فشاتان على المشهور، وهو واضح . وحكى في المنتهى (18) عن أحد قولي الشيخ وجوب ثلاث شياه مطلقا، وهو ظاهر إطلاقه في النهاية حيث قال : «ومن بات الثلاث ليال بغير منى متعمّداً كان عليه ثلاثة من الغنم». (19) وكانّه تمسّك بإطلاق خبر محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن جعفر بن ناجية، قال: سألت أباعبد اللّه عليه السلام عمّن باتَ ليالي منى بمكّة، فقال: «عليه ثلاثة من الغنم يذبحهنّ». (20) وفيه: أنّه مع ضعفه مخصّص بمن وجب عليه المبيت بها في الليلة الثالثة أيضا، أو محمول على الاستحباب؛ للجمع كما فعله الشيخ في المبسوط، فإنّه قال : من بات عن منى ليلة كان عليه دم شاة على ما قدّمناه، فإن بات عنها ليلتين كان عليه شاتان، فإن بات الليلة الثالثة لا يلزمه شيء؛ لأنّ له النفر في الأوّل - إلى قوله -: وقد روي في بعض الأخبار: «من بات ثلاث ليال عن منى فعليه ثلاث دماء»، وذلك محمول على الاستحباب أو على من لم ينفر في النفر الأوّل حتّى غابت الشمس، فإنّه إذا غابت ليس عليه أن ينفر، فإن نفر فعليه دم . (21) ولا يبعد حمل كلام الشيخ أيضا عليه كما حمله عليه المحقّق، حيث قال في الشرائع : «وقيل: لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه، وهو محمول على من غربت [ عليه] الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى ». (22) وذهب ابن إدريس أيضا إلى وجوب الثلاث مطلقا مستنداً بأنّه غير متّق، بناءً على تعميمه الاتّقاء بحيث يشمل الاحتراز عن كلّ ما يوجب فدية ، ومن هذه العلّة صحّح قول الشيخ في النهاية ؛ ففي السرائر : ومن بات الثلاث الليالي بغير منى متعمّداً كان عليه ثلاث من الغنم ، ثمّ حكى ما نقلناه عن المبسوط وقال : والأوّل مذهبه في النهاية، (23) وهو الصحيح ؛ لأنّ التخريج الذي خرّجه لا يستقيم له، وذلك أنّ من عليه كفّارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأوّل بغير خلاف ، فقوله رحمه الله : له أن ينفر في النفر الأوّل، غير مسلّم، لأنّ عليه كفّارة لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين. (24) وستعرف اختصاص متعلّق الاتّقاء بالصيد والنساء وعدم شموله لغيرهما من محرّمات الإحرام، فضلاً عن المحرّمات التي بعد الإحلال . وقد رخّص ترك المبيت بها لجماعة: منهم: من بات بمكّة مشتغلاً بالعبادة . ويدلّ عليه صحيحتا معاوية بن عمّار (25) وصفوان (26) المتقدّمتان، وإطلاق الأكثر يقتضي عدم اشتراط الاشتغال بالعبادة تمام الليل . وفي المسالك (27) احتمل اشتراط اشتغاله بها فيما وجب عليه الكون بمنى، يعني إلى نصف الليل ، وظاهر أكثر ما احتجّوا به عليه اشتراط ذلك . ويؤيّده ما ورد من الأمر بالعود إلى منى بعد الفراغ من العبادة، كصحيحة عيص (28) وبعض آخر ممّا رواه المصنّف في الباب ، وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامأنّه قال في الزيارة : «إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّا بمنى »، (29) وإليه ذهب الشهيدان في الدروس (30) وشرح اللمعة. (31) ويتفرّع عليهما وجوب العود إليها بعد الفراغ من العبادة ، والظاهر وجوبه إذا ظنّ أنّه يدركها قبل الفجر؛ لما ذكر . لا يقال: إذا جاز له الخروج إلى منى بعد انتصاف الليل اختياراً، فكيف وجب العود إليها بعد الانتصاف؟ لأنّا نقول : جواز ذلك مختصّ بمن بات بها إلى نصف الليل بقرينة الأخبار التي دلّت على ذلك؛ وللجمع بينها وبين ما ذكر ممّا دلّ على وجوب العود، فلا يتوجّه الإشكال الذي ذكره الشهيد في الدروس بقوله : «ولو فرغ من العبادة قبل الانتصاف ولم يرد العبادة بعده وجب عليه الرجوع إلى منى ولو علم أنّه لا يدركها قبل انتصاف الليل على إشكال ». (32) فإن قيل: عوده إليها مستلزم لفوات جزء من الليل بغير المبيت بها والاشتغال بالعبادة بمكّة . قلنا : هو أيضا مستثنى من المبيت بها بدلالة ما اُشير إليه من الأخبار ، فلا يتوجّه النظر الذي ذكره الشهيد الثاني في شرح اللمعة (33) ووجّهه بذلك . ومنهم: الرعاة، وادّعى الشيخ في الخلاف (34) عدم الخلاف في ترخّصهم ، والعلّامة أيضا في المنتهى (35) محتجّا عليه بما رواه الجمهور عن عاصم بن عدي: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ويرموا الجمرة جمرة العقبة، ثمّ يرموا يوم النفر، (36) وبأنّ المبيت بمنى يشقّ عليهم، وقد قال تعالى : «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (37) . ومنهم: أهل سقاية العبّاس، والمراد بهم الذين شأنهم سقاية الحاجّ من زمزم حيث لم يكن يومئذٍ بمكّة ماء غيرها ، فرخّص لهم المبيت بمكّة؛ لجمع المياه في الأواني والظروف والحياض لسقي الحاج بعد قدومهم ، ولمّا كان العبّاس أميراً لهم سمّيت بسقاية العبّاس . وظاهر الأكثر جواز ذلك للفريقين الأخيرين معا وإن غربت الشمس عليهم بمنى . وحكى في المنتهى قولاً بالفرق بينهما ، فقال : قد قيل: إنّه لو غربت الشمس على أهل سقاية العبّاس بمنى لم يجب عليهم المبيت بها، بخلاف الرعاة ؛ لأنّ الرعاة إنّما يكون رعيهم بالنهار وقد فات، فتفوت الضرورة، فيجب عليهم المبيت ، وأمّا أهل السقاية فشغلهم ثابت ليلاً ونهاراً فافترقا . (38) وفيه: أنّ علّة الترخّص للرعاة إنّما هو مشقّة عودهم وإعادتهم الأنعام على ما يظهر من تعليله، لا أصل الرعي . على أنّ رعي الغنم أكثر ما يكون بالليل ، فلو تمّ ما ذكر إنّما يتمّ في رعاة الإبل خاصّة . واستثنى الشيخ في الخلاف (39) من له مرض يخاف عليه أو مال يخاف ضياعه أيضا؛ محتجّا بما ذكر من الآية ، وحكى فيه عن الشافعيّ وجهين نفيا وإثباتا . (40) ولم يستثن ابن إدريس أحداً من هذه الفرق، وإنّما نسب استثناء الفرقة الاُولى إلى الرواية ونفاه، حيث قال : فإن بات في غيرها كان عليه دم شاة، وقد روى أنّه إن بات بمكّة مشتغلاً بالعبادة والطواف لم يكن عليه شيء وإن لم يكن مشتغلاً بهما كان عليه ما ذكر ، والأوّل أظهر. (41) وإنّما قال بذلك بناءً على أصله .

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 355، المسألة 675 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 769.
2- . منتهى المطلب، ج 2، ص 769.
3- . اُنظر: شرح صحيح مسلم لنووي، ج 9، ص 63 ؛ عمدة القاري، ج 9، ص 275؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 473؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 247.
4- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 256 257، ح 870 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 252، ح 19121.
5- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 258 259، ح 878 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 293 294، ح 1045؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 254، ح 19125.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 256، ح 868 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 251، ح 19118.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 258، ح 877 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 293، ح 1044؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 256، ح 19131.
8- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 378؛ النهاية، ص 265.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 259 260، ح 882 . و رواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 294 295، ح 1049؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 255، ح 19128.
10- . خلاصة الأقوال، ص 395.
11- . منتهى المطلب، ج 2، ص 769.
12- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 258، ح 876 . ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 293، ح 1043؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 254، ح 19126.
13- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 305 306؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 770؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 223.
14- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
15- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
16- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 257، ح 872 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 292، ح 1038؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 252، ح 19122.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 257، ح 873 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 292، ح 1040؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 251 252، ح 19119.
18- . منتهى المطلب، ج 2، ص 770.
19- . النهاية، ص 266.
20- . الفقيه، ج 2، ص 477، ح 3007؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 257، ح 872 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 292، ح 1039؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 253، ح 19123.
21- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 378.
22- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 205.
23- . النهاية، ص 266.
24- . السرائر، ج 1، ص 604 605 .
25- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
26- . وسائل الشيعة، ج 4، ص 251، ح 19118.
27- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 364.
28- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
29- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 256، ح 869 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 252، ح 19120.
30- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 459، الدرس 116.
31- . اُنظر: شرح اللمعة، ج 2، ص 317 318، فإنّه حكى كلام الشهيد في الدروس وأشكل عليه.
32- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 459، الدرس 116.
33- . شرح اللمعة، ج 2، ص 318.
34- . الخلاف، ج 2، ص 354، المسألة 182.
35- . منتهى المطلب، ج 2، ص 771.
36- . فتح العزيز، ج 7، ص 393؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 358.
37- . الحجّ (22) : 78 .
38- . منتهى المطلب، ج 2، ص 771.
39- . الخلاف، ج 2، ص 354 355، المسألة 182.
40- . فتح العزيز، ج 7، ص 394؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 248؛ فتح الباري، ج 3، ص 462؛ عمدة القاري، ج 9، ص 275.
41- . السرائر، ج 1، ص 604 .

ص: 481

. .

ص: 482

. .

ص: 483

. .

ص: 484

. .

ص: 485

. .

ص: 486

باب إتيان مكّة بعد الزيارة للطواف

باب إتيان مكّة بعد الزيارة للطوافأراد قدس سره بيان جواز إتيان مكّة للطواف المندوب في أيّام التشريق بعدما طاف طواف الحجّ ، وقد صرّح الأكثر به، وأنّ الأفضل تركه وعدم الخروج من منى ، منهم الشيخ في المبسوط، (1) والشهيد في الدروس ، (2) وحملوا النهي عنه في صحيحة العيص على أنّ تركه أفضل وأولى؛ للجمع بينها وبين صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها في أيّام منى ولا يبيت بها ». (3) وصحيحة رفاعة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يزور البيت في أيّام التشريق؟ فقال : «نعم إن شاء ». (4) وصحيحة يعقوب بن شعيب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن زيارة البيت أيّام التشريق ، فقال : «حسن ». (5) وموثّق إسحاق بن عمّار، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : رجل زار فقضى طواف حجّه كلّه، أيطوف بالبيت أحبّ إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : «أيّ ذلك شاء فعل ما لم يبت ». (6) ويفصح عن هذا الجمع خبر المرادي . (7)

.


1- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 379.
2- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 464، الدرس 116.
3- . الفقيه، ج 2، ص 479، ح 3013؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 260، ح 883 ، وص 490، ح 1753؛ الاستبصار، ج 2، ص 295، ح 1050؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 259، ح 19141.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 260، ح 884 . ونحوه في الاستبصار، ج 2، ص 295، ح 1051؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 259، ح 19142.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 260، ح 885 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 259، ح 19143.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 490، ح 1756؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 260، ح 19144.
7- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ الفقيه، ج 2، ص 479، ح 3014؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 260 261، ح 887 ، و ص 490، ح 1755 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 295، ح 1053؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 260، ح 19145.

ص: 487

باب التكبير في أيّام التشريق

باب التكبير في أيّام التشريققال الشيخ في المبسوط : وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة من الفرائض، يبدأ بالتكبير يوم النحر بعد الظهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات، يبدأ عقيب الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني من أيّام التشريق - إلى قوله - : ومن أصحابنا من قال : إنّ التكبير واجب . (1) وبه قال في الاستبصار (2) محتجّا بقوله تعالى : «وَاذْكُرُوا اللّه َ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ» (3) ، وبأخبار ظاهرة فيه، ذكر أكثرها المصنّف في الباب، ثمّ عارضها بموثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل ينسى أن يكبّر في أيّام التشريق؟ قال : «إن نسي حتّى قام [ من موضعه] فليس عليه شيء ». (4) وأجاب : بأنّ نفي وجوب الإعادة لا يدلّ على نفي الوجوب، مستنداً بأنّ صلاة الجمعة واجبة وليس على من نسيها قضاء جمعة، وإنّما يلزمه فرض آخر . وقال : «ونظائر ذلك كثيرة ». (5) وهذا القول هو محكي في المختلف (6) عن السيّد المرتضى ، (7) والأوّل هو المشهور بين الأصحاب ، (8) وقد حملوا الأمر في الأخبار المشار إليها على الندب ، كما أنّ لفظ الواجب محمول عليه في موثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «التكبير واجب في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق» (9) بقرينة عطف النافلة على الفريضة، فإنّ أحداً لم يقل بوجوب الذِّكر عقيب النوافل ، فتأمّل . ثمّ المشهور عدم استحبابه عقيب النوافل ؛ قال الشيخ في التهذيب : «فأمّا صلاة النافلة فليس بعدها تكبير أيّام التشريق ». واحتجّ عليه بما رواه في الصحيح عن داوود بن فرقد، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «التكبير في كلّ فريضة وليس في النافلة تكبير أيّام التشريق »؟! (10) وحمل موثّق عمّار المتقدّم على نفي الحظر عمّن كبّر بعدها؛ معلّلاً بأنّ الإنسان غير ممنوع عن التكبير في جميع الأحوال فكيف بعد صلاة النوافل . وفي الاستبصار قال باستحبابه عقيب النوافل أيضا حيث قال : «فأمّا ما تضمّن خبر عمّار الساباطي فالوجه فيما يتعلّق بالنافلة أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الإيجاب ». (11) واستشهد لنفي الإيجاب هنا بخبر داوود بن فرقد . هذا ، وقد اختلفت الأخبار في كيفيّة التكبيرات ، ففي صحيحتي زرارة (12) ومنصور بن حازم (13) ما ترى ، ومثلهما في حسنة معاوية بن عمّار بزيادة: «والحمد للّه على ما أبلانا» (14) في آخرها ، وروى الشيخ (15) ما رواه المصنّف عن زرارة بهذا السند بعينه، وليس فيه قوله : «وللّه الحمد» في البين، واختلافها محمول على مراتب الفضيلة . والمشهور بين الأصحاب ما قاله في المبسوط : وهو: «اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، اللّه أكبر على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ». (16) وفي النهاية (17) والسرائر (18) مثله ، لكن فيهما : «والحمد للّه » بدل «وله الشكر »، ولم أجد لهم مستنداً ، والأحسن ما تضمّنته الأخبار المشار إليها ، ثمّ إنّه يتحقّق الطلب بالمرّة ويستحبّ التكرار إجماعا، كما يفهم من صحيحة محمّد بن مسلم . (19)

.


1- . المبسوط، ج 1، ص 380.
2- . الاستبصار، ج 2، ص 299، باب التكبير أيّام التشريق.
3- . البقرة (2) : 203 .
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 270، ح 924، وص 487، ح 1739؛ الاستبصار، ج 2، ص 299، ح 1071؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 465، ح 9873.
5- . الاستبصار، ج 2، ص 299 300، ذيل الحديث 1071.
6- . مختلف الشيعة، ج 2، ص 273.
7- . الانتصار، ص 171.
8- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 4، ص 115 116؛ وج 8 ، ص 242 243.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 270، ح 923، وص 488، ح 1744؛ الاستبصار، ج 2، ص 299، ح 1070؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 462، ح 9863، وص 966 967، ح 9877.
10- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 270، ح 925. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 300، ح 1072؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 467، ح 9878.
11- . الاستبصار، ج 2، ص 300.
12- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 458، ح 9853.
13- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 459، ح 9854.
14- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 459، ح 9855.
15- . تهذيب الأحكام، ج 3، ص 139، ح 313.
16- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 380.
17- . النهاية، ص 136.
18- . السرائر، ج 1، ص 610 611 .
19- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 268، ح 6511 .

ص: 488

. .

ص: 489

. .

ص: 490

باب الصلاة في مسجد منى ومَن يجب عليه التقصير والتمام بمنى

باب النفر من منى الأوّل والآخر

باب الصلاة في مسجد منى ومَن يجب عليه التقصير والتمام بمنىأراد قدس سره بيان أمرين : أحدهما : استحباب فعل الصلوات أيّام منى في مسجد الخيف عند المنارة التي في وسطه، وفوقها من جهة القبلة نحواً من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها وعن يسارها كذلك ، فإنّه حدّ المسجد الذي كان في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله واستحباب ستّ ركعات في أصل الصومعة التي في المسجد على حذو حسنة معاوية بن عمّار (1) وخبر عليّ بن أبي حمزة وقول الأصحاب . (2) وثانيهما : تحتّم القصر على أهل مكّة بعد الخروج إلى عرفات إلى العود إليها ، فيدلّ على أنّ مسافة القصر أربعة فراسخ، وقد سبق في موضعه .

باب النفر من منى الأوّل والآخرالمشهور بين الأصحاب جواز النفر عن منى لمن اتّقى في النفر الأوّل، وهو اليوم الثاني من أيّام التشريق وإن كان صرورة إلّا أن تغرب الشمس عليه فيه وهو بمنى . (3) والأصل فيه قوله تعالى : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى» ، (4) واختلفوا في معنى الاتّقاء، والمشهور أنّه من الصيد والنساء في حال الإحرام، لخبر محمّد بن المستنير، (5) وخبر حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى» : «الصيد في إحرامه، فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل »، (6) وهذا الخبر هو الذي أشار إليه المصنّف بقوله : «وفي رواية اُخرى الصيد أيضا »، وذهب إليه ابن إدريس في باب النفر من منى حيث قال : «فإن كان ممّن أصاب النساء في إحرامه أو صيداً لم يجز له أن ينفر في النفر الأوّل، ويجب عليه المقام إلى النفر الأخير ». (7) وحكى في كنز العرفان (8) عن بعض الأصحاب من غير أن يعيّن قائله أنّه الاتّقاء عن سائر محرّمات الإحرام ، وكأنّه أراد بمحرّمات الإحرام ما يحرم بسبب الإحرام وإن كان حرمته بعد الإحلال كترك المبيت بمنى فيكون إشارة إلى ما ذهب إليه ابن إدريس (9) فيما حكينا عنه في باب من بات عن منى . وقد نسبه [ إليه] الشهيد أيضا في الدروس، حيث قال في بحث المبيت : «ويضعّف منع ابن إدريس المبيت بمكّة للعبادة، وجعله الاتّقاء شاملاً لجميع المحرّمات غير مشهور ، بل هو مقصور على الصيد والنساء ». (10) وربّما استدلّ لما ذهب إليه بما رواه الصدوق عن ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّه لمن اتّقى الرفث والفسوق والجدال وما حرّم اللّه عليه في إحرامه »، (11) وهو مع عدم سلامة سنده لجهالة سلام يحتمل الحمل على استحباب النفر في الأخير لمن لم يكن متّقيا عن غير الصيد والنساء من باقي المحرّمات ، وقد سبق منّا في باب ما يحلّ للرجل من اللّباس والطيب إذا حلق نقلاً عن ابن الجنيد (12) أنّه الاتّقاء عن الصيد فقط، لكن بعد النفر إلى النفر الأخير مستنداً بصحيح معاوية بن عمّار (13) وخبر حمّاد، (14) وقد تقدّما . وقيل : المراد لمَن كان متّقيا قبل حجّه كما في قوله تعالى : «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنْ الْمُتَّقِينَ» (15) ، وإليه يشير خبر علي بن عطية، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لمَن اتّقى اللّه عزّ وجلّ ». (16) ومثله خبر سفيان بن عيينة . (17) وحكى في المختلف (18) عن أبي الصلاح (19) عدم جواز النفر في الأوّل مطلقا للصرورة ، ويظهر ممّا رويناه عن الشيخ في النهاية (20) من وجوب الدم للمبيت عن منى في الليلة الثالثة أيضا من غير تقييد عدم جواز النفر في الأوّل مطلقا صرورة كانت أو غير صرورة، متّقيا كان أم لا . وعلى المشهور إنّما يعتبر الاتّقاء من قتل الصيد وجماع النساء . (21) وألحق بعضهم بهما مقدّماتهما وما يتعلّق بهما ، وكذا المعتبر الاتّقاء وعدمه في الحجّ على الأشهر . وقوّى الشهيد الثاني في المسالك (22) اعتباره في عمرة التمتّع أيضا، لارتباطها بالحجّ وكونها عبادة واحدة. ولو غربت الشمس عليه في ذلك اليوم وهو بمنى وجب عليه المبيت في الليلة الثالثة أيضا ، والنفر في الأخير ، ولا يجوز له النفر بعد الغروب؛ لحسنة الحلبيّ، (23) وخبر معاوية بن عمّار، (24) وما رواه الشيخ عن عبداللّه بن مسكان، قال : حدّثني أبو بصير، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل ينفر في النفر الأوّل؟ قال : «له أن ينفر ما بينه وبين أن تصفرّ الشمس، فإن هو لم ينفر حتّى تكون عند غروبها فلا ينفر، وليبت بمنى حتّى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء ». (25) واعلم أنّه ذكر الأصحاب أنّه إنّما يجوز النفر لمن ينفر في الأوّل بعد الزوال ، وأمّا في الأخير فيجوز له النفر بعد الرمي، أيّ وقت شاء ، والأفضل أن ينفر قبل الزوال . (26) ويدلّ عليه صحيحة أبي أيّوب، (27) وحسنة معاوية بن عمّار، (28) وخبر أيّوب بن نوح، (29) وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبيّ أنّه سئل عن الرجل ينفر في النفر الأوّل قبل أن تزول الشمس فقال : «لا ، ولكن يخرج ثَقَله إن شاء ولا يخرج هو حتّى تزول الشمس ». (30) ولا يبعد القول باستحباب النفر بعد الزوال في الأوّل وجوازه قبله؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن درّاج، أنّه قال : «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثمّ يقيم بمكّة »، وقال : «كان أبي عليه السلام يقول : من شاء رمى الجمار ارتفاع النهار ثمّ ينفر »، قال : فقلت له : إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال : «من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس ، ومَن أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأوّل ». (31) وما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل قبل الزوال ». (32) ويؤيّدهما إطلاق خبر أبي بصير (33) المتقدّم ؛ ولأنّ المقصود من الكون بمنى في هذه الأيّام رمي الجمار، فإذا رميت قبل الزوال جاز له النفر حينئذٍ ، وهذا الجمع هو أظهر ممّا ذكره الشيخ في كتابي الأخبار ، والعلّامة في المنتهى (34) من حمل هذين على الاضطرار والحاجة .

.


1- . الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 5، ص 270، ح 6515.
2- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 375، المسألة 691 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 777؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 261 262.
3- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 371، المسألة 689 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 775؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 253 254.
4- . البقرة (2): 203.
5- . الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 279، ح 19195.
6- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 273، ح 933؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 279، ح 19196.
7- . السرائر، ج 1، ص 612 .
8- . كنز العرفان، ج 1، ص 320.
9- . السرائر، ج 1، ص 604 605.
10- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 460، الدرس 116.
11- . الفقيه، ج 2، ص 480، ح 3017؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 280 281، ح 19201.
12- . حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 456، الدرس 114.
13- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 274 275، ح 19181، وص 280، ح 19200.
14- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 279 280، ح 19197.
15- . المائدة(5) : 27 .
16- . الفقيه، ج 2، ص 480، ح 3018؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 281، ح 19203.
17- . الفقيه، ج 2، ص 480، ح 3021؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 281، ح 19206.
18- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 316.
19- . الكافي في الفقه، ص 198.
20- . النهاية، ص 266.
21- . اُنظر: مختلف الشيعة، ج 4، ص 307؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 371، المسألة 689 .
22- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 367.
23- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 277، ح 19191.
24- . الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 277 278، ح 19192.
25- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 272، ح 931؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 278، ح 19194.
26- . اُنظر: منتهى المطلب، ج 2، ص 775؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 250.
27- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 275، ح 19182.
28- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 274، ح 19181.
29- . الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 282، ح 19208.
30- . الفقيه، ج 2، ص 481، ح 3023؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 276، ح 19184.
31- . الفقيه، ج 2، ص 481 482، ح 3025؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 274، ح 19180.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 272، ح 928؛ الاستبصار، ج 2، ص 301، ح 1075؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 277، ح 19189.
33- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 278، ح 19194.
34- . منتهى المطلب، ج 2، ص 776.

ص: 491

. .

ص: 492

. .

ص: 493

. .

ص: 494

باب نزول الحَصيبة

باب نزول الحَصيبةذهب الأصحاب إلى استحباب التحصيب وهو النزول بالمُحْصّب بالأبطح والاستراحة فيه قليلاً اقتداءً برسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته، فقد ضُربت قُبّة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله بالأبطح فنزله ، عن أبي رافع وعن نافع عن ابن عمر: أنّه كان يصلّي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويهجع هجعة ويذكر ذلك عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (1) وفي خبر أبي مريم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان أبي ينزل الأبطح قليلاً ». (2) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : فإذا نفرت وانتهيت إلى الحصبة وهي البطحاء فشئت أن تنزل قليلاً، فإنّ أبا عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ أبي كان ينزلها، ثمّ يرتحل مكّة من غير أن ينام بها »، وقال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّما نزلها حيث بعث بعائشة مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت لمكان العلّة التي أصابتها، فطافت بالبيت ثمّ سعت، ثمّ رجعت فارتحل من يومه ». (3) وفي المنتهى: قد اختلف العلماء في أنّه هل هو نسك أم لا؟ وفي التحقيق: الخلاف لفظي، لأنّهم إن عنوا بالنسك ما يُثاب عليه فهو كذلك لاستحبابه، لما تلوناه من الأخبار واتّفقوا عليه ، وإن عنوا ما يستحقّ العقاب بتركه فلا خلاف في أنّه ليس كذلك؛ إذ قد أجمع العلماء كافّة على أنّه ليس بواجب . (4) انتهى . وكأنّ من نفى كونه نسكا أراد به مناسك الحجّ وأفعاله ، وقد صرّح به الشهيد في الدروس حيث قال : «وليس التحصيب من سنن الحجّ ومناسكه، وإنّما هو فعل مستحبّ، اقتداءً برسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (5) فمن أثبته أثبت كونه منها، فيصير النزاع معنويّا . ويحتمل أيضا أن يريد النافي نفي استحبابه رأسا، وهو الأظهر؛ لأنّه إنّما هو من العامّة متمسّكا بما روي عن ابن عبّاس، قال : ليس المحصّب سنّة (6) إنّما هو منزل نزله رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (7) وعن عائشة أنّها قالت : إنّما نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله المحصّب ليكون أسمح لخروجه، ليس سنّة، من شاء تركه ومن شاء لم يتركه . (8) ونقل طاب ثراه عن عياض أنّه قال : واختلف السلف في النزول بالمحصّب ليلة النفر، وصلاة الظهر والعصر والعشائين به، والخروج منه ليلاً إلى مكّة كما فعله النبيّ صلى الله عليه و آله ، فرآه مالك والشافعي اقتداء بفعله صلى الله عليه و آله ، ولم يره بعضهم . (9) ثمّ إنّ الأكثر قيّدوا استحبابه بمَن نفر في النفر الأخير لخبر أبي مريم ، (10) ويؤيّده أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث نزل فيه كان نافراً فيه. (11) ولا فرق في ذلك بين أهل اليمن وغيرهم؛ لفعل النبيّ صلى الله عليه و آله وإطلاق أكثر الأخبار ، وقد صرّح بذلك جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف فيه، ولا ينافيه التقييد بأهل اليمن في خبر أبي مريم المشار إليه، لكونه في كلام السائل. على أنّه ليس في ذلك الخبر على ما رواه الصدوق ، (12) فلعلّه من سهو بعض الرواة في خبر الكتاب ، وفيما رواه في التهذيب . (13) واعلم أنّ المنقول عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه نزل بمسجد كان بالأبطح يقال له: مسجد الحصباء . (14) وفي الدروس: قال ابن إدريس : ليس للمسجد أثر الآن ، (15) فتتأدّى السنّة بالنزول بالمحصّب من الأبطح، وهو ما بين العقبة ومكّة ، وقيل: ما بين الجبل الذي عنده مقابر قريش والجبل الذي يقابله مصعداً في الشقّ الأيمن لقاصد مكّة ، وليست المقبرة منه، واشتقاقه من الحصباء، وهي الحصى المحمولة بالسيل، وقال السيد ضياء الدين بن الفاخر: ما شاهدت أحداً يعلّمني به في زماني، وإنّما وقفني واحد على أثر مسجد بقرب منى على يمين قاصد مكّة في مسيل وادٍ ، قال : وذكر آخرون أنّه عند مخرج الأبطح إلى مكّة . (16) وروى الصدوق أنّ الباقر عليه السلام كان ينزل بالأبطح قليلاً ثمّ يدخل البيوت ، (17) وأكثر الروايات ليس فيها تعيين مسجد . (18) انتهى . وقال طاب ثراه : قال عياض : المحصّب موضع بين مكّة ومنى، وهو إلى منى أقرب، وإلى منى يضاف ، ودليله قول الشاعر : * يا راكبا قف بالمحصّب من منى * وقال الآبيّ : البيت للشافعيّ ، وتمامه : * واهتف بقاطن خيفها (19) والناهضِ * (20) وإنّما يتمّ الاحتجاج بها إذا جعل «من منى» في موضع الصّفة للمحصّب ، وأمّا إذا علّق براكب فلا يكون حجّة فيه . وقال الخطّابيّ : هو فم الشعب الذي يخرج إلى الأبطح، وبه كانت قريش تقاسمت على بني هاشم وبني المطّلب في شأن الصحيفة . وظاهر قول المدوّنة إذا خرجوا من منى نزلوا بأبطح من مكّة فصلّوا بها الظهر والثلاثة بعدها، ويدخلون مكّة أوّل الليل، أنّه ليس من منى . قوله في خبر أبي مريم : (أن تعجّل ) ، الخ .[ ح 1 / 7979] قد روى الصدوق لهذا الحديث تتمّة، وهي قوله : وقال : «وكان أبي عليه السلام ينزل الحصبة قليلاً، ثمّ يرتحل وهو دون خبط وحرمان ». (21) وقال جدّي قدس سره في شرحه: (22) الخبط: إبقاء النفس لينام حيث كان، والحرمان: حرمانها من النوم، أي واسطة بين الأمرين، وهو غيرهما أو عندهما أو قريب منهما . وفي بعض النسخ : «ذو خبط وحرمان ». وفي بعض كتب العامّة : «دون حائط وحرمان »، وذكر أنّه كان هناك بستان ومسجد الحصباء كان قريبا منه، وهو أظهر .

.


1- . صحيح البخاري، ج 2، ص 197.
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ الفقيه، ج 2، ص 482، ح 3027؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 275، ح 942؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 285، ح 19214.
3- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 275، ح 941؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 284، ح 19213.
4- . منتهى المطلب، ج 2، ص 777.
5- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 464، الدرس 117.
6- . كذا بالأصل، وفي المصادر: «ليس بشيء».
7- . مسند أحمد، ج 1، ص 221؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 54 ؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 195 196؛ وج 4، ص 85 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 202، ح 925؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 160، وفي غير الأوّل: «التحصيب» بدل «المحصّب».
8- . مسند أحمد، ج 6 ، ص 190؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 446، ح 2008؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 161، وفي الجميع: «فمن شاء نزله و من شاء لم ينزله»، والمذكور هنا موافق لمنتهى المطلب، ج 2، ص 777.
9- . اُنظر: عمدة القاري، ج 9 ، ص 194؛ وج 10، ص 100.
10- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 285، ح 19214.
11- . اُنظر: منتهى المطلب، ج 2، ص 777؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 263.
12- . الفقيه، ج 2، ص 482 483، ح 3027.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 275، ح 942.
14- . اُنظر: المقنع، ص 289؛ الكافي في الفقه، ص 217؛ النهاية، ص 269؛ السرائر، ج 1، ص 613 .
15- . السرائر، ج 1، ص 613 .
16- . لم أعثر عليه.
17- . الفقيه، ج 2، ص 482، ح 3027.
18- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 465، الدرس 117.
19- . هذا هو الظاهر الموافق لسائر المصادر، وفي الأصل: «حقّها» بدل «خيفها».
20- . اُنظر: الاستذكار، ج 4، ص 342؛ تفسير الرازي، ج 27، ص 166؛ تفسير الآلوسي، ج 25، ص 32.
21- . الفقيه، ج 2، ص 483، ح 3028؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 285، ح 19215.
22- . اللوامع لصاحبقراني، ج 8 ، ص 247.

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

. .

ص: 498

باب إتمام الصلاة في الحرمين

باب إتمام الصلاة في الحرمينقال الشيخ في المبسوط : «يستحبّ الإتمام في أربعة مواطن في السفر: بمكّة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر على ساكنه السلام ». (1) ومثله في النهاية (2) والخلاف . (3) وبه قال العلّامة في المنتهى ، (4) ونسبه إلى الشيخين (5) والسيّد المرتضى (6) وأتباعهم . (7) وفي الدروس: «وطرد المرتضى وابن الجنيد (8) الحكم في مشاهد الأئمّة عليهم السلام وظاهرهم تحتّم التمام في هذه المواضع ». (9) وقد حكى العلّامة في المختلف (10) عن السيّد أنّه قال : «لا تقصير في مكّة ومسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ومشاهد الأئمّة القائمين مقامه عليهم السلام ». (11) وعن ابن الجنيد أنّه قال : «والمسجد الحرام لا تقصير فيه على أحد ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ جعله سواء العاكف فيه والباد . وإلى الأوّل ذهب أكثر المتأخّرين . (12) ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الاستبصار في الصحيح عن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة بمكّة قال : «مَن شاء أتمّ ومَن شاء قصّر ». (13) وفي الصحيح عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من مخزون علم اللّه تعالى الإتمام في أربعة مواطن : حرم اللّه ، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين عليه السلام ، وحرم الحسين عليه السلام ». (14) وعن زياد القنديّ، قال : قال أبو الحسن عليه السلام : «يا زياد، أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، أتمّ الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه السلام ». (15) والحَرمان في هذين الخبرين وإن شملا ما زاد على البلدتين بناءً على ظهورهما في المصطلحين، إلّا أنّهما خصّا بالبلدين؛ ليطابق الخبران ما سبق . ولخبر عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ هشاما روى عنك أنّك أمرته بالتمام في الحرمين، وذلك من أجلّ الناس؟ قال : «لا ، كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا مكّة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس ». (16) وكذا قوله عليه السلام : «حرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليه السلام » خصّا بمسجد الكوفة والحائر؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما هو ظاهر في اختصاص الحكم بهما، وسيأتي . وعمّم الشيخ في الاستبصار (17) الحكم للكوفة؛ عملاً بهذين الخبرين . وأمّا عموم الحكم لكربلاء فلم أجد قائلاً به ، وقد حملوا حرم الحسين عليه السلام في الخبر الأوّل على الحائر لقوله عليه السلام : «وعند قبر الحسين عليه السلام » في الخبر الثاني ، وقوله عليه السلام «وعنده» في خبر أبي شبل عبداللّه بن سعيد، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أزور قبر الحسين عليه السلام ؟ قال : «زُر الطيّب وأتمّ الصلاة عنده »، قلت : أتمّ الصلاة؟ قال : «أتمّ »، قلت : بعض أصحابنا يرى التقصير؟ قال : «إنّما يفعل ذلك الضعفة ». (18) وخصّ ابن إدريس الحكم في الأوّلين أيضا بالمسجدين ، واحتجّ عليه بحصول الإجماع على التخيير في المساجد الثلاثة والحائر، ووقوع الخلاف فيما عداه، والأصل التقصير للمسافر ، فإذا خرج ما ذكر بدليل الإجماع بقي ما عداه . (19) وإليه ذهب الشهيد في الدروس (20) واللمعة، (21) وهو أحوط؛ لتخصيص المسجدين بالذكر في أخبار متعدّدة رواها الشيخ عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تتمّ الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين عليه السلام ». (22) وعن حذيفة بن منصور، قال : حدّثني مَن سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «تتمّ الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين عليه السلام ». (23) وعن أبي بصير، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «تتمّ الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، وفي مسجد الكوفة، وحرم الحسين عليه السلام ». (24) وعن عمران بن حمران، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : اُقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال : «إن قصّرت فلك، وإن أتممت فهو خير، وزيادة الخير خير ». (25) ويدلّ عليه ما نقل عن السيّد وابن الجنيد بالأمر بالإتمام في صحيحة مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا دخلت مكّة فأتمّ الصلاة يوم تدخل ». (26) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التمام بمكّة والمدينة؟ قال : «أتمّ وإن لم تفعل فيهما إلّا صلاة واحدة ». (27) وخبر عمر بن رباح، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : أقدم مكّة أتمّ أو اُقصّر؟ قال : «أتمّ ». (28) وحملت على الجواز لما ذكر ، ويحتمل حمل كلامهما أيضا على عدم تحتّم التقصير ، وقد أنكر الصدوق رضى الله عنهالتخيير مطلقا؛ (29) حملاً لتلك الأخبار على استحباب نيّة المقام في هذه المواطن؛ لصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاه بمكّة والمدينة يقصّر أو يتمّ؟ قال : «قصّر ما لم تعزم على مقام عشرة أيّام ». (30) وصحيحة معاوية بن وهب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التقصير في الحرمين والتمام ، فقال : «لا يتمّ حتّى يُجمع على مقام عشرة أيّام »، فقلت : إنّ أصحابنا رووا عنك أنّك أمرتهم بالتمام؟ فقال : «إنّ أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلّون ويأخذون نعالهم ويخرجون، والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة، فأمرتهم بالتمام ». (31) وخبر عليّ بن حديد، قال : سألت الرضا عليه السلام فقلت : إنّ أصحابنا اختلفوا في الحرمين، فبعضهم يقصّر وبعضهم يتمّ، وأنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام، وذكرت عبداللّه بن جندب أنّه كان يتمّ ، قال : «رحم اللّه ابن جندب»، ثمّ قال : «لا يكون الإتمام إلّا أن يجمع على إقامة عشرة أيّام، وصلّي النوافل ما شئت ». قال ابن حديد : وكان محبّتي أن يأمرني بالإتمام . (32) وخبر محمّد بن إبراهيم الحضينيّ، قال : استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الإتمام والتقصير ، قال : «إن دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام وأتمّ الصلاة »، فقلت له : إنّي أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال : «انوِ مقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة ». (33) وخبر أبي ولّاد الحنّاط، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن اُقيم بها عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، ثمّ بدا لي بعد أن اُقيم بها، فما ترى لي أتمّ أم أقصّر؟ فقال : «إن كنت حين دخلت المدينة صلّيت صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها ، فإن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلِّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار، إن شئت فانو المقام عشرة أو أتمّ وإن لم تنو المقام فقصّر ما بينك وبين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة ». (34) وحملت هذه الأخبار في المشهور على التقيّة؛ لأنّ الحكم بالتخيير في تلك المواطن من متفرّدات الإماميّة ، ويحتمل أن يكون المراد منها نفي وجوب الإتمام بدون العزم على إقامة عشرة أيّام، وهو أحد وجوه الجمع للشيخ، حيث قال مشيراً إلى خبري ابن بزيع وابن حديد : الأمر في هذين الخبرين إنّما توجّه إلى مَن لم يعزم على مقام عشرة أيّام إذا اعتقد وجوب الإتمام فيهما ، ثمّ قال : ويحتمل هذان الخبران وجها آخر، وهو المعتمد عندي، وهو أنّ من حصل في الحرمين ينبغي له أن يعزم على مقام عشرة أيّام ويتمّ الصلاة فيهما وإن كان يعلم أنّه لا يقيم أو يكون في عزمه الخروج من الغد، ويكون هذا ممّن يختصّ به هذان الموضعان ويتميّزان به من سائر البلاد؛ لأنّ غيرهما متى عزم على المقام فيها عشر أوجب التمام، ومتى كان دون ذلك وجب التقصير . (35) وأقول : كأنّه قدس سره استنبط هذا من خبر الحضينيّ حيث إنّه عليه السلام أمره بالعزم على المقام والإتمام وإن قدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، مع أنّه يعزم على الخروج إلى عرفات يوم التروية ، وفي تحقّق هذه النيّة إشكال ، فتأمّل . هذا ، والحائر على المشهور ما دار عليه سور الحضرة السنيّة وعلّل تسميته بذلك في الذكرى (36) بأنّ الحائر لغةً: هو المكان المطمئنّ، وهو كذلك، وبأنّه حار الماء فيه لمّا أمر المتوكّل بإطلاق الماء على قبر الحسين عليه السلام ليعفيه، فكان لا يبلغه . وقال ابن إدريس : «هو ما دار سور المشهد والمسجد عليه، لأنّ ذلك هو الحاير حقيقةً؛ لأنّ الحائر في لسان العرب: الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء ». (37) وظاهر المفيد قدس سره أنّه زائد على ذلك أيضا، فإنّه لمّا ذكر مَن قتل مع الحسين عليه السلام قال : والحائر (38) محيط بهم، إلّا العبّاس رحمه اللّه فإنّه قُتل على المسنّاة، على ما حكاه عنه في المنتهى ، (39) ولم يروِ المصنّف قدس سرهأخبار مسجد الكوفة والحائر هنا، وسيرويها في الباب الذي قبل باب النوادر ، والأولى ذكرها أيضا في هذا الباب وإضافة مسجد الكوفة والحائر أيضا في عنوانه .

.


1- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 141.
2- . النهاية، ص 124.
3- . الخلاف، ج 1، ص 576 ، المسألة 330.
4- . منتهى المطلب، ج 6 ، ص 364.
5- . تقدم كلام الشيخ الطوسي رحمه الله.
6- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 47).
7- . منهم ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 110؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 110؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 342.
8- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 3، ص 136.
9- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 208، الدرس 54 .
10- . مختلف الشيعة، ج 3، ص 136.
11- . جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 47).
12- . اُنظر: مدارك الأحكام، ج 4، ص 466.
13- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 430، ح 1492. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 334، ح 1189؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 526 ، ح 11352.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 430، ح 1494. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 334 335، ح 1191؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 524 ، ح 11343.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 430، ح 1495؛ الاستبصار، ج 2، ص 335، ح 1192؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 527 ، ح 11355.
16- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 428، ح 1486؛ الاستبصار، ج 2، ص 332 333، ح 1182؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 526 ، ح 11348.
17- . الاستبصار، ج 2، ص 336، ذيل الحديث 1196.
18- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 431، ح 1496؛ الاستبصار، ج 2، ص 335، ح 1193؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 527 ، ح 11354.
19- . السرائر، ج 1، ص 343.
20- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 209، الدرس 54 .
21- . اللمعة الدمشقيّة، ص 39.
22- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 431، ح 1497؛ الاستبصار، ج 2، ص 335، ح 1194؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 528 ، ح 11356.
23- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 431، ح 1498؛ الاستبصار، ج 2، ص 335، ح 1195؛ ورواه الكليني في الكافي، باب بدون العنوان من أبواب الزيارات، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 530 ، ح 11365.
24- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 432، ح 1500؛ الاستبصار، ج 2، ص 335، ح 1195؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 531 ، ح 11367.
25- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 430، ح 1493، وص 474، ح 1669؛ الاستبصار، ج 2، ص 334، ح 1190؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 526 527 ، ح 11353.
26- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 426، ح 1480؛ الاستبصار، ج 2، ص 331، ح 1176؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 526 ، ح 11349.
27- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 426، ح 1481؛ الاستبصار، ج 2، ص 331، ح 1177 و 11347.
28- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 426، ح 1479، وص 474، ح 1667؛ الاستبصار، ج 2، ص 330، ح 1175؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 526 ، ح 11350.
29- . حكاه عنه العلّامة في المعتبر، ج 2، ص 476. وانظر: الفقيه، ج 2، ص 442، ذيل الحديث 1283.
30- . الفقيه، ج 2، ص 442 443، ح 1284؛ الاستبصار، ج 2، ص 331، ح 1178؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 533 ، ح 11374.
31- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 428، ح 1485؛ الاستبصار، ج 2، ص 232، ح 1181؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 534 ، ح 11376.
32- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 426 427، ح 1483؛ الاستبصار، ج 2، ص 331، ح 1179؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 533 ، ح 11375.
33- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 427، ح 1484؛ الاستبصار، ج 2، ص 332، ح 1180؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 528 ، ح 11357.
34- . تهذيب الأحكام، ج 3 ، ص 221، ح 553؛ الاستبصار، ج 1، ص 238 239، ح 581؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 508 509 ، ح 11305.
35- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 427، ذيل ح 1483؛ الاستبصار، ج 2، ص 331، ذيل ح 1178 و 1179.
36- . الذكرى، ج 4، ص 291.
37- . السرائر، ج 1، ص 342.
38- . هذا هو الظاهر الموافق للمصدر، وفي الأصل: «الحائط».
39- . منتهى المطلب، ج 6 ، ص 366. وانظر: الإرشاد، ج 2، ص 126.

ص: 499

. .

ص: 500

. .

ص: 501

. .

ص: 502

. .

ص: 503

. .

ص: 504

باب فضل الصلاة في المسجد الحرام وأفضل بقعة فيه

باب فضل الصلاة في المسجد الحرام وأفضل بقعة فيهيظهر من الأخبار وفتاوى العلماء الأخيار أنّ صلاة واحدة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف صلاة في غيره، (1) ومنه الكعبة وزوائده الحادثة وإن كان ما عداهما منه أفضل، فإنّ القدر المشترك فضله بذلك وإن اختصّ ما عداهما بفضيلة اُخرى لا تقدير فيها . ولا ينافيه أيضا كراهية الصلاة الفريضة في الكعبة، فإنّ غايتها كونها أقلّ ثوابا كما هو شأن الكراهة في العبادات على المشهور . واعلم أنّ فضيلة هذه المواضع مخصوصة بشيعة آل محمّد عليهم السلام لعموم ما دلّ على اختصاص قبول الطاعات بهم، وخصوص ما رواه الشهيد قدس سره في الدروس عن البزنطيّ، عن ثعلبة، عن ميسر، قال : كنّا عند أبي جعفر عليه السلام في الفسطاط نحو من خمسين رجلاً، فقال لنا : «أتدرون أيّ البقاع أفضل عند اللّه منزلة؟» فلم يتكلّم أحد، فكان هو الرادّ على نفسه، فقال : «تلك مكّة الحرام التي رضيها اللّه لنفسه حرما، وجعل بيته فيها »، ثمّ قال : «أتدرون أيّ بقعة في مكّة أفضل حرمةً؟» فلم يتكلّم أحد ، فكان هو الرادّ على نفسه ، فقال : «ذلك المسجد الحرام »، ثمّ قال : «أتدرون أيّ بقعة في المسجد الحرام أعظم عند اللّه حرمةً؟» فلم يتكلّم أحد، فكان هو الرادّ على نفسه ، فقال : «ذلك بين الركن الأسود إلى باب الكعبة، ذلك حطيم إسماعيل عليه السلام الذي كان يذود فيه غنيمته ويُصلّي فيه ، فواللّه لو أنّ عبداً صفّ قدميه في ذلك المكان قائما الليل مصلّيا حتّى يجنّه النهار، وقائما النهار حتّى يجنّه الليل، ولم يعرف حقّنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل اللّه منه شيئا أبداً ؛ إنّ أبانا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى محمّد وآله كان ممّا اشترط على ربّه أن قال : ربِّ اجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ، أمّا أنّه لم يَعُنِ الناس كلّهم، فأنتم اُولئك رحمكم اللّه ونظراؤكم، وإنّما مثلكم في الناس مثل الشعرة [ السوداء] في الثور الأنور ». (2) وعن الصدوق رضى الله عنه بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي، قال : قال لنا عليّ بن الحسين عليهماالسلام : «أيّ البقاع أفضل؟» فقلت : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال : «أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان، ثمّ لقى اللّه عزّ وجلّ بغير ولايتنا أهل البيت لم ينفعه ذلك شيئا ». (3) وعن الصادق عليه السلام أنّه قال : «مَن نظر إلى الكعبة فعرف من حقّنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقّها وحرمتها، غفر اللّه له [ ذنوبه]وكفاه همّ الدُّنيا والآخرة ». (4) وعنه عليه السلام أنّه قال : «مَن أمَّ هذا البيت حاجّا أو معتمراً وتبرّأ من الكبر رجع من ذنوبه كهيئته يوم ولدته اُمّه ، والكبر أن يجهل الحقّ ويطعن على أهله ». (5) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء ) . [ ح 7 / 7994] قال الجوهريّ : بكَّ فلانا يبكّ بكّا ؛ أي زحم . وبكّة: اسم بطن مكّة، سمّيت بكّة لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة . (6)

.


1- . اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 451، المسألة 358؛ تذكرة الفقهاء، ج 6 ، ص 274.
2- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 498 499، الدرس 126. ونحوه في المحاسن للبرقي، ج 1، ص 91 92، الباب 16 من كتاب عقاب الأعمال، ح 44 باسناده عن خالد، عن ميسر.
3- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 499، الدرس 126؛ الفقيه، ج 2، ص 245، ح 2313؛ ثواب الأعمال، ص 204، عقاب من جهل حقّ أهل البيت عليهم السلام ؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 122، ح 308.
4- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 500 ، الدرس 126؛ الكافي، باب فضل النظر إلى الكعبة، ح 6 ؛ الفقيه، ج 2، ص 204، ح 2142؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 264263، ح 17703.
5- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 499 500 ، الدرس 126؛ الفقيه، ج 2، ص 205، ح 2147. ونحوه في الكافي، باب فضل الحجّ والعمرة، ح 2؛ وتهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 23، ح 69 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 93، ح 14327.
6- . صحاح اللغة، ج 4، ص 1575 1576 (بكك).

ص: 505

. .

ص: 506

باب دخول الكعبة

باب وداع البيت

باب دخول الكعبةيستحبّ للحاجّ والمعتمر دخول مكّة خصوصا للصرورة، ويستحبّ عنده الغسل والدّعاء بالمنقول والتحفّي وصلاة ركعتين بين الاُسطوانتين على الرخامة الحمراء، وأن يقرأ في الاُولى حم السجدة وفي الثانية عدد آيها، والصلاة في زوايا البيت كلّها، واستلام الحائط من الركن اليماني والغربي يرفع يديه عليه، ويلتصق به، ويدعو، ثمّ التحوّل عنه إلى الركن اليماني، وفعل مثل ذلك فيه، ثمّ فعل ذلك في باقي الأركان، وصلاة ركعتين عن يمين البيت بعد الخروج عنه كما يستفاد من أخبار الباب .

باب وداع البيتيستحبّ بعد قضاء المناسك بمنى الرجوع إلى مكّة لدخول البيت ووداعه وطواف الوداع . والمشهور في كيفيّة الوداع ما دلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار، (1) والباب الذي ورد فيه أنّه يخرج منه هو باب الحنّاطين، على ما صرّح به الأصحاب ودلّ عليه خبر عليّ بن مهزيار ، (2) والحائض ليس عليها طواف الوداع، بل يستحبّ لها أن تقف عند باب من أبواب المسجد من غير أن تدخله وتودّع البيت . وفي المنتهى : واختلف الناس في وجوب طواف الوداع، فالذي عليه علماؤنا أجمع أنّه مستحبّ ليس بواجب، ولا يجب بتركه الدم، وبه قال الشافعيّ في الإملاء، وقال في القديم : إنّه نسك واجب يجب بتركه الدم ، وبه قال الحسن والحكم وحمّاد والثوريّ وإسحاق وأحمد وأبو ثور . (3) لنا: الأصل، وهو البراءة، فلا يصار إلى خلافه إلّا لدليل ، وما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد، عن عليّ، عن أحدهما عليهماالسلامفي رجل لم يودّع البيت، قال : لابأس به إن كان به علّة أو كان ناسيا ». (4) وفي الصحيح عن هشام بن سالم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عمّن نسي زيارة البيت حتّى رجع إلى أهله؟ قال : «لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه ». (5) احتجّوا بما روى ابن عبّاس، قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت، إلّا أنّه خفّف عن المرأة الحائض . (6) والجواب : أنّه محمول على الاستحباب؛ جمعا بين الأدلّة . ثمّ قال : والموجبون له اختلفوا في وجوب الدم ، والظاهر عندهم أنّ القريب يرجع ويطوف للوداع ، والبعيد يبعث بالدم . وحدّ القرب عندهم ما نقص عن مسافة التقصير ، فلو رجع إلى البيت وطاف للوداع ، قال قوم : لا يسقط الدم لاستقراره ببلوغ مسافة التقصير ، وقيل : يسقط . (7) وفيه أيضا: والحائض لا وداع عليها ولا فدية عن طواف الوداع، وهو قول عامّة فقهاء الأمصار ، (8) بل يستحبّ لها أن تودّع من أدنى باب من أبواب المسجد ولا تدخله إجماعا؛ لأنّه يحرم عليها دخول المساجد . وروي عن عمر وابنه أنّهما قالا : لا تقيم الحائض لطواف الوادع . (9) لنا: ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّه قال : [ لايتفرّق أحدكم حتّى يكون آخر عهده بالبيت] إلّا أنّه رخّص للحائض . (10) واختلف ابن عبّاس وزيد بن ثابت في ذلك ، فقال زيد : لا تنفر إلّا بوداع ، فقال ابن عبّاس لزيد : مُرّ إلى اُمّ سليم (11) بنت ملحان، فمرّ إليها، ثمّ رجع بعد لبث وهو يضحك ، فقال : الأمر كما قلت . وروى عنها مالك في الموطّأ: أنّها استفتت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد حاضت أو ولدت بعدما أفاضت بعد النحر، فأذِنَ لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخرجت. (12) وعن عائشة، قالت: قلت : يارسول اللّه ، إنّ صفيّة قد حاضت؟ فقال : «أحابستنا هي؟» فقلت : قد أفاضت ، فقال : «لا إذن» ونفر بها . (13) ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاءت ». (14) وعن حمّاد، عن رجل، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول :« إذا طافت المرأة الحائض ثمّ أرادت أن تودّع البيت فلتقف على أدنى باب من أبواب المسجد، فلتودّع البيت». (15) ولأنّ إلزامها بالمقام مشقّة عظيمة، وربما انفردت عن الحاجّ ولم يتمكّن بعد ذلك من النفور إلى بلدها، فيكون منفيّا . ولا فرق بين النفساء والحائض؛ لأنّ حكمهما واحد. ولو حاضت قبل طواف الوداع فنفرت ثمّ طهرت، فإن لم تفارق بنيان مكّة استحبّ لها العود والاغتسال والطواف، وأوجبه الموجبون له، وإن كان بعد أن فارقت البنيان لم تعد؛ للمشقة إجماعا، والموجبون فرّقوا بينها وبين من خرج متعمّداً، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة التقصير بأن قد ترك واجبا فلا يسقط لمفارقته البنيان ، وهاهنا لم يجب فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن، كما يجب على المسافر إتمام الصلاة في البنيان ولا يجب بعد الانفصال . (16)

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. ونحوه في تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 280 281، ح 956؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 287 288، ح 19218.
2- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 289 290، ح 19220.
3- . اُنظر: المجموع للنووي، ج، ص 254؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 485.
4- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 282، ح 960؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 291، ح 19224.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 282، ح 961؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 291، ح 19223.
6- . صحيح مسلم، ج 4، ص 93، باب وجوب طواف الوداع؛ مسند الحميدي، ج 1، ص 233 234، ح 502 ؛ شرح معاني الآثار، ج 2، ص 233، باب حيض المرأة بعد طواف الزيارة.
7- . اُنظر: المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 488.
8- . المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 488 489؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 381، المسألة 696 .
9- . المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 489.
10- . فتح العزيز، ج 7، ص 412، وما بين الحاصرتين منه.
11- . في الأصل: «اُمّ سليمان» والتصويب من مصادر ترجمتها، واُمّ سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد من بني النجّار، واختلف في اسمها، وكانت تحت مالك بن النضر في الجاهليّة، فولدت له أنس بن مالك، فلمّا جاء اللّه بالإسلام أسلمت مع قومها وعضرت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام. فهلك هناك، ثمّ خلف عليها أبو طلحة الأنصاري، خطبها مشركا فلمّا علم أنّه لا سبيل له إليها إلّا بالاسلام أسلم وتزوّجها وحسن إسلامه، وكانت اُم سليم من عقلاء النساء. الاستيعاب، ج 4، ص 1940 1941، الرقم 4163.
12- . الموطّأ، ج 1، ص 413، ح 229.
13- . مسند أحمد، ج 6 ، ص 202 و 207؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 195؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 210، ح 949؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 162؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2، ص 464 ، ح 4186 4188، وص 465، ح 4193.
14- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 397، ح 1382. ورواه الكليني في الكافي، باب نادر، ح 4، والصدوق في الفقيه، ج 2، ص 382، ح 2763؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 461 ، ح 18213.
15- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 398، ح 1383. ورواه الكليني في الكافي، باب نادر، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 461، ح 18214.
16- . منتهى المطلب، ج 2، ص 779 781.

ص: 507

. .

ص: 508

. .

ص: 509

باب ما يستحبّ من الصدقة عند الخروج من مكّة

باب ما يجزي من العمرة المفروضة

باب ما يستحبّ من الصدقة عند الخروج من مكّةيستحبّ إجماعا (1) عند الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمراً ويتصدّق به؛ ليكون كفّارة لما عسى أن فعله في الإحرام أو الحرم من محرّمٍ أو مكروه، لما رواه المصنّف قدس سره، وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتّى يشتريا بدرهم تمراً فيتصدّقا به، لما كان منهما في إحرامهما ولما كان في حرم اللّه تعالى ». (2)

باب ما يجزي من العمرة المفروضةقد عرفت سابقا إجماع الأصحاب على وجوب العمرة المفردة كالحجّ _ بالشرائط المعتبرة، ووفاق العامّة أيضا عليه، إلّا في قول عن الشافعيّ ورواية عن أحمد . (3) وأجمعنا على إجزاء عمرة التمتّع عنها ، وادّعى في المنتهى (4) إجماع أهل العلم عليه . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة ». (5) وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام قول اللّه عزّ وجلّ : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّه ِِ» ، (6) يكفي الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلى الحجّ مكان تلك العمرة المفردة؟ قال : «كذلك أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصحابه ». (7) وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن العمرة واجبة هي؟ قال : «نعم »، قلت : فمَن تمتّع يجزي عنه؟ قال : «نعم ». (8) هذا ، وقد تجب بالنذر والعهد واليمين والاستيجار والإفساد كالحجّ، وبفوات الحجّ، ولدخول مكّة على ما سبق .

.


1- . اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 452، المسألة 359.
2- . الفقيه، ج 2، ص 483 484، ح 3029؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 292، ح 19225.
3- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 15، المسألة 6 ؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 643؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 3 4؛ المغني، ج 3، ص 173.
4- . منتهى المطلب، ج 2، ص 876 .
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 433، ح 1503؛ الاستبصار، ج 2، ص 325، ح 1150؛ وهذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 305، ح 19265.
6- . البقرة (2): 196.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 433، ح 1504؛ الاستبصار، ج 2، ص 325، ح 1151؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 306، ح 19268.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 434، ح 1506؛ الاستبصار، ج 2، ص 325 326، ح 1153. وهذا هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 305 306، ح 19267.

ص: 510

باب العمرة المبتولة

باب العمرة المبتولةأراد قدس سره بيان استحباب العمرة المفردة في كلّ شهر مرّة . واختلف الأصحاب في اشتراط الفصل بين عمرتين ، نفاه جماعة، منهم السيّد المرتضى وابن إدريس . واحتجّ عليه في الناصريات بقوله صلى الله عليه و آله : «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما ». (1) وقال : «ولم يفصل عليه السلام بين أن يكون ذلك سنة أو سنتين أو شهراً أو شهرين ». (2) وقد قال في السرائر : «وما روي في مقدار ما يكون بين العمرتين فأخبار آحاد لا يوجب علما ولا عملاً». (3) وظاهرهما عدم كراهة تكرارها بدون الفصل . ومنهم المحقّق في الشرائع إلّا أنّه قال : بكراهة تعدّدها من غير فصل بعشر . (4) وحكاه في الخلاف عن الشافعيّ وأبي حنيفة . (5) ويدلّ عليه إطلاق الأمر بالاعتمار في أكثر الأخبار وعدم صراحة ما احتجّ به على اشتراط الفصل في المنع عن تكرارها بدونه . واعتبر الشيخ في المبسوط (6) والنهاية (7) والخلاف (8) الفصل بعشر ، واحتجّ عليه في الأخير بإجماع الفرقة وبعدم تخصيص الأخبار الواردة في الحثّ على العمرة بعدد دون عدد ، وبما روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «في كلّ شهر عمرة»، (9) أو «في كلّ عشرة أيّام عمرة ». (10) وربّما احتجّ عليه بخبر عليّ بن أبي حمزة، (11) وفيه تأمّل . وحكاه في المختلف عن ابن الجنيد . (12) واعتبر المحقّق في النافع (13) والعلّامة في المختلف (14) شهراً ، وهو منقول عن أبي الصلاح (15) وابن حمزة، (16) وهو ظاهر المصنّف قدس سره؛ لظهور ما رواه في الباب على ذلك من غير أن يروي ما يعارضه، وهو ظاهر أيضا صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان عليّ عليه السلام يقول : لكلّ شهر عمرة ». (17) وعن ابن أبي عقيل (18) اعتبار الفصل بسنة محتجّا بصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا يكون عمرتان في سنة ». (19) وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «العمرة في كلّ سنة مرّة ». (20) وحمل الشيخ في كتابي الأخبار العمرة فيهما على عمرة التمتّع . وحكى في المنتهى عن الحسن البصري وابن سيرين ومالك والنخعي كراهتها في سنة مرّتين . (21)

.


1- . الفقيه، ج 2، ص 220، ح 2229؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 301، ح 19251.
2- . الناصريّات، ص 307 308، المسألة 139.
3- . السرائر، ج 1، ص 540 541 .
4- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 230.
5- . الخلاف، ج 2، ص 260، المسألة 26. وانظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 149؛ شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 87 ؛ وج 9، ص 118؛ عمدة القاري، ج 10، ص 108.
6- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 309.
7- . النهاية، ص 281.
8- . الخلاف، ج 2، ص 260، المسألة 26.
9- . الحديث الأوّل والثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 32، ح 94، وص 435، ح 1509 و 1510؛ الاستبصار، ج 2، ص 156، ح 512 ، وص 326، ح 1154 و 1155؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 308 و 309، ح 19276 و 19277.
10- . اُنظر: وسائل الشيعة، ج 14، ص 307، ح 19275.
11- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 434 435، ح 1508؛ الاستبصار، ج 2، ص 326، ح 1158؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 308، ح 19275.
12- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 359.
13- . المختصر النافع، ص 99.
14- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 360.
15- . الكافي في الفقه، ص 221.
16- . الوسيلة، ص 196.
17- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 32 33، ح 94، وص 435، ح 1509؛ الاستبصار، ج 2، ص 156، ح 512 ، وص 226، ح 1154؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 251، ح 14718؛ وج 14، ص 308، ح 19276.
18- . حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 359.
19- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 435، ح 1512؛ الاستبصار، ج 2، ص 326، ح 1157؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 309، ح 19279.
20- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 435، ح 1511؛ الاستبصار، ج 2، ص 326، ح 1156؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 309، ح 19278.
21- . منتهى المطلب، ج 2، ص 877 . ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 436. وانظر: المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 175؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 499؛ الاستذكار، ج 4، ص 113.

ص: 511

. .

ص: 512

باب العمرة المبتولة في أشهر الحجّ

باب العمرة المبتولة في أشهر الحجّجوازها فيها مذهب أهل العلم خلافا لأهل الجاهلية حيث إنّهم منعوها في الأشهر الحرم على ما مرّ، ويجوز إفرادها عن الحجّ . قال الشيخ في التهذيب : «يجوز لمن اعتمر في أشهر الحجّ عمرة مفردة أن يرجع إلى أهله وإن لم يحجّ ». (1) وبه صرّح الأكثر، وهو المشهور بين الأصحاب. (2) وجواز الاعتبار بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ مذهب أهل العلم، خلافا لأهل الجاهليّة، حيث إنّهم منعوها في الأشهر الحرم على ما مرّ . وأجمع الأصحاب على أنّها لا تكره في يوم من أيّامها، ووافقنا الشافعيّ وأحمد على ما حكى عنهما في المنتهى . (3) وعن أبي حنيفة: أنّها تكره في خمسة أيّام منها: يومي عرفة والنحر، وأيّام التشريق، (4) محتجّا بما روي عن عائشة أنّها قالت : السنة كلّها وقت للعمرة، إلّا خمسة أيّام: يوم عرفة، ويوم النحر وأيّام التشريق . (5) وربّما أيّدوه بأنّها عبادة غير موقّتة، فلابدّ أن تنقسم إلى مكروه وغيره، كصلاة التطوّع . وعن أبي يوسف : أنّها تكره في الأربعة الأخيرة ، (6) ولم أجد له مستنداً أصلاً . ودليل الأوّل أيضا كما ترى ، ويدلّ عليه أخبار الباب، فإن عورضت بما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة فليس له أن يخرج حتّى يحجّ مع الناس ». (7) وعن موسى بن القاسم، قال : أخبرني بعض أصحابنا أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوّال، فقال : إنّي اُريد أن أفرد عمرة هذا الشهر ، فقال له : «أنت مرتهن بالحجّ »، فقال له الرجل : إنّ المدينة منزلي، ومكّة منزلي، ولي بينهما أهل وبينهما أموال ، فقال له : «أنت مرتهن بالحجّ »، فقال له الرجل : فإنَّ لي ضياعا حول مكّة وأحتاج إلى الخروج إليها؟ فقال : «تخرج حلالاً وترجع حلالاً إلى الحجّ ». (8) وعن وهب بن حفص، عن عليّ يعني ابن [ أبي] حمزة قال : سأله أبو بصير وأنا حاضر عمّن أهلَّ بالعمرة في أشهر الحجّ، له أن يرجع؟ قال : «ليس في أشهر الحجّ عمرة يرجع منها إلى أهله، ولكنّه يحتبس بمكّة حتّى يقضي حجّه؛ لأنّه إنّما أحرم لذلك ». (9) نقول: إنّها_ مع ضعف الأوّلين واشتراك عليّ بن أبي حمزة (10) في الأخير_ وردت كذلك على استحباب أن يعدل عن المفردة إلى التمتّع، كما حمله الشيخ عليه في كتابي الأخبار، أو على ما أحرم بنيّة عمرة التمتّع، كما فعله في التهذيب ، وأيّده بقوله عليه السلام في الخبر الأخير : «لأنّه إنّما أحرم لذلك ». وحكى في المختلف (11) عن ابن البرّاج أنّه قال : من اعتمر بعمرة غير متمتّع بها إلى الحجّ في شهور الحجّ، ثمّ أقام بمكّة إلى أن أدرك يوم التروية، فعليه أن يحرم بالحجّ ويخرج إلى منى، ويفعل ما يفعله الحاجّ، ويصير بذلك متمتّعا ، ومَن دخل مكّة بعمرة مفردة في أشهر الحجّ جاز له أن يقضيها ويخرج إلى أيّ موضعٍ شاء، ما لم يدركه يوم التروية . (12) وكأنّه بذلك جمع بين الأخبار ، وفيه تأمّل .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 436، ذيل الحديث 1514.
2- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 240؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 735.
3- . منتهى المطلب، ج 2، ص 878 . ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 435. وانظر: مواهب الجليل، ج 4، ص 31؛ الاستذكار، ج 4، ص 114؛ التمهيد، ج 20، ص 2019.
4- . اُنظر: فتح العزيز، ج 7، ص 76؛ المبسوط، ج 4، ص 178؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 392؛ المحلّى، ج 7، ص 68؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 118؛ عمدة القاري، ج 10، ص 108.
5- . مواهب الجليل، ج 4، ص 31؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 227؛ البحر الرائق، ج 3، ص 103.
6- . الخلاف، ج 2، ص 260، المسألة 25؛ تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 435، المسألة 741؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 118؛ عمدة القاري، ج 10، ص 108.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 436، ح 1517؛ الاستبصار، ج 2، ص 327، ح 1161؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 312، ح 19289.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 436 437، ح 1518؛ الاستبصار، ج 2، ص 327، ح 1162؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 301 302، ح 14863.
9- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 437، ح 1520؛ الاستبصار، ج 2، ص 328، ح 1164؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 312، ح 19290.
10- . بين الثمالي الثقة، والبطائني الضعيف.
11- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 363.
12- . المهذّب، ج 1، ص 272.

ص: 513

. .

ص: 514

باب الشهور التي يستحبّ فيها العمرة ومَن أحرم في شهر وأحلّ في آخر

باب الشهور التي يستحبّ فيها العمرة ومَن أحرم في شهر وأحلّ في آخرأراد قدس سره بيان تأكّد استحباب العمرة في شهر رجب وشهر رمضان ، فقد روي في كلّ منهما أنّها تعدل الحجّ، فمن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب ، ومن طريق العامّة ما رواه مسلم عن حبيب المعلّم، عن عطاء، عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لامرأة من الأنصار يُقال لها: اُمّ سنان : «ما منعك أن تكوني حججت معنا؟» قالت : ناضحان كانا لأبي فلان زوجها حجّ هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، قال : «فعمرة في رمضان تقضي حجّة أو حجّةً معي ». (1) وبسند آخر عن ابن جريج، قال : أخبرني عطاء، قال : سمعت ابن عبّاس يحدّثنا، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لامرأة من الأنصار سمّاها ابن عبّاس فنسيت اسمها : «ما منعك أن تحجّي معنا؟» قالت : لم يكن لنا إلّا ناضحان، فحجّ أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحا ننضح عليه ، قال : «فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإنّ عمرة فيه تعدل حجّة ». (2) وعمرة رجب أفضل من عمرة شهر رمضان إجماعا ، (3) ويدلّ عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سئل : «أيّ العمرة أفضل: عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال : «لا بل عمرة في رجب أفضل ». (4) ويؤيّده ما سبق من جواز تقديم الإحرام على الميقات لإدراك عمرته . (5) وإذ قد عرفت فضل عمرة رجب فنقول : إذا أحرم في آخره وفعل باقي الأفعال في الذي بعده، أو أحرم قبله وفعل باقي الأفعال فيه، فيعطيه اللّه سبحانه بمنّه وفضله ثواب عمرته ، على ما دلّ عليه حسنة عبد الرحمن (6) وما تقدّم ممّا دلّ على جواز تقديم الإحرام على الميقات لإدراك عمرته ، وما رواه الصدوق رضى الله عنهفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبيّة ». (7) وهذا هو المراد من قول المصنّف قدس سره : ومن أحرم في شهر وأحلّ في آخر . قوله في خبر الوليد : (تعدل حجّة ) .] ح 1 / 8027] إطلاق الحجّة يشمل الحجّ الواجب، وقد خصّها بعض العامّة (8) بالمندوب؛ معلّلاً بأنّ ثواب غير الواجب لا يعدل الواجب ، (9) ورُدَّ بأنّ ثواب المندوب قد يزيد على ثواب الواجب فضلاً عن أن يعدله، مستنداً بأنّ الوضع عن المعسر مندوب وإنظاره واجب . ومن المعلوم أنّ ثواب الوضع أكثر .

.


1- . صحيح مسلم، ج 4، ص 61 62 ، باب فضل العمرة في رمضان.
2- . صحيح مسلم، ج 4، ص 61 .
3- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 434، المسألة 741؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 877 ؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 463.
4- . الفقيه، ج 2، ص 453 454، ح 2949؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 301، ح 19248.
5- . اُنظر: وسائل الشيعة، ج 11، ص 322 325، باب عدم جواز الإحرام قبل الميقات لغير الناذر ومريد عمرة رجب مع خوف تقضيه.
6- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 454، ح 2950؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 301، ح 19250، وص 303، ح 19257.
7- . الفقيه، ج 2، ص 454، ح 2951؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 301، ح 19249.
8- . في هامش الأصل: «نقله أبو عبد اللّه الآبي عنهم على ما حكاه طاب ثراه عنه منه عفي عنه».
9- . اُنظر: فتح الباري، ج 3، ص 481؛ عون المعبود، ج 5 ، ص 323.

ص: 515

. .

ص: 516

باب قطع تلبية المحرم وما عليه من العمل

باب قطع تلبية المحرم وما عليه من العملأراد قدس سره بالمحرم هنا المعتمر عمرة مفردة ، والمشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في المبسوط (1) والشهيد في الدروس (2) أنّه يقطع التلبية إذا دخل الحرم متى أحرم من أحد المواقيت وبمشاهدة الكعبة لو أحرم من أدنى الحلّ . واحتجّوا على الأوّل بحسنة مرازم، (3) وخبر زرارة، (4) وما رواه الشيخ عن محمّد بن عذافر، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن دخل مكّة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم ». (5) وعلى الثاني بما رواه عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة والحديبيّة وما أشبههما ، ومَن خرج من مكّة يريد العمرة ثمّ دخل معتمراً لم يقطع حتّى ينظر إلى الكعبة ». (6) ووافق ذلك الشيخ في التهذيب في الثاني ، وأمّا في الأوّل فقال يقطعها القادم من المدينة حين الوصول إلى عقبة المدنيين، ومن العراق عند عقبة ذي طوى ، وبه جمع بين ما ذكر وبين خبر يونس بن يعقوب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة، من أين يقطع التلبية؟ قال : «إذا رأيت ذي طوى فاقطع التلبية ». (7) ورواية الفضيل بن يسار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام قلت : دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال : «حيال العقبة عقبة المدنيين »، فقلت : أين عقبة المدنيين؟ قال : «بحيال القصّارين ». (8) وحكى في الدروس (9) عن الصدوق (10) أنّه ذهب إلى التخيير بين القطع عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة . وأمّا ما يجب عليه من العمل فالطواف، وصلاته، والسعي، ثمّ الحلق أو التقصير، ثمّ طواف النساء ولا خلاف في وجوب طواف النساء فيها عندنا ، وأمّا العامّة فقد نفوه ، وقد سبق القول فيه في باب طواف النساء .

.


1- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 317.
2- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 348، الدرس 90.
3- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ الفقيه، ج 2، ص 455 456، ح 2957؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 394 395، ح 16602.
4- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 394، ح 16601.
5- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 95، ح 313؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 586 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 394، ح 16598.
6- . الفقيه، ج 2، ص 454، ح 2952؛ تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 95 96، ح 315؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 588 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 341، ح 14967.
7- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 96، ح 316. ورواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 587 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 394، ح 16599.
8- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 96، ح 316؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 589 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 395، ح 16606.
9- . الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 348 349، الدرس 90.
10- . الفقيه، ج 2، ص 456، ذيل الحديث 2958.

ص: 517

باب المعتمر يطأ أهله وهو محرم والكفّارة في ذلك

باب المعتمر يطأ أهله وهو محرم والكفّارة في ذلكأجمع الأصحاب على فساد العمرة بالوطئ قبل السعي، ووجوب إكمالها، وعلى إيجاب ذلك للبدنة وقضاء تلك العمرة. ويدلّ عليه خبر أحمد بن أبي عليّ، (1) ومسمع وصحيح بريد بن معاوية العجليّ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه ، قال : «عليه بدنة لفساد عمرته، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت، فيحرم بعمرة ». (2) وبه قال الشافعيّ، إلّا أنّه أوجب الشاة بدل البدنة، وهو ظاهر أحمد حيث قال على ما حكى عنه في المنتهى (3) : يجب بالوطئ القضاء، وشاة إذا وجد في الإحرام . وعن أبي حنيفة أنّه اعتبر أربعة أشواط من الطواف، وهو أيضا قال بوجوب الشاة به، وإنّما أوجبوا الشاة معلّلين بأنّها تقوم مقام الطواف والسعي في حقّ المحصر، فقامت مقام بعض ذلك هنا . (4) وبعض الأخبار يدلّ على وجوب كون القضاء في الشهر الآخر، (5) وهو مؤيّد لعدم جواز عمرتين في شهر، إلّا أن يحمل على الفضل . ويدلّ أخبار آخر الباب على وجوب ذبح هدي السياق أو نحره في العمرة قبل الحلق أو التقصير ، ولا أعرف فيه مخالفا . ويدلّ خبر معاوية (6) على وجوب ذبح ذلك الهدي بالحزورة ، (7) ويستفاد منه أفضليّة نحر ما وجب في كفّارات العمرة بها وجواز تأخيرها إلى منى أيّامها ، وقد سبق القول في هذه المسائل .

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 129، ح 17402.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 324، ح 1112؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 128، ح 17399.
3- . منتهى المطلب، ج 2، ص 841 ، وحكاه أيضا في تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 49.
4- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 6 ، ص 342؛ وج 7، ص 422؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 514 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 320.
5- . منها الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 89 ، ح 18669، ص 216، ح 19019.
7- . الحزورة: موضع بمكّة عند باب الحنّاطين. النهاية، ج 1، ص 380.

ص: 518

باب الرجل يبعث بالهدي تطوّعا ويقيم في أهله

باب الرجل يبعث بالهدي تطوّعا ويقيم في أهلهذهب الأصحاب إلى أنّه يستحبّ أن يبعث الآفاقي هديا إلى مكّة ويواعد أصحابه يوما، لإشعاره أو تقليده ووقتا لذبحه أو نحره، فإذا جاء الوعد الأوّل اجتنب عمّا يجتنبه المحرم، وإذا دخل الوقت الثاني أحلّ . (1) واحتجّ عليه الشيخ في الخلاف (2) بإجماع الطائفة وبأصالة الجواز من غير مانع . ويدلّ عليه أخبار الباب أيضا ، وخالفنا جميع أهل الخلاف عدا ابن عبّاس، (3) على ما حكى عنهم في المنتهى . (4)

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 310.
2- . الخلاف، ج 2، ص 441، المسألة 340.
3- . كذا في الاصل، وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 360 361؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 183؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 90؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 234.
4- . منتهى المطلب، ج 2، ص 756.

ص: 519

باب النوادر

باب النوادرذكر فيه ما يتعلّق بأبواب الحجّ من الآداب والمندوبات والمكروهات ، وقد روى فيه خبرين متعلّقين بنذر شيء للكعبة، وقد رواهما في باب ما يهدى إلى الكعبة من غير تغيير في متنهما ولا في سندهما . قوله في خبر حنّان : (شكت الكعبة إلى اللّه عزّ وجلّ ) .] ح 32 / 8083] قال طاب ثراه : «الظاهر أنّ شكايته كانت بلسان المقال، وهو الدائر بلسان أهل الشرع ، ويمكن أن يكون بلسان الحال، أو بلسان حفظتها ». قوله في خبر الحسين بن مسلم : (يوم الأضحى في اليوم الذي يصام فيه) ، إلى آخره .] ح 37 / 8088] قال طاب ثراه : لعلّ المراد أنّه كان كذلك في الاُمم السابقة ، أو المراد به ما كان عليه أصحاب النسيء حيث يغيّرون الأشهر ، أو المراد به الإنكار ، وهذا الاحتمال بعيد جدّاً ؛ لأنّ الإنكار الأوّل صحيح . وأمّا الثاني فلا يخلو من ضعف؛ لأنّ يوم عاشوراء عندنا يوم فطر فلا وجه لإنكاره . انتهى . ولا يبعد أن يقال باختصاص الخبر بوروده في شأن الاُمّة الظالمة على عترة نبيّها صلى الله عليه و آله على معنى أنّه يقع الأضحى عندهم في اليوم الذي يجوز الصيام فيه، كالتاسع من ذي الحجّة أو الحادي عشر منه، والعاشوراء في اليوم الذي لا يستحبّ الإمساك فيه حزنا مقدّما على عاشر محرّم أو مؤخّرا عنه . ويؤيّده ما رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن رزين، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لمّا ضرب الحسين بن عليّ صلّى اللّه عليه بالسيف فسقط، ثمّ ابتدر ليقطع رأسه نادى منادٍ من بطنان العرش : أيّتها الاُمّة المتحيّرة الضالّة بعد نبيّها! لا وفّقكم اللّه لأضحى ولا فطر »، ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : «فلا جرم واللّه ما وفّقوا ولا يوفّقون حتّى يثور ثائر الحسين عليه السلام ». (1) وعن محمّد بن إسماعيل الرازيّ، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ، قال : قلت : ما تقول في العامّة، فإنّه قد روي أنّهم لا يوفّقون لصوم؟ فقال لي : «أمّا أنّهم قد اُجيبت دعوة الملك فيهم »، قال : قلت : وكيف ذلك جُعلت فداك؟ قال : «إنّ الناس لمّا قتلوا الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه أمر اللّه عزّ وجلّ ملكا ينادي أيّتها الاُمّة الظالمة القاتلة عترة نبيّها ! لا وفّقكم اللّه لصوم ولا فطر ». وقال : وفي حديث آخر : «لفطر ولا أضحى ». (2) وقد وقع في زماننا هذا حجّ الناس كذلك مرّتين، وكأنّ ذلك كان لحضور أحد من شيعة بني اُميّة، فسرت شآمته فيهم، وقد أرادوا ذلك في سنة كنت حاجّا أيضا، فلم يتيسّر لهم بعون اللّه سبحانه .

.


1- . علل الشرائع، ص 389، الباب 125، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 295، ح 13455. ورواه الكليني في الكافي، باب النوادر من كتاب الصوم، ح 3.
2- . علل الشرائع، ص 389، الباب 125، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 296، ح 13457. ورواه الكليني في الكافي، كتاب الصيام، باب النوادر من أبواب السفر، ح 1.

ص: 520

باب زيارة النبيّ

باب زيارة النبيّ صلى الله عليه و آلهأجمع أهل العلم على استحباب زيارته صلى الله عليه و آله مؤكّداً . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران، قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عمّن زار النبيّ صلى الله عليه و آله قاصداً ، قال : «له الجنّة ». (1) وخبر أبي الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين، قال : حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «مَن زارني بعد موتي كان كمَن هاجر إليّ في حياتي فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسّلام فإنّه يبلغني ». (2) ورواية صفوان بن سليمان، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «مَن زارني في حياتي وبعد موتي كان في جواري يوم القيامة ». (3) وخبر زيد الشحّام، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما لِمَن زار رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : «كمَن زار اللّه فوق عرشه ». (4) بل يظهر من بعض أخبار الباب الآتي أنّ الغرض الأصلي من إيجاب الحجّ زيارته وزيارة الأئمّة من ذرّيته صلوات اللّه عليهم ، (5) والمشهور بين الأصحاب وجوب إجبار الإمام الناس عليها لو تركوها؛ لما فيه من الجفاء المحرّم . (6) ويدلّ عليه ما رواه ... (7) ومنعه ابن إدريس (8) بناءً على أصله، وضعّف قوله الشهيد في الدروس. (9)

.


1- . كامل الزيارات، ص 42، الباب 1، ح 8 ، و ص 499، ح 777، وص 501 ، ح 782؛ تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 3 4، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 547 ، ح 19793.
2- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 3، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 337، ح 19344.
3- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 3، ح 2؛ كامل الزيارات، ص 45، ح 16؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 334، ح 19339.
4- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 4، ح 6 . وهذا هو الحديث الخامس من باب فضل زيارة أبي الحسن الرضا عليه السلام من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 335، ح 19340.
5- . اُنظر: وسائل الشيعة، ج 11، ص 23، باب وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ وزيارة الرسول صلى الله عليه و آله .
6- . اُنظر: كشف الرموز، ج 1، ص 388؛ المختصر النافع، ص 98؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 208؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 260.
7- . بعده في الأصل بياض بمقدار نصف سطر.
8- . السرائر، ج 1، ص 647 .
9- . الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 5 ، بداية كتاب المزار.

ص: 521

. .

ص: 522

باب

باب فضل الرجوع إلى المدينة

بابوفي بعض النسخ: «باب لقاء الإمام ». أراد قدس سره ما أشرنا إليه من أنّ الغرض الأصلي من إيجاب الحجّ لقاء الإمام عليه السلام وأنّ الحجّ لا يتمّ إلّا به . ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف ما رواه الصدوق في العلل عن إسماعيل بن مهران، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلامقال : «إذا حجّ أحدكم فليختم حجّه بزيارتنا؛ لأنّ ذلك من تمام الحجّ ». (1) وعن الحسن بن عليّ الوشّا، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : «إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وأنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كانوا أئمّتهم شفعاؤهم يوم القيامة ». (2)

باب فضل الرجوع إلى المدينةقال طاب ثراه : قال قطرب (3) وغيره: اشتقاق المدينة من أدان إذا دان والذكر الطاعة، وقيل : مَن مَدْن ومَدُن بإسكان الدال وضمّها . (4) وقال الآبي في كتاب إكمال الإكمال : روي أنّ للمدينة في التوراة أحد عشر إسما: المدينة وطابة وطيبة والسكينة وجابرة والمجفّة والمحبوبة والقاصدة والمجبورة والعذراء والمرحومة . (5) ومن أسمائها يثرب، قال السهيلي : إنّما سمّيت يثرب باسم رجل من العمالقة، وهو أوّل من نزلها منهم، وهو يثرب بن قايد بن عقيل بن هلايل بن عوض بن عملاق ، فلمّا حلّها النبيّ صلى الله عليه و آله كره لها هذا الاسم؛ لما فيه من لفظ التثريب، وسمّاها طيبة وطابة والمدينة . ثمّ قال : فإن قيل : قد سمّاها اللّه تعالى به في القرآن؟ فالجواب إنّما سمّاها به حاكيا عن المنافقين في قوله تعالى : «وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ» (6) ، فنبّه بما حكى عنهم أنّهم رغبوا عمّا سمّاها به اللّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وأبوا إلّا ما كانوا عليه في الجاهليّة ، واللّه سبحانه قد سمّاها المدينة في قوله : «مَا كَانَ لِاَهْلِ الْمَدِينَةِ» (7) . (8) وقال عياض : سمّاها أيضا طابة تفؤّلاً بالطيب أو لتطيب سكناها للمسلمين، أو لتطيب حالها، أو لتطيب الدّين بها، وكره اسمها يثرب لما فيه من الثراب، وكانت الجاهليّة تسمّيها بذلك . (9)

.


1- . علل الشرائع، ص 459، الباب 221، ح 1؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 292 293، الباب 66 ، ح 28؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 324، ح 19316.
2- . علل الشرائع، ص 459، الباب 221، ح 3؛ الفقيه، ج 2، ص 577 ، ح 3160؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 291 292، الباب 66 ، ح 24. ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات، ص 236 237، ح 352؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 78 79، ح 155، وص 93، ح 175؛ والشيخ المفيد في كتاب المزار، ص 184، الباب 11 من القسم الثاني، ح 2؛ وفي المقنعة، ص 474 مرسلاً. وهذا الحديث هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 322، ح 19314.
3- . هذا هو الظاهر الموافق لسائر المصادر، وفي الأصل: «مطرف».
4- . شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 155.
5- . حكاه عنه والد الشارح في شرحه على الكافي، ج 7، ص 372. وانظر: تاريخ المدينة لابن شبّة، ج 1، ص 163.
6- . الأحزاب (33) : 13 .
7- . التوبة (9) : 120 .
8- . إلى هنا مذكورة في شرح اُصول الكافي للمولى صالح المازندراني، ج 7، ص 372.
9- . اُنظر: تاريخ المدينة لابن شبّة، ج 1، ص 163 165.

ص: 523

باب دخول المدينة وزيارة النبيّ والدعاء عند قبره

باب دخول المدينة وزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله والدعاء عند قبرهقال الشيخ في التهذيب : وقبره صلى الله عليه و آله بالمدينة في حجرته التي تُوفّي فيها، وكان قد أسكنها في حياته عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة ، فلمّا قبض النبيّ صلى الله عليه و آله اختلف أهل بيته ومَن حضر من أصحابه في الموضع الذي ينبغي أن يُدفن فيه، فقال بعضهم: يُدفن بالبقيع، وقال آخرون: يُدفن في صحن المسجد، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ اللّه لم يقبض نبيّه إلّا في أطهر البقاع، فينبغي أن يُدفن في البقعة التي قُبض فيها »، فاتّفقت الجماعة على قوله عليه السلام ودفن في حجرته . (1) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : «اللّهمَّ أعطه الدرجة والوسيلة في الجنّة وابعثه مقاما محموداً يغبطه به الأوّلون والآخرون ).] ح 1 / 8098] الظاهر أنّ الدرجة هنا هي المرتبة الرفيعة التي تسمّى بالوسيلة ، فالعطف للتفسير . وقال سيّد الوصيّين عليه السلام على ما نقله عنه المصنّف في كتاب الروضة في خطبة الوسيلة : «الوسيلة أعلى درج الجنّة، وذروة ذوائب الزلفة، ونهاية غاية الاُمنية، لها ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مئة عام وفي نسخة ألف عام وهو ما بين مرقاة درّة، إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة زبرجدة، إلى مرقاة لؤلؤة، إلى مرقاة ياقوتة، إلى مرقاة زمرّدة، إلى مرقاة مرجانة، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة عنبر، إلى مرقاة يلنجوج، (2) إلى مرقاة ذهب، إلى مرقاة فضّة، إلى مرقاة غمام، إلى مرقاة هواء، إلى مرقاة نور، قد أنافَت على كلّ الجنان، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله [ يومئذ] قاعد عليها، مُرتَدٍ بريطتين: ريطة (3) من رحمة اللّه ، وريطة من نور اللّه ، عليه تاج النبوّة وإكليل الرسالة، قد أشرق بنوره الموقف ، وأنا يومئذٍ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته ، وعَليَّ ريطتان: ريطة من ارجوان النور، وريطة من كافور ، والرُّسل والأنبياء قد وقفوا على المراقي، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور عن أيماننا، قد تجلّلتهم حُلَل النور والكرامة، لا يرانا مَلكٌ مقرّب ولا نبيٌّ مرسل إلّا بُهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا . وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول غمامة بَسطَة البصر، يأتي منها النداء : يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصيّ وآمن بالنبيّ الاُمّي العربي ، ومَن كفر به فالنار موعده . وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول ظُلَّة يأتي منها النداء : يا أهل الموقف، طوبى لمَن أحبّ الوصيّ وآمن بالنبيّ الاُمّي ، والذي له المُلك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الرَّوح والجنّة إلّا من لقى خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما . (4) وقال البيضاويّ في قوله سبحانه : «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَحْمُودا» (5) : «انتصابه على الظرف بإضمار فعله ، أي فيقيمك مقاما أو يتضمّن يبعثك معناه أو الحال، بمعنى أن يبعثك ذا مقام محمود ». (6) وفي مجمع البيان : المقام بمعنى البعث، فهو مصدر من غير جنسه ، أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنتَ محمودٌ فيه ، ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامه، كما يُقال : بَعَثتُ بعيري ، أي أَثَرتهُ وأقمته فيكون معناه: يقيمك ربّك مقاما محموداً تحمدك فيه الأوّلون والآخرون . (7) ثمّ قال البيضاويّ : وهو مطلق في كلّ مقام يتضمّن كرامة ، والمشهور أنّه مقام الشفاعة؛ لما روى أبو هريرة أنّه عليه السلام قال : «هو المقام الذي أشفع فيه لاُمّتي »، ولإشعاره بأنّ الناس يحمدونه لقيامه فيه، وما ذاك إلّا مقام الشفاعة . (8) وفي المجمع : وقد أجمع المفسِّرون على أنّ المقام المحمود هو مقام الشفاعة، وهو المقام الذي يشفع فيه للناس، وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد، فيوضع في كفّه، ويجتمع تحته الأنبياء والملائكة، فيكون عليه السلام أوّل شافع وأوّل مشفّع . (9) ويشمل ذلك جميع المقامات التي قالته العامّة في ذلك المقام . قال طاب ثراه حاكيا عنهم : ذهب بعضهم إلى أنّ هذا المقام هو الشفاعة في تعجيل الحساب حين اهتمّ الخلائق لمقاساة كرب المحشر وطول مكثهم له . وقال بعضهم : هو الشفاعة في إخراج العصاة من النار حتّى لا يبقى إلّا مَن وجب عليه الخلود فيها . وقال بعضهم : هو أنّه تعالى يناديه يوم القيامة والناس سكوت : يا محمّد، فيقول : لبّيك وسعديك والخير في يديك ، لأنّه مقام تحمده الخلائق فيه . وقيل : هو أنّه تعالى يكسوه حلّة خضراء، ثمّ يناديه فيقول ما شاء أن يقول . وقال بعضهم : هو أنّه على كرسيّ الربّ بين يديّ اللّه عزّ وجلّ . وقال بعضهم : هو كون آدم عليه السلام وذرّيّته تحت لوائه في عرصات القيامة من أوّل اليوم إلى دخول مَن يدخل الجنّة وخروج من يخرج من النار ، وأوّل ذلك إجابة المنادي وحمده للّه عزّ وجلّ بما ألهمه ، ثمّ الشفاعة في تعجيل الحساب وإراحة الناس من كرب المحشر، وهو المقام المحمود الذي حمده فيه الأوّلون والآخرون ، ثمّ شفاعته فيمن يدخل الجنّة بغير حساب، ثمّ فيمن يخرج من النار حتّى لا يبقى فيها مَن في قلبه مثقال ذرّة من الإيمان . (10)

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 2 3، باب الأوّل نسب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتاريخ مولده ووفاته وموضع قبره.
2- . يلنجج ويلنجوج: عود البخور. مجمع البحرين، ج 4، ص 110 (لجج).
3- . الريطة: كلّ ملاءة ليست بلفقين. وقيل: كلّ ثوب رقيق لين. النهاية، ج 2، ص 289 (ريط).
4- . الكافي، ج 8 ، ص 24 25، ح 4.
5- . الإسراء (17) : 79 .
6- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 463.
7- . مجمع البيان، ج 6 ، ص 284.
8- . تفسير البيضاوي، ج 3، ص 462 463.
9- . مجمع البيان، ج 6 ، ص 284.
10- . اُنظر: جامع البيان للطبري، ج 15، ص 179 183؛ تفسير الثعلبي، ج 6 ، ص 123 125؛ تفسير السمعاني، ج 3، ص 270؛ المحرّر الوجيز، ج 6 ، ص 284؛ تفسير الرازي، ج 21، ص 31؛ تفسير القرطبي، ج 10، ص 309 312.

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

باب المنبر والروضة ومقام النبيّ

باب المنبر والروضة ومقام النبيّ صلى الله عليه و آلهيستحبّ بعد زيارته صلى الله عليه و آله إتيان الروضة ما بين القبر والمنبر، وزيارة فاطمة عليهاالسلام، والصلاة فيها للزيارة وغيرها ، فقد روى البخاريّ عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة ومنبري على حوضي ». (1) وحكى طاب ثراه من طرقهم عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة ». (2) وعنه صلى الله عليه و آله أيضا : «ما بين حجرتي ومنبري روضة من رياض الجنّة ». (3) والظاهر أنّ فضل تلك البقعة لكونها مدفن فاطمة عليهاالسلام، كما ذهب إليه جماعة منهم الشيخ المفيد، فقد قال في المقنعة بعدما بيّن زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله : ثمّ قف بالروضة وزر فاطمة عليهاالسلام، فإنّها هناك مقبورة . (4) وقال الشيخ في التهذيب : قد اختلف أصحابنا في موضع قبرها، فقال بعضهم: إنّها دُفنت بالبقيع ، وقال بعضهم : إنّها دُفنت بالروضة . وقال بعضهم : إنّها دُفنت في بيتها ، فلمّا زاد بنو اُميّة في المسجد صارت من جملة المسجد . وهاتان الروايتان كالمتقاربتين، والأفضل عندي أن يزورها الإنسان في الموضعين جميعا، فإنّه لا يضرّه ذلك، ويحوز به أجراً عظيما . وأمّا مَن قال: إنّها دُفنت بالبقيع فبعيد من الصواب . (5) انتهى . ورجّح الصدوق كونها مدفونةً في بيتها ، وقال : «هذا هو الصحيح عندي». (6) وهو ظاهر المصنّف حيث اكتفى في باب مولد فاطمة عليهاالسلام بذكر ما يدلّ عليه من خبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال : سألت الرضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليهاالسلامفقال : «دُفنت في بيتها، فلمّا زادت بنو اُميّة في المسجد صارت في المسجد ». (7) ومنشأ الاختلاف أنّها دُفنت سرّاً ليلاً؛ كيلا يحضرها من لا ينبغي أن يحضرها . واعلم أنّ المصنّف قدس سره لم يضع بابا لزيارتها عليهاالسلام كما وضع لكلّ من المعصومين ، ولعلّ السرّ فيه أنّه لم يجد زيارة منقولة لخصوصها، ولكن الأولى ذلك لذكر أخبار وردت في فضل زيارتها ، قال الشيخ في التهذيب : والذي روي في فضل زيارتها أكثر من أن يُحصى ، وروى منها رواية عن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جدّه، قال : دخلت على فاطمة عليهاالسلام فبدأتني بالسلام، ثمّ قالت : «ما غدا بك؟» قلت : طلب البركة ، قالت : «أخبرني أبي وهو ذا هو_ أنّه من سلّم عليه وعَليَّ ثلاثة أيّام أوجب اللّه له الجنّة »، قلت لها : في حياته وحياتك؟ قالت : «نعم وبعد موتنا ». (8) وأمّا القول عند زيارتها فقد حكاه الأصحاب في كتبهم من غير نقل ، والظاهر أنّها كلّها من مؤلّفاتهم ، بل صرّح بعضهم بذلك ، قال الصدوق رضى الله عنهفي الفقيه : إنّي لمّا حججت بيت اللّه الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق اللّه تعالى ذكره، فلمّا فرغت من زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله قصدت إلى بيت فاطمة[ عليهاالسلام]، وهو عند الاُسطوانة التي تدخل إليها من باب جبرئيل عليه السلام إلى مؤخّر الحظيرة التي فيها النبيّ صلى الله عليه و آله فقمت عند الحظيرة ويساري إليها، وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل وقلت : السلامُ عليك يا بنت رسول اللّه ، السلام عليكِ يا بنت نبيّ اللّه ، السلام عليك يابنت حبيب اللّه ، السلام عليك يابنت خليل اللّه ، السلام عليك يابنت صفيّ اللّه ، السلام عليك يابنت أمين اللّه ، السلام عليك يابنت خير خلق اللّه ، السلام عليك يابنت أفضل أنبياء اللّه ورسله وملائكته ، السلام عليك يابنت خير البريّة ، السلامُ عليك يا سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، السلامُ عليك يا زوجةَ وليّ اللّه وخير الخلق بعد رسول اللّه ، السلام عليكِ يا اُمّ الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، السلام عليك أيّتها الصدِّيقة الشهيدة ، السلام عليك أيّتها الرضيّةُ المرضيّة ، السلامُ عليك أيّتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك أيّتها الحوريّة الإنسيّة ، السلام عليك أيّتها التقيّة النقيّة ، السلامُ عليك أيّتها المُحدِّثةُ العليمة ، السلامُ عليك أيّتها المظلومة المغصوبة ، السلام عليك أيّتها المضطهدةُ المقهورة ، السلامُ عليك يا فاطمة بنت رسول اللّه ورحمةُ اللّه وبركاته ، صلّى اللّه عليك وعلى روحك وبدنك، أشهدُ أنّك مضيتِ على بيّنةٍ من ربّك، وأنّ مَن سرّك فقد سَرَّ رسول اللّه صلّى اللّه وآله ، ومَن جفاك فقد جفا رسول اللّه ، ومَن آذاكِ فقد آذى رسول اللّه ، ومَن وصلكِ فقد وصلَ رسولَ اللّه ، ومَن قطعكِ فقد قطع رسولَ اللّه ؛ لأنّكِ بضعةٌ منه ورُوحُهُ التي بين جنبيه كما قال عليه أفضل سلام اللّه وصلواته ، اُشْهِدُ اللّه ورسولَهُ وملائكته أنّي راضٍ عمّن رضيتِ عنه، ساخطٌ على من سخطتِ عليه، متبرئٌ ممّن تبرّئتِ منه، موالٍ لمَن واليتِ، مُعادٍ لمن عاديتِ، مبغضٌ لمن أبغضتِ، مُحبٌّ لمَن أحببتِ، وكفى باللّه شهيداً وحسيبا وجازيا ومثيبا . ثمّ قلت : اللّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد بن عبداللّه خاتم النبيّين وخير الخلائق أجمعين، وصلِّ على وصيّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المسلمين وخير الوصيّين، وصلِّ على فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء العالمين ، وصلِّ على سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين ، وصلِّ على زين العابدين عليّ بن الحسين، وصلِّ على محمّد بن عليّ باقر علم النبيّين، وصلِّ على الصادق عن اللّه جعفر بن محمّد، وصلِّ على كاظم الغيظ في اللّه موسى بن جعفر، وصلِّ على الرِّضا عليّ بن موسى، وصلِّ ع لى التقيّ محمّد بن عليّ، وصلِّ على النقيّ عليّ بن محمّد، وصلِّ على الزكيّ الحسن بن عليّ، وصلِّ على الحجّه القائم بن الحسن بن عليّ، اللّهمَّ أحي به العدل، وأمِت به الجور، وزيِّن بطول بقائه الأرض، وأظِهر به دينك وسنّة نبيّك حتّى لا يستخفي بشيء من الحقِّ مخافةَ أحدٍ من الخلق ، واجعلنا من أعوانه وأشياعه والمقبولين في زمرة أوليائه ياربّ العالمين ، اللّهمَّ صلِّ على محمّد وأهل بيته الذين أذهبت عنهم الرِّجس وطهّرتهم تطهيرا . ثمّ قال : لم أجد في الأخبار شيئا موظّفا محدوداً لزيارة الصدِّيقة عليها السلام، فرضيت لمَن ينظر في كتابي عن زيارتها ما رضيت لنفسي . (9) وقد روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن إبراهيم بن محمّد بن عيسى بن محمّد العُريضيّ، قال : حدّثنا أبو جعفر عليه السلام ذات يوم، قال : «إذا صرت إلى قبر جدّتك فقُل : يا مُمتحنةُ، امتحنكِ اللّه الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرةً، وزُعمنا أنّا لكِ أولياء ومصدِّقون وصابرون لكلّ ما أتانا به أبوك صلّى اللّه عليه وآله وأتانا به وصيُّه، فإنّا نسألكِ إن كنّا صدّقناكِ إلّا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنُبشِّر أنفسنا بأنّا قد طهّرنا بولايتك ». (10) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (والتُرعة هي الباب الصغير ) . [ ح 1 / 8108] قال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : الترعة في الأصل: الروضة على المكان المرتفع خاصّة، فإذا كان في المطمئن فهي روضة ، ثمّ قال : وكأنّ المراد أنّ الصلاة في هذا الموضع تؤدّي إلى الجنّة . (11) وعلى تفسير الصادق عليه السلام أنّه الباب السابق بمعناه، وعلى هذا الباب الكبير البيت الذي يؤدّي بزائريه إلى الجنّة، أو يوضع يوم القيامة على باب من أبواب الجنّة باعتبار ما ذكر من الحمد والثناء على اللّه بما هو أهله من سيّد الأنبياء العارفين وأفضل الأوصياء الواصلين ، وأطلق الجنّة على مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله فإنّها الجنّة الحقيقيّة التي نبتت فيها أشجار المعرفة والمحبّة والعبادة وسائر الكمالات . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (وكان ساحة المسجد من البلاط إلى الصحن ) .] ح 4 / 8111] قال الجوهري : البلاط بالفتح: الحجارة المفروشة في الدار وغيرها . (12) وفي النهاية : البلاط: ضرب من الحجارة، تفرش به الأرض، ثمّ سمّي المكان بلاطا اتّساعا، وهو موضع معروف بالمدينة، فقد تكرّر في الحديث . (13) قوله في خبر أبي بصير : (14) (كان ثلاث آلاف وستّمئة ذراع مكسّراً) [ ح 7 / 8114] أي مضروبا طوله في عرضه . قوله في صحيحة معاوية بن وهب : (الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاةً في غيره، إلّا المسجد الحرام فإنّه أفضل ) .] ح 8 / 8115] ومثله صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سأله ابن أبي يعفور : كم أُصلّي؟ قال : «صلِّ ثمان ركعات عند زوال الشمس، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الصلاة في مسجدي كألف في غيره، إلّا المسجد الحرام فإنّ الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي ». (15) وموثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : صلاة في مسجدي مثل ألف صلاة في غيره، إلّا المسجد الحرام فإنّها خيرٌ من ألف صلاة ». (16) وصحيح جميل بن درّاج، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كم تعدل الصلاة فيه؟ فقال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره، إلّا المسجد الحرام ». (17) والمراد بغيره ما عداه من المساجد بقرينة استثناء المسجد الحرام . ولقوله عليه السلام في خبر آخر عن جميل بن درّاج : «وصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلّا المسجد الحرام ». (18) وفيما رواه مسلم عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة أو كألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلّا أن يكون المسجد الحرام »، (19) فلا ينافي ما اشتهر بين الأصحاب ، ودلَّ عليه خبرا هارون بن خارجة (20) وأبي الصامت (21) من: «أنّ الصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة»، فإنّ المراد بما عداه في هذين الخبرين غير المساجد . وقال طاب ثراه : يجوز أن يكون الاختلاف باعتبار تفاوت حالات المصلّي، أو يكون الألف في النافلة وعشرة آلاف في الفريضة . وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في خبر هارون بن خارجة، عن أبي عبداللّه عليه السلام من: «أنّ الصلاة المكتوبة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة، وأنّ النافلة فيه تعدل خمسمئة صلاة» (22) حيث صرّح بأنّ النافلة أقلّ فضلاً من الفريضة ، فهاهنا أيضا يمكن أن يكون كذلك على أنّه ليس في حديث الألف ما يقتضي نفي الزيادة . انتهى . وعلى أيّ حال فالظاهر أنّ ما ذكر هو القدر المشترك بين جميع أجزاء المسجد، وفضل المسجد الأصل على زياداته الحادثة غير محدود، كما مرّ في المسجد الحرام ، وأمّا فضل المسجد الحرام عليه فيعلم ممّا ذكر أنّه عشرة أمثاله على المشهور، ومئة على الرواية . وفي صحيح معاوية بن عمّار (23) المتقدِّم: أنّها تعدل الألف . وقال طاب ثراه : نقل عياض عن مالك: أنّ الصلاة في مسجده صلى الله عليه و آله أفضل من الصلاة في المسجد الحرام . وقال : معنى الاستثناء أنّ الصلاة في مسجده أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بأقلّ من ألف . (24) وعن بعضهم أنّه حدّ الفضل بمئة ، وممّا دلّ على أنّ المسجد الحرام أفضل هو أنّ اللّه تعالى جعله قبلة الصلاة وكعبة الحاجّ وهو حرمه، والمدينة حرم رسوله صلى الله عليه و آله . وأجمع أهل العلم على وجوب الجزاء في حرم مكّة، ولم يجمعوا على وجوبه في حرم المدينة، ولا يقام فيه الحدود بخلاف حرم المدينة ، وغير ذلك من الفضائل .

.


1- . صحيح البخاري، ج 2، ص 57 ، باب فضل الصلاة في مسجد مكّة والمدينة، وص 224، باب حرم المدينة؛ وج 7، ص 209، كتاب الرقاق؛ وج 8 ، ص 154، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة.
2- . مسند أحمد، ج 3، ص 64 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 7، ص 413، كتاب الفضائل، الباب الأوّل، ح 21؛ تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، ص 113؛ السنّة لابن أبي عاصم، ص 325، ح 731؛ مسند أبي يعلى، ج 2، ص 496، ح 1341؛ الحدّ الفاصل، ص 298، ح 131.
3- . مسند أحمد،ج 2، ص 534 . و ورد بلفظ: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة» في: مسند أحمد، ج 2، ص 236 و 376 و 438 و 466 و 533 ؛ وج 3، ص 4؛ وج 4، ص 39؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 57 ، باب فضل الصلاة في مسجد مكّة والمدينة، وص 224، باب حرم المدينة؛ وج 7، ص 209، كتاب الرقاق؛ وج 8 ، ص 154، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 123؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 376، ح 4007 و 4008؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5 ، ص 247؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 1، ص 257، ح 774؛ وج 2، ص 489، ح 4289 و 4290.
4- . المقنعة، ص 459.
5- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 9، باب زيارة سيّدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
6- . معاني الأخبار، ص 268، الفقيه، ج 2، ص 572 ، زيادة فاطمة الزهراء بنت النبي صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
7- . الكافي، ج 1، ص 416، باب مولد الزهراء فاطمه عليهاالسلام، ح 9. ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليهاالسلام، ج 1، ص 277 278، الباب 28، ح 76؛ ومعاني الأخبار، ص 268؛ والشيخ الطوسي في الاستبصار، ج 3، ص 255، ح 705؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 368، ح 19406.
8- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 9، ح 18؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص367، ح 19404.
9- . الفقيه، ج 2، ص 572 574 ، زيارة فاطمة بنت النبي صلوات اللّه عليها و على أبيها وبعلها وبنيها.
10- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 9، ح 19؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص367 368، ح 19405.
11- . لم أعثر عليه في شرح الفقيه، وتجده في الوافي، ج 14، ص 1359؛ وبحارالأنوار، ج 97، ص 152؛ ومرآة العقول، ج 18، ص 265؛ وملاذ الأخيار، ج 9، ص 19.
12- . صحاح اللغة، ج 3، ص 117 (بلط).
13- . النهاية، ج 1، ص 152 (بلط).
14- . كذا في الأصل، والموجود في الكافي: عبد الأعلى مولى آل سام.
15- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 14 15، ح 30؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 280 281، ح 6548 .
16- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 15، ح 32؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص281، ح 6550 .
17- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 15، ح 33؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص281، ح 6549 .
18- . الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 7 8 ، ح 13؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص280، ح 6546 .
19- . صحيح مسلم، ج 4، ص 125، باب فضل الصلاة بمسجدي مكّة والمدينة.
20- . الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص279، ح 6544 .
21- . الحديث 12 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص279 _ 280، ح 6545 .
22- . كامل الزيارات، ص 72، ح 63.
23- . وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 280 281، ح 6548 .
24- . اُنظر: التمهيد لابن عبد البرّ، ج 6 ، ص 17 و 18؛ تفسير القرطبي، ج 6 ، ص 307؛ إمتاع الأسماع، ج 10، ص 354.

ص: 527

. .

ص: 528

. .

ص: 529

. .

ص: 530

. .

ص: 531

. .

ص: 532

. .

ص: 533

باب مقام جبرئيل

باب مقام جبرئيل عليه السلامأراد قدس سره بيان فضيلة الدُّعاء فيه وقبوله، لاسيما دعاء الدم لمن خاف فوات زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله ودخول المسجد وهو تحت الميزاب، فإنّه كان مكانه عليه السلام إذا استأذن على رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ويدلّ على ذلك حسنة معاوية بن عمّار، (1) وما رواه الشيخ في الموثّق عن عمر بن يزيد، قال : حاضت صاحبتي وأنا بالمدينة، قال : فكان ميقات جمالنا وإبّان مقامنا وخروجنا قبل أن تطهر، ولم تقرب القبر ولا المنبر، قال : فذكرت ذلك لأبي عبداللّه عليه السلام قال : «مرها تغتسل، ثمّ لتأت مقام جبرئيل عليه السلام فإنّ جبرئيل كان يجيء، فيستأذن على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإن كان على حال لا ينبغي له أن يأذن له قام في مكانه حتّى يخرج إليه، وإن أذِنَ له دخل عليه »، قال قلت له : وأين المكان؟ قال : «كان بحيال الميزاب الذي إذا خرجت من الباب الذي يُقال له: باب فاطمة بحذاء القبر رفعت رأسك مع حذاء الباب والميزاب فوق رأسك، والباب وراء ظهرك»، قال : «تقعد في ذلك الموضع ولتدع ربّها». قلت : وأيّ شيءٍ تقول؟ قال : «تقول : اللّهُمَّ إنّي أسألك بأنّك أنت اللّه ليس كمثلك شيء أن تفعل بي كذا وكذا»، قال : فصنعت صاحبتي الذي أمرني وتطهّرت ودخلت المسجد، قال : وكانت لنا خادم أيضا وكانت قد حاضت، قال : فقالت : يا سيّدي، أذهب أنا زيارةً، فأصنع كما صنعت سيّدتي؟ قال : قلت : بلى، قال : فذهبت وصنعت مثل الذي صنعت مولاتها، فتطهّرت ودخلت المسجد . (2) وفي صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أشرفت المرأة على مناسكها وهي حائض، فلتغتسل ولتحتشِ ولتقف هي ونسوة خلفها، فيُؤمِّنّ على دعائها، وتقول : اللّهُمَّ إنّي أسألُك بكلّ اسمٍ هو لك أو تسمّيت به لأحدٍ من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وأسألُكَ باسمك الأعظم الأعظم الأعظم، وبكلّ حرفٍ أنزلته على موسى، وبكلّ حرفٍ أنزلته على عيسى، وبكلّ حرفٍ أنزلته على محمّد صلّى اللّه عليه وآله، إلّا أذهبت عنّي هذا الدم ، وإذا أرادت أن تدخل المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه و آله فعلت مثل ذلك »، قال : «وتأتي مقام جبرئيل عليه السلام وهو تحت الميزاب، فإنّه كان مكانه إذا استأذن على رسول اللّه صلى الله عليه و آله » قال: «فذلك مقام لا تدعو اللّه فيه حائض تستقبل القبلة وتدعو بدعاء الدّم إلّا رأت الطهر إن شاء اللّه ». (3) وكما يستحبّ ذلك في هذا المقام يستحبّ في حرم مكّة إذا خافت بالحيض فوات مناسك حجّها أو عمرتها، كما يدلّ عليه هذه الصحيحة . وكذا إذا خافت فوات متعتها؛ لخبر بكر بن عبداللّه ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : «جُعلت فداك، إنّ امرأة مسلمة صحِبتني حتّى انتهت إلى بستان بني عامر، فحرمت عليها الصلاة، فدخلها من ذلك أمرٌ عظيم، فخافت أن تذهب متعتها، فأمرتني أن أذكر ذلك لك، وأسألك كيف تصنع ؟ فقال : «قُل لها فلتغتسل نصف النهار، وتلبس ثيابا نظافا، وتجلس في مكانٍ نظيف، وتجلس حولها نساء يُؤمِّنَّ إذا دعت، وتعاهد لها زوال الشمس إذا زالت، فمرها فلتدع بهذا الدعاء وليؤمّنّ النساء على دعائها حولها كلّما دعت ، تقول : اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بكلّ إسمٍ هو لك، وبكلّ اسمٍ تسمّيت به لأحدٍ من خلقك، وهو مرفوع مخزون في علم الغيب عندك، وأسألُكَ باسمك الأعظم الأعظم الذي إذا سُئِلْتَ به كان حقّا عليك أن تجيب، أن تقطع عنّي هذا الدم . فإن انقطع الدم، وإلّا دعت بهذا الدّعاء الثاني، فقل لها فلتقل : اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بكلّ حرفٍ أنزلته على محمّدٍ صلى الله عليه و آله ، وبكلّ حرفٍ أنزلته على موسى عليه السلام ، وبكلّ حرفٍ أنزلته على عيسى عليه السلام ، وبكلّ حرفٍ أنزلته في كتابٍ من كتبك، وبكلّ دعوةٍ دعاك بها مَلكٌ من ملائكتك أن تقطع عنّي هذا الدم، فإن انقطع فلم ترَ يومها ذلك شيئا، وإلّا فلتغتسل من الغد في مثل تلك الساعة التي اغتسلت فيها بالأمس، فإذا زالت الشمس فلتصلِّ ولتدع بالدُّعاء وليِّؤمِّنَّ النسوة إذا دعت ». ففعلت ذلك المرأة فانقطع عنها الدم حتّى قضت متعتها وحجّها وانصرفنا راجعين ، فلمّا انتهينا إلى بستان بني عامر عاودها الدم، فقلت : ادعو بهذين الدعائين في دبر صلاتي؟ فقال : «ادع بالأوّل إن أحببت ، وأمّا الآخر فلا تدع به إلّا في الأمر الفظيع ينزل بك ». (4) وقد ورد في بعض الأخبار دواء آخر لدفع الدم، رواه الحسين بن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن عليه السلام قال لدفع الدم : «فليأمرها أن تأخذ قطنة وماء اللبن فتستدخلها، فإنّ الدم سينقطع عنها وتقضي مناسكها كلّها »، فأمرها ففعلت ، فانقطع عنها الدم وشهدت المناسك كلّها »، فلمّا أن ارتحلت من مكّة بعد الحجّ وصارت في المحمل عاد إليها الدم . (5)

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص346، ح 19361.
2- . تهذيب الأحكام، ج 5 ، ص 445 446، ح 1553؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص464 465، ح 18220.
3- . الكافي، باب دعاء الدم، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص463 464، ح 18219.
4- . الكافي، باب دعاء الدم، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 465 466، ح 18221.
5- . الكافي، باب علاج الحائض، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 13 ، ص 463، ص 18218.

ص: 534

. .

ص: 535

باب فضل المقام بالمدينة والصوم والاعتكاف عند الأساطين

باب فضل المقام بالمدينة والصوم والاعتكاف عند الأساطينظاهره قدس سره أنّ المقام بها أفضل من المقام بمكّة أيضا، وقد وقع التصريح به في موثّق الحسن بن الجهم ، (1) والسرّ فيه تحصيل زيارة النبيّ وفاطمة والأئمّة بالبقيع عليهم السلام ، فلا ينافيه فضل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجدها والصوم وإن كان مطلوبا مطلقا، لكن الظاهر أنّه أراد به هنا صيام ثلاثة أيّام آخرها يوم الجمعة للاعتكاف في مسجدها بقرينة ما ذكره في الباب . ومثله ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء، وتصلّي ليلة الأربعاء عند اُسطوانة أبي لبابة وهي اسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتّى نزل عذره من السماء وتقعد عندها يوم الأربعاء، ثمّ تأتي ليلة الخميس التي تليها ممّا يلي مقام النبيّ صلى الله عليه و آله ليلتك ويومك، وتصوم يوم الخميس، ثمّ تأتي الاُسطوانة التي تلي مقام النبيّ صلى الله عليه و آله ومصلّاه ليلة الجمعة، فتصلّي عندها ليلتك ويومك، وتصوم يوم الجمعة، فإن استطعت أن لا تتكلّم بشيء في هذه الأيّام فافعل إلّا ما لابدّ لك منه، ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة، ولا تنام في ليلٍ ولا نهارٍ فافعل، فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل ، ثمّ احمد اللّه في يوم الجمعة واثنِ عليه وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله وسَل حاجتك، وليكن فيما تقول : اللّهُمَّ ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها، أو لم أشرع، سألتكها أو لم أسألكها، فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة صلى الله عليه و آله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها ، فإنّك حريٌّ أن تقضي حاجتك إن شاء اللّه ». (2) قوله في خبر معاوية بن عمّار : (ويوم الخميس عند اُسطوانة أبي لبابة ) . [ ح 5/ 8127] وقد تسمّى تلك الاُسطوانة باُسطوانة التوبة أيضا على ما دلّ عليه صحيح معاوية المتقدِّم ، ويؤيّده قوله عليه السلام في حسنة الحلبيّ : «واليوم الثاني عند اُسطوانة التوبة ». (3) وإنّما سمّيت بهذين الإسمين لما رواه جدّي قدس سرهفي شرح الفقيه (4) عن أبي حمزة الثمالي قال : بلغنا أنّهم كانوا ثلاثة نفر من الأنصار أبو لبابة عبد المنذر وثعلبة وأوس، تخلّفوا عن الجهاد مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تبوك، فلمّا بلغهم ما أنزله اللّه فيمن تخلّف عن نبيّه صلى الله عليه و آله أيقنوا بالهلاك، وأوثقوا نفوسهم بسواري المسجد، فلم يزالوا حتّى قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسأل عنهم، فذكروا له أنّهم أقسموا لا يحلّون أنفسهم حتّى يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحلّهم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وأنا أقسم أن لا أكون أوّل من حلّهم إلّا وأن اُؤمر فيهم بأمر »، فلمّا نزل «عَسَى اللّه ُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» (5) عمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحلّهم . (6) وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنّها نزلت في أبي لبابة خاصّة ، (7) وقال : «وروي فيهم أقوال ، وعلى الجميع أبو لبابة داخلٌ فيهم ».

.


1- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 14، ح 29؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 347، ح 19362.
2- . تهذيب الأحكام، ج 4، ص 232 233، ح 682 ؛ وج 6 ، ص 16، ح 35؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص202، ح13218؛ وج 14، ص 350 351، ح 19368.
3- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص351، ح 19370.
4- . لم أعثر عليه في روضة المتّقين، نعم هذه القصّة مذكورة في اللوامع لصاحبقراني، ج 8 ، ص 500 ، لكن لم يذكر فيها اسم ثعلبة وأوس، ولا غزوة تبوك.
5- . التوبة (9) : 102 .
6- . اُنظر: التبيان، ج 5 ، ص 290؛ مجمع البيان، ج 5 ، ص 115 116؛ جامع البيان للطبري، ج 11، ص 19 22.
7- . اُنظر: المصادر المتقدّمة.

ص: 536

. .

ص: 537

باب زيارة من بالبقيع من الأئمّة الأربعة

باب زيارة من بالبقيع من الأئمّة الأربعة عليهم السلاموفضيلة زيارتهم عليهم السلام لائحة من عموم الأخبار الواردة في فضل زيارة الإمام ، وسيذكر المصنّف بعضها عن قريب . ومن خصوص ما رواه مُعلّى بن جعفر، قال : قال الحسن بن عليّ : «يارسول اللّه ما لِمَن زارك؟ قال : فقال : مَن زارني حيّا أو ميّتا أو زار أباك حيّا أو ميّتا أو زارك حيّا أو ميّتا أو زار أخاك حيّا أو ميّتا كان حقّا عليَّ أن أستنقذه يوم القيامة ». (1) وعبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «بينا الحسين بن عليّ عليهماالسلام في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ رفع رأسه، فقال : يا أبه، ما لمَن زارك بعد موتك؟ فقال : يا بنيّ، مَن أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومَن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومَن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومَن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة ». (2) وعن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «مَن زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيراً ». (3) وعن أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ أنّه قال : «مَن زار جعفرا وأباه لم يشتك عينه، ولم يصبه سقم؛ ولم يمت مبتلى ». (4) ويحتمل أن يريد بالموصول (5) العباس أيضا .

.


1- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 40، ح 83 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 330، ح 19328.
2- . كامل الزيارات، ص 39، ثواب زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله و زيارة أمير المؤمنين والحسن والحسين، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 20، ح 44، وص 40، ح 84 ؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 329، ح 19326.
3- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 78، ح 153؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 543 ، ح 19784.
4- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 78، ح 154؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 543 ، ح 19785.
5- . يعني في جملة «زيارة مَن بالبقيع» في عنوان الباب.

ص: 538

باب إتيان المشاهد وقبور الشهداء

باب إتيان المشاهد وقبور الشهداءأراد قدس سره بالمشاهد بقرينة أخبار الباب مشاهد الملائكة والأولياء من المساجد، وبقبور الشهداء مقابر اُحد . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (مسجد قبا فإنّه المسجد الذي أُسّس على التقوى) إلخ .] ح 1 / 8129] حكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : «المشهور في قبا المدّ والتذكير والصرف ، وفي لغة هو مقصور، وفي لغة مؤنّث، وفي لغة مذكّر غير مصروف ». (1) وفي مجمع البيان: أنّ بني عمرو بن عوف اتّخذوا مسجد قبا، وبعثوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يأتيهم، فأتاهم فصلّى فيه، فحسد [ هم] جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف، فقالوا : نبني مسجداً نصلّي فيه ولا نحضر جماعة محمّد، وكانوا اثنى عشر رجلاً، وقيل: خمسة عشر رجلاً، منهم: ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، ونثيل بن الحارث، فبنوا مسجداً بجنب مسجد قبا، فلمّا فرغوا منه أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا : يارسول اللّه ، إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه وتدعو بالبركة ، فقال عليه السلام : «إنّي على جناح السفر، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء اللّه ، فصلّينا لكم [ فيه]»، فلمّا انصرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله من تبوك نزلت عليه في شأن المسجدين قوله تعالى : «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدا ضِرَارا وَكُفْرا وَتَفْرِيقا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادا لِمَنْ حَارَبَ اللّه َ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَا الْحُسْنَى وَاللّه ُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللّه ِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّه ُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّه ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (2) ، والمنافقون إنّما بنوا ذلك بأمر أبي عامر الراهب، وأنّه كان قد ترهّب في الجاهليّة ، ولبس المسوح، فلمّا قدم النبيّ صلى الله عليه و آله حَزَّب عليه الأحزاب، ثمّ هرب إلى مكّة، وبعد فتح مكّة هرب إلى الطائف ، فلمّا أسلم أهل الطائف لحق بالشام وخرج إلى الروم وتنصّر، وكان قد أرسل إلى المنافقين: أن استعدّوا وابنوا مسجداً، فإنّي أذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنوده واُخرج محمّداً من المدينة ، فكان هؤلاء المنافقون يتوقّعون أن يجيئهم أبو عامر، فمات قبل أن يبلغ ملك الروم ، وأبو عامر هذا هو أبو حنظلة غسيل الملائكة الشهيد باُحد، وقد سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا عامر الفاسق . (3) والمشربة بضمّ الراء وفتحها: الغرفة. (4) ومشربة اُمّ إبراهيم هي مسكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومصلّاه . (5) قوله في خبر عمّار بن موسى : (كانت امرأة جعفر التي خلّف عليها أمير المؤمنين عليه السلام ) [ ح 6 / 8134] هي أسماء بنت عميس . وقد سبق أنّها كانت اُخت ميمونة، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وأنّها ولدت له: محمّداً وعبداللّه وعونا، ثمّ تزوّجها أبو بكر فولدت له محمّد، ثمّ تزوّجها عليّ عليه السلام فولدت له يحيى بن عليّ ، (6) وهذا الخبر يدلّ على أنّها لم تكن شاهدة لردّ الشمس، وأنّها إنّما سمعت القصّة عن عليّ عليه السلام ، وقد روى من الطريقين أنّها قد شاهدته ، ففي الفقيه: روي عن أسماء بنت عميس، أنّها قالت : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله نائم ذات يوم ورأسه في حجر عليّ عليه السلام ففاتته العصر حتّى غابت الشمس، فقال : «اللّهمَّ إنَّ عليّا كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس »، قالت أسماء : فرأيتها واللّه غربت، ثمّ طلعت بعدما غربت، ولم يبق جبل ولا أرض إلّا طلعت عليه حتّى قام عليّ عليه السلام فتوضّأ وصلّى ثمّ غربت . (7) وحكى الشيخ محمّد العاملي قدس سره في تعليقاته عليه نقلاً عن كتاب الشفاء في تعريف حقوق المصطفى تأليف القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض من أعاظم علماء العامّة وثقاتهم أنّه قال : خرّج الطحاويّ عن أسماء بنت أبي عميس رضي اللّه عنها من طريقين أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ عليه السلام فلم يصلِّ العصر حتّى غربت الشمس، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أصلّيت يا عليّ؟» فقال : «لا »، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اللّهمَّ إنّ عليّا كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس »، قالت أسماء رضي اللّه عنها : فرأيتها غربت، ثمّ رأيتها طلعت بعدما غربت، ووقعت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء وفي خيبر . (8) وقال يعني الطحاويّ (9) : هذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقاة . وحكى أي الطحاويّ عن أحمد بن صالح أنّه كان يقول : لا ينبغي سَأَلَة العلم (10) التخلّف عن حديث أسماء رضي اللّه عنها؛ لأنّه من علامات النبوّة . (11) انتهى . وهذا الردّ كان أوّل الردّين للشمس في هذه الاُمّة، وقد رُدّت له عليه السلام مرّة اُخرى ببابل، فقد روى الصدوق رضى الله عنهعن جويرية بن مسهر أنه قال : أقبلنا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام من قتل الخوارج، حتّى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس فقال عليّ عليه السلام : «أيّها الناس، إنّ هذه أرضٌ ملعونة قد عُذِّبت في الدهر ثلاث مرّات ، وفي خبر: مرّتين ، وهي تتوقّع الثالثة ، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أوّل أرض عُبدَ فيها وثن، وأنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يُصلّي فيها، فمَن أراد منكم أن يصلّي فيها فليصلِّ »، فمال الناس عن جنبي الطريق يصلّون، وركب هو عليه السلام بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومضى . قال جويرية : فقلت : واللّه ، لأتبعنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولأقلّدنّه صلاتي اليوم ، فمضيت خلفه، فواللّه ، ما جُزنا جسر سوراء حتّى غابت الشمس، فشككت، فالتفت إليَّ وقال : «يا جويرية، أشككت؟» فقلت : نعم يا أمير المؤمنين . فنزل عليه السلام عن ناحية فتوضّأ، ثمّ قام: فنطق بكلام لا أحسبه إلّا كأنّه بالعبراني، ثمّ نادى: «الصلاة»، فنظرت واللّه _ إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلّى العصر وصلّيت معه ، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت إليَّ فقال : «يا جويرية بن مسهر،إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : «فَسَبِّحْ بِسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» ، (12) واللّه ، أنّي سألت اللّه عزّ وجلّ باسمه العظيم، فردَّ عليَّ الشمس ». وقال : وروي أنّ جويرية لمّا رأى ذلك قال : وصيّ نبيّ وربّ الكعبة . (13) وهذان الردّان ممّا أجمع عليه الأصحاب ، ويؤيّدهما ما ثبت من الطريقين من وقوع كلّ ما كان في الاُمم السالفة في هذه الاُمّة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، وقد ثبت ردّها في الاُمم السالفة مرّتين، مرّة على يوشع بن نون، (14) واُخرى على سليمان بن داوود عليهماالسلام . 15

.


1- . اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 70.
2- . التوبة (9) : 107 110 .
3- . مجمع البيان، ج 5 ، ص 125 126.
4- . صحاح اللغة، ج 1، ص 153.
5- . صرّح بذلك في الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي. وانظر: مجمع البحرين، ج 2، ص 494 495.
6- . اُنظر: الإصابة، ج 8 ، ص 5 16، الرقم 10809؛ الاستيعاب، ج 4، ص 1784 1785، الرقم 3230.
7- . الفقيه، ج 1، ص 203، ح 610 .
8- . شرح مشكل الآثار، ج 2، ص 7، ح 1208؛ وج 4، ص 268، ح 3851.
9- . كذا في الأصل، ولكنّ الصحيح أنّه من كلام القاضي عياض.
10- . كذا في الأصل، وفي المصدر: «لمن سبيله العلم».
11- . الشفاء، ج 1، ص 284، فصل انشقاق القمر وحبس الشمس.
12- . الواقعة (56) : 74 .
13- . الفقيه، ج 1، ص 203 204، ح 611 ؛ وسائل الشيعة، ج 5 ، ص 180 181، ح 6272 .
14- . الفقيه، ج 1، ص 203.

ص: 539

. .

ص: 540

. .

ص: 541

باب وداع قبر النبيّ

باب وداع قبر النبيّ صلى الله عليه و آلهيستحبّ ذلك استحبابا مؤكّداً، وكذا وداع فاطمة وأئمّة البقيع صلوات اللّه عليهم للبعيد .

.

ص: 542

باب تحريم المدينة

باب تحريم المدينةأجمع أهل العلم على أنّ للمدينة حرما ، والمشهور أنّه ما بين ظلّ عائر وفي?وَعير، (1) وهما جبلان يكتنفان بها شرقا وغربا، وهو بريد في بريد. (2) وقيل: هو ما بين ظلّ عائر وثور. (3) واختلفوا في حكمه ، فظاهر العلّامة رحمه اللهفي المنتهى إجماع الأصحاب على تحريم قطع شجره وقتل صيده مطلقا، حيث قال : «للمدينة حرم كحرم مكّة، لا يجوز قطع شجرة، ولا قتل صيده ، ذهب إليه علماؤنا، وبه قال أحمد ومالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يحرم ». (4) وهو غريب. والذي يظهر من الأخبار تحريم قطع شجره مطلقا، وتحريم صيد ما بين الحرّتين منه: حرّة ليلى وحرّة واقم لا مطلقا ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط (5) والنهاية (6) والتهذيب . (7) وبذلك يجمع بين ما دلّ على تحريم صيد حرمها كصحيحة حسّان بن مهران (8) وغيرها، وما ظاهره حلّيّة صيده مطلقا كخبر أبي العبّاس (9) وصحيحة معاوية بن عمّار . (10) والدليل على هذا التفضيل خبر الحسن الصيقل، (11) وما رواه الشيخ بسند آخر عنه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كنت جالسا عند زياد بن عبداللّه وعنده ربيعة الرأي، فقال له زياد : يا ربيعة، ما الذي حرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المدينة؟ فقال : بريد في بريد ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : فقلت لربيعة : وكان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أميال! فسكت ولم يحسن، فمال عليَّ زياد فقال : يا أبا عبداللّه عليه السلام ، فما تقول أنت؟ قلت : حرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المدينة من الصيد ما بين لابتيها ، فقال : وبين ما لابتيها؟ قلت : ما أحاطت به الحرتان ، قال : وما الذي يحرم من الشجر؟ قلت : «من عائر إلى وعير ». (12) ونسب في المسالك (13) إلى المشهور بين الأصحاب القول بكراهة قطع شجر حرمها وصيده، وإليه ذهب المحقّق في الشرائع، (14) وهو طريق آخر للجمع . ثمّ ظاهر المحرّمين عدم وجوب فدية للصيد ولا للقطع، حيث إنّهم لم يتعرّضوا لها ، بل صرّح به جماعة منهم الشيخ في المبسوط، (15) والعلّامة في المنتهى . (16) ويدلّ عليه أصالة العدم، وعدم دليل على وجوبها، ويكفي في النهي عنهما حصول الإثم بهما. وهو منقول عن مالك وعن الشافعيّ في الجديد، وعن أحمد في إحدى الروايتين عنه، وعن قديم الشافعيّ، ورواية اُخرى عن أحمد إيجابهما للفدية. (17) وكذا الظاهر حلّيّة أكل صيده وإن حرم الفعل؛ لعدم دليل على كونه ميتة ، بل هو الظاهر من صحيحة معاوية بن عمّار، (18) وإليه ذهب العلّامة في الإرشاد (19) على كراهيّة؛ مخصّصا لتحريم الصيد بما بين الحرّتين، فقال : حرم المدينة ما بين عائر إلى وعير لا يعضد شجره ولايؤكل صيده، إلّا ما صيد بين الحرّتين على كراهية . وظاهر الشيخ في المبسوط والنهاية تحريمه، فقد قال فيهما : «ولا بأس أن يؤكل صيدها، إلّا ما صيد بين الحرّتين ». (20) هذا، وقال طاب ثراه : الظاهر أنّ اللابتين غير داخلتين في التحريم ، وقال بعض العامّة بدخولهما ، وقال الآبي : ولعلّ ذلك دليل آخر وإلّا فإنّما اختلف إذا قال من كذا إلى كذا، هل يدخل مابعد إلى، وأمّا إذا قال ما بين كذا وكذا فإنّ المعبّر عنه بكذا وكذا لا يدخل قطعا، وربّما امتنع دخوله عقلاً لو قال جلست ما بين زيد وعمرو، فإنّه يستحيل دخول مكانيهما في الجلوس . قوله في صحيحة حسّان بن مهران : (لا يريدها جبّار ) . [ ح 1 / 8137] قال طاب ثراه : الظاهر أنّ الضمير راجع إلى المواضع الثلاثة . قوله في خبر أبي العبّاس : (عضاها ) .] ح 2 / 8138] قال طاب ثراه : قال عياض : العضا: كلّ شجر له شوك كالطلح والعوسج والينبوب . وقال الآبي : قيل: هو اُم غيلان، وكلّ شجرة عظيمة لها شوك ، والواحدة: عضدة بالتاء وأصلها عضضة ، وقيل : أصلها عضاهة . (21) قوله في خبر الحسن الصيقل : (ما بين لابتيها ) .] ح 3 / 8139] حكى طاب ثراه عن البغويّ أنّه قال : قال الأصمعيّ : اللّابة الأرض ذات الحجارة السود وجمعها في القليل اللّابات، وفي الكثير اللّوب ، (22) وقيل : اللابة خاصّة بالمدينة، فلا تقال في غيرها . (23) والظاهر أنّ «عَير» تصحيف «عاير» (24) كما في باقي الأخبار، وكأنّ منشأؤه كتبته على رسم الخطّ من غير ألف . وحكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : قال الزبيريّ : ليس بالمدينة «عَير» (25) وإن ذكره أكثر رواة البخاريّ . وأمّا «وعير» فالمشهور ضمّ واوه مصغّراً ، (26) وقد صُحِّح به في بعض النسخ المصحّحة، وصحّحه الشهيد في الدروس بفتح الواو . (27) قوله في صحيحة معاوية بن عمّار : (حرّمها إبراهيم عليه السلام ) إلخ . [ ح 5 / 8141] قال طاب ثراه : أي بلّغ تحريمها، فلا يعارض ما تقدّم من قوله تعالى: «وحرّمتها يوم خلقت السماوات والأرض» على ما ورد في بعض الأخبار . (28) وحكى عن الآبي أنّه قال : اوى بالقصر والمدّ متعدّيا وقاصراً في الوجهين، والقصر في القاصر أظهر، والتعدّي في الممدود أشهر . (29) وعن عياض أنّه قال : روى محدثا بكسر الدال وفتحها، فمن فتح أراد الإحداث نفسه، ومن كسر أراد فاعل الحدث . (30) ومعنى اواه: ضمّه إليه ومنعه ممّن له حقّ عليه . (31) وقد روى الخبر مسلم في صحيحه بإضافة: «فعليه (32) لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ». (33) وعن عياض أنّه قال: لعنه اللّه : طرده عن رحمته ، ولعنة الملائكة والناس: دعاؤهم عليه بالإبعاد من رحمة اللّه ، وقد تكون لعنة الملائكة ترك الدعاء له وإبعاده عن جملة المؤمنين في الاستغفار لهم . انتهى . والحدث شامل لكلّ ظلم، وذكر القتل على التمثيل . وأوّل من آوى محدثا فيها في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبعد وفاته، عثمان بن عفّان، فقد آوى عمَّيه طريدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أحدهما في حياته والآخر بعد وفاته ، أمّا الأوّل فهو المغيرة بن أبي العاص، فقد هدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله دمه، ولعن من يؤويه ويحمله ويطعمه ويسقيه ويجهّزه ويعطيه سقاء وحذاء ورشاء ووعاء، فآواه أوّلاً ، ثمّ لمّا رأى تشدّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قتله حمله وأطعمه وسقاه، وأخرجه من المدينة على ما مرّ في باب النوادر من كتاب الجنائز . (34) وأمّا الثاني فهو الحكم بن أبي العاص، فقد طرده رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن المدينة، ونفاه إلى الطائف، حيث حكى بعض حركاته ومشيته صلى الله عليه و آله وكان فيه إلى أن نصب عثمان للخلافة، فأرسل إليه وطلبه وقرّبه وسلّطه على المسلمين . (35)

.


1- . اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 357، المسألة 295؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 381.
2- . اُنظر: منتهى المطلب، ج 2، ص 799؛ الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 21، الدرس 127؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 381؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 274؛ جامع المقاصد، ج 3، ص 276؛ مجمع البحرين، ج 3، ص 283.
3- . المبسوط للطوسي، ج 1، ص 354.
4- . منتهى المطلب، ج 2، ص 799. وانظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 497؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 138؛ عون المعبود، ج 6 ، ص 17؛ نيل الأوطار، ج 5 ، ص 105؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 369.
5- . المبسوط، ج 1، ص 386.
6- . النهاية، ص 287.
7- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 13، ذيل الحديث 24.
8- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 12، ح 21؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 360، ح 19386.
9- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 364، ح 19394.
10- . الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 362، ح 19391.
11- . الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 363، ح 19392.
12- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 13 14، ح 26.
13- . مسالك الأفهام، ج 2، ص 382.
14- . شرائع الإسلام، ج 1، ص 209.
15- . المبسوط، ج 1، ص 358.
16- . منتهى المطلب، ج 2، ص 800 . ومثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 380.
17- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 477 و 497؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3، ص 370؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 373.
18- . وسائل الشيعة، ج 14، ص 362، ح 19391.
19- . إرشاد الأذهان، ج 1، ص 339.
20- . المبسوط، ج 1، ص 386؛ النهاية، ص 287.
21- . اُنظر: لسان العرب، ج 9، ص 263 (عضه).
22- . وحكاه عنه ياقوت في معجم البلدان، ج 5 ، ص 3. اُنظر: التمهيد، ج 6 ، ص 311؛ النهاية، ج 4، ص 274 (لوب).
23- . اُنظر: تاج العروس، ج 2، ص 410 (لوب).
24- . اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 486؛ معجم البلدان، ج 4، ص 73.
25- . نيل الأوطار، ج 5 ، ص 102؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 143؛ فتح الباري، ج 4، ص 70؛ الديباج على مسلم، ج 3، ص 411.
26- . مجمع البحرين، ج 4، ص 522 (وعر).
27- . الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 21، الدرس 127.
28- . تفسير السمعاني، ج 4، ص 150؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 115.
29- . شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 140.
30- . نفس المصدر.
31- . اُنظر: فتح القدير، ج 4، ص 292.
32- . في الأصل: «ففيه»، والتصويب من المصدر.
33- . صحيح مسلم، ج 4، ص 114 و 115.
34- . الكافي، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح 8 .
35- . اُنظر: شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 32، شرح الكلام 43؛ وج 6 ، ص 149، شرح الكلام 72.

ص: 543

. .

ص: 544

. .

ص: 545

. .

ص: 546

باب معرّس النبيّ

باب معرّس النبيّ صلى الله عليه و آلهقال ابن الأثير : التعريس: نزول المسافر آخر الليل ، ويقال: منه عرّس يعرّس تعريسا ، ويقال فيه : أعرس ، والمُعرَّس موضع التعريس ، وبه سمّي معرّس ذي الحليفة، عرّس النبيّ صلى الله عليه و آله فيه الصبح، ثمّ رحل . (1) وفي المدارك : المعرّس بضمّ الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة، ويقال بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء: مسجد بقرب مسجد الشجرة، بإزائه ممّا يلي القبلة ، وقد أجمع الأصحاب على استحباب النزول والصلاة فيه في العود من مكّة إلى المدينة تأسّيا به صلى الله عليه و آله . (2) وأصل التعريس وإن كان النزول في آخر الليل على ما عرفت، لكن يستحبّ نزول الحاجّ في المعرّس حين الوصول إليه ولو في النهار، لخبر ابن فضّال (3) وصحيحة العيص بن القاسم، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سأله عن الغسل في المعرّس ، فقال : «ليس عليك غسل ، والتعريس هو أن يصلّي فيه، ويضطجع فيه، ليلاً مرّ به أو نهاراً». (4) ويستحبّ العود له إذا مضى منه جاهلاً أو ناسيا على المشهور ، ويدلّ عليه مرسلة عليّ بن أسباط، (5) والخبر الذي بعده ، (6) بل اذا تركه عمدا أيضا؛ لإطلاق الخبرين، و إنّما يستحبّ ذلك في المراجعة من مكّة ولا يستحبّ في الذهاب إليها؛ لعدم دليل عليه بل في بعض الأخبار تصريح بعدمه ؛ ففي خبر معاوية بن عمّار: إنّما المعرّس إذا رجعت إلى المدينة ليس إذا بدأت ». (7)

.


1- . النهاية، ج 3، ص 206 (عرس).
2- . مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 273.
3- . الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 373، ح 19416.
4- . الفقيه، ج 2، ص 560 ، ح 3147؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 370، ح 19410.
5- . الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 372، ح 19414.
6- . الحديث الثالث من هذا الباب. ورواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 560 ، ح 3146؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 372 373، ح 19415.
7- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 16، ح 36؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 371، ح 19411.

ص: 547

باب مسجد غدير خمّ

باب مسجد غدير خمّفي المنتهى: هو موضعٌ شريف فيه نصب رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام إماما للأنام، وأظهر فيه شرفه وعظم منزلته عند اللّه وقربه منه، وأخذ له البيعة على المسلمين كافّة في حجّة الوداع . (1) وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» (2) : قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام: «أنّ اللّه أوحى إلى نبيّه عليه السلام أن يستخلف عليّا، فكان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره بأدائه »، والمعنى: إن تركت تبليغ ما اُنزل إليك وكتمته كنت كأنّك لم تبلِّغ شيئا من رسالات ربّك في استحقاق العقوبة . وقال ابن عبّاس : معناه: إن كتمت آية ممّا اُنزل إليك فما بلّغت رسالته ، أي لم تكن ممتثلاً لجميع الأمر واللّه يعصمك من الناس، أي يمنعك من أن ينالوك بسوء . (3) انتهى . وقد تواتر أنّه كان ذلك في ذلك المسجد، وثبت أنّه صلى الله عليه و آله لمّا بلغ هذا المكان في المراجعة عن حجّة الوداع، ولم يكن يومئذٍ منزلاً للحجّاج، وقد تقدّم أكثر الحاجّ ماضين منه، فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية الشريفة ،فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمر بنزول الحاج، وردّ من مضى منهم، فنادى باجتماع الناس عنده صلى الله عليه و آله فقام على رحال البعير خطيبا رافعا عليّا عليه السلام بحيث يرى بياض إبطيه صلى الله عليه و آله فقال : «ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا : اللّهمَّ نعم ، فقال : «مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ، [ ثمّ أمر الناس أن يبايعوه، فيبايعوه وهنّئوه] (4) حتّى قال عمر بن الخطّاب: بخٍ بخٍ لك يا عليّ! أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ولم يوجد خبر في السنّة أصحّ وأكثر سنداً، حيث حضر من حضر معه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع، وكانوا زهاء سبعين ألفا ، (5) وما أظنّ أن ينكره أحد . (6) نعم ، ما ذكره البخاريّ في صحيحه، وحكي عن ابن أبي داوود السجستانيّ أنّه دفعه، ومثله عن الخوارج، ومنهم الجاحظ في كتاب العثمانيّة . وقال السيّد المرتضى في كتاب الشافي بعدما ذكر إجماع الاُمّة على نقله وصحّته : ولا معتبر في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذّ عنه ، بل الواجب أن يعلم أنّ الذي خرج عنه ممّن يعتبر قوله في الإجماع، ثمّ يعلم أنّ الإجماع لم يتقدّم خلافه، فإنّ ابن أبي داوود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الإجماع، خصوصا بالذي لا شبهة فيه من تقدّم الإجماع وفقد الخلاف، وقد سبقهما، ثمّ تأخّر عنهما. على أنّه قد قيل: إنّ ابن أبي داوود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خمّ متقدّما . وأمّا الجاحظ فلم يتجاسر أيضا على التصريح بدفع الخبر، وإنّما طعن على بعض رواته، وادّعى اختلاف ما نقل من لفظه ، فأمّا الخوارج فما يقدر أحد أن يحكي عنهم دفعا لهذا الخبر وامتناعا من قبوله، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة، وهي خالية ممّا ادّعى ، والظاهر من أمرهم حملهم الخبر على التفصيل ، وما جرى مجراه من صنوف تأويل مخالفي الشيعة، وإنّما آنس بعض الجهلة بهذه الدعوى على الخوارج ما ظهر عنهم فيما بعد من القول الخبيث في أمير المؤمنين عليه السلام ، وظنّ أنّ خلافهم له ورجوعهم عن ولايته يقتضي أن يكونوا جحدوا فضائله ومناقبه، وقد اُبعد هذا المدّعى غاية البُعد؛ لأنّ انحراف الخوارج إنّما كان بعد التحكيم للسبب المعروف، وإلّا فاعتقادهم لأمير المؤمنين عليه السلام وفضله وتقدّمه قد كان ظاهراً ، وهم على كلّ حال بعض أنصاره وأعوانه، ومَن جاهد معه الأعداء وكانوا في عِداد الأولياء إلى أن كان من أمرهم ما كان . (7) قوله في خبر حسّان الجمّال: (فقال : ذاك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجرّاح ) .] ح 2 / 8148] قال طاب ثراه : فسطاط وفستاط وفسّاط بشدّ السين وضمّ الفاء وكسرها في الجميع . (8) وقال القرطبي: سالم هو سالم بن معقل مولى أبي حذيفة، يكنّى أبا عبداللّه من أهل فارس من اصطخر، وهو معدود من المهاجرين، لأنّه لمّا أعتقته مولاته زوجة أبي حذيفة تولّى أبا حذيفة فتبنّاه، وهو كان من المهاجرين، وربّما يعدّونه في الأنصار؛ لأنّ مولاته كانت أنصاريّة . (9) وقال الآبي : أبو عبيدة اسمه عامر بن عبداللّه بن الجرّاح بن هلال بن اُميّة بن ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وفي فهر يجتمع مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومنه تقرّشت قريش على الصحيح، لا عن النضر بن كنانة، (10) وهو كان أمير الشام على عهد عمر وتوفّى فيها في أيّام خلافته . (11) ثمّ قال طاب ثراه : والخبر يدلّ على أنّ للعين أثرا و أنّ العيّانون أرادوا أن يعينوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وفي روايات العامّة: أنّ العين ليدخل الرجل القبر والجمل القِدر. (12) وفيها أيضا: أنّ العين حقّ، (13) ومعناه أنّ إصابة العين أمرٌ متحقّق لا شكّ فيه . ونقل مثله عن أبي عبداللّه عليه السلام . (14) وقال محيي الدِّين البغويّ : هذا مذهب الجمهور ، وأنكره طائفة من المبتدعة . ويردّ عليهم: أنّ ما ليس بمحال في نفسه ولا يؤدّي إلى مخالفة دليل وهو جائز ، وإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده، ولا فرق بين التكذيب به والتكذيب بشيء من أحوال الآخرة ، وزعم جماعة من مثبتيه أنّ العاين ينبعث من عينه قوّة سمّيّة يتّصل بالمعيون فيهلك أو يفسد ، قالوا: ولا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث ذلك من الأفعى والعقرب فيهلك اللذيع . (15)

.


1- . منتهى المطلب، ج 2، ص 889 .
2- . المائدة (5) : 67 .
3- . مجمع البيان، ج 1، ص 383.
4- . المثبت هو الظاهر المستفاد من المصادر، وفي الأصل مكانه: «ويحبونه الناس من نحَد».
5- . كذا هنا، وقد عدّه بعض الجماعة الحاضرة في قصّة الغدير أكثر من مئة ألف. اُنظر: عيون التواريخ، ص 394.
6- . الأمر كما قال: فإنّ الحديث متواتر بل فوق حدّ التواتر، فمن أراد تحقيق ذلك فليراجع موسوعات الغدير و عبقات الأنوار و موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة. وانظر ما أوردناه في ترتيب الأمالي، ج 4، ص 133 160، ح 1693 1716.
7- . الشافي، ج 2، ص 264 265.
8- . صحاح اللغة، ج 3، ص 1150 (فسط).
9- . الاستيعاب، ج 2، ص 567 ، الرقم 881 .
10- . اُنظر: شرح اصول الكافي للمولى صالح المازندراني، ج 7، ص 79.
11- . اُنظر: الاستيعاب، ج 4، ص 1710، الرقم 3078.
12- . كنز العمّال، ج 6 ، ص 744، ح 17660، وكان في الأصل: «والقدر» فصوّبناه حسب المصدر.
13- . مسند أحمد، ج 1، ص 274 و 294؛ وج 2، ص 319 و 439؛ صحيح البخاري، ج 7، ص 23 24 و 64؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 13 و 14؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1159، ح 3506 3508؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 224، ح 3879؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 412؛ وج 4، ص 215 216؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 351.
14- . مكارم الأخلاق، ص 386.
15- . شرح صحيح مسلم، ج 14، ص 171.

ص: 548

. .

ص: 549

. .

ص: 550

. .

ص: 551

باب يذكر فيه نبذاً من الأخبار الواردة في فضل زياراتهم والترغيب فيه

باب يذكر فيه نبذاً من الأخبار الواردة في فضل زياراتهم عليهم السلام والترغيب فيهفهذا الباب كالتوطئة للأبواب الآتية ، ولنذكر نحن أيضا بعضا منها، فنقول : قد روينا شيئا منها في فضل زيارة الأئمّة بالبقيع ، وقال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة : روي عن الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلامعن آبائه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «مَن زار عليّا بعد وفاته فله الجنّة ». (1) وقال الصادق عليه السلام : «إنّ أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين عليه السلام ، فلا تكن عن الخير نوّاما ». (2) وقال الصادق عليه السلام : «مَن ترك زيارة أمير المؤمنين عليه السلام لم ينظر اللّه إليه، ألا تزورون مَن تزوره الملائكة والنبيّون عليهم السلام ، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من كلّ الأئمّة، وله مثل ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فضّلوا ». (3) وفيها أيضا : وروي عن الباقر عليه السلام أنّه قال : «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين عليه السلام بالإمامة من اللّه ». (4) وروي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «مَن زار الحسين بن عليّ عليهماالسلام لا أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً محص ذنوبه كما يمحص الثوب في الماء، فلا يبقى عليه دنس، ويُكتب له بكلّ خطوة حجّة، وكلّما رفع قدمه عمرة ». (5) وروي عنه عليه السلام أنّه قال : «ما أتى قبر الحسين بن عليّ عليهماالسلام مكروب قطّ إلّا فرّج اللّه كربته وقضى حاجته ». (6) وفيها أيضا : روى الحسن بن بشّار الواسطيّ، قال : سألت أباالحسن عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلامفقلت : ما لمَن زار قبر أبيك؟ فقال : «زره ففيه من الفضل كفضل من زار والده رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (7) وروى إبراهيم بن عقبة، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن زيارة أبي عبداللّه الحسين عليه السلام وزيارة أبي الحسن موسى وأبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلامببغداد ، فكتب إليَّ أبو عبداللّه عليه السلام : «المقدّم وهذان أجمع وأعظم أجراً وثوابا ». (8) وفي التهذيب عن الحسن بن عليّ الوشّا، عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن زيارة قبر أبي الحسن عليه السلام هل هي مثل زيارة قبر الحسين عليه السلام ؟ قال : «نعم ». (9) وعن الحسن بن محمّد القميّ، قال : قال لي الرضا عليه السلام : «مَن زار قبر أبي ببغداد كمَن زار قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقبر أمير المؤمنين عليه السلام ، إلّا أنّ لرسول اللّه ولأمير المؤمنين فضلهما ». (10) وعن ابن سنان، قال : قلت للرضا عليه السلام : ما لمَن زار قبر أبيك؟ قال : «الجنّة ، فزره ». (11) وعن زكريا بن آدم القمّيّ، عن الرضا عليه السلام قال : «إنّ اللّه نجّى بغداد لمكان قبور الحسينيّين فيها ». (12) وعن أبي هاشم الجعفريّ، قال : قال لي أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلام : «قبري بسرّ من رأى أمانٌ لأهل الجانبين ». (13) وسيروي المصنّف قدس سره بعض هذه الأخبار التي رويناها ، مع أخبار اُخرى في أبواب متفرّقة . وربّما قيل بوجوب زيارة قبر الحسين عليه السلام ؛ لظهور بعض ما ذكر من الأخبار فيه، وهو على المشهور محمول على تأكّد الاستحباب .

.


1- . المقنعة، ص 462؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 379، ح 19428.
2- . المقنعة، ص 462؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 380، ح 19429.
3- . المقنعة، ص 462. ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 20، ح 45.
4- . المقنعة، ص 468. ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات، ص 236، 351؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 443 444، ح 19561.
5- . المقنعة، ص 468. ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات، ص 273، ح 424؛ والشيخ في تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 44، ح 93؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 446، ح 19567.
6- . المقنعة، ص 468.
7- . المقنعة، ص 477.
8- . المقنعة، ص 482 483. ورواه الكليني في الكافي، باب فضل زيارة أبي الحسن موسى عليه السلام ، ح 3؛ وابن قولويه في كامل الزيارات، ص 500 501 ، ح 781؛ والصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 292، الباب 66 ، ح 25؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 91، ح 172؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 570 ، ح 19841.
9- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 81 ، ح 158؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 544 ، ح 19786.
10- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 81 82 ، ح 159؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 545 ، ح 19787.
11- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 82 ، ح 160؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 545 ، ح 19788.
12- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 82 ، ح 162؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 546 ، ح 19790.
13- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 93، ح 176؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 571 572 ، ح 19843.

ص: 552

. .

ص: 553

باب ما يقال عند قبر أمير المؤمنين

باب ما يقال عند قبر أمير المؤمنين عليه السلامما ذكره قدس سره زيارة عامّة لجميع الأوقات، وقد وردت له عليه السلام زيارات متظافرة عامّة ومخصوصة بأوقات خاصّة ، ولنذكر هناك بعضا من الزيارات التيّ لها مزيّة عظيمة ، فمنها : زيارة عامّة رواها الشيخ في التهذيب عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام فتوضّأ واغتسل وامش على هنيتك (1) ، وقل : اَلْحَمْدُ للّه ِِ الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَة رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، وَمَنْ فَرَضَ طاعَتَهُ رَحْمَةً مِنْهُ وَتَطَوُّلاً مِنْهُ عَلَيَّ بِالْاءيمانِ ، واَلْحَمْدُ للّه ِِ الَّذي سَيّرَني في بِلادِهِ ، وحَمَلَني على دوابّه ، وطوى لي البعيد ، ودفعَ عنّي المكروه حتّى أَدْخَلَني حَرَمَ أَخي رَسُولِهِ ، فَأَرانيهِ في عافِيَةٍ ، اَلْحَمْدُ للّه ِِ الَّذي جَعَلَني مِنْ زُوّارِ قَبْرِ وَصِيِّ رَسُولِهِ ، الحمدُ للّه ِ الذي هدانا لهذا وما كُنّا لنهتدي لولا أنْ هدانا اللّه ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَا اللّه ُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، جاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّا عَبْدُ اللّه ِ وَأَخْو رَسُولهِ عليهماالسلام . ثمّ تدنو من القبر وتقول : السلامُ من اللّه والتسليمُ على محمّدٍ أَمينِ اللّه ِ عَلى رسالتهِ ، وَعَزائِمِ أَمْرِهِ ، ومعدن الوحي والتنزيل ، اَلْخاتِمِ لِما سَبَقَ ، وَالْفاتِحِ لِمَا اسْتُقْبِلَ ، وَالْمُهَيْمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ، والشاهِد على الخلق ، السِّراج المُنير ، والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته . اللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وأهل بيته المظلومين أفضل وأكمل وأرفع وأنفع وأشرف ما صلّيت على أنبياك وأصفيائك . اَللّهُمَ صَلِّ عَلى أَميرِ الْمُؤْمِنينَ عَبْدِكَ وَخَيْرِ خَلْقِكَ بَعْدَ نَبِيِّكَ ، وَأَخي رَسُولِكَ ، وَوَصِيِّ رَسُولِكَ ، اَلَّذي بعثته بعلمكَ ، وجعلته هاديا لمن شئتَ من خلقك، وَالدَّليلِ عَلى مَنْ بَعَثْتَهُ بِرِسالاتِكَ ، وَدَيّانِ الدّينِ بِعَدْلِكَ ، وَفَصْلِ قَضائِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللّه ِ وَبَرَكاتُهُ . اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ، اَلْقَوّامينَ بِأَمْرِكَ مِنْ بَعْدِهِ ، اَلْمُطَهَّرينَ الَّذينَ ارْتَضَيْتَهُمْ أَنصاراً لِدينِكَ ، وَحَفَظَةً على سِرِّكَ ، وَشُهَداءَ عَلى خَلْقِكَ ، وَأَعْلاما لِعِبادِكَ ، وصلِّ عليهم جميعا ما استطعت، السلام على خالصة اللّه من خلقه ، اَلسَّلامُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ الَّذينَ قامُوا بِأَمْرِك ، وَآزَرُوا أَوْلِياءَ اللّه ِ ، وَخافُوا بِخَوْفِهِمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى مَلائِكَةِ اللّه . اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ حبيب اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفْوَةَ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللّه ِ ، السلام عليك يا عمود الدِّين ووارث علم الأوّلين والآخرين، وصاحب المقام والصراط المستقيم ، أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، واتّبعت الرسول، وتلوت الكتاب حقّ تلاوته ، ووفيت بعهد اللّه ، وجاهدت في اللّه حقّ جهاده، ونصحت للّه ولرسوله ، وجُدتَ بنفسك صابراً ، مجاهداً عن دين اللّه موفيا لرسوله ، طالبا لما عند اللّه ، راغبا فيما وعد اللّه من رضوانه ، مضيت للذي كنت عليه شاهداً وشهيداً ومشهوداً ، جزاك اللّه عن رسوله وعن الإسلام وعن أهله أفضل الجزاء، ولعن اللّه مَن قتلك ، ولعن اللّه من شايع على قتلك ، ولعن اللّه مَن خالفك، ولعن اللّه من افترى عليك وظلمك وغصبك، (2) ومن بلغه ذلك فَرَضيَ به ، أنا إلى اللّه منهم بريء ، ولعن اللّه اُمّةً خالفتك ، واُمّة جحدت ولايتك، واُمّةً تظاهرت عليك ، واُمّةً قاتلتك ، واُمّةً خذلتك وخذَّلت عنك ، الحمد للّه الذي جعل النار مثواهم وبئس الورد المورود ، اللّهمَّ العن اُمّةً قتلت أنبياءك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك ، وأصلِهم حرَّ نارك، والعن الجوابيت والطواغيت والفراعنة واللّات والعزّى والجبت والطاغوت، وكلّ ندٍّ يدعى من دون اللّه ، وكلّ محدث مفترٍ ، اللّهمَّ العنهم وأشياعهم وأتباعهم ومحبيهم وأولياءهم وأعوانهم ومحبّيهم لعنا كثيراً ، [ اللهمّ العن قتلة الحسين ثلاثا اللهمّ عذّبهم عذابا لا تعذّبه أحدا من العالمين، وضاعف عليهم عذابك بما شاقوا وُلاة ] أمرك] ، وأعد لهم عذابا لم تحله بأحد من خلقك. أللهمّ وأدخِل على قتلة أنصار رَسولك وأنصار أمير المؤمنين، وعلى قتلة الحسين وأنصارِ الحسين وقتلة مَن قُتل فِي ولاية آل محمّد عليهم السلام أجمعين عذابا مضاعفا في أسفلِ درك الجحيم لا يُخفَّف عَنهم وهم فيه مُبلسون، ملعونون ناكسوا رؤوسهم قدعاينوا الندامة والخزي الطويل بقتلهم عترة نبيّك ورسولك وأتباعهم من عبادك الصالحين. أللهمّ العنهم في مستسرّ السرّ وظاهر العلانية وسمائك وأرضك. اللهمّ اجعل لي لسان] صدقٍ في أوليائك وحبّب إليَّ مشاهدهم حتّى تلحقني بهم ، وتجعلني لهم تبعا في الدّنيا والآخرة يا أرحم الراحمين . واجلس عند رأسه عليه السلام وقل : سلامُ اللّه وسلام ملائكته المقرّبين والمسلمين بقلوبهم والناطقين بفضلك والشاهدين على أنّك صادقٌ صدِّيق عليك يا مولاي ، صلّى اللّه على روحك وبدنك، طهرٍ طاهرٍ مطهّرٍ من طهرٍ طاهرٍ مطهّر ، أشهدُ لك يا وليّ اللّه ووليّ رسوله بالإبلاغ (3) والأداء، وأشهد أنّك حبيب اللّه ، وأنّك باب اللّه ، وأنّك وجه اللّه الذي منه يؤتى ، وأنّك سبيل اللّه ، وأنّك عبدُ اللّه ، وأنّك أخو رسوله ، أتيتُكَ وافداً لعظيم حالك ومنزلتك عند اللّه ، وعند رسوله ، متقرِّبا إلى اللّه بزيارتك ، طالبا خلاص رقبتي ، متعوِّذاً بك من نار استحققتها بما جنيت على نفسي ، أتيتُك انقطاعا إليك وإلى ولدك الخلف من بعدك على تزكية الحقّ ، فقلبي لكم مسلّم، وأمري لكم متّبعٌ ، ونصرتي لكم مُعدّةٌ ، أنا عبد اللّه ومولاك، وفي طاعتك الوافد إليك ، ألتمسُ بذلك كمال المنزلة عند اللّه وأنت ممّن أمرني اللّه بصلته، وحثّني على برّه ، ودلّني على فضله ، وهداني لحبّه ورغّبني في الوفادة إليه، وألهمني طلب الحوائج من عنده ، أنتم أهل بيت سَعِدَ مَن تولّاكم ، ولا يخيب مَن أتاكم، ولا يخسر من يهواكم ، ولا يسعد مَن عاداكم ، لا أجدُ أحداً أفزعُ إليه خيراً لي منكم ، أنتم أهلُ بيت الرحمة ، ودعائم الدِّين ، وأركان الأرض، والشجرة الطيّبة . اللّهمَّ لا تخيّب توجّهي إليك برسولك وآل رسولك ، ولا تردّ استشفاعي بهم إليك ، اللّهمَّ أنتَ مننتَ عليَّ بزيارة مولاي أمير المؤمنين وولايته ومعرفته، فاجعلني ممّن ينصره وممّن ينتصر به، ومُنَّ عليَّ بنصري لدينك في الدُّنيا والآخرة ، اللّهمَّ إنّي أحيا على ما حيي عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأموت على ما مات عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام . (4) ومنها: زيارة يوم الغدير، روى الشيخ قدس سره في المصباح: السلام على رسول اللّه ، السلام على أمين اللّه على وحيه وعزائم أمره ، والخاتِم لما سبق والفاتح لما استُقْبل ، والمهيمن على ذلك كلّه ورحمة اللّه وبركاته. السلام على أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب وصيّ رسول اللّه وخليفته والقائم بالأمر مِنْ بعده سيّد الوصيّين ورحمة اللّه وبركاته. السلام على فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله سيّدة نساء العالمين. السلام على الحسن والحسين سيّدَىْ شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. السلام على الأئمّة الراشدين ، السلام على الأنبياء والمرسلين ، السلام على الملائكة المقرّبين ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين. ثمّ امشِ حتّى تقف على القبر وتستقبله بوجهك ، وتجعل القبلة بين كتفيك وتقول: السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، السلام عليك يا وليّ اللّه ، السلام عليك يا صفوة اللّه ، السلام عليك يا حبيب اللّه ، السلام عليك يا عمود الدين ، السلام عليك يا وصيّ رسول اللّه وخاتم النبيّين ، السلام عليك يا سيّد الوصيّين ، السلام عليك يا حجّة اللّه على الخلق أجمعين . السلام عليك أيّها النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وعنه مسؤولون ، السلام عليك أيّها الصدّيق الأكبر ، السلام عليك أيّها الفاروق الأعظم ، السلام عليك يا أمين اللّه ، السلام عليك يا خليل اللّه وموضع سرّه وعَيبة علمه وخازن وحيه ، بأبي أنت واُمّي يا مولاي يا أميرالمؤمنين ، يا حجّة الخصام ، بأبي أنت وأمّي يا باب المقام. أشهد أنّك حبيب اللّه وخاصّة اللّه وخالصته ، أشهد أنّك عمود الدّين ووارث علم الأوّلين والآخِرين وصاحب المَيْسم والصراط المستقيم. أشهد أنّك قد بَلَّغت عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما استُودِعْتَ ، وحَلَّلْتَ حلاله وحَرَّمْتَ حرامه وأقمت أحكام اللّه ولم تتعدَّ حدود اللّه ، وعبدت اللّه مخلصا حتّى أتاك اليقين. أشهد أنّك أقمت الصلاة، وآتيتَ الزكاةَ، وأمرت بالمعروف، ونهيتَ عن المنكر، واتّبعتَ الرسول، وتلوت الكتاب حقّ تلاوته، وجاهدت في اللّه حقّ جهاده، ونصحت للّه ولرسوله، وَجُدْتَ بنفسك صابرا محتسبا، وعن دين اللّه مجاهدا، ولرسوله صلى الله عليه و آله موقيا، ولما عند اللّه طالبا، وفيما وعد راغبا ، ومضيت للّذي كنتَ عليه شهيدا وشاهدا ومشهودا ، فجزاك اللّه عن رسوله صلى الله عليه و آله وعن الإسلام وأهله أفضل الجزاء. لعن اللّه من ظلمك، ولعن اللّه من افترى عليك وغصبك ، ولعن اللّه من قتلك، ولعن اللّه من بايع على قتلك، ولعن اللّه من بلغه ذلك فَرَضِيَ به ، إنّا إلى اللّه منهم بُرآءٌ . لعن اللّه اُمّةً خالفتك، واُمّة جَحَدَتْ ولايتك، واُمّةً تَظاهَرَتْ عليك، واُمّةً قتلتك ، واُمّةً حادَتْ عنك واُمّةً خذلتك . اللّهُمَّ الْعَنْ الجوابيت والطواغيت والفراعنة واللّاتَ والعُزّى وكلَّ نِدٍّ يُدْعى مِنْ دونك وكلَّ ملحدٍ مفترٍ. الحمدللّه الذي جعل النار مثواهم وبئس الوِردُ المَوْرُود ، اللّهمَّ العَنْ قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لَعْناتك وأصْلِهِم حرَّ نارك . اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ وأشياعَهِم وأتباعَهم وأولياءهم أعوانهم ومحبّيهم لَعْنا كثيرا لا انقطاع له ولا أجَلَ . أللّهُمَّ إنّي أبرأُ إليك من جميع أعدائك وأسألك أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّد وأن تجعل لي لسان صدق في أوليائك وتحبَّبْ إليَّ مَشاهدَهُمْ حتّى تُلحقني بهم ، وتجعلني لهم تبعا في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين . ثُمَّ تَحَوَّلْ إلى عند رأسه صلى الله عليه و آله ، فقل : سلام اللّه وسلام ملائكته المقرّبين والمسلّمين لك بقلوبهم والناطقين بفضلك والشاهدين على أنّك صادقٌ صدّيقٌ ، عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، صلّى اللّه عليك وعلى روحك وبدنك ، وأشهد أنّك طُهْرٌ طاهرٌ مُطَهَّرٌ . وأشهد لك يا وليَّ اللّه ووليَّ رسوله بالبلاغ والأداء . وأشهد أنّك جَنْبُ اللّه وأنّك وجه اللّه الّذي يُؤتى منه وأنك سبيل اللّه وأنّك عبداللّه وأخو رسوله . أتيتك متقرّبا إلى اللّه بزيارتك في خلاص نفسي ، متعوّذا من نار استَحَقَّها مثلي بما جنيتُ على نفسي . أتيتك انقطاعا إليك وإلى وليّك الخَلَف مِنْ بعدك على الحقّ ، فقلبي لك مسلّمٌ ، وأمري لك مُتَّبِ_عٌ ، ونصرتي لك معدَّةٌ ، وأنا عبداللّه ومولاك في طاعتك الوافدُ إليك ، ألتَمِسُ بذلك كمال المنزلة عند اللّه ، وأنت يا مولاي مَنْ أمرني اللّه بصلته ، وحثّني على برّه ، ودلّني على فضله ، وهداني لحبّه ، ورغّبني في الوفادة إليه ، وألهمني طلب الحوائج عنده . أنتم أهل بيت يَسْعَدُ من تولّاكم ، ولا يخيب مَنْ يهواكم، ولا يَسْعَدُ من عاداكم ، ولا أجد أحدا أفزَعُ إليه خيرا لي منكم ، أنتم أهل بيت الرحمة ودعائم الدين وأركان الأرض والشجرة الطيّبة . أللّهُمَّ لا تُخَيِّبْ توجّهي إليك برسولك وآل رسولك واستشفاعي بهم إليك ، أنت مننتَ عَلَيَّ بزيارة مولاي أميرالمؤمنين وولايته ومعرفته ، فاجعلني ممّن ينصره وينتصر به ، ومُنَّ عَلَيَّ بنصرك لدينك في الدنيا والآخرة . أللّهُمَّ إنّي أحيِى على ما حَيِيَ عليه مولاي عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأموت على ما مات عليه. ثمّ انكبَّ على القبر وقبّله وضَعْ خدّك الأيمن عليه ثمّ الأيسر ، ثمّ انفتلْ إلى القبله وتَوَجَّهْ إليها وأنت في مقامك عند الرأس ، فصلِّ ركعتين : تقرأ في الاُولى منهما فاتحة الكتاب وسورة الرحمن ، وفي الثانية فاتحة الكتاب وسورة يس ، ثمّ تشهّدْ وتسلّمْ ، فإذا سلّمت فسبّحْ تسبيح الزهراء عليهاالسلام وادعُ . ثمّ اسجد للّه شكرا وقل في سجودك : أللّهُمَّ إليك توجّهت ، وبك اعتصمت ، وعليك توكّلت ، أللّهمَّ أنت ثقتي ورجائي ، فاكفني ما أهمّني وما لا يهمّني وما أنت أعلم به منّي ، عزّ جارك ، وجلّ ثناؤك ، ولا إله غيرك ، صلّ على محمّد وقرّب فرجهم . ثمّ ضعْ خدّك الأيمن على الأرض وقلْ : إرحمْ ذُلّي بين يديك وتضرّعي إليك ووحشتي من العالم واُنسي بك يا كريم (ثلاثا). ثمَّ ضعْ خدّك الأيسر على الأرض وقل : لا إله إلّا أنت ربّي حقّا حقّا ، سجدتُ لك يا ربّ تعبّدا ورقّا ، أللّهمَّ إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي يا كريم (ثلاثا). ثمَّ عُدْ إلى السجود وقل : شكرا شكرا (مائة مرّةً) . فتقوم فتصلَّي أربع ركعات تقرأ فيها بمثل ما قرأت به في الركعتين ويجزيك أن تقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ، وسورة الإخلاص ، ويُجزَيك إذا عدلت عن ذلك ما تيسّر لك من القرآن تكمل بالأربع ستّ ركعات : الركعتان الاُوّلتان منها لزيارة أميرالمؤمنين عليه السلام ، والأربع لزيارة آدم و نوح عليهماالسلام ، ثمّ تُسبِّحُ تسبيح الزهراء عليهاالسلاموتستغفر لذنبك وتدعوا بما بَدا لك . وتحوّل إلى الرجلين فتقف وتقول : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، أنت أوّل مظلوم وأوّل مغصوب حقُّه ، صبرت واحتسبتَ حتّى أتاك اليقين ، أشهد أنك لقيت اللّه وأنت شهيد ، عذّب اللّه ُ قاتلك بأنواع العذاب ، جئتك زائرا عارفا بحقّك ، مستبصرا بشأنك ، معاديا لأعدائك ، ألقى اللّه على ذلك ربّي إن شاء اللّه ، ولي ذنوب كثيرة فاشفعْ لي عند ربّك، فإنّ لك عند اللّه مقاما معلوما وجاها واسعا وشفاعة ، وقد قال اللّه : «وَ لَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنِ ارْتَضَى وَ هُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» ، صلّى اللّه عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلى الأئمّة من ذرّيتك صلاة لايُحصيها إلّا هو ، وعليكم أفضل السلام ورحمة اللّه وبركاته . (5) ثمّ صلِّ لكلّ منهما ركعتين، وقل بعد كلّ ركعتين ما سنذكره عقيب زيارة عاشوراء . ثمّ تحوّل إلى عند رجلي أمير المؤمنين عليه السلام وقل : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، أنت أوّل مظلوم وأوّل مغصوب حقّه ، صبرت واحتسبت حتّى أتاك اليقين ، أشهد أنّك لقيت اللّه وأنت شهيد ، عذَّب اللّه من قاتلك بأنواع العذاب ، جئتك زائراً ، عارفا بحقّك ، مستبصراً بشأنك ، معاديا لأعدائك ، مواليا لأوليائك ، ألقى على ذلك ربّي إن شاء اللّه ولي ذنوب كثيرة، فاشفع لي عند ربّك، فإنّ لك عند ربّك مقاما محموداً معلوما، وجاها واسعا وشفاعة، وقد قال اللّه تعالى : «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» (6) ، صلّى اللّه عليك وعلى روحك وبدنك وعلى الأئمّة من ذرّيّتك صلاةً لا يحصيها إلّا هو، وعليكم أفضل الصلاة والسلام ورحمة اللّه وبركاته ». وعن الصادق عليه السلام : «مضى أبي عليّ بن الحسين عليهماالسلام إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام فانكبّ عليه وبكى وقال : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمينَ اللّه ِ فى أَرْضِهِ ، وَحُجَّتَهُ عَلى عِبادِهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ ، أَشْهَدُ أَنَّكَ جاهَدْتَ فِى اللّه ِ حَقَّ جِهادِهِ ، وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ ، وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى دَعاكَ اللّه ُ إِلى جِوارِهِ ، فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ ، وَأَلْزَمَ أَعْداءَكَ الْحُجَّةَ مَعَ ما لَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ . اَللّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، راضِيةً بِقَضائِكَ ، مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعائِكَ ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أَوْلِيائِكَ ، مَحْبُوبَةً في أَرْضِكَ وَسَمائِك ، صابِرَةً عَلى نُزُولِ بَلائِكَ ، شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعْمائِكَ ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ آلائِكَ ، مُشْتاقَةً إِلى فَرْحَةِ لِقائِكَ ، مُتَزَوِّدةً التَّقْوى لِيَوْمِ جَزائِكَ ، مُسْتَنَّةً بِسُنَنِ أَوْلِيائِكَ ، مُفارِقَةً لِأَخْلاقِ أَعْدائِكَ ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيا بِحَمْدِكَ وَثَنائِكَ . ثمّ وضع خدّه على قبره وقال : اَللّهُمَّ إِنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتينَ إِلَيْكَ والِهَةٌ ، وَسُبُلَ الرّاغِبينَ إِلَيْكَ شارِعَةٌ ، وَأَعْلامُ الْقاصِدينَ إِلَيْكَ واضِحَةٌ ، وَأَفْئِدَةَ الْعارِفينَ مِنْكَ فازِعَةٌ ، وَأَصْواتَ الدّاعينَ إِلَيْكَ صاعِدَةٌ ، وَأَبْوابَ الْاءِجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ ، وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ ، وَتَوْبَةَ مَنْ أَنابَ إِلَيْكَ مَقْبُولَةٌ ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ ، وَالْاءِغاثَةَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بِكَ مَوْجُودَةٌ ، وَالْاءِعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ ، وَعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ ، وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقالَكَ مُقالَةٌ ، وَأَعْمالَ الْعامِلينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ ، وَأَرْزاقَكَ إِلَى الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ ، وَعَوائِدَ الْمَزيدِ إِلَيْهِمْ واصِلَةٌ ، وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرينَ مَغْفُورَةٌ ، وَحَوائِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ ، وَجَوائِزَ السّائِلينَ عِنْدَكَ مُوَفَّرَةٌ ، وَعَوائِدَ الْمَزيدِ مُتَواتِرَةٌ ، وَمَوائِدَ الْمُسْتَطْعِمينَ مُعَدَّةٌ ، وَمَناهِلَ الظِّماءِ لَدَيْكَ مُتْرَعَةٌ . اَللّهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعائي ، وَاقْبَلْ ثَنائي ، وَاجْمَعْ بَيْني وَبَيْنَ أَوْلِيائي ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِىٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، إِنَّكَ وَلِيُّ نَعْمائي ، وَمُنْتَهى مُنايَ ، وَغايَةُ رَجائي في مُنْقَلَبي وَمَثْوايَ . فإذا أردت وداعه فقف على القبر كوقوفك في ابتداء زيارتك، وقل : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، أَسْتَوْدِعُكَ اللّه َ وَأَسْتَرْعيكَ ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامُ ، آمَنّا بِاللّه ِ وَبِالرُّسُلِ وَبِما جاءَتْ بِهِ ، وَدَعَتْ إِلَيْهِ ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ ، اللّهمَّ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ . اَللّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتي إِيّاهُ ، فَإِنْ تَوَفَّيْتَني قَبْلَ ذلِكَ فَإِنّي أَشْهَدُ في مَماتي عَلى ما شَهِدْتُ عَلَيْهِ في حَياتي ، أَشْهَدُ أَنَّ أَميرَ الْمُؤْمِنينَ عَلِيّا ، وَالْحَسَنَ ، وَالْحُسَيْنَ ، وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَمُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ، وَعَلِيَّ بْنَ مُوسى ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلَيٍّ ، وَعَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، وَالْحُجَّةَ بْنَ الْحَسَنِ ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ أَئِمَّتي ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُمْ وَحارَبَهُمْ مُشْرِكُونَ ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ فى أَسْفَلِ دَرَكٍ مِنَ الْجَحيمِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ حارَبَهُمْ لَنا أَعْداءٌ ، وَنَحْنُ مِنْهُمْ بُرَآءُ ، وَأَنَّهُمْ حِزْبُ الشَّيْطانِ ، وَعَلى مَنْ قَتَلَهُمْ لَعْنَةُ اللّه ِ ، وَالْمَلائِكَةِ ، وَالنّاسِ أَجْمَعينَ ، وَمَنْ شَرِكَ فيهِمْ ، وَمَنْ سَرَّهُ قَتْلُهُمْ . اَللّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ بَعْدَ الصَّلاةِ وَالتَّسْليمِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ ، وَعَلِيٍّ ، وَفاطِمَةَ ، وَالْحَسَنِ ، وَالْحُسَيْنِ ، وَعَلِيٍّ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَجَعْفَرٍ ، وَمُوسى ، وَعَلِيٍّ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَعَلِيٍّ ، وَالْحَسَنِ ، وَالْحُجَّةِ ، وَلا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِهِ ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فَاحْشُرْني مَعَ هؤُلاءِ الْمُسَمَّيْنَ الْأَئِمَّةِ . اَللّهُمَّ وَذَلِّلْ قُلُوبَنا لَهُمْ بِالطّاعَةِ وَالْمُناصَحَةِ وَالْمَحَبَّةِ وحُسْنِ الْمُؤازَرَةِ وَالتَّسْليمِ ».

.


1- . أي على رسلك.
2- . في الهامش: «غصب حقّك خ ل».
3- . في المصدر: «بالبلاغ».
4- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 25 28، ح 53 .
5- . مصباح المتهجّد، ص 741 746.
6- . الأنبياء (21) : 28 .

ص: 554

. .

ص: 555

. .

ص: 556

. .

ص: 557

. .

ص: 558

. .

ص: 559

. .

ص: 560

. .

ص: 561

. .

ص: 562

باب موضع رأس الحسين

باب زيارة قبر أبي عبداللّه

باب موضع رأس الحسين عليه السلاميعني على ظهر الكوفة كما يظهر من الخبرين ، ولعلّه هو الموضع الذي وضعه فيه اللعين الخولّي الأصبحي في داره في الليلة التي ورد الكوفة، ووقع فيه من المعجزات ما وقع على ما هو بين الأصحاب مشهور، وفي كتب الأخبار والسِّير مسطور ، (1) وأمّا ما دلّ عليه خبر يزيد بن عمر بن طلحة (2) ففيه: أنّه مع جهالة الخبر معارض بما ثبت من أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام ردّه من الشام إلى كربلاء ودفنه مع جسده المبارك .

باب زيارة قبر أبي عبداللّه عليه السلامله عليه السلام أيضا زيارات متكاثرة ، ولنذكر بعضا منها مخصوصا بأوقات خاصّة ؛ لتأكّد استحبابها ، فمنها: زيارة يوم عاشوراء ، روى الشيخ قدس سره في المصباح : (3) [ وأمّا زيارة عاشوراء من قربٍ أو بعدٍ ، فمن أراد ذلك وكان بعيداً عنه عليه السلام فليبرز إلى الصحراء أو يصعد مرتفعا في داره ويومي إليه عليه السلام بالسلام، ويجتهد في الدّعاء على قاتله ، ثمّ يصلّي ركعتين وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ، ويأمر مَن في داره بذلك ممّن لا يتّقيه ويقيم في داره مع من حضرَه المصيبة ، بإظهار الجزع عليه ، وليعزِّ بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين عليه السلام ، فيقولون : أعظم اللّه اُجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهديّ عليه السلام من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، فإذا أنت صلّيت الركعتين المذكورتين آنفا فكبّر اللّه مئة مرّة ، ثمّ أومي إليه عليه السلام بالسلام وقل : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدَ الْوَصِيّينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللّه ِ وَابْنَ ثارِهِ ، وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكُمْ ] مِنّي] جَميعا سَلامُ اللّه ِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، يا أَبا عَبْدِاللّه ِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا ، وَعَلى جَميعِ أَهْلِ الْاءِسْلامِ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّمواتِ عَلى جَميعِ أَهْلِ السَّمواتِ ، فَلَعَنَ اللّه ُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللّه ُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ ، وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللّه ُ فيها ، وَلَعَنَ اللّه ُ أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللّه ُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللّه ِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ ، يا أَبا عَبْدِاللّه ِ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَلَعَنَ اللّه ُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللّه ُ بَني أُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللّه ُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللّه عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللّه ُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللّه ُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وتهيّأت وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ ، بِأَبي أَنْتَ وَأُمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللّه َ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَكْرَمَني بِكَ أَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ وَآلِهِ . اَللّهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيها بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالْاخِرَةِ ، يا أَبا عَبْدِاللّه ِ ، إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللّه ِ ، وَإِلى رَسُولِهِ ، وَإِلى أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَإِلى فاطِمَةَ ، وَإِلَى الْحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عليكم وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرى في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ أهل البيت وَعَلى أَشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللّه ِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللّه ِ وإلى رسوله ، ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ ، وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنّاصِبينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللّه الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْاخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالْاخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثاركَ مَعَ إِمامٍ مَهديّ ظاهِرٍ ناطِقٍ مِنْكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللّه َ بِحَقِّكُمْ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطي مُصابا بِمُصيبَتِهِ ، يا لَها من مُصيبَةٍ (4) ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الْاءِسْلامِ ، وَفي جَميعِ أهل السَّمواتِ وَالْأَرْضِ . اَللّهُمَّ اجْعَلْني في مَقامي هذا مِمَّن تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ . اَللّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . اَللّهُمَّ إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبادِ ، اللَّعينُ ابْنُ اللَّعينِ ، عَلى لِسانِكَ وَ لِسانِ نَبِيِّكَ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فيهِ نَبيُّكَ . اَللّهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ ، وَمُعاوِيَةَ ، وَيَزيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْابِدينَ ، وَهذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ، اَللّهُمَّ فَضاعِفْ (5) عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ [ الْأَليمَ] ، اَللّهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إلَيْكَ في هذَا الْيَوْمِ ، وَفي مَوْقِفي هذا ، وَأَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ . ثمّ تقول مئة مرّة : اَللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلى ذلِكَ ، اَللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ ، وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلى قَتْلِهِ ، اَللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعا . ثمّ تقول مئة مرّة : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللّه ِ ، وَعلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ [ وأناخت بحرمك] ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللّه ِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَينِ . ثمّ تقول : اَللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنّي ، وَابْدَأْ بِهِ الأَوَّل ، ثُمَّ الْعَنِ الثّانِيَ ، وَالثّالِثَ ، وَالرّابِعَ ، (6) اَللّهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِسا ، اللّهمّ وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللّه ِ بْنَ زِيادٍ ، وَابْنَ مَرْجانَةَ ، وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَشِمْراً ، وَآلَ أَبي سُفْيانَ ، وَآلَ زِيادٍ ، وَآلَ مَرْوانَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ . ثمّ اسجد وقل : اَللّهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ لَكَ عَلى مُصابِهِمْ ، اَلْحَمْدُ للّه ِِ عَلى عَظيمِ رَزِيَّتي ، اَللّهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وأولاد الحسين وَأَصْحابِ الْحُسَيْنِ ، اَلَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عليه السلام . ثمّ صلّي ركعتي الزيارة بمهما شئت وقل بعدهما : اللّهمَّ إنّي لك صلّيت ولك ركعت ولك سجدت ، وحدك لا شريك لك ؛ لأنّه لا يجوز الصلاة والركوع والسجود إلّا لك ، لأنّك أنت اللّه الذي لا إله إلّا أنت ، اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد وأبلغهم أفضل الصلاة والتحيّة ، واردد عليَّ منهم السلام ، اللّهمَّ وهاتان الركعتان هدية إلى سيّدي ومولاي الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، اللّهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وتقبّلهما منّي ، وآجرني عليهما أفضل أملي ورجائي فيك وفي وليّك يا وليّ المؤمنين . ويستحبّ أن يصلّي أيضا في يوم عاشوراء أربع ركعات ، وقد مرّ كيفيّة فعلها في فضل الصلوات ، ثمّ ادع بعد الزيارة بهذا الدُّعاء المروي عن الصادق عليه السلام ، وهو : يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ ، يا مُجيبَ دَعوَةِ الْمُضْطَرّينَ ، يا كاشِفَ كُرَبِ الْمَكْرُوبينَ ، يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ ، يا صَريخَ الْمُسْتَصْرِخينَ ، وَيا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَىَّ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ ، وَيا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، وَيا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، وَبِالْأُفُقِ الْمُبينِ ، وَيا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، وَيا مَنْ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَيا مَنْ لا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ ، يا مَنْ لا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْواتُ ، وَيا مَنْ لا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ ، وَيا مَنْ لا يُبْرِمُهُ إِلْحاحُ الْمُلِحّينَ ، يا مُدْرِكَ كُلِّ فَوْتٍ ، وَيا جامِعَ كُلِّ شَمْلٍ ، وَيا بارِئَ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ في شَأْنٍ ، يا قاضِيَ الْحاجاتِ ، يا مُنَفِسَّ الْكُرُباتِ ، يا مُعْطِيَ السُّؤُلاتِ ، يا وَلِيَّ الرَّغَباتِ ، يا كافِيَ الْمُهِمّاتِ ، يا مَنْ يَكْفي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلا يَكْفي مِنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمواتِ وَالْأَرْضِ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ نبيّك ، وَعَلِيٍّ ، وَبِحَقِّ فاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ ، وَبِحَقِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، والتسعة من ولد الحسين عليهم السلام ، فَإِنّي بِهِمْ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ في مَقامي هذا ، وَبِهِمْ أتَوَسَّلُ وَبِهِم أَتَشَفَّعُ إِلَيْكَ ، وَبِحَقِّهِمْ أَسْأَلُكَ وَأُقْسِمُ وَأَعْزِمُ عَلَيْكَ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ ، وَبِالْقَدْرِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ ، وَبِالَّذي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمينَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمينَ ، (7) أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنّي غَمّي وَهَمّي وكَرْبي ، وَتَكْفِيَنِي الْمُهِمَّ مِنْ أُمُوري ، وَتَقْضي عَنّي دَيْني ، وَتُجيرَني مِنَ الْفَقْرِ ، وَتُجيرَني مِنَ الْفاقَةِ ، وَتُغْنِيَني عَنِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى الْمَخْلُوقينَ ، وَتَكْفِيَني هَمَّ مَنْ أَخافُ هَمَّهُ ، وَعُسْرَ مَنْ أَخافُ عُسْرَهُ ، وَحُزُونَةَ مَنْ أَخافُ حُزُونَتَهُ ، وَشَرَّ مَنْ أَخافُ شَرَّهُ ، وَمَكْرَ مَنْ أَخافُ مَكْرَهُ ، وَبَغْيَ مَنْ أَخافُ بَغْيَهُ ، وَجَوْرَ مَنْ أَخافُ جَوْرَهُ ، وَسُلْطانَ مَنْ أَخافُ سُلْطانَهُ ، وَكَيْدَ مَنْ أَخافُ كَيْدَهُ ، وَمَقْدُرَةَ مَنْ أَخافُ بَلاءَ مَقْدُرَتِهِ عَلَىَّ ، وَتَرُدَّ عَنّي كَيْدَ الْكَيَدَةِ ، وَمَكْرَ الْمَكَرَةِ. اَللّهُمَّ مَنْ أَرادَني فَأَرِدْهُ ، وَمَنْ كادَني فَكِدْهُ ، وَاصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُ ، وَمَكْرَهُ ، وَبَأْسَهُ ، وَأَمانِيَّهُ ، وَامْنَعْهُ عَنّي كَيْفَ شِئْتَ ، وَأَنّى شِئْتَ . اَللّهُمَّ اشْغَلْهُ عَنّي بِفَقْرٍ لا تَجْبُرُهُ ، وَبَلاءٍ لا تَسْتُرُهُ ، وَبِفاقَةٍ لا تَسُدُّها ، وَبِسُقْمٍ لا تُعافيهِ ، وَذُلٍّ لا تُعِزُّهُ ، وَبِمَسْكَنَةٍ لا تَجْبُرُها . اَللّهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ في مَنْزِلِهِ ، وَالْعِلَّةَ وَالسُّقْمَ في بَدَنِهِ ، حَتّى تَشْغَلَهُ عَنّي بِشُغْلٍ شاغِلٍ لا فَراغَ لَهُ ، وَأَنْسِهِ ذِكْري كَما أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ ، وَخُذْ عَنّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسانِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَميعِ جَوارِحِهِ ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ في جَميعِ ذلِكَ السُّقْمَ ، وَلا تَشْفِهِ حَتّى تَجْعَلَ ذلِكَ شُغْلاً شاغِلاً لَه عَنّي وَعَنْ ذِكْري ، وَاكْفِني يا كافِيَ ما لا يَكْفي سِواكَ ، فَإِنَّكَ الْكافي لا كافِيَ سِواكَ ، وَمُفَرِّجٌ لا مُفَرِّجَ سِواكَ ، وَمُغيثٌ لا مُغيثَ سِواكَ ، وجارٌ لاجارَ سِواكَ خابَ مَنْ كانَ جارُهُ سِواكَ ، وَمُغيثُهُ سِواكَ ، وَمَفْزَعُهُ إِلى سِواكَ ، وَمَهْرَبُهُ وَمَلْجَأُهُ إِلى غَيْرِكَ ، وَمَنْجاهُ مِنْ مَخْلُوقٍ غَيْرِكَ ، فَأَنْتَ ثِقَتي وَرَجائي وَمَفْزَعي وَمَهْرَبي وَمَلْجَئي وَمَنْجايَ ، فَبِكَ أَسْتَفْتِحُ ، وَبِكَ أَسْتَنْجِحُ ، وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ ، وَأَتَوسَّلُ وَأَتَشَفَّعُ ، فَأَسْأَلُكَ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ ، فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَلَكَ الشُّكْرُ ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكى ، وَأَنْتَ الْمُسْتَعانُ ، فَأَسْأَلُكَ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ يا اللّه ُ ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وأَنْ تَكْشِفَ عَنّي غَمّي وَهَمّي وَكَرْبي في مَقامي هذا ، كَما كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ ، وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوِّهِ ، فَاكْشِفْ عَنّي كَما كَشَفْتَ عَنْهُ ، وَفَرِّجْ عَنّي كَما فَرَّجْتَ عَنْهُ ، وَاكْفِني كَما كَفَيْتَهُ ، هَوْلَ ما أَخافُ هَوْلَهُ ، وَمَؤُنَةَ ما أَخافُ مَؤُنَتَهُ ، وَهَمَّ ما أَخافُ هَمَّهُ ، بِلا مَؤُنَةٍ عَلى نَفْسي مِنْ ذلِكَ ، وَاصْرِفْني بِقَضاءِ حَوائِجي ، وَكِفايَةِ ما أَهَمَّني هَمُّهُ ، مِنْ أَمْرِ آخِرَتي وَدُنْيايَ ، يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ ، وَيا أَبا عَبْدِ اللّه ِ ، عَلَيْكُما مِنّي سَلامُ اللّه ِ أَبَداً (8) ما بَقِىَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُما ، وَلا فَرَّقَ اللّه ُ بَيْني وَبَيْنَكُما . اَللّهُمَّ أَحْيِني حَياةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَذُرِّيَّتِهِ ، وَأَمِتْني مَماتَهُمْ ، وَتَوَفَّني عَلى مِلَّتِهِمْ ، وَاحْشُرْني في زُمْرَتِهِمْ ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ فِى الدُّنْيا وَالْاخِرَةِ . يا أَميرَ الْمُؤْمنينَ ، وَيا أَبا عَبْدِ اللّه ِ ، أتَيْتُكُما زائِرا (9) وَمُتَوَسِّلاً إِلَى اللّه ِ رَبّي وَرَبِّكُما ، وَمُتَوَجِّها إِلَيْهِ بِكُما ، وَمُسْتَشْفِعا بِكُما إِلَى اللّه ِ في حاجَتي هذِهِ فَاشْفَعا لي، فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ اللّه ِ الْمَقامَ الْمَحْمُودَ ، وَالْجاهَ الْوَجيهَ ، وَالْمَنْزِلَ الرَّفيعَ وَالْوَسيلَةَ ، إِنّي أَنْقَلِبُ عَنْكُما مُنْتَظِراً لِتَنَجُّزِ الْحاجَةِ وَقَضائِها وَنَجاحِها مِنَ اللّه ِ بِشَفاعَتِكُما لي إِلَى اللّه ِ ، فَلا أَخيبُ ، وَلا يَكُونُ مُنْقَلَبي مُنْقَلَبا خائِبا خاسِراً، بَلْ يَكُونُ مُنْقَلَبي مُنْقَلَبا راجِيا مُفْلِحا مُنْجِحا مُسْتَجابا بِقَضاءِ جَميعِ حَوائِجي ، وَتَشَفَّعا لي إِلَى اللّه ِ ، اِنْقَلَبْتُ عَلى ما شاءَ اللّه ُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللّه ِ ، مُفَوِّضا أَمْري إِلَى اللّه ِ ، مُلْجِئا ظَهْري إِلَى اللّه ِ ، مُتَوَكِّلاً عَلَى اللّه ِ ، وَأَقُولُ حَسْبِيَ اللّه ُ وَكَفى ، سَمِعَ اللّه ُ لِمَنْ دَعا ، لَيْسَ وَراءَ اللّه ِ وَوَراءَكُمْ يا سادَاتي مُنْتَهى ، ما شاءَ اللّه رَبّي كانَ ، وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلاحَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللّه ِ ، أَسْتَوْدِعُكُمَا اللّه َ ، وَلا جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي إِلَيْكُما . اِنْصَرَفْتُ يا سَيِّدي يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ ، وَمَوْلايَ ، وَأَنْتَ يا أَبا عَبْدِ اللّه ِ، سَلامي عَلَيْكُما مُتَّصِلٌ مَا اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، واصِلٌ ذلِكَ إِلَيْكُما ، غَيْرُ مَحْجُوبٍ عَنْكُما سَلامي إِنْ شاءَ اللّه ُ ، وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أَنْ يَشاءَ ذلِكَ وَيَفْعَلَ ، فَإِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ ، اِنْقَلَبْتُ يا سَيِّدَيَّ عَنْكُما تائِبا ، حامِداً للّه ِِ شاكِراً ، راجيا لِلْاءِجابَةِ ، غَيْرَ آيِسٍ وَلا قانِطٍ ، آئِبا عائِداً راجِعا إِلى زِيارَتِكُما ، غَيْرَ راغِبٍ عَنْكُما ، وَلا مِنْ زِيارَتِكُما ، بَلْ راجِعٌ عائِدٌ إنْ شَاءَ اللّه ُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللّه ِ ، يا سادَاتي رَغِبْتُ إِلَيْكُما وَإِلى زِيارَتِكُما ، بَعْدَ أَنْ زَهِدَ فيكُما وَفي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيا ، فَلا خَيَّبَنِيَ اللّه ُ ما رَجَوْتُ وَما أَمَّلْتُ في زِيارَتِكُما ، إِنَّهُ قَريبٌ مُجيبٌ ]. (10) قوله : في خبر يونس الكناسيّ: (ثمّ تحوّل عند رأس عليّ بن الحسين عليهماالسلام ) . [ ح 1 / 8157] قال ابن إدريس: إنّه عليّ الأكبر ، واُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ، وأنّه أوّل قتيل يوم الطفّ مع آل أبي طالب عليه السلام ، وأنّه ولد في إمارة عثمان، ثمّ قال : وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد (11) إلى أنّه هو عليّ الأصغر، وهو ابن الثقفيّة، وأنّ عليّا الأكبر هو زين العابدين، اُمّه اُمّ ولد وهي شاه زنان بنت كسرى يزدجرد . (12) قال محمّد بن إدريس : والأولى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة، وهم النسّابون وأصحاب السيِّر والأخبار والتواريخ، مثل الزبير بن بكّار في كتاب أنساب قريش ، وأبي الفرج الإصبهانيّ في مقاتل الطالبيّين ، والبلاذريّ والمزنيّ صاحب كتاب لباب أخبار الخلفاء ، والعمريّ النسّابة حقّق ذلك في كتاب المجدي، فإنّه قال : «وزعم من لا بصيرة له أنّ عليّا الأصغر هو المقتول بالطّف، وهذا خطأ ووهم». (13) وإلى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر والمواعظ، وابن قتيبة في المعارف، وابن جرير الطبريّ (14) المحقّق لهذا الشأن ، وابن أبي الأزهر في تاريخه، وأبو حنيفة الدينوريّ في الأخبار الطوال، (15) وصاحب كتاب الفاخر، (16) مصنّف من أصحابنا الإماميّة، ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست المصنّفين ، (17) وأبو عليّ بن همّام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم، وهو من جملة أصحابنا المصنّفين المحقّقين، وهؤلاء جميعا أطبقوا على هذا القول، وهم أبصر بهذا النوع . (18)

.


1- . اُنظر: مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 217 218.
2- . الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 400، ح 19456.
3- . رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد، ص 460؛ والكفعمي في المصباح، ص 482 وفي الأصل بعده بياض، والمذكور هنا بين الحاصرتين من رواية الكفعمي.
4- . خ ل: «... بمصيبته، مصيبةً».
5- . خ ل: «ضاعف».
6- . خ ل: «وابدأ به أوّلاً، ثمّ الثاني، ثمّ الثالث، ثمّ الرابع».
7- . خ ل: «وَبِه أبنتَهم وأبَنتَ فَضَلَهُم مِنْ فَضلِ العالَمين حتّى فاقَ فضلُهُم فَضلَ العالَمينَ».
8- . خ ل: + «ما بقيتُ».
9- . في الهامش: إن كانت الزيارة من بُعد فَقُل: قصدتُكما بقَلبي زائرا. وإن كان من قرب فَقُل: أَتَيْتُكُما زائِرا قاله الشيخ المفيد رحمه الله فى مزاره.
10- . المصباح للكفعمي، ص 482 489.
11- . الإرشاد، ج 2، ص 114، و 135.
12- . الإرشاد، ج 2، ص 135.
13- . المجدي في أنساب الطالبيين، ص 281.
14- . المنتخب من الذيل المذيل، ص 119.
15- . الأخبار الطوال، ص 259.
16- . صاحب المفاخر هو أبو الفضل محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم الجعفي الكوفي المعروف بالصابوني ساكن مصر في المئة الثالثة وبعدها، وهو من مشايخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه الذي توفّي سنة 368ه ق، كان صاحب الفاخر زيديا فصار إماميا، له كتب، منها: الفاخر، تفسير معاني القرآن وتسمية أصناف كلامه، كتاب التوحيد والإيمان، كتاب مبدأ الخلق وغيرها. اُنظر: ترجمته في رجال النجاشي، ص 374، الرقم 1022.
17- . لم أعثر عليه في الفهرست، والمذكور في رجال الطوسي، ص 102، الرقم 1002، أن المقتول هو عليّ بن الحسين الأصغر واُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي.
18- . السرائر، ج 1، ص 454 456.

ص: 563

. .

ص: 564

. .

ص: 565

. .

ص: 566

. .

ص: 567

. .

ص: 568

. .

ص: 569

. .

ص: 570

باب القول عند قبر أبي الحسن موسى وأبي جعفر الثاني

باب القول عند قبر أبي الحسن موسى وأبي جعفر الثاني وما يجزي من القول عند كلّهم عليهم السلامكأنّ قوله : وما يجزي، إلى آخره، عذر منه؛ لعدم تعرّضه لزيارة خاصّة لعليّ بن موسى الرضا عليه السلام مع أنّه وضع بابا لزيارته، ولا لأبي الحسن عليّ بن محمّد، ولا لأبي محمّد الحسن بن عليّ المدفونين بسرّ من رأى ، وعدم وضع باب لزيارتهما، كما وضعه لغيرهما من الأئمّة عليهم السلام ، والسرّ في ذلك أنّه لم يطّلع على قول خاصّ فيهم منقول عنهم عليهم السلام ، وسننقل في باب زيارة أبي الحسن الرضا عليه السلام زيارة له عن الصدوق . وأمّا الآخرين فقد قال الصدوق في زيارتهما : إذا أردت زيارة قبريهما فاغتسل وتنظّف، والبس ثوبيك الطاهرين، فإن وصلت إلى قبريهما، وإلّا أومأت من عند الباب الذي على الشارع إن شاء اللّه وتقول : اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا وَلِيَّيِ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا حُجَّتَيِ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا نُورَيِ اللّه ِ في ظُلُماتِ الْأَرْضِ ، أَتَيْتُكُما عارِفا بِحَقِّكُما ، مُعادِيا لِأَعْدائِكُما ، مُوالِيا لِأَوْلِيائِكُما ، مُؤْمِنا بِما آمَنْتُما بِهِ ، كافِراً بِما كَفَرْتُما بِهِ ، مُحَقِّقا لِما حَقَّقْتُما ، مُبْطِلاً لِما أَبْطَلْتُما ، أَسْأَلُ اللّه َ رَبّي وَرَبَّكُما أَنْ يَجْعَلَ حَظّي مِنْ زِيارَتِى إيّاكُمَا الصَّلاةَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني مُرافَقَتَكُما فِي الْجِنانِ مَعَ آبائِكُمَا الصّالِحينَ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ ، وَأن يَرْزُقَني شَفاعَتَكُما وَمُصاحَبَتَكُما ، وَلا يفرِّق بَيْني وَبَيْنَكُما ، وَلا يَسْلُبَني حُبَّكُما وَحُبَّ آبائِكُمَا الصّالِحينَ ، وَأَنْ لا يَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُما ، وَأنْ يَجعل مَحْشَرِي مَعَكُما فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ . اَللّهُمَّ ارْزُقْني حُبَّهُما وَتَوَفَّني عَلى مِلَّتِهِما . اَللّهُمَّ الْعَنْ ظالِمي آلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ ، وَانْتَقِمْ مِنْهُمْ ، اَللّهُمَّ الْعَنِ الْأَوَّلينَ مِنْهُمْ وَالْاخِرينَ ، وَضاعِفْ عَلَيْهِمُ الْعَذابَ الأليم ، وَبلّغْ بِهِمْ وَبِأَشْياعِهِمْ وَمُحِبّيهِمْ وَشيعتهم أَسْفَلَ دَرَكٍ مِنَ الْجَحيمِ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ . اَللّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ ، وَاجْعَلْ فَرَجَنا مَعَ فَرَجِهِ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ . وتجتهد في الدّعاء لنفسك ولوالديك، وصلِّ عندهما لكلّ زيارة ركعتين ركعتين، وإن لم تصلْ إليهما دخلت بعض المساجد وصلّيت لكلّ إمام لزيارته ركعتين، وادع اللّه بما أحببت، إنّ اللّه قريبٌ مجيب . (1) ورواه الشيخ (2) عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، والظاهر أنّه من تأليفاته ، ولذا لم يذكر في هذا الكتاب ، بل اكتفى المصنّف بذكر الجامعة المرويّة . قوله في خبر عليّ بن حسّان : (سُئل أبي عن إتيان قبر الحسين عليه السلام ) . [ ح 2 / 8162] الظاهر أبي الحسن بدل الحسين بقرينة عنوان الباب، ولأنّ الشيخ روى في التهذيب (3) هذا الخبر بعينه عن المصنّف بهذا السند، وفيه: أبي الحسن عليه السلام . وقد قال الصدوق أيضا : روى عليّ بن حسّان قال : سئل الرضا عليه السلام في إتيان قبر أبي الحسن موسى عليه السلام فقال : «صلّوا في المساجد حوله» (4) إلى آخر الخبر . وممّا ذكرنا يظهر أنّ السهو إنّما وقع من بعض نسّاخ الكتاب، لا من المصنّف ولا من أحد من الرُّواة .

.


1- . الفقيه، ج 2، ص 607 ، ح 3211.
2- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 94، الباب 44 من كتاب المزار.
3- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 102، ح 178؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 549 ، ح 19797.
4- . الفقيه، ج 2، ص 608 ، ح 3212.

ص: 571

باب زيارة أبي الحسن الرضا

باب زيارة أبي الحسن الرضا عليه السلامقال الصدوق رضى الله عنه : إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن عليّ بن موسى بطوس فاغتسل عند خروجك من منزلك، وقل حين تغتسل : اللّهمَّ طهِّرني وطهّر لي قلبي، واشرح لي صدري، وأجرِ على لساني مدحتك والثناء عليك، فإنّه لا قوّة إلّا بك ، اللّهمَّ اجعله لي طهوراً وشفاءً. وتقول حين تخرج : بسم اللّه وباللّه ، وإلى اللّه ، وإلى ابن رسول اللّه ، حسبي اللّه ، توكّلت على اللّه ، اللّهمَّ إليك توجّهت وإليك قصدت، وما عندك أردت . فإذا خرجت فقف على باب دارك وقل : اللّهمَّ إليك وجّهت وجهي وعليك خلّفت أهلي ومالى¨ وما خوّلتني وأعطيتني، وبك وثقت، فلا تخيّبني، يا من لا يُخيّب من أراده، (1) ولا يُضيّع مَن حفظه، صلِّ على محمّد وآل محمّد واحفظني بحفظك، فإنّه لا يضيع مَن حفظت . فإذا وافيت سالما فاغتسل، وقل حين تغتسل : اللّهمَّ طهّرني وطهّر لي قلبي، واشرح لي صدري واجرِ على لساني مِدحتك والثناء عليك، فإنّه لا قوّة إلّا بك، وقد علمتُ أنّ قوام ديني التسليمُ لأمركِ، والاتّباع لسنّة نبيّك، والشهادة على جميع خلقك ، اللّهمَّ اجعله لي شفاءً ونوراً، إنّك على كلّ شيءٍ قدير . والبس أطهر ثيابك، وامش حافيا وعليك السكينة والوقار بالتكبير والتهليل والتمجيد، وقصّر خُطاك، وقل حين تدخل : بسم اللّه وباللّه ، وعلى ملّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ عليّا وليّ اللّه . وسرْ حتّى تقف على قبره وتستقبل وجهه بوجهك، واجعل القبلة بين كتفيك وقل : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّه سيّد الأوّلين والآخرين، وأنّه سيّد الأنبياء والمرسلين . اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ عبدك ورسولك ونبيّك وسيّد خلقك أجمعين صلاةً لا يقوى على إحصائها غيرك ، اللّهمَّ صلِّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام عبدك وأخي رسولك، الذي انتجبته بعلمك، وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك والدليل على مَن بعثته برسالاتك، وديّان الدِّين بعدلك، وفصل قضائك بين خلقك، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته . اللّهمَّ صلِّ على فاطمة بنت نبيّك وزوجة وليّك، واُمّ السبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة الطهرة الطاهرة المطهّرة النقيّة التقيّة الرضيّة الزكيّة، سيّدة نساء أهل الجنّة أجمعين، صلاةً لا يقوى على إحصائها غيرك . اللّهمَّ صلِّ على الحسن والحسين سبطي نبيّك وسيّدي شباب أهل الجنّة، القائمين في خلقك، والدليلين على مَن بعثته برسالاتك، وديّاني الدِّين بعدلك، وفصلي قضائك بين خلقك . اللّهمَّ صلِّ على عليّ بن الحسين، عبدك القائم في خلقك، والدليل على من بعثته برسالاتك، وديّان الدِّين بعدلك، وفصل قضائك بين خلقك، سيِّد العابدين . اللّهمّ صلِّ على محمّد بن عليّ عبدك وخليفتك في أرضك، باقر علم النبيّين . اللّهمَّ صلِّ على جعفر بن محمّد الصادق، عبدك ووليّ دينك، وحجّتك على خلقك أجمعين، الصادق البارّ . اللّهمَّ صلِّ على موسى بن جعفر عبدك الصالح، ولسانك في خلقك، الناطق بحكمتك، والحجّة على بريّتك . اللّهمَّ صلِّ على عليّ بن موسى الرضا المرتضى، عبدك ووليّ دينك، القائم بعدلك، والداعي إلى دينك ودين آبائه الصادقين، صلاة لا يقوى على إحصائها غيرك . اللّهمَّ صلِّ على محمّد بن عليّ، عبدك ووليّك، القائم بأمرك، والداعي إلى سبيلك . اللّهمَّ صلِّ على عليّ بن محمّد، عبدك ووليّ دينك . اللّهمَّ صلِّ على الحسن بن عليّ، العامل بأمرك، القائم في خلقك وحجّتك، المؤدّي عن نبيّك، وشاهدك على خلقك، المخصوص بكرامتك، الداعي إلى طاعتك وطاعة رسولك صلواتك عليهم أجمعين . اللّهمَّ صلِّ على حجّتك ووليّك، القائم في خلقك، صلاةً تامّة ناميةً، باقيّة تُعجِّل بها فرجه، وتنصره بها، وتجعلنا معه في الدنيا والآخرة . اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بحبّهم، واُوالي وليّهم، واُعادي عدوّهم، وارزقني بهم خير الدُّنيا والآخرة ، واصرف عنّي بهم شرّ الدنيا والآخرة، وأهوال يوم القيامة . ثمّ تجلس عند رأسه وتقول : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللّه ِ في ظُلُماتِ الْأَرْضِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَمُودَ الدّينِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهيمَ خَليلِ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إسماعيل ذبيح اللّه ، السلام عليك يا وارث مُوسى كَليمِ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عيسى رُوحِ اللّه ِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ اللّه ِ ، (2) اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ عَلِىٍّ وَلِىِّ اللّه ِ ، وَوَصِىِّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ الْحَسَنِ والْحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعابِدينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ باقِرِ عِلْمِ الْأَوَّلينَ وَالْاخِرينَ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الْبارِّ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الصِّدّيقُ الشَّهيدُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبارُّ التَّقِيُّ . أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ ، وآتَيْتَ الزَّكاةَ ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَعَبَدْتَ اللّه َ [ مخلصا]حَتّى أَتاكَ الْيَقينُ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا الْحَسَنِ وَرَحْمَةُ اللّه ِ وَبَرَكاتُهُ إنّه حميدٌ مجيدٌ . ثمّ تنكّب على القبر وتقول : اَللّهُمَّ إِلَيْكَ صَمَدْتُ مِنْ أَرْضي ، وَقَطَعْتُ الْبِلادَ رَجاءَ رَحْمَتِكَ ، فَلا تُخَيِّبْني ، وَلا تَرُدَّني بِغَيْرِ قَضاءِ حاجَتي ، (3) وَارْحَمْ تَقَلُّبي عَلى قَبْرِ ابْنِ أَخي رَسُولِكَ ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، بِأَبي [ أنت] وَأُمّي يا مَوْلايَ ، أَتَيْتُكَ زائِراً وافِداً عائِذاً مِمّا جَنَيْتُ عَلى نَفْسي ، وَاحْتَطَبْتُ عَلى ظَهْري ، فَكُنْ لي شافِعا إِلَى اللّه ِ يَوْمَ فَقْري وَفاقَتي ، فَلَكَ عِنْدَ اللّه ِ مَقامٌ مَحْمُودٌ ، وَأَنْتَ عِنْدَهُ وَجيهٌ . ثمّ ترفع يدك اليمنى وتبسط اليسرى على القبر وتقول : اَللّهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِحُبِّهِمْ وَبِوِلايَتِهِمْ ، أَتَوَلّى آخِرَهُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ أَوَّلَهُمْ ، وَأَبْرَأُ مِنْ كُلِّ وَليجَةٍ دُونَهُمْ . اَللّهُمَّ الْعَنِ الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَكَ ، وَاتَّهَمُوا نَبِيَّكَ ، وَجَحَدُوا بِآياتِكَ ، وَسَخِرُوا بِإِمامِكَ ، وَحَمَلُوا النّاسَ عَلى أَكْتافِ آلِ مُحَمَّدٍ ، اَللّهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ باللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَالْبَراءَةِ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْاخِرَةِ يا رَحْمنُ . ثمّ تحوّل إلى عند رجليه وقل : صَلَّى اللّه ُ عَلَيْكَ يا أَبَا الْحَسَنِ ، صَلَّى اللّه ُ عَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ ، صَبَرْتَ وَأَنْتَ الصّادِقُ الْمُصَدَّقُ ، قَتَلَ اللّه ُ مَنْ قَتَلَكَ بِالْأَيْدي وَالْأَلْسُنِ . ثمّ ابتهل في اللعنة على قاتل أمير المؤمنين وعلى قتلَة الحسن والحسين وعلى جميع قتلة أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ تحوّل إلى عند رأسه من خلفه وصلِّ ركعتين، تقرأ في إحداهما الحمد ويس، وفي الاُخرى الحمد والرحمن، وتجتهد في الدعاء والتضرّع، وأكثر من الدّعاء لنفسك ولوالديك ولجميع إخوانك، وأقم عند رأسه ما شئت، ولتكن صلاتك عند القبر ، فإذا أردت أن تودّعه فقل : السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة اللّه وبركاته ، أنت لنا جُنّةٌ من العذاب، وهذا أوان انصرافنا عنك، غير راغب عنك، ولا مستبدلٍ بك، ولا مؤثرٍ عليك، ولا زاهد في قربك، وقد جُدتُ بنفسي للحدثان، وتركت الأهل والأوطان والأولاد، فكن لي شافعا يوم حاجتي وفقري وفاقتي يوم لا يُغني عنّي حميمي ولا قريبي ولا حبيبي، يوم لا يُغني عنّي والدي ، أسأل اللّه الذي قدّر رحيلي إليك أن ينفّس بك كُربتي ، وأسأل اللّه الذي قدّر عليَّ فراق مكانك أن لا يجعله آخر العهد من رجوعي ، وأسأل اللّه الذي أبكى عليَّ عيني أن يجعله لي سببا وذخراً ، وأسأل اللّه الذي أراني مكانك وهداني للتسليم عليك وزيارتي إيّاك أن يوردني حوضكم، ويرزقني مرافقتكم في الجنان . السلام عليك يا صفوة اللّه ، [ السلام على محمد بن عبداللّه خاتم النبيين]، السلام على أمير المؤمنين ، ووصيّ رسول ربّ العالمين، وقائد الغُرّ المحجّلين ، السلام على الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، السلام على الأئمّة،وتسمّيهم عليهم السلام ورحمة اللّه وبركاته ، السلام على ملائكة اللّه الحافّين ، السلام على ملائكة اللّه المقيمين المُسبّحين، الذين هم بأمره يعملون ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، اللّهمَّ لا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاه، فإن جعلته فاحشرني معه ومع آبائه الماضين ، وإن أبقيتني ياربّ فارزقني زيارته أبداً ما أبقيتني ، إنّك على كلّ شيءٍ قدير . وتقول : أستودعك اللّه وأسترعيك وأقرأ عليك السلام ، آمنّا باللّه وبما دعوت إليه ، اللّهمَّ فاكتبنا مع الشاهدين ، اللّهمَّ ارزقني حبّهم ومودّتهم أبداً ما أبقيتني ، السلام على ملائكة اللّه وزوّار قبر ابن نبيّ اللّه ، السلام منّي أبداً ما بقيت ودائما إذا فنيت ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين . فإذا خرجت من القبّة فلا تولِّ وجهك عنه حتّى يغيب عن بصرك . (4) وقد نسب الشيخ في التهذيب (5) هذه الزيارة بهذا الترتيب إلى محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّيّ رضى الله عنه في كتابه المترجم بالجامع، والظاهر أنّه من تأليفاته، وأنّها غير منسوبة إلى معصوم ، وهذا هو السرّ في عدم تعرّض المصنّف لها، بل اكتفى بما ذكره في الباب السابق من الزيارة الجامعة الصغيرة ، وقد أشرنا إلى ذلك . واعلم أنّ لهم عليهم السلام زيارة جامعة اُخرى كبيرة، كلّ فقرة منها شاهدة على صدورها عن معدن البلاغة، رواها الصدوق في الفقيه، والشيخ في التهذيب عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ، قال : حدّثنا موسى بن عبداللّه النخعيّ، قال : قلت لعليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام : علِّمني يا ابن رسول اللّه قولاً أقوله بليغا كاملاً إذا زرت واحداً منكم ، فقال : «إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين وأنت على غسل ، فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : اللّه أكبر، اللّه أكبر، ثلاثين مرّة ، ثمّ امش قليلاً وعليك السكينة والوقار، وقارب بين خطاك ، ثمّ قف وكبّر اللّه عزّ وجلّ ثلاثين مرّة ، ثمّ ادْن من القبر، وكبّر اللّه أربعين مرّة تمام مئة تكبيرة ، ثمّ قل : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة، وخزّان العلم، ومنتهى الحلم، واُصول الكرم، وقادة الاُمم، وأولياء النِّعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد، وأبواب الإيمان، واُمناء الرحمن، وسلالة النبيّين، وصفوة المرسلين، وعترة خيرة ربّ العالمين ورحمة اللّه وبركاته . السلام على أئمّة الهدى، ومصابيح الدّجى، وأعلام التقى، وذوي النّهى، واُولي الحجى، وكهف الورى، وورثة الأنبياء، والمثل الأعلى، والدعوة الحسنى، وحجج اللّه على أهل الدُّنيا، والآخرة والاُولى، ورحمة اللّه وبركاته . السلام على محلّ (6) معرفة اللّه ، ومساكن بركة اللّه ، ومعادن حكمة اللّه ، وحفظة سرّ اللّه ، وحَملَة كتاب اللّه ، وأوصياء نبيّ اللّه ، وذرّيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ورحمة اللّه وبركاته . السلام على الدُّعاة إلى اللّه ، والأدلّاء على مرضاة اللّه ، والمستوفرين (7) في أمر اللّه ، والتامّين في محبّة اللّه ، والمخلصين في توحيد اللّه ، والمظهِرين لأمر اللّه ونهيه ، وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون ورحمة اللّه وبركاته . السلام على الأئمّة الدُّعاة، والقادة الهُداة، والسادة الولاة والذّادة الحُماة، وأهل الذكر واُولي الأمر، وبقيّة اللّه ، وخيرته وحزبه، وعيبة علمه وحجّته، وصراطه ونوره وبرهانه، ورحمة اللّه وبركاته . أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وحده لا شريك له، كما شهد اللّه لنفسه، وشهدت له ملائكته واُولوا العلم من خلقه، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم ، وأشهد أنّ محمّداً عبده المُنتجب، ورسوله المرتضى، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدِّين كلّه ولو كره المشركون . وأشهدُ أنّكم الأئمّة الراشدون، المهديّون المعصومون، المكرّمون المقرّبون، المتّقون الصادقون، المصطفون المطيعون للّه ، القوّامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته . اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسرّه، واجتباكم بقدرته، وأعزّكم بهداه، وخصّكم ببرهانه، وانتجبكم بنوره، وأيّدكم بروحه، ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججا على بريّته، وأنصاراً لدينه، وحفظةً لسرّه، وخزنَةً لعلمه، ومستودعا لحكمته، وتراجِمَةً لوحيه، وأركانا لتوحيده، وشهداءً على خلقه، وأعلاما لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلّاء على صراطه . عصمكم اللّه من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهّركم من الدّنس، وأذهب عنكم الرجس، وطهّركم تطهيراً ، فعظّمتم جلاله، وأكبرتم شأنه، ومجّدتم كرمه، وأدمتم ذكره، وذكّرتم (8) ميثاقه، وأحكمتم عقد طاعته، ونصحتم له في السرّ والعلانيّة، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم أنفسكم في مرضاته، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم في اللّه حقّ جهاده حتّى أعلنتم دعوته، وبيّنتم فرائضه، وأقمتم حدوده، ونشرتم شرائع أحكامه، وسننتم سنّته، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا، وسلّمتم له القضاء، وصدّقتم من رسله من مضى ، فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمقصّر في حقّكم زاهق ، والحقّ معكم وفيكم ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه ، وميراث النبوّة عندكم، وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم، وفصل الخطاب عندكم، وآيات اللّه لديكم، وعزائمه فيكم، ونوره وبرهانه عندكم، وأمره إليكم ، مَن والاكم فقد والى اللّه ، ومَن عاداكم فقد عادى اللّه ، ومَن أحبّكم فقد أحبّ اللّه ، ومَن أبغضكم فقد أبغض اللّه ، ومَن اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه ، أنتم الصراط الأقوم، وشهداء دار الفناء، وشفعاء دار البقاء، والرحمة الموصولة، والآية المخزونة، والأمانة المحفوظة، والباب المبتلى به الناس ، مَن أتاكم فقد نجى، ومَن لم يأتكم فقد هلك ، إلى اللّه تدعون، وعليه تدُلّون، وبه تؤمنون، وله تُسلمون، وبأمره تعملون، وإلى سبيله تُرشدون، وبقوله تحكمون . سَعِدَ مَن والاكم، وهلك مَن عاداكم، وخاب مَن جحدكم، وضلّ مَن فارقكم، وفاز من تمسّك بكم، وأمِنَ مَن لجأ إليكم، وسَلِمَ مَن صدّقكم، وهدي من اعتصم بكم . مَن اتّبعكم فالجنّة مأواه، ومَن خالفكم فالنار مثواه، ومَن جحدكم كافر، ومن حاربكم مشرك، ومَن ردّ عليكم في أسفل درك من الجحيم ، أشهد أنّ هذا سابقٌ لكم فيما مضى، وجارٍ لكم فيما بقي، وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت بعضها من بعض ، خلقكم اللّه أنواراً، فجعلكم بعرشه مُحدقين حتّى مَنَّ علينا بكم، فجعلكم في بيوتٍ أذِنَ اللّه أن تُرفَع ويُذكر فيها اسمه ، وجعل صلواتنا عليكم وما خصّنا به من ولايتكم طيبا لخلقنا، وطهارةً لأنفسنا، وتزكيةً لنا، وكفّارة لذنوبنا، فحكمنا عنده مسلمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إيّاكم، فبلغ اللّه بكم أشرف محلّ المُكرّمين، وأعلى منازل المقرّبين، وأرفع درجات المرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه فائق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتّى لا يبقى ملكٌ مقرّب، ولا نبيٌّ مرسل، ولا صدِّيقٍ ولا شهيد، ولا عالم ولا جاهل، ولا دنيّ ولا فاضل، ولا مؤمن صالح، ولا فاجر طالح، ولا جبّار عنيد، ولا شيطان مريد، ولا خلقٌ فيما بين ذلك شهيدٌ، إلّا عرَّفهم جلالة أمركم، وعظم خطركم، وكِبَر شأنكم، وتمام نوركم، وصدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلّكم ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه، وخاصّتكم لديه، وقرب منزلتكم منه . بأبي أنتم واُمّي وأهلي ومالي واُسرتي، اُشهِدُ اللّه واُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافر بعدوّكم وبما كفرتم به، مستبصرٌ بشأنكم وبضلالة مَن خالفكم، موالٍ لكم ولأوليائكم، مبغضٌ لأعدائكم ومعادٍ لهم، سلمٌ لمن سالمكم، حربٌ لمَن حاربكم، محقّقٌ لما حقّقتم، مبطلٌ لما أبطلتم، مطيعٌ لكم عارفٌ بحقّكم، مقرٌّ بفضلكم، محتمل لعلمكم، محتجبٌ بذمّتكم، معترفٌ بكم، مؤمنٌ بإيابكم، مصدِّقٌ برجعتكم، منتظرٌ لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم، آخذٌ بقولكم، عاملٌ بأمركم، مستجيرٌ بكم، زائرٌ لكم، عائذٌ لائذٌ بقبوركم، مستشفعٌ إلى اللّه عزّ وجلّ بكم، ومتقرّبٌ بكم إليه، ومُقدِّمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كلّ أحوالي واُموري ، مؤمنٌ بسرّكم وعلانيّتكم، وشاهدكم وغائبكم، وأوّلكم وآخركم، ومفوّض في ذلك كلّه إليكم، ومسلّم فيه معكم ، وقلبي لكم مسلّم، ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدّةٌ، حتّى يحيي اللّه دينه بكم، ويردّكم في أيّامه، ويظهركم لعدله، ويمكّنكم في أرضه ، فمعكم معكم لا مع غيركم، آمنت بكم، وتولّيت آخركم بما تولّيت أوّلكم، وبرئت إلى اللّه عزّ وجلّ من أعدائكم، ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لكم، الجاحدين لحقّكم، والمارقين من ولايتكم، والغاصبين لإرثكم، الشاكّين فيكم، المنحرفين عنكم، ومن كلّ وليجة دونكم، وكلّ مطاعٍ سواكم، ومن الأئمّة الذين يدعون إلى النار، فثبّتني اللّه أبداً ما حييت على موالاتكم ومحبّتكم ودينكم، ووفّقني لطاعتكم، ورزقني شفاعتكم، وجعلني من خيار مواليكم، التابعين لما دعوتم إليه، وجعلني ممّن يقتصّ آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهداكم، ويُحشر في زمرتكم، ويكرّ في رجعتكم، ويُملّك في دولتكم، ويُشرَّف في عافيتكم، ويُمكَّن في أيّامكم، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم ، بأبي أنتم واُمّي ونفسي وأهلي ومالي، من أراد اللّه بدأ بكم، ومن وحّده قبل عنكم، ومن قصده توجّه إليكم . مواليّي لا اُحصي ثناءكم، ولا أبلغ من المدح كنهكم، ومن الوصف قدركم وأنتم نور الأخيار، وهُداة الأبرار، وحجج الجبّار ، بكم فتح اللّه ، وبكم يختم اللّه ، (9) وبكم ينزّل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض [ إلّا بإذنه]، وبكم ينفّس الهمّ ويكشف الضرّ، وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته، وإلى جدّكم بُعثَ الروح الأمين . _ وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين عليه السلام فقل : وإلى أخيك بعث الروح الأمين ، آتاكم اللّه ما لم يؤت أحداً من العالمين ، طأطأ كلّ شريف لشرفكم ونجع كلّ متكبّر لطاعتكم، وخضع كلّ جبّارٍ لفضلكم، وذلَّ كلّ شيء لكم، وأشرقت الأرض بنوركم، وفاز الفائزون بولايتكم . بكم يُسلك إلى الرضوان، وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن، بأبي أنتم واُمّي ونفسي وأهلي ومالي، ذكركم في الذاكرين، وأسماؤكم في الأسماء، وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النفوس، وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور ، فما أحلى أسماءكم، وأكرم أنفسكم، وأعظم شأنكم، وأجلّ خطركم، وأوفى عهدكم . كلامكم نورٌ، وأمركم رشد، ووصيّتكم التقوى، وفعلكم الخير، وعادتكم الإحسان، وسجيّتكم الكرم، وشأنكم الحقّ والصدق والرفق ، وقولكم حُكمٌ وحتمٌ، ورأيكم علمٌ وحلمٌ وحزمٌ ، إن ذكُر الخير كنتم أوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه ، بأبي أنتم واُمّي ونفسي، كيف أصِف حسن ثنائكم واُحصي جميل بلائكم، وبكم أخرجنا اللّه من الذلّ، وفرّج عنّا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار . بأبي أنتم واُمّي ونفسي، بموالاتكم علّمنا اللّه معالم ديننا، وأصلح ما كان فسد من دنيانا ، وبموالاتكم تمّت الكلمة، وعظمت النعمة، وائتلفت الفرقة ، وبموالاتكم تُقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودّة الواجبة، والدرجات الرفيعة، والمقام المحمود، والمقام المعلوم عند اللّه عزّ وجلّ، والجاه العظيم، والشأن الكبير، والشفاعة المقبولة . ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول، واكتبنا مع الشاهدين ، ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهَب لنا من لدنك رحمةً، إنّك أنت الوهّاب ، سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولاً . يا وليّ اللّه أنّ بيني وبين اللّه عزّ وجلّ ذنوبا لا يأتي عليها إلّا رضاكم ، فبحقّ مَن ائتمنكم على سرّه، واسترعاكم أمر خلقه، وقرن طاعتكم بطاعته، لمّا استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي، فإنّي لكم مطيع ، مَن أطاعكم فقد أطاع اللّه ، ومَن عصاكم فقد عصى اللّه ، ومَن أحبّكم فقد أحبّ اللّه ، ومَن أبغضكم فقد أبغض اللّه . اللّهمَّ إنّي لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمّد وآله الأخيار الأئمّة الأطهار لجعلتهُم شفعائي إليك ، فبحقّهم الذي أوجبت لهم عليك أسألُكَ أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقّهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم، إنّك أرحم الراحمين، وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله وسلّم كثيراً ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل .

.


1- . في الأصل: «زاره»، والتصويب من المصدر.
2- . كذا في الأصل، وفي المصدر: «محمّد رسول اللّه ».
3- . كذا في الأصل، وفي المصدر: «حوائجي».
4- . الفقيه، ج 2، ص 602 606 ، ح 3210، ومابين الحاصرات منه.
5- . تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 86 90، ح 171.
6- . كذا في الأصل، وفي المصدر: «محالّ».
7- . في هامش الأصل: «المستقرّين خ ل».
8- . في هامش الأصل: «ووكّدتم خ ل».
9- . في الأصل على كلمة «اللّه » علامة خ.

ص: 572

. .

ص: 573

. .

ص: 574

. .

ص: 575

. .

ص: 576

. .

ص: 577

. .

ص: 578

. .

ص: 579

. .

ص: 580

. .

ص: 581

. .

ص: 582

الوداع

الوداع :إذا أردت الانصراف فقل : اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ سَلامَ مُوَدِّعٍ لا سَئِمٍ ، ولا قالٍ ولا مالٍّ ، ورحمة اللّه وبركاته عليكم يا أهل بيت النبوّة إنّه حميدٌ مجيد ، سلامَ وليٍّ لكم، غير راغبٍ عنكم، ولا مستبدلٍ بكم، ولا مُؤثرٍ عليكم، ولا متحرِّفٍ عنكم، ولا زاهدٍ في قربكم . لا جعله اللّه آخر العهد من زيارة قبوركم وإتيان مشاهدكم، والسلام عليكم، وحشرني اللّه في زمرتكم، وأوردني حوضكم، وجعلني من حزبكم، وأرضاني عنكم، ومكّنني في دولتكم، وأحياني في رجعتكم، وملّكني في أيّامكم، وشكر سعيي بكم، وغفر ذنبي بشفاعتكم، وأقال عثرتي بمحبّتكم، وأعلى كعبي بموالاتكم، وشرّفني بطاعتكم، وأعزّني بهداكم، وجعلني ممّن انقلَبَ مُفلحا منجحا، غانِما سالما، مُعافا غنيّا، فائزاً برضوان اللّه وفضله وكفايته، بأفضل ما ينقلب به أحدٌ من زوّاركم ومواليكم، ومحبّيكم وشيعتكم، ورزقني اللّه العود ثمّ العود أبداً ما أبقاني ربّي بنيّةٍ صادقةٍ، وإيمانٍ وتقوىً، وإخباتٍ ورزقٍ واسعٍ حلالٍ طيّب . اللّهمَّ لا تجعله آخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلاة عليهم، وأوجب لي المغفرة والرحمة، والخير والبركة، والفوز والنور والإيمان، وحسن الإجابة، كما أوجبت لأوليائك، العارفين بحقّهم، الموجبين طاعتهم، الراغبين في زيارتهم، المتقرّبين إليك وإليهم . بأبي أنتم واُمّي، ونفسي وأهلي ومالي، اجعلوني في همّكُم، وصيّروني في حزبكم، وادخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربّكم . اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، وبلِّغ أرواحهم وأجسادهم منّي السلام ، والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته ، وصلّ اللّه على محمّدٍ وآله وسلَّم كثيراً، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل ». (1) وهذه الرواية وإن لم يصحّ سندها باصطلاح المتأخّرين، إلّا أنّها صحيحة باصطلاح المتقدّمين، وتلك الزيارة كلّ فقرة منها شاهدة على صدورها عن معدن الفصاحة والبلاغة . وقد قال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : رأيت في الرؤيا الحقّة أنّه يقرأها الإمام أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه ، ثمّ قال : ولمّا وفّقني اللّه تعالى لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام وشرعت في حوالي الروضة المقدّسة في المجاهدات، وفتح اللّه تعالى عليَّ ببركة مولانا صلوات اللّه عليه أبواب المكاشفات التي لا تحتملها العقول الضعيفة، رأيت في ذلك العالم وإن شئت قلت بين النوم واليقظة، عندما كنت في رواق عمران جالسا أنّي بسُرّ من رأى، ورأيت مشهدهما في نهاية الارتفاع والزينة، ورأيت على قبرهما لباسا أخضر من لباس الجنّة؛ لأنّه لم أرَ مثله في الدُّنيا، ورأيت مولانا ومولى الأنام صاحب العصر والزمان جالسا، ظهره على القبر، ووجهه إلى الباب ، فلمّا رأيته شرعت في هذه الزيارة بصوتٍ مرتفع كالمدّاحين، فلمّا أتممتها قال صلوات اللّه عليه : «نِعْمَت الزيارة »، قلت : مولاي روحي فداك، زيارة جدّك وأشرت نحو القبر ، فقال : «نعم ، ادخل ». فلمّا دخلت وقفت قريبا من الباب، فقال صلوات اللّه عليه : «تقدّم» ، فقلت : مولاي أخاف أن أصير كافراً بترك الأدب . فقال صلوات اللّه عليه : «لا بأس ، إذا كان بإذننا »، فتقدّمت قليلاً خائفا مرتعشا، فقال : «تقدّم تقدّم »، حتّى صرت قريبا منه ، قال : «اجلس »، قلت : مولاي ، أخاف. قال صلوات اللّه عليه : «لا تخف »، فجلست جلسة العبد بين يدي المولى الجليل ، وقال صلوات اللّه عليه : «استرح واجلس مربّعا، فإنّك قد تعبت، جئت ماشيا حافيا ». ووقع منه صلوات اللّه عليه بالنسبة إلى عبده ألطاف عظيمة، ومكالمات لطيفة لا يمكن عدّها، ونسيت أكثرها . ثمّ انتبهت من تلك الرؤيا، وحصل في اليوم أسباب الزيارة بعدها كانت الطريق مسدودة في مدّة طويلة ، وبعدها حصلت الموانع العظيمة، فارتفعت بفضل اللّه ، وتيسّر لي الزيارة بالمشي والحفا، كما قاله الصاحب عليه السلام . وكنت ليلاً في الروضة المقدّسة، وزرت مكرّراً بهذه الزيارة، وظهر لي في الطريق وفي الروضة كرامات عجيبة ، بل معجزات غريبة (2) . (3)

.


1- . الفقيه، ج 2، ص 609 618 ، ح 3123؛ تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 95 102، ح 177.
2- . اللوامع لصاحبقراني، ج 8 ، ص 664 666 . وحكاه عنه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 102، ص 113 114.
3- . إلى هنا تمّ ما وصل إلينا من شرح فروع الكافي لمحمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني، ولم يتبين لنا هل شرح بعده أيضا أم لا؟

ص: 583

. .

ص: 584

. .

ص: 585

. .

ص: 586

. .

ص: 587

. .

ص: 588

. .

ص: 589

. .

ص: 590

. .

ص: 591

. .

ص: 592

. .

ص: 593

. .

ص: 594

. .

ص: 595

. .

ص: 596

. .

ص: 597

. .

ص: 598

. .

ص: 599

. .

ص: 600

. .

ص: 601

. .

ص: 602

. .

ص: 603

. .

ص: 604

. .

ص: 605

. .

ص: 606

. .

ص: 607

. .

ص: 608

. .

ص: 609

. .

ص: 610

. .

ص: 611

. .

ص: 612

. .

ص: 613

. .

ص: 614

. .

ص: 615

. .

ص: 616

. .

ص: 617

. .

ص: 618

. .

ص: 619

. .

ص: 620

. .

ص: 621

. .

ص: 622

. .

ص: 623

. .

ص: 624

. .

ص: 625

. .

ص: 626

. .

ص: 627

. .

ص: 628

. .

ص: 629

. .

ص: 630

. .

ص: 631

. .

ص: 632

. .

ص: 633

. .

ص: 634

. .

ص: 635

. .

ص: 636

. .

ص: 637

. .

ص: 638

. .

ص: 639

. .

ص: 640

. .

ص: 641

. .

ص: 642

. .

ص: 643

. .

ص: 644

. .

ص: 645

. .

ص: 646

. .

ص: 647

. .

ص: 648

. .

ص: 649

. .

ص: 650

. .

ص: 651

. .

ص: 652

. .

ص: 653

. .

ص: 654

. .

ص: 655

. .

ص: 656

. .

ص: 657

. .

ص: 658

. .

ص: 659

. .

ص: 660

. .

ص: 661

. .

ص: 662

. .

ص: 663

. .

ص: 664

. .

ص: 665

. .

ص: 666

. .

ص: 667

. .

ص: 668

. .

ص: 669

. .

ص: 670

. .

ص: 671

. .

ص: 672

. .

ص: 673

. .

ص: 674

. .

ص: 675

. .

ص: 676

. .

ص: 677

. .

ص: 678

. .

ص: 679

. .

ص: 680

. .

ص: 681

. .

ص: 682

. .

ص: 683

. .

ص: 684

. .

ص: 685

. .

ص: 686

. .

ص: 687

. .

ص: 688

. .

ص: 689

. .

ص: 690

. .

ص: 691

. .

ص: 692

. .

ص: 693

. .

ص: 694

. .

ص: 695

. .

ص: 696

. .

ص: 697

. .

ص: 698

. .

ص: 699

. .

ص: 700

. .

ص: 701

. .

ص: 702

. .

ص: 703

. .

ص: 704

. .

ص: 705

. .

ص: 706

. .

ص: 707

. .

ص: 708

. .

ص: 709

. .

ص: 710

. .

ص: 711

. .

ص: 712

. .

ص: 713

. .

ص: 714

. .

ص: 715

. .

ص: 716

. .

ص: 717

. .

ص: 718

. .

ص: 719

. .

ص: 720

. .

ص: 721

. .

ص: 722

. .

ص: 723

. .

ص: 724

. .

ص: 725

. .

ص: 726

. .

ص: 727

. .

ص: 728

. .

ص: 729

. .

ص: 730

. .

ص: 731

. .

ص: 732

. .

ص: 733

. .

ص: 734

. .

ص: 735

. .

ص: 736

. .

ص: 737

. .

ص: 738

. .

ص: 739

. .

ص: 740

. .

ص: 741

. .

ص: 742

. .

ص: 743

. .

ص: 744

. .

ص: 745

. .

ص: 746

. .

ص: 747

. .

ص: 748

. .

ص: 749

. .

ص: 750

. .

ص: 751

. .

ص: 752

. .

ص: 753

. .

ص: 754

. .

ص: 755

. .

ص: 756

. .

ص: 757

. .

ص: 758

. .

ص: 759

. .

ص: 760

. .

ص: 761

. .

ص: 762

. .

ص: 763

. .

ص: 764

. .

ص: 765

. .

ص: 766

. .

ص: 767

. .

ص: 768

. .

ص: 769

. .

ص: 770

. .

ص: 771

. .

ص: 772

. .

ص: 773

. .

ص: 774

. .

ص: 775

. .

ص: 776

. .

ص: 777

. .

ص: 778

. .

ص: 779

. .

ص: 780

. .

ص: 781

. .

ص: 782

. .

ص: 783

. .

ص: 784

. .

ص: 785

. .

ص: 786

. .

ص: 787

. .

ص: 788

. .

ص: 789

. .

ص: 790

. .

ص: 791

. .

ص: 792

. .

ص: 793

. .

ص: 794

. .

ص: 795

. .

ص: 796

. .

ص: 797

. .

ص: 798

. .

ص: 799

. .

ص: 800

. .

ص: 801

. .

ص: 802

. .

ص: 803

. .

ص: 804

. .

ص: 805

. .

ص: 806

. .

ص: 807

. .

ص: 808

. .

ص: 809

. .

ص: 810

. .

ص: 811

. .

ص: 812

. .

ص: 813

. .

ص: 814

. .

ص: 815

. .

ص: 816

. .

ص: 817

. .

ص: 818

. .

ص: 819

. .

ص: 820

. .

ص: 821

. .

ص: 822

. .

ص: 823

. .

ص: 824

فهرس مصادر التحقيق1 . القرآن الكريم 2 . الإتقان في علوم القرآن، لأبي بكر جلال الدين بن كمال الدين السيوطي (م 911 ه)، تحقيق: سعيد المندوب، دار الفكر، لبنان، الطبعة الاُولى 1416 ه. 3 . إثبات عذاب القبر، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه)، تحقيق: شرف محمود القضاة، دار الفرقان، اُردن، الطبعة الثالثة 1413 ه. 4 . إثبات الوصيّة، لعليّ بن الحسين المسعودي (345 ه)، مؤسّسة أنصاريان، قم، الطبعة الثالثة 1426 ه _ 1384 ش. 5 . الآحاد والمثاني، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحّاك المعروف بابن أبي عاصم (م 287 ه). تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الدراية، الرياض، الطبعة الاُولى 1411 ه. 6 . أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص (م 370 ه)، تحقيق: عبد السلام محمّد علي شاهين، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1415 ه. 7 . أحكام القرآن، لأبي بكر محمّد بن عبد اللّه المعروف بابن العربي (م 543 ه)، تحقيق: محمّد عبد القادر عطا، دار الفكر، بيروت. 8 . أحكام القرآن، لمحمّد بن إدريس الشافعي (م 204 ه)، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1400 ه. 9 . الإحكام في اُصول الأحكام، لعليّ بن محمّد الآمدي (م 631 ه)، تحقيق: عبد الرزّاق عفيفي، المكتب الإسلامي، الرياض، الطبعة الثانية 1402 ه. 10 . أحكام النساء، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ه)، تحقيق: مهدي نجف، دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية 1414 ه. 11 . أحوال و آثار خوشنويسان، لمهدي بياني (م 1346 ش)، انتشارات علمي، طهران، 1363 ش. 12 . اختيار معرفة الرجال (= رجال الكشّي)، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت، قم، الطبعة الاُولى 1404 ه. 13 . الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ه)، تحقيق و نشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم، الطبعة الاُولى 1413 ه. 14 . إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (م 726 ه)، تحقيق: الشيخ فارس الحسّون، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1410 ه. 15 . أساس البلاغة، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (م 530 ه)، تحقيق: عبد الرحيم محمود، دار صادر، بيروت، 1385 ه. 16 . أسباب النزول، لأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي النيسابوري (م 468 ه)، الناشر: مؤسّسة الحلبي و شركاه. 17 . الاستبصار في اختلاف الأخبار، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: السيّد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الاسلاميّة، طهران. 18 . أضواء البيان، لمحمّد أمين بن محمّد المختار الشنقيطي (م 1393 ه)، تحقيق: مكتب البحوث و الدراسات، دار الفكر، بيروت، 1415 ه. 19 . أطلس حظّ، لحبيب اللّه بن محمّد إبراهيم الفضائلي (م 1376 ش)، نشر مشعل، إصفهان، 1362 ش. 20 . إعانة الطالبين، لأبي بكر بن السيّد الدمياطي (م 1310 ه)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى، 1418 ه. 21 . الاعتقادات، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق (م 381 ه)، تحقيق: عصام عبد السيّد، دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه. 22 . الأعلام، لخير الدين الزركلي (م 1410 ه)، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1980 م. 23 . إعلام الورى بأعلام الهدى، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم، الطبعة الاُولى 1417 ه. 24 . أعيان الشيعة، للسيّد محسن الأمين (م 1371 ه)، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت. 25 . الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد المعروف بابن عبد البرّ (م 463 ه)، تحقيق: محمّد سالم عطاء، محمّد علي معوض، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 2000 م. 26 . الاستيعاب، لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد المعروف بابن عبد البرّ (م 463 ه)، تحقيق: علي محمّد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الاُولى 1412 ه. 27 . اُسد الغابة في معرفة الصحابة، لأبي الحسن عزّ الدين عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري (م 630 ه)، تحقيق: علي محمّد معوّض و عادل أحمد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1415 ه. 28 . الاشعثيات (= الجعفريات)، لمحمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي (ق 4 ه)، مكتبة نينوى طهران. 29 . الإصابة، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1415 ه. 30 . إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، لقطب الدين محمّد بن الحسين الكيدري السبزواري (ق 6 ه)، تحقيق: إبراهيم البهادري، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم، الطبعة الاُولى 1416 ه. 31 . الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه) منشورات مكتبة جامع چهلستون، طهران، 1400 ه. 32 . الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع، لشمس الدين محمّد بن أحمد الشربيني الخطيب (م 977 ه)، دار المعرفة، بيروت. 33 . إكمال الكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف و المختلف في الأسماء والكنى والأنساب، للأمير عليّ بن هبة اللّه المعروف بابن ماكولا (م 475 ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 34 . الاُمّ، لمحمّد بن إدريس الشافعي (م 204 ه)، دار الفكر للطباعة والنشر و التوزيع، بيروت، الطبعة الاُولى 1400 ه. 35 . الألفيّة والنفليّة، لمحمّد بن مكّي العاملي الشهيد الأوّل (م 786 ه)، تحقيق: علي الفاضل القائيني النجفي، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1408 ه. 36 . الأمالي، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، تحقيق و نشر: قسم الدراسات الإسلاميّة، مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى، 1417 ه. 37 . الأمالي، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق و نشر: قسم الدراسات الإسلاميه، مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى، 1414 ه. 38 . أمالي المحاملي، لأبي عبد اللّه حسين بن إسماعيل المحاملي (م 330 ه) تحقيق: إبراهيم القيسي، المكتبة الاسلاميّة _ دار ابن القيّم، اُردن، الطبعة الاُولى 1412 ه. 39 . إمتاع الأسماع، لأحمد بن علي المقريزي (م 845 ه)، تحقيق: محمّد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1420 ه. 40 . أمل الآمل، لمحمّد بن الحسن المعروف بالحرّ العاملي (م 1104 ه)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مكتبة الأندلس، بغداد 41 . الانتصار، لعليّ بن الحسين الموسوي علم الهدى المعروف بالسيّد المرتضى (م 436 ه)، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1415 ه. 42 . أنساب خاندان مجلسي، للمولى حيدر علي المجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال. 43 . الأنساب، لأبي سعد عبد الكريم بن محمّد السمعاني (م 562 ه)، تحقيق: عبد اللّه عمر البارودي، دار الجنان، بيروت، الطبعة الاُولى، 1408 ه. 44 . الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين عليّ بن سليمان المرداوي (م 885 ه)، تحقيق: محمّد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانيه 1406 ه. أنوار التنزيل = تفسير البيضاوي. 45 . إيضاح الاشتباه، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلامّة الحلّي (م 726 ه)، تحقيق: محمّد الحسّون، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1411 ه. 46 . إيضاح الفوائد، لفخر المحقّقين محمّد بن الحسن بن يوسف الحلّي (م 771 ه)، تحقيق: السيّد حسين الموسوي _ الشيخ علي پناه الإشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي، المطبعة العلميّة، قم، الطبعة الاُولى 1387 ه. 47 . بحار الأنوار، لمحمّد باقر المجلسي (م 1111 ه)، مؤسّسة الوفاء، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه. 48 . البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، لأبي البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفي (م 710 ه)، للشيخ زين الدين بن إبراهيم بن محمّد المعروف بابن نجيم المصري (م 970 ه)، تحقيق: زكريّا عميرات، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1418 ه. 49 . بدائع الصنائع، لأبي بكر بن مسعود الكاشاني (م 587 ه)، المكتبة الحبيبيّة، پاكستان، الطبعة الاُولى 1409 ه. 50 . بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد القرطبي المعروف بابن رشد الحفيد (م 595 ه)، تصحيح: خالد العطّار، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى 1415 ه. 51 . البداية والنهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (م 774 ه)، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الاُولى 1408 ه. 52 . البرهان، لبدر الدين محمّد بن عبد اللّه الزركشي (794 ه)، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، الطبعة الاُولى، 1376 ه. 53 . البيان، لمحمّد بن جمال الدين المكّي الشهيد الأوّل (م 786 ه)، مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم. 54 . البيان في عدد آي القرآن، لأبي عمرو الداني عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ، (م 444 ه)، تحقيق: غائم قدورى الحمد، مركز المخطوطات والتراث، الكويت، الطبعة الاُولى 1414 ه. 55 . تاج العروس من جواهر القاموس، للسيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (م 1205 ه)، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت 1414 ه. 56 . تاريخ الإسلام، لأبي عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الاُولى 1407 ه. تاريخ الاُمم و الملون = تاريخ الطبري 57 . تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي البغدادي (م 463 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1417 ه. 58 . تاريخ الطبري، لمحمّد بن جرير الطبري (م 310 ه)، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الرابعة 1403 ه. 59 . التاريخ الكبير، لمحمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه)، المكتبة الإسلاميّة، ديار بكر، تركيا. 60 . تاريخ مدينة دمشق، لأبي القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللّه المعروف بابن عساكر (م 571 ه)، تحقيق: علي شيري، دارالفكر _ بيروت 1415 ه. 61 . تاريخ ابن معين، ليحيى بن معين (م 233 ه)، تحقيق: أحمد نورسيف: دار المأمون للتراث، دمشق. 62 . تاريخ مواليد الأئمة، لأبي محمّد عبد اللّه بن نصر بن الخشّاب البغدادي، (م 567 ه)، مكتبة آيت اللّه المرعشي، قم، 1406 ه. 63 . تأويل مختلف الحديث، لأبي محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة (م 276 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت. 64 . تبصرة المتعلّمين، لجمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر، المعروف بالعلّامة الحلّي (م 726 ه)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني والشيخ هادي اليوسفي، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الاُولى 1368 ش. 65 . التبيان في تفسير القرآن، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الاُولى 1409 ه. تجريد الاعتقاد = كشف المراد 66 . تحرير الأحكام، لجمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (م 726 ه)، تحقيق: إبراهيم البهادري، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم، الطبعة الاُولى 1420 ه. 67 . التحرير الطاووسي، للشيخ حسن بن زين الدين صاحب المعالم (م 1011 ه)، تحقيق: فاضل الجواهري، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاُولى 1411 ه. 68 . تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله ، لأبي محمّد الحسن بن عليّ بن شعبة الحرّاني (قرن 4 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية 1404 ه. 69 . تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لأبي العلاء محمّد بن عبد الرحمان بن عبد الرحيم المباركفوري (م 1353 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1410 ه. 70 . التحفة السنيّة في شرح نخبة المحسنيّة، للسيّد عبد اللّه بن نعمة اللّه الجزائري (م 1180 ه)، مخطوط. 71 . تحفة الفقهاء، لعلاء الدين محمّد بن أحمد السمرقندي (م 539 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثانية 1414 ه. 72 . التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، لأبي الفرج عبد الرحمان بن أحمد بن رجب الحنبلي (م 795 ه)، دار الرشيد، دمشق، الطبعة الثانية 1404 ه. التذكرة للخواجه نصير الدين الطوسي (م) = التكملة في شرح التذكرة 73 . تذكرة الحفّاظ، لشمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه)، دار إحياء التراث العربى، بيروت. 74 . تذكرة الفقهاء، لحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (م 726 ه)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم، الطبعة الاُولى، 1414 ه، والطبعة الحجريّة، منشورات المكتبة المرتضويّة. 75 . تذكرة القبور، للشيخ عبد الرحمان كزي الأصفهاني (م 1341 ه). 76 . تراجم الرجال، للسيّد أحمد الحسيني (معاصر)، نشر مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، 1414 ه. 77 . ترتيب إصلاح المنطق، لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكّيت (م 244 ه)، ترتيب و تحقيق: محمّد حسن بكائي، مؤسّسة الطبع و النشر في الآستانة الرضويّة، مشهد، الطبعة الاُولى 1412 ه. 78 . ترتيب كتاب العين، لخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه)، تحقيق و تصحيح: أسعد الطيّب، انتشارات اُسوة، الطبعة الاُولى 1414 ه. 79 . تصحيح اعتقادات الإماميّة، لمحمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ه)، تحقيق: حسين درگاهي، دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية 1414 ه. 80 . التعديل و التجريح، لسليمان بن خلف الباجي (م 474 ه)، تحقيق: أحمد البزّار، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، مراكش. 81 . تفسير ابن أبي حاتم، لأبي محمّد محمّد بن إدريس الرازي (م 327 ه)، تحقيق: أسعد محمّد الطيّب، المكتبة العصريّة، صيدا، لبنان. 82 . تفسير ابن أبي زمنين، لأبي عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن أبي زمنين (م 399 ه)، تحقيق: أبو عبد اللّه حسين بن عكاشة و محمّد بن مصطفى الكنز، الفاروق الحديثة، القاهرة، الطبعة الاُولى 1423 ه. 83 . تفسير ابن كثير، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (م 774 ه)، دار المعرفة، بيروت، 1412 ه. 84 . تفسير أبي المسعود، لأبي السعود محمّد بن محمّد العمادي (م 951 ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 85 . تفسير البغوي (= معالم التنزيل)، لأبي محمّد حسين بن مسعود (م 510 ه)، تحقيق: خالد عبد الرحمان العك، دار المعرفة، بيروت. 86 . تفسير البيضاوي (= أنوار التنزيل)، للقاضي عبد اللّه بن عمر بن محمّد الفارسي البيضاوي، (682 ه)، دار الفكر، بيروت. تفسير الثعلبي = الكشف و البيان 87 . تفسير الثوري، لسفيان بن سعيد الثعوري (م 661 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1403 ه. 88 . تفسير الجلالين، لجلال الدين محمّد بن أحمد المحلّي (م 864 ه)، و جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (911 ه)، دار المعرفة، بيروت. 89 . تفسير الرازي (= التفسير الكبير)، محمّد بن عمر المعروف بالفخر الرازي (م 606 ه)، الطبعة الثالثة. 90 . تفسير السمرقندي، لأبي الليث نصر بن محمّد بن إبراهيم السمرقندي (م 383 ه)، تحقيق: محمّد مطرجي، دار الفكر، بيروت. 91 . تفسير السمعاني، لأبي المظفّر منصور بن محمّد السمعاني (م 489 ه)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم و غنيم بن عبّاس بن غنيم، دار الوطن، الرياض، الطبعة الاُولى 1418 ه. تفسير الطبري = جامع البيان 92 . تفسير ابن عبّاس (= تنوير المقاس من تفسير ابن عبّاس)، لمجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (م 817 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت. 93 . تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمّد بن مسعود العيّاشي (م 320 ه)، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، طهران. 94 . تفسير غريب القرآن، لفخر الدين الطريحي (م 1085 ه)، تحقيق: محمّد كاظم الطريحى، انتشارات زاهدي، قمّ . تفسير الفخر الرازي = تفسير الرازي 95 . تفسير القرآن، لعبد الرزّاق بن همّام الصنعاني (م 211 ه)، تحقيق: مصطفى مسلم محمّد، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الاُولى 1410 ه. 96 . تفسير القرطبي (= الجامع لأحكام القرآن)، لأبي عبد اللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 671 ه)، تحقيق: أحمد عبد الحليم البردوني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. التفسير الكبير = تفسير الرازي 97 . تفسير مقاتل بن سليمان، لمقاتل بن سليمان (م 150 ه)، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1424 ه. 98 . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام ، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم، الطبعة الاُولى. 99 . تفسير النسفي، لعبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفي (م 537 ه). 100 . تفسير الواحدي، لأبي الحسن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عليّ الواحدي النيسابوري (م 468 ه)، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دارالقلم _ الدار الشامية، دمشق، الطبعة الاُولى، 1415 ه. 101 . تقريب التهذيب، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثانية 1415. 102 . تكلمة حاشية ردّ المختار، للسيّدي محمّد علاء الدين معروف بابن عابدين (م ه)، دار الفكر، بيروت، 1415 ه. 103 . التكلمة في شرح التذكرة، لشمس الدين محمّد بن أحمد المعروف بالمحقّق الخفري (قرن 10 ه)، مخطوطة رقم 10678 من مكتبة آيت اللّه المرعشي النجفي. 104 . تلخيص الجير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه)، دار الفكر، بيروت. 105 . التمهيد لمافي الموطّأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ (م 463 ه)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي و محمّد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف و الشؤون الإسلاميّة، المغرب، 1387 ه. 106 . التنبيه و الإشراف، لعليّ بن الحسين المسعودي (م 345 ه)، دار صعب، بيروت. 107 . تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه)، تحقيق: مصطفى أبو الغط عبد الحيّ، دار الوطن، الرياض، 1421 ه. 108 . تنوير الحوالك، لجلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه)، تصحيح: محمّد عبد العزيز الخالدي، بيروت، الطبعة الاُولى 1418 ه. تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس = تفسير ابن عبّاس 109 . التوحيد، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، تحقيق: السيّد هاشم الحسيني الطهراني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلميّة، قم. 110 . تهذيب الأحكام، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: السيّد حسن الموسوي الخراسان، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1364 ش. 111 . تهذيب التهذيب، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 528 ه)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى 1404 ه. 112 . تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأبي الحجّاج يوسف المزّي (م 742 ه)، تحقيق: بشّار عوّاد معروف، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة 1406 ه. 113 . تهذيب اللغة، لمحمّد بن أحمد الأزهري (م 370 ه)، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1384 ه. 114 . تيسير التحرير، لمحمّد أمين المعروف بأمير پادشاه (م 987 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت 1403 ه _ 1983 م . 115 . الثقات، لأبي حاتم محمّد بن حبّان البستي (م)، مؤسّسة الكتب الثقافيّة، الهند، الطبعة الاُولى، 1393 ه. 116 . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، منشورات الشريف الراضي، قم، الطبعة الثانية، 1368 ش. 117 . جامع البيان عن تأويل آي القرآن (= تفسير الطبري)، لأبي جعفر محمّد بن جرير بن يزيد الطبري (م 310 ه)، تحقيق: خليل الميسى و صدقي جميل العطّار، دار الفكر بيروت، 1415 ه. 118 . جامع الخلاف و الوفاق بين الإماميّة و بين أئمّة الحجاز و العراق، لعليّ بن محمّد القمّي السبزواري (قرن 7 ه)، تحقيق: حسين الحسني البيرجندي، انتشارات زمينه سازان ظهور، قم، الطبعة الاُولى. 119 . جامع الرواة و إزاحة الشبهات عن الطرق و الأسناد، لمحمّد بن علي الأردبيلي (م 1101 ه)، مكتبة المحمّدي. 120 . الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، لجلال الدين بن كمال الدين السيوطي (م 911 ه)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى، 1410 ه. 121 . الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد الحلّي (م 690 ه)، مؤسّسة السيّد الشهداء عليه السلام ، قم، 405 ه. 122 . جامع المقاصد في شرح القواعد، للشيخ عليّ بن الحسين الكركي المعروف بالمحقّق الثاني (م 940 ه)، تحقيق و نشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم، الطبعة الاُولى، 1408 ه. 123 . الجرح و التعديل، لعبد الرحمان بن أبي حاتم الرازي (م 327 ه)، دار إحياء التراث العربي _ بيروت، الطبعة الاُولى، 1371 ه. الجعفريّات = الأشعثيّات 124 . جمال الاُسبوع بكمال العمل المشروع، للسيّد رضي الدين عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (م 664 ه)، تحقيق: جواد القيّومي، مؤسّسة الآفاق، قم، الطبعة الاُولى، 1371 ش. جمل العلم و العمل = رسائل المرتضى جوابات المسائل الرسية = رسائل المرتضى جوابات المسائل الموصليّات = رسائل المرتضى جوابات المسائل الميارفاقيّات = رسائل المرتضى 125 . جواهر الفقه، لعبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (م 481 ه)، تحقيق: إبراهيم البهادري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1411 ه. 126 . جواهر الكلام، للشيخ محمّد حسن النجفي (م 1266 ه)، تحقيق: الشيخ عبّاس القوچاني، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثانية، 1365 ه. 127 . الجوهر النقي، لعلاء الدين عليّ بن عثمان المارديني المعروف بابن التركماني (م 750 ه)، دار الفكر، بيروت. 128 . حاشية الدسوقي على شرح الكبير، لمحمّد عرفة الدسوقي (م 1230 ه)، دار إحياء الكتب العلميّة، بيروت. 129 . حاشية ردّ المختار على الدرّ المختار، لمحمّد أمين المعروف بابن عابدين (م 1252 ه)، دار الفكر، بيروت، 1415 ه. 130 . الحبل المتين، لمحمّد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي المعروف بالشيخ البهائي (م 1031 ه)، منشورات مكتبة بصيرتي، قم. 131 . الحدائق الناضرة، للشيخ يوسف البحراني (م 1186 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم. 132 . الحدّ الفاصل بين الراوي و الواعي، للقاضي الحسن بن عبد الرحمان الرامهرمزي (م 360 ه)، تحقيق: محمّد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404 ه. 133 . حواشي الشرواني و العبادي على تحفة المحتاج، للشيخ عبد الحميد الشرواني (م ه) وأحمد بن القاسم العبادي (م 992 ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 134 . خاتمة المستدرك، للشيخ الميرزا حسين النوري (م 1320 ه)، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم، الطبعة الاُولى، 1405 ه. 135 . خزانة الأدب، لعبد القادر بن عمر البغدادي (م 1093 ه)، تحقيق: محمّد نبيل طريفي و إميل بديع اليعقوب، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1998 م. 136 . الخصال، لمحمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، تصحيح: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1403 ه _ 1362 ش. 137 . خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، للحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (م 726 ه)، تحقيق: جواد القيّومي، مؤسّسة النشر الإسلامى، قم، الطبعة الاُولى، 1417 ه. 138 . خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأحمد بن عبد اللّه الخزرجي الأنصاري (م 923 ه)، مكتب المطبوعات الإسلاميّة بحلب _ دار البشائر الإسلاميّة، الطبعة الرابعة، 1411 ه. 139 . الخلاف، لمحمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1407 ه . 140 . الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه)، تحقيق: عبد اللّه هاشم اليماني المدني، دار المعرفة، بيروت. 141 . الدرّ المختار شرح تنوير الأبصار، لمحمّد علاء الدين الحصكفي (م 1088 ه)، دار الفكر، بيروت، 1415 ه. 142 . الدّر المنثور في تفسير المأثور، لعبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه)، دار المعرفة، بيروت. 143 . الدرّ المنضود في معرفة صيغ النيّات و الايقاعات والعقود، لعليّ بن عليّ بن محمّد بن طي الفقعاني (م 855 ه)، تحقيق: محمّد بركت، مكتبة مدرسة الإمام العصر عليه السلام ، شيراز، الطبعة الاُولى، 1418 ه. 144 . الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة، للشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (م 786 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم. 145 . دعائم الإسلام، للقاضي النعمان بن محمّد المغربي (م 363 ه)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، القاهرة، 1383 ه. 146 . الدعوات (= سلوة الحزين) لسعيد بن هبة اللّه المعروف بقطب الدين الراوندي (م 573 ه)، مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم، الطبعة الاُولى، 1407 ه. 147 . الديباج على صحيح مسلم، لعبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه)، دار ابن عفّان للنشر والتوزيع، السعودية، الطبعة الاُولى، 1416 ه. 148 . ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، لمحبّ الدين أحمد بن عبد اللّه الطبري (م 694 ه)، مكتبة القدسي، القاهرة، 1356 ه. 149 . ذخيرة المعاد، لمحمّد باقر السبزواري (م 1090 ه)، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث. 150 . الذريعة إلى تصانيف الشيعة، لمحمّد محسن المعروف بآغا بزرگ الطهراني (م 1389 ه)، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثالثة 1403 ه. 151 . ذكر أخبار أصبهان، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصبهاني (م 430 ه)، بريل ليدن، 1934 م. 152 . ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، للشهيد الأوّل محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي، الشهيد الأوّل (م 786 ه)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم، الطبعة الاُولى، 1419 ه. 153 . ربيع الأبرار، لمحمود بن عمر الزمخشري (م 538 ه)، تحقيق: سليم النعيمي، منشورات الشريف الرضي، قم، الطبعة الاُولى، 1410 ه. 154 . رجال ابن داوود الحلّي، لتقي الدين الحسن بن عليّ بن داوود الحلّي (م بعد سنة 707 ه)، تحقيق: السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، منشورات الشريف الرضي، قم، 1392 ه. 155 . رجال ابن الغضائري، لأحمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري (قرن 5 ه)، تحقيق: السيّد محمّد رضا الجلالي، دار الحديث، قم، الطبعة الاُولى، 1422 ه _ 1380 ش. 156 . رجال الطوسي، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: جواد القيّومي، مؤسّسة النشر الإسلامى، قم، الطبعة الاُولى، 1415 ه. 157 . رجال النجاشي (= أسماء مصنّفي الشيعة)، لأبي العبّاس أحمد بن علي النجاشي (م 450 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1416 ه. 158 . رسائل الشريف المرتضى، للسيّد عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالسيّد المرتضى (م 436 ه)، دار القرآن الكريم، قم، 1405 ه. 159 . رسائل الشهيد الثاني، للشهيد الثاني زين الدين علي الجبعي العاملي (م 965 ه)، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، طبعة حجريّة . 160 . الرسائل التسع، لنجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي (م 676 ه)، تحقيق: رضا استادى، مكتبة آيت اللّه المرعشي، قم، الطبعة الاُولى، 1413 ه _ 1371 ش. 161 . الرسائل العشر، لأحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (م 841 ه)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم، الطبعة الاُولى، 1409 ه. 162 . الرسائل العشر، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم. 163 . رسائل في دراية الحديث، إعداد: أبو الفضل حافظيان البابلي (معاصر)، دار الحديث، قم، الطبعة الاُولى، 1424 ه _ 1382 ق. 164 . رسائل الكركي، للشيخ عليّ بن الحسين المعروف بالمحقّق الكركي (م 940 ه)، تحقيق: محمّد حسّون، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم، الطبعة الاُولى، 1409 ه. 165 . رسالة بن أبي زيد، لأبي زيد القيرواني (م 389 ه)، جمع: الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري، المكتبة الثقافية، بيروت. 166 . رسالة الاجتهاد، لمحمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني (م 1205 ه). الرسالة الجعفريّة = رسائل الكركي رسالة القصمود من الجمل و العقود = الرسائل التسع للمحقّق الحلّي 167 . روضات الجنّات، للميرزا محمّد باقر الموسوي الخوانساري (م 1313 ه)، تحقيق: أسد اللّه إسماعيليان، قم، 1391 ه. 168 . روض الجنان في شرح إرشاد الإذهان، لزين الدين الجبعي العاملي الشهيد الثاني (م 966 ه)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم. 169 . روضة الطالبين، ليحيى بن شرف النووي الدمشقي (م 676 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوض، دار الكتب العلميّة، بيروت. 170 . روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، لمحمّد تقي بن مقصود علي المجلسي (م 1070 ه)، مؤسّسة كوشانبور، الطبعة الثانية، 1406 ه. 171 . رياض الجنّة، لمحمّد حسن الحسيني الزنوزي (م 1218 ه)، تحقيق: علي رفيعي، مكتبة آية اللّه المرعشي، قم، 1412 ه _ 1370 ش. 172 . رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين عليه السلام ، للسيّد علي خان الحسيني المدني الشيرازي (م 1120 ه)، تحقيق: السيّد محسن الحسيني الأميني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الرابعة، 1415 ه. 173 . رياض الصالحين، ليحيى بن شرف النووي (م 676 ه)، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الثانية، 1411 ه _ 1991 م. 174 . ريحانة الأدب، للميرزا محمّد علي المدرّس التبريزي (م ه)، مكتبة خيّام، طهران، الطبعة الثالثة، 1369 ه. 175 . زاد المسير في علم التفسير، لأبي الفرج عبد الرحمان بن علي المعروف بابن الجوزي (م 597 ه)، تحقيق: محمّد عبد الرحمان عبد اللّه ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى، 1407 ه _ 1987 م. 176 . زبدة البيان في أحكام القرآن، لأحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993 ه)، تحقيق: محمّد باقر البهبودي، المكتبة المرتضويّة، طهران. 177 . سبع رسائل، لجلال الدين محمّد الدواني (م 908 ه) و ملّا إسماعيل الخواجوئي الأصفهاني (م 1173 ه)، تحقيق: السيّد أحمد التويسركاني، ميراث مكتوب، طهران، 1423 ه _ 1381 ش _ 2002 م. 178 . سبل السلام، لمحمّد بن إسماعيل الكحلاني (م 1182 ه)، تحقيق: محمّد عبد العزيز الخولى، شركة مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الرابعة، 1379 ه _ 1960 م. 179 . السرائر، لمحمّد بن منصور بن أحمد المعروف بابن إدريس الحلّي (م 598 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه. 180 . سنن ابن ماجة، لمحمّد بن يزيد القزويني (م 275 ه)، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 181 . سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275 ه)، تحقيق: سعيد محمّد اللحّام، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى، 1410 ه _ 1990 م. 182 . سنن الترمذي، لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (م 279 ه)، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه _ 1983 م. 183 . سنن الدارقطني، لعليّ بن عمر الدارقطني (م 385 ه)، تحقيق: مجدي بن منصور سيّد الشوري، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى 1417 ه _ 1990 م. 184 . سنن الدارمي، لعبد اللّه بن بهرام الدارمي (م 255 ه)، مطبعة الاعتدال، دمشق، 1349 ه. 185 . السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه)، دار الفكر، بيروت. 186 . السنن الكبرى لأحمد بن شيعب النسائي (م 303 ه)، تحقيق: عبد الغفّار سليمان البنداري و سيّد كسروي حسن، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1411 ه _ 1991 م. 187 . سنن النسائي، لأحمد بن شعيب النسائي (م 302 ه) دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى، 1348 ه _ 1930 م. 188 . سير أعلام النبلاء، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و حسين الأسد، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة التاسعة، 1413 ه _ 1993 م. 189 . شرائع الإسلام، لجعفر بن الحسن بن سعيد المعروف بالمحقّق الحلّي (م 676 ه)، تحقيق: السيّد الصادق الشيرازي، انتشارات استقلال، طهران، الطبعة الثانية، 1409 ه. 190 . شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك، لقاضي القضاة عبد اللّه بن عقيل الهمداني المصري (م 769 ه)، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الرابعة عشرة، 1384 ه _ 1964 م. شرح الإرشاد = غاية المراد 191 . شرح الأسماء الحسني، لملّا هادي السبزواري (م 1300 ه)، منشورات مكتبة بصيرتي، قم. 192 . شرح اُصول الكافي، للمولى محمّد صالح المازندراني (م 1081 ه)، تحقيق: الميرزا أبو الحسن الشعراني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الاُولى، 1421 ه _ 2000 م. شرح الرسالة، للسيّد المرتضى؛ لم أعثر عليه وحكيت عنه بالواسطة. 193 . شرح الرضي على الكافية، لمحمّد بن الحسن الإسترآبادي المعروف بالرضي (م 686 ه)، تحقيق: يوسف حسن عمر، مؤسّسة الصادق، طهران، 1395 ه _ 1975 م. 194 . شرح سنن النسائي، لعبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت. 195 . شرح السنة، للحسين بن مسعود البغوي (م 516 ه)، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه _ 1983 م. 196 . شرح الشافية، لمحمّد بن الحسن الإسترآبادي المعروف بالرضي (686 ه)، تحقيق: محمّد نور الحسن و محمّد الزفزاف و محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1395 ه _ 975 م. 197 . شرح صحيح مسلم، لمحيى الدين يحيى بن شرف النووي (م 676 ه)، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407 ه _ 1987 م. شرح الكافية = شرح الرضي على الكافية 198 . الشرح الكبير، لأبي البركات سيّدي أحمد الدردير (م 1302 ه)، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي و شركا. 199 . الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة (م 682 ه)، دار الكتاب العربي، بيروت. 200 . شرح كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ، لعبد الوّهاب (م قرن 6 ه)، تحقيق: مير جلال الدين الحسيني الاُرموي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1390 ه. 201 . شرح اللمعة الدمشقيّة، لمحمّد بن جمال الدين مكّي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (م 966 ه)، تحقيق: السيّد محمّد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينيّة، الطبعة الثانية، 1386 ه _ 1398 م. 202 . شرح مئة كلمة، لكمال الدين ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني (م 679 ه)، تحقيق: مير جلال الدين الحسيني الارموي المحدّث، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم. 203 . شرح معاني الآثار، لأحمد بن محمّد بن سلامة الطحاوي (م 321 ه)، تحقيق: محمّد زهري النجّار، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1416 ه _ 1996 م. 204 . شرح المقاصد، لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (م 791 ه)، دار المعارف النعمائية، پاكستان، الطبعة الاُولى، 1401 ه _ 1981 م. 205 . شرح نهج البلاغة لعبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي (م 656 ه)، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة الاُولى، 1378 ه _ 1959 م. 206 . الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي أبي الفضل عياض اليحصبي (م 544 ه)، دار الفكر، بيروت، 1409 ه _ 1988 م. 207 . صحاح اللغة، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطّار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407 ه _ 1987 م. 208 . صحيح البخاري، لمحمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه)، دار الفكر، بيروت، 1401 ه _ 1981 م. 209 . صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان، لأبي حاتم ابن حبّان (م 354 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1414 ه _ 1993 م. 210 . صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة (م 311 ه)، تحقيق: محمّد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1412 ه _ 1992 م. 211 . صحيح مسلم، لمسلم بن الحجّاج النيسابوري (م 261 ه)، دار الفكر، بيروت. 212 . الصراط المستقيم، لعليّ بن يونس البياضي العاملي (م 877 ه)، تحقيق: محمّد باقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء التراث الجعفريّة، الطبعة الاُولى، 1384 ه. 213 . الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمّد بن عمرو بن موسى بن حمّاد العقيلي (م 322 ه)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثانية، 1418 ه. 214 . طبقات أعلام الشيعة، للشيخ محمّد محسن المعروف بآغا بزرگ الطهراني (م 1389 ه)، منشورات مؤسّسة إسماعيليان، قم. 215 . طبقات الشافعية الكبرى، لعبد الوهّاب بن عليّ بن عبد الكافي السبكي (م 771 ه)، تحقيق: عبد الفتّاح محمود الحلو ومحمود محمّة الطناحي، دار إحياء الكتب العربيّة، بيروت. 216 . الطبقات الكبرى (= الطبقات الكبير)، لمحمّد بن سعد (م 230 ه)، دار صادر، بيروت. 217 . طبقات المدلّسين، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه)، تحقيق: عاصم بن عبد اللّه القريوني، مكتبة المنار، الطبعة الاُولى. 218 . طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، للسيّد علي أصغر بن محمّد شفيع الجابلقي البروجردي (م 1313 ه)، تحقيق: السيد محصدي الرجائي، مكتبة آية اللّه مرعشي، قم، الطبعة الاُولى، 1410 ه. 219 . العلل، لأحمد بن حنبل (م 241 ه)، تحقيق: وصيّ اللّه بن محمود عبّاس، دار الخاني، الرياض، الطبعة الاُولى، 1408 ه. 220 . علل الشرائع، لمحمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1385 ه _ 1966 م. 221 . عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، لأحمد بن عليّ الحسيني المعروف بابن عنبة (م 828 ه)، تحقيق: محمّد حسن آل الطالقاني، منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الطبعة الثانية، 380 ه _ 1961 م. 222 . عمدة القاري، لمحمود بن أحمد بدر الدين العيني (م 855 ه)، دار إحياء التراث العربى، بيروت. 223 . عون المعبود، شرح سنن أبي داود، لأبي الطيّب محمّد شمس الحقّ العظيم آبادي (م 1329 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 ه. 224 . عوالي اللآلي، لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م 880 ه)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، مطبعة سيّد الشهداء، قم، الطبعة الاُولى، 1403 ه _ 1983 م. 225 . العين، لخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة والطبعة الثانية، 1409 ه. 226 . عيون الأثر في فنون المغازي و الشمائل و السير، لمحمّد بن عبد اللّه بن يحيى المعروف بابن سيّد الناس (م 734 ه)، مؤسّسة عزّ الدين، بيروت، 1406 ه _ 1986 م. 227 . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، لمحمّد بن عليّ بن الحسين، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 1404 ه _ 1984 م. 228 . عيون الحكم و المواعظ، لمحمّد بن عليّ الليثي (قرن 6 ه)، تحقيق: حسين الحسني البيرجندي دار الحديث، قم، الطبعة الاُولى. 229 . غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، للشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (م 786 ه)، تحقيق: رضا مختاري، دفتر تبليغات إسلامي، قم، 1414 ه، الطبعة الاُولى. 230 . غريب الحديث، لأبي محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276 ه)، تحقيق: عبد اللّه الجبوري، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1408 ه. 231 . غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (م 234 ه)، تحقيق: محمّد عبد المعيد خان، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الاُولى، 1384 ه. 232 . غريب الحديث، لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (م 285 ه)، تحقيق: سليمان بن إبراهيم بن محمّد العاير، دار المدينة للطباعة والنشر و التوزيع، جدّة، الطبعة الاُولى، 1405 ه. 233 . غريب القرآن، لفخر الدين الطريحي (م 1085 ه)، تحقيق: محمّد كاظم الطريحي، انتشارات زاهدي، قم. 234 . غنية النزوع إلى علمي الاصول و الفروع، للسيّد حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي (م 585 ه)، تحقيق: إبراهيم البهادرى، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم، الطبعة الاُولى، 1417 ه. 235 . الغيبة، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: عباد اللّه الطهراني و أحمد علي ناصح، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاُولى، 1411 ه. 236 . الفائق في غريب الحديث، لجار اللّه محمود بن عمر الزمخشري (م 583 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الاُولى، 1417 ه _ 1996. 237 . فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لشهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه)، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية. 238 . فتح العزيز شرح الوجيز، لعبد الكريم بن محمّد الرافعي (م 623 ه)، دار الفكر، بيروت. 239 . فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني (م 1250 ه)، عالم الكتب، بيروت. 240 . فتح العين لشرح قرّة العين بمهمّات الدين، لزين الدين بن عبد العزيز المليياري الفناني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى، 1418 ه _ 1997 م. 241 . فتح الوهّاب بشرح منهج الطلّاب، لزكريّا بن محمّد الأنصاري (م 936 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطعبة الاُولى، 1418 ه _ 1998 م. 242 . الفتوحات المكيّة، لمحمّد بن عليّ المعروف بمحيي الدين ابن عربي (م 638 ه)، دار صادر، بيروت. 243 . الفصول في الاصول، لأحمد بن عليّ الرازي الجصّاص (م 370 ه)، تحقيق: عجيل جاسم النمشي، الطبعة الاُولى، 1405 ه. 244 . فضائل الأشهر الثلاثة، لمحمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، تحقيق: غلام رضا عرفانيان، دار المحجّة البيضاء، بيروت، الطبعة الثانية، 1412 ه _ 1992 م. 245 . فضائل الصحابة، لأحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت. 246 . فقه الرضا عليه السلام ، لعليّ بن الحسين ابن بابويه القمي (م 329 ه)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، مشهد المقدّسة، الطبعة الاُولى، 1406 ه. 247 . فقه السنّة، للسيّد السابق (معاصر)، دار الكتاب العربي، بيروت، فقه القرآن، لسعيد بن هبة اللّه المعروف بالقطب الراوندي (م 573 ه)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الثانية، 1405 ه. الفقيه = كتاب من لا يحضره الفقيه 248 . فلاح السائل، للسيّد رضي الدين عليّ بن موسى ابن طاووس (م 664 ه). 249 . فتاوحى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع و ترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش (معاصر). 250 . الفوائد الرجالية، للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم (م 1212 ه)، تحقيق: محمّد صادق بحر العلوم و حسين بحر العلوم، مكتبة الصادق، طهران، الطبعة الاُولى، 1363 ش. 251 . الفهرست، لأبي الفجر محمّد بن إسحاق النديم (م 438 ه)، تحقيق: رضا تجدّد. 252 . فهرستگان نسخه هاى خطّى حديث و علوم حديث شيعة، لعلي صدرايي خويي (معاصر)، دار الحديث، قم، الطبعة الاُولى، 1381 ش. الفيض القدسي = بحار الأنوار 253 . فيض القدير شرح الجامع الصغير، لمحمّد عبد الرؤوف المناوي (م 1031 ه)، تحقيق: أحمد عبد السلام، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1415 ه _ 1994 م. 254 . قاموس الرجال، للشيخ محمّد تقي التستري (م ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1419 ه. 255 . القاموس المحيط، لأبي طاهر محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي (م 817 ه). 256 . قرب الإسناد، لعبد اللّه بن جعفر الحميري (م 300 ه)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم، الطبعة الاُولى، 1413 ه. 257 . قصص العلماء، لمحمّد بن سليمان التنكابني (م 1263 ه)، منشورات العلميّة الإسلاميّة، طهران. 258 . القواعد و الفوائد، للشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (م 786 ه)، تحقيق: سيّد عبد الهادي الحكيم، مكتبة المفيد. 259 . قواعد الأحكام، للحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (م 726 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1413 ه. 260 . الكافي، لمحمّد بن يعقوب الكليني (م 329 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الخامسة، 1362 ه. 261 . الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه ابن عبد البرّ (م 463 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1407 ه. 262 . الكافي في الفقه، لأبي الصلاح الحلبي (م 374 ه)، تحقيق: رضا استادي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ، أصفهان. 263 . الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد عبد اللّه بن عدي الجرجاني (م 365 ه)، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1409 ه _ 1988 م. كتاب الاُم، للشافعي = الاُمّ 264 . كتاب الدعاء، لسليمان بن أحمد الطبراني (م 360 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطعبة الاُولى، 1413 ه. 265 . كتاب من لايحضره الفقيه ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامي . 266 . الكرام البررة، للشيخ محمّد محسن المعروف بآغا بزرگ الطهراني (م 1389 ه)، دار المرتضى للنشر، مشهد، الطبعة الثانية، 1404 ه. 267 . كشّاف القناع، لمنصور بن يونس البهوتي (م 1051 ه)، تحقيق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1418 ه _ 1997 م. 268 . الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لجار اللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (م 538 ه)، مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده، مصر، 1385 ه _ 1966 م. 269 . كشف الحجب و الأستار عن أسماء الكتب و الأسفار، للسيّد إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري (م 1240 ه)، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الثانية، 1409 ه. 270 . كشف الرموز في شرح المختصر النافع، للحسن بن أبي طالب بن أبي المجد المعروف بالفاضل الآبي (م 690ه)، تحقيق: الشيخ عليپناه الاشتهاردي والحاج آقا حسين اليزدي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1408 ه. 271 . كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون، لمصطفى بن حاج عبد اللّه المعروف بكاتب چلبي و حاج خليفة (م 1067 ه)، دار إحياء التراث العربى، بيروت. 272 . كشف اللثام عن قواعد الأحكام، لمحمّد بن الحسن الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (م 1137 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1416 ه. 273 . الكشف و البيان (= تفسير الثعلبي)، لأبي إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري (م 427 ه)، تحقيق: أبو محمّد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الاُولى، 1422 ه _ 2002 م. 274 . كفاية الأحكام، لمحمّد باقر السبزواري (م 1090 ه)، تحقيق: مرتضى الواعظي، الأراكي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى، 1423 ه. 275 . كنز العرفان في فقه القرآن، لجمال الدين المقداد بن عبد اللّه المعروف بالفاضل المقداد (م 826 ه)، الطبعة الاُولى، قم. 276 . كنز العمّال في سنن الأقوال و الأفعال، لعليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي (م 975 ه)، تحقيق: بكري حياتي و صفوة السقّا، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1409 ه _ 1989 م. 277 . كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد، للسيّد عميد الدين عبد المطّلب بن محمّد الحسيني (م 754 ه)، تصحيح: محيي الدين الواعظي و حاج كمال كاتب و جلال أسدي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاُولى 1416 ه. 278 . الكنى و الألقاب، للشيخ عبّاس بن محمّد رضا المعروف بالمحدّث القمّي (م 1359 ه)، مكتبة الصدر، طهران. الكواكب المنتثرة في القرن الثاني بعد العشرة = طبقات أعلام الشيعة 279 . لسان العرب، لمحمّد بن مكرّم المعروف بابن منظور (م 711 ه)، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الاُولى، 1408 ه _ 1988 م. 280 . لسان الميزان، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه)، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1390 ه _ 1971 م. 281 . اللمعة الدمشقية، لمحمّد بن جمال الدين مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (م 786 ه)، منشورات دار الفكر، قم، الطبعة الاُولى، 1411 ه. 282 . المبسوط، لأبي بكر محمّد بن أبي سهل السرخسي (م 483 ه)، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه _ 1986 م. 283 . المبسوط في فقه الإماميّة، لمحمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: محمّد تقي الكشفي، المكتبة المرتضويّة لإحياء التراث الجعفريّة، 1387 ه. 284 . مجلّة تراثنا، لمؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1416 ه. 285 . مجمع الآداب في معجم الألقاب، لعبد الرزّاق بن أحمد المعروف بابن الفوطي (م 723 ه)، تحقيق: محمّد الكاظم، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، الطبعة الاُولى، 1416 ه. 286 . مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين الطريحي (م 1085 ه)، تحقيق: السيد أحمد الحسينى، مكتب النشر الثقافية الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1408 ه _ 1367 ش. 287 . مجمع الجيوان في تفسير القرآن، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائين، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الاُولى، 1415 ه _ 1995 م. 288 . مجمع الرجال في معرفة أحوال الرجال، لعناية اللّه بن عليّ بن محمود القهپائي، (م بعد سنة 1019 ه)، مؤسّسة إسماعيليان، قم، 1364 ش. 289 . مجمع الزوائد، لنور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثمي (م 807 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408 ه _ 1988 ه. 290 . مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأزدهان، للمولى أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993 ه)، تحقيق: مجتبى العراقي، وعلي پناه الاشتهاردي و آغا حسين اليزدي الأصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم. 291 . مجمل اللغة، لأبي الحسن أحمد بن فارس (م ه)، منشورات معهد المخطوطات العربيّة، الكويت، الطبعة الاُولى، 1405 ه _ 1985 م. 292 . المجموع شرح المهذّب، لمحيى الدين أبي زكريّا بن شرف النووي (م 676 ه)، دار الفكر، بيروت. 293 . المحاسن، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 ه)، تحقيق: السيّد جلال الدين الحسيني المحدّث الاُرموي، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1370 ه _ 1330 ش. 294 . المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي بكر غالب بن عبد الرحمان المعروف بابن عطيّة (م 546 ه)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمّد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1413 ه _ 1993 م. 295 . المحصول في علم اُصول الفقه، لمحمّد بن عمر المعروف بفحر الدين الرازي (م 606 ه)، تحقيق: طه جابر فيّاض العلواني، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1412 ه. 296 . المحلّي، لعليّ بن أحمد بن سعيد ابن حزم الأندلسي (م 456 ه)، دار الفكر، بيروت. 297 . مختار الصحاح، لمحمّد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (م 721 ه)، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1415 ه _ 1994 م. 298 . مختصر المزني، لإسماعيل بن يحيى المزني (م 246 ه)، دار المعرفة، بيروت. 299 . مختصر المعاني، لسعد الدين التفتازاني (م 792 ه)، دار الفكر، قم، الطبعة الاُولى، 1411 ه. 300 . المختصر النافع، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (م 676 ه)، مؤسّسة البعثة، طهران، الطبعة الثالثة، 1410 ه. 301 . مختلف الشيعة، للحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (م 726 ه)، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1413 ه. 302 . مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، للسيّد محمّد بن عليّ الموسوي العاملي (م 1009 ه)، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم، الطبعة الاُولى، 1410 ه. 303 . المدوّنة الكبرى، لمالك بن أنس (م 179 ه)، برواية سحنون بن سعيد التنوخي (م 240 ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 304 . مرآة الأحوال جهان نما، لأحمد بن محمّد عليّ حفيد الوحيد البهبهاني (م 1235 ه)، مؤسّسة أنصاريان، قم، 1373 ش. 305 . مرآة الجنان، لعبد اللّه بن أسعد اليافعي (م 768 ه)، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1405 ه _ 1984 م. 306 . المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة، لأبي يعلي سلّار بن عبد العزيز الديلمي (م 448 ه)، تحقيق: السيّد محسن الحسيني الأميني، المعاونة الثقافية للمجمع العاملي لأهل البيت عليهم السلام ، 1414 ه. 307 . المسائل الصاغانية، لمحمّد بن محمّد بن النعمان، المعروف بالمفيد (م 413 ه)، تحقيق: السيّد محمّد القاضي، دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه. 1993 م. المسائل الناصريّات = الجوامع الفقهيّة 308 . مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة، لمحمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ه)، تحقيق: الشيخ مهدي نجف، دار المفيد للطباعة و النشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه _ 1993 م. 309 . مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، للشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي (م 965 ه)، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاُولى، 1413 ه. 310 . مستدركات أعيان الشيعة، للسيد حسن بن محسن الأمين (معاصر)، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1418 ه _ 1997 م. 311 . مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، للميرزا حسين النوري الطبرسي (م 1320 ه)، تحقيق و نشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الاُولى، 1408 ه _ 1987 م. 312 . المستصفى في علم الاُصول، لأبي حامد محمّد بن محمّد الغزالي (م 505 ه)، تصحيح: محمّد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1417 ه _ 1996 م. 313 . مسند أحمد، لأحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (م 241 ه)، دار صادر بيروت. 314 . مسند أبي الجعد، لعليّ بن الجعد بن عبيد الجوهري (م 230 ه)، رواية أبي القاسم عبد اللّه بن محمّد البغوي (م 317 ه)، مراجعة: عامر أحمد حيدر، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثانية، 1417 ه _ 1996 م. 315 . مسند الحميدي، لعبد اللّه بن الزبير الحميدي (م 219 ه)، تحقيق: حبيب الرحمان الأعظمي، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1409 ه _ 1988 م. 316 . مسند أبي حنيفة، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصبهاني (م 430 ه)، تحقيق: نظر محمّد الغاريابي، مكتبة الكوثر، الرياض، الطبعة الاُولى، 1415 ه _ 1994 م. 317 . مسند ابن راهويه، لإسحاق بن راهويه الحنظلي المروزي (م 238 ه)، تحقيق: عبد الغفور عبد الحقّ حسين برد البلوسي، مكتبة الإيمان، المدينة المنوّرة، الطبعة الاُولى، 1412 ه. 318 . مسند الشافعي، لمحمّد بن إدريس الشافعي (م 204 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت. 319 . مسند الشاميين، لسليمان بن أحمد الطبراني (م 360 ه)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1417 ه _ 1996 م. 320 . مسند الشهاب، للقاضي محمّد بن سلامة القضاعي (م 454 ه)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1405 ه _ 1985 م. 321 . مسند الطيالسي، لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الطيالسي (م 204 ه)، دار المعرفة، بيروت. مسند عبد بن حميد = منتخب مسند عبد بن حميد المسند للشافعي = مسند الشافعي 322 . مشاهير علماء الأمصار، لأبي حاتم محمّد بن حبّان بن أحمد التميمي البستي (م 354 ه)، تحقيق: مرزوق علي إبراهيم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الاُولى، 1411 ه. 323 . مشرق الشمسين و اكسير السعادتين (= مجمع النورين ومطلع النيّرين)، لمحمّد بن الحسين بن عبد الصمد المعروف بالشيخ البهائي (م 1031 ه)، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، الطبعة الحجريّة. المصباح، للسيّد المرتضى لم أعثر عليه و حكيت عنه بالواسطة. 324 . مصباح المتهجّد، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي م 460 ه، مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت، الطبعة الاُولى، 1411 ه _ 1991 م. 325 . المصنّف، لأبي بكر عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي (م 235 ه)، تحقيق: سعيد اللّحام، دار الفكر، بيروت، الطبعة الاُولى، 1409 _ 1989 م. 326 . المصنّف، لعبد الرزّاق بن همّام الصنعاني (م 211 ه)، تحقيق: حبيب الرحمان الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه _ 1983 م. 327 . معالم التنزيل (= تفسير البغوي)، للحسين بن مسعود البغوي (م 510 ه)، تحقيق: خالد عبد الرحمان العك، دار المعرفة، بيروت. 328 . معالم العلماء، لمحمّد بن عليّ السروي المعروف بابن شهر آشوب (م 588 ه)، مطبعة الحيدريّة، النجف، 1380 ه _ 1961 م. 329 . معاني الأخبار، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، تصحيح: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1379 ه 330 . المعتبر في شرح المختصر، لأبي القاسم جعفر بن الحسن، المعروف بالمحقّق الحلّي (م 676 ه)، تحقيق عدّة من الأفاضل، مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام ، قم، 1364. 331 . معجم الاُدباء، لياقوت الحموي (م 626 ه)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1400 ه _ 1980 م. 332 . المعجم الأوسط، لسليمان بن أحمد الطبراني (م 360 ه)، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، أبو معاذ طارق بن عوض بن محمّد وأبو الفصل عبد الحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، 1415 ه _ 1995 م. 333 . معجم البلدان، لياقوت بن عبد اللّه الحموي الروسي البغدادي (م 626 ه)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1399 ه _ 1979 م. 334 . معجم رجال الحديث، للسيّد أبي القاسم الموسوي الخوئي (م 1411 ه)، منشورات مدينة العلم، قم، الطبعة الخامسة. 335 . معجم الشيوخ، لمحمّد بن أحمد بن جميع الصيداوي (م 402 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، مؤسّسة الرسالة، دار الإيمان، الطبعة الثانية، 1407 ه _ 1987 م. 336 . المعجم الصغر، لسليمان بن أحمد الطبراني (م 360 ه)، دار الكتب العلميّة، بيروت. 337 . المعجم الكبير، لسليمان بن أحمد الطبراني (م 360 ه)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية. 338 . معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، للوزير أبي عبيد عبد اللّه بن عبد العزيز الكبري الأندلسي (م 487 ه)، تحقيق: مصطفى السقّا، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403 ه _ 1983 م. 339 . معجم المطبوعات العربيّة، ليوسف اليان سركيس (م 1351 ه)، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، 1410 ه. 340 . معجم مقائيس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمّد هارون، مكتبة الاعلام الإسلامي، قم، 1404 ه. 341 . معجم المؤلّفين، لعمر رضا كحّالة (معاصر)، مكتبة المثنّي و دار إحياء التراث العربي، بيروت. 342 . معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث ومن الضعفاء و ذكر مذاهبهم و أخبارهم، لأحمد بن عبد اللّه بن صالح العجلي (م 261 ه)، مكتبة الدار، المدينة المنوّرة، الطبعة الاُولى، 1405 ه. 343 . معرفة السنن و الآثار، لأبي بكر أحم دبن الحسين البيهقي (م 458 ه)، تحقيق: سيّد كسروي حسن، دار الكتب العلميّة، بيروت. 344 . معرفة علوم الحديث، لأبي عبد اللّه محم دبن عبد اللّه الحاكم النيسابوري (م 405 ه)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة والسيّد معظّم حسين، دار الآفاق، بيروت، الطبعة الرابعة، 1400 ه _ 1980 م. 345 . المغني، لعبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (م 620 ه_) ، دارالكتاب العربي ، بيروت . 346 . مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، لأبي محمّد عبداللّه بن يوسف بن أحمد بن عبداللّه بن هشام الأنصاري المصري (م 761 ه_) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبدالحميد ، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، قم ، 1404 ه_ . 347 . مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، للشيخ محمّد الشربيني الخطيب (م 977 ه_) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1377 ه_ _ 1958 م . 348 . مفتاح الفلاح في عمل اليوم والليلة من الواجبات والمستحبّات والآداب ، لمحمّد بن الحسين بن عبدالصمد المعروف بالشيخ البهائي (م 1031 ه_) ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت . 349 . مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة ، للسيّد محمّدجواد الحسيني العاملي (م 1226 ه_) ، تحقيق : محمّد باقر الخالصي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الاُولى ، 1419 ه_ . 350 . المفردات في غريب القرآن ، للحسين بن محمّد المعروف بالراغب الأصفهاني (م 502 ه_) ، دفتر نشر الكتاب ، الطبعة الثانية ، 1404 ه_ . 351 . مكارم الأخلاق ، لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي (م 548 ه_) ، منشورات الشريف الرضي ، قم ، الطبعة السادسة ، 1392 ه_ . 352 . المقنعة ، لمحمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ه_) ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410 ه_ . 353 . الملل والنحل ، لأبي الفتح محمّد بن عبدالكريم شهرستاني (م 548 ه_) ، تحقيق : محمّد سيّد گيلاني ، دارالمعرفة ، بيروت . 354 . منتخب مسند عبد بن حميد ، لعبد بن حميد الكشّي (م 249 ه_) ، تحقيق : صبحي البدري السامرائي ومحمود محمّد خليل الصعيدي ، عالم الكتب ومكتبة النهضة العربيّة ، الطبعة الاُولى ، 1408 ه_ _ 1988 م . 355 . المنتظم ، لأبي الفرج عبدالرحمان بن عليّ ابن الجوزي (م 597 ه_) ، تحقيق : محمّد عبدالقادر عطا و مصطفى عبدالقادر عطا ، دارالكتب العلميّة ، بيروت ، الطبعة الاُولى ، 1412 ه_ _ 1992 م . 356 . المنتقى من السنن المسندة ، لأبي محمّد عبداللّه بن الجارود (م 307 ه_) ، تحقيق : عبداللّه عمر البارودي ، دار الجنان ، بيروت ، الطبعة الاُولى ، 1408 ه_ _ 1988 م . 357 . منتقى الجمان ، للشيخ حسن بن زين الدين ، صاحب المعالم (م 1011 ه_) ، تصحيح : علي أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الاُولى ، 1362 ش . 358 . منتهى المطلب ، للحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (م 726 ه_) ، مؤسّسة البحوث الإسلاميّة ، مشهد ، الطبعة الاُولى 1412 والطبعة الحجريّة . 359 . موارد الظمآن ، لعليّ بن أبي بكر الهيثمي (م 807 ه_) ، تحقيق : حسن سليم أسد الداراني ، دارالثقافة العربى ، بيروت ، الطبعة الاُولى ، 1411 ه_ _ 1990 م . 360 . المواقف ، للقاضي عضدالدين الإيجي (م 756 ه_) ، تحقيق : عبدالرحمان عميرة ، دارالجيل ، بيروت ، الطبعة الاُولى ، 1417 ه_ _ 1997 م . 361 . مواهب الجليل ، لمحمّد بن محمّد بن عبدالرحمان المغربي المعروف بالحطّاب الرعيني (م 954 ه_) ، تحقيق : زكريّا عميران ، دارالكتب العلميّة ، بيروت ، الطبعة الاُولى ، 1416 ه_ _ 1995 م . 362 . موسوعة طبقات الفقهاء ، لجعفر بن محمّد حسن السبحاني التبريزي (معاصر) ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم ، 1418 ه_ . 363 . موسوعة مؤلّفي الإمامية ، لمجمع الفكر الإسلامى ، قم ، الطبعة الاُولى ، 1420 ه_ . 364 . الموطّأ ، لمالك بن أنس (م 179 ه_) ، تصحيح ، محمّد فؤاد عبدالباقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1406 ه_ _ 1985 م . 365 . المهذّب ، للقاضي عبدالعزيز بن البرّاج الطرابلسي (م 481 ه_) ، إعداد : مؤسّسة سيّد الشهداء قم ، مؤسّسة النشر الإسلامى ، 1406 ه_ . 366 . المهذّب البارع في شرح المختر النافع ، لأحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (م 841 ه_) ، تحقيق : مجتبى العراقى ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1407 ه_ . 367 . ناسخ الحديث والمنسوخه ، لعمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين (م 385 ه_) ، تحقيق : كريمة بنت علي . 368 . الناصريّات ، لعليّ بن الحسين بن موسى المعروف بالسيّد المرتضى (م 436 ه_) ، تحقيق : مركز البحوث والدراسات العلميّة ، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة ، 1417 ه_ _ 1997 م . 369 . نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية ، لجمال الدين الزيلعي (م 762 ه_) ، تحقيق : أيمن صالح شعبان ، دارالحديث ، القاهرة ، الطبعة الاُولى ، 1415 ه_ _ 1995 م . 370 . نقد الرجال ، للسيّد مصطفى بن الحسين الحسينيّ التفرشي (ق 11) ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الطبعة الاُولى ، 1418 ه_ . 371 . النهاية ، لمحمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه_) ، انتشارات قدس محمّدي ، قم . 372 . نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ، للحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (م 726 ه_) ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، مؤسّسة إسماعيليان ، قم ، الطبعة الرابعة ، 1364 ش . 373 . النهاية في غريب الحديث ، لمبارك بن محمّد بن محمّد المعروف بابن الأثير الجزري (م 606 ه_) . تحقيق : طاهر أحمد الزاوي و محمود محمّد الطناحي ، مؤسّسة إسماعيليان ، قم ، الطبعة الرابعة ، 1364 ش . 374 . نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار شرح منتقى الأخبار ، للقاضي محمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني (م 1255 ه_) ، دار الجيل ، بيروت ، 1973 م . 375 . الوافي بالوفيّات ، لصلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي (م 764 ه_) ، تحقيق : أحمد الأرنؤوط وتركي مصطفى ، دار إحياء التراث ، بيروت ، 1420 ه_ _ 2000 م . 376 . وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، لمحمّد بن الحسن العاملي المعروف بالشيخ الحرّ (م 1104 ه_) ، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، قم ، الطبعة الثانية ، 1414 ه_ . 377 . الوسيلة ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ الطوسي المعروف بابن حمزة (م 560 ه_) ، تحقيق : الشيخ محمّد الحسّون ، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، قم ، الطبعة الاُولى ، 1408 ه_ . 378 . وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، لأحمد بن محمّد بن أبي بكر المعروف بابن خلّكان (م 681 ه_) ، تحقيق : إحسان عبّاس ، دارالثقافة ، لبنان . 379 . الهداية في الاُصول والفروع ، لمحمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه_) ، مؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام ، قم ، الطبعة الاُولى ، 1418 ه_ . 380 . الهداية شرح بداية المبتدي ، لعليّ بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغياني (م 593 ه_) ، المكتبة الإسلاميّة . 381 . هدية العارفين ، أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين ، لإسماعيل پاشا البغدادي ، (م 1339 ه_) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

.

ص: 825

. .

ص: 826

. .

ص: 827

. .

ص: 828

. .

ص: 829

. .

ص: 830

. .

ص: 831

. .

ص: 832

. .

ص: 833

. .

ص: 834

. .

ص: 835

. .

ص: 836

. .

ص: 837

. .

ص: 838

. .

ص: 839

. .

ص: 840

. .

ص: 841

. .

ص: 842

. .

ص: 843

. .

ص: 844

. .

ص: 845

. .

ص: 846

. .

ص: 847

. .

ص: 848

. .

ص: 849

. .

ص: 850

. .

ص: 851

فهرس المطالب .

ص: 852

. .

ص: 853

. .

ص: 854

. .

ص: 855

. .

ص: 856

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.