الهدايا لشيعه ائمه الهدي : شرح اصول كافي

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الهدايا لشيعه ائمه الهدي : شرح اصول كافي/شرف الدين محمدمجذوب التبريزي ؛ تحقيق محمدحسين الدرايتي، غلام حسين القيصريه ها

مشخصات نشر : قم: دارالحديث، 1389.

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : (مركز بحوث دارالحديث؛186)

(مجموعه آثار الموتمر الدولي لذكري الشيخ ثقه الاسلام الكليني؛11)

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

يادداشت : چاپ دوم- ج.1

شماره كتابشناسي ملي : 2764459

ص: 1

المجلد 1

اشاره

مذكّرة أمين اللجنة العلمية للمؤتمركتاب الكافي الشريف، لمؤلّفه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله ، هو أهم وأفضل مؤلّفات الشيعة، ونظرا لما يتمتّع به من ميزات وخصائص جعلت منه كتابا لا نظير له، فقد صار محوراً لظهور وإنتاج قسم واسع من التراث الشيعي، وحظي على مرّ التاريخ باهتمام علماء الشيعة وقدّمت له شروح وتعليقات وترجمات كثيرة. وقد قامت روضة السيّد عبدالعظيم الحسني ومؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية بعقد المؤتمر الثالث من مؤتمراتها التي تدور حول محور «تكريم شخصيات مدينة الري وعلمائها» لتكريم ثقة الإسلام الكليني. والأهداف المتوخّاة من هذا التكريم هي: 1 . التعريف بالشخصية العلمية والمعنوية لثقة الإسلام الكليني. 2. نشر المعارف الحديثية لأهل البيت عليهم السلام . 3. تحقيق ودراسة تراث ثقة الإسلام الكليني. 4. معرفة منزلة وتأثير كتاب الكافي. وقد بدأت لجنة المؤتمر العلمية التخطيطَ العملي لهذا المؤتمر بعد إقامة مؤتمر تكريم أبي الفتوح الرازي في خريف 1427ق، وخطّطت للبرامج التالية: 1 . تصحيح وتحقيق المخطوطات المتعلّقة بكتاب الكافي، سواء كانت ترجمات أو شروح أو تعليقات أو غيرها. 2. فتح آفاق بحثية جديدة في مجال الكافي. 3. تجزئة وتحليل الانتقادات والأسئلة المتعلّقة بالكافي. 4. تقديم الطبعة المحقّقة من كتاب الكافي. 5. تنظيم المعلومات والآثار المكتوبة المتعلقة بالكليني والكافي وتقديمها في قالب أقراص DVD (الأقراص النورية المتعدّدة الأغراض). والذي توصّلت إليه اللجنة العلمية خلال سنتين ونيف من السعي هو نشر ما يلي تزامناً مع إقامة المؤتمر: أولاً: نسخة الكافي المحقّقة. ثانياً: شروح الكافي والتعليقات عليه. ثالثاً: مجموعة الآثار التي أنتجها المؤتمر. رابعاً: الأعداد الخاصّة من المجلّات. خامساً: نشرة أخبار المؤتمر. سادساً: أقراص ال_DVD (الأقراص النورية المتعدّدة الأغراض). وسنلقي فيما يلي نظرة عابرة إلى هذه العناوين الستّة:

.

ص: 2

أولاً: الكافيسيتمّ طبع الكافي طبعة جديدة بعد مقابلته مع المخطوطات القديمة والموثوق بها وبعد التشكيل بالحركات أيضاً، مع تعليقات بهدف رفع الإشكال عن بعض الإسنادات، وبعض الإيضاحات ذات العلاقة بفقه الحديث.

ثانياً: شروح الكافي وتعليقاتهكتب الكثير من الشروح والتعليقات على كتاب الكافي ولم يطبع منها سوى القليل، وقد سعت اللجنة العلمية لأن تحدّد هذه الشروح والتعليقات، وأن تأخذ على عاتقها تحقيقها وعرضها، وسيتمّ تحقيق الكتب التالية وطباعتها وإعدادها لإقامة المؤتمر: 1. الشافي في شرح الكافي، الملّا خليل بن غازي القزويني، (ت 1089ق) مجلّدان. 2. صافى در شرح كافى (الصافي في شرح الكافي) الملّا خليل بن غازي القزويني (ت 1089ق) مجلّدان. 3. الحاشية على اُصول الكافي، الملّا محمد أمين الاسترآبادي (ت 1036ق) مجلّد واحد. 4. الحاشية على اُصول الكافي، السيّد أحمد العلوي العاملي (كان حيّا سنة 1050ق) مجلّد واحد. 5. الحاشية على اُصول الكافي، السيّد بدر الدين الحسيني العاملي (كان حيّا سنة 1060ق) مجلّد واحد. 6. الكشف الوافي في شرح اُصول الكافي، محمد هادي بن محمد معين الدين آصف الشيرازي (ت 1081ق) مجلّد واحد. 7. الحاشية على اُصول الكافي، الميرزا رفيعا (ت 1082ق) مجلّد واحد. 8. الهدايا لشيعة أئمة الهدى (شرح اُصول الكافي) ، الميرزا محمّد مجذوب التبريزي (ت 1093 ق) مجلّدان. 9. الذريعة إلى حافظ الشريعة (شرح اُصول الكافي) ، رفيع الدين محمد بن محمد مؤمن الگيلاني (القرن 11ق) مجلّدان 10 و 11. الدرّ المنظوم، الشيخ علي الكبير (ت 1104ق) والحاشية على اُصول الكافي، الشيخ علي الصغير (القرن 12ق) مجلّد واحد. 12. تحفة الأولياء (ترجمة اُصول الكافي) ، محمد علي بن محمد حسن الفاضل النحوي الأردكاني (كان حياً في 1237ق) 4 مجلّدات. 13. شرح فروع الكافي، محمد هادي بن محمد صالح المازندراني (ت 1120ق) 5 مجلّدات. 14. البضاعة المزجاة (شرح روضة الكافي) ، محمد حسين بن القارياغدي (ت 1089ق) مجلّدان. 15. منهج اليقين (شرح وصية الإمام الصادق للشيعة) ، السيّد علاء الدين محمد گلستانة (ت 1110ق) مجلّد واحد. 16. مجموعة الرسائل في شرح أحاديث الكافي، مجلّدان.

.

ص: 3

ثالثاً: مجموعة الآثار التي أنتجها المؤتمرالمراد من هذا العنوان الآثار التي أنتجتها اللجنة العلمية، وسيتمّ تقديم الآثار التالية في هذا المجال: 1. حياة الشيخ الكليني، ثامر العميدي، مجلّد واحد. 2. توضيح الأسناد المشكلة في الكتب الأربعة أسناد الكافي ، السيّد محمد جواد الشبيري ، مجلّدان . 3. العنعنة من صيغ الأداء للحديث الشريف في الكافي، السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي، مجلّد واحد. 4. كافى پژوهى در عرصه نسخه هاى خطى (دراسات في الكافي وفق النسخ الخطيّة) ، علي صدرائي الخوئي، السيّد صادق الأشكوري، مجلّد واحد. 5. كتاب شناسى كلينى و كتاب الكافى (ببلوغرافيا الكليني وكتابه الكافي) ، محمد قنبري ، مجلّد واحد . 6. شناخت نامه كلينى والكافي (معلومات متناثرة حول الكليني والكافي) محمد قنبري ، 4 مجلّدات . 7. كافى پژوهى (تقرير عن الأطروحات ورسائل التخرج المتعلقة بالكليني والكافي) ، السيّد محمد علي أيازي، مجلّد واحد. 8 . مجموعه مقالات همايش (مجموعة مقالات المؤتمر) مجموعة من الباحثين، 7 مجلّدات. 9 . مصاحبه ها و ميزگردها (الحوارات) ، مجلّد واحد.

.

ص: 4

رابعاً: الأعداد الخاصة من المجلّاتسوف تصدر كلّ من مجلّة آينه پژوهش، سفينه، علوم الحديث والبعض الآخر من النشريات، أعداداً خاصة تزامناً مع إقامة المؤتمر.

خامسا: نشرة أخبار المؤتمرسيتمّ طبع أربعة أعداد من نشرة أخبار المؤتمر التي تقوم بمهمّة الإعلام قبل المؤتمر حتى زمان انعقاده.

سادساً. أقراص ال_ DVDسوف يتمّ تقديم البرنامج الألكتروني لمجموعة آثار المؤتمر، مع بعض مخطوطات الكافي، وكذلك الشروح والتعليقات والترجمات المطبوعة لكتاب الكافي في قالب أقراص DVD. *** وفي الختام نقدم شكرنا إلى جميع المثقّفين والمفكّرين، والمنظّمات والمؤسّسات العلمية البحثية، التي أسهمت في تحقيق النتائج المرجوّة من هذا المؤتمر، خاصة: سادن روضة السيّد عبدالعظيم عليه السلام ورئيس مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية، سماحة آية اللّه محمد الرَّيشَهري، اللجنة العليا لتعيين أهداف المؤتمر، اللجنة العلمية للمؤتمر، لجنة العلاقات الدولية، اللجنة التنفيذية، مؤسسة البحوث الإسلامية التابعة للروضة الرضوية المقدسة، مركز البحوث الكومبيوترية للعلوم الإسلامية، المدراء العامّين في روضة السيّد عبد العظيم عليه السلام ، المدراء والباحثين في مؤسسة علوم الحديث ومعارفه، المسؤولين، الأساتذة والطلاب في كلية علوم الحديث، المسؤولين والعاملين في دار النشر التابعة لدار الحديث. مهدي المهريزي الأمين العام للجنة العلمية 1429 ق

.

ص: 5

تصدير

تصديرلا يزال الكافي يحتلّ الصدارة الاُولى من بين الكتب الحديثيّة عند الشيعة الإماميّة ، وهو المصدر الأساس الذي لا تنضب مناهله ولا يملّ منه طالبه ، وهو المرجع الذي لا يستغني عنه الفقيه ، ولا العالم ، ولا المعلّم ، ولا المتعلّم ، ولا الخطيب ، ولا الأديب . فقد جمع بين دفّتيه جميع الفنون والعلوم الإلهيّة ، واحتوى على الاُصول والفروع . فمنذ أحد عشر قرنا وإلى الآن اتّكأ الفقه الشيعي الإمامي على هذا المصدر؛ لما فيه من تراث أهل البيت عليهم السلام ، وهو أوّل كتاب جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب . وبعد ظهور الكافي اضمحلّت حاجة الشيعة إلى الاُصول الأربعمائة ، لوجود مادّتها مرتّبة مبوّبة في ذلك الكتاب . ومن عناية الشيعة الإمامية بهذا الكتاب واهتمامهم به أنّهم شرحوه أكثر من عشرين مرّة ، وتركوا ثلاثين حاشية عليه ، ودرسوا بعض اُموره ، وترجموه إلى غير العربية ، ووضعوا لأحاديثه من الفهارس ما يزيد على عشرات الكتب ، وبلغت مخطوطاته في المكتبات ما يبلغ على ألف وخمسمائة نسخة خطّيّة ، وطبعوه ما يزيد على العشرين طبعة . ومن المؤسف أنّ الكافي وشروحه وحواشيه لم تحقّق تحقيقا جامعا لائقا بها ، مبتنيا على اُسلوب التحقيق الجديد . على أنّ كثيرا من شروحه وحواشيه لم تطبع إلى الآن وبقيت مخطوطات على رفوف المكتبات العامّة والخاصّة ، بعيدة عن أيدي الباحثين والطالبين. هذا ، وقد تصدّى قسم إحياء التراث في مركز بحوث دار الحديث تحقيق كتاب الكافي ، وأيضا تصدّى في جنبه تحقيق جميع شروحه وحواشيه _ وفي مقدّمها ما لم يطبع _ على نحو التسلسل. ومنها هذا الشرح الذي بين يديك، وهو شرح مسهب لكتاب الكافي ، لمؤلّفه محمد مجذوب التبريزي، والذي اختلف المصادر في أوصافه وعناوينه رغم الاتّفاق على اسمه ولقبه، والمعروف عنه أنّه كان شاعرا مجيدا . وهو أحد تلامذة المولى خليل القزويني وقد تأثّره بأفكاره، وكان متأثرا أيضا بالمولى محمّد أمين الاسترآبادي والسيّد حسن القائني، وكان كثيرا مّا ينقل عن شروحهم ويعتمد عليها، كما أنّه ينقل عن حاشية الميرزا النائيني مرارا وتكرارا، وهكذا نراه ينقل بعض كلمات ملا صدرا والمرحوم الفيض الكاشاني ، ويردّها تارة ويعتمدها اُخرى. وقد جاء هذا الشرح على شكل عناوين مرتّبة بصورة : «هدية»، «هدية» بعد ذكر كلّ حديث من أحاديث الكافي، وهو شرح تناوله فيه كتاب الكافي بكامله على ما ذكره في مقدّمة الكتاب، وقد شخّصت بعض نسخه الخطّية إلّا أنّ أكثرها لا زال مجهولاً والذي وصل إلينا لحد الآن هو شرحه على كتاب العقل وفضل العلم وكتاب التوحيد وكتاب الحجّة، وهو ما قمنا بتحقيقه وتصحيحه، وسنقوم - إن شاء اللّه - بتحقيق ما وصل إلينا بالترتيب، كما ونسعى للحصول على بقيّة النسخ كي نصل إلى تحقيق الكتاب بكامله إن شاء اللّه . وبهذا يفتخر مركز بحوث دار الحديث بتقديم هذه الخدمة الجليلة لروّاد العلم، ويقدّم هذا الكتاب هديّة متواضعة لمكتبة أهل البيت عليهم السلام ، راجيا أن يجعل اللّه هذا الجهد ذخرا لجميع العاملين فيه في تلك الدار الدائمة الأبديّة التي لا ينفع فيها مال و لا بنون، إنّه سميع مجيب. قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث

.

ص: 6

. .

ص: 7

مقدّمة التحقيق

المؤلّف: اسمه ونسبه

مقدّمة التّحقيقالمؤلّف: اسمه ونسبهالذي اتفقت عليه المصادر هو أن اسمه محمّد مجذوب التبريزي، وأما بقية أوصافه وعناوينه فقد اختلفت المصادر فيما بينها، فقد ذكرت له الأسماء والأوصاف التالية: «حاجي محمّد بن محمّد التبريزي»؛ مقدّمة روضة الأذكار و رياض الزاهدين. «المولى الميرزا محمّد مجذوب تخلّص»؛ قصص الخاقاني. «الميرزا محمّد مجذوب تخلص التبريزي»؛ تذكرة النصرآبادي. «المولى الميرزا محمّد التبريزي المعروف بالمجذوب»؛ رياض العلماء. كما كتب في أوّل نسخة لكتاب الهدايا ما نصّه: «المجلّد الثالث من كتاب الهدايا و سرّ من رأى، تأليف مولى الفضلاء الميرزا محمّد المشتهر بمجذوب التبريزي، دام ظلّه و أيّام إفاداته». (1) فهذه المصادر الخمسة ذكرت عنوان «مجذوب» واسم أبيه وألقابه، فالأوّل والثاني منهما من تعبير مجذوب نفسه، والثلاثة التالية هي تعابير معاصريه. و لكن ذكر محمّد عليّ خان تربيت في دانشمندان آذربايجان أنّ لقبه «شرف الدين»، و اسم أبيه «محمّد رضا»، فقال : «شرف الدين الميرزا محمّد بن محمّد رضا تبريزي مجذوب»، إلاّ أنه _ و للأسف الشديد _ لم يسند ما ذكره إلى شيء من المصادر، والمصادر القديمة لا تؤيّد ما ذكره. ثمّ تسرب هذا اللقب والاسم من هذا الكتاب إلى كتب اُخرى لاحقة. (2) وقد تردّد المدرس التبريزي في ريحانة الأدب في اسمه بين «محمّد» و «محمّدرضا». (3) جدير بالذكر أنّ مجذوب له ولد يدعى «الميرزا محمّد رضا» هو الذي كتب «إتمام الحجّة» للسلطان حسين الصفوي، و للميرزا محمّد رضا ولد يدعى «الميرزا محمّد»، توجد بخطّه كتابة على ظهر نسخة من كتاب «إتمام الحجّة» تأريخها سنة 1125 ق، والذي يظهر أنّ لقب «شرف الدين» الذي ذكره محمّد علي خان تربيت متعلّق به، فاسمه «محمّد بن محمّد رضا بن محمّد مجذوب التبريزي» ويلقّب بشرف الدين، و اسم والد مجذوب هو محمّد، كما ذكر هو ذلك في مقدّمة كتاب «رياض الزاهدين».

.


1- . الذريعة، ج 25، ص 161.
2- . اُنظر على سبيل المثال كتاب الذريعة حيث ذكره بعنوان «شرف الدين ميرزا محمّد بن محمّد رضا التبريزي المتخلّص بمجذوب» (الذريعة، ج 9، ص 963).
3- . عبارة ريحانة الأدب (ج 5، ص 188) هي كالتالي: «ميرزا محمّد أو ميرزا محمّد رضا بن محمّد التبريزي».

ص: 8

أحواله الظاهرية

أحواله الظاهريةلا توجد معلومات وافية فيما يتعلّق بحياته، و إنّما تنحصر معلوماتنا حوله فيما ذكره النصرآبادي و ولي قلي شاملو من معاصريه، مضافاً للمعلومات التي يمكن الحصول عليها من مؤلّفاته. وعلى أساس المعلومات المذكورة فإنّه كان مشهورا بالشعر، و كان يتخلّص في أشعاره باسم «مجذوب»، و قد تبع في اُسلوبه اُسلوب الشاعر «حافظ الشيرازي». كما أنّه كان في تبريز مدرّسا لطلّابها، وقد حضر الفضلاء مجلس درسه. وذكر في «رياض العلماء» أنّه من تلاميذ المولى خليل بن غازي القزويني، إلاّ أنه لم يذكر عن حياته شيئاً آخر. والكتب المذكورة له في المصادر المدوّنة في عصر مجذوب هي جميعاً منظومة، و لا نثر فيها. وقيل في شأن مجذوب: إنّه شاعر صوفيّ المسلك إلاّ أنه يراعي ويحافظ على اُصول المذهب، وسافر لحجّ بيت اللّه الحرام مرّتين، كما زار العتبات المقدّسة في النجف و كربلاء، وله مدائح في أهل البيت عليهم السلام . و يظهر من مؤلّفاته تأثّره بالصوفيّة والفلاسفة، و هي لا تنسجم مع مسلكه الأدبي الشعري . إلاّ أن هذا الاستبعاد قد لا يكون في محلّه للأمور التالية: 1. هو من تلاميذ المولى خليل القزويني، و هو من علماء عصره الأخباريّين. 2. أنّ النصر آبادي و ولي قلي شاملو اللذين كتبا عن حياته ركزوا على كونه شاعرا، و لهذا فإنّهم ذكروا كتبه المنظومة. 3. يمكن أن نستنبط من لقب «مدرس الطلاب في تبريز» الذي وصفه به النصرآبادي أنّه كان كثيراً ما يزاول الكتب الدينيّة والمذهبيّة. 4. توجد على بعض كتب الأخبار حواشٍ عليها توقيعه بعنوان «مجذوب» و «مجذوب سلمه اللّه »، و هي شاهدة على اهتمامه بالحديث. عاش مجذوب في تبريز فترة طويلة اشتغل خلالها بالتدريس، ثمّ سافر إلى قزوين سنة 1085 ق للقاء السلطان سليمان الصفوي، فنصبه السلطان مدرّسا في مدينة شماخي، فسافر إليها مجذوب، و اشتغل بالتدريس فيها، و خلال تلك الفترة لخّص كتاب «روضة الأذكار» و سمّاه «رياض الزاهدين»، وهو آخر ما نعرفه عن مجذوب، و قد ألّفه سنة 1089 ق . ولا توجد عندنا معلومات عن مجذوب بعد هذا التأريخ، ولا نعلم هل أنّه رجع إلى تبريز أم بقي في شماخي.

.

ص: 9

وفاته

وفاتهبعد أربع سنوات من تأليف كتاب «رياض الزاهدين» رحل مجذوب عن هذه الدنيا وذلك في عام 1093 ق، و نحن مدينون للسيّد حسين النخجواني في معرفة تأريخ وفاة مجذوب. فذكر النخجواني في «مواد التواريخ» في مادّة تأريخ مجذوب الأبيات التالية: مجذوب از آن رفت به صد خوشحاليدر باغ نعيم بوده جايش خالي تاريخ وفاتش از خرد پرسيدمگفتا آسود در بهشت عالي (1) وفيما يتعلّق بمحلّ دفنه لم نجد شيئاً في المصادر، كما لم يبدِ أحداً رأيه في هذا المجال.

.


1- . مواد التواريخ، ص 382.

ص: 10

مكتبة مجذوب

تقويم حياة مجذوب

مكتبة مجذوبكان لمجذوب في تبريز مكتبة شخصية، كتب همايونفرخ حول هذه المكتبة قائلاً: كتابخانه مجذوب تبريزى: شرف الدين محمّدرضا تبريزى متخلص به مجذوب از علما و شعراى عارف قرن يازدهم است كه محضرش پيوسته مجمع طالب علمان و دانش پژوهان بوده است. در منزلش كه به صورت خانقاه در تبريز دائر بوده كتابخانه اى فراهم آورده بود كه مورد استفاده طالب علمان قرار مى گرفته. مثنوى معروف به شاهراه نجات از اوست كه به سال 1063 سروده است. كتاب هايى از كتابخانه متعلق به كتابخانه مجذوب تبريزى در كتابخانه مجلس شوراى ملى موجود است. (1) و كما تقدم آنفاً فإنّ ما ذكره همايونفرخ من اسم مجذوب ليس صحيحاً، و اسمه الصحيح هو محمّد.

تقويم حياة مجذوببناء على ما في أيدينا من معلومات حول حياة مجذوب فإنّه يمكننا إبداء التقويم التاريخي لنشاطاته كالتالي: سنة 1063 ق أتمّ جمع ديوان شعره. سنة 1067 ق أتمّ تأليف كتاب مثنوي شاهراه نجات. سنة 1081 ق أتمّ تأليف كتاب روضة الأذكار. سنة 1083 ق (شهر رمضان) أتمّ شرح كتاب الحجّة من كتاب الهدايا. سنة 1085 ق السفر إلى شماخي بهدف التدريس. سنة 1088 ق أتمّ تأليف كتاب التأييدات. سنة 1089 ق أتمّ تأليف كتاب رياض الزاهدين. سنة 1093 ق رحيله عن عالم الدنيا.

.


1- . كتاب و كتابخانه هاى شاهنشاهى ايران از صدر اسلام تا عصر كنونى، ركن الدين همايونفرخ، ج 2، ص 153.

ص: 11

أساتذته

مجذوب من منظار المعاصرين وأصحاب التراجم والسير

أساتذتهبما أنّ مجذوب من معاصري العلّامة المجلسي قدس سره فيحتمل قويّا أن يكون بعض مشايخ المجلسي هم من مشايخه أيضا، إلّا أنّ الذي صرّح بكونه من مشايخه هو المولى خليل بن غازي القزويني (1089 ق). فذكر الأفندي في رياض العلماء (1) ضمن بيانه لحياة المولى خليل بن غازي أنّ مجذوب هو أحد تلاميذه. مضافا إلى ذلك فإنّ مجذوب قد نقل عن المولى خليل القزويني في كتاب الهدايا وعبّر عنه بأستاذه. وصرّح أيضا في هذا الكتاب بأن الاسترادي أيضا من أساتذته وقال: «سمعت استاذي الفاضل المحقق ميرزا محمد الاسترابادي». كما نقل كثيرا في الهدايا عن السيد حسن القائني وصرّح في مورد هكذا: «سمعت السيد السند أمير حسن القائني» و هذه العبارة تشهد بأنّه كان من مشايخه أيضا. كما يظهر ممّا كتبه مجذوب في كتاب روضة الأذكار _ والذي يدور حول فضائل دعاء التوسّل _ أنّ المولى أحمد الساوجي كان من أساتذته أيضا. (2)

مجذوب من منظار المعاصرين وأصحاب التراجم والسيركتب ولي قلي بن داود قلي شاملو المعاصر لمجذوب ما يلي: از اين گروه صاحب شكوه _ شاعران عهد شاه عباس صفوى _ كه گنجينه شعور را دربسته به تصرّف حسن به زيور جگر گوشه هاى خانواده فكر داده اند خدّام ملا ميرزا محمّد مجذوب تخلص است كه به همت جذبه مغناطيس شوق جواهر معانى رنگين را در مدح حضرات ائمّه معصومين به رشته نظم كشيده و از اين راه طالب شاهراه نجات گرديده است. مشار اليه، تبريزى الاصل و در فنّ شاعرى، زبر دست است. از خوان احسان فضيلت، بهره اى تمام دارد. از بسيارى فصاحت و بلاغت، عندليب غزلسراى گلستان بوستان نظم و نثر شده، در غزل خود را تابع خواجه حافظ شيرازى مى داند. مثنويى دارد موسوم به شاهراه نجات، موازى سه هزار بيت. اين بيت از جمله مثنوى مذكور است: نجف است اين دگر چه مى پرسى؟عرش اينجا نشسته بر كرسى ابيات مدوّن او از ده هزار بيشتر است. از جمله اشعارش اين چند بيت است كه نوشته مى شود: آسمان را سجده خاك درت مدهوش كردروز و شب را شوق اين در، كربلايى پوش كرد (3) كما أنّ محمّد طاهر النصرآبادي الأصفهاني _ والذي كتب تذكرته في 1083 حتّى 1112 ق _ كتب حول مجذوب قائلاً: ميرزا محمّد، مجذوب تخلص تبريزى، طالب علم خوبيست در كمال وسعت مشرب و اهليت، ذوق تصوفش بى نهايت است و طلبه تبريز هر روز از مدرسش فيض مى برند. مثنوى دارد مسمى به شاهراه نجات و تاريخى گفته جهت اتمام آن مثنوى كه بيت تاريخش اين است: بهر تاريخش آنكه دُرها سفتشاهراه نجات دل ها گفت (4) ثمّ ذكر نماذج من أشعار مجذوب، ستأتي تباعاً في نماذج من شعره. وذكر الميرزا عبد اللّه الأفندي في رياض العلماء ضمن بيانه لحياة المولى خليل القزويني (المتوفّى 1089 ق) فذكر أثناء بيان تلاميذه : «وكان له طلّاب فضلاء، أفردت بعضهم بترجمة خاصّة» ثم ذكر عدداً من الذين لم يفردهم بتراجم خاصّة ومن جملتهم مجذوب، فذكره كالتالي: «والمولى الميرزا محمّد التبريزي المعروف بالمجذوب». (5) وكتب اسماعيل باشا البغدادي في «إيضاح المكنون» بيليوغرافيا لكتاب «شاهراه نجات» (6) الذي هو من تآليف مجذوب، كما كتب حوله في كتاب «هدية العارفين» ما يلي: مجذوب التبريزى: ميرزا محمّد التبريزي الصوفي الشاعر المتخلّص بمجذوب، المتوفّى سنة... (7) بعد الألف. له ديوان شعر فارسي. شاهراه نجات منظومة فارسية في الطريقة والسلوك. (8) كما كتب شمس الدين السامي في كتابه قاموس الأعلام (9) حول مجذوب قائلاً: مجذوب: ميرزا محمّد، تبريزلى اولوب، صوفى مشرب و عالم بر شاعر ايدى. اون برنجى قرن هجريده يا شامشدر. شاهراه نجات عنوانيله بير منظومسى واردُر. شو بيت جمله اشعار ندر: ترك ديوانگى از طعنه مردم نكنمشهر گر تنگ بود دامن صحرايى هست (10) وكتب محمّد علي تربيت في دانشمندان آذربايجان حول مجذوب ما يلي: شرف الدين ميرزا محمّد بن محمّد رضا تبريزى مجذوب: از علماى معروف قرن يازدهم هجرى است در وسعت مشرب و سلوك و كثرت ذوق تصوف بر كمال بوده، طالب تبريز هر روز در حلقه درس وى از بيانات شيرين وى فيض ها مى برده اند، غزليات و مثنويات سليس و روانى منظوم فرموده اند، تأليف ديوانش در تاريخ 1063 خاتمه پذيرفته و سه مثنوى هم در بحور خفيف و رمل و متقارب گفته است. گره بسته اى داشت طفلى به دستبيفكند و اندر كمينش نشست روان طفل ديگر ربودش ز جاچو بگشود در وى نبد جز هوا گره بسته دنيا و طفل آن دنى استبگويش كه چيزى در آن بسته نيست ثمّ ذكر ثلاثة أبيات شعرية كنموذج لأشعار مجذوب، كما ذكر له من المؤلّفات كتاب «شاهراه نجات» و كتاب «التأيدات»، ثمّ نبّه على أنّ مجذوب المذكور هو غير الحاج محمّد جعفر خان القراگوزلو الملقّب بمجذوب علي شاه. 11 وذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب طبقات أعلام الشيعة مجذوب وابنه في ثلاث مواضع، وخلط بين حياتيهما، (11) كما ذكر مؤلّفاته في كتابه الذريعة في مواضع عديدة. (12)

.


1- . رياض العلماء، ميرزا عبد اللّه الأفندي، ج 2، ص 263.
2- . فهرست كتب خطى كتابخانه مركزى و مركز اسناد آستان قدس رضوى، ج 15، محمد وفادار مرادى، ص 223.
3- . قصص الخاقانى، ولى قلى بن داود قلى شاملو، ج 2، ص 73.
4- . تذكره شعرا، محمّد طاهر نصرآبادى اصفهانى، ص 192 _ 193.
5- . رياض العلماء، ميرزا عبد اللّه الأفندي، ج 2، ص 263.
6- . ايضاح المكنون، اسماعيل باشا البغدادي، ج 2 ، ص 39.
7- . في المصدر بياض.
8- . هدية العارفين، اسماعيل پاشا بغدادى، ج 2، ص 268.
9- . قاموس الأعلام، شمس الدين السامي، ج 6، ص 4169.
10- . قاموس الأعلام، شمس الدين سامى، ج 6، ص 4169.
11- . طبقات أعلام الشيعة، الشيخ آغا بزرگ الطهراني (القرن 11)، ص 502 تحت عنوان «محمّد التبريزي : شرف الدين بن محمّد رضا» و (القرن 12)، ص 263 ج 264 تحت عنوان «محمّد رضا التبريزي بن محمّد مجذوب» وعد «روضة الاذكار» و «مناسك الحج» و «المزار» من مؤلفاته، و ص 649 تحت عنوان «محمّد التبريزي المعروف بشرف الدين مجذوب».
12- . الذريعة، ج 7، ص 155 و ج 9، ص 963، و ج 11، ص 287، و ج 20، ص 321، و ج 22، ص 273.

ص: 12

. .

ص: 13

. .

ص: 14

المصادر الاُخرىمضافاً للمصادر المتقدّمة فقد ورد ذكر مجذوب في مصادر اُخرى أيضا، وهي في الغالب تكرار للمذكور في المصادر السابقة، والمصادر التي ذكرته هي بحسب الترتيب الألفبائي كالتالي: أثر آفرينان _ وهو لبيان حياة الشخصيّات العلميّة الإيرانيّة حتّى عام 1300 ش _ تحت إشراف عبد الحسين نوايي، ج 5، ص 127. تأريخ أدبيّات، ذبيح اللّه صفا، ج 5، ص 1316 _ 1320. تذكره پيمانه، أحمد گلچين معاني، ص 465 _ 472. خاتمة مرآة جهان نما، محمّد بقاي سهار نبوري (مخطوطة)، الورقة 116. (1) دانشمندان آذربايجان، محمّد علي تربيت، ص 326 _ 327. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الشيخ آغا بزرك الطهراني، ج 9 ص 963 _ 964. رياض الشعراء، علي قلي خان واله داغستاني (مخطوطة)، الورقة 387. (2) رياض العارفين، رضا قلي خان هدايت، ص 135. رياض العلماء، الميرزا عبد اللّه الأفندي، ج 2، ص 263. ريحانة الأدب، الميرزا محمّد علي المدرس التبريزي، ج 5 ، ص 188. سخنوران آذربايجان، عزيز الدولت آبادي، ص 641. طبقات أعلام الشيعة، الشيخ آغا بزرك الطهراني (القرن 11)، ص 263 و 502، و (القرن 12) ص 649. صبح گلشن، السيّد علي حسن خان صاحب بهادر الحسيني القنوجي البخاري، ص 363 _ 364. صحف إبراهيم، علي إبراهيم خان المتخلّص بخليل (مخطوطة) الورقة 283. (3) فرهنگ بزرگان اسلام وايران، آذر تفضّلي و مهين فضائلي جوان، ص 584. فرهنگ سخنوران، عبد الرسول خيام بور، ص 510. فهرست مشترك نسخه هاي خطّي، أحمد منزوي، ج 8 ص 1661. فهرست نسخه هاي خطّي كتابخانه دانشگاه طهران، محمّد تقي دانش پژوه، ج 2، ص 68 _ 69. فهرست نسخه هاي خطّي كتابخانه مجلس شوراي اسلامي، المجلّد 3، ابن يوسف الشيرازي، ص 638 _ 639. قاموس الأعلام، شمس الدين السامي، ج 6، ص 4169. قصص الخاقاني، ولي قلي بن داود قلي شاملو، ج 2، ص 73. لغت نامه دهخدا، تحت عنوان «مجذوب تبريزي». مدرس شاه سليمان صفوي در شهر شماخي، اعتمادا على ما ورد في مقدّمة «رياض الزاهدين»، رسول جعفريان : (مقال، نشر في مجلّة «آينه ميراث»، العدد 36 _ 37 ربيع و صيف عام 1386 ش، ص 162 ج 170). منظومه هاي فارسي، الدكتور محمّد علي خزانه دارلو، ص 507 _ 511 والذي عرّف «مثنوي خزائن الفوائد» و «شاهراه نجات». موادّ التواريخ، الحاج حسين النخجواني، ص 384.

.


1- . نقلاً عن فرهنگ سخنوران، ص 510.
2- . نقلاً عن فرهنگ سخنوران، ص 510.
3- . نقلاً عن فرهنگ سخنوران، ص 510.

ص: 15

. .

ص: 16

مؤلفاته

مؤلفاتهيمكن تقسيم المؤلّفات المنسوبة لمجذوب إلى قسمين: النظم و النثر، إلاّ أنه ينبغي التنبيه على نقطتين قبل ذكر المؤلّفات: 1. أنّ المنظومات قطعيّة النسبة إلى المؤلّف؛ فقد أورد في «تذكرة الشعراء» _ وهو لأحد معاصريه _ ديوان المثنويّات تحت عنوان المترجَم. 2. الكتب الاُخرى المنسوبة إليه، نسبها البعض إلى «محمّد بن محمّد رضا مجذوب التبريزي»، فيما نسبه آخرون لولده «محمّد رضا بن محمّد بن محمّد رضا مجذوب التبريزي» والذي يشابه جدّه في الاسم. وسنشير أوّلاً لكتبه المنظومة، ثمّ نذكر بقيّة مؤلّفاته: 1. ديوان اشعار: ويشمل أشعاراً متنوّعة ضمن خمسة آلاف بيت. (1) بداية غزله: إلهي عبدك العاصي أتاكامقرّا بالذنوب قد دعاكا فإن تغفر فأنت أهل لذلكوإن تطرد فمن يرحم سواكا وبداية الترجيع: روزي كه فلك بساطت آراسترخصت زعلي گرفت و برخواست از دامنش آسمان چوگرديبر خاك درش نشست و برخاست (2) وأشار إلى تأريخ كتابة الديوان بالأبيات التالية: پس تاريخ اين ديوان محشركه خواني باشد از لعل و گهر پر سروش عالم غيبم به گوشمندا در داد و گفتا خوان پُر دُر [= 1062]

.


1- . الذريعة الى تصانيف الشيعة، ج 9، ص 963 _ 964؛ ايضاح المكنون، ج 1، ص 528.
2- . أوردناه من نسخة مجلس الشورى المرقمة برقم 4418.

ص: 17

نسخه:أ. مكتبة المجلس السنا السابق، برقم 649، وتشتمل على القصائد والغزل والرباعيّات على حسب حروف الهجاء، وكاتب النسخة هو محمّد خان القزويني، بتأريخ: رجب 1072 ق (فهرس المكتبة، ج 1، ص 410). ب. مكتبة جامعة طهران، برقم 3919، وتشتمل على الغزل والترجيع في الثناء على الأئمّة، وسلسلة اللآلي و مسلك النجاة، والحكايات، و التمثيل والتواريخ وتضمّ حوالي 5000 بيت شعر، وكاتب النسخة هو محمّد شفيع التبريزي بتأريخ 1078 ق (فهرس المكتبة، ج 12، ص 2907 _ 2908). ج. مكتبة جامعة اصطنبول، برقم 988، القرن 11 (فهرس المكتبة، ص 434). د. المكتبة الوطنيّة في تبريز، برقم 2789، وتشتمل على الغزل والترجيع والرباعيات وقد كتبت بتأريخ 15 شعبان 1127 ق (فهرس المكتبة، ج 2، ص 648 _ 649). ه . مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 37/14145، وتشتمل على بعض الغزل، وقد تمّ تملكها بتأريخ 1148ق (فهرس المكتبة، ج 38، ص 180). و. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 29/14418، وتشتمل على الغزل والترجيع، كتبت بتأريخ 1263ق (فهرس المكتبة، ج 38، ص 556 _ 557). ز. مكتبة العلّامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1193، كتبت بتأريخ: السبت 8 شوال 1311 ق (نسخه پژوهي، ج 2 ص 165). ح. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 1/1185، وتشتمل على الغزل والرباعيّات، (فهرس المكتبة، الطبعة الاُولى، ج 3، ص 638 _ 639 و 664). ط. مكتبة جامعة طهران، برقم 2/195 (فهرس المكتبة، ج 2، ص 68). ي. مكتبة جامعة طهران، برقم 2/4375 (فهرس المكتبة، ج 13، ص 3341). ك. مكتبة الگلبايگاني، برقم 1730 وتشتمل على الترجيع ضمن مجموعة (فهرس المكتبة، ج 3، ص 32). كما أشير في كتاب فهرست مشترك پاكستان إلى ستّ نسخ (ج 7، ص 930 _ 931). وقد طبع ديوان مجذوب التبريزي في لاهور، منشورات حيدري پريس، وليس عليها تأريخ الطبعة، وهي نسخة مأخوذة من مخطوطة الحكيم نادر علي رعد الساكن في حيدر آباد الدكن والمطبوعة سنة 1066 ق ضمن 64 صفحة. (1) كما طبع الديوان في طهران مرّتين إلّا أنّه وقع الخطأ فيها، فجعل تحت عنوان «ديوان مجذوب علي شاه» (الحاج السيد محمّد جعفر بن صفر خان كبودر آهنگي الهمداني المتوفى سنة 1239ق، والملقب بمجذوب علي شاه)، (2) مع أنّ نائب الصدر صرح في «طرائق الحقائق» أنه لم ينقل عن مجذوب علي شاه إلاّ ثلاثة أبيات شعرية هي: من نگويم خدمت زاهد گزين يا مى فروشهر كه حالت خوش كند، در خدمتش چالاك باش *** ز خاموشى بريدم من زبان هرزه گويان رادو لب بر هم نهادم، كار شمشير دو دم كردم 2. «راه نجات» أو «شاهراه نجات»: هو من الشعر المثنوي العرفاني ويتضمّن ثلاثة آلاف بيتاً حول أداب السلوك إلى اللّه ، (3) و بدايته: اين كتاب از توجه حضراتشد مسمى به شاهراه نجات يار آينه اي مي خواستالتفاتش بهانه اي مي خواست ونهايته: راه اين ومنزل اين و نامه تمامگفتمت و السلام و الاكرام وأشار الى تأريخ كتابته بالبيت التالي: بهر تاريخ آنكه درها سفتشاه راه نجات دل ها گفت

.


1- . فهرست كتاب هاي فارسي چاپ سنگي و كمياب، مكتبة گنج بخش (مركز التحقيقات الفارسية في إيران و الباكستان، اسلام آباد) السيد عارف نوشاهي، ج 2، ص 1296.
2- . الطبعة الاُولى سنة 1331 ش في طهران من قبل مؤسسة خاور وبحجم رقعي ضمن 163 صفحة، والطبعة الثانية هي بحجم رقعي أيضاً، نشرتها مؤسسة إقبال، في سنة 1341 ش ضمن 251 صفحة. راجع: فهرست كتاب هاي چاپي، خانبابامشار، ج 2، ص 2365 . وأوّل من أخطأ في نسبة ديوان مجذوب إلى مجذوب علي شاه هو الاُستاذ احمد گلچين معاني في كتاب تذكرة پيمانه، ص 466، و فهرست نسخه هاي آستان قدس رضوي، ج 7، ص 230.
3- . الذريعة، ج 13، ص 15، و ج 19، ص 217؛ إيضاح المكنون، ج 2، ص 39؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، أحمد المنزوي، ج 4، ص 2934.

ص: 18

. .

ص: 19

نسخه:أ. مكتبة جامعة طهران، برقم 2/3006، تاريخ كتابتها 1108 ق (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1935). ب. مكتبة جامعة طهران، برقم 5/4118، تاريخ كتابتها 1133 ق (فهرس المكتبة، ج 13، ص 3097). ت. المتحف الوطني في كراچي الباكستان، برقم 912 _ 1957 N.M تاريخ كتابتها 1132 (فهرست مشترك پاكستان، ج 7، ص 931). ث. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 9565، تاريخ كتابتها القرن 11 ق. ج. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 5216، تاريخ كتابتها القرن 11 ق، (فهرس المكتبة، ج 16 ص 48). ح. مكتبة العلّامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1335، تاريخ كتابتها القرن 13 ق (نسخه پژوهي، ج 2، ص 174). خ. المتحف البريطاني، برقم 57011700، (، ج 4، ص 687). 3. تأييدات: منظومة تشتمل على بحث التوحيد والأحاديث الدالّة على على إمامة الأئمّة الأطهار عليهم السلام والثناء عليهم، وقد كتبها للسلطان سليمان الصفوي (1077 _ 1105ق) ضمن 314 مقطع يضمّ كلّ منها سبعة أشطار. وبدايته: اين درج پر از جواهر تحقيقاتباشد نام مباركش تأييدات بيچون چون بود پيش از ايجاد جهانبا خلق جهان نيز همانست همان نفزود جهان ساختنش عزت و شأناو با همه و بى همه باشد سلطان الان كما كان كمان كان الآنبى جا همه جا يكيست پيدا و نهان اينست ره معرفت ذات و صفات ونهايته: هر فرقه رهي گزيد حق دانندشبا مهر علي و يازده فرزندش دين، دين نبي است بر محمّد صلوات

.

ص: 20

نسخه:أ. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 1/7857، نجفقلي بن محمّد رضا، السبت 17 شوال 1283 ق (فهرس المكتبة، ج 26، ص 336 - 337). ب. مكتبة المشهد الرضوي، برقم 4463، القرن 11 (فهرس المكتبة، ج 7، ص 230). ت. مكتبة المشهد الرضوي، برقم 8798، 1255 ق (فهرس المكتبة، ج 7، ص 231). ث. مكتبة گنج بخش في الباكستان، برقم 8368، رمضان 1206 ق (فهرست مشترك پاكستان، ج 7، ص 929). ج. مكتبة العلّامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1457، الجمعة 16 جمادى الاُولى 1245 ق (نسخه پژوهي، ج 2، ص 121). وتأريخ هذه المنظومة على أساس حساب الأعداد لجملة «ودايع توفيقات» و كذا «عوايد توفيقات» هو 1088 ق. (1) 4. خزاين الفوائد: منظومة واسعة في التوحيد و النبوة والإمامة، مع ذكر الأحاديث. (2) أوّلها: بحريست لباب از فرائدشد نام خزائن الفوائد سبحان اللّه عز شانهمن عزّ و عمّ امتنانه و آخرها: از لشگر ظلمت است دوزخعمر ابد و بهشت از ماست القصد هر آن چه كرد موليفرموده كردگار يكتاست

.


1- . الذريعة، ج 9، ص 963؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، أحمد المنزوي، ج 4، ص 2705.
2- . فهرست مشترك نسخه هاي خطي، احمد المنزوي، ج 4، ص 2784؛ الذريعة، ج 8 ، ص 155 و ج 19، ص 165.

ص: 21

نسخه:أ. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 8932، في حياة المؤلّف 1077 ق. ب. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 13468 (فهرس المكتبة، ج 36، ص 421 - 422). ت. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 13494 (فهرس المكتبة، ج 36، ص 450 - 451). ث. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 15226، 20 محرم 1257 ق. ج. مكتبة جامعة طهران، برقم 5989. ح. مكتبة جامعة طهران، برقم 6063. خ. مكتبة جامعة طهران، برقم 8845 . د. مكتبة جامعة طهران، برقم 1/3006 (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1935). ذ. مكتبة الملك، برقم 5473، القرن 12 ق. ر. مكتبة جامعة تربيت مدرس في طهران، برقم 122 (نشرية، ج 5، ص 624). ز. المكتبة الوطنية في تبريز، برقم 2547 (فهرس المكتبة، ج 1، ص 453). س. مكتبة العلامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1273، القرن 12 ق (نسخه پژوهي، ج 2، ص 156). ش. مكتبة المتحف البريطاني، برقم 5706316 (نشرية، ج 4، ص 683). ص. مكتبة گنج بخش في الباكستان، برقم 12650، القرن 11 و 12 ق (فهرست مشترك پاكستان، ج 7، ص 929 - 930). 5. ساقي نامه: هي جزء من ديوانه، و توجد نسخة منه في مكتبة مجلس الشوري الاسلامي برقم 1185، و نسخة اُخري في مكتبة جامعة طهران برقم 3919. وبدايته: چه پيچي در اين عالم پيچ پيچكه خاليست از راحت و پر ز هيچ گره بسته اي داشت طفلي به دستفكند از كف و در كمينش نشست وقد طبع ضمن كتاب «تذكرة پيمانة» (1) 6. مثنوي: ذكر للمترجم في فهرست منزوي كتابان بعنوان «مثنوي»، وهما غير كتابي «التأييدات» و «شاهراه نجات»، و تبتدئ إحداهما بما يلي: أي بر احديت تو بر حقكونين دو عادل موثق (2) و النسخة الأخري له فيها سقط و نقص من بدايتها و نهايتها، فاحتمل المفهرس أن تكون نسخة لكتاب خزائن الفوائد، و أوّل هذه النسخة هو: و همست ز سعي خود نگونساراز اوج خورند چون سمينار و آخرها: با عجز تمام و شوق بي تابتا از مولا گرفتم از طاب (3) توجد نسخة من هذا في مكتبة ملك، برقم 5473 (فهرس المكتبة، ج 2، ص 722). 7. منهاج الحقائق: منظومة عرفانية، (4) بدايتها: اي شده محبوس در دام آرزونيست چيزي كز گره در دام او اين همه موج سراب است، آب نيستتا نبيني بد، نكو بنگر نكو و آخرها: بسان شهي كز سجود درشفزون از ملايك بود عسكرش و النسخة الوحيدة لهذا الكتاب هي في مكتبة جامعة طهران برقم 3006، الرسالة الخامسة، تأريخ كتابتها 1108 ق، ضمن كليات مجذوب (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1936). 8. مسلك النجاة: منظومة عرفانية قصيرة، أوّلها: صاحب نشوي گر تو زمين را و زمان راشيرازه كه بندد به هم اجزاي جهان را (5) وخاتمتها: رو به آن روضه بهشت آيينسر به آن آستان فيض آثار ولحد الآن تمّ التعرّف علي نسختين لهذا الكتاب في مكتبة جامعة طهران برقم 4/3006 و 3919 (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1936). 9. روضة الأذكار، في أعمال اليوم و الليلة، و أعمال الأسبوع و الشهر، و الزيارات و الأدعية المختلفة، باللغة الفارسية . و قد ذكر مجذوب نفسه في هذا الكتاب بعنوان «الحاج محمّد بن محمّد التبريزي»، و ذكر كتابه مناسك الحج، كما ذكر كتاب المزار الذي كان من المقرّر أن يؤلّفه. (6) هذا الكتاب يحتوي علي مقدمة و اثني عشر باباً و خاتمة بالترتيب التالي: المقدمة: في الترغيب في الدعاء و آدابه، و تشتمل علي سبع مقامات. الباب الأول: في أعمال اليوم و الليلة، و يشتمل علي خمس فصول. الباب الثاني: في أعمال أيّام الأسبوع، و يشتمل علي أربع فصول. الباب الثالث: في أعمال الأشهر، و يشتمل علي مقدّمة و اثني عشر فصلاً و خاتمة. الباب الرابع: في زيارات المعصومين، و يشتمل علي مقدّمة و اثني عشر فصلاً و خاتمة. الباب الخامس: في الأعمال و الأدعية المختلفة، و يشتمل علي خمس فصول. الباب السادس : في الأدعية الخاصّة للأمن من السحرة والأبالسة، و يشتمل علي فصلين. الباب السابع : فيما يتعلّق بالحفظ من المحذورات، و يشتمل علي أربع فصول. الباب الثامن : في آيات الحفظ و الشفاء، و يشتمل علي فصلين. الباب التاسع : فيما يعيّن علي حفظ القرآن و العلوم، و يشتمل علي فصلين. الباب العاشر : في الاسم الأعظم و الأسماء الحسني، و يشتمل علي أربع فصول. الباب الحادي عشر : في فضائل القرآن، و يشتمل علي ثلاثة فصول. الباب الثاني عشر : في بعض الأدعية و المناجاة. الخاتمة : في بيان فوائد متنوّعة، و فيه عشر فوائد. تأريخ تأليف الكتاب هو سنة 1081 ق. و بدايته: «الحمد للّه الذي دلّ عباده علي الطاعات، و هداهم إلي ما يوجب علوّ الدرجات ... أما بعد چون به مقتضاي آيه: «إن الصلاة كانت علي المؤمنين» ...». و نهايته: «او را غسل دهند و نيت چنين كند كه غسل مي دهم اين ... تقرب به خدا، و مقارن نيت، آب بر سر او بريزند». (7) و قد لخّص مجذوب نفسه هذا الكتاب و سمّاه «رياض الزاهدين». جدير بالذكر أن بعض المصادر نسبت هذا الكتاب لولده «محمّد رضا بن محمّد». (8) 10. رياض الزاهدين: و هو خلاصة لكتاب «روضة الأذكار» للمؤلّف نفسه، و قد ألّفه في أيّام تدريسه في شماخي. (9) و النسخة الوحيدة التي تمّ التعرّف عليها لهذا الكتاب تحفظ في مكتبة شخصية في مدينة اصفهان، و تمّ التعريف بها من قبل السيّد رسول جعفريان. قال المؤلّف في مقدّمته ما يلي: اللاجي إلى ربّه الصمد حاجي محمد بن محمد التبريزى كه بعد از فراغ از تأليف كتاب روضة الاذكار در بيان ادعيه و اوراد ائمه اطهار... تا موافق سنه هزار و هشتاد پنج به امداد بخت بلند و فيروزى طالع ارجمند... در دار السلطنه قزوين به شرف تقبيل... شاه سليمان صفوى... و آن شهريار اين كينه خاكسار و ذره بيمقدار را به پرتو الطاف بى كران سرافراز و به تدريس شماخى بين الاقران ممتاز گردانيد... و آن را مشتمل بر شصت باب و مسمى به رياض الزاهدين در ادعيه و اذكار ائمه طاهرين گردانيد و چون ملاحظه نمود نام منيفش تاريخ تأليف بود. (10) و قد صرّح المؤلّف في هذا الكتاب أنّ تأريخ تأليفه هو بعدد أرقام عنوان الكتاب، و عدد عنوان «رياض الزاهدين» بحسب الحساب الأبجدي هو 1119. (11) و هذا العام لا يمكن أن يكون عام تأليف الكتاب، و ذلك أنّ تأريخ كتابة نسخته الفريدة التي تمّ العثور عليها هو 15 محرم 1116 ق، و هو متقدّم علي التأريخ المذكور. و يبدو في النظر أنّ العنوان المأخوذ بنظر الاعتبار في حساب العدد هو من دون الألف و اللام؛ أي «رياض زاهدين» حيث يكون عدده عندئذ 1088، و هو التأريخ الصحيح علي ما يبدو. 11. حاشية أمالي شيخ صدوق: توجد علي هوامش نسخة من الأمالي للشيخ الصدوق تعليقات بتوقيع «مجذوب سلمه اللّه »، و قد قوبلت هذه النسخة بتأريخ 1087ق، و تحفظ هذه النسخة من الأمالي في مكتبة جامعة الالهيات في مدينة مشهد المقدسة برقم 1874. (12) 12. حاشية عيون أخبار الرضا عليه السلام : كتب مجذوب حاشية علي كتاب عيون أخبار الرضا الذي هو من تأليف الشيخ الصدوق، و قد نقلت هذه الحواشي في ثلاث نسخ من هذا الكتاب هي: أ. قم، مكتبة قائني، الرقم 230، و ليس عليها اسم الناسخ، و قد كتبت في عام 1085ق، و فيها مقدّمة تختلف عن مقدّمة الكتاب في النسخ الاُخري، مضافا لحواشي مجذوب. (13) ب. مشهد، مكتبة مسجد گوهرشاد، برقم 315، و ليس عليها اسم الناسخ، و قد كتبت في سنة 1132 ق و عليها حواشٍ لكلّ من: المجلسي و صالح و «ع ح ي» و مجذوب و غيرهم. (14) ج. قم، مكتبة مدرسة آية اللّه الگلبايگاني، برقم 35/35/6855، و ليس عليها اسم الناسخ و لا تاريخ الكتابة، و فيها قسم حديث الكتابة، تمّت كتابته في عام 1194 ق و في حاشيته تصحيحات و تعليقات بتوقيع «مجذوب سلمه اللّه تعالي». 13. كتاب المزار: (15) كتب في كتاب روضة الأذكار ما يلي: اگر از حيات مستعار قدرى باشد ان شاء اللّه نسخه عليحده در زيارات ائمه اطهار نوشته شود كه مشتمل باشد بر اكثر زيارات مبسوطه. (16) 14. مناسك الحج: (17) ذكره في كتاب روضة الأذكار. (18) 15. حاشية تفسير فخر رازي. (19) 16. الهدايا لشيعة أئمة الهدي: شرح مفصل لكتاب الكافي، و سنوضح هذا الكتاب بتفصيل تباعاً إن شاء اللّه .

.


1- . تذكرة پيمانة، أحمد گلچين معاني، ص 465 _ 472؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 2884.
2- . فهرست مشترك نسخه هاي خطي، احمد المنزوي، ج 4، ص 3133، و توجد نسخة منه في مكتبة المجلس برقم 1173. فهرس مجلس، ج 3، ص 638.
3- . فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 313.
4- . الذريعة، ج 19، ص 310؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 3244 _ 3245.
5- . فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 3202.
6- . فهرست كتب خطي كتابخانه آستان قدس رضوي، ج 5 (محمّد وفادار المرادي).
7- . تم التعريف ب 24 مخطوطة في فهرستگان نسخه هاي خطي، راجع: فهرستگان نسخه هاي خطي حديث و علوم حديث شيعه، المجلد الثامن (مخطوط). و علي سبيل المثال راجع: الذريعة، ج 11، ص 287؛ فهرست مجلس، ج 38، ص 268؛ فهرست مرعشي، ج 3، ص 269 _ 270، و ج 6 ، ص 200؛ و ج 9، ص 38؛ نشرية نسخه هاي خطي، ج 3، ص 432؛ فهرست آستان قدس رضوي، ج 3، ص 258، و ج 15، ص 222؛ فهرست حرم حضرت معصومه، ج 2، ص 301؛ فهرست الهيات مشهد، ج 1، ص 132؛ فهرست دانشگده حقوق، ص 129؛ فهرست شاه چراغ، ج 1، ص 217؛ تراثنا، العدد 2، ص 75؛ فهرست مدرسة امام عصر شيراز، ج 1، ص 46؛ مركز احياء مير اث اسلامي، العدد 2301 و 3070 و 3100؛ فهرست مسجد اعظم، ص 209؛ فهرست ملك، ج 5، ص 445؛ نشرية، ج 4، ص 460، و ج 2، ص 82 .
8- . طبقات أعلام الشيعة، القرن 12، ص 263 _ 264.
9- . مجلة آينه ميراث، العدد 36 _ 37 (فصل الربيع و فصل الصيف من سنة 1386)، ص 162 _ 170، مقال للسيد رسول جعفريان تحت عنوان «مدرس شاه سليمان صفوي في شماخي بر اساس مقدمه نسخه رياض السالكين».
10- . مجله آينه ميراث (ش 36 _ 37، بهار و تابستان 1386ش)، ص 162 _ 170.
11- . وذلك بالشكل التالي: ( ر = 200، ي = 10، ا = 1، ض = 800، ا = 1، ل = 30، ز = 7، ا = 1، ه = 5 ، د = 4، ي 10، ن = 50).
12- . فهرست نسخه هاي خطي كتابخانه دانشگده الهيات مشهد، ج 3، ص 932.
13- . مجلّة تراثنا، العدد 50 _ 51، ص 369.
14- . فهرست نسخه هاي خطي كتابخانه گوهرشاد مشهد، ج 1، ص 264.
15- . الذريعة، ج 20، ص 321.
16- . فهرست كتب خطى كتابخانه آستان قدس رضوى، ج 15 (محمد وفادار مرادى)، ص 223.
17- . الذريعة، ج 22، ص 273.
18- . المصدر السابق.
19- . الذريعة، ج 9، ص 963 .

ص: 22

. .

ص: 23

. .

ص: 24

. .

ص: 25

. .

ص: 26

. .

ص: 27

أسرته

.

.

ص: 28

أسرته:لا توجد عندنا معلومات عن اُسرة مجذوب إلاّ ما وصلنا عنهم من خلال كتبه، و على أساس ذلك فنحن لا نعرف منهم إلاّ من يلي: أ. والده: اسم والده «محمّد» و لم يذكر عنه شيء فيما يخصّ عمله. و قد ذكر مجذوب في مقدّمة «روضة الأذكار» و «رياض الزاهدين» و اكتفي بالتعبير عنه بقوله «حاجي محمّد بن محمّد التبريزي»، و لم يذكر شيئاً يتعلّق بعمل أو ألقاب والده. و قد كتبت بعض المصادر المتأخرة أنّ اسم والد مجذوب هو «محمّد رضا»، إلاّ أن هذه التسمية فاقدة للمستند، مضافاً إلي أن المصادر القديمة لا تؤيّد هذه التسمية. ب. أحمد التبريزي: هو أخو مجذوب، و قد ذكره النصر آبادي في تذكرته في عداد الشعراء، و تعرّض لحياته _ بعد أن ذكر حياة مجذوب _ قائلاً: احمد بيك: برادر مولانا ميرزا محمّد مذكور است، اين ابيات از اوست: شاهد غنچه ز ياران چمن بود و گذشتبوى گل گرد سواران چمن بود و گذشت *** در هيچ منزلى دلم آسودگى نديدما را تمام عرصه عالم وطن شده است *** بر چهره اگر نيل رذالت نكشىخفت زكسى به هيچ حالت نكشى نشناخته را پاس چنان دار نگاهچون بشناسى از او خجالت نكشى (1) ولا توجد لدينا معلومات عنه أكثر من هذا المقدار. ج. محمّد رضا التبريزي: و هو ابن مجذوب، و لا معلومات لنا حوله إلاّ من خلال كتابه المفصّل في اُصول العقائد و الإمامة و الذي هو بعنوان «إتمام الحجة» و باللغة الفارسية، و يشتمل علي عشر فصول و خاتمة، و قد كتبه للسلطان حسين في سنة 1111 ق. وأوّله: «الحمد للّه الذي دلّ علي وجوب وجوده وجود الممكنات ... و بعد بر لوح عرض محبان أهل بيت رسالت...». وجد الشيخ آغا بزرگ الطهراني نسخة منه في النجف الأشرف في مكتبة العلّامة الشيخ محمّد علي الاُردوبادي، فذكره في الذريعة مرّة تحت عنوان «اُصول الدين)، (2) و أخري تحت عنوان «الإمامة». (3) و توجد نسخة ناقصة من هذا الكتاب تضمّ الفصول الأربعة الاُولى منه في مكتبة آية اللّه الگلبايگاني ضمن مجموعة برقم 27/53 . (4) و استناداً إلي ما ذكره الشيخ آغا بزرگ الظهراني فقد تمّ التعريف بالنسخة الموجودة في مكتبة آية اللّه الگلبايگاني في فهرست المنزوي (5) و فهرستواره. (6) و علي أساس ذلك كتب الشيخ آغا بزرگ الطهراني عن حياة المؤلّف في كتابه «طبقات أعلام الشيعة». (7) نماذج من شعره: وقد ذكر النصر آبادي في تذكرته نماذج من شعره كما يلى: در دلم مهر دلگشاى علىكرده حفظم چو مصحف بغلى آمد از خانه خدا به جهانهمچو نام خدا ز دل به زبان نجفش نام و قطعه اى ز بهشتكه به نامش بهشت قطعه نوشت فرد اول ز نسخه گشت جداجاش پيداست در بهشت خدا بى نجف مانده باغ خلد برينهمچو انگشترى فتاده نگين *** سركه در راه عشق سوده نشدگره از كار او گشوده نشد عشق از آن زهر در پياله كندكه تو را گرم آه و ناله كند مست با هم پياله خوش داردعشق با آه و ناله خوش دارد *** گره بسته اى داشت طفلى به دستبيفكند و اندر كمينش نشست روان طفل ديگر ربودش ز جاچو بگشود در وى نبُد جز هوا گره بستهْ دنيا و طفل آن دنى استبگويش كه چيزى در آن بسته نيست *** يك شب آتش در نيستانى فتادسوخت چون عشقى كه بر جانى فتاد شعله چون مشغول كار خويش شدهر نئى شمع مزار خويش شد شعله سان آتش زبانى زان گروهبا دلى پر از شكايت كوه كوه نى به آتش گفت كاين آشوب چيستمر تو را زين سوختن مطلوب چيست گفت آتش بى سبب نفروختمدعوى بى معنيت را سوختم زان كه مى گفتى نى ام با صد نمودهمچنان در بند خود بودى كه بود با چنين دعوى چرا اى كم عياربرگ خود مى ساختى هر نوبهار همچو نى مجذوب برگ خود مسازچون حريفان زبانى كج مباز مرد را دردى اگر باشد خوش استدرد بى دردى علاجش آتش است *** خانقاهى كه به خرجش نكند دخل وفاصرفه وقف در آن است كه ميخانه شود *** در جيب دلم چاك و رفو بر سر همچون غنچه نشسته تو به تو بر سر هم كوتاه نشد رشته طول املمهر چند گره شد آرزو بر سر هم *** زنهار كه رخ نتابى از درويشانشكرانه اينكه نيستى چون ايشان رمزيست خط دانه گندم يعنىنصفى از توست نصفى از درويشان *** اگر سوداى ليلى بر سرت افتاده مجنون شوكه هر شهرى به صحراى جنون دروازه اى دارد *** محبت را لب خاموش و گويا هر دو يكسان استچو بلبل، آتش پروانه هم آوازه اى دارد *** اگر زلفت به هر تارى اسير تازه اى داردمبارك باشد امّا دلبرى اندازه اى دارد تغافُل بُرد بيش از حدّ شوخ چشم من نمى داندجفا قدرى ستم حدّى و ناز اندازه اى دارد محبّت را لب خاموش گويا هر دو يكسان استچو بلبل آتش پروانه هم آوازه اى دارد اگر سوداى ليلى بر سرت افتاده مجنون شوكه هر شهرى به صحراى جنون آواره اى دارد دل مجذوب خود را تغافل بيش از اين مشكنكه در قانون خوبان امتحان اندازه اى دارد *** خواهى كه چون آفتاب مشهور شوىچون مردمك ديده همه نور شوى اينها همه مى شود اگر جز بخدانزديك بهر چه مى شوى دور شوى *** ترك ديوانگى از طعنه مردم نكنمشهر گر تنگ بود دامن صحرايى هست

.


1- . تذكره شعرا، محمّد طاهر نصرآبادى اصفهانى، ص 192 _ 193.
2- . الذريعة، ج 2، ص 188.
3- . الذريعة، ج 2، ص 326.
4- . هذه المجموعة تضمّ ثلاث رسائل هي: حاشية ملا عبد اللّه اليزدي في المنطق، و مختصر المعاني للتفتازاني، و إتمام الحجة. و هذه الرسالة في الأوراق 181 ب _ 214 ب من هذه المجموعة، و في كلّ صفحة 19 سطرا. راجع: نسخه هاي خطي كتابخانة آية اللّه گلبايگاني، ج 3، ص 150.
5- . فهرست نسخه هاي خطي فارسي، أحمد المنزوي، ج 2، ص 870 .
6- . فهرستواره كتاب هاي فارسي، ج 9، ص 66.
7- . طبقات أعلام الشيعة (القرن 12)، ص 263.

ص: 29

. .

ص: 30

. .

ص: 31

. .

ص: 32

الهدايا لشيعة أئمة الهدى (الكتاب الذي بين يديك)

الهدايا لشيعة أئمة الهدى (الكتاب الذي بين يديك)هو شرح مسهب لكتاب الكافي، أورده على شكل عناوين كل منها «هدية»، «هدية». و يشتمل الكتاب على 12 مقدمة و 30 جزء، و خاتمة. كتب المؤلّف خطبة الكتاب بسجع لطيف ينبئ عن قوة بيانه و قدرته الأدبية، و ذكر فيها الاُصول العقائدية، و أوضح العلم الإلهي، و أشار إلى منزلة العقل السامية في إدراك المعارف، و كتب حول توفيقه لتأليف هذا الكتاب قائلاً: فوفّقت بعون اللّه وطفقت أخذا بتوفيق اللّه في تأليف كتاب على نَسَق كتاب الكافي؛ ليكون كافيا بميامن الكافي لمن أراد الانتقام والتلافي. وكان تأليف الكافي بالأمر المشافهي من صاحب الأمر صلوات اللّه عليه. وسمّيته ب «الهدايا لشيعة أئمّة الهدى» ورتّبته بعون اللّه وحُسن تأييده على اثنتي عشرة مقدّمة وثلاثين جزءا وخاتمة. (ج 1، ص 69) اقتبس عنوان الكتاب من العنوان «هدية» المكرر بعد كل حديث من أحاديث الكافي، و الذي يذكر المؤلّف بياناته تحته، و يرى المؤلّف أن هذه البيانات هدايا للشيعة. و يستفاد من خطبة الكتاب أنّ المؤلّف كتب هذا الكتاب لولده، حيث يخاطبه في ديباجة الكتاب و لمرّات عديدة بقوله: «يا بُنيّ أبقاك اللّه بفضله و طوّل عمرك و ثبّتك على الإيمان»، و «يا بُنيّ حفظك اللّه »، و «يا بُنيّ أعانك اللّه و أعطاك خير الدنيا و الآخرة». و قد تعرض الشارح في المقدّمات الاثني عشر لبعض الأبحاث الحديثية، و بالأخصّ علم الرجال. كما ذكر في المقدمة الحادية عشرة فهرس الأجزاء الثلاثين. و قد نظم الكتاب ضمن ثلاثين جزء طبقاً لعناوين الكافي، إلاّ أن عناوين كتب الكافي في الطبعة المعروفة هي على أساس التقسيم المشهور و هي خمسة و ثلاثين كتاباً، و السبب في ذلك هو تداخل بعض العناوين في كتاب الهدايا على التفصيل التالي: ورد «كتاب العقل» و «كتاب فضل العلم» في كتاب الهدايا تحت عنوان «كتاب العقل وفضل العلم». كما ورد «كتاب الطهارة» و «كتاب الحيض» تحت عنوان «كتاب الطهارة والحيض»، و كذا «كتاب النكاح» و «كتاب العقيقة» فإنهما وردا تحت عنوان «كتاب النكاح و العقيقة»، كما جاء «كتاب الصيد» و «كتاب الذبائح» تحت عنوان «كتاب الصيد و الذبائح»، و أدرج «كتاب الأطعمة» و «كتاب الاشربة» تحت عنوان «كتاب الاطعمة و الاشربة». وتعرض المؤلّف في المقدمة الثانية عشرة لشرح خطبة الكافي.

.

ص: 33

. .

ص: 34

و بمراجعة الكتاب بشكل سريع يمكن أن تستفاد بعض النقاط، هي كالتالي:1. ادّعى المؤلّف و في مواضع عديدة من الكتاب أنّ تأليف كتاب الكافي كان بأمر شفوي من قبل الإمام صاحب الأمر و الزمان، فكتب في خطبة الكتاب: «و كان تأليف الكافي بالأمر المشافهي من صاحب الأمر صلوات اللّه عليه» (ج 1، ص 69). كما كتب في الهدية الاُولى من المقدّمة الثانية عشرة _ و الخاصّة بشرح خطبة الكافي _ نقلاً عن اُستاذه المولى خليل القزويني: حقّ أنّ كتاب الكافي عمدة كتب أحاديث الأئمّة عليهم السلام ألّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الرازي الكليني _ طاب ثراه _ في الغيبة الصغرى باحتياط تامّ في عرض عشرين عاما، وكانت مدّة هذه الغيبة تسعا وستّين سنة بناءً على أنّ مبدأها من مضيّ أبي محمّد عليه السلام ، وأربعا وسبعين سنة إذا كان مبدؤها من مولد الصاحب عليه السلام . وعاشر ثقة الإسلام أكثر سفرائه عليه السلام في بغداد وغيرها أكثر الأوقات، فاُمر مشافهة _ كما هو المشهور _ أو بتوسّط السفراء بجمع الأحاديث المخزونة لشدّة التقيّة وتأليف الكافي. فيقرب أن يكون المراد بالعالم في هذا الكتاب في كلّ حديث كان في عنوانه «وقد قال العالم عليه السلام » أو «في حديث آخر» الصاحب عليه السلام بلا واسطة، أو بواسطة السفراء، إلّا أن تكون قرينة صارفة. والمظنون أنّ الكافي شرّف بنظره (1) عليه السلام وكان مضيّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ سنة مضيّ الأخير من سفرائه عليه السلام أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري رضى الله عنه، وهي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة هجريّة أو بعدها بسنة واحدة. (ج 1، ص 116 _ 117) و نقل شبيه ذلك عن استاذه الآخر السيد حسن القائني، فكتب قائلاً: مظنوني أيضا كما ظنّ معظم الأصحاب أنّ خطبة الكافي لمكان شأن نظامه بهذه المكانة، ونظام شأنه بهذه المتانة والرزانة من منشآت الصاحب عليه السلام ، وقد ثبت أنّ تأليف الكافي لجميع أحاديث الأئمّة عليهم السلام إنّما كان في الغيبة القُصْرى بالأمر المشافهي من صاحب الأمر عليه السلام . (ج 1، ص 116) وفي الهدية التاسعة من المقدمة الثانية عشرة و في شرح هذه الفقرة من الخطبة: «والشرط من اللّه جلّ ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدّوا جميع فرائضه بعلم و يقين و بصيرة... (إلى قوله) و قال عليه السلام : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن» كتب قائلاً: كاد أن توجب هذه الفقرات خاصّة القطع بأنّ خطبة الكافي من أمالي الصاحب عليه السلام ، كما يوجب سائر فقراتها ظنا بذلك» (ج 1 ص 158). 2. لم يعتمد المؤلّف فيما يخصّ أحاديث الكافي على نسخة واحدة منه، و إنّما اعتمد على نسخ عديدة و أشار إلى اختلافاتها بالعبارة: «في بعض النسخ» أو «في بعض النسخ المعتبرة». 3. أبدى المؤلّف اهتماما خاصّا بالردّ علي عقائد الصوفية، فأبان في المقدمة العاشرة عقائدهم و أبطلها، كما حاول ردّها أثناء شرحه للأحاديث بأدني مناسبة، و قد نهج أسلوبا قاسيا في ذلك بل يلعنهم و يكفرهم. 4. نظرة المؤلّف حول الفلاسفة و العرفاء ليست بالايجابية، بل يرى أنّ خطبة كتاب الكافي هي للردّ على الصوفية و الفلاسفة و الأشاعرة، إلّا أنّه استمدّ من شرح الملا صدرا علي الكافي في مواضع عديدة من كتابه، و عبّر عنه ب «الفاضل صدر الدين محمد الشيرازي»، كما عبّر عن المير داماد بقوله: «السيّد الداماد ثالث المعلّمين» أو «السيّد الباقر ثالث المعلّمين الشهير بالداماد». 5. كما عبّر عن الفيض الكاشاني بقوله: «بعض المعاصرين»، و نقل عن الوافي في مواطن عديدة من دون ذكر اسمه. كما نقل عن تفسيره بعنوان: «بعض التفاسير»، ونقد آراءه في مواضع عديدة (ص 483و 527 و 563)، و يرى أنّها متأثّرة بأفكار و عقائد الصوفية و الفلاسفة. 6. نقل المؤلّف بكثرة و بصورة واسعة عن حاشية اُصول الكافي لرفيع الدين محمد النائيني المعروف بالميرزا رفيعا، و عبّر عنه ب «السيّد الأجل النائيني». و علي الرغم من اختلاف مذاق المؤلّف عن مذاق الميرزا رفيعا؛ حيث أنّ الميرزا رفيعا يميل للفلاسفة و العرفاء، بخلاف المؤلّف، إلّا أنّ المؤلّف تأثّر بعباراته المتينة، و قد استطاع أن يمر بسلاسة إلى جانب عبارات الميرزا رفيعا ذات المحتوى العميق، و إن انتقد مسلكه أحياناً، و رأى أنّ كلماته تعتمد على اُصول فلسفية، فكتب: وهو قدس سره من المائلين من متأخّري أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم إلى استقامة نَبْذٍ من اُصول الفلاسفة، كتجرّد العقول والنفوس الناطقة؛ وتأويل نَبْذٍ اُخر منها، كإيجاب الصانع، وقِدَم العالَم بالإيجاب الخاصّ والقدم الزماني ولن ترضى الفلاسفة فقط، وذلك لصرفهم من العمر مدّة في مطالعة كتبهم وتدريسها باقتضاء كثير من الطبائع في عصرهم ذلك. (ج 1 ص 121 - 122) 7. المؤلّف متأثّر بكلمات اُستاذه «الملا خليل القزويني» بشدّة، و كتابه مليء بالنقل عنه، و يعبّر عنه بقوله: «برهان الفضلاء»، و قد أورد في شرحه على أكثر الأحاديث عبارات الملا خليل القزويني في كتاب الشافي، و بعض هذه العبارات مختصرة، و بعضها مفصّلة. والذي يبدو في النظر أنّه بسبب عدم تلاؤم مذاقه مع مذاق الفلاسفة و العرفاء و الاُصوليين و المجتهدين، تأثّر بالمدرسة الأخبارية تبعاً لاُستاذه الملا خليل. ففي باب اختلاف الحديث نقل عبارة طويلة عن اُستاذه المذكور في شرح الحديث فكتب قائلاً: وهذا إشارة إلى بطلان مذهب جماعة من الاُصوليّين لحملهم في أمثال ذلك _ سواء كان في القرآن أو في الحديث _ حمل المطلق على المقيّد باعتبار اللّغة والعرف، أو باعتبار القياس كما ذكر . (ج1، ص 598) وكتب بعدها في تأييد رأي اُستاذه: وغاية ما في تفسيره المحكم والمتشابه _ بما عرفت ممّا حكيناه _ الاحتياج في زمن الغيبة لمكان التشابه والاختلاف في غير ما هو الحقّ _ على بيانه _ إلى المعالجات المعهودة المضبوطة بتواتر الكتب المضبوطة عن أصحابنا الأخباريّين _ رضوان اللّه عليهم _ عن الحجج المعصومين عليهم السلام كالمعالجة عند الاشتباه في الرَقَبة _ مثلاً _ بالإطلاق في موضع والتقييد في آخر بالعمل بما هو خلاف ما عليه العامّة، والرشد فيه، لا إلى حمل المطلق على المقيّد مع التغاير بين المقامين ليلزم العمل بالظنّ الحاصل من القياس وغيره من الاُصول الغير الداخلة في المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام . (ج 1، ص 600) 8. كما أنه متأثّر أيضا باُستاذه الآخر أمير حسن القائني و يعبّره عنه بعنوان «السيد السند أمير حسن القائيني»، ويبدو في النظر أنّه كان على مسلكه و مشربه الفكري، و استمدّ من حواشيه على الكافي على نطاق واسع، و نقل عنها بكثرة، كما نقل عنه الملّا خليل القزويني في كتابه الشافي بنحو متكرّر. و ممّا ينبغي التنبيه عليه أنّنا لم نخرج العبارات المنقولة عن كتاب «الشافي» للملا خليل القزويني الذي عبّر عنه ب «قال برهان الفضلاء» و كذا ما نقل عن حواشي السيد امير حسن القائيني؛ لعدم طبعهما لحدّ الآن. 9. و تأثّر المؤلّف بمحمّد أمين الاسترآبادي كما يظهر من نقله عن حاشية المذكور على الكافي، و شرحه لعباراته، و يعبّر عنه بقوله: «الفاضل الاسترآبادي» و قال في موضع: «سمعت اُستاذي الفاضل محمّد الاسترآبادي»، و كتب نقلاً عنه: قوله عليه السلام : «علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ الحلال والحرام عنهم عليهم السلام ولا يجوز العمل بأصل أو استصحاب أو غير ذلك . (ج 1، ص 485) كما كتب بعد رواية: «إنّ على كل حقّ حقيقة» كلاما عن الفاضل الاسترآبادي بأن هذه الفقرة من الرواية تدلّ على بطلان مسلك الاُصوليين القائلين بأنّ للمصيب أجران و للمخطئ أجر واحد، لأنّ الخطأ في الاجتهاد إثم أيضاً» (ج 1 ص 628). 10. المؤلّف و إن كان في منهجه الفكري في عداد الأخباريين، إلّا أنّه سعى في موارد عديدة لاصلاح آراء الأخباريين حول الاُصوليين، و حاول أن يثبت لهم الاجتهاد غير المنافي للروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ، بل يستفاد من فحوى الروايات إذنهم في الاجتهاد المذكور، و حاول توجيه كلمات اُستاذيه محمد أمين الاسترآبادي و الملا خليل القزويني الظاهرة في نفي مطلق الاجتهاد و التوقّف في الافتاء بغير العلم، فيقول: فالأمر بالتوقّف عند الاشتباه مع المعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن للفقيه العدل الإمامي الممتاز فضلاً وعلما، إنّما هو مع إمكانه بحيث لا يلزم حرج بيّن في الدِّين، وهو منفي بالكتاب والسنّة. (ج 1، ص 572 _ 573) و قال في موضع آخر بعد نقله لعبارة استاذه الملا خليل القزويني _ في نفي الاجتهاد _ قائلاً: مبالغته سلّمه اللّه تعالى في إنكار الاجتهاد الممنوع وباعثه؛ لنسبته الأصل الثابت عند معظم أصحابنا الإماميّة _ رضوان اللّه عليهم _ أيضا إلى العامّة، وصحّة العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن في العمل بالظنّ عند الاشتباه للفقيه العدل الإمامي الممتاز علما وفضلاً في زمن الغيبة إنّما هو مثبتة لذلك الأصل،والحرج منفي بالكتاب والسنّة. وهل منكر؟! لأنّ الأحوط له التوقّف ما أمكن . (ج 1، ص 544 _ 545)

.


1- . في «الف»: «بمنظره».

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

النسخ المعتمدة

النسخ المعتمدة:صرّح المؤلّف في مقدّمة كتابه بأن شرحه ضمن ثلاثين جزء و أنّه نظمها على غرار عناوين كتاب الكافي، إلّا أنّ المخطوطات التي تمّ العثور عليها لحدّ الآن تحتوي على ثلاثة أجزاء من هذا الكتاب، و نهايتها هو «كتاب الحجة» من الكافي. نعم توجد نسخة في مسجد الشيخ بابا مراغة تشتمل على الجزء الرابع أيضاً، كما توجد نسخة في مكتبة الطهراني في كربلاء المقدّسة تضمّ الجزء الخامس من الكتاب، كما نقل لنا وجود نسخة في إحدى مكتبات اصفهان تضم القسم الأعظم من شرح المؤلف على اُصول الكافي، إلاّ أن مساعينا للحصول عليها لم تثمر عن نتيجة لحدّ الآن. وأخيرا فقد تمّ التعرّف على نسخة من هذا الكتاب في مكتبة المجلس الوطني برقم (ش 9296)، و تضمّ شرح خصوص كتاب الصلاة. و نأمل العثور على أجزاء الكتاب الاُخرى تباعاً كي يتمّ هذا الكتاب القيّم ويتمّ تقديمه لعشّاق كلام أهل البيت عليهم السلام . هذا و قد اعتمدنا في تصحيح الأجزاء الثلاثة من كتاب الهدايا على اربع مخطوطات، هي:

.

ص: 39

1. مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله بقمّ، المرقّمة 13073.نسخت في حياة المؤلّف رحمه الله وعليها حواش بعنوان «منه سلّمه اللّه ». والنسخة مصحّحة معربة، وتشتمل على شرح الجزء الأوّل والثاني والثالث من الكتاب (أي من أوّل الكافي إلى نهاية كتاب الحجّة». تقع في (454) صفحة وفي كلّ صفحة (34 _ 40) سطرا. رمزناها ب «ألف».

2. مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله بقمّ، المرقّمة 1142 (الميكرو فيلم).نسخت في عصر المؤلّف رحمه الله، وعليها حواش بعنوان «منه سلّمه اللّه ». والنسخة مصحّحة وتشاهد علامة بلاغ في نهاية الجزء الأوّل. وتشتمل على الجزء الأوّل والثاني من الكتاب (من أوّل الكافي إلى نهاية كتاب التوحيد) و النسخة مخرومة الآخر. تقع في (398) صفحة، وفي كلّ صفحة (28) سطرا. رمزناها ب «ب».

3. مخطوطة مكتبة السيّد ضياء الدين العلّامة بإصفهان، المرقّمة 19.نسخت في عصر حياة المؤلّف رحمه الله، وصحّحت وقوبلت بتوسّط رمضان بن علي عند اُستاذه عبد الرزّاق بن يوسف الكاشاني؛ يشهد على هذا ما كتبه في انتهاء النسخة هكذا: بلغ مقابلة أحاديث كتاب التوحيد من أجزاء كتاب الكافي تصحيحا وتنقيحا عند اُستادنا المحقّق والنحرير المدقّق السيّد الأجلّ الرضوي عبد الرزّاق بن محمّد يوسف الطبيب القاساني _ متّعنا اللّه بدوام بقاءه بمحمّد و آله _ وأنا العبد الفقير إلى اللّه الغني رمضان بن علي سنة 1088ه_ . وعلى هوامش النسخة حواش مع الإمضاءات التالية: «منه سلّمه اللّه »، «ع. ب. ق» ونحوهما. والمظنون أنّ المراد من الأخيرة هو اُستاذه عبد الرّزاق بن محمّد يوسف القاساني. تشتمل النسخة على الجزء الأوّل والثاني من الكتاب (من أوّل الكافي إلى نهاية كتاب التوحيد). وتقع في (402) صفحة وفي كلّ صفحة (28) سطرا رمزناها ب «ج».

.

ص: 40

كلمة شكر وثناء

4. مخطوطة المكتبة المركزيّة بجامعة طهران، المرقّمة 3634.نسخت في سنة 1083ه_ وفرغ عن نسخها يوم الأحد من شهر رمضان المبارك، والمظنون أن يكون هذا تأريخ فراغ المؤلّف من الشرح. تشتمل على شرح الجزء الثالث من الكتاب (من أوّل كتاب الحجّة إلى آخره)، و النسخة مصحّحة وعليها حواش وتعليقات ترمّزت بعلامات كالتالي: «منه» و «منه سلّمه اللّه » و نحوهما فعلى هذا، كتبت النسخة في عصر المؤلّف رحمه الله أيضا. تقع في (360) صفحة وفي كلّ صفحة (28) سطرا. رمزناها ب «د». فاعتمدنا في عملنا على هذه النسخ، وقمنا بتخريج الآيات والأحاديث والأقوال، ووضع العلائم والحركات ونحوها، كما وقابلنا ما نقله عن الكافي مع الكافي المطبوع بتحقيق الغفاري رحمه الله، وذكرنا اختلافاتهما في الهامش.

كلمة شكر وثناء:وفي الختام نرى من الواجب علينا أن نقدّم جزيل الشكر والثناء إلى جميع الإخوة الذين أعانونا في تحقيق هذا الأثر القيّم، وفي مقدّمتهم المحقّق الفاضل الشيخ غلامحسين قيصريه ها لمساعدته في التحقيق مساعدة كاملة، وكذلك حجة الاسلام والمسلمين الشيخ علي الحميداوي لقيامه بهمّة مراجعة الكتاب، وكذا سماحة الأخ المحقّق الشيخ علي صدرايي الخوئي لتنظيم مطالب حول حياة المؤلّف وسماحة الأخ الفاضل الشيخ حيد المسجدي لمساعدة في تعريب مقدّمة التحقيق وكذا الأخوة مجيد أميري رسكتي لمساعدة في نضد الحروف، ومحمّدكريم صالحي لبذل جهوده في الإخراج الفني للكتاب. كما أنّ الواجب يدعونا إلى تقديم جزيل الشكر إلى المحقّق الفاضل الشيخ مهدي المهريزي مسؤول مركز بحوث دار الحديث وسماحة حجة الاسلام والمسلمين الدكتور السيّد محمود المرعشي مسؤول مكتبة آية اللّه المرعشي والمحقّق البارع السيّد صادق الاشكوري مدير مجمع الذخائر، نسأل اللّه تعالى أن يكتب لهم الأجر وأن يتقبّله بأحسن القبول. محمد حسين الدرايتي 8 ربيع الثاني 1430ق 15 فروردين 1388ش.

.

ص: 41

M823_T1_File_994274.jpg

.

ص: 42

M823_T1_File_994275.jpg

.

ص: 43

M823_T1_File_994276.jpg

.

ص: 44

M823_T1_File_994277.jpg

.

ص: 45

M823_T1_File_994278.jpg

.

ص: 46

M823_T1_File_994279.jpg

.

ص: 47

M823_T1_File_994280.jpg

.

ص: 48

M823_T1_File_994281.jpg

.

ص: 49

M823_T1_File_994282.jpg

.

ص: 50

M823_T1_File_994283.jpg

.

ص: 51

M823_T1_File_994284.jpg

.

ص: 52

M823_T1_File_994285.jpg

.

ص: 53

الهدايا لشيعة أئمّة الهدى

اشاره

الهدايا لشيعة أئمّة الهدى

.

ص: 54

. .

ص: 55

المقدّمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الكريم المتكرّم، العظيم المتعظّم، على عميم رحمته، على عظيم نعمته، على نعيم ولايته، على من اصطفاه وارتضاه، ونجا مَن أحبّه وهداه، الأعلون أخضعُ في سجوده، والأكرمون أحوج إلى جوده، جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه، من حمد حمده، هو اللّه وحده، مُلهم عباده حمده، (1) حُمد على آلاء هدايته، عُبِد بنعماء ولايته، هنالك الولاية للّه الحقّ. «وَ قَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْراهَا وَ مُرْسَاهَآ» . (2) «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ» . (3) من آمن باللّه ونبإ الساعة آمن بطاعة مفترض الطاعة، آمن باللّه كما عرّف نفسه، وباليوم الآخر على ما علّم وصفه. عقل عباده مبوّب، وأمر معادهم مغيّب، على معرفته فطرهم؛ لكيلا يعدوا ما عرّف لهم في (4) حكمه على المحكوم لا يحكم إلّا بالمعصوم، لمهلكات لججه لابدّ من منجيات حججه، خلق صفوة من الأنام لقيام حجّته إلى يوم القيام «لِئَلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا» . (5) لا علم لغيره بكيفيّة علمه، لا يعلم علمه بعلم غيره، علم إذ لا عالم. أحبّ ولم يحبّ، أراد وقدّر، قضى وأحكم، خلق وأقدر، أرسل وأخبر، أمر وحظر، بشّر وأنذر «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ» . (6) نصر مَن والاه، وخذل مَن عاداه. لا جبر ولا قدر، أقدر وهو أقدر، وما يشاؤون إلّا أن يشاء اللّه (7) ، ولا خالق لما سواه سواه. علم ما يُختار إذا خُلّي المختار، ما علمه علّة بالمدخليّة، وله سبحانه الحيلولة والتخلية، ولو شاء لهداهم أجمعين، لم أحبّ ولم يخلّ، علم مخزون، لِمَ لم يحبّ ولم يخلّ، (8) حكمٌ محتوم. وهو «لَا يُسْئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئلُونَ» (9) ، ما لنا والسؤال والإشكال على الضالّ، ما لنا ولهم، أولى لهم فأولى لهم. أمدّ الأبد لأحبّائه، أنّى يفاضل حمد (10) نعمائه، نحمده على ما حبّب إلينا الإيمان، وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان (11) ، ونجّانا من شرورها، فضلاً من اللّه ونعمة، واللّه عليمٌ حكيم (12) . بداية توحيده نهاية التنزيه، وأوّل معرفته نفي التعطيل والتشبيه، نفى النفي بإثبات أزله، وسلب التشبيه بنفي مثله، محض الإثبات تمام معرفته الفطريّة، ونفي الحدّين بناء معرفته الدينيّة، سبّوح عمّا يقال، قدّوس عمّا يخطر بالبال، متفرّد بالقدم، خالق من بحت العدم ما خلق، ما خلق من مثال سبق، ولا من شيء صنع ما صنع وخلق، كَلَّ دون صفاته تحبير (13) اللّغات، وضلَّ هناك تصاريف الصفات (14) ، بدوام القدرة خالق الأشياء، وبنفاذ الإرادة فعّالٌ لما يشاء، ليس لإرادته فصل، ولا لأمره دافع، فصله جزاء، وأمره واقع. (15) قدّر بحكمته ما خلق بقدرته، وسخّر بعزّته ما صنع بحكمته، عجائب صنعه لا يتناهى، لا يتناهى ما لما لا يتناهى. لا يحدّه حدّ وكلّ حدّ محدود، ولا يحجبه حجاب وكلّ حجاب محجوب، خلقة خلقه حجاب بينه وبينهم، فلا يعرفون بالكنه إلّا مثلهم. لا يدرك بالحواس والحواس من مجبوليّه، ولا يُعرف بالقياس والقياس من معزوليّه، كُنْهه لا يحاط، حُكْمه لا يماط، لا يضبطه العقول، ولا يبلغه الأوهام. تعالى شأنه، عظيمٌ سلطانه، كلّ سلطان متواضع لملكوته، كلّ عظيم متضعضع (16) لجبروته، جبروته أظهر الأشياء، له ملكوت الأرض والسماء «فَسُبْحَ_نَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» . (17) إحكامه نظام التنضيد من بيّنات آيات التوحيد. واحدٌ بلا اختلاف الذات، أحدٌ لعينيّة الصفات، أحدٌ بالإجماع عليه، صمدٌ لحاجة الجميع إليه «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» (18) لم يلد لابتداعه ما عداه، ولم يولد لاختراعه ما سواه، «وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ» ، وهو لكلّ أحد صمد، ليست أحديّته عددانيّة، ولا صمديّته جَسَدانيّة، بوحدانيّة وحدته له وحدانيّة العدد، ولتضرّع الجميع إليه له ملكة القدرة الصمد (19) ، عددهُ وحدته، مُلْكته قدرته، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره، عزّ ثناؤه وجلّ سناؤه (20) . أوّل أزليّ، آخر أبديّ، أزله نُهىً 21 لمجاول (21) الأوهام، ودوامه ردعٌ لجوائل (22) الأفهام. (23) لم يزد ملكه إنشاؤه الأشياء، ولا ينقص سلطانه إفناؤه الأرض والسماء، ليس له ظلّ يمسكه، هو يمسك الأشياء بأظلّتها، إنّه بكلّ شيء محيط (24) ، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، خارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء (25) ، لا خلقه فيه، ولا هو في خلقه، «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ» . (26) علا فقرب، دنى فبعد، عُصي فغفر، اُطيع فشكر. (27) رضاه ثوابه لا بانبساط يبهّجه، وسخطه عقابه لا من انقباض يهيّجه (28) . لا ينسى ولا يلهو، لا يلعب ولا يسهو (29) ، يسمع بما يبصر، يبصر بما يسمع (30) ، أزله عين أبده، أبده صِرْف سرمده. تبارك الذي «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (31) موصوفٌ بالآيات، معروفٌ بالعلامات، ظاهر لمدبّراته، جبّار لمسخّراته،، لا تدركه الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (32) . تقدّست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، هو علّام الغيوب، هو دليل المتحيّرين، هو ستّار العيوب، هو غافر المذنبين، لغيبه حجب، تاه في أدنى أدانيها كلّ عقل طامحٍ (33) ، ولسرّه أستار افتضح أوّل خوضها كلُّ جالعٍ جامحٍ، «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَا هُوَ» (34) «وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» (35) . لم يزل عالما بالأشياء قبل أن ينشأها، بعين علمه بها بعد أن أبدعها «يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا» (36) ، «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» . (37) لا يضمنه زمان، ولا يحويه مكان، ولا تحمله أرضه، ولا تُقلّه سماؤه (38) ، هو أيَّن الأين، هو كَيَّف الكيف، فكيف أين كان، وأين كيف كان، خنق متى كان بحبال متى لم يكن خزق (39) أين كان بنبال. إنّه كان ولا مكان، والآن كما كان، كان سميعا إذ لا مسموع، مبصرا إذ لا مبصر، خالقا إذ لا مخلوق، ربّا إذ لا مربوب، ويكون بعد الأشياء بعين 41 ما كان معها وقبلها. تبارك الذي لا يبلغه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، ليست له صفة تنال، ولا حدّ يضرب له فيه الأمثال، وللّه المثل الأعلى، تقدّس وتعالى، سبحان اللّه عمّا يعقل، والحمد للّه على ما يفعل، ولا إله إلّا اللّه كما وصف، واللّه أكبر من أن يوصف (40) . أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وحده لا شريك له، إلها واحدا متوحّدا بالأزليّة والخالقيّة، أحدا صمدا فردا متفرّدا باللّازمانيّة واللّامكانيّة، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. وأنّ أمير المؤمنين والمجتبى وسيّد الشهداء والسجّاد والباقر والصادق والكاظم والرِّضا والجواد والهادي والزكيّ والمهديّ عباد اللّه وأوصياء رسوله صلى الله عليه و آله ، وأنّ نوره ونور آله صلى الله عليه و آله نورٌ واحدٌ، وعقل واحد ساجد. وأنّ أوّل نور خلقه اللّه ، وأوّل عقل أنشأ اللّه إنّما هو نور نبيّنا المصطفى (41) المنتجب، المكرّم المقرّب، سيّد المرسلين، خاتم النبيّين، إمام الرحمة، مفتاح البركة، وسيلة رضوان اللّه ، ذريعة غفران اللّه ، أوّل خير الأصفياء، أفضل أفضل أفضل الأنبياء، عزّ آله الأطهار وشيعتهم، غيظ طواغيت الكفّار وتبعتهم، مصدّق الحجج الماضين والباقين، بشيرٌ ونذير (42) ورحمةٌ للعالمين (43) ، مبلِّغ ولاية أمير المؤمنين بالكتاب المبين، على ما نزل به الروح الأمين، لإتمام النِّعمة بإكمال الدِّين (44) ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما. (45) فصلّى اللّه وملائكته عليه وآله المعصومين (46) الأنجبين، آل طه ويس، شفعاء يوم الدِّين، بهم أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبهم ينزل غيث السماء، وينبت عُشْب الأرض، ويبثّ الرّخاء، وبهم يُستجاب الدُّعاء، ويرجى دوام النّعماء، وبهم عُبد اللّه ، ولولاهم لما (47) عبد اللّه . (48) وأنّ ليلة القدر بعد أفضل خير البشر إنّما هي لأمير المؤمنين وأولاده (49) الأحد عشر، (50) وأنّ اللّه الخالق لا من شيء، والمنشى ء من لا شيء، خلقهم فأحسن خلقهم، وصوّرهم فأحسن صورهم، وجعلهم عينه في عباده، ولسانه في بلاده، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدلّ عليه، ويده المبسوطة بالرحمة (51) ، وكلمته الناطقة بالحكمة (52) ، وعلمه الدال على الهدى، ونوره الهادي في غياهب الدّجى، وعزّه لأحبّائه، وغيظه على أعدائه، ولطفه الممتاز للمؤمنين، وسيفه الجُراز 55 على الملحدين، وقوام أرضه وسمائه وما بينهما، وَآفقُ (53) عباده في الاُفق الأعلى، لا ينالهم الأيدي والأبصار، ولا يبلغهم الهمم والأفكار (54) ، صلوات اللّه عليهم وعلى جميع الحجج الأطهار، ما دامت لشيعتهم الجنّة ولأعدائهم النار. وأنّ الإمام الحقّ يجب أن يكون معصوما من الخطأ والزلل، مصونا من الخلل في القول والعمل، مطهّرا من الذنوب، مُبْرَأً من العيوب، عاقلاً عن اللّه ، ناطقا بالصدق للّه ، هاديا من الحقّ، داعيا إلى الحقّ، مدفوعا عنه وُقُوب الغواسق، ممنوعا منه نُفُوث كلّ فاسق، منصوصا للوصاية، مخصوصا بالولاية، ظاهرا (55) إلى آدم نسبا، ممتازا عن الجميع فضلاً وحسبا، موصوفا بالعلم من صَبائه، معروفا بالحلم من يَفاعِه إلى انتهائه، منزّها عن العاهات، مزكّى عن الآفات، محفوظا من اللّهو في عبادته، مكلوءا (56) من السهو في إمامته، قيّما للكتاب، حَكَما بفصل الخطاب، عالما بحكم الحلال والحرام، عارفا بحكم الفرائض والأحكام، علّاما بما يسأل عنه، حلّالاً لما يرد عليه، فتّاحا لمعمّيات السنن، دفّاعا لملبّسات الفتن، مرضيّا في أقواله وأفعاله، مرعيّا بعين اللّه في جميع أحواله. (57) وأنّ أكبر الثقلين حجّة بحجّة الحجّة في البين، محفوظة آيها من التحريف، مصونة كلماتها من التصريف. «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (58) ، ظاهر الأحاديث في ذلك مأوّل بالمتون ذات البطون، وشرح جبرئيل عليه السلام تلك المتون: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ» في عليّ، واللّه هكذا نزلت (59) ، يعني بشرحها، وبيانها. وتحريف القراءة والإعراب ليس من هذا الباب، كما في «وسَلَ_مٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ» (60) «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ » (61) «وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ» (62) . قال اللّه تبارك وتعالى: «نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (63) . وأنّ جميع ما جاء به سيّد المرسلين وخاتم النبيّين صلّى اللّه عليه وآله حقّ. وأنّ جميع ما جاء به خير البشر إنّما هو على ما ضبط من أوصيائه الاثني عشر صلوات اللّه عليهم. وأنّ العمل من الإيمان، وتصديقه المحض لو لم يكن للّه فيه المشيئة لا ينجي من النيران، إلّا لعذر من التقيّة وغيرها، كمَن آمن ومضى. وأنّ التبرّي من عامّة أهل الضلال والبطلان، واللّعن عليهم بالقلب واللِّسان، بلا اتّقاء من أهل الظلم والعدوان، نصف الإيمان. وأنّ الإمام الحقّ في هذا الزمان، ومهديّ هذه الاُمّة الخلف المنتظر حجّة اللّه بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم. «وَ أَنَّ السَّاعَةَ» بعَقَباتها وعُقوباتها ومثوباتها «ءَاتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ» (64) للوقوف بين يدي اللّه العفوّ الغفور، للحساب والقضاء، والعدل والعطاء، على ذلك أحيى وأموت، واُبعث إن شاء اللّه تعالى، والسلام على مَن اتّبع الهدى. أمّا بعد، فاعلم يا بنيّ _ أبقاك اللّه بفضله، وطوّل عمرك بطوله، وثبّتك على الإيمان بالولاية بالنبيّ وآله صلّى اللّه عليه وآله _ أنّ علمه تبارك وتعالى علمه، لا علم بكيفيّته لأحد غيره، اعترف العقل بالعجز فهدى، والسُعداء به يقتدون، واستكبر الجهل بنفسه فهوى، والأشقياء على إثره يهرعون، فاستعذ باللّه واعترف، وخُذ لنفسك من نفسك وأنصف. «وَ مَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِيلاً» ، (65) فاحذر ولا تتفكّر في أنّ علمه عزّ اسمه حصوليّ فيمن لم يزل، أو حضوريّ عند من لا يزال، فيُلجئك على أيّهما ترضى إلى أقوال باطلة ومذاهب مضلّة، بل إلى أقبحها (66) طريقة، وأفضحها كفرا وزندقة من يتخبّطه الشيطان من المسّ (67) ، لا يشعر أنّ الأزليّ لا يحدّ ولا يحسّ، لُبس الأزلي حدوث ونشوء، لبس القَدَري نفوث وغلو، إخفاس كفر المتصوّفة من أساس شرك المتفلسفة، شبهات الفلاسفة شُبّاك العناكب، والقَدَريّة ذِبّان عُمّة في المعاطب. مَثَل المفتاح وحركة اليد قياس الصانع تعالى بالزماني المجسّد، «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ» (68) . ومِثْل مَثَل البحر والموج، غلط من أبناء هَبَنَّقة (69) . وحكاية سلسلتي البدو والعود شطط وشيطنة وزندقة. وقصّة النزول والصعود والتشكّلات سرقت من تناسخيّة جاكرلات. وأمّا حديث : «لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله» أو «لكفّره» حقّ لا يجري فيه الخلف؛ لما جرى فيما بين موسى والخضر كما في سورة الكهف (70) ، كان موسى عليه السلام من اُولي العزم عالما بما لا يحصى ، وكان للخضر عليه السلام علوم لم يعرفها موسى، وتعاجيب علم لا يتناهى لا يتناسى، قتل النفس بغير النفس عمدا يوجب الحكم على القاتل قودا. قال أبو جعفر عليه السلام : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّ حديث آل محمّد صعبٌ مستصعب، لايؤمن به إلّا مَلكٌ مُقرَّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان...» (71) ، الحديث. وقال الصادق عليه السلام : «ذُكرت التقيّة يوما عند عليّ بن الحسين عليهماالسلام فقال: واللّه ، لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله: ولقد آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بينهما ، فما ظنّكم بسائر الخلق، إنّ علم العلماء صعبٌ مستصعبٌ لا يحتمله إلّا نبيٌّ مرسل، أو مَلكٌ مقرّب، أو عبدٌ مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان...» (72) ، الحديث. وحديث: «مَن عرف نفسه» (73) مفسّر بحديث «أركان المعرفة» (74) ، كما سيذكر في المقدّمة العاشرة . يا بنيّ _ حفظك اللّه _ إنّ اللّه _ تعالى ذكره _ خلق العقل نورانيّا في ذَراه (75) ، فعقل بنوره وتوفيقه وهداه أنّ الأعلم بما في نظام العالم وشأن نَسقَه بهذا العِظَم والحِكَم إنّما هو صانعه العظيم، ومدبّره الحكيم، جلّ شأنه، وسطع برهانه، فقطع بانحصار القطع بما هو الحقّ فيه ممّا اختلف فيه، فيما أخبر هو به وقاله، فانقطع بالّذين آمنوه وقطعوا سؤاله، وأحسنوا حاله في حاله ومآله، قاطعا بأنّه لن يرضى شأن عظمة ربّ العالمين أن يخبر نَبْذا مخلوقا من الماء والطين بضروريّات الدِّين المبين، بالرموز والكنايات، أو الاُغلوطات (76) والخيدعات (77) ، كما توهّم القَدَرِيّة الهالكة بالضلالات، لعنة اللّه عليهم ملأ الأرضين والسماوات، فقطع العقل وأيقن بالحجّة الباهرة أنّ تلك العظمة القاهرة شأنها أن يخبرهم بها بسفارة الحجج، المنجين سفنهم من اللّجج، بحيث يكون عند جميع الأفهام حتّى (78) فهم من له شعور في سنّ الصِباء على السواء كالشمس في رابعة النهار، بالنظر إلى جميع الأنظار، وعزيمة «عليكم بدين العجايز» 82 نصّ في ذلك لاُولي الألباب. هل تفاوت في الاعتقاد بالمنكر والنكير بين تعقّل المؤمن العالم الخبير، وتصوّر ابنه الصغير بأنّهما ملكان جسمانيّان، يجيئان ويمشيان، ويسئلان بجارحة اللّسان، وفي يدهما إرزّبتان (79) جسمانيّتان، يضربان على هام الملاحدة والكفّار، فتطمّ قبورهم في كلّ ضربةٍ من النار (80) ؟! أو هل يتفاوت فهم الكبير ودرك الصغير تسوية اللّه الأرض بزلزلة الساعة، وهو شيءٌ عظيم (81) بحيث إذا كانت بيضة في مغربها لرأيت من مشرقها قِفاف (82) من التراب في طبق لتسوّى بأدنى تحريك من ذي رمق، واللّه خلق الإنسان من علق (83) ، ولخلق السماوات أكبر (84) ؟! (85) أو هل تفاوت في تصوير المكلّفين وتصديق المؤمنين، جمع اللّه الأوّلين والآخرين بالحشر الجسماني في الموقف الجسداني وأهوالهم من الصراط وميزان الأعمال، وغير ذلك من سائر تلك الأحوال، «أَيَحْسَبُ الْاءِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِىٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِىَ الْمَوْتَى» (86) ؟! أو هل يتفاوت الاعتقاد بضبط أسرع الحاسبين (87) أعمال عباده في صحائف ليوم الدِّين، ونظائرها يوم التناد على رؤوس الأشهاد، عند الفاضل الفقيه ، وابنه ابن السبع كما سمع من أبيه أو أترابه (88) أومعلّميه؟! ليست جهنّم التي كانوا يوعدون إلّا وهدات (89) في وهدة عظيمة عميقة، وحفرات في حفرة وسيعة قعيرة، حاقّة حطمة، طامّة مطمومة من نار تلظّى، لا يصليها إلّا الأشقى الذي كذّب وتولّى ، فيها غضبان وحيّات، ولها تحطّم وهدّات، أوّل دركاتها عميق، ولصاخّة لهباتها زفير وشهيق، إنّها ترمي بشررٍ كالقَصر، كأنّه جِمالات صُفر، مُثّل في حدّتها حدّة أدنى الشرارة التي وقودها الناس والحجارة، تلقي سكّانها بأحرّ ما لديها من أليم النكال، وشديد الوبال، وعقاربها الفاغرة (90) أفواهها، وحيّاتها الصالقة (91) بأنيابها، وشرابها الذي يقطّع أمعاء وأفئدة سكّانها، فويلٌ للقدريّ الجاحد والفلسفيّ الكافر، وطوبى لمن آمن باللّه واليوم الآخر (92) . وهل الجنّة التي أعدّت للمتّقين إلّا روضات جسمانيّة نورانيّة عرضها كعرض السماوات. (93) «فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ» . (94) «وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» . (95) «دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» . (96) أظهر من الشمس ، إنّ شمس الضحى لا يتفاوت بالنظر إلى أنظار الأصحّاء، والتفاوت في العقائد بالتشكيك المعروف غير التفاوت في المعتقد عليه الموصوف . وأمّا العلم بأنّ للشمس فلكين أو ثلاثة ومنطقتها توازي فلك البروج البتّة، وهي تقاطع منطقة المائل وغير ذلك من المسائل، فمن المزايا والفضائل لا مدخل لها فيما لا يتفاوت منها في الأبصار عند الإبصار. «قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا» . (97) «وَاللّه ُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» . (98) إخبار اللّه المخلوق الأوّل بخلق الدنيا كذا وكذا وهي هكذا، وكذا إخباره عباده بغيب الآخرة وأحوالها. اعلم يا بنيّ _ أعانك اللّه وأعطاك خير الدنيا والآخرة بحقّ الحسين وأخيه وجدّه وأبيه واُمّه وبنيه صلوات اللّه عليهم _ أنّ لنظام الإيمان سلسلة واحدة نورانيّة متّصلة من لدن آدم إلى قيام الساعة، ولرسوم الكفر سلاسل شتّى متفرّقة ظلمانيّة في مقابلها، وكما أنّ سلسلة الإيمان في جميع الأزمان قائمة بالحجج المعصومين في كلّ زمان بحجّة من حجج ربّ العالمين وشيعتهم، فسلاسل الكفر قائمة في جميع الأعصار والدهور بالغرور اللّعين وطواغيته وتبعتهم . افترقت اليهود بعد موسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، إحداها ناجية والباقية هالكة، والنصارى على اثنين وسبعين كذلك، وهذه الاُمّة على بضع وسبعين، إحداها ناجية والباقية باغية هالكة. (99) وكما أنّ في شيعة كلّ حجّةٍ أكابر فضلاء في المعارف البيضاء، ففي تبعة كلّ طاغوت مشايخ كبراء وأبالِسَة مُهَراء في الشيطنة والنَكْراء. كانت المساجد الأربعة التي كانت بناها ثلاثة من أخيار السلف، في أعلى علوّ درجات العزّة والشرف، وأقصى قُصُوّ طبقات الحرمة والزَّلَف، بإجماع المسلمين والمؤمنين من السلف والخلف، كمسجد مكّة، والمدينة، والحائر، والنجف، كأنّها أربعة أركان لحوزة الإسلام وحَوْمَته، أوأربعة أسوار لمدينة الإيمان ودَوْمَته، كلّ من جانب؛ لمكانته في مكانه، كالآفاق الأربعة للعالم ونظام زمانه هذا في المشرق، وهذا في مقابله، وثالثها في الجنوب، والرابع في مماثله، هذا هو الكافي بحجّة الإعجاز لطالبي هُدى الإسلام، وهذا هو الفقيه العدل الممتاز للسائلين عن حكم الحلال والحرام، والثالث التهذيب لسرائر المؤمنين، والرابع الاستبصار لبصائر المستبصرين. (100) فوفّقت بعون اللّه وطفقت أخذا بتوفيق اللّه في تأليف كتاب على نَسَق كتاب الكافي؛ ليكون كافيا بميامن الكافي لمن أراد الانتقام والتلافي. وكان تأليف الكافي بالأمر المشافهي من صاحب الأمر صلوات اللّه عليه. وسمّيته ب «الهدايا لشيعة أئمّة الهدى» ورتّبته بعون اللّه وحُسن تأييده على اثنتي عشرة مقدّمة وثلاثين جزءا وخاتمة:

.


1- . في «الف»: «بحمده».
2- . هود (11): 41.
3- . الإسراء (17): 9.
4- . في «ب» و «ج»: - «في».
5- . النساء (4): 165.
6- . الأنفال (8): 42.
7- . اقتباس من الآية 30، الإنسان (76).
8- . في «ب» و «ج»: «يحلّ».
9- . اقتباس من الآية 23، الأنبياء (21).
10- . في «ب»: «أحد».
11- . اقتباس من الآية 7، الحجرات (49).
12- . اقتباس من الآية 8 ، الحجرات (49).
13- . تحبير اللغات: تحسينها. اُنظر: الصحاح، ج 2، ص 620 (حبر).
14- . من قوله: «ما خلق» إلى «تصاريف الصفات» اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 134، باب جوامع التوحيد، ح 1. وأيضا كثير من عباراته اقتباس من الآيات والروايات.
15- . من قوله: «ليس لإرادته» إلى «وأمره واقع» اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
16- . «تضعضع» أي خضع و ذلّ. النهاية لابن الأثير، ج 3، ص 187؛ القاموس المحيط، ج 3، ص 56 (ضعضع).
17- . يس (36): 83 .
18- . الزخرف (43): 87 .
19- . في «الف» و «ب»: «الصمديّة».
20- . «السناء» بالمدّ: الرفعة. مجمع البحرين، ج 1، ص 231؛ المفردات في غريب القرآن، ص 429 (سنا).
21- . «المجاول»: جمع مجول بفتح الميم، و هو مكان الجولان أو زمانه. في لسان العرب، ج 13، ص 184 (رفن): الْمَجْوَل: مَفْعل من الجَوَلان.
22- . «الجوائل»: جمع جائلة من الجولان.
23- . من قوله: أزله نهىً _ إلى _ الأفهام، اقتباس من المروي في الكافي، ج 1، ص 140، باب جوامع التوحيد، ح 5.
24- . اقتباس من الآية 54 ، فصّلت (41).
25- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 85 ، باب أنّه لايعرف إلاّ به، ح 2.
26- . المجادلة (58): 7.
27- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
28- . اقتباس من المرويّ في الأمالي للصدوق، ص 278، المجلس 47، ح 6 .
29- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
30- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 108، باب آخر و...، ح 1.
31- . الشورى (42): 11.
32- . اقتباس من المرويّ في كفاية الأثر، ص 261، باب ما جاء عن محمّد بن جعفر؛ و عنه في البحار، ج 4، ص 54 ، باب نفي الرؤية، ح 32.
33- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 135 باب جوامع التوحيد، ح 1. و«الطامح»: المرتفع. راجع: مجمع البحرين، ج 2، ص 393 (طمح).
34- . الأنعام (6): 59.
35- . الزخرف (43): 84 . في «ج» : - «وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ».
36- . الحديد (57): 4.
37- . الزخرف (43): 84 .
38- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
39- . خَرَقَه خزقا من باب ضرب: طعنه، وخَزَقَ السهمُ القرطاس: نفذ منه فهو خازق. المصباح المنير، ج 1، ص 168 (خزق).
40- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 134، باب جوامع التوحيد، ح 1.
41- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 442، باب مولد النبيّ، ح 10.
42- . اقتباس من الآية 119، البقرة (2).
43- . اقتباس من الآية 107، الأنبياء (21).
44- . اقتباس من الآية 3، المائدة (5).
45- . اقتباس من الآية 128، التوبة (9).
46- . اقتباس من الآية 56 ، الأحزاب (33).
47- . في «الف»: «ما».
48- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 144، باب النوادر، ح 5.
49- . في «ب» و «ج»: وولده.
50- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 253، باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر، ح 9.
51- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 143_145، باب النوادر، ح 3، 5 ، 7.
52- . في «ب»: بالرحمة.
53- . «الآفق» على فاعل: الذي قد بلغ الغاية في العلم و الكرم وغيره من الخير. لسان العرب، ج 10، ص 6 (أفق).
54- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 199، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، ح 1.
55- . في «ج»: طاهرا.
56- . يقال: كلأك اللّه كِلاءَةً، أي حَفِظَك وحرسك، والمفعول منه مَكْلوء. لسان العرب، ج 1، ص 145 (كلأ).
57- . الفِقْرة الأخيرة من كلامه من قوله: «وأنّ الإمام الحقّ _ إلى _ في جميع أحواله» اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 203، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، ح 2.
58- . فصّلت (41): 42.
59- . العمدة، ص 99، الفصل 14، ح 132؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 239؛ و الآية في المائدة (5): 67 .
60- . الصافات (37): 130.
61- . الشرح (94): 7.
62- . المائدة (5): 6 .
63- . الحجر (15): 9.
64- . الحجّ (22): 7.
65- . اقتباس من الآية 85 ، الإسراء (17).
66- . في «ب»: أقحمها.
67- . اقتباس من الآية 275، البقرة (2).
68- . الطور(52): 35_36.
69- . في لسان العرب، ج 10، ص 365 (هبنق) : «وهبنّقة القَيْسي: رجل كان أحمق بني قيس بن ثعلبة... و كان يضربُ به المثل في الحمق».
70- . الكهف (18): 65 _ 82 .
71- . الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ح 1.
72- . الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أن حديثهم...، ح 2.
73- . عوالى¨ اللآلي، ج 4، ص 102، ح 149.
74- . لم نعثر عليه.
75- . أنا في ظلّ فلان وذَراه، أي في كنفه وسِتْره. لسان العرب، ج 14، ص 284 (ذرا).
76- . «الاُغلوطة»: الكلام الذي يغلط فيه و يغالط به، لسان العرب، ج 7، ص 363 (غلط).
77- . طريق خادِع و خَيْدَع: مضلّ، كأنّه يخدع سالكه. المفردات في غريب القرآن، ص 276 (خدع).
78- . في «الف» و «ب»: «حقّ».
79- . المِرْزَبَة والإرْزَبَّة: عُصَيَّةٌ من حديد. لسان العرب، ج 1، ص 416 (رزب).
80- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 3، ص 239، باب المسألة في القبر و...، ح 12.
81- . اقتباس من الآية 1، الحجّ (22).
82- . «القفّ»: ما ارتفع من متون الأرض وصلبت حجارته، والجميع: القفاف. كتاب العين، ج 5 ، ص 28 (قفف).
83- . اقتباس من الآية 2، العلق (96).
84- . في «الف»: «أبكر».
85- . اقتباس من الآية 57 ، غافر (40).
86- . القيامة (75): 36 _ 40.
87- . اقتباس من الآية 62 ، الأنعام (6).
88- . «أترابه»: أمثاله. في مجمع البحرين، ج 2، ص 12 (ترب): «وقوله تعالى: «عربا أترابا» ، أي أمثالاً وأقرانا. واحده: ترب».
89- . الوَهد والوَهْدَة: المطئنّ من الأرض والمكان المنخفض كأنّه حفرة. لسان العرب، ج 3، ص 471 (وهد).
90- . فغرالفم نفسُه وانفغر: انفتح، يتعدّى ولايتعدّى... وفي حديث عصا موسى على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام : «فإذا هي حيّة عظيمة فاغرة فاها». لسان العرب، ج 5 ، ص 59 (فغر).
91- . الصَّلْقة والصَّلْق والصَلَق: الصياح والولولة والصوت الشديد... وصَلَق نابه يصلقه صَلْقا: حكّه بالآخر فحدث بينهما صوت. لسان العرب، ج 10، ص 10، ص 205 (صلق).
92- . الفقرة الأخيرة في بيان صفات جهنّم اقتباس من سورة الحاقّة (69): 1 _ 3؛ الهُمَزة (104): 4 _ 5 ؛ الليل (93): 14 _ 19؛ هود (11): 106؛ المرسلات (77): 32 _ 33؛ التحريم (66): 6 ؛ المزمّل (73): 12.
93- . اقتباس من الآية 133، آل عمران (3)؛ و 21، الحديد (57).
94- . الغاشية (88): 12 _ 16.
95- . الواقعة (56): 20 _ 24.
96- . يونس (10): 10.
97- . الأنعام (6): 104.
98- . يونس (10): 25.
99- . إشارة إلى حديث الإفتراق، رواه الخاصّة والعامّة. راجع: بحارالأنوار، ج 28، ص 2 _ 31، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ على...؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 608 ، ح 4596؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 25، ح 2640 و ص 26، ح 2441؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1321، ح 3991؛ مسند أحمد، ج 2، ص 332، ح 8377 .
100- . إشارة إلى الموسوعات الأربعة الحديثيّة: الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار.

ص: 56

. .

ص: 57

. .

ص: 58

. .

ص: 59

. .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

. .

ص: 63

. .

ص: 64

. .

ص: 65

. .

ص: 66

. .

ص: 67

. .

ص: 68

. .

ص: 69

المقدّمة الاُولى:قد ذكر العلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن مطهّر الحلّي قدس سره: أنّ الشيخ الصدوق ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني _ طاب ثراه _ قد قال في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، فقال: والمراد بقولي عدّة من أصحابنا: محمّد بن يحيى العطّار، وعليّ بن موسى الكميداني (1) ، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم. وقال: وكلّما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة، وأحمد بن عبداللّه بن اُميّة، وعليّ بن الحسن . قال: وكلّما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد فهم: عليّ بن محمّد بن علّان، ومحمّد بن أبي عبداللّه ، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني. (2)

.


1- . كذا، وفي المصدر: «الكمنداني».
2- . خلاصة الأقوال، ص 272، الفائدة الثالثة.

ص: 70

المقدّمة الثانية:قد ظهر اصطلاح جديد من بعض المعاصرين 1 في ذكر أسانيد الأخبار فجرينا عليه غالبا في هذا الكتاب؛ قصدا إلى الإعانة للمتعلّم على الحفظ والضبط، والاقتصار في الاختصار، ولكلّ جديدٍ لذّة، فقد يعبّر عن الجماعة المذكورة في المقدّمة الاُولى في كلّ من المواضع الثلاثة بالعدّة اكتفاءً بالقرائن المتّصلة. والعبارة عن محمّد بن إسماعيل وشيخه الفضل بن شاذان: النيسابوريّان. وربّما يتكرّر في أوائل أسانيد الكافي والتهذيب أيضا أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، وقد يُعبّر عنهما فيهما بأحمد بن إدريس عن محمّد بن أبي الصهبان، فالعبارة عنهما: القمّيّان. وإن تفرّد أحدهما عن الآخر، فالعبارة عن الأوّل: القُمّي، وعن الثاني: الصُهباني. وإن اجتمع الأربعة بالعطف وكان المرويّ عنه صفوان بن يحيى يقال: الأربعة، عن صفوان. وكثيرا مّا يتكرّر في أوائل أسانيد الكافي والتهذيب أيضا الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، فيكتفى عن ذكرهما بأن يقال: الاثنان. والعبارة عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عُمير: الثلاثة. فإن كان تتمّة السند عن حمّاد عن الحلبي فيعبّر عنهم بالخمسة. وحمّاد هذا هو حمّاد بن عثمان، والحلبي عبيداللّه بن مُحمّد مصغّرا إلّا أن يكون الراوي عن حمّاد إبراهيم بن هاشم، فحمّاد هو حمّاد بن عيسى. وقد قال العلّامة الحلّي قدس سره: قد يغلط جماعة في الإسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حمّاد بن عيسى، فيتوهّمونه حمّاد بن عثمان، وهو غلط؛ فإنّ إبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان بل حمّاد بن عيسى. (1) والعبارة عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير: الخمسة أيضا. والفرق بين الخمستين أنّ الاُولى تمام السند، والثانية بعضه . ويعبّر عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني: بالأربعة أيضا. وستعرف الفرق بين الأربعة الاُولى وغيرها. ويعبّر عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم: بالأربعة عن محمّد. وحمّاد هذا هو حمّاد بن عيسى؛ لما عرفت آنفا. وربّما يكون مكان محمّد بن مسلم غيره فيقال: الأربعة عن فلان . والعبارة عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم: محمّد عن الأربعة. والفرق بين الأربعتين الأوّلتين بكون الاُولى تمام السند والثانية بعضه، وبين الأربعتين الأخيرتين أنّ الاُولى في أوّل السند والاُخرى في آخره، وبين الأربعة الاُولى وغيرها بكون المرويّ عنه في الاُولى صفوان. ويُعبّر عن الأربعة الفطحيّة المذكورة في الكافي والتهذيب أيضا هكذا: أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطي: بالفطحيّة. ويُعبّر عن المشايخ الثلاثة المذكورة في الكافي والتهذيب أيضا هكذا: محمّد بن النعمان، عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه محمّد بن الحسن بن الوليد: بالمشايخ. وربّما يتكرّر في الكافي والتهذيب أيضا رواية الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي؛ وكذا رواية سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبداللّه بن عبدالرحمن الأصمّ، عن مسمع بن عبد الملك. وكذا رواية الصفّار عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار، فيعبّر هكذا: الحسين أو سهل أو الصفّار، عن الثلاثة. والفرق بين الثلاثة الاُولى وغيرها بأنّ الاُولى في أوّل السند والبواقي في آخره. وأمّا الفرق بين البواقي فبالراوي عنهم. وربّما يتكرّر في أواسط السند محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، فيعبّر عنهما بالمحمّدين. وربّما يتكرّر في أواخر السند هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، فيُعبّر عنهما بالاثنين. والفرق بين الاثنين الأوّل والثاني هذا بما به الفرق بين الثلاثة الاُولى وغيرها. ويُعبّر عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد بالقاسم، عن جدّه. والعبارة عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي: عليّ عن عمّه. وعن ابن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم الأحمر: ابن أسباط عن عمّه. وربّما يتكرّر في السند أسماء رجال كثيرة الألفاظ مثل: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وعبد الرحمن بن الحجّاج البَجَلي، وعبد الرحمن بن أبي نجران التميمي، وعبد الرحمن بن أبي عبداللّه البصري، وعبد الرحمن بن محمّد العَرزميّ، ومحمّد بن عيسى العبيدي اليقطيني، وإبراهيم بن أبي محمود الخراساني، وعبداللّه بن يحيى الكاهلي، وبُريد بن معاوية العجلي، وأحمد بن الحسن الميثمي، وعليّ بن محمّد القاساني، وجعفر بن محمّد الأشعري، وسليمان بن جعفر الجعفري ، وسليمان بن داود المِنْقرَي، والهَيْثَم بن أبي مسروق النَهدي، وإبراهيم بن عمر اليماني ، ومحمّد بن خالد الطيالسي، وإسماعيل بن الفضل الهاشمي، والحسن بن الحسين اللؤلؤي، والحسن بن عليّ الكوفي ، وهارون بن حمزة الغنوي، وإبراهيم بن زياد الكرخي، وعليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال التيملي، وعليّ بن الحسن الطاطري (2) ، والقاسم بن محمّد الجوهري، وشعيب بن يعقوب العقرقوفي ، وموسى بن اُكيل (3) النُميري، وأحمد بن محمّد السيّاري، وبكر بن محمّد الأزدي، وأيّوب بن نوح النخعي، ومحمّد بن أحمد العلوي، وسليمان بن حفص المروزي، ومحمّد بن سليمان الديلمي، وأبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري، ومحمّد بن مسعود العيّاشي، وإبراهيم بن نعيم أبي الصباح الكناني، وثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي، وعبداللّه بن محمّد أبي بكر الحضرمي، وأبي عبداللّه أحمد بن محمّد العاصمي، وأبي عبداللّه محمّد بن أحمد الرازي الجاموراني، فيكتفى عنها بكلمات النسبة. كما يكتفى بالأوصاف والألقاب عن أسماء جمع من الرجال كأبي عبداللّه محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد، ومحمّد بن الحسن الصفّار، والحسن بن موسى الخشّاب، والحسن بن محبوب السرّاد، والحسن بن زياد الصيقل، والحسن بن عليّ الوشّاء، والحسين بن نعيم الصحّاف، وزياد بن عيسى أبي عبيدة الحذّاء، وإبراهيم بن زياد أبي أيّوب الخرّاز _ بتوسّط المهملة _ وعبداللّه بن محمّد الحجّال ، وعبداللّه بن ميمون القدّاح، وعبيداللّه بن عبداللّه الدّهقان، وعبداللّه بن عبد الرحمن الأصمّ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزيّات، وأبي اُسامة زيد الشحّام، وأبي العبّاس محمّد بن جعفر الرزّاز، وأبي العبّاس فضل بن عبد الملك البقباق، وأبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول الملقّب بمؤمن الطاق ، ويزيد بن إسحاق شعر، ومنصور بن يونس بزرج. وكما يكتفى بالنسبة إلى الأجداد عن أسماء جماعة مثل عليّ بن محمّد بن بندار، وأحمد بن محمّد بن عيسى، والحسن بن محمّد بن سماعة، ومحمّد بن الحسن بن شَمّون، والحسن بن عليّ بن يوسف بن بَقّاح، والحسن بن عليّ بن فضّال، وعليّ بن الحسن بن رِباط، وعليّ بن أحمد بن أشيم، وجعفر بن محمّد بن قولويه، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع، والحسين بن الحسن بن أبان، ومحمّد بن عليّ بن محبوب، والحسن بن عليّ بن يقطين، والحسن بن عليّ بن أبي حمزة، ومحمّد بن عبداللّه بن هلال، ومحمّد بن عبداللّه بن زرارة، وأحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، وعليّ بن محمّد بن الزبير. وقد يُكتفى عمّن له اسم غريب باسمه عن اسم أبيه، كمسمع بن عبد الملك أبي سيّار الملقّب بِكِرْدِين، ودُرُسْت بن أبي منصور الواسطي، وذريح بن محمّد بن يزيد المُحاربي أبي الوليد، ويُقال له: ذريح بن يزيد، وذُبْيان بن حكيم الأودي _ بضمّ المعجمة وإسكان المفردة _ وبنان بن محمّد بن عيسى أخي أحمد بن محمّد بن عيسى _ بتقديم المفردة على النون _ ويقال له: عبداللّه بن محمّد ، وسماعة بن مهران الحضرمي، ورفاعة بن موسى النخّاس الأسدي. ويكتفى عمّن كان لأبيه اسم غريب بنسبته إليه وحذف اسمه كعليّ بن رئاب، وعليّ بن أسباط، وغياث بن كلوب، وإسماعيل بن مرّار. وعن معاوية بن عمّار، ومعاوية بن وهب كذلك. وعن أكثر العبادلة كذلك أيضا مثل عبداللّه بن المغيرة، وابن أبي يعفور، وابن مسكان، وابن بكير . وعن الحسين بن عليّ بن يقطين إذا كان مع أخيه الحسن بأخيه، وعن أبيهما إذا كان معهما بأبيه. وربّما يحذف أسماء الآباء لدلالة القرائن عليها كعليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن يحيى في أوائل أسانيد الكافي، وسهل بن زياد، وأحمد بن محمّد في ثوانيها. وقد يقعان في أوائلها بحذف الصدر. وكأحمد بن محمّد، والحسين بن سعيد، وسعد بن عبداللّه في أوائل أسانيد التهذيب أو أواسطها ، وموسى بن القاسم البجلي في أوائلها في كتاب الحجّ، والنضر بن سويد وفضالة بن أيّوب المتكرّرين بعد الحسين غالبا، وأبان بن عثمان، وعثمان بن عيسى، وصفوان بن يحيى، وحمّاد بن عثمان، وحسين بن عثمان المتكرّرين غالبا فيما قبل آخر السند أو آخره. ويكتب حسين هذا بلا لام. وعاصم بن حميد الراوي عن محمّد بن قيس، وحميد بن زياد الراوي عن ابن سماعة، وعليّ بن أبي حمزة الراوي عن أبي بصير، والعلاء بن رزين ومحمّد بن مسلم المتكرّرين معا في أواخر السند. وقد يُحذف اسم الجدّ في مثل محمّد بن أحمد بن يحيى، واسم الأب في مثل عليّ بن إسماعيل الميثمي المتكرّر في أوائل أسانيد التهذيب. كلّ ذلك مع عدم الاشتباه. وكثيرا مّا يتكرّر في أثناء أسانيد التهذيب أبو جعفر خصوصا في كتابي الزكاة والصيام، والمظنون أنّه أحمد بن محمّد بن عيسى ، وقد قطع بعض أئمّة علم الرجال بأنّه هو إذا روى عنه سعد؛ فلعدم اليقين يتبع في التعبير عنه بأبي جعفر صاحب التهذيب قدس سره.

.


1- . خلاصة الأقوال، ص 281، الفائدة التاسعة.
2- . أي كان بيّاعا للثياب الطاطريّة.
3- . في «ب» و «ج»: «الكميل».

ص: 71

. .

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

المقدّمة الثالثة:معنى قولهم: قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : أنّهم أجمعوا على توثيقه وتوثيق من يروي عنه. قال أبو عمر محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي رحمه الله في كتابه عند تسميته الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام : قد أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلاموانقادوا لهم بالفقه، وقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خَرَّبوذ، وبُريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستّة زرارة. وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي واسمه يحيى بن القاسم: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري المرادي. (1) وروى بإسناده عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «أوتاد الأرض وأعلام الدِّين أربعة: محمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وليث بن البختري المرادي، وزرارة بن أعين». (2) وقال في تسميته الفقهاء من أصحاب الصادق عليه السلام : قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون هؤلاء الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم، وهم ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان وأبان بن عثمان. قال (3) : وزعم أبو إسحاق الفقيه _ يعني ثعلبة بن ميمون _ أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحاديث أبي عبداللّه عليه السلام (4) . رجل حَدُث وحَدِث بضمّ الدال وكسرها، وحِدْث (5) وحِدّيث: شابّ وكثير الحديث أيضا، والجمع على كلا المعنيين: أحاديث شاذّ، وحِدْثان ويُضمّ؛ قاله في القاموس (6) ، فإن ذكرت السنّ قلت: حديث السنّ . وقال أبو عمرو الكشّي رحمه الله في تسميته الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرّضا عليهماالسلام : قد أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام منهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن عليّ بن فضّال، وفضالة بن أيّوب. وقال بعضهم مكان ابن فضّال: عثمان بن عيسى. وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري. (7) وقال الحسن بن عليّ بن داود في رجاله: أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنّهم يتفاوتون وهم ثلاث درج: الدرجة العُليا لستّة منهم من أصحاب أبي جعفر عليه السلام أجمعوا على تصديقهم وإنفاذ قولهم والانقياد لهم في الفقه، وهم : زرارة بن أعين، معروف بن خَرّبوذ ، بُريد بن معاوية، أبو بصير ليث بن البختري، الفضيل بن يسار، محمّد بن مسلم الطائفي. الدرجة الوسطى: فيها ستّة أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وأقرّوا لهم بالفقه، وهم من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام : يونس بن عبد الرحمن، صفوان بن يحيى بيّاع السابري، محمّد بن أبي عمير، عبداللّه بن المغيرة، الحسن بن محبوب، أحمد بن محمّد بن أبي نصر. الدرجة الثالثة: فيها ستّة أجمعوا على تصديقهم وثقتهم وفضلهم، وهم: جميل بن درّاج، عبداللّه بن مُسكان، عبداللّه بن بُكير، حمّاد بن عيسى، حمّاد بن عثمان، أبان بن عثمان. وأفقههم جميل بن درّاج رضوان اللّه عليهم أجمعين. (8)

.


1- . رجال الكشّي، ص 238، ح 431، وفيه: «اجتمعت» بدل «قد أجمعت».
2- . رجال الكشّي، ص 238، ح 432.
3- . في المصدر : «قالوا».
4- . رجال الكشّي، ص 375، ح 705. وفيه: «وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام ».
5- . في «ج»: «حديث».
6- . القاموس المحيط، ج 1، ص 164 (حدث).
7- . رجال الكشّي، ص 556 ، ح 1050، وفيه: «أجمع أصحابنا» بدل «قد أجمع الأصحاب».
8- . رجال ابن داود، ص 384 _ 385.

ص: 76

. .

ص: 77

المقدّمة الرابعة:قد اشتهر في كتب أصحابنا الأخباريّين ذكر طائفة من الرجال بالألقاب والكُنى دون الأسماء. منهم: الصفواني، من تلامذة ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ اسمه محمّد بن أحمد بن أبي عبداللّه بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمّال، يُكنّى أبا عبداللّه ، ثقة ثقة، باهلَ قاضي الموصل في الإمامة بين يدي ابن حمدان فحّم القاضي من ساعته وانفلج كفّه التي باهله بها واسودّت ومات من الغد، فعظمت منزلة أبي عبداللّه الصفواني عند الملك بذلك. (1) والوشّاء، اسمه الحسن بن عليّ. والحجّال، اسمه عبداللّه بن (2) محمّد. والنوفلي الراوي عن السكوني، اسمه الحسين بن يزيد. والبقباق، اسمه الفضل بن عبدالملك. والسكوني بالفتح، اسمه إسماعيل بن أبي زياد. واسم أبي زياد (3) : مسلم. والبزوفري، اسمه الحسين بن سفيان. والكاهلي، اسمه عبداللّه بن يحيى. والساباطي، اسمه عمرو بن سعيد. والنخعي، اسمه أيّوب بن نوح. قال العلّامة الحلّي قدس سره : ويجيء النخعي لغيره (4) ، فيُعرف بالقرائن. والقلانسي، وحمدان النّهدي، كلاهما عبارة عن محمّد بن أحمد، ويقال القلانسي للحسين بن المختار أيضا ولغيره ، فالاعتبار بالقرائن. وسعدان بن مسلم، هو عبد الرحمن بن مسلم. والمسعودي، هو عليّ بن الحسين. والشاذاني، هو محمّد بن أحمد بن نُعيم، وهو أيضا شاذان بن نُعيم. والطّاطري، اسمه عليّ بن الحسن. وأبو أيّوب الخرّاز _ بتوسّط المهملة _ اسمه إبراهيم بن عثمان. وأبو عليّ الأشعري، اثنان، أحدهما: أحمد بن إدريس، والآخر: محمّد بن عيسى بن عبداللّه بن سعد بن مالك شيخ القمّيّين. وأبو المَغْراء _ بالفتح والمدّ والغين المعجمة _ اسمه حُميد. وأبو وَلّاد، اسمه حفص ، وحفص _ بالصّاد المهملة _ ولد الأسد. وأبو خالد القمّاط، اسمه يزيد بن سعد، وقيل: زيد بن سعد. وأبو سعيد القمّاط، هو خالد بن سعيد . والقمّاط، بنّاء بيوت القصب. وأبو داود المسترقّ _ بتشديد القاف _ اسمه سليمان بن سفيان. وأبو عبيدة الحذّاء، اسمه زياد بن عيسى. وابن حمدون الكاتب، اسمه أحمد بن إبراهيم. وأبو عبد اللّه العمركي، الراوي عن عليّ بن جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام ، اسمه علي البرمكي. ومحمّد بن أبي الصهبان، هو محمّد بن عبد الجبّار. وأبو الربيع الشامي، اسمه خُليد مصغّرا، وهو خُليد بن أوفى. وأبو الجيش الحبيش، (5) اسمه مظفّر. وأبو همّام، اسمه إسماعيل بن همّام. وأبو الصباح الكناني، اسمه إبراهيم بن نُعيم. وأبو الفضل الحنّاط _ بالنون _ اسمه سالم. وأبو حنيفة سابق الحاجّ _ بالمفردة _ اسمه سعيد بن بيان. وأبو خديجة، هو سالم بن مُكْرَم. وعمرو بن أبي المقدام، هو عمرو بن ثابت. وقيل: عُمر بالضمّ، وضبطه العلّامة الحلّي قدس سره بالضمّ (6) . وقال ابن داود: عمرو بن أبي المقدام _ بالواو _ ثابت بن هرمز العجلي مولاهم (7) . وضبط مولانا أحمد الأردبيلي رحمه اللهبالواو، وقال: كذا بخطّ الشيخ. وقيل: عمر، بضمّ العين. (8) وأبو أيّوب الأنصاري، هو خالد بن زيد. وأبو الخطّاب ملعون، ولقبه مِقْلاص، أقلصت الناقةُ: إذا سمنت في الصيف، وناقة مِقْلاص، واسمه: محمّد بن أبي زينب ؛ قاله العلّامة قدس سره (9) . وقال ابن داود: محمّد بن مقلاس بالسّين المهملة ، وبعض أصحابنا أثبته بالصّاد المهملة، ويكنّى مقلاص أبا زينب الزرّاد (10) . وقال الغضائري: محمّد بن أبي زينب أبو الخطّاب السرّاد _ لعنه اللّه _ أمره مشهور. (11) وقال الكشّي: يكنّى أبا إسماعيل وأبا الظّبيان، كان يكذب على أبي عبداللّه عليه السلام و أبو عبداللّه عليه السلام كان يلعنه ويبالغ في لعنه. (12) وقال ابن داود في موضع آخر في فصل في ذكر جماعة اشتهرت كناهم وخفيت أسماؤهم: محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب هو زيد، قاله محمّد بن بابويه رحمه الله 13 . وأبو سمينة، اسمه، محمّد بن عليّ بن إبراهيم القرشي الصيرفي، قال العلّامة: ضعيف. (13) وأبو الجوزاء، هو منبّه بن عبداللّه ، ثقة. وأبو بكر الحضرمي، اسمه عبداللّه بن محمّد، صرّح به الصدوق في الفقيه. (14) وحفص بن أبي ولّاد، هو حفص بن سالم. وأبو جميلة، هو المفضّل بن صالح. وعبد الرحمن بن أبي نجران، هو عبد الرحمن بن عمرو بن مسلم. ومحمّد بن أبي عمير، هو محمّد بن زياد. وعليّ بن أبي حمزة، هو عليّ بن سالم. وعبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، هو عبد الرحمن بن ميمون البصري . وعبد اللّه بن أبي يعفور، هو عبد اللّه بن قيس بن منصور ، وقيل: اسم أبي يعفور واقد ، وقيل: وقدان. (15) وأحمد بن محمّد بن أبي نصر؛ هو أحمد بن محمّد بن زيد. وأبو جرير، هو زكريّا بن إدريس. وأبو مالك الحضرمي، هو الضحّاك. وأبو مريم، هو عبد الغفّار. وأبو بشر بن أبي فاختة، هو سعيد بن جهمان. وأبو القاسم، الراوي عنه الحسن بن محبوب، هو معاوية بن عمّار. وأبو الحسن السوّاق، ويقال: القلاّء، هو عليّ بن محمّد بن عليّ بن عمر بن ربّاح _ بتشديد المفردة _ واقفي ثقة.

.


1- . راجع: رجال النجاشي، ص 393، الرقم 1050.
2- . في «ج»: - «بن».
3- . في «ج»: - «واسم أبي زياد».
4- . خلاصة الأقوال، ص 271.
5- . في «ج»: - «الجيش».
6- . خلاصة الأقوال، ص 241.
7- . رجال ابن داود، ص 478، الرقم 350.
8- . لم نعثر عليه.
9- . خلاصة الأقوال، ص 271. وما أثبتنا هو الصحيح، وفي النسخ : «واسمه: محمّد بن الحسن بن أبي سارة» وهو من سهو النسّاخ أو قلم المصنّف رحمه الله.
10- . رجال ابن داود، ص 510 ، الرقم 467.
11- . حكاه عنه في رجال ابن داود، ص 510.
12- . راجع: رجال ابن داود، ص 511. هكذا نقل عن الكشّي. ولم أجده في رجال الكشّي.
13- . خلاصة الأقوال، ص 271، الفائدة الاُولى، الرقم 26.
14- . الفقيه، ج 4، ص 456، كتاب المشيخة.
15- . خلاصة الأقوال، ص 108، الرقم 25.

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

. .

ص: 81

المقدّمة الخامسة:من الذين ضبطت روايتهم بالعدد : عليّ بن يقطين، لم يرو عن الصادق عليه السلام إلّا حديثا واحدا. وعبداللّه بن مسكان، لم يرو عنه عليه السلام إلّا حديث مَن أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ. (1) وحمّاد بن عيسى، لم يرو عنه عليه السلام إلّا عشرين حديثا، ويروي عن أبي الحسن الأوّل والثاني عليهماالسلام . ومات في حياة الجواد عليه السلام ولم يحفظ منه حديثا، وكان ثقةً في حديثه صدوقا. قال: سمعت من أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثا فلم أزل اُدخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين؛ كان متحرّزا في الحديث ومبالغا في الاحتياط في ضبطه، دعا له أبو عبداللّه عليه السلام بأن يحجّ خمسين حجّة فحجّها وغرق بعد ذلك ، وكان من جهينة، ومات بوادي قباء بالمدينة وله نيّف وتسعون سنة رحمه الله. (2) وإدريس بن عبداللّه الأشعري، روى عن الرضا عليه السلام حديثا واحدا، وهو ثقة. ومسمع بن عبداللّه ، وقيل: ابن مالك 3 ، وقيل: ابن عبد الملك (3) ، ولقب مسمع كمنبر كِرْدين بكسر الكاف، روى عن الباقر عليه السلام رواية يسيرة وعن الصادق عليه السلام ، وأكثر واختصّ به. ويعقوب بن شعيب، روى عن الصادق عليه السلام خمسة آلاف حديث. وأبان بن تغلب، روى عنه عليه السلام ثلاثين ألف حديث. وجعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه أبو القاسم شيخ المفيد رحمهماالله؛ من خيار أصحاب سعد بن عبداللّه ، روى عن أبيه الملقّب بمسلمة وأخيه عن سعد، وكان جليل القدر عظيم الشأن، وقال: ما سمعت من سعد إلّا أربعة أحاديث. (4) قال العلّامة الحلّي قدس سره : وكان أبو القاسم اُستاد الشيخ المفيد رحمهماالله من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الفقه والحديث، وكلّ ما يوصف به الناس من جميل وثقة فهو فوقه، مات رحمه اللهسنة ثمان وستّين وثلاثمائة هجرية. (5)

.


1- . رجال الكشّي، ص 382 _ 383، ح 716.
2- . خلاصة الأقوال، ص 56 ، الرقم 2. وراجع أيضا رجال الكشّي، ص 142، ح 370.
3- . رجال النجاشي، ص 420، الرقم 1124.
4- . رجال النجاشي، ص 123، الرقم 318.
5- . خلاصة الأقوال، ص 31، الرقم 6 . نقله عن العلاّمة ملخّصا. وفي الخلاصة: «مات سنة تسع وستّين وثلاثمائة».

ص: 82

المقدّمة السادسة:نظير تصريح ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني _ طاب ثراه _ في خطبة الكافي بأمثال قوله: ويأخذ منه من يريد علم الدِّين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام (1) تصريح الشيخ الصدوق رئيس المحدّثين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه رحمهمااللهفي خطبة الفقيه بأنّ ما ذكره فيه حجّة بينه وبين اللّه . (2) قال الفاضل الاسترآبادي مولانا محمّد أمين صاحب الفوائد المدنيّة رحمه الله: والسرّ في ذلك أنّ الصحيح عند قدماء أصحابنا الإخباريّين _ رضوان اللّه عليهم _ ما علم بقرينةٍ وروده عن المعصوم، وتلك القرائن كانت عندهم وافرة؛ لقرب عهدهم بهم عليهم السلام لا المعنى المصطلح عليه بين أصحابنا المتأخّرين الاُصوليّين، الموافق لاصطلاح العامّة المذكور في فنّ الدراية. (3) وقد صرّح المحقّق نجم الدِّين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي رحمه اللهفي اُصوله: بأنّ شيخ الطائفة ورئيسهم أبا جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه اللهيعمل بخبر الواحد العدل الإمامي غير المحفوف بقرينة (4) . ويعلم من ذلك أنّ طريقة رئيس الطائفة في هذا الباب طريقة قدماء أصحابنا الإخباريّين رحمهم الله. ومحمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني رحمه الله قد نقل في كتاب معالم العلماء عن الشيخ المفيد قدس سره أنّه قال: صنّفت الإماميّة من عهد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم إلى عهد الزكي أبي محمّد العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تُسمّى الاُصول ، وهذا معنى قولهم: فلان له أصل (5) . يعني أنّ الكتب التي استقرّ الأمر في قيام السُنّة على اعتبارها والتعويل عليها وتسميتها بالاُصول هي هذه الأربعمائة، لا أنّ كتبهم منحصرة فيها، فإنّها أكثر من أن تُحصى. ورجال الصادق عليه السلام من الخاصّة والعامّة على ما أفاده المفيد قدس سره في إرشاده، 6 أربعة (6) آلاف رجل (7) . فالأخبار المضبوطة بالكتب المعتبرة المتواترة متواترة كلّها، لكن قد يخصّ ما يفيد اليقين منها بأحكامه _ لكثرة رواته بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب؛ أو لعدم الاختلاف فيه لتشابهه من جهة _ باسم الخبر المتواتر، وما يفيد الظنّ منها _ بقابليّة تشابهه علاجا من المعالجات المضبوطة عن الأئمّة عليهم السلام كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى _ باسم خبر الواحد أو الخبر الواحد. وفي السنّة _ كالكتاب _ محكم ومتشابه، ناسخ ومنسوخ، عامّ وخاصّ . وكان المتعارف بين قدماء أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث معتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، ومقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه. إمّا لتواتره مطلقا في السنّة القائمة، بصراحة أحكامه المعلوم، أو تأويل تشابهه المعروف. وإمّا لتواتر وجوده في كثير من الاُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم نقلاً عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة صلوات اللّه عليهم . أو في أصل منها أو أزيد بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة. أو في أصل معروف الانتساب إلى أحد من العصابة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة، ومحمّد بن مسلم، والفضيل بن يسار . أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. أو على العمل بروايتهم كعمّار الساباطي، ونظرائه. وإمّا لتواتر اندراجه في أحد الكتب التي عُرِضت على أحدٍ من الأئمّة عليهم السلام فأثنوا على مؤلّفيها، مثل كتاب عبيداللّه الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام (8) ، وكتاب يونس بن عبد الرحمن (9) ، وكتاب الفضل بن شاذان المعروضين على الزكيّ أبي محمّد العسكري عليه السلام (10) . وإمّا لأخذه من أحد الكتب التي شاع بين السلف الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة مثل كتاب الصلاة لحريز بن عبداللّه السجستاني، وكتب بني سعيد، وعليّ بن مهزيار ؛ أو من غير الإماميّة مثل كتاب حفص بن غياث القاضي العامّي، والحسين بن عبداللّه السعدي، وكتاب القبلة لعليّ بن الحسن الطاطري. لكن المتأخّرين من علمائنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم لمّا رأوا أنّه ليس بدٌّ من تحصيل الترجيح عند تعارض الخبرين المعتمد عليهما على طريقة القدماء _ بالرجوع إلى حال الرجال في الجرح والتعديل، وابتناء الحكم على ما هو الأرجح لو لم يكن ما يعارضه هو الأحوط في المذهب، ولم يلزم بترك ما هو الأرجح حرجٌ _ اصطلحوا (11) على تنويع الحديث المعتبر في صحيح، وحسن، وموثّق، وضعيف. فجميع سلسلة السند إن كان إماميّين ممدوحين بالتوثيق سمّوه صحيحا، أو إماميّين ممدوحين بدون التوثيق كلّاً أو بعضا مع توثيق الباقي سمّوه حسنا، وإن كانوا كلّاً أو بعضا غير إماميّين مع توثيق الجميع سمّوه موثّقا ، وإلّا ضعيفا. والمشهور أنّ أوّل مَن اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك العلّامة الحلّي قدس سره . وقد أشاروا عليهم السلام في الأحاديث الواردة عنهم في التراجيح والمعالجات عند التعارض والتشابه الموجبين للاختلاف إلى ذلك بقولهم عليهم السلام : «فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما وأصدقهما في الحديث» (12) ، وهذا وجه من وجوه التراجيح المنصوص عليها. ولا شكّ أنّ بعد استقرار الاعتبار بالكتب المضبوطة المتواترة اشتداد الحاجة عند التعارض والتشابه إنّما هو إلى غير المعالجة بالجرح والتعديل من وجوهها الاُخر. وقد ذكر ثقة الإسلام في خطبة (13) الكافي أربعة منها، وسيذكر خامسها في المقدّمة الثانية عشر في شرحها إن شاء اللّه تعالى، مع أنّ في العلاج بالجرح والتعديل وشرائطهما آراء كثيرة وأقوال مختلفة لا يحصل للنفس منها اطمئنان بما كان منها أبين رجحانا أو أثبت برهانا ، فالجري على قانون القدماء وطريقتهم أولى وأسهل لنفي الحرج المنفيّ. وقد جرى ثقة الإسلام في الكافي، والصدوق في الفقيه في إطلاق الصحيح على ما يعتمد عليه ويركن إليه كما عرفت على ما ذكر من حكمهما بالصحّة؛ لكون جميع ما في الكتابين مستخرجا من الكتب المضبوطة المعتبرة التي عليها المعوّل وإليها المرجع. وقد قال صاحب الاستبصارين في كتاب عدّة الاُصول: إنّ ما اُورده في كتابي الأخبار إنّما آخذه من الاُصول المعتمد عليها. (14) وجرى العلّامة والشهيد في مواضع من كتبهما على طريقة القدماء، مع أنّهما الأصل في اصطلاح المتأخّرين ، وقد سلك على ذلك المنوال كثير من فحول علماء الرجال، فحكموا بصحّة حديث بعض الرواة الغير الإماميّة كعليّ بن محمّد بن رَباح وغيره؛ لِما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم مع عدم كونهم من الذين انعقد الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم وتصديقهم، بل معظم المتأخّرين يسلكون كثيرا _ كالعلّامة والشهيد _ طريقة القدماء ، فيصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه واقفيّ، أو فطحيّ، أو ناووسيّ، أو نحوهم بالصحّة؛ نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم وتصديقهم، بل يصفون مراسيل هؤلاء، ومقاطيعهم ومرافيعهم، وأسانيدهم إلى الضعفاء والمجاهيل بالصحّة؛ لذلك. فقيل في وجه وصفهم طائفة من المراسيل بالصحّة كمراسيل ابن أبي عمير ما شاع بينهم: أنّه كان لا يرسل إلّا عن الموثوق به (15) . وقيل: بل وجهه أنّ كتبه ذهبت حين كان في الحبس وكان يحفظ أربعين مجلّدا كانت رواياته فيها مسندة ، فحدّث بها مَن حَفِظَها، وأمّا التي ذهبت في أيدي الناس فهي معلومة الاتّصال والإسناد إجمالاً وإن فاتته طرق الإسناد على التفصيل (16) ، ومنهم مَن أنكر ذلك فقد قال المحقّق في المعتبر: إنّ ابن أبي عمير يرسل عن أربعين من أصحاب الصادق عليه السلام فيهم المجاهيل والضعفاء ، فإذا أرسل احتمل الجميع. (17) وقال بعض المتأخّرين: إنّ المرسل الذي يرويه عن المعصوم من لم يدركه بواسطة أو بغير واسطة، سواء نسي الواسطة أو تركها، أو أبهمها بقوله: عن رجل، عمّن أخبره، عن بعض أصحابنا مضطربٌ (18) غير معتمد عليه، كالمقطوع الذي لم يبلغ إسناده إلى المعصوم ، بل ينتهي إلى بعض الوسائط، وكالمضطرب المرويّ تارةً على وجه واُخرى على آخر مخالف له . وأمّا المضمر المروي من الثقات المشهورين من رجالهم عليهم السلام ، فإن كان الإضمار فيه للاعتماد على القرينة الواضحة، أو التقيّة، أو لقطع بعض خبر عن بعضه مع التصريح في المقطوع الأوّل باسم المعصوم ثمّ الإضمار في الثاني بقوله: وسألته، فهو غير مضطرب قطعا بالاضطراب الذي يوجب ترك العمل به، وكذا المرويّ عن أحد تارةً بواسطة واُخرى بدونها؛ لجواز تعدّد السماع، وإلّا فاضطراب (19) حاله بحاله. وبالجملة، هنا عليل وطبيب، فالعليل: كلّ خبر من طريق أصحابنا الإماميّة مضبوط متواتر بكتبهم المضبوطة المتواترة كالأربعة الجامعة لأكثر الأربعمائة، متشابه من جهة فعليّة التشابه الموجب للاختلاف. والطبيب: كلّ إماميّ عدل، فاضل بالفضل الممتاز، مستجمع لشرائط القضاء والإفتاء، عارف بالأمراض والأدوية حاذق، في المعالجة بها على ما أطلقه المعصوم ورخّصه في ارتكاب المعالجة بالعلاج المعلوم، وعليه كمال الاحتياط ونهاية الاجتهاد فيه، وهو مؤمن بأنّ الطبيب الحاذق ضامن. والعلاج المرخّص فيه أقسام: منها: العرض على محكمات كتاب اللّه ، المضبوطة عبارةً، ومضمونا بمحكمات السنّة القائمة، والأخذ بالموافق، والأخذ بمخالف ما يوافق مذاهب العامّة والرشد في خلافها، والتمسّك بالمجمع عليه، فإنّه لا ريب فيه، والقبول لما وسّع المعصوم من الأمر فيه بقوله: «بأيّهما أخذتم من باب التسليم وَسِعَكم». (20) والأحوط من كلّ ذلك التوقّف والسكوت لو لم يلزم الجرح المنفيّ. وبالعلاج الصحيح في زمن الغيبة لا يحصل إلّا صحّة الظنّ، وقطعيّة الحكم لا ينافي ظنّية الطريق، لكن في العبادات لا ينافيها وهميّة الطريق أيضا فضلاً عن شكّيّته؛ (21) لما سيذكر في بيان الخطبة إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . الكافي، ج 1، ص 25، المقدّمة.
2- . الفقيه، ج 1، ص 2، المقدّمة.
3- . راجع: الفوائد المدنيّة، ص 109.
4- . معارج الاُصول، ص 142.
5- . معالم العلماء، ص 3.
6- . في النسخ: «أربعمائة» وما أثبتناه من المصدر.
7- . الإرشاد، ج 2، ص 179.
8- . الفهرست للطوسي، ص 106، الرقم 455؛ رجال ابن داود، ص 217، الرقم 903.
9- . رجال النجاشي، ص 446، الرقم 1208؛ خلاصة الأقوال، ص 184، الرقم 1؛ رجال ابن داود، ص 380، الرقم 1708.
10- . رجال الكشّي، ص 542 ، ح 1027؛ رجال ابن داود، ص 272، الرقم 1179.
11- . جواب «لمّا».
12- . الكافي، ج 1، ص 67 ، باب اختلاف الحديث، ح 10، الفقيه، ج 3، ص 8 ، ح 3232.
13- . في النسخ: «الخطبة»، والمناسب ما اُ ثبت.
14- . حكاه عنه في الوافي، ج 1، ص 23. ولم أجده في العُدّة. و قال في معجم رجال الحديث في ذيل هذا الكلام نقلاً عن الوافي : «أنّا لم نجد في كتاب العدّة هذه الجملة المحكيّة عنه».
15- . عدّة الاُصول، ج 1، ص 154؛ الوجيزة، ص 5.
16- . راجع: الرواشح السماويّة، ص 114، الراشحة 16، رجال الكشّي، ص 589 ، ح 1103؛ رجال النجاشي، ص 326، الرقم 887 .
17- . المعتبر، ج 1، ص 165. وفيه : «ولو قال: مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب منعنا ذلك؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه، وإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم».
18- . خبر «إنّ».
19- . في «الف»: «فاضطرب».
20- . راجع: الكافي، ج 1، ص 8 و 9 المقدّمة، وص 66 و 68 ، باب اختلاف الحديث، ح 7 و 10، و ص 69 ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ح 1 _ 5. وسائل الشيعة، ج 27، ص 106، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة و... .
21- . في «الف»: «تنكّبه».

ص: 83

. .

ص: 84

. .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

المقدّمة السابعة:المستفاد من أحاديث أئمّتنا عليهم السلام أنّ الوجوب والسنّة والأمر بالشيء في كلامهم عليهم السلام قد يكون أعمّ من الفرض والاستحباب، كما أنّ الكراهة والنهي عن الشيء أعمّ من الحظر والتنزيه ، ولكلٍّ مراتب متفاوتة في التأكّد والشدّة وعدمهما، لكن في عبارات أكثر الفقهاء من الرعيّة سيّما المتأخّرين جميعا يُطلق كلّ من الألفاظ الخمسة في معناه من الأحكام الخمسة، فإطلاق السنّة على فعل أو قول في خبر لا ينافي الحكم بالمعصية على تركه في خبر آخر، وكذا إطلاق الوجوب على شيء أو الأمر به في خبر لا ينافي نفي البأس عن تركه في خبر آخر، وكذا إطلاق الكراهة على فعلٍ أو النهي عنه في حديث لا ينافي نفي البأس عنه في حديث آخر. وقد يكون إيجاب شيء أو تحريمه أصلاً فيه، ومع ذلك قد وردت رخصة في خلافه ، فحُملت احتياطا على أنّها لذوي الأعذار وأهل الزمانة والاضطرار، ولهذا يمكن الجمع بين الأحاديث المتنافية ظاهرا بهذه القواعد أيضا، كما فعله المشاهير من الأصحاب سيّما الشيخ في التهذيبين، والمحقّق في النافع والشرائع والمعتبر.

المقدّمة الثامنة:أسماء خاتم الأنبياء والمرسلين وسيّدهم صلى الله عليه و آله _ وأشهرها محمّد (1) _ وألقابه صلى الله عليه و آله كثيرة: منها: أحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب، والشاهد، والذِّكر، والنور، ونبيّ الرحمة، ونبيّ الملحمة، والضحوك (2) ، والمتوكّل، والقُثم، والفاتح، والأمين، والخاتم، والرسول، والنبيّ الاُمّي . وكنيته صلى الله عليه و آله : أبو القاسم. وروي أنّه لمّا ولد إبراهيم من مارية القبطيّة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: «السلام عليك ياإبراهيم ويا أبا إبراهيم». (3) ومعنى الماحي: أنّه صلى الله عليه و آله يُمحى به الكفر، وقيل: يُمحى به سيّئات شيعة أوصيائه الاثني عشر صلى الله عليه و آله . (4) والحاشر: قال صلى الله عليه و آله : «وأنا الحاشر يُحشر الناس على قدميّ، وأنا العاقب وهو الذي لا نبيّ بعده». (5) والملحمة _ بفتح الميم وسكون اللّام _ : الحرب؛ سمّي صلى الله عليه و آله بذلك لأنّه بعث بالذبح. (6) وعن ابن عبّاس أنّ اسمه صلى الله عليه و آله في التوراة أحمد الضحوك القتّال. (7) والقثم _ بضمّ القاف وفتح المثلّثة من القثم بالفتح _ : وهو الإعطاء والجمع، يعني عظيم العطاء والجموع للخير كلّه. (8) والخاتم _ بفتح التاء وكسرها _ : بمعنى، وقرئ بهما ، وخاتم النبيّين. والاُمّي: لنسبته صلى الله عليه و آله إلى مكّة، وهي اُمّ القرى. قال اللّه تعالى في سورة [الجمعة] «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» (9) . وأسماء أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب وألقابه صلوات اللّه عليه أكثر من أن يُحصى، وهو: سيّد الوصيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدِّين، ومبير الشرك والمشركين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وشبيه هارون، ونفس الرسول وأخوه، وزوج البتول، والحيدر الكرّار، والصدِّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، وقسيم الجنّة والنار، وإمام المشارق والمغارب، وليث بني غالب، ومطلوب كلّ طالب، وأسد اللّه ، وسيف اللّه ، وباب اللّه ، وباب مدينة العلم، ووجه اللّه ، وحبيب اللّه ، وعين اللّه ، ويد اللّه ، وأمير البَرَرة، وقاصم الكَفَرة، والمرتضى، وصفوة اللّه ، (10) وصفوة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وكنيته صلوات اللّه عليه: أبو الحسن، وأبو الحسنين، وأبو محمّد، وأبو تراب، وأبو الريحانتين، وأبو السبطين، وأبو الأئمّة عليهم السلام . وهو القرآن الناطق، وأوّل أحد الثقلين صلوات اللّه عليه. وسيّدة نساء العالمين اُمّ الأئمّة فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله مضت ولها صلوات اللّه عليها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوما. وفي رواية اُخرى: ثمانية عشر سنة وشهر وخمسة عشر يوما. (11) وفي الحديث من طرق الخاصّة والعامّة قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها». (12) وقال صلى الله عليه و آله في معنى قوله تعالى: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ» (13) قال: «سأله بحقّ محمّد وعليّ والحسن والحسين وفاطهض لوات اللّه عليهم». (14) ومن ألقاب الحسن بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما: السيّد، والسبط، والشبل، (15) والتقيّ، والزكيّ، والوليّ، والطيّب، والوزير، والقائم، والحجّة. وكنيته عليه السلام : أبو محمّد، لا غير. ومن ألقاب الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما: السيّد، والسبط، والشبل، (16) والوفيّ، والرشيد، والزكيّ، والمبارك، والتابع لمرضاة اللّه ، والدليل على ذات اللّه . وكنيته عليه السلام : أبو عبداللّه ، لا غير. ومن ألقاب عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما: سيّد الساجدين، وسيّد العابدين، وزين العابدين، (17) وزين العُبّاد، والسجّاد، والزكيّ، والأمين، وذو الثفنات، وآدم آل محمّد. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو محمّد . وقيل: أبو بكر أيضا (18) ، والأشهر: أبو محمّد. ومن ألقاب محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم: الباقر، وباقر العلم، والشاكر، والهادي. وأشهرها: الباقر؛ سُمّي بذلك؛ لتبقّره في العلم، يعني توسّعه. وكنيته عليه السلام : أبو جعفر. ومن ألقاب جعفر بن محمّد صلوات اللّه عليهما: الصادق، والصابر، والفاضل، والطاهر . وكنيته عليه السلام : أبو عبداللّه . وقيل: أبو إسماعيل أيضا. (19) ومن ألقاب موسى بن جعفر: الكاظم، والصابر، والصالح، والعبد الصالح، والعالم، والفقيه، والأمين. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو الحسن الأوّل، وأبو إبراهيم . وقيل: وأبو إسماعيل أيضا. (20) ومن ألقاب عليّ بن موسى صلوات اللّه عليهما: الرضا، والرضيّ، والصابر، والوفيّ، والإمام الضامن، وثالث العليّين أمير المؤمنين، وزين العابدين صلوات اللّه عليهم. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو الحسن الثاني. ومن ألقاب محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهم: الجواد، والتقيّ والقانع، والمرتضى. وكنيته عليه السلام : أبو جعفر، وأبوجعفر الثاني. ومن ألقاب عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهم: الهادي، والنقيّ، والعسكري، والناصح، والمتوكّل، والفتّاح، والمرتضى. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو الحسن الثالث. ومن ألقاب الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهم: الزكيّ، والخالص، والعسكري. وكنيته عليه السلام : أبو محمّد. ومن ألقاب الحجّة بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم: صاحب الزمان، وصاحب الأمر، والمهديّ، والقائم، والمنتظر، والحجّة، وحجّة اللّه ، وخليفة الرحمن، ومظهر الإيمان، والصاحب، وصاحب الدار، والعالم، والبرهان القاطع، والخلف الصالح، وخاتم الوصيّين. وكنيته صلوات اللّه عليه: أبو القاسم عند الخاصّة والعامّة. وفي رواية من طرق العامّة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لبعث اللّه فيه رجلاً اسمه اسمي، وخُلقه خُلُقي، يكنّى أبا عبداللّه ». (21)

.


1- . في «الف»: «محمّده».
2- . في كشف الغمّة، ج 1، ص 9 ، وفيه: «إنّما سمّي بذلك لأنّه كان طيّب النفس». وعنه في البحار، ج 16، ص 116.
3- . بحارالأنوار، ج 16، ص 120 _ 121، وفيه : «السلام عليك أبا إبراهيم، أو يا أباإبراهيم عليه السلام ». وفي «ب» : «يا أبا إبراهيم و يا أبا إبراهيم». الآحاد والمثاني، ج 5 ، ص 448، ح 3127؛ الطبقات الكبرى، ج 1، ص 135، باب ذكر إبراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
4- . المناقب، ج 1، ص 151؛ كشف الغمّة، ج 1، ص 7؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 115، ح 44. وفي المصادر : وقيل: يمحى به سيّئات من اتّبعه».
5- . كشف الغمّة، ج 1، ص 7؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 115، ح 44؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1828، ح 2354؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 135، ح 2840؛ مسند أحمد، ج 4، ص 80 ، ح 16780.
6- . كشف الغمّة، ج 1، ص 8 ؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 116، ح 44.
7- . كشف الغمّة، ج 1، ص 8 ؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 116، ح 44؛ تفسير ابن كثير، ج 2، ص 73. وفي الأخير فسّره بأنّه ضحوك لأوليائه، قتّال لأعدائه.
8- . القاموس المحيط، ج 4، ص 161؛ لسان العرب، ج 12، ص 462 (قثم).
9- . الجمعة (62): 2.
10- . في «ب» و «ج»: - «وصفوة اللّه ».
11- . كشف الغمّة، ج 1، ص 449، وعنه في بحارالأنوار، ج 43، ص 7، ح 8 .
12- . الأمالي للصدوق، ص 383، المجلس 61 ، ح 1؛ الأمالي للمفيد، ص 95، المجلس 11، ح 4؛ بحار الأنوار، ج 43، ص 19، ح 2 و 4؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 167، ح 4730؛ المعجم الكبير، ج 1، ص 108، ح 182؛ كنز العمّال، ج 13، ص 674 ، ح 37725.
13- . البقره (2): 37.
14- . الكافي، ج 8 ، ص 305، ذيل الحديث 472؛ معاني الأخبار، ص 125، باب معنى الكلمات التي تلقّاها آدم، ح 2؛ بحارالأنوار، ج 11، ص 77، ح 23.
15- . في «الف»: - «والشبل».
16- . في «الف»: «والنبيل».
17- . في «الف»: - «وزين العابدين».
18- . كشف الغمّة، ج 2، ص 105؛ بحارالأنوار، ج 46، ص 5 ، ح 6 .
19- . كشف الغمّة، ج 2، ص 155؛ بحارالأنوار، ج 47، ص 10، ح 6 .
20- . كشف الغمّة، ج 2، ص 212؛ بحارالأنوار، ج 48، ص 11، ح 8 .
21- . كشف الغمّة، ج 2، ص 471؛ بحارالأنوار، ج 51 ، ص 81 ، ح 37؛ المنارالمنيف، ص 146، ح 333؛ وقريب منه في المعجم الكبير، ج 10، ص 136، ح 10229؛ كنزل العمّال، ج 14، ص 273، ح 38702.

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

المقدّمة التاسعة:قال الشيخ المفيد رحمه الله في إرشاده: وكان الإمام بعد أبي محمّد عليه السلام ابنه المسمّى باسم الرسول صلى الله عليه و آله ، المكنّى بكنيته. ولم يخلّف أبوه عليهماالسلام ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره، وخلّفه أبوه غايبا مستورا. وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومِائَتين ، وكان سنّه عند وفاة أبيه عليهماالسلامخمس سنين ، آتاه اللّه فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آيةً للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيّا. وجعله إماما في حال الطفوليّة الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم عليه السلام في المهد نبيّا . وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من نبيّ الهدى صلى الله عليه و آله ، ثمّ من أمير المؤمنين عليه السلام ، ونصَّ عليه الأئمّة عليهم السلام واحد بعد واحد إلى أبيه الحسن عليه السلام ، ونصّ عليه أبوه عند ثقاته وخاصّته من شيعته. وكان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده، وبدولته مستفيضا قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدى صلوات اللّه عليهم، والقائم بالحقّ المنتظر لدولة الإيمان. وله غيبتان إحداهما أطول من الاُخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، وأمّا القصرى فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته؛ وأمّا الطولى فمن بعد الاُولى، وفي آخرها يقوم بالسيف، قال اللّه تبارك وتعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» (1) ، وقال جلّ اسمه: «وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ اْلأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ» (2) . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لن تنقضي الأيّام والليالي حتّى يبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأها عدلاً وقسطا كما ملئت ظلما وجورا». (3) وقال العلّامة الحلّي قدس سره: وُلِدَ المهدي (4) صاحب الزمان الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليهما يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان، سنة ستّ وخمسين ومائتين. ووكيله عثمان بن سعيد العمري [بالضمّ. وقيل: العَمري بالفتح. نسبة إلى عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أو إلى عمرو أحد أجداده] وهو أوّل من نصّبه العسكري عليه السلام ، ثمّ نصّ أبو عمرو رحمه الله على ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان ، ونصّ أيضا الإمام العسكري عليه السلام عليه، فلمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان الوفاة واشتدّت حاله حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة، منهم: أبو عليّ بن همّام، وأبو عبداللّه بن محمّد الكاتب، وأبو عبداللّه الباقطاني، (5) وأبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختي، وأبو عبداللّه بن الوَجناء، وغيرهم من الوجوه الأكابر، فقالوا له: إن حدث أمر فمَن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بيني وبين صاحب الأمر، والوكيل، والثقة الأمين، فارجعوا في اُموركم إليه وعوّلوا عليه في مهامّكم، فبذلك اُمرت وقد بلّغت ، ثمّ أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السّمري، فلمّا حضرته الوفاة سئل أن يوصي، فقال: للّه أمرٌ هو بالغه، ومات رحمه اللهسنة تسع وعشرين وثلاثمائة. (6) وقال شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله: وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم: أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي... مات على ظاهر العدالة لم يتغيّر ولم يطعن عليه. ومنهم: أحمد بن إسحاق وجماعة، وقد خرج التوقيع في مدحهم. وروى أحمد بن إدريس عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن أبي محمّد الرازي، قال: كنت وأحمد بن أبي عبداللّه بالعسكر، فورد علينا [رسول] (7) من قِبَل الرجل، فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات. (8) وقال برهان الفضلاء (9) سلّمه اللّه تعالى: كان أوّل السفراء الأربعة: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري. وثانيهم: ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان. وثالثهم: أبو القاسم الحسين [بن] رُوح _ بضمّ الرّاء وقيل بفتحها _ ابن أبي بحر النوبختي. ورابعهم: أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري _ بفتح السين المهملة وضمّ الميم وتخفيف الراء _ نسبةً إلى أحد أجداده. و«السّمر» كالعضد: شجر معروف الواحدة سمرة. وقيل: هو السّمري بفتحتين وتشديد الراء نسبة إلى سامرّا وسرّ من رأى كسامريّ.

.


1- . القصص (28): 5 _ 6 .
2- . الأنبياء (21): 104.
3- . الإرشاد، ج 2، ص 340 بتفاوت يسير.
4- . في «الف»: - «المهدي».
5- . في «ب» و «ج»: «الناقطاني».
6- . خلاصة الأقوال، ص 273، الفائدة الخامسة، بتفاوت يسير.
7- . أضفناه من المصدر.
8- . الغيبة للطوسي، ص 415 _ 417.
9- . هو المولى خليل اللّه القزويني.

ص: 95

. .

ص: 96

المقدّمة العاشرة:قد تواتر في الاُمّة حديث النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «القَدَريّة مجوس هذه الاُمّة» (1) . فقالت الأشاعرة: القدريّة هم المعتزلة المفوّضة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَرهم واستقلالهم في القدرة عليها. وقالت المعتزلة: بل القدريّة هم الأشاعرة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَر اللّه تعالى. والحقّ كما هو المستفاد من أحاديث أئمّتنا صلوات اللّه عليهم: أنّ القدريّة _ لعنهم اللّه _ هم الصوفيّة من أيّ فرقة كانوا، فلمّا كانوا في المفوّضة أكثر منهم في غيرهم من الفرق ذكرت في بعض الأحاديث بمعنى المفوّضة، كما سيذكر في أحاديث أواخر الأبواب في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. (2) وقد ذكر ابن حمزة (3) في كتاب الهادي إلى النجاة من جميع المهلكات، وكتاب إيجاز المطالب في إبراز المذاهب ، والسيّد المرتضى الحسني الرازي (4) صاحب تبصرة العوام في كتاب الفصول: أنّ عثمان بن شريك الكوفي المشهور بأبي هاشم الكوفي، وهو من المفوّضة، كان أوّل ضالٍّ مضلٍّ، وضع طريقة الصوفيّة وسعى في إضلال الناس بها، وكان في زمن مروان الحمار أخير الخلفاء من بني اُميّة، فاشتهر رهطه بالبهشميّة، والعثمانيّة، والشريكيّة، كانوا يلبسون الصوف والبلاس، ويجتهدون في هزال أبدانهم بإذابتها بالرياضات الشاقّة كالجواكي (5) والنصارى، ويقولون بالحلول والاتّحاد، ووحدة الوجود، والنزول، والصعود، والتشكّل بالصور كالتناسخيّة. وتسميتهم بالقدريّة إمّا من القدر بمعنى الضيق؛ لتضييقهم على أنفسهم بفنون الطاعات المبتدعة، ورسوم الرياضات المخترعة ؛ وإمّا لاشتهار طريقتهم أوّلاً من المفوّضة؛ وإمّا لنسبتهم أفعال اللّه سبحانه إلى قدر المخلوقات ، وقد صرّحوا في كتبهم بأنَّ التقادير والتدابير جميعا من الحقائق والأعيان، وليس للّه سبحانه إلّا إفاضة الوجود. وفي الحديث بإسناد متّصل للشيخ المفيد رحمه الله عن الهادي عليّ بن محمّد عليهماالسلام: «إنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك الذين يجهدون في إطفاء نور اللّه واللّه يُتمّ نوره ولو كره الكافرون». (6) وفي كتاب توحيد الصدوق رحمه الله في باب القضاء والقدر بإسناده عن الصادق عليه السلام : «أنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» » (7) . وقد صرّح ذلك الرومي الملعون منهم، وجوّز في الدفتر الخامس من كتاب المثنوي بما جوّزه المجوس من تحليل الحرام وتحريم الحلال، كنكاح الاُمّهات والبنات والأخوات، والاجتناب عن المباحات بفنون الرياضات، حيث قال: إنّ الشريعة بمنزلة الدواء في مبادئ سلوك العرفاء والإكسير لعمل الكيمياء، فإذا وصل العارف وبرأ من المرض وصار صُفره ذهبا يُطلق من حبال الشريعة وأسرها، وسجن العبادة وقيدها؛ فإنّه إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع. (8) ومن كلامهم لعنهم اللّه : القيد كفر ولو كان باللّه . ومن خدعهم الشيطانية: تسميتهم الزندقةَ والإلحاد بالتصوّف ومسلك للعارفين، والشيطانَ برئيس الموحّدين. وصرّحوا كابن العربي منهم بأنّ اللّعنة أربعة أحرف، كلّ حرف منها اسم من أسماء اللّه تعالى، فاللعنة عين الرحمة. وهؤلاء الملاحدة لم يشعروا بأنّ اللعنة عليهم إنّما هي أقطع الأسلحة وأنفذ الأسنّة، وهي بإحكام صنعها وإتقان تركيبها بتقدير من اللّه العزيز العليم، لن يُقلّل بأمثال تلك المقالات حدّها، ولن يعطّل بأشباه تلك المزخرفات تشدّدها، وهم كما في الحديث من أهل آية «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّه ِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (9) . وفي الحديث بإسنادٍ متّصل للشيخ المفيد رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي وإسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «من ذكر عنده الصوفيّة ولم ينكرهم بلسانه أو قلبه فليس منّا، ومَن أنكرهم فكأنّما جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (10) . وأيضا عن البزنطي بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام: قد ظهر في هذا الزمان قوم يُقال لهم الصوفيّة فما تقول فيهم؟ فقال عليه السلام : «إنّهم أعداؤنا، فمَن مالَ إليهم فهو منهم ويُحشر معهم، وسيكون أقوام يدَّعون حبّنا ويميلون إليهم ويتشبّهون بهم ويلقّبون أنفسهم بلقبهم ويُأوّلون أقوالهم، ألا فمَن مالَ إليهم فليس منّا وإنّا منه براء، ومَن أنكرهم وردَّ عليهم كان كمَن جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (11) . وروى عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه أوّل الصدوقين _ رحمهما اللّه _ عن سعد (12) بن عبداللّه ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الزكيّ أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه قال: سُئل جدّي أبو عبداللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلامعن حال عثمان بن شريك الصوفيّ أبي هاشم الكوفي، فقال: «إنّه كان فاسد العقيدة جدّا، وهو الذي ابتدع مذهبا يُقال له: التصوّف، وجعله مفرّا (13) لعقيدته الخبيثة». وفي رواية اُخرى : «وجعله مفرّا (14) لنفسه الخبيثة وأكثر الملاحدة، وجُنّة لعقائدهم الباطلة». (15) والظاهر من كتبهم المعتبرة بينهم _ كالفتوحات لابن العربي، وفصوصه، والتأويلات لعبد الرزّاق الكاشي، واصطلاحاته، ونصوصه _ : أنّ قولهم بوحدة الوجود، وابتناء طريقتهم الفاسدة عليها اُسوة منهم بزنادقة الفلاسفة . وقد حكى في حكمة الإشراق عن أفلاطون القبطي، قال: إنّ العلّة الاُولى خلق الخلق من نفسها، وكلّ موجود خالق ومخلوق أيضا. وقال القطب الراوندي رحمه الله في الخرائج: إنّ الفلاسفة أخذوا اُصول الإسلام ثمّ أخرجوها على آرائهم فقالوا في الشرع والنبيّ: إنّما اُريد كلاهما لإصلاح الدنيا ؛ فالأنبياء يرشدون العوام لإصلاح دنياهم بالشرعيّات وإنّ الشرعيّات ألطف (16) في التكليف العقلي. فهم يوافقون المسلمين في الظاهر، وإلّا فكلّ ما يذهبون إليه هدم الإسلام، وإطفاء لنور الشرع، ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. (17) وفي الحديث بإسناد الشيخ المفيد رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه قال لأبي هاشم الجعفري: «سيأتي زمانٌ على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمةٌ منكدرة، السُنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقّر، والفاسق بينهم مُوَقّر، اُمراؤهم جاهلون جائرون، وعُلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرِقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون على الكُبراء، كلّ جاهلٍ عندهم خبيرٌ، وكلّ محيل عندهم فقير، لا يميّزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق اللّه على وجه الأرض؛ لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف، وأيم اللّه إنّهم من أهل العدول والتحرّف، يُبالغون في حُبّ مخالفينا ويُبغضون (18) شيعتنا ومَوالينا، فإن نالوا منصبا لم يشبعوا عن الرُشا، وإن خُذِلوا عَبَدوا اللّه على الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدُّعاة إلى نحلة المُلحدين، فمَن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانهُ». ثمّ قال: «يا أبا هاشم، هذا ما حدّثني أبي عن آبائه، عن جعفر بن محمّد عليهم السلام وهو من أسرارنا فاكتمه إلّا عن أهله». (19) ومن ضَلالات القَدَريّة: اعتقادهم في المجانين بأنّهم من المقرّبين، وقد عدّ حجج اللّه صلوات اللّه عليهم الجنون في عِداد البرص والجُذام ونحوهما، وأمروا شيعتهم بالاستعاذة منها (20) ، ونصّوا بأنّ المجانين إذا كانوا غير مؤذين فحكمهم حكم البهائم، وإلّا فكالسباع (21) . وأيضا جعلهم من المقرّبين مع عدم تكليفهم برفع الجنايات، وتطهير النجاسات، والكفّ عن كلمات الكفر والخرافات إن كان من أفعال الحكيم؛ مع النصّ من حججه عليهم السلام على خلافه (22) ، فتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، وإلّا فما أقبح القول وأسخف القطع بتقرّبهم كالمقرّبين المعصومين الطاهرين. ومن كلام روميّهم في مدح الشمس التبريزي من المجانين في زمنه: اى تو همچون مصطفى من چون عمربسته ام در خدمتت زانسان كمر 23 هب التشبيه الأخير. وقد روى عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه في كتاب قرب الإسناد بإسناده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سئل أبو محمّد العسكري عليه السلام عن المجنون، فقال: «إن كان مؤذيا فهو في حكم السباع، وإلّا ففي حكم الأنعام». (23) ولمّا كان نبيّنا صلى الله عليه و آله أفضل الأنبياء والمرسلين وكذا أوصياؤه، وكان دينه صلى الله عليه و آله خير الأديان، وكتابه أعظم الكتب الإلهية قدرا ومنزلةً. وكان من عادة اللّه التي لا تتبدّل، وسنّته التي لا تتحوّل اختبار عباده في الدّين في زمن كلّ حجّة معصوم من الأنبياء والوصيّين بطرق عجيبة من الاختبار، وفنون غريبة من الامتحان، كامتحان قوم نوح بتكلّم سُواع وغيره من أصنامهم. وامتحان بني إسرائيل بُرْهةً بفرعون وطول عمره وعلوّ سلطنته، وتزايد دولته بتوافر اعتدائه وطغيانه، وموافقة أكثر مطالبه الدنيويّة لأمانيّه وأهوائه النفسانيّة، واُخرى بالسامري وعِجْله كفرعون آل محمّد صلى الله عليه و آله وصاحبه. وامتحان قريش تارةً بنطق (24) صنمَيْهم: هبل وصنم من الذهب، واُخرى بتفوّق صنميهم حَبْتَر ودُلام (25) من العرب. كان (26) الامتحان في دينه صلى الله عليه و آله أعظم الامتحانات في سائر الأديان في أيّ دين. ارتدّ يوم قبض بنبيّه جميع الاُمّة إلّا قليلاً منهم ، وقد نزلت في ذلك قوله تعالى في سورة السبأ «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» (27) . سُئِلَ الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال: «إلّا سلمان، وأبا ذرّ، والمقداد». فقيل له: وأين عمّار؟ فقال عليه السلام : «جاض جيضةً (28) ثمّ رجع». (29) فلمّا تفرّقت الاُمّة بكدّ كيد الشيطان وغوايته _ بعد رجوع جماعة عن الارتداد بتوفيق اللّه وهدايته _ على بضع وسبعين فرقة إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، فأخذ الشيطان في التفكّر لأجل الناجية مع علمه بِبُعد تهوّدهم أو تنصّرهم مثلاً بوساوسه وخدعه، وأنّ العاصي منهم له قبول التوبة ولو عند المُعَاينة، وأنّ الزيارات لهم والشفاعات مَآلهم، والولاية حالهم، والنجاة مآلهم، وأنّ محبّة عليّ بن أبي طالب حسنة لا تضرّ معها سيّئة (30) ، فانتهى فكر إبليس اللّعين لأجلهم بذلك الفكر العميق في أواخر ذلك العمر الطويل إلى وضع طريقة التصوّف ممزوجةً من فنون الكفر والإلحاد، وشعوب الضلال والفساد، محفوفة في بدوها بطائفة من مكارم الأخلاق والأعمال، ومحاسن الأقوال والأعمال، مكشوفةً في عودها عن ترك العبادة، والتظاهر بالكفر والارتداد، والتجاهر بالزندقة والإلحاد، ودعوى الفرعونيّة كالنمرود والشدّاد. وفيهم قال الصدوق رحمه الله في كتاب الاعتقادات: تَدَيّن الصوفيةُ بترك الصلاة وجميع الفرائض. (31) وقال الشيخ المفيد رحمه الله: الصوفيّة دينهم ترك الفرائض والمستحبّات، وارتكاب المناهي والمحرّمات. (32) واستشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في الصلاة. وفي الحديث عن الصادقين عليهم السلام : أنّ للمعرفة أركانا أربعة: معرفة العبد ربّه عزّ وجلّ على ما عرّف به نفسه، وأخبر به حججه المعصومون. ومعرفة العبد نفسه يكفيه _ بعد علمه بتصاريف حالاته وكمال نقصه بعجزه وحاجاته _ إيماءً ما إلى قطرة من البحار، وأثر من الآثار توجد بصنعه تعالى في المضغة بعد النطقة والعلقة نِقاطُ سودٍ صغارٍ غاية الصغر بحيث لا يدركها إلّا إمعان النظر، اثنتان منها تصير عينيك بطبقاتهما وأجفانهما وأشعارهما، ومائهما المالح لبقائهما وصلاحهما، ونورهما السيّار في مقدار نصف الأبصار عن الناظر إلى فلك البروج. واُخراوان منها تصير اُذنيك بصماخهما وشكلهما، ومائهما المرّ صونا من اختلالهما بالهوامّ، وسامعتهما التي يدرك الصوت المخلوق بحركة الشفتين أو اللّسان أيضا في الهواء المجاور للحلق أوّلاً، ثمّ في مجاري أمواج الهواء إلى الصماخ مسلسلاً على هيئات الحروف على أنحاء شتّى لا تحصى. وكذلك سائر النِقاط التي تصير بقدرته تعالى: فوك، ولسانك، وأسنانك، وأنفك، وسائر جوارحك من قَرْنك إلى قدمك، ظواهرك وبواطنك. ومعرفة العبد أنّ خالقه لماذا (33) خلقه ليعرفه فيعبده (34) بطاعة من افترض طاعته، ومعرفة العبد عدوّ دينه ورئيس أعداء الدِّين إبليس اللّعين، هو وأبالسته عدوّ مبين غير مبين، يجيئون للتسلّط بالوسوسة من الجوانب الستّة ولا يتراءون، وقد يتمثّلون بأشكالٍ مختلفة. وقصّة الشيخ النجدي الذي أحكم آراء الكفّار في بدر، ثمّ أحكم البيعة أوّلاً مع الأوّل معروفة (35) . فلمّا ابتدع طريقة القدريّة ليسهل له التصرّف بوساوسه المهلكة (36) أهل الفضل والعلم فضلاً عن الرساتيق وعوام الناس. وكان اللّعين عالما بأنّ الصحبة أنفذ تأثيرا لمكائده، والخلطة أكثر تدبيرا للوقوع في مصائده، فسعى وبالغ في مخالطة الشيعة مع رئيس من رؤساء القدريّة بعد تعليمه وتزيينه ظاهره بسمة الصلاح، ودمعة العين وصفرة اللّون، وكثرة الفكر، ودوام الذِّكر، وقلّة النوم، وعزلة القوم. فطوبى لمَن عرف عدوّ دينه، وحذر من مصاحبته المهلكة، وقطع عن مجالسته المردية. (37) وفي الحديث بعدّة طرق عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال ذات ليلة في بعض أسفاره لأبي ذرّ الغفاري: «يا أبا ذرّ، يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم، يرون الفضل لهم بذلك على غيرهم، اُولئك يلعنهم ملائكة السماء والأرض». (38) وكان من مشاهير رؤسائهم وطواغيتهم الحسن البصري، وذمّه ولعنه صريح من المعصومين في مواضع من الكافي وغيره من كتب الأحاديث. (39) وكذا السفيان الثوري، وأبو يزيد البسطامي كان في الظاهر مالكيّا وفي الباطن فرعونيّا. والمشهور في العامّة أنّه خدم جعفر بن محمّد عليه السلام وكان سقّاءً لبابه. وذكر أبو المعالي محمّد بن نعمة اللّه بن عبيداللّه بن عليّ بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيداللّه بن الحسين الأصغر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم في كتاب بيان الأديان، والشيخ المفيد في الحدائق، والسيّد المرتضى الرازي في الفصول التامّة، ومولانا أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة: أنّ ذاك الزنديق الملعون كان في زمن أبي محمّد العسكري عليه السلام ، ولزم أيّاما باب جعفر الكذّاب، وكان من كلمات كفره وزندقته: ليس في جبّتي سوى اللّه ، وسبحاني ما أعظم شأني، ورأيت اللّه في المنام واليقظة، ورأيت اللّه في صورة شيخ هرم . (40) والزنديق لم يشعر بأنّ العدوّ المبين الغير المبين قد يظهر بالصور والأشكال للإغواء والإضلال. وكان ذو النون المصري من تلامذة مالك وعاملاً في الفروع بمذهبه. والحسين بن منصور الحلّاج الشهير بالمنصور الحلّاج من تلامذة الشافعي وعاملاً في الفروع بمذهبه، وقد خرج التوقيع في ذمّه ولعنه ، وكان في الآمرين بقتله أبو القاسم الحسين بن روح من سفراء صاحب الزمان صلوات اللّه عليه. (41) وروى ثقة الإسلام في كتاب العقل في باب البدع والرأي والمقاييس بإسناده في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ عند كلّ بدعة يكون من بعدي يُكاد بها الإيمان وليّا من أهل بيتي موكّلاً به يذبّ عنه، ينطق بإلهامٍ من اللّه ، ويعلن الحقّ، وينوّره، ويردّ كيد الكائدين ، يعبّر عن الضعفاء، فاعتبروا يا اُولي الأبصار، وتوكّلوا على اللّه ». (42) قوله صلى الله عليه و آله : «يعبّر عن الضعفاء» أي في دفع الشُبَه والإشكالات. قال الفاضل الاسترآبادي: أي يفصح، والمراد دفع الإشكال عنهم. والأحاديث من طرق الإماميّة في مذمّة الصوفيّة القدريّة ولعنهم وطعنهم كثيرة، أوردنا نبذا منها في جملة مقدّمات الكتاب لهدايا اُولي الألباب. وروى الشيخ المفيد رحمه الله بإسناده عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال: كنت مع الهادي عليّ بن محمّد عليهماالسلام في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري، وكان رجلاً بليغا، وكانت له منزلة عظيمة عنده عليه السلام ، ثمّ دخل المسجد جماعة من الصوفيّة وجلسوا في جانبه مستديرا، وأخذوا بالتهليل، فقال عليه السلام : «لا تلتفتوا بهؤلاء الخدّاعين؛ فإنّهم خلفاء الشياطين، ومخرّبوا قواعد الدِّين، يتزهّدون لإزاحة الأجسام، ويتهجّدون لتصيّد الأنعام ، يتجوّعون عُمرا حتّى تدبّخوا للإكاف حُمُرا، لا يهلّلون إلّا لغرور الناس، ولا يقلّلون الغذاء إلّا لِمَلأ العِساس واختلاس قلب الدِفناس (43) ، يُكلّمون بأمليلائهم (44) في الحبّ، ويطرحونهم بأدليلائهم (45) في الجبّ، أورادهم الرقص والتصدية، وأذكارهم الترنّم والتغنية، فلا يتبعهم إلّا السفهاء ولا يعتقدهم إلّا الحمقاء ، فمَن ذهب إلى زيارة أحدٍ منهم حيّا أو ميّتا فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومَن أعان أحدا منهم فكأنّما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان». فقال رجل من أصحابه: وإن كان معترفا بحقوقكم؟ قال: فنظر إليه شبه المُغضب وقال: «دع ذا عنك، مَن اعترف بحقوقنا لم يذهب إلى عقوقنا، أما تدري أنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا؟! وإن هم إلّا نصارى (46) ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك يجهدون في إطفاء نور اللّه واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون». قوله عليه السلام : «لإزاحة الأجسام» بالزاي والمهملة بعد الألف؛ أي إزالتها بإذابتها بالرياضات المخترعة لتغريرهم الناس باصفرار الألوان وهزال الأبدان. «حتّى تُدَبّخوا» بالمفردة والحاء المهملة والمعجمة معا على المعلوم من التفعيل، دَبّخ الرجل تدبيخا _ بالخاء والحاء جميعا _ : قبّب ظهره وطأطأ رأسه (47) ، ودبّخه غيره كذلك، يتعدّى ولا يتعدّى . و«الإكاف» بالكسر وتخفيف الكاف للحمار، كالوِكاف، أكفتهُ وأوكفته: شددتُ عليه الإكاف (48) . و«المَلأ» بالفتح والهمز كالمنع: مصدر ملأ الإناء فامتلأ و«العِساس» كنصاب: جمع العُسّ _ بضمّ المهملة الاُولى وتشديد الثانية: القدح العظيم (49) . و«الاختلاس»: الأخذ الشديد والانتزاع. و«الدّفناس» بكسر الدال المهملة وسكون الفاء والنون: الأحمق ، كذا الدفنس كزبرج . و«الامليلاء»: افعيعال للمبالغة في طلاقة اللِّسان وحسن الكلام، من الإملاء أمليت الكتاب، وأمللته بمعنىً. و«الادليلاء»: أيضا افعيعال للمبالغة من دلّاه بغرور . قال الجوهري: ادلولى: أسرع، ودلّاه بغرور: أوقعه فيما أراد من تغريره، وهو من إدلاء الدلو (50) . انتهي. أي إرساله إلى «الجبّ» _ بضمّ الجيم _ أي البئر. و«التصدية»: التصفيق، وفي التنزيل: «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً» (51) . و«المُكاء» _ بالضمّ والمدّ _ : الصفير. قيل لي: فما بال الصوفي المتشرّع؟ قلت: لا يُقال ملحد صالح. وفي الحديث بإسناد الشيخ المفيد رحمه الله عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «لا يقول بالتصوّف أحد إلّا لخدعة، أو ضلالة، أو حماقة. وأمّا من سمّى نفسه صوفيّا للتقيّة فلا إثم عليه». (52) وفي رواية اُخرى: «فلا إثم عليه، وعلامته أن يكتفي بالتسمية ولا يقول بشيءٍ من عقائدهم الباطلة، لعنهم اللّه ». (53)

.


1- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و...، ح 29؛ جامع الأخبار، ص 161؛ ثواب الأعمال، ص 214؛ بحارالأنوار، ج 5 ، ص 121، ح 58 ؛ سنن أبي داود، ج 2 ، ص 634 ، ح 4691؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 159، ح 286؛ سنن البيهقي، ج 10، ص 203، ح 20658.
2- . سيذكر في باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين من كتاب التوحيد.
3- . في موسوعة طبقات الفقهاء، ج 7، ص 137، الرقم 2498 : «عبداللّه بن حمزة بن عبداللّه بن حمزة بن الحسن بن عليّ، نصير الدين الطوسي الشارحي المشهدي، يكنّى أبا طالب... كان من وجوه علماء الإماميّة، فقيها، جليل القدر... وقد صنّف نصر الدين كتبا، منها: الهادي إلى النجاة... و إيجاز المطالب في إبراز المذاهب، وهو بالفارسيّة».
4- . في روضات الجنّات، ج 7، ص 164 : «هو السيّد المرتضى بن الدّاعي الرازي الملقّب بصفيّ الدين صاحب كتاب تبصرة العوام في تفصيل مذاهب العليين، ويذكر غالبا مع أخيه السيّد المجتبي الذي هو أحد مشايخ منتجب الدين القمّيّ، ولهما الرواية عن شيخننا الطوسي». وله كتاب الفصول التامّة في هداية العامة. راجع: الذريعة، ج 3، ص 319.
5- . «الجوكيّة»: طائفة من البراهمة يقولون بتناسخ الأرواح. تاج العروس، ج 1، ص 6667 (جوك) .وفي تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 136 : «ومن هؤلاء أهل الرياضة السحريّة يرتاضون بذلك ليحصل لهم الاطّلاع على المغيّبات والتصرّفات في العوالم و أكثر هؤلاء في الأقاليم المنحرفة جنوبا و شمالاً خصوصا بلاد الهند، و يسمّون هنالك: الحوكيّة، ولهم كتب في كيفيّة هذه الرياضة و الأخبار عنهم في ذلك غريبة».
6- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 ؛ ورواه عن كتاب قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص 129.
7- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و...، ح 29؛ والآية في سورة القمر (54): 48 و 49.
8- . مثنوى معنوى، ص 726 مقدّمة الدفتر الخامس.
9- . راجع: الفقيه، ج 4، ص 98، ح 5174 ؛ قرب الإسناد، ص 50 ؛ بحارالأنوار، ج 74، ص 121 _ 122، ح 17. والآية في البقرة (2): 161.
10- . حديقة الشيعة، ص 562 ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج 12، ص 323، ح 14204.
11- . حديقة الشيعة، ص 562 ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج 12، ص 323، ح 14205.
12- . في «الف»: «سعيد».
13- . في «الف»: «مقرّا».
14- . في جميع النسخ بإضافة : «لعقيدته الخبيثة». وما أثبتناه من المصدر، وهو الصحيح.
15- . حديقة الشيعة، ص 564 ؛ وعنه في خاتمة المستدرك، ج 3، ص 285.
16- . في المصدر : «ألطاف».
17- . الخرائج والجرائع، ج 3، ص 1061.
18- . في المصدر : «يضلّون».
19- . حديقة الشيعة، ص 592 ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج 11، ص 380، ح 1330.
20- . راجع: الكافي، ج 2، ص 528 و 531 ، باب القول عند الإصباح والإمساء، ح 20، 25، 26، 28؛ وسائل الشيعة، ج 6 ، ص 478 و 479، باب نبذة ممّا يستحبّ أن يزاد في تعقيب الصبح، ح 9 و 11.
21- . سيأتي بعد أسطر، و في تحرير الأحكام، ج 2، ص 242 (الطبعة القديمة)؛ و كشف اللثام، ح 11، ص 24 : «والمجنون الضاري كالسبع».
22- . في حديث رفع القلم المرويّ في قرب الإسناد، ج 1، ص 72؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 194؛ وسائل الشيعة، ج 28، ص 22، باب أنّه لاحدّ على مجنون ولاصبيّ ولانائم، ح 1، 2.
23- . حديقة الشيعة، ص 578 ؛ مستدرك الوسائل، ج 13، ص 241، باب اشتراط البلوغ والعقل والرشد في جواز البيع والشراء، ح 6 .
24- . في «ب» و «ج»: بتنطّق.
25- . في بحار الأنوار، ج 24، ص 73 : «حبتر ودلام: كناية عنهما». أي الأوّل والثاني.
26- . جواب «لمّا».
27- . سبأ (34): 20.
28- . في «الف» : «جاص جيصة» بالصاد المهملة.
29- . رجال الكشّي، ص 11، ح 24؛ وعنه في البحار، ج 24، ص 165، ذيل الحديث 9. وفيهما عن أبي جعفر.
30- . إشارة إلى الحديث المرويّ في المناقب، ج 3، ص 197؛ كشف اليقين، ص 225؛ ولفظ الحديث على ما في المناقب : «حبّ عليّ بن أبي طالب حسنة لاتضرّ معهما سيّئة، بغضه سيّئة لاتنفع معها حسنة». ومن المعلوم أنّ هذا الحبّ ليس حبّا عاديّا؛ لأنّه لايستدعي عدم إضرار المعصية معه. قال الشيهد الثاني في رسالة العدالة، ص 227 : «على تقدير صحّة الخبر مفتقر إلى التأويل، وأقرب التأويلات حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة».
31- . الاعتقادات، ص 101. وفيه : «وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلّي بالعبادة مع تديّنهم بترك الصلاة وجميع الفرائض».
32- . لم نجد مأخذا له.
33- . في «الف»: «إذا».
34- . في «ج»: «ويعبده».
35- . في الإرشاد، ج 1، ص 349 _ 350 : «أجمع... أهل القبلة من ظهور إبليس لأهل دارالندوة في صورة شيخ من أهل نجد، واجتماعه معهم في الرأي على المكر برسول اللّه صلى الله عليه و آله وظهوره يوم بدر للمشركين في صورة سراقة بن جعشم المدلجي». وراجع: تفسير القمّي، ج 1، ص 272، ذيل الآية 30 من سورة الأنفال؛ بحار الأنوار، ج 19، ص 47، ح 8 .
36- . في «ب» و «ج»: + «في».
37- . في «ب» : «المؤذية».
38- . الأمالي للطوسي، ص 539 ، المجلس 19، ح 1162؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 91، ح 3.
39- . الكافي، ج 1، ص 51 ، باب النوادر من كتاب فضل العلم، ح 15؛ و ج 2، ص 223، باب الكتمان، ح 5 ؛ و ج 4، ص 197، باب ابتلاء الخلق و...، ح 1؛ و ج 5 ، ص 114، باب الصناعات، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 159، ح 3583؛ التهذيب، ج 6 ، ص 363، ح 1040.
40- . حديقة الشيعة، ص 561.
41- . حديقة الشيعة، ص 561.
42- . الكافي، ج 1، ص 54 ، باب البدع والرأي والمقاييس، ح 5.
43- . «الدِفناس»: الأحمق. وقيل: الأحمق البذيّ. لسان العرب، ج 6 ، ص 85 (دفنس).
44- . كذا في جميع النسخ، وفي المصدر : «بإملائهم».
45- . كذا في جميع النسخ، وفي المصدر : «بإذلالهم».
46- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 .
47- . لسان العرب، ج 2، ص 14 (دبخ).
48- . لسان العرب، ج 9، ص 8 (أكف).
49- . كتاب العين، ج 1، ص 75 (عس).
50- . الصحاح، ج 6 ، ص 2339 (دلو).
51- . الأنفال (8): 35.
52- . حديقة الشيعة، ص 605 .
53- . حديقة الشيعة، ص 605 .

ص: 97

. .

ص: 98

. .

ص: 99

. .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

. .

ص: 103

. .

ص: 104

. .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

. .

ص: 109

المقدّمة الحادية عشر:في فهرس أجزاء الهدايا، وأبوابه البيضاء على نسق كتب الكافي وأبوابه الغرّاء: الجزء الأوّل: كتاب العقل. الجزء الثاني: كتاب التوحيد. الجزء الثالث: كتاب الحجّة. الجزء الرابع: كتاب الإيمان والكفر. الجزء الخامس: كتاب الدُّعاء. الجزء السادس: كتاب فضل القرآن. الجزء السابع: كتاب العشرة. الجزء الثامن: كتاب الطهارة والحيض. الجزء التاسع: كتاب الجنائز. الجزء العاشر: كتاب الصلاة. الجزء الحادي عشر: كتاب الزكاة. الجزء الثاني عشر: كتاب الصيام. الجزء الثالث عشر: كتاب الحجّ. الجزء الرابع عشر: كتاب الجهاد. الجزء الخامس عشر: كتاب المعيشة. الجزء السادس عشر: كتاب النكاح والعقيقة. الجزء السابع عشر: كتاب الطلاق. الجزء الثامن عشر: كتاب العتق والتدبير والكتابة. الجزء التاسع عشر: كتاب الصيد والذبائح . الجزء العشرون: كتاب الأطعمة والأشربة. الجزء الحادي والعشرون: كتاب الزيّ والتجمّل والمروّة. الجزء الثاني والعشرون: كتاب الدواجن. الجزء الثالث والعشرون: كتاب الوصايا. الجزء الرابع والعشرون: كتاب المواريث. الجزء الخامس والعشرون: كتاب الحدود. الجزء السادس والعشرون: كتاب الديات. الجزء السابع والعشرون: كتاب الشهادات. الجزء الثامن والعشرون: كتاب القضايا والأحكام. الجزء التاسع والعشرون: كتاب الأيمان والنذور والكفّارات. الجزء الثلاثون: كتاب الروضة.

.

ص: 110

. .

ص: 111

خطبة الكافي

خطبة الكافيبسم اللّه الرحمن الرحيم المقدّمة الثانية عشر في بيان خطبة الكافي بما يتيسّر، وهداياه اثنا عشر: قال ثقة الإسلام طاب ثراه في خطبة الكافي: بِسْمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلّهِ الْمَحْمُودِ لِنِعْمَتِهِ ، الْمَعْبُودِ لِقُدْرَتِهِ ، الْمُطَاعِ لِسُلْطَانِهِ (1) ، الْمَرْهُوبِ لِجَلَالِهِ ، الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ ، النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي جَميعِ خَلْقِهِ ؛ عَلَا فَاسْتَعْلى ، ودَنَا فَتَعَالى ، وَارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ ؛ الَّذي لَا بَدْءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَلَاغَايَةَ لِأَزَلِيَّتِهِ ، القَائِمُِ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ ، وَالدَّائِمُِ الَّذِي بِهِ قِوَامُهَا ، وَالْقَاهِرُِ الَّذِي لَايَؤُودُهُ حِفْظُهَا ، وَالْقَادِرُِ الَّذِي بِعَظَمَتِهِ تَفَرَّدَ بِالْمَلَكُوتِ ، وَبِقُدْرَتِهِ تَوَحَّدَ بِالْجَبَرُوتِ ، وَبِحِكْمَتِهِ أَظْهَرَ حُجَجَهُ عَلى خَلْقِهِ .

الهديّة الاُولىاُسوته طاب ثراه بنسق القرآن المجيد في التعبير عن أعظم نِعم اللّه العزيز الحميد؛ حيث عبّر _ كما في القرآن _ عن التشيّع بالنعمة، وهو أعظم نِعَم اللّه ؛ ولا نجاة، ولا تقرّب، ولا نعيم الجنّة، ولا نعمة خلودها إلّا به، قال اللّه تبارك وتعالى في الفاتحة: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» (2) ، وفي المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» (3) ، وفي الضحى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» (4) ، وفي التكاثر: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ» (5) ، وفي النحل: «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا» (6) ، وفي الحجرات: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّه ِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللّه َ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْاءِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللّه ِ وَنِعْمَةً وَاللّه ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (7) وأمثالها في الآيات كثيرة. قد عبّر تبارك وتعالى في هذه الآية عن الأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم بالإيمان بدليل «اُولئك»ولا مشار إليه لها فيها سواها؛ إشارةً إلى أنّهم عليهم السلام من نور واحدٍ، وأنّهم شخص الإيمان. وعن الأوّل بالكفر، (8) ونسق القرآن كذلك، وقد نزلت فيه: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» (9) ، وكانت مدّة طغيانه سنتين. وفي المائدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ» (10) ، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ» (11) ، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ» (12) . وعن الثاني بالفسوق ، والفسق لغةً الظلم، والفسوق مصدر وجمع، فإفراده للتناظر وطرفيه على الإفراد، وجمعيّته للإشارة على كثرة ظلمه، وأنّه مصدر كلّ ظلم. وعن الثالث بالعصيان، وهو مشهور في المخالفين أيضا بذلك كشهرة شيخيهم بالاعتبار. ولمّا علم اللّه تعالى أنّهم بعد انقراض زمان خلفائهم يلقّبونهم بالخلفاء الراشدين أنزل اللّه تعالى «اُولئك هم (13) الراشدون» يعني الذين عبّر عنهم بالإيمان، لا الذين عبّر عنهم بالكفر والفسوق والعصيان. وأشار _ طاب ثراه _ بإضافة النِّعمة إلى أنّ الهداية والتوفيق الإيمان من اللّه سبحانه كما سيبيّن في بابه، وهو آخر أبواب كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. (المعبود لقدرته). ردّ على القائلين بالإيجاب كزنادقة الفلاسفة والذين يلزمهم القول به كالصوفيّة القَدَريّة لعنهم اللّه . (المطاع لسلطانه) أي لجميع ما سواه فدلالة على قدم ربوبيّته، ووحدانيّة أزليّته، وعموم سلطنته؛ ردّا على القائلين بتعدّد القديم كالأشاعرة، وهم زعموا قيام الصفات الحقيقيّة بأنفسها زائدة على الذات، وعلى المفوّضة من المعتزلة حيث توهّموا استقلال العبد في القدرة على الفعل والترك. وسيبيّن الحقّ وبطلانهم في الأواخر من أبواب كتاب التوحيد كتاب الخير والشرّ، وباب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، وباب الاستطاعة إن شاء اللّه . وفي بعض النسخ : «في سلطانه» بمعنىً. (14) (المرهوب لجلاله المرغوب إليه فيما عنده) دلالةً على ما دلّت عليه الفقرتان السابقتان عليها من وجههما ووجه آخر؛ إذ لا رهبة وخوف للجميع، ولذا لا رغبة ورجاء إلّا من السلطان القادر القاهر القديم ربوبيّته، الوحيد أزليّته؛ وإشارةً إلى أنّ الخائف الراجي من اللّه تعالى إنّما جزاؤه الجزاء الأوفى. وفي بعض النسخ : «بجلاله» بالمفردة بمعنىً. (15) (النافذ أمره في جميع خلقه) دلالة على مادلّت عليه الفقرات الثلاث من وجهها ووجهٍ آخر على ما لايخفى بيانه من بيانها. (علا): كان ذا المجد والعُلى قبل خلقه (16) الأشياء. (فاستعلى) فشاء إظهار المجد والعُلى، فخلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه. وفي الحديث القدسي: «كنت كنزا مخفيّا أحببت أن اُعرف، فخلقت الخلق ليعرفون». وفي رواية: «ليعبدون». وفي اُخرى: «كي أعرف». (17) (دنا) ؛ لإحاطته بالجميع، (فتعالى) لكون إحاطته بالجميع كإحاطته بالجميع، جميع المكانيّات والزمانيّات والعقليّات والوهميّات، فَدَهَش (18) كلّ واحد من المجموع في تعاليه _ تعالى شأنه _ كدَهْش المجموع من حيث المجموع. فنِعم ما عَطَف: (وارتفع فوق كلّ منظر) على «تعالى»، يعني جميع المناظر: حسيّها ووهميّها وعقليّها. (الذي لا بدء لأوليّته)؛ لوحدانيّة قدمه. (ولا غاية لأزليّته)؛ للعينيّة بين أزليّة أوّليّته وديموميّة آخريّته. (القائم) بذاته (قبل) خلقه (الأشياء ، والدائم) الربوبيّة الذي بتدبيره (19) قوام الأرض والسماء وما بينهما وما تحت الثرى. (والقاهر الذي لا يؤده حفظها) أي المسخّر القويّ الذي لا يَتَكَأّده ولا يثقله حفظها عرشه وحلمته وما أحاطا به (20) وكرسيّه وحَفَظَته، وما أطافا عليه «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ» . (21) (القادر الذي بعظمته تفرّد بالملكوت، وبقدرته توحّد بالجبروت) دلالةً على وحدانيّة قدرته وفردانيّة عظمة سلطنته وقدرة جبّاريّته ، فكما أنّ توحّده بالعظمة دليل تفرّده بالسلطنة، كذلك تفرّده بالقدرة دليل توحّده بالجبّاريّة ، فمعنى ثنائه تبارك وتعالى بقولنا: له وحدانيّة الشيئيّة أنّه ليس كمثله شيء ، فشيئيّته خاصّة؛ وله فردانيّة القدرة أنّه على كلّ شيءٍ قدير، فقدرته قدرته. ومعنى قوله عليه السلام في الصحيفة الكاملة السجّادية: «لك وَحْدانيّةُ العدد، ومَلَكَة القدرةِ الصَّمَد» (22) أنّ وحدانيّة وحدته خاصّة. ووجه التعبير عن الوحدة بالعدد ظاهر . أو المعنى أنّ وحدانيّته تعالى بحسب العدد؛ يعني باعتبار (شماره). وما «مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» (23) ليس من قبيل الوحدة العدديّة، كيف؟! وهذه يلزمها الاثنينيّة، وتلك قبل الأعداد والمعدودات ومحيطة بما أوجد منها مع العينيّة بين أوّليّته قبل كلّ أوّل وآخريّته بعد كلّ آخر؛ لتوحّده بالقدم والأزليّة، وتفرّده بالبقاء والديموميّة. (وبحكمته أظهر حججه على خلقه) أي بعلم شرائعه، أو بأن عرّف لهم أوّلاً عظمة ربوبيّته وجلالة صانعيّته بشواهد الربوبيّة من الأرض والسماء وسائر عجائب الآثار وغرائب الصنائع بهذا (24) النظام والتقدير، وهذا النسق والتدبير؛ لتعمّ بفضله العظيم ولطفه العميم معرفته الفطريّة التي فطر الناس عليها _ وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «الحمد للّه (25) المُلْهِم عبادَه حَمْدَه، وفاطِرهم على معرفة ربوبيّته». (26) وسيجيء في الخامس في باب جوامع التوحيد في كتابه في التوحيد _ لتحصل لهم بعدها المعرفة الدينيّة التي لا تحصل إلّا بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب؛ للقطع بأنّ الأعلم بهذا النظام هو مدبّره، فانحصر القطع بحقّيّة شيء في إخباره، فتجب الواسطة؛ لامتناع الرؤية والمعاشرة بالملامسة ونحوها، فيقول الرسول إليهم للمعرفة الدينيّة الّتي هي معرفة خصوصيّات الربوبيّة كما عرّف اللّه به نفسه بالآيات البيّنات وخصائص النبوّة والإمامة، كما ورد به الكتاب والسنّة ودلّت عليه المعجزات والدلالات: أنا رسول إليكم من الذي قطعتم بوجوده من شواهد ربوبيّته؛ «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (27) ، فمن أقبل وقبل هُدي بتوفيق اللّه ، ومَن أدبر وأنكر ضلّ بخذلانه، واللّه يهدي مَنْ يشاء ويضلّ من يشاء (28) ، ولا جبر كما سيفصّل في الأواخر من أبواب كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى في مثل قوله تعالى في سورة الزخرف: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ» ، (29) وفي آخرها: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» (30) إشارةً إلى ما صحّ من أنّ أوّليّة شواهد الربوبيّة موجبات لحصول المعرفة الفطرية، وخواتيمها من الحجج المعصومين والكتب الإلهيّة شروط لحصول المعرفة الدينيّة. وسمعت السيّد السند أمير حسن القائيني رحمه الله يقول: مظنوني أيضا كما ظنّ معظم الأصحاب أنّ خطبة الكافي لمكان شأن نظامه بهذه المكانة، ونظام شأنه بهذه المتانة والرزانة من منشآت الصاحب عليه السلام ، وقد ثبت أنّ تأليف الكافي لجميع أحاديث الأئمّة عليهم السلام إنّما كان في الغيبة القُصْرى بالأمر المشافهي من صاحب الأمر عليه السلام . وقال برهان الفضلاء مولانا خليل اللّه القزويني سلّمه اللّه تعالى: حقّ أنّ كتاب الكافي عمدة كتب أحاديث الأئمّة عليهم السلام ألّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الرازي الكليني _ طاب ثراه _ في الغيبة الصغرى باحتياط تامّ في عرض عشرين عاما، وكانت مدّة هذه الغيبة تسعا وستّين سنة بناءً على أنّ مبدأها من مضيّ أبي محمّد عليه السلام ، وأربعا وسبعين سنة إذا كان مبدؤها من مولد الصاحب عليه السلام . وعاشر ثقة الإسلام أكثر سفرائه عليه السلام في بغداد وغيرها أكثر الأوقات، فاُمر مشافهة _ كما هو المشهور _ أو بتوسّط السفراء بجمع الأحاديث المخزونة لشدّة التقيّة وتأليف الكافي. فيقرب أن يكون المراد بالعالم في هذا الكتاب في كلّ حديث كان في عنوانه «وقد قال العالم عليه السلام » أو «في حديث آخر» الصاحب عليه السلام بلا واسطة، أو بواسطة السفراء، إلّا أن تكون قرينة صارفة. والمظنون أنّ الكافي شرّف بنظره (31) عليه السلام وكان مضيّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ سنة مضيّ الأخير من سفرائه عليه السلام أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري رضى الله عنه، وهي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة هجريّة أو بعدها بسنة واحدة. ثمّ قال برهان الفضلاء: «المحمود» ونظائره إمّا بالجرّ على الوصف، أو الرفع بتقدير «هو» واللام في «لنعمته» ونظائرها للسببيّة. والسبب على قسمين؛ إمّا فائدة أو غيرها، والأوّل يسمّى بالعلّة الغائيّة ، و«لنعمته» على الأوّل إشارة إلى أنّ الابتداء في سورة الفاتحة بالحمد بعد البسملة؛ لأنّه سبب لاستجابة الدعاء وطلب النِّعمة. ونعمته عبارة عن توفيقه للصراط المستقيم المطلوب في «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ» وهو الإيمان بولاية الأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم وحقّيّة طريق النبيّين عليهم السلام ، والتبعيّة الحقّة منحصرة في طريقهم، في تبعيّة العلم في نفس أحكام اللّه عزّ وجلّ إلى آخر العمر. وهذا هو المراد في الآيتين في سورة يونس، قال اللّه تعالى: «فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ» (32) ، وقال: «أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّى إِلَا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (33) . واستقامته باعتبار أنّ الاختلاف والتعدّد لا يكون في تبعيّة العلم، بل هو ثابت راسخ بخلاف تبعيّة الظنّ، نظيره أنّ الخطّ المستقيم بين النقطتين لا يكون إلّا واحدا بخلاف الخطّ المعوجّ ، فظهر أنّ تبعيّة الظنّ في نفس أحكام اللّه صراط المغضوب عليهم والضالّين، قال اللّه تعالى في سورة يونس وسورة النجم: «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا» (34) . وفي قول المصنّف «المحمود لنعمته» إشارة إلى أنّ سورة الفاتحة أوّل براهين القاطعة القرآنيّة على حقّيّة مذهب الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة، ووجوب وجود إمام معصوم مفترض الطاعة، عالم بجميع نفس أحكام اللّه في كلّ زمان إلى انقراض الدنيا، وما أظهر أنّ الناس في كلّ زمان لابدَّ لهم من المُفتين والقُضاة فيما بينهم، وأنّ الإفتاء علما، وكذا القضاء يمتنع في أكثر الاُمور والقضايا بدون ظهور ذلك الإمام، فلو أنّ المفتين والقضاة بالظنّ منعوا أنفسهم وكفّوا أيديهم عن الإفتاء والقضاء بالظنّ في زمن الغيبة، فإمّا أن تنقرض الدنيا أو يظهر الإمام عليه السلام ، والدنيا لا تخرب قبل ظهور المهدي باتّفاق أهل الإسلام. وقد روى البخاري في صحيحه في باب مناقب قريش بعدّة من الطرق عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «الأئمّة الحقّ بعدي إلى انقراض الدنيا اثنا عشر كلّهم من قريش». (35) فإن قيل: فيلزم أن لا يكون العمل بظاهر القرآن والخبر الواحد المستجمع للشرائط جائزا في زمن غيبة الإمام أيضا؛ لأنّهما لا يفيدان ما خلا الظنّ. قلنا: جواز العمل بهما ليس مستلزما لجواز العمل بالظنّ في نفس أحكام اللّه سبحانه؛ إذ الممنوع الإفتاء والقضاء بمضمونهما، لا محض عمل كلّ أحد لنفسه بمضمونهما، سواء حصل الظنّ بمضمونهما أو لا، كما هو مذهب الأخباريّين من أصحابنا رضوان اللّه عليهم؛ وذلك لأنّ هذا العمل استناده إنّما على دليل قطعيّ على جوازه، نظيره حكم القاضي بشهادة العدلين، سواء كان المشهود به مظنونا أو لا. وشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ، قال في كتاب عدّة الاُصول في فصل ذكر خبر الواحد وجملة من القول في أحكامه: «وليس من عمل بخبر الواحد يضيف إليه أنّ اللّه تعالى قد قال ما تضمّنه الخبر، وذلك معلوم عنده بدليل دلّ عليه » (36) . انتهى. وهذا لا ينافي جواز تبعيّة الظنّ في الجملة في غير نفس أحكام اللّه تعالى، كثبوت عدالة الشاهدين، وتعيين القبلة في مكان معيّن، وتعيين مقادير الجنايات وقيم المتلفات، ونحو ذلك ممّا لا يكون التنازع فيه مستمرّا في الأزمنة بعده، وأمثال المذكورات تسمّى بمحالّ أحكام اللّه . وما ذكرنا يوافق قوله تعالى في سورة الحجرات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (37) بناءً على أن يكون كلّ من كثير الظنّ وبعضه في هذه الآية عبارة عن المذكور في آية سورة يونس وسورة النجم (38) ، وقد مرّ ذكرهما. أقول: كما لا شكّ في ثبوت الرخصة عنهم عليهم السلام لا سيّما في زمن الغيبة في العمل بالظنّ للإماميّ المستجمع لشرائط الإفتاء والقضاء، إمّا مطلقا كما عليه معظم الأصحاب بل جميع متأخّريهم، ما عدا قليل منهم كالفاضل مولانا محمّد أمين الاسترآبادي نزيل مكّة ثمّ المدينة، صاحب [ال] فوائد المدنيّة رحمه الله، وبرهان الفضلاء سلّمه اللّه ؛ أو في الجملة بالاتّفاق؛ للاتّفاق على أنّ ظنّية الطريق _ كما في الخبر الواحد المقرون بشرائط الصحّة _ لا تنافي قطعيّة الحكم، لا شكّ (39) أنّ وقت ظهور الصاحب عليه السلام من المقدّرات المحتومة لا بداء فيه، إذا جاءهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، وأنّ المفتين والقضاة لا يتّفقون قطّ على منع أنفسهم من الإفتاء وكفّ أيديهم من القضاء، وأنّ غير المستجمع شرائطهما (40) كقضاة العامّة ومفتيهم بالآراء والمقاييس مؤاخذون بهما كما بمذاهبهم، فلم يبق كلام مثل الفاضلين مع سائر أصحابنا المتأخّرين إلّا في عموم الرخصة في العمل بالظنّ للإماميّ الموصوف وخصوصها. وظاهر أنّ ظاهر أحاديث الرخصة كمنطوق لفظ الإفتاء والقضاء من أدلّة العموم، وهو ظاهر ثقة الإسلام في أواخر الخطبة كما سيفصّل في الهديّة الحادية عشرة. ثمّ قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «المعبود لقدرته» ردّ على القائلين بالإيجاب المنكرين لقدرته تعالى، كزنادقة الفلاسفة ومن يقتفي أثرهم؛ حيث قالوا: ما يفعله ليس له أسباب تركه، وما لا يفعله ليس له أسباب فعله، فأنكروا كونه سبحانه مستحقّا للعبادة، بل كونه مستحقّا للحمد أيضا. و«الاستعلاء» إظهار العلوّ. و«التعالي» كمال التنزّه عن أن يشكّ فيه، فإنكار الجاحدين بمجرّد اللسان والمكابرة . و«الفاء» في الفقرتين للتعقيب. و«ارتفع» عطف على «تعالى» أو حاليّة بتقدير «قد» . و«المنظر» بفتح الميم مصدر ميميّ بمعنى الإبصار، إبصار الأبصار أو القلوب، (41) واسم مكان يطلق على العين والغرفة وكلّ مكان مرتفع. و«القوام» بالكسر: الوجود والبقاء، وقوام الخيمة عمادها. و«القوام» بالفتح: العدل. و«القاهر» أي الغالب على كلّ ما يريد. «تفرّد بالملكوت» أي بسلطنة القدرة على شيء بمحض نفوذ الإرادة من دون حركةٍ لاستعمال آلة وعضو ، فردّ على اليهود والفلاسفة ومن تبعهم في القول بتجرّد العقول العشرة والنفوس الناطقة. و«الجبروت» مبالغة في الجبر بمعنى أنّ كلّ ممكن باق محتاج في بقائه بقوّته وحفظه سبحانه. و«بحكمته أظهر حججه على خلقه» أي الأنبياء والأوصياء، بمعنى أنّه لم يُظْهِرهم بحيث لا يكون لوسوسة الشيطان إلى حقّيتهم سبيل؛ ليفوز المؤالف فوزا عظيما، ولم يُخْفِهم بحيث يكون المخالف معذورا بعدم إتمام الحجّة عليه. أقول: أراد سلّمه اللّه تعالى بقوله: «ومن يقتفي أثرهم» الصوفيّة والقدريّة لعنهم اللّه ، وهم يقولون بناءً على طريقتهم المبتنية في الأكثر على اُصول زنادقة الفلاسفة: إنّه تعالى ليس مستحقّا لجميع المحامد، بل لحمد إفاضة الوجود فقط. قال بعض المعاصرين في كتابه في بيان الحديث الثاني في الباب الثامن والعشرين في كتاب التوحيد، وهو باب السعادة والشقاء: ما قدّر اللّه تعالى على الخلق الكفر والعصيان من نفسه بل باقتضاء أعيانهم وذواتهم، وطلبهم بألسنة استعداداتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا، فما كانوا في علمه تعالى ظهروا به في وجوداتهم العينيّة، فليس للحقّ إلّا إفاضة الوجود عليهم والحكم لهم وعليهم، فلا يحمدوا إلّا أنفسهم، ولا يذمّوا إلّا أنفسهم، ولا يبقى للحقّ إلّا حمد إفاضة الوجود؛ لأنّ ذلك له لا لهم. (42) انتهى. وفي توحيد الصدوق في باب القضاء والقدر بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام : «إنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» » (43) . وعن السيّد المرتضى علم الهدى وابن حمزة عن المفيد بإسناده المتّصل عن الهادي أبي الحسن الثالث عليه السلام أنّه قال: «إنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك الذين يجهدون في إطفاء نور اللّه ، واللّه يتمّ ولو كره الكافرون». (44) وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله في شرح خطبة الكافي _ وهو قدس سره من المائلين من متأخّري أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم إلى استقامة نَبْذٍ من اُصول الفلاسفة، كتجرّد العقول والنفوس الناطقة؛ وتأويل نَبْذٍ اُخر منها، كإيجاب الصانع، وقِدَم العالَم بالإيجاب الخاصّ والقدم الزماني ولن ترضى الفلاسفة فقط، وذلك لصرفهم من العمر مدّة في مطالعة كتبهم وتدريسها باقتضاء كثير من الطبائع في عصرهم ذلك _ : لمّا كان إنعامه تعالى باعثا لأن يُحمد شكرا لما وقع، وقدرته على ما يشاء سببا للتذلّل والعبوديّة له، أسند المحموديّة بالنعمة والمعبوديّة بالقدرة. ولعلّ المراد بكونه «مطاعا في سلطانه» أنّ المبرم من قضائه وحكمه لا يتمكّن أحدٌ من مخالفته ونقضه؛ حيث اضمحلّ كلّ تمكّن وسلطنة في جنب سلطانه ، فالمطلوب (45) على طريق السلطنة لا يُقاوَم ولا يُعارضُ . وأمّا الأوامر والنواهي التي ربّما لا يطاع فيها فليست من هذا القبيل، ولذا قال : «المطاع في سلطانه» لا «المطاع في أوامره ونواهيه». «المرهوب لجلاله» إمّا متعدّ بالحرف، والمعنى مرهوب منه، فحذفت أداة النفي المتعدّية في اللفظة، كما يقال: المصطلح ويراد المصطلح عليه ؛ وإمّا متعدّيا بنفسه. قال المطرّزي: رهبه: خافه، واللّه مرهوب [ومنه] لبّيك (46) مرهوب ومرغوب إليك. و«الاستعلاء» استفعال من العلوّ بمعنى فعل. وعن عبد القاهر: أنّ المعنى في لفظ «استفعل» يتغيّر قليلاً، وأنّ استقرّ واستعلى أقوى من قرّ وعلا. فالتفريع في قوله : «فاستعلى» على تقدير المغايرة يصحّ على كونهما متعدّيين أو لازمين، وعلى كونه بمعنى فعل بلا مغايرة يبنى على كون أحدهما متعدّيا والآخر لازما، والأخير أولى باللّزوم. و«الملكوت» فعلوت من الملك، كالرّغبوت من الرغبة، والرهبوت من الرّهبة، والرّحموت من الرحمة، والجبروت من الجبر . وعالم الملكوت يُطلق على المجرّدات والمفارقات، كما أنّ عالم الملك يُطلق على الجسمانيّات والمقارنات. (47) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «علا» أي كان متفرّدا بالعلوّ الذي لا علوّ فوقه «فاستعلى» فأظهره بعجائب آثار الصنع وغرائب صنايع القدرة. وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: أي علا بالذات علوّا مطلقا لا إضافيّا «فاستعلا» أي فاستحقّ العلوّ والعبودية على الإطلاق؛ من باب استحصد الزرع، أي استحقّ الحصاد. (48)

.


1- . في الكافي المطبوع : «في سلطانه».
2- . الفاتحة (2): 7. راجع: معاني الأخبار، ص 32، باب معنى الصراط؛ شواهد التنزيل، ج 1، ص 85 ، ح 105.
3- . المائدة (5): 3.
4- . الضحي (93): 11. راجع: المناقب، ج 3، ص 100؛ وعنه في البحار، ج 35، ص 425.
5- . التكاثر (102): 8 . راجع: الكافي، ج 6 ، ص 281، باب آخر في التقدير و...، ح 5 ؛ الأمالي للطوسي المجلس 10، ح 48؛ المناقب، ج 2، ص 153.
6- . النحل (16): 83.
7- . الحجرات (49): 7 و 8.
8- . راجع: الكافي، ج 1، ص 426، باب فيه نكت ونتف...، ح 71؛ المناقب، ج 3، ص 94؛ تفسير القمّي، ج 2، ص 319.
9- . الزمر (39): 8 . راجع: الكافي، ج 8 ، ص 204، ح 246.
10- . المائدة (5): 44.
11- . المائدة (5): 45.
12- . المائدة (5): 47.
13- . في «الف»: - «هم».
14- . في «ب» و «ج»: - «بمعنى».
15- . في «ب» و «ج»: - «بمعنى».
16- . في «الف»: «خلقه».
17- . هذا الحديث مشهور على الألسنة وفي كتب العرفاء والصوفيّة، ولكن لم يثبت عند المحدّثين ولا أصل له وإن كان معناه صحيح ظاهرا. راجع: بحارالأنوار، ج 84 ، ص 199، باب كيفية صلاة الليل، ذيل الحديث 6 ؛ مفاتيح الغيب لفخرالدين الرازي، ج 28، ص 194 ذيل الآية: 56 من سورة الذاريات (51). ولفظ الحديث على ما في تعليقة تفسير المحيط الأعظم...، ج 1، ص 324 هكذا: «قال داود عليه السلام : يا ربّ، لما ذا خلقت الخلق؟ قال: كنتُ كنزا مخفيّا، فأحببت أن اُعرف، فخلقتُ الخلق لكي اُعرف».
18- . «الدَهَش»: ذهاب العقل من الذَهَل والوَلَه، وقيل: من الفزع ونحوه. لسان العرب، ج 6 ، ص 303 (دهش).
19- . في «الف»: «تدبيره».
20- . في «الف»: - «وما أحاطا به».
21- . البقرة (2): 255.
22- . الصحيفة السجّاديّة، ص 135، الدعاء 28.
23- . المجادلة (58): 7.
24- . في «الف»: «لهذا».
25- . في «الف»: - «الحمد للّه ».
26- . الكافي، ج 1، ص 139، باب جوامع التوحيد، ح 5 ؛ ورواه الصدوق في التوحيد، ص 56 ، باب التوحيد ونفي التشبيه، ح 14 عن أبي الحسن الرضا عليه السلام .
27- . الأنفال (8): 42.
28- . اقتباس من الآية 93، سورة النحل (16)؛ والآية 8 ، سورة فاطر (35).
29- . الزخرف (43): 9.
30- . الزخرف (43): 87 .
31- . في «الف»: «بمنظره».
32- . يونس (10): 32.
33- . يونس (10): 35.
34- . يونس (10): 36 ، النجم (53): 28.
35- . لم أجد لفظ الحديث كما في المتن في المجاميع الحديثيّة العامّة والخاصّة، ولفظ الحديث في صحيح البخاري، ج 6 ، ص 2640، ح 6796 هكذا : «سمعت جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: يكون اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش». وللمزيد راجع: صحيح مسلم، ج 3، ص 1452 _ 1453، ح 1821 _ 1822.
36- . عدّة الاُصول، ج 1، ص 102.
37- . الحجرات (49): 12.
38- . يونس (10): 36؛ النجم (53): 28.
39- . عطف على قوله قبيل هذا : «كما لاشكّ».
40- . في «الف»: «لشرائطها».
41- . في «الف»: «والأبصار والقلوب».
42- . الوافي، ج 1، ص 530 ، ح 2433. بتفاوت.
43- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و...، ح 29. والآية في القمر (54): 48 _ 49.
44- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 ؛ و رواه عن كتاب قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص 129.
45- . في المصدر : «فالمطاع».
46- . في النسخ : «إنّك» وما أثبتناه من المصدر، وهو الصحيح.
47- . الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيع النائيني، ص 31 _ 32.
48- . له حواش على الكافي، نقل عنه بعض الفضلاء والشارحين كالمصنّف في هذا الشرح والملّا خليل القزويني في شرحيه وغيرهما، لكن حواشيه على الكافي غير مطبوع و لم عثر على مخطوطة منه.

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

. .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

. .

ص: 118

. .

ص: 119

. .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

. .

ص: 123

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:اِخْتَرَعَ الْأَشْيَاءَ إِنْشَاءً ، وَابْتَدَعَهَا ابْتِدَاءً بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، لَا مِنْ شَيْءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الاخْتِرَاعُ ، ولَالِعِلَّةٍ ؛ فَلَا يَصِحَّ الْابْتِدَاعُ . خَلَقَ مَاشَاءَ كَيْفَ شَاءَ مُتَوَحِّدا بِذلِكَ ؛ لِاءِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ . لَا تَضْبِطُهُ الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ . عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ . اِحْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إلَّا هو (1) الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ . ضَلَّتِ الْأَوْهَامُ عَنْ بُلُوغِ كُنْهِهِ ، وَذَهَلَتِ الْعُقُولُ أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ نِهَايَتِهِ ، لَايَبْلُغُهُ حَدُّ وَهْمٍ ، وَلَا يُدْرِكُهُ نَفَاذُ بَصَرٍ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .

الهديّة الثانية:(إنشاء) مفعول مطلق بغير لفظ فعله للتأكيد، أو للنوع وللإشارة إلى معنى فعله، يعني أنشأ وأوجد جميعها على أن يكون الألف واللّام للاستغراق، الاستغراقي الشامل للأفرادي والمجموعي. وكذا «ابتدأ» و«اخترع» دلالةً على بطلان قول التناسخيّة بقدم نوع العالم وعود أجزاء كلّ عالم بعد إتمام دوره إلى الوضع السابق بعينه ، والصوفيّة القدريّة أيضا لا يستقيم طريقتهم عندهم إلّا بالقول بالتناسخ. «والأشياء» دلالةً على بطلان مطلق من قال بقدم العالم كزنادقة الفلاسفة ومن تبعهم من الصوفيّة وأهل التناسخ وملاحدة اليهود لعنهم اللّه . وكذا «ابتدعها» بتأكيدها لسابقها بعد التأكيد بلفظة القدرة والحكمة؛ لدلالتهما على بطلان مطلق القائلين بالإيجاب والمثبتين للاقتضاء، وقد سمعت قول بعض المعاصرين آنفا حيث أنكر حكمة الإيجاد وتدبير الصنع بنسبته التقادير والتدابير إلى استعدادات الماهيّات واقتضاء الطبائع، ونسبة إفاضة الوجود فقط إلى الربّ سبحانه. وفقرة (لا من شيء) كالتفسير للفقرة الاُولى كتاليها للثانية. و«الشيء» عبارة عن الحقائق الثابتة قبل الوجود عند الزنادقة، والعلّة عند الاقتضاء، والطلب بألسنة الاستعدادات. (خلق ما شاء كيف شاء) دلالة على ما دلّت عليه الفقرات السابقة ؛ يعني كيف شاء بحكمته وتدبيره من كيفه وكمّه ووضعه وأينه وأجله وغير ذلك من أحوال الممكنات وأوصافها. (متوحّدا بذلك) أي بجميع ذلك من دون حاجة إلى شيء من المُعِين والمقتضي والواسطة والآلة وسبب قديم وموجب سهيم، فدالّة مع الدلالة على وحدانيّة وحدته وقدمه وقدرته على ما دلّ عليه ما سبق من الدلالات ومن البراهين القاطعة على بطلان مذاهب هؤلاء المذكورين، بل مذهب كلّ من ليس له مستند من قول الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه أنّ من له حجّة قاطعة له حجّة على من ليس له ذلك ولا عكس، فمذهب غير القائل بوجود المعصوم الذي لا شكّ لعصمته وامتيازه عن الجميع حسبا ونسبا في حقّيّة قوله وحقّيّة حجّيّته، إمّا قطعيّ البطلان كما عند أهل الحقّ، أو محتمله كما عند غيرنا، فليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ولا حجّة للجاهل، وهذا قول الصادق عليه السلام لذلك الزنديق المذكور في الحديث الأوّل في كتاب التوحيد. (2) ومن الحجج القاطعة على وجوب وجود حجّة معصوم عاقل عن اللّه تعالى في مثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم أنّ الأعلم بهذا قطعا إنّما هو مدبّره ، فانحصر القطع بحقّيّة شيء فيه في إخباره فوجب الواسطة، ووجبت لوجوه شتّى عصمته وامتيازه عن الجميع في جميع المكارم والأخلاق كحسبيّة في الأحساب ونسبيّة في الأنساب. والقادر على مثل الآثار العجيبة والصنايع الغريبة، قادر على خلق المعصوم لخلاص خلقه من ورطات الحيرة والضلالة بمنّ لطفه العميم وفضل وجوده المعلوم. (لإظهار حكمته) أي لإظهار أشياء من آثار قدرته على كلّ شيء، وتدبير صنعه المتقن؛ إقامةً لشواهد ربوبيّته. إنّما قلنا : «الأشياء» لعدم تناهي الآثار . والمراد ب «حقيقة الربوبيّة» خصوصيّاتها؛ لامتناع المعرفة بالكنه بالاتّفاق، يعني ولإظهار خصوصيّات ربوبيّته بإظهار حججه على خلقه، وإظهارهم إنّما هو لتعريفهم عن اللّه تبارك وتعالى المعرفة الدينيّة، وقد عرفتها في الهديّة الاُولى. (لا تضبطه العقول) بالإحاطة (ولا تبلغه الأوهام) بالجدّ والسعي. (ولا تدركه الأبصار) بالحدّة لا أبصار العيون، ولا عيون القلوب «ولا تدركه الأبصار» مفسّرة في الحديث _ وسيجيء في كتاب التوحيد في الباب التاسع باب إبطال الرؤية (3) _ بأبصار القلوب والرؤية بحقيقة الإيمان، ليس دركها متعلّقا بالكنه. (ولا يحيط به مقدار) كيف!؟ وهو خالق المقادير ومقدّرها. (عجزت دونه العبارة) أي دون وصفه وشأنه كما يليق بشأنه تعالى شأنه، وقد قال خاتم الأنبياء والمرسلين وسيّدهم صلّى اللّه عليه وآله وعليهم أجمعين: «لا اُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك». (4) (وكلّت دونه الأبصار) : دون دركه ومعرفته. (وضلَّ فيه تصاريف الصفات) أي الصفات المتغيّرة بكونها زائدة. (احتجب بغير حجاب محجوب) لها معان: فعلى إضافة الحجاب إمّا المعنى: امتنعت رؤيته مع عدم حجاب شيء محدود بالمحجوبيّة، أو: امتنعت بحجاب ذلك الامتناع لا بالحجاب الموصوف، أو: امتنعت بحجاب غير المحجوب بالحجاب ، أو لا بحجاب يمكن أن يكون حجابا لما يمكن أن يكون محجوبا . وأمّا على التوصيف فالمعنى: احتجب بلا حجاب محدود، أو بحجاب غير محدود، أو غير مستور، وكذا الفقرة التالية. و«الستر» بالكسر الحجاب، وبالفتح مصدر ستره كنصر. (عرف بغير رؤية) بل بآثار القدرة والتدبير معرفة فطريّة، وبالحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم معرفة دينيّة. (ووصف بغير صورة) لامتناع المحدوديّة. (ونعت بغير جسم) لذلك؛ ولامتناع الحدوث. في بعض النسخ : «لا إله إلّا اللّه الكبير المتعال» بلفظة الجلالة مكان «هو». (ضلّت الأوهام عن بلوغ كنهه) وَهْمَ أيِّ فهمٍ كان، ودركُ أيّ عقلٍ كان. و«الذّهول» مصدر باب منع: الغفلة والنسيان عن الشيء باليأس منه. في بعض النسخ : «عن أن تبلغ» بزيادة «عن» يعني كنه حقيقته. (لا يبلغه حدّ وهم) أي قوّته وحِدَّته. و(نفاذ بصر) بالفتح في بعض النسخ. (وهو السميع العليم). قال برهان الفضلاء: هذه العبارات ستنقل عن الرضا عليه السلام بتفاوت يسير في أوّلها في الثالث من الباب الحادي عشر في كتاب التوحيد (5) . و«الاختراع والإنشاء»: خلق الشيء بلا مادّة قديمة. و«الابتداع والابتداء»: فعل شيء لم يفعل فاعله قبله فعلاً مثله. «بقدرته» ناظر إلى «اخترع»؛ للإشارة إلى الفرق بين قدرة الخالق وقدرة المخلوق بأنّ فعل قدرة المخلوق لنقصها موقوف على مادّة سابقة بخلاف قدرة الخالق. و«حكمته» ناظر إلى «ابتدعها»؛ إبطالاً لخيال القائلين بأنّ قبل حدوث العالم لولا يكون فعل للزم التعطيل. «لا من شيء» ناظر إلى «اخترع» و«لا لعلّة» إلى «ابتدعها». فإذا قرئ «لعلّة» بكسر العين وبمعنى السبب ف «لا من شيء» إبطال لما ذهب إليه طائفة من المشّائين من الفلاسفة من أنّ كلّ حادثٍ مسبوق بمادّة قديمة، و«لا لعلّة» إبطال لما ذهب إليه طائفة الإشراقيّين منهم من أنّ كلّ حادث مسبوق بحدوث آخر وهو شرطه . وإذا قرى ء بفتح العين بمعنى شرب واحد بعد شرب آخر، وهنا بمعنى العود إلى الإيجاد بعد الإيجاد والإفناء ف « لا من شيء» إبطال لمذهب المشائين وقد ذكر، و«لا لعلّة» لمذهب الإشراقيّين وسيذكر في كتاب التوحيد في شرح كلام المصنّف لتوضيح الأوّل من باب جوامع التوحيد، وهو الباب الثاني والعشرون، واللّام في «لعلّة» على هذا توقيتيّة، أو سببيّة. و«الحقيقة» ضدّ المجاز. والمراد هنا الخالص، يعني ولإظهار ربوبيّته على الحقيقة. و«التصاريف» أقسام الشيء. و«الصفات» جمع الصفة، بمعنى التشبيه. و«الحجاب» البوّاب، والحاجز بين الشيئين، يعني احتجب بغير حجاب يكون له حجاب آخر، فقياسه على المخلوق باطل؛ إذ الملوك من الخلق يكون كثرة احتجابهم بكثرة الحُجّاب (6) والحِجاب . والمراد ب «الصورة» الجسد المجوّف كما للآدمي. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: الاختراع والابتداع متقاربان في المعنى، وكثر استعمال «الاختراع» في الإيجاد لا بأخذ شيء مماثل الوجود ومشابهه. و«الابتداع» في الإيجاد لا لمادّة وعلّة. «لا من شيء» أي لا بالأخذ من شيء فيبطل الاختراع و«لا لعلّة» أي لمادّة وعلّة، فيبطل الابتداع. «لا تضبطه العقول» أي تبلغ العقول إدراكه بنحو قاصر عن الإحاطة به وضبطه، فهو غير محدود وغير منضبط الحقيقة، ولكنّه مصدّق لوجوده منفيّا عنه جميع ما يحيط به العقول والأفهام «ولا تبلغه الأوهام»؛ حيث يتعالى من أن يحسّ به، «ولا تدركه الأبصار»؛ حيث لا صورة له ولا مثال، ولا يتشكّل بشكل، ولا يحاط بحدّ، ولا يتقدّر بمقدار. «احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور» ؛ المحجوب والمستور إمّا بمعنى الحاجب والساتر، والحجاب حاجب والستر ساتر. وإمّا بمعنى المفعول؛ فإنّ الحجاب والستر إذا لم يكن مستور الباطن ومحجوبه لم يكن حاجبا ساترا. (7) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «محجوب» أي جسمانيّ. في بعض النسخ : «وهو السميع البصير».

.


1- . في الكافي المطبوع : «إلاّ اللّه ».
2- . الكافي، ج 1، ص 72، باب حدوث العالم وإثبات المحدث، ح 1.
3- . الكافي، ج 1، ص 95، باب في إبطال الرؤية.
4- . مصباح الشريعة، ص 55 ، الباب 24؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 1، ص 59 ، ذيل الخطبة 1؛ مستدرك الوسائل، ج 4، ص 231، ح 4784.
5- . الكافي، ج 1، ص 105، باب النهي عن الجسم والصلاة، ح 3.
6- . جمع حاجب.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 32 _ 33.

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

. .

ص: 128

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:اِحْتَجَّ عَلى خَلْقِهِ بِرُسُلِهِ ، وَأَوْضَحَ الأُْمُورَ بِدَلَائِلِهِ ، وَابْتَعَثَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ؛ «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» ، وَلِيَعْقِلَ الْعِبَادُ عَن رَبِّهِمْ مَا جَهِلُوا (1) ؛ فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوِبِيَّتِهِ بَعْدَ مَا أَنْكَرُوهُ ، وَيُوَحِّدُوهُ بِالْاءِلهِيَّةِ بَعْدَ مَا أَضَدُّوهُ .

.


1- . في الكافي المطبوع : «ماجهلوه».

ص: 129

الهديّة الثالثة:(احتجّ على خلقه برسله) يعني بعد حصول المعرفة الفطريّة لهم بشواهد الربوبيّة من عجائب آثار القدرة والتقدير وغرائب أفاعيل الحكمة والتدبير. (وأوضح [الاُمور ]بدلائله) من المعجزات وبيّنات الآيات والدلالات؛ لتحصل لهم بتوفيق اللّه تعالى المعرفة الدينيّة التي هي مناط تعلّق التكليف والثواب والعقاب. وفقرة (وابتعث الرُّسل) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» (1) . و«الابتعاث» افتعال من البعث للمبالغة. وتعليلها الأوّل اقتباس من سورة الأنفال. (2) (ما جهلوا) من المعارف الدينيّة. (بربوبيّته) أي بخصوصيّات وحدانيّة ربوبيّته، أو بوحدانيّة خصوصيّات ربوبيّته. (بعد ما أنكروه) متّصفا بها. (ويوحّدوه بالإلهيّة) بعد إضدادهم، أي احتمالهم الأضداد والأنداد في معرفتهم الفطريّة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: ضمير «بدلائله» كضمير «خلقه» و«برسله». والمراد الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام أو الآيات البيّنات محكمات الكتاب، وبها يوضح متشابهاته بالسؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام . و«اللّام» في «ليعقل» للعاقبة . والماآت الثلاث (3) ، أوّلها موصولة، والأخيرتين مصدريّة. و«الأضداد» جعل الشيء وتقريره ضدّ الشيء، كجعل المجوّزين للحكم بالظنّ والاجتهاد في نفس الأحكام الشرعيّة أضدادا من المجتهدين والقضاة والمفتين للّه تبارك وتعالى ولحججه المعصومين صلوات اللّه عليهم كما هو دأب المخالفين. وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه المسمّى ب فتح الباري في شرح صحيح البخاري في مقام دفع الطّعن عن عُمَرِهم لزجره رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند طلب الدواة والقلم لكتابة الوصيّة: أنّ النووي شارح صحيح المسلم قال: اتّفق العلماء على أنّ قول عمر عند طلب النبيّ عليه السلام : حسبنا كتاب اللّه ، من قوّة فقهه ودقيق نظره؛ لأنّه خشي أن يكتب اُمورا ربّما عجزوا عنها فاستحقّوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا ينسدّ باب الاجتهاد على العلماء... (4) . وأمثال هذه الخرافات في كتب محقّقيهم كثيرة، منها: أنّ عُمَرهم أفتى بأنّ الجنب إذا لم يجد الماء ولو أيّاما فعليه ترك الصلاة في تلك الأيّام، فلمّا قرأ عليه عمّار بن ياسر قوله تعالى في المائدة: «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طَيِّبا» (5) هدّده ولم يرجع عن فتواه، ثمّ أفتى ابنه عبداللّه بما أفتى به، فذكروا له قصّة عمّار؛ وما جرى بينه وبين أبيه فقال: إنّما لم يرض عمر بقول عمّار؛ لأنّ في العمل بآية التيمّم في سورة المائدة مخافة أن يتيمّم الناس عند يسير من برودة الماء. وتفصيل روايتهم هذه ثابت في صحيح مسلمهم (6) أيضا بعد إتمام الثمن الأوّل منه. أقول: لو كان كتاب اللّه تعالى بدون قيّم معصوم منصوص عاقل عن اللّه كافيا للاُمّة كما قال عُمَرُهم فجميعها ناجية، والجميع أجمعوا على أنّ من البضع والسبعين واحدةٌ ناجية والباقية هالكة؛ لحديث الافتراق المتواتر عند الجميع (7) ، كحديث: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض». (8)

.


1- . النساء (4): 165.
2- . أي قوله: «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ» . الأنفال (8): 42.
3- . أي «ما» في «ماجهلوا» و «ماأنكره» و«ما أضدّوه».
4- . فتح الباري، ج 8 ، ص 134، ح 4168؛ شرح صحيح مسلم للندوي، ج 11، ص 90، ح 1637.
5- . المائدة (5): 6 .
6- . صحيح مسلم، ج 1، ص 280، ح 368.
7- . حديث الافتراق مشهور بين الخاصّة والعامّة. راجع: بحارالأنوار، ج 28، ص 2 _ 37، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله علي ثلاث و سبعين فرقة و...، سنن أبي داود، ج 2، ص 608 ، ح 4596؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 26، ح 2641؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1321، ح 3991، و ص 1322، ح 3992. المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 47، ح 10، و ص 217، ح 441 و 442، وص 218، ح 444.
8- . حديث الثقلين رواه الخاصّة والعامّة بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، وهو من الأحاديث المتواترة عند الفريقين. راجع: عبقات الأنوار، ج 1، قسم حديث الثقلين؛ بحار الأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و...؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، 17، 26، ح 11119، 11147، 11227؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 118، 160، ح 4576، 4711؛ كنزل العمّال، ج 1، ص 333، ح 952 _ 953.

ص: 130

. .

ص: 131

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:(أَحْمَدُهُ حَمْدَا يَشْفِي النُّفُوسَ ، وَيَبْلُغُ رِضَاهُ ، وَيُؤَدِّي شُكْرَ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْ سَوَابِغِ النَّعْمَاءِ ، وَجَزِيلِ الْالَاءِ ، وَجَميلِ الْبَلَاءِ) .

الهدية الرابعة:يعني أحمده معترفا بالعجز عن أداء حقّ حمده، وحقيقة شكره سيّما على توفيق التشيّع أعظم النِّعم ، وحمده لا يشفي النفوس ولا يرضيه ولا يؤدّي شكره إلّا بهذا الاعتراف؛ فإنّ التوفيق لكلّ حمد نعمةٌ اُخرى. و«السوابغ» جمع السابغة، أي الكاملة التامّة . و«النّعماء» بالفتح والمدّ، و«النُعمي» بالضمّ والقصر، و«النِعمة» بالكسر، و«النّعيم» على فعيل كلّه بمعنى، و«النعمة» بالفتح التنعيم. و«الآلاء»: النعم، واحدها «ألى» بالفتح، وقد يكسر ويكتب بالياء. مثاله: معا وأمعاء، قاله الجوهري. (1) وفي شرح المطالع: «الآلاء»: هي النّعم الظاهرة، و«النّعماء»: هي النّعم الباطنة كالحواش وملايماتها . والبلاء والإحسان والنّعمة نظائر، و«البلاء» في الأصل اسم من الابتلاء، ومنه أبلاه اللّه بلاءً حسنا.

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، إِلها وَاحِدا أَحَدا صَمَدا لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدا . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَبْدٌ انْتَجَبَهُ ، وَرَسُولٌ ابْتَعَثَهُ عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ ، وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ ، وَعَمىً عَنِ الْحَقِّ ، وَاعْتِسَافٍ مِنَ الْجَوْرِ ، وَامْتِحَاقٍ مِنَ الدِّينِ . وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ ، فِيهِ الْبَيَانُ والتِّبْيَانُ «قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» قَد بَيَّنَهُ لِلنّاسِ وَنَهَجَهُ بِعِلْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَدِينٍ قَدْ أَوْضَحَهُ ، وَفَرَائِضَ قَدْ أَوْجَبَهَا ، وَاُمُورٍ قَدْ كَشَفَهَا لِخَلْقِهِ وَأَعْلَنَهَا ، فِيهَا دَلَالَةٌ إِلَى النَّجَاةِ ، وَمَعَالِمُ تَدْعُو إِلى هُدَاهُ . (2) فَبَلَّغَ صلى الله عليه و آله مَا اُرْسِلَ بِهِ ، وَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ ، وَأَدَّى مَا حُمِّلَ مِنْ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ ، وَصَبَرَ لِرَبِّهِ ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الذِّكْرِ ، وَدَلَّهُمْ عَلى سَبِيلِ الْهُدى مِنْ بَعْدِهِ ، بِمَنَاهِجَ وَدَوَاعٍ أَسَّسَ لِلْعِبَادِ أَسَاسَهَا ، وَمَنَائِرَ رَفَعَ لَهُمْ أَعْلَامَهَا ؛ لِكَيْ لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعدِهِ ، وَكَانَ صلى الله عليه و آله (3) بِهِمْ رَؤُوفا رَحِيما .

.


1- . الصحاح، ج 6 ، ص 2270 (ألا).
2- . في الكافي المطبوع : «هداةٍ».
3- . في الكافي: - «صلي اللّه عليه وآله».

ص: 132

الهديّة الخامسة:(إلها واحدا) له وحدانيّة صفات الربوبيّة. (أحدا) لا ينقسم أجزاء، ولا شريك له؛ لامتناع التركّب ذاتا والتعدّد مصداقا . صمد إليه كنصر: قصد، واللّه صمد: سيّد مصمود (1) إليه للجميع في جميع الحوائج. وسيفصّل معاني الصمد في الباب الثامن عشر، باب تأويل الصمد وما قبله في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. و«الانتجاب» بالجيم والخاء المعجمة والاصطفاء والاختيار والصفوة والخيرة والارتضاء والاجتباء؛ نظائر. و«الفترة» بالفتح: الانكسار والضعف. و«الفترة» أيضا: ما بين الرسولين من رسل اللّه عزّ وجلّ كخمسمائة عام أو ستّمائة فيما بين عيسى عليه السلام ونبيّنا صلى الله عليه و آله . و«الهجعة» بالفتح والجيم والعين المهملة: الغفلة، وبالكسر للنوع، فلعلّ الكسر أولى. و«الهجوع»: النوم قليلاً ، ويُقال: رجل هُجَعَةَ كَلُمَزَة للغافل الأحمق. (وانبساط من الجهل) أي بالدِّين ومعالمه، وانبساطه كناية عن غاية كثرته؛ فإنّ الدِّين القويم والصراط المستقيم لم يفقد معالمه قطّ، ولن يفقد من لدن آدم إلى آخر عمر الدنيا، ذلك تقدير العزيز العليم . كان إيمان آدم عليه السلام بربّ العالمين على ما عرّف به نفسه وبما أخبر به من المغيّبات من سؤال القبر، وواقعات عقبات البرزخ عقوباتها وسهولاتها والحشر الجسماني وسائر أحوال اليوم الآخر مع وصيّه هبة اللّه شيث عليه السلام ومِن بعده مع ابنه شَبّان، وهو ابن نَزْلة عالية حوراء التي أنزلها اللّه تعالى على آدم من الجنّة فزوّجها ابنه شَيثا ومن بعد شَبَّان مع الأوصياء بلا فصل بينهم إلى نوح عليه السلام كما في حديث مقاتل بن سليمان عن أبي عبداللّه عليه السلام ، ورواه الصدوق رحمه اللهأيضا في الفقيه في باب الوصيّة من لدن آدم عليه السلام (2) . وهكذا مع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام إلى خاتم الأنبياء وأفضلهم صلى الله عليه و آله مع أوصيائه الاثني عشر عليهم السلام : أبي الحسنين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، والمجتبى الحسن بن عليّ، وسيّد الشهداء الحسين بن عليّ، وزين العبّاد عليّ بن الحسين، وأبي جعفر باقر العلوم محمّد بن عليّ، وأبي عبداللّه الصادق جعفر بن محمّد، وأبي الحسن الأوّل الكاظم موسى بن جعفر، وأبي الحسن الثاني الرضا عليّ بن موسى، وأبي جعفر الثاني الجواد محمّد بن عليّ، وأبي الحسن الثالث الهادي العسكري عليّ بن محمّد، وأبي محمّد الخالص الزكيّ العسكري الحسن بن عليّ، وأبي القاسم المهدي المنتظر صاحب الزمان الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليهم أجمعين. وكما حقّ أنّ حقيقة الإيمان باللّه واليوم الآخر معا كما في نسق القرآن المجيد سلسلة واحدة نورانيّة ممتدّة من لدن آدم إلى فريقٍ في الجنّة قائمةٍ في كلّ عصر من أعصار الدنيا إلى حجّة معصوم عاقل عن اللّه تبارك وتعالى، كذلك ثابت أنّ أنواع الكفر بهما سلاسل ظلمانيّة جارية من عند قابيل إلى فريقٍ في السعير، قائمة بالمارد الرجيم، المُنْظَر إلى يوم الوقت المعلوم، وأنّ في شيعة كلّ حجّة نبيّ أو وصيّ في كلّ دهر من دهور الدنيا فضلاء فقهاء في العلوم الدينيّة والمعارف اليقينيّة، يذكّرون سائر المؤمنين معالمهم في الدِّين، ويعرّفون إخوانهم خدايع عدوّهم المبين، وفي أشياع الشيطان طواغيت رؤساء ومشايخ مُهَراء في فنون الشيطنة والنكراء، يخدعون الناس بِمُمَوّهات تُرّهاتهم، ويضلّونهم بمزخرفات مقالاتهم؛ لأنّ الكفر الممزوج بِسِمات الحقّ أكثر تصرّفا في عوام الناس من بَحْته المطلق. وفي الحديث: «أنّ اليهود تفرّقوا بعد موسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، كانت إحداها ناجية والباقية هالكة» (3) مع اعتراف الجميع بأنّ التوراة كتاب اللّه اُنزل إلى نبيّهم موسى عليه السلام ، ثمّ النصارى تفرّقوا بعد عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين فرقة، كانت إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، مع إقرار الجميع بأنّ الإنجيل كتاب اللّه أنزله إلى نبيّهم عيسى عليه السلام ، وهذه الاُمّة تفرّقوا بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله على بضع وسبعين فرقة، إحداها ناجية والباقية باغية طاغية هالكة، مع إقرار الجميع بأنّ القرآن كتاب اللّه أنزله إلى خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضلهم صلى الله عليه و آله . فلمّا كان امتحان اللّه تبارك وتعالى كلّ اُمّة من سننه التي لا تتبدّل ولا تتغيّر، وقال سبحانه في سورة الفاطر: «فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَحْوِيلاً» (4) وفي سورة العنكبوت: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّه ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» (5) ؛ كامتحان بني إسرائيل بفرعون وعمَّره وسلّطه على مشارق الأرض ومغاربها، ثمّ بالسامريّ وعِجْله، وكان دين نبيّنا صلى الله عليه و آله أفضل الأديان، ورسوله أفضل الأنبياء وسيِّد المرسلين، وكذا أوصياؤه عليهم السلام وكتابه أفضل الكتب؛ كان (6) الامتحان فيه أعظم الامتحانات وأصعبها. وجميع حاضري المدينة لقد ارتدّوا يوم مضيّه صلى الله عليه و آله إلّا فريقا (7) ، قال اللّه تعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» (8) ، قال الصادق: «سلمان وأبا ذرّ والمقداد» ، فسُئِلَ عليه السلام : فأين عمّار؟ فقال: «جاض جيضة (9) ثمّ رجع». (10) ثمّ بعد ذلك الارتداد ورجوع جماعة منهم صارت الاُمّة بفنون مكر الشيطان وكدِّ كيده ثلاثا وسبعين فرقة، كلّهم معترفون بأنّ القرآن كتاب اللّه المُنزل على نبيّنا صلى الله عليه و آله ، ثمّ سعى اللّعين في إضلال الناجية منها وجدّ في المكر والخديعة؛ لعلمه بمكان الزيارات والشفاعات من الشيعة، وانفتاح أبواب التوبة لهم ولو عن كبائرهم إلى المعاينة، وأنّ محبّة عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه حسنة لا تضرّ معها سيّئة 11 ، وأنّ تهوّدهم بوسوسته أو تنصّرهم (11) أو تمجّسهم أو غير ذلك من المذاهب الباطلة ليس بسهولة بل أمر كالمحال ، فانتهى جَدُّ جَهْد فِكْرهِ وكدُّ كَيْدِ مَكْرهِ إلى طريقة التصوّف، منظومة اُصولها من جميع صنوف الكفر والضلال، محفوفة فروعها بطائفة من محاسن الأقوال والأفعال، كتلاوة القرآن، وذكر الحديث، وحكاية الأمثال، والعزلة والسهر والبكاء في كثير من الأحوال، والعفّة والزهد حتّى الاجتناب عن الحلال، وكثرة الصوم والصلاة والذِّكر وسائر مكارم الفعال ، كلّ ذلك للوصول بنفوذ الشيطان إلى صلاة المكاء والتصدية (12) ، والوجد والحال. وقد كانت كفَرَةُ قريش يباهون بتكلّم هُبَلهم وصنمهم في جوف الكعبة على سائر المشركين ولم يكن تنطّقهما (13) إلّا بنفوذ العدوّ المبين الغير المبين، وكانت شجرة أصحاب الرسّ وصنوبرتهم تتكلّم معهم في الأعياد، فسهل عليه حلوله ونفوذه في الأجساد ليرقص بسخرية من المشايخ ومريديهم على رؤوس الأشهاد، كالرومي في الروم، وابن العربي في الشام، والجنيد في بغداد، وأبي يزيد في البسطام. وقد استحبّت حضور من يقرأ القرآن عند الميّت والإسراج عنده إن مات ليلاً؛ لئلّا يدخل الشياطين جوفه، ولا يلعبوا؛ فقد يرى بعد مضيّ ساعات من موته قيامه محمرّة العين، وحركاته الموحشة كالمجانين والصوفيّة، ثمّ سقوطه على الأرض ميّتا كما كان. ومن الحكايات طيران طائفة من الجواكي في الهند من جبلٍ إلى جبل. (واعتراض من الفتنة) يعني فتنة طغيان الطواغيت. (وانتقاض من المبرم) أي الحكم المحكم بظهور الحجّة وتمكّنه من إجراء الحكم. (وعمى عن الحقّ) : عن الصراط المستقيم ومعالمه؛ دلالةً على أنّ المنعدم بِصارةُ جهلاء الجاهليّة لا علم علماء الحقّة. و«الاعتساف»: الأخذ على غير الطريق. والمراد هنا: نهاية التعدّي من قِبَل الجور والظلم. و«الامتحاق»: افتعال للمبالغة من المحق بمعنى الإبطال والإزالة. والمراد هنا الاختفاء. و«التبيان»: مبالغة في البيان، وهو شاذّ؛ لأنّ المصدر إنّما يجيء بفتح التاء كالتَذْكار والتَكرار، ولم يجيء بالكسر إلّا حرفان: التِبيان والتِلقاء. والمستتر في «بيّنه» للربّ تبارك وتعالى، والبارز للقرآن. و«النهج» بالفتح: الطريق الواضح، وبالتحريك: البُهر وتتابع النَفس. نهج اللّه الطريق كمنع: أبانه وأوضحه، وأنهج الطريق: استبان وصار واضحا. (بعلم) أي بعلم عظيم خاصّ بقيّمة المعصوم المنصوص العاقل عن اللّه . (فيها دلالة إلى النجاة) أي في تلك الاُمور التي (قد كشفها لخلقة وأعلنها) وهي الآيات البيّنات، الدلالات على الإمامة، كآية الولاية (14) ، والإطاعة (15) ، والتطهير (16) ، ونظائرها. و«المعالم» جمع مَعلَم، كمنصب: موضع العلامة، أي ما يعلم به الشيء. ويُطلق على العلامة والعَلَم، و«المعالم» على العلامات والأعلام. أي وفيها معالم ودلائل دالّة على معالم الدِّين والهُداة المعصومين. والتنوين في «هداة» للتعظيم. وقرئ «هداه» بالضمير، أي هدى اللّه تعالى؛ رعايةً للسجع على الوقف على النجاة. «صدع بالحقّ» كمنع: تكلّم به جهارا، قال الفرّاء رحمه الله في قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ» (17) : أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك. (وحثّهم على الذِّكر) أي على طاعة الذكر الصامت بطاعة الذكر الناطق. و«الذِّكر» من أسماء القرآن، والرسول، ومطلق حجّة اللّه كتابا أو نبيّا أو إماما. وفي سورة الطلاق: «قَدْ أَنزَلَ اللّه ُ إِلَيْكُمْ ذِكْرا * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّه ِ» (18) الآية. (ودلّهم (19) على سبيل الهدى): على وجوب طاعة مفترض الطاعة. (ومنائر) جمع المنارة (20) بالفتح: عَلَم الطريق. والمراد هنا: الدلائل الواضحة كما من نظائرها. قال الجوهري: والجمع: المناور، بالواو؛ لأنّه من النور، ومن قال منائر وهَمز فقد شبّه الأصليّ بالزائد، كما قالوا مصائب، وأصله مصاوب . (21) والمراد بالأعلام: الثقلان، كتاب اللّه وعترته المعصومين صلى الله عليه و آله ، أو العترة خاصّة، يعني الأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم. (وكان بهم صلى الله عليه و آله رؤوفا رحيما) يعني أرأف وأرحم من أن ضيّع بتركه تعيين الخليفة اُمّته، ومن الأصلاب والأرحام إلى يوم القيامة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: جملة «فيه البيان»: حاليّة وناظر إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: «هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ» (22) و«التبيان»: مبالغة البيان، وناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل: «تِبْيَانا لِكُلِّ شَيْءٍ» (23) و«قرآنا»: بدل من «الكتاب» أو حال عنه، أو منصوب بالاختصاص، بتقدير أعني. «غير ذي عوج» ؛ أي اختلاف. «ونهجه بعلم» أي بمعلوم، وهو مضمون محكمات الآيات، وناظر إلى قوله تعالى في الأعراف: «وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً» (24) ، والذي يحتمل خلافه يسمّى بالعلم، كالاعتقاد بأنّ الاثنين (25) نصف الأربعة ، والذي يحتمل خلافه يسمّى ظنّا إن لم يكن من هوى النفس، كالاعتقاد بطهارة ما في سوق المسلمين؛ فإن كان من هوى النفس يسمّى بالاعتقاد المبتدئ، كاعتقاد أكثر العوامّ بأنّ مذهب أبيهم حقّ. و«المعلم» كمنصب: اسم الموضع، أي موضع العلامة . ويطلق على العلامة، والجمع معالم . و«هداه» بالضمير، أي هدى اللّه . والمراد: الإمام الهادي إلى الصراط المستقيم. و«الدواعي»: جمع داعية؛ أي الداعي جدّا ، فالتاء للمبالغة. والمراد بالدّواعي: متشابهات القرآن؛ فإنّها تدعو الناس إلى الإقرار باحتياجهم إلى إمام مفترض الطاعة. و«المنائر»: جمع المنار. والمراد: أقوال الرسول صلى الله عليه و آله وأفعاله الدالّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعده بلا فاصلة. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : الهاء في «هُداه» إمّا ضمير راجع إلى اللّه سبحانه اُضيف إليه الهدى ، وإمّا زائدة في الوقف. (26)

.


1- . في «الف»: «مضمود».
2- . الفقيه، ج 4، ص 174 _ 175، ح 5402.
3- . تقدّم تخريج حديث الافتراق قبيل هذا .
4- . فاطر (35): 43.
5- . العنكبوت (29): 2 و 3.
6- . جواب «لمّا» في قوله قبل أسطر «فلما كان امتحان...».
7- . راجع: الاختصاص، ص 6 ؛ رجال الكشّي، ص 11، ح 24.
8- . سبأ (34): 20.
9- . في «الف»: «حاض حيضة».
10- . الاختصاص، ص 10؛ رجال الكشّي، ص 11، ح 24.
11- . في «الف»: «وتنصّرهم».
12- . اقتباس من الآية: 8 ، الأنفال (35) «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً» .
13- . في «الف»: «منطقهما».
14- . المائدة (5): 55.
15- . النساء (4): 59.
16- . الأحزاب (33): 33.
17- . الحجر (15): 94.
18- . الطلاق (15): 10 و 11.
19- . في «ب» و «ج»: «حثّهم».
20- . في «ب» و «ج»: «منار».
21- . الصحاح، ج 2، ص 839 (نور).
22- . آل عمران (3): 138.
23- . النحل (16): 89.
24- . الأعراف (7): 52.
25- . في «الف»: «اثنين».
26- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 36.

ص: 133

. .

ص: 134

. .

ص: 135

. .

ص: 136

. .

ص: 137

. .

ص: 138

. .

ص: 139

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:فَلَمَّا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ ، وَاستُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ ، تَوَفَّاهُ اللّه ُ وَقَبَضَهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ عِنْدَ اللّه ِ مَرْضِيٌّ عَمَلُهُ ، وَافِرٌ حَظُّهُ ، عَظِيمٌ خَطَرُهُ . فَمَضى صلى الله عليه و آله وَخَلَّفَ فِي أُمَّتِهِ كِتَابَ اللّه ِ ، وَوَصِيَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ ، صَاحِبَيْنِ مُؤْتَلِفَيْنِ ، يَشْهَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالتَّصْدِيقِ . يَنْطِقُ الْاءِمَامُ عَنِ اللّه ِ فِي الْكِتَابِ بمَا أَوْجَبَ اللّه ُ فِيهِ عَلَى الْعِبادِ مِنْ طَاعَتِهِ ، وطَاعَةِ الإِمَامِ وَوِلَايَتِهِ ، وَوَاجِبِ حَقِّهِ ، الَّذِي أَرَادَ مِنِ اسْتِكْمَالِ دِينِهِ ، وَإِظْهَارِ أَمْرِهِ ، وَالْاحْتِجَاجِ بِحُجَجِهِ ، وَالْاسْتِضَاءَةِ بِنُورِهِ ، فِي مَعَادِنِ أَهْلِ صَفْوَتِهِ ، وَمُصْطَفَيْ أَهْلِ خِيَرَتِهِ . فَأَوْضَحَ اللّه ُ تَعَالى بِأَئِمَّةِ الْهُدى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا عَنْ دِينِهِ، وَأَبْلَجَ بِهِمْ عَنْ سَبِيلِ مَنَاهِجِهِ، وَفَتَحَ بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلْمِهِ، وَجَعَلَهُمْ مَسَالِكَ لِمَعْرِفَتِهِ ، وَمَعَالِمَ لِدِينِهِ ، وَحُجَّابا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، وَالْبَابَ الْمُؤَدِّيَ إِلى مَعْرِفَةِ حَقِّهِ ، وَ أَطْلَعَهُمْ عَلَى الْمَكْنُونِ مِنْ غَيْبِ سِرِّهِ . كُلَّمَا مَضى مِنْهُمْ إمَامٌ نَصَبَ لِخَلْقِهِ مِنْ عَقِبِهِ إِمَاما بَيِّنا ، وَهادِيا نَيِّرا ، وَإِمَاما قَيِّما، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ . حُجَجُ اللّه ِ وَدُعَاتُهُ وَرُعَاتُهُ عَلى خَلْقِهِ، يَدِينُ بِهُداهُمْ (1) الْعِبَادُ ، وَتَسْتَهِلُّ بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ . جَعَلَهُمُ اللّه ُ حَيَاةً لِلأَنَامِ ، وَمَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ ، وَمَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ ، وَدَعَائِمَ لِلْاءِسْلَامِ. وَجَعَلَ نِظَامَ طَاعَتِهِ وَتَمَامَ فَرْضِهِ التَّسْلِيمَ لَهُمْ فِيمَا عُلِمَ ، وَالرَّدَّ إِلَيْهِمْ فِيمَا جُهِلَ، وَحَظَرَ عَلى غَيْرِهِمُ التَّهَجُّمَ عَلَى الْقَوْلِ عَلَى اللّه (2) بِمَا يَجْهَلُونَ ، وَمَنَعَهُمْ جَحْدَ مَا لَا يَعْلَمُونَ ؛ لِمَا أَرَادَ اللّه (3) _ تَبَارَكَ وَتَعَالَى _ مِنِ اسْتِنْقَاذِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ مُلِمَّاتِ الظُّلَمِ ، وَمَغْشِيَّاتِ الْبُهَمِ . وَصَلَّى اللّه ُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللّه ُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرا) .

.


1- . في الكافي المطبوع: «بهَدْيِهِمْ».
2- . في الكافي المطبوع : - «على اللّه ».
3- . في الكافي المطبوع : - «اللّه ».

ص: 140

الهديّة السادسة:(واستكملت أيّامه) على ما لم يسمّ فاعله: توفّاه اللّه وقبضه للنسق المحتوم في الأوّلين والآخرين إلّا نادرا لوجوهٍ علمها اللّه ربّ العالمين، فلعلّ منها إظهار عموم القدرة للشاكّين. (مرضيّ عمله) وبرضائه صلى الله عليه و آله يرضى اللّه عن العاملين. (وافرٌ حظّه) ونصرته عليّه في دينه خيرٌ من عبادة الثقلين. (1) (عظيم خطره) وهو أفضل الأنبياء والمرسلين، وسيّد الكائنات والعالمين، ومن تلامذة وصيّه الروح الأمين سيِّد الملائكة المقرّبين. و«خَطَرُ الرجل» _ بالتحريك _ : قدره، وشأنه، ومنزلته. (كتاب اللّه ووصيّه أمير المؤمنين وإمام المتّقين صلوات اللّه عليهم) ناظرٌ إلى حديث: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض». والتقوى في هذا الدّين ظاهريّة. الاجتناب بالجوارح عن المناهي؛ وباطنيّة: التبرّي من ولاية كلّ وَليجة دون اللّه ورسوله وأئمّته المعصومين المنصوصين، ومن محبّة كلّ من ليس من أهل ولايتهم صلوات اللّه عليهم أجمعين. (صاحبين مؤتلفين): من الايتلاف، مبالغة في الاُلفة، إشارة إلى أنّه لن يقع المفارقة بينهما لَمْحةً إلى ورودهما الحوض، وإلى أنّ قيّميه الاثني عشر حكمهم واحد في الأمر، وأمرهم واحد في الحكم، ونورهم نورٌ واحد. (يشهد كلّ واحد منهما) من القرآن الناطق والصامت (بالتصديق) بإظهار كلّ منهما صدق الآخر وحقّيّته. فالإمام بعقله عن اللّه سبحانه للعصمة، والمنصوصيّة، والامتياز عن الجميع في جميع الفضائل والمكارم حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام : ما في الكتاب من رطبه ويابسه (2) ، أحوال الحقّ والباطل وأحكامهما. والكتاب، بمحكمات الآيات في الإمامة، وافتراض الطاعة كآية الولاية (3) ، والإطاعة (4) ، والتطهير (5) ، وأمثالها. وهذا ما بيّن طاب ثراه من التصديقين بقوله : «ينطق الإمام» إلى قوله «ومغشيّات البُهم». وبيان «من استكمال دينه» بيان أنّ استكمال الدِّين واستتمام النِّعمة إنّما هو بمعرفة الإمام المفترض الطاعة حقّ المعرفة الواجبة بنصّ القيّمين المعصومين، وتصديق محكمات الكتاب المبين. و«في» في «معادن أهل صفوته» سببيّة، يعني الاستضاءة بنوره: بنور علوم الحجج المعصومين، ونور عصمتهم. على عطف «ومصطفي على الإفراد على «المعادن»، وأمّا على عطفه على «أهل صفوته»، فالمراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فمن عطف الخاصّ؛ للاهتمام والإشارة إلى عدم التفاوت في العلم، وأصالة علمه صلى الله عليه و آله ؛ وأمّا على الجَمع، في الأصل: «مصطفيون» فلا خدشة. و«الباء» في «بأئمّة الهدي» و«بهم» في الموضعين سببيّة. (عن سبيل مناهجه): عن معرفة سنن الأوّلين والآخرين ، أو عن طريق المعارف الحقّة، أو توضيح المحكمات وتبيين المتشابهات. و«الينبوع»: عين الماء، ومنه قوله تعالى: «حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعا» (6) ، والجمع: ينابيع. (وحجّابا بينه وبين خلقه)، على الجمع، واحتمال الإفراد هنا بمعنى البوّاب للإشارة إلى وحدة الأمر كما في «الباب» ليس هذا مع وروده في بعض الأحاديث. (من غيب سرّه) أي من غيب علمه، أو الإضافة بيانيّة. وكلا الإمامين _ بكسر الهمزة، أو أحدهما بفتحها _ : يعني الإمام عند اللّه سبحانه. (يهدون بالحقّ وبه يعدلون) أي يهدون إلى الحقّ بالحقّ، يعني بالعصمة، وهو شرط الهادي عن اللّه إلى اللّه ، وبه يحكمون بالعدل بين الناس. (حجج اللّه ) بالرفع، أي هم حجج اللّه حال كونهم دعاته ورعاته. (ودعاته) يعني إليه، حاليّة، وكذا (رعاته) يعني لدينه وأهل توحيده؛ بدليل تعلّق «على خلقه» على «حجج اللّه ». (يدين بهداهم العباد) أي يتّصفون بالإطاعة في الدِّين، من دانه: أطاعه. ونسخة «بهديهم» أي بسيرتهم، مكان «بهداهم» ما أشبه بالتصحيف. (ويستهلّ بنورهم البلاد) على المعلوم، أي يستضيء. استهلّ البرق وتهلّل بمعنى، أي تلألأ وجه الرجل من فرحه، والاستضاء يتعدّى ولا يتعدّى، كالإضاءة. (حياة للأنام) أي بعلمهم. (ومصابيح للظلام) أي بنورهم. و«الظلام» بالفتح: ظلمة أوّل الليل، ويُطلق على مطلق الظلمة. (ومفاتيح للكلام) أي كلام اللّه ، أو علم الكلام ، أو مطلق الكلام الحقّ. و«الدّعامة» بالكسر: عماد البيت . والمستفاد من الأحاديث عينيّة الإسلام والإيمان حقيقة، ومغايرتهما باعتبار إطلاقات كما سيفصّل في موضعه إن شاء اللّه تعالى. (التسليم): مفعول ثان ل «جعل». (فيما علم) على ما لم يسمّ فاعله، وكذا (فيما جهل). (وحظر) بالحاء المهملة والظّاء المعجمة، كنصر: من الحظر، وهو المنع والتحريم. و(التهجّم): تفعّل من الهجوم، وهو الدخول على شيء بغتةً من غير رويّة. وفي بعض النسخ بزيادة «من الحقّ» بعد (ما لا يعلمون). (لما أراد اللّه تبارك وتعالى) بكسر اللّام التعليليّة. و«الاستنقاذ»: الاستخلاص. و«الملمّة» على اسم الفاعل من الإفعال: البليّة الحادثة. و(الظلم): جمع الظّلمة. و«المغشيّات»: المستورات بالأستار؛ أي المخفيّات على الأفكار. ونسخة «المغيبات» بالتصحيف أشبه . و(البُهم): جمع البهمة، كالظّلم والظلمة، أي المشكلات. (الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا): ناظر إلى آية التطهير في سورة الأحزاب. (7) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «يشهد كلّ واحدٍ منهما لصاحبه بالتصديق»؛ أي بالتعديل، بمعنى أنّ القرآن لو لم يكن له قيّم معصوم منصوص عاقل عن اللّه لعطّل حكمه؛ لأنّ النهي في القرآن عن الاختلاف ظنّا كثير، فلو لم يكن إمام معصوم عالم بجميع الأحكام فليس بدّ من الاختلاف ظنّا، وأيضا البضع والسبعون متمسّكون به والناجية إحداها. والإمام أيضا لو لم يكن له القرآن لاستنباط الأحكام المتشابهة علما وعقلاً عن اللّه لَعجز عن الحكم علما في المختلف فيه، الذي يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة وعناد. و«ولايته»: ولاية اللّه ، أو ولاية الإمام. والمآل واحد، وسائر الضمائر بعد اللّه سبحانه . و«الاستضاءة»: كسب الضياء بنوره، أي بعلم الإمام العالم بجميع المتشابهات. وفي الأوّل في الباب الثالث عشر، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللّه عزّ وجلّ، في كتاب الحجّة: «لَنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار». (8) «في معادن أهل صفوته»: حاليّة من «نوره»، يعني المعادن لعلم الرسول صلى الله عليه و آله ، وهم أوصياؤه الاثنا عشر صلوات اللّه عليهم، وهم المراد من المصطفى على الجمع. فالمراد من أهل الصفوة، وأهل الخيرة _ بكسر الخاء وفتح الياء _ : المؤمنون بالرسول صلى الله عليه و آله . يعني المعادن من جملة أهل صفوته، والمصطفين من جملة أهل خيرته. وتعدّية «الإيضاح» ونظيريه (9) ب «عن» على تضمين معنى الكشف. والمراد ب «المناهج هنا: محكمات الآيات ، وب «الينابيع»: متشابهاتها. و«الحُجّاب» بالضمّ والتشديد . والمراد ب «المكنون»: متشابهات الكتاب. و«من» في «من غيب سرّه»: للتبعيض، أي من جملة غيبه، من جملة سرّه. و«الغيب»: ما لم يكن معلوما بأحد من الطريقين: الأوّل: الضرورة المشتركة بين جميع العقلاء. والثاني: البرهان العقلي المحض المنتهي إلى الضروريّات المشتركة في جانب المادّة والصورة. والضروريّات المشتركة بين جميع عند جماعة على قسمين: الأوّل: ما هو مقتضى بداهة العقل، مثل الواحد نصف الاثنين. والثاني: ما هو المحسوس بحسّ خال عن الآفة، مثل: الشمس مضيئة، والنار حارّة، وقال زيد كذا، والتمر حلو، والمسك طيّب الرائحة. واختصاص علم الغيب باللّه سبحانه عبارة عن عدم صيرورة شيء لا يكون ضروريّا مشتركا ولا معلوما ببرهان عقلي محض ضروريّا لأحد من الإنس والجنّ، فطريق العلم به منحصر في توقيف (10) اللّه تعالى وإعلامه رسوله عليه السلام لتأخذ الاُمّة عنه بواسطة أو بدونها . والإيمان بالغيب عبارة عن الإقرار بهذا الاختصاص وتصديقه، وهو مناط الانتفاع بالكتاب الإلهي وأنبياء اللّه ورسله، كما قال تبارك وتعالى في سورة البقرة: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» (11) ؛ إبطالاً لقول زنادقة الفلاسفة والصوفيّة ومن قال بمقالتهما. وهم بعد جعلهم من عندهم أربع مراتب للنفس الناطقة: العقل الهيولائي، والعقل بالملكة، والعقل المستفاد، والعقل بالفعل: زعموا أنّ غير الضروريّات المشتركة، وكذا غير المعلوم ببرهان عقليّ محض يصير ضروريّا عند صاحب النفس القدسيّة وأهل المكاشفة (12) بالرياضة، ولإبطال زعمهم قال اللّه تبارك وتعالى في سورة النمل: «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَا اللّه ُ» (13) ، وفي الحديث عن الصادق عليه السلام كما يجيء في كتاب الحجّة في باب الخامس والأربعين، باب نادر فيه ذكر الغيب: «يا عجبا لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب؛ لا يعلم الغيب إلّا اللّه ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي، فما علمت في أيّ بيوت الدار هي». (14) ويظهر من هذا التقرير: أنّ غير البديهي إن لم يكن محسوسا أو مبرهنا ببرهان عقليّ محض في وقت ثمّ يصير كذلك، ففي الوقت الأوّل غيب (15) لا في الوقت الثاني، وكذا إذا لم يكن كذلك عند شخص دون شخص، فغيب للأوّل دون الثاني، والمعلوم بتوقيف (16) اللّه وإعلامه حججه عليهم السلام قد يطلق عليه الغيب في الوقتين، وقد يُطلق عليه الغيب في الوقت الأوّل، والأوّل يوافق قوله تعالى في سورة آل عمران، وسورة يوسف: «ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ» (17) ، والاستثناء على هذا في قوله تعالى في سورة الجنّ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا * إِلَا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ» (18) متّصل. و«لا يعلم الغيب إلّا اللّه »، بمعنى لا يعلم الغيب بدون توقيف إلّا اللّه . والمراد ب «السرّ»: الكلام المنزّل منه تعالى إلى أنبيائه ورسله، وهو المستور عن غير المنزل عليه عند نزوله. وبيان ذلك أنّ مضمون الكلام الإلهي الذي هو من أسراره قسمان: ما هو الغيب، مثل «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» (19) ؛ وما ليس هو بالغيب، مثل: «سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» (20) . والغيب أيضا قسمان: ما في متشابهات الكتاب؛ وما في المحكمات. «إماما بيّنا» بكسر الهمزة. «وأماما قيّما» بفتحها، بمعنى سيّد القوم ومقدّمهم. «حجج اللّه »، بتقدير: «هُمْ حجج اللّه ».

.


1- . إشارة إلى الخبر المرويّ في عوالي اللآلي، ج 4، ص 86 ، ح 102؛ إقبال الأعمال، ص 485؛ بحار الأنوار، ج 39، ص 1، ح 1.
2- . في «الف»: «رطبة و يابسة».
3- . المائدة (5): 55.
4- . النساء (4): 59.
5- . الأحزاب (33): 33.
6- . الإسراء(17): 90.
7- . الأحزاب (33): 33.
8- . الكافي، ج 1، ص 194، ح 1.
9- . يعني «أبلج» و «فتح».
10- . في «الف»: «توفيق».
11- . البقرة (2): 2 و 3.
12- . في «الف»: «المكاسبة».
13- . النمل (27): 65 .
14- . الكافي، ج 1، ص 257، ح 3.
15- . في «الف»: «غيبه».
16- . في «الف»: «بوقتين».
17- . آل عمران (3): 44؛ يوسف (12): 102.
18- . الجن (72): 26 و 27.
19- . الروم (30): 3.
20- . الرعد (13): 2.

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

. .

ص: 145

. .

ص: 146

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:أَمَّا بَعْدُ ، فَقَد فَهِمْتُ يَا أَخِي مَا شَكَوْتَ مِنِ اصْطِلَاحِ أَهْلِ دَهْرِنَا عَلَى الْجَهَالَةِ ، وَتَوَازُرِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي عِمَارَةِ طُرُقِهَا ، وَمُبَايَنَتِهِمُ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ ، حَتّى كَادَ الْعِلْمُ مَعَهُمْ أَنْ يَأْرِزَ كُلُّهُ ، وَتَنْقَطِعَ مَوَادُّهُ ؛ لِمَا قَدْ رَضُوا أَنْ يَسْتَنِدُوا إِلَى الْجَهْلِ ، وَيُضَيِّعُوا الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ . وَسَأَلْتَ : هَلْ يَسَعُ النَّاسَ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهَالَةِ ، وَالتَّدَيُّنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إذْ كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الدِّينِ ، مُقِرِّينَ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ عَلى جِهَةِ الْاسْتِحْسَانِ وَالنُّشُوءِ (1) عَلَيْهِ ، والتَّقْلِيدِ لِلْابَاءِ وَالْأَسْلَافِ وَالْكُبَرَاءِ ، وَالْاتِّكَالِ عَلَى عُقُولِهِمْ فِي دَقِيقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلِيلِهَا ؟ فَاعْلَمْ يَا أَخِي _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ أَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ خَلَقَ عِبَادَهُ خِلْقَةً مُنْفَصِلَةً مِنَ الْبَهَائِمِ فِي الْفِطَنِ وَالْعُقُولِ الْمُرَكَّبَةِ فِيهِمْ ، مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَجَعَلَهُمْ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ صِنْفَيْنِ : صِنْفا مِنْهُمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَصِنْفا مِنْهُمْ أَهْلَ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ ؛ فَخَصَّ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، بَعْدَ مَا أَكْمَلَ لَهُمْ آلَةَ التَّكْلِيفِ ، وَوَضَعَ التَّكْلِيفَ عَنْ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالضَّرَرِ ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُمْ خِلْقَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ لِلْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ . فَلَوْ كَانَتِ الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ ، وَفِي جَوازِ ذلِكَ بُطْلَانُ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْادَابِ ، وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْادَابِ فَسَادُ التَّدْبِيرِ ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ ؛ فَوَجَبَ في عَدْلِ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَحِكْمَتِهِ أَن يَخُصَّ مَنْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ خِلْقَةً مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِئَلَا يَكُونُوا سَدًى مُهْمَلِينَ ؛ وَلِيُعَظِّمُوهُ ، وَيُوَحِّدُوهُ ، ويُقِرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ؛ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ ؛ إِذ شَوَاهِدُ رُبُوبِيَّتِهِ دَالَّةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَحُجَجُهُ نَيِّرَةٌ وَاضِحَةٌ ، وَأَعْلَامُهُ لَائِحَةٌ تَدْعُوهُمْ إِلى تَوْحِيدِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَشْهَدُ عَلى أَنْفُسِهَا لِصَانِعِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ وَاهضِ لهِيَّةِ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ آثَارِ صُنْعِهِ ، وَعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ ، فَنَدَبَهُمْ إِلى مَعْرِفَتِهِ ؛ لِئَلَا يُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَجْهَلُوهُ وَيَجْهَلُوا دِينَهُ وَأَحْكَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يُبِيحُ الْجَهْلَ بِهِ وَالْاءِنْكارَ لِدِينِهِ ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَ_قُ الْكِتَ_بِ أَن لَايَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلَا الْحَقَّ» ، وَقَالَ : «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ» ، فَكَانُوا مَحْصُورِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، مَأْمُورِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ ، غَيْرَ مُرَخَّصٍ لَهُم فِي الْمُقَامِ عَلَى الْجَهْلِ ؛ أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ : «فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَ_آئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ» ، وَقَالَ : «فَسْئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» . فَلَوْ كَانَ يَسَعُ أَهْلَ الصِّحَّةِ والسَّلَامَةِ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهْلِ ، لَمَا أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلى بَعْثَةِ الرُّسُلِ بِالْكُتُبِ وَالْادَابِ ، وَكَانُوا يَكُونُونَ عِندَ ذلِكَ بِمَنْزِلةِ الْبَهَائِمِ ، وَمَنْزِلةِ أَهْلِ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَمَا بَقُوا طَرْفَةَ عَيْنٍ.

.


1- . في «ب» و «ج»: «والسبق».

ص: 147

الهديّة السابعة:(من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة) أي من اتّفاق أهل عصرنا في الغيبة الصغرى على طلب الجهالة وزيادتها مصرّين فيه ومبالغين في شهرتها. ولانحصار حصول العلم والقطع بما هو الحقّ في الاُمور التي يجري فيه الاختلاف من غير مكابرة واعتساف فيما مأخذه المعصوم المنصوص الممتاز عن الجميع في الجميع حسبا ونسبا عاقلاً عن اللّه ؛ لانحصار الأعلمية بما في هذا النظام في صانعه ومدبّره، اختصّ اسم العلم بما مأخذه المأخوذ عن الحجّة المعصوم، واسم الجهل بخلافه. و«التوازر»: التعاون. و«عمارة الطريق»: عبارة عن كونه شارعا لعامّة الناس. (ومباينتهم العلم وأهله) أي مفارقتهم، وعدم طلبهم ما هو الحقّ. وأهله الإمام وشيعته. (كاد العلم معهم) أي مع وجود اُولئك المصطلحين على الجهالة. (أن يأرز كلّه)، على المعلوم بتقديم المهملة، كنصر، وضرب، وعلم، يعني أن يخفى ويستتر بتمامه. قال ابن الأثير في نهايته: فيه : «إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها» أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها (1) . (2) (وتنقطع موادّهُ) أي باختفاء علماء الشيعة وكتب أحاديث أئمّتهم عليهم السلام ؛ لاشتداد التقيّة في الغيبة الصغرى، فإنّ الاُصول الأربعمائة المتعارفة المتداولة فيما بينهم اُخفيت تمامها على التدريج؛ لاشتداد التقيّة كذلك من زمن المتوكّل عاشر الخلفاء العبّاسية إلى زمن استيصالهم. (لما قد رضوا)، بكسر اللّام للتعليل. في بعض النسخ : «ويضيّعوا» من التضييع مكان : «ويضعوا» من الوضع بمعنى الحطّ. وضع فلان كحسن: صار وضيعا. ووضعه غيره، كعلم وضعا، وَضَعةً وضِعة بالفتح والكسر، والهاء عوض الواو . و(المقام) بالفتح: مصدر ميميّ بمعنى الإقامة، واسم المكان أيضا، أي موضع القيام؛ وكذا «المقام» بالضمّ. [قال ]الجوهري: وأمّا «المَقام» و«المُقام» فقد يكون كلّ واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنّك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم؛ لأنّ الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم؛ لأنّه مشتبه ببنات الأربع، نحو دحرجَ، وهذا مُدحرجُنا، وقوله تعالى: «لَا مُقَامَ لَكُمْ» (3) بالضمّ، أي لا إقامة لكم و «حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا» ، (4) أي موضعا. (5) (بجميع اُموره)، بأنّ جميعها ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله . (على جهة الاستحسان)، حالية، يعني استحسان الأنفس بأهوائها، آرائها، وقياساتها. (والنشوء عليه) يعني وتجدّد الاتّصاف (6) بالاستحسان الموصوف في كلّ زمان للأحكام بل لحكمٍ واحد بعد الاتّصاف به سابقا ، و«النشوء» بالضمّ: مصدر نشأ كمنع؛ أي الحدوث ابتداءً. (والكبراء) أي الرؤساء الغير المستندين إلى العلم الموصوف آنفا. (في دقيق الأشياء وجليلها): حقيرها وعظيمها، أو غامضها وواضحها. (خِلقة) بالكسر: للنوع، منفصلة ممتازة. (محتملة للأمر والنهي) أي قابلة بالاستطاعة المخلوقة فيها للإطاعة في الأمر والنهي. (والزمانة) بالفتح: آفة معروفة [قال] الجوهري: رجل زمن، أي مبتلى بيّن الزمانة. (7) (بعد ما أكملهم آلة التكليف) من قدر العقل والاستطاعة والتمكّن من الفعل والترك، بصحّة الجوارح وانتفاء الموانع. (ووضع التكليف عن أهل الزمانة والضرر) أي بقدرهما. (غير محتملة للأدب والتعليم) يعني كاحتمال أهل الصحّة والسلامة. (سبب بقائهم) أي سبب صلاح معاشهم ومعادهم.خطبة الكافي (فلو كانت الجهالة جايزة) أي الجهالة الموصوفة التي يوجبها القول بعدم الحاجة لمكان العقل في مثل هذا النظام العظيم بهذه الآراء المختلفة وهذه الاختلافات إلى الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه ، المنحصر فيه الأعلميّة بتدبيره. و(الآداب): عبارة عن السنن والشرائع، وإنّما في رفعها (فساد التدبير) أي في الاُمور ونظامها؛ لمكان الآراء المختلفة الداعية إلى الاختلاف. أو المعنى : وفي رفعها لزوم القول ببطلان حقّية بداهة الحكم بأنّ الأعلميّة بما في العالم منحصرة في مدبّر نظامه بهذا النسق. فالمراد من قول أهل الدهر على الأوّل: قول الملاحدة الدهريّة، من البراهمة وغيرهم بعدم الحاجة إلى الأنبياء والحجج؛ لاستقلال العقل في معرفة الأشياء وحقايقها. وعلى الثاني: قول الصوفيّة القدريّة التابعين للدهريّة في نسبة التقادير والتدابير إلى أعيان الأشياء وحقائقها، ثمّ قالت الدهريّة: إنّما ظهورها بالدهر، وقالت الصوفيّة: ليس للوجود إلّا إفاضة الوجود، على ما نقلنا عن بعض المعاصرين في أواخر الهديّة الاُولى. (أن يخصّ من خلق من خلقه) أي بالآمريّة والزاجريّة من عنده كلّ من خلق من جملة خلقه (خلقة محتملة) لأمر اللّه ونهيه له، ولا لآمريّة والزاجريّة لغيره من عنده سبحانه. وبعبارة اُخرى: أن يخصّ الذين خلقهم من خلقه (8) خلقة محتملة للمطيعيّة والمطاعيّة بالحجّيّة من عنده آمرين وزاجرين. و«السّدى بالضمّ والقصر وينوّن كالهدى: المهمل. غنم سدى: مهملة بلا راع. [قال ] الجوهري: وبعضهم يقول: سدى بالفتح. وأسديتها: أهملتها. (9) و(مهملين): خبر بعد الخبر على ضرب من التجريد، أي لئلّا يكونوا بلا راع مهملين. و(ليعظّموه) أي بالمعرفة الدينيّة التي لا تحصل إلّا بإخبار الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه . (ويوحّدوه) أي يقرّوا له تعالى بالوحدانيّة في جميع خصوصيّاته حتّى وحدانيّة الوحدة بأنّها ليست من باب وحدة العدديّة، تلزمها الاثنينيّة، ووحدانيّة الوحدة فردانيّة القدم، ولا قديم في باب القدم سواه تبارك وتعالى . (ويقرّوا له بالربوبيّة) أي للعالمين بالخصوصيّات التي عرّف بها نفسه تبارك وتعالى. (إذ شواهد ربوبيّته دالّة ظاهرة): تعليل لمقدّر مفهوم من التعليلات السابقة، مثل : «وقد تمّت عليهم الحجّة»؛ فإنّ شواهد ربوبيّته من عجائب الآثار والتقادير، وغرائب الصنائع والتدابير التي تحصل بها المعرفة الفطريّة لكلّ ذي شعور البتّة دالّة ظاهرة، وحججه المعصومين المنصوصين الذين لا تحصل المعرفة الدينيّة إلّا بهم. (نيّرة واضحة) وهم أعلامه اللّائحة. (تدعوهم إلى توحيد اللّه ) أي الحجج، الإعلام إلى ذلك بالمعرفة الدينيّة. (وتشهد) أي شواهد ربوبيّته من الأرض والسماء وما بينهما من سائر آثار الصنع وعجائب التدبير سيّما خلقة الإنسان، فتبارك اللّه أحسن الخالقين. (فندبهم إلى معرفته). ندبه لأمر بالمفردة، كنصر فانتدب: دعاه له فأجاب. (لئلّا يبيح لهم أن يجهلوه) أي لئلّا يجوّز لهم بترك ندبتهم إلى المعرفة الدينيّة أن يجهلوه جهلاً بخصوصيّاته المعلومة بالمعرفة الدينيّة؛ لأنّ الحكيم قبيحٌ عليه تجويز الجهل به كذلك. والآية الاُولى في سورة الأعراف (10) . وفي التفسير: ألم يؤخذ على العباد ميثاق كلّ كتاب مُنزلٍ من لدن آدم إلى آخر الزمان أن لا يقولوا على اللّه في المختلف فيه بلا تعصّب وعناد إلّا الحقّ الواقعي الذي لا يجري فيه الشكّ أصلاً؛ لأخذه عن الحجّة المعصوم الممتاز العاقل عن اللّه سبحانه.خطبة الكافي والآية الثانية في سورة يونس (11) . والثالثة في سورة التوبة. (12) (فكانوا محصورين بالأمر والنهي) أي مضيّقين عليهم في قبول التكليف ، أو محفوظين في حِصار الدِّين (13) . حصره حصرا كنصر: جعله في حصار وضيّق عليه. (مأمورين بقول الحقّ) أي المأخوذ عن المعصوم، أو بإطاعة قول المعصوم، وهو العلم واليقين الذي لا سبيل للشكّ إليه أصلاً. (ولم يكن يحتاج) يحتمل المعلوم وخلافه. والمستتر على الأوّل لِفاعل «أمرهُم». (لَما بقوا طرفة عين)؛ لمكان الفساد في معاشهم مكان الصّلاح فيه إذا كان لا شريعة في الدنيا ولا طلب الرحمة أصلاً، وقد قدّر اللّه تعالى بقاء الدنيا في مدّتها بالمؤمن باللّه واليوم الآخر ولو كان شخصا واحدا كما كان إبراهيم عليه السلام مدّة اُمّة بانفراده، وللزوم بطلان الحكمة والتدبير كما قيل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة» أي على الحكم ظنّا بغير حكم اللّه سبحانه فيما يجري فيه الاختلاف وفي دليله بلا مكابرة، كمضامين الآيات المتشابهة، سواء كان ذلك الحكم من دليل يجري فيه الشكّ فيه بلا مكابرة، أو بادّعاء صفاء الباطن بالرياضة كما يدّعون الصوفيّة. و«الأروز» بتقديم الرّاء وتأخير الزّاي: مصدر باب ضرب ونصر وعلم، يعني أن يصير صغيرا ويختفي . وفي «كاد» إشارة إلى ما في كتاب الحجّة في الثالث في الباب الثامن والسبعين، والثالث عشر في الباب التاسع والسبعين من قوله: «إنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه ولا تنقطع موادّه». (14) وهذه الشكاية مذكورة عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في خطبته الّتي أوّلها: «أمّا بعد، فإنّ اللّه لم يقصم جبّاري دهر [قطّ] إلّا بعد تمهيلٍ ورخاءٍ». (15) «بجميع اُموره»، أي بجميع ضروريّاته من الصلاة، والصوم، والحجّ، والزكاة وغير ذلك، فيحكمون فيها «على جهة الاستحسان» ويسمّون أحكامهم كذلك بضروريّات الدِّين. و«النشوء»: الطلوع على صفة. و«الأدب»: الطريقة الحسنة فعلاً، أو تركا. و«الفاء» في «فلو كانت الجهالة جائزة» بيانيّة، أو للترتيب الذكري، كما تكون عند الانتقال من مقدّمة تمهيديّة إلى الاستدلال؛ أو من استدلال إلى آخر «والرجوع على قول أهل الدهر» وهو إنكارهم اختيار الصانع، وحدوث العالم على زعمهم امتناع تخلّف المعلول عن علّته التامّة، وأنّ ظهور الأشياء فقط في الدنيا أزلاً وأبدا بالدّهر، كما حكى اللّه سبحانه في سورة الجاثية قولهم: «مَا هِيَ إِلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَا الدَّهْرُ» (16) . «فوجب في عدل اللّه وحكمته أن يخصّ من خلق من خلقه» أي كلّ من خلق من جملة أهل الصحّة والسلامة أهلاً للإبلاغ أيضا بأمره ونهيه. «فكانوا محصورين بالأمر والنهي» أي في حصار الأمر والنهي. «ولم يكن يحتاج» على المعلوم. والفاعل هو «اللّه » يعني إلى وجوب «بعثة الرُّسل» عليه؛ رعايةً للمصالح، ودفع اعتراض الناس بحجّتهم عليه، كما قال سبحانه في سورة النساء: «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّه ُ عَزِيزا حَكِيما» (17) . «لما بقوا طرفة عين» أي لو لم يكن حكمة التكليف والمنع من العمل بالظنّ فيما يجري فيه الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة لكان خلقه العالم عبثا تعالى عن ذلك عُلوّا كبيرا، قال اللّه تعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا» (18) . وقال الفاضل الإسترآبادي رحمه الله بخطّه: «أنّ يأرز كلّه» سيجيء في باب الغيبة : «فيأرز العلم كما يأرز الحيّة في جحرها». وفي النهاية لابن الأثير، وفي الصحاح للجوهري : «إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها» أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. (19) ثمّ قال بخطّه: وأقول: كأنّه إشارة إلى ما وقع بعده صلى الله عليه و آله في ابتداء الأمر حيث انحصر الإسلام في أهل الكساء وفي جمع قليل من أتباعهم. (20) وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: «أن يأرز كلّه»، «الأرز» بتقديم المنقوطة على غيرها جاء بمعنى القوّة وبمعنى الضعف، وهنا بمعنى الضعف. ويحتمل أن يكون «يأرز» بتقديم الغير المنقوطة عليها. وسيجيء في باب الغيبة : «فيأرز العلم كما تأرز الحيّة في جحرها». وقال الجوهري في معنى : «إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها، أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها». (21) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله بعد ضبطه : «أنّ يأرز» كالأكثر: واحتمال «أن يأزر» بتقديم الزّاي على الرّاء بمعنى: أن يضعف كما ترى ، و«الأزر» القوّة والضعف؛ ضدّ. ثمّ قال: «أن يخصّ من خلق من خلقه» في بعض النسخ : «أن يحصر» أي أن يضيّق عليهم، من حصره كنصر: ضيّق عليه وأحاط به، وهو يناسب قوله بعد : «فكانوا محصورين بالأمر والنهي»، والمضبوط أكثر وأنسب بالمقام.

.


1- . في «الف»: - «فيها».
2- . النهاية لابن الأثير، ج 1، ص 41 (أرز).
3- . الأحزاب (33): 13.
4- . الفرقان (25): 76.
5- . الصحاح، ج 5 ، ص 2017 (قوم).
6- . في «الف»: «الإنصاف».
7- . الصحاح، ح 5 ، ص 2131 (زمن).
8- . في «الف»: - «خلقه».
9- . الصحاح، ج 6 ، ص 2374 (سدا).
10- . الأعراف (7): 169.
11- . يونس (10): 39.
12- . التوبة (9): 122.
13- . في «الف»: + «والدنيا ولاطلب الراحة».
14- . الكافي، ج 1، ص 335، باب نادر في الغيبة، ح 3.
15- . نهج البلاغة، ص 121، الخطبة 88 .
16- . الجاثية (45): 24.
17- . النساء (4): 156.
18- . المؤمنون (23): 115.
19- . النهاية لابن الأثير، ج 1، ص 41 (أرز)؛ الصحاح، ج 3، ص 864 (أرز).
20- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 82 .
21- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 35.

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

. .

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَقاؤُهُمْ إِلَا بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَبَ أَنَّهُ لَابُدَّ لِكُلِّ صَحِيحِ الْخِلْقَةِ ، كَامِلِ الْالَةِ مِنْ مُؤَدِّبٍ وَدَلِيلٍ وَمُشِيرٍ ، وَآمِرٍ وَنَاهٍ ، وَأَدَبٍ وَتَعْلِيمٍ ، وَسُؤَالٍ وَمَسْأَلَةٍ . فَأَحَقُّ مَا اقْتَبَسَهُ الْعَاقِلُ ، وَالْتَمَسَهُ الْمُتَدَبِّرُ الْفَطِنُ ، وَسَعى لَهُ الْمُوَفَّقُ الْمُصِيبُ ، الْعِلْمُ بِالدِّينِ ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللّه ُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً ، وَالتَّكْلِيفُ لَازِما ، وَالْعُمْرُ يَسِيرا ، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ .

الهديّة الثامنة:(بقاؤهم) أي بقاء أهل الصحّة والسلامة بصلاح معاشهم. (من مؤدّب) من الحقّ. (ودليل) إلى الحقّ. (ومشير) إلى الخير، وحسن العاقبة لصلاح المعاش والمعاد. (وآمر) بالمعروف. (وناهٍ) عن المنكر. وطريقة مستقيمة بتعريفهم وتعليمهم إيّاها، وسؤاله المتشابهات، ومسألته الأحكام عنهم. (فأحقّ ما اقتبسه العاقل) أي بعدما أعطاه اللّه من المعرفة الفطريّة الحاصلة بالشواهد الأوّليّة للربوبيّة من الأرض والسماء وما بينهما من سائر الآثار العجيبة المعلنة، والصنايع الغريبة المتقنة. وأوّليتها بالنسبة إلى خواتيم شواهد الربوبيّة من الحجج المعصومين ودلالاتهم، والكتب الإلهيّة وآياتها. (العلم بالدِّين) أي المعرفة الدينيّة، وهي (معرفة ما استعبد اللّه به خلقه من توحيده) على ما عرّف به نفسه، بحيث لا يتمّ إلّا بمعرفة الرسالة والإمامة. (إذا كانت الحجّة ثابتة). ناظر إلى ما سبق من قوله طاب ثراه: «فوجب في عدل اللّه جلّ وعزّ وحكمته أن يخصّ» إلى آخره. (والتكليف لازما) إلى مثل قوله : «فندبهم إلى معرفته». (والعمر يسيرا) تشييد لتأثير النصيحة والموعظة، وإيقاظ للنائم من نوم الغفلة عن قِصَر العمر في دار العمل، وطول زمان الخلود في دار المكآفأة. (والتسويف غير مقبول)؛ لما ذكر. قال برهان الفضلاء: «صحيح الخلقة»، عبارة عن المقابل للتكليف من جملة الرعيّة. وكلّ من «المؤدّب» و«الدليل» و«المشير» و«الآمر» و«الناهي» عبارة عن الإمام العالم بجميع الأحكام في كلّ زمان، نبيّا أو وصيّا . و«الإشارة»: إخراج العسل من الكندوج، استُعيرت هنا لبيان الأدب الخالص. و«الأدب» و«التعليم»: إشارة إلى قسم من الأدب، وهو الذي علّم قبل السؤال بمحكمات الكتاب. و«السؤال» و«المسألة»: إلى قسم آخر من الأدب، وهو الذي ليس في محكمات الكتاب، وعِلْمُه يحتاج إلى سؤال أهل الذِّكر. و«المسألة»: مصدر ميمي، من باب مَنَع بمعنى التوقّف عند السؤال لفهم المسؤول عنه حَسَنا. و«الفاء» في «فأحقّ» للتفريع. و«إذ كانت الحجّة»: تعليل للأحقّية المذكورة. وقال الفاضل الاسترآبادي: «وجب أنّه لابدّ لكلّ صحيح الخلقة» الدلالة على بطلان الاجتهاد الظنّي. (1) فإن أردت البيان لإجماله، فخُذ معيارا ممّا بيّناه في الهدية الاُولى بعد نقل كلام برهان الفضلاء وحكايته كلام شيخ الطائفة في كتاب عدّة الاُصول.

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، 82 .

ص: 156

. .

ص: 157

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَالشَّرْطُ مِنَ اللّه ِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ فيمَا اسْتَعْبَدَ بِهِ خَلْقَهُ أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعَ فَرَائِضِهِ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ؛ لِيَكُونَ الْمُؤَدِّي لَهَا مَحْمُودا عِنْدَ رَبِّهِ ، مُسْتَوْجِبا لِثَوَابِهِ وَعَظِيمِ جَزَائِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ لَايَدْرِي مَا يُؤدِّي ، وَلَايَدْرِي إِلى مَنْ يُؤَدِّي ، وَإذا كانَ جَاهِلاً ، لَم يَكُنْ عَلى ثِقَةٍ مِمَّا أَدّى ، وَلَا مُصَدِّقا ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لَا يَكُونُ مُصَدِّقا حَتّى يَكُونَ عَارِفا بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ ؛ لأَنَّ الشَّاكَّ لَا يَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّقَرُّبِ مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ الْمُسْتَيْقِنِ ، وَقَدْ قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ : «إِلَا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ ، وَلَوْ لَا الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً . وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ _ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَة _ إِلَى اللّه ِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ عَلَيْهِ ، فَقَبِلَ عَمَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللّه ِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ؛ كَيْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ وَصَفَهُ اللّه ُ ، فَقَالَ تَبارَكَ وَتَعَالَى : «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةَ ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ» ؛ لِأَنَّهُ كانَ دَاخِلاً فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ ، فَلِذلِكَ صَارَ خُرُوجُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ . وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليه السلام :«مَنْ دَخَلَ فِي الْاءِيمَانِ بِعِلْمٍ ، ثَبَتَ فِيهِ ، وَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ ، وَمَن دَخَلَ فِيهِ بِغَيرِ عِلْمٍ ، خَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ» . وَقَالَ عليه السلام : «مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ _ صَلَوَات اللّه ِ عَلَيْه وَآلِهِ _ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ ، وَمَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ ، رَدَّتْهُ الرِّجَالُ». وَقَالَ عليه السلام : «مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَنَا مِنَ الْقُرْآنِ ، لَمْ يَتَنَكَّبِ الْفِتَنَ» .

.

ص: 158

الهديّة التاسعة:كاد أن توجب هذه الفقرات خاصّة القطع بأنّ خطبة الكافي من أمالي الصاحب عليه السلام ، كما يوجب ساير فقراتها ظنّا بذلك. وإنّما الشرط من اللّه جلّ ذكره على خلقه فيما ذكر كما ذكر؛ لأنّ عظمته جلّت جلالته لن ترضى إلّا بأن يُخبر عباده بما يحصل لهم به المعرفة الدينيّة بحيث يكون اعتقاد الجميع بجميع ضروريّات الدِّين على السواء، كالشمس بالنظر إلى جميع الأنظار، فكما أنّ الشمس في كلّ نظر خال عن الآفة هي بعينها في جميع الأنظار السليمة، كذلك الاعتقاد بضروريّات الدِّين لجميع المؤمنين ، ولذا اعتقاد أبناء السبع منهم بتسوية الأرض بزلزلة الساعة _ مثلاً _ بحيث يرى من في المغرب البيضة التي في المشرق كما سمعوا من آبائهم ومعلّميهم هو بعينه أصل اعتقاد السبعين منهم وإن كانوا فضلاء متبحّرين. وهل تفاوت عند المؤمنين صبيانهم وكبرائهم، مبتديهم ومنتهيهم في الاعتقاد بجسمانيّة نكير ومنكر وعموديهما الموصوفين، وسؤالهما عن الربّ تعالى، والنبيّ، والإمام، والكتاب وغير ذلك، وإحياء الميّت في القبر وجلوسه حيّا، ثمّ قبضه ثانيا، والحشر الجسماني لجميع الأوّلين والآخرين، والميزان والصراط الجسمانيّين (1) ، وتطاير الكتب الجسمانيّة، وكذا النار ودركاتها بعقاربها وحيّاتها ، والجنّة بدرجاتها وحورها وقصورها وعيونها، وغير ذلك ممّا لا عين رأيت ولا اُذن سمعت؟! (2) ولانحصار القطع بحقّيّة حكم ممّا يجري فيه الاختلاف وفي دليله بلا مكابرة في حكم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام في مدبّره سبحانه، انحصر حصول المعرفة الدينيّة على «علمٍ ويقين وبصيرةٍ» في الفرقة الإماميّة، بطاعة مفترض الطاعة، وهو الذي لعصمته وامتيازه عن الجميع في جميع المكارم، ودلالات حجّيّته، ومعجزات حقّيّته لا يتطرّق الشكّ إلى حكمه أصلاً، فيكون المؤدّي للفرائض بطاعته وحكمه «محمودا عند ربّه، مستوجبا لثوابه وعظيم جزائه»؛ لأنّه الذي يؤدّي بعلمٍ ويقين وبصيرةٍ. أمّا الجاهل بالحجّة المعصوم فلا يؤدّي إلّا على شكّ وشبهة؛ لامتناع أن لا يتطرّق إلى مثله الشكّ؛ لما صحّ من الانحصار المذكور بالإجماع الحقّ من غير المكابرين، والشاكّ لا يكون له ممّا ذكر مثل ما يكون من العالم المستيقن، وقد قال اللّه تبارك وتعالى في سورة الزخرف: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (3) . (والأمر في الشاكّ المؤدّي بغير علم وبصيرة إلى اللّه عزّ وجلّ): جواب عن سؤال مقدّر ينبغي الجواب عنه؛ لكثرة خطوره على الأفكار في أكثر الأعصار، أو عن سؤال محقّق في جملة شكاية ذلك الأخ إلى ثقة الإسلام ومسائله عنه طاب ثراه. وهو مثل، فما أمر أكثر الناس في أكثر الأعصار وهم منتمين (4) إلى الإماميّة بإيمانهم بولاية الاثني عشر عليهم السلام وإنكارهم الفلان والفلان والفلان، إلّا أنّهم متوقّفون في طعن طائفة من مشائخ وكبراء الصوفيّة القدريّة ولَعنِهم؛ لجهلهم بأصل طريقتهم، المحفوف بفنون خادعة ورسوم رائعة من خدع الشيطان بفكره في أواخر عمره، وميلهم بالاستحسان إلى ظواهر من مخادعتهم في الأقوال، ومطايبتهم في الأمثال، ومجاهدتهم في الأعمال، وإلى هذا صرّح طاب ثراه بقوله بعد : «لأنّه كلّما رأى كبيرا من الكبراء مالَ معه، وكلّما رأى شيئا استحسن ظاهره قَبِله». وخلاصة الجواب: أنّ مثل المنتمي الموصوف منتحل شاكّ لا يؤدّي ما عليه بعلمٍ (5) ويقين وبصيرة فأمره إلى اللّه عزّ وجلّ، وللّه فيه المشيئة، إن شاء تفضّل عليه بالتوفيق للتوبة وقبول توبته فقبل عمله، وإن شاء ردّ عليه بالخذلان ؛ لأنّ الشرط على كلّ شيعة من اللّه في الميثاق أن يؤدّي ما عليه بعلمٍ وبصيرة ويقين كما حكم به الحجّة المعصوم المبين. وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة». (6) وقال الهادي أبو الحسن الثالث عليه السلام : «إنّ أخسّ الطوائف: الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة»، (7) الحديث. وقد ذكر في أواخر الهديّة الاُولى. وإلّا فكان ممّن وصفه اللّه تعالى في سورة الحجّ فقال تبارك وتعالى: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَى حَرْفٍ» (8) الآية، أي على شكّ. وفي تفسير عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «نزلت هذه الآية في قوم وحّدوا اللّه وخرجوا من الشرك، ولم يعرفوا أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه ، فهم يعبدون اللّه على شكّ في محمّد وما جاء به صلى الله عليه و آله ، فأتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالوا: ننظر، إنّ كثرت أموالنا وعوفينا في أبداننا (9) وأولادنا علمنا أنّه صادق وأنّه رسول اللّه ، وإن كان غير ذلك نظرنا، فأنزل اللّه تعالى: «فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ» مشركا يدعو غير اللّه ويضلّ. ومنهم مَن عرف فدخل الإيمان على قلبه، فهو مؤمن مصدّق ونزوله عن منزلته من الشكّ إلى الإيمان . ومنهم من يلبث على شكّه. ومنهم مَن ينقلب إلى الشرك». (10) (وقد قال العالم عليه السلام )، يعني الكاظم، أو الصاحب عليهماالسلام ، أو واحدا من الأئمّة عليهم السلام : (مَن دخل في الإيمان بعلم) الحديث، أي في التشيّع، بعلمٍ ويقين لا يجري فيه الشكّ أصلاً كما وصف. (وقال عليه السلام : مَن أخذ دينه من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ) الحديث، أي من محكمات الكتاب، أو من كتاب اللّه الخاصّ علمه بقيّميّة المعصومين، وسنّة نبيّه المحفوظة المضبوطة بأوصيائه المنصوصين صلوات اللّه عليهم. (وقال عليه السلام : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن) أي فرض طاعتنا من محكمات القرآن، أو من القرآن المخصوص علمه بالحجّة المعصوم المنصوص؛ لم يتباعد عن الفتن ومضلّاتها، كالمنتمي إلى الإماميّة وهو شاكّ في بطلان طريقة التصوّف، ومتوقّف في طعن أهله ولعن طواغيتهم ومشايخهم لعنهم اللّه . «تنكّبه» على المعلوم من التفعّل: تجنّبه وتباعد عنه. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: و«الشرط من اللّه جلّ ذكره»: عاطفة على جملة «كانت الحجّة»، أو حاليّة. والمراد بالفرائض هنا: الواجبات التي أوعد اللّه تعالى على تركها بالنار. وب «العلم»: القطع ببراءة الذمّة من الفريضة، فلا ينافي جواز العمل بالخبر الواحد بشروطه المقرّرة؛ فإنّ البرهان الدال على جوازه يفيد العلم ببراءة الذمّة به. وهذا احتراز عن التأدية ظنّا ببراءة الذمّة، كطاعة واحدٍ من المدّعين للإمامة من دون علمٍ بأنّه بخصوصه مفترض الطاعة، وكتأدية صيام شهر رمضان بلا صيام يوم الشكّ، وبلا دليل من الخارج دالّ على الإجزاء. وذكر اليقين بعد العلم، إشارة إلى أنّ العلم قد يُطلق على الأعمّ من اليقين والظنّ، وليس المراد هنا. وذكر البصيرة بعد اليقين إشارة إلى أنّ اليقين قد يُستعمل فيما صاحبهُ معرضٌ عن مقتضاه، كما في آية سورة النمل: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ» (11) ، وليس المراد هنا . فظهر أنّ عطف اليقين والبصيرة من قبيل عطف التفسير؛ لأنّ «الذي يؤدّي بغير علم وبصيرة» استدلال بدليل عقلي على الشرط المذكور. و«الباء» في «بغير علم» للسببيّة. والمراد «بغير العلم» القدر المشترك بين الظنّ، والتقليد، واعتقاد المبتدي. وصدر الآية في سورة الزخرف: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَا» (12) الآية. ولا يخفى ما في هذه الآية من الدلالة على أنّ العمل بفتوى رجل من الرعيّة على ثلاثة أقسام: الأوّل: أن لا يكون الفتوى من اليقين بالحكم الواقعي. والثاني: أن يكون من اليقين به مع تجويز السائل خلافه، والثالث: أن يكون من اليقين به مع علم السائل بأنّه من اليقين به . والفتوى على الأوّلين لا يقبل ولا يجوز العمل به بخلاف الثالث، فإنّه يقبل ويجوز العمل به. وأشار المصنّف طاب ثراه بذكر آية سورة الحجّ: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَى حَرْفٍ» الآية، إلى أنّ أهل الشكّ لهم خطران: أحدهما: في الدنيا، والآخر. في الآخرة، وأهل الشكّ على ثلاثة أقسام؛ فإنّ المكلّفين في كلّ زمانٍ إمّا المؤمنون حقّا و «الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» في الفاتحة عبارة عنهم. وإمّا الكافرون قلبا، سواء كان جحدهم لسانا أيضا أو لا، كالمنافقين و «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» فيها عبارة عنهم. وأمّا الواسطة بين المؤمنين والكافرين والضالّين عبارة عنهم. والضّالون قسمان: أهل الشكّ، وغير أهل الشكّ. والأوّل أقسام ثلاثة : من يعبد اللّه على حرفٍ، والمُعارون، والمؤلّفة قلوبهم. والثاني، يعني غير أهل الشكّ من الضالّين أقسام أربعة: أهل خلط العمل الصالح بالعمل السيئ، والمُرْجَون لأمر اللّه ، والمستضعفون، وأصحاب الأعراف. وسيبيّن تداخل بعض هذه الأقسام في بيان الأوّل والثاني في الباب الرابع والستّين والمائة من كتاب الإيمان والكفر، كبيان الأقسام السبعة للضالّين، كلٌّ في باب على حدة منه، إلّا أهل الخلط وذكرهم في باب أصحاب الأعراف، لما سيذكر هناك إن شاء اللّه تعالى. والمراد من «العالم» في الأحاديث الثلاثة خصوص صاحب الزمان صلوات اللّه عليه بتوسّط السُّفراء أو مشافهة، أو المراد واحدٌ من الأئمّة عليهم السلام ، أو الكاظم عليه السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ومن الناس من يعبد اللّه على حرفٍ» أي على وجهٍ واحدٍ، كأن يعبدهُ على السرّاء لا الضرّاء، أو على شكّ، أو على غير طمأنينة. والحاصل: أنّه لا يدخل في الدِّين متمكّنا مستقرّا. (13) وقال السيّد الداماد ثالث المعلّمين قدس سره: «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ» (14) ، «الحرف» في الأصل: الطرف والجانب، وبه سمّي حروف التهجّي، أي على حرف من الاعتقاد يُميله كلّ مميل، ويُزعجه كلّ مُزعج، لا قارّ البصيرة، ثابت التبصّر على حاقّ اليقين، ومستقرّ العلم، ومتن العقل المضاعف كالجبال الرواسي، فلا يستطيع أن يقلقله صوت هايل. ولا أن يزلزله ريحٌ عاصف. (15)

.


1- . في «الف»: «الجسماني».
2- . اقتباس من المرويّ في الفقيه، ج 1، ص 295، ح 905.
3- . الزخرف (43): 86 .
4- . في «ب» و «ج»: «منتهين».
5- . في «ب، ج»: «بعين».
6- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و..، ح 29؛ بحارالأنوار، ج 5 ، ص 6 ، ذيل الحديث 4؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 634 ، ح 4691.
7- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 ؛ ورواه عن قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص 129.
8- . الحجّ (22): 11.
9- . في المصدر : «في أنفسنا».
10- . تفسر القمّي، ح 2، ص 79، ذيل الآية 11 من الحج (22).
11- . النمل (27): 14.
12- . الزخرف (43): 86.
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 37.
14- . الحجّ (22): 11.
15- . الرواشح السماوية، ص 59.

ص: 159

. .

ص: 160

. .

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَلِهذِهِ الْعِلَّةِ انْبَثَقَتْ عَلى أَهْلِ دَهْرِنَا بُثُوقُ هذِهِ الْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ ، وَالْمَذَاهِبِ المُسْتَشْنَعَةِ (1) ، الَّتِي قَدِ اسْتَوْفَتْ شَرَائِطَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُلَّهَا ، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللّه ِ تَعالى وَخِذْلَانِهِ ، فَمَنْ أَرَادَ اللّه ُ تَوْفِيقَهُ وَأَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ ثَابِتا مُسْتَقِرّا ، سَبَّبَ لَهُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إِلى أَنْ يَأَخُذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ _ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيهِ وَآلِهِ _ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ أَثْبَتُ فِي دِينِهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي . وَمَنْ أَرَادَ اللّه ُ خِذْلَانَهُ وَأَنْ يَكُونَ دِينُهُ مُعَارا مُسْتَوْدَعا (2) ، سَبَّبَ لَهُ أَسْبَابَ الاسْتِحْسَانِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، فَذَاكَ فِي الْمَشِيئَةِ ، إِنْ شَاءَ اللّه ُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَتَمَّ إِيمَانَهُ، وَإِنْ شَاءَ ، سَلَبَهُ إِيَّاهُ ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ مُؤْمِنا وَيُمْسِيَ كَافِرا ، أَو يُمْسِيَ مُؤْمِنا وَيُصْبِحَ كَافِرا ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَأى كَبِيرا مِن الْكُبَرَاءِ ، مَالَ مَعَهُ ، وَكُلَّمَا رَأى شَيْئا اسْتَحْسَنَ ظَاهِرَهُ ، قَبِلَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلَقَ النَّبِيِّينَ عَلَى النَّبُوَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلَا أَنْبِيَاءَ ، وَخَلَقَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلَا أَوْصِيَاءَ ، وَأَعَارَ قَوْمَا إِيمَانَا ، فَإِنْ شَاءَ تَمَّمَهُ لَهُمْ وإِنْ شَاءَ ، سَلَبَهُمْ إِيَّاهُ» ، قالَ : «وَفِيهِمْ جَرى قَوْلُهُ تَعَالى : «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» »).

.


1- . في «ب» و «ج»: «المستبشعة».
2- . في الكافي المطبوع: + «نعوذ باللّه منه».

ص: 164

الهدية العاشرة:(ولهذه العلّة) أي الدخول في الدِّين بغير علم ويقين وأخذه من أفواه الرِّجال لا من كتاب اللّه الخاصّ علمه، وسنّة نبيّه المضبوطة بأوصيائه المنصوصة من أهله صلى الله عليه و آله . و«الانبثاق» بتقديم النون على المفردة: الانفجار. بثق السيل موضع كذا، كنصر بثقا بالفتح وبثقا بالكسر، أي خرقه وشقّه فانبثق، أي انفجر. القاموس: انبثق عليهم السيل: أقبل وهم غافلون (1) . و«البثوق»: جمع البثق بمعنى الشقّ والخرق، يعني تغور هذه الأديان الفاسدة وخلالها. و«الاستبشاع»: الاستكراه والاستقباح. شيء بشع _ بالشين المعجمة بين المفردة والمهملة _ كصفق (2) : كريه الطعم، يأخذ في الحلق، بيّن البشاعة ، واستبشع الشيء: عدّه بشعا. (التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلّها) إشارة إلى تحقّق ما أخبر به صلى الله عليه و آله في حديث الافتراق (3) في زمانه طاب ثراه، أو دلالة على أنّها بدخول طريقة التصوّف فيها مستكملة لجميع شرائط الكفر، مستجمعة لتمام أسباب الشرك . وكفر التصوّف كفر ملتئم من جميع شعوب الكفر وصنوف الشرك كبيت العنكبوت، ومن جميع شعوبه طرق إلى جميع ثقوبه. والمشار إليه ل «ذلك» في قوله: (وذلك بتوفيق اللّه وخذلانه) ، أمّا الدخول في الدِّين بعلم والدخول فيه لا بعلم ، أو مضمون قوله: «إن شاء تطوّل عليه فَقَبِل عمله، وإن شاء ردّ عليه»، والمآل واحد ، أو لا يبعد أن يكون واحدا. (سبّب له الأسباب) كما أنّ الأصل في أسباب التوفيق الحيلولة المبتنية على محبّة اللّه تبارك وتعالى، كذلك الأصل في أسباب الخذلان التخلية المنبئة عن سخط اللّه عزّ وجلّ، وفي الحديث كما سيذكر في أواخر كتاب التوحيد في الثاني في الباب الثامن والعشرين، باب السعادة والشقاء : «أنّ وجه محبّته تعالى وسخطه سرٌّ من أسراره، وحكم اللّه عزّ وجلّ لا يقوم له أحد من خلقه بحقّه» (4) من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله على ما وصف في الهدية السابقة. و(الرواسي) من الجبال: الثوابت الرواسخ. قال الأخفش: واحدتها راسية. في بعض النسخ بزيادة: «نعوذ باللّه منه» بعد «مستودعا» وقبل «سبّب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل»، كالمنتمي إلى الإماميّة بدخوله في الدّين بغير علم ويقين؛ لتوقّفه في طعن الصوفيّة القدريّة ولعنِهم، فذاك في المشيئة إن شاء اللّه تبارك وتعالى أتمَّ إيمانه بالحيلولة والتوفيق، وإن شاء سلبه إيّاه بالتخلية والخذلان. (كبيرا من الكبراء) أي كلبا كبيرا من كبراء كلاب جهنّم، كالبصري، والشامي، والرومي، والبغدادي، والبسطامي، والشبستري وأمثالهم من مشايخ الصوفيّة والقدريّة وطواغيتهم لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه . (وكلّما رأى شيئا استحسن ظاهره قبله) المستحسن ظاهره فقط عند كثيرٌ من عوام الناس كثيرٌ في دار الامتحان بهذا النظام العظيم، لا سيّما في أقوال الصوفيّة القدريّة وأمثالهم، وأعمالهم . (وقد قال العالم عليه السلام ) أو واحد من الأئمّة عليهم السلام ، أو خصوص الصاحب عليه السلام على ما مرَّ آنفا. وهذا الحديث سينقل عن الكاظم عليه السلام في كتاب الإيمان والكفر، وهو الرابع من الباب الثاني والثمانين والمائة، باب المعارين، وهناك مكان : «وخلق الأوصياء على الوصيّة فلا يكونون إلّا أوصياء»: «وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلّا مؤمنين» (5) . وهو أولى لِما ستعرف في نقل كلام برهان الفضلاء . والآية في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» (6) . قال برهان الفضلاء: جملة: «ولهذه العلّة» إلى قوله «والشرك كلّها» معترضة؛ تبيانا لمذمّة الدخول في الدين بغير علم ويقين، وليست من هذا البحث؛ لعدم دخول أهل دهره في محلّ سؤال الأخ كما عُلِمَ من قوله: «وسألت هل يسع» إلى آخره. و«التوفيق»: رأفة اللّه تعالى لعبده بعد إعطاء جميع أسباب الطاعة التي يمتنع الطاعة بدونها، ويسمّى الجميع بالعلّة التامّة للطاعة. و«الخذلان»: ترك ذلك الرأفة بعد تهيُّوء جميع أسباب المعصية التي يمتنع المعصية بدونها، و يسمّى الجميع بالعلّة التامّة للمعصية. (7) فلمّا ليست رأفته تعالى داخلة في العلّة التامّة للطاعة، وكذا تركها داخلة في العلّة التامّة للمعصية، فأهل الطاعة لا يعصون مع استطاعتهم للمعصية ، وأهل المعصية، لا يطيعون مع استطاعتهم للطاعة، فلا تبطل حجّة اللّه سبحانه في ثواب أهل الطاعة وعذاب أهل المعصية، لكن وجه المصلحة في الرّأفة بعبد دون عبد سرٌّ من أسراره تعالى لا عالم به سواه، كما في الحديث عنهم عليهم السلام ، وسيذكر _ في الباب الحادي والثلاثين في كتاب التوحيد في شرح: «عَلَم منهم فعلاً فجعل فيهم آلة الفعل» في الحديث الثاني (8) _ ما يوجب القناعة بطاعة مفترض الطاعة في جميع ما أخبر به، فلا بأس بهذه الوسوسة ولم يفرغ قلب منها. «كبيرا من الكبراء»، أي شيخا كبيرا من مشايخ أهل الضلالة، أو فاضلاً من فضلاء العامّة، أو خليفةً من خلفاء بني اُميّة أو بني العبّاس. «استحسن ظاهره» كمواظبة العامّة على أوقات الصلوات جماعةً في المسجدين و المشاعر و نحوهما. «وقد قال العالم عليه السلام : إنّ اللّه عزّوجلّ خلق النبيّين» الحديث (9) . ويمكن أن يكون هنا سهوٌ من نسّاخ الكافي؛ فإنّ في باب المعارين في كتاب الإيمان والكفر قد ذكر هذا الحديث وفيه: «وخلق المؤمنين على الإيمان، فلا يكونون إلّا مؤمنين» مكان: «وخلق الأوصياء على الوصيّة، فلا يكونون إلّا أوصياء (10) ». وما هناك أولى. والتقدير : «وخلق بعض المؤمنين». وفيهم، أي في المؤمنين الذين على قسمين جرى قوله تعالى في سورة الأنعام. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «لأنّه كلّما رأى كبيرا من الكبراء» الدلالة على أنّه لا يؤخذ الدِّين من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله إلّا بوسيلة الأئمّة عليهم السلام . (11)

.


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 210 (بثق).
2- . في «ب» و «ج»: «كصعق».
3- . روى الخاصّة والعامّة حديث الافتراق. راجع: بحارالأنوار، ج 28، ص 2 _ 36، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ علي...؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 608 ، ح 45966؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 25، ح 2640؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1321، ح 3991؛ مسند أحمد، ج 2، ص 332، ح 8377 .
4- . راجع: الكافي، ج 1، ص 153، باب السعادة والشفاء، ح 2.
5- . راجع: الكافي، ج 2، ص 418 _ 419، باب المعارين، ح 4 و 5.
6- . الأنعام (6): 98.
7- . في «ب» و «ج» - : للمعصية.
8- . الكافي، ج 1، ص 161، باب الاستطاعة، ح 2.
9- . في «الف»: - «استحسن ظاهره _ إلى _ الحديث».
10- . الكافي، ج 2، ص 418، باب المعارين، ح 4.
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 82 .

ص: 165

. .

ص: 166

. .

ص: 167

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَذَكَرْتَ أَنَّ أُمُورا قَدْ أَشْكَلَتْ عَلَيْكَ ، لَاتَعْرِفُ حَقَائِقَهَا ؛ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهَا ، وَأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوايَةِ فِيهَا لِاخْتِلَافِ عِلَلِهَا وَأَسْبَابِهَا ، وَأَنَّكَ لَا تَجِدُ بِحَضْرَتِكَ مَنْ تُذَاكِرُهُ وَتُفَاوِضُهُ مِمَّنْ تَثِقُ بِعِلْمِهِ فِيهَا . وَقُلْتَ : إِنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عِندَكَ كِتَابٌ كَافٍ يُجْمَعُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ فُنُونِ عِلْمِ الدِّينِ ، مَايَكْتَفِي بِهِ الْمُتَعَلِّمُ ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُسْتَرْشِدُ ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَنْ يُرِيدُ عِلْمَ الدِّينِ وَالْعَمَلَ بِهِ بِالْاثارِ الصَّحِيحَةِ عَنِ الصَّادِقِينَ عليهم السلام وَالسُّنَنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَلُ ، وَبِهَا يُؤَدَّى فَرْضُ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَسُنَّةُ نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله . وَقُلْتَ : لَوْ كَانَ ذلِكَ ، رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ سَبَبا يَتَدَارَكُ اللّه ُ تَعَالى بِمَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ إِخْوَانَنَا وَأَهْلَ مِلَّتِنَا ، وَيُقْبِلُ بِهِمْ إِلى مَرَاشِدِهِمْ . فَاعْلَمْ يَا أَخِي _ أَرْشَدَكَ اللّه ُ _ أَنَّهُ لَا يَسَعُ أَحَدا تَمْيِيزُ شَيْءٍ مِمَّا اخْتَلفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنِ الْعُلَمَاءِ عليهم السلام بِرَأْيِهِ ، إِلَا عَلى مَا أَطْلَقَهُ الْعَالِمُ عليه السلام بِقَوْلِهِ : «اِعْرِضُوهَا عَلى كِتَابِ اللّه ِ ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللّه ِ _ عَزَّوَجَلَّ _ فَخُذُوهُ ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللّه ِ فرُدُّوهُ» . وَقَوْلِهِ عليه السلام : «دَعُوا مَا وَافَقَ القَوْمَ ؛ فَإِنَّ الرُّشْدَ فِي خِلَافِهِمْ» . وَقَوْلِهِ عليه السلام : «خُذُوا بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَارَيْبَ فِيهِ» . وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ مِنْ جَمِيعِ ذلِكَ إِلَا أَقَلَّهُ ، وَلَا نَجِدُ شَيْئا أَحْوَطَ وَلَا أَوْسَعَ مِنْ رَدِّ عِلْمِ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى الْعَالِمِ عليه السلام ، وَقَبُولِ مَا وَسَّعَ مِنَ الْأَمْرِ فِيهِ بِقَوْلِهِ عليه السلام : «بِأَيِّمَا أَخَذْتُمْ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَكُمْ» .

.

ص: 168

الهديّة الحادية عشرة:(وأنّك تعلم) بفتح الهمزة، أي وذكرت فيما سألت أنّك تعلم أنّ اختلاف الرواية عن أئمّتنا عليهم السلام في تلك الاُمور ليس من اختلافهم عليهم السلام في العلم، ومعدنه واحدٌ، وكلّهم عليهم السلام عاقل عن اللّه ، ولا يمكن الاختلاف في علم اللّه سبحانه، بل من اختلاف عللها وأسبابها من التَقايا وغير ذلك؛ لحِكَمٍ ومصالح شتّي، واختلاف السائلين مذهبا وفهما واستطاعةً للعمل، وغير ذلك من الحِكَم والمصالح ، وهم عليهم السلام أعلمُ بها. و«المفاوضة»: الاشتراك في كلّ شيء كالتفاوض، ومنه: مفاوضة القوم في الأمر، بمعنى تكلّمهم فيه بالمجاراة، والمتابعة، والمشاركة، و«الشِركة المفاوضة»: مشاركة الشريكين في المال أجمع. والظاهر أنّ المراد ب «المتعلّم»: المبتدي من المقلّدين، وهو يكتفي بظاهر حكم الحديث بسماعه من منتهبهم. وب «المسترشد»: المنتهي منهم. وبالأخير (1) : المفتي بعلمه، أو ظنّه المرخّص فيه في علمه وعمل غيره بحكمه على ما سيفصّل إن شاء اللّه تعالى. و«الباء» في (ويقبل بهم إلى مراشدهم) للتعدية. والمراد (بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ): الأخبار المضبوطة المتواترة بالثقات من أصحابنا الإماميّة، وكتبهم المحفوظة المتواترة بضبطهم رضوان اللّه عليهم. وب (السُّنن القائمة): مضامين تلك الأخبار. وأحكام تلك الآثار متواترة بتواترها، مضبوطة مثلها بحيث عليها العمل دائما. وبها يؤدّى ما فرض اللّه وما سنّه الرسول صلى الله عليه و آله ، وتواترا بتواترها كتواترها بتواتر تلك الأخبار. ولاختلاف الأشخاص في الأعصار حفظا وضبطا يحتاج تواتر مضامين الأخبار في الصدور إلى تواتر كتبها في الدّهور، كتواتر الكتب بتواتر الثقات في السنين والشهور. فلا يقال: إذا تواترت المضامين فما الحاجة إلى تأليف الكتاب المبين للمتعلّم، والمسترشد، ومن يريد علم الدِّين؟ ولمّا لم يكن جميع الأحكام مضبوطة متواترة بحيث لا يشذّ عنها حكم؛ وكان في المضبوط المتواتر محكم متواتر ومتشابه متواتر، وكذا ناسخ ومنسوخ، وعامّ وخاصّ، كما في القرآن الخاصّ علمه بقيّمه المعصوم المنصوص، العاقل عن اللّه ، وهو متواتر بأجمعه، ومحكماته متواترةٌ بتواتر محكمات السنّة المتواترة بأجمعها. والحكم في متشابهاته المتواترة موقوف على معالجات الحكم في متشابهات السنّة ؛ إذ المعنى لقوله عليه السلام : «اعرضوها على كتاب اللّه » وازنوهما أحكام محكماته المضبوطة المتواترة بتواتر محكمات السنّة المضبوطة بأجمعها بالكتب المضبوطة بالثقات من أصحابنا. صارت (2) الأحكام المضبوطة المتواترة بتواتر الكتب المضبوطة بالثقات منّا على قسمين: أحدهما: ما خصّ باسم المتواتر والمحكم؛ لعدم ما يخالفه في حكمه ويعارضه في تواتره، وانتفاء التشابه الموجب للاختلاف في متنه، وثبوت كثرة رواته بحيث يمتنع عادةً تواطؤهم على الكذب. والثاني: ما خصّ باسم الخبر الواحد؛ لثبوت ما يخالفه ويعارضه كذلك، أو التشابه الموصوف في متنه، فلا يفيد للقطع لذلك، ولذلك لا يسمّى بالمتواتر. ويفيد الظنّ؛ لتواتره كمعارضه، فيسمّى كمعارضه بالخبر الواحد، فلابدّ ولا حرج في الدِّين من العلاج المشافهي من الحجّة المعصوم، أو المضبوط المتواتر (3) بالمحكمات من الأخبار المضبوطة المتواترة بكتبها المضبوطة كذلك بالثقات من أصحابنا الإماميّة قدس سرهم ، كما صرّح به وأفاد طاب ثراه هنا وغيره من أصحابنا في كتبهم الأخباريّة والاُصوليّة، وسيذكر أحاديث العلاج في أواخر (4) أبواب كتاب العقل إن شاء اللّه تعالى. وأمّا ما لم يكن من الأحكام مذكورا أصلاً، أويكون وهو غير مضبوط ومتواتر بثقات منّا، وغير مردود بمعارض مقبول عندنا، فمشكوكُه ساقط كَمَوْهُومِه إذا كان في غير العبادات، وأمّا في العبادات، فالعامل به مأجور للنصّ، وقد تواتر قولهم عليهم السلام : «من بلغه ثواب من اللّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتيه، وإن لم يكن الحديث كما بلغه». (5) وسيذكر بنظائره في بابه من أبواب كتاب الإيمان والكفر. فظهر أنّ الحكم بعدم التنافي بين قطعيّة الحكم للعلاج المضبوط المتواتر، وظنّية، الطريق لمكان التواتر ووجود المعارض إنّما هو في غير العبادات، وأنّ في العبادات لا منافاة بين قطعيّة الحكم ووهميّة الطريق فضلاً عن شكّيّته، فضلاً عن ظنّيته، وأمّا مظنونه فحكمه في العلاج حكم المتشابه المضبوط المتواتر على ما وصف . وقد صرّح طاب ثراه في الجملة بالعلاجات المضبوطة المتواترة بقوله: «فاعلم يا أخي أرشدك اللّه » إلى آخره. (تمييز شيء) أي تحقيقه وتبيينه والعمل به، أو الحكم به برأيه، إلّا على إطلاق الحجّة المعصوم و رخصته بقوله عليه السلام : (اعرضوهما): أي الروايتين المختلفتين عنّا. (على كتاب اللّه ) يعني على محكمات كتاب اللّه المضبوطة بمحكمات السنّة المضبوطة المتواترة. (فما وافق) منهما (كتاب اللّه ) الموصوف (فخذوه). الظاهر يعني لعملكم به، ولعمل غيركم بإفتائكم بشرط استجماع شرائط الإفتاء من العدالة، والفضل الممتاز، وغيرهما المضبوط في كتب أصحابنا الاُصوليّين. (وقوله عليه السلام : دعوا ما وافق القوم) أي منهما، إذا لم يكن لأحدهما موافق من محكمات الكتاب المضبوطة بمحكمات السنّة القائمة ما وافق مذاهب العامّة أو مذاهب مطلق غير الخاصّة، (فإنّ الرُّشد) وإصابة الصواب (في خلافهم). و«الرشد»: خلاف الغيّ، ومنه: سر راشدا مهديّا. (وقوله عليه السلام : خذوا بالمجمع عليه): بيان لعلاج ما لم يكن من الأحكام له مأخذ من السنّة القائمة لا من محكماتها ولا من متشابهاتها، سواء كان له معارض كذلك أو لا، فالأخذ بالمجمع عليه على الأوّل، وبه على الثاني إذا كان مجمعا عليه؛ (فإنّ المجمع عليه) في الفرقة الناجية (لاريب) في استقامته؛ لدخول الحجّة المعصوم بتقديرٍ من اللّه سبحانه في إجماعهم ألبتّة؛ لمثل قوله صلى الله عليه و آله : «لا تجتمع اُمّتي على الخطأ» (6) ، واجتماع الهالكة من الاُمّة ليس على الصواب بالاتّفاق. وللمجمع عليه الذي لا مأخذ له من السنّة القائمة _ لا من محكماتها ولا من متشابهاتها _ أمثلة كثيرة، منها: إجماع الفرقة (7) على كراهة الصلاة في قباء مشدود إلّا في الحرب. (ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه). بيان لعلاج توهّم من توهّم أنّ العلاجات المذكورة لا تنفع _ كما ينبغي _ الرعيةُ؛ لأنّ فضلاءهم وإن كانوا ممتازين في الفضل لا معرفة لهم بجميع الروايات عنهم عليهم السلام ، ولا بجميع المذاهب في الأديان المختلفة، ولا بجميع المُجْمَع عليه عند أصحابنا الإماميّة؛ بأنّ الأحوط والأوسع ردّ علم ذلك كلّه إلى الإمام عليه السلام إن أمكن، أو التوقّف إذا لم يلزم حرج في الدِّين، وإلّا فقبول ما وسّع عليه السلام من الأمر والعلاج فيه بالعَرضْ على محكمات الكتاب المضبوطة بمحكمات السنّة القائمة، فإن لم ينفع للعلّة المعلومة فبالمخالفة للمذاهب الباطلة، فإن لم ينفع لما علم فبالأخذ بالمجمع عليه، فإن لم ينفع لمكان الحكمين المختلفين المضبوطين المتواترين المخالفين للمذاهب الباطلة، وهما مجمعٌ عليهما في أصحابنا الإماميّة فبالأخذ بأيّهما شاء المفتي من باب التسليم، فوَسِعَه لعمله وعمل غيره بفتواه بشرط استجماعه شرائط الإفتاء، ومنها قطعُه لزومَ الحرج في سكوته أو ظنّه ذلك. واللّه أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «وذكرت أنّ اُمورا قد أشكلت عليك» شروع بعد الجواب عن السؤال الأوّل في الجواب عن السؤال الثاني من تذاكره عبارة عن سفراء صاحب الزمان عليه السلام و«مَنْ» في «ممّن تثق ابتدائيّة، و«من تثق»: عبارة عن صاحب الزمان عليه السلام . «من جميع فنون علم الدِّين» أي من جميع أقسام المسائل التي ينفع علمها أو الاعتراف بها أكثر الناس في يوم الدِّين، وهي ثلاثة: القسم الأوّل: مسائل اُصول الدِّين، ومنكرها كافر بمحض الإنكار، ومخلّد في النار كمَن أنكر توحيده تعالى. القسم الثاني: مسائل فروع الفقه وهي التي يبيّن فيها بلا واسطة حلال الأفعال الشخصيّة وحرامها، وليست من اُصول الدِّين، فمنكر واحدة منها ليس بكافر بمحض الإنكار إلّا أن تكون من ضروريّات الدِّين، ويكون إنكارها مستلزما لإنكار واحد من اُصول الدِّين، كوجوب الحجّ على مَن استطاع إليه سبيلاً. والقسم الثالث: مسائل اُصول الفقه، وهي التي يبيّن فيها حلال الأفعال الكلّيّة وحرامها؛ ليبيّن بواسطة بيانها حلال الأفعال الشخصيّة وحرامها، كوجوب العمل في الغير المعلوم من مسائل فروع الفقه بظاهر القرآن بلا إفتاء وقضاءٍ، والعملُ بظاهر القرآن فعل كلّي. وبهذه المسألة يعلم كلّ فعل شخصيّ يبيّنه ظاهر القرآن. وبيان هذه الأقسام الثلاثة سيجيء بطريق آخر في الأوّل من باب صفة العلم في كتاب العقل إن شاء اللّه تعالى. ثمّ اعلم أنّ الإقرار باُصول الدِّين، والعلم باُصول الفقه إنّما يحصل لمن كان علمه بظاهر القرآن ونحوه موافقا للعهد والميثاق الذي أخذه اللّه على العباد من الدخول في الدِّين بعلمٍ وبصيرةٍ ويقينٍ _ كما بيّنه المصنّف طاب ثراه في الجواب عن السؤال الأوّل _ فيالمسائل (8) التي لا تكون من الأقسام الثلاثة، وتكون لها تعلّق بمسائل فروع الفقه، ككون (9) القبلة في مصر فلان إلى جبل فلان، وفلان عادل أم لا، ونحو ذلك من المسائل التي لا حاجة لأكثر الناس إلى علمها، وتسمّى بالمحالّ للحكم الشرعي، والاختلاف ظنّا يجوز في محلّ الحكم الشرعي ولايجوز في (10) نفس الحكم الشرعي. والمراد ب «الآثار الصحيحة» الأخبار التي تعمل بها الإماميّة من لدن ظهور الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام وإن لم يكن القطع بصحّتها حاصلاً لهم، فالخبر إن كانت رواته في الكثرة بحيث لا يجوّز العقل معها كذبه كوجود مكّة يسمّى بالمتواتر، وإن كانت رواته في الكثرة لا بهذه الحيثيّة يسمّى بالخبر الواحد، والخبر الصحيح يكون من كلا القسمين. وقال جمعٌ من الأصحاب: إنّ صحّة الخبر الواحد قد تعلم بالقرائن. وهذا محلّ إشكال عند شيخ الطائفة (11) وعلم الهدى (12) . والمراد ب «السنن القائمة» مسائل اُصول الفقه، أي المعلومة منها القائمة لغير المعلومة منها. وب «فرض اللّه »: بيان المسألة من مسائل فروع الفقه. ويظهر ممّا قلنا: أنّ القول بأنّ «بالآثار الصحيحة» دلالة على صحّة أحاديث الكافيجميعا، بمعنى أنّ لنا علما بأنّها عن الحجج المعصومين عليهم السلام لا يحسن، كما يظهر جدّا من شرح «فمهما كان فيه من تقصير» إلى آخر الخطبة. فإن قلت: فعلى هذا لا علم لأحدٍ بمسائل اُصول الفقه التي في كتاب الكافي؛ لأنّها أخبار آحاد، وذكرت أنّه لا يجوز العمل بها بدون العلم بها. قلنا: مسألة واحدة من مسائل اُصول الفقه حاكمة على سائرها؛ لأنّها معلومة بالتواتر لمن له تتبّع مّا للأحاديث، وتلك المسألة هي أنّ العمل بظاهر القرآن وبالحديث الصحيح جائز في مسائل اُصول الفقه، والعلم بهذه المسألة بمنزلة العلم بسائر مسائل اُصول الفقه التي لم تكن معلومة على حدةٍ، وهذا معنى حكومة هذه المسألة. و«التمييز»: الترجيح. والمراد هنا الإفتاء، والحكم بمضمون شيء وليس شاملاً للعمل المحض؛ بقرينة «فردّوه». و«ما» في «ممّا اختلف» موصولة، وعبارة عن حقوق اللّه تبارك وتعالى، كالوضوء والصلاة من العبادات المحضة الشاملة للتصديق بإمامة الإمام الحقّ أيضا مع عدم دخول ذلك في محلّ سؤال الأخ. والمراد ب «العلماء» رسول اللّه وأوصياؤه عليهم السلام . و«إلاّ» استثناء متّصل من «برأيه». و«ما» موصولة أيضا. و«الإطلاق»: التحليل. من «الطلق» بالكسر، بمعنى الحلال. والمراد ب «العالم» هنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان عالما بأنّ القوم بعده يفترون عليه الكذب بالرواية في الإمامة مثل : «اقتدوا باللّذَين من بعدي أبي بكر وعمر». (13) فلإرشاد المؤمنين إلى الإمام الحقّ قرّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاثة أوجه للتمييز بين الأحاديث المختلفة في الإمامة بلا بيان ترتيب بينها؛ إشارةً إلى أنّ كلّاً منها برهان برأسه. فهذه الوجوه الثلاثة ليست من قبيل الوجوه المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة، وستذكر في آخر باب اختلاف الحديث، الباب الثاني والعشرين من كتاب العقل، والترتيب فيها منظور ومخصوص بصورة التنازع في الدِّين والميراث ونحو ذلك. وهذه الوجوه الثلاثة مخصوصة بمسألة التصديق بإمامة الإمام الحقّ، وهو من العبادات المحضة: بيان (14) [الوجه] الأوّل: عرض الروايات المختلفة في الإمامة على محكمات الكتاب من آية الولاية (15) ، والتطهير (16) وغيرهما (17) . وبيان [الوجه] الثاني: ملاحظة موافقة القوم ؛ يعني أكثر قريش أو أكثر الأصحاب، ومخالفتهم لمحكمات الكتاب في الولاية، فإنّ من المحكمات ما يدلّ على أنّ أكثر قومه صلى الله عليه و آله يرتدّون بعده، ويختارون الباطل والعمل بظنّهم في الإمامة وسائر الأحكام، قال اللّه تعالى في سورة الأنعام: «إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَا يَخْرُصُونَ» (18) ، وفي سورة الزخرف: «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» (19) . ومن روايات العامّة الموافقة لمثل الآيتين رواية البخاري في صحيحه في باب «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (20) عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «ألا وأنّه يُجاء برجال من اُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: ياربّ اُصيحابي، فيُقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» ، فيُقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا (21) مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». (22) بيان [الوجه] الثالث: موافقة المجمع عليه. والروايات في الثلاثة خاصّة بالعامّة، والتي في إمامة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه مجمعٌ عليها في الفريقين، كحديث الثقلين (23) ، وحديث غدير خمّ (24) ، «وأقضاكم عليّ». ومناقبه عليه السلام في رواياتهم أكثر من أن يُحصى، كروايات مطاعن الثلاثة عند الخاصّة. «ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه». «نحن»: عبارة عن أخباري الإماميّة. و«من»: تعليليّة. و«الجميع»: عبارة عن الوجوه الثلاثة وأمثالها ممّا سيذكر في كتاب العقل في باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب. و«إلّا»: للاستثناء المفرّغ. وضمير «أقلّه» لما اختلف الرواية فيه عن العلماء، وهو مسألة الإمامة التي اختلاف الرواية فيه أوّلاً. يعني: ونحن لا نعرف ولا نميّز بوسيلة جميع ما ذكر من الوجوه الثلاثة إلّا أقلّ ما اختلف الرواية فيه، وهو مسألة الإمامة، «ولا نجد شيئا أحوط، ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه»؛ أي علم كلّ ما سألت عنه «إلى العالم»؛ يعني: الصاحب عليه السلام . «وقبول ما وسّع من الأمر فيه» أي بعض الأمر فيه. «بقوله بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم» أي بأيّ الروايتين المختلفتين في باب العبادات المحضة. واعلم أنّ هذا التخيير باختصاصه بالعبادات المحضة لا ينافي ما يجيء في كتاب العقل في التاسع والعاشر والحادي عشر من الباب الثاني والعشرين، باب اختلاف الحديث من العمل بترجيح قول الأخير في صورة اختلاف الرواية عن الإمامين، أو عن إمامٍ واحد في زمانين. وقد استند الصدوق في الفقيه في باب الرجلين يوصى إليهما، فينفرد كلّ واحدٍ منهما بنصف التركة إلى ذلك الترجيح (25) . ووجه عدم المنافاة: أنّ ذلك الترجيح إنّما هو في صورة العلم بقول الإمام الحيّ، أو ببقاء دولة ظالم كان قول الأخير في زمانه، وذلك الترجيح لا يجري في مثل عصرنا. واللّه أعلم. ولتمام بيان برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى هنا طُول ذكرنا طَرَفا ليظهر خلاصة مطلبه، ولم نذكر تمامه؛ لنبوّه (26) جدّا عن ظاهر ثقة الإسلام من أوّل بيان السؤال بجوابه إلى آخره؛ ولإجماع الأصحاب على أنّ المعالجات المذكورة هنا وفي مثل مقبولة عمر بن حنظلة إنّما هي لدفع عامّة علّة الاختلاف، وقلع تمام مادّة النزاع، ونفي الحرج المنفيّ في الدِّين في محكمات الكتاب المبين على ما بيّناه أوّلاً في بيان المتن المتين. الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله الطاهرين. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه: قوله: «وذكرت» إلى آخره، قلت في قوله طاب ثراه : «وذكرت أنّ اُمورا قد أشكلت عليك لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها»: تصريح بأنّه طلب منه ما يرتفع به إشكاله وحيرته، فلو فرضنا أنّ كتاب الكافي مشتمل على ما علم وروده عنهم عليهم السلام وعلى ما لم يعلم _ ولا يخفى أنّ المصنّف لم يذكر هنا قاعدة بها يميّز بين البابين _ لزاد هذا الكتاب إشكالاً وحيرة، وكلام المصنّف _ طاب ثراه _ صريح في أنّه صنّف له ما يرتفع به إشكاله وحيرته. فعلم من ذلك أنّ قصده _ طاب ثراه _ من قوله : «بالآثار الصحيحة»: أنّ كلّ ما في كتابه كذلك. وأيضا في قوله رحمه الله: «ما يكتفي به المتكلّم، ويرجع إليه المسترشد» دلالة صريحة على ما ذكرناه؛ فإنّ المتعلّم كيف يكتفى بما يتحيّر فيه فحول العلماء المتبحّرين، وفيما نقلناه في حواشي تمهيد القواعد من السيّد المرتضى قدس سره في حال أحاديث المرويّة في كتبنا تأييد لما ذكرناه، فافهم. وقوله: «فاعلم يا أخي أرشدك اللّه » إلى آخره؛ الدلالة على أنّه لا يجوز في باب التراجيح رعاية الوجوه العقلية المذكورة في كتب الخاصّة والعامّة، بل يجب فيه أيضا التمسّك بما وضعوه عليهم السلام لخلاصنا من الحيرة، وهي أربعة أبواب. «أعرضوهما على كتاب اللّه ». قلت: المستفاد من الروايات المتواترة عنهم عليهم السلام _ كما سيجيء في أبواب متفرّقة من هذا الكتاب، وهي مذكورة أيضا في غير هذا الكتاب، ككتاب الاحتجاج وكتاب كمال الدِّين وتمام النِّعمة وكتاب المحاسن وغيرها _ أنّ وجه الخلاص من الحيرة في باب الروايات المتخالفة أحد الوجوه الخمسة، والمذكور في كلام المصنّف _ طاب ثراه _ هنا أربعة منها وترك الخامس؛ اعتمادا على مجيئه بعد ذلك في مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها، وهو التوقّف والتثبّت، أو لأنّه بصدد بيان الوجوه المجوّزة للعمل، والوجه الخامس ليس كذلك. وأمّا قولهم عليهم السلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك» فالمراد به ما بيّناه في حواشي تمهيد القواعد، وهو أن يكون العمل من باب التسليم لأمر أهل البيت عليهم السلام ؛ أي أنّهم مفترضوا (27) الطاعة، فيُقال: هذا ورد منهم عليهم السلام وكلّ ما ورد عنهم (28) يجوز العمل به، لا من باب أنّ هذا حكم اللّه في الواقع؛ لجواز أن يكون وروده من باب التقيّة. وقد نقلنا في الحواشي المذكورة روايات فيها دلالة على أنّ المراد ما ذكرناه، إن شئت فارجع إليها. (29) انتهى كلام الفاضل الاسترآبادي رحمة اللّه عليه. ولقد أنصف وأظهر ما هو الحقّ في بيان علاج الحيرة الناشئة من الاختلاف في الرواية عموما من غير التخصيص بمحالّ الأحكام الشرعيّة والعبادات المحضة، وإن كان هو الأحوط لولا لزوم الحرج المنفيّ بالسكوت والتوقّف والتثبّت مع تأليفه الفوائد المدنيّة في ردّ الاجتهاد، واجتهاده في بيان إبطال الاجتهاد بروايات متواترة من المتواترة والآحاد. جزاه اللّه خيرا في خير مواقف المعاد على رؤوس الأشهاد. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله طاب ثراه: «ممّا اختلفت الرواية فيه». المراد بالروايات المختلفة: التي لا يحتمل الحمل على معنى يرتفع به الاختلاف بملاحظتها جميعها، وكون بعضها قرينة على المراد من البعض، لا التي يترآءى فيه الاختلاف في بادئ الرأي. وطريق [العمل] 30 في المختلفات الحقيقيّة كما ذكره _ بعد شهرتها واعتبارها _ العرض على كتاب اللّه ، والأخذ بموافقه دون مخالفه، ثمّ الأخذ بمخالف القوم وحمل الموافق على التقيّة، ثمّ الأخذ من باب التسليم بأيّهما تيسّر (30) . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «من باب التسليم» أي من باب الانقياد؛ لروايتهم عليهم السلام لا من جهة أنّه مطابق لحكم اللّه كما ذهب إليه المصوّبة وقالوا: إنّ حكم اللّه تابع لرأي المجتهد؛ إذ لو طابقت إحدى الروايتين لحكم اللّه تخالفه الاُخرى لا محالة. فهذه أربعة من الوجوه مجوّزة للعمل بالروايات المختلفة، ووجه خامس سيجيء ذكره، وهو التوقّف والتثبّت. والحقّ أنّ اختلاف الرواية إن كان في حقّ اللّه المحض فالوجه العمل بأحد الوجوه الأربعة؛ وإن كان في حقّ الناس كالحدود والمعاملات فالوجه التوقّف. قال ثقة الإسلام طاب ثراه: وَقَدْ يَسَّرَ اللّه ُ _ وَلَه الْحَمْدُ _ تَأْلِيفَ مَا سَأَلْتَ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَوَخَّيْتَ ، فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَقْصِيرٍ فَلَمْ تُقَصِّرْ نِيَّتُنَا فِي إِهْدَاءِ النَّصِيحَةِ ؛ إِذْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِاءِخْوَانِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا ، مَعَ مَا رَجَوْنَا أَنْ نَكُونَ مُشَارِكِينَ لِكُلِّ مَنِ اقْتَبَسَ مِنْهُ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ فِي دَهْرِنَا هذَا ، وَفِي غَابِرِهِ إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ؛ إِذِ الرَّبُّ _ عَزَّوَجَلَّ _ وَاحِدٌ ، وَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ _ صَلَوَاتُ اللّه ِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ _ وَاحِدٌ ، وَالشَّرِيعَةُ وَاحِدةٌ ، وَحَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَوَسَّعْنَا قَلِيلاً كِتَابَ الْحُجَّةِ وَإِنْ لَمْ نُكَمِّلْهُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ؛ لِأَنَّا كَرِهْنَا أَنْ نَبْخَسَ حُظُوظَهُ كُلَّهَا . وَأَرْجُو أَنْ يُسَهِّلَ اللّه ُ _ عَزَّوَجَلَّ _ إِمْضَاءَ مَا قَدَّمْنَا مِنَ النِّيَّةِ ، إِنْ تَأَخَّرَ الْأَجَلُ صَنَّفْنَا كِتَابا أَوْسَعَ وَأَكْمَلَ مِنْهُ ، نُوَفِّيهِ حُقُوقَهُ كُلَّهَا إِنْ شَاءَ اللّه ُ تَعَالى ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ ، وَإِلَيْهِ الرَّغْبَةُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ . وَالصَّلَاةُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (31) الْأَخْيَارِ . وَأَوَّلُ مَا أَبْتَدِئُ بِهِ وَأَفْتَتِحُ بِهِ كِتَابِي هذَا كِتَابُ الْعَقْلِ وَفَضَائِلِ الْعِلْمِ ، وَارْتِفَاعِ دَرَجَةِ أَهْلِهِ ، وَعُلُوِّ قَدْرِهِمْ ، وَنَقْصِ الْجَهْلِ ، وَخَسَاسَةِ أَهْلِهِ ، وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِمْ ؛ إِذْ كَانَ الْعَقْلُ هُوَ الْقُطْبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَدَارُ ، وَبِهِ يُحْتَجُّ ، وَلَهُ الثَّوَابُ ، وَعَليْهِ الْعِقَابُ ، وَاللّه ُ المُوَفِّقُ .

.


1- . يعني : «من يريد علم الدين و...».
2- . جواب لقوله: «لمّا لم يكن».
3- . في «الف»: «التواتر».
4- . في الأصل: + «من»، والمناسب ما اُثبت.
5- . الكافي، ج 2، ص 87 ، باب من بلغه ثواب من اللّه علي عمل، ح 2. وراجع أيضا ح 1؛ والمحاسن، ج 1، ص 25، باب ثواب من بلغه ثواب شيء...، ح 1 و 2.
6- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 34؛ المحصول للرازي، ج 4، ص 207؛ المستصفى، ج 1، ص 138.
7- . في هامش المخطوطة: «قوله: منها إجماع الفرقة على كراهة الصلاة في قباء مشدود، قال المفيد في المقنعة: ولا يجوز لأحد أن يصلّي وعليه قباء مشدود إلّا أن يكون في الحرب، فلا يتمكّن أن يحلّه، فيجوز ذلك لاضطرار. وقال الشيخ بعد نقله عبارة المفيد: ذكر ذلك عليّ بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة، ولم أعرف به خبرا مستندا. وقال صاحب المدارك بعد نقله العبارتين: وحاول الشهيد في الذكرى الاستدلال عليه بما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال: «لا يصلّي أحدُكم وهو متحزّم»، و هو فاسد؛ لأنّ شدّ القباء غير التحزّم». وانظر: المقنعة، ص 152؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 94؛ مدارك الأحكام، ج 3، ص 208.
8- . متعلّق بقوله : «إنّما يحصل».
9- . في «ب» و «ج»: + «سمت».
10- . في «ب» و «ج»: - «محلّ الحكم الشرعي ولايجوز في».
11- . عدّة الاُصول، ج 1، ص 126.
12- . الذريعة، ج 2، ص 518.
13- . الدرّ المنثور، ج 2، ص 23؛ ذيل الآية 257 من البقرة (2)؛ الصواعق المحرقة، ج 1، ص 219؛ مجمع الزوائد، ج 9، ص 484، ح 15606.
14- . في «ب ، ج»: - «بيان».
15- . المائدة (5): 55.
16- . الأحزاب (33): 33.
17- . كآية اُولي الأمر، النساء (4): 59.
18- . الأنعام (6): 116.
19- . الزخرف (43): 57 و 58.
20- . المائدة (5): 117.
21- . في «ب» و «ج»: - «لم يزالوا».
22- . صحيح البخاري، ج 4، ص 1691، ح 4349. وفي صحيح مسلم، ج 4، ص 2194، ح 2860؛ و سنن الترمذي، ج 5 ، ص 321، ح 3167.
23- . صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 663 ، ح 3788؛ مسند أحمد، ج 5 ، ص 181، ح 21618، و ص 189، ح 21697؛ و ج 3، ص 17، ح 11147. وراجع: شرح إحقاق الحقّ، ج 9، ص 309 _ 375.
24- . راجع: الغدير، ج 1، ص 5 _ 157.
25- . الفقيه، ج 4، ص 204، ذيل الحديث 5472.
26- . نبابصره عن الشيء نُبُوّا ونُبِيّا... يقال: نبا عنه بَصَره ينبو، أي تجافى و لم ينظر إليه. لسان العرب، ج 15، ص 301 (نبا).
27- . ما أثبتناه هو الصحيح وفي النسخ : «مفترضون».
28- . في «ب» و «ج»: - «وكلّ ما ورد عنهم».
29- . الحاشية علي اُصول الكافي، المطبوع ضمن ميراث حديث شيعه، الدفتر الثامن، ص 278 _ 279.
30- . الحاشية علي اُصول الكافي، ص 39.
31- . في «ب ، ج»: + «الطيّبين».

ص: 169

. .

ص: 170

. .

ص: 171

. .

ص: 172

. .

ص: 173

. .

ص: 174

. .

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

. .

ص: 178

. .

ص: 179

. .

ص: 180

الهديّة الثانية عشر:(قد يسّر اللّه _ وله الحمد _ تأليف ما سألت) دلالة على أنّ نظم خطبة الكافي بعد تأليفه كسائر الفقرات بعدُ. و«التوخّي» تفعّل من باب وعَدَ، وخيتُ وَخْيكَ: قصدتُ قصدكَ. وتوخّيت مرضاتك: تحرّيتُ وقصدتُ. و«الإهداء»: إرسال الهدية، أهديت له وإليه. (أن نكون مشاركين) أي في الثواب. أشار _ طاب ثراه _ إلى أنّ أجر الأخ الباعث كأجره. (وعمل بما فيه) دلالة على صحّة الجميع وجواز العمل به. وأمّا بمحكماته فبحكم المستجمع لشرائط الإفتاء، وأمّا بمتشابهاته فكذلك بعد علاجه الاختلاف بالوجوه المقرّرة عنهم عليهم السلام . و(في دهرنا هذا): في مبادئ زمن الغيبة. و«الغابر»: من لغات الأضداد، أي وفي مستقبله. (إذ الربّ جلّ وعزّ واحدٌ): تعليلٌ لاختياره. (إلى انقضاء الدنيا): مكان إلى وقت ظهور صاحب الزمان عليه السلام ؛ للإشارة إلى وحدة الحكم المجزي لرفع الحرج المنفيّ في الزمانين. (وحلال محمّد صلّى اللّه عليه وآله حلالٌ وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة) كما ورد في النصّ (1) . وسيذكر مثله في التاسع عشر في باب البدع من كتاب العقل، إنّما التفاوت بالحاجة إلى العلاج وعدمها يجوز فتح التاء في «الخاتم» الذي يُخْتَم (2) به، وكسرها. وقرئبهما «خاتم النبيّين» (3) . (وإن لم نُكمِله)، من باب الإفعال أولى؛ ( لأنّا كرهنا): وجه التجاوز عن الاختصار بالتوسيع القليل. و«البخس» بسكون المعجمة الناقص. بخسه حقّه _ كمنع _ بخسا: نقصهُ. (وأرجو): معذرة لترك إكمال التوسيع كما هو حقّه. (كتابي هذا): يعني الكافي. (كتاب العقل): خَبَرُ (وأوّل ما أبدأ به). (وفضائل العلم) ونظائره: عطف على «العقل»، يعني كتاب بيان العقل، وبيان فضائل العلم وهكذا. (وبه يحتجّ) على ما لم يُسمّ فاعله ليس في بعض النسخ المضبوطة، واللّه الموفّق. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «التقصير»: ترك الفعل الضروري، وإعطاء ما لا وقع له في الأنظار. والمعنى الثاني أنسب هنا؛ فإنّ أغلب استعماله في المعنى الأوّل. وأيضا الأنسب على الأوّل «إذ كان واجبا» مكان «واجبة». يعني: فكلّ ما كان في كتاب الكافي فليس من تقصيرنا؛ إذ لم تقصّر نيّتنا في إهداء الخاصّ. وغرضه أنّ التقصير إن كان منّا، فالخطأ منّا وإن كان من سلف الرواة أو من النسّاخ من بعدنا فالخطأ منهم بلا تقصير منّا. «والرسول»: مبتدأ و«محمّد»: عطف بيان، أو بدل. «صلّى اللّه عليه وآله»: معترضة دعائيّة «خاتم النبيّين»: نعت ل «محمّد». «واحد»: خبرُ «كتاب العقل وفضائل العلم». يعني كتاب العقل الذي هو بيان فضائل العلم وكذا وكذا. وكتاب الكافي _ على الظاهر، وعلى ما نقل عن الشهيد الثاني الشيخ زين الدين العاملي عامله اللّه بلطفه: من أنّ كتاب الروضة ليس داخلاً في أجزاء الكافي، بل كتاب برأسه صنّف قبل الكافي أو بعده _ مشتمل (4) على ثلاثة وثلاثين كتابا: كتاب العقل، كتاب التوحيد، كتاب الحجّة، كتاب الإيمان والكفر، كتاب الدعاء، كتاب فضل القرآن، كتاب العشرة، كتاب الطهارة، كتاب الحيض، كتاب الجنائز، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الحجّ، كتاب الجهاد، كتاب المعيشة، كتاب النكاح، كتاب العقيقة، كتاب الطلاق، كتاب العتق والتدبير والكتابة، كتاب الصيد، كتاب الذبائح، كتاب الأطعمة، كتاب الأشربة، كتاب الزيّ والتجمّل والمروّة، كتاب الدواجن، كتاب الوصايا، كتاب المواريث، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الشهادات، كتاب القضايا والأحكام، كتاب الأيمان والنذور والكفّارات. وشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدّس سرّه عدّ في فهرسته كتاب الروضة من أجزاء الكافي، فَكتُبُ كتاب الكافي على هذا أربعة وثلاثون. وصرّح فيه ب :أنّ الكافي أجزائه _ يعني كتبه _ ثلاثون؛ لأنّه لم يذكر كتاب العشرة، وكتاب العقيقة، وعدّ كتاب الطهارة والحيض كتابا واحدا، وكذا كتاب الأطعمة وكتاب الأشربة، وذكر الكتاب الأوّل فيه باسم كتاب العقل وفضل العلم، وغيّر فيه بعض ترتيب ما بعد كتاب الطهارة والحيض (5) . وإنّما ذكر ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ : «فضائل العلم» على الجمع، ونقص الجهل على الإفراد؛ للإشارة بتغيير الاُسلوب إلى أنّ المراد بالجهل هنا ليس ضدّ العلم بل المراد ضدّ العقل، أي الإخلال بتلك الآداب الحسنة. انتهى كلام برهان الفضلاء. وفي قوله: «يعني فكلّ ما كان في كتاب الكافي»؛ وفاءً بما وعد سابقا من بيانٍ، فمهما كان تأمّل ونُبُوّه (6) عن ظاهر ثقة الإسلام ظاهر، وكذا في تفسيره «وفضائل العلم» بقوله : «يعني كتاب العقل الذي هو بيان فضائل العلم»، إلّا أنّ أمر التقدير فيه سهل، على أنّ اشتهار الكتاب ببعض اسمه ك «الإكمال» ل «إكمال الدِّين وإتمام النِّعمة» أشهر من أن يُقال، فلا حاجة إلى تجشّم تقدير. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه رحمه اللّه : قوله: «وقد يسّر اللّه » إلى آخره. قلت: في قوله طاب ثراه: «وقد يسّر اللّه وله الحمد تأليف ما رجوت» مع ما مضى في كلامه من قوله : «ويأخذ منه من يريد علم الدِّين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام » _ إلى آخره _ : تصريح بنظير ما ذكره شيخنا الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه _ رحمهم اللّه _ في أوائل كتاب من لا يحضره فقيه: من أنّ ما ذكره فيه حجّة بينه وبين اللّه (7) . والسرّ في ذلك أنّ الصحيح عند قدماء أصحابنا الاخباريّين ما علم بقرينة وروده عن المعصوم، وتلك القرائن كانت عندهم وافرة؛ لقرب عهدهم بهم عليهم السلام ، لا المعنى المصطلح عليه بين أصحابنا المتأخّرين الاُصوليّين الموافق لاصطلاح العامّة المذكور في فنّ الدراية. وقد صرّح المحقّق في اُصوله ب :أنّ رئيس الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي _ رحمه اللّه _ يعمل بخبر الواحد المعلوم وروده عن المعصوم بقرينةٍ ولو لم يكن عدلاً إماميّا، ولا يعمل بخبر الواحد العدل الإمامي غير المحفوف بقرينةٍ (8) . ويعلم من ذلك أنّ طريقة رئيس الطائفة في هذا الباب طريقة قدماء أصحابنا الاخباريّين رضوان اللّه عليهم. (9) وهذا آخر ما حرّرناه بعون اللّه وحسن توفيقه في بيان خطبة الكافي حامدا مصلّيا، ويتلوه إن شاء اللّه تعالى الجزء الأوّل، كتاب العقل وفضل العلم من كتاب الهدايا، الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الأئمّة الطاهرين. فهرس أبواب كتاب العقل وفضل العلم من أجزاء كتاب الهدايا على نسق أبواب الكافي وهى ثلاثة و عشرون: الأوّل : باب العقل والجهل . الثاني : باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه . الثالث : باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء . الرابع : باب أصناف الناس . الخامس : باب ثواب العالم والمتعلِّم . السادس : باب صفة العلماء . السابع : باب حقّ العالم . الثامن : باب فقد العلماء . التاسع : باب مجالسة العلماء ومصاحبتهم . العاشر : باب سؤال العالم وتذاكره . الحادي عشر : باب بذل العلم . الثاني عشر : باب النهي عن القول بغير علم . الثالث عشر : باب من عمل بغير علم . الرابع عشر : باب استعمال العلم . الخامس عشر : باب المستأكل بعلمه والمباهي به . السادس عشر : باب لزوم الحجّة على العالم وتشديد الأمر عليه . السابع عشر : باب النوادر . الثامن عشر : باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب . التاسع عشر : باب التقليد . العشرون : باب البدع والرأي والمقاييس . الحادي والعشرون : باب الردّ إلى الكتاب والسنّة وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلّا وقد جاء فيه كتاب أو سنّة . الثاني والعشرون : باب اختلاف الحديث . الثالث والعشرون : باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب .

.


1- . الكافي، ج 1، ص 58 ، باب البدع والرأي والمقاييس، ح 19؛ بصائر الدرجات، ص 168، الباب 13، ح 7.
2- . في «ب» و «ج»: «يتختّم».
3- . الأحزاب (33): 40.
4- . «مشتمل» خَبَرُ «وكتاب الكافي».
5- . الفهرست، ص 135، الرقم 591.
6- . كذا في النسخ.
7- . الفقيه، ج 1، ص 3.
8- . معارج الاُصول، ص 147.
9- . الحاشية علي اُصول الكافي، 83 _ 84 .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

. .

ص: 185

. .

ص: 186

. .

ص: 187

كتاب العقل وفضل العلم

اشاره

كتاب العقل وفضل العلم

.

ص: 188

. .

ص: 189

باب العقل والجهل

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الجزء الأوّل من كتاب الهداياكتاب العقل وفضل العلم وأبوابه كما في الكافي ثلاثة وعشرونالباب الأوّل : باب العقل والجهلوأحاديثه كما في الكافي أربعة وثلاثون

الحديث الأوّلروى في الكافي وقال: أخبرنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه قال: حدّثني عدّة من أصحابنا منهم محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:««لَمَّا خَلَقَ اللّه ُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقَاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ ، وَلَا أَكْمَلْتُكَ (1) إِلَا فِي مَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَإِيَّاكَ أَنْهى، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ».

الهديّة الثالثة عشر:قد سبق في المقدّمة الاُولى بيان «عدّة من أصحابنا». و(العقل) لغةً له معان، منها: الفهم؛ أي الإدراك البشري مطلقا. وشرعا: ما هو مناط التكاليف الشرعيّة، والثواب والعقاب. وفي عرف المعصومين عليهم السلام يُطلق على أشياء: فتارةً على المخلوق الأوّل من مخلوقات اللّه تبارك وتعالى، وهو نور نبيّنا سيّد المرسلين وخاتم النبيّين صلى الله عليه و آله . واُخرى على حالة ذلك النور ومعرفته. وكذا تارةً على نور آله المنشعب من نوره، وعلى نور شيعتهم المنشعب من نورهم، كنور سائر (2) الأنبياء والمرسلين وشيعتهم. واُخرى على حالة تلك الأنوار ومعرفتها. و(الجهل) ضدّه بمعانيه. وقد جرت عادة السلف بذكر قولهم: (أخبرنا)، ويذكرون أسامي أنفسهم، كأنّهم يريدون تعليم رواة أحاديثهم. و(أحمد بن محمّد) إمّا ابن عيسى، كما هو في الطريق إلى الحسن بن محبوب، أو ابن خالد، كما في طائفة من الأسانيد في الكافي. وهذا الحديث روته العامّة أيضا بطرق متعدّدة وألفاظ مختلفة. والمراد ب (العقل) فيه: نور النبيّ صلى الله عليه و آله المخلوق منه سائر العقول المتفاوتة، سواء قلنا بوحدة الخطاب أو تعدّده، وقد قال صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري». (3) وفي حديث آخر: «روحي» (4) . وفي حديث المفضّل عن الصادق عليه السلام : «إنّا خلقنا أنوارا، وخلقت شيعتنا من شعاع ذلك النور، فلذلك سمّيت شيعة، فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا. (5) (استنطقه) و«أنطقه» بمعنى. ولعلّ معنى (أقبل، فأقبل) _ بتأييد ظاهر قوله عليه السلام : في الحديث الرابع عشر من هذا الباب (6) : «ثمّ خلق الجهل من البحر الاُجاج ظلمانيّا فقال له: أدبر، فأدبر، ثمّ قال له: أقبل فلم يقبل، فقال له: استكبرت، فلعنه» _ : انظر إلى عظمة الخالق تعالى شأنه، فنظر، فأقرّ بأنّه جلّت عظمته مستحقّ لعبوديّة جميع ما سواه له. (ثمّ قال له: أدبر فأدبر) أي انظر إلى نفسك وعجزك وحاجتك في وجودك في جميع حالاته إلى خالقك (7) ، فنظر فاعترف بعجزه وحاجته (8) وعبوديّته. وحديث تعليم أمير المؤمنين جبرئيل عليه السلام مشهور ومؤيّد لشرحه. (9) و«الإكمال» و«التكميل» بمعنى أمر. والمخاطب في (إيّاك) الاُولى والثانية: عقل المعصوم بالذات، والعقل الذي هو مناط التكليف بالتّبع. وفي الثالثة والرابعة: على التعريض على من افترض اللّه عليه طاعة المعصوم. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد ب «العقل» في هذا الحديث: ما به يراعى الآداب الحسنة في تحصيل علم الدِّين والعمل بمقتضاه على قدر الوسع والطاقة، لا العقل الذي شرط التكليف وهو ضدّ الجنون. «استنطقه» أي عدّه ناطقا. وعبّر عليه السلام عن الأمر بإطاعة المعصوم في أحكام الدِّين ممّا يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة ب «الإقبال». وعن الرخصة في العمل بما لا خلاف فيه عقلاً ولا منع منه شرعا ب «الإدبار»؛ إذ الإقبال إلى غير المعصوم خلاف الإقبال إلى غيره. والحكم المرخّص فيه قد يكون بالظنّ، كالحكم في قِيَم المتلفات، ومقادير الجراحات الموجبة للديات، وعدالة الرواة وأمثالها؛ وقد يكون بالعلم، كالحكم على المقرّ بشيء، كمن يقول: أنا مستطيع للحجّ. و«إكمال العقل» عبارة عن كونه مستجمعا لجنوده التي سيذكر إن شاء اللّه تعالى. و«إيّاك» في المواضع الأربعة: ضمير منفصل منصوب محلّاً، ومفعول به للفعل المؤخّر، ومن قبيل وضع السبب موضع المفعول به على نوع من التجوّز؛ أي لأجلك. والعقل لا يخاطب حقيقة، بل الكلام على التشبيه فاستعارة تمثيليّة. والمراد: أنّ الذين يدّعون كشف الحقائق بالرياضة كالصوفيّة، أو بالتفكّر والدليل وذكاء الفهم كالفلاسفة إنّما هم أهل الجهل والضلالة. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه رحمه الله: المراد بالعقل في بعض مواضع هذا الباب: الغريزة، وفي بعضها: ما يترتّب على الغريزة، كفهم المقصود، وكالتمييز بين الصواب والخطأ، وكالاجتناب عن المضارّ وجلب المنافع. وتلك الغريزة نور يفيضه اللّه على القلوب، ولها أفراد مختلفة بالقوّة والضعف. والهداية التي هي صنع اللّه تبارك وتعالى هي خلق هذا النور. صرّحت الأحاديث بذلك. والتي صنع الأنبياء ومن يحذو حَذْوهم عليهم السلام هي بيان المدّعى، وبيان الدليل عليها. وقع التصريح بهما في الأحاديث. (10) وسمعت اُستاذي الفاضل المحقّق ميرزا محمّد الاسترآبادي رحمه اللهيقول: كان الطلبة المتردّدين على المصنّف كتبوا في أوّل الخبر: «أخبرنا محمّد بن يعقوب»، وبقّى تلك الكتابة، واستمرّ الأمر على هذا. و«العقل» جاء بمعانٍ كثيرة. و«الجهل» جاء بمعاني تضادّ معاني العقل. والمراد هنا الغريزة الباعثة صاحبها على تمييز الصواب عن الخطأ، وعلى دفع المضارّ وجلب المنافع، وهو مقول بالتشكيك، وأضعف أفراده مناط التكليف، وأقوى أفراده مناط السعادة. «أما إنّي إيّاك آمر»، يعني جعلتك مناط التكاليف، ومناط الثواب والعقاب. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: العقل يطلق على حالة في النفس داعيةٍ على اختيار الخير والنّافع، بها يدرك الخير والشرّ، ويميّز بينهما، ويتمكّن من معرفة أسباب المسبّبات وما ينفع فيها وما يضرّ، وبها يقوى على زجر الدواعي الشهوانيّة والغضبيّة ودفع الوساوس الشيطانيّة. ويقابله الجهل، ويكون بفقد أحد الاُمور، وبفقد أكثرها، وبفقد جميعها. وقد يُطلق العقل ويُراد به قوّة إدراك الخير والشرّ والتميّز بينهما، والتمكّن من معرفة أسباب الاُمور ذوات الأسباب، وما يؤدّي إليها، وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب. والعقل بالمعنى الأوّل «ما عُبد به الرحمان واكتسب به الجنان». ولعلّ الأوّل هو الكامل من الثاني، فتبادر عند الإطلاق، وشاع استعماله فيه. وفي الحديث الأوّل من هذا الباب استعمل في الثاني واُشير إلى أنّ كماله لا يكون إلّا فيمن أحبّ. وفي الحديث الثاني والثالث استعمل في الكامل، يعني المعنى الأوّل. وفي بعض الأحاديث التالية لها استُعمل في الأوّل، وفي بعضها في الثاني، يعرف بالتدبّر. وقد يُطلق العقل على أوّل مخلوق من الرّوحانيّين كما ينطق به الأحاديث الواردة عن المعصومين ووافقها كلمة الكَلَمَة من الحكماء المحقّقين. فإن صحَّ القول بثبوته للنفس _ على ما قاله المحقّقون من أنّ نسبته إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن، وقالوا للنفس: إنّها صورة البدن، وأنّ «الناطق» الذي هو فصل الإنسان، وصورته التي هي «النفس» مختلفان باعتبار اللابشرطيّة وشرط اللائيّة، كما أنّ الحيوان الذي هو الجنس، والبدن الذي هو المادّة مختلفان بالاعتبارين المذكورين، وإذ لم يبالوا بإطلاق التوصيف مع الاختلاف بالمفارقة والمقارنة بين النفس والبدن لمجرّد التعلّق الخاصّ بينهما، فكيف مع الاتّفاق في التجرّد الذاتي كما في النفس والعقل _ فلا يستبعد (11) حمل العقل في الأحاديث الدالّة على اتّصاف النفس به، وكونِه حالة لها على ذلك الروحاني المخلوق أوّلاً. وكثير من أحاديث هذا الباب يؤيّد ذلك ويقوّيه... . و«إقبال العقل» عبارة عن توجّهه إلى المبدأ، و«إدباره» عبارة عن توجّهه إلى المقارنات، ويصحّ إطلاقهما في أوّل خلق من الرّوحانيّين، وفي الغريزة (12) النفسانيّة الداعية إلى اختيار الخير والنافع، وفي قوّة إدراك الخير والشرّ والتميّز بينهما. «ولا أكملتك (13) إلّا فيمن اُحبّ»، يلائم الأخيرين، وإن كان يصحّ في الأوّل باعتبار الارتباط والإشراق على النفس بعناية، فيكون المراد بإكمال ذلك العقل فيمن اُحبّ إكمال ارتباطه وإشراقه. «وإيّاك آمر، وإيّاك أنهى، وإيّاك اُعاقب وإيّاك اُثيب» (14) يناسب الأخير؛ فإنّه مناط التكليف. ولمّا كان سببا لصحّة تعلّق التكليف بالنفس وكان النفس مكلّفا لكونها عاقلاً، فكأنّه مكلّف، قال : «إيّاك آمر». وإن كان يصحّ في الثاني بعناية، وفي الأوّل بزيادتها. (15) وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي: المراد ب «إقبال العقل» إقباله إلى الدنيا، وب «إدباره» إدباره عنها، فإقباله في جميع المراتب إيجابيّ تكوينيّ لا يحتمل العصيان، وأمريّ دفعي لا يدخل تحت الزمان، ولا يتطرّق إلى السابق عند وجود اللّاحق بطلان ولانقصان، وإدباره في الأواخر تكليفي تشريعي، وكلّه خُلقي تدريجي مقيّد بزمان يبطل السابق عند حدوث اللاحق شخصا وجسما لا حقيقةً وروحا، وكلّ مرتبة منهما عين نظيرته من الآخر حقيقة، وغيره شخصا. (16) وقال بعض المعاصرين: «أقبل» أي إلى الدنيا... «فأقبل» فنزل على هذا العالم، فأفاض النفوس الفلكيّة [بإذن ربّه] (17) ثمّ الطبائع، ثمّ الصور، ثمّ الموادّ، فظهر في حقيقة كلّ منها وفعل فعلها، فصار كثرةً وأعدادا، وتكثّر أشخاصا وأفرادا. ثمّ قال له: «أدبر»؛ أي ارجع إلى ربّك «فأدبر» فأجاب داعي ربّه وتوجّه إلى جناب قدسه. بأن صار جسما مصوّرا من ماء عذب وأرض طيّبة، ثمّ نبت نباتا حسنا، ثمّ صار حيوانا ذا عقل هيولاني، ثمّ صار عقلاً بالملَكَة، ثمّ عقلاً مستفادا، ثمّ عقلاً بالفعل، ثمّ فارق الدنيا ولحق بالرفيق الأعلى، وكذلك فعل كلّ مَن شيّعه وتبعه من الأرواح المنشعبة منه المقتبسة من نوره أو المنبجسة من شعاعه، ويلحق به الجميع، ويحشر معه في عروجه إلى العالم الأعلى ورجوعه إلى اللّه تعالى. فإقباله، عبارة عن توجّهه إلى هذا العالم الجسماني وإلقائه عليه من شعاع نوره، وإظهاره الأعيان فيه، وإفاضته الشعور والإدراك والعلم والنطق على كلّ منها بقدر استعداده له وقبوله منه، من غير أن يفارق معدنه ويخلّي مرتبته ومقامه في القرب، بل يرشّح بفضل وجوده الفائض من اللّه على وجود ما دونه. وإدباره، عبارة عن رجوعه إلى جناب الحقّ وعروجه إلى عالم القدس باستكماله لذاته بالعبوديّة الذاتيّة شيئا فشيئا من أرض المادّة إلى سماء العقل حتّى يصل إلى اللّه تعالى، ويستقرّ إلى مقام الأمن والراحة، ويُبعث إلى المقام المحمود الذي يغبطه به الأوّلون والآخرون... وفي هذا المقام أسرار لا يحتملها أفهام الجمهور، فلنذرها في سنابلها. (18)

.


1- . في «الف»: «اُكملنّك».
2- . في «ب» و «ج»: - «سائر».
3- . عوالي اللآلي، ج 4، ص 99، ح 140؛ الغدير، ج 7، ص 38؛ المواقف، ج 2، ص 686 .
4- . بحار الأنوار، ج 54 ، ص 309.
5- . بحار الأنوار، ج 26، ص 350، ح 24.
6- . في «ب» و «ج»: - «في الحديث الرابع عشر من هذا الباب».
7- . «ب» و «ج»: - «وحاجتك في وجودك في جميع حالاته إلى خالقك».
8- . في «ب» و «ج»: - «وحاجته».
9- . في «ب» و «ج»: - «مؤيّد لشرحه».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 85 .
11- . جواب لقوله : «فإن صحّ القول...».
12- . في المصدر : «القوّة» مكان «الغريزة».
13- . في «الف»: «اُكملنّك».
14- . في «ب» و «ج»: - «وإيّاك اُثيب».
15- . الحاشية علي اُصول الكافي، ص 41 _ 44.
16- . توجد العبارة بعينها في الوافي، ج 1، ص 54 من دون أن تنسب إلى صدر الدين محمّد الشيرازي.
17- . أضفناه من المصدر.
18- . الوافي، ج 1، ص 53 _ 56.

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

الحديث الثانيروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (1) بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام ، قَالَ :«هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى آدَمَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا آدَمُ ، إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ ، فَاخْتَرْهَا وَ دَعِ اثْنَتَيْنِ ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ عليه السلام : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَمَا الثَّلَاثُ؟ فَقَالَ : الْعَقْلُ ، وَالْحَيَاءُ ، وَالدِّينُ ، فَقَالَ آدَمُ عليه السلام : إِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ الْعَقْلَ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ : انْصَرِفَا وَدَعَاهُ ، فَقَالَا : يَا جَبْرَئِيلُ ، إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُ كَانَ ، قَالَ : فَشَأْنَكُمَا ، وَعَرَجَ» .

الهديّة الرابعة عشرة:هذا الخبر رواه الصدوق أيضا في الفقيه في أواخر باب نوادر الكتاب عن أبي جميلة مفضّل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ، عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) . وعليّ بن محمّد هذا هو أبو الحسن بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف ب «علّان»؛ ثقةٌ عينٌ. (واحدةٌ) أي في خصلةٍ واحدةٍ من خصالٍ ثلاث. و«الشأن»: الأمر والحال. (فشأنكما) نصب على المفعوليّة. وفي الصحاح: الشأن شأنك، أي اعمل ما تحسنه (3) . (عرج) فيه وبه، _ كنصر _ : ارتقى. ولا شكّ أنّ المعرفة الدينيّة شأن العقل، وأنّها لا تحصل إلّا بإخبار الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . والقطع بحقّيّة شيء مختلف فيه (4) ، منحصر فيما أخبر هو به؛ لانحصار الأعلميّة فيمن هو عاقل عنه 5 . ولا أعلم بالاتّفاق بنظام الأنفس والآفاق (5) من مدبّره الحكيم تعالى شأنه، فلا معرفة إلّا للمعصوم العاقل عنه (6) المحصور عدده بالحكمة البالغة ومن تبعه، وقد قال اللّه تبارك وتعالى لنبيّنا صلى الله عليه و آله : «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّه ِ عَلَيْكَ عَظِيما» (7) . فالحديث ردّ على غير الناجية من البِضْع والسبعين، لا سيّما على الصوفيّة القدريّة؛ لقولهم بأنّ المعرفة الحقيقيّة (8) إنّما تحصل لكلّ أحد بالمكاشفات الحاصلة من الرياضات (9) ، لا بما أخبر به المعصوم العاقل عن العالم بالسرّ والخفيّات. وقال برهان الفضلاء: المراد بالحياء هنا عدم التجاوز عن الحدّ بالحكم رأيا وظنّا وقياسا فيما يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة، أو بادّعاء المكاشفة كالصوفيّة، قال اللّه تعالى في سورة الزمر: «قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» . (10) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: الظاهر أنّ آدم عليه السلام حين هبوط جبرئيل عليه السلام كان ذا عقل وحياء ودين، والأمر باختيار واحدة من ثلاث لا ينافي حصولها. وقول جبرئيل عليه السلام للحياء والدِّين بعد اختيار العقل : «انصرفا» لإظهار ملازمتهما للعقل بقولهما (11) : «إنّا اُمرنا أن نكون مع العقل». ولعلّ الغرض من ذلك أن يتنبّه آدم عليه السلام لعظمة (12) نعمة العقل، ويشكر اللّه على إنعامه. (13)

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».
2- . الفقيه، ج 4، ص 416، ح 5906.
3- . الصحاح، ج 5 ، ص 2142 (شأن).
4- . في «ج»: - «مختلف فيه».
5- . في «ج»: «بهذا» بدل «بالاتّفاق بنظام الأنفس و الآفاق».
6- . في «ج»: - «العاقل عنه».
7- . النساء (4): 113.
8- . في «ج»: - «الحقيقيّة».
9- . في «ب»: من غير الرياضات.
10- . الزمر (39): 46.
11- . ما أثبتناه من المصدر و هامش «الف». وفي «الف» و «ب»: لقولهما.
12- . في المصدر : «بعظم».
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 45.

ص: 196

. .

ص: 197

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده عن: أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا الْعَقْلُ؟ قَالَ :«مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمنُ ، وَاكْتُسِبَ بِهِ الْجِنَانُ». قَالَ : قُلْتُ : فَالَّذِي كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ : «تِلْكَ النَّكْرَاءُ ، تِلْكَ الشَّيْطَنَةُ ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالْعَقْلِ» .

هديّة :لا يُعبد الرحمن إلّا بالمعرفة الدينيّة، وقد عرفت أنّها لا تحصل إلّا بطاعة مفترض الطاعة العاقل عن اللّه سبحانه. فردّ كسابقه على المذكور (1) في بيانه. والمشار إليه ل (تلك): الخصلة، أو الطبيعة، أو ما تنا كلهما (2) . و(النكراء) بالفتح والمدّ في الكافر (3) : بمنزلة الكياسة في المؤمن. و«الفطنة» بمعنى حدّة الإدراك (4) إذا كانت نورانيّة: تسمّى بالكياسة والفراسة، وإذا كانت ظلمانيّة: تسمّى بالنكراء، والجربزة. و«النّكراء» و«النكر» كعُسْر وعُسُر بمعني. قال الجوهري: والنّكر: المنكر. قال اللّه تعالى: «لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا» والنكراء مثله (5) . و هي شبيهة، أي لعلاقة حدّة الإدراك (6) . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «النكراء»: الفطنة المتجاوزة عن حدّ الاعتدال إلى الإفراط الباعث صاحبه على المكر والخديعة، والاستبداد بالرأي والمقاييس، وطلب فضول الدنيا من أيّ وجه كان. يقال: ما أشدّ نكراؤه، وكذا نكُره بالضمّ والفتح. وهي شبيهة، أي في الدقّة. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «النكراء»: ما يجب الفرار منه من آراء أهل البدع. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «ما عُبد به الرحمن»: الظاهر أنّه تفسير للعقل، بمعنى القوّة الداعية إلى اختيار الخير والنافع، أو الارتباط بالعقل المجرّد المُشرِق عليه. ويحتمل أن يكون المراد بالعقل المسؤول عنه هنا: ما يعدّ به المرء عاقلاً عرفا، وهو قوّة التمييز بين الباطل والحقّ، والضارّ والنافع التي لا تكون منغمرة في جنود الجهل، فعند غلبة جنوده لا يسمّى الفطن المميّز عاقلاً؛ حيث لا يعمل بمقتضى التمييز والفطانة. ويستعمل في مشتهيات جنود الجهل. و«النكراء»: الدّهاء والفطنة، وهي جودة الرأي وحسن الفهم. وإذا استعمل في مشتهيات جنود الجهل يقال له: الشيطنة. ونبّه عليه السلام عليه بقوله: «تلك الشيطنة» بعد قوله: «تلك النكراء». (7)

.


1- . في «ب» و «ج»: على ما ذكر.
2- . في «ب» و «ج»: - «أو الطبيعة أو ماتناكلهما».
3- . في «الف» بدل «الكافر»: «أصحاب الشمال». وبدل «المؤمن»: «أصحاب اليمين».
4- . في «ب» و «ج»: - «بمعنى حدّة الإدراك».
5- . الصحاح، ج 2، ص 837 (نكر). والآية في الكهف (18): 74.
6- . في «ب» و «ج»: - «وهى شبيهه، أي لعلاقة حدّة الإدراك».
7- . الحاشية علي اُصول الكافي، ص 45 _ 46.

ص: 198

. .

ص: 199

الحديث الرابعوروى في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ ابن عِيسى ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ :«صَدِيقُ كُلِّ امْرِىً?عَقْلُهُ ، وَعَدُوُّهُ جَهْلُهُ» .

هديّة :(عقله) أي ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان، وهو (2) نور تابع لنور عقل المعصوم العاقل عن اللّه ، كما أنّ جهله ظلمة تابعة لظلمة جهل إبليس رئيس أهل البدع والمقاييس. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد أنّ العاقل الآخذ عن العاقل عن اللّه لا يضرّه عداوة عدوٍّ، والجاهل وجوب طاعة مفترض الطاعة لا ينفعه صداقة أهل الجهل إيّاه. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: «صديق كلّ امرى ءٍ عقله»؛ لأنّ الصديق يحبّ للصديق الخير والنافع ويوصله إليهما، والعدوّ يريد للعدوّ الشرّ والضارّ (3) ويوصله إليهما، والموصِل إلى الخير والنافع هو العقل، والموصل إلى الشرّ والضارّ هو الجهل، وهما يستقلّان بالإيصالين، ولا يستقلّ بهما غيرهما، إنّما من الغير المعاونة لا غير (4) .

الحديث الخامسروى في الكافي عنه، عن أحمد، (5) عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم، قال: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنَّ عِنْدَنَا قَوْما لَهُمْ مَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْعَزِيمَةُ ، يَقُولُونَ بِهذَا الْقَوْلِ ، فَقَالَ :«لَيْسَ أُولئِكَ مِمَّنْ عَاتَبَ اللّه ُ تَعَالى ، إِنَّمَا قَالَ اللّه ُ : « فَاعْتَبِرُواْ يَ_أُوْلِى الْأَبْصَ_رِ » » (6) .

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن احمد بن محمد بن عيسى».
2- . في هامش «الف»: «وله».
3- . في «الف»: «المضارّ».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 46.
5- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».
6- . الحشر (59): 2.

ص: 200

هديّة :يعني أبا الحسن الثاني عليه السلام . (لَهُمْ مَحَبَّةٌ) أي لكم الأئمّة من أهل البيت. (تِلْكَ الْعَزِيمَةُ) أي تلك المعرفة الثابتة التي لن تزول بتشكيك مشكّك، أو المراد بالعزيمة: العقل المتّصف بقدر من أقدار الكمال بدليل السابع، وهو التالي للتالي. والمحجور عليه شرعا لسفهه داخل في الذين (ليست لهم تلك العزيمة)، وللّه فيهم المشيئة. و(يقولون) حاليّة، أو مستأنفةٌ في جواب مقدّرٍ. كأنّه قيل: هل محبّتهم لمجرّد فضائلهم، أو فضائل إمامتهم. (ممّن عاتب اللّه ) أي عاتبهم اللّه ، أو إيّاهم. (1) و«العتاب»: الملامة وشدّة الأخذ؛ أي ليس اُولئك ممّن لامهم اللّه بترك ما يستطيعون، أو ممّن أخذ اللّه عليهم بالشدّة لشدّة استطاعتهم. (إنّما قال اللّه )، يعني إنّما خاطب اللّه اُولي الألباب، وقال في سورة الحشر: «فَاعْتَبِرُوا يَا اُولِي الْأَبْصَارِ» . قال برهان الفضلاء: «تلك العزيمة» أي الجدّ في المحبّة لموافقتهم المخالفين في العمل بالاجتهاد من دون الحكم في أحكام الدِّين بالعلم والبصيرة واليقين، يقرّون على الرسم بما أقررنا به، فإيمانهم رسميّ لا حقيقيّ. «ممّن عاتب اللّه »، أي ممّن علّمهم اللّه الأدب، وأدّبهم كما خاطب اُولي الألباب. والمراد: أنّ هؤلاء ليس بالمؤمنين حقيقة، بل هم من أهل الشكّ، وللّه فيهم المشيئة، كما مرّ في بيان : «والأمر في الشاكّ» إلى آخره في شرح الخطبة. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه: «العزيمة»: إرادة الفعل والقطع عليه، أوالجدّ في الأمر. وكان المراد نفي ذلك عنهم؛ لعدم قوّة تمييزهم (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لهم محبّة» أي يحبّون الأئمّة وأهل البيت، وليست لهم قوّة عقلية توجب الاعتقاد الجازم بالإمامة اعتقادا ناشئا من الحجّة والبرهان حتّى يقولوا بهذا القول [أي القول] (3) بالإمامة، كما يقول الإماميّة عن تنبّهٍ (4) ودليل. «ليس اُولئك»، أي القاصرين العاجزين عن تحقيق الحقّ غير مكلّفين بما عجزوا عنه، إنّما قال اللّه تعالى «فَاعْتَبِرُوا يَا اُولِي الْأَبْصَارِ» . (5) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «تلك العزيمة»؛ أي ذلك الرسوخ الناشئ من العلم، بل مَثَلهم مَثَل العابد الذي سيجيء ذكره في الحديث الثامن. «ممّن عاتب اللّه » يعني بل المخاطب والمعاتب اُولوا الأبصار. ويسامح اللّه تلك الطائفة في القيامة.

.


1- . في «ب» و «ج»: - «أو مستأنفة في جواب ... عاتبهم اللّه أو إيّاهم».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
3- . أضفناه من المصدر.
4- . في المصدر : «عن بيّنةٍ».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 47.

ص: 201

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ القُمّي، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَنْ كَانَ عَاقِلاً ، كَانَ لَهُ دِينٌ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ دِينٌ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

هديّة :يعني: (من كان عاقلاً) عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه تبارك وتعالى. والمراد أنّه لا دين لغير الإماميّة من البضع والسبعين، ولا يدخل الجنّة من هذه الاُمّة سوى الإماميّة. وقال برهان الفضلاء: المراد بالدِّين هنا: الذلّ والاستكانة بالعبوديّة، والطاعة عند الأمر بالإقبال والإدبار، كما مرّ في بيان الحديث الأوّل، وهو الإيمان الحقيقي. و«أبو محمّد الرازي» في سند هذا الحديث قيل: هو الحسن بن الجهم. وقيل: هو مجهول.

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن إدريس» بدل «القمّي».

ص: 202

الحديث السابعروى في الكافي عن العدّة، عن البرقي، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ :«إِنَّمَا يُدَاقُّ اللّه ُ الْعِبَادَ فِي الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي الدُّنْيَا» .

هديّة :(يداقّ) : على المضارع الغائب المعلوم من المفاعلة، أو على المصدر من التفاعل. قال الجوهري: المداقّة في الأمر التداقّ. (2) والحديث بظاهره دلالة على أنّ المداقّة في الحساب إنّما هو مع أهل معرفة الولاية، لكن على التفاوت بتفاوت أنوار عقولهم؛ إذ لا عقل لغيرهم أصلاً. ووجه إطلاق العباد عليهم ظاهر، كوجه إطلاقه على أكثرهم؛ فإنّ الذين ليسوا منهم ممّن عاتبهم اللّه منهم، وإلاّ فيهم المشيّة، كما مرّ في بيان الخامس. وخلق فيهم ما هو في حكم العقل، لمحبتّهم وقولهم بالولاية. (3) وقال برهان الفضلاء: يحتمل أن يكون المراد ب «العقول» هنا: عقول رؤساء الدِّين، فالمعنى: أنّ كلّ طائفة كان العقلاء فيهم أكثر يكون المداقّة في حسابهم أشدّ، كما أنّ عذاب الماردين في زمن النبيّ ضعف عذابهم في غيره. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «التداقّ»: تفاعل من الدقّة، و«المداقّة»: أن تداقّ صاحبك الحساب. (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . الصحاح، ج 4، ص 1475 (دقق).
3- . في «ب» و «ج»: - «إذ لاعقل لغيرهم... وقولهم بالولاية».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 47.

ص: 203

الحديث الثامنروى في الكافي عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن الديلمي (1) ، عن أبيه، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : فُلَانٌ مِنْ عِبَادَتِهِ وَدِينِهِ وَفَضْلِهِ كَذَا ، فَقَالَ :«كَيْفَ عَقْلُهُ؟» قُلْتُ : لَا أَدْرِي ، فَقَالَ عليه السلام : «إِنَّ الثَّوَابَ عَلى قَدْرِ الْعَقْلِ ؛ إِنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يَعْبُدُ اللّه َ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ ، خَضْرَاءَ ، نَضِرَةٍ ، كَثِيرَةِ الشَّجَرِ ، ظَاهِرَةِ الْمَاءِ ، وَإِنَّ مَلَكَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَرَّ بِهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، أَرِنِي ثَوَابَ عَبْدِكَ هذَا ، فَأَرَاهُ اللّه ُ تَعَالى ذلِكَ ، فَاسْتَقَلَّهُ الْمَلَكُ ، فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالى إِلَيْهِ أَنِ اصْحَبْهُ ، فَأَتَاهُ الْمَلَكُ فِي صُورَةِ إِنْسِيٍّ ، فَقَالَ الرجل (2) لَهُ : مَنْ أَنْتَ؟ فقَالَ (3) : أَنَا رَجُلٌ عَابِدٌ بَلَغَنِي مَكَانُكَ وعِبَادَتُكَ فِي هذَا الْمَكَانِ ، فَأَتَيْتُكَ لِأَعْبُدَ اللّه َ مَعَكَ ، فَكَانَ مَعَهُ يَوْمَهُ ذلِكَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ، قَالَ لَهُ الْمَلَكُ : إِنَّ مَكَانَكَ لَنَزِهٌ وَمَا يَصْلُحُ إِلَا لِلْعِبَادَةِ ، فَقَالَ لَهُ الْعَابِدُ : إِنَّ لِمَكَانِنَا هذَا عَيْبا ، فَقَالَ لَهُ : وَمَا هُوَ؟ قَالَ : لَيْسَ لِرَبِّنَا بَهِيمَةٌ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حِمَارٌ رَعَيْنَاهُ فِي هذَا المَوْضِعِ ؛ فَإِنَّ هذَا الْحَشِيشَ يَضِيعُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ : وَمَا لِرَبِّكَ حِمَارٌ؟ فَقَالَ : لَوْ كَانَ لَهُ حِمَارٌ مَا كَانَ يَضِيعُ مِثْلُ هذَا الْحَشِيشِ ، فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالى إِلَى الْمَلَكِ : إِنَّمَا أُثِيبُهُ عَلى قَدْرِ عَقْلِهِ» .

هديّة :(عليّ بن محمّد بن عبداللّه ): هو عليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة من مشايخ الكليني. قاله السيّد الأجلّ النائيني (4) . أو عليّ بن محمّد بن عبداللّه بن عمران البرقي كما قيل. (5) (فلان): مبتدأ محذوف الخبر مثل : «ممدوحٌ له»، «بمكانٍ»، «لَكامِلٌ». (كيف عقله): سؤال عن قدر عقله الذي مناط التكليف. (على قدر العقل) أي العقل الذي يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان. (6) (نضرة) : ك «كَلِمَة». (ظاهرة الماء) أي ماؤها على وجه الأرض. ويحتمل الطاء المهملة. (استقلّه): عدّه قليلاً. (أنا رجل) صِدْقٌ وهو بصورة رجلٍ. (بلغني مكانك) أي منزلتك ومكانتك. ولا يلزم من تمنّي ذلك العابد بقوله: «فلو كان» ما ينافي [إسلامه] (7) ، إسلامه بقدر عقله الضعيف، (8) وهو من سفهاء المسلمين، وهم مسلمون ما يسمعون من العقلاء من المعارف الحقّة والتبرّي عن المجسّمة وسائر الكفّار. فطوبى لأهل الولاية الذين أدناهم بمجرّد طاعة مفترض الطاعة على قدر عقله _ كهذا العابد المطيع لنبيّ من الأنبياء _ مخلّد في أدنى درجة من درجات الجنّة بمشيئة اللّه تعالى وفضل جوده، وويل للصوفيّة والقدريّة الذين خواصّهم بمخالفة المعصوم (9) مخلّد في أسفل دَرْكٍ من دركات النار (10) . رعى البعير، رعيتُه أنا، يتعدّى ولا يتعدّى. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «فلان» خبر مبتدأ، و«من» ظرفه. والمراد: أنّ عبادته ودينه وفضله في مرتبة الكمال، كأنّه خلق منها، نظير: «خُلِقَ الْاءِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ» 11 . و«الدين»: الذلّ والاستكانة بالعبوديّة والطاعة عند الأمر بالإقبال والإدبار كما مرّ. والمراد بالفضل هنا: ملكة السخاء ونحوه. «طاهرة الماء» بالمهملة، أي نظيفة الماء. «أن أصحبه» بفتح الهمزة وسكون النون الساكنة المكسورة لالتقاء الساكنين: مفسّرة؛ لأنّ «أوحي» متضمّن لمعنى «قال». «يضيع» الاُولى على المعلوم من باب ضرب، والثانية على المعلوم من التفعيل أو المجرّد. ولا يخفى أنّ هذا العابد من المستضعفين الذين للّه فيهم المشيئة، أو من الّذين قد يفرضون محالاً بترك الأدب الناشئ من ضعف العقل من دون اعتقاد الجسميّة. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه: سمعت اُستاذي الفاضل المحقّق ميرزا محمّد الاسترآبادي يقول: الظاهر أنّ عليّ بن محمّد بن عبداللّه هو ابن اُذينة؛ لأنّه من جملة العِدَّة، وهو مجهول. «من عبادته ودينه وفضله»؛ أي في المرتبة العليا. (11) في بعض النسخ «إنّما أثبته» على الماضي.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن سليمان الديلمي».
2- . في الكافي المطبوع: - «الرجل».
3- . في الكافي المطبوع : «قال».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 47.
5- . في الوافي، ج 1، ص 83 : «ويحتمل ابن عمران البرقي».
6- . توجد هنا في «الف» عبارة لم تقرأ.
7- . أضفناه لتكميل العبارة.
8- . في «ب» و «ج»: - «الضعيف».
9- . في «ب»: + «في العقائد والأعمال».
10- . في «ب» و «ج»: + «ونجاة غير المتمادي من عوامّهم على الأحتمال». وفي «ب» و «ج»: + «في العقائد والأعمال».
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .

ص: 204

. .

ص: 205

الحديث التاسعروى في الكافي عن الأربعة (1) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :«إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ ، فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ ؛ فَإِنَّمَا يُجَازى بِعَقْلِهِ» .

هديّة :(في حُسن عقله) أي ما عبد به الرّحمن، واكتسب به الجنان على ما بيّن في الثالث. (يجازى) على ما لم يسمّ فاعله، أي يعطى جزاء العمل والثواب. وقال برهان الفضلاء: «حُسن حال» من كثرة الصوم والصلاة، وقيام الليل ونحوها فلا تغترّوا، فانظروا في حسن عقله ودينه المأخوذ من المعصوم.

.


1- . وهم: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.

ص: 206

الحديث العاشرروى في الكافي عن محمّد، عن أحمد عن السرّاد، (1) عن عبداللّه بن سنان، قال: ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام رَجُلاً مُبْتَلىً بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، وَقُلْتُ : هُوَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«وَأَيُّ عَقْلٍ لَهُ وَهُوَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟!» فَقُلْتُ لَهُ : وَكَيْفَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟ فَقَالَ عليه السلام : «سَلْهُ : هذَا الَّذِي يَأْتِيهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ لك (2) : مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» .

هديّة :(هو رجل عاقل) أي لا نقص له (3) بحسب العقل. (وأيّ عقلٍ له) أي كامل. ولمّا كان المشهور في جميع الاُمم أنّ الوسواس في العبادات ونيّاتها إنّما هو من الشيطان قال عليه السلام : (سَلْهُ). قال برهان الفضلاء: «مبتلى بالوضوء والصلاة» أي بالوسواس في نيّتهما. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله: «وهو يطيع الشيطان» ويفعل ما يأمره به، فسأله السائل عن إبانة أنّه يطيع بفعله الشيطان، فنبّه عليه السلام بأنّه لو سئل عن مستنده لم يكن له بدّ من أن يسنده إلى الشيطان؛ حيث لا شبهة في أنّه لا مستند له في الشرع ولا في العقل. (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- . في «الف» : - «لك».
3- . في «الف»: «لا نقص لعقله».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 48.

ص: 207

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عن العدّة، عن البرقي، (1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رَفَعَهُ ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَا قَسَمَ اللّه ُ لِلْعِبَادِ شَيْئا أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ؛ فَنَوْمُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ سَهَرِ الْجَاهِلِ ، وَإِقَامَةُ الْعَاقِلِ في بلده (2) أَفْضَلُ مِنْ شُخُوصِ الْجَاهِلِ ، وَلَا بَعَثَ اللّه نَبِيّا وَلاَ رَسُولاً حَتّى يَسْتَكْمِلَ الْعَقْلَ ، وَيَكُونَ عَقْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ عُقُولِ جَمِيعِ أُمَّتِهِ ، وَمَا يُضْمِرُ النَّبِيُّ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَمَا أَدَّى الْعَبْدُ فَرَائِضَ اللّه ِ حَتّى عَقَلَ عَنْهُ ، وَلا بَلَغَ جَمِيعُ الْعَابِدِينَ فِي فَضْلِ عِبَادَتِهِمْ مَا بَلَغَ الْعَاقِلُ ، وَالْعُقَلاءُ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ قَالَ اللّه ُ تبارك و تَعَالى : «وَمَا يَتَذَكَّرُ إلاّ أُولُوا الْأَلْبَابِ» (3) .

هديّة :أعقل العقلاء هو الحجّة المعصوم، ثمّ يتفاوتون بحسب العلم بأحكام الدِّين ومعارف اليقين (4) على ما أخبر به العاقل عن ربّ العالمين. (شخوص الجاهل) أي خروجه من بلده إلى آخَرَ لتحصيل الثواب، كالحجّ، والجهاد، وطلب العلم. (من اجتهاد المجتهدين) يعني في العبادة. وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «تفكّر ساعة خيرٌ من عبادة سبعين سنة» (5) ؛ فإنّ بتفكّر العقل يقطع العبد بوجوب وجود المعصوم العاقل عن اللّه من طرقٍ منها: برهان الانحصار، وقد سبق بيانه مرارا. (6) (ولا بلغ جميع العابدين) يعني أدنى درجة العاقل من درجات أفكاره المستقيمة أعلى من جميع درجات جميع العابدين. والآية نقل بالمعنى، أو قراءة أهل البيت عليهم السلام أو سهو مضبوط؛ فإنّ في البقرة، وآل عمران: «وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (7) بالإدغام، وفي الزمر: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (8) بدونه، وفي ص: «وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (9) بدونه باللام. قال برهان الفضلاء: «النبيّ»: إنسان يكلّمه اللّه بلا واسطة إنسان آخر. والمراد هنا من النبيّ: الرسول الذي يوصله اللّه إلى الرسالة بعد النبوّة. و«الرسول»: إنسان يكلّمه اللّه بلا واسطة إنسان آخر ويرسله إلى خلقه. والمراد هنا من الرسول: رسول لا يكون نبيّا قبل رسالته، كما سيجيء تحقيقه في بيان الأوّل من الباب الثالث من كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى. وضمير «عنه» للّه ، أو للنبيّ. والمآل واحد. وعلى التقديرين تعدية «العقل» ب «عن» على تضمين معنى الأخذ. والمراد: أخذ العلم بما يحتاج إليه من المسائل برعاية الآداب الحسنة في تحصيله عن اللّه سبحانه بتوسّط الحجّة المعصوم. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه: قوله: «وما يضمر النبيّ»، المراد: مطلق النبيّ عليهم السلام . (10) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل»؛ أي بعقله؛ فإنّ للعقل فضلاً؛ لأنّه به يحصل المعرفة واختيار الخير. ويتفرّع عليها (11) الخشية، والتذلّل، والإطاعة، والانقياد، والإتيان بالحسن الجميل. وإنّما كمال العبادة بحسن التذكّر والتذلّل والخشية، وقال اللّه تعالى: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (12) ، وقال عزَّ من قائل: «إِنَّمَا يَخْشَى اللّه َ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (13) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع كذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد».
2- . في الكافي المطبوع -: «في بلده».
3- . في الكافي المطبوع: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُو لُوا الْأَلْبَ_بِ».
4- . في «الف» هكذا : «بحسب العلم والعمل، والوقوف بمعارف اليقين».
5- . هذه الرواية مرويّة بعباراة مختلفة. راجع تفسير روح المعاني، ج 6 ، ص 212، ذيل الآية 7، سورة هود (11)؛ آيات الأحكام للجرجاني، ج 1، ص 234؛ الكافي، ج 2، ص 54 ، باب التفكر، ح 2؛ بحارالأنوار، ج 66 ، ص 293.
6- . في «ج»: «للقطع بأنّ الأعلم بما هو الحقّ في هذا النظام العظيم إنّما هو مدبّره العليم الحكيم حتّى عقل عنه بتوسّط أنحاء العقل عنه أو العاقل عنه» بدل «من طرق منها: برهان الانحصار، وقد سبق بيانه مرارا».
7- . البقرة (2): 269؛ آل عمران (3): 7.
8- . الزمر (39): 9.
9- . ص (38): 29.
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
11- . في المصدر : «عليهما».
12- . الزمر (39)؛ الرعد (13): 19.
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 49؛ والآية في فاطر (35): 28.

ص: 208

. .

ص: 209

الحديث الثاني عشرروى في الكافي: وقال أبو عبداللّه الأشعري، عن بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم، قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام:«يا هشام، إنّ اللّه تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: «فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللّه ُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» . يا هشام، إنّ اللّه تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلّة، فقال: «وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّه ُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (1) . يا هشام، قد جعل اللّه ذلك دليلاً على معرفته بأنّ لهم مدبّرا فقال: «وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (2) ، وقال: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (3) ، وقال: «إنّ في اختلاف الليل والنهار وما أنزل اللّه من السماء من رزق فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (4) ، وقال: «يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْايَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (5) ، وقال: «وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (6) ، وقال: «وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفا وَطَمَعا وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْىِ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» 7 ، وقال: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه ُ إِلَا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (7) ، وقال: «هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (8) . يا هشام، ثمّ وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْاخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (9) . يا هشام، ثمّ خوّف الذين لا يعقلون عقابه فقال: «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْاخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (10) . وقال: «إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (11) . يا هشام، إنّ العقل مع العلم، فقال: «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَا الْعَالِمُونَ» (12) . يا هشام، ثمّ ذمَّ الذين لا يعقلون فقال: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّه ُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئا وَلَا يَهْتَدُونَ» (13) . وقال: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» (14) ، وقال: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ» (15) ، وقال: «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (16) ، وقال: «لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعا إِلَا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ» (17) ، وقال: «وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (18) . يا هشام، ثمّ ذمَّ اللّه الكثرة فقال: «وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ» (19) ، وقال: «ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولُنَّ اللّه قل الحمد للّه بل أكثرهم لايعلمون» (20) ، (21) وقال: «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ اْلأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّه ُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» (22) . يا هشام، ثمّ مدح القلّة فقال: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ» 24 ، وقال: «وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» (23) ، وقال: «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللّه ُ» (24) ، وقال: «وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَا قَلِيلٌ» (25) ، وقال: «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» (26) ، وقال: «وأَكْثَرُهُمْ لا يَشْعُرُون». (27) يا هشام، ثمّ ذكر اُولي الألباب بأحسن الذِّكر وحلّاهم بأحسن الحلية فقال: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (28) ، وقال: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (29) ، وقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَايَاتٍ لِاُولِي الْأَلْبَابِ» (30) ، وقال: «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (31) ، وقال: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (32) ، وقال: «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (33) ، وقال: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ* هُدىً وَذِكْرَى لِاُولِي الْأَلْبَابِ» (34) ، وقال: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» (35) . يا هشام، إنّ اللّه يقول في كتابه: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» (36) ، يعني عقل، وقال: «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ» (37) . قال: الفهم والعقل. يَا هِشَامُ ، إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ : تَوَاضَعْ للنّاس (38) تَكُنْ أَعْقَلَ النَّاسِ ، وَإِنَّ الْكَيِّسَ لَدَى الْحَقِّ يَسِيرٌ ، يَا بُنَيَّ، إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ ، فَلْتَكُنْ سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَى اللّه ِ ، وَحَشْوُهَا الْاءِيمَانَ ، وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلَ ، وَقَيِّمُهَا الْعَقْلَ ، وَدَلِيلُهَا الْعِلْمَ ، وَسُكَّانُهَا الصَّبْرَ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دَلِيلاً ، وَدَلِيلُ الْعَقْلِ التَّفَكُّرُ ، وَدَلِيلُ التَّفَكُّرِ الصَّمْتُ ؛ وَلِكُلِّ شَيْءٍ مَطِيَّةً ، وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ ؛ وَكَفى بِكَ جَهْلاً أَنْ تَرْكَبَ مَا نُهِيتَ عَنْهُ . يَا هِشَامُ ، مَا بَعَثَ اللّه ُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إِلى عِبَادِهِ إِلَا لِيَعْقِلُوا عَنِ اللّه ِ ، فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً أَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّه ِ أَحْسَنُهُمْ عَقْلاً ، وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلاً أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ : حُجَّةً ظَاهِرَةً ، وَحُجَّةً بَاطِنَةً ، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ . يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعَاقِلَ ، الَّذِي لَا يَشْغَلُ الْحَلالُ شُكْرَهُ، وَلَا يَغْلِبُ الْحَرَامُ صَبْرَهُ. يَا هِشَامُ ، مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثا عَلَى ثَلَاثٍ ، فَكَأنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ : مَنْ أَظْلَمَ نُورَ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ ، وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ ، وَأَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلى هَدْمِ عَقْلِهِ ، وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ ، أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ . يَا هِشَامُ ، كَيْفَ يَزْكُو عِنْدَ اللّه ِ عَمَلُكَ ، وَأَنْتَ قَدْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ عَنْ أَمْرِ رَبِّكَ ، وَأَطَعْتَ هَوَاكَ عَلى غَلَبَةِ عَقْلِكَ؟! يَا هِشَامُ ، الصَّبْرُ عَلَى الْوَحْدَةِ عَلَامَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللّه ِ ، اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا ، وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللّه ِ ، وَكَانَ اللّه ُ أُنْسَهُ فِي الْوَحْشَةِ ، وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ ، وَغِنَاهُ فِي الْعَيْلَةِ ، وَمُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ . يَا هِشَامُ ، نُصِبُ الْحَقُّ لِطَاعَةِ اللّه ِ ، وَلَا نَجَاةَ إِلَا بِالطَّاعَةِ ، وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ ، وَالْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالتَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَدُ ، وَلَا عِلْمَ إِلَا مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ ، وَمَعْرِفَةُ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ . يَا هِشَامُ ، قَلِيلُ الْعَمَلِ مِنَ الْعَالِمِ مَقْبُولٌ مُضَاعَفٌ ، وَكَثِيرُ الْعَمَلِ مِنْ أَهْلِ الْهَوى وَالْجَهْلِ مَرْدُودٌ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا ؛ فَلِذلِكَ رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعُقَلَاءَ تَرَكُوا فُضُولَ الدُّنْيَا ، فَكَيْفَ الذُّنُوبَ ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا مِنَ الْفَضْلِ ، وَتَرْكُ الذُّنُوبِ مِنَ الْفَرْضِ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا وَ إِلى أَهْلِهَا ، فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَا بِالْمَشَقَّةِ ، وَنَظَرَ إِلَى الْاخِرَةِ ، فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَا بِالْمَشَقَّةِ ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعُقَلَاءَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَرَغِبُوا فِي الْاخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ ، وَالْاخِرَةَ طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ ، فَمَنْ طَلَبَ الْاخِرَةَ ، طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا ، طَلَبَتْهُ الْاخِرَةُ ، فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ . يَا هِشَامُ ، مَنْ أَرَادَ الْغِنى بِلَا مَالٍ ، وَرَاحَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْحَسَدِ ، وَالسَّلامَةَ فِي الدِّينِ ، فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكَمِّلَ عَقْلَهُ ؛ فَمَنْ عَقَلَ ، قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ ، وَمَنْ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ ، اسْتَغْنَى ، وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ ، لَمْ يُدْرِكِ الْغِنى أَبَدا . يَا هِشَامُ ، إِنَّ اللّه َ حَكى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ » (39) حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَتَعُودُ إِلى عَمَاهَا وَرَدَاهَا ؛ إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللّه َ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّه ِ ، وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّه ِ ، لَمْ يَعْقِدْ قَلْبَهُ عَلى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَيَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذلِكَ إِلَا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقا ، وَسِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقا ؛ لِأَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ اسْمُهُ وتعالى _ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلَا بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَنَاطِقٍ عَنْهُ . يَا هِشَامُ ، كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : مَا عُبِدَ اللّه ُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ، وَمَا تَمَّ عَقْلُ امْرِىً?حَتّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ شَتّى : الْكُفْرُ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونَانِ ، وَالرُّشْدُ وَالْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولَانِ ، وَفَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ ، وَفَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ ، وَنَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الْقُوتُ ، لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ ، الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اللّه ِ مِنَ الْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ ، وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ ، يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَيَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْرا مِنْهُ ، وَأَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ ، وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ . يَا هِشَامُ ، لَا دِينَ لِمَنْ لا مُرُوءَةَ لَهُ ، وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ ، وَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ قَدْرا الَّذِي لَا يَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَرا ، أَمَا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ إِلَا الْجَنَّةُ ، فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا . يَا هِشَامُ ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَ يَقُولُ : إِنَّ مِنْ عَلَامَةِ الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ : يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ ، وَيَنْطِقُ إِذَا عَجَزَ الْقَوْمُ عَنِ الْكَلَامِ ، وَيُشِيرُ بِالرَّأْيِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ أَهْلِهِ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ شَيْءٌ ؛ فَهُوَ أَحْمَقُ ؛ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ : لَا يَجْلِسُ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ إِلَا رَجُلٌ فِيهِ هذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ ، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُنَّ فَجَلَسَ ، فَهُوَ أَحْمَقُ . وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : إِذَا طَلَبْتُمُ الْحَوَائِجَ ، فَاطْلُبُوهَا مِنْ أَهْلِهَا ، قِيلَ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، وَمَنْ أَهْلُهَا؟ قَالَ : الَّذِينَ قَصَّ اللّه ُ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهُمْ ، فَقَالَ : «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» قَالَ : هُمْ أُولُو الْعُقُولِ . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ دَاعِيَةٌ إِلَى الصَّلاحِ ، وَإِدْآبُ الْعُلَمَاءِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْلِ ، وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْعَدْلِ تَمَامُ الْعِزِّ ، وَاسْتِثْمَارُ الْمَالِ تَمَامُ الْمُرُوءَةِ ، وَإِرْشَادُ الْمُسْتَشِيرِ قَضَاءٌ لِحَقِّ النِّعْمَةِ ، وَكَفُّ الْأَذى مِنْ كَمَالِ الْعَقْلِ ، وَفِيهِ رَاحَةُ الْبَدَنِ عَاجِلاً وَآجِلاً . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يُحَدِّثُ مَنْ يَخَافُ تَكْذِيبَهُ ، وَلَا يَسْأَلُ مَنْ يَخَافُ مَنْعَهُ ، وَلَا يَعِدُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرْجُو مَا يُعَنَّفُ بِرَجَائِهِ ، وَلَا يتقدّم (40) عَلى مَا يَخَافُ فَوْتَهُ بِالْعَجْزِ عَنْهُ» .

.


1- . البقرة (2): 163 _ 164.
2- . النحل (16): 12.
3- . غافر (40): 67 .
4- . إشارة واقتباس من الآية 164 من سورة البقرة (2)؛ والآية 5 من هذه العبارة سورة الجاثية (45). وفي الكافي المطبوع أورد بدل هذه العبارة الآية 64 من البقرة (2): «إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل اللّه من السماء من ماءٍ فأحيابه الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرياح والسّحاب المسخّر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون».
5- . الحديد (57): 17.
6- . الرعد (13): 4.
7- . الأنعام (6): 151.
8- . الروم (30): 28.
9- . الأنعام (6): 32.
10- . الصافّات (37): 136 _ 138.
11- . العنكبوت (29): 34 _ 35.
12- . العنكبوت (29): 43.
13- . البقرة (2): 170.
14- . البقرة (2): 171.
15- . يونس (10): 42.
16- . الفرقان (25): 44.
17- . الحشر (59): 14.
18- . البقرة (2): 44.
19- . الأنعام (6): 116.
20- . ما أثبتناه نصّ القرآن، وفي النسخ : «لايعقلون». ولعلّه خطأ من النسّاخ أو تصحيف من الرواة. وقال المجلسي في مرآة العقول، ج 1، ص 50 : «ويحتمل أن يكون نقل بالمعنى إشارة إلى ما مرّ من استلزام العقل للعلم».
21- . لقمان (31): 25.
22- . العنكبوت (29): 63 .
23- . ص (38): 24.
24- . غافر (40): 28.
25- . هود (11): 40.
26- . الأنعام (6): 37؛ الأعراف (7): 131. وموارد اُخرى.
27- . لاتوجد في القرآن الكريم آية بهذا اللفظ.
28- . البقرة (2): 269.
29- . آل عمران (3): 7.
30- . آل عمران (3): 190.
31- . الرعد (13): 19.
32- . الزمر (39): 9.
33- . ص (38): 29.
34- . غافر (40): 53 _ 54.
35- . الذاريات (51): 55.
36- . ق (50): 37.
37- . لقمان (31): 12.
38- . في الكافي المطبوع : «للحقّ».
39- . آل عمران (3): 8 .
40- . في «ج» و هامش «ب» : «ولايقدم».

ص: 210

. .

ص: 211

. .

ص: 212

. .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

هديّة :(أبو عبداللّه الأشعري) هو الحسين بن محمّد الأشعري. وصدر السند في بعض النسخ المعتبرة : «بعض أصحابنا رفعه». قال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: قوله: «أبو عبداللّه الأشعري عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام»: أوّل السند في النسخ المعتبرة: «بعض أصحابنا رفعه». ويأتي في مواضع من الكافي ككتاب النكاح: «أبو عبداللّه الأشعري»، وهو الحسين بن محمّد الأشعري «عن بعض أصحابنا رفعه»، وهنا نسخ مختلفة، ففي بعضها ما ذكرناه، وفي بعضها: «بعض أصحابنا رفعه»، وفي بعضها : «أبو عليّ الأشعري [رفعه] (1) »، وفي بعضها : «أبو عبداللّه الأشعري رفعه». وهو الظاهر (2) ؛ لأنّه المتعارف في هذا الكتاب. (3) انتهى. ما «هو الظاهر» هو الأكثر. و(أهل العقل): هم الحجج المعصومون وشيعتهم، وغيرهم جهلاء وإن كانوا مهراء في فنون الشيطنة والنَكراء. والآية في سورة الزمر هكذا: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللّه ِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ» (4) الآية. وتبعيّة «أحسن القول» قول اللّه ، أو قول العاقل عن اللّه : هو الأخذ بالمحكمات، وبالمتشابهات أيضا بتأويلها بالعلاجات المذكورة عنهم عليهم السلام . وقال برهان الفضلاء: «أحسن القول» يعني المحكمات الناهية عن تبعيّة الظنّ فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة، والدالّة على وجوب إمام عالم بجميع الأحكام إلى انقراض الدنيا. قال اللّه في سورة الحديد: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللّه َ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» (5) ، وفي سورة آل عمران: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ» (6) ، وفي سورة الزمر: «اللّه ُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابا مُتَشَابِها مَثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّه ِ ذَلِكَ هُدَى اللّه ِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللّه ُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» (7) ، وفي سورة الزمر أيضا: «اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ» (8) ، والقول مطلق من قول اللّه والرسول وأوصيائه عليهم السلام . انتهى. وقد سبق في بيان الخطبة أنّ العمل بالظنّ في زمن الغيبة منه ما (9) رخّص فيه _ لنفي الحرج المنفيّ (10) _ للعالم الممتاز العدل الإماميّ الحاذق في المعالجات على ما فصّل. (أَكْمَلَ لِلنَّاسِ الْحُجَجَ بِالْعُقُولِ): إشارة إلى المعرفة الفطريّة بآثار الصنع وشواهد الربوبيّة. (وَنَصَرَ النَّبِيِّينَ بِالْبَيَانِ): إشارة إلى المعرفة الدينيّة بالعقل عن الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه سبحانه. (وَدَلَّهُمْ عَلى رُبُوبِيَّتِهِ بِالْأَدِلَّةِ) أي العقليّة والسمعيّة. وقال الفاضل الاسترآبادي: «أكمل للناس الحجج بالعقول»، يعني خلق في الناس العقل بمعنى الغريزة، ولولا ذلك لما تمّ لأحدٍ حجّة ولا دليل على الآخر؛ لأنّ العاقل الناظر (11) المتفكّر لا يستطيع أن يجحد المقدّمات الواضحة الحقيقة، (12) الواضحة الاستلزام للمدّعى. «نصر النبيّين بالبيان»، على الأمر (13) ، يعني بأن ألهمهم وأوحى إليهم بمقدّمات واضحة الحقيقة، (14) واضحة الدلالة على المدّعى عند الخصم، مؤثّرة في قلبه بحسب استعداده. وفيه تنبيه على أنّ صنع الأنبياء عليهم السلام مجرّد البيان. وأمّا خلق نور ترتّب عليه قبول الحقّ والاعتراف، فهو صنع اللّه بالنسبة إلى مَن يشاء، وهو الذي ثبتت منه الطاعة يوم الميثاق، وهو الذي إذا خلّي وإرادته يختار الحقّ وأهله لا هوى نفسه. «دلّهم على ربوبيّته بالأدلّة» يعني بعد خلق العقل فيهم دلّهم على أنّ لهم مدبّرا على لسان نبيّه صلى الله عليه و آله بالأدلّة، فالقول بأنّ معرفته ضروريّة من توهّم بعض الرواة (15) . انتهى. أقول: آخر بيانه غفلة عن قوله تعالى: «فِطْرَةَ اللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (16) ، والمنكر للمعرفة الفطريّة منكر بلسانه، كما يستفاد من الحديث. وقد سبق ذكره، وسيجيء في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. وآية «وَإِلهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ» في سورة البقرة. (قَدْ جَعَلَ اللّه ُ ذلِكَ) أي المذكورات في هذه الآية. وآية «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ» في سورة النحل. وآية: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ» في سورة المؤمن. و(قال) قبلها عطف على (فقال): «وَإِلهُكُمْ» » لا على (فقال وسخّر). (أَشُدَّكُمْ) أي كمال قوّتكم، وأوان كمال عقلكم. وآية: «إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللّه ُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ» في سورة الجاثية، لكن بمضمونها، فنقل بالمعنى، أو قراءة غير مشهورة، أو سهو من سلف النسّاخ. وفي المصاحف: «واختلال الليل والنهار» بالواو مكان «إنّ» ومكان «لآيات»: «آيات». وفسّر الرزق بالماء ، وهو السبب. وآية: «يُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» في سورة الحديد. وآية: «وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ» في سورة الرعد. «صِنْوَانٌ» أي نخلات تكون من أصل واحد ، إذا خرج نخلتان أو أكثر من أصل واحد فكلّ واحدة : «صنو» والاثنتان : «صنوان» بكسر النون والجمع : «صنوان» بالتنوين. وفي حديث العبّاس : «عمّ الرجل صنو أبيه». (17) «وَغَيْرُ صِنْوَانٍ» متفرّقات مختلفة الاُصول. وآية: «وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفا وَطَمَعا» في سورة الروم. «خوفا» من نحو الصاعقة والغيث الضارّ ، والبداء في الأمطار . و«طمعا» في الغيث النافع. وآية: «قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ» في سورة الأنعام. و«الإملاق»: الفقر؛ أي من خوفه. وقد صرّح به في قوله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ» . «ما ظَهَرَ مِنْها» بالعلانية. «وما بَطَنَ» بالإخفاء عن الناس. وآية: «هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ» في سورة الروم، «مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» من نحو العبيد والإماء، «فِي ما رَزَقْنَاكُمْ» من الأموال؛ يعني أنّ الذي لكم ليس في الحقيقة ، بل هو للّه سبحانه ومن رزقه ، فإذا لم يجز أن يكون لكم شريك من أمثالكم في مالكم من حيث الاسم والإنسانيّة ؛ حيث لا تصرّف لكم في أرواحهم وإنسانيّتهم، فكيف يجوز أن يكون له شريك من مخلوقاته في ماله؟! «فَأنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ» على الاستفهام ، أي ولستم ومماليككم في شيءٍ ممّا تملكون سواء، فليس للّه شريك في شيء ممّا يملكه في ملكه، بل كلّ شيء فهو للّه . «تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أنْفُسَكُمْ» أي لستم تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ؛ إذ ليس لهم حرمة كحرمة الأحرار. (ثمّ وعظ) أي بعد إكمال الحجج ، ونصرة النبيّين ، والدلالة على الربوبيّة لم يكتف بها بل وعظ. وآية: «وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» في سورة الأنعام. وفي التفسير : يعني وما اكتفاؤنا بالحياة الدنيا إذا لم يكن بعدها دار آخرة إلّا لهوٌ ولعب (18) . وقد قال في سورة الأنبياء: «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» (19) . وآية: «ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ» في سورة الصافّات. (ثمّ دمّرنا الآخرين) : أهلكناهم ، يعني قوم لوط عليه السلام . (لتمرّون عليهم)؛ قيل: على منازلهم في متاجركم إلى الشام ؛ فإنّ بلدتهم المسمّاة ب «السدوم» في طريقها «مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ» . وفسّر بالمرور على قصّتهم في القرآن في عدّة مواضع مصبحين بقراءة القرآن وملابسين بقراءته بالليل. وآية: «إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزا مِنَ السَّمَاءِ» في سورة العنكبوت. و«الرّجز» : العذاب . (آية بيّنة) : قصّة قوم لوط المشهورة ، أو آثار الدِّيار الخربة. (إنّ العقل مع العلم) أي العقل المتّصف بقدر من أقدار الكمال إنّما هو مع العلم المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. وآية: «وَتِلْكَ الْأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ» في سورة العنكبوت أيضا. وآية: «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّه ُ» في سورة البقرة. «أَلْفَيْنَا» : وجدنا. وآية: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ» في سورة البقرة أيضا. نعق الراعي بالغنم _ كضرب _ : صاح بها. وآية: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» في سورة يونس لكن في المصاحف «يَسْتَمِعُونَ» . و«يستمع» بلا توافق التتمّة في سورة الأنعام، وفي سورة محمّد (20) ، فنقل بالمعنى ، أو قراءة غير مشهورة ، أو سهو مضبوط. وآية: «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ» في سورة الفرقان. «بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» ؛ لوجوهٍ ظاهرةٍ ، منها : عدم اتّصاف الأنعام بالعناد. وآية: «لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعا إِلَا فِى قُرىً مُحَصَّنَةٍ» ؛ في سورة الحشر . أي اليهود، محصّنة بالحيطان والسّيران والخنادق وغير ذلك. (جميعا) أي متّفقين. وآية: «وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» في سورة البقرة. (ثمّ ذمّ اللّه الكثرة) أي كثرة أهل الجهل . ومن دلائلهم لمذاهبهم كثرة عددهم وقد يدّعون الإجماع بها. وآية: «وَإِنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ» في سورة الأنعام. وآية: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» في سورة لقمان، لكن في المصاحف : «لا يعلمون» مكان «لا يعقلون»، فنقل بالمعنى ، أو قراءة غير مشهورة ، أو سهو مضبوط من سلف النسّاخ. وآية: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً» في سورة العنكبوت. وآية: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» في سورة سبأ. وآية: «وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» في سورة ص . أي ما أقلّ من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل الصالحات. «وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ» في سورة المؤمن. وآية: «وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَلِيلٌ» في سورة هود؛ يعني مع نوح عليه السلام . وفسّر القليل باثنين وسبعين نفرا ، سبعة من أهله ، ثلاثة منهم أبناؤه: سام وهام ويافث ، وأربعة: (21) زوجته ، وزوجات أبنائه عليهم السلام . «وَلكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» في سورة الدخان ، ويونس ، والقصص. «وَأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» في سورة المائدة. قال الفاضل الاسترآبادي: ما بعث اللّه رسله إلى عباده إلّا ليعقلوا الدين عن اللّه على لسان رسله ؛ لعلم اللّه بأنّ غير ذلك من الطريق (22) كالرياضة والمناظرة قد يُخطئ وقد يصيب . كلّ ذلك بتقدير اللّه وقضائه وللحِكَم المنظورة له في ذلك. (23) انتهى. قد مرَّ أنّ المعرفة الفطرية بتوسّط العقول، والدّينيّة بتوسّط المعصومين العاقلين عن اللّه . وبيانه هذا إقرار بما أنكر ، وقد ذكر عنه آنفا. «وَأكْثَرُهُمْ لا يَشْعُرُونَ» . ليس في المصاحف، فإمّا نقل بالمعنى ، أوقراءةٌ غير مشهورة ، أو سهو. ففي سورة المؤمنون «بَل لَا يَشْعُرُونَ» (24) ، وفي سورة يونس والنمل (25) «أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ» ، و«الحِلية» بالكسر: للسيف وحلية الرجل صفته ويفتح فيهما. وآية: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ» في سورة البقرة. و«الحكمة» : علم الدِّين ، ولغة العلم الصحيح . واشتقاقها من الحَكَمة بالتحريك ، أي حديد اللّجام المانع للدابّة من الوقوع في الورطة. قال برهان الفضلاء: ذكر المضارع في «وَمَنْ يُؤْتَ» ، وذكر «قد» والماضي في «فَقَدْ أُوتِيَ» نظير «إِلَا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ» (26) الإشعار بأنّ الخير الكثير مقدَّم على الحكمة وباعثها، كما أنّ الحكمة مقدَّمة على المغفرة والفضل وباعثهما . و«الخير» هنا ، ضدّ الفقر المذكور في الآية السابقة على هذه الآية. والمراد الثروة وما يجري مجراها ويكون أفضل منها. انتهى. وآية: «وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» في سورة آل عمران ، يعني الأئمّة عليهم السلام . وآية: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ» في سورة آل عمران أيضا. وآية: «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ» في سورة الرعد. وآية: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ» في سورة الزمر. وآية: «كِتَابٌ أنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ» في سورة ص. وآية: «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى» في سورة المؤمن. وآية: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ» في سورة الذاريات. و«الذّكري» و«الذُّكْرَة» : نقيض النسيان ، ك «الذّكر» أيضا بالكسر. وآية: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» في سورة ق. وآية: «وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ» في سورة لقمان. (قَالَ : الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ) ، يعني عن الحجّة المعصوم المضبوط عدده في علم اللّه ، وتقديره من أوّل الدنيا إلى انقراضها. ولم يكن لقمانُ نبيّا ولا وصيّا، قد اشتهر أنّه خدم أربعمائة من الحجج المعصومين. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: يعني أعطاه اللّه تعالى الفهم والعقل ، وعليهما مدار الحكمة التي هي المعرفة الحقّة والتخلّق بالخُلق الحسن الجميل ، وباستعمالهما يحصل الحكمة، فكان إعطاؤهما إعطاؤها (27) . انتهى . غرضه من المعرفة الحقّة ، المعرفة الدينيّة التي لا تحصل إلّا بتوسّط المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. (تَوَاضَعْ لِلْحَقِّ) قال في القاموس: تواضع : تذلّل وتخاشع. (28) قيل : يعني مع الخلق للّه 29 . أو المعنى أطع لمَن هو حجّة معصوم عاقل عن اللّه . وفي الحديث: «مَن تواضع للّه رفعه اللّه » (29) . و«الأعقل» مقول بالتشكيك فلا إشكال. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : أي لأحكام كتاب اللّه تعالى. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: المراد بالتواضع للحقّ ، الإقرار به ، والإطاعة والانقياد له . والإقرار بالحقّ دليل العقل ؛ لأنّ العقلَ يأمر به ، والجهل يمنع عنه (30) . انتهى. لا يقطع عقل بحقّيّة شيء من المتشابهات إلّا بالعقل عن اللّه ، أو بتوسّط عاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام العظيم في مدبّره الحكيم تعالى شأنه. (الْكَيْسَ) بالفتح ، والكياسة : خلاف الحمق، فقوله: (وإنّ الكيّس لدى الحقّ يسير) يحتمل ك «سيّد» ، يعني أنّ ذا الكيّس العاقل عن العاقل عن اللّه قليل. وقيل : يعني أنّ كياسة الإنسان _ وهي عقله وفطانته _ يسير عند الحقّ لا قدر له ، وإنّما الذي له قدر عند اللّه هو التواضع والمسكنة والخضوع والافتقار إليه. (31) وقال برهان الفضلاء: أي المعامل بالمحكمات الناهية عن العمل بالظنّ قليل. وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: يعني أنّ الكيّس عند الحقّ يسير منقادٌ له غير عسير. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في المصادر: الكيّس والكياسة : «زيرك شدن». والكيس : «به زيركى غلبه كردن». فيحتمل أن يكون «اليسير» بمعنى القليل، والكيس بأوّل المعنيين ؛ وأن يكون اليسير مقابل العسير، والكيس بأحد المعنيين. والمراد : أنّ إدراك الحقّ ومعرفته لدى موافاته بالكياسة يسير، أو أنّ الغلبة بالكياسة عند القول بالحقّ والإقرار به يسير. ويحتمل أن يكون «الكيّس» بالتشديد ، أي ذو الكياسة عند ظهور الحقّ بإعمال الكياسة والإقرار بالحقّ قليل (32) . انتهى. واحتمال لذي الحقّ ، أي الإمام ، يعني معرفته أوعارفه كماترى. (قَدْ غَرِقَ فِيهَا) كعَلِمَ (عَالَمٌ كَثِيرٌ) ، يُحتمل فتح اللّام وكسرها، وظاهر برهان الفضلاء فتحها، وقد فسّرها بجمع كثير. «حَشْو السفينة» : متاعها. و«شراع السفينة» ككتاب : ما يهيّأ للرياح. (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دَلِيلاً) أي هاديا إلى أنّه حقّ أو باطل. (وَدَلِيلُ الْعَقْلِ التَّفَكُّرُ) أي العقل (33) الصواب ، أو إصابة العقل : التفكّر في آلاء اللّه ، وآثار قدرته ، واستحكام نظام العام بحكمته وتدبيره بحيث لا يتصوّر ما فوقه، فلابدّ من وجود حجّة معصوم عاقل عن الأعلم به ؛ ليرتفع الاختلاف ، ولئلّا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل. والعاقل لا يبني فكره إلّا على استحكام هذا النظام بهذا الاستحكام فيميّز الفكر السخيف ، كما عليه مدار مشايخ القدريّة عن مستقيمه ، كما هو ملكة العاقل عن اللّه تعالى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «شيء» في الموضعين : مصدر باب عَلِمَ بمعنى المشيئة ، ويستعمل في المعنى المتعارف ؛ لأنّ كلّ شيء إنّما هو بمشيئة اللّه سبحانه كما سيجيء في كتاب التوحيد في الباب الخامس والعشرين، باب أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بسبعة. والمراد ب «التفكّر» هنا : التفكّر في عواقب الاُمور. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وَدَلِيلُ الْعَقْلِ التَّفَكُّرُ» ؛ فإنّ العقل يصل إلى مطلوبه بالتفكّر. «وَدَلِيلُ التَّفَكُّرِ الصَّمْتُ» ؛ فإنّ التفكّر يتمّ به (34) ، انتهى. و«الصمت» بالفتح : مصدر صمت كنصر. و«المَطِيّة» كالعطيّة: الناقة القويّة التي يركب ويحمل مَطاها _ بالفتح والقصر _ أي ظهرها. (وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ) أي التذلّل والانقياد لقول المعصوم العاقل عن اللّه . (أَنْ تَرْكَبَ) على المعلوم : من باب عَلِمَ. وارتكاب المنهيّ عنه ينشأ من نقصان العقل. قال برهان الفضلاء: ما نهيت عنه من تبعيّة الظنّ والاجتهاد بالرأي. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ» يعني التذلّل والانقياد للأوامر والنواهي ، فمَن ركب المنهيّ عنه ولم يتواضع للأوامر والنواهي بقي عقله بلا مطيّة ، فيصير إلى الجهل (35) . انتهى . أي بقدر نقص عقله. (فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً) أي لقبول دعوة المعصوم مطيعا منقادا. (وأَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً) يعني دينيّة. (وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّه ِ) : بحجّيّة الإمام ، وحقّيّة الشرائع والأحكام. قال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: لمّا كان غاية البعثة والإرسال حصول معرفة اللّه ، فمَن كان أحسن معرفةً كان أحسن استجابةً ، ومَن كان أحسن عقلاً كان أعلم بأمر اللّه وأعمل به ، فالأكمل عقلاً أرفع درجةً؛ حيث يتعلّق رفع الدرجة؛ بكمال ما هو الغاية (36) . انتهى. أي رفع الدرجات (37) في الدنيا بكثرة العزّة ، وفي الآخرة في الموقف والجنّة. (إِنَّ لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ) دلالةٌ على أنّ المعرفة الدينيّة لا تطلب إلّا ممّن له المعرفة الفطريّة التي حاصلةٌ بشواهد الربوبيّة لكلّ بالغ عاقل بالعقل الذي مناط التكليف. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «إنّ للّه على الناس حجّتين» ، يعني يحتجّ اللّه على عبده يوم القيامة بين الخلق [فيقول (38) ] : أما بيّنت لك الطريقة المرضيّة عندي والغير المرضيّة عندي على لسان النبيّ عليه السلام . وكذلك يحتجّ عليه في قلبه بأنّه : أما خلقت في قلبك الطريقة المرضيّة والطريقة الغير المرضيّة بوسيلة بيان النبيّ عليه السلام (39) . انتهى. لا يخفى غناء أحد الاحتجاجين على بيانه عن الآخر. (لَا يَشْغَلُ الْحَلالُ شُكْرَهُ) ، على المضارع المعلوم ، من باب منع أو الإفعال. و«الشّغل» بفتح الشين ويضمّ : المنع . و«شكره»: مفعول به. قال برهان الفضلاء: أي لا يكسب الحلال إلّا بقدرٍ لا يمنع فعل ما وجب عليه ، كما قال اللّه تعالى في سورة النور: «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْما تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ» (40) . (بِطُولِ أَمَلِهِ) ؛ فإنّ طول الأمل للأهواء يُقسي القلب ، فيمنع من التفكّر كما ينبغي. و«الطّرائف» : جمع طريفة ، كشرائف وشريفة؛ أي غرائب حكمته. (كَيْفَ يَزْكُو عِنْدَ اللّه ِ عَمَلُكَ) أي كيف يطهر ، ويخلص ، وينمو. فمَن عقل عن اللّه بالعصمة ، أو بالعاقل عن اللّه اعتزل أهل الدنيا _ وهم الجهلاء _ إلّا تقيّةً، والدنيا دنياءان حرام شؤم ، وحلال مبارك . و«لا رهبانيّة في الإسلام» (41) . (وَكَانَ اللّه ُ أُنْسَهُ) أي مؤنسه. (فِي الْوَحْشَةِ) أي إذا اتّفقت معاشرته الجهلاء. «الاُنس» بالضمّ : المصاحب ، ويكسر ويُحرّك. (وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ) أي العزلة عن الجهلاء. و(الْعَيْلَةِ) : بالفتح: الفاقة. (وَمُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ) على اسم الفاعل من الإفعال. وضبط برهان الفضلاء : ومَعَزَّه: بفتحتين مصدرا ميميّا ، بمعنى العزّة ، للتناظر. (نُصِبُ الْحَقُّ لِطَاعَةِ اللّه ِ) أي الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (وَلَا نَجَاةَ إِلَا بِالطَّاعَةِ) ، طاعة مفترض الطاعة. (وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ) أي طاعة اللّه المرضيّة إنّما هي باليقين، ولا يحصل اليقين في المختلف فيه إلّا بالتعلّم من العاقل عن اللّه الأعلم بما في نظام العالم، فردٌّ على مبتدعي (42) الرسوم المخترعة في الطاعة وما أكثر في طريقة الصوفيّة القدريّة. في بعض النسخ المعتبرة : «يعتقد» بالدال مكان «يعتقل» باللّام ، بمعنى يضبط. (ورَبَّانِيٍّ (43) ): نسبةً إلى الربّ ، بزيادة الألف والنون للمبالغة. قال برهان الفضلاء: المراد ب «العالم» الربّانيّ» : من كان بزهده عن الحرام راغبا في ثواب الربّ تعالى ، فلا يحكم بظنّه فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة ، سواء كان من العلماء أو من المتعلِّمين. في بعض النسخ: «وَمَعْرِفَةُ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ». وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «نصب الحقّ لطاعة اللّه »، يعني وضع اللّه الدين ، فأوجب بعض الأفعال كالإقرار القلبي واللّساني بالتوحيد وبالرّسالة ، وحرّم بعضها ، و استحبّ بعضها ، وكرّه بعضها ، وخيّر في بعضها ؛ ليتميّز المطيع من العاصي. وشرط في طاعته أن يكون بعد علمٍ ويقينٍ بكونها طاعةً، وقدّر أن لا يحصل اليقين بكونها طاعةً إلّا بِالتَّعَلُّمِ، يعني السماع من الرُّسل والأئمّة عليهم السلام ، وقدّر أن لا يحصل التعلّم إلّا بالنور المسمّى بالعقل. (44) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «نصب الحقّ لطاعة اللّه » ، أي اُقيم الحقّ بإرسال الرسل وإنزال الكتب ؛ ليُطاع اللّه في أوامره ونواهيه ، ولا نجاة إلّا بالطاعة، ولا يتحقّق إلّا بالعلم والمعرفة ، ولا يكفي عقول الناس للإحاطة بالعلوم والمعارف من غير تعلّم ، بل يحصل لهم المعرفة بالتعلّم، والتعلّم باستعمال العقل في تحصيل الاعتقاد، ثمّ التعلّم ينتهي لا محالة بعالم ربّانيّ يكون علمه من جانب اللّه سبحانه ، ومعرفة ذلك العلم والعالم به بالعقل ، فلا نجاة إلّا بعقل يحصل به المعرفة الناشئة عن اللّه إمّا بلا تعلّم ، أو بتعلّم من عالم ربّانيّ يُعرف بالعقل (45) . انتهى. غرضه من قوله: «ولا يكفي عقول الناس»: أنّ اليقين في المختلف فيه لا يحصل إلّا عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، فإنّ غرضه إقامة البرهان القاطع، قال اللّه تعالى في سورة المؤمنون: «وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللّه ِ إِلَها آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ» . (46) (قَلِيلُ الْعَمَلِ مِنَ الْعَالِمِ مَقْبُولٌ) ؛ لمكان اليقين. قال برهان الفضلاء: «من العالم» ، أي ممّن لا يحكم بظنّه. أقول: الأولى _ أي ممّن لا يحكم بظنّه من عند نفسه، وقد ثبتت الرخصة في زمن الغيبة؛ دفعا للحرج المنفيّ _ الحكمُ بالظنّ بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام للعالم الإمامي الممتاز العدل المحتاط ما أمكن التوقّف المستلزم للحرج. قال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «قليلٌ العمل من العالم»، أي صاحب اليقين بأنّ عمله طاعة اللّه . والمراد بالجاهل، صاحب الجهل المركّب ، وهو من زعم أنّ عمله طاعة اللّه وليس كذلك؛ لأنّه ما أخذه من العالم الربّانيّ الذي أمر اللّه بالأخذ عنه ؛ ولأنّه لم يحصل له جزم بكونه طاعة ؛ لأنّه قدّر اللّه تعالى أن لا يحصل جزم بالطاعات والمعاصي إلّا من جهة السماع عن العالم الربّاني (47) . انتهى. نعم، ما أشار رحمه اللهبقوله: «لأنّه قدّر اللّه » إلى حصر عدد الحجج المعصومين بتقدير اللّه وحكمته البالغة ؛ ردّا على مدّعي الكشف بالرياضة. (بِالدُّونِ من الدنيا) أي اليسير على قدر الكفاف من حلالها . و«ترك الدنيا من الفضل» أي فضول حلالها ؛ مخافة طول الوقوف للحساب. والمباح قد يترك لمصلحة ، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام (48) ، وقد لا يترك أيضا لذلك ، كما فعل الحسن بن عليّ عليهماالسلام (49) . (فطلب بالمشقّة أبقاها) كأنّه بيان لقوله عليه السلام : (وَلِذلِكَ (50) رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ) ؛ لاختيارهم الباقي على الفاني يقينا. قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف لاختار العاقل الخزف الباقي على الذهب الفاني» (51) . كيف والأمر على العكس من ذلك؟! (أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ) يعني أنّ الدنيا طالبة بحلالها المقدّر المتّقين وغيرهم، مطلوبة بحلالها للمتّقين وبمطلقها لغيرهم. (وَالْاخِرَةَ طَالِبَةٌ) بأجَلِها كلّ أحد، (وَمَطْلُوبَةٌ) لأهل الجنّة. أو المعنى أنّ الآخرة طالبة بخيرها المؤمنين ، ومطلوبة لهم. قال برهان الفضلاء: ولعلّ النكتة في ترك الواو في الاُولى وذكرها في الثانية ، أنّ في الاُولى تغاير بين المتعلّقين باعتبار أنّ الدنيا فارغة من طلب الراغبين فيها، فإنّ الرزق وصل إليهم بزيادة فمثل: «خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ» (52) في سورة الواقعة، وفي الثانية اتّحادهما مثل (53) : «هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» (54) في سورة البقرة. وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: ترك الواو في «أنّ الدنيا طالبة مطلوبة» إشارة إلى أنّ تعدّد الخبر فيه نظير قولهم: «حُلْوٌ حامض»، وذلك لأنّ الحلو والحامض شيء واحد وهو المزّ، فكذلك الدنيا حين كونها طالبة مطلوبة، فكأنّ الطالبيّة والمطلوبيّة للدُّنيا شيء واحد ؛ لأنّ حين كون الدنيا طالبة لمن طلب الآخرة مطلوبة من جهة استيفاء الرزق منها، بخلاف الآخرة؛ فإنّها حين كونها طالبة لمن طلب الدنيا ليست بمطلوبة؛ لأنّ الآخرة إذا طلب طالب الدنيا يأتيه الموت فيفسد عليه دنياه ودينه ، كما هو معلوم من صريح عبارة الحديث. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: لايبعد أن يقال : الإتيان بالعاطف في الآخرة بقوله: «الآخرة طالبة ومطلوبة» وتركه في قوله : «الدنيا طالبة مطلوبة» ؛ للتنبيه على أنّ الدنيا طالبة موصوفة بالمطلوبيّة ، فيكون الطالبيّة _ لكونها موصوفة _ بمنزلة الذات ، فدلّ على أنّ الدنيا من حقّها في ذاتها أن تكون طالبة ، وتكون المطلوبيّة (55) _ لكونها صفة لاحقة بالطالبيّة (56) _ من الطوارئ التي ليس من حقّ الدنيا في ذاتها أن تكون موصوفة بها، فلو أتى بالعاطف لفاتت تلك الدلالة، وأمّا الآخرة فلمّا كان الأمران _ أي الطالبيّة والمطلوبيّة كلاهما _ ممّا تستحقّها وتتّصف بها في ذاتها فأتى بالعاطف . وإن حمل قوله : «الدنيا طالبة مطلوبة» على تعدّد الخبر؛ ففي ترك العاطف دلالة على عدم ارتباط طالبيّتها بمطلوبيّتها، وأمّا في الآخرة فالأمران فيها مرتبطان لا يفارق أحدهما الآخر ؛ ولذا أتى بالواو الدالّة على التقارن في أصل الثبوت لها (57) . انتهى. في بعض النسخ بترك العاطف في الثانية أيضا . و(الغنى) بالكسر والقصر : ضدّ الفقر ، وإذا فتح مدّ. وأمّا الغناء (58) بالكسر والمدّ فمن الصوت . (فليتضرّع إلى اللّه في مسألته) ، تنبيه بالتحضيض على عظم نعمة العقل. قال الفاضل الاسترآبادي: «فليتضرّع إلى اللّه » صريح في أنّ المراد هنا من العقل الغريزة النورانيّة التي يخلقها اللّه في القلب ويترتّب عليها الأفعال الحسنة. انتهى. وكان (59) غرضه الردّ على الفلاسفة . (إنّ اللّه حكى عنه عن قوم صالحين) ، فسّروا بسلمان وأبي ذرّ والمقداد وأشباههم من اُولي الألباب، والآية في سورة آل عمران. و«الزيغ»: الميل والعدول عن الطريق. و«الرّدى» بالقصر : الهلاك. قال الفاضل الاسترآبادي: و«تعود إلى عماها» وذلك بأن لم يحفظه (60) اللّه تعالى ما خلق فيها من الغريزة النورانيّة المسمّاة بالعقل. (61) قال برهان الفضلاء: يحتمل أن يكون (62) العلم حاصلاً لقوم صالحين في حياة الرسول بتبليغه صلى الله عليه و آله ف «تزيغ» و«تعود» للاستقبال، وعلى هذا يحتمل «عُلِّموا» على المجهول من التفعيل . والمخالفون معترفون بهذا المضمون ويتغافلون. وقد روى البخاري بإسناده في صحيحه عن الرسول صلى الله عليه و آله في باب سورة المائدة أنّه قال بعد ذكر طائفة من أحوال القيامة: «ألّا أنّه يُجاء برجال من اُمّتي فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول : ياربّ اُصيحابي، فيُقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» (63) فيقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». (64) انتهى. المراد ب «العبد الصالح» هنا : عيسى بن مريم عليهما السلام . (إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه ) ؛ لعدم أخذه دينه على يقين ، ولا يحصل في المختلف فيه إلّا عن العاقل عن اللّه والعلم معه ؛ ولذا «إِنَّما يَخْشى اللّهَ مِنْ عِ_بادِهِ العُلَماءُ» (65) كما يفسّره الفقرة التالية . «عقد عليه» كضرب. قال برهان الفضلاء: «المعرفة الثابتة» هنا : عبارة عن معرفة المحكمات التي أمر فيها بسؤال أهل الذِّكر، ونهى عن الحكم بالظنّ والرأي والاجتهاد. فهذا الكلام من قبيل (66) قول اللّه تعالى في سورة النمل: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ» (67) ، وفي سورة آل عمران: «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ» (68) . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه »؛ معناه أنّ من لم يأخذ دينه عن اللّه ، يعني [عن (69) ]رسله والأئمّة عليهم السلام لم يخف اللّه حقّ خوفه . ومن أخذ دينه عن رسل اللّه والأئمّة عليهم السلام يخاف اللّه حقّ خوفه ؛ لأنّه يعلم أنّ معرفته مبنيّة على العقل الذي تفضّل (70) اللّه [به (71) ]عليه ، ويعلم أنّه بعض الكبائر يتسبّب بتركه تعالى حفظ ذلك العقل، وكذلك من لم يأخذ دينه عن الحجج _ صلوات اللّه عليهم _ قدّر اللّه أن لا يحصل له يقين بذلك 73 . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه »، لعلّ المراد أنّه من لم يكن صالحا لم يخف اللّه ؛ لأنّه من لم يكن صالحا لم يكن قوله مصدّقا لفعله ، وسرّه موافقا لعلانيته، ومن لم يكن كذلك لم يكن ذا معرفة ثابتة يجد حقيقتها في قلبه؛ لأنّ اللّه تبارك وتعالى جعل الظاهر دليلاً على الباطن، فالفعل ظاهر يدلّ على الاعتقاد الذي هو من الخفايا والسرائر ويكشف عنه، والقول ظاهر يعبّر عنه، فإن دلّ العقل على عدم تقرّر الاعتقاد وثبوته ولم يصدّقه القول، فالمعتبر دلالة الفعل، وأمّا دلالة الفعل على التقرّر والثبوت لحقيقة المعرفة مع مخالفة القول فغير متصوّر، فإنّ القول إذن فعل دالّ على عدم ثبوت حقيقة المعرفة وتقرّرها في قلبه، ومن لم يكن يجد حقيقة المعرفة في قلبه لم يكن ذا معرفة ناشئة عن جانب اللّه ، ومن لم يكن عاقلاً عن اللّه لم يخف اللّه (72) . انتهى. «من لم يكن صالحا»، أي كما اُمر. قال برهان الفضلاء: «لأنّ اللّه تبارك اسمه» . استدلال على «ولا يكون أحد كذلك»، والمراد أنّه لا يجوز لغير المتوسّمين (73) الحكم بالظنّ في نفس حكم اللّه ؛ لأنّ العلم بنفس حكم اللّه خارج عن وسع غير المتوسّمين ، لكن يجوز لغير المتوسّمين الحكم بالظنّ في ما هو محلّ حكم اللّه ، كتعيين القبلة وقِيَم المُتْلَفات. انتهى. نعم، لو لم يلزم الحرج المنفيّ في زمن الغيبة ، ولا يدفع على لزومه إلّا بتخصيص الرخصة الثابتة على ما عرفت آنفا . (ما عُبدَ اللّه بشيء أفضل من العقل) وخواصّه، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا عليّ، إذا تقرّب الناس إلى خالقهم بأنواع البرّ فتقرّب أنت إليه بالعقل». (74) قال برهان الفضلاء: سيوضّح هذا في شرح الأوّل في الباب الرابع والعشرين باب البداء في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «ما عُبد اللّه بشيءٍ أفضل من العقل»؛ فإنّ حقيقة العبادة التذلّل والخضوع ، وإنّما الكاملة البالغة نهايتها بالمعرفة (75) . انتهى. أي بالمعرفة التي فصّلت في هذه الهديّة مرارا. (وما تمّ عقل امرى ءٍ). إمّا من كلام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، أو أبي الحسن موسى عليه السلام . (لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ) ولا نهاية للعلم . وفيه إشارة إلى أنّ غذاء الروح وما ينمو به إنّما هو العلم. (الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اللّه ِ مِنَ الْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ) ؛ لعلمه بأنّ العزّة للّه جميعا. (76) (وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ) ؛ لأنّه أنسب للعبوديّة. فالمراد بالشرف ، ما هو لازمه غالبا من العجب والتكبّر ونحوهما. واحتمال أن يكون المعنى : والتواضع مع اللّه أحبّ إليه من الشرف مع غيره كما ترى، والشريف المتواضع أشرف من المتكبّر. (قَلِيلَ 79 الْمَعْرُوفِ) أي الإحسان من غيره. وقليل الحقّ عظيم. (وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ) ، ومطلق وضع المنّة محظور. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد بالكفر والشرّ كفران النعمة والإضرار بالخلق، وبالرشد والخير شكر النعمة والإحسان إلى الخلق. «لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ» تحريص على الحرص في طلب العلم الذي لابدَّ منه في الدِّين، فلا ينافي ما يجيء في أوّل باب المستأكل بعلمه المباهي به ، من أنّه لا يحسن الحرص في طلب العلم، فإنّ المراد هناك العلم الذي لا يحتاج إليه في الدِّين وطلبه مانع من طلب ما لابدّ من تحصيله. «وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ» ، أي إظهار الاستكانة أحبّ إليه من إظهار المجد والشرافة. انتهى. فلأن يستأكل الضعفاء ، أي يأخذ أموالهم. (وَيَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْرا مِنْهُ ، وَأَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ) . لعلّ المعنى: ويرى جميع معاصريه الذين لا قطع له شرعا بكفرهم الذي لا نجاة يمكن النجاة بعده (خيرا منه) ؛ لإمكان صدور أمر من الاُمور الباعثة للنجاة عنهم، ولا علم له بعاقبة أمر نفسه . (وأنّه شرّهم في نفسه)؛ لاطّلاعه على دقائق عيوب نفسه دون خفيّات عيوب غيره، فبذلك لا يغفل غالبا عن عيوبه ، فيسعى في تزكية نفسه عنها. (وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ) إن شاء اللّه تعالى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني ويكون سلوكه مع الناس بحيث يكون ظنّه أنّ كلّهم خيرٌ منه ، وأنّه شرّهم في باطن أمره؛ إذ لا علم لأحد بعاقبة أحد سوى اللّه عزّ وجلّ ، فربّما كافر يؤمن بالتوفيق وبالعكس بالخذلان ، كما مرّ في بيان قوله: «يا هشام، إنّ اللّه حكى» إلى آخره. «وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ» يعني وهذه الصفة عمدة الصفات الحسنة، أو المعنى أنّها آخرها. وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي: «يرى الناس كلّهم خيرا منه» ؛ لحسن ظنّه بعباد اللّه وحمله ما صدر منهم على محمل صحيح بسلامة صدوره، ولِما رأى من محاسن ظواهرهم دون ما خفي من بواطنهم. (77) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ويرى الناس كلّهم خيرا منه» ، وذلك بأن يقال : يحسن ظنّه بهم ويتّهم نفسه، فكلّ ما في غيره _ ممّا يحتمل وجها حسنا _ يحمله عليه ، وكلّ ما فيه _ ممّا يحتمل وجها قبيحا _ يجوّزه في نفسه ، فيظنّ بغيره خيرا ، ولا يظنّ بنفسه خيرا، فيظنّ بكلّ منهم أنّه خيرٌ منه ، ويكون هو عند نفسه شرّا منهم (78) . انتهى. أقول: خطر ببالي ثانيا أنّ هاتين الفقرتين بيان لحقيقة الاعتراف بالتقصير كنايةً ؛ فإنّ حقيقته أن يعترف العبد بتقصيرٍ لا يمكن أن يكون فوقه تقصير ، وبِذُلٍّ لا يتصوّر بعده ذُلٌّ، وجميع العالم كأنّه عبدٌ ذليل واحد ، فيستقيم اختصاص كلّ أحد بهذا الاتّصاف، فإنّ اللّه تبارك وتعالى متفرّد بعزّ الخالقيّة ، وجميع ما سواه بذلّ المخلوقيّة، وهو تمام الإقرار بالعبوديّة ، والإيمان باللّه ، واليوم الآخر. (إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ) ؛ لأنّ علوّ الهمّة الذي لازم للعقل لا يرضى بخسّة الكذب إلّا تقيّةً. وقال السيّد الأجلّ النائيني: حذرا من فضيحته عند الظهور. (79) وقيل: لأنّ الكذب من جنود الجهل. (لَا دِينَ لِمَنْ لا مُرُوءَةَ لَهُ) يقرأ بالتشديد و«المروءة» على وزن العطوفة . وللتلازم وجوه شتّى ، منها الثبات في المجاهدة الباطنيّة والظاهريّة . و«المروّة»: خصال كريمة ، وأخلاق حسنة. قال برهان الفضلاء: يعني ثواب الآخرة لمن لا إنسانيّة له ، ولا إنسانيّة لمن لا عقل له. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ»، فإنّ من لا عقل له لا يكون عارفا بما يليق به [ويحسن ، وما لايليق به (80) ] ولا يحسن ، فقد يترك اللّايق ويجيء بما لا يليق، ومن يكون كذلك لا يكون ذا دين (81) . انتهى. أي لا يكون عارفا عن العارف عن اللّه سبحانه بكذا وكذا. (لَا يَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَرا) أي لا يفتخر بالدنيا وشأنه من مجدها وشرفها. وقال برهان الفضلاء: «خطرا» ، أي سَبَقا ، بمعنى أنّه لا يراها أنّ سعيه فيها لها. و«السبق» بالتحريك : الخطر الذي يوضع بين أهل السّباق، والسُبقة بالضمّ بمعناه. وقال السيّد الأجلّ النائيني: وذلك لأنّه لا يخطر (82) إلّا بمعرفة كاملة بأحواله وأحوالها ، وتلك المعرفة لا تكون إلّا مع كمال العقل ، ومن كمل عقله كان من أعظم الناس قدرا (83) . انتهى. خطر فلان فلانا جعله ذا خَطَرٍ ومنزلة. (84) (أَلا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ) أي الممتازة في صنائعه تعالى عن أبدان سائر الحيوانات. في بعض النسخ : «أما» مكان «ألا» . أو تعبير عن الطاعة بالبدن ؛ لأنّه خُلِق للطاعة وتحصيل الثواب ، فبمنزلة البضاعة للتاجر. أو المعنى أنّ ثمن الأبدان الجنّة بالخلود فيها وثمن الأرواح لذّاتها بشكره تعالى بعد القطع بالنجاة من الخلود في النار. وآخر دعواهم فيها أن الحمد للّه ربّ العالمين. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: عبّر عن استعمال الأبدان في الاكتسابات ببيعها بالمكتسبات، فالمكتسب ثمن لها فقال عليه السلام : «لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ» ، أي ما يليق بأن يكون ثمنا. «إِلَا الْجَنَّةُ ، فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا» من الدنيا ومهويّات الأنفس (85) . انتهى. «هواه» : أحبّه. (إِنَّ مِنْ عَلَامَةِ الْعَاقِلِ) أي الإمام العاقل عن اللّه : (يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ) أي يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الناس ولا يكون عاجزا عن جواب كلّ ما يسئل عنه حتّى معمّيات السنن وملبّسات الفتن. (فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ شَيْءٌ ؛ فَهُوَ أَحْمَقُ) تعريض وتوبيخ لفلان وفلان وفلان وسائر طواغيت المبتدعين في الدِّين ، فضلاً عن تبعتهم الضالّين لعنهم اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «من» في أوّل الكلام للتبعيض، فبناءً على أنّه كما أنّ المجموع علامةٌ بعضها أيضا علامة، ونصّ النبيّ صلى الله عليه و آله بوصيّه أيضا علامة. والمراد هنا اللّازم الخاصّ بقرينة الفاء التفريعيّة في «فمن». والمراد ب «العاقل» هنا المحقّ من مدّعي الإمامة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فعبارة عن نفسه عليه السلام ، والخصال الثلاث متلازمة، فالكلام بيان لثلاثة براهين على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام . «يجيب»، رفع واستئناف بياني لسابقه ، أو بتقدير «أن يجيب» وبدل تفصيل للثلاث، فيحتمل الرفع والنصب. (وَيَنْطِقُ إِذَا عَجَزَ الْقَوْمُ) إشاره إلى أمثال ما يجيء في كتاب الحجّة في الرابع والسابع من باب الرابع والعشرين والمائة من سؤال حبر من اليهود عن الثاني ، وعجزه وإرساله إيّاه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ويشير إشارة إلى تدبيراته عليه السلام في القضايا ، وهي مشهورة بين المؤالف والمخالف. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «يجيب إذا سُئل» أي يكون قادرا على الجواب عمّا يُسئل ، والنطق عند عجز القوم عن الكلام، وَمُشِيرا بِالرَّأْيِ الَّذِي فيه صلاح القوم ، وعارفا بصلاحهم ، وآمرا به، فمن لم يكن فيه شيء من هذه الثلاث فهو أحمق، أي عديم الفهم ناقص التمييز بين الحسن والقبيح. ولعلّ «يجيب» ناظر إلى الفتاوى في النقليّات والشرعيّات . و«ينطق» إلى تحقيق المعارف والعقليّات . و«يشير» إلى معرفة التدابير والسياسات في العمليّات ، فمن جمع فيه الخصال الثلاث دلَّ على كمال عقله النظري والعملي، ومن لم يكن فيه شيء منها فهو ناقص العقل بقوّتيه (86) . انتهى. أي الحكمة النظريّة والعمليّة. (لَا يَجْلِسُ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ) أي مسند الإمامة. قال برهان الفضلاء: غرضه عليه السلام من هذا الكلام بيان أنّ غرض أمير المؤمنين عليه السلام من العاقل في كلام السابق إنّما هو الإمام الحقّ ؛ دفعا لتوهّم العاقل بالمعنى الأعمّ. وقال السيّد النائيني رحمه الله: «لا يجلس في صدر المجلس إلّا رجل» كذا؛ لأنّ صدر المجلس مكان مَن يراجع الناس إليه لحوائجهم ، فيستحقّ أن يعظّموه ويوقّروه. واُصول الحاجات هذه الثلاثة؛ فمن لم يكن فيه شيء منها يوضع (87) نفسه هذا الموضع فهو أحمق فاعل فعل الحمقى (88) . انتهى. القاموس : هو أحمق : قليل العقل ، وقوم ونسوة حُماق وحُمُق بضمّتين ، وكسكرى وسكارى ، ويضمّ (89) . (إذا طلبتم الحوائج) أي دينيّتها ودنياويّتها . (الّذين قصَّ اللّه في كتابه) في سورتين : سورة الرعد ، وسورة الزمر. (90) قال برهان الفضلاء: يعني حوائجكم من تعلّم العلم ونحوه. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «الحوائج» أي اُصولها التي هي الدينيّة وفروعها التي هي الدنياويّة، واختصاص طلب الحوائج الدينيّة باُولي العقول ظاهر. وأمّا الحوائج الدنيويّة ؛ فللذلّ الذي في رفع الحاجة إلى الناقص في الدِّين ، ولعدم الأمن من حُمقه ، فربّما يمنعه أو يأتي بما ضرّه أكثر من نفعه. (91) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: يعني حوائجكم لصلاح دينكم ودنياكم. (مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ) تصريح بتخصيص الاعتزال الشرعيّ بالانقطاع عن الجهّال، ولا خير فيهم وإن كانوا فضلاء؛ يعني مهراء في الشيطنة والنَكراء . (وآداب العلماء) أي التأدّب بآدابهم ، أو رعاية الآداب في طاعتهم المفترضة بالنصّ . (تمام العزّ) أي الغلبة على أعداء الدِّين ، وأشدّهم الشياطين. (وَاسْتِثْمَارُ الْمَالِ) أي استزادته بالإنفاق الممدوح أو بالكسب الحلال. وفي الحديث: «نِعْمَ العون على الآخرة الدنيا» (92) . قال برهان الفضلاء: «وآداب العلماء» أي ملاحظة سلوكهم في الناس . «واستثمار المال» أي التمتّع من البضاعة بالتجارة ونحوها للإنفاق (93) . وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه: «استثمار المال» أي استنماؤه ، وكأنّه كناية عن إخراج الصدقة. (94) وقال السيّد الأجلّ النائيني: «واستثمار المال تَمَامُ الْمُرُوءَةِ» وذلك لأنّه يتمكّن به من أن يأتي بما يليق به من الإنسانيّة. (95) لا يخفى لطف كلامه رحمه الله. (قَضَاءٌ لِحَقِّ النِّعْمَةِ) أي نعمة العقل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني نعمة الفهم ، أو نعمة المستشير ، وهي عدّة المستشار قابلاً لذلك. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله في «إرشاد المستشير» شكر لنعمة العقل . ومعرفة الرشاد والشكر من الحقوق اللازمة. (96) في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وفيه راحة للبدن» باللام مكان الألف واللام . قيل : أمّا عاجلاً فلأنّ مكافاة الايداء بجارحة من الأعضاء كاليد قد يصل إليها في الدنيا قبل البرزخ والعقبي. وأمّا آجلاً ؛ فللخلاص من العذاب. وقال برهان الفضلاء: أمّا في الدنيا ؛ فلقلّة أعدائه. وأمّا في الآخرة ؛ فللخلاص من العذاب. و«التعنيف» : التقريع والتوبيخ. (وَلَا يتقدّمُ عَلى مَا يَخَافُ فَوْتَهُ) أي لا يسعى في طلب الفاني. وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «ولا يقدِم» من الإقدام، قال: يعني ولا يتوجّه. وقال السيّد السند أمير حسن القائيني رحمه الله: يعني لا يفعل فعلاً قبل أوانه بادرا إليه خوفا من أن يفوته في وقته بسبب عجزه عنه، بل يفوّض أمره إلى اللّه تبارك وتعالى. ولهذا الحديث ذيل في غير الكافي يُذكر في الخاتمة إن شاء اللّه تعالى.

.


1- . أضفناه من المصدر.
2- . في المصدر : «والظاهر عندي ما ذكرناه أوّلاً» بدل «وهو الظاهر».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
4- . الزمر (39): 17.
5- . الحديد (57): 9.
6- . آل عمران (3): 7.
7- . الزمر (39): 23.
8- . الزمر (39): 55.
9- . في «الف»: ممّا.
10- . راجع: المائدة (5): 6 ؛ الحجّ (22): 78.
11- . في «الف»: «المناظر».
12- . في المصدر : «الحقيّة».
13- . في المصدر : «علي الاُمّة».
14- . في المصدر : «الحقيّة».
15- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 _ 87 .
16- . الروم (30): 30.
17- . الأمالي للطوسي ، ص 273 ، ح 518 ؛ وعنه في بحارالأنوار ، ج 22 ، ص 286 ، ح 54 .
18- . تفسير الثعالبي ، ج 1 ، ص 515 . وفيه : «والمعنى أنّها إذ كانت فانية لاطائل لها أشبهت اللعب واللهو الذي لاطائل له إذا تقضّى» .
19- . الأنبياء (21) : 16 _ 18 .
20- . الأنعام (6) : 25 ؛ محمّد (47) : 16 .
21- . في «الف»: «تربعة».
22- . كذا في المخطوطة ، وفي المصدر : «الطرق» .
23- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 87 .
24- . المؤمنون (23) : 56 .
25- . يونس (10) : 60 ؛ النمل (27) : 73 .
26- . التوبة (9) : 40 .
27- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52 .
28- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 95 (وضع) .
29- . الكافي ، ج 2 ، ص 122 ، باب التواضع ، ضمن الحديث 3 .
30- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52.
31- . الوافي ، ج 1 ، ص 97 ، نقلاً عن استاذه .
32- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52.
33- . في «الف»: «والعقل» بدل «أي العقل».
34- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52.
35- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 53.
36- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 53.
37- . في «ب» و «ج»: «الدرجة».
38- . أضفناه من المصدر.
39- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 87 .
40- . النور (24) : 37 .
41- . دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 193 ، ح 701 ؛ النهاية لابن الأثير، ج 2 ، ص 669 (رهب) .
42- . في «الف»: «مبتدأ».
43- . في «ج»: «الديّانيّ».
44- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 87 .
45- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 53 _ 54.
46- . المؤمنون (23) : 117 .
47- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 87 _ 88 .
48- . راجع: نهج البلاغة ، ص 416 ، الرسالة 45 .
49- . راجع: الوسائل ، ج 5 ، ص 21 ، الباب 8 من أبواب احكام الملابس ، ح 2 .
50- . كذا في «ب» و «ج» ، وفي الكافي المطبوع : «فلذلك» .
51- . شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 167 ؛ الوافي ، ج 1 ، ص 100 .
52- . الواقعة (56): 3.
53- . في «ج»: فمثل.
54- . البقرة (2): 185.
55- . في المصدر : «المطبوبة» .
56- . في المصدر : «الطالبة» .
57- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 54 _ 55 .
58- . في «الف»: - «الغناء».
59- . في «ب» و «ج»: «كأنّ» بدل «وكان».
60- . في المصدر : «لم يحفظ» .
61- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 .
62- . في «ب» و «ج»: + «هذا».
63- . المائدة (5): 117.
64- . صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 1691 ، ح 4349 .
65- . فاطر (35) : 28 .
66- . في «الف»: - «قبيل».
67- . النمل (27) : 14 .
68- . آل عمران (3) : 19 .
69- . أضفناه من المصدر .
70- . في «ب» و «ج»: يفضّل.
71- . أضفناه من المصدر .
72- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 55 _ 56.
73- . في «ب» و «ج»: + «بالعقل عن اللّه ».
74- . مشكاة الأنوار ، ص 251 ؛ كنزالعمّال ، ج 3 ، ص 384 ، ح 7061.
75- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 56 .
76- . اقتباس من الآية 39 ، النساء (4)؛ والآية 65 ، يونس (10) .
77- . شرح الاُصول الكافي، ص 63 .
78- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 56 .
79- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
80- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر .
81- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
82- . في المصدر : «لايحصل» مكان «لايخطر» .
83- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
84- . في «ب» و «ج»: «قدر».
85- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
86- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 _ 58 . حكاه ملخّصا .
87- . في المصدر : «فوضع» مكان «يوضع» .
88- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 58 .
89- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 223 (حمق) .
90- . الرعد (13) : 19 ؛ الزمر (39) : 9 .
91- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 58 .
92- . الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب معنى الزهد ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 29 ، باب استحباب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 2 .
93- . في «الف»: «للإنفاد».
94- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 .
95- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 59.
96- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 59.

ص: 217

. .

ص: 218

. .

ص: 219

. .

ص: 220

. .

ص: 221

. .

ص: 222

. .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

. .

ص: 226

. .

ص: 227

. .

ص: 228

. .

ص: 229

. .

ص: 230

. .

ص: 231

. .

ص: 232

. .

ص: 233

. .

ص: 234

. .

ص: 235

. .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عن عليّ بن محمّد، عن سهل (1) رفعه، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام :«العَقْلُ غِطَاءٌ سَتِيرٌ ، وَالْفَضْلُ جَمَالٌ ظَاهِرٌ ، فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِفَضْلِكَ ، وَقَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ ، تَسْلَمْ لَكَ الْمَوَدَّةُ ، وَتَظْهَرْ لَكَ الْمَحَبَّةُ».

هديّة :(غطاء ستير) أي حجيم لمناقص الأخلاقيّة. والمراد من «الغطاء»: ما يحفظ من العدوّ كالتُرس بقرينة «وقاتل». (والفضل) أي الفضيلة العلميّة . (خلل خلقك) بالضمّ . واحتمال الفتح ليس بشيء . والمراد ب «المودّة»: مودّتك لذي القربى ، وب «المحبّة»: محبّة الناس لك. وفي بعض النسخ : «الحجّة» مكان : «المحبّة»، فالمودّة : محبّة الناس لك ، والحجّة: حجّتك على غيرك. وفي نهج البلاغة: «الحلم غطاء ساتر ، والعقل حُسام باتر، فاستر خلل خلقك بحلمك ، وقاتل هواك بعقلك». (2) في بعض النسخ : «قاطع» مكان «باتر». والمآل واحد . و«الباتر»: المُهلك. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «ستير»، أي مستور مخفيّ. و«الفضل»، أي السخاء، وإعطاء المال أمر جميل بيّن . و«الخُلقُ» ، بمعنى الأخلاق ، و«المودّة»: محبّة الناس باطنا لك . و«المحبّة»: محبّتهم ظاهرا لك. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الغطاء» : ما يستتر به . و«الستير»: المستور . و«الفضل»: ما يعدّ من المحاسن والمحامد . و«الجمال» : حسن الخُلْق والخَلق والفعل (3) . والمراد أنّ العقل يستر مقابح المرء ؛ فإنّ حسنَ العقل يغلب كلّ قبيح ، لكنّه من المستورات التي يعسر الاطّلاع عليها. والفضلَ جمال ظاهر ، فينبغي أن يستر خلل الخُلق بالفضل ، وأن يستر مقابح ما يهوى بمدافعة العقل للهوى ، فلا يظهر ويبقى مستورا. «تسلم لك المودّة». يحتمل أن يكون المراد به أنّه إذا سترتَ خلل الخُلق بفضلك تسلم لك المودّة والإحسان إلى الناس ، وإذا سترت مقابح ما تهويه بمدافعة عقلك تظهر لك محبّتك لهم ، وعدم إرادة سوءٍ بهم. ويحتمل أن يكون المراد سلامة مودّة الناس له فلا يفعلون به إلّا إحسانا ، وظهور محبّتهم له فلا يبغضونه (4) .

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».
2- . نهج البلاغة ، ص 551 ، الحكمه 424 .
3- . أثبتناه من المصدر ، وفي «ب» و «ج» : «العقل» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 59 .

ص: 244

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عن العدّة: عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ سَمَاعَةَ، (1) قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوَالِيهِ ، فَجَرى ذِكْرُ الْعَقْلِ وَالْجَهْلِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«اعْرِفُوا الْعَقْلَ وَجُنْدَهُ، وَالْجَهْلَ وَجُنْدَهُ ، تَهْتَدُوا». قَالَ سَمَاعَةُ : فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَا نَعْرِفُ إِلَا مَا عَرَّفْتَنَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ تعالى _ خَلَقَ الْعَقْلَ _ وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ _ مِنْ نُورِهِ ، فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، فَقَالَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالى : خَلَقْتُكَ خَلْقا عَظِيما ، وَكَرَّمْتُكَ عَلى جَمِيعِ خَلْقِي». قَالَ : «ثُمَّ خَلَقَ الْجَهْلَ مِنَ الْبَحْرِ الْأُجَاجِ ظُلْمَانِيّا ، فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَلَمْ يُقْبِلْ ، فَقَالَ لَهُ : اسْتَكْبَرْتَ ، فَلَعَنَهُ . ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْدا، فَلَمَّا رَأَى الْجَهْلُ مَا أَكْرَمَ اللّه ُ بِهِ الْعَقْلَ وَمَا أَعْطَاهُ ، أَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ ، فَقَالَ الْجَهْلُ : يَا رَبِّ ، هذَا خَلْقٌ مِثْلِي خَلَقْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَقَوَّيْتَهُ ، وَأَنَا ضِدُّهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِهِ ، فَأَعْطِنِي مِنَ الْجُنْدِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَإِنْ عَصَيْتَ بَعْدَ ذلِكَ ، أَخْرَجْتُكَ وَجُنْدَكَ مِنْ رَحْمَتِي ، قَالَ : قَدْ رَضِيتُ ، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْدا . فَكَانَ مِمَّا أَعْطَى الْعَقْلَ مِنَ الْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الْجُنْدَ : الْخَيْرُ ، وَهُوَ وَزِيرُ الْعَقْلِ ، وَجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ ، وَهُوَ وَزِيرُ الْجَهْلِ . وَالْاءيمَانُ وَضِدَّهُ الْكُفْرَ ؛ وَالتَّصْدِيقُ وَضِدَّهُ الْجُحُودَ ؛ وَالرَّجَاءُ وَضِدَّهُ الْقُنُوطَ ؛ وَالْعَدْلُ وَضِدَّهُ الْجَوْرَ ؛ وَالرِّضَا وَضِدَّهُ السُّخْطَ ؛ وَالشُّكْرُ وَضِدَّهُ الْكُفْرَانَ ؛ وَالطَّمَعُ وَضِدَّهُ الْيَأْسَ ؛ وَالتَّوَكُّلُ وَضِدَّهُ الْحِرْصَ ؛ وَالرَّأْفَةُ وَضِدَّهَا الْقَسْوَةَ ؛ وَالرَّحْمَةُ وَضِدَّهَا الْغَضَبَ ؛ وَالْعِلْمُ وَضِدَّهُ الْجَهْلَ ؛ وَالْفَهْمُ وَضِدَّهُ الْحُمْقَ ؛ وَالْعِفَّةُ وَضِدَّهَا التَّهَتُّكَ ؛ وَالزُّهْدُ وَضِدَّهُ الرَّغْبَةَ ؛ وَالرِّفْقُ وَضِدَّهُ الْخُرْقَ ؛ وَالرَّهْبَةُ وَضِدَّهَا الْجُرْأَةَ ؛ وَالتَّوَاضُعُ وَضِدَّهُ الْكِبْرَ ؛ وَالتُّؤَدَةُ وَضِدَّهَا التَّسَرُّعَ ؛ وَالْحِلْمُ وَضِدَّهُ السَّفَهَ ؛ وَالصَّمْتُ وَضِدَّهُ الْهَذَرَ ؛ وَالِاسْتِسْلَامُ وَضِدَّهُ الِاسْتِكْبَارَ ؛ وَالتَّسْلِيمُ وَضِدَّهُ الشَّكَّ ؛ وَالصَّبْرُ وَضِدَّهُ الْجَزَعَ ؛ وَالصَّفْحُ وَضِدَّهُ الِانْتِقَامَ ؛ وَالْغِنى وَضِدَّهُ الْفَقْرَ ؛ وَالتَّذَكُّرُ وَضِدَّهُ السَّهْوَ ؛ وَالْحِفْظُ وَضِدَّهُ النِّسْيَانَ ؛ وَالتَّعَطُّفُ وَضِدَّهُ الْقَطِيعَةَ ؛ وَالْقُنُوعُ وَضِدَّهُ الْحِرْصَ ؛ وَالْمُوَاسَاةُ وَضِدَّهَا الْمَنْعَ ؛ وَالْمَوَدَّةُ وَضِدَّهَا الْعَدَاوَةَ ؛ وَالْوَفَاءُ وَضِدَّهُ الْغَدْرَ ؛ وَالطَّاعَةُ وَضِدَّهَا الْمَعْصِيَةَ ؛ وَالْخُضُوعُ وَضِدَّهُ التَّطَاوُلَ ؛ وَالسَّلَامَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَاءَ ؛ وَالْحُبُّ وَضِدَّهُ الْبُغْضَ ؛ وَالصِّدْقُ وَضِدَّهُ الْكَذِبَ ؛ وَالْحَقُّ وَضِدَّهُ الْبَاطِلَ ؛ وَالْأَمَانَةُ وَضِدَّهَا الْخِيَانَةَ ؛ وَالْاءِخْلَاصُ وَضِدَّهُ الشَّوْبَ ؛ وَالشَّهَامَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَادَةَ ؛ وَالْفَهْمُ وَضِدَّهُ الْغَبَاوَةَ ؛ وَالْمَعْرِفَةُ وَضِدَّهَا الْاءِنْكَارَ ؛ وَالْمُدَارَاةُ وَضِدَّهَا الْمُكَاشَفَةَ .وَسَلَامَةُ الْغَيْبِ وَضِدَّهَا الْمُمَاكَرَةَ ؛وَالْكِتْمَانُ وَضِدَّهُ الْاءِفْشَاءَ ؛ وَالصَّلَاةُ وَضِدَّهَا الْاءِضَاعَةَ ؛وَالصَّوْمُ وَضِدَّهُ الْاءِفْطَارَ ؛وَالْجِهَادُ وَضِدَّهُ النُّكُولَ ؛وَالْحَجُّ وَضِدَّهُ نَبْذَ الْمِيثَاقِ ؛ وَصَوْنُ الْحَدِيثِ وَضِدَّهُ النَّمِيمَةَ ؛وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَضِدَّهُ الْعُقُوقَ ؛ وَالْحَقِيقَةُ وَضِدَّهَا الرِّيَاءَ ؛وَالْمَعْرُوفُ وَضِدَّهُ الْمُنْكَرَ ؛وَالسَّتْرُ وَضِدَّهُ التَّبَرُّجَ ؛ وَالتَّقِيَّةُ وَضِدَّهَا الْاءِذَاعَةَ ؛وَالْاءِنْصَافُ وَضِدَّهُ الْحَمِيَّةَ ؛وَالتَّهْيِئَةُ وَضِدَّهَا الْبَغْيَ ؛وَالنَّظَافَةُ وَضِدَّهَا الْقَذَرَ ؛ وَالْحَيَاءُ وَضِدَّهُ الْجَلَعَ ؛وَالْقَصْدُ وَضِدَّهُ الْعُدْوَانَ ؛وَالرَّاحَةُ وَضِدَّهَا التَّعَبَ ؛ وَالسُّهُولَةُ وَضِدَّهَا الصُّعُوبَةَ ؛وَالْبَرَكَةُ وَضِدَّهَا الْمَحْقَ ؛ وَالْعَافِيَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَاءَ ؛وَالْقَوَامُ وَضِدَّهُ الْمُكَاثَرَةَ ؛وَالْحِكْمَةُ وَضِدَّهَا الْهَوى ؛وَالْوَقَارُ وَضِدَّهُ الْخِفَّةَ ؛ وَالسَّعَادَةُ وَضِدَّهَا الشَّقَاوَةَ ؛وَالتَّوْبَةُ وَضِدَّهَا الْاءِصْرَارَ ؛وَالِاسْتِغْفَارُ وَضِدَّهُ الِاغْتِرَارَ ؛ وَالْمُحَافَظَةُ وَضِدَّهَا التَّهَاوُنَ ؛وَالدُّعَاءُ وَضِدَّهُ الِاسْتِنْكَافَ ؛ وَالنَّشَاطُ وَضِدَّهُ الْكَسَلَ ؛وَالْفَرَحُ وَضِدَّهُ الْحَزَنَ ؛وَالْأُلْفَةُ وَضِدَّهَا الْفُرْقَةَ ؛وَالسَّخَاءُ وَضِدَّهُ الْبُخْلَ . فَلا تَجْتَمِعُ هذِهِ الْخِصَالُ كُلُّهَا مِنْ أَجْنَادِ الْعَقْلِ إِلَا فِي نَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ أَوْ مُؤْمِنٍ قَدِ امْتَحَنَ اللّه ُ قَلْبَهُ لِلْاءِيمَانِ ، وَأَمَّا سَائِرُ ذلِكَ مِنْ مَوَالِينَا فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ هذِهِ الْجُنُودِ حَتّى يَسْتَكْمِلَ وَيَنْقى مِنْ جُنُودِ الْجَهْلِ ، فَعِنْدَ ذلِكَ يَكُونُ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ ذلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْعَقْلِ وَجُنُودِهِ ، وَبِمُجَانَبَةِ الْجَهْلِ وَجُنُودِهِ ؛ وَفَّقَنَا اللّه ُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ» .

.


1- . السند في الكافي كذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن سماعة بن مهران».

ص: 245

. .

ص: 246

هديّة :«الموالي»: جمع المولى ، بمعنى المحبّ والناصر. (جعلت فداك). «الفداء» بالكسر ممدود ، وبالفتح مقصور . و«الروحاني» بالضمّ : نسبة إلى الروح ، بزيادة الألف والنون للمبالغة. قال الجوهري: وزعم أبو عبيدة : أنّ العرب تقول لكلّ شيء فيه روح : روحانيّ بالضمّ . ومكان رَوْحاني بالفتح، أي طيّب 1 . والظرف خبر ثان ، أو بيان ، أو صفة ، أو حال . و(يمين العرش) لعلّه كناية عن لطفه تعالى، وشماله عن سخطه وقهره. وقال بعض المعاصرين: العرش عبارة عن جميع الخلائق ، كما ورد في الحديث ، ويمينه أقوى جانبيه وأشرفهما، وهو عالم الروحانيّات، كما أنّ يساره أضعفهما وأدونهما، وهو عالم الجسمانيّات (1) . انتهى. فأمّا الحديث الذي أشار إليه هو أنّ الصادق عليه السلام سُئل عن العرش والكرسيّ، ما هما؟ فقال: «العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسيّ وعاؤه . وفي وجه آخر : العرش هو العِلْم الذي أطْلع اللّه عليه أنبياءه ورسله وحججه عليهم السلام ، والكرسيّ هو العلم الذي لم يُطْلِع عليه أحدا من أنبيائه ورسله وحججه عليهم السلام (2) ». ف «جملة الخلق» سواء قرئ بالجيم ، أو بغير المنقوطة : منها الجنّات بحورها وقصورها وأنهارها ، وهي روضات جسمانيّة نورانيّة. والإضافة في «من نوره» للتشريف والتكريم ، كما في «نَفَخْتُ فِ_يهِ مِنْ رُوحِي» (3) ، و«عيسى روح اللّه ». (4) أو كلمة «من» ابتدائيّة للسببيّة ؛ إشارةً إلى أنّه خالق من بحت (5) العدم من غير واسطة شيء آخر من مادّة وغيرها. وقال بعض المعاصرين : أي من نور ذاته الذي هو عين ذاته. (6) (فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فأقبل). قد علم بيانه ببيان الأوّل مفصّلاً. ولا منافاة بين الحديثين بحسب تقديم الأمر بالإقبال في الأوّل ، والعكس في الثاني ؛ لما سبق ذكره . بيانه : أنّ الأمر بالنظر إلى عظمة الخالق تعالى بقدر الطاقة، ثمّ بالنظر إلى عجز المخلوق يلزمهما الأمر ثالثا بما أمر به أوّلاً ، للمعرفة والإقرار بالعبوديّة. وكذا الأمر بإدبار الجهل؛ يعني بالنظر إلى مخلوقيّته وعجزه، ثمّ الأمر بملاحظة عظمة خالقه لا يكونان إلّا بعد الأمر أوّلاً بملاحظته ما أمر به ثالثا ، فلظهور الأمر اكتفى أبو جعفر عليه السلام في الحديث السابق ، وأبو عبداللّه عليه السلام في هذا الحديث ، وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في الحديث الذي نقلناه فيما سبق من كتاب الخصال بذكر حكاية الأمرين عن ثالثهما في الأوّل وأوّلهما في الثاني. وقال بعض المعاصرين: معنى الإدبار هنا بعينه هو معنى الإقبال في الحديث الأوّل ، والتعبير عنه بكلّ منهما صحيح ؛ فإنّ اللّه تعالى بكلّ شيءٍ محيط. فالإقبال إليه عين الإدبار عنه وبالعكس، فلا منافاة بين الحديثين في التقديم والتأخير (7) . انتهى. (ثمّ خلق الجهل) إلى مثل قوله سبحانه: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِ_يمِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّم_واتِ وَالأَرضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (8) . ونور الأنوار في سلسلة المخلوقات من بحت العدم نور نبيّنا صلى الله عليه و آله ، ورئيس الملحدين في مهالك الظلمات إبليس اللّعين ، وهو _ لعنه اللّه _ عند الصوفيّة _ لعنهم اللّه _ رئيس الموحّدين. وقال بعض المعاصرين: وهو _ أي الجهل _ جوهر نفساني ظلماني خلق بالعرض وبتبعيّة العقل من غير صنع فيه غير صنع العقل (9) . انتهى. «اُجاج (10) »: كغراب : مرّ مالح. «استكبرت» بفتح الهمزة على الاستفهام ، للتعيّير والتوبيخ . و«اللّعن» : الطرد والإبعاد من الرحمة. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد ب «العرش»: استيلاء حكومة ربوبيّته تعالى على جميع ما سوى اللّه . وسيجيء في باب العرش والكرسي من كتاب التوحيد أنّ العرش عبارة عن العلم الذي اُوحي إلى الرّسل عليهم السلام . والمراد ب «يمينه»: الماء العذب الذي خلق منه الجنّة ، وأهل الطاعة وما يناسبهما. والمراد ب «نور اللّه »: مادّة أهل الطاعة من جملة يمين العرش كما يجيء في الثامن عشر والعشرين في الباب العشرين. قال اللّه في سورة هود: «وَكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ» . (11) «فقال له»؛ أي للعقل «أدبر فأدبر»؛ أي اذهب ، واعلم أحكامنا بواسطة الوحي وغيرها بنفسك من غير حاجة إلى الوحي. «ثمّ قال له: أقبل»؛ أي إلينا ، واعلم أحكامنا بواسطة الوحي وغيرها من عندك، «فأقبل» وآمن بالغيب. والمراد ب «شمال العرش»: الماء الاُجاج الظلماني الذي منه مادّة النار ، وأهل المعصية وما يناسبهما. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وهو أوّل خلق من الروحانيّين» . «الروح» _ بالضمّ _ : ما دقّ ولطف عن إدراك الحواس من الجواهر ، فلا يدرك من جهة البصر من خارج ، فكلّ من هذا شأنه يكون من عالم الأمر ، ومقابله عالم الخَلْق . ويطلق الروح على النفس الإنسانيّة والمَلَك . وقد يُطلق على ما به الحياة ، فيشمل غير الإنسان من الحيوانات . والنسبة إليه «روحانيّ» بالضمّ . ويطلق على كلّ واحد باعتبار النسبة إلى الطبيعة ، كما يُقال لكلّ واحد من أنواع الحيوان مثلاً : «إنّه نوع حيواني» . ويجوز أن يكون إطلاق الروحاني على المَلَك باعتبار النسبة إلى الروح الإنساني، وهو الغالب إطلاقه عليه بشدّة المناسبة والارتباط. ويحتمل أن يكون باعتبار النسبة إلى الروح الذي هو مَلَك وجهه كوجه الإنسان ، فيطلق على كلّ مَلَك سواه ، للنسبة إليه وكونه من جنسه ، وعليه تغليبا ، كالذاتي على النوع. وبالجملة، فالعقل: «أوّل خلق من الروحانيّين» خلق اللّه «عن يمين العرش»؛ أي أشرف جانبيه وأقواهما وجودا «من نوره»؛ أي من نور منسوب إليه تعالى ؛ لشرفه ، أو من ذاته لا بواسطة شيء ، أو عن مادّة ، أو فيها . «ثمّ خلق الجهل من البحر الاُجاج ظلمانيّا»؛ أي من المادّة الظلمانيّة الكَدِرَة ، أو بواسطتها. والمراد بالجهل هنا مبداُ الشرور والمضارّ والمكايد والآفات والمناقص والمفاسد، كما أنّ العقل مبداُ الانكشاف واختيار الخير والنافع. فإن قيل : في الحديث الأوّل ذكر الأمر بالإقبال أوّلاً بعكس ما في الحديث. قلنا: لا منافاة لجواز تعدّد (12) الأمر بالإقبال أو الأمر بهما . 14 انتهى . في بيانه هذا أشياء يستدعي البيان، فغرضه من قوله: «أو من ذاته تعالى» الإشارة إلى أنّ اللّه تعالى خالق الأشياء من بحت العدم لا من شيء من مادّة قديمة وغير ذلك. ومن قوله: «أو من مادّة أو فيها» الإشارة إلى نفي مطلق الواسطة من المادّة والمحلّ والمكان وغير ذلك ممّا سوى اللّه . ومن قوله: «أو بواسطتهما» (13) الإشارة إلى أنّ المادّة الظلمانيّة واسطة مخلوقة من بحت العدم بدليل الإشارتين الأوّلتين. (ثمّ جعل للعقل خمسة وسبعين جندا). «الجند» : العسكر ، ويُطلق على الأعوان ، والأنصار ، وعلى كلّ واحد من كلّ منهما. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: إطلاق الجند على كلّ واحد باعتبار الأقسام والشّعب والتوابع ، فكلّ واحد _ لكثرة أقسامه وتوابعه _ كأنّه جند (14) . انتهى . غرضه أن يشير أيضا إلى حلّ الإشكال الوارد لعدم موافقة العنوان للتفصيل. والمفصَّل عددا : ثمانية وسبعون ، والزائد ظاهرا: الرّجاء وضدّه ، أو الطمع وضدّه ، أو العافية وضدّه ، أو السلامة وضدّه ، أوالفهم وضدّه في أحد الموضعين . ويمكن دفع الإشكال بعدم المنافاة بين تعيين العدد قبل التفصيل وتكرار البعض في التعداد؛ لمزيد الاهتمام بمعرفته وضبطه الاُمّة (15) بالطمع في رحمته تعالى ، وبشكر نعمة السلامة من بلائه ، ونعمة الفهم الذي به يمتاز المتوحّد المتمسّك بالمعصوم عن الملحد التابع لمثل ابن العربي الشّوم. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : هذا الكلام ليس على الحقيقة، والمراد أنّ أوصافا كثيرة خلقها اللّه ليكون بعضها (16) أعوانا للعقل ، والمقابل للمقابل. وقال الشيخ بهاء الملّة والدِّين رحمه اللّه : لعلّ الثلاثة الزائدة إحدى فقرتي الرجاء والطمع ، وإحدى فقرتي الفهم ، وإحدى فقرتي السلامة والعافية ، فجمع الناسخون بين البدلين غافلين عن البدليّة. (17) وقال الفاضل صدر الدين محمّد الشيرازي: لعلّ الثلاثة الزائدة: الطمع والعافية والفهم ؛ لاتّحاد الأوّلين مع الرجاء والسلامة المذكورين . وذكر الفهم مرّتين في مقابلة اثنين متقاربين. ولعلّ الوجه في ذلك أنّه لمّا كان كلّ منها غير صاحبته في دقيق النظر ذكرت على حِدة . ولمّا كان الفرق دقيقا خفيّا والمعنى قريبا لم يحسب من العدد . انتهى. وقال بعض المعاصرين (18) مثله. وقال الشارح المازندراني: ليس في العنوان ما يفيد الحصر إلّا مفهوم العدد ، وهو ليس بمعتبر كما بيّن في الاُصول، فالمراد الكثرة. (19) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: لعلّ العبادات الأربع: الصلاة ، والصيام، والحجّ ، والجهاد محسوبة بواحد. (أضمر له العداوة). ناظر إلى مثل قوله تعالى: «وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغْضاءُ أَبَدا حَتّى تُ_ؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ» (20) . ولا منافاة بين إضماره العداوة وظهورها إلى يوم القيامة من غير أن يظهرها ؛ لعدم قدرته على إمضائها ، و «لَيْسَ لَهُ سُلْطَ_نٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَ_نُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ» (21) . (هذا خلق مثلي) أي مخلوق مثلي ، وخالقنا واحد. (الخير وهو وزير العقل)؛ لملازمة سائر جنود العقل له كملازمة سائر جنود السلطان لوزيره. وقد روى أنس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «يخرج من النار من قال لا إله إلّا اللّه وكان في قلبه من الخير ما يزن مثقال ذرّة». (22) ولا خير في مبتدعي الرهبانيّة في الإسلام. وقد روى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا خير فيمن لا يحبّ جمع المال من الحلال فيكفّ به وجهه ، ويقضي به دينه ، ويصل به رحمه». (23) ولعلّ الفرق هنا بين الإيمان والتصديق ، بالتصديق بالقلب وبالقلب واللّسان ، أو بالإجمال والتفصيل . (والرّجاء) بالفتح يمدّ ويقصر . وقد يفرّق بينه وبين «الطمع». وكذا بين «القنوط» و«اليأس» بتخصيص الرجاء والقنوط باُمور الآخرة ، والطمع واليأس بأمور الدنيا ؛ لقوله تبارك وتعالى: «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِ_يعا» (24) وقوله جلَّ ذكره: «فَتَحَ_سَّ_سُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِ_يهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ» (25) . ويمكن الفرق بتخصيص «الرجاء» بما يعطى بالاستحقاق ، و«الطمع» بما يتفضّل بدونه. وقال برهان الفضلاء: و«الواو» في «والرجاء» بمعنى «مع» للتأكيد الاتّصالي المفهوم من «الفاء» في «فكان». فالرجاء منصوب . وهو أوّل الخمسة والسبعين . ونظائره منصوبة معطوفة عليه ، فإنّا نجعل الخمسة والسبعين خمس طوائف ، وكلّ جند كذلك ، المقدّمة ، والقلب، والميمنة ، والميسرة ، والساقة . وكلّ طائفة خمسة عشر. (والتوكّل وضدّه الحرص) في كثير من النسخ المعتبرة ضبط بالصّاد المهملة ، كما ضبطه برهان الفضلاء. وقال السيّد الباقر: ثالث المعلّمين الشهير بداماد رحمه اللّه : إنّه الحرض ، بالضاد المعجمة والتحريك ، وهو الهمّ بالشيء ، والحزن له . والوجد عليه . و«الحرص» بالمهملة تصحيف ، وهو ضدّ القناعة. وفي جعله ضدّ التوكّل يلزم أن يكون جند الجهل أقلّ من خمسة وسبعين. (26) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه اللّه : من يصحّف «الحرض» ضدّ «التوكّل» فيتوهّمه بالصّاد المهملة كما هو ضدّ القناعة، ولا يفرق بين «البلاء» ضدّ العافية و«البلاء» ضدّ السلامة ، فيتوهّهما بمعنى واحد، فيلزمه أن يكون جند الجهل ثلاثة وسبعين . والحقّ أنّ ضدّ «القناعة» : «الحرص» بالمهملة ، وضدّ «التوكّل» : «الحرض» بالمعجمة والتحريك ، أي الهمّ بالشيء ، والحزن له ، والوجد عليه ، وتفرّق البال في التوصّل إليه. رجل حرض : فاسد مريض ، والذي أذابه العشق في معنى محرض، أحرضه الحبّ : أفسده . و«البلاء»: ضدّ العافية ، بمعنى البلوى والبليّة ، وضدّ السلامة «البلاء» بمعنى الاختبار والامتحان . انتهى. وهنا إشكال سيذكر بجوابه إن شاء اللّه تعالى . ولعلّ المراد ب (الجهل) الذي هو من جنود الجهل ، ضدّ العلم الذي هو من جنود العقل. والفرق بين (الرأفة) و(الرحمة) يمكن من وجوه ؛ نظرا إلى ذوي الأرحام، والتعميم ، والقلب وحده ، ومع غيره ، ورقّة القلب مع القدرة على الإحسان ، والقدرة على الانتقام ، والتعميم ، وعدم القدرة ، والتخصيص. وكذا الفرق بين (الحمق) و(الغباوة) يمكن بالإطلاق ، والتقييد ، والتعميم، والتخصيص. وقيل : الفرق بينهما كالفرق بين الجهل المركّب والبسيط . (27) و(العفّة): حفظ الشهوة من الحرام . و(الزّهد) : عدم الرغبة في الدنيا الحرام . وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الزّهد فقال: «هو الاجتناب عن الحرام لا الحلال . ولا رهبانيّة في الإسلام». (28) و(الرِّفق) بالكسر : التلطّف ولين الجانب . و(الخرق) بالضم وبضمّتين : الخشونة والثقل على القلوب . و(الرهبة) بالفتح : الخوف من سخط اللّه تعالى . و(الجرأة) _ كالجرعة والجماعة _ يعني على ارتكاب محارم اللّه . و(التؤدة) كلمزة : التأنّي في الاُمور. و(السّفه) : الخفّة والطيش. و(الصمت) بالفتح : السكوت عمّا لا طائل فيه. و(الهذر) بالفتح ويحرّك : الهذيان وما لا فائدة فيه من البيان. و(الاستسلام) : الطاعة والانقياد . و(التسليم) : تصديق جميع ما جاء به الحجّة المعصوم وإن كان لا يدرك عقول الرعيّة وجهه وكيفيّته ، كالمعراج ، والأحكام المخالفة للقياس. (والصفح): الإعراض عمّا لا يليق والعفو عنه . (والغنى) بالكسر والقصر : ضدّ الفقر ، فإذا فُتحت مدّدت ، وبالكسر والمدّ التغاني. وقال بعض المعاصرين: يعني الغناء بالحقّ ، أو غناء النفس ، أو التغاني. (29) «الفقر» في مقابلة «الغناء»، بمعنى التغاني بالتفاقر ؛ حيث قال: «وضدّه الفقر» يعني إلى الخلق ، أو فقر النفس ، أو التفاقر. (30) (والتذكّر وضدّه السهو). ونسخة «والتفكّر» مكان «والتذكّر»، كماترى. (والحفظ) ، يعني حفظ قول الحجّة المعصوم وما يطابق قوله عليه السلام ؛ فإنّه أعظم ألطاف أرحم الراحمين بالعباد ، العليم بما في الصدور إلى يوم التناد قبل أن يخلق الصدور والأفئدة ويصدر الأفكار المستقيمة والفاسدة. (والتعطّف) : الرحمة ، والميل ، والإشفاق . والفرق بين «المودّة» و«الحبّ» والضدّين : «العداوة» و«البغض» يمكن بالتخصيص، والتعميم ، والظهور ، والكمون وغير ذلك من الأنحاء. (والمؤاساة) : المداراة مع الإخوان في الدِّين بالمساهمة في المعاش. و(التطاول) : الترفّع والاستحقار. (والسلامة وضدّها البلاء) ، (والعافية وضدّها البلاء) فالفرق إمّا بأنّ السلامة في الدنيا ، والعافية في الدنيا والآخرة. وفي الصحيفة الكاملة: «عافية الدنيا والآخرة» (31) . أو بأنّ «السلامة» : الأمنيّة من آفات الدِّين ، و«العافية» من آفات الدنيا أيضا. ويمكن بوجوه اُخر أيضا. وقد أوردوا هنا إشكالاً : أنّه قد ورد في الحديث: «إنّ البلاء موكّل بالأنبياء ثمّ الأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل» (32) ، فكيف يكون من جنود الجهل ما هو يلازم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ؟ فاُجيب: بأنّ البلاء مع صحّة الإيمان هو السلامة؛ بمعنى الأمنيّة من الآفات الدينيّة ، وهي من جنود العقل. وكذا الفقر مع سلامة الدِّين غير الفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين (33) ، والفقر الذي كاد أن يكون كفرا (34) . ومن خصائص الإمام أنّه لا يكون فقيرا أبدا. وفقر الشاكر الراضي غنى، وفقر غيرهما من جنود الجهل ، فلا إشكال أيضا بما روي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «قال اللّه تعالى: يا موسى، إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل : ذنبٌ عُجّلت عقوبته». (35) يعني آلاته وأسبابه. والمراد أنّ الجهاد الأكبر أشدّه إنّما هو مع الغنى . وأين جهاد أكبر لسلامة الدِّين من الجهاد مع العدوّ المبين الغير المبين بالغناء والعافية من ربّ العالمين؟! (والإخلاص وضدّه الشّوب) . وللإخلاص _ سواء كان في الاعتقاد ، أو في الأعمال _ مراتب أعلاها شأن المعصومين عليهم السلام . قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: «ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا طمعا في جنّتك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك». (36) وقال أبو عبداللّه عليه السلام : «العبّاد ثلاثة؛ قومٌ عبدوا اللّه خوفا ، فتلك عبادة العبيد، وقومٌ عبدوا اللّه طلبا للثواب ، فتلك عبادة الاُجراء، وقومٌ عبدوا اللّه حبّا له ، فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة». (37) وقال الباقر عليه السلام : «مَن بلغه ثواب من اللّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه». (38) فقول القدريّة : القيد كفر ولو كان باللّه ، كفر مزخرف صدر من سنخ الإلحاد والزندقة ، كقولهم: إنّ إبليس رئيس الموحّدين، واللّعين رئيس الملحدين. (والشهامة) : ذكاء الفؤاد ، ولها معنى آخر وهو الشجاعة والجلادة. شَهُم الرجل _ كحسن _ شهامةً بالفتح فهو شَهْم بالفتح وإسكان الهاء ، أي جلد ذكيّ الفؤاد. والمراد ب (المعرفة) : معرفة الحجّة المعصوم المحصور عدده في علمه بتقديره تبارك وتعالى كأبراج السماء ، والعلم أعمّ . وقد يفرق بأنّها إدراك الجزئيّات ، والعلم إدراك الكلّيّات ، أو بأنّها إدراك البسائط ، وهو إدراك المركّبات ، أو هي التصوّر ، وهو التصديق. (39) وقال بعض المعاصرين: المراد هنا من المعرفة إدراك الشيء ثانيا ، وتصديقه بأنّ هذا ذاك الذي قد أدركه أوّلاً؛ لأنّ الإنكار لا يصلح أن يكون ضدّا إلّا لمثل هذا المعنى (40) . انتهى. (والمداراة وضدّها المكاشفة) قيل: أي المكاشفة بالعداوة حالة التقيّة . والأولى تفسير المداراة بستر عيوب الناس ، أو مطلق العيوب ، والكفّ عن الأذى بكشف حجاب الحياء؛ لمكان ذكر التقيّة خاصّة من الجنود . (وسلامة الغيب) هي التخلّي من المخالفة في الغيبة ، ولا تكون إلّا للسليم من النفاق في الحضور ، فلإخوانه في الدِّين أمنيّةٌ منه في غيبته أيضا. (والكتمان): ستر عيوب الإخوان ، وهو غير المداراة ؛ لما بيّن . ول «إضاعة الصلاة» مراتب بتركها ، أو بترك شيء منها ، أو سننها وآدابها ، أو عدم المحافظة على أوقاتها ، وبحضور القلب في تمامها أو بعضها ونحو ذلك ممّا يوجب نقصانها. ومن مزخرفات القدريّة أنّ معنى قوله صلى الله عليه و آله : «صلاة الجماعة خيرٌ من صلاة ألفذّ بخمسة وعشرين درجة» (41) : أنّها لجمعيّة الخاطر ، وموافقة الباطن الظاهر خيرٌ منها بالظاهر وحده . وهو وهم مموّه ؛ إذ لا درجة للصلاة بالظاهر وحده أصلاً ، ثبّت العرش ثمّ انقش . ول «الإفطار» أيضا مراتب بالأكل _ مثلاً _ والكذب ، والغيبة ، والخناء ، والجدال وغير ذلك ممّا يضيّعه أو ينقصه . وكذا ل «الجهاد» أصغره وأكبره ، وأعلى مراتب كِبَره مجادلة النفس في هواها ما يخالف الشرع في الأقوال والأعمال ، سيّما مع الغنى والعافية والمعاشرة مع الناس. ولذلك أيضا مراتب لمكان المعصوم ، والعادل ، والأعدل . والأشياء تُعرف بأضدادها. و(نبذ الميثاق) هنا : ترك الوفاء بعهد اللّه على عباده في الميثاق أن يحجّوا مع الاستطاعة ، ويتذكّروا الميثاق الذي أودعه اللّه في الحجر الأسود من إقرارهم بربوبيّته تعالى ، ونبوّة محمّد صلى الله عليه و آله وولاية أمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات اللّه عليهم، ليشهد يوم العرض الأكبر لكلّ مَن وافاه بالمعرفة الدينيّة كما جاءت به روايات. وسيذكر في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى. و(النميمة) خاصّة بالقول ، فأخصّ من (الإفشاء)، كصون الحديث من الكتمان. ويظهر بالفرق بين (الشّوب) و(الرياء) من وجوه الفرق بين (الإخلاص) و(الحقيقة) . (والستر) بالفتح : تغطية ما يستهجن كشفه شرعا أو عرفا. و(التبرّج) : التظاهر بذلك. و(الإنصاف) : إظهار النصف ولو عليه . و«حميت» عن كذا كرمى حميّة _ كعطيّة ، ومحميّة كمنزلة _ : إذا أنفت منه، وداخلك عار وأنفة أن تفعله، أو تقربه، يُقال : فلان أحمى أنفا وأمنع ذمارا من فلان. والذِّمار بالذّال المعجمة _ ككتاب _ : ما يلزمك حفظه وحمايته. (والتهيئة) بالهمز _ كالتفدية ، ويشدّد كالتقيّة _ : الإصلاح . (وضدّها البغي) أي الإفساد وطلب الشرّ. و(الخلع) كالنزع لمنع النزع إلّا أنّ في الخلع مهلة . ومنه : فلان خليع العذار، أي (42) اللّجام : غير المبالي بارتكاب القبايح . (والقصد) عدم التجاوز من الوسط بالإفراط أو التفريط. (والراحة): الفراغ عن التعب بالجدّ ، وتشويش الخاطر في هوى النفس للاُمور الممنوعة. (والقوام) بالفتح : التوسط في الإنفاق من غير إسراف وإمساك، قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَ_قُوا لَمْ يُ_سْرِفُوا وَلَمْ يَ_قْتُ_رُوا وَكانَ بَيْنَ ذ لِكَ قَواما» (43) . و«القوام» بالكسر : نظام الشيء وعماده. (والحكمة) : العلم بأنّ الحقّ من العلوم ما هو من المعصوم . و(الهوى) : غرور النفس برأيها في تحصيل العلوم. و(التهاون) : الاستحقار ، والاستخفاف بترك المحافظة على أوقات فعل الخيرات. (والنشاط) بالفتح : السرور بالإقبال إلى الطاعة كما أمر مفترض الطاعة. (والاُلفة) : الموانسة مع الخلق على ما اُمروا به للجهاد الأكبر ، وضدّها الوحشة عنهم كما يفعل الصوفيّ القدريّ في أوائل السلوك ، ثمّ يألف الناس لإضلالهم بالمقالات المفسدة والعبادات المهلكة . (أو مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للإيمان). ضروب الامتحان للإيمان أكثر من أن يحصى بالبيان، لكن أعظمها في هذه الاُمّة الابتلاء بطريقة القدريّة الناشئة من لطايف أفكار الشيطان في أواخر عمره الطويل للإماميّة من البضع والسبعين ، وأعظم مراتب ذلك ، الأعظم مطالعة كتب الفلاسفة والقدريّة ، ثمّ المصاحبة معهم والمجالسة إليهم ، ثمّ الإصغاء إلى مكالمتهم المحفوفة بالأحاديث ، وآيات القرآن ، والحكمة ، والموعظة ، والتغاني ، والأشعار الحسنة ، والأمثال اللّطيفة وغير ذلك من أسباب الامتحانات العظيمة، عصمنا اللّه من خدع الشيطان الرجيم ، وحسبنا اللّه ونِعمَ الوكيل. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الخير وهو وزير العقل» . في المصادر : (خير ، از كسى بهتر بودن وبهترين بر گزيدن)، ولعلّه المراد دون غيره ، كالمعنى التفصيلي، والشرّ مقابله. «والإيمان» : هو الاعتقاد الجازم الثابت بالمبدأ ، وما يتبعه وينسب إليه من المعارف الضروريّة ، اعتقادا لا يجامع الردّ والإنكار، بل ترك الاعتراف والإقرار اختيارا ومقابله الكفر. والمراد ب «التصديق» أن يصدّق بما يظهر حقيقته عليه من غير تلك المعارف ، أو أن يصدّق مدّعي الحقّ إذا عرفه ، ومقابله الجحود. و«الرّجاء» بالقصر وقد يُمدّ. والمراد بها توقّع حصول ما يحصل بالاستحقاق، كالدّرجات الاُخرويّة ، ويفارقه الطمع بأنّه فيما ليس حصوله بالاستحقاق كالنعمة الدنيويّة . و«القنوط» المقابل للرجاء : الحكم بعدم حصول ما حصوله بالاستحقاق له ؛ للجزم بعدم الاستحقاق فلا يسعى له. و«اليأس» المقابل للطمع المعدود من جنود العقل : القطع بعدم حصول التوسعة الدنيويّة ، فيترك طلبها عند الحاجة. «والتوكّل» هو الاعتماد على اللّه فيُجمل في الطلب ، ويكون الوثوق باللّه والاعتماد عليه لا على طلبه . ومقابله الحرص . و«الرأفة» هي العطوفة الناشئة عن الرقّة ، ومقابلها القسوة والغلظة. «والرحمة»: هي الميل النفساني الموجب للعفو والتجاوز ، ومقابله الغضب. «والعلم» يشمل التصوّر والتصديق، ومقابله الجهل ، بسيطه ومركّبه. «والفهم» : إدراك الاُمور الجزئيّة. ولعلّ المراد به هنا المتعلّقة بالحكمة العمليّة، ومقابله الحمق. «والعفّة» : الامتناع عن مقتضى القوّة الشهويّة من الملاذّ الحيوانيّة المتعلّقة بالبطن والفرج ، فلا يأتي بها إلّا بقدر الحاجة للمنفعة آثرا أحسن وجوهه . ومقابله التهتّك. «والزهد»: الاكتفاء بالزهيد ، أي القليل من الدنيا ، وهو أقلّ ما يصلح للقناعة رغبةً عنها . ومقابله الرغبة وشدّة الميل إليها. «والرّفق» هو حسن الصنيعة والملاءمة . ومقابله الخرق . والأخرق : من لا يُحسن الصنيعة. «والحُلم» : الأناة وإمساك النفس عن هيجان الغضب . ومقابله السفه؛ يعني التسرّع إلى الإفساد الذي من آثار خفّة العقل. «والصمت»: وهو هنا السكوت عمّا لا يحتاج إليه . ومقابله الهذر. «والاستسلام»: هو الانقياد، ويشتمل على شيئين : الخضوع ، والتصديق. فبالاعتبار الأوّل عبّر عنه بالاستسلام وجعل مقابله الاستكبار ، وبالاعتبار الثاني عبّر عنه بالتسليم وجعل مقابله الشكّ. «والغنى» كإلى ، وإذا فُتح مُدّ . وينبغي أن يحمل على غناء النفس ؛ فإنّه من أحوالها وآثارها ومن توابع العقل. وأمّا الغنى بالمال فليس بصنعه، فكم من عاقل لبيب مهذّب اللّبّ (44) عنه الرزق منحرف ، بل العقل ممّا يضيّق المداخل ، والجهل يوسعها . ومقابله الفقر. «والتفكّر». وفي بعض النسخ بدله «والتذكّر»، وهو يلزم التفكّر ، ولا يجامعها السّهو والغفلة. ثمّ ذكر «القنوع» وقابله بالحرص . و«القناعة»: الرضا بما دون الكفاف ، وعدم طلب الزيادة . ولمّا كان الحرص زيادة السعي في الطلب ويشتمل على شيئين ، الإفراط في الطلب، والاعتماد على الطلب الذي يلازمه ، جعله باعتبار اشتماله على الأوّل مقابل القنوع ، وباعتبار اشتماله على الثاني مقابل التوكّل. «والحفظ» فإنّ العاقل يحفظ ما ينبغي حفظه ، والجاهل يتركه وينساه. ثمّ ذكر «المودّة»: وهي الإتيان بمقتضيات المحبّة والاُمور الدالّة عليها . ومقابلها «العداوة»: وهي الإتيان بمقتضيات المباغضة وفعل ما يتبعها. «والوفاء» بالعهد. ومقابله الغدر . «والطاعة»: وهي متابعة مَن ينبغي متابعته في أوامره ونواهيه . والمعصية مقابلها. «والخضوع» : التذلّل لمن يستحقّ أن يُتذلّل له. ومقابله «التطاول» و هو الترفّع . «والسلامة»: وهي البراءة من البلايا ، وهي العيوب والآفات . والعاقل يتخلّص منها حيث يعرفها ، ويعرف طريق التخلّص، والجاهل يختارها ويقع فيها من حيث لا يدري. «والحبّ» : هو الميل النفساني . والعاقل يميل إلى المحاسن ويريدها، وكذا من يتّصف بها ، بل العاقل يريد الخير لكلّ أحدٍ ولا يرضى بالشرّ والنقيصة لأحد ، فهو يحبّ الكلّ ، إنّما يبغض الشرور والمناقص . والبغض مقابله. ثمّ ذكر «الحقّ» . والمراد به اختيار الحقّ . ويقابله الباطل واختياره . «والشهامة» هي ذكاء الفؤاد وتوقّده ومقابلها البلادة . «والفهم» . ولعلّ المراد به هنا الإدراك المتعلّق بالنظريات بكمال القوّة النظريّة. ويقابلها العبادة . «والمعرفة»: وهي إدراك الشيء بصفاته وآثاره بحيث لو وصل إليه عرف أنّه هو، ومقابله «الإنكار»؛ يعني عدم حصول ذلك الإدراك ؛ فإنّ الإنكار يُطلق عليه كما يُطلق على الجحود. «والمداراة» وضدّها «المكاشفة» وهي المنازعة والمجادلة . «وسلامة الغيب» . والمراد سلامة غيره عنه في غيبته فلا يمكره. «وضدّها المماكرة». «والكتمان»؛ فإنّ العاقل من حاله وصفته أن يكتم ما يليق به الكتمان. «وضدّها الإفشاء». «والصلاة»، أي إقامتها ، والإتيان بها كما طلب منه . ومقابلها الإضاعة. «والصوم» بأن يكفّ النفس عمّا اُمر بالكفّ عنه . «وضدّه الإفطار». «والجهاد» والإقبال على نصرة الحقّ وبذل النفس فيها . ومقابله النكول. «والحجّ» وتذكّر العهد والميثاق للّه عزّ وجلّ بالربوبيّة ، ولمحمّد صلى الله عليه و آله بالنبوّة، ولعليّ عليه السلام بالوصيّة؛ حيث جعل الميثاق في الحجر ؛ لأنّه كان أوّل مَن أسرع إلى الإقرار بذلك ، فاختاره اللّه لأن يجعل فيه ميثاقهم ، فيشهد يوم القيامة لكلّ مَن وافاه وحفظ الميثاق كما هو المرويّ (45) . فمَن أتى بالحجّ راعى الميثاق وتذكّره ، ومن تركه لم يكن مراعيا للميثاق ولم يتذكّره ، فيكون ناسيا له وتاركا له . ولا يبعد أن يجعل العبادات الأربع جندا واحدا، فلا يزيد الجنود على ما ذكره أوّلاً. ثمّ قال: «والحقيقة». والمراد بها الخلوص في التوحيد. «وضدّها الرياء». «والمعروف» ، أي الإتيان به واختياره . «وضدّه المنكر» واختياره. «والستر» أي إخفاء ما ينبغي إخفاؤه. «وضدّه التبرّج» والإظهار. «والتقيّة»: وهي الستر في موضع الخوف . «وضدّها الإذاعة» والإفشاء. «والإنصاف» والتسوية بين نفسه وغيره . «وضدّه الحميّة» . «والتهيئة» والموافقة والمصالحة للجماعة وإمامهم . «وضدّها البغي» والمخالفة. «والنظافة» والطهارة . «وضدّها القذر» والنجاسة. «والحياء ، وضدّه الجلع» (46) وهو عدم الحياء ، أو قلّتها . «والقصد» : لزوم وسط الطريق الموصل إلى المقصود. «وضدّه العدوان» والخروج عن الطريق . «والراحة» واختيار ما يوجبها بحسب النشأتين . «وضدّها التعب». «والسهولة» أي اللين ، ويُسر المطاوعة ، واختيار السهلة السمحاء. (47) «والبركة»: وهي النماء والزيادة والبقاء والثبات ودوام العطيّة . ومقابلها «المحق» : وهو البطلان والمحو وذهاب البركة. فالعاقل يحصّل من الوجه الذي يصلح له ، ويصرف فيما ينبغي الصرف فيه ، فينموا ويزيد ، ويبقى ويدوم له. والجاهل يحصّل من غير وجهه ويصرف في غير المصرف ، فيبطل ماله ويذهب بركته. «والعافية» من المكاره . «وضدّها البلاء»، فالعاقل بالشكر والعفو يدوم عليه ويعفى عنه ، والجاهل بالكفران وشدّة المؤاخذة يبتلى بالمكاره وزوال النِّعم. «والقوام» كسحاب : هو العدل وما يعاش به . والمراد به هنا التوسّط. «والرضا بالكفاف ، وضدّه المكاثرة» : وهي المغالبة بالكثرة في المال والعدّة. «والحكمة» : وهي اختيار النافع والأصلح . «وضدّها الهوى» واتّباع الشهوة والغضب . «والوقار»: وهو النقل والرزانة. «وضدّه الخفّة» فإنّ العاقل لا يزول عمّا هو عليه لكلّ ما يرد عليه ، ولا يحرّكه إلّا ما يحكم العقل بالحركة له ، أو إليه لرعاية خير وصلاح . والجاهل يتحرّك للتوهّمات ، والتخيّلات ، واتّباع القوى الشهوانيّة والغضبيّة، فمحرّك العاقل قليل الحصول ، عزيز الوجود ، ومحرّك الجاهل كثير التحقّق ، قلّما يخلو عنه الأوقات والأزمان. «والسعادة وضدّها الشقاوة»؛ فإنّ العقل يختار ما يوجب حسن العاقبة وينتهي إليه، والجاهل بخلافه. «والتوبة وضدّها الإصرار»؛ فالعقل يوجب الندامة على القبيح ويأمر بالانتهاء عنه، والجهل بخلافه. «والاستغفار وضدّه الاغترار»؛ فالعاقل لا يغترّ لما يعلمه فيستغفره ، والجاهل يغترّ لجهله. «والمحافظة» أي على ما كلّف به . «وضدّها التهاون». «والدّعاء» والطلب من بارئه على جهة التذلّل . «وضدّه الاستنكاف». «والنشاط» في العمل للآجل . «وضدّها الكسل». «والفرح» فلا يحزن للاُمور الدنيويّة ؛ للعلم بزوالها وعدم ثباتها ، وللرضا بالقدر والقضاء فيها . «وضدّه الحزن» فالجاهل يحزن لها ولا يترتّب على حزنه إلّا زيادة مكروهٍ. «والاُلفة وضدّها الفرقة» ؛ فالعاقل يألف الموافق والمخالف بعقله ، والجاهل يفارقهما بجهله. «والسخاء وضدّه البُخل»؛ فالعاقل يسخى ويجود بماله ، فيعطي ما يزكو به ماله، والجاهل يمنعه ويبخل به. «أو مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للإيمان» يقال : امتحن اللّه قلوبهم ، أي شرحها ووسّعها (48) .

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 60 .
2- . معاني الأخبار ، ص 29 ، باب معنى العرش والكرسي ، ح 2 ؛ وعنه في البحار ، ج 55 ، ص 28 ، ح 47 .
3- . الحجر (15) : 29 ؛ ص (38) : 72 .
4- . الكافي ، ج 2 ، ص 306 ، باب الحسد ، ضمن ح 3 .
5- . في «الف»: «تحت».
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 61 .
7- . لاحظ الوافي ، ج 1 ، ص 61 _ 62 .
8- . الأنعام (6) : 1 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 62 .
10- . في «ب» و «ج»: «ماء اُجاج».
11- . هود (11) : 7 .
12- . في «ب» و «ج»: «تقدّم».
13- . في «ب» و «ج»: «بواسطتها».
14- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 61 .
15- . في «ب» و «ج»: «كالإهتمام».
16- . في «ب» و «ج»: «نصفها».
17- . حكاه عنه أيضا المازندراني في شرحه ، ج 1 ، ص 210 .
18- . الوافي ، ج 1 ، ص 64 .
19- . شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 210 . وليس في المصدر : «فالمراد الكثرة» .
20- . الممتحنة (60): 4.
21- . النحل (16): 99 و 100.
22- . روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة في صحيح البخاري ، ج 6 ، ص 2695 ، ح 6975 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 180 ، ح 325 ؛ سنن الترمذي ، ج 4 ، ص 711 ، ح 2593 ؛ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 116 ، ح 12174 .
23- . الفقيه ، ج 3 ، ص 166 ، ح 3615 ؛ الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 4 ، ح 10 ؛ الوسائل ، ج 17 ، ص 33 ، باب استحباب جمع المال من حلال ... ، ح 1 .
24- . الزمر (39) : 53 .
25- . يوسف (12) : 87 .
26- . حكاه عنه في شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 224 .
27- . احتمله الفيض في الوافي ، ج 1 ، ص 66 .
28- . لم أجده في مظانّه من كتب الحديث.
29- . الوافي ، ج 1، ص 67 .
30- . راجع: الوافي ، ج 1، ص 67 .
31- . الصحيفة السجّاديّة، ص 124، الدعاء 23.
32- . راجع: الكافي، ج 2، ص 252، باب شدّة ابتلاء المؤمن، ح 1 _ 4.
33- . عوالي اللآلي، ج 1، ص 40، ح 41.
34- . الكافي ، ج 2 ، ص 307 ، باب الحسد ، ح 4 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 40 ، ح 40 .
35- . الكافي ، ج 2 ، ص 263 ، باب فضل فقراء المسلمين ، ح 12 ؛ وراجع أيضا ؛ بحار الأنوار ، ج 13 ، ص 335 _ 340 ، باب ما ناجى به موسى عليه السلام ، ح 13 ، 14 ، 16 .
36- . بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 186 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 404 ، ح 63 ؛ و ج 2 ، ص 11 ، ح 18 .
37- . الكافي ، ج 2 ، ص 84 ، باب ا لعبادة ، ح 5 ؛ بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 236 .
38- . الكافي ، ج 2 ، ص 87 ، باب من بلغه ثواب من اللّه ، ح 2 . وراجع أيضا الوسائل ، ج 1 ، ص 82 ، باب استحباب الإتيان بكلّ عمل مشروع روي .
39- . راجع: الوافي ، ج 1 ، ص 71 .
40- . الوافي ، ج 1 ، ص 71 .
41- . عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 341 ، ح 109 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 231 ، ح 619 ؛ صحيح مسلم ، ج 1، ص 449 ، ح 649 .
42- . في «الف»: «العذارى».
43- . الفرقان (25) : 67 .
44- . في «ب» و «ج»: - «اللّب».
45- . الكافي ، ج 4 ، ص 186 ، باب بدء الحجر والعلّة في استلامه ، ح 3 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 191 ، ح 2114 . وراجع: وسائل الشيعة ، ح 13 ، ص 317 _ 319 ، باب استلام الحجر ، ح 4 _ 11 .
46- . في «ب» و «ج»: «الخلع».
47- . في ا لمصدر بإضافة : «التي هي الملّة القويمة . «وضدّها الصعوبة» والإباء ، وعُسر المطاوعة ، أو الخروج عن السهلة السمحاء» .
48- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 61 _ 69 .

ص: 247

. .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

. .

ص: 257

. .

ص: 258

. .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

. .

ص: 264

. .

ص: 265

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده (1) ، عن: الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا كَلَّمَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الْنّاس (2) بِكُنْهِ عَقْلِهِ قَطُّ» . وَقَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّا _ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ _ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» .

هديّة :في بعض النسخ المعتبرة _ كما ضبط برهان الفضلاء ، والسيّد الأجلّ النائيني _ : «العباد» في صدر الحديث مكان «الناس» (3) . و«المعشر» كمنصب : الجماعة ، والجمع: معاشر. والحديث على أنّ إخبار الأنبياء عليهم السلام عن ضروريّات الدِّين بالنظر إلى جميع العقول المؤمنين باللّه واليوم الآخر على السواء ، كالشمس إلى جميع الأنظار، فتوهّم القدريّة أنّه بالرموز والكنايات خيال من يتخبّطه الشيطان من المسّ ؛ فإنّ المعنى إنّا لم نترك شيئا ممّا يحتاج إليه الناس ويسعه عقولهم ، فمن جاء بشيء ممّا لم نبيّنه، فإن كان ممّا لم يأباه ما بيّناه فهو من فروع ما بيّناه ، وإن كان ممّا يمنعه ما قلناه ، كاُصول القدريّة المأخوذة عن اُصول الفلاسفة والتناسخيّة فهو ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ؛ إذ لا عقل إلّا عن اللّه ، أو عن المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد ب «العباد» غير الأوصياء، وقد بيّن ببيان السابع أنّ للعقل مراتب ودرجات ، ولمّا كان الأنبياء عليهم السلام مسدّدين بروحٍ من أمرنا ، وهي التي عبارة عن جميع ألفاظ القرآن ومعانيها ، كما سيجيء في كتاب الحجّة في شرح الأوّل من باب الأرواح التي يسدّد اللّه بها الأئمّة عليهم السلام الباب السادس والخمسون، فلعقول الأنبياء عليهم السلام مزيّة علمها اللّه تبارك وتعالى. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ما كلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله العباد بكنه عقله» أي نهاية (4) ما يدركه بعقله . «اُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم» أي بما يكون على قدرٍ يصل إليه عقولهم. (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع: «جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في هامش «ب» و الكافي المطبوع : «العباد» بدل «الناس» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 69 .
4- . في المصدر : «بنهاية» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 69 .

ص: 266

الحديث السادس عشرروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ ، عَنْ جَعْفَرٍ بن محمّد ، عَنْ أَبِيهِ عليهماالسلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلواتُ اللّه عليه : إِنَّ قُلُوبَ الْجُهَّالِ تَسْتَفِزُّهَا الْأَطْمَاعُ ، وَتَرْتَهِنُهَا الْمُنى ، وَتَسْتَغْلِقُهَا (1) الْخَدَائِعُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «تستعلقها» .

ص: 267

هديّة :«استفزّه»: استخفّه ، وأخرجه من مقرّه ، أو من الأطماع المهلكة ، طمع القدري بخيالات فاسدة، وأفكار باطلة، اتّحاده بالاتّصال . «ارتهنه»: قيّده . و«المُنى» بالضمّ والقصر جمع المُنية ، وهي التشهّي ، وتمنّي ما لا يتوقّع حصوله، كتمنّي القدريّة ما يعدهم الشيطان ويمنّيهم ، وما يعدهم الشيطان إلّا غرورا. «استغلقه»: استسخره واستعبده. وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه _ : بإهمال العين ، أي تربطها بالحبال والمصائد، وفي بعض آخر _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله (1) _ : بالقافين من القلق : وهو الانزعاج والاضطراب. و(الخدائع) جمع خديعة 2 بالفتح ، اسم من خدعه _ كمنعه _ خدعا بالفتح ويكسر: ختله . وأراد به المكروه من حيث لا يعلم كاختدعه فانخدع. والحرب خدعةٌ ، مثلّثةً ، وكهمزة. قال في القاموس: وروي بهنّ جميعا ، أي تنقضي بِخُدْعة (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «تستفزّها الأطماع»، أي تستخفّها وتخرجها من مقرّها . «وترتهنها. المُنى»، وهي إرادة ما لا يتوقّع حصوله. والمراد به ما يعرض للإنسان من أحاديث النفس وتسويل الشيطان ، أي تأخذها وتجعلها مشغولة بها ، ولا تتركها إلّا بحصول ما يتمنّاه . «وتستقلقها» بالقافين ، أي تجعلها «الخدائع» مزعجة (3) منقطعة عن مكانها . وفي بعض النسخ : «تستعلقها» بالعين المهملة قبل اللّام ، والقاف بعدها؛ أي تربطها بالحبال كما يعلق الصيد بها . وفي بعضها بالغين المعجمة من استغلقني في بيعته ، أي لم يجعل [لي] (4) خيارا في ردّه. (5)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 70.
2- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 16 (خدع) .
3- . في المصدر : «منزعجة» .
4- . أضفناه من المصدر .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 69 _ 70 .

ص: 268

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده (1) ، عن: إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقا» .

لعلّ المعنى : أزْيَدهم وصفا ممدوحا شرعا. قال برهان الفضلاء: أي أحسنهم سلوكا في الطريق المستقيم. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «أحسنهم خلقا». «الخلُقُ» بالضمّ ، وبضمّتين : الهيئة الحاصلة للنفس بصفاتها، ويُقال لها : السجيّة . ويدلّ عليها الآثار والأفعال. وقد يطلق على الآثار والأفعال الدالّة عليها ؛ تسميةً للدال باسم المدلول. (2)

الحديث الثامن عشرروى عَنْ عَلِيٌّ ، عن أبيه ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ الرِّضَا عليه السلام ، فَتَذَاكَرْنَا الْعَقْلَ وَالْأَدَبَ ، فَقَالَ :«يَا أَبَا هَاشِمٍ ، الْعَقْلُ حِبَاءٌ مِنَ اللّه ِ ، وَالْأَدَبُ كُلْفَةٌ ؛ فَمَنْ تَكَلَّفَ الْأَدَبَ ، قَدَرَ عَلَيْهِ ؛ وَمَنْ تَكَلَّفَ الْعَقْلَ ، لَمْ يَزْدَدْ بِذلِكَ إِلَا جَهْلاً» .

هديّة :«الحباء» بالكسر والمدّ : العطاء . (والأدب) مفسّر بحسن السلوك ، ويتعلّق بالطاعات والمعاشرات والأقوال والأفعال. و«الكلفة» بالضمّ : ما تكلّفه من مشقّة أو حقّ، ولون الأكلف ، أي بَيّن الكلف بالتحريك ، وهو شيء يعلو الوجه من الحمرة الكدرة. (ومن تكلّف العقل) أي ادّعى عقل الحقّ من محتملات المختلف فيه وفي دليله بلا مكابرة برأيه من دون عقله عن اللّه ، أو عن العاقل عن اللّه ، كمدّعي كشف الحقائق بالرياضة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «فتذاكرنا العقل والأدب» أي التفاوت بين الناس بحسب عقولهم والعمل بمقتضى العلم الذي حصّل . «حباء من اللّه » ، أي إعطاءً منه تعالى لا اختيار لأحد في كسبه ، كما أنّه ثابت لكلّ أحد في كسب الأدب. قال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: يعني العقل غير كسبيّ [والأدب كسبيّ (3) ] ومَن أراد أن يكتسب العقل زاد جهله؛ أي حمقه ؛ فإنّه يزعم أنّ له قدرة على الحدس، فتظهر منه آثار تضحك منها الثّكلى. وتوضيح ذلك: أنّ القواعد الكلّيّة يمكن تعلّمها وكسبها، وأمّا تعيين مصداقها والتمييز بين الصواب والخطأ فلا، بل يحتاج إلى جودة الذهن مثال ذلك الواقعتان المشهورتان: أعني إخفاء حجر الرحى في الكفّ وأكل لحم الحمار. (4) انتهى. كأنّه جوّز رحمه اللّه _ بكمال إصراره في منع الاجتهاد والعمل بالرأي _ العملَ بظنّ الإماميّ العدل الممتاز علما وعملاً ، المحتاط جدّا بحذاقته في المعالجات المأثورة فيما يلزم الحرج المنفيّ لو توقّف. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «العقل حباء من اللّه »، أي عطيّة منه تعالى . «والأدب»: وهو الطريقة الحسنة في المحاورات ، والمكاتبات ، والمعاشرات ، وما يتعلّق بمعرفتها وملكتها . «كلفة»: وهي ما يكتسب ويتحمّل بالمشقّة ، وكلّ ما هذا شأنه يحصل لمن يتكلّفه ويحتمل المشقّة في طلبه . «فمن تكلّف الأدب قدر عليه». وما يكون حصوله للشخص بحسب الخلقة وإعطاء من اللّه سبحانه كالعقل فلا يحصل بتكلّف واحتمال مشقّةٍ. «فمن تكلّف العقل» لم يقدر عليه ، ولم يزدد بتكلّفه إلّا جهلاً . ولا ينافي ذلك القدرةُ على اكتساب العلم وحصوله باحتمال المشاقّ في طلبه . وظهور فعل القوّة العقليّة وكماله بحصول العلم. (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبيد اللّه الدهقان، عن درست».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 70 .
3- . أضفنا ما بين المعقوفتين من المصدر .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 70 _ 71 .

ص: 269

. .

ص: 270

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ ابن جَبَلَةَ (1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ لِي جَارا كَثِيرَ الصَّلَاةِ ، كَثِيرَ الصَّدَقَةِ ، كَثِيرَ الْحَجِّ ، لا بَأْسَ بِهِ ، قَالَ : فَقَالَ :«يَا إِسْحَاقُ، كَيْفَ عَقْلُهُ؟» قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَيْسَ لَهُ عَقْلٌ ، قَالَ : فَقَالَ : «لا يَرْتَفِعُ بِذلِكَ مِنْهُ» .

لعلّ المعنى (لا بأس به) في أدبه في دينه . (كيف عقله) أي معرفته الإمام الحقّ. (لا يرتفع بذلك) أي بعدم عقله منه عمل . في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «لا ينتفع» مكان «لا يرتفع». قال: أي لا ينتفع بكونه مبرئ عن العيوب من الثواب يوم القيامة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا بأس به»؛ أي لا يظهر منه عداوة لأهل الدِّين وشدّة على المؤمنين، أو لا يطّلع منه على معصيته. فقال: «يا إسحاق، كيف عقله؟» أي قوّة التمييز بين الحقّ والباطل تمييزا يوجب الانقياد للحقّ والإقرار به، فأجابه إسحاق بقوله: «ليس له عقل»، فقال عليه السلام : «لا ينتفع بذلك منه»؛ أي لا يقع الانتفاع بما ذكر من كثرة الصدقة والصلاة من غير العاقل. وفي بعض النسخ : «لا يرتفع بذلك منه»؛ أي لا يرتفع ما ذكرته من الأعمال بسبب قلّة العقل منه. ويحتمل أن يكون الفعل على البناء للمفعول كالنسخة الاُولى . و«الباء» في «بذلك» للتعدية ، والظرف في موقع الحال، أي لا يرفع الأعمال حال كونها من غير العاقل. (2) انتهى. لاحتماله الأخير فائدة بيّنة. وقيل: يعني لا يرتفع مثل ما ذكره من مثله. وقال السيّد السند أمير حسن القائني : في بعض النسخ: «لا ينتفع بذلك منه» ، أي بسفهه من عمله . فالضميران المستتر والبارز يتعاكسان ؛ إذ معنى لا بأس به على الأكثر؛ أي في الإقرار بالولاية ، والمحجور عليه لسفهه شرعا للّه فيه المشيئة.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عبد اللّه بن جبلة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 71 .

ص: 271

الحديث العشرونروى في الكافي عن الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ السَّيَّارِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْبَغْدَادِيِّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : لِمَاذَا بَعَثَ اللّه ُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام بِالْعَصَا وَيَدِهِ الْبَيْضَاءِ وَآلَةِ السِّحْرِ ، وَبَعَثَ عِيسى عليه السلام بِآلَةِ الطِّبِّ ، وَبَعَثَ مُحَمَّدا _ صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (2) _ بِالْكَلَامِ وَالْخُطَبِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«إِنَّ اللّه َ لَمَّا بَعَثَ مُوسى عليه السلام كَانَ الْغَالِبُ عَلى أَهْلِ عَصْرِهِ السِّحْرَ ، فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِمْ مِثْلُهُ ، وَمَا أَبْطَلَ بِهِ سِحْرَهُمْ ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ ؛ وَإِنَّ اللّه َ بَعَثَ عِيسى عليه السلام وأحكامه (3) فِي وَقْتٍ قَدْ ظَهَرَتْ فِيهِ الزَّمَانَاتُ ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى الطِّبِّ ، فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَعَالى بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِثْلُهُ ، وَبِمَا أَحْيَا لَهُمُ الْمَوْتى وَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اللّه ِ تَعَالى ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ ؛ وَإِنَّ اللّه َ تَعَالى بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله فِي وَقْتٍ كَانَ الْغَالِبُ عَلى أَهْلِ عَصْرِهِ الْخُطَبَ وَالْكَلَامَ _ وَأَظُنُّهُ قَالَ : الشِّعْرَ _ فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَعَالى مِنْ مَوَاعِظِهِ وَحكمته (4) مَا أَبْطَلَ بِهِ قَوْلَهُمْ ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ» . قَالَ : فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : تَاللّه ِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ ، فَمَا الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ الْيَوْمَ؟ قَالَ : فَقَالَ عليه السلام : «الْعَقْلُ ؛ يَعْرِفُ بِهِ الصَّادِقَ عَلَى اللّه ِ فَيُصَدِّقُهُ ، وَالْكَاذِبَ عَلَى اللّه ِ فَيُكَذِّبُهُ» . قَالَ : فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : هذَا وَاللّه ِ هُوَ الْجَوَابُ .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عن أحمد بن محمّد السيّاري» .
2- . في الكافي المطبوع + : «وعلى جميع الأنبياء» .
3- . في الكافي المطبوع - : «وأحكامه» .
4- . في الكافي المطبوع : «حِكَمه» بدل «حكمته» .

ص: 272

هديّة :«يعقوب بن إسحاق السكّيت» بكسر المهملة وتشديد الكاف : أبو يوسف صاحب إصلاح المنطق ، كان متقدّما عند الجواد والهادي عليهماالسلام ، قتله المتوكّل لأجل التشيّع، كان صدوقا عالما بالعربيّة لا مطعن عليه، ثقة مصدّق. والمراد ب «أبي الحسن»: الهادي ، أبو الحسن الثالث عليه السلام . (وآلة السحر) أي ما يبطل به السحر. والتقدير : وآلة دفع السحر. كما أنّه لا خواصّ للأسماء الحسنى والآيات والدعوات إلّا مع الإيمان ، لا خواصّ لفنون السحر إلّا مع الكفر بما لم يكن في وسعهم مثله ، من الكتاب والحكمة والعصمة والعلم بجميع ما يحتاج إليه الناس ، وسائر خصائص الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . و(الزمانات) بفتح الزاي : هي الآفات الواردة على بعض الأعضاء، فيمنعها عن الحركات الطبيعيّة بإذن اللّه ، كاللّقوة والفلج، وربّما يطلق «المزمن» على مرض طال زمانه، و«الزّمن» _ كالصّعق _ على من طال مرضه. و«الكَمَه» بالتحريك : العمى يولد به الإنسان ، هو أكمه بيّن الكمه. والظاهر أنّ (وأظنّه) كلام أبي يعقوب. (قال الشعر) أي ذكر الشّعر أيضا . (تاللّه ، ما رأيت مثلك قطّ) توطية للسؤال المقصود منه تصريح الإمام عليه السلام بإمامته ، يعني واللّه ، أنت أيضا من الذين أتوا الناس من عند اللّه بما لم يكن في وسعهم (1) مثله. والجواب ورد كناية، لأبلغيّته من الصريح ؛ فإنّ حجّيّة الحجّة غير خفيّة للعاقل ؛ ولنكات اُخر ، منها أنّ العقل مختصّ بالمؤمنين . ولمّا كان في لفظة «اليوم» إشارة إلى أنّ حجّيّة القرآن بفصاحته وبلاغته لا تنفع اليوم لرفع الاختلاف بين الاُمّة بدون قيّم معصوم عاقل عن اللّه ، أشار عليه السلام بأنّ من دلالات الإمام في كلّ زمان اختصاص علم القرآن لحجّيّته بالقيّم العاقل عن اللّه . وهذا برهان قاطع لا ينكره العاقل، فقول القدري : إنّ علم الكتاب يحصل لكلّ مرتاض كامل ولو كان جوكيّا باطل عقلاً ، وكفر سمعا. (هذا _ واللّه _ هو الجواب) أي المشتمل على فوائد شتّى . قال برهان الفضلاء : «الآلة» بالهمز والألف المنقلبة عن الواو وتخفيف اللام وتاء التأنيث : الرجعة وعدم الرّواج من الأوّل ، كالعول ، مصدر آل يؤول. والمراد هنا باعث الرجعة . و«السّحر»: ما يرى خارقا للعادة بالتزوير والتلبيس. «بالكلام والخطب» بتقدير بآلة الكلام والخطب ، والحذف للاقتصار ؛ اكتفاءً بما سبق. ويظهر من تتمّة هذا الحديث أنّ ابن السكّيت كان ينبغي له أن يقول : «بالشّعر» مكان باللّام، ولمّا كان القرآن من أعظم المعجزات لتواتره إلى يوم القيام اكتفى عليه السلام بذكره من بين معجزاته صلى الله عليه و آله . والمراد أنّ معجزة القرآن يكفي للعاقل في معرفة الإمام عليه السلام . «وأظنّه قال الشعر» كلام السيّاري ، والبارز في «أظنّه» والمستتر في «قال» للإمام عليه السلام فإشارة إلى أنّ في نقل أبي يعقوب خللاً ، والشعر موضع الكلام أولى للتناظر بمنظوميّة الخطبة وغير منظوميّة الشعر. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «السحر»: ما لطف مأخذه ودقّ . «والآلة»: ما يُعتَمل به من أداة . (2) ويكون السحر بآلة دائما أو غالبا ، فللآلة اختصاص به بخلاف المعجزة ، حيث لا حاجة فيها إلى الآلة، فباعتبار ذلك الاختصاص أضاف الآلة إلى السحر . وعطف آلة السحر على العصا من عطف العامّ على الخاصّ . وإطلاق الآلة في «بآلة الطبّ» إمّا بتبعيّة إطلاقها في السحر ، أو باستعمالها فيما يترتّب عليه الفعل، أو يظهر به الصفة مجازا . «بالكلام والخطب» أي بالكلام المنتهى بلاغته حدّ الإعجاز. و«الخطبة» : الكلام المنثور المسجّع . «كان الغالب على أهل عصره السحر». حاصله: أنّ الغالب على أهل العصر ممّا يستعمل (3) صنعته ويبلغ حدّ كماله، فالغلبة فيه وفي شبهه أقوى وأتمّ في إثبات المقصود ، حيث عرفوا نهاية المقدور لهم [فيه] (4) فإذا جاوزه حصل لهم العلم بأنّه ليس من فعل أشباههم وأمثالهم ، بل من فعل خالق القُوى والقدر ، أو من فعل مَن أقدره عليه بإعطاء قدرة مخصوصة به له. وأمّا المتروك في العصا 5 فربّما يتوهّم أنّهم لو تناولوه وسعوا فيه واكتسبوه بلغوا الحدّ الذي يتأتّى منهم الإتيان بما أتى به . «فما الحجّة على الخلق اليوم؟» أي كان الحجّة على الخلق في صدق الرّسل معجزاتهم، فما الحجّة عليهم اليوم في صدق من يجب اتّباعه وتفترض (5) طاعته حيث لا يعرف المعجزة الظاهرة؟ فقال عليه السلام : «العقل يعرف به الصادق على اللّه فإنّ بعد نزول الكتاب وانضباط الآثار الثابتة عن النبيّ صلى الله عليه و آله يعرف بالعقل الصادق على اللّه [فإنّ (6) بعد نزول الكتاب وانضباط الآثار الثابتة عن النبيّ يعرف بالعقل الصادق على اللّه ] (7) عن الكاذب عليه ؛ فإنّ الصادق على اللّه عالم بالكتاب ، راعٍ له، متمسّك بالسنّة ، حافظ لها، والكاذب على اللّه تارك للكتاب ، غير عالم به ، مخالف للسنّة بقوله وفعله (8) . انتهى. حمله (9) السحر على ما حمله على خلاف الظاهر والسياق، إلّا أنّ تكلّفه أكثر من تكلّف الحذف . وبقوله وفعله على غير الإماميّ لا سيّما على القدريّ القائل بكشف الحقائق بالرياضة الكاملة ولو كانت على خلاف الشرع، والامتناع بنصّ الشارع عن أكل اللّحم عمدا ثلاثة أيّام دلالة ضعف الإيمان، ويوجب الأذان على الإذن لو امتدّ إلى أربعين يوما.

.


1- . في «الف»: «وسعه».
2- . ما أثبتناه من المصدر ، وفي «ب» و «ج» : «إرادة» بدل «أداة» .
3- . في المصدر : «يستكمل» بدل «يستعمل» .
4- . أضفناه من المصدر .
5- . في «ب» و «ج»: «يفترض».
6- . في المصدر: «فإنّه».
7- . ما بين المعقوفتين لم يرد في «الف و ب» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 72 _ 73.
9- . في «ب» و «ج»: «بحمله».

ص: 273

. .

ص: 274

. .

ص: 275

الحديث الحادي والعشرونروى في الكافي عن الاثنين (1) ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنِ الْمُثَنَّى الْحَنَّاطِ ، عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَعْشى ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، عَنْ مَوْلىً لِبَنِي شَيْبَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«إِذَا قَامَ قَائِمُنَا ، وَضَعَ اللّه ُ يَدَهُ عَلى رُؤُوسِ الْعِبَادِ ، فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَكَمَلَتْ بِهِ أَحْلامُهُمْ» .

هديّة :«وضع السلطان يده على رؤوس رعيّته»: كناية عن شمول رعايته لهم بالمرحمة وعموم عطوفته لهم بالمعدلة . والإمام الظاهر يد اللّه الظاهرة . (فجمع بها عقولهم) عبارة عن رفع الاختلاف فيما بين الناس واتّفاقهم على دين واحد بحيث يعدّ المخالف كالمعدوم ، كما في زمن قوّة الإسلام بنور النبيّ صلى الله عليه و آله . «كمل عقله» كنصر ، وحسن ، وعلم ، ويتعدّى بالإفعال ، والتفعيل ، والواسطة. و«الحلم» بالكسر : العقل. وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث: وهاهنا أسرار لطيفة لا يحتملها الأفهام ، ولا رخصة في إفشائها (2) [للأنام] (3) انتهى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «فجمع» على المعلوم من باب منع ، والمستتر للّه . أو على ما لم يسمّ فاعله . ويؤيّد الأوّل المغايرة بين الفعلين بالتذكير والتأنيث . و«اليد» عبارة عن الرحمة والتوفيق ، ومرويّ : «أنّ كلّ مؤمن في زمن ظهور الصاحب عليه السلام يعطى له قوّة أربعين رجلاً». (4) ف «الأحلام» بمعنى الأبدان أنسب هنا. والمراد ب «جمع العقول» تقويتها بحسب تزايد الوسع لكلّ منها . وضمير «بها» لليد ، و«الباء» للسببيّة ، أو للرؤوس، و«الباء» بمعنى «في». «وكملت» على المعلوم من باب حسن ، ونصر ، وعلم . وضمير «به» لمصدر «جمع»، أو لمجموع مصدر «وضع» و«جمع». وقال السيّد الأجلّ النائيني: «وضع اليد» كناية عن إنزال الرحمة ، والتقوية بإكمال النعمة . «فجمع بها عقولهم»، يحتمل وجهين: أحدهما : أن يجعل عقولهم مجتمعين على الإقرار بالحقّ ، فلا يقع بينهم اختلاف ويتّفقون على التصديق. والآخر : أنّه يجمع عقل كلّ واحد منهم ويكون جمعه باعتبار مطاوعة القوى النفسانيّة للعقل ، فلا يتفرّق لتفرّقها . «وكملت به أحلامهم». تأسيس على الأوّل ، وتأكيد على الثاني. (5)

.


1- . يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- . في «الف»: «إنشائها».
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 115 .
4- . كامل الزيارات ، ص 233 _ 234 ، ح 348 ؛ الخصال ، ص 541 ، أبواب الأربعين ، ح 14 ؛ بحار الأنوار ، ج 51 ، ص 35 ، ح 4 ؛ و ص 317 ، ح 12 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 73 _ 74 .

ص: 276

الحديث الثاني والعشرونروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«حُجَّةُ اللّه ِ عَلَى الْعِبَادِ النَّبِيُّ عليه السلام ، وَالْحُجَّةُ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ اللّه ِ الْعَقْلُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد» .

ص: 277

هديّة :يعني حجّة اللّه على الإمام في معرفة الإمام إنّما هو النبيّ المبلّغ المصدّق بالمعجزات الظاهرة ، والآيات القاهرة ، والدلالات الباهرة . والحجّة بينهم وبين اللّه هو العقل القابل للمعرفة الفطريّة بشواهد الربوبيّة على ما بيّناه مرارا في شرح الخطبة وغيرها، ثمّ المعرفة (1) الدينيّة معرفة الحجّة بالدلالات ، وقبول قوله في كلّ ما جاء به من عند اللّه على ما ضبطه العقول، عقلاً عن العاقل عن اللّه ربّ العالمين، فامتازت الناجية من البضع والسبعين، فقول بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث : إنّ الإيمان بالمعجزة دين اللئام ومنهج العوامّ ؛ وأهل البصيرة لا يقتفون إلّا بانشراح الصدور وبنور اليقين (2) ، اقتباس من مقالات القدريّة المدّعين لحصول الكشف بالرياضة، وسلمان وأبو ذرّ وغيرهما من عظماء الدِّين أسلموا بالمعجزة . وانشراح الصدر من دون معجزة خاصّ من المدبّر الحكيم تعالى تدبيره عن الفسادات والسخافات ، وتقدّس تقديره عن السفسطة والخرافات. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني حجّة اللّه على العباد ظاهرا النبيّ صلى الله عليه و آله لما أتى بمعجز القرآن ، والحجّة عليهم باطنا العقل الذي به يعرف من نزل عليه القرآن ، ومن هو الإمام الحقّ في (3) كلّ زمان من الأزمان بمحكمات القرآن. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «حجّة اللّه على العباد النبيّ». هنا معنى واحد ، وقد عبّروا عنه عليهم السلام بعبارات ثلاث: الاُولى : أنّ للّه على الخلق حجّتين ظاهرة وباطنة. والثانية : الحجّة على الخلق اليوم العقل ، يُعرف به الصادق على اللّه ، والكاذب على اللّه . والثالثة : هذه العبارة. ومعنى الكلّ واحد ، وهو أنّ التكاليف إنّما تتعلّق بالمكلّف بعد أن يجتمع فيه أمران: أحدهما: أن يخلق اللّه تعالى فيه الغريزة التي لولاها لم يفهم الخطاب ، ولم يميّز بين الخطأ والثواب. وثانيهما : أن تصل إليه دعوة النبيّ الخلق إلى اللّه تعالى. ثمّ اعلم ، أنّه يستفاد من الأحاديث أنّ المرتبة الكاملة من العقل التي قدّرها اللّه تعالى لكلّ أحد إنّما يفيضها عليه إذا كملت له ثمانية عشر سنة . ويستفاد أيضا أنّ المرتبة الناقصة التي هي مناط تعلّق التكاليف به إنّما يفيضها عليه إذا كملت له خمسة عشر سنة (4) . انتهى . بيانه: هذا نظير ما بيّناه مرارا في بيان المعرفة الفطريّة والدينيّة، إلّا أنّه لا يوافق ظاهرا بيانه في بيان فقرات الثاني عشر، منها قوله عليه السلام : «دلّهم على ربوبيّته بالأدلّة». (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: أي الحجّة الموصلة للعباد إلى السعادة والنجاة بعد الاعتقاد بإلهيّته تعالى هو النبيّ صلى الله عليه و آله ، والحجّة فيما بين العباد وبين اللّه الموصلة للعباد إلى معرفة اللّه والتصديق به هو العقل. ويحتمل أن يكون المراد أنّ حجّة اللّه على العباد _ أي ما يقطع به عذرهم فيبكتهم _ اللّطفُ بهم بإرسال النبيّ ، والمتوسّط في الإيصال إلى معرفته تعالى ومعرفة الرسول، والطريق إلى المعرفة بين العبد (6) وبين اللّه هو العقل، ويناسب هذا إيراد لفظة «على» أوّلاً وتركها ثانيا (7) . انتهى. «بكته» كنصر : ضربه بالسيف والعصا ، واستقبله بما يكره ، ك «بَكّته». و«التبكيت»: التقريع والغلبة بالحجّة.

.


1- . في «ب» و «ج»: «للمعرفة».
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 112 .
3- . في «الف»: «إلى».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 _ 89 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 87 .
6- . في «ب» و «ج»: «العباد».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 74 .

ص: 278

. .

ص: 279

الحديث الثالث والعشرونروى في الكافي وقال: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«دِعَامَةُ الْاءِنْسَانِ الْعَقْلُ ، وَالْعَقْلُ مِنْهُ الْفِطْنَةُ وَالْفَهْمُ وَالْحِفْظُ وَالْعِلْمُ ، وَبِالْعَقْلِ يَكْمُلُ ، وَهُوَ دَلِيلُهُ وَمُبْصِرُهُ وَمِفْتَاحُ أَمْرِهِ ، فَإِذَا كَانَ تَأْيِيدُ عَقْلِهِ مِنَ النُّورِ ، كَانَ عَالِما ، حَافِظا ، ذَاكِرا ، فَطِنا ، فَهِما ، فَعَلِمَ بِذلِكَ كَيْفَ ، وَلِمَ ، وَحَيْثُ ، وَعَرَفَ مَنْ نَصَحَهُ وَمَنْ غَشَّهُ ، فَإِذَا عَرَفَ ذلِكَ ، عَرَفَ مَجْرَاهُ وَمَوْصُولَهُ وَمَفْصُولَهُ ، وَأَخْلَصَ الْوَحْدَانِيَّةَ لِلّهِ وَالْاءِقْرَارَ بِالطَّاعَةِ ، فَإِذَا فَعَلَ ذلِكَ ، كَانَ مُسْتَدْرِكا لِمَا فَاتَ ، وَوَارِدا عَلى مَا هُوَ آتٍ (1) ، ويَعْرِفُ مَا هُوَ فِيهِ ، وَلِأَيِّ شَيْءٍ هُوَ هاهُنَا ، وَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ ، وَإِلى مَا هُوَ صَائِرٌ ؛ وَذلِكَ كُلُّهُ مِنْ تَأْيِيدِ الْعَقْلِ» .

هديّة :«الدعامة» بالكسر : العماد ، وما يعتمد عليه ، والأصل الّذي ينشأ منه الفروع . عماد الشيء ، ودعامته ، وقوامه؛ بمعنى . يعني إنسانيّة الإنسان العقل . (والعقل منه الفطنة) أي التفطّن بانحصار الأعلميّة بما هو الحقّ في هذا النظام العظيم بعد مدبّره العليم الحكيم في العاقل عنه ؛ لعصمته المقدّرة لحِكَم ومصالح شتّى، وانحصار العمل بقوله فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة ، و«فهم» قوله بأنّه في ضروريّات الدِّين بالنظر إلى الجميع على السواء ، من دون رموز وكنايات ومعمّيات ومبدعات (2) كالشمس في الضحى بالنظر إلى جميع أنظار الأصحّاء . و«حفظ حديثه ، والعلم به»، أي القطع بما قاله ، وأخبر به عن اللّه سبحانه . (وبالعقل يكمل) إنسانيّة الإنسان ، أي معرفته الدينيّة. و«المبصر» كمنبر : آلة البصارة والبصيرة . وكمنصب : الحجّة . (فإذا كان تأييد عقله من النور) أي من نور الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه (كان عالما) بما عقل عن العاقل عن اللّه ، قاطعا بحقّيّته ، وبأنّه لا قطع بحقيّة غيره (حافظا) لما أخذ منه ، (ذاكرا) للّه سبحانه على ما أمر به ، شاكرا مطيعا بطاعة مفترض الطاعة ، (فطنا) في المعارف الدينيّة التي منها معرفة أعداء الدِّين ، (فهما) أنّه متفرّد بذلّ المخلوقيّة والعبوديّة كسائر المخلوقات، كما أنّ الربّ تبارك وتعالى متوحّد بعزّ الخالقيّة ، وتدبير الجميع. (فعلم بذلك كيف) أي خصوصيّة كلّ شيء على ما عقل عن العاقل عن اللّه ، وكذا «لمّه» ، و، وجهه ، ومصلحته ، و«حيثه» ومنزلته ، و(عرف) موافقه ومنافقه . (فإذا عرف ذلك ، عرف مجراه) بأنّ الدنيا إنّما هي مجرى وطريق إلى الآخرة. و«الموصول» عبارة عن الأعمال الصالحة الباقية . و«المفصول» عن حطام الدنيا والحياة الفانية . (والإقرار بالطاعة) أي طاعة مفترض الطاعة. (وواردا على ما هو آت) أي مسرورا شاكرا، وآخر دعواهم فيها أن الحمد للّه ربّ العالمين . (ويعرف ما هو فيه) نظير الحديث الذي قد سبق ذكره من أنّ : «للمعرفة أركانا أربعة؛ معرفة اللّه ، ومعرفة العبد نفسه ، ومعرفته أنّه لماذا خُلِق ، ومعرفة عدوّ دينه» . فالمعنى : ويعرف ما هو فيه من الأمر الحقّ ويقطع به ، ويعرف أنّه خلق للمعرفة والعبوديّة للّه ربّ العالمين ، وأنّه خُلق بعد أن لم يكن أصلاً من ماء مهين بصنع أحسن الخالقين ، وأنّه صائر إلى الحقّ إلى الموت إلى القبر إلى عقبات البرزخ إلى الموقف محشورا بعد كونه رميما ، ثمّ إلى منازل الموقف المنتهية إلى الصراط المنتهي بأهل النار إلى النار وبأهل الجنّة إلى الجنّة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «والعقل منه الفطنة»، يعني بعيوب أئمّة الضلال من محكمات القرآن . «والفهم»، يعني فهم منزلة الإمام الحقّ . «والحفظ»، يعني رعاية الأدب في تناول متشابهات القرآن والسنّة . «والعلم»، يعني تعلّم المسائل الدينيّة من الإمام الحقّ . «وهو دليله»، أي مُهديه . (3) «ومبصره» بفتح ميم ، أي حجّته ، أو بكسرها ، أي آلة البصيرة . «كان عالما»؛ أي بمسائل الدِّين . «حافظا» ، أي راعيا لآدابه في الأحكام بالاجتناب عن العمل بالرأي. «ذاكرا»، أي مادحا للإمام الحقّ. «فطنا»: ذامّا على أئمّة الضلال . «فهما» قول الإمام الحقّ . «فعلم بذلك»، أي بسبب الاتّصاف بالأوصاف المذكورة «كيفيّة» حال الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وعلّة افتراقها من إيثار الفاني على الباقي ونحو ذلك ومكان الإمامة الحقّة. «وعرف مَن نصحه»، وهو الإمام الحقّ وشيعته. «ومن غشّه»، وهو الإمام الباطل وتبعته. «عَرَفَ مَجْرَاهُ»، أي سلوكه مع الناس ومن ينبغي مواصلته ومن يجب مفارقته. «وَأَخْلَصَ الْوَحْدَانِيَّةَ لِلّهِ»، بنفي الشريك في الحكم، قال اللّه في سورة الأنعام ، وسورة يوسف في آيتين فيها: «إِنْ الْحُكْمُ إِلَا للّه ِ» (4) . «مُسْتَدْرِكا لِمَا فَاتَ» ، أي من الآداب الحسنة من البين بسبب العمل بالظنّ والرأي. «وَوَارِدا عَلى مَا هُوَ آتٍ» ، أي قاطعا طريق الشيطان القاصد للإتيان للفساد في الدِّين. «ويَعْرِفُ مَا هُوَ فِيهِ» من المذهب الحقّ؛ يعني بشواهد الربوبيّة ومحكمات القرآن، وأنّه «لأيّ شَيْءٍ هُوَ» في المذهب الحقّ ، وأنّ عدوّه المبين من أيّ الطريق يأتيه، وأنّ عدوّه «إِلى مَا هُوَ صَائِرٌ» من الشبهات. وجميع ما ذكرناه هنا على الاحتمال. وفي الشافي ذكرنا احتمالاً آخر. (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الدّعامة» بكسر الدال : عماد البيت ، والخشب المنصوب للتعريش. والمراد أنّ قيام أمر الإنسان ونظام حاله بالعقل، فكلّ من لم يكن عاقلاً يكون ساقطا غير منتظم الأحوال. ويمكن أن يكون بالنظر إلى النوع ، فلولا العقل لما بقي النوع؛ لأنّ الغرض من إيجاد الإنسان المعرفة التي لا تحصل إلّا بالعقل، «والعقل» يحصل أو ينشأ «منه» الفطنة، والفهم ، والحفظ ، والعلم». وهذا إلى قوله: «فإذا كان تأييد عقله» كالدليل لسابقه؛ أي إذا كان تقوية عقله _ أي الحالة التي للنفس باعتبار الاتّصال والارتباط بالجوهر المفارق المخلوق أوّلاً _ من النّور؛ أي ذلك المخلوق الأوّل الذي ذكر سابقا أنّه خلقه من نوره، وذلك التأييد بكمال إشراقه عليها. ولعلّ المراد أنّه إذا كان عقله متقوّيا بذلك الإشراق ، كان جامعا لهذه الصفات بكماله (6) ولو لم يتعلّم، وإذا كان غير متأيّد به كان له بعضها أو بعض المراتب منها . ويبلغ بالتعلّم والاكتساب إلى الكمال المتيسّر له (7) . انتهى. الأصوب في (8) بيانه تعميم التأييد ؛ ليشمل تأييد الحجّة المعصوم المحصور عدده، وتأييد العاقل عن العاقل عن اللّه تبارك وتعالى.

.


1- . في الكافي المطبوع : - «و» .
2- . في «ب» و «ج»: «خيدعات».
3- . في «ب» و «ج»: «هاديه».
4- . الأنعام (6) : 57 ؛ يوسف (12): 40 و 67 .
5- . شرحه على الكافي المسمّى ب «الشافي» لم يطبع بعدُ، وسيطبع في مركز بحوث دار الحديث.
6- . في المصدر : «بكمالها» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 74 _ 75.
8- . في «الف»: «ما».

ص: 280

. .

ص: 281

. .

ص: 282

الحديث الرابع والعشرون (1)روى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (2) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«الْعَقْلُ دَلِيلُ الْمُؤْمِنِ» .

هديّة :أي (العقل) المؤيّد من عند اللّه هادي المؤمن إلى معرفة الهادي عن اللّه إلى النجاة. قال برهان الفضلاء: يعني هاديه إلى اللّه والرسول صلى الله عليه و آله . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: يعني لا إيمان لمن لم يعرف الإمام الحقّ.

.


1- . في «الف»: - «الحديث الرابع والعشرون».
2- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد» .

ص: 283

الحديث الخامس والعشرون 1روى في الكافي عن الإثنين عن الْوَشَّاءِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : يَا عَلِيُّ ، لا فَقْرَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ ، وَلَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ» .

هديّة :«السّرو» من الأشجار، الواحدة: سروة. و«السّرو» أيضا: سخاء في مروّة، هو سَرِيّ كسخيّ. يعني، لا فقر أضرّ من الجهل بالمآل، وكذا لا مال أنفع من العقل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «لا» لنفي الجنس . و«فقر» مبنيّ على الفتح . و«أشدّ» مرفوع وخبر «لا» و«أعود» من العائدة ، وهي المنفعة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: لأنّ الجاهل فاقد ما يوصل إلى المنافع ، ويكون دليلاً على معرفتها واختيارها واقتنائها، بل جهله يوصل (1) إلى المضارّ والمناقص ويوجب اختيارها . «ولا مال أعود»؛ أي أنفع «من العقل» ؛ لأنّ المال كالآلة لمن يريد الخير والنافع في الوصول إليهما ، والعقل هو الدليل الموصل إلى المنافع والمصالح ، وبه معرفتها واختيارها واقتناؤها. (2)

الحديث السادس والعشرون (3)روى في الكافي بإسناده: عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«لَمَّا خَلَقَ اللّه ُ الْعَقْلَ ، قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، فَقَالَ لَهُ (4) : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقا أَحْسَنَ مِنْكَ ، إِيَّاكَ آمُرُ ، وَإِيَّاكَ أَنْهى ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ ، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ» .

.


1- . في المصدر : «يوصله» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 75 _ 76.
3- . في «الف»: - «الحديث السادس والعشرون».
4- . في الكافي المطبوع : - «له» .

ص: 284

قد سبق بيان نظيره مفصّلاً ، وهو الأوّل في الباب.

الحديث السابع والعشرون (1)روى في الكافي عن العدّة: عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : الرَّجُلُ آتِيهِ وَأُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِي ، فَيَعْرِفُهُ كُلَّهُ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ ، فَيَسْتَوْفِي كَلَامِي كُلَّهُ ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيَّ كَمَا كَلَّمْتُهُ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ بالكلام (2) ، فَيَقُولُ : أَعِدْ عَلَيَّ؟ فَقَالَ :«يَا إِسْحَاقُ ، وَمَا تَدْرِي لِمَ هذَا؟» قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِكَ ، فَيَعْرِفُهُ كُلَّهُ ، فَذَاكَ مَنْ عُجِنَتْ نُطْفَتُهُ بِعَقْلِهِ ؛ وَأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ ، فَيَسْتَوْفِي كَلَامَكَ ، ثُمَّ يُجِيبُكَ عَلى كَلَامِكَ ، فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ (3) فِي بَطْنِ أُمِّهِ ؛ وَأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ ، فَيَقُولُ : أَعِدْ عَلَيَّ ، فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ فِيهِ بَعْدَ مَا كَبِرَ ، فَهُوَ يَقُولُ لَكَ : أَعِدْ عَلَيَّ» .

هديّة :«نهد» بفتح النون وسكون الهاء : قبيلة من اليمن. «ببعض كلامي» أي كلامي الحقّ ، أو علم الكلام الحقّ . وغرض السائل السؤال عن لِمَ التفاوت في مراتب عقول الخاصّة وتذكّرهم . «فيستوفي كلامي» أي أخذه فهما وحفظا كما سمع . «وما تدري» على الإخبار ، واحتمال الاستفهام كما ترى . «عجنت المرأة» كنصر واعتجنت ، بمعنى ، أي أخذت عجينا. «كبر» الرجل كعلم كبرا كصغرا: سنّ. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «الرجل آتيه» من المؤمنين . و«الكلام» هنا أعمّ من اللغوي وغيره . «وما تدري» على الإخبار ، أي هذا أيضا توبيخا له ، وهو من الفطحيّة ، إلّا أنّه لا كلام في ثقته . وله أصلٌ معتمد عليه ، وتفرّد النجاشي بما قال فيه من : أنّ الأقوى التوقّف فيما ينفرد به. «عجنت نطفته بعقله»، أي في صلب أبيه. وقال الفاضل الاسترآبادي: «من عجنت» يعني من كان عاقلاً في ظهر أبيه ، ومَن صار عاقلاً في بطن اُمّه ، ومن اكتسب العقل من الناس. وقصده عليه السلام أن يتكلّم السائل على قدر عقله. والمقصود أنّ هذا يرجع إلى اختلاف الأنفس في الاستعدادات الذاتيّة ، وإليه ناظر قوله صلى الله عليه و آله : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ، خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام» (4) . (5) انتهى. لا يخفى ما في قوله : «في الاستعدادات الذاتيّة» . وستسمع جوابه في آخر هذه الهديّة. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : «ببعض كلامي» الذي اُريد أن اُكلّمه بكلّه فيعرف كلّه ، ما كلّمته به وما لم اُكلّمه به. ثمّ ذكر القسمين الآخرين ، أي الذي يفهم ما كلّمه به ويضبطه . «ثمّ يردّه»، أي الكلام عليه ويجيبه . «كما كلّمه»، أي على وفق كلامه عند المباحثة. أو المراد ردّ كلامه عليه ، كما هو عند الإعلام والإفهام ، والذي لا يفهم ما كلّمه به ، أو يفهم ولا يضبطه . ومقصوده : إظهار خفاء سبب هذا الاختلاف بين الإفهام عليه والسؤال عنه ، فأتى عليه السلام أوّلاً بإظهار ما هو مقصوده بقوله: «وما تدري لِمَ هذا» بالعاطف على كلامه ، فصدّقه السائل بقوله : «لا»، أي لا أدري لِمَ هذا. ويحتمل أن يكون قوله: وما تدري استفهاما ، أي أو ما تدري؟ لكن لا يحسن الواو حينئذٍ ، فإنّه لا وجه للعطف ، ولا حسن للاستئناف. ثمّ شرع عليه السلام في بيان سبب الاختلاف فقال: «الذي تكلّمه»، وهو أوّل ذكره (6) السائل. «من عجنت نطفته بعقله»؛ أي خلقت النفس المتعلّقة ببدنه المناسبة له على هيئة كماليّة تناسب العقل ، فيشتدّ ارتباطها به ، ويقوى إشراقه عليها وتتّصل به. ثمّ قال عليه السلام : «وأمّا الذي تكلّمه فيستوفي كلامك ، ثمّ يجيبك على كلامك»؛ أي يكلّمك بكلام على طبق كلامك . «فذاك الذي ركّب عقله فيه (7) في بطن اُمّه»، أي حصل لنفسه ذلك الارتباط ، واستحكم فيه بالإشراق بعد التعلّق بالبدن بالقابليّة الحاصلة لها باعتباره ، متضمّنة إلى مالها في نفسها. ثمّ قال: «وأمّا الذي يكلّمه بالكلام فيقول : أعد عليَّ ، فذاك الذي ركّب عقله فيه بعدما كبر»؛ أي استحكم فيه ذلك الارتباط بعد استكمال الحواسّ وحصول البديهيّات والمبادئ ، فما للثالث يكون للثاني على الوجه الأتمّ مع زيادة ، ومالهما يكون للأوّل على الوجه الأكمل مع زيادة (8) . انتهى. قيل : «الواو» في مثل «أوما تدري» على الاستفهام من الزيادات للتأكيد . ويستشمّ من سائر بيان السيّد رحمه الله : ابتناؤه على أصل من اُصول الفلاسفة من أنّ الآثار والارتباطات باقتضاء الطبائع وإيجاب الفاعل ، إلّا أنّه صرّح في مواضع من إفاداته ببطلان الإيجاب وثبوت اقتضاء الطبيعة ، إن شاء اللّه وأذِن.

.


1- . في «الف»: - «الحديث السابع والعشرون».
2- . في الكافي المطبوع : - «بالكلام» .
3- . في الكافي المطبوع : + «فيه» .
4- . بحار الأنوار ، ج 64 ، ص 121 ؛ كنزل العمّال ، ج 10 ، ص 149 ، ح 28761 . وقريب منه في الكافي ، ج 8 ، ص 177 ، ح 197 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 89 .
6- . في المصدر : «من ذكره» .
7- . في «الف»: - «فيه».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 76 _ 77 .

ص: 285

. .

ص: 286

الحديث الثامن والعشرون (1)روى في الكافي عن العِدَّةٌ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ بَعْضِ مَنْ رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ ، كَثِيرَ الصِّيَامِ ، فَلَا تُبَاهُوا بِهِ حَتّى تَنْظُرُوا كَيْفَ عَقْلُهُ» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثامن والعشرون».

ص: 287

هديّة : (1)أي كثير الطاعة المشروعة ، والمباهاة المفاخرة. (كيف عقله) أي حجّة دينه ، وطاعته بطاعة مفترض الطاعة. قال برهان الفضلاء : أي معرفته للحقّ. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا تباهوا» من المباهاة ، بمعنى المفاخرة ، أي لا تفتخروا بكونه كثير العبادة ولا تعدّوه من المفاخر. ويحتمل أن يكون من بَهَأَ به بهاءً ، مهموز اللّام ، مخفّف «لا تباهئوا» أي لا تؤانسوا به حتّى تنظروا كيف عقله ؛ فإنّه لا فخر بما ليس معه عقل ، فإنّ كلّ حُسن مستورٌ بقبح الجهل ، مضمحلّ معه. ومؤانسة غير العاقل غير مرضيّ عند العاقل (2) . انتهى. في القاموس بَهَأَ به _ مثلّثة الهاء _ بهاءً وبُهُوءا: أنس ، ك «ابْتَهَأَ) (3) .

الحديث التاسع والعشرون (4)روى في الكافي عن بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«يَا مُفَضَّلُ ، لَا يُفْلِحُ مَنْ لَا يَعْقِلُ ، وَلَا يَعْقِلُ مَنْ لَا يَعْلَمُ ، وَسَوْفَ يَنْجُبُ مَنْ يَفْهَمُ ، وَيَظْفَرُ مَنْ يَحْلُمُ ، وَالْعِلْمُ جُنَّةٌ ، وَالصِّدْقُ عِزٌّ ، وَالجَهْلُ ذُلٌّ ، وَالْفَهْمُ مَجْدٌ ، وَالْجُودُ نُجْحٌ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ مَجْلَبَةٌ لِلْمَوَدَّةِ ، وَالْعَالِمُ بِزَمَانِهِ لَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ اللَّوَابِسُ ، وَالْحَزْمُ مَسَاءَةُ الظَّنِّ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَالْحِكْمَةِ نِعْمَةُ الْعَالِمِ ، وَالْجَاهِلُ شَقِيٌّ بَيْنَهُمَا ، وَاللّه ُ وَلِيُّ مَنْ عَرَفَهُ ، وَعَدُوُّ مَنْ تَكَلَّفَهُ ، وَالْعَاقِلُ غَفُورٌ ، وَالْجَاهِلُ خَتُورٌ ؛ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُكْرَمَ ، فَلِنْ ؛ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُهَانَ ، فَاخْشُنْ ؛ وَمَنْ كَرُمَ أَصْلُهُ ، لَانَ قَلْبُهُ ؛ وَمَنْ خَشُنَ عُنْصُرُهُ ، غَلُظَ كَبِدُهُ ؛ وَمَنْ فَرَّطَ ، تَوَرَّطَ ؛ وَمَنْ خَافَ الْعَاقِبَةَ ، تَثَبَّتَ عَنِ التَّوَغُّلِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ ؛ وَمَنْ هَجَمَ عَلى أَمْرٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، جَدَعَ أَنْفَ نَفْسِهِ ؛ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ ، لَمْ يَفْهَمْ ؛ وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ، لَمْ يَسْلَمْ ؛ وَمَنْ لَمْ يَسْلَمْ ، لَمْ يُكْرَمْ ؛ وَمَنْ لَمْ يُكْرَمْ ، يُهْضَمْ ؛ وَمَنْ يُهْضَمْ ، كَانَ أَلْوَمَ ؛ وَمَنْ كَانَ كَذلِكَ ، كَانَ أَحْرى أَنْ يَنْدَمَ» .

.


1- . في «الف»: - «هديّة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 77 .
3- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 43 (بَهَأ) .
4- . في «الف»: - «الحديث التاسع والعشرون».

ص: 288

هديّة :(لا يفلح) على المعلوم من الإفعال، أي لا ينجو من لا يعرف أنّ النجاة بدون معرفة الإمام محال؛ يعني الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه _ وقد انحصرت الأعلميّة بما هو الحقّ في هذا النظام العظيم في مدبّره العليم الحكيم جلّت ثناؤه وتقدّست أسماؤه _ وأنّ الإمام روح لقالب هذا النظام ، فامتنع خلوّه _ ما دام دَوَرانه _ عن الإمام. (ولا يعقل من لا يعرف يعلم) أي لا معرفة لمن لا علم له بالمسائل الدينيّة بتوسّط الإمام. (وسوف ينجب من يفهم) أي يعدّ من النجباء في الآخرة من يفهم بإفهام الإمام الأنام ما يحتاجون إليه. و«النجابة» بالفتح : كرامة الذات، والنجيب ، وكهمزة : الكريم الحسب . نجب كحسن ، وأنجب : عدّ نجيبا . رجل منجب ، وامرأة منجبة ، ومنجاب : ولدت النجباء. (ويظفر من يحلم) أي بأعدائه في الجهاد الأكبر ، أو بمطالبه المشروعة في الدنيا والآخرة . «ظفر بعدوّه» كعلم ، وأظفره اللّه ، وظفره تظفيرا. و«حلم» كحسن ، من الحلم _ بالكسر _ وهو العقل والأناة. والمعنى الأوّل يناسب التفسير الأوّل للظفر ، كالثاني الثاني. (والعلم جنّة) أي العلم المأخوذ بتوسّط الإمام جنّة للقلب الممتحن بالجهاد الأكبر وفتنه . (والصدق عزّ) في الدنيا والآخرة، والكذب تقيّة ليس بكذب . (والجهل) بعدم معرفة الإمام (ذلّ) ومغلوبيّة. (والفهم مجد) أي بإفهام الإمام. (والجود نجح)؛ في بعض النسخ المعتبرة : «والجود بالمال» و«النّجح» بالضمّ، كالنجاح بالفتح : الظفر بالحوائج ، نجح (1) كنصر . و«المجلبة» بالفتح : من أسماء المكان من باب نصر وضرب للكثرة . «والعالم بزمانه) أي بأطوار زمانه ، وأوضاع أبناء دهره . «هجم عليه» كنصر دخل بغتةً فأحاطه وغشيه. و(اللّوابس): الملبسات من الشبهات ، والأغاليط ، وخطوات الشيطان كالتي ألقت المخالفين في المهالك من المناقب المذكورة في كتبهم لطواغيتهم ، كالاصطحاب، والمعاونة والمجاورة وغير ذلك. (والحزم): إحكام الأمر وضبطه قبل أن يتطرّق إليه فساد «سوء الظنّ» بما هو مخالف ظاهرا لما هو مقطوع بحسنه واجب حتّى تظهر حقيقته ، وتظهر ؛ إذ لا يدفع اليقين بالشكّ ، ومن احتاط فضبط أمره على تقدير مساءة معاشره مثلاً قبل ظهور حقيقة حاله له ، وعاشر معه بمقتضى حسن ظنّه به فهو حازم. ولا منافاة بين مساءة الظنّ بترك الإضرار والاحتياط منه . (وبين المرء والحكمة نعمة العالم ، والجاهل شقيّ بينهما)، يعني الواسطة المصلح الموجب للمواصلة بين المرء وما هو العلم حقّا إنّما هو التشيّع ومعرفة الإمام، فجرى عليه السلام في التعبير عن التشيّع بالنعمة على نسق القرآن، ونظير قوله تبارك وتعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» (2) كثير في الكتاب الكريم . ووجه إضافتها إلى العالم بمعنى الإمام ظاهر . و«الجاهل» أي غير الشيعة أجنبيّ بمعزل عنهما . وللعبارة وجوه سنذكر طائفة منها إن شاء اللّه تعالى . (واللّه وليّ من عرفه) كما عرّف به نفسه ، وأخبر به الحجّة المعصوم العاقل عنه سبحانه. والعبارة كناية عن أنّ وليّ اللّه إنّما هو المؤمن باللّه واليوم الآخر ، على ما هو الحقّ عقلاً عن الحقّ ، وأنّ عدوّ اللّه غير الموصوف حكاية أمر البسطامي من القدريّة بأمر اللّه سبحانه مريديه أن يضربوه بالسكاكين والخناجر عند وجده وتكلّمه بكلمات الكفر . وكذا حكاية رؤيا الحلّاج منهم حصنا حصينا لا خلل فيه إلّا بقدر رأسه الذي سيقطع ويوضع في ذلك الخلل لسدّه. وفي قوله عليه السلام : (وعدوّ من تكلّفه) إشارة لطيفة إلى تكلّف القدريّة العرفان بالاتّصال والاتّحاد. (والعاقل غفور). في بعض النسخ المعتبرة : «والعالم» مكان «والعاقل». عبّر (3) عليه السلام عن الحليم بالغفور كناية ؛ للمبالغة ، وأكّد بصيغتها . و«الختور»: فعول من الختر ، وهو الغدر والخديعة. قال في القاموس: أو أقبح الغدر كالختور بالضمّ . (4) وضبط في بعض النسخ بالثّاء المثلّثة من الخثورة ، وهي نقيض الرقّة . لبن خثور خاثر جدّا ، أي غليظ بيّن الغلظة. (خشن) ككرم . و«عنصر الشيء» بالضمّ أصله. والمراد هنا السجيّة والطبيعة. و«الكبد» بالفتح ويكسر ، وككتف يذكّر ويُؤنّث . كأنّه هنا تعبير عن القلب؛ إيماءً إلى أنّ الجاهل لا قلب له ، وأكثر إطلاق القلب إلى محلّ الإيمان. قال اللّه تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» (5) . (ومن فرّط تورّط) أي من قصّر في طلب الخير والنجاة بطاعة مفترض الطاعة وقع في ورطات الشرّ والهلاك. و«التثبّت» كالتوقّف لفظا ومعنىً. و(التوغّل): الدّخول في الشيء مستعجلاً بتمام البدن. (فيما لا يعلم) أي فيما لا علم له به عن الإمام الحقّ. و«الجدع» بالجيم والمهملتين : قطع الأنف ، وهو كناية عن الخزي والذلّ . (ومن لم يعلم) عن الإمام (لم يفهم) ما هو الحقّ في هذا النظام . (يهضّم) على المضارع المجهول من التفعيل ، أو الماضي المعلوم من التفعّل ، أي يهلك أو هلك. (كان ألوم) أي ملوما جدّا . «ندم» كعلم ندامةً بالفتح ، أي كان أحرى أن يكفّ من اهتمامه بالمخالفة ، وزيادة الاهتمام بها توجب اشتداد العقوبة وتضاعفها. قال برهان الفضلاء: «والجود» بالمال «نجح»؛ أي سيّما في زمن التقيّة ؛ دفعا لضرر الأعداء . و«المجلبة» بالفتح : للمكان ، من باب ضرب ونصر ، للكثرة والمبالغة . و«اللّوابس»: إشارة إلى شبهات المخالفين بخدمات المرتدّين من الأصحاب في إقامتهم وظعنهم وإعانتهم الإسلام بأموالهم وأنفسهم ، ومواصلتهم مع النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومضاجعتهم في جوار مقبرته وغير ذلك من مدائحهم المذكورة في كتب أهل الضلال، كما يجيء في كتاب الروضة بعد حديث نوح عليه السلام : «واللّه »، ما أعجب ممّن هلك كيف هلك ، ولكن أعجب ممّن نجا كيف نجا؟!» (6) يعني ممّن هلك بعد مضيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولكن أعجب ممّن نجا من فتن ذلك الامتحان العظيم. قال اللّه تبارك وتعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» (7) . «وبين المرء والحكمة» برفع المضاف و«نعمة العالم» بفتح النون، أي تنعّم الإمام وسروره. «والجاهل شقيّ بينهما» بإضافة الشقيّ إلى البين ، يعني المواصلة بين المرء. والحكمة سرور الإمام . والمراد بالحكمة ، أخذ العلم عن الإمام ، وترك العمل بالظنّ فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف من دون مكابرة وتعاند . والبارز في «تكلّفه» لمصدر «عرفه» . «لم يسلم» على المعلوم من باب علم . «لم يكرم» على المعلوم من باب حسن ، أو المجهول من الإفعال. «يهضّم» على الماضي المعلوم من التفعّل . «ألوم»: افعل التفضيل للمفعول . «أن يندم» في تقدير : بأن يندم. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه : «بين المرء والحكمة نعمة العالم» قصده عليه السلام الإشارة إلى ما سيجيء مفصّلاً في كلامهم عليهم السلام من انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: عالمٌ ربّاني ، ومتعلّم منه ، وصاحب الجهل. وإلى أنّ العالِم نعمة عظيمة بين المتعلّم وبين الحكمة ؛ لأنّه يحلّيه بحلية الحكمة، وصاحب الجهل شقيّ بين المرء وبين الحكمة . ويمكن أن تكون النعمة مضافة إلى العالم إضافة بيانيّة ، وأن يكون العالم مبتدأ متأخّرا عن خبره ، وهو النعمة. والموجود في النسخ كلّها : «والجاهل شقيّ بينهما» وهو ضدّ السعيد . ولا يزال يختلج بالبال أنّ هنا سهوا من قلم ناسخ، وأنّ صوابه : «شفيّ عنهما»، وشفا كلّ شيء: حرفه ، على وزن نوي. والمراد أنّ العالم الربّاني نعمة من اللّه تعالى على المرء الذي يريد تعلّم الحكمة، وصاحب الجهل المركّب كأصحاب الرأي في طرف عنهما (8) . انتهى . ما خطر بباله رحمه اللهمن الاحتمال كما ترى. وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: أفاد شيخنا الشيخ محمّد الحائري سبط الشهيد الثاني رحمهما اللّه : إضافة «النّعمة» إلى «العالم» بيانيّة ، يعني وبين المرء والحكمة وجود العالم نعمة ؛ لأنّه يرتبط بينهما بالتعليم والترغيب. وقال الشيخ بهاء الملّة والدِّين رحمه الله: «وبين المرء والحكمة نعمة» مبتدأ وخبر ، و«النعمة» بمعنى ما يتنعّم به. وقوله : «العالم والجاهل شقيّ بينهما» كلام آخر مبتدأ وخبر ، و«الشقي» بمعنى التعبان كما في قوله تعالى: «وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى» (9) . وحاصل المعنى : أنّ بين المرء والحكمة نعمة ، والجاهل والعالم بين هذه النعمة والحكمة في تعب ؛ لأنّ العالم يميل إلى النعمة، وهو من الحرمان عن الحكمة في ألم وتعب، والجاهل يميل إلى النعمة، وهو من الحرمان عن الحكمة في كلفة ونصب. وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي: لعلّ المراد أنّ الرجل الحكيم من لدن عقله وتمييزه إلى بلوغه حدّ الحكمة يتنعّم بنعمة العلم ونعيم العلماء ، فإنّه لا يزال في نعمة من أغذية العلوم وفواكه المعارف ؛ فإنّ معرفة الحضرة الإلهيّة لروضة فيها عينٌ جارية (10) ، وأشجارٌ مثمرة قطوفها دانية (11) ، بل جنّة عرضها كعرض السماء والأرض (12) . والجاهل بين مبدأ أمره ومنتهى عمره في شقاوة عريضة ، وطول أمل طويل ، ومعيشة ضنك (13) ، وضيق صدر (14) ، وظلمة قلب إلى قيام ساعته وكشف غطائه ، وفي الآخرة عذاب شديد. (15) وقال بعض المعاصرة من تلامذة هذا الفاضل الشيرازي: نعمة العالم بفتح النون يعني أنّ الموصل للمرء إلى الحكمة تنعّم العالم، بعلمه، فإنّه إذا رآه المرء انبعثت نفسه إلى تحصيل الحكمة، أو إضافة النعمة بكسر النون بيانيّة، أي العالم الذي هو نعمة من اللّه سبحانه يوصل المرء إلى الحكمة بتعليمه له إيّاها، والجاهل شقيّ بينهما، أي له شقاوة حاصلة من بين المرء والحكمة أو المتعلِّم والعالم؛ وذلك لأنّه لا يزال يتعب نفسه إمّا بالحسد أو الحسرة على الفوت أو السعي في التحصيل مع عدم القابليّة للفهم. (16) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا يفلح من لا يعقل». الفلاح : الفوز والنجاة . والمراد بمن لا يعقل : من لا يتبع حكم العقل ، ولا يكون عقله مستوليا على قوى نفسه ، ولا يعقل ولا يستولي عقله على قوى نفسه من لا يحصّل العلم ولا يصير ذا علم ؛ فإنّه بالعلم من جنوده يحصل له الاستيلاء والغلبة . «وسوف ينجب من يفهم». النجيب : الفاضل النفيس في نوعه. والمراد أنّه من يكون ذا فهم فهو قريب من أن يصير عالما ، ومن صار عالما فقريب من أن يستولي ويغلب عقله على قوى نفسه وهواه . وكذا «يظفر من يحلم» ، أي يعقل ، أو يكون ذا أناة ، وهو من آثار غلبة العقل على القوى الغضبيّة والشهوانيّة ، فلا يسرع إلى مقتضاهما، فالظفر بالمقصود والفوز يحصل له عن قريب. «والعلم جُنّة» أي وقاية من غلبة القوى الشهوانيّة والغضبيّة والدواعي النفسانيّة، ومن أن يلبس عليه الأمر ويدخل عليه الشّبه . وهذا شروع في ذكر محاسن بعض من جنود العقل، فذكر العلم أوّلاً، ثمّ الصدق من جنوده، فقال: «والصدق عزّ»، أي شرف ، أو قوّة وغلبة. والمراد بالصدق هنا الصدق في الاعتقاد، ولذا قابله بالجهل؛ فإنّ الاعتقاد الكاذب جهلٌ، كما أنّ الاعتقاد الصادق علم. «والفهم مجد» والمجد نيل الشرف والكرم . «والجود» بالمال «نجح»، والنجح _ بضمّ النون والحاء المهملة بعد الجيم _ : الظفر بالحوائج. و«المجلبة»: إمّا مصدر ميمي حمله على حسن الخلق ، كما حمل سائر المصادر السابقة على سائر الصفات مبالغة ، أو اسم مكان، والأوّل أوفق بنظائره . ولمّا ذكر أنّ العقل بجنوده من العلم، والفهم والصدق مناط الفلاح والعزّ والمجد، وكان فيه الدلالة على بطلان الطواغيت؛ لجهلهم وخلوّهم من الفهم والصدق والعلم وانقياد العقل ، بل اتّبعوا أهواءهم ، فادّعوا لأنفسهم ما ليس لهم ، وتركوا الحقّ وأهله وظلموهم ، فكان مظنّة توهّم أنّه كيف يجوز على الجمع الكثير كثرةً لا يخرج عنها إلّا قليلٌ نادر مثلُ هذا الاتّفاق على ترك الحقّ مع ظهوره عليهم أو على أكثرهم ، واتّباع الأهواء والابتداع الآراء الباطلة؟! فأزال عليه السلام هذا الوهم بقوله: «والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس» ، أي لايدخل عليه الشبهات. أو المراد من الهجوم : الدخول بقوّة وغلبة ؛ فإنّ العالم بزمانه يعرف أنّ أهل الزمان مع كثرتهم وبلوغهم أضعاف اُولئك قلّما يرى في جماهيرهم ووجوه مشاهيرهم من لا يستكبر عن الإقرار بالحقّ ولا يتّبع هواه ، حتّى من يبالغ منهم في السداد وإظهار الصلاح والتقوى والفلاح ، فانضمّ فيهم الإضلال إلى الضّلال ، وتقوّى ضلالهم بالإضلال . وعسى أن يكون الإقرار بالحقّ والانقياد له عند القليل النادر المتروك عندهم، المذموم لديهم ، المحسود لهم ، فيبغضونه للتعازف (17) الذي بينهم ، وينكرونه ؛ تقويةً لباطلهم ، وترويجا له ، كما كان في أسلافهم حذو النعل بالنّعل ، بل البَطَلَة من أهل هذه الأزمان أسوء حالاً وأشدّ خسرانا من اُولئك الظلمة من السابقين ؛ حيث لا ينالون باستكبارهم عن الحقّ ما نالوه من الدنيا، بل شروا الحقّ بثمنٍ بخس؛ تسلية أنفسهم بإخفاء الحقّ والتلبيس على الحمق والوجاهة عندهم . ثمّ لمّا كان مظنّة أن يقال : الظنّ بالسلف أنّهم مثل أبناء هذه الأزمان بل تجويز ذلك من سوء الظنّ بهم، فقال عليه السلام : «والحزم مساءة الظنّ». الحزم : إحكام الأمر وضبطه والأخذ فيه بالثقة ، والمساءة : مصدر ميميّ . والمراد أنّ إحكام الأمر وضبطه والأخذ بالثقة وتحصيل العلم فيه يوجب سوء الظنّ بهم ، أو يترتّب على سوء الظنّ بهم وتجويز كونهم مثل هؤلاء ؛ فإنّه لو لم يجوّز ذلك لحسن الظنّ بهم لم يُتّبع ولم يُسْعَ في طلب معرفة الحقّ ، فلا يحصل له العلم بالحقّ ، فمن يريد تحصيل العلم والاعتقاد الجازم الثابت يبني الأمر على تجويز السوء منهم أوّلاً حتّى يتبيّن (18) الأمر بالبيّنة ، ومن يجوّز السوء بهم يوصله ذلك التجويز إلى إحكام الأمر والبناء فيه على الموثوق به الذي يوجب الاعتقاد الجازم الثابت. ولعلّ المراد بكون الشيء بين المرء والحكمة كونه موصلاً للمرء إلى الحكمة وواسطة في حصولها (19) ، كما في رواية جابر عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «بين العبد والكفر ترك الصلاة» (20) ؛ أي ترك الصلاة موصل للعبد إلى الكفر. والغرض أنّ ما أنعم اللّه به على العالِم من العلم والفهم والصدق على اللّه واسطة للمرء يوصله إلى الحكمة، فإنّ المرء إذا عرف حال العالم اتّبعه وأخذ منه، فيحصل له الحكمة ومعرفة الحقّ والإقرار به والعمل على وفقه. وكذا بمعرفة حال الجاهل وأنّه (21) غير عالمٍ فَهِمٍ صادقٍ على اللّه يترك متابعته والأخذ منه ، ويسعى في طلب العالم فيطّلع عليه ويأخذ منه. فالجاهل باعتبار سوء حاله باعث بعيد لوصول المرء إلى الحكمة ، فهو شقيّ محروم توصل معرفة حاله المرء إلى سعادة الحكمة ، وهذا الكلام كالتفصيل والتأكيد لما سبقه. ويحتمل أن يحمل البينيّة في الاُولى على التوسّط في الإيصال ، وفي الثانية على كون الشيء حاجزا مانعا من الوصول ، والجاهل شقيّ مانع من الوصول إلى الحكمة . ولا يبعد أن يُقال : المراد بنعمة العالم العالمُ نفسُه ، والإضافة بيانيّة ، أو يكون «العالم» بدلاً من قوله «نعمة»، فإنّ العالم من أشرف ما أنعم اللّه بوجوده على عباده . وقد قيل في معنى هذه العبارة وجوهٌ اُخر بعيدة تركناها محافظة (22) الإطناب . «من تكلّفه»، أي تكلّف العرفان. والمراد (23) إراءة ما ليس له من المعرفة . و«الغفور» إمّا من غفره ، بمعنى غطّى عليه ، وعفا عنه . أو من غفر الأمر ، أي أصلحه. و«الختّور» إمّا من الخَتْر بمعنى المكر والخديعة ، أو من الخَتْر بمعنى خباثة النفس وفسادها. و«من فرّط تورّط»، أي من عجّل ولم يتفكّر العواقب، بل عمل بمقتضى القوى الشهوانيّة والغضبيّة وقع في الورطة ، أي فيما يعسر الخروج منها. «ومن خاف العاقبة» . وذلك بتفكّره في العواقب . «ثبّت عن التوغّل فيما لا يعلم»، أي الدخول فيه باستعجالٍ ، بل لا يدخل فيه إلّا بعد معرفة حاله ، والعلم بمآله. «جدع أنف نفسه» : قطع، أي جعل نفسه ذليلاً غاية الذلّ . «ومن لم يعلم»، أي لم يكن عالما بشيء «لم يفهم» لم يميّز بين الحقّ والباطل. «ومن لم يفهم لم يسلم» أي من ارتكاب الباطل في شيء أصلاً ، أمّا في ارتكاب الباطل فظاهر، وأمّا في ارتكابه الحقّ _ إن اتّفق _ فلأنّ القول به بلا علم هلاكٌ وضلالةٌ. «ومن لم يسلم لم يكرم» على البناء للمفعول ، أي لم يعزّز بل يخذل، أو على البناء للفاعل ، أي لم يكن شريفا فاضلاً. «ومن لم يكرم يهضم» على البناء للمفعول ، أي يكسر عزّه ويُهان ، أو يُترك مع نفسه ويوكّل أمره إليه. وفي بعض النسخ «تهضّم» من التفعّل ، أي يكون مطلوبا لنفسه؛ أي ظالما عليها (24) . انتهى. أنت خبير بأنّ أوجه الوجوه المحتملة فيما هو الصعب المستصعب من كلامهم عليهم السلام ما هو الأوفق بمجاري ما هو الأهمّ من مقاصدهم صلوات اللّه عليهم.

.


1- . في «الف»: - «نجح».
2- . المائدة (4) : 3 .
3- . في «ب» : «عبّر عنه» . ولعلّ الصحيح ما أثبتناه .
4- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 489 (ختر) .
5- . ق (50) : 37 .
6- . الكافي ، ج 8 ، ص 275 ، ح 415 . ولايكون بعد حديث نوح .
7- . سبأ (34) : 20 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 89 _ 90 .
9- . الأعلى (87) : 11 .
10- . إشارة إلى آية 12 من الغاشية (88) .
11- . إشارة ، إلى آية 23 من الحاقّة (69) .
12- . إشارة إلى آية 21 من الحديد (57) .
13- . إشارة إلى آية 124 من طه (20) .
14- . إشارة إلى آية 125 من الأنعام (6) .
15- . شرح الاُصول الكافي، ص 116.
16- . الوافي ، ج 1 ، ص 119 _ 120 .
17- . في المصدر : «للتعارف» بالراء المهملة .
18- . كذا في المصدر ، وفي «ب» : «يتبنّى».
19- . في المصدر : + «له» .
20- . جامع الأخبار ، ص 73 ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج 79 ، ص 202 ، ذيل الحديث 2 . وهذا الحديث مروي في كتب العامة بعبارات مختلفه ، راجع : تفسير ابن كثير ، ج3 ، ص 172 ، ذيل الآية 60 من سورة مريم (19) ؛ الدر المنثور ، ج 1 ، ص 711 ذيل الآية 253 من سورة البقرة (2) .
21- . ما أثبتناه من المصدر ، وفي «ب» و «ج» : «فإنّه» .
22- . في المصدر : «لمخافة» بدل «محافظة» .
23- . في المصدر : + «به» .
24- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 78 _ 84 ، بتفاوت في بعض الكلمات ، وبإسقاط وتلخيص في بعض العبارات .

ص: 289

. .

ص: 290

. .

ص: 291

. .

ص: 292

. .

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

الحديث الثلاثون (1)روى في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :«مَنِ اسْتَحْكَمَتْ لِي فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ ، احْتَمَلْتُهُ عَلَيْهَا ، وَاغْتَفَرْتُ فَقْدَ مَا سِوَاهَا ، وَلَا أَغْتَفِرُ فَقْدَ عَقْلٍ وَلَا دِينٍ ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الدِّينِ مُفَارَقَةُ الْأَمْنِ ، فَلَا يَتَهَنَّأُ بِحَيَاةٍ مَعَ مَخَافَةٍ ، وَفَقْدُ الْعَقْلِ فَقْدُ الْحَيَاةِ ، وَلَا يُقَاسُ إِلَا بِالْأَمْوَاتِ» .

هديّة :«أحكمت الأمر فاستحكم»: صار محكما . والمستحكم بكسر الكاف : المحكَم بفتحها ، فإن صحّ استحكام الشيء بمعنى إرادة إحكامه صحّ المستحكم _ بفتح الكاف _ فيجري الوجهان في (استحكمت). والمعنى على التقديرين : من صارت لي فيه خصلة من جنود العقل مستحكمة بحيث تصير خُلقا له ومَلكة راسخة فيه كما في الخليق والسخيّ . و(لي): دلالة على أنّ المراد ب «من» من أظهر ولايته عليه السلام . (احتملته عليها) أي قبلته لأجلها بأنّه من شيعتي ، ورحمتُه في الدنيا ، وشَفَعتُ له في الآخرة . (واغتفر فقد ما سواها)؛ يعني إذا كان ذا عقل قاطع بحقّيّة دينه . وقد مرّ مرارا أنّ القطع لن يُحصل بدين إلّا عن الحجّة المعصوم العاقل عن الربّ الحكيم المنحصر فيه الأعلميّة بما دبّر في هذا النظام العظيم . وفي عطف (ولا دين) إشارة إلى مضمون الحديث الثاني ، وفيه تخيير آدم عليه السلام بين العقل والحياء والدِّين ؛ لأنّ مفارقة الدِّين مفارقة الأمن الحاصل من القطع ، فلا يهنأ بحياة مع مخافة حاصلة من عدم اليقين ، ألا يُرى أنّ الجاحد لليوم الآخر على ما أخبر به الحجج عليهم السلام لا يمكنه نفي احتماله. (2) ونِعمَ ما قيل : واي بر منكران آن ديوان كه ندارند تاب شايدان. و«التهنّؤ» على التفعّل : صيرورة الشيء هنيئا ، أي (فلا يتهنّأ) شيء (3) لمفارق الأمن بسبب حياة تكون مع مخافة من الضلال والعذاب. ويحتمل المجهول، فالباء للتعدية. (وفقد العقل) أي العقل الموصوف ، وهو عقل الإيمان . (ولا يقاس) أي فاقده. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «استحكمت» على المعلوم ، أي صارت ثابتة محكمة . «احتملته عليها»، أي عددته لأجلها من شيعتي . «ولا أغتفر فقد عقل»، أي عقل مستلزم للدِّين . «فلا يتهنّأ» على المعلوم ، والباء للملابسة. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: «الخصلة» _ بالفتح _ يستعمل في الصفات ، فضائلها ورذائلها ، واستعمالها في الفضائل أكثر. ويُقال: أحكمتها فاستحكمت ، أي صارت محكمة. والمراد صيرورتها مَلكة . و«لي» باعتبار تضمين معنى الثبوت ، أو ما شابهه . «احتملته عليها»، أي احتملته كائنا عليها . «واغتفرت فقد ما سواها» من خصال الخير ، وما آخذتُه بفقدها و ارتضيت بحاله هذه له . والحاصل تجويز نجاته بسبب الخصلة الواحدة . والمراد بخصال الخير الخصال الذي من توابع الخير . وقد سبق أنّ الخير من جنود العقل وزيره ، فالعقل خارج من خصال الخير ، وكذا الدِّين ؛ فإنّه لا يُعدّ خصلة عرفا. فالمعنى أنّ من وجدتُه ذا خصلة واحدة محكمة فيه من خصال الخير ، قبلتُه ورضيت باحتماله ، وتجاوزت عن فقد ما سواها. وأمّا العقل والدِّين فليسا ممّا يُكتفى بأحدهما عن الآخر ، أو يكتفى عنهما بغيرهما، بل إنّما يكتفى في القبول بالخصلة الواحدة من خصال الخير بعد العقل والدِّين كما قال عليه السلام : «ولا أغتفر فقد عقل ولا دين» . ويمكن أن يجعل هذا القول قرينةً على كون المراد بخصال الخير ما عداهما. ويحتمل أن يكون المراد بخصال الخير هنا ما يشتمل (4) العقل والدِّين ، ويكون «ولا أغتفر» كالاستثناء. ثمّ استدلّ على أنّ فقدان العقل والدِّين لا يغتفر، ولا يقبل فاقد أحدهما بقوله: «لأنّ مفارقة الدِّين مفارقة الأمن». وهذا أقلّ مراتبه التي يجامع العقل التي هي الإقرار ظاهرا والتمسّك تكلّفا. والمفارقة (5) حقيقةً كالداعي بلا علم ، والمتّبع لغير العالم ، الآخذ معالم دينه من الجاهل، فمن كان كذلك كان خائفا ؛ لعدم علمه بإصابة (6) الحقّ ، وإجابته لما دعي إليه، ومن كان كذلك يُخاف عليه أن لا يخرج من الدنيا إلّا بعد تسلّط الشيطان عليه ، واتّباعه لوساوسه المؤدّية إلى الكفر، نعوذ باللّه من شرّه. «فلا يتهنّأ بحياة مع مخافة» . في المصادر : «التهنّؤ: گوارنده شدن». والبناء للمفعول والباء للتعدية. ويمكن أن يكون المراد بالحياة هنا المعرفة المتعلّقة باللّه تعالى ، وبالنبيّ صلى الله عليه و آله ، وبالكتاب المجيد ، وحقّيّة الشريعة ، فمن لم يحصّل العلم بمعضلات (7) الأحكام من مأخذه الذي ينبغي أن يأخذ منه ، وآثر اتّباع الجاهل ، وتَرَك اتّباع العالم ، كان مخافة أن يزول عنه حياته التي كانت له ، ومعرفته التي حصلت له . «وفقد العقل فقد الحياة ؛ فإنّ حياة النفس بالعقل وبالمعرفة، كما أنّ حياة البدن بالنفس . «ولا يقاس إلّا بالأموات»، أي لا يُقدَّر فاقد العقل إلّا على مثال الأموات؛ يُقال : قِسْتُ الشيء بالشيء إذا قدّرته على مثاله. (8)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثلاثون».
2- . في «الف»: «احتمال».
3- . كذا في «ب» .
4- . كذا في «ب» وفي المصدر : «يشمل» .
5- . في المصدر : «والمفارق» .
6- . في المصدر : «بإصايته» .
7- . في المصدر : «بمفصّلات» بدل «بمعضلات» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 84 _ 86 ، بتفاوت في بعض الألفاظ .

ص: 299

. .

ص: 300

الحديث الحادي والثلاثون (1)روى في الكافي عن عَلِيُّ (2) ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُحَارِبِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسى ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلى ضَعْفِ عَقْلِهِ» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الحادي والثلاثون».
2- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم» .

ص: 301

هديّة :«محارب» كمصاحب : أبو قبيلة . قد سبق قوله عليه السلام في الثاني عشر ببيانه : «ويرى الناسَ كلَّهم خيرا منه ، وأنّه شرّهم في نفسه وهو تمام الأمر». يعني ينبغي لكلّ أحد أن يظنّ أنّه لا ذلّ منه في مقام العبودية ، ولا أكثر تقصيرا منه في العبادة ، فبقدر عجب المرء وتكبّره ناقص عقله ، وضعيف إيمانه. قال برهان الفضلاء: المراد ب «إعجاب المرء بنفسه»: إدباره في مواضع الإقبال بالمعنى الذي ذكرناه في بيان الأوّل ، أو الأعمّ منه موافقا لما يجيء في السابع من باب استعمال العلم ، الباب الرابع عشر من قوله عليه السلام : «فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشيطان عليه». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الإعجاب» مصدر مبنيّ للمفعول اُضيف إلى المفعول ، أي كون المرء معجبا بنفسه. و«العُجب» : أن يظنّ الإنسان بنفسه منزلة لا يستحقّها ويصدّق نفسه في هذا الظنّ تصديقا ما، وذلك إنّما يحصل من قلّة التميّز والمعرفة وضعف العقل ، فهو دليل على ضعف عقله. (1)

الحديث الثاني والثلاثون (2)روى في الكافي وقال: أَبُو عَبْدِ اللّه ِ الْعَاصِمِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَهُ أَصْحَابُنَا وَذُكِرَ الْعَقْلُ ، قَالَ : فَقَالَ :«لَا يُعْبَأُ بِأَهْلِ الدِّينِ مِمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ مِمَّنْ يَصِفُ هذَا الْأَمْرَ قَوْما لَا بَأْسَ بِهِمْ عِنْدَنَا، وَلَيْسَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْعُقُولُ؟ فَقَالَ : «لَيْسَ هؤُلَاءِ مِمَّنْ خَاطَبَ اللّه ُ ، إِنَّ اللّه َ (3) خَلَقَ الْعَقْلَ ، فَقَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، وَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، فَقَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، مَا خَلَقْتُ شَيْئا أَحْسَنَ مِنْكَ _ أَوْ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ _ بِكَ آخُذُ ، وَبِكَ أُعْطِي» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
2- . في «الف»: - «الحديث الثاني والثلاثون».
3- . في الكافي المطبوع : + «تعالى».

ص: 302

هديّة :أبو عبداللّه العاصمي ، هو أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة بن عاصم الشهير (1) بالعاصمي ، ثقة . (يصف) أي يعرف . (لا بأس بهم) أي بحسب الاعتقاد الممدوح ، وكونهم من الاثني عشريّة وتولّيهم وتبرّئهم الواجبين . (وليست لهم تلك العقول) أي التي لعلماء الإماميّة وكمّلهم . وهي أخصّ من التي مناط التكليف. (فقال : «ليس هؤلاء ممّن خاطب اللّه ) أي قصدا بالذات. والمقصود بالذات من الخطاب المذكور بقوله: (بك آخذ وبك أُعطي): خواصّ الشيعة؛ لقوله عليه السلام : (لا يعبأ بأهل الدِّين ممّن لا عقل له) أي بحسبك اُعاقب واُثيب في البرزخ والآخرة. وقد سبق في السابع : «إنّما يداقّ اللّه العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا». والمراد أنّ الدقّة في حساب الشيعة على قدر كمال عقله ، وكثرة المساهلة معهم على قدر قلّة كمالهم ، إلّا أن يغترّ بطريقة الصوفيّة ويتمادى حتّى يثبت اسمه في كتاب الفجّار وتحقّ (2) عليه كلمة العذاب . (3) والشكّ من الراوي. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «أخذ» على المتكلّم وحده من باب نصر. والظاهر أنّ تكرار كلمة «بك» للدلالة على أنّ ذلك الأخذ أخذُ عزيزٍ مقتدرٍ . إنّما هو بالنظر إلى الذين أخلّوا بالعقل ولم يتّصفوا به. و«الإعطاء» إنّما هو بالنسبة إلى الذين راعوه واتّصفوا به . وهذا بناءً على أنّ خلق الجنّ والإنس لأجل عبادة المؤمنين موافقا لاختياره في الآيتين من سورة الذاريات: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» (4) . والاحتمال عود ضمير «يعبدون» إلى المؤمنين. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله عليه السلام : «لا يعبأ بأهل الدِّين لمن لا عقل له»: في بعض النسخ : «بمن لا عقل له» فيكون بدلاً عن قوله: «بأهل الدِّين». والمعنى أنّه لا يبالي بمن لا عقل له من أهل الدِّين ، أي لا يعدّ شريفا ، ولا يلتفت إليه ، ولا يُثاب على أعماله ثوابا جزيلاً . «انّ ممّن يصف هذا الأمر»، أي إنّ ممّن يقول بقول الإماميّة «قوما لا بأس بهم» في الاعتقاد والعمل «عندنا» أي في بلادنا ، أو باعتقادنا . «وليست لهم تلك العقول» دلّ بإتيان لفظة «تلك» _ وهي للإشارة إلى البعيد _ على علوّ درجة العقول المسلوبة عنهم ؛ إشارةً إلى أنّ لهم قدرا من العقل اهتدوا به إلى ما اهتدوا به ولكن قريب المنزلة من إدراك الحواسّ والمشاعر . وغرضه السؤال عن حالهم، أيُعبأ بهم أم لا؟ «فقال: ليس هؤلاء ممّن خاطب اللّه ، إنّ اللّه خلق العقل» إلى قوله: «ما خلقت شيئا أحسن منك، أو أحبّ إلىّ منك» . هذا ترديد من الراوي. وفي قوله: «بك آخذ وبك اُعطي» دلالة على أنّ المؤاخذة بالمعاصي ، والإعطاء بالإطاعة والانقياد بالعقل ، وهو مناطهما ، فكلّما كمل كثرت المؤاخذة والإعطاء ، وكلّما نقص قلّ (5) المؤاخذة والإعطاء ، فيصل إلى مرتبة لا يبالي بهم ، ولا يهتمّ بأمرهم، ولا يشدّد ولا يضيّق عليهم. (6)

.


1- . في «ب، ج»: «اشتهر».
2- . في «الف»: «يحقّ».
3- . اقتباس من الآية 19 من الزمر (39) .
4- . الذاريات (51) : 55 _ 56 .
5- . في المصدر : «قلّت» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 _ 87 .

ص: 303

. .

ص: 304

الحديث الثالث والثلاثونروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ البرقى (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَيْسَ بَيْنَ الْاءِيمَانِ وَالْكُفْرِ إِلَا قِلَّةُ الْعَقْلِ» . قِيلَ : وَ كَيْفَ ذَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ؟ قَالَ : «إِنَّ الْعَبْدَ يَرْفَعُ رَغْبَتَهُ إِلى مَخْلُوقٍ ، فَلَوْ أَخْلَصَ نِيَّتَهُ لِلّهِ ، لَأَتَاهُ الَّذِي يُرِيدُ فِي أَسْرَعَ مِنْ ذلِكَ» .

هديّة :(رغبته) أي حاجته . (لأتاه) من الإتيان ، أو من الإيتاء بمعنى الإعطاء. والمشار إليه ل (ذلك) مصدر (يرفع)، يعني أنّ الواسطة التي تفرق الكفر الموجب للنّار من الإيمان الكامل إنّما هي (قلّة العقل). والغرض أنّ لها كما لطرفها مراتب ، ويتفاوت قربا وبُعدا بحسب تفاوت مراتب العقل كمالاً ونقصانا. وكما أنّ انتهاء مراتب قلّة العقل عقل الإيمان بالولاية إلى الكفر الموصوف ، فانتهاء مراتب كثرته إلى الإيمان الكامل الذي لا أكمل منه. وكفر العاصي حالة العصيان محمول بالاتّفاق على نقص الإيمان إلى الكفر الموجب للنار وإن كان موجبا لعقاب البرزخ لو لم يوفّق للتوبة. وهذا البيان سيفصّل في كتاب الإيمان والكفر إن شاء اللّه تعالى. وقال برهان الفضلاء: يعني ليس حاجز يمنع الإيمان عن أن يغلب على الكفر سوى قلّة العقل. والمراد من المثال بيان أنّ قلّة العقل كما توجب مثل هذا الفساد توجب فسادا أسوء منه ، وهو الكفر. والمشار إليه ل «ذلك» : زمان الرفع، أو زمان إعطاء المخلوق حاجة مثله. وقال السيّد الباقر الشهير بداماد ، ثالث المعلِّمين: يمكن أن يكون المراد أنّ بين شكر النعمة وكفرانها ليس إلّا قلّة العقل. (2) وسيجيء أنّ للكفر خمسة معان؛ منها: كفران النّعمة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: أي ليس المخرِج من الإيمان إلى الكفر إلّا قلّة العقل. ولمّا كان الإيمان من الفطرة وبمنزلة الثابت لكلّ أحد، فمن كفر كان خارجا من الإيمان إلى الكفر، قال : «ليس بين الإيمان والكفر» أي ما يوصل من الإيمان إلى الكفر «إلّا قلّة العقل». «وكيف ذلك يابن رسول اللّه ؟» أي كيف إيصال قلّة العقل إلى الكفر؟ «قال: إنّ العبد يرفع رغبته» أي مرغوبه ومراده من حوائجه إلى مخلوق ؛ لقلّة عقله واعتقاده أنّ الحصول لا يكون إلّا بالرفع إليه ، فيعظّمه ويتذلّل له ويتّخذه ربّا معطيا ، ولو كان عاقلاً كامل العقل يعرف أنّ في إخلاص النيّة للّه _ تبارك وتعالى _ والرّفع إليه دون غيره سرعةَ الوصول إلى المطلوب. «فلو أخلص نيّته للّه لأتاه» أي جاءه. وفي بعض النسخ «لآتاه» من باب الإفعال ، أي أعطاه الذي يريده «في أسرع من ذلك»؛ أي من الحصول بعد رفع الحاجة إلى المخلوق (3) . انتهى . المضبوطة في النسخ التي رأيناها : «كيف ذاك» بدون اللّام ، فاللّام في نسخة السيّد مضبوطة واشتباه من ناسخ الكتابة.

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد» بدل «البرقي» .
2- . لم نعثر عليه.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 87 _ 88 .

ص: 305

الحديث الرابع والثلاثونروى في الكافي عن العِدَّةٌ، عَنْ سَهْلِ ، عَنْ الدِّهْقَانِ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : بِالْعَقْلِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْحِكْمَةِ ، وَبِالْحِكْمَةِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْعَقْلِ ، وَبِحُسْنِ السِّيَاسَةِ يَكُونُ الْأَدَبُ الصَّالِحُ ». قَالَ : «وَكَانَ يَقُولُ : التَّفَكُّرُ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ ، كَمَا يَمْشِي الْمَاشِي فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وَقِلَّةِ التَّرَبُّصِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «العدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زيادٍ ، عن عبيد اللّه الدهقان» .

ص: 306

هديّة :(استخرج) على ما لم يسمّ فاعله ، واحتمال المتكلّم وحده ، أو الأمر كماترى، يعني العقل الذي هو حباء من اللّه ، وهو عقل الإيمان باللّه واليوم الآخر. ولعلّ المراد كامله الذي له أيضا مراتب. والمراد ب «الحكمة» علم الدِّين ، وهو علم الإمام الحقّ، وب «استخراج غورها» اتّصاف المؤمن باليقين فيما اعتقد ، وكونه على ثقة ممّا أدّى، فبذلك يعرف أنّ العقل جاء من اللّه ، وأنّه لا دين لمن لا عقل له وأنّ له مراتب، وأنّه أخصّ من العقل الذي مناط التكليف، وغير ذلك من خصائص العقل ، كما نطق بها أحاديث الباب. (وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح)؛ يعني كما أنّ العاقل يعرف أنّ حسن السياسة في الناس يوجب شيوع الأدب الصالح فيهم وضياع البُدع الفاسدة المفسدة، كذلك يعرف أنّ أحكام التدبير من الحكيم لهذا النظام العظيم يستلزم شريعة غرّاء بحجّة معصوم ممتاز عن الجميع حسبا ونسبا، ولذا يبني العاقل أفكاره على استحكام نظام العالم وهو بحيث لا يعقل كنهه، وهو تقدير العزيز العليم (1) ، فيعقل ويوقن. مثلاً: أنّ حكمه تبارك وتعالى بأنّ فرعون بادّعائه ما ادّعى مرتدّ نجس مخلّد في النار إذا كان معناه أنّه كذا في الظاهر وفي الحقيقة كليم اللّه ، أو وليّ، اللّه كان سخيفا جدّا يمتنع أن يصدر عن صاحب هذا النظام بهذا الاستحكام ، فيقطع بحقّيّة أنّ «حلال محمّد صلى الله عليه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة» (2) ، فيحكم قطعا من مقالات الصوفيّة القدريّة، ومن مقالاتهم : إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع «وَاللّه ُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (3) . (التفكّر حياة قلب البصير) يعني التفكّر المبنيّ على عِظَم استحكام هذا النظام، وتنزيه مدبّره الملك العلّام عمّا لا يليق بشأنه تعالى شأنه وعظم سلطانه . (بحسن التخلّص) أي من الورطات المهلكة. (وقلّة التربّص) أي بسرعة الوصول إلى المقصود. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني «بالعقل» يملك العاقل كفّ نفسه عن الأهواء ، كالحكم بالظنّ في المشتبهات، وبكفّ نفسه عنها يملك كمال العقل ، و«بحسن» التدبير في سلوكه واُموره يحصل له «الأدب الصالح» الذي أمر اللّه عباده به في محكمات القرآن، قال: «وكان يقول» يعني قال الصادق عليه السلام : «وكان يقول أمير المؤمنين عليه السلام : التفكّر حياة قلب البصير» أي التفكّر في عواقب الاُمور حياة قلب المؤمن. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «بالعقل استخرج غور الحكمة» يعني بآلة العقل يمكن الوصول إلى كنه الحكمةٍ ، وبظهور الحكمة من العاقل يظهر ما كان مخزونا في عقله. (4) وقال السيّد السند أمير حسن القائيني رحمه الله : «بحسن السياسة» أي بحسن التدبير فيما هوتحت تصرّف العقل من البدن بتهذيب الأخلاق ، ومن غيره بإصلاح الأحوال على ما اُمر به و نُهي عنه يحصّل أدب المنجي. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بالعقل استخرج غور الحكمة» أي قعر الحكمة ، والبالغ نهاية الخَفاء. والحكمة العلوم الحقّة والمعارف اليقينيّة التي يدركها العقل، فالوصول إلى أخفاها وحقيقة بواطنها بالعقل . «وبالحكمة استخرج غور العقل» أي نهاية ما في قوّته من الوصول إلى العلوم والمعارف ؛ فإنّ بالعلم والمعرفة يعرف نهاية مرتبة العقل ، أو يَظهر نهاية مرتبته ، ويبلغ كماله . «وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح» أي بحسن الأمر والنهي ، أو بحسن التأديب يحصّل الأدب الصالح. «وكان يقول: التفكّر حياة قلب البصير» أي قلب البصير الفَهِم يصير حيّا عالما عارفا بالتفكّر ، وهو الحركة النفسانيّة في المقدّمات الموصلة إلى المطلوب [ومنها إلى المطلوب] (5) ، فالفَهِم يمشي ويتحرّك بتفكّره في حال جهله بالمطلوب إلى المطلوب بحسن التخلّص والنجاة من الوقوع في الباطل وقلّة التربّص والانتظار في الوصول إلى الحقّ . «كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور» شبّه الحركة الفكريّة حال الجهل بالمطلوب ، بسبب الفهم والبصيرة بمشي الماشي في الظلمات بالنور. و«يحسن التخلّص» يحتمل تعلّقه بالمشبّه به ، وبالمشبّه ، وبهما ، ويعلم الاشتراك على الأوّلين بالتشبّه (6) . انتهى. قال في الكافي بعد ذكر هذا الحديث: «هذا آخر كتاب العقل ، والحمدُ للّه وحده (7) ، وصلّى اللّه على محمّد وآله» فلعلّه من زيادات بعض من تلامذة ثقة الإسلام كالصفواني. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه قوله: «هذا آخر كتاب العقل» لا آخر كتاب العقل وما يلحق به، ويؤيّده ما سيجيء ، وما في الفهرست (8) من عدّ المجموع كتابا واحدا. (9)

.


1- . اقتباس من الآية 96 ، الأنعام (6) ؛ والآية 38 يس (36) ؛ و 12 فصّلت (41) .
2- . الكافي ، ج 1 ، ص 58 ، باب البدع والرأي و ... ، ح 19 .
3- . البقرة (2) : 213 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 90.
5- . أضفناه من المصدر .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 _ 89 .
7- . في «الف»: - «وحده».
8- . الفهرست للطوسي ، ص 135 ، الرقم 591 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 90.

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه

الباب الثاني : بَابُ فَرْضِ الْعِلْمِ وَوُجُوبِ طَلَبِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِوأحاديثه كما في الكافي عشرة.

الحديث الأوّلروى في الكافي وقال: عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيِّ، عَنْ عبدالرحمن (1) بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَلَا إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ».

هديّة :في بعض نسخ الكافي : كتاب فضل العلم، باب فرض العلم. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله «كتاب فضل العلم ، باب فرض العلم» كذا في كثير من النسخ ، ويؤيّدها عدّه النجاشي كتاب فضل العلم _ بعدما ذكر كتاب العقل _ من كتب الكافي (2) . وفي كثير منها : «باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه» بلا زيادة ذكر الكتاب قبله ، ويوافقها عدّ الشيخ كتاب العقل وفضل العلم كتابا واحدا من كتب الكافي (3) . والأمر فيه سهل. وقال الفاضل الاسترآبادي: قوله «باب فرض العلم ووجوب طلبه» المتعارف في كلامهم عليهم السلام التعبير بالمعرفة عن العقائد التي تتوقّف عليها حجّيّة الأدلّة النقليّة ، والتعبير بالعلم عن العقائد المتعلّقة بالعمل. والاُولى موهبيّة ، والثانية كسبيّة ، كما سيجيء التصريح به في مواضع من كلامهم عليهم السلام . (4) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه» أي هذا بيان المفروض في القرآن من العلم ، وبيان وجوب طلبه بأنّ وجوب طلبه على جميع المسلمين ، أو على بعضهم، وبيان تحريض اللّه وحججه الناس عليه . انتهى. فسّر المفروض في القرآن من العلم في موضع آخر بعلم الدِّين . في بعض نسخ الكافي: أخبرنا محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم. وقد سبق أنّ ذكر محمّد بن يعقوب في الكافي هكذا في مواضع من زيادات تلامذته طاب ثراه. (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ) أي تحصيل العلم بما يحتاج الناس إلى معرفته في الدِّين الحقّ، من أحوال المبدأ والمعاد على نهج قانون الإسلام المقنَّن من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه، واجب على كلّ مسلم على قدر حاجته ، على قدر وسعه . و(بغاة العلم): طلّابه ، جمع باغ كهاد وهداة. ومثل الخبر ردّ على مثل القدريّة القائلين بحصول العلم بحقيقة كلّ شيء لكلّ أحد بالكشف الحاصل بالرياضة وإن كان جوكيا من الجواكي ، وإن كان ارتياضه على خلاف الشرع وتمثيلهم برؤية العكس في الماء الطاهر والقذر سخيف جدّا ؛ إذ لا معنى لوصول عدوّ من أعداء اللّه بنجاسته وارتداده إلى منزلة وليّ من أولياء اللّه ، وجواب شيخ كبير من الصوفيّة عن مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع مشهور. (5) قال برهان الفضلاء: يعني طلب علم الدِّين واجب بحكم اللّه تعالى في محكمات القرآن على كلّ مسلم. والمراد أنّه واجب على كلّ مكلّف لكن لا ينقاد هذا الحكم إلّا المرء المسلم الكافِّ نفسه عن العمل بالظنّ ، واللّه يحبّ طَلَبة علم الدِّين. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «طلب العلم فريضة» المراد بالعلم هنا العلم المتكفّل لمعرفة اللّه وصفاته وما يتوقّف عليه المعرفة، والعلم المتعلّق بمعرفة الشريعة القويمة . والأوّل له مرتبتان: الاُولى: مرتبة يحصل فيها الاعتقاد الحقّ الجازم وإن لم يقدر على حلّ الشكوك والشبهات. وطلب هذه المرتبة فرض عين. والثانية: مرتبة يقدر فيها على حلّ الشكوك ودفع (6) الشبهات . وطلب هذه المرتبة فرض كفاية. والثاني _ أي العلم المتعلّق بالشريعة القويمة _ أيضا له مرتبتان: إحداهما: العلم بما يحتاج إلى علمه من العبادات وغيرها ولو تقليدا. وطلبه فرض عين. والثانية : العلم بأحكام الشريعة (7) من أدلّتها التفصيليّة . واصطُلح في هذه الأعصار على التعبير عنها بالاجتهاد . وطلبها فرض كفاية. وإنّما وجوب هذه المرتبة كفاية في الأعصار التي لا يمكن الوصول فيها إلى الحجّة. وأمّا في العصر الذي كان الحجّة ظاهرا والأخذ منه ميسّرا، ففيه كفاية عن الاجتهاد ، وكذا عن المرتبة الثانية من العلم المتكفّل بمعرفة اللّه وصفاته وتوابعه. ثمّ نقول: مراده ظاهرا فرض العين وبحسب ذلك الزمان ، فيكون المفترض المرتبتين الأوّلتين من العلمين . ولمّا بيّن فرض العلم رغّب في المرتبة الغير المفروضة ، وهو الاشتغال بتحصيل العلوم وضبطها واتّخاذه حرفة بقوله: «ألا إنّ اللّه يحبّ بغاة العلم» أي طَلَبته. (8)

.


1- . في الكافي المطبوع : «عبداللّه » بدل «عبدالرحمن» .
2- . رجال النجاشي ، ص 377 ، الرقم 1026 .
3- . الفهرست للطوسي ، ص 135 ، الرقم 591 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 91 .
5- . راجع كلام المصنّف في ذيل الحديث العاشر من نفس هذا الباب.
6- . في المصدر : «رفع» .
7- . في المصدر : «بالأحكام الشرعية» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 92 .

ص: 310

. .

ص: 311

. .

ص: 312

الحديث الثاني (1)روى في الكافي عن مُحَمَّدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ».

هديّة :عيسى بن عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، له كتاب. والحديث بيانه كسابقه.

الحديث الثالث (2)روى في الكافي بإسناده عن عليّ عن العبيدي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : هَلْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ:«لَا».

هديّة :يعني هل يسعهم (ترك المسألة) مع إمكانها بلا مضرّة لا يجوز تحمّلها شرعا عمّا يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم؟ قال برهان الفضلاء: يعني سئل الكاظم عليه السلام هل يسع الناس ترك السؤال عن الحكم الذي يحتاجون إليه؟ يعني السؤال واجب عينيّ على كلّ من أسلم عمّا يحتاج إليه في وقت الحاجة إليه، وأمّا تحصيل العلم بالكتب المؤلَّفة بأمر الأئمّة عليهم السلام يعمل (3) بما فيها في زمن الغيبة الكبرى فهو واجب كفائي ، كما يفهم من الأحاديث الآتية في باب الأخذ بالكتب.

الحديث الرابعروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَهْلِ وَمُحَمَّدُ عن (4) ابْنِ عِيسى جَمِيعا، عَنْ السرّاد، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ:«أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلُ بِهِ، أَلَا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ؛ إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ، قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ، وَضَمِنَهُ، وَسَيَفِي لَكُمْ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَاطْلُبُوهُ».

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
2- . في «الف»: - «الحديث الثالث».
3- . في «ب» و «ج»: «للعمل».
4- . في الكافي المطبوع هكذا : «ومحمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن السرّاد» .

ص: 313

هديّة :الجوهري: سبيع، كأمير بطن من هَمْدان رهط أبي إسحاق السبيعي. (1) (كمال الدِّين طلب العلم) يعني الدِّين الكامل بمراتبه خاصّ بطلبة علمه العاملين به ، ولا بأس بإرادة التعميم، والحجّة المعصوم عاقل عمّن انحصرت الأعلميّة بما في هذا النظام فيه تعالى شأنه، إلّا أنّه لم يتعارف إطلاق طلبة العلم إلّا على خواصّ من الرعيّة. (أوجب عليكم) ردّ على طريقة الصوفيّة، ولا رهبانيّة في الإسلام، (2) ونصّ في أنّ طلب المال الحلال على الوجه المشروع على قدر الكفاف واجب وإن كان مقسوما مضمونا، وأمثال حديث: «نِعْمَ العون على الآخرة الدنيا» (3) دلالة على زيادة حسن طلب الزيادة لاُمور مهمّة. (والعلم مخزون عند أهله) يعني حجج اللّه المعصومين العاقلين عن اللّه الذين عددهم محصور في هذا النظام، لا يزيد ولا ينقص، كالأفلاك، والأبراج، والثوابت، والسيّار. «وَ كُلُّ شَىْ ءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ» . (4) (وقد أمرتم بطلبه من أهله) ناظر إلى مثل قوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (5) كمقسوم إلى قوله تعالى: «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (6) ، ومضمون إلى قوله تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَا عَلَى اللّه ِ رِزْقُهَا» (7) . قال برهان الفضلاء: يعني اعلموا أنّ صحّة استكانة العبوديّة وذلّها عنده تعالى طلب العلم بالأحكام الإلهيّة، والعمل بها. «والعلم مخزون عند أهله» يعني الأئمّة عليهم السلام وليس بمضمون لكم كما قال اللّه تعالى في سورة الأنعام: «وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» . (8) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «والعلم مخزون عند أهله» تصريح بما اشتهر تفصيله في كلامهم عليهم السلام من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جاء بحكم كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة إلى يوم القيامة، وقد أودع الكلّ عند أهل بيته عليهم السلام والناس مأمورون بسؤالهم في كلّ ما يحتاجون إليه. (9) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ كمال الدِّين طلب العلم والعمل به» المراد بهذا العلم، العلم المتعلّق بالعمل، فمَن طلبه ولم يعمل به [أولم يطلبه] (10) كان ناقص الدِّين. ونبّه عليه بالتنبيه على أنّ طلب العلم أوجب من طلب المال، وقال: «إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه» فما قُدّر لكلّ أحد منكم أجراه إليه، ولم يستحسن طلب المال من أحد ولم يحوج أحدا إلى طلب المال من مثله، ولم يرتض له به، بل وسّع لهم طريق الاكتساب. وأمّا العلوم الشرعيّة فمأخذه واحد، وطريق الأخذ واحد، وقد اُمرتم بطلبه من أهله. (11) انتهى. الصواب أن يحمل قوله رحمه الله: «وأمّا العلوم الشرعيّة» على العلوم الحقّة بأحوال المبدأ والمعاد وجميع ما في هذا النظام ممّا يحتاجون إلى معرفته بقدر الوسع والطاقة، وقد نقلنا فيما سبق تصريحه رحمه الله بهذا، فقوله هنا في صدر كلامه: «المراد بهذا العلم المتعلّق بالعمل» كماترى. ولا منافاة بين إرادة المطلق وذكر العمل المتعلّق به بعضه. وما أحسن هنا بيان الفاضل الاسترآبادي رحمه الله.

.


1- . الصحاح ، ج 3 ، ص 1227 (سبع).
2- . دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 193 ، ح 701؛ النهاية لأبن أثير ، ج 2 ، ص 280 (رهب).
3- . الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 9. و بتفاوت يسير في الفقيه ، ج 3 ، ص 156 ، ح 3567.
4- . الرعد (13): 8 .
5- . النحل (16): 43.
6- . الزخرف (43): 32.
7- . هود (11): 6 .
8- . الأنعام (6): 104.
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 91.
10- . أضفناه من المصدر.
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.

ص: 314

. .

ص: 315

الحديث الخامسروى في الكافي وقال: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ ، عن (1) رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا _ رَفَعَهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ».

هديّة :(عن أبي عبداللّه ) اسمه: ميمون البصري. وفي بعض النسخ: «عن أبي عبداللّه رجلٍ من أصحابنا» بدون كلمة «عن». والحديث بيانه كنظيره، وهو الثاني.

الحديث السادسروى في الكافي وقال: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِم، أَلَا وَإِنَّ اللّه َ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ».

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الأوّل، وبين المتنين «واو».

الحديث السابعروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ البرقي، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (2) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«تَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ مِنْكُمْ فِي الدِّينِ، فَهُوَ أَعْرَابِيٌّ؛ إِنَّ اللّه َ تَعَالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: «لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُواقَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» ».

.


1- . في الكافي المطبوع: - «عن».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 316

هديّة :لا شكّ أنّ المراد ب «الفقه» العلم بحكم ما يحتاج إليه في الدِّين، من العقائد والأعمال. ووجوب التفقّه عامّ؛ لانحصار الأعلميّة، فالقطع بالحقّيّة والتفقّه، إمّا بلا واسطة، فهو عقل الحجّة المعصوم المحصور عددا عن اللّه سبحانه. أو بواسطة العاقل عن اللّه . أو بوسائط، كتفقّه العاقل عن العاقل عن العاقل عن اللّه . والآية في سورة التوبة (1) استشهاد للقسم الثاني والثالث؛ اكتفاءً بما يظهر منه جميع الأقسام. فنسبة التّارك عمدا إلى الأعراب وهم أشدّ كفرا ونفاقا (2) كناية عن شدّة الجهل ، وإشارة إلى أنّه مع إظهاره الإسلام أقرب من الكفر منه إلى الإيمان فبحكم أسوء الجاهلين، والمفضي إلى الكفر هو الجهل، وصدر الآية: «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا» الآية. والتالي صريح في أنّ المراد ترك التفقّه مع إمكان التحصيل بقدر الحاجة والوسع. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «التفقّه» تفعّل، مطاوع التفعيل، يعني أخذ الفقه من أهله. و «الفقه» مصدر باب علم، وحسن، واسم المصدر أيضا، يعني العلم مع العمل به. فالفقه والفهم أخصّ مطلقا من العلم؛ إذ العلم بلا عمل لا يقال له الفقه والفهم. والمراد بالدِّين طريق العبودية، وهو على قسمين: حقّ وباطل. والدِّين الحقّ ما يكون موافقا لما أنزل اللّه على رسوله، وهو عبارة عمّا في محكمات القرآن، ومصرّح مكرّرا، كالنهي عن تبعيّة الظنّ، وعن الاختلاف في القضاء والإفتاء ظنّا. قال اللّه في سورة البقرة: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ» (3) ، وكان هذا النهي في شرائع جميع الأنبياء عليهم السلام . قال اللّه تعالى في سورة الشورى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّه ُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» (4) ، وهو المسمّى بالصراط المستقيم في مواضع من القرآن العظيم. و «الأعرابي»: نسبة إلى الأعراب، كالجنّ والجنّي. والمراد هنا صاحب الكفر والنفاق الذي شأن أكثر الأعراب. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه: «فإنّ من لم يتفقّه في الدِّين». قد مضى وسيجيء أنّ الإنذار _ أي دعوة الخلق إلى الإقرار بالوحدانيّة والرسالة وسائر الطاعات، وتعيين الإمام، وبيان ذلك وأدلّتها _ إنّما هي على اللّه تعالى على لسان رسله. والمراد هنا أنّ سائر الأفعال التي أوجبها اللّه كالوضوء، والصلاة، والصوم، والحجّ، والزكاة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يجب على الخلق طلب العلم بها بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام بواسطة أو بدونها. وأمّا الأحكام الشرعيّة [الوصفيّة] (5) كحكم الشكّ في عدد الركعات، وحكم من زاد سجدة سهوا، وأحكام البيع، والنكاح، والميراث، والديات، والحدود، والقصاص. والاقتضائيّة التي هي تحريم بعض الأفعال ، كحرمة الغيبة، وشرب الخمر، وغير ذلك، فإنّما يجب طلب العلم بها عند الحاجة إليها. وأمّا القول بأنّه يجب كفاية في كلّ قطر تعلّم كلّ ذلك فباطل؛ لتصريح الروايات بأنّه يمتنع أن يعلم كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة إلّا الجماعة المنصوبون من عنده تعالى لأجل ذلك ، وهم النبيّ والأئمّة عليهم السلام ، وقد مهّدوا عليهم السلام لزمان الغيبة الكبرى كتبا مؤلَّفة بأمرهم عليهم السلام لتكون مرجع الشيعة في كلّ الأبواب؛ ففيها أنّ بعض الأبواب التي هي من خواصّ الحجج صلوات اللّه عليهم كإجراء الحدود، والدعوة إلى الدِّين، موقوف إلى ظهوره عليه السلام . والأبواب التي ليست كذلك وجدت فيها تصريحات بفتاويهم وأحكامهم عليهم السلام ولا يجوز العدول عمّا في تلك الكتب إلى خيالات أحدثوها علماء اُصول الفقه العامّة، كحجّيّة الإجماع _ يعني اتّفاق ظنون جمعٍ، وكوجوب اتّباع ظنّ صاحب الملَكة المخصوصة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وككون المراد من اُولي الأمر السلطان ولو كان فاسقا، فيجب اتّباعه فيما حكم به من ضروريّات الدِّين أو ظنون المجتهدين، وكوجوب عالم بالكلام الذي هو مقتضى أفكار جمع من المعتزلة والأشاعرة؛ ليدفع شبه الملاحدة عن القواعد الدينيّة، وكالتمسّك بالأصل المبنيّ عند النظر الدقيق على خلوّ الواقعة عن حكم اللّه ، وكالتمسّك باستصحاب الحكم السابق في موضع مع حدوث حالة يمكن أن يتغيّر الحكم عند اللّه بسببه، وكالتمسّك بالملازمات المختلف فيها، وكالتمسّك بالقياس الغير المنصوص العلّة، وغير القياس بطريق الأولويّة، وغير ذلك «فهو أعرابيّ» صريح في أنّه يجب كفاية أخذ كتب الأحاديث من أهلها، كما سيجيء تفصيله في باب الأخذ بالكتب. (6) انتهى تحقيق قوله: «وكوجوب اتّباع ظنّ صاحب الملكة المخصوصة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله »: أنّ صاحب المَلَكة المخصوصة إن كان إماميّا عدلاً ممتازا في العلم، فالرخصة له عنهم عليهم السلام في العمل بالظنّ فيما لو ترك للزم الحرج المنفي ثابت بالنصّ وإجماع الإماميّة في زمن الغيبة، وذكرهم عليهم السلام معالجات علّة الاختلاف في الأحاديث المضبوطة المتواترة عنهم عليهم السلام رخصة لصاحب الملكة الموصوف في الحكم القطعي بالظنّ فيما لو توقّف للزم الحرج المنفيّ بمحكم الكتاب والسنّة.

.


1- . التوبة (9): 122.
2- . اقتباس من الآية 97 ، التوبة (9).
3- . البقرة (2): 159.
4- . الشورى (42): 13.
5- . أضفناه من المصدر.
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 91.

ص: 317

. .

ص: 318

الحديث الثامنروى في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّهِ فِي دِينِ اللّه ِ، وَلَا تَكُونُوا أَعْرَابا؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللّه ِ، لَمْ يَنْظُرِ اللّه ُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلاً».

هديّة :بيانه كسابقه. وقد بيّنا أنّه صريح في أنّ المراد أنّ مَن لم يتفقّه في الدِّين الحقّ مع إمكان التحصيل على قدر الحاجة والوسع لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، أي لم يكن ثوابه _ لو كان من الناجين _ كثواب الساعين بقدر الوسع، وثابت أنّ «من مات في طلب علم الدِّين يعلّمه الملك فيحشر فقيها». قال برهان الفضلاء: «ولم يزكّ له عملاً» أي لم يُقبل منه طاعةً. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ولا تكونوا أعرابا» أي كالأعراب في عدم التفقّه؛ فقد ذمَّ اللّه تعالى الأعراب بقوله: «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» (1) وبيّن وجوب التفقّه في الدِّين وأكّده بقوله: «فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزكّ له عملاً». وتفصيل المقام أنّه بيّن عليه السلام وجوب التفقّه بوجوه: الأوّل: أنّ عدم التفقّه جدير بمن هو أشدّ كفرا ونفاقا، ومن اختاره يكون كمَن آثر الكفر والنفاق. الثاني: أنّ مَن لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً؛ أي لا يشملهم رحمته، ولا يثابون على أعمالهم؛ لأنّ أعمالهم لم تكن على وجه الانقياد والإطاعة؛ لأنّ الإطاعة والانقياد إنّما يتصوّر فيما يعلم فيه الأمر والنهي، ومَن لم يتفقّه لم يعلم وكلّ، ما لا يكون على وجه الإطاعة والانقياد لم يكن عبادة له تعالى، ومن لم يعبد اللّه لم يكن محسنا، ولم ينل رحمة اللّه ، ولم يكن مثابا بعلمه. الثالث: ما استدلّ به في الحديث السابق على هذا الحديث بقوله: إنّ اللّه يقول في كتابه: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ» فأوجب الخروج للتفقّه، ولو لم يكن التفقّه واجبا لم يكن الخروج له واجبا. (2)

.


1- . التوبة (9): 97.
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 94 _ 95.

ص: 319

الحديث التاسعروى في الكافي عن النيسابوريّين: عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«لَوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُؤُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتّى يَتَفَقَّهُوا».

.

ص: 320

هديّة :«ودّ» كعزّ، و «السياط» جمع سوط، وهو ما يُجلد به، قُلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. قال برهان الفضلاء: المراد شكاية عن الشيعة.

الحديث العاشرروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، رَجُلٌ عَرَفَ هذَا الْأَمْرَ لَزِمَ بَيْتَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّفْ إِلى أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ:«كَيْفَ يَتَفَقَّهُ هذَا فِي دِينِهِ؟!».

هديّة :نصّ في الحظر من الاعتزال عن زيارة الإخوان في الدِّين، ودلالة على امتناع حصول العلم بالمكاشفة من الرياضة كما ادّعت الصوفية والقدريّة لعنهم اللّه ، وفي الباب الثاني: «إذا أراد اللّه بعبدٍ خيرا فقّهه في الدِّين». يعني لا خير فيمن لم يتعلّم علم الدِّين من أهله بواسطة أو بلا واسطة. والمراد أنّ مثله كمَن لا خير فيه، وفي عدادهم إذا ترك مع الإمكان، والمعذور يعلّم في البرزخ. سئل شيخٌ كبير من الصوفيّة الملعونين: ما حكم الشكّ بين الثلاث والأربع؟ فقال: استئناف الصلاة في كلّ صورة أولى، فإنّ الصلاة السليمة خيرٌ من صلاة ذات وصلة.

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».

ص: 321

باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء

الباب الثالث : بَابُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ الْعُلَمَاءِوأحاديثه كما في الكافي عشرة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ الدِّهْقَانِ، عَنْ دُرُسْتَ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ:«دَخَلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الْمَسْجِدَ، فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ، فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقِيلَ: عَلَامَةٌ، فَقَالَ: وَمَا الْعَلَامَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَوَقَائِعِهَا وَأَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَشْعَارِ وَالْعَرَبِيَّةِ» . قَالَ: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ذَاكَ عِلْمٌ لَا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَمَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ».

هديّة :«العلّامة» على صيغة المبالغة: العالم جدّا. و «النسّابة»، والتاء للمبالغة، مبالغة في المبالغة. وعطف «الأيّام» محتمل. و «العربية» أي القواعد المنسوبة بلسان العرب. وضرر الجاهل ونفع العالم هنا يعلم من قوله عليه السلام في الثامن في السابق: «فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه (2) إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً» وذلك في العلم بالأنساب، والوقائع، والتواريخ، والأشعار ظاهر. وأمّا في العربية، فهي قد تقع مقدّمة طالبي علم الدِّين، وليست مقصوده بالذات للنفع الموصوف. (إنّما العلم ثلاثة) لعلّ المعنى: إنّما علم الدِّين الذي يوجب أن ينظر اللّه إلى عالمه يوم القيامة بشرط العمل، ويزكّى له عمله ثلاثة بحسب الاسم الذي باعتبار العالم، وهو علم واحد حقيقةً. يدلّ على هذا العطفان بكلمة «أو»؛ فإنّ علم الدِّين ليس إلّا ما اُخذ عن اللّه تبارك وتعالى، فإن كان بلا بشر سمّي (آية محكمة)؛ لأنّه من آيات محكمات حجّيّة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، نبيّا كان أو وصيّا، كسائر المعجزات والدلالات، ومعجزة العلم أحكمها وأظهرها. وإن كان بالواسطة، فإمّا بواسطة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، أو بواسطة العاقل عن العاقل عن اللّه ، واحدا كانت الواسطة أو أكثر. فعلى الأوّل سمّي (فريضة عادلة) باعتبار أنّ طلبه فريضة، وآخذه عدل مشافهيّ كأنّه هو. ولوصفه حينئذٍ ب «العادلة» إشارة اُخرى، وهي اشتراط عدالة الناقل الآخذ مشافهة، ففي صورة الواسطة بطريقٍ أولى. وعلى الثاني سمّي (سنّة قائمة) أي بين الناس حتّى تقوم الساعة، ووجهه ظاهر كوجه البيان؛ إذ العلم ما فيه القطع واليقين. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: قوله في العنوان؛ يعني هذا باب بيان علامة العلم الذي أمر اللّه تعالى بطلبه، وبيان فضيلته، وبيان فضيلة علمائه. وقوله: «وأيّام الجاهليّة» أي تواريخها. «آية محكمة» أي العلم بمضمون محكم من محكمات القرآن إذا لم يكن منسوخا، كالمحكمات الدالّة على النهي عن الشرك والعمل بالظنّ. «أو فريضة عادلة» من الفرض بمعنى القطع والإبانة. و «عادلة» من العدل، بمعنى الرجوع عن الشيء. والمراد هنا من الفريضة مسائل فروع الفقه، وهي انتهت في الإبانة، وعلم بها حكم الأفعال الشخصيّة. فالمعنى أو العلم بما يكون فيه القطع الإلهيّ وفصله بحكم متعلّق بفعل مخصوص من أفعال المكلّفين بلا واسطة قاعدة كلّيّة يستنبط منه أحكام أفراد الأفعال، و «الفريضة» بهذا المعنى «عادلة» من محكمات القرآن ليست فيها كوجوب الأربع للظهر واستحباب أحد عشر في السَّحَر. «أو سنّة قائمة» أي طريقة بيّنة، وقواعد أصليّة ظاهرة، يعلم بواسطتها الأحكام المتعلّقة بالأفعال الشخصيّة التي لا يظهر القطع الإلهي وفصله فيها بدون تلك الطريقة، والقواعد الأصليّة، يعني مسائل اُصول الفقه، كالعمل في مسألة مشتبهة بظاهر القرآن لو أمكن لكن بدون القضاء والإفتاء، وكالعمل بالخبر الواحد الصحيح لو لم يمكن بظاهر القرآن ، وكغير ذلك من الاُصول الفقهيّة الثابتة عندنا. والمصنّف طاب ثراه أشار إلى القسم الثالث في الخطبة بقوله: «بالآثار الصحيحة والسنن القائمة». «وما خلاهنّ فهو فضل» أي زيادة بلا طائل، لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ذلك علمٌ لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه» أي لا يتضرّر أحد بجهله، ولا يكون بفقدانه سَيِّئ الحال، ولا يترتّب نفع على حصول ذلك العلم وإن كان في نفسه نوع فضيلة. وما هذا شأنه لا يعتدّ به، ولا ينبغي أن يعدّ من العلوم؛ فإنّ ما يُحتاج إليه من العلوم وما ينتفع به كثير لا مجال للاشتغال عنها بمثل ذلك العلم. «إنّما العلم» أي الحقيق بأن يعدّ علما هو العلم المحتاج إليه والمنتفع به في الدِّين والدنيا ، وهو «ثلاثة» أقسام: العلم بآية محكمة من الكتاب بمعرفة ما فيها من المعارف والأحكام. و «الآية المحكمة» هي التي لم تكن منسوخة، ولا محتاجة إلى التأويل. أو العلم بفريضة عادلة. والمراد ب «الفريضة» ما أوجبه اللّه تعالى بخصوصه، سواء علم وجوبه بالمحكمات من الآيات أو بطريق آخر، أو الفريضة الواجب مطلقا. والمراد ب «العادلة»: القائمة، أي الباقية الغير المنسوخة. وقيل: الفريضة العادلة: المعدّلة على السهام المذكورة في الكتاب والسنّة. (3) وقيل: ما اتّفق عليه المسلمون. (4) وما ذكرناه أقرب. أو العلم بسنّة قائمة. والمراد ب «السنّة» الطريقة أي ما يكون ثبوته من جهة الطريقة التي سنّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإذا قوبلت بالفريضة يراد بها ما لا يكون فريضة. فكلّ من هذه العلوم يغاير الآخرين، ولذا ثلّث القسمة، فلا يضرّ اجتماع بعضها مع بعض في الجملة، ولا حاجة إلى تخصيص الأوّل بالمعارف الاُصوليّة بقرينة المقابلة كما ظنّ، ويندرج فيها المعارف الاُصوليّة والمسائل الفروعيّة، سواء وجب الفعل أو الترك، أو سنّ الفعل أو الترك. ويحتمل أن يكون المراد من العلم بآية محكمة الاطّلاع على الآية وفهمها. ومن العلم بالفريضة العادلة ما هو من المعارف الاُصوليّة. ويكون «العادلة» حينئذٍ بمعنى القائمة في النفوس أنّها مستقيمة. ومن العلم بالسنّة القائمة العلم بالشريعة كلّها. والأوّل يغاير الآخَرَين وإن كان قد يوصل إليهما، كالعلم بالدليل يغاير العلم بالمدلول وإن كان موصلاً إليه. (5) انتهى الأمر في (6) ذلك (7) كما في النسخ التي رأيناها، وذلك كما في نسخته رحمه اللهضبطا منه، أو على الاشتباه من ناسخها سهل، ولا شكّ أنّ خير الوجوه ما هو أنسب بلفظ العلم بمعنى القطع واليقين، والوجه الذي ذكرناه وجه وجاهته معه، والقطع بحقّية شيء من الاُمور الدينيّة منحصر في أخبار من انحصرت الأعلميّة فيه تعالى شأنه. وقال السيّد الباقر الشهير بداماد رحمه الله: علم الآية المحكمة هو العلم النظري الذي فيه المعرفة باللّه سبحانه، وبحقائق مخلوقاته ومصنوعاته، وبأنبيائه ورسله، وهذا هو الفقه الأكبر. وعلم الفريضة العادلة هو العلم الشرعي الذي فيه المعرفة بالشرائع والسنن، والقواعد والأحكام في الحلال والحرام، وهذا هو الفقه الأصغر. وعلم السنّة القائمة هو علم تهذيب الأخلاق، وتكميل الآداب. (8) وقال ابن الأثير في نهايته: فسّر الفريضة بالميراث، والعادلة بتعديل السّهام. ثمّ قال: ويحتمل يريد أنّها مستنبطة من الكتاب والسنّة، فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما، وقيل: الفريضة العادلة ما اتّفق عليه المسلمون. (9) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: التعريف في «العلم» للعهد، وهو ما علم من الشارع، وهو العلم النافع في الدِّين، وحينئذٍ «العلم» مطلق، فينبغي تقييده بما يفهم منه المقصود، فيقال: علم الشريعة معرفة ثلاثة أشياء، والتقسيم حاصر. بيانه: أنّ قوله «آيةٌ محكمة» يشتمل على معرفة كتاب اللّه وما يتوقّف عليه معرفته؛ لأنّ المحكمة هي التي أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه، فتحمل المتشابهات عليها، وتردّ إليها، ولا يتمّ ذلك إلّا للماهر في علم التفسير والتأويل الحاوي لمقدّمات يفتقر إليها من الأصلين وأقسام العربيّة. ومعنى قيام «السنّة القائمة» ثباتها ودوامها بالمحافظة عليها، من قامت السّوق، إذا نفقت؛ لأنّها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي يتوجّه إليه النفقات، ويتنافس فيه المحصّلون (10) بالطلبات. ودوامها؛ إمّا أن يكون بحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال والجرح والتعديل، ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والموثّق والضعيف المنشعب منه أقسامٌ كثيرة، وما يتّصل بها من المتمّمات ممّا يسمّى علم الاصطلاح. وإمّا أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان، وتفهّم معانيها، واستنباط العلوم منها. «أو فريضة عادلة» أي مستقيمة مستنبطة من الكتاب والسنّة والإجماع. «وما خلاهنّ فهو فضل»؛ أي لا مدخل لها في اُصول علم الدِّين، بل ربّما يستفاد منه خبثا؛ لقوله عليه السلام : «أعوذ بك من علمٍ لا ينفع». (11) ولقلّة الفائدة في نقل تكلّفات الأقوال هنا طويناها بطويها.

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيداللّه بن عبداللّه الدهقان ، عن درست الوسطي».
2- . في «الف»: - «اللّه ».
3- . راجع: شرح المازندراني ، ج 2 ، ص 23.
4- . المصدر السابق.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 95 _ 97.
6- . في «الف»: «إلى».
7- . في «ب» و «ج»: «ذاك».
8- . التعليقة على الكافي، ص 66 _ 67 .
9- . النهاية لابن الأثير ، ج 3 ، ص 432 (فرض).
10- . في «الف»: «للحصول».
11- . كنز الفوائد ، ج 1 ، ص 385؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج 83 ، ص 18 ، ح 15.

ص: 322

. .

ص: 323

. .

ص: 324

. .

ص: 325

. .

ص: 326

الحديث الثانيروى في الكافي عن مُحَمَّدِ ، عن ابى عِيسى، عَنْ البَرقي، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَما وَلَا دِينَارا، وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَقَدْ أَخَذَ حَظّا وَافِرا، فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ؟ فَإِنَّ فِينَا _ أَهْلَ الْبَيْتِ _ فِي كُلِّ خَلَفٍ عُدُولاً يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».

هديّة :(إنّ العلماء) يعني علماء علم الدِّين، وهم الأوصياء، وعلماء شيعتهم عليهم السلام . وهذا الإطلاق بدلالة فقرات الحديث، وقول بعض المعاصرين. (ورثة الأنبياء) إمّا ورثتهم من غذاء الروح، فهم أولادهم الروحانيّون؛ أو ورثتهم من غذاء الجسم، وهم أولادهم الجسمانيّون. يوهم ترجيح غير الإمام على الإمام، فلعلّ غرضه أنّ أئمّتنا عليهم السلام ورثة جدّهم صلى الله عليه و آله بكلا الاعتبارين. (حظّا وافرا) لأنّ قليل العلم خيرٌ ممّا طلعت عليه الشمس. (2) فلمّا لم يكن العلم إلّا ما يحصل به اليقين، ولا يحصل إلّا بالأخذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه الذي انحصرت فيه الأعلميّة بما في هذا النظام بلا واسطة أو بواسطة عدول علماء الشيعة، قال عليه السلام : (فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه). و «الخلف» بالتحريك والسكون: كلّ من يجيء بعد من مضى، إلّا أنّه يحرّك في الخير، ويسكن في خلافه. يُقال: خلف صدق وخلف شرّ. يعني في زمن كلّ خلف عدولاً من شيعته (ينفون عنه) عليه السلام أو عن الدِّين المفهوم سياقا (تحريف الغالين، وانتحال المبطلين) أي ادّعائهم الحقّ. وأفحشهم الصوفيّة القدريّة _ لعنهم اللّه _ وهم أفضح المأوّلين الجاهلين، انتحل شعر غيره ادّعى لنفسه. وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». (3) أي عدول شيعته. واحتمال تعميم أهل البيت والخلف، وتخصيص العدول بالأئمّة عليهم السلام كما يتوهّم من ظاهر العبارة ليس بشيء. قال برهان الفضلاء: المراد ب «العلماء» هنا، العالمون بالبيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام على الوجه الذي لا يكون معه غلوّ وانتحال وتأويل. والمراد ب «الأنبياء» ذووا شريعة على حدة، وهم ستّة: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله . «وذاك أنّ» بفتح الهمزة وتشديد النون بتقدير «لأنّ». و «الأحاديث» عبارة عن الآيات البيّنات المحكمات التي مضمونها مشترك بين مجموع كتب هؤلاء الستّة من الأنبياء عليهم السلام . و «من» تبعيضيّة؛ لأنّ في كتبهم غير تلك الآيات أيضا، لكن تلك الآيات أحسن الحديث، قال اللّه تعالى في سورة الزمر: «اللّه ُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابا مُتَشَابِها مَثَانِىَ» (4) ، وفي سورة يوسف: «مَا كَانَ حَدِيثا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» (5) . و «بشيء منها» مبنيّ على أنّ مضمون تلك الآيات واحد، والتكرار إنّما هو لتأكيد إتمام الحجّة، ولذا تسمّى بالمتشابه بمعنى المتوافق و المثاني، فالتمسّك بواحدة منها كما هو حقّه تمسّك بجميعها. «حظّا وافرا» مبنيّ على أنّها اُمّ الكتاب. وأصل الشريعة، والتمسّك بها يفضي إلى ترك اتّباع الظنّ في المتشابهات، والاشتغال بالسؤال عن أهل الذِّكر، والاستعلام من أحاديثهم عليهم السلام على ما اُمروا به، فيوجب صحّة العبادة والفوز بالحظّ الوافر ورضوان اللّه تعالى. قال اللّه تعالى في سورة الحديد: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللّه َ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» (6) . و «علمكم هذا» عبارة عن مضمون تلك المحكمات. و «في» في «فينا» وفي «كلّ خلف» تعليليّة. والظرف الثانية بدل من الاُولى، من قبيل بدل البعض من الكلّ و «الأهل» نصب على الاختصاص. و «الخلف» عبارة عن الإمام الحيّ من أهل البيت عليهم السلام في كلّ زمان إلى انقراض التكليف. و «العدول»: جمع عدل، بمعنى عادل؛ يعني المتوسّطين بين الإفراط والتفريط من جملة الإماميّة. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء». المراد بالوارث هنا هو الباقي بعد المورِّث الذي يصير إليه ما بقي بعد المورّث وتركه، كما في قوله صلى الله عليه و آله : «اللّهمَّ متّعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث منّي» (7) أي أبقهما بعد انحلال القوى النفسانيّة حتّى يصير إليهما ما بقي بعدها من موادّ تصرّفها ويكون لهما، فمن لم يبق منه إلّا العلوم ولم يترك سواها، لم يكن له وارث سوى من صار إليه ما تركه وبقي عنه. وبيّنه عليه السلام بقوله: «وذاك لأنّ (8) الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم» أي من علومهم التي حدّثوا بها. وأتى ب «من» التبعيضيّة؛ لأنّ من أحاديثهم أحاديثَ لم يورثوها بل نُسخت، فمن أخذ شيئا من الأحاديث الموروثة متمسّكا به «فقد أخذ حظّا وافرا» لشرف المأخوذ وفضيلته؛ حيث إنّه ممّا آثره خير الناس، ومن مواريثه التي تركها لاُمّته، ولا نجاة للاُمّة إلّا بها ولا غناء لهم عنها. وما كان شأنه هذا فينبغي أن يُهتمّ بأمره ويُؤخذ من مآخذه، ولا يساهل فيه. فنبّه عليه السلام عليه بقوله: «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه» فإنّ التساهل في معرفة الطريق إلى المأخوذ به تساهل في المأخوذ. «فإنّ فينا أهل البيت _ إلى قوله _ : و تأويل الجاهلين» ناظر إلى ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (9) أي العدول الذين ذكرهم النبيّ صلى الله عليه و آله فينا أهل البيت. يدلّك عليه قوله صلى الله عليه و آله : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب اللّه ، وعترتي» (10) الحديث، ثمّ الفحص عن أحوال أهل البيت و أحوال المخالفين لهم. والمراد ب «كلّ خلف» بكل قرن من القرون بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. و المراد ب «العدول»: الملتزمون (11) للطريقة الفُضلى التي هي التوسّط بين الإفراط والتفريط. و «التحريف»: صرف الكلام عن وجهه. و «الغالين»: المجاوزين الحدّ. و «الانتحال»: أن يدّعي لنفسه ما لغيره ، كأن يدّعي الآية أو الحديث في غيره أنّه فيه. و «المبطلين»: الذين جاؤوا بالباطل و قرّروه ، و ذهبوا بالحقّ وضيّعوا الحقّ، وأخفَوه. و «تأويل الجاهلين»: تنزيلهم الكلام على غير الظاهر، وتبيين مرجعه، وهذا إنّما يجوز من العالم الراسخ (12) في العلم. فإن قيل: إنّما في زمان ظهور الحجّة يتمكّن من الأخذ عنه، وفي زمان الغيبة لا يتمكّن عن الأخذ عن الحجّة فما يصنع الطالب؟ قلنا: في حال الغيبة يتمكّن الطالب من الأخذ عن العدول الظاهرين في القرون السابقة ، وإن لم يتمكّن من الأخذ عن النائب فيأخذ عنهم. وما لم يكن له فيه سبيل إلى الأخذ يتوقّف فيه، ولا يصير إلى الأخذ عن الجاهل، وإنّما وقع أهل هذه الأعصار فيما وقعوا فيه من سوء اختيارهم وغلبة الأهواء فيهم على العقول، فجاءهم الضرر من أنفسهم. (13) انتهى. لعلّ التعبير بالسمع والبصر في الحديث الذي نقله السيّد رحمه اللهفي أوائل بيانه عن النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما هو عن السبطين صلوات اللّه عليهما.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي البَخْتَري».
2- . لعلّه إشارة إلى المرويّ في مستدرك الوسائل ، ج 17 ، ص 300 ، ح 21405: «و عنه صلى الله عليه و آله قال: سارعوا في طلب العلم ، فلحديث صادقٍ خير ممّا طلعت عليه الشمس والقمر».
3- . معاني الأخبار ، ص 35 ، باب معنى الصراط ذيل الحديث 4؛ دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 81 ، باب ذكر الرغائب في العلم و... .
4- . الزمر (39): 23.
5- . يوسف (12): 111.
6- . الحديد (57): 9.
7- . الكافي ، ج 2 ، ص 577 ، باب دعوات موجزات ، ضمن الحديث 1؛ مصباح المتهجّد ، ص 270 ، الرقم 381.
8- . في «الف»: «أن».
9- . معاني الأخبار ، ص 35 ، باب معنى الصراط ذيل الحديث 4؛ دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 81 ، باب ذكر الرغائب في العلم و....
10- . حديث الثقلين رواه الخاصّة والعامّة بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، وهو من الأحاديث المتواترة عند الفريقين. راجع: عبقات الأنوار، ج 1، قسم حديث الثقلين؛ بحار الأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و... ؛ مسند أحمد، ج 3، ص 17، 26، ح 1119 _ 11147، 11227؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 118، 160، ح 4576، 4711؛ كنز العمّال، ج 1، ص 333، ح 952 _ 953.
11- . في «ب» و «ج»: «الملتزمين».
12- . في المصدر: «من العالم ، بل الراسخ» بدل «من العالم الراسخ».
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 97 _ 99.

ص: 327

. .

ص: 328

. .

ص: 329

. .

ص: 330

الحديث الثالثروى في الكافي عَن الاثنين، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِذَا أَرَادَ اللّه ُ بِعَبْدٍ خَيْرا، فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ».

هديّة :(خيرا) أي خيرا عظيما. والمراد أنّه لا خير فيمن لم يتعلّم علم الدِّين بقدر حاجته ووسعه من أهله بواسطة أو بلا واسطة. والمراد ما مرّ في بيان العاشر من الباب الثاني. قال برهان الفضلاء: «خيرا» أي النجاة، ودخول الجنّة. «في الدِّين» أي في طريق العبوديّة الحقّة، فيكفّ نفسه عن اتّباع الظنّ في المشتبهات.

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، (2) عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ:«الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ، وَتَقْدِيرُ الْمَعِيشَةِ».

.


1- . لفظ السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحُسين بنُ محمّد ، عن معلّى بنِ محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان».
2- . السند إلى هنا في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بْنِ شاذان ، عن حمّاد بن عيسى».

ص: 331

هديّة :(النائبة): المصيبة والحادثة. و (تقدير المعيشة): تعديلها من دون الإسراف والتقتير. قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما» (1) . وفي بعض النسخ: وحسن تقدير المعيشة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «النائبة»: ما ينزل من شدائد الدنيا. و «تقدير المعيشة»: الاقتصاد من دون الإتلاف والتضييق. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «النائبة»: ما ينزل بالإنسان من المهمّات والحوادث. و «تقدير الشيء»: التفكّر في تسوية أمره. هذا إذا جعل «وتقدير المعيشة» عطفا على قوله: «والصبر» وإن جعل عطفا على «النائبة»، فالمعنى: والصبر على تقدير المعيشة، من قدّر، بمعنى قتّر. (2)

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى عليه السلام (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ، وَالْأَتْقِيَاءُ حُصُونٌ، وَالْأَوْصِيَاءُ سَادَةٌ».

هديّة :يعني علماء الدِّين حقّا من الرعيّة هم الذين يكونون اُمناء بعدالتهم المرضيّة عند اللّه تعالى في حفظ أحاديث الحجج المعصومين عليهم السلام ، ونقلها، ونشرها، وفي سائر معاملاتهم في الناس. (والأتقياء): جمع التّقي، بمعنى الأتقى؛ بقرينة «العلماء» المراد بهم عدولهم. (الاُمناء) يعني والأكرمون من هؤلاء العلماء، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم. (حصون) حصينة للشريعة والمتشرّعين من فِتَن المبتدعين في الدِّين بخدائع الطواغيت والشياطين. (والأوصياء سادة) يعني حكم اللّه تعالى إنّما هو حكمهم عليهم السلام بلا واسطة أو بواسطة العدول من العلماء الممتازين المحتاطين جدّا بالتوقّف في الشبهات لو لم يلزم الحرج المنفيّ. وقال برهان الفضلاء: يعني العلماء كاُمناء الحصون فوّضت الحصون إليهم؛ لأمانتهم، وتلك الحصون الأتقياء في الاُمّة. والسادة المفوّضون الحصون إلى العلماء، هم الأوصياء عليهم السلام . وفيه إشارة إلى أنّ غير المتّقي خارج من الحصن. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الأمين» هو المعتمد عليه، الموثوق به. والعلماء موثوق بهم فيما آتاهم اللّه من فضله، وأعطاهم من المعرفة والعلم، فيحفظونه ويوصلونه إلى من يستحقّه. «والأتقياء حصون»؛ لأنّ بتقواهم واجتنابهم عن المحرّمات يحصل حفظ الاُمّة عن دخول النوايب ونزول العذاب عليهم، وبهم يُدفع عن غيرهم كالحصن بالنسبة إلى المدينة. «والأوصياء سادة»، «السيّد»: الجليل العظيم الذي له الفضل على غيره، وهو الرئيس الذي يعظّم ويُطاع في أوامره ونواهيه، ولم يكن لأحد الخروج من طاعته. (4)

.


1- . الفرقان (25): 67 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 99.
3- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 100.

ص: 332

الحديث السادسروى في الكافي، وقال: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى:«الْعُلَمَاءُ مَنَارٌ، وَالْأَتْقِيَاءُ حُصُونٌ، وَالْأَوْصِيَاءُ سَادَةٌ».

هديّة :(منارٌ) أي أعلام يعلم بهم معالم الدِّين. في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «والعلماء سادة» قال: يعني علماء الدِّين من الرعيّة منار؛ لئلّا يضلّوا عن الطريق، والعلماء من أهل البيت عليهم السلام سادة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «العلماء منار»، «المنار»: موضع النّور وعَلَم الطريق. والمراد به المهتدى به. (1)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 100.

ص: 333

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ الفتى، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكِنْدِيِّ، عَنْ بَشِير الدَّهَّانِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَتَفَقَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، يَا بَشِيرُ، إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِفِقْهِهِ، احْتَاجَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِمْ، أَدْخَلُوهُ فِي بَابِ ضَلَالَتِهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ».

هديّة :يعني من لا يتفقّه في الدِّين من أصحابنا مع التمكّن فكمَن لا خير فيه وفي عدادهم ، كما بيّن في بيان العاشر من الباب الثاني. وضمائر الجمع للمخالفين عدا الأوّل، وما أسهل إدخالهم غيرهم في باب ضلالتهم بمقالات الصوفيّة منهم كالبصري والثوري والشامي والرومي. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «احتاج إليهم» يعني إليهم وإلى كتبهم، فبخيالٍ منه أنّه يأخذ ما هو الحقّ فيها ويترك خلافه، يقع على التدريج فيما كان يفرّ منه وهو لا يشعر. ومنشأ الدخول في باب الضلالة تبعيّة الظنّ فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ الرجل منهم» أي من أصحابنا «إذا لم يستغن بفقهه» عن المراجعة إلى غيره في المسائل الضروريّة للعمل. «احتاج إليهم» عند شدّة التقيّة، أو عدم حضور الفقيه وتيسّر الوصول إليه. «فإذا احتاج إليهم» راجعهم وجالسهم. «أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم» أيّ يحسّن الشيطان قولهم وعملهم في نظره ويرغّبه إليه، فيميل إليهم ويدخل في باب ضلالتهم من حيث لا يدري. (2)

.


1- . في «ج»: «القمّي». و في الكافي المطبوع: «أحمد بن إدريس» بدل «عن الفتى».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 100 _ 101.

ص: 334

الحديث الثامنروى في الكافي عن عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ، (1) عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ إِلَا لِرَجُلَيْنِ: عَالِمٍ مُطَاعٍ، أَوْ مُسْتَمِعٍ وَاعٍ».

هديّة :(العيش): الحياة، يعني لا بقاء لخير حياة الدنيا إلّا لرجلين. (عالم) وكذا (مستمع) يحتمل الجرّ على البدل، والرّفع على الخبر، أي أحدهما عالم مفترض الطاعة بالعصمة المنصوصة، والآخر مستمع قول المعصوم مشافهة أو بالواسطة الموصوفة، حافظ له بالانقياد والتسليم. «وعاه»: حفظه. قال برهان الفضلاء: «عالمٌ مُطاع» أي يجب السؤال عنه، والعمل بقوله. «أو مستمع واع» أي حافظ بالعمل.

الحديث التاسعروى في الكافي عن الثلاثة؛ (2) وَمُحَمَّدِ، عَنْ أَحْمَدَ، (3) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ».

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».
2- . يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- . في الكافي المطبوع: «و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد».

ص: 335

هديّة :من الانتفاع بالعلم المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه إرشاد الضالّ المغترّ بطريقة الصوفيّة والقدريّة ومقالاتهم الخادعة بأعمالهم الباطلة المحفوفة بِنَبْذٍ من الأشياء الحقّة، وطريقتهم أفحش المهلكات وأخفاها على الجُهلاء، وأبينها عند العقلاء ، ومثل حجرة الصوفي، وإدلاء الزنبيل ليعرج مشهور، ونِعْمَ ما قيل: صاحبدلى بمدرسه آمد زخانقاهبشكست عهدِ صحبتِ اهلِ طريق را گفتم ميان عابد و عالم چه فرق بودتا اختيار كرد دلت اين فريق را؟ گفت آن شده است غرق بفكر كَليم خويشاين جهد مى كند كه بگيرد غريق را 1 قال برهان الفضلاء: يعني من سبعين ألف عابد لا يصل نفع عمله إلّا إلى نفسه.

الحديث العاشرروى في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ ابْنِ عَمَّارٍ (1) ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : رَجُلٌ رَاوِيَةٌ لِحَدِيثِكُمْ يَبُثُّ ذلِكَ فِي النَّاسِ، وَيُشَدِّدُهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَ قُلُوبِ شِيعَتِكُمْ، وَلَعَلَّ عَابِدا مِنْ شِيعَتِكُمْ لَيْسَتْ لَهُ هذِهِ الرِّوَايَةُ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ:«الرَّاوِيَةُ لِحَدِيثِنَا يَشُدُّ بِهِ قُلُوبَ شِيعَتِنَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ».

هديّة :(راوية) أي كثير الرّواية، والتاء للمبالغة، كما في العلّامة، والنسّابة. (يبثّ) من باب مدّ، وبثّ الحديث: نشره (ويشدّده) بالشين المعجمة والتشديد: الإحكام والتقوية. وضبط برهان الفضلاء _ كما في بعض النسخ _ بالمهملة في «يشدّده» وبالمعجمة في «يشدّ به». قال في شرحه بالفارسي: «ويسدّده في قلوبهم وقلوب شيعتكم»؛ يعني ووا مى نمايد راستى حديث شما را در دلهاى مخالفان و در دلهاى شيعه شما. و «يشدّ به» يعنى پا برجا ميكند بحديث ما دلهاى شيعه مارا. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الراوية»: كثير الرواية، والتاء للمبالغة. والمراد ببثّ الحديث في الناس نشره بينهم بإيصاله إليهم. و «السّداد» _ بالسين المهملة _ : الاستقامة وعدم الميل. «يسدّده» أي يقرّره سديدا بتضمين معنى التقرير. «في قلوب الناس وقلوب شيعتكم» من عطف الخاصّ على العامّ؛ لزيادة الاهتمام. وفي بعض النسخ: «يشدّده» بالمعجمة، أي يوثّقه ويجعله مستحكما في قلوبهم. وعلى النسخة الاُولى يحتمل هذا المعنى أيضا؛ فإنّ «التسديد» (2) قد يُراد به التوثيق. ولمّا ذكر السائل هذا القسم والقسم الذي يقابله به _ وهو العابد من الشيعة ليست له تلك الرواية _ وصرّح بغرضه الذي هو السؤال عن النسبة بينهما في الفضيلة، أجاب عليه السلام (3) : بأنّ «الرّاوية لحديثنا الذي يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» وفيه إشعار بأنّ الفضيلة باعتبار النشر بين الشيعة وإخبارهم، لا بالنشر بين غيرهم وإن لم يكن فيه الإخلال بالتقيّة الواجبة. (4) فإن قيل: لِمَ قال في هذا الحديث: «أفضل من ألف عابد» وفي الحديث السابق [في النسبة بين العالم الذي ينتفع بعلمه و العابد (5) ]: «أفضل من سبعين ألف عابد؟» قلنا: للتفاوت بين العلم ورواية الحديث؛ فإنّ الراوي حافظ للكلام، ناقل له، ولا يلزم أن يكون عالما، فإنّه لا ينافي روايتُه جهلَه بالمراد ممّا يرويه، «وربَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه». (6) فبيّن عليه السلام التفاوتَ بين العالم المنتفع بعلمه والعابد بأنّه أفضل من سبعين ألف عابد، والتفاوتَ بين الراوية والعابد بأنّه أفضل من ألف عابد، فيفهم منها أنّ العالم المنتفعَ بعلمه أفضل من سبعين راويةً للحديث يشدّ به قلوب الشيعة. (7)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن معاوية بن عمّار».
2- . في «ج»: «التشديد».
3- . في «ج»: + «عنه».
4- . في المصدر: «بالواجب من التقيّة».
5- . ما بين الموقوقين أضفناه من المصدر.
6- . الكافي ، ج 1 ، ص 403 ، باب ما أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بالنصيحة... ، ح 1 و 2؛ دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 80 ، باب ذكر الرغائب في العلم و... ؛ و ص 378 ، باب ذكر الأمان.
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 101 _ 102.

ص: 336

. .

ص: 337

. .

ص: 338

باب أصناف الناس

الباب الرابع : بَابُ أَصْنَافِ النَّاسِو أحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ، وَمُحَمَّدُ عَنْ ابْنِ عِيسى جَمِيعا، عَنْ السرّاد، عن الشحّام، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، (1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه يَقُولُ:«إِنَّ النَّاسَ آلُوا بَعْدَ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِلى ثَلَاثَةٍ: آلُوا إِلى عَالِمٍ عَلى هُدًى مِنَ اللّه ِ قَدْ أَغْنَاهُ اللّه ُ بِمَا عَلِمَ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ، وَجَاهِلٍ مُدَّعٍ لِلْعِلْمِ لَا عِلْمَ لَهُ، مُعْجَبٍ بِمَا عِنْدَهُ و (2) قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا وَفَتَنَ غَيْرَهُ، وَمُتَعَلِّمٍ مِنْ عَالِمٍ عَلى سَبِيلِ هُدًى مِنَ اللّه ِ وَنَجَاةٍ، ثُمَّ هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرى».

هديّة :«آل إليه»: رجع وصار، يعني صاروا ثلاثة أصناف بدليل ثالثها. (بما علم) أي عقلاً عن اللّه بجعله حجّته على الناس. واحتمال المعلوم، أو خلافه من التفعيل كماترى. (مدّع للعلم) أي في المتشابهات بالأدلّة والمقاييس، أو بالمسموع من الأفواه من غير استناده على الوجه الصحيح على ما وصف من الحجّة المعصوم، إلى الحجّة المعصوم أو بادّعاء المكاشفة بالارتياض، أو التحديث، أو الإلهام من دون أن يكون من الحجج المعصومين المحصور عددهم في تقدير اللّه وحكمته كالأفلاك وأبراجها، «وكلّ شيء عنده بمقدار» (3) (لا علم له) أي بالمختلف فيه على ما وصف. (معجب بما عنده) من المكتسب بما فصّل. أعجبني فلانٌ لحسنه، وقد اُعجب فلان بنفسه، على ما لم يسمّ فاعله، فهو معجَب برأيه، بفتح الجيم. ولمّا كان في الحقيقة أصناف الناس بحسب علم الدِّين بعد رسول ا صلى الله عليه و آله أربعة وكان القسمان منها في النار، وكان لا يتعلّق غرض يعتدّ به ببيان تفاوت مرتبتهما فيها أدرج عليه السلام ثانيهما في الأوّل؛ إيماءً إلى أنّهما في النار، ثمّ أومأ إلى تربيع القسمة بقوله: (وفتن غيره). وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: لم يذكر المتعلّم من جاهل مدّع؛ إمّا لكونه كالمعدوم؛ أو لكونهما غثّاء، كما في التالي، وهما في النار؛ أو للظهور. وقال برهان الفضلاء: «آلوا» بالهمزة والألف وضمّ اللّام من باب نصر، يعني صاروا هكذا إلى يوم القيام. و «المعجب» على اسم المفعول من الإفعال. «إلى عالم» يعني أمير المؤمنين وأحد عشر من ولده صلوات اللّه عليهم. «ثمّ هلك من ادّعى» تعريض على الأوّل، «وخاب مَن افترى» على الثاني. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «آلو إلى عالم» إلى آخره: تصريح بأنّ الناس ثلاثة أصناف: أصحاب العصمة، ومن التزم السماع منهم بواسطة أو بدونها في المسائل الدينيّة كلّها، وغيرهما. وتصريح بأنّ الصنف الثالث مفترٍ على اللّه ، سواء كان مجتهدا أو مقلِّدا؛ يعني آلو إلى عالم ومتعلّم وصاحب الجهل المركّب. (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: يعني رجعوا إلى ثلاثة؛ فإنّه إذا فُتّش عن أحوالهم وُجدت راجعةً إلى ثلاثة، فيكون رجوع الناس باعتبارها إلى ثلاثة أقسام: «عالم» بالمعارف ومسائل الشريعة «على هدى من اللّه » أي مستقرّ على هدى من جانب اللّه وبتأييده. والمراد به الحجّة، وهو أحد الأقسام الثلاثة. وغير العالم ينقسم قسمين: أحدهما: الذي لا يتعلّم ولا يرجع في تحصيل المعرفة إلى العالم ابتداءً أو بواسطة، فيرى ما عنده من رأيه أو الآخذ عن الجاهل كافيا له، فهو «مدّع للعلم». (5) وهذا هو القسم الثاني الذي عبّر عنه بقوله: «وجاهل مدّع للعلم لا علم له، معجب لما عنده قد فتنته الدنيا وفتن غيره. والمراد بالجاهل إمّا مقابل العالم. وقوله: «لا علم له» تأكيد لجهله. وإمّا مقابل العاقل، وجميع ما بعده ممّا يترتّب على جهله. والآخر: المتعلّم من العالم ابتداءً أو بواسطة. ولمّا فرغ من ذكر الأقسام قال: «ثمّ هلك من ادّعى» أي بعد ماآل الناس إلى ثلاثة هلك هذا القسم بعمله بمقتضى جهله، أو ادّعائه العلم من اللّه لنفسه، والبقاء على ضلاله وإضلاله الناس وإضاعته للحقّ وإعلائه للباطل وخاب وخسر بقوله على اللّه بما لا يعلم ، و افترائه بالكذب على اللّه ، والإفتاء في حكم اللّه من غير دليل. (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ؛ و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي اُسامة ، عن هشام بن سالم».
2- . في الكافي المطبوع: «قد» بدل «وقد».
3- . الرعد (13): 8 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
5- . في المصدر بإضافة «فإنّه من الظاهر أنّه لاكفاية إلّا بالعلم ، فمن يرى الكفاية فيما عنده _ من الرأي الفاسد و الأخذِ عن غير العالم _ يكون مدّعيا لكونه علما».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 102 _ 103.

ص: 339

. .

ص: 340

الحديث الثانيروى في الكافي عن الاثنين ، عَنِ الْوَشَّاءِ، (1) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ سَالِمِ بْنِ مُكْرَمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ، وَمُتَعَلِّمٌ، وَغُثَاءٌ».

هديّة :يعني بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو من أوّل التكليف إلى انقراض الدنيا. (عالم) أي على هدى من اللّه قد أغناه اللّه بعقله عن اللّه بلا واسطة بشر عن علم غيره. (ومتعلّم) أي من العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة. و «الغثاء» بالمدّ والضمّ»: ما يحمل السّيل من الزّبد والوسخ، يعني سواء كان عالما مدّعيا أو متعلّما منه. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد من «العالم» الإمام الحقّ، ومن «المتعلّم» شيعته، ومن «الغثاء» هنا الذين سقطوا عن درجة الاعتبار؛ لأنّهم حطب جهنّم وبئس المصير؛ يعني أئمّة الضلالة وتبعتهم. وقال السيّد الأجلّ النائيني: المراد ب «العالم» و «المتعلّم» ما ذكر في الحديث السابق. و «الغثاء» بالضمّ والمدّ: ما يجيء فوق السيل ممّا يحمله من الزّبد والوسخ وغيره. وغير العالم والمتعلّم _ ممّا لا ينتفع به ولا يُدرى إلى ما ينتهي أمره وأين يستقرّ _ فهو كالغثاء في عدم الانتفاع به والاطّلاع على منتهى أمره ومستقرّه. أو المراد أنّ غيرهما ليس حركته وجريه في أحواله إلّا بإجراء الأهوية وإغواء الأبالسة، بل ليس القصد إلى وجوده إلّا تبعا وبالعرض، كما أنّ الغثاء ليس حركته إلّا بتبعيّة حركة السيل وبالعرض. (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 104. وفي «الف»: «أو بالعرض».

ص: 341

الحديث الثالثروى في الكافي عن مُحَمَّدُ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ، عَنْ الثُّمَالِيِّ، (1) قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«اغْدُ عَالِما، أَوْ مُتَعَلِّما، أَوْ أَحِبَّ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَلَا تَكُنْ رَابِعا؛ فَتَهْلِكَ بِبُغْضِهِمْ».

هديّة :يعني (اغْدُ) وانظر فإن كنت حجّة معصوما، وإلّا فكن (متعلِّما) من العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة على الوجه الصحيح الموصوف، أو محبّا (أهل (2) العلم) أي الإمام الحقّ وشيعته. وفي الحديث عن الصادق عليه السلام : «إنّ اللّه تبارك وتعالى يغفر الشيعة، ومَن أحبَّ الشيعة، ومَن أحبّ محبّ الشيعة» بمعنى يوفّق ويهدي فيغفر. وقال بعض المعاصرين: فيه دلالة على أنّ غير الأئمّة عليهم السلام يجوز أن يصير عالما علما لدُّنيا، فإنّه المراد بالعلم دون حفظ الأقوال وحمل الأسفار. (3) انتهى. غفلته عن أمثال أحاديث الباب، وحديث: «من حفظ أربعين حديثا» (4) واغتراره بتوهّم ناشٍ من ظاهر متعارف في المكالمات، وساقط عن درجة الاعتبار، علامةٌ بيّنة لمن يتخبّطه الشيطان من المسّ. والحديث التالي بيّنة عادلة انحصر في حكمته _ تبارك وتعالى _ العلم اللدنيّ في الحجّة المعصوم المحصور عدده، فبناء الادّعاء إنّما هو على أصل من اُصول القدريّة، وهو كشف الحقائق يحصل لأيّ من كان بالرياضة الكاملة ولو كانت ممنوعة شرعا لا على أحاديث الأئمّة عليهم السلام ، والمدّعي بغير علم من الهالكين ببغضهم. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «اُغد» بالغين المعجمة والدال المهملة على الأمر المعتلّ اللّام، من باب نصر، من الأفعال الناقصة؛ يعني لا يخلو كلّ صباح من إمامٍ حقّ ومتعلّمٍ منه بلا واسطة، أو بواسطة ، ومحبّ للإمام الحقّ بانتظاره كلّ صباحٍ ومساء، وترك العمل بالظنّ في المختلف فيه كأعدائه. «ولا تكن رابعا» بترك السؤال في زمن ظهور الإمام، وعدم الانتظار في زمن الغيبة بالعمل بالظنّ «فتهلك» ببغض هؤلاء الأقسام الثلاثة. قال لي رجلٌ من المخالفين في المدينة المنوّرة: قول الرافضة فينا بأنّا نبغض عليّا عليه السلام محض افتراء علينا، وهو رابع خلفاء ديننا. قلت: مَن قال مِن النصارى: إنّ اللّه ثالث ثلاثة هو عدوّ اللّه أو وليّه؟ قال: عدوّه، قلت: كيف يكون عدوّ اللّه من يحبّ اللّه ويقول هو الربّ الثالث؟! فسكت مليّا، ثمّ قال: هذا جواب له الحياة ويُحيي الأموات. وقال السيّد الأجلّ النايني رحمه الله: أي كُن في كلّ غداة عالما، أو متعلِّما، أو أحبّ أهل العلم فإنّه يجرّه إلى التعلّم وإن لم يكن متعلِّما في كلّ غداة. أو المراد بالمتعلّم من يكون التعلّم كالصّنعة له، ومن لم يكن عالما من اللّه ولا متّخذا التعلّم صنعة (5) له وأحبّ أهل العلم يأخذ منهم ويدخل في المتعلّم بالمعنى الأعمّ، ومن لم يحبّهم ويكون ذلك لجهله وحبّه له، فيبغض أهل العلم، ويحبّه الجَهَلَة ويبغضه العلماء فيهلك (6) . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن عبداللّه بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن العلاء بْن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي حمزةَ الثُمالي».
2- . في «ج»: «لأهل».
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 153.
4- . الكافي ، ج 1 ، ص 49 ، باب النوادر من كتاب فضل العلم ، ح 7؛ الاختصاص ، ص 61 ، حديث موسى بن جعفر مع يونس بن عبدالرحمن ، الأمالي للصدوق ، ص 382 ، ح 488.
5- . في المصدر : «صفة له» بدل «صفته». وفي «الف»: «صنعته».
6- . في المصدر: «بحبّه الجَهَلَة و بعضه العلماءَ يهلك».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 104.

ص: 342

. .

ص: 343

الحديث الرابعروى في الكافي عن عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ جَمِيلٍ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:«يَغْدُو النَّاسُ عَلى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: عَالِمٍ، وَمُتَعَلِّمٍ، وَغُثَاءٍ، فَنَحْنُ الْعُلَمَاءُ، وَشِيعَتُنَا الْمُتَعَلِّمُونَ، وَسَائِرُ النَّاسِ غُثَاءٌ».

هديّة :بيان لِما أجمل في أمثال أحاديث الباب، ومعيار لبياناتها، وبيان البيان: أنّ الناس من لدن آدم عليه السلام على ثلاثة أصناف: حجّةٌ معصوم عاقل عن اللّه ، وشيعته، وغيرهما (غثاء) وهم في كلّ عصر من الأعصار من أوّل الدنيا إلى انقراضها فرقٌ شتّى. واليهود، تفرّقوا (2) على إحدى وسبعين فرقة إحداها الشيعة والباقية هالكة، والنصارى على اثنتين وسبعين كذلك، وهذه الاُمّة إلى بضع وسبعين إحداها ناجية والباقية باغية هالكة. (3) وكما أنّ في السلسلة النورانيّة الإيمانيّة الممتدّة من لدن آدم إلى آخر الدنيا علماء وفضلاء، ففي سلاسل الظلمانيّة الضلاليّة الجحوديّة الكفريّة الشركيّة الإلحاديّة رؤساء مُهراء في الشيطنة والنَكْراء، وقد مزج الباطل بالحقّ. وقد مرّ في الحديث: أنّ من أركان المعرفة معرفة أعداء الدِّين، لا سيّما الصوفيّة القدريّة لعنهم اللّه ؛ لما عرفت من مقالاتهم السخيفة، واطّلعتَ على أسرارهم من دون كشف بالرياضة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: بيانه كنظائره. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: المراد ب «المتعلّم» هنا: من يأخذ العلم عن أهله ويطلبه في الجملة وعند الحاجة وبقدرها. (4) الباب الخامس : بَابُ ثَوَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن جميل».
2- . في الأصل: «تتفرّقوا»، والمناسب ما اُثبت.
3- . إشارة إلى حديث الافتراق المرويّ بطرق مختلفة و عبارات متفاوته ، رواه الخاصّة و العامة. راجع: بحارالأنوار ، ج 28 ، ص 3 _ 37 ، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 105.

ص: 344

. .

ص: 345

باب ثواب العالم والمتعلّم

الحديث الأوّلروى في الكافي عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ جميعا، عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ الْقَدَّاحِ؛ وَعَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْقَدَّاحِ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ سَلَكَ طَرِيقا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْما، سَلَكَ اللّه ُ بِهِ طَرِيقا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضا بِهِ، وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ (2) لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ؛ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارا وَلَا دِرْهَما، وَلكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».

هديّة :المراد ب «العالم» في العنوان _ بدلالة أحاديث الباب _ : العالم المعلّم، سواء كان علمه عقلاً عن اللّه ، أو عن العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة. و ب «المتعلّم»: طالب العلم من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة. وبقوله: (علما) في المتن _ بدلالة الإطلاق _ : مسألة أو مسائل من المسائل الدينيّة ، أو المقدّمات الضروريّة لها؛ نظرا إلى بعض الطالبين، وبعض فنون علم الدِّين، فمعنى من (سلك) أي مؤمن بولاية أهل البيت عليهم السلام ، وإنّما يسلك (اللّه به طريقا إلى الجنّة)؛ لأنّ بالعلم المأخوذ عن المعصوم والعمل به يخلق اللّه تعالى لعباده في البرزخ نعيمه، وفي دار الخُلد نعيم جنانها من الأطعمة والأشربة، والحور والقصور، والأنهار، وما فيها من عجائب الصنع وغرائب التدبير. وقد روى في بصائر الدرجات بإسناده عن نصر (3) بن قابوس، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: «وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ» (4) ، قال: «يا نصر، إنّه _ واللّه _ ليس حيث يذهب الناس، إنّما هو العالم وما يخرج منه». (5) يعني أنّ الظلّ الممدود ليس معناه حيث يذهب الناس إليه، إنّما هو الإمام الحقّ، وعلمه المنبثّ في شيعته في مشارق الأرض ومغاربها، وبه وبالعمل به يخلق اللّه تبارك وتعالى في البرزخ نعيمه، وفي الجنّة نعيمها. قال بعض الأفاضل: لو علم الملوك ما نحن فيه من لذّة العلم لحاربونا بالسيوف، وللآخرة أكبر درجات وأفضل تفضيلاً. قال برهان الفضلاء: لا يخفى أنّ استغفار الحيتان لطالب العلم كالذي صدر من الهدهد والنمل عند سليمان عليه السلام بإنطاق اللّه تعالى إيّاهما. والمراد أنّ بركات طلبة علم الدِّين وفوائدهم يصل إلى غير المكلّفين أيضا. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «مَن سلك طريقا يطلب فيه علما» الجملة صفة أو حال، والضمير فيها للطريق أو السلوك. والطريق إلى الشيء إمّا الدخول فيه أو طيُّه يوصل إليه. ومن طرق العلم: الفكرة ، ومنها: الأخذ من العالم ابتداءً أو بواسطة أو بوسائط. ويحتمل أن يكون المراد بالطريق معناه المتعارف، وبسلوكه أن يسير فيه للوصول إلى العالم والأخذ منه ، أو للوصول إلى موضع يتيسّر له فيه تحصيل العلم. «سلك اللّه به طريقا إلى الجنّة »، أي أدخله اللّه طريقا يوصل سلوكه إلى الجنّة. و «وضع الأجنحة»: حطّها وخفضها وهو هيئة تواضع الطائر. و تواضع الملك عبارة عن التعظيم أو الفعل (6) على وفق مطلوب من يتواضع له، وإعانته. «رضا به» أي لأنّه يرتضيه أو لإرضائه. و «الاستغفار»: طلب ستر الزلّات والعثرات، والتجاوز عن السيّئات بنزول الرحمة وشمولها، أو طلب إصلاح الحال والتثبّت على الصراط المستقيم المنجرّ إلى البقاء والنجاة إلى (7) المآل . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّدبن الحسن و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ ، و محمّدبن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن عبداللّه بن ميمونٍ القدّاح. و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن القدّاح».
2- . في الكافي المطبوع: «ليستغفر».
3- . في «ج»: «نضر».
4- . الواقعة (56): 30 _ 33.
5- . بصائر الدرجات ، ص 525 ، باب النوادر في الأئمّة ، ح 3.
6- . فيالمصدر: «والفعل».
7- . في المصدر: «في المآل».
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 106.

ص: 346

. .

ص: 347

الحديث الثاني (1)روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ السَرّادِ ، عن جَميلِ بنِ صالحٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ، (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال :«إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الْمُتَعَلِّمِ ، وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهِ ، فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ ، وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ الْعُلَمَاءُ».

هديّة :(منكم) أي من الفرقة الإماميّة. في بعض النسخ: «مثلا أجر المتعلّم» على التثنية، فلقوله عليه السلام : (وله الفضل عليه) احتمالان على الأكثر، يعني وله زيادة ثواب، أو وله عليه إكرامه وتعظيمه، والتأخّر عنه في المجالس، ومعرفة حقّه، وأداء شكر نعمته، وغير ذلك من الحقوق. وكذا على البعض، أحدهما: الثاني على الأكثر، والثاني: كون «الواو» للحال بيانا للعلّة من (حملة العلم) أي بلا واسطة أو بواسطة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني معلّم علم الدِّين المتعلّم منه متساويان في الثواب، إلّا أنّ للمعلّم حقّ النعمة على المتعلِّم، وهو غير الثواب الاُخرويّ. «وعلّموه إخوانكم» أي بلا زيادة ونقصان وتصرّف فيه تبعا للظنّ . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «فتعلّموا العلم من حملة العلم» يعني خذوا العلم من أصحاب العصمة بواسطة أو بدونها. «وعلّموا إخوانكم» من غير تصرّف فيه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «له أجر مثل أجر المتعلّم وله الفضل عليه» ظاهر هذه العبارة مساواة أجر التعليم والتعلّم، لكن في الرعيّة حيث قال : «إنّ الّذي يعلّم العلم منكم». وباعتبار نفس التعليم والتعلّم المقيس أحدهما إلى الآخر. وللمعلّم اُجرة التعلّم (4) أيضا مثل اُجرة تعليمه، وللمعلّم الفضل على المتعلّم؛ لأنّ المعطي والمفيض أعلى رتبةً وأكثر فضلاً من المعطى له والمفاض عليه . (5)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
2- . السند في الكافيالمطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن درّاج ، عن محمّد بن مسلم».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
4- . في المصدر: «أجرا لتعلّم».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 107.

ص: 348

الحديث الثالث (1)روى في الكافي بإسناده عن البَرْقي، عن عليِّ بنِ الحَكَمِ، عن عليٍّ، عن أبي بصير (2) قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول :«مَن علّم خيرا فَلَه مِثْلُ أجْرِ مَنْ عَمِلَ بِه». قلت : فَإنْ عَلَّمَه غَيْرَه يَجْرِي ذلِكَ لَه؟ قال : «إنْ عَلَّمَه النّاسَ كُلَّهُم جَرى لَه». قلت : فَإِنْ ماتَ؟ قال : «وإن مات» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثالث».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «علىُّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّدٍ البرقي ، عن عليّ بن الحَكَم ، عن عليّ بن أبي حمزةَ ، عن أبي بصير».

ص: 349

هديّة :(خيرا) أي من العمل، أو علما كان، أو عملاً. والظاهر أنّ الفاعل في (فإن علّمه غيره) هو المتعلّم. ويحتمل المعلّم، أو بالعكس كما قيل. والسؤال الثاني بجوابه يؤيّد الأوّل. (إن علّمه الناس كلّهم) يعني ولو بوسائط. والفعلان (1) من الجَرَيان على المعلوم، لا من الجزاء أو الإجزاء بالجيم والزّاي على خلافه، وإن استقام بالتكلّف؛ للاستقامة بدونه. ولعلّ فاعل (مات) هو المعلّم لا الخير، كما حمل عليه السيّد الباقر ثالث المعلّمين الشهير بداماد رحمه الله حيث قال : «وإن مات» أي وإن مات ذلك وانقرض واندرس ولم يبق ولم يوجد من يتعلّمه، ومن يعمل به . (2) قال برهان الفضلاء : «فإن علّمه غيره» يعنى فإن علّم المتعلّم شخصا آخر يجري ذلك الأجر للمعلّم الأوّل. قال : إن علّم المتعلّم كلّ الناس فله مثل أجر من عمل به ؛ أي من المتعلّمين منه. «فإن علّمه غيره» يحتمل وجهين: أحدهما : السؤال عن أنّ التعليم يجري فيه ما يجري في العمل، فيكون له مثل أجر من علّمه ، كما أنّ له مثل أجر من عمل به. والجواب بأنّ تعليم المتعلّم كما له مثل أجر عمله، وذلك لاستنادهما إلى تعليمه . والثاني : السؤال عن العمل بتعليم غيره من متعلّميه ، أي عمل المتعلّم بواسطة، فكأنّه فهم من كلامه أوّلاً عمل المتعلّم بلا واسطة فسأل عن المتعلّم بواسطة، فأجاب بأنّه يجري له ذلك فيه، وذلك لكونه بتعليمه ولو بواسطة . ويحتمل أن يكون المراد مَن علّم خيرا ابتداءً وكان منه خروجه وظهوره أوّلاً فله أجر من عمل به ، ويكون معنى كلام السائل: «فإن علّمه غيره يجري ذلك له» إن علّمه غيره وعمل بتعليم الغير يكون للمعلِّم أوّلاً مثل ثواب هذا العالم الذي ليس عمله بتعليمه؟ والجواب: أنّ له مثل ثواب من عمل به بتعليم كلّ أحد ؛ وذلك لكونه منشأه ومبدأه.

.


1- . أي «يجري» و «جرى».
2- . التعليقة على الكافي، ص 74.

ص: 350

الحديث الرابع (1)روى في الكافي بهذا الإسناد، 2 عن محمّد بن عبد الحميد، عن العلاء، عن الحذّاء، (2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ عَلَّمَ بَابَ هُدًى ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، وَلَا يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئا ، وَمَنْ عَلَّمَ بَابَ ضَلَالٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، وَلَا يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئا» .

هديّة :(فله مثل أجر من عمل به) أي كلّ من عمل به. (ولا ينقص) في الموضعين على ما لم يسمّ فاعله. والإتيان ب «الأوزار» أوّلاً على الجمع، لعلّه للإيماء إلى تعدّد أنواع العذاب . قال برهان الفضلاء : «فله»، أي للمعلّم الأوّل فالأوّل. وكذا «كان عليه مثل» ما على جميع العاملين به من الثواب والعقاب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بتعليم باب الهدى وتعليم باب الضلال تعليم طريق السلوك إلى أحدهما والدخول فيه. ويجري في هذا الحديث ما ذكر في الحديث السابق من الحمل على المعلّم ابتداءً، فيكون له مثل ما لكلّ عامل ولو لم يكن بتعليمه، والحمل على كلّ معلّم ، ويكون له مثل ما لكلّ عالم ينتمي عمله إلى تعليمه ولو بواسطة . (3)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الرابع».
2- . في الكافي المطبوع: «عن العلاء بن رزين ، عن أبي عبيدة الحذّاء».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 102.

ص: 351

الحديث الخامس (1)روى في الكافي عَن الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام، قَالَ:«لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ، وَخَوْضِ اللُّجَجِ، إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَوْحى إِلى دَانِيَالَ: أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، التَّارِكُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ؛ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ، اللَازِمُ لِلْعُلَمَاءِ، التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ، الْقَابِلُ عَنِ الْحُكَمَاءِ».

هديّة :(ما في طلب العلم) أي العلم النافع في الدِّين. و «السفك»: الإراقة. وربّما يخصّ بالدّم. و (المهج) كصرد: جمع مهجة بضمّ الميم وسكون الهاء، وهي دم القلب. و «الخوض»: الدخول في الماء. و «اللّجج»: جمع لُجّة، وهي معظم الماء. يعني ودخول الورطات الهائلة. و «المقت» بالفتح: البغض (التارك للاقتداء بهم) يعني وهم ورثة الأنبياء عليهم السلام . و (التقيّ): بَيِّنُ التقوى. وباطنيّه أصل الظاهريّة، فإنّ ظاهريّه _ وهو الاجتناب بالجوارح عن المحرّمات _ لا ينفع مثقال ذرّة بدون التبرّي من صميم القلب من جميع الفرق الهالكة، طواغيتهم وأشياعهم. والمراد علماء العاملون بعلم الدِّين عقلاً عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة. و ب «الحلماء»: العقلاء العاقلون عن العاقل عن اللّه . من «الحلم» بالكسر، بمعنى العقل. و ب «الحكماء»: الأفاضل من العقلاء. و (القابل) يحتمل المفردة والخاتمة. والمضبوط (عن) بالعين . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «ولو بسفك المهج» أي دماء المخالفين المانعين من طلب علم الدِّين. «وخوض اللّجج» أي الدخول في صفوف سيوفهم. و «الثواب الجزيل» عبارة عن الثواب الاُخرويّ «التابع للحلماء» أي العقلاء. «القابل» بالمفردة. «عن الحكماء» أي الكافين أنفسهم عن أهوائها. ومنها العمل بالظنّ في المشتبهات . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «اللّازم للعلماء». هذه الصفات الثلاث إشارة إلى الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لو يعلم» الناس ما في طلب العلم» أي من حصول الفضل والشرف والأجر «لطلبوه ولو بسفك المهج» أي بإراقة الدّماء «وخوض اللّجج» أي دخول اللّجج، وهي جمع لجّة، أي معظم الماء. «وأنّ أحبّ عبيدي إليَّ التّقي» قابَلَه بالجاهل؛ لأنّ التقوى من آثار كمال العقل المقابل للجهل. والمراد بطالب الثواب الجزيل: العامل لما يوصله إليه، سواء قصد به حصوله أو لا. والمراد بملازمة العلماء: كثرة مجالستهم ومصاحبتهم. والمراد بالحلماء: العقلاء. ومتابعتهم: سلوك طريقه (3) الذي سلكوه. «والقابل عن الحكماء»: الآخذ عنهم ولو بواسطة أو وسائط. والمراد بالحكماء: العدول الآخذون بالحقّ [والصواب (4) ] قولاً وعملاً. والظاهر أنّ المراد بالحلماء والحكماء: الأنبياء والأوصياء ، والقريب منهم كلقمان وآصف؛ فإنّ كمال العقل والحكمة لهم. والعلماء يشمل غيرهم ومن لا يدنوهم من أهل العلم. (5) انتهى . الظاهر كلقمان واسكندر .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الخامس».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
3- . في المصدر: «طريقتهم».
4- . أضفناه من المصدر.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109 _ 110.

ص: 352

. .

ص: 353

الحديث السادس (1)روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري (2) عن حفص بن غياث، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام :«مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَ لِلّهِ ، دُعِيَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيما ، فَقِيلَ : تَعَلَّمَ لِلّهِ ، وَعَمِلَ لِلّهِ ، وَعَلَّمَ لِلّهِ» .

هديّة :الظرف في (وعلّم للّه ) الاُولى متعلّق بكلّ واحدٍ من الأفعال الثلاثة. (دُعي) على ما لم يسمّ فاعله، أي سمّي من عظماء الشيعة ، ف «الفاء» في (فقيل) للتعقيب. ويحتمل التفسير . قال برهان الفضلاء : «العلم»: مفعول به، وعبارة عن بيّنات محكمات الآيات الصريحة في النّهي عن اتّباع الظنّ ، (3) والأمر بسؤال أهل الذِّكر (4) عند كلّ مشتبه (5) محتاج إليه في الدِّين. و «تعلّم العلم» وتفهّمه عبارة عن استنباط النتيجة من ذلك، وهي إمامة أمير المؤمنين وأوصيائه المعصومين إلى انقراض التكليف، بناءً على اتّفاق الاُمّة على أنّ المعارضين لهذه الاُمّة يتّبعون الظنّ. «وعلّم للّه » بتقدير علّمه للّه ، و «للّه » متعلّق بالأفعال الثلاثة. «دُعي» على المجهول بمعنى سمّي. و «الملكوت»: مبالغة في الملك، يعني كمال السلطنة والتسخير لكلّ شيء. وهنا عبارة عن الملائكة، وآثار السلطنة الكاملة فيهم أظهر؛ لفقدان الباطل فيهم. و «الفاء» في «فقيل» للبيان يعني دُعي فيها بهذه الأسماء نظير ما يجيء في كتاب التوحيد أنّ جملة «لا تأخذه سنة ولا نوم» من أسماء اللّه تبارك وتعالى . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وعلّم للّه » أي يكون كلّ من التعلّم والعمل والتعليم للّه ، كما صرّح به في آخر الحديث . «دُعي» أي سمّي عظيما ؛ أي بالعظمة في ملكوت السماوات . والملكوت مبالغة الملك ، أي أعلى مراتبه الجامعة لتوابع الملك ولوازمه من كثرة الجنود والأتباع المسخّرين القائمين بأوامر الملك المطيعين له وكثرة آيات العظمة والجلالة، فيُطلق ويُراد به عزّ الملك وسلطانه، ويُطلق ويُراد به آيات العظمة والجلالة وآثار الملك والسلطنة ، ويُطلق ويُراد به الجنود المسخّرين . والمراد بملكوت السماوات إمّا الآيات كما قيل، أي سمّي في الآيات [السماويّة] (6) وهي أعظم الآيات الظاهرة، ويسمّيه أهلها _ وهم الملائكة والأرواح العلويّة _ عظيما . أو المراد به الجنود السماويّة وهم الملائكة والأرواح، أي يسمّى بينهم عظيما، ويذكر بالعظمة بينهم . (7)

.


1- . في «الف»: - «الحديث السادس».
2- . في الكافي المطبوع: «عن سليمان بن داود المنقري».
3- . منها في الأنعام (6): 16 و 148؛ و يونس (10): 36 و 66 ؛ والجاثية (45): 24؛ والنجم (53): 23.
4- . النحل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
5- . في «الف»: «مشيئة».
6- . ما بين المعقوفين من المصدر.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 110 _ 111.

ص: 354

. .

ص: 355

باب صفة العلماء

الباب السادس : باب صفة العلماءوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن محمّد، عن ابن عيسى، عن السّراد، عن ابن وهب، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اطْلُبُوا الْعِلْمَ ، وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ الْعِلْمَ ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ طَلَبْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ ، وَلَا تَكُونُوا عُلَمَاءَ جَبَّارِينَ ؛ فَيَذْهَبَ بَاطِلُكُمْ بِحَقِّكُمْ».

هديّة :وجه الحكمة في الأمر بتواضع المعلّم للمتعلِّم منه أكثر من وجهها في الأمر بتواضع المتعلّم لمعلّمه. و «الجبّار»: المتكبّر. والتكبّر حقّ اللّه سبحانه، والتواضع حقّ العباد. (فيذهب باطلكم) أي تكبّركم بحقّكم، أي بتواضعكم. بيّنا الغرض من الكلام ببيان لطفه، ولا يخفى لطفه . قال برهان الفضلاء : يعني اطلبوا علم الدِّين وتزيّنوا بالعلم والحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم زيادةً في رغبته بالتأليف والتأنيس، يعني تأليف القلب. «وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم» أداءً لواجب حقّه. والغرض من قوله : «فيذهب باطلكم بحقّكم»: إنّ تكبّر العالم يوجب عدم الرغبة إلى تحصيل العلم، فيوجب حرمان المعلّم من ثواب التعليم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم» [أي في أوان اشتغاله بالطلب. «و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم» أي عند الطلب و بعده. «ولا تكونوا علماء جبّارين» أي متكبّرين «فيذهب باطلكم» أي تكبّرتم «بحقّكم» أي بعلمكم ، فلا يبقى العلم] (1) عندكم، ويرتحل عن قلوبكم، أو بفضلكم وشرفكم بالعلم؛ فإنّه لا يبقى فضل وشرف بالعلم مع التكبّر به، أو بفضلكم وثوابكم على التعليم والتعلّم؛ حيث لا فضيلة ولا استحقاق للثواب بهما مع التكبّر بالعلم . (2)

.


1- . في «ب» و «ج»: - «أي في أوان... فلا يبقى العلم».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 111 _ 112.

ص: 356

الحديث الثاني (1)روى في الكافي عن عليّ، عن العبيدي؛ عن يونس، عن حمّاد بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «إِنَّمَا يَخْشَى اللّه َ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (2) قال :«يعني بالعلماء من صدّق فعله قوله ؛ فمن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم».

هديّة :الآية في سورة الفاطر. والظاهر أنّ الإمام عليه السلام أفاد بالتفسير أنّ المراد ب «العلماء» في هذه الآية خصوص الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه . فالمراد ب «الفعل» على فاعليّة المعجزة، وكذا ب «القول» يعني من صدّق معجزه دعواه، أو من صدّق قوله في أحكام اللّه بعلمه المعجز صحّة جميع أفعاله. وتفسير الصدِّيق _ وأكثر إطلاقه في المعصوم _ بمن يصدّق فعله قوله مؤيّد. ولمّا ليس حقّ الخشية إلّا مع الحجّة المعصوم؛ لأنّ حقّ اليقين معه، وكلّما يزداد اليقين يزداد الخوف والرّجاء نطق (3) القرآن بأداة الحصر. ويحتمل أن يكون غرضه عليه السلام أنّ المراد بالعلماء في الآية أعمّ من المعصوم ومن العدول من علماء الشيعة ، فالمراد بحقّ الخشية مراتب كمالها وحقّها في الرعيّة مع العلماء المتّقين ، وفي الاُمّة أو مطلق العباد مع الأوصياء من الحجج المعصومين ، والحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين. وما أظهر أنّ وقاحة الصوفيّة القدريّة وجسارتهم في دعاويهم الباطلة شرعا، وأقاويلهم المردودة قطعا إنّما هي من قلّة خوفهم من العذاب الموعود؛ لعدم يقينهم بجميع ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله . وإنّما قلنا من قلّة خوفهم؛ لأنّ خوف الاحتمال الذي ليس باحتمال سهل لن ينفكّ عن الجاحدين الملحدين، ولا يمنعه خيال عن إذابة قلوبهم . هشدار كه منكر قيامتاز شايد آن دلش دو نيم است . وبناء حديث أمير المؤمنين عليه السلام مع الزنديق الذي أسلم على يده (4) إنّما هو على امتناع منع الجاحد ذلك الاحتمال بشيء من قلبه إن كان الأمر كما قلتم، وليس كما قلتم فنحن وأنتم سواء. وإن كان كما قلنا و هو كما قلنا فمن ينجيكم، وإلى أين تفرّون، وإلى مَن تفزعون. فزع إليه، كعلم: لجأ (فليس بعالم) أي من المعصومين، أو من علماء الدِّين في عرف أهل الدِّين . قال برهان الفضلاء : معنى «العلماء» هنا ظاهر ممّا مرّ في الحديث الثاني عشر من الباب الأوّل في شرح: «يا هشام، إنّ العقل مع العلم» وممّا مرّ في شرح الحديث الآخر من الباب السابق. يعني «إنّما يخشى اللّه » ويترك اتّباع الظنّ «من عباده العلماء». ولمّا كان العلم الذي لا عمل معه أسوء من الجهل قال عليه السلام : «فمن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد ب «من صدّق فعله قوله»: من يكون ذا علم ومعرفة ثابتة مستقرّة في قلبه استقرارا لا يغلبه معه هواه. والمعرفة الثابتة المستقرّة كما تدعو إلى القول والإقرار باللِّسان، تدعو إلى الفعل والعمل بالأركان، فيكون فعله مصدِّقا لقوله، والعالم لهذا المعنى الحقيق بذلك الاسم له خشيةٌ من ربّه ليست لغيره ، وهذه الخشية تؤدّيه إلى الإطاعة والانقياد قولاً وفعلاً؛ فإنّ الجرأة على العصيان لا يجامع الخشية الحقيقيّة . (5)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
2- . فاطر (35): 28.
3- . جواب لقوله: «و لمّا».
4- . المرويّ في الاحتجاج، ج 1، ص 240 _ 258.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 112 _ 113.

ص: 357

. .

ص: 358

الحديث الثالث (1)روى في الكافي عن العدّة، عن البرقي، (2) عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيدٍ القمّاط، عن الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللّه ِ، وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللّه ِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللّه ِ، وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلى غَيْرِهِ؛ أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَكُّرٌ». وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى: «أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا فِقْهَ فِيهَا، أَلَا لَا خَيْرَ فِي نُسُكٍ لَا وَرَعَ فِيهِ».

هديّة :(القمّاط): بنّاء بيت القصب، و «القمط» بالكسر: ما يشدّ به قصبات بيت القصب. وككتاب: الخرقة التي تلفّ على الصبيّ، وحبل يشدّ به رِجْل الدواب . (لم يقنّط) على المعلوم من التفعيل . وكذا لم يؤمّنهم. أمن من كذا كعلم، وأمنه غيره كنصر، كآمنه إيمانا، وأمّنه تأمينا. وللتأمين معنى آخر، وهو التكلّم بعد الدّعاء بكلمة «آمين» من أسماء الأفعال، بمعنى استجب. لعلّ عليه السلام أشار بكلّ فقرة من الفقرات الأربع إلى بطلان مذهب من المذاهب الباطلة، أو أكثر في الاُصول والفروع. فبالاُولى: إلى بطلان مذهب المعتزلة في قولهم بإيجاب الوعيد، وتخليد صاحب الكبيرة في النار . ومذهب الخوارج المضيّقين على أنفسهم في التكاليف الشرعيّة، كالصوفيّة القدريّة بالرياضات المخترعة، والرهبانيّة المبتدعة. وبالثانية: إلى بطلان مذهب المرجئة القائلين بتأخير العمل عن الإيمان، بأنّ الإيمان مجرّد التصديق بما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله . ومن يجري مجراهم، كمن يقول: صحّة الاعتقاد تكفي للنجاة ومن ورائي الشفاعات. نعم، صحّة الاعتقاد بدون العمل _ مع أنّ العمل من الإيمان باتّفاق أصحابنا الإماميّة _ توجب النجاة لو لم يوجد فرصة للعمل، كمن أسلم ومضى. وأمّا التارك أصلاً مع الفرصة، فإن وفّق للتوبة ولو قبل المعاينة بنَفَسٍ فلا يدخل النار، ويعلم اللّه حاله في عقبات البرزخ. وإن لم يوفّق للتوبة ومضى بصحّة الاعتقاد ، فإمّا من الداخلين في النار بغير الخلود فيها كما قيل، أو من المخلّدين ؛ لأنّ عدم التوفيق للتوبة علامة الخذلان، وزوال الإيمان التصديقي بغلبة الشيطان. أو من الذين للّه فيهم المشيئة، إن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم. وبالثالثة: إلى بطلان مذهب الأشاعرة والحنابلة ومن يشبههم شبه الملامتيّة من الصوفيّة القدريّة وسائر أصنافهم. وبالرابعة: إلى بطلان مذهب المتفلسفة الذين أعرضوا عن القرآن وحملة علمه، وحاولوا اكتساب العلم والعرفان من كتب قدماء الفلاسفة، ومذهب أصحاب الآراء والمقاييس، كالحنفيّة وغيرهم من فرق العامّة . (ألا لا خير في علمٍ ليس فيه تفهّم) أي تيقّن، بأنّ العلم بالمتشابهات لا يحصل إلّا بتوسّط الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة في اللّه ، فلا قطع في مشتبه في هذا النظام العظيم إلّا بما أخبر به مدبّره الحكيم، والحكيم لئلّا يكون على اللّه حجّة بعد الرّسل لا يحتجّ على عباده إلّا بالمعصوم الممتاز عن الجميع حسبا ونسبا . (ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر) من التدبّر فيه: أنّ حجّيّة القرآن _ والبضع والسبعون متمسّكون به _ لا تستقيم إلّا بقيّم له من اللّه معصوم عاقل عن اللّه ممتاز عن الجميع في جميع المكارم والأخلاق حسبا ونسبا؛ فإنّ كلّ إمام من الاثني عشر عليهم السلام في زمانه كان كذلك باتّفاق المؤالف والمخالف ، «وَ لَ_كِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَ_فِرِينَ » . (3) وحديث : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين» (4) قد صحّ عند البضع والسبعين . (ألا لا خير في عبادةٍ ليس فيها تفكّر) أي التفكّر المبني على استحكام هذا النظام المحيّر للعقلاء، من التفكّر فيها أنّها لا تصحّ إلّا بالوجه الصحيح المقطوع بصحّته، ولا قطع إلّا بما ثبت عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . ألا يرى أنّ الرسوم المخترعة في العبادة من عبّاد الصوفيّة القدريّة لا يفضي إلّا إلى ترك العبادة والارتداد بخيالات واهية صادرة من ملكة الاختلاف، وأفكار باطلة ناشئة من سنخ الكفر والنفاق . (وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام. (ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها) بيانه بَيِّنٌ ممّا بيّنا. وجواب شيخ كبير من مشايخ الصوفيّة عن مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع وحكمه بالاستئناف على الاستحسان مشهور. وفي «النّسك» بمعنى العبادة لغات. فتح النون، وضمّها، وكسرها وسكون السين، وبضمّتين (لا ورع فيه) أي عمّا نهي عنه في الشريعة الغرّاء، القائمة إلى قيام الساعة، القاصمة ظهر الزنادقة والملاحدة لعنهم اللّه ، كسّر اللّه ظهرهم بقهره بأيدي شيعة آل محمّد صلى الله عليه و آله . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «العدّة» في سند هذا الحديث عبارة عن: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة، وأحمد بن عبداللّه بن اُميّة، وعليّ بن الحسن . و «برقة رود»: قرية من قرى قمّ، والنسبة إليها «برقيّ» بسكون الرّاء. و «مهران» بكسر الميم، ولا ينصرف. و «القمّاط»: بيّاع القِماط ككتاب، وهو ما يلفّ على الصبيّ قبل زمان المهد. و «الحلبي» هو عبيد اللّه بن عليّ بن أبي شعبة الحلبي. «ألا اُخبرّكم» من التخبير: بسيار دانا كردن كسى را به چيزى به نشان هاى درست. و«لم يقنّط» على المعلوم من التفعيل، من القنوط، وهو ضدّ الرجاء. ويجيء في باب الكبائر في كتاب الإيمان والكفر: «الكبائر: القنوط من رحمة اللّه ، والإياس من روح اللّه ، والأمن من مكر اللّه »، الحديث. وقد يُفرَّق بين «الرحمة» بإيصال النفع، كإعطاء الولد على إبراهيم عليه السلام في أواخر سنّ سارة؛ وبين «الرَوْح» _ بالفتح _ بدفع الضرر، كإزالة حزن يعقوب برؤية يوسف عليهماالسلام ويمكن أن يكون المراد من «عذاب اللّه » هنا: مكر اللّه المذكور في سورة الأعراف ؛ قال اللّه تعالى : «فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه ِ إِلَا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ» (5) . وقد يستعمل «الرحمة» في إمام الهدى ، و «العذاب» في إمام الضلالة ؛ قال اللّه تعالى في سورة الأعراف : «قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» . (6) والترخيص في المعاصي يلزم على عدّة طائفة من الفِرَق الهالكة، منها: المرجئة القائلون بأنّ الإيمان محض التصديق بما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله ، والعمل ليس منه ولا يلازم له؛ وأنّ قوّة إيمان فسق الفسّاق رتبةً كقوّة إيمان جبرئيل وميكائيل. «رغبةً عنه»: مفعول له. و «الرغبة» إذا تعدّت ب «عن» بمعنى النفرة. وترك القرآن رغبةً عنه إلى غيره صنيعة طائفتين من أهل الضلال: أهل الآراء وأهل (7) المقاييس القائلون بالظنون ، وهم عامّة العامّة ومن يجري مجراهم في القضاء والإفتاء؛ والصوفيّة القائلون بأنّ العلم الحاصل بالمكاشفة أعلى وأقوى من العلم الحاصل من قول الأنبياء . و «ألا» في المواضع حرف الاستفتاح والتنبيه . و «في» فيها بمعنى «مع» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «حقّ الفقيه» أي حقيقة الفقيه. و «حقّ الفقيه» بدل عن «الفقيه» وما بعده خبرُ مبتدإٍ محذوف ؛ أي هو «من لم يقنّط الناس». ويحتمل أن يكون «حقّ الفقيه» مبتدأ وما بعده خبر. والمراد أنّ الفقيه حقيقةً ليس إلّا من هو عالم بالمراد بما ورد في الوعيد والوعد والعفو بملاحظة بعضها مع الآخر حتّى يتبيّن له المراد. ومن يقتصر على ملاحظة البعض دون الباقي ويعتمد على ما يفهمه بتلك الملاحظة فيؤدّيه إلى أن يقنّط الناس من رحمة اللّه ، أو يؤمّنهم من عذاب اللّه ، أو يرخّص لهم في معاصي اللّه ، فبمجرّد علمه بالمسائل الشرعيّة الفروعيّة لا يكون فقيها. وكذا حقيقة الفقيه لا يكون إلّا لمن أخذ بكتاب اللّه وتفكّر فيه ولم يرغب عنه إلى غيره؛ فإنّ التارك لكتاب اللّه لا يكون فقيها وإن كان حافظا للأحاديث، ضابطا لها، فإنّ معرفة الأحاديث وفهمها لا يتمّ إلّا بمعرفة كتاب اللّه والتفكّر فيه. وأمّا مَن ترك التفكّر في كتاب اللّه ، ثمّ قاس على الأحاديث، فعدوله عن الحقّ أكثر. ويحتمل أن يكون قوله : «ألا لا خير في علمٍ ليس فيه تفهّم» ناظر إلى ما ذكره أوّلاً ؛ فإنّ مَنْ كان يتفهّم يعلم أنّ الوعيد للتقريب من الإطاعة، والتقنيط يبعّد عنها ، فمن يقنّط لم يكن في علمه تفهّم . و «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر» ناظر إلى ما ذكره ثانيا؛ فإنّ من يتدبّر في قراءته للكتاب والقصص المذكورة فيه _ من نزول العذاب عند المعاصي _ علم أنّها نزلت لئلّا يأمنوا من عذاب اللّه ، ولم يجترئوا على المعاصي، ولم يرخّصوا لأنفسهم فيها. و «ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر» ناظر إلى ما ذكره ثالثا من قوله : «ولم يترك القرآن رغبةً عنه»؛ فإنّ من تمسّك بالقرآن وعمل بما فيه كان آخذا بما يتعبّد به من مأخذه بالتفكّر ، ومَن ترك التمسّك به ورغب عنه إلى غيره كان آخذا له من غير مأخذه الذي كان يجب أن يأخذ منه تاركا لأخذه كما ينبغي بالتفكّر . «وفي رواية اُخرى». اختلاف هذه الرواية مع الرواية السابقة في الفقرة الثالثة هو اختلاف في العبارة ، والمراد واحد. وزيادة الفقرة الرابعة هنا تدلّ على أنّ الفقرة الثانية ناظرة إلى الأمن من عذاب اللّه ، والرابعة ناظرة إلى الرخصة في المعاصي و «النسك»: الطاعة والعبادة، وكلّ ما يتقرّب به. و «الورع» في الأصل: الكفّ عن المحارم و التحرّج منه ، ثمّ استعمل في الكفّ عن التسرّع إلى تناول أعراض (8) الدنيا حسب ما يليق بالمتورّع ، فمنه واجب ، و هو الكفّ عن المحرّمات، وهو ورع العامّة ؛ لأنّ الاجتناب عن المحرّم على الكلّ؛ ومنه ندب، وهو الوقوف عند الشبهات، وهو ورع الأوساط؛ ومنه فضيلة، وهو الاقتصار على الضروريّات، وهو ورع الكاملين. والمراد به هنا الأوّل ، ويحتمل الثاني؛ فإنّه مع فقدانه لا يكون خير يعتدّ به. (9) انتهى . قال اللّه تبارك وتعالى : «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدا» . (10) لا شكّ أنّ كلمات قيّم القرآن، وهو القرآن الناطق إنّما هي بأمر اللّه ، وهو لسان اللّه الناطق في خلق اللّه .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثالث».
2- . في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّدٍ البرقي».
3- . الزمر (39): 71.
4- . حديث الثقلين متواتر بين الفريقين و تعرّض لنقله أرباب الصحاح و السنن و المسانيد ، و رووه بأسانيد مختلفة و ألفاظ متفاوته عن كثير من الصحابة. راجع: نهج الحقّ ، ص 225 _ 228؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 1873 ، ح 22408. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 366 ، ح 19285؛ سنن البيهقي ، ج 2 ، ص 148 ، ح 2679؛ كنزالعمّال ، ج 1 ، ص 315 ، ح 898 .
5- . الأعراف (7): 99.
6- . الأعراف (7): 156.
7- . في «ب» و «ج»: - «أهل».
8- . في «ب» و «ج»: «أغراض».
9- . الحاشية على اُصول الكافى¨ ، ص 113 _ 115.
10- . الكهف (18): 109.

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

. .

ص: 362

. .

ص: 363

الحديث الرابع (1)روى في الكافي عن محمّد، عن ابن عيسى والنيسابوريّين جميعا، عن صفوان، (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال :«إنّ مِنْ عَلاماتِ الفِقْه (3) الحِلْمُ والصَّمْتُ» .

هديّة :يعني من علامات العالم بعلم الدِّين العامل به أن يكون حليما ذا وقار كافّا لسانه عمّا لا طائل فيه ، وإلّا فلا عامل فلا فقيه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «الحلم» يعني العفو والصفح عمّن لا أدب له. و «الصمت» يعني كفّ اللِّسان عمّا لا علم به، وعن التكلّم بما علم في غير موضعه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الحلم»: الأناة، وترك النزاع والجدال. و «الصّمت»: السكوت عمّا لا يحتاج إليه . (4)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الرابع».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ و محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان النيسابوريّ جميعا ، عن صفوانَ بنِ يحيى».
3- . في الكافي المطبوع: «الفقيه».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113.

ص: 364

الحديث الخامس (1)روى في الكافي عن أحمد بن عبداللّه ، عن البرقي، (2) عن بعض أصحابه رفعه، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام :«لا يَكونُ السَّفَهُ والغِرَّةُ فِي قَلْبِ العالِمِ» .

هديّة :مضمونه كسابقه. و (السفه): الخفّة والطيش، وهو ضدّ الحلم بمعنى الأناة . و (الغرّة) بكسر المعجمة وتشديد المهملة: الغفلة، وقلّة الفطنة بمكائد الشيطان فأعمّ من الاغترار ومصائده. والظاهر أنّ المراد لا يكون أصلاً ، فالمراد ب «العالم» الحجّة المعصوم . قال برهان الفضلاء : يعني عالم علم الدِّين لا ينزعج من مكانه بسهولة، ولا يغترّ بمكائد الشيطان . (3) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : الظاهر أنّ «أحمد بن عبداللّه » في سند هذا الحديث هو أحمد بن عبداللّه بن بنت أحمد بن محمّد البرقي بقرينة ما في الفهرست. (4) والظاهر أنّه المراد من المذكور في العدّة، والمراد بالعالم هنا الإمام عليه السلام . 5 وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «السفه»: قلّة الحلم أو عدمه. و «الغرّة» بالكسر: الغفلة. (5) انتهى . أشار بالترديد إلى احتمال التعميم في «العالم» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الخامس».
2- . في الكافي المطبوع: «عن أحمدبن محمدٍ البرقي».
3- . في «ب» و «ج»: + «بسهولة».
4- . الفهرست للطوسي ، ص 22 ، في ترجمة أحمدبن محمّد بن خالد البرقى ، الرقم 55.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115.

ص: 365

الحديث السادس (1)روى في الكافي بهذا الإسناد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان رفعه، قال :«قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليه السلام : يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ اقْضُوهَا لِي، قَالُوا: قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ اللّه ِ، فَقَامَ، فَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ، فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا يَا رُوحَ اللّه ِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْخِدْمَةِ الْعَالِمُ، إِنَّمَا تَوَاضَعْتُ هكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي فِي النَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ. ثُمَّ قَالَ عِيسى عليه السلام : بِالتَّوَاضُعِ تُعْمَرُ الْحِكْمَةُ، لَا بِالتَّكَبُّرِ؛ وَكَذلِكَ فِي السَّهْلِ يَنْبُتُ الزَّرْعُ، لَا فِي الْجَبَلِ».

هديّة :«المعشر» كمنصب: الجماعة ، والجمع معاشر . في بعض النسخ: «فقبّل» من التقبيل، مكان «فغسل» على المعلوم من باب ضرب . (بالخدمة) أي بالتواضع، و (العالم) مأمور بالتواضع مع المتعلِّم كما مرّ في الأوّل. ووجه الأحقّيّة: اختصاص التكبّر باللّه سبحانه، وكمال التواضع حقّ المقرّبين من عباده؛ لتفرّده بالخالقيّة والقِدَم والبقاء، كجميع ما سواه بالمخلوقيّة والحدوث والفناء. ويجيء في الحديث في الباب التاسع والخمسون وهو باب التواضع في كتاب الإيمان والكفر: «أنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أنّ أقرب الناس إلى اللّه المتواضعون وأبعدهم منه المتكبّرون» . (إنّما تواضعت) بيان لوجه آخر لمبالغته في التواضع ، فمنه قوله : (بالتواضع تُعمر الحكمة) بزيادة التواضع تنموا الحكمة وتزاد . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : روح الإنسان جسم هوائي لطيف غير مرئي يوجب الحياة ما دام في البدن. وبدن غير عيسى عليه السلام مخلوق قبل نفخ الروح فيه، وبدنه مخلوق من روح نفخ جبرئيل عليه السلام في مريم عليهاالسلام بإذن اللّه تعالى. والإضافة في «روح اللّه » إضافة الاختصاص والتشريف والتكريم، كسمائي وأرضي وملائكتي. «فغسل» كضرب من «الغسل» بالفتح «تعمر» على المجهول من باب نصر. انتهى . اعتقاده سلّمه اللّه بجسميّة النفوس الناطقة. بناءً على ما هو الحقّ والصدق من تفرّد الربّ تبارك وتعالى بالقِدَم واللّازمانيّة واللّامكانيّة والتنزّه عن الأبعاد اللّازمة الجسمانيّة، هل يمكن لذي حياة أن يعقل نفسه مجرّدة عن البُعد والإمكان بعد مفارقتها البدن؟ احتمال لا يعارض اليقين . نعم ، يعقل [المجرّد من البعد والحنّير والمكان والمادة، لكن إمّا معان قائمة بالأذهان أو من ساير الأعراض فجسمانيّ، وهل يتصوّر شيء بدون صورة] (2) اسمه القائمة بالذهن، ولذا بنيت المعرفة الدينيّة على نفي التشبيه والتعطيل . وروى الشيخ الطبرسي بإسناده في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «الروح لا يوصف بثقلٍ ولا خفّةٍ، وهي جسم رقيق اُلبس قالَبا كثيفا، فهي بمنزلة الريح في الزقّ، فإذا نفخت فيه امتلأ الزقّ منها، فلا يزيد في وزن الزقّ، وُلُوجها، ولا ينقصه خروجها، وكذلك الروح ليس لها ثقلٌ ولا وزنٌ». قيل له: أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالَبه أم هو باق؟ قال : «بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى، فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ اُعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها، وذلك أربعمائة سنة تَسْبِتُ فيها الخلق، وذلك بين النفختين» . وقال عليه السلام أيضا : «إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياءٍ وفُسْحَة، وروح المسيء في ضِيقٍ وظلمة ، والبدن يصير ترابا». (3) الحديث . قوله عليه السلام : «فلا حسّ ولا محسوس _ إلى قوله _ : وذلك أربعمائة سنة» ؛ دلالة على بطلان مثل القول بأنّ الزمان مقدار حركة الفلك . ونقل بعض المعاصرين هذا الحديث من الاحتجاج ، وقال : «أمّا إطلاق الجسم على الروح؛ فلأنّ نشأة الملكوت أيضا (4) جسمانيّة من حيث الصورة وإن كانت روحانيّة من جهة المعنى غير مدركة بهذه الحواسّ». انتهى . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم» وذلك لشدّة استعداده للفيضان من المبدأ عليه، ولفضله وشرفه وعزّه بالعلم، فبتواضعه وتذلّله بالخدمة يُفاض عليه ما يليق به، ويتزيّن عزّه وشرفه بالتواضع، ولا يلحقه ذلّ بذلك، بخلاف الجاهل؛ فإنّه لقلّة استعداده أو لسوء استعداده إنّما يُفاض عليه ما يليق به ويناسب استعداده، ولِذُلّه و منقصته بالجهل يكون مناسبا للخدمة، ولا يكون في خدمته تواضع، فلا يزيد به إلّا ذلّاً. فالعالم أحقّ بأن يفعل الخدمة؛ حيث له فيها منافع كثيرة وعزّ وشرف ، والجاهل لا ينتفع بارتكابه ويزيد به ذُلّاً ، إنّما فعل ما هو مناسب لِذُلّه وهو فيه ذلّ ولا عزّ له في ارتكابه وتحمّله. والعالم يعزّ بارتكابه، فهو من هذه الحيثيّة له عزّ. (5) انتهى . الباعث لما يرد في مواضع على بيانه إنّما هو ما يُستشمّ من بنائه بيانه عليه ولا بأس به؛ إذ الفيضان والاستعداد وغيرهما من آلات اُصول الفلاسفة على الإيجاب مع الإيجاب، وعلى الإمكان مع القدرة والاختيار .

.


1- . في «الف»: - «الحديث السادس».
2- . ما بين المعقوفتين لم يرد في «الف».
3- . الاحتجاج ، ج 2 ، ص 96 _ 98.. و عنه في البحار ، ج 10 ، ص 185 _ 186 ، ح 2. والحديث طويل اختار المصنّف بعض منه.
4- . في «الف»: «تصير».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115 _ 116.

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

الحديث السابع (1)روى في الكافي عن عليّ، (2) عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عمّن ذكره، عن ابن وهب ، (3) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ لِلْعَالِمِ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ: الْعِلْمَ، وَالْحِلْمَ ، وَالصَّمْتَ، و لِلْمُتَكَلِّفِ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ: يُنَازِعُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيَظْلِمُ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ ، وَيُظَاهِرُ الظَّلَمَةَ».

هديّة :(إنّ للعالم) أي من الرعية . (العلم) أي المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه على ما فصّل فيما سبق مرارا. وبيّن (الحلم والصمت) في هديّة الرابع . (بالمعصية) أي بالعقوق والتمرّد، كالحسن البصري من الصوفيّة . (بالغلبة) أي في دولة الباطل، كأبي حنيفة. و «المظاهرة»: المعاونة . قال برهان الفضلاء : «للعالم» أي للعالم الذي يجوز أن يؤخذ عنه علم الدِّين. «العلم» أي العلم بمرتبته عند من هو أعلم منه. و «الحلم والصمت» قد فسّرا في شرح الحديث الأوّل. و «يظاهر الظلمة» أي يعاون ظالمي المخالفين في الإفتاء، والقضاء بالظنّ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله يعني ب «العالم» من استقرّ العلم في قلبه كما سبق. ومن علامات هذا العالم المعرفة الظاهرة و «الحلم والصمت». و ب «المتكلّف»: الذي يدّعي أنّ المعرفة الظاهريّة القوليّة من عقائده المستقرّة الثابتة في قلبه ، ومن علامته: المنازعة لمن فوقه ومن عليه إطاعته، والأخذ عنه بالمعصية، وترك الإطاعة له، والظلم على من دونه بغلبته عليه وإسكاته بالباطل الذي لا يقدر مَن دونه على حلّه والتخلّص عنه، والمظاهرة والمعاونة للظلمة . (4)

.


1- . في «الف»: - «الحديث السابع».
2- . في الكافي المطبوع: «عن عليّ بن إبراهيم».
3- . في الكافي المطبوع: «عن معاوية بن وهب».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 116 _ 117.

ص: 369

. .

ص: 370

باب حقّ العالم

الباب السابع : باب حقّ العالموفيه كما في الكافي حديثٌ واحد .

روى في الكافي عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه ، عن أحمد، (1) عن محمّد بن خالد، عن الجعفري، (2) عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ أَنْ لَا تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ ، وَلَا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ ، وَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ _ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ _ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعا ، وَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ دُونَهُمْ ، وَاجْلِسْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَا تَجْلِسْ خَلْفَهُ ، وَلا تَغْمِزْ بِعَيْنِكَ ، وَلَا تُشِرْ بِيَدِكَ ، وَلَا تُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ : قَالَ فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ خِلَافا لِقَوْلِهِ ، وَلَا تَضْجَرْ بِطُولِ صُحْبَتِهِ ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُهَا مَتى يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَالْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْرا مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ، الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللّه ِ تبارك وتعالى».

قوله (3) : (أن لا تكثر عليه السؤال) حذرا عمّا يوجب الملال. (ولا تأخذ بثوبه) اجتنابا عن سوء الأدب. و «التحيّة»: الثناء. والمراد ب «الجلوس بين يديه»: الجلوس في مجلسه بحيث لا يحوجه إلى التفات كثير منه عند الخطاب. و ب «الخلف»: ما يقابله. «غمز» بالعين أو الحاجب، كضرب: أشار ، وباليد: نخس. في بعض النسخ: «من قول قال فلان وقال فلان» بلا تعريف «القول» فعلى البدل على الأكثر ، أو بتقدير القول. «ضجر» به ومنه ، كعلم: سأم وقلق ؛ أي لا تظهر الضجر، أو أمرٌ بالنهوض عن المجلس عند وجدان الضجر. و (العالم) المنتفع بعلمه في الدِّين (أعظم أجرا من الصائم) بالنهار (القائم) بالليل (الغازي في سبيل اللّه ) في الجهاد الأكبر دائما ، وفي أصغره عنده . قال برهان الفضلاء : «إنّ من حقّ العالم» أي العالم بالمسائل الدينيّة. «ولا تأخذ بثوبه» أي عند إرادته النهوض من المجلس إلتماسا لتوقفه ساعةً اُخرى. وخصّة بالتحيّة دونهم ؛ أي لا تثن عنده غيره بمثل ثنائه فضلاً عن الأزيد. «من قول قال فلان وقال فلان» على الإضافة. والتمثيل ب «النخلة»: إشارة إلى أنّ كلام العالم من غير سؤال عنه أفضل في جواب سؤال؛ فإنّ ما يسقط من النخلة أنضج وأكمل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يحتمل أن يكون المراد بالإكثار عليه: الإكثار المتضمّن للضرّ، (4) بأن يكثر لينفد ما عنده، أو ليظهر (5) خطأه أو عجزه. ويحتمل أن يكون المراد بالإكثار عليه: الزيادة على القدر الذي يعمل به، أو يحفظه ويضبطه. ويحتمل أن يكون الظرف متعلّقا بالسؤال، ويكون المراد بالسؤال عليه الإيراد والردّ عليه. أو يراد ب «على» مفادها ، ويراد به السؤال منه، كما في الاحتمال الثاني. وفي كلّ منها ترك رعاية حقّ العالم وتعظيمه وتوقيره. [والمراد ب «الجلوس بين يديه»: الجلوس حيث يواجهه ، ولا يحتاج في الخطاب والمواجهة إلى انصراف إلى جانب السائل. والمراد ب «الجلوس خلفه»: ما يكون بخلاف ذلك ، فيحتاج في التوجّه و الخطاب إلى الانصراف نحوَه. والمراد ب «الغمز بالعين»: الإشارة بها.] (6) وفي كلّ من الغمز بالعين والإشارة باليد والإكثار من نقل قول القائلين بخلاف قوله ترك التعظيم والإجلال للعالم الذي من حقّه أن يعظّم ويُبجّل. «ولا تضجر لطول صحبته»؛ (7) فإنّ في طول صحبته انتفاعا ونيلاً للمطلوب عاجلاً وآجلاً. (8) فكما أنّ في كسر النخلة أو قطعها تفويتا أكثر ممّا يتوقّع من الانتفاع به بسقوط شيء منها، كذلك في حطّ مرتبة العالم والاستخفاف به تفويت أعظم ممّا يتوقّع حصوله بالسؤال عنه. «والعالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه » ؛ لأنّ الصائم يكون صومه مكفّا لنفسه عمّا اُمر بالكفّ عنه، ولا يوجب كفّ أحد في الصوم كفّ آخر ، وكذا إقامة الصلاة. والعالم يكفّ نفسه عن الاعتقادات الباطلة بالدلائل القاطعة، ويُقيم الاعتقادات الحقّة بالبراهين القاطعة (9) الواضحة. وهذه الدلائل والبراهين توجب كفّ كلّ نفس عن الآراء الباطلة، وقيام كلّ على المذاهب الحقّة. وكذا الغازي في سبيل اللّه يدفع طغيان أهل الكفر والضلال، الذين (10) يجاهدهم ويسعى في إزالة باطلهم، فيقاتلهم حتّى يقرّوا بالحقّ أو يعملوا بالذمّة. والعالم يدفع الشُّبه الموجبة للكفر والضلال، ويسعى في إزالتها، فيهتدي به (11) بذلك كلّ من وصل إليه واستمعه (12) ونظر بعين الإنصاف ، فلهذا صار العالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه جلَّ جلاله . (13) باب فقد العلماء الباب الثامن باب فقد العلماء وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».
2- . في الكافي المطبوع: «عن سليمان بن جعفرٍ الجعفري».
3- . في «ب» و «ج»: «هدية».
4- . في المصدر: «للضرر».
5- . كذا في المصدر، وفي الأصل: «ليظهره».
6- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
7- . في المصدر هنا إضافة تركها المصنّف ، أو اُسقطت من المخطوطة.
8- . في المصدرهنا إضافة تركها المصنّف ، أو اُسقطت من المخطوطة.
9- . في المصدر: «القطعيّة» بدل «القاطعة».
10- . في «ب» و «ج»: «للدين».
11- . في المصدر: - «به».
12- . فيالمصدر: «وسمعه».
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 117 _ 119.

ص: 371

. .

ص: 372

. .

ص: 373

باب فقد العلماء

الحديث الأوّل (1)روى في الكافي عن العدّة، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيهٍ».

هديّة :(فقيه) أي عالم عامل من علماء الدِّين. ورواه الصدوق رحمه الله في الفقيه بدون «من المؤمنين» وذلك؛ لأنّ الفقيه أعلم بأعظم المهلكات المحفوفة بالمنجيات، وهو التصوّف، وهو أخفى المهلكات عند الجهلاء وأظهر عند العلماء ، ولا ينجي بالواسطة إلّا الخبير الناجي .

الحديث الثاني (2)روى في الكافي عن الثلاثة، (3) عن بعض أصحابه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«إذا مات المؤمن الفقيه ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء» .

(ثلمة) كضرب، فانثلم. وتثلّم وثلّمه تثليما، شدّد للكثرة. وثلم السيف _ بالفتح _ وثلم الوادي _ بالتحريك _ والثّلمة _ بالضمّ _ : الخلل في الحائط ونحوه. شبّه الإسلام بالمدينة ، وعلماءه الموصوفون بحصنها أو بحصونها . و «ثلمة» نصب على المصدرية ، فلعلّ معنى (لا يسدّها شيء) : لا يسدّها إلّا مثله ؛ للقرينة الدقيقة في الخامس . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ثلم» على المجهول من باب ضرب ، أو التفعيل . «ثلمة» بالضمّ نصب مفعول مطلق ، كأنبتُّه نباتا . والظرف نائب الفاعل، أو فاعل للمبالغة. وبيان «لا يسدّها شيء» يجيء في الحديث التالي . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا يسدّها شيء»؛ لأنّ الفقهاء الموجودين في كلّ وقت كلّ منهم كحصن الإسلام (4) في ذلك العصر، فإذا مات ثلم ثلمة لا يسدّها شيء ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من الموجودين حين وفاته كحصن آخر فلا يسدّ هذه الثّلمة التي بزوال هذا الحصن به، وإذا قيل (5) بحصول كمال لآخر عند موته فيصير به ذلك الحصن أشدّ استحكاما . (6)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الأوّل».
2- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
3- . يعني: «عليّ بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
4- . في المصدر: «للإسلام».
5- . في «ب» و «ج»: «قبل».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 119 _ 120.

ص: 374

الحديث الثالثروى في الكافي عن محمّد، عن أحمد، عن السّراد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهماالسلام يَقُولُ :«إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ ، بَكَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَبِقَاعُ الْأَرْضِ ، الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَيْهَا ، وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ ، الَّتِي كَانَ يُصْعَدُ فِيهَا بِأَعْمَالِهِ ، وَثُلِمَ فِي الْاءِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الْاءِسْلَامِ كَحِصْنِ سُورِ الْمَدِينَةِ لَهَا» .

.


1- . السند فى الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 375

هديّة :المراد ب «المؤمن» هنا : المؤمن الفقيه ؛ للتصريح به في سابقه ، أو الأعمّ ، ولا ينافيه لفظة «الفقهاء» في الجملة التعليليّة ؛ لأنّها إمّا للإشارة إلى أنّ كلّ مؤمن فقيه بعلمه بضروريّات الدِّين التي ظهرت للأسماع في السنّة القائمة إلى يوم القيام كالشمس في رابعة النهار لجميع الأنظار، أنظار المؤمنين والكفّار ، أو لبيان أنّ المؤمن الفقيه كالحصن ، وغيره من المؤمنين كعمارة العمارة وأسباب البناء . وأورد ثقة الإسلام طاب ثراه هذا الحديث بإسناد آخر في كتاب الجنائز في باب نوادر الجنائز بدون لفظة «الفقهاء» . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «المؤمن» هنا بمعنى المؤمن الفقيه ، كما في سابقه . و «الحصون» استعيرت للحَفَظَة . والإضافة في «حصون الإسلام» لاميّة. «كحصن» خبر مبتدأ محذوف، بتقدير: «كلّ واحد» لبيان وجه الشّبه في الاستعارة . وإضافة «الحصن» إلى «السور» بيانيّة ، واحترازٌ عن المعنى المجازي للحصن . والمراد تشبيه كلّ واحد من الفقهاء بالسور . ويجيء هذا الحديث في آخر أبواب كتاب الجنائز بسندٍ آخر ، وهناك «كحصون» مكان «كحصن» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بكت عليه الملائكة» أي الملائكة الموكّلون بالناس وبأعمالهم ، أو الملائكة كلّهم . «وبقاع الأرض التي كان يعبد اللّه » أي هذا المؤمن «عليها» إن كان البناء للفاعل. ويحتمل البناء للمفعول ، أي كلّ بقعة توقع عبادة اللّه عليها . والمراد أهل تلك البقاع، من الملائكة والأرواح والناس العابدين للّه . ولعلّ المراد ب «أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله» : ما يوصل الأعمال إلى مقرّها من العِلويّات، ويكون وسيلة لوصولها ودخولها وانضباطها فيها، مَلِكا كان أو روحا أو نفوسا كاملة شريفة قدسيّة أو قوّة أو نفسا علويّة . ويحتمل أن يكون المراد بها مواضع مخصوصةً من الفلك، ويكون المراد بكاء الموكّلين على هذه المواضع من الأرواح والملائكة . وبالجملة: يُراد بالبكاء الحزن الموجب لجري الدموع فينا، سواء كان هناك مع الحزن جري دموع أو لا . «حصون الإسلام» أي الحافظون له بحفظ العقائد الصحيحة والشريعة القويمة، المانعون عنه بالمنع عن دخول الشُّبه والأباطيل والبدع فيه . (1) انتهى . قيل في بيانه رحمه الله أشياء: منها: أنّ بيانه لأبواب السماء لا يوافق بيانه للحصون، ومن ضروريّات الدِّين الاعتقاد بالمعراج الجسماني من الأبواب المفتّحة له صلى الله عليه و آله وجسمانيّة البُراق، والإمامة ليلة المعراج لجميع المقرّبين عند سدرة المنتهى بالبدن الجسمانيّ، واللّه الذي على كلّ شيءٍ قدير، وجاعل الملائكة اُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ويزيد في الخلق ما يشاء . (2) إنّ حديث زغب رياش الملائكة (3) وأمثاله من محكمات السنّة . والإتيان بالمتشابهات في الأخبار عن ضروريّات الدِّين ليس من أفعال الحكيم تعالى شأنه وعظم سلطانه .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 _ 121.
2- . اقتباس من الآية 1 ، فاطر (35).
3- . راجع: الكافي ، ج1 ، ص 393 ، باب أنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم و... ، ج 3؛ بحار الأنوار ، ج 18 ، ص 319 _ 332 ، ج 34.

ص: 376

الحديث الرابعروى في الكافي، وقال : وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيهٍ» .

هديّة :بيانه كمثله، وهو الأوّل .

.

ص: 377

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَمِّهِ (1) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ يَقُولُ : إِنَّ اللّه َ _ تبارك و تعالى _ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بَعْدَ مَا يُهْبِطُهُ ، وَلكِنْ يَمُوتُ الْعَالِمُ ، فَيَذْهَبُ بِمَا يَعْلَمُ ، (فتأمّهم) فَتَلِيهِمُ الْجُفَاةُ ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ ، وَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ» .

هديّة :يعني علم اُصول الدِّين من لدن آدم عليه السلام إلى انقراض زمان التكليف، وأهله من الحجّة المعصوم وشيعته سلسلة نورانيّة ممتدّة من أوّل الدنيا إلى آخرها، لن تخلو الدنيا ما دامت منها إلّا أنّ عالما من علمائه يقضي نَحْبه أو يغيب بإذن اللّه . والمراد ب «العالم»: الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . «وليه» صار واليا له، وتناوله بقصد التملّك من الولاية. في القاموس : الولاية بالكسر والفتح لها معان، أو بالفتح مصدر، وبالكسر الخُطّة والإمارة والسلطان. (2) وفي بعض النسخ «فتأمّهم» من الإمامة مكان «فتليهم». وضمير الجمع عليهما للناس أو العباد. و (الجفاة): جمع الجافي من الجَفاء، وهو الظّلم، والغِلَظُ في المعاشرة ، والخُرق في المعاملة ملّة في شيء من المحكم والمتشابه (أصل) أي مأخذ عن الحجّة المعصوم . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «لا يقبض» على المعلوم من باب ضرب. و «العلم» نصب ومفعول به، وهو عبارة عن الآيات البيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عند كلّ مشتبه محتاج إليه. و «ما» في الموضعين مصدريّة. و «العالم» عبارة عن العالم بتلك المحكمات. والمراد بموته أنّ به يضعف الباقون ويقلّون، كقلّتهم وضعفهم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على التدريج حتّى انتهى إلى غيبة الإمام عليه السلام . و «الباء» في «بما» للتعدية، أو للمصاحبة. «فتأمّهم» بالهمز وتشديد الميم، والضمير ل «الناس» المفهوم سياقا «ولا خير في شيء ليس له أصل» يعني من لم يكن له مستند في الأقوال والأفعال من المحكمات فهو ضالّ مضلّ، كما هو شأن مخالفينا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني لا يقبض العلم من بين الناس بعد هبوطه، (3) بل يبقى فيهم، ويكون فيه من يعلّم، (4) ولكن يموت العالم «فيذهب بما يعلم» أي بعلمه الذي كان له. «فتأمّهم الجفاة» أي تأخذهم تابعين مطيعين مقرّين بإمامتهم. وفي بعض النسخ: «فتليهم الجُفاة» أي تملك التصرّف في اُمورهم . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن عمّه يعقوب بن سالم».
2- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 1732 (ولي).
3- . في المصدر: + «و إنزاله».
4- . في المصدر: «يعلّمه».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 _ 122.

ص: 378

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ العِدَّةٌ عَنْ أَحْمَدَ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلاميَقُولُ : إِنَّهُ يُسَخِّي نَفْسِي فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ فِينَا قَوْلُ اللّه ِ تعالى «أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِى الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» وَهُوَ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ» .

هديّة :«السخاء» و «السخاوة»: الجود . يُقال: منه سخا يسخو كدعا يدعو ، أو سخي يسخى كرضي يرضى . وسخو يسخو _ من باب حسن _ سخاوة: (2) صار سخيّا وجاد، وأسخاه غيره. يعني (أنّه يسخّي نفسي) فيما ذكر تعظيم اللّه العلماء وتكريمه إيّاهم بنسبة الإتيان إلى نفسه سبحانه، ف «نفسي» نصب على المفعوليّة . و «قول اللّه تعالى» رفع على الفاعليّة . والآية في سورة الرعد . (3) ولعلّ المراد بنقصان الأرض من أطرافها: خلوّها من نور العلم ؛ أي خلوّ بعض أطرافها؛ لمكان «من» وشرف المكان بالمكين . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «من أطرافها» أي من نفائسها، جمع طريف ، بمعنى النفيس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : وفي بعض النسخ: «يسخّي» من باب التفعيل. وفي بعضها: «تسخى من المجرّد» . وعلى الاُولى: فاعله «قول اللّه » ومفعوله «نفسي» و «فينا» متعلّق ب «سرعة الموت والقتل» . وعلى الثانية: فاعلها «نفسي» و «فينا» خبر لقوله: «قول اللّه » . (4) وقال بعض المعاصرين : إنّما عبّر عن العلماء بنهايات الأرض؛ لأنّ غاية الحركات الأرضيّة، ونهاية الكمالات المرتّبة عليها من لدن حصول المعادن منها، ثمّ النباتات، ثمّ الحيوانات إلى الوصول إلى الدرجة الإنسانيّة وما فوقها، إنّما هو وجود العلم والعلماء ، فالأرض والأرضيّات بهم تنتهي إلى سماء العلم والعقل، فهم بمنزلة نهاياتها . (5) انتهى .

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».
2- . في «الف»: «سخاؤه».
3- . الرعد (13): 41.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122.
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 150.

ص: 379

. .

ص: 380

باب مجالسة العلماء ومصاحبتهم

الباب التاسع : بَابُ مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَمصاحبتهم (1)وأحاديثه كما في الكافي خمسة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ، (2) رَفَعَهُ ، قَالَ :«قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ ، اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلى عَيْنِكَ ، فَإِنْ رَأَيْتَ قَوْما يَذْكُرُونَ اللّه َ جَلَّ وَعَزَّ ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ ؛ فَإِنْ تَكُنْ عَالِما ، نَفَعَكَ عِلْمُكَ ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلاً ، عَلَّمُوكَ ، وَلَعَلَّ اللّه َ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِرَحْمَتِهِ ؛ فَتَعُمَّكَ مَعَهُمْ ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْما لَا يَذْكُرُونَ اللّه َ ، فَلَا تَجْلِسْ مَعَهُمْ ؛ فَإِنْ تَكُنْ عَالِما ، لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ ، وَإِنْ كُنْتَ جَاهِلاً ، يَزِيدُوكَ جَهْلاً ، وَلَعَلَّ اللّه َ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِعُقُوبَةٍ ؛ فَتَعُمَّكَ مَعَهُمْ» .

هديّة :(على عينك) لعلّ المراد على بصيرتك؛ لما لا يخفى . (يذكرون اللّه ) أي يكون مبنى مذاكرتهم ومكالمتهم بما أخذ عن الحجّة المعصوم الممتنع خلوّ الدنيا عنه . (نفعك علمك) من وجوه. (علّموك) ما نفعك . قال برهان الفضلاء : «اختر» من الاختيار بمعنى التفضيل والترجيح . و «المَجالس» بفتح الميم: جمع المُجالس بضمّ الميم، أي المصاحب، كما قيل في قوله تعالى في سورة الأنعام : «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ» (3) ، إنّ المَفاتح هنا جمع المُفاتح. والمراد الحجج المعصومون، يعني أنّهم لا يعلمون الغيب ولكنّهم هم مفاتحوه بإذن اللّه . و «الذِّكر» عبارة عن الخوف من عذاب اللّه بالتوفيق بين الفعل والقول بالعمل بمحكمات الكتاب التي ناهية في كلّ شريعة عن اتّباع الظنّ في المتشابهات، آمرة بسؤال أهل الذِّكر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «على عينك» أي على بصيرة منك ومعرفة لك بحالها، ثمّ بيّن معرفة خيرها من شرّها بقوله : «فإن رأيت قوما يذكرون اللّه ». «أن يظلّهم». أي يغشيهم . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «صحبتهم».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بنُ إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس رفعه».
3- . الأنعام (6) : 59 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122.

ص: 381

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَمُحَمَّدٌ، عَنْ ابْنِ عِيسى جَمِيعا ، عَنِ السّراد ، عَنْ دُرُسْتَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ (1) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام ، قَالَ :«مُحَادَثَةُ الْعَالِمِ عَلَى الْمَزَابِلِ خَيْرٌ مِنْ مُحَادَثَةِ الْجَاهِلِ عَلَى الزَّرَابِيِّ» .

هديّة :أي العالم العاقل عن اللّه ابتداءً أو بواسطة أو بوسائط . و (الزّرابيّ): جمع «زربيّ» بتثليث الزّاي. قيل هي بسط عراض فاخرة . وقيل هي الطّنافس التي لها خمل رقيق . وقيل هي النمارق، والنمرقة واحدة النُمْرُق، كهدهد: الوسادة . (2) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الزّرابيّ» من النبت: ما اصفرّ أو احمرّ وفيه خُضْرة. ويُطلق على البُسُط الملوّنة بالألوان تشبيها لها بالزرابي من النبت . أو المراد بها النمارق، والنمرقة: الوسادة . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه؛ و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن درست بن أبي منصور ، عن إبراهيم بن عبدالحميد».
2- . راجع: الوافي ، ج 1 ، ص 176؛ لسان العرب ، ج 1 ، ص 477 (زرب).
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123.

ص: 382

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (1) ، عَنْ شَرِيفِ بْنِ سَابِقٍ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي قُرَّةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ صلّى اللّه عليه و آله ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : قَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسى : يَا رُوحَ اللّه ِ ، مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ : مَنْ تُذَكِّرُكُمُ اللّه َ رُؤْيَتُهُ ، وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْاخِرَةِ عَمَلُهُ» .

هديّة :يعني جالسوا من تكونون قاطعين بإيمانه وعلمه وعمله به، فيذكّركم اللّه رؤيته وينفعكم علمه وعمله . قال برهان الفضلاء : «من تذكّركم» من التفعيل، أي تنذركم من عذاب اللّه رؤيته، ويزيد في معرفتكم كلامه ، ويحرّصكم في ثواب الآخرة طاعته .

الحديث الرابعروى في الكافي، بإسناده عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ» .

هديّة :يعني المطيعين للحجّة المعصوم المفترض الطاعة على ما اُمروا؛ فإنّ رؤيتهم ذكر، وكذا مجالستهم والمكالمة معهم، ومجالسهم مجالس الذِّكر . وهل الذِّكر إلّا كلّ طاعة صحيحة شرعا، وكلّ أمر فيه للّه سبحانه رضىً ؟ وقد روى الصدوق رحمه الله في الفقيه في باب نوادر الكتاب بإسناده، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «بادروا إلى رياض الجنّة» ، قالوا : يارسول اللّه ، وما رياض الجنّة؟ قال : «حَلَق الذِّكر»، (2) يعني مجالس العلماء من أهل الدِّين . قال برهان الفضلاء : «مجالسة أهل الدِّين» يعني العلماء بالمسائل الدينيّة العاملين بعلمهم» .

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمدبن محمّد بن البرقي».
2- . الفقيه ، ج 4 ، ص 409 ، ح 5888. و رواه مسندا في الأمالي ، ص 444 ، ح 592 ؛ و معاني الأخبار ، ص 321 ، باب معنى قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «بادروا إلى رياض الجنّة» ، ح 1. بحارالأنوار ، ج 1 ، ص 202 ، ح 12.

ص: 383

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ الْمِنْقَرِيِّ (2) ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«لَمَجْلِسٌ أَجْلِسُهُ إِلى مَنْ أَثِقُ بِهِ أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ» .

هديّة :(مسعر) كمنبر، و (كدام) قيل: ككتاب . وقيل كغراب . وقيل كشدّاد . كدمه كضرب ، ونصر: عضّه بأدنى فمه أو أثّر فيه بحديدة، القاموس ، (3) وكغراب: أصل المرعى، والرجل الشيخ، وموضع باليمن، وككتاب، وزبير، ومعظم أسماء. «إلى من أثق به» هل وثوق قطعيّ بلا اشتباه إلى مخلوق لا يكون حجّة معصوما عاقلاً عن اللّه ، ولا مؤمنا عدلاً عاقلاً عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بواسطة ؟ قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «المجلس» هنا مصدر ميميّ، يعني لجلوس أفعله كجلوسي إلى من أثق به من علماء علم الدِّين بتركه تبعيّة الظنّ في الأحكام المشتبهة . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «مسعر» بكسر الميم وفتح العين بين السين الساكنة والراء غير المعجمات، وقد يفتح ميمه تفاؤلاً. و «كدام» بالكاف المكسورة والدال الغير المعجمة . و «مسعر» شيخ السفيانين: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة . «لمجلس أجلسه إلى مَن أثق به» يحتمل أن يكون المجلس مصدرا ميميّا، ويكون المنصوب في «أجلسه» في موضع المفعول المطلق . ويحتمل أن يكون اسم مكان، وتقدير الكلام: أجلس فيه. و «إلى» بمعنى «مع» ؛ أي مع من أثق به، كما في «إلى المرافق» . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».
2- . في الكافي المطبوع: «سليمان بن داود المنقري».
3- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 1518 (كدم).
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123 _ 124.

ص: 384

. .

ص: 385

باب سؤال العالم وتذاكره

الباب العاشر : بَابُ سُؤَالِ الْعَالِمِ وَتَذَاكُرِهِوأحاديثه كما في الكافي عشرة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَن الثلاثة ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ مَجْدُورٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ ، فَغَسَّلُوهُ ، فَمَاتَ ، قَالَ :«قَتَلُوهُ ، أَلَا سَأَلُوا ؛ فَإِنَّ دَوَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ» .

هديّة :الإضافة الاُولى في العنوان إلى المفعول به، والمضاف إليه الثاني للأوّل، فالاشتراك بحسب تذكير المسألة من السائل وتذكير حكمها من العالم، أو للعلم المفهوم من العالم . و «المجدور» من الجدري بفتحتين وبضمّ الجيم : داءٌ معروف. وإنّما قتلوه؛ لأنّ فرضه التيمّم، فالمفتي ضامن كالمباشر . و (العيّ) بكسر المهملة وتشديد الخاتمة: الجهل، والعجز عن البيان . قال برهان الفضلاء : اُضيف السؤال في العنوان إلى المفعول به، والضمير في تذاكره للعلم المفهوم من العالم. و «ألّا» بفتح الهمزة والتشديد: حرف التنديم. و «العيّ» بالكسر والتشديد مصدر المعتلّ العين اليائيّ، ومعتلّ اللّام اليائي، من باب علم: عجز البيان . والمراد هنا عدم العلم بالأحكام . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ألا» حرف تخصيص . و «العيّ» بكسر العين المهملة: أن لا يهتدي بوجه المراد ويعجز عنه . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124.

ص: 386

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدٍ وَ الْعِجْلِيِّ (1) ، قَالُوا : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام لِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ فِي شَيْءٍ سَأَلَهُ :«إِنَّمَا يَهْلِكُ النَّاسُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ» .

هديّة :يعني عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، أو عن الثقة العاقل عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة الموصوفة . والخبر ردّ على مدّعي الكشف بالرياضة . قال برهان الفضلاء : يعني لأنّهم لا يسألون عن العالم بالمسائل الدينيّة ويتّبعون الظنّ .

الحديث الثالثروى في الكافي عَن عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ الْأَشْعَرِيِّ ، عَنْ الْقَدَّاحِ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ هذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ قُفْلٌ ، وَمِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ» .

هديّة :أي العلم الذي لا يحصل لأحد من الرعيّة إلّا بالأخذ عن الحجّة المعصوم المحصور عدده في الأوّلين والآخرين . والتنوين في (قفل) للتعظيم؛ إشارةً إلى أنّ مفاتيح خزائنه الأصليّة إنّما هي في أيدي الحجج المعصومين عليهم السلام . قال برهان الفضلاء : «إنّ هذا العلم» يعني علم المسائل الدينيّة التي يجري الاختلاف فيها وفي دليلها من دون مكابرة . والمراد من قوله عليه السلام : «ومفتاحه المسألة»: أنّه لا يحصل لأحد بالفكر والرياضة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «عليه قفل» تصريح بأنّ علم الحلال والحرام مخزون عند أهل البيت عليهم السلام ويجب سؤالهم في كلّ ما يُحتاج إليه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أي العلم الذي هو العلم حقيقةً» . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريزٍ ، عن زرارة و محمّد بن مسلمٍ و بُريد العجلي».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ ، عن جعفر بن محمّدٍ الأشعري ، عن عبداللّه بنِ ميمون القدّاح».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
4- . لم أجده في حاشيته على اُصول الكافي.

ص: 387

الحديث الرابعروى في الكافي ، عن عليّ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مؤمن الطاق ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَا يَسَعُ النَّاسَ حَتّى يَسْأَلُوا ، وَيَتَفَقَّهُوا وَيَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ ، وَيَسَعُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِمَا يَقُولُ وَإِنْ كَانَ تَقِيَّةً» .

هديّة :يعني لا رخصة من النبيّ صلى الله عليه و آله لمَن أقرَّ بالرسالة أن يأخذ العلم بأحكام الدِّين اُصوله وفروعه إلّا بالسؤال عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، أو عمّن عقل عن العاقل الموصوف ابتداءً أو بالواسطة على الوجه الصحيح. والتّفقّه بذلك ومعرفة الإمام المعصوم الذي لابدّ من وجوده في هذا النظام العظيم لحِكَمٍ شتّى بأنّ المأخذ إنّما هو قوله وفعله. ولهم رخصة في الأخذ بما عنه، إن كان ما عنه على التقيّة . ونسخة: «وإن كانت تقيّة» بالتأنيث والرفع _ كما ضبط بعض المعاصرين _ بمعنى «وإن كانت تقيّة باعثة» تكاد أن تكون غلطا . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد بالسؤال هنا: سؤال الناس بعضهم بعضا آخر عن حدود ما أنزل اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله و ب «التّفقّه» معرفة تلك الحدود بالسؤال. وذلك إشارة إلى آية سورة التوبة «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ» (2) الآية . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ويسعهم أن يأخذوا» أي قولاً واعتقادا وعملاً في كلّ زمان. «بما يقول» ؛ أي في ذلك الزمان وإن كان تقيّةً؛ فإنّ ما يقوله الإمام تقيّةً يسع السائل أن يعتقده ويقول به إذا لم يتنبّه للتقيّة ، وأمّا العمل به والأمر بالعمل به مع التنبّه للتقيّة أيضا لازم عند التقيّة . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن أبي جعفر الأحول».
2- . التوبة (9): 122.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124.

ص: 388

الحديث الخامسروى في الكافي ، عن عَلِيٍّ ، عَنْ العبيدى (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أُفٍّ لِرَجُلٍ لَا يُفَرِّغُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِأَمْرِ دِينِهِ ؛ فَيَتَعَاهَدَهُ وَيَسْأَلَ عَنْ دِينِهِ» .

هديّة :(أفّ) كلمة تَكَرُّهٍ . قال في القاموس: ولغاتها أربعون . (2) والمراد تفريغ النفس من شواغل الدنيا في كلّ اُسبوع يوما لا أقلّ . ولعلّ هذا في صدر الإسلام للمشتغلين بتحصيل وجه المعاش ؛ فإنّ وجوب طلب العلم على كلّ مسلم يجمع دائما كلّ يوم مع كلّ شغل وصنعةٍ . واحتمال عطف «يسأل» على «يفرّغ» غير بعيد . فالمعنى: أُفٍّ لرجلٍ مسلمٍ لا يتعاهد أمر دينه في كلّ جمعة بكثرة العبادة والإكثار من الاستغفار ، وأفّ لرجل مسلم يترك السؤال عن دينه بعدم المبالاة وقلّة التنبّه ليوم المكافأة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «لا يفرّغ نفسه» أي من شغل الدنيا في كلّ يوم جمعة، أو في كلّ اُسبوع يوما لعمدة أمر آخرته؛ ليصير عارفا بها، ويسأل عمّا يُحتاج إليه في دينه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «اُفّ» كلمة ضجر . «لا يفرغ» إمّا من المجرّد، أي لا يقصد نفسه كلّ جمعة أمر دينه ، وإمّا من المزيد، أي لا يجعل نفسه قاصدا لأمر دينه. وتعاهد الشيء: تفقّده، وإحداث العهد بالشيء ولقاؤه . والمراد بالفراغ لأمر الدِّين: ترك الاشتغال بالاُمور الدنيويّة للتوجّه إلى العبادة والاشتغال بالاُمور الدينيّة والاُخرويّة . والمراد بتعاهده: طلب ما يفقده منه، وإحداث العهد به ولقاؤه، لا التحفّظ وتجديد الحفاظ؛ لأنّ الشائع المتعارف في التعبير عن التحفّظ، التعهّد لا التعاهد ، ولذا يُقال : «تعهّدت الضيعة» أفصح من «تعاهدت الضيعة» وإن كان قد يستعمل كلّ منهما في المعنى الشائع من الآخر . وبالجملة، فالمعنى الشائع في التفاعل تشارك الفاعلين، ثمّ ما يكون بين الاثنين كالمفاعلة . وقد يستعمل لمعانٍ اُخر، وتلك المعاني الغير المتعارفة بالنسبة إلى ذلك الباب ربّما يكون متعارَفا في مادّة خاصّة، فلا يضرّ عدم التعارف بالنسبة إلى الباب حينئذٍ . وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل ؛ فإنّ التحفّظ هنا ليس من الأوّل ولا من الثاني، ولم يتعارف استعمال التعاهد فيه، إنّما شاع استعمال التعهّد فيه، فلا تغفل (3) . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن عيسى».
2- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 117 (أفّ).
3- . في المصدر: - «فلا تفعل».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 _ 126.

ص: 389

. .

ص: 390

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«لِكُلِّ مُسْلِمٍ» .

هديّة :يعني مكان «لرجل». في باب أعداد أحاديث الأبواب اُسوتي في الأكثر ببرهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى .

الحديث السابعروى في الكافي عن الثلاثة ، (1) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ اللّه َ _ تبارك و تعالى _ يَقُولُ : تَذَاكُرُ الْعِلْمِ بَيْنَ عِبَادِي مِمَّا تَحْيَا عَلَيْهِ الْقُلُوبُ الْمَيْتَةُ إِذَا هُمُ انْتَهَوْا فِيهِ إِلى أَمْرِي» .

هديّة :في بعض النسخ: «تذاكر العالم» فلعلّ المعنى: المذاكرة بين العباد بنقل أقوال العلماء وأفعالهم للاستناد والاستشهاد إنّما هي ممّا تحيا به القلوب الميتة ميتة الجهل وعدم المعرفة، بشرط انتهائهم في ذلك التذاكر إلى حجّة معصوم عاقل عن اللّه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد بتذاكر العلم: مذاكرة المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر ، ألا ترى أنّ كلّ فرقة تشنّع على سائرها من الفرق بأنّ مذاهبكم من الظنّ من عندكم ليست من عند اللّه . «إذا هم انتهوا فيه إلى أمري» أي في ذلك التذاكر إلى تسليم أمر الإمامة، والإقرار بوجوب معرفة الإمام في كلّ زمان؛ لئلّا يوجب اتّباع الظنّ، والتأويل الغلط، والتخصيص الفاسد؛ وألّا يكون أمر الجهل كما كان . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي تذاكر العباد وتشاركهم في ذكر العلم، بأن يذكر كلّ للآخر شيئا من العلم، ويتكلّموا فيه ممّا تحيا القلوب الميّتة حال كونها ثابتة عليه. و «تحيا» يحتمل أن يكون من المجرّد، وأن يكون من المزيد المجهول من باب الإفعال. وذلك الإحياء، أو الحياة بحصول العلم الذي هو حياة قلب البصير ، أو بتذكّره، لكن لا يكون العلم حياة القلب إلّا إذا كان علما مستقرّا تُحفظ به النفس عن متابعة الهوى، ويؤدّي إلى الإطاعة والانقياد لأمره سبحانه ، ولذا قيّده بقوله : «إذا هم انتهوا فيه إلى أمري» أي إذا وصلوا في التذكّر إلى أمري ولم يتجاوزوه ، والوصول إلى الأمر وعدم التجاوز عنه عبارة عن إطاعة الأمر والانقياد له . هذا إن كان المراد بالأمر خطاب الإيجاب . ويحتمل أن يكون «الأمر» واحد «الاُمور» . يُقال : أمر فلان يستقيم، (2) واُموره مستقيمة. وأن يكون أمره عبارة عن الروح الذي كان مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام ؛ قال اللّه تعالى : «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا» (3) . فعلى الأوّل يكون المراد بالانتهاء إلى أمره، الوصول إلى صفاته وأسمائه بالمعرفة ، وإلى أوامره ونواهيه بالمعرفة والإطاعة والانقياد . وعلى الثاني يكون الانتهاء في التذاكر إلى أمره عبارة عن استناد ما يتذاكرونه من العلوم الدينيّة وانتهاء أخذه إليهم عليهم السلام . (4)

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
2- . في المصدر: «مستقيم».
3- . الشورى (42): 52.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126 _ 127.

ص: 391

الحديث الثامنروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«رَحِمَ اللّه ُ عَبْدا أَحْيَا الْعِلْمَ» قَالَ : قُلْتُ : وَمَا إِحْيَاؤُهُ؟ قَالَ : «أَنْ يُذَاكِرَ بِهِ أَهْلَ الدِّينِ وَأَهْلَ الْوَرَعِ» .

هديّة :(أن يذاكر) إمّا على المعلوم من المفاعلة على الغيبة أو الخطاب، أو المجهول الغائب منها ، أو الخطاب المعلوم من التفاعل بحذف إحدى التائين ، وعلى التقادير بتأويل المصدر ، ف «أهل» يرفع ويُنصب . (أهل الدِّين) يعني أهل الطريق المستقيم . (وأهل الورع) أي المحبّين للتحلّي بالورع عن المحرّمات . أو ذكر أهل الورع للإشارة إلى عدم الاعتداد بشأن غير العدول من أهل الدِّين . قال برهان الفضلاء : يعني قال عليه السلام : إحياء العلم بمعنى إنمائه: هو المذاكرة به مع الذين نظرهم في الآخرة والمتورّعين من الذنوب؛ لئلّا ينسى فيحفظ ويكثر العلماء . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قال: أن يذاكر به أهل الدِّين وأهل الورع» يحتمل أن يكون المراد ذكره لهم وحده، أو مع ذكرهم العلم له . والمراد بإحياء العلم: جعله محفوظا بين الناس، سواء كان إحداثا للحفظ وتجديدا له: أو إبقاءً وتثبيتا؛ فإنّ الإبقاء لِما في معرض الزوال والفناء يُقال له: الإحياء ؛ قال اللّه تعالى : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا» . (2) والتخصيص بأهل الدِّين، وأهل الورع؛ لكون غيرهم مظنّة أن يغيّروه ويفسدوه، فلا يوجب الذّكر والنقل لهم أو عنهم حفظا، فلا يكون فيه إحياء . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . المائدة (5): 32.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 127.

ص: 392

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ الْحَجَّالِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله :«تَذَاكَرُوا وَتَلَاقَوْا وَتَحَدَّثُوا ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جِلَاءٌ لِلْقُلُوبِ ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ لَتَرِينُ كَمَا يَرِينُ السَّيْفُ، جلاؤه الحديد» . (1)

.


1- . في الكافي المطبوع: «و جلاؤُها الحديث».

ص: 393

هديّة :(تذاكروا) أي علم الدِّين. (وتلاقوا) ولا تعتزلوا بالعزلة المبتدعة في رهبانيّة التصوّف . (وتحدّثوا) على التفعّل، بمعنى التفاعل، للمبالغة. (فإنّ الحديث) أي مذاكرة أحاديث الحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم. و «الجلاء» بالكسر والمدّ ويفتح مصدر جلوت السيف: صقلته . وهنا بمعنى الفاعل مبالغة . (لترين) على المعلوم من باب باع، من الرين _ بالفتح _ بمعنى الطبع والدّنس ، القاموس: ران ذَنْبُه على قلبه رَيْنا و رُيُونا: غلب. وكلّ ما غلبك: رانك، وبك وعليك. ورانت النفس: خَبُثَت و غُشِيت. (1) وَرِينَ به _ بالكسر _ : وقع فيما لا يستطيع الخروج منه. (2) (جلاؤه الحديد) وصف، أو استئناف بياني. والمراد بالحديد: الصيقل بمعنى المصقل. وفي بعض النسخ: «الحديث» مكان «الحديد» فالضمير للقلب . قال برهان الفضلاء : «اللام» في «الحديث» للعهد الخارجي . والمراد به «أ» العلم. واستعمال الحديث في آيات القرآن _ وبمحكماتها الناهية عن اتّباع الظنّ يزول رين القلوب _ موافق لأمثال آية سورة الزمر : «اللّه ُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» (3) . و «الجلاء» في الأوّل _ بالفتح والتخفيف والمدّ _ : مصدر المعتلّ اللّام الواوي من باب نصر، بمعنى الانكشاف والخروج عن الكدورات . واستعمل هنا في باعث الانكشاف والخروج المذكور مبالغةً . و «للقلوب»: صفة للجلاء، واللّام للتقوية لا للتعدية؛ إذ «الجلاء» هنا مصدر اللّازم بمناسبة «الجلاء» في الثاني . قال المطرزي : الجلاء بالفتح والمدّ: الخروج عن الوطن أو الإخراج يُقال: جلا السلطان القوم عن أوطانهم وأجلاهم فَجَلَوْا واجْلَوا، أي أخرجهم فخرجوا. كلاهما يتعدّى ولا يتعدّى . (4) و «الجلاء» في الثاني يحتمل التشديد والتخفيف، فعلى الأوّل مبالغة في الجالي، وعلى الثاني مصدر بمعنى الفاعل مبالغةً ، والمآل واحد . و «الحديد» هنا بمعنى القاطع جدّا، ويوصف البصر بالحديد كالسّيف . قال اللّه تعالى : «فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (5) . وجملة «جلاوة الحديد»: استئناف بياني لتقريب التشبيه المذكور سابقا ؛ يعني بيانه أنّ ذا الجلاء جدّا من السيف هو حديده، أي قاطعه جدّا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الجلاء» بالكسر، هو الصيقل، (6) مصدر قد يستعمل لما يجلى به، فاستعمل فيه، أو حمل على الحديث مبالغةً. «جلاؤه الحديد» أي جلاء السيف الحديد . وفي بعض النسخ بدل «الحديد»: «الحديث» أي جلاء القلب الحديث . (7)

.


1- . في المصدر: «وغثت».
2- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 230 (رين).
3- . الزمر (39): 23.
4- . المغرب في ترتيب المعرب ، ج 1 ، ص 155 (جلو).
5- . ق (50): 22.
6- . في المصدر: «الصَقل».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128.

ص: 394

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ ، عن البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ فَضَالَةَ (2) ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«تَذَاكُرُ الْعِلْمِ دِرَاسَةٌ ، وَالدِّرَاسَةُ صَلَاةٌ حَسَنَةٌ» .

هديّة :يعني علم الدِّين دراسة، يعني ثوابه كثواب دراسة القرآن . قال ابن الأثير في نهايته: في الحديث: «تَدارَسُوا القرآن» أي اقرؤوه وتعهّدوه؛ لئلّا تنسوه . (3) (صلاة حسنة) أي طاعة مقبولة، أو إشارة إلى ما ورد عنهم عليهم السلام «أنّ صلاة مقبولة تُغني عن سائر الحسنات لأصل النجاة». وقراءة «الصلاة» بالكسر وسكون اللّام بمعنى الصّلة كما ترى . قال برهان الفضلاء : يعني مذاكرة محكمات الآيات ثوابها كثواب تدريسها، وثواب التدريس كثواب صلاة مقبولة، وثوابها خيرٌ من عشرين حجّة . و «الدّراسة» بالكسر مصدر باب نصر وضرب ؛ يعني تعليم الكتاب بمن جهله . و «صلاة حسنة» إشارة إلى أنّ من قُبِلَتْ له صلاةٌ واحدةٌ لا يعذّب أبدا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الدراسة»: قراءة الكتاب والعلم . يُقال : درست الكتاب دراسةً ؛ أي قرأتُه ، و «الدراسة» أي قراءة العلم . «صلاة حسنة» أي دعاء جميل؛ لأنّه يترتّب عليها ما يترتّب على أكمل الأدعية، وهو الدُّعاء الذي يطلب فيه جميع الخيرات من المطالب الدنيويّة والاُخرويّة فيستجاب، أو تعظيم للّه سبحانه جميل؛ لأنّ فيه تعظيما ظاهريّا ينشأ عن تعظيم باطني وينبئ عنه، فيثمر (4) تعظيما باطنيّا لآخر . أو المراد بالصلاة معناها الشرعي، وبالصلاة الحسنة: المفروضة، كما قيل في قوله تعالى : «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» (5) ، يعني الصلوات الخمس تكفِّر ما بينها . (6) والمراد بكونها صلاة مفروضة تَشارُكها في الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل، أو في تكفير ما بينها من السيّئات . (7)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن أحمدبن محمّد بن خالد».
2- . في الكافي المطبوع: «عن فضالة بن أيّوب».
3- . النهاية لابن الأثير ، ج 2 ، ص 250 (درس).
4- . في «الف«: «ليثمر».
5- . هود (11): 114.
6- . مجمع البيان ، ج 5 ، ص 307 ، ذيل الآية 114 من هود (11).
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128.

ص: 395

. .

ص: 396

باب بذل العلم

الباب الحادي عشر : بَابُ بَذْلِ الْعِلْمِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حازم ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام : إِنَّ اللّه َ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى الْجُهَّالِ عَهْدا بِطَلَبِ الْعِلْم حَتّى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ عَهْدا بِبَذْلِ الْعِلْمِ لِلْجُهَّالِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَ الْجَهْلِ» .

هديّة :يعني في العنوان (بذل العلم) المحتاج إليه في الدِّين . والظاهر أنّ المراد ب(العلماء) هنا حجج اللّه المعصومون؛ لظاهر أخذ العهد . ويحتمل التعميم. والتعليل في المتن للتخصيص في التقديم . ولعلّ المراد التقدّم في الخلقة ، وأوّل ما خلق اللّه العقل ، وأوّل ما خلق اللّه نور نبيّنا صلى الله عليه و آله . أو المراد أنّ علم الدِّين كان مع حجج اللّه قبل جهل الاُمم به . وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي : إنّما كان العلم قبل الجهل مع أنّه يكتسبه الجاهل بعد جهله لوجوه : منها : أنّ اللّه سبحانه قبل كلّ شيء، وعلمه عين ذاته . ومنها : أنّ العلماء كالملائكة وآدم واللّوح والقلم، لهم التقدّم على الجهّال من أولاد آدم . ومنها : أنّ العلم غاية الخلق كما قال سبحانه : «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» (2) . وثمرة العبادة المعرفة، والغاية متقدّمة على ذي الغاية؛ لأنّها سبب غائيّ . ومنها : أنّ الجهل عدم العلم، والأعدام إنّما تُعرف بملكاتها . ومنها : أنّه أشرف، فله التقدّم بالشرف والرتبة . و منها : أنّ الجاهل إنّما يتعلّم بوساطة العالم وتعليمه . يُقال : علّمه فتعلّم . (3) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد ب «العلم» في العنوان: محكمات القرآن الناهية عن الاختلاف بالظنّ . و ب «الجهال» أهل الاختلاف بتبعيّة الظنّ . و «اللّام» في «العلم» هنا في المواضع للعهد الخارجي ؛ أي العلم بحرمة الاختلاف في الدِّين ظنّا، كما نطق به آيات القرآن في محكماتها، ولأنّ الاستدلال بآية سورة آل عمران : «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ» . (4) والمراد أنّ أخذ العهد على علماء هذا العلم لو لم يكن قبل أخذه على الجهّال في كلّ شريعة لَما يحصل هذا العلم لجميع الجهّال من أهل الكتاب قبل الجهالة، أي الاختلاف ظنّا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لأنّ العلم كان قبل الجهل» هذا دليل على سبق أخذ العهد على العالم ببذل العلم للجاهل على أخذ العهد على الجاهل لطلب (5) العلم ، أو بيان لصحّته . ويمكن أن يقرّر بحمل القبليّة على القبليّة الزمانيّة، وتنزيلها (6) على القبليّة بالرتبة والشرف . أمّا الأوّل فبأن يُقال : العلم قبل الجهل؛ حيث كان خلق الجاهل من العباد بعد وجود العالَم كالقلم واللّوح وسائر الملائكة المقرّبين ، وكخليفة اللّه في أرضه آدم عليه السلام بالنسبة إلى أولاده ، فيصحّ كون الأمر بالطلب بعد الأمر ببذل العلم ، أو يكون الأمر ببذل العلم سابقا؛ حيث يأمر بما يقتضيه الحكمة (7) البالغة، وبما هو الأصلح عند وجود من يستحقّ أن يخاطب به، ولأنّ من لم يسبق الجهل على علمه يعلم باطّلاع منه سبحانه حسنَ أن يبذل العلم ومطلوبيّته له تعالى، فيعلم كونه مطلوبا منه البذل ، وهذا أخذ العهد ببذل العلم . وأمّا الثاني فبأن يُقال: العلم أشرف من الجهل، والعالم أقرب من جنابه سبحانه في الرتبة، ولا يصل العهد منه سبحانه إلى الجاهل إلّا بواسطة العالم، ويعلم العالم من ذلك أنّ عليه البذل عند الطلب . أو يقال: من جملة علمه وجوب بذل العلم عند الطلب . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصوربن يونس ، عن طلحة بن زيد».
2- . الذاريات (51): 56.
3- . راجع: شرح الاُصول الكافي، ص 165.
4- . آل عمران (3): 19.
5- . في المصدر: «بطلب».
6- . في المصدر: «بتنزيلها».
7- . في المصدر: «حكمته».
8- . الحاشيه على اُصول الكافي ، ص 129 _ 130.

ص: 397

. .

ص: 398

الحديث الثانيروى في الكافي عَن العِدَّةِ ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ (2) وَمُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي هذِهِ الْايَةِ : «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ» (3) قَالَ :«لِيَكُنِ النَّاسُ عِنْدَكَ فِي الْعِلْمِ سَوَاءً» .

هديّة :الآية في سورة لقمان . و «تصعير الخدّ»: إمالته تكبّرا في العلم ، أي في بذله على قدر عقل المبذول له؛ للحديث المشهور، (4) والرّابع . قال برهان الفضلاء : قد بيّن معنى العلم مرارا، فلا منافاة بين هذا الحديث وما يجيء في أوّل باب اختلاف الحديث الباب الثاني والعشرين من تخصيص رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين والسبطين عليهم السلام بتعليم الأسرار من العلوم. يعني لا السرّ الذي إذا انكشف كان كفرا، كأسرار الصوفيّة القدريّة لعنهم اللّه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : تصعير الخدّ: إمالته عن النظر إلى الناس تهاونا . وقال عليه السلام : المقصود به التسوية بالنسبة إلى طلّاب العلم، فلا يميل وجهه عن أحدٍ منهم، وذلك لأنّ المقصد الأقصى من بعثة الرُّسل تبليغ الشريعة القويمة، وتعليم الدِّين المبين . والظاهر كونه نهيا عمّا يُخلّ بما هو المقصود الأصلي ، ولأنّه ليس النهي عن التصعير لاشتماله على التكبّر والتهاون بالنسبة إلى الناس ؛ لأنّ التكبّر لا يكون منه، والتهاون بالنسبة إلى الكلّ غير منهيّ عنه، بل لكونه منعا عمّا يجب بالنسبة إلى الكلّ، وهو التبليغ والتعليم . (5)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن أحمدبن محمّدٍ البرقي».
2- . في الكافي المطبوع: «عن عبداللّه بن المغيرة».
3- . لقمان (31): 81 .
4- . و هو قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناسَ على قدر عقولهم» ، المرويّ في الكافي ، ج 1 ، ص 23 ، كتاب العقل و الجهل ، ح 15؛ و ج 8 ، ص 268 ، ح 394.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130.

ص: 399

الحديث الثالثروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«زَكَاةُ الْعِلْمِ أَنْ تُعَلِّمَهُ عِبَادَ اللّه ِ» .

هديّة :يعني زكاة علم الدِّين تعليمه المستحقّ المحتاج إليه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني زكاة علم المحكمات تعليمه عباد اللّه بأنّها ناهية عن الاختلاف ظنّا، آمرة بالسؤال عن العالم بها .

.

ص: 400

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلام ، قَالَ :«قَامَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليهماالسلام خَطِيبا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ : يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَا تُحَدِّثُوا الْجُهَّالَ بِالْحِكْمَةِ ؛ فَتَظْلِمُوهَا ، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا ؛ فَتَظْلِمُوهُمْ» .

هديّة :(بالحكمة) أي بعلم الدِّين. وأكثر التعبير عن علم الدِّين بالحكمة؛ للدلالة على أنّ المراد دقائقه من المعارف والمسائل والحِكَم والعلل والنّكت . يعني لا تحدّثوها مَن لم يكن من شأنه فهمها، فلا منافاة بينه وبين الثاني . قال برهان الفضلاء : المراد ب «الحكمة»: العلم المذكور في العنوان وقد مرّ بيانه. والنهي في «لا تحدّثوا» إنّما هو في غير صورة التكليف بإتمام الحجّة، فلا ينافي ما مرّ في الأوّل . والنهي في «لا تمنعوها» في صورة التكليف بالتقيّة من بعض الحاضرين . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد ب «الجهّال»: من لا علم لهم ولا يطلبونه ولا يحبّونه، فلا يلتفتون إليه ولا يقرّون به . أو من الجهل مقابل العقل ؛ أي الدّاعي إلى اختيار الشرّ وما لا صلاح فيه . والمراد بأهل الحكمة مقابلهم . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عمّن ذكره».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131.

ص: 401

باب النهي عن القول بغير علم

الباب الثاني عشر : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍوأحاديثه كما في الكافي تسعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى و أخيه بنان (1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ مزيد (2) ، قَالَ : قَالَ (3) أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَنْهَاكَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ ، فِيهِمَا هُلْكُ الرِّجَالِ : أَنْهَاكَ أَنْ تَدِينَ اللّه َ بِالْبَاطِلِ ، وَتُفْتِيَ النَّاسَ بِمَا لَا تَعْلَمُ» .

هديّة :(بنان) كغراب بتقديم المفردة على النون: ابن محمّد بن عيسى، أخو أحمد بن محمّد بن عيسى . وقيل : هو كشدّاد ، وقيل : كسحاب . والأوّل أكثر وأشهر . «دانه»: أطاعه بالباطل ؛ أي بغير طاعة مفترض الطاعة. وكلّ ما لا يقين بحقّيّته هو خلاف الحقّ. ولانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام في مدبّره تعالى شأنه انحصر القطع بحقّيّة ما فيه الاختلاف بلا مكابرة في أخبار الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، فمَن دان اللّه بغير طاعة مفترض الطاعة دانه بالباطل . ومن البراهين القاطعة على وجوب وجود الحجّة المعصوم في كلّ زمان من أزمنة هذا النظام بهذا العِظَم والشأن أنّ جميع الفرق من هذه الاُمّة وغيرها عدا الإماميّة إنكارهم لهذا الوجوب عين الاشتراك مع الإماميّة في الإقرار به، ولكن لا يعلمون فإنّ كلّ فرقة يدّعي على خصمائها أنّ دينهم من عندهم لا من عند اللّه ، قال اللّه تعالى : «تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» (4) الآية . (وتفتي الناس بما لا تعلم) أي لا تعلم مأخذه من قول اللّه ، وقول المعصوم، وفعله قطعا. والمأخذ بالمعالجات الواردة عنهم عليهم السلام التي رخصةٌ في الحكم بالظنّ في زمن الغيبة للفقيه الإمامي العدل الممتاز المحتاط جدّا في المشتبهات، حكمه بحكمهم عليهم السلام حكم المأخذ من محكمات الكتاب والسنّة ، لكن إذا لزم من التوقّف الحرج المنفيّ، وإلّا فالتوقّف أضبط وأسلم . نعم ، لو ثبت أنّ وقت ظهور الإمام عليه السلام ليس من المحتومات، فالكفّ عن الحكم بالظنّ في زمن الغيبة واجب على الجميع؛ ليكفّ الجميع فيظهر الإمام ، لكن ثبوت الرخصة بدلالة تعليم المعالجة ونفي الحرج المنفّي بمحكم القرآن، وظهور محتوميّة وقت الظهور دلالة على أنّ اتّباع الظنّ ليس بمذموم مطلقا ، وظاهر «أنّ بعض الظنّ إثم» (5) في سورة الحجرات مؤيّد، وظاهر عموم : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا» (6) لا يمنع احتمال التخصيص . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «بالباطل» أي بما لا ينفع أصلاً لمن يطلب ثواب الآخرة . والمراد به هنا اتّباع الظنّ، كما قال اللّه تعالى في سورة يونس وسورة النجم : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا» (7) «بما لا تعلم» أي وثقتي بظنّك فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بالباطل» أي أن تعبد اللّه بما هو مأخوذ لا من جهةٍ يجب الأخذ منها، سواء كان من العقائد والمعارف، أو من الأعمال فعلاً أو تركا. والجهة المأخوذ منها في العقائد الاُصوليّة البراهين والأدلّة العقليّة ، وقد يتمسّك في بعضها بالسمعيّات، وفي المسائل الفروعيّة الكتابُ والسنّةُ المنقولة المنتهية إلى الحجّة المعصوم، ولغير العارف القويّ على استنباط مقاصدهما على منهاج الاستقامة والسّداد العارف بهما، فيؤخذ بقوله وفتياه . وقوله: «وتفتي الناس بما لا تعلم» ذِكْرٌ للخصلة الثانية . وكما لا يجوز للآخذ أخذ العلم من غير مأخذه لا يجوز للمفتي أن يفتي _ أي يجيب في المسائل ويبيّنها أو يقضي _ بما لا يعلم؛ فإنّ المفتي إن لم يكن واصلاً إلى مرتبة معرفة الكتاب والسنّة وتصدّى للإفتاء فقد ركب متن عمياء ، وإن وصل إلى تلك المرتبة وأفتى بما لم يأخذ منهما (8) على ما هو طريق الأخذ _ تمكّن من الأخذ أو لم يتمكّن _ فقد خبط خبط عشواء . (9) انتهى في قوله رحمه الله: «والجهة المأخوذ منها في العقائد الاُصوليّة البراهين والأدلّة العقليّة» ما فيه؛ فإنّ في غير المعلومات بالاتّفاق من العقائد وغيرها لا يحصل القطع ببرهان عقليّ على شيء إلّا بقول الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة في علّام الغيوب تعالى شأنه، والبراهين العقليّة على أحكام الأجرام العلويّة _ مثلاً _ قد تفيد القطع باستقامة نظام لو كان على هذا في الواقع لا بكونه واقعيّا ، وقد جوّز أهل الهيئة باستقامةِ نظامِ فَلَكِ الشمس في قرب مركزها وبُعده من مركز العالم بطريقين بممثّل وخارج المركز، أو بممثّلٍ و تدويرٍ وحاملٍ موافق المركز ، فيمكن أن يكون الواقعي ثالثهما ، وعند إقامة البرهان على الثالث لا يحصل القطع أيضا بما هو الواقع إلّا أنّ يخبر الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث : من العلوم ما لا يؤخذ إلّا من اللّه ببركة متابعة النبيّ صلى الله عليه و آله وهي الأسرار الإلهيّة ، ومنها : ما لا يُؤخذ إلّا من النبيّ وأوصيائه عليهم السلام و هي العلوم الشرعيّة . (10) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد و عبداللّه ابني محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «مفضّل بن يزيد».
3- . في الكافي المطبوع: + «لي».
4- . آل عمران (3): 64 .
5- . الحجرات (49): 12.
6- . يونس (10): 36.
7- . يونس (10): 36؛ النجم (53): 28.
8- . في المصدر: «لم يأخذه متنهما».
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132.
10- . الوافي ، ج 1 ، ص 190.

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

الحديث الثانيروى في الكافي عَن عَلِيٍّ ، عن العُبَيدي ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ البجلي (1) ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِيَّاكَ وَخَصْلَتَيْنِ ؛ فَفِيهِمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ : إِيَّاكَ أَنْ تُفْتِيَ النَّاسَ بِرَأْيِكَ ، أَوْ تَدِينَ بِمَا لَا تَعْلَمُ» .

هديّة :بيانه كسابقه . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «برأيك» أي لا بالأخذ من الكتاب والسنّة على منهاجه. «أو تدين بما لا تعلم» أي أن تعبد اللّه بما لا تعلمه بثبوته بالبراهين والأدلّة العقليّة، أو بالكتاب والسنّة والأدلّة السمعيّة . ويحتمل أن يكون من «دانَ به» أي اتّخذ (2) دينا . (3) وأن يكون «تديّن» من باب التفعّل ؛ أي تتّخذ الدِّين متلبّسا بالقول فيه بما لا تعلم . و «الدِّين» اسم لجميع ما يتعبّد اللّه به والملّة . (4) انتهى . قد علم في هديّة سابقة تحقيق ما هو الحقّ من البراهين العقليّة الصرفة على غير المعلومات بلا تعسّف ومكابرة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج».
2- . في المصدر: «اتّخذه».
3- . في المصدر: + «يعني إيّاك أن تتّخذ مالم تعلم دينا».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132.

ص: 405

الحديث الثالثروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ ، عَن ابْنِ عِيسى ، عَنِ الْسرّاد ، عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الْحَذَّاءِ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى من اللّه (2) ، لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، وَلَحِقَهُ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِفُتْيَاهُ» .

هديّة :(بغير علم) أي حاصلٍ بالعقل عن اللّه كما للحجّة المعصوم . (ولا هدىً) أي ولا بهداية من العاقل عن اللّه كما للإمامي العدل الممتاز علما و فضلاً و حذاقة في الاستنباط من المآخذ المُحكَمة ، المعهودة ، المحصورة ، المعلومة من الحجّة المعصوم العاقل من اللّه . وقوله : (لعنته ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب) يعني الملائكة أجمعين . و «الفتيا» بالضمّ والخاتمة والقصر، والفتوى بالفتح والواو والقصر بمعنى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «بغير علم» أي بغير علم يكون مضمون محكمات القرآن ، وبغير هداية عالم بتأويل متشابهات القرآن، ولا يعلم تأويله إلّا اللّه والراسخون في العلم، وهم الحجج المعصومون عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الهدى» بضمّ الهاء الطريقة والسنّة التي يهتدي به ، والدلالة. وإنّما يجوز الإفتاء والجواب في المسائل وإبانتها والحكم فيها بعلمٍ حاصل من مأخذه ، سواء كان من جانب اللّه سبحانه ابتداءً، أو بتوسّط ملاحظة برهان أو دليل، أو إرشاد ودلالة من العالم، أو اتّباع من يهتدي بهداه . فبذكر الهدى بعد العلم نبّه على أنّه العمدة في أسباب العلم بما يحتاج إليه في الفُتيا . ف «من أفتى بغير علم ولا هدىً لعنته ملائكة الرحمة»؛ حيث تعرّض لما يوجب الحرمان من رحمة اللّه . «وملائكة العذاب»؛ حيث أتى بما يستحقّ به العذاب (ولحقه وزر مَن عمل بفُتياه) منضمّا إلى وزره بفُتياه؛ حيث أضلّه، ولولا إفتاء غير العالم لراجعوا إلى العالم وأخذوا منه . (3) وقال بعض المعاصرين : المراد بالعلم ما يستفاد من الأنوار الإلهيّة والإلهامات الكشفيّة كما هو للأئمّة عليهم السلام ، وبالهدى ما يسمع من أهل بيت النبوّة كما هو لنا . (4) انتهى . بناء بيانه بيّن.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذّاء».
2- . في الكافي المطبوع: - «من اللّه ».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 133.
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 191.

ص: 406

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَن العِدَّةِ ، عن البرقي ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«مَا عَلِمْتُمْ فَقُولُوا ، وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَقُولُوا : اللّه ُ أَعْلَمُ ؛ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِ عُ الْايَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فِيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .

هديّة :(ما علمتم) أي ما قطعتم بأنّه حكم اللّه . ولا قطع بحقّيّة شيء ممّا يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة إلّا بقول الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (لينتزع الآية من القرآن) أي للاستناد إليها والاستشهاد بها ، وهي من المتشابهات مِنْ دون مأخذ لتأويلها عن الحجّة المعصوم. (يخرّ فيها) على المعلوم من باب فرّ، أي يسقط بسبب تأويلها مقلوبا من العُلْوِ إلى السِفْل أزيد من المسافة بين السماء والأرض . ف «في» في «فيها» للسببيّة وفي الانتزاع؛ لتضمّنه معنى التفريق. دلالةً على أنّ جميع المتشابهات في حكم واحد، لا حكم لها سوى القيّم المعصوم . وقراءة «يحرّفها» من التحريف تصحيف وتحريف. ليس في بعض النسخ: «والأرض» . قال برهان الفضلاء : «ما علمتم» أي بمحكمات القرآن. «لينتزع الآية» أي من المتشابهات ليفسّرها بظنّه ويعمل ويفتي. «يخرّ فيها» أي في تفسير تلك الآية في حفرة أعمق من كلّ عميق ؛ يعني جهنّم وبئس المصير . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم» . هذا خطاب مع العلماء من شيعته وأصحابه عليه السلام وهم العالمون بكثير من المسائل أو أكثرها، بالفعل أو بالقوّة القريبة من الفعل، باطّلاع على مآخذها، وطريق الأخذ منها سابق على الخروج من القوّة (2) إلى الفعل، فيظنّ بهم العلم بما يسأله السائل. «لينتزع الآية من القرآن» أي يقلعها ويفصلها (3) ويفسّرها. «يخرّ فيها» إمّا حال عن الضمير في «ينتزع» أو خبر بعد خبر . والمعنى يخرّ فيها، أي في تفسيرها ساقطا على ما هو بعيد عن المراد، بينهما أبعد ما بين السماء والأرض . (4) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «لينتزع الآية» ذمّ استنباط الرعيّة من الآيات الشريفة . (5) وقال بعض المعاصرين : «ما علمتم» أي بالنور الإلهي المقذوف في قلوبكم، أو بالسّماع عن أهل بيت النبوّة . (6) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبانٍ الأحمر ، عن زياد بن أبي رجاء».
2- . في المصدر: - «من القوّة».
3- . في المصدر: + «و يأخذها ليبيّنها».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 133 _ 134.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 94.
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 191.

ص: 407

. .

ص: 408

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ أَنْ يَقُولَ : اللّه ُ أَعْلَمُ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ ذلِكَ» .

هديّة :(للعالم) أي للفقيه الإمامي؛ لأنّ الإمام عالم بكلّ ما يحتاج إليه الناس. (وليس لغير العالم) أي لا ينبغي، فلا منافاة بينه وبين سابقه ، ووجهه بدليل التالي إيقاعه السائل في شكّ في أنّه لم يجب بُخلاً أو تقيّةً أو تكبّرا أو لغرض آخر يوجب أمرا مكروها ، أو الوجه عدم المناسبة لحاله . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «العالم» هنا: العالم بقدر معتدّ به من المسائل ، أو العالم ببعض المسؤول عنه لا بتمامه، كما لو سئل عن أنّ الكذب كبيرة، وهو يعلم أنّه حرام ولا يعلم أنّه كبيرة . ولا منافاة بين الشقّ الأوّل من هذا الحديث وبين السادس وهو التالي ؛ لأنّ هذا الحديث لبيان الرّاجح ولا ينافيه جواز المرجوح . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «للعالم» أي لمن كان مطّلعا على أكثر المآخذ بقدر الوسع وعلى طريق الأخذ _ ويعبّر عنه في هذه الأعصار بالمجتهد _ «إذا سئل عن شيء» حال كونه غير عالم به بالفعل أن يقول: «اللّه أعلم» ، ولا يضرّ دلالته على نحو علم له به ؛ فإنّ العلم بالمآخذ وطريق الأخذ نحوُ علمٍ بالمأخوذ منها، ويترتّب عليه العلم بما يؤخذ منها ولو بالقوّة القريبة من الفعل. «وليس لغير العالم ذلك» لإشعاره بادّعائه ما ليس له من العلم . (2) وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي : لأنّ مقتضى صيغة التفضيل أن يكون للمفضّل عليه شركة فيما فيه الفضل وليس للجاهل ذلك ، وأمّا العالم فلمّا كان له نصيب من جنس العلم صحّ له هذا القول وإن كان حكمه حكم الجاهل فيما سئل عنه . (3) وقال السيّد الباقر الشهير بالداماد رحمه الله : يعني عليه السلام ب «الرجل» المسؤول الجاهل الذي لا يعلم المسألة ولا طرقها المؤدّية إليها ومباديها بخلاف العالم المسؤول عمّا لا يعلم، فإنّه وإن لم يكن يعلم المسألة إلّا أنّه يعلم مداركها ومباديها، فجهل العالم ليس كجهل الجاهل ، فإذا سئل العالم عمّا لا يعلم فقال: اللّه أعلم أوقع بذلك في قلب صاحبه شكّا أنّ له علما بالمسؤول عنه، لم يكن به بأس، ولا عليه فيه جناح، ولا كذلك أمر الجاهل، فليس له إلّا أن يقول: لا أدري . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّادبن عيسى ، عن ربعي بن عبداللّه ، عن محمّد بن مسلم».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134.
3- . شرح الاُصول الكافي، ص 167، ذيل الحديث الرابع من الباب.
4- . التعليقة على الكافي، ص 91 _ 92.

ص: 409

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ البرقي ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِذَا سُئِلَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَمَّا لَا يَعْلَمُ ، فَلْيَقُلْ : لَا أَدْرِي ، وَلَا يَقُلْ : اللّه ُ أَعْلَمُ ؛ فَيُوقِعَ فِي قَلْبِ صَاحِبِهِ شَكّا ، وَإِذَا قَالَ الْمَسْؤُولُ : لَا أَدْرِي ، فَلَا يَتَّهِمُهُ السَّائِلُ» .

هديّة :يعلم بيانه ببيان سابقه وهو الخامس . قال برهان الفضلاء : «فلا يتّهمه» مجزوم بلا النّاهية ؛ لأنّ النافية يستلزمها ترك الفاء ؛ أي فلا يتّهمه السائل بالعلم والكفّ عن الجواب . ولا منافاة بينه وبين الرابع ؛ لأنّ هذا الحديث في جواب السؤال بخلاف الرابع . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يحتمل أن يكون المراد ب «الرجل»؛ من الشيعة هنا غير العالم؛ فإنّه ليس في الكلام إشعار بعالميّته، وهو الغالب الأكثري الوجود ، وليس له أن يقول: «اللّه أعلم» إنّما له أن يقول: «لا أدري»؛ لئلّا يقع في قلب صاحبه _ وهو من سأله _ شكّ ولا يتّهمه بكونه عالما . ويحتمل أن يكون المراد يعمّ العالم وغيره ، ويكون المعنيُ بإيقاع الشكّ والاتّهام الشكَّ في كونه عالما بالمسؤول عنه عند السؤال، مُعرضا عن الجواب لعلّة واتّهامه بذلك، فيكون المنهيّ عنه أن يقول : «اللّه أعلم» عند مظنّيّة (2) وقوع الشكّ والاتّهام، وذلك في العالم نادر، وفي غيره يكون غالبا؛ فإنّ العالم همّه في نشر العلم وإذاعته، كما أنّ الجاهل همّه في ستر ما اطّلع عليه وإضاعته . (3) وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : «شكّا» أي في علمه و (4) عدم علمه فيتّهمه بالعلم، وما قيل: «لا أدري نصف العلم»، كأنّه ناظر إلى أنّ المتعلّق بكلّ مسألة علمان: علمٌ بها، وعلمٌ بأنّه يعلمها، أو لا يعلمها، فلا أدري أحد العلمين وهو الجهل البسيط . وفيه: أنّه ورد: «العلم ثلاثة: كتابٌ ناطق، وسنّةٌ قائمة، ولا أدري» ، فعلى هذا لا أدري ثلث العلم . والتحقيق: أنّ العلم المكسوب للبشر إمّا بالعقل عن اللّه وهو علم الحجّة المعصوم ، أو بالعقل عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة ، فلا أدري من غير المعصوم نصف العلم التامّ بالشيء وهو العلم به، والعلم بأنّه حقّ؛ لأنّه مأخوذ عن المعصوم . فمآل كون «لا أدري ثلث العلم» (5) _ كما ورد _ أو نصفه _ كما قيل _ إلى أمرٍ واحد .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمدبن محمّد بن خالد،عن حمّاد بنِ عيسى ، عن حريزبن عبداللّه ، عن محمّدبن مسلم».
2- . في «ب» و «ج»: «مظنّته».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134 _ 135.
4- . في «ب» و «ج»: - «علمه و».
5- . مجمع الزوائد ، ج 1 ، ص 432 ، ح 847 .

ص: 410

الحديث السابعروى في الكافي عَن الاثنين ، عَنْ ابن أَسْبَاطٍ (1) ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَمَاعَةَ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ زُرَارَةَ (2) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا حَقُّ اللّه ِ عَلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ :«أَنْ يَقُولُوا مَا يَعْلَمُونَ ، وَيَقِفُوا عِنْدَ مَا لَا يَعْلَمُونَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليِ بن أسباط».
2- . في المصدر: «زرارة بن أعين».

ص: 411

هديّة :(ما يعلمون) أي عقلاً عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة . أجاب عليه السلام بالأهمّ الذي اندرج جميع الحقوق أو أكثرها فيه بحسب المعرفة بها . «والوقوف عندما لا يعلمون» أي عقلاً عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة على الوجه الصحيح المرخّص فيه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : لهذا الحديث ذيل سيذكر في الثاني عشر من الباب السابع عشر، وهو باب النوادر ، و هو قوله: «فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى اللّه حقّه» . يعني سألتُ عنه عليه السلام «ما» عمدة «حقّ اللّه على العباد؟» يعني الحقّ الذي يكون في ضمن أدائه أداء جميع حقوق اللّه على عباده، قال : «أن يقولوا» _ أي عند الحاجة _ «ما يعلمون» أي قطعا أنّه حكم اللّه ، «ويقفوا» أي عن الحكم بالظنّ «عندما لا يعلمون». وهذا هو العهد الذي أخذ اللّه على جميع عباده في جميع كتبه المنزلة على أنبيائه عليهم السلام قال اللّه تعالى في سورة الأعراف «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلَا الْحَقَّ» (1) . وقال الفاضل الاسترآبادي : «ويقفوا عند ما لا يعلمون» نصّ في الأمر بالتوقّف. والحرج اللّازم من توقّف جميع الرعيّة في المدّة الطويلة للغيبة ممّا لا يخفى عظمه، وإيجابه ضعف الدِّين واندراسه على التدريج . انتهى . نعم، لو لم يلزم منه حرجٌ، وإلّا فالأمر بتحصيل الظنّ المرخّص فيه في زمن الغيبة بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام للفقيه الإمامي العدل الممتاز علما وفضلاً ثابت عند أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم، والحرج اللّازم من توقّف جميع الرعيّة في المدّة الطويلة للغيبة ممّا لا يخفى عِظمه، وإيجابه ضعف الدِّين واندراسه على التدريج. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ما حقّ اللّه على العباد؟» أي الحقّ الواجب الثابت الذي يطالب به صاحبه من عليه، وسؤاله عن الحقيق بهذا الاسم من بين الفرائض والواجبات، فأجاب عليه السلام : «أن يقولوا ما يعلمون» أي يكون مقولهم مقصورا على ما يعلمون، أو إتيانهم بعد السؤال واستدعاء الجواب بقول ما يعلمونه، «وأن يقفوا عند ما لا يعلمون». والمراد أنّ الحقيق بهذا الاسم الاقتصار على القول بما يعلمه، والوقوف عن القول بما لا يعلمه، كما في قوله تعالى حكايةً عن قول موسى عليه السلام : «حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللّه ِ إِلَا الْحَقَّ» (2) . والقول في العلوم الدينيّة عند عدم العلم قولٌ على اللّه بغير الحقّ؛ فإنّ القول دالّ على اعتقاد القائل و علمه بالمقول ، و كلّ قولٍ في العلوم الدينيّة قول على اللّه ، فالقول فيها من غير العالم قول على اللّه بغير (3) الحقّ من حيث عدم مطابقته لما عليه الأمر في نفسه، أو من حيث عدم معلوميّته له وإن طابق اتّفاقا، فمِن حقّ اللّه على العباد أن يقفوا عن القول عندما لا يعلمون، وأن يقتصروا على القول بالحقّ فيها. (4)

.


1- . الأعراف (7): 169.
2- . الأعراف (7): 105.
3- . في «ب» و «ج»: - «فإنّ القول دالّ... قول على اللّه بغير».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 135 _ 136.

ص: 412

الحديث الثامنروى في الكافي عن الثلاثة، (1) عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّه َ خَصَّ عِبَادَهُ بِآيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ: أَنْ لَا يَقُولُوا حَتّى يَعْلَمُوا، وَلَا يَرُدُّوا مَا لَمْ يَعْلَمُوا ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلَا الْحَقَّ» وَقَالَ: «بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» ».

هديّة :في بعض النسخ: «وإسحاق بن عبداللّه » بالواو، ولعلّ الأصحّ بدون الواو؛ فإنّ إسحاق بن عبد العزيز يكنّى أبا يعقوب وأشهر اسم أبيه عبداللّه ، وكأنّ اختلاف النسخ من هذا. والمراد بالتخصيص هنا التخصيص الاهتمامي، يعني بالغ في تشريك جميع الاُمم في الأخذ بمضمونهما اهتماما بشأن حكمهما. والعامل بمضمونهما مؤدّ لعمدة حقوق اللّه المتضمّنة لسائرها. وقرئ: «حضّ» _ بالحاء المهملة والضادّ المعجمة _ من «الحضّ» بمعنى التحضيض ، بمعنى التحريض والترغيب. (أن لا يقولوا) أي في المتشابهات. (حتّى يعلموا) أي التأويل والمأخذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (ولا يردّوا ما لم يعلموا) أي ما لم يعلموا أنّه مردود بالكتاب والسنّة. والآية الاُولى في سورة الأعراف، (2) والثانية في سورة يونس. (3) وقال بعض المعاصرين: «ولا يردّوا ما لم يعلموا» أي لا يكذّبوا به بل يكلوا علمه إلى قائله؛ فإنّ التصديق بالشيء كما هو محتاج إلى تصوّره إثباتا فكذلك هو مفتقر إليه نفيا، وهذا في غاية الظهور، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. (4) انتهى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «حضّ» بالحاء المهملة والضادّ المعجمة على المعلوم من مضاعف باب نصر. «وأن يقولوا» بتقدير: «على أن لا يقولوا» و «ما» في «ما لم يعلموا» مصدريّة زمانيّة لا موصولة، وإلّا لزم أن لا يردّ الممتنع كشريك الباري؛ لأنّه غير معلوم. فقوله: «لم يعلموا» بتقدير «لم يعلموا صحّة الردّ». «بما لم يحيطوا بعلمه» أي العلم بصحّة ذلك التكذيب. «ولمّا يأتهم تأويله» أي عاقبة ذلك التكذيب. انتهى. لا يخفى صحّة موصوليّة «ما» لما بيّنا، وتكلّف مصدريّتها بالنظر إلى مصدريّتها. وتفسيره سلّمه اللّه «ولمّا يأتهم تأويله» لعلّه من البطون، أو الاحتمالات. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «حضّ عباده» _ بالمعجمة بعد المهملة _ من «الحضّ» بمعنى الحثّ، والمعنى حثّ عباده بآيتين من كتابه. «أن لا يقولوا» أي على أن لا يقولوا قبل العلم. «ولا يردّوا» إلّا بعد العلم، فحذف «على». ويحتمل أن يكون «أن لا يقولوا» تفسيرا لحثّه تعالى؛ فإنّ حثّه عباده يكون بالقول، فصحّ وقوع هذا القول تفسيرا له. و«لا» في الموضعين حينئذٍ للنهي، وعلى الأوّل للنفي. (5) وفي بعض النسخ «خصّ» بالمهملة بعد المعجمة، والمعنى خصّ عباده، أي هذه الاُمّة. والتعبير عنهم بوصف العبوديّة مضافا إليه تبارك وتعالى لتشريفهم وتعظيمهم من بين الاُمم بإنزال آيتين من كتابه، وإعلامهم بمضمونهما وحثّهم عليهما دون سائر الاُمم. و «أن لا يقولوا» حينئذٍ إمّا بدل من «آيتين» أو تفسير للخصوص. وقوله: «وقال عزّ وجلّ» معطوف على «خصّ» من عطف أحد التعبيرين عن الشيء إلى آخر لمغايرة بينهما عبارةً ومعنىً، إجمالاً وتفصيلاً، حجّيّة وادّعاءً، مطابقة والتزاما. وقوله: «أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ» أي الثابت الواقع. ولمّا نهاهم عن القول على اللّه مستثنى منه الحقّ، لم يكن لهم الإتيان إلّا بما علموا واعتقدوا كونه مستثنى، فقولهم قبل العلم واعتقاد الحقّية إتيان بالمنهيّ عنه. والآية الأخيرة صريحة في النهي عن ردّ ما لم يعلم والتكذيب به. (6) انتهى. لا يخفى أنّ الحمل على إحدى القرائتين على التخصيص الاهتمامي كما بيّناه أولى؛ لثبوت العهد المعهود في كلّ شريعة على أهلها، وضمير «عليهم» في الآية الاُولى لليهود. إنّما قلنا أولى؛ لإمكان تأويل حمله رحمه الله إلى ما اُوّل أوّلاً.

.


1- . يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
2- . الأعراف (7): 169.
3- . يونس (10): 39.
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 193.
5- . في «الف»: «النفي».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 136 _ 137.

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

الحديث التاسعروى في الكافي عَن عَلِيٍّ، عَن العبيدي، (1) عَنْ يُونُسَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَا ذَكَرْتُ حَدِيثا سَمِعْتُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام إِلَا كَادَ أَنْ يَتَصَدَّعَ قَلْبِي، قَالَ:«حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ». قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأُقْسِمُ بِاللّه ِ مَا كَذَبَ أَبُوهُ عَلى جَدِّهِ، وَلَا جَدُّهُ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ عَمِلَ بِالْمَقَايِيسِ، فَقَدْ هَلَكَ وَأَهْلَكَ ، وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ (2) وَهُوَ لَا يَعْلَمُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَالْمُحْكَمَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ فَقَدْ هَلَكَ وَأَهْلَكَ».

هديّة :«الشّبرم» كقنفذ وزبرج: حبّ شبيه بالحمّص، ومن الرِّجال: القصير والبخيل. و (ابن شبرمة) هو عبداللّه بن شبرمة الضبِّي الكوفي، كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة. (3) و «التصدّع»: التشقّق والتفرّق. وقرئ: «ينصدع» من الانصداع بمعنى الانشقاق. واقتصر في الحكاية اكتفاء بالظهور، والمراد أبي، عن جدّي، عن جدّه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ومعنى «ولا جدّه» ولا جدّ جدّه، كما إذا كان ضمير «ولا جدّه» للجدّ. و «المقاييس» إمّا جمع «مقيوس» وهو صار بالإعلال مقيسا، والمفرد إذا جمع الجمع المكسّر يردّ إلى أصله، أو جمع «المقياس» كمقاريض ومقراض. قاسه قيسا _ بالفتح _ وقياسا _ بالكسر _ : قدّره، ك «اقتاسه». والإسم «قيس» _ بالكسر _ قيسُ رُمحٍ: أي قَدْره. و «المقياس»: ما يقدّر به الشيء على مثال. والعمل بالقياس _ وأوّل من قاس إبليس لعنه اللّه طريقة أكثر العامّة والقدريّة _ بأن يجعل شيئا من المعاني المشتركة معيارا لإلحاق فرع بأصل، ويثبت به حكما في جزئيّ لثبوته في جزئيّ آخر لمعنىً مشترك بينهما. (وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ) أي عقلاً عن اللّه ، أو عن العاقل عن اللّه على الوجه الصحيح المضبوط عند الإماميّة. (والمحكم): ما لا يحتمل غير المعنى المقصود منه. و (المتشابه): ما يحتمله. وكما لا شكّ في عدم الرخصة في الإفتاء لغير الفقيه الإمامي العدل الممتاز في العلم والفضل، لا شكّ في عدمها أيضا في التجاوز في المتشابهات عن المعالجات المضبوطة عنهم عليهم السلام . وقد روى الشيخ في التهذيب عن الثلاثة عن البجلي، قال: كان أبو عبداللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابيّ فسأل ربيعة عن مسألة فأجابه، فلمّا سكت قال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئا، فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «هو في عنقه»، قال: «أو لم يقل كلّ مفتٍ ضامن (4) ؟!». قال ابن داود: ربيعة بن عبد الرحمان المعروف بربيعة الرأي في المدينة فقيه، عامّي ، روى عن الباقر والصادق عليهماالسلام (5) قال برهان الفضلاء: «وأقسم باللّه » معترضة. و «المقاييس» جمع مقيوس لا مقيس؛ للردّ في المكسر إلى الأصل. ويطلق «الناسخ» و «المنسوخ» على الإمام الحيّ، والإمام الماضي كما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في الرابع، في الباب الثاني والأربعين باب العبادة؛ وفي كتاب المعيشة في باب دخول الصوفيّة على أبي عبداللّه عليه السلام للباب الأوّل. وعلى الآيتين من القرآن إحداهما ناسخة لحكم الاُخرى. وعلى الكلمتين، أو الفقرتين إذا صارت المؤخّرة منهما قرينة لإرادة خلاف الظاهر من المقدّمة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «من عمل بالمقاييس» المقياس: ما يقدّر به الشيء على مثال. والمراد به ما جعلوه معيار إلحاق الفرع بالأصل من الاشتراك في المظنون عليّته للحكم و عدم الفارق. والمراد من العمل به اتّخاذه دليلاً شرعيّا معوّلاً عليه، واستعماله في استخراج الحكم الشرعي، والقول بموجبه ومقتضاه بعد جعله دليلاً شرعيّا؛ فإنّ العمل بالدليل الاستدلال به والتعويل عليه والقول بمدلوله لدلالته عليه. «فقد هلك وأهلك» أي بضلالته في العمل وإضلاله مَن تبعه واقتصّ (6) أثره. «ومَن أفتى الناس» أي بما يأخذه عن الكتاب والسنّة. «وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمُحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك» وفيه دلالة على أنّه كما يجوز للمفتي أن يقول: كذا فهمت من الكتاب أو السنّة، يجوز له أن يقول إذا سُئل عن الحكم: كذا حكم اللّه في ظنّي، وأنّه يجب عليك أن تعمل كذا. (7) انتهى. يعني للمفتي الإمامي العدل العارف بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه من الكتاب والسنّة على الوجه الصحيح المضبوط بالتواتر بالمعنى الأعمّ عنهم عليهم السلام .

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: + «بغير علم».
3- . خلاصة الأقوال ، ص 370 ، الرقم 5 ؛ رجال ابن داود ، ص 120 ، الرقم 873 .
4- . التهذيب ، ج 6 ، ص 223 ، ح 530 ؛ الكافي، ج 7 ، ص 409 ، باب أنّ المفتي ضامن ، ح 1؛ وسائل الشيعة ، ج 27 ، ص 220 ، ح 33639 ، باب أنّ المفتي إذا أخطأ أثم و ضمن.
5- . رجال ابن داود ، ص 245 ، الرقم 183.
6- . في المصدر: «واقتفى».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 137 _ 138.

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

باب من عمل بغير علم

الباب الثالث عشر : بَابُ مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة.

الحديث الأوّلروى في الكافي عَن العِدَّةِ، عَنْ البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«الْعَامِلُ عَلى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلى غَيْرِ الطَّرِيقِ، لَا يَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَا بُعْدا».

هديّة :هذا الحديث رواه الصدوق رحمه الله أيضا في الفقيه، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، (2) وزاد «من الطريق» بين أداة الاستثناء و «سرعة السير». وفي بعض النسخ: «وكثرة السير» مكان «وسرعة السير». (على غير بصيرة) أي بلا معرفته الحجّة المعصوم المفترض الطاعة العاقل عن اللّه سبحانه. والقطع بحقّيّة شيء من المتشابهات الدينيّة منحصر في إخباره؛ لانحصار الأعلميّة في المدبّر تعالى شأنه. والتعبّد على خلاف حكم اللّه تعاند لا تعبّد، والداخل على دار لا من بابها سارق، والسائر على غير الطريق ضالّ هالك. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «على غير بصيرة» أي بلا معرفة الإمام، وعلم المسائل الفروعيّة، أو اُصول الفقه. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «على غير بصيرة» أي غير معرفة بما يعمله بما هو طريق المعرفة في العمليّات. فمنها. ما يحصل الجزم بكونه مطلوبا للشارع عند الفحص عن الأدلّة. ومنها: ما يحصل الظنّ به عند الفحص عنها، كالأخبار الغير المتواترة وغير المقترنة بما يفيد الجزم، وكالظواهر من المتواتر. (3) والساعي في الفحص عنها بقدر الوسع هو المجتهد، ويجب عليه العمل بمقتضى معرفته وعلمه وظنّه المستتبع للعلم. ويجب على غير العالم الرجوع إلى مجتهد في الأخذ، والعمل على وفق معلومه المرجوع إليه. فالمقلّد لعلمه بوجوب الأخذ عن العالم واطّلاعه على فُتياه على بصيرة، كما أنّ العالم لعلمه بوجوب الأخذ عن الأدلّة _ كالكتاب والسنّة _ واطّلاعه على ما فيها على بصيرة في عمله. ولا يبعد أن يحمل العمل هنا على ما يشتمل السعي والاجتهاد في أخذ المسائل عن الأدلّة. وقوله: «كالسائر عل غير الطريق» لأنّ العامل يريد بعمله الإطاعة والوصول إلى النجاة، ولا إطاعة في العمل بلا بصيرة وعلم بكونه على وفق ما طُلب واُريد منه، فلا ينتهي عمله إلى ما يريد الانتهاء إليه بارتكابه، (4) فلا يكون طريقا للمطلوب ويكون سلوكه سلوك غير طريقه، فلا يزيد سرعته إلّا بُعدا عن المطلوب كالسائر على غير الطريق. وأيضا كلّ ما هذا شأنه فارتكابه قبيح منهيٌّ عنه، والاشتغال به شغل عن المأمور به فيما (5) يريد الإطاعة والنجاة، وبسعيه (6) يعصي ويهلك، وبزيادته كمّيّة أو كيفيّة، أي كثرة أو سرعة _ باختلاف النسختين؛ فإنّ في بعضها مكان «سرعة السير»: «كثرة السير» _ لا يزداد إلّا عصيانا وضلالاً وبُعدا عن المقصود. (7) انتهى. أراد ب «المتواتر» الاصطلاحي، أي الذي يفيد القطع واليقين. اصطلح المتأخّرون من الاُصوليّين على تسميتهم الخبر المفيد لليقين بالمتواتر، والمفيد للظنّ بخبر الواحد، والأخبار المضبوطة بتواتر الثقات والكتب متواترة بالمعنى الأعمّ. وعرّفوا الخبر المتواتر بأنّه خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه، ولِما بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطئهم على الكذب واستمرّ ذلك في الطبقات حيث يتعدّد، فيكون أوّله كآخره ووسطه كطرفيه، ولا ينحصر ذلك في عدد خاصّ وشرط العلم به انتفاء اضطرار عن السامع. وخبرَ الآحاد بما لا يفيد بنفسه إلّا ظنّا، وقد يفيد القطع إن حفّ بالقرائن، على خلافٍ بين الاُصوليّين من المتأخّرين. وبالجملة: المتواتر بالمعنى الأعمّ فمحكمه مأخذ، وكذا متشابهه، لكن بعلاجات معهودة مضبوطة عنهم عليهم السلام .

.


1- . في المصدر: «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . الفقيه ، ج 4 ، ص 401 ، ح 5864.
3- . في المصدر: «المتواترات».
4- . في المصدر: + «والاشتغال به».
5- . في المصدر: «فبما».
6- . في المصدر: - «بسعيه».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 138 _ 139.

ص: 419

. .

ص: 420

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده عَن ابْنِ عِيسى، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ الصَّيْقَلِ، (2) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«لَا يَقْبَلُ اللّه ُ عَمَلاً إِلَا بِمَعْرِفَةٍ، وَلَا مَعْرِفَةً إِلَا بِعَمَلٍ؛ فَمَنْ عَرَفَ، دَلَّتْهُ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْعَمَلِ ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ، فَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ، أَلَا إِنَّ الْاءِيمَانَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ».

هديّة :(إلّا بمعرفة) أي بمعرفة هي معرفة حقيقة، فالإبهام للتعظيم، يعني معرفة اللّه الحاصلة بطاعة مفترض الطاعة ومعرفته. (إلّا بعمل) أي دالّ على أنّ العامل به عارف الإمام. (ولا) لنفي الجنس، أو «الواو» للعطف. والمعنى عليهما _ لصريح لفظ «البعض» _ : أنّ كمال الإيمان بالعمل؛ فإنّ الإيمان باللّه يكمل من الإيمان بالرسول، وهو يكمل من الإيمان بالإمام، وهو يكمل من العمل بما اُمر ونهي عنه. (دلّته المعرفة على العمل) أي العمل على الوجه الصحيح المضبوط عن مفترض الطاعة. (ومن لم يعمل) أي هكذا. (بعضه من بعض) يعني أنّ الإيمان ليس مجرّد التصديق كما ذهبت إليه المرجئة، بل العمل من الإيمان على ما ذكرنا ولذا له مراتب. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «بمعرفةٍ» أي بمعرفة اللّه ، بترك اتّباع الظنّ في القول والفعل. و «لا» في «لا معرفة» لنفي الجنس. والإيمان عبارة عن المركّب من المعرفة والعمل. وقوّته وضعفه على حسب كثرة العمل وقلّته، قال اللّه تعالى في سورة بني إسرائيل: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني: «بمعرفةٍ» أي بمعرفةٍ بالعمل وبما يتوقّف عليه المعرفة بالعمل، أو بمعرفة صحيحة مأخوذة عن مأخذها الذي يجب الأخذ عنه كما هو طريقه. وتلك المعرفة تكون للعالم القادر على الأخذ من الأدلّة بالأخذ منها، و تكون للمقلّد العاجز عن الأخذ منها بالأخذ عن العالم فيما يجوز فيه التقليد. «ولا معرفة إلّا بعمل» إمّا معطوف على «عملاً» و «لا» مؤكّدة للنفي؛ أي لا يقبل اللّه معرفةً متعلّقةً بعملٍ إلّا بعملٍ يتعلّق به المعرفة، أو لا يقبل اللّه معرفة إلّا بعمل يتعلّق بها. وإمّا معطوف على قوله: «لا يقبل اللّه عملاً» و «لا» لنفي الجنس؛ أي ولا معرفة كاملة تستحقّ أن تعدّ معرفة إلّا بعمل يتعلّق بها، ولا أقلّ من الإقرار باللسان وما في حكمه. فكلّ معرفة لا يتعلّق عليها عمل لا يعتدّ بها ولا يعدّ معرفة؛ حيث لا يترتّب عليها آثار المعرفة ولا يكون مقبولة، فإنّه كما لا يؤثّر هاهنا لا يؤثّر هناك؛ وذلك لعدم استقرارها وتمكّنها في القلب. فالمعرفة المتعلّقة بالمبدأ وصفاته، والرسالة والوصاية متى فارقها الإقرار باللسان وما في حكمه لا يعتدّ بها ولا تكون إيمانا، وكذا المعرفة المتعلّقة بعمل إن كان من المتيقّن ثبوته من الشريعة كالضروريّات الدينيّة إن فارقها الإقرار لا يعتدّ بها ، ولم يكن تلك المعرفة من الإيمان، ولذا يحكم بكفر منكر ضروريّ الدِّين وإن كان عارفا به. وأمّا الظنّيات من الفروع فالاعتقاد بها معرفتها (4) الظنّية ليست من الإيمان، إنّما المعتبر في الإيمان الاعتقاد والتصديق بجميع ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله عموما بهذا العنوان، وخصوصا في المتيقّن ثبوته شرعا كالضروريّات عند ملاحظتها، فإنكارها وإن لم يُخرج من الإيمان، لكن هذه المعرفة الظنّية فائدتها الإقرار والعمل، فبعدمهما يكون وجودها كعدمها، فلا يكون مقبولة ولا معدودة في المعرفة، بل وجودها أسوأ من عدمها؛ لغلبة شرّيّة النفاق والخلاف بين الباطن والظاهر، أو القول والفعل، وتكذيب كلّ منهما الآخر على خيريّتها، «فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له» تفصيل وتبيين لما ذكر قبله إجمالاً. والمراد أنّ المعرفة شأنها (5) الدلالة والإيصال إلى العمل، والعمل من آثارها المرتّبة عليها، ومن لم يترتّب أثر المعرفة على ما فيه ويظنّه معرفة، فإمّا لعدم كونه معرفة في ذاته، أو لعدم كونه معرفة له، أي ثابتة مؤكّدة الثبوت له، ظاهرةً فيه، غالبةً على أضدادها، فالحالة الحاصلة في الشخص _ من اجتماع ما للقلب والقوّة العقليّة، وما للقوى الخياليّة والوهميّة، وما للقوى الشهوانيّة والغضبيّة _ لا كماليّة ولا معدودة معرفة، كالمركّب من المسك والقاذورات لا يشمّ منه إلّا المركّب من كيفيّتهما وهو النتن لا الطيب، فلا يقال لرائحة المِسْك المخلوطة بنتن القاذورات والجيف عند الاختلاط والاضمحلال في كيفيّتها: عَرْفا وريحا طيّبا، ولا يكون مُستعمِل المِسْك على هذا النحو مستعملاً للطيب. كذا المعرفة المنغمرة في الأهواء والمنى والجهالات الدّاعية إلى الشرّ والفساد لا يكون معرفةً، ولا يكون صاحبها على هذا النحو سالكا طريق النجاة، بل الحالة المركّبة من جميع هذه الاُمور أقوى في الإيصال إلى الضلال والهلاك. «إلّا أنّ الإيمان بعضه من بعض» أي بعضٌ ممّا اعتبر فيه _ وهو العمل المعتبر في أصله، أو العمل المعتبر في كماله _ نشأ من بعض، وهو المعرفة الدالّة عليه؛ فإنّ المعرفة التي هي مناط الإيمان أقلّ مراتبها يدلّ على أقلّ مراتب العمل، وهو الإقرار والقول بها؛ وأكملها يدلّ على أكمل مراتب العمل، وهو الموافقة لها قولاً وفعلاً؛ والأوساط على الأوساط، وينشأ من كلّ مرتبة من المعرفة ما يطابقها من مراتب العمل. (6) انتهى. لا يذهب عليك أنّ غرضه رحمه الله من الفقرات في قوله: «من اجتماع ما للقلب _ إلى قوله _ : وما للقوى الشهوانيّة والغضبيّة مطلق الآثار، كما هو عند الفلاسفة ومن تبعهم في أكثر اُصولهم كالصوفيّة القدريّة؛ فإنّ كلّ واحدٍ من تلك الآثار في تقدير حكمة اللّه وشرعه قسمان: حسن وقبيح، مأمور به ومنهيٌّ عنه، ممدوح ومذموم، بل يجري فيه الأحكام الخمسة. همه خشمى نه عيب و نقصان استخشم روز جهاد ايمان است وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «لا يقبل اللّه عملاً إلّا بمعرفة» سيجيء أنّ للإيمان معنيين: أحدهما موهبيّ لم يكلّف اللّه العباد بتحصيله، وهو المعرفة باللّه وبرسوله. والآخر من أفعالنا الاختياريّة، وهو الانقياد القلبي واللِّساني والجوارح على وفق المعرفة. ومعنى الإيمان بعضه من بعض: أنّ بعضه ناش من بعض، أي الانتفاع بكلّ جزء من أجزائه الثلاثة يتوقّف على تحقّق الجزئين الآخرين. (7) وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث في آخر كلامه: فمن لا معرفة له باللّه واليوم الآخر فكيف يعبده؟! ومَن لا عبادة له ولا رياضة شرعيّة كيف يصفّي نفسه ويرقّ قلبه ويطهّر باطنه؟! (8) انتهى.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «الحسن الصيقل».
3- . الإسراء (17): 84 .
4- . في المصدر: «و معرفتها».
5- . في المصدر: «من شأنها».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 _ 141.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 94 .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 201.

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَمَّنْ رَوَاهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ عَمِلَ عَلى غَيْرِ عِلْمٍ، كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ».

هديّة :يعني من عمل بقصد العبادة وكان عمله بناءً على غير العلم بوجهه من الحجّة المعصوم كان ما يفسد من أمر الآخرة أكثر ممّا يصلح من أمر الدنيا بزهده وصلاحه في نظر عوامّ الناس، قال اللّه تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا» (2) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «ما» في الموضعين موصولة، أو مصدريّة. و «أكثر» على التقديرين، إمّا بالمثلّثة أو بالمفردة، ومآل الكلّ واحد؛ فإنّ العابد بغير العلم بمسائل فروع الفقه أو مسائل اُصول الفقه إفساده ثواب الآخرة أكثر من إصلاحه معاش دنياه قصدا بالتزامه ظاهر الإسلام أن يحقن دمه، ويكرّم في نظر الناس، ويكسب الأموال بالموافقة مع أئمّة الضلال. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح» أي كان الفساد في عمله الذي لم يكن من علم أكثر من الصلاح فيه، وكلّ ما كان الفساد فيه أكثر من الصلاح كان قبيحا غير مطلوب للحكيم. (3) وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: يعني كان غلطه المفسد للعمل أكثر من صحيحه المصلح له.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عنه ، عن أحمد بن محمّد».
2- . الكهف (18): 103 _ 104.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 141.

ص: 425

باب استعمال العلم

الباب الرابع عشر : بَابُ اسْتِعْمَالِ الْعِلْمِوأحاديثه كما في الكافي سبعة.

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ، (2) عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ:«الْعُلَمَاءُ رَجُلَانِ: رَجُلٌ عَالِمٌ آخِذٌ بِعِلْمِهِ، فَهذَا نَاجٍ، وَعَالِمٌ تَارِكٌ لِعِلْمِهِ، فَهذَا هَالِكٌ، وَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ رِيحِ الْعَالِمِ التَّارِكِ لِعِلْمِهِ، وَإِنَّ أَشَدَّ أَهْلِ النَّارِ نَدَامَةً وَحَسْرَةً رَجُلٌ دَعَا عَبْدا إِلَى اللّه ِ تعالى، فَاسْتَجَابَ لَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ، فَأَطَاعَ اللّه َ، فَأَدْخَلَهُ اللّه ُ الْجَنَّةَ، وَأَدْخَلَ الدَّاعِيَ النَّارَ بِتَرْكِهِ عِلْمَهُ، وَاتِّبَاعِهِ الْهَوى، وَطُولِ الْأَمَلِ، أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَطُولُ الْأَمَلِ يُنْسِي الْاخِرَةَ».

هديّة :في العنوان (استعمال العلم) يعني في العمل والحكم والإفتاء. وحاصل معنى الاستعمال هنا طلب فائدة العلم بالعمل. (رجلان) يعني قسمين. (آخذٌ بعلمه) على اسم الفاعل، ولا بأس بصيغة الماضي، أي آخذ في العمل والحكم بعلمٍ قطعيٍ مأخوذٍ عن المأخذ الذي لا يتطرّق إليه الخطأ. (وعالمٌ تاركٌ لعلمه) أي تارك عمدا لغرض من الأغراض الباطلة، كحبّ الرياسة وتبعيّة الظَّلمة؛ طمعا في الدنيا وحطامها. (فهذا هالك) بمعنى أنّ أكثر أفراد هذا القسم وأفراده من المستودعين من الهالكين بالخذلان، وأقلّهم من الناجين من النار بتوفيق التوبة وقبول الاستغفار، إذا لم يكونوا من المبتدعين في ضروريّ من ضروريّات الدِّين، أو لم يمت باعتقاد بدعتهم تابع لهم فيها. في بعض النسخ: «وأدخل الداعي النار بترك عمله» بتقديم الميم على اللّام. فالمعنى بترك عمله بعلمه في استعمال علمه في العمل والإفتاء. قال برهان الفضلاء: «فيصدّ عن الحقّ» أي عن العمل بالمحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ، الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ» أي علما كان أو عملاً، فهو من موانع تناول الحقّ. «وطول الأمّل» [ينسي الآخرة» فهو موجب لعدم تذكّر الآخرة المقتضي للعمل ، فاتّباع الهوى مانع ، و طول الأمل] (3) موجب لرفع المقتضي. ويمكن أن يكون «ينسئ» من الإنساء مهموز اللّام؛ أي يؤخّر العمل للآخرة، فحذف العمل واُسند الفعل إلى الآخرة، فطويل الأمل لظنّه البقاء يؤخّر العمل للآخرة، ويقول: سأفعل لها فيما بعد. (4) وقال بعض المعاصرين: «عالم آخذٌ بعلمه» هذا التقسيم هو للعلماء الذين علمهم مقصور بما يتعلّق بالعمل كالعالم بالشريعة وكالعالم بالأخلاق، دون الذين علمهم مقصود لذاته كالعالم بالمبدأ والمعاد. (5) انتهى.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «عمربن اُذيتة».
3- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 142 _ 143.
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 203 _ 204.

ص: 426

. .

ص: 427

الحديث الثانيروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«الْعِلْمُ مَقْرُونٌ إِلَى الْعَمَلِ؛ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَمَنْ عَمِلَ عَلِمَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ، وَإِلَا ارْتَحَلَ عَنْهُ».

هديّة :(مقرون) أي مربوط من «القرن» بالكسر، وهو حبل يجمع به البعيران، والبعير المقرون بآخر ژكالقرين. ومنه المقرّن، قال اللّه تعالى في سورة إبراهيم: «وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ» (2) . (ومن عمل علم) يعني هو العالم حقيقةً. (والعلم يهتف) بمنزلة الدليل. و «الهتف» بالفتح: الصوت. هتف به كضرب. و «ارتحال العلم» إمّا بنسيانه، أو بانعدام عزّته واعتباره، فلو اُطلق عليه اسم العالم فعلى التجوّز أو التهكّم. چنانكه قوّت پروازرا دوبال دهند، هميشه فايده؛ هم دهند علم وعمل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «الفاء» في «فمن» تفريعيّة. «فمن علم عمل» أمر في صورة الخبر، وكذا «من عمل علم» يمكن أن يكون الأمر هنا للإباحة، فراجَعَ إلى النهي عن طلب العلم قبل العمل بما علم كما يجيء في التالي للتالي. «ارتحل عنه» أي بعروض النسيان، أو انحطاط قدره ومنزلته. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «مقرون» أي قرن العلم مع العمل في كتاب اللّه وكلامه، كقوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» (3) ، وعلّق المغفرة والنجاة عليهما. «فمن علم عمل، ومن عمل علم» أمر في صورة الخبر، أي يجب أن يكون العلم مع العمل بعده، والعمل مع العلم قبله. «يهتف» أي يصيح ويدعو صاحبه بالعمل على طبقه، فإن أجابه وعمل استقرّ فيه وتمكّن، وإلّا ارتحل عنه بدخول الشكّ والشبهة عليه [ولو إلى] (4) ساعة الارتحال من دار الدنيا. ويحتمل أن يكون المراد بمقرونيّة العلم مع العمل عدم افتراق الكامل من العلم عن العمل بحسب مراتب كماله، وعدم افتراق بقاء العلم واستكماله عن العمل على وفق العلم. «فمن علم» أي علما كاملاً معتبرا مقبولاً باقيا «عمل». «ومن عمل علم» أي أبقى علمه واستكمله، تفصيل لما أجمل قبله. «والعلم يهتف بالعمل» أي مطلقا، فإن أجابه وعمل قوى واستقرّ وتمكّن في قلبه، وإلّا ضعف وزال عن قلبه. نعوذ باللّه . (5)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد».
2- . إبراهيم (14): 49.
3- . جاء في القرآن الكريم قريب من خمسين موردا ، منها في البقرة (2): 25 ، و 82 ، و 227.
4- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 143.

ص: 428

الحديث الثالثروى في الكافي عن العِدَّةٌ، عَن البرقي، عَنْ الْقَاسَانِيِّ ، (1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ، زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا».

هديّة :«زلّت قدمه»: كفر. و (الصفا) بالقصر: جمع صفاة، وهو الحجر الصلد لا ينبت. (2) ووجه الشبه الفيضان والقساوة؟ ومن القلوب كالحجارة، أو أشدّ قسوة. (3) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «بعلمه» أي بالمحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ ، الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الموعظة»: النهي عن الدخول في المحارم والمعاصي _ فعلاً كان أو تركا _ أو ذكر ما يليّن القلب من الثواب والعقاب. والمعنى: إذا لم يعمل العالم بمقتضى علمه، ونهى عن ارتكاب ما ارتكبه من ترك العمل بعلمه، أو ذَكَر الثواب والعقاب لتليين القلوب، لم يؤثّر نهيه أو ذكره ذلك في القلوب، إنّما يمسّها ويزلّ عنها كما يزلّ المطر عن الصفا. و «الصفا»: جمع صفاة، وهي الصخرة والحجر الأملس، فما كان من القلوب صوافي البواطن يُقبِل على العمل؛ لما فيها من الرقّة والصّفاء لا بتأثير موعظةٍ، (4) وما كان قاسية كدرته لا يستقرّ هذه الموعظة ولا تدخلها لتؤثّر، إنّما الاستقرار والدخول لموعظة العامل بعلمه. (5) انتهى. ذكر رحمه الله أعلى القلوب؛ يعني قلوب الحجج المعصومين عليهم السلام ، وأسفلها كفاية بفهمهما عن فهم الأوساط، وموعظة المعصوم لمثل سلمان وأبي ذرّ _ رضي اللّه عنهما _ كثيرة، فلا قدح في قوله: «لا بتأثير موعظة».

.


1- . في الكافي المطبوع: «عدّة من أصحابنا ، عن أحمدبن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن محمّدٍ القاساني».
2- . اُنظر: لسان العرب ، ج 14 ، ص 464 (صنو).
3- . اقتباس من الآية 74، البقرة (2).
4- . في المصدر: «موعظته».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 144.

ص: 429

الحديث الرابعروى في الكافي عَن عَلِيٍّ، (1) عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ، ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام:«مَكْتُوبٌ فِي الْاءِنْجِيلِ: لَا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا ما (2) عَلِمْتُمْ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلَا كُفْرا ، وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللّه ِ إِلَا بُعْدا».

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّبن إبراهيم».
2- . في الكافي المطبوع و هامش «ب»: «بما».

ص: 430

هديّة :(عن مثلها) دفع لتوهّم عنها على الاكتفاء. (ولمّا تعملوا) حاليّة. والأولى (ما عُلّمتم) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل؛ لما لا يخفى. و (لم يزدد) الثاني بمنزلة التعليل للأوّل. والتمادي في كفر المعصية قد ينجرّ إلى الكفر، كفر الارتداد. قال برهان الفضلاء: «الواو» في «ولمّا» للحال، والنهي في «لا تطلبوا» للتنزيه والأولويّة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا تطلبوا» أي إذا كان من شأن علمكم عدم التأثير فيكم، وعرفتم ذلك من أنفسكم بترك العمل بما علمتم، فالأصلح لكم ترك طلب العلم بما لا تعملونه من الأعمال. «لأنّ العلم إذا لم يُعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفرا» أي جحودا؛ فإنّ ترك العمل مع العلم جحود وعدمُ إقرارٍ بما عرفه وكفرٌ به، والجاهل لا يلزمه الإنكار، ولا يكون منه الجحود. فهاهنا ثلاث مراتب: الأوّل: الجاهل بالجهل الصرف بدون إنكار. الثاني: الجاهل بما يجب العلم به مع الإنكار، وهذا أسوء حالاً من الأوّل. والثالث: العالم به مع جحده، وهذا أسوأ حالاً منهما؛ فإنّ المعرفة في نفسها وإن كانت حسنة لكنّ الجحود بعدها من أقبح القبائح، والحالة الملتئمة منهما أسوأ [حالاً] (1) من الملتئمة من الإنكار والجهل، ومن الجهل الصرف بكثير. ثمّ مراتب الجحود مختلفة: فمنها: الجهل (2) على الإطلاق، وهو الخالي عن كلّ وجه من وجوه الإقرار بعد العلم، وهو كفر مطلق في الربوبيّة، أو التوحيد، أو الرسالة، أو ما هو من ضروريّات الدِّين. والثانية: الجحد بترك العمل مطلقا بعد الإقرار باللِّسان، وهذه كالاُولى في كونه كفرا مطلقا، وإنّما يجري في العمليّات. والثالثة: الجحد بترك العمل ببعض من الضروريّات بعد الإقرار باللِّسان، وهذا ليس كفرا مطلقا، بل هو كفر به. «ولم يزدد من اللّه إلّا بُعدا» أي من رحمته و ثوابه و نيل ما عنده؛ وذلك لأنّ في الجحود من استحقاق العقاب والبُعد عن المغفرة والثواب أكثر ممّا في الجهل والترك ، و في الإنكار معها. (3) انتهى. غرضه من مطلق الكفر في الربوبيّة، الجحد باللِّسان فقط؛ لثبوت المعرفة الفطريّة لكلّ مكلّف بالنصّ، وفي النصّ: أنّ الجحد بها جحد بمجرّد اللِّسان «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» (4) .

.


1- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
2- . في المصدر: «الجحد» مكان «الجهل».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 144 _ 145.
4- . الزخرف (43): 87 .

ص: 431

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بِمَ يُعْرَفُ النَّاجِي؟ قَالَ:«مَنْ كَانَ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقا، فَأَثْبِتْ لَهُ الشَّهَادَةَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقا، فَإِنَّمَا ذلِكَ مُسْتَوْدَعٌ».

هديّة :(من كان) أي مؤمن كان عاملاً بما علم عقلاً عن المعصوم ابتداءً أو بالواسطة. في بعض النسخ: «فإنمّا له الشهادة» والمعنى الظاهر عليهما: أشهد أنّه مؤمن حقّا. ويحتمل: أقبل شهادته لعدالته. والمشار إليه ل (ذلك) هو الموصول، على أن يكون «المستودع» بمعنى محلّ الوديعة والإيمان المفهوم سياقا ، إذا كان اسم المفعول. و المعنى: فإنّما ذلك مستودع هالك ، أوللّه سبحانه في المستودع المشيّة. ولا منافاة في أحاديثهم عليهم السلام وباب التوبة مفتوح للعالم والجاهل، لكن للعالم إلى قبل المعاينة وللجاهل إلى المعاينة كما سيجيء في الباب التالي للتالي، وتفسير آية سورة النساء: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ» (2) . قال برهان الفضلاء: يجيء هذا الحديث بتمامه المبيّن له في كتاب الإيمان والكفر في الباب الثالث والثمانين والمائة، باب في علامة المعار. والمراد ب «الناجي» الإماميّ، لا يُعذّب بجهنّم أصلاً، أولا يخلّد فيها. و «الفعل» هنا عبارة عن القدر المشترك بين عمل، أو حكم بالظنّ أو بالعلم. و «القول» عبارة عن الاعتراف بالقرآن، أو كتاب آخر من كتب الشرائع الإلهيّة؛ فإنّ جميعها متضمّن للمحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ. فموافقة الفعل والقول عبارة عن ترك اتّباع الظنّ في العمل والحكم. «فإنّما له الشهادة» أي ثابت له الشهادة بأنّه من الناجين في القيامة. «ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنّما ذلك» مكانُ لعارية الإيمان، بمعنى أنّه مؤمن رسميّ لا حقيقيّ، والمؤمن الرسمي من المستودعين كما مرّ في أواخر شرح الخطبة في شرح قوله: «فذاك في المشيّة، إن شاء اللّه تبارك وتعالى أتمّ إيمانه، وإن شاء سلبه إيّاه ، ولا يؤمن عليه أن يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ، أو يمسي مؤمنا و يصبح كافرا». وقال السيّد الأجلّ النائيني: «فإنّما له الشهادة» في بعض النسخ «فأبتّ له» بالباء الموحّدة قبل المنقوطة بنقطتين، من «البتّ». وسيذكر هذا الحديث في باب علامة المعار، وهناك: قلت: فَبِمَ يُعرف الناجي من هؤلاء جُعلت فداك؟ قال: «من كان قوله لفعله موافقا، فأتت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنّما ذلك مستودع». فلا يبعد أن يكون هنا أيضا: «فأتت» بالتاءين كما في ثمّة. أمّا على النسخة الاُولى: فمعناه: «من كان فعله لقوله موافقا» أي لما يقول به ويعتقده _ والمراد من «القول» الكلام الحاكي عن الاعتقاد _ «فإنّما له الشهادة» أي شهادة الشاهد بالنجاة، وهو موافقة الفعل للقول الدالّة على ثبوت الاعتقاد ورسوخه واستقراره حتّى يوصله إلى النجاة، فدلّ بأداة الحصر على انحصار الشهادة له مؤكّدة بتقديم الظرف. ومن لم يكن فعله لقوله ومعتقده «موافقا فإنّما ذلك مستودع» أي اعتقاده كالوديعة عنده يؤخذ ويسلب. أو المراد بالشهادة عدم غيبة المعرفة عن قلبه وحفظه لها، فيحصل النجاة بها. وأمّا على الثانية: «فأبتّ له الشهادة» أي فقطع له الشهادة، أي حضور الاعتقاد وحفظها عن الزوال والسلب عنه. أو المراد فقطع له شهادة شاهد النجاة بحفظ معرفته من السلب والزوال. وأمّا على موافقة ما في الحديث المنقول ثمّة: «فأتت له الشهادة بالنجاة» أي فجاءت وحصلت له شهادة شاهد النجاة، وهو موافقة الفعل للقول أو الاعتقاد بالنجاة. وظاهر أوّل الحديث على ما نقله ثمّة أنّ السؤال عمّن اعتقد الحقّ وقال به. (3) انتهى. قوله: «في بعض النسخ: «فأبتّ له» بالباء الموحّدة قبل المنقوطة بنقطتين» يعني على الماضي المجهول من باب الإفعال. «بتّه» _ كمدّ و فرّ _ : قطعه، كأبتّه فانبتّ، أي فانقطع. القاموس «البتّ: القطع كالإبتات، و الانبتات: الانقطاع». (4) واللّه أعلم بالصواب.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمدبن محمّد بن عيسى».
2- . النساء (4): 17.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 145 _ 146. بتفاوت يسير.
4- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 188 (بتّ).

ص: 432

. .

ص: 433

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ العِدَّةٍ، عَنْ البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي كَلَامٍ لَهُ خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ:«أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ؛ إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ عَنْ جَهْلِهِ، بَلْ قَدْ رَأَيْتُ أَنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَالْحَسْرَةَ أَدْوَمُ عَلى هذَا الْعَالِمِ الْمُنْسَلِخِ مِنْ عِلْمِهِ مِنْهَا عَلى هذَا الْجَاهِلِ الْمُتَحَيِّرِ فِي جَهْلِهِ، وَكِلَاهُمَا حَائِرٌ بَائِرٌ، لَا تَرْتَابُوا فَتَشُكُّوا، وَلَا تَشُكُّوا فَتَكْفُرُوا، وَلَا تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِكُمْ (2) فَتُدْهِنُوا، وَلَا تُدْهِنُوا فِي الْحَقِّ فَتَخْسَرُوا، وَإِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَفَقَّهُوا، وَمِنَ الْفِقْهِ أَنْ لَا تَغْتَرُّوا، وَإِنَّ أَنْصَحَكُمْ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُكُمْ لِرَبِّهِ، وَأَغَشَّكُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاكُمْ لِرَبِّهِ، وَمَنْ يُطِعِ اللّه َ يَأْمَنْ وَيَسْتَبْشِرْ، وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ يَخِبْ وَيَنْدَمْ».

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . في «ب» و «ج»: «في أنفسكم».

ص: 434

هديّة :(إذا علمتم) أي عقلاً عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (فاعملوا بما علمتم) أي من غير تصرّف من عندكم بالرّأي والقياس وادّعاء الكشف وغير ذلك من أسباب الضلالة والهلاك. (لعلّكم تهتدون) هداية موصلة إلى النجاة. (إنّ العالم العامل بغيره) أي بغير ما علمه عقلاً عن العاقل عن اللّه . و «الاستفاقة»: الخلاص من السكر والمرض. شبّه الجهل بهما. (على هذا العالم) عطف بيان ل (عليه) (1) ، أو بدل. واحتمال البيان من الراوي ليس بشيءٍ. (منها) صلة للأفْعَلين. (2) (لا ترتابوا) أي في الإمامة. (فتشكّوا) أي في الرسالة. (فتكفروا باللّه ) (ولا ترخّصوا لأنفسكم) أي في المعصية، معصية الرسول، واُولي الأمر منكم. (فتدهنوا) فتقعوا في المداهنة في أمر الدِّين حقّ الإمام، والمساهلة في مواعيد الكتاب والسنّة، فتكونوا من الخاسرين بالخسران المبين. الجوهري: المداهنة كالمصانعة، والادّهان مثله من الإفعال، كالادّهان من الافتعال. (ومن الفقه أن لا تغترّوا) أي بالأباطيل المحفوفة بأشياء من الحقّ كطريقة الصوفيّة القدريّة؛ فإنّ للإيمان سلسلة واحدة ممتدّة من لدن آدم إلى انقراض الدنيا، وللكفر في مقابله سلاسل شتّى، فكما أنّ الإيمان قائم دائما بالحجج المعصومين وشيعتهم، وفي شيعتهم في كلّ زمان فقهاء فضلاء. فالكفر قائم دائما بالطواغيت وتبعتهم، وفي أشياعهم مهراء في الشيطنة والنَكراء. ولمّا بالغ الشيطان في خدائعه في أواخر عمره في طريقة التصوّف؛ قصدا إلى إضلال الناجية من البضع والسبعين في هذه الاُمّة مع علمه بأنّ الزيارات والشفاعات وغيرهما من المُنجيات من ورائهم، وأنّهم لن يتهوّدوا ولن يتنصّروا ولن يتمجّسوا بالوسوسة، بُوِلغ (3) في أحاديث الأئمّة عليهم السلام في ردّ تلك الطريقة المهكلة؛ استبصارا للشيعة بكفرها المخبوء بأشياء من أسباب الإيمان. (وإنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه) أي بطاعة مفترض الطاعة. (ومن يطع اللّه ) أي بطاعة مفترض الطاعة. «بشّرني فاستبشرت»: سرّني فسررت، صرت مسرورا. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «رأيت» على المتكلّم وحده؛ إشارةٌ إلى أنّ استنباط ذلك من القرآن لا يتيسّر للرعيّة. «عليه» متعلّق ب «الحجّة». والضمير ل «العالم» العامل بغيره». «على هذا العالم المنسلخ من علمه»: بدل «من «عليه». «منها» متعلّق ب «الأعظم»، والضمير ل «الحجّة». «على هذا الجاهل» متعلّق بضمير «منها»؛ لأنّه الحجّة، فترك النظائر في «والحسرة أدوم» مع كونه عطفا على اسم «أنّ» وخبرها؛ للاختصار. والتقدير: «الحسرة عليه أدوم منها على هذا العالم المنسلخ من علمه». والأدوميّة باعتبار أنّ الحسرة تدرك العالم بموته، والجاهل بعد بعثه وحشره موافقا لما يجيء في كتاب الجنائز في الباب الثامن والثمانين، باب المسألة في القبر ومَن يُسأل ومَن لا يسأل. «لا ترتابوا» أي لا تطلبوا الشكّ فيما علمتم من محكمات القرآن فتقعوا في الشكّ فيها «فتكفروا» و «الدهن» بالفتح مصدر باب نصر. والإدهان على الإفعال بمعنى. والمراد هنا المداهنة والمساهلة. و «أن» في الموضعين مفسّرة أو ناصبة، فقوله: «تفقّهوا» إمّا على الأمر أو المضارع من التفعّل بحذف إحدى التائين أو من باب حَسُنَ أو علم. وقد مرَّ معنى الفقه والتفقّه في شرح السابع من الباب الثاني. و «الاغترار»: الانخداع، يعني من خلفاء الضلالة ومشائخ الصوفيّة، قال اللّه تعالى في سورة آل عمران: «لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ» (4) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ العالم العامل بغيره» أي بغير العلم، والعمل بالشيء إعماله، أو بغير ما علم وجوب العمل به من الأعمال. و «الباء» صلة. و «الحائر» هو الذي لا يهتدي بجهة أمره. و «الاستفاقة»: الرجوع إلى ما شغل عنه، وشاع في الرجوع عن السّقم إلى الصحّة. ومنه استفاقة المريض والمجنون والمغمى عليه. «بل قد رأيت» أي قد علمت علما قريبا من المعاينة. (5) والظرف متعلّق ب «الحجّة» والمتعلّق ب «أعظم» محذوف؛ اعتمادا على المذكور فيما يتلوا هذه القرينة، أو المذكور (6) متعلّق بكلّ منهما «المنسلخ من علمه» أي المُشْرِف على الإنسلاخ. «على هذا العالم» متعلّق بقوله: «أدوم»، والجملة معطوفة على: «قد رأيت» أو على مدخول «أنّ». «وكلاهما حائر باير» الباير: الهالك. «لا ترتابوا فتشكّوا» الريب: مصدر رابني الشيء، إذا حصل فيك الريبة. و «الرّيب» في الأصل تحصيل الرّيبة والإيصال إليها والإيقاع فيها. وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها. ومنه حديث الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلامقال: «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الشكّ ريبة، والصدق طمأنينة». (7) و «الارتياب»: الوصول إلى الرِيبة والوقوع فيها، أو اتّخاذ الريب بالمعنى المذكور. وليس الرّيب في هذا الحديث مستعملاً في الشكّ أو التّهمة أو غيرهما من لوازم معناه الأصلي وملزوماته التي شاع استعماله فيها. والمراد: لا توقعوا أنفسكم في القلق والاضطراب بالتوغّل في الشبهات، أو بمعارضة العلم في مقتضاه من العمل فينتهي أمركم إلى أن تشكّوا في العلوم و المتيقّن لكم. «ولا تشكّوا» أي لا توقعوا أنفسكم في الشكّ واحذروا من طَرَيانه على العلم. «فتكفروا» أي يوصلكم إلى الكفر وينتهي إلى الشكّ فيما يكون الشكّ فيه كفرا. «ولا ترخّصوا لأنفسكم» أي لا تسهّلوا لأنفسكم أمر الطاعة والعصيان، ولا تخفّفوا عليها ما شدّد اللّه عليها من حقوقه. «فتدهنوا» أي تظهروا وتقولوا خلاف ما تضمرونه، أو تليّنوا عند إظهار الباطل ولا تنكروه. والإدهان: إظهار خلاف ما يضمر، أو المقاربة في الكلام والتبيين. (8) «لا تدهنوا في الحقّ فتخسروا» أي لا تدهنوا فيما تعرفونه بالحقّيّة «فتخسروا» (9) أي فيحصل لكم النقص في المعرفة الحاصلة لكم أو في رأس مالكم الذي هو الإيمان. «وإنّ من الحقّ أن تفقّهوا» أي من حقوق اللّه وممّا أوجبه عليكم أن تتفقّهوا. والتفقّه: تعلّم الفقه وتحصيل المعرفة بجميع ما هو معدود من العلوم الشرعيّة باُصولها وفروعها. «ومن الفقه أن لا تغترّوا» أي لا تنخدعوا بالباطل، ولا تطعموا فيه. و «النصيحة»: إرادة الخير للمنصوح له، وهي اسم من النَصْح بالفتح، وهو فعل النصيحة. و «الغشّ»: خلاف النصيحة، وهو إظهار خلاف ما أضمر، والاسم منه «الغشّ» بالكسر. في بعض النسخ: «ويسترشد» مكان «ويستبشر» استبشرت به _ على المعلوم _ : صرت مسرورا. (10) و «الخيبة»: الحرمان والخسران وعدم نيل المطلوب. «يندم» أي على تفويت الفرصة (11) . (12)

.


1- . في «الف»: «عليه» بدون اللام.
2- . يعني «أعظم» و «أدوم».
3- . جواب لقوله: «لمّا بالغ».
4- . آل عمران (3): 196.
5- . في المصدر: + «أنّ الحجّة على هذا العالم أعظم من الحجّة على هذا الجاهل».
6- . في المصدر: + «فيما يتلوها».
7- . كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 158؛ بحارالأنوار ، ج 71 ، ص 214 ، ذيل الحديث 47، و فيهما: «فإنّ الكذب ريبة».
8- . في المصدر: «والتليين».
9- . في «ب» و «ج»: - «فيما تعرفونه بالحقّيّة فتخسروا».
10- . من قوله: «و في بعض النسخ _ إلى _ صرت مسرورا» لم يرد في المصدر.
11- . قوله: «يندم ، أي على تفويت الفرضة» لم يرد في المصدر.
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 147 _ 149.

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ:«إِذَا سَمِعْتُمُ الْعِلْمَ فَاسْتَعْمِلُوهُ، وَلْيَتسِعْ قُلُوبُكُمْ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا كَثُرَ فِي قَلْبِ رَجُلٍ لَا يَحْتَمِلُهُ، قَدَرَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ، فَإِذَا خَاصَمَكُمُ الشَّيْطَانُ، فَأَقْبِلُوا عَلَيْهِ بِمَا تَعْرِفُونَ؛ فَ «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا» ». فَقُلْتُ: وَمَا الَّذِي نَعْرِفُهُ ؟ قَالَ: «خَاصِمُوهُ بِمَا ظَهَرَ لَكُمْ مِنْ قُدْرَةِ اللّه ِ تبارك و تعالى».

هديّة :(إذا سمعتم العلم) أي المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ابتداء أو بالواسطة الثقة على ما صحّ من طريق الأخذ والحفظ (فاستعملوه) أي فاطلبوا فوائده بالعمل بمقتضاه. (وليتّسع قلوبكم) إمّا أمر _ كنايةً _ بترك زيادة الطلب عن قدر الاحتياج للعمل، أو أمر بطلب العلم عن مأخذه الذي يتّسع قلب الطالب بنوره ببركة المأخوذ عنه، ويقوى ويأمن من غلبة الشيطان عند مخاصمته بالشكوك والشبهات. (فإنّ العلم) أي القدر المشترك بين ما هو علم حقيقة وما سمّي بالعلم، وليس علما (إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله) أي لأنّه أخذ زيادة عن قدر الاحتياج، أو أخذه من غير مأخذه الموصوف. (بما تعرفون) أي بالعلم الذي تعلمون بمعرفة الإمام؛ ف «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَ_نِ كَانَ ضَعِيفًا» (2) لن يقاوم بمكائده ووساوسه وشبهاته مع ما هو الحقّ، والحقّ غالب على الباطل دائما وإن كان الباطل بالتدليس والتلبيس ملبّسا بلباس الحقّ. (قال خاصموه بما ظهر من قدرة اللّه تبارك وتعالى) يعني من علوم حججه المعصومين، العالِمين بخبر السماوات والأرضين، الصادقين بالمعجزات والدلالات،الممتازين عن الجميع حسبا ونَسَبا عند المؤالف والمخالف إلى آدم عليه السلام . أو المعنى: بما ظهر من حجج اللّه ومعجزاتهم و ودلالاتهم وعلومهم بحيث ملأت مشارق الأرض ومغاربها. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «إذا سمعتم العلم» أي ما هو سبب العلم، كمحكمات القرآن. «فاستعملوه» أي في سؤال أهل الذِّكر عليهم السلام ولوازمه. «فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفا» ناظر إلى آية سورة النساء «بما ظهر لكم من قدرة اللّه » أي بالعلوم التي ظهرت بخلقه تعالى محمّدا وأوصيائه الاثني عشر صلوات اللّه عليهم. يعني وازنوا علمكم وفضلكم بعلمهم وفضلهم؛ لئلّا يؤدّي علمكم إلى العُجْب المؤدّي إلى عبادتكم أنفسكم، فتهلكوا بالغرور بالمعارف من عندكم، والحكم بظنونكم وآرائكم. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إذا سمعتم فاستعملوه» المراد بالعلم المُذْعَنُ به، لا نفس التصديق والإذعان؛ فإنّ التصديق والعلم يُطلق على المعلوم المذعن به. والمقصود أنّه بعد حصول العلم ينبغي الاشتغال بإعماله (3) على وفقه عن طلب علمٍ آخرَ قبل إعماله، فاحفظوه واربطوه بالعمل لتكونوا عالمين، حافظين للعلم من الزوال. «وليتّسع قلوبكم» أي يجب أن يتّسع قلوبكم لما علمتم. والمراد أنّه يجب أن يكون طلبكم للعلم بقدر يتّسعه قلوبكم، ولا تستكثروا منه؛ «فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجلٍ لا يحتمله»، ولا يكون قلبه متّسعا له قادرا على ضبطه، «قدر الشيطان» بتلبيس الشبهات «عليه» حتّى يتشكّك فيما علمه ويترك العمل به. «فإذا خاصمكم الشيطان، فأقبلوا عليه بما تعرفون» تنبيه على دفع ما يتوهّم من أنّ القناعة من العلم بما يتّسعه القلب تؤدّي إلى العجز عن مخاصمة الشيطان، والاستكثار منه من أسباب القوّة على معارضته ودفعه. وجوابه: أنّ الإقبال على الشيطان بما تعرفون من العقائد المعتبرة في أصل الإيمان يكفي في دفعه «فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفا». والمراد بقوله: «خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه تعالى»: خاصموه بآثار قدرته، الدالّة على إلهيّته وتوحيده، الظاهرة في أنفسكم وفي العالَم. وبآثار قدرته، الظاهرة في الرسول وعلى يده، الدالّة على رسالته. وبآثار قدرته الظاهرة في الوصيّ من فطانته وعلمه وصلاحه بعد تنصيص النبيّ صلى الله عليه و آله على عينه أو صفاته. (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . النساء (4): 76.
3- . في المصدر: + «والعمل».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 150 _ 151.

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

الباب الخامس عشر : بَابُ الْمُسْتَأْكِلِ بِعِلْمِهِ وَالْمُبَاهِي بِهِوأحاديثه كما في الكافي ستّة.

الحديث الأوّلروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى؛ وَعَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا، عَنْ حَمَّادِ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ (1) ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ دُنْيَا، وَطَالِبُ عِلْمٍ؛ فَمَنِ اقْتَصَرَ مِنَ الدُّنْيَا عَلى مَا أَحَلَّ اللّه ُ لَهُ، سَلِمَ؛ وَمَنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا، هَلَكَ إِلَا أَنْ يَتُوبَ أَوْ يُرَاجِعَ؛ وَمَنْ أَخَذَ الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ وَعَمِلَ بِعِلْمِهِ، نَجَا؛ وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا، فَهِيَ حَظُّهُ».

هديّة :(المستأكل بعلمه) أي الذي يطلب أكل أموال الناس من غير حلّها بفقاهته من شغل الفتوى بغير حقّ أو غيره من الوجوه. (والمباهي به) أي المفتخر به على وجه الاستكبار. روى الصدوق رحمه الله في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن حمزة بن حمران، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «من استأكل بعلمه افتقر» فقلت: جُعلت فداك، إنّ في شيعتك ومواليك قومٌ يتحمّلون علومكم، ويبثّونها في شيعتكم، ولا يعدمون منهم البرّ والإحسان والصّلة والإكرام؟ فقال عليه السلام : «ليس اُولئك المستأكلين، إنّما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علمٍ ولا هدىً من اللّه عزّ وجلّ ليبطل به الحقوق؛ طمعا في حُطام الدنيا». (2) وأيضا بإسناده عن عبدالسّلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرِّضا عليه السلام يقول: «رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا» فقلت له: وكيف يُحيي أمركم؟ قال: «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس؛ فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا» قال: فقلت: ياابن رسول اللّه ، فقد روي لنا عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «مَن تعلّم علما ليماري به السّفهاء، أو يُباهي به العلماء، أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار؟» فقال عليه السلام : «صدق جدّي، أفَتَدري مَن السّفهاء؟» فقلت: لا يا ابن رسول اللّه ، قال: «هم قصّاص مخالفينا، (3) وَتَدري مَن العلماء؟» فقلت: لا يا ابن رسول اللّه ، قال: «هم علماء آل محمّد صلى الله عليه و آله ؛ الذين فرض اللّه طاعتهم وأوجب مودّتهم»، ثمّ قال: «و تدري ما معنى قوله: أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟» قلت: لا، قال: «يعني بذلك _ واللّه _ ادّعاء الإمامة بغير حقّها، ومَن فعل ذلك فهو في النار». (4) قوله عليه السلام : «ليماري به» على المعلوم، من الممارات بمعنى المجادلة والمخاصمة. ولعلّ المراد بقصّاص المخالفين: علماؤهم المبالغون في مديح طواغيتهم. و«المنهوم»: الحريص من النَهَم بالتحريك، وهو إفراط الشهوة في الطعام. نَهِمه _ كعلم _ نهما، ونُهِم بكذا، وهو منهوم؛ أي مولع به حريص عليه. والنَّهْمَة بالفتح: بلوغ الهمّة في الشيء. (5) (لا يشبعان) على المعلوم، من باب عَلِمَ. في بعض النسخ: «طالب الدنيا، وطالب العلم». (فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلَّ اللّه له سلم) إشارةٌ إلى حديث: «الدنيا دنياآن» (6) ودلالةٌ على أنّ الحريص على الدنيا الحلال ليكفّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصِل به رحِمهُ ممدوحٌ، كالحريص على أخذ العلم عن أهله ليعمل به. (أو يراجع) الظاهر أنّه ترديد من الراوي. واحتمال: أو يراجع بالمال إلى صاحبه في الآخرة، كما ترى. (من أهله) أي الذين لا يتطرّق إلى علمهم الغلط؛ للعقل عن اللّه بالعصمة. وفي حكم أهل العلم في صحّة الأخذ عنهم ثقات علماء شيعتهم الذين رُخّص في الأخذ عنهم عند عدم التمكّن من لقائهم عليهم السلام . (ومن أراد به الدنيا فهي حظّه) أي في الدنيا، «و ما له في الآخرة من نصيب» . (7) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «طالب دُنيا وطالب علم» أي حريص على مالها، وحريص على طلبه. «أو يراجع» أي بالمال إلى صاحبه في يوم الحساب لو لم يستغرق المال حسنات الغاصب؛ فإنّ الظالم الذي يستوعب المظلمة حسناته لا يُغفر، بخلاف الذي يبقى له من حسناته بعد المراجعة بين الغاصب والمغصوب منه في القيامة، قال اللّه تعالى في سورة البقرة: «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (8) . ويجيء _ في كتاب الإيمان والكفر في الأوّل من الباب الخامس والتسعين والمائة باب في أنّ الذنوب ثلاثة _ ما يوافق مضمونه هذا من قوله: «وأمّا الذنب الذي لا يغفر، فمظالم العباد بعضهم لبعض _ إلى قوله _ : فيقتصّ للعباد بعضهم من بعضٍ حتّى لا تبقى لأحدٍ على أحدٍ مظلمةٌ، ثمّ يبعثهم للحساب». و«من» في «من أهله» تبعيضيّة أو ابتدائيّة. والضمير على الأوّل راجع إلى مصدر الأخذ أو إلى العلم، وعلى الثاني إلى العلم. والمراد ب «أهله» على الأوّل: من يستحقّ أن يأخذ العلم، فاحترازٌ عن الذي قَصْده من أخذ العلم حُطام الدنيا لا ثواب الآخرة. وعلى الثاني: من يقوم برهان عقليّ أو نقليّ على أنّه من العلماء الذين افترض اللّه طاعتهم وأمر بسؤالهم عند المشكلات والمتشابهات. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «النَهَم»: إفراط الشهوة في الطعام وشدّة الحرص عليه. شُبّه إفراط الشهوة في طلب الدنيا وطلب العلم، وشدّة الحرص عليهما بإفراط الشهوة في الطعام و شدّة الحرص عليه، واستعمل الموضوع له فيهما. «طالب الدنيا» أي من يكون مطلوبه الدنيا لنفسها لا لرفع الحاجة؛ فإنّ طالبها لرفع الحاجة طالب الكفاية. (9) «وطالب علمٍ» أي من يكون شهوته في طلب العلم لحصول العلم له، فهذان لا يشبعان، ولا يصلان إلى حدّ يزول شهوتهما في الزيادة؛ حيث لا نهاية لهما، ولا انزجار للقوى الإنسانيّة عنهما. ولمّا حكم بأنّهما لا يشبعان ولم يكن فيه تفصيل حالهما، فصّله بقوله: «فمن اقتصر من الدنيا المطلوبة له على ما أحلَّ اللّه له» وكفّ عمّا حرّمه عليه «سلم» عن الهلاك بارتكاب ما حرّمه اللّه عليه منها، واستحقاق العقاب وإن كان فيه شهوة الطلب «ومَنْ تناولها من غير حلّها» يهلك بارتكاب المحرّم واستحقاقه العقاب. ولم يتعرّض في التفصيل لذمّ الرغبة في الدنيا، بل اقتصر على ما هو مناط الهلاك والنجاة عنه صريحا، ويعلم منه كون الموصل إلى الهلاك غالبا مذموما. ولمّا حكم بهلاكه مطلقا استثنى منه مَن حصل له النجاة بالتوبة، أو بأن يراجع (10) اللّه عليه بفضله وقبوله وهو توّاب على عباده، والتوبة بشروطها يحصل بها النجاة لكلّ من يتوب. وأمّا النجاة بمراجعة اللّه بفضله على العبد فلمن يستحقّ فضل اللّه وقبوله، ويتوب اللّه عليه؛ فإنّ من تناولها من غير حلّها في الجملة وفي بعض الأحوال دون بعض، ربّما يكون بكثرة الطاعة والاجتناب عن أكثر الكبائر مستحقّا لأن يتوب اللّه عليه ويراجعه بفضله وقبوله، فيُنجيه من الهلاك وتشديد الأمر عليه بالعقاب وقال: «إلّا أن يتوب، أو يراجع» على البناء للمجهول، أي يراجعه اللّه بفضله. أو على البناء للفاعل، أي يراجع اللّه ذلك المتناول من غير الحلّ في الجملة، ويكون كثيرَ المراجعة إلى اللّه بالطاعات وترك أكثر الكبائر من المعاصي، فيراجع اللّه عليه بفضله؛ لاستحقاقه له بمراجعته إلى اللّه . «ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا» تفصيل لحال طالب العلم بأنّ النّجاة لمن أخذ العلم من أهل العلم، وهو العالم المأخوذ علمه من المأخذ الذي يجب الأخذ عنه، العامل بعلمه، المطابق قوله لفعله. والمراد ب «العلم المأخوذ»: ما يشمل المسائل والأدلّة الشرعيّة والبراهين العقليّة. وب «أهله»: من يكون عالما بها بالأخذ عمّا يجب الأخذ عنه من النظر العقلي، والرجوع إلى الحجّة ولو بوسائط وعمل به. (11) فحصول النجاة بالعلم المقرون بالعمل به. وما ذكر إنّما يكون لمن يريد العلم لحقّيّته وللعمل على وفقه ومقتضاه ويترتّب عليه. ومن لم يعتقد (12) بالأخذ من أهل العلم ولم يعمل بعلمه، فلا يكون همّه بالعلم لتحقيق الحقّ والعمل به، إنّما همّه بطلب العلم ليقال: إنّه عالم، ويتبعه الجهّال، ويراجعه السلاطين، أو الأكابر من أهل الدنيا ليرخّص لهم فيما يريدونه من المحظور، فيأكل من عطاياهم وجوائزهم، ويترأّس بقربهم على من لا رئاسة له عليه، وهو الذي عبّر عنه بقوله عليه السلام : «ومن أراد به الدنيا فهي حظّه» أي نصيبه وما يصل إليه من طلبه العلم. وليس له من العلم والعمل المترتّب عليه، والنجاة المترتّب عليهما حظّ، إنّما حظّه دنياه التي نالها بطلبه. (13) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا» هذا من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ العلم عنهم عليهم السلام ولا يجوز الاستقلال بالأفكار في العقائد (14) ؛ لأنّ المستقلّ بفكره، أي الذي لم يأخذ المقدّمتين عنهم عليهم السلام كثيرا مّا يُخطئ في مادّة أفكاره. (15)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمربن اُذينة».
2- . معاني الأخبار ، ص 181 ، باب معنى الاستئكال بالعلم» ؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج 2 ، ص 117 _ 118 ، ح 14.
3- . في المصدر: «من مخالفينا».
4- . معاني الأخبار ، ص 181 ، باب معنى قول الصادق عليه السلام من تعلم علما ليماري به السفهاء أو... ، ح 1؛ عيون أخبار الرضا ، ج 2 ، ص 275 ، ح 60 . و روي عنهما في بحارالأنوار ، ج 2 ، ص 30 ، ح 13.
5- . راجع: القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 184؛ لسان العرب ، ج 12 ، ص 593 (نهم).
6- . المرويّ في الكافي ، ج 2 ، ص 131 ، باب ذم الدنيا و الزهد فيها ، ح 11 ، و ص 317 ، باب حبّ الدنيا و الحرص عليها ، ح 8؛ و عنه في بحارالأنوار ، ج 70 ، ص 20 ، ح 9.
7- . الشورى (42): 20.
8- . البقرة (2): 81 .
9- . في «ب» و «ج»: «للكفاية».
10- . في المصدر: «يرجع».
11- . من قوله: «و بأهله _ إلى _ و عمل به» لم يرد في المصدر.
12- . في المصدر: «لم يتقيّد».
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، 151 _ 153.
14- . في المصدر: + «والأعمال».
15- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 94 .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

الحديث الثانيروى في الكافي عَن الاثنين، عَنْ الْوَشَّاءِ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْاخِرَةِ نَصِيبٌ؛ وَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرَ الْاخِرَةِ، أَعْطَاهُ اللّه ُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ».

هديّة :يعني من طلب العلم من مأخذه الذي مأخذه الحجج (2) المعصومين العاقلين عن اللّه سبحانه لخصوص منفعة الدنيا، أو لحرام منفعتها لم يكن له في الآخرة نصيب من الثواب. ومن أراد به خير الآخرة بالتعلّم والعمل به، والتعليم للّه تبارك وتعالى أعطاه خير الدنيا والآخرة. وفي الحديث دلالة بيّنة على أنّ العلم الحقيقي لا يحصل للرعيّة في اُمور الدِّين إلّا بالأخذ عن مأخذه الحقيقي الذي مأخذه خزائن علم اللّه تبارك وتعالى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: يعني من طلب علم الحديث لمنفعة الدنيا، كمنصب الفتوى والقضاء لم يكن له في الآخرة نصيب من الجنّة. ومن أراد به خير الدنيا والآخرة أعطاه خير الدنيا من العزّة وسعة الرزق ونحوهما، وخير الآخرة من النجاة ودخول الجنّة ورفعة الدرجة.

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْاَ?ْبَهَانِيِّ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْاخِرَةِ نَصِيبٌ».

هديّة :بيانه كسابقه.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- . في «الف»: «علم الحجج».

ص: 447

الحديث الرابعروى في الكافي بهذا الإسناد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ مُحِبّا لِدُنْيَاهُ، فَاتَّهِمُوهُ عَلى دِينِكُمْ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لِشَيْءٍ يَحُوطُ مَا أَحَبَّ» . وَقَالَ عليه السلام :«أَوْحَى اللّه ُ تعالى إِلى دَاوُدَ عليه السلام : لَا تَجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَالِما مَفْتُونا بِالدُّنْيَا؛ فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي؛ فَإِنَّ أُولئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِيَ الْمُرِيدِينَ، إِنَّ أَدْنى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِ عَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ».

هديّة :(محبّا لدنياه) أي لحرامها. وفي الحديث كما رواه الصدوق رحمه الله في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «ليس منّا من لم يحبّ جمع المال من الحلال ليكفّ به وجهه، ويقضي به دَينه ويصِل به رحمه». (1) (فاتّهموه على دينكم) أي فاقطعوا بأنّه ضرر دينكم بعدم موافقة قوله لفعله، أو ظنّوه كذا. يُقال: اتَّهَمه بمعنى ظنّه كتَوَهَّمه، وظَنَّه بمعنى علمه كثير. وقيل: يعني فاعتقدوه متّهما في قوله وفعله صونا على دينكم. (2) و«الحوط» و«الحياطة»: الحفظ والصيانة. يعني فإنّ كلّ محبّ مع محبوبه ويراعي جانبه. وحبّ الدِّين وحبّ الدنيا الحرام كحبّ أمير المؤمنين عليه السلام وحبّ الثاني _ مثلاً _ لا يجتمعان في قلبٍ قطّ. لمّا كان البغض الكامن من المهلكات كالسمّيّات فلذا تمحّل المخالفون برضاه عليه السلام على قتل الثالث باستحباب بغضه على قدر شعيرة. فأظهروا على المنابر ورؤوس الخلائق؛ فرارا عن بلائه المبرم، وقصدا إلى الخلاص من المرض الباطني المهلك اُظهر أو لم يُظهر. (لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدُّنيا) كالمدّعي لعلم الدِّين بالكشف من دون استناد في علمه إلى الحجّة المعصوم المنحصر عدده في حكمة اللّه سبحانه. أي لا تجعله وسيلة التقرّب إليّ ظنّا منك بادّعائه وادّعاء رهطه المريدين أنّه صاحب الكشف والكرامات، وعالِم بالأسرار والخفيّات، وهو بتركه للدُّنيا مفتون بها كمن ترك الدنيا للدُّنيا، والدليل على ذلك أنّه يحبّ كثرة المريدين من الحمقاء، ويدّعي المكاشفة بالرياضة الممنوعة شرعا، ويُظْهِر العلم بالأسرار وحقائق الأشياء من دون أن يكون حجّة معصوما منصوصا، أو تابعا له فيما أمر به ونهى عنه. قال برهان الفضلاء: «يحوط» على المضارع المعلوم من باب نصر، أو التفعيل. و«الحوط» و«التحويط»: المحافظة والرعاية. و«ما» مصدريّة، أو موصولة. فعلى الأوّل: المصدر نائب عن ظرف الزمان والعائد مقدّر، فبمعنى: يحوطه مدّة حبّه إيّاه، فلو زال الحبّ لزال الحوط. وعلى الثاني: من قبيل وضع الظاهر موضع الضمير لإفادة التعليل، فبمعنى: يحوطه لحبّه إيّاه. والمراد بنزع حلاوة المناجاة من قلوبهم: عدم توفيقهم للرجوع إلى محكمات الكتاب والسنّة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «يحوط ما أحبّ» أي كلّ محبّ لشيء يحفظه ويتعهّد من هذا الشيء ومن مقابله ما أحبّ، وحبّه (3) المقابل للشيء المنافي له لا يجامع حبّ ذلك الشيء؛ فمن أحبَّ الدنيا لم يحبّ الآخرة كما في قول أمير المؤمنين عليه السلام : «فمَن أحبّ الدنيا وتولّاها أبغض الآخرة وعاداها». (4) وللإشعار إلى ما ذكر قال: «يحوط ما أحبّ» ولم يقل: «يحوطه». ومن المعلوم أنّ حفظ الدنيا وتعهّدها لا يجامع إظهار الحقّ والعمل به غالبا، فمن يحوطها يميل إلى الباطل كثيرا، فكلّ قول وفعل منه مظنّة كونه من الكثير الغالب، فينبغي أن يتّهمه العاقل ويسيء الظنّ به، ولا يأتمنه على دينه، ولا يعتمد عليه في أخذ العلوم الدينيّة. «لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدُّنيا» أي لا تجعل المفتون بالدُّنيا أي المُعجَب بها بين اللّه وبينك وسيلةً إلى حصول معرفة اللّه ومعرفة دينه وشريعته التي شرّعها لعباده، «فيصدّك» ويمنعك «عن طريق محبّتي» بالترغيب إلى الدنيا، وتهييج الشهوة إلى طلبها، وتشييد محبّتها في القلب. «فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين»؛ لأنّهم يُميلون الناس من الرغبة إلى اللّه وإلى الآخرة إلى الرغبة في الدنيا وأسبابها، أو لأنّهم بإراءتهم للناس أنّهم علماء أمالوا الناس من طلب العالم الربّاني إلى الرجوع إليهم والأخذ عنهم، فأضلّوهم عن السبيل إليه. «أدنى ما أنا صانع بهم» أي أقلّ ما أجزيهم بكونهم مفتونين بالدُّنيا، وذلك لمن فيه أقلّ مراتب الافتتان، وهو المتحرّز عن تناولها لا من حلّها مع حبّه لها «أن أنزع حلاوة مناجاتي» أي الحكاية معي والدّعاء وعَرْض الحاجة عليَّ من قلبه، وذلك لشغل قلبه بالدُّنيا عن اللّه سبحانه وعن حقوقه، فلا يدرك حلاوة المناجاة؛ لشغل قلبه بغير من يناجيه، أو لأنّ إدراكه لكيفيّة المناجاة وطعمها مشوب بإدراك كيفيّة نيل الدنيا وطعمها، وهي مرّة في ذاتها وإن وافقت ذائقته، فلا يخلص له حلاوة المناجاة مع ربّه ، فهو سبحانه بتركه على افتتانه نَزَع حلاوة المناجاة عن قلبه. ولا يبعد أن يقال: المراد بالمناجاة هنا معناه الأصلي من المسارّة، و الحكاية بالسرّ؛ فإنّ في الإسرار مع الحبيب حلاوةً ليس في الإظهار، وهو لحبّه للدُّنيا وافتتانه بها يحلو (5) عنده وفي ذوقه الإظهار دون الإسرار. (6)

.


1- . الفقيه ، ج 3 ، ص 167 ، ح 3615؛ الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 4 ، ح 10. و في المصادر: «لاخير فيمن لا يحب» بدل «ليس منا من لم يحب».
2- . قاله في الوافي ، ح 1 ، ص 213.
3- . في المصدر: «محبّة».
4- . نهج البلاغة ، ص 486 ، الحكمة 103؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 129 ، ح 134.
5- . في جميع النسخ: «يخلو» بالمعجمة ، و ما أثبتناه من المصدر، و هو الصحيح.
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 153 _ 155.

ص: 448

. .

ص: 449

الحديث الخامسروى في الكافي عَن الأربعة، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّه ِ، وَمَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ، فَاحْذَرُوهُمْ عَلى دِينِكُمْ».

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوقلي ، عن السكوني».

ص: 450

هديّة :يعني العلماء من الرعيّة اُمناء الرُّسل وأوصياؤهم بدليل: (ما لم يدخلوا في الدنيا) أي حرامها تبعا للسلطان الجائر طمعا فيها من غير تقيّة أو ضرورة اُخرى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني علماء الأحاديث اُمناء حجج اللّه في الاُمم في الدنيا، أي في محبّتها. «وما دخولهم في الدنيا؟» أي وما علامة دخولهم فيها. والمراد ب «السلطان»: الجائر من الملوك. «فاحذروهم على دينكم» أي فاحترزوا عن ضرر فتاويهم ظنّا على دينكم. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «اتّباع السلطان»: اتّخاذ طريقته قدوةً واستحسان ما حسّنه، واستقباح ما قبّحه، والاهتمام بفعل ما يرتضيه وترك ما ينكره. «فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم» أي فاحذروهم محافظةً على دينكم، أو خوفا منهم على دينكم، ولا تراجعوهم للسؤال عن المعارف الإلهيّة والمسائل الدينيّة. (1)

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ النيسابوريّين، (2) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ رِبْعِيِّ (3) ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ يُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ إِنَّ الرِّئَاسَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَا لِأَهْلِهَا».

هديّة :قد علم بيانه بذكر الحديث عن أبي الحسن الرِّضا عليه السلام في هديّة الأوّل. في بعض النسخ: «عن حريز» مكان «عن ربعي» وكلاهما من الثقات. «تبوّأ من كذا»: اتّخذه منزلاً. الجوهري: تبوّأتُ منزلاً: نزلتُه، وبوّأت له منزلاً هيّأت ومكّنته فيه. (4) والمراد ب «الرئاسة» هنا: الإمارة في الدِّين، وب «أهلها»: حجج اللّه المعصومون المنصوصون، فتعريض على أئمّة الضلالة. قال برهان الفضلاء: يعني من طلب العلم للمغالبة بفضله وبهائه على العلماء من أهل البيت عليهم السلام أو ليجادل به السفهاء بالاستدلالات الظنّيّة في المسائل المختلَف فيها بين المجتهدين في اصطلاح المخالفين، أو يصرف بالقضاء والإفتاء وجوه الناس إلى جانبه؛ فإنّ رئاسة أهل الإسلام لا تصلح إلّا للعالم بجميع المسائل الدينيّة بلا اتّباع منه للظنّ بالاستدلالات الظنّية فيما يجري فيه، وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «المباهاة»: مفاعلة من البهاء، ومعناه (5) المغالبة في الحُسْن؛ أي فيما يعدّ من المحاسن والمفاخر. و«المماراة»: المجادلة والمنازعة. والمراد أنّ من طلب العلم لتحصيل الرئاسة. و من وجوهها التي تناسب طلب العلم: المفاخرة، وادّعاء الغلبة به، وذلك مع العلماء لا يصل إلى النزاع والجدال؛ حيث لا يمارون بعلمهم؛ لقبحه، (6) فيسلّم له المفاخرة وادّعاء الغلبة مع الجهّال المتلبّسين بلباسهم يورث النزاع والجدال، وإذا كانت الرئاسة مطلوبةً له يماري ويجادل ليظهر غلبته عليهم. ومنها: صرف وجوه الناس إليه، (7) فيما ينبغي المراجعة فيه إلى من هو أهل الرئاسة. ولا ينتقل الذهن إلى وجهٍ آخر من الرئاسة يناسب طلبَ العلم ولا يؤول إلى ما ذكر عليه السلام . «فليتبوّأ مقعده من النار» أي فلينزل مكانه ومقرّه من النار، أو فليتّخذ مقرّه ومكانه من النار. «إنّ الرياسة لا تصلح إلّا لأهلها» دليل لما قبله. وأهل الرئاسة من أوجب اللّه على عباده المراجعة إليه، والأخذ عنه، والتسليم لأمره، وتحمّلها بالنسبة إليهم من التكاليف الشاقّة حيث لا يريدونها؛ لما عرفوه بعقولهم الكاملة ومعارفهم الربّانيّة من الفضل في تركها وعدم إرادتها، فهم يفعلون فعل الرؤساء في زيّ (8) الفقراء، ولا يزدادون بفعلهم ورئاستهم إلّا كسر أنفسهم، كما في دعاء بعضهم عليهم السلام : «اللّهُمَّ لا تجعل لي عزّا ظاهرا إلّا وجعلت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها (9) ». (10)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 155.
2- . يعني: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان».
3- . في الكافي المطبوع: «ربعي بن عبداللّه ».
4- . الصحاح ، ج 1 ، ص 370 (بوأ).
5- . في المصدر: «معناها».
6- . في المصدر: «لعلمهم بقبحه».
7- . في المصدر: + «من العالم الرباني ، فيحصل له الرئاسة بمراجعة الناس إليه».
8- . في جميع النسخ: «ذوي» مكان «زيّ». وما أثبتناه من المصدر.
9- . الصحيفة السجّاديّة، ص 93، الدعاء 20.
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 156.

ص: 451

. .

ص: 452

. .

ص: 453

باب لزوم الحجّة على العالم وتشديد الأمر عليه

الباب السادس عشر : بَابُ لُزُومِ الْحُجَّةِ عَلَى الْعَالِمِ وَتَشْدِيدِ الْأَمْرِ عَلَيْهِوأحاديثه في الكافي أربعة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ:«يَا حَفْصُ، يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْبا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ».

هديّة :بيان العنوان: إنّ العالم الذي في عداد علماء الإسلام ليس له عذر إذا عصى ولا يسمع منه، وحاله في (لزوم الحجّة وتشديد الأمر عليه) أسوأ من الجاهل الذي في مقابله وإن كان عالما بحرمة ما فعل، أو وجوب ما ترك فضلاً عن الجاهل بهما، كما يشدّد على الصغير في تأديبه بأكثر ممّا في تأديب الأصغر، ولعلّ «السبعين» كناية عن الكثرة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : هذا باب بيان دوام احتجاج اللّه تعالى على العالم وبيان تشديده عليه، بمعنى أنّ العالم بالوعيد على فعل المعصية والوعد على تركها حاله بعصيانه أسوأ من حال من لم يعلم وعصى ولو علم أنّ ما فعل معصية. أو بمعنى أنّ العالم بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ إذا ترك العمل بها فحاله أسوأ في القيامة من العامل بالظنّ؛ لجهله بها. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنبٌ واحد» للجهل بالحكم مراتب: أحدها: جهل المكلّف بالحكم الشرعي مطلقا، بأن لا يعلمه بالأخذ عن العالم تقليدا و لا بالأخذ من أدلّته التفصيليّة، ولا يعلم ما يترتّب عليه من الفضل والثواب، وعلى تركه من الخذلان والعقاب (2) ؛ فإنّ العلم بما يترتّب عليه فقط مع عدم العلم بالمكلّف به بنحو من النحوين لا ينقص في الجهل رتبة عن عدم العلم مطلقا. وثانيها: عدم العلم به من أدلّته التفصيليّة، وعدم العلم بما يترتّب عليه وعلى تركه مع العلم التقليدي. وثالثها: عدم العلم بما يترتّب عليه مع العلم به من الأدلّة. وإن اعتبر التقليد والاستدلال بالنظر إلى العلم بما يترتّب عليه فعلاً وتركا، زادت المراتب، وكلّ مرتبة من الجهل جهلٌ بالنسبة إلى ما فوقها، وما فوقها علم بالنسبة إليه. ثمّ الجاهل والعالم في كلامه عليه السلام يحتمل الجاهلُ على الإطلاق الذي لا يقال له: «العالم» أصلاً، والعالِمُ على الإطلاق الذي لا يطلق عليه «الجاهل» أصلاً. ويحتمل الجاهل والعالِم الإضافيّين، فالأمر شديد على كلّ عالم بالنسبة إلى من هو جاهل بالنظر إليه. (3) وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: المراد ب «العالم» هنا: كامل العلم من الرعية، أعني العالم بالاُصول والفروع من العلوم الدينيّة على ما ينبغي. وب «الجاهل» خلافه. أو كان المراد ب «العالم»: من يعدّ عالما عرفا، ومن له تلك المعرفة، وب «الجاهل» خلافه.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم بن هاشم».
2- . في المصدر: + «أويعلمه». و من قوله: «فإنّ العلم _ إلى _ عن عدم العلم مطلقا» أورده في المصدر في الهامش.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 157 _ 158.

ص: 454

الحديث الثانيروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ _ عَلى نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَ عَلَيْهِ السَّلامُ _ :وَيْلٌ لِلعُلَمَاءِ (1) السَّوْءِ كَيْفَ تَلَظّى عَلَيْهِمُ النَّارُ ؟!».

.


1- . في الكافي المطبوع: «لعلماء».

ص: 455

هديّة :(السوء) بالفتح مصدر ساءَه، نقيض سرّه، والإسم السوء بالضمّ، وقرئ بهما «عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ» (1) الجوهري: وتقول: هذا رجل سوء، ورجل السوء بالفتح والإضافة فيهما. وقال الأخفش: ولا يقال: هذا رجل السوء بالضمّ (2) . و«العالم السوء»: من لا يعمل بما علم. والمصدر يقع صفة للجمع كما للمفرد. (تلظّى) على التفعّل، أي تتلهّب وتضطرم. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «السوء» بالضمّ والهمز: الآفة، كالبرص والجذام. والمراد هنا: آفة دين المسلمين بحبّ الدنيا، واتّباع الظنّ في الأحكام ونحوهما. و«كيف» للتعجّب. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: يُقال: ساءه سوءا، ورجل سَوْءٍ بفتح السين والإضافة. ويُقال: علماء السوء، بالإضافة؛ فإنّ من يظهر منه السوء كأنّه لا يعرف إلّا السوء، فاُضيف الصفة إلى السوء معرفةً كالضارب رجل (3) ، أو غير معرفة. ثمّ لمّا أراد التعبير عن الصفة المضافة إلى معمولها وتعريفها، قال: «العلماء السوء» وليس السوء في مثل هذا الموضع صفةً بل مضاف إليه لكن الإضافة هنا في معنى التوصيف؛ أي المضاف موصوف بما اُضيف إليه، والمشتقّ منه محمول على المضاف كما قيل في رجل سوء وامرأة سوء. «تلظّى» أي تلهّب وتشتعل وتمدّ لهبها «عليهم النار (4) ».

.


1- . التوبة (9): 98.
2- . الصحاح، ج 1، ص 55 (سوأ).
3- . في المصدر: «الضارب الرجل».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 158.

ص: 456

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ الخمسة (1) ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«إِذَا بَلَغَتِ النَّفْسُ هَاهُنَا _ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ _ لَمْ يَكُنْ لِلْعَالِمِ تَوْبَةٌ»، ثُمَّ قَرَأَ : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ» .

هديّة :(النفس) هنا بسكون الفاء: الرّوح. والآية في سورة النساء قال اللّه تبارك وتعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّه ُ عَلِيما حَكِيما* وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْانَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابا أَلِيما» (2) . فقراءته عليه السلام هذه الآية إشارة إلى تفسيرها؛ دفعا للتوهّم الناشئ من أداة الحصر فيها: أنّ العالم ليست له التوبة أصلاً؛ وتصريحا بأنّ الحصر إنّما هو لإفادة أنّ الفرق بين العالم والجاهل في قبول التوبة وعدمه، إنّما هو عند الإشراف على المعاينة التي يسدّ عندها باب التوبة؛ إذ لا معنى لقبولها عند رؤية المكان من الجنّة أوالنار، فتُقْبل توبة الجاهل قبل المعاينة ولو بنَفَسٍ، وتوبة العالم قبلها بنفسين بدلالة «حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ» هنا، و «حتّى إذا بلغت الحلقوم (3) » في موضع آخر. وفي بعض التفاسير: ومن لطف اللّه بعباده أمره قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين، ثمّ يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصدر، ثمّ ينتهي إلى الحلق فيعاين؛ ليتمكّن في هذه المهملة من الإقبال بالقلب على اللّه ، والوصيّة، والتوبة ما لم يعاين، والاستحلال، وذكر اللّه ، فيخرج روحه وذكر اللّه بالتولّي والتبرّي (4) على لسانه، فيرجى بذلك حسن خاتمته إن شاء اللّه تعالى (5) . والتوبة والرجوع والإنابة، فإذا نسبت إلى اللّه تعالى تعدّت ب «على»، وإذا نسبت إلى العبد تعدّت ب «إلى». قال اللّه تعالى: «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا» (6) أي ألهمهم التوبة، أو وفّقهم لها ليرجعوا، فإذا رجعوا قبل المعاينة على التفصيل المذكور قبل توبتهم وهو التوّاب الرحيم. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «النفس» بالسكون: الروح. وظاهر هذا الحديث دلالة على إبطال تجرّد النفس الناطقة. والمراد ب «العالم»: من علم أنّ الكبيرة هي المعصية التي أوعد اللّه بها النار، وب «الجاهل»: من لا يعلم ذلك، ولا يفرّق بين الكبيرة والصغيرة مع علمه بحرمتهما. و«السوء» في الآية بمعنى الكبيرة. و«الباء» في «بجهالة» للملابسة. وفي الآية دلالة على أنّ التوبة عن الكبيرة عند بلوغ النفس إلى الحلق لا تقبل أصلاً مع العلم بالكبيرة، إلّا أن تكون حقّ الناس، فتقع المراجعة بالحسنات، فتحتمل النجاة بعد الحساب، وإلّا فلا، كما مرّ في شرح الأوّل من الباب السابق. وفي حقّ اللّه أيضا تحتمل النجاة بعد الحساب وإن لم تقبل التوبة عند بلوغ النفس إلى الحلق. و«ثمّ» في تمام الآية في سورة النساء للتراخي. و«من» بمعنى «في». و«قريب» عبارة عن الوقت المتّصل بلقاء اللّه ، وهو وقت بلوغ النَفْسِ إلى الحلق. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «إذا بلغت النفس» هاهنا دلالة على أنّه لم يكن للعالم توبة عند الاحتضار. (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: المراد ببلوغ النفس إلى الحلق قطع تعلّقها عن الأعضاء، والانتهاء في قطع التعلّق إلى حوالَي الحلق من الصدر (8) والرأس، وهو آخر ساعة من الحياة الدنيويّة. «لم يكن للعالم توبة» أي لمن يعلم الأدلّة وما يترتّب على العمل فعلاً وتركا، تضييقا وتشديدا للأمر عليه. «ثمّ قرأ إنّما التوبة الآية» تمسّك فيما قاله بكتاب اللّه سبحانه؛ حيث حكم بانحصار استحقاق قبول التوبة للجاهلين و«الجاهل» هنا مقابل «العالم» بالمعنى الذي ذكرنا. وحمل الآية على انحصار قبول التوبة عند الخروج من الدنيا للجاهل؛ لدلالة الأدلّة على قبول التوبة لغير الجاهل قبله (9) . انتهى. أوّل بيانه بتمامه ظاهرا على القول بتجرّد النفوس الناطقة كما هو مذهب الفلاسفة، وله مفاسد لا تحصى؛ لحقّيّة تفرّده تعالى باللّازمانيّة واللّامكانيّة كتوحّده _ جلّ وعزّ _ بالقدم والخالقيّة بمجرّد نفوذ الإرادة، فلو كان فيما سوى اللّه موجود مجرّد عن الزمان والمكان والمادّة ذاتا وبالتبعيّة، فلابدّ أن يكون تأثيره بفعله بمجرّد نفوذ الإرادة، وهو خاصّ المتفرّد بما ذكر تعالى شأنه، فكلّ جوهر جسم أوما يلتئم منه الجسم، وكلّ عرض جسماني والزمان ينتزع من استمرار البقاء للممكنات.

.


1- . يعنى: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير».
2- . النساء (4): 17 _ 18.
3- . إشارة إلى الآية 81 من الواقعة (56).
4- . «بالتولي و التبرّي» من إضافات المصنّف و ليس في المصدر.
5- . تفسير الصافي، ج1، ص 432، ذيل الآية 18 من النساء (4)؛ بحار الأنوار، ج 6 ، ص 16 _ 17.
6- . التوبة (9): 118.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 94 .
8- . كذا في المصدر، و في «الف» و «ب»: «الحلق» بدل «الصدر». وفي «ج»: «حلق».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 158 _ 159.

ص: 457

. .

ص: 458

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَارِي، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تبارك و تعالى : «فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغَاوُونَ» ، قَالَ:«هُمْ قَوْمٌ وَصَفُوا اَلْعَدْل (2) بِأَلْسِنَتِهِمْ ثُمَّ خَالَفُوا (3) إِلى غَيْرِهِ».

هديّة :الآية في سورة الشعراء (4) . «كبّه على وجهه»: صرعه، فأكبّ. وهذا من النوادر. و«الكبكبة» مبالغة في الكبّ، كرّر اللّفظ لتكرير المعنى. و«الغيّ» بالفتح والتشديد: الضلال والخيبة، غوى يغوي _ من باب ضرب _ غيّا وغواية بالفتح فيهما، فهو غاوٍ وغَوٍ، وأغواه غيره فهو غَوِيّ على فعيل. قال الأصمعي: لا يُقال غيره، أي في الفعيل بمعنى المغويّ على اسم المفعول (5) . (وصفوا العدل) أي الإمام الحقّ، أو العدالة. بمعنى علمهم بتحريم الذنب ومعرفتهم الصغائر والكبائر، ثمّ عملهم بغير ما علموه. في بعض النسخ: «وصفوا عدلاً» بدون التعريف، «ثمّ خالفوه إلى غيره». بالضمير. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «وصفوا عدلاً» الوصف هنا بمعنى معرفة حال الشيء. والعدل: التوسّط بين الإفراط والتفريط. والمراد هنا محكمات الكتب المنزّلة فإنّها ميزان عدل في كلّ اُمّة من لدن آدم إلى انقراض زمان التكليف، ناهٍ عن اتّباع الظن آمرٌ بالسؤال عن الحجّة المعصوم. و«بألسنتهم» نعت للعدلٌ؛ فإنّ كلّ كتاب منها منزل بألسنة قوم نزل ذلك عليهم. «ثمّ خالفوه إلى غيره» أي باتّباعهم الظنّ في المتشابهات. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره» أي الغاوون قوم وصفوا عدلاً، أي حقّا ثابتا مستقرّا من العقائد والمذاهب، وذكروه بالحقّيّة بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره (6) . انتهى. في بيانه تعريض على الصوفيّة بانتحالهم التشرّع وطريقتهم الرهبانيّة التي ابتدعوها.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «عدلاً».
3- . فى الكافي المطبوع: «خالفوه».
4- . الشعراء (26): 94.
5- . راجع: الصحاح، ج 6 ، ص 2450.
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 159.

ص: 459

. .

ص: 460

باب النوادر

الباب السابع عشر : بَابُ النَّوَادِرِوأحاديثه كما في الكافي خمسة عشر:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن الثلاثة (1) ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ رَفَعَهُ، قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ :«رَوِّحُوا أَنْفُسَكُمْ بِبَدِيعِ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا تَكِلُّ كَمَا تَكِلُّ الْأَبْدَانُ».

هديّة :يعني باب طائفة من الأحاديث المعجبة لطبائع المؤمنين بنفاستها البيّنة. (روّحوا) على الأمر من الترويح، وهو إيصال الرّاحة والتطيّب والتفريح والتنضير. (ببديع الحكمة) أي بتذاكر أحاديث الأئمّة عليهم السلام والتأمّل فيها. وبعبارة اُخرى: بتذاكر العلوم الحقّة قطعا؛ لأنّها المأخوذة عن الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه سبحانه. والأعلميّة منحصرة فيه تعالى، فالقطع بحقّيّة شيء من المتشابهات بلا مكابرة منحصر في إخبار العاقل عن اللّه تبارك وتعالى. وفي إفراد «البديع» إشارة إلى أنّ الإضافة إضافة الصّفة إلى الموصوف؛ دلالةً على أنّ علومهم عليهم السلام كلَّها بدائع ونفائس وغرائب. و«الكلال»: مصدر قولك: كللتُ من المشي أكلّ كلالاً وكلالةً من باب ضرب؛ أي أعييت. وكَلَّ السيفُ، والرّيح، والطرف، واللِّسان يكلّ كلالاً وكلولاً أيضا من باب ضرب، وسيف كليل الحدّ، ورَجُل كليل اللِّسان. (2) وأعيا الرجل في المشي، وأعياه غيره كلاهما من باب الإفعال يتعدّى ولا يتعدّى. القاموس: عيّ بالأمر وعَيِىَ كرضي، وتعايا واستعيا وتعيّا عجز عنه، وأعيا الماشي: كلَّ، والسيرُ البعيرَ: أكلّه. (3) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «الترويح»: إيصال الراحة ببديع الحكمة؛ أي بالحديث الجديد من جملة المنقول عن الحكماء الحقّ، يعني الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام . «تكلّ» أي من العمل. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الترويح» من الرَّوح بمعنى الراحة، أو من الرَّوح بمعنى نسيم الريح ورائحته الطيّبة. أي صيّروا أنفسكم طيّبة أو في راحة ببديع الحكمة، أي ما يكون مبتدعا غير متكرّر من الحكمة بالنسبة إلى أنفسكم، فإنّ النفوس تكلّ وتعيا بالمتكرّر من المعرفة وتكرار تذكّرها، كما تكلّ الأبدان بالتكرار من الفعل (4) . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله في باب النوادر تصريحات بانحصار طريق علم الدِّين في السّماع. ومعناه باب أحاديث متفرّقة. (5)

.


1- . يعني: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- . راجع: الصحاح، ج 5 ، ص 1811 (كلل).
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 368 (محي).
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 159 _ 160.
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 94.

ص: 461

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَيْبٍ النَّيْسَابُورِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّه ِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الدِّهْقَانِ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَخِي شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ؛ فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ، وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ، وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ، وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ، وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ، وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ، وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَالْأُمُورِ، وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ، وَرِجْلُهُ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ ، وَهِمَّتُهُ السَّلَامَةُ، وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ، وَمُسْتَقَرُّهُ النَّجَاةُ، وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ، وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ، وَسِلاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ، وَسَيْفُهُ الرِّضَا، وَقَوْسُهُ الْمُدَارَاةُ، وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ، وَمَالُهُ الْأَدَبُ، وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ، وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ، وَمَأْوَاهُ الْمُوَادَعَةُ، وَدَلِيلُهُ الْهُدى، وَرَفِيقُهُ مَحَبَّةُ الْأَخْيَارِ».

.

ص: 462

هديّة :نصح صلوات اللّه عليه طالب علم الدِّين بأنّ مطلوبك متّصف بفضائل كثيرة فيجب لك الاتّصاف بها؛ طلبا لكثرة المناسبة الموجبة لشدّة المرابطة والمواصلة. كالمناسبة بين «الرّأس» و«التواضع» ضدّ التكبّر، و«العين» و«البراءة من الحسد» ضدّ المودّة، و«الاُذن» و«الفهم» ضدّ الغباوة، و«اللِّسان» و«الصدق» ضدّ الكذب، و«الحفظ» و«الفحص» _ أي عمّا يحتاج إليه في الدِّين _ ضدّ التهاون والتساهل، و«القلب» و«حسن النيّة» ضدّ سوئها، و«العقل» و«معرفة الأشياء والاُمور» ضدّ الجهل، و«اليد» و«الرّحمة» ضدّ القسوة، و«الرِّجل» و«زيارة العلماء» ضدّ الشقاوة، و«الهمّة» و«السلامة» ضدّ الهلاك؛ فإنّ الهمّة صدق القصد إلى النجاة، و«الحكمة» و«الورع» ضدّ الهوى، و«المستقرّ» و«النجاة» أي من النار، والمقرّ للناجي الجنّة، والقائد _ أي إلى الخير _ والعافية ضدّ البلاء، أي كون الناس في عافية من بلائه وبالعكس؛ فإنّ شغل الابتلاء مع عظم الموانع. و«المركب» و«الوفاء»؛ فإنّ الصبر على البلاء مفتاح الفرج. و«السلاح» أي ما يحفظه من حربة العدوّ كالسَّرد والتُرس. والمراد كتمان السرّ، لِمناسبة (1) «لين الكلمة». و«السيف» و«الرضا» أي بالقضاء، وهو يوجب الجرأة والجلادة. و«القوس» و«المداراة»؛ فإنّ بها يصاد الصيد من بعيد. و«الجيش» و«محاورة العلماء»؛ فإنّ بها يكثر الأعوان في الجهاد مع جنود الشيطان. و«المال» و«الأدب» وبه يكسب الرزق ويكثر العزّة. و«الذخيرة» و«اجتناب الذنوب» وبه يعدّ ذخائر الثواب. و«الزاد» و«المعروف» أي الإحسان؛ فإنّ الجزاء للإحسان هو الإحسان. و«الماء» و«الموادعة» أي السكون والمصالحة بالاستكانة والملائمة. و«الدليل» و«الهدى» أي من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، وهو الهادي إلى اللّه . و«الرفيق» و«محبّة الأخيار» وبها يكثر الأعوان والأنصار. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «فراسه التواضع» أي للحقّ؛ لما مرّ في الثاني عشر من الباب الأوّل من قوله عليه السلام : «يا هشام، إنّ لقمان قال لابنه: تواضع للحقّ تكن أعقل الناس». و«البراءة من الحسد»: الإغماض عن حطام الدنيا في أيدي أهلها. و«الفهم» هنا بمعنى حسن المعاشرة مع الناس، وهو ضدّ الحمق؛ فإنّ فهم قباحة القبائح، إنّما يحصل من استماع الكلام من ذوي الآداب الحسنة. و«الحفظ» عن التلف والهلاك. و«الفحص» يعني السؤال عن المشكل. والفرق بين «المعرفة» و«العلم»: أنّ «المعرفة» يستعمل في العلم بالجزئيّات التي تصير صغريات للشكل الأوّل، كمعرفة عدالة الشاهدين، وقِيَم المتلفات، ومقادير الجنايات وأمثالها وتسمّى بمحالّ أحكام اللّه تعالى. و«العلم» يستعمل في معرفة القواعد الكلّيّة التي تصير كُبريات للشكل الأوّل، كنفس أحكام اللّه في المسائل الفقهيّة. والفرق بين «الأشياء» و«الاُمور»: أنّ «الأشياء» يستعمل فيما لا اختيار للمكلّفين فيه، كطلوع الفجر، ودلوك الشمس وغروبها لأوقات الصلوات. و«الاُمور» تستعمل في أفعال العباد، كمقادير الجنايات الموجبة لتعيين الديات. والمراد ب «السلامة» هنا: السلامة من عقوبات الآخرة وآفات الدنيا. منها الخصومات في المباحثات. و«حكمته الورع» بفتح الحاء المهملة والكاف أيضا، وهي حديدة اللّجام. و«الورع»: الاجتناب عمّا يضرّ بالآخرة. و«القائد» هنا عبارة عن سبب الاستنباط من القضايا المعلومة المنتجة. و«العافية» يعني البراءة من الأمراض القلبيّة. و«لين الكلمة» أي عند إتمام الحجّة على الخصم. قال اللّه تعالى في سورة طه: «فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» (2) أي لفرعون. و«محاورة العلماء» أي مكالمتهم. واحتمال المجاورة بالجيم بمعنى الملازمة، كما ترى. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ العلم ذو فضائل كثيرة» أي تتبعه فضائل (3) كثيرة، بها يظهر الآثار المقصودة من العلم، وهي للعلم بمنزلة الأعضاء والقوى والآلات والخَدَم وَالتَبَعة والأسباب والأعوان. «فرأسه التواضع» تفصيل لتلك الفضائل، وابتدأ بالتي منها بمنزلة الأعضاء من العلم، وقال: «فرأسه التواضع» أي لا يفارق العلم وحصوله التواضع، فتوقّع حصول العلم بلا تواضع كتوقّع وجود شخص وحياته بلا رأس، فمن يريد حصول العلم (4) فعليه بالتواضع. و«عينه البراءة من الحسد» فالعلم مع الحسد كمن لا عين له، فلا يرى؛ فإنّ الطالب إذا حسد يخفى علمه ولا يتذاكر به، فيخفى عليه مواضع الشُّبَه ولا يتميّز عنده حقّه من باطله حقّ التّمييز. و«اُذنه الفهم» فإنّ من أخذ شيئا من العلوم، ولم يبالغ في فهمه أو فهم ما يوصله إليه، فعلمه به كالذي يخاطَب بما لا يسمع. و«لسانه الصدق» فإنّ العلم مع عدم مراعاة الصدق كالذي لالسان له ليفيد غيره. و«حفظه الفحص» وهو البحث عن الشيء، والعلم بدونه (5) كالذي لا حفظ له، فيغفل عن كثير وينسى كثيرا. و«قلبه حسن النيّة» فإنّ العلم بدونه، كالذي لا قلب له (6) ولا قوّة على أن يأتي بما ينبغي منه. (7) و«عقله معرفة الأشياء والاُمور» كمعرفة أحوال الأوقات والأعصار وأهلها. (8) «ويده الرحمة» أي على المحتاجين إلى العلم والعمل به. (9) و«رجله زيارة العلماء» ولولا زيارة العلماء لما انتقل العلم من أحدٍ إلى آخر. (10) وهذا آخر ذكر الأعضاء، وعدّ العقل فيها لكونه المدار عليه في الشخص، واحتياجه إليه أشدّ من احتياجه إلى الأعضاء. و«حكمته» أي ما به اختياره الصدق الصواب (11) «الورع» وهو التقوى والتحرّر عن ارتكاب المحرّمات. ويحتمل «حكمته» (12) بفتح الحاء والكاف، وهو المحيط من اللجام بِحَنَك الدابّة؛ أي المانع لمركبه من الخروج عن طريقه. و«مستقرّه» أي مسكنه الذي إذا وصل إليه سكن واستقرّ، فيه «النجاة» والتخلّص عن الشُّبه وطرق الضلال. و«قائده» أي ما يقوده ويجرّه نحو مستقرّه، «العافية» أي البراءة من الآفات والعاهات والأمراض النفسانيّة. و«مركبه» أي ما بركوبه وسَوقه يصل إلى مستقرّه «الوفاء» بما في ذمّته من وجوب الإتيان بما يجب فعله، والانتهاء عمّا يجب تركه، فبركوبه وسوقه يصل العلم إلى النجاة. و«سلاحه» و ما يدافع به عدوّه الذي يريد إبطاله وإسقاطه «لين الكلمة»، فإنّ لين الكلمة يؤدّي إلى قلّة التعرّض للعلم. «وسيفه الرِّضا» أي ما يدفع به العدوّ عند اللّقاء ويؤمن من غالبيّته (13) «الرِّضا»؛ فإنّه إذا رضي بما وقع من العدوّ بالنسبة إليه ولم يتعرّض لدفعه، سلم العلم عن الهلاك والاندفاع بالمماراة والجدال. «وقوسه» وما يرمي به عدوّه من بعيد «المداراة» وهو حسن الخُلق والملائمة (14) مع الخلق. «وجيشه» وما يقوى به من الأعوان والأنصار «محاورة العلماء» ومكالمتهم والمجاوبة معهم. «وماله» أي بضاعته التي يتّجر بها ويزيد بها ربحه «الأدب» وحسن التناول في التعليم والتعلّم والمعاشرة. «وذخيرته» أي ما يحرزه لوقت الحاجة «اجتناب الذنوب»؛ فإنّه إذا اجتنب لم يضعف وتبقى قوّته، بل يقوى يوما فيوما، فعند إرادة العدوّ وإزالته ينتفع به. «وزاده» وما به قوّته على سلوك الطريق «المعروف» من الأفعال. فبفعل المعروف يقوى على سلوك طريق النجاة. «وماؤه» وما يسكن به عطشه وحرقة فؤاده وحرارة كبده «الموادعة» والمصالحة. «ودليله» إلى النجاة «الهدى» أي ما يهتدي به من الطريقة المأخوذة من الكتب والرُّسل والأوصياء. «ورفيقه» وما يؤمن بمرافقته من قطع الطريق عليه «محبّة الأخيار» فإنّها تورث الاجتناب عن الشرّ واختيار الخير. (15)

.


1- . في «ب» و «ج»: «كمناسبة».
2- . طه (20): 44.
3- . في المصدر: «و فضائل».
4- . في المصدر: «طلب العلم».
5- . في المصدر: «بدون الفحص».
6- . في المصدر: «فإنّ العلم إذا لم يكن معه حسن النيّة كان كالذي لا قلب له».
7- . في المصدر: + «أو كالذي لاحياة له، و لا يظهر منه آثار وجوده».
8- . في المصدر: «و مصير كلّ شيء إلى ما ينتهي إليه، فيظهر من العلم مع تلك المعرفة ما ينبغي ظهورها منه وما يكون خيرا له حينئذٍ».
9- . في المصدر: + «فإنّ العلم مع عدم الرحمة كالذي لا يد له، و لا يقدر على ما ينبغي له أو يريد فعله».
10- . في المصدر: + «و كان كمن لا رِجْل له، و لا ينتقل من مكانه، و لا يتعدّى إلى آخر».
11- . في «ب» و «ج»: «والثواب».
12- . في «ب» و «ج»: «وحكمته».
13- . في المصدر: «غائلته».
14- . من المصدر: «المداينة».
15- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 160 _ 163.

ص: 463

. .

ص: 464

. .

ص: 465

. .

ص: 466

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنْ البزنطيّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : نِعْمَ وَزِيرُ الْاءِيمَانِ الْعِلْمُ، وَنِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الْحِلْمُ، وَنِعْمَ وَزِيرُ الْحِلْمِ الرِّفْقُّ، وَنِعْمَ وَزِيرُ الرِّفْقِ الصبر». (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان».
2- . في الكافي المطبوع: «العِبْرَة».

ص: 467

هديّة :«الوزارة» بالكسر وبالفتح لغة: شغل وزير السلطان. و«الوزير»: النّاصر والمعين. و«الموازرة» المعاونة. الجوهري: الوزير: الموازر، كالأكيل بمعنى المؤاكل؛ لأنّه يحمل وزر صاحبه، أي ثقله. (1) شبّه الإيمان بالسلطان، وعلم الدِّين المقرون بالعمل بوزيره. و(الحلم) بمعنى الأناة والوقار. والمتحمّل في الاُمور بوزيرٍ وزير السلطان. وهكذا في «الرّفق» بمعنى المداراة مع الناس. و«الصبر» أي على الشدائد. وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «العبرة» مكان «الصبر»، و«العبرة» بالكسر: اسم من الاعتبار. قال برهان الفضلاء: أي العلم بما يحتاج إليه في الدِّين. و«الحلم» هنا بمعنى تحمّل المشاقّ والصبر عليها. و«الرفق» بمعنى لين الكلمة. و«العبرة» بمعنى الفكر في عاقبة المتمرّدين عن طاعة اللّه بترك طاعة مفترض الطاعة. (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الوزير» الذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره، ويحمل عن الأمير ما حمله من الأثقال. والمراد ب «الإيمان»: التصديق بإلهيّته سبحانه، ووحدانيّته، وبالرسول وما جاء به بحيث لا يجامع الإنكار والجحود. وب «العلم»: معرفة المعارف بأدلّتها معرفة توجب مراعاتها اضمحلال الشُبه والشكوك. وب «الحلم»: الأناة وأن لا ينزعج من هيجان الغضب، (3) وهي حالة نفسانيّة توجب ترك المِراء والجدال. و«الرّفق»: الميل إلى التلطّف وتسهيل الأمر والإعانة. أو المراد به العقل. (4) و«العبرة» هي العبور العلمي من الأشياء إلى ما يترتّب عليها وينتهي إليه. فالإيمان في استقامة أمره يحتاج إلى رأي العلم وتدبيره، والعلم كذلك يحتاج إلى رأي الحلم وتدبيره، والحلم كذلك إلى رأي الرّفق وتدبيره، والرّفق أيضا إلى رأي العبرة وتدبيرها، وكلّ يحمل من سابقه ممّا حمله من الأثقال.

.


1- . في المصدر: + «وأن لا يستفزّه الغضب».
2- . الصحاح، ج 2، ص 845 (وزر).
3- . في المصدر: «و أن لا يزعجه هيجان الغضب».
4- . في المصدر: «الفعل».

ص: 468

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ الْقَدَّاحِ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّه ِ، مَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: (2) الْاءِنْصَاتُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الِاسْتِمَاعُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْحِفْظُ؟ قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْعَمَلُ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ يَا رَسُولَ اللّه ِ؟ قَالَ: نَشْرُهُ».

هديّة :(ما العلم) أي العلم القطعي الذي لا يجري فيه الاختلاف أصلاً، كعلم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. (فقال: الإنصات) أي السكوت عمّا يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة ممّا يحتاج إليه في الدِّين. وكلمة (مَهِ) إمّا مخفّف «ما هو» أو قد يكتب «م» مخفّف «مامع» «هاء» السكت. (قال: الاستماع) أي إلى كلام الحجّة المعصوم، أو من سمع منه ولو بالواسطة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : ظاهر تقديم «الإنصات» على «الاستماع» موافقا لما يجيء في كتاب الصلاة في الباب الثاني والعشرين باب عزائم السجود في الحديث الثالث منه من قوله: «إلّا أن يكون مُنصِتا لقراءته مستمعا لها» أنّ «وأنصتوا» في آية سورة الأعراف: «وَإِذَا قُرِءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا» (3) ليس معطوفا على الجزاء، بل على جملة مركّبة من الشرط والجزاء. والمراد الأمر بالسكوت للاستماع (4) أينما تراد قراءة القرآن ليقع الشروع فيه بلا مهلة؛ يعني فقال: يا رسول اللّه ، ما الذي يطلب في طلب العلم ليحصل العلم؟ «فقال: الإنصات» أي في مجلس العلم قصدا أخذه. «قال: الاستماع» أي إلقاء السمع إلى كلام العالم. «قال: الحفظ» أي في الذكر أو الكتاب. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «الإنصات» و«الاستماع» و«الحفظ» صريح في انحصار طريق علم الدِّين في السماع عنهم عليهم السلام ولو بالواسطة العادلة. (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: لعلّ السؤال عمّا هو مناط العلم حصولاً وبقاءً، أو عمّا يعرف به حصول العلم للعالم ويمتاز به عن الجاهل، فأجابه صلى الله عليه و آله وسلم بأنّه الإنصات، وهو أن يسكت سكوت مستمع، وهو مناط العلم وعلامته. «قال: ثمّ مَه؟» أصلها «ما» قُلبت الألف هاءً؛ فإنّ ألف «ما» الاستفهاميّة قد تقلب «هاءً» كما في حديث أبي ذُؤيب: «قدمتُ المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلّوا بالإحرام، فقلت: مَه؟ فقيل: هلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (6) «قال الاستماع» أي المناط بعد الإنصات الاستماع، وهو ممّا حصوله علامة العلم. «قال: الحفظ» أي المناط بعد الاستماع الحفظ، وهو أيضا ممّا وجوده من علامات العلم. «قال: العمل به» فإنّ العمل مناط بقاء العلم وتقرّره، وهو من علامات العلم. «قال: نشره» وهو مناط بقاء العلم مطلقا وتقرّره فيه، وهو من علامات وجود العلم فيه. ولا يبعد أن يكون السؤال الأخير ابتداء السؤال من غير جنس ما سأل عنه أوّلاً؛ فإنّه لمّا انتهى الكلام في الجواب إلى مناطيّة العمل للعلم ودلالته عليه، فدلَّ على أنّه ممّا يجب الإتيان به، فابتداء السائل هنا سؤالاً آخر، (7) وهو أنّه بعد العمل بالعلم ما الذي يجب على العالم أن يأتي به؟ ولذا أعاد النداء، وصرّح به عنده وقال: «يارسول اللّه » فأجاب صلى الله عليه و آله بأنّ ما يجب على العالم بعد أن عَمِل (8) بعلمه نشر العلم. (9) انتهى. في استشهاده رحمه اللهلقلب «ما» الاستفهاميّة «هاءً» ما ترى.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبداللّه بن ميمون القدّاح».
2- . في الكافي المطبوع: «قال».
3- . الأعراف (7): 204.
4- . في«الف»: - «للاستماع».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 93.
6- . فتح الباري، ج 8 ، ص 580 ؛ كنز العمّال، ج 7، ص 420، ح 18830؛ الإصابة، ج 7، ص 132.
7- . في «الف» و «ب»: «فابتداء السؤال هنا سؤال آخر»، وكذا في «ج» ولكن لم ترد فيه كلمة «آخر». و ما أثبتناه من المصدر.
8- . في «ب» و «ج»: «أعمل».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 164 _ 165.

ص: 469

. .

ص: 470

الحديث الخامسروى في الكافي وقال: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«طَلَبَةُ العِلْمِ ثَلاثَةٌ، فَاعْرِفْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ: صِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلاِسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْفِقْهِ وَالْعَقْلِ، فَصَاحِبُ الْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ مُوذٍ، مُمَارٍ، مُتَعَرِّضٌ لِلْمَقَالِ فِي أَنْدِيَةِ الرِّجَالِ بِتَذَاكُرِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الْحِلْمِ، قَدْ تَسَرْبَلَ بِالْخُشُوعِ ، وَتَخَلّى مِنَ الْوَرَعِ، فَدَقَّ اللّه ُ مِنْ هذَا خَيْشُومَهُ، وَقَطَعَ مِنْهُ حَيْزُومَهُ؛ وَصَاحِبُ الاِسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ ذُو خِبٍّ وَمَلَقٍ، يَسْتَطِيلُ عَلى مِثْلِهِ مِنْ أَشْبَاهِهِ، وَيَتَوَاضَعُ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ دُونِهِ، فَهُوَ لِحَلْوَائِهِمْ هَاضِمٌ، وَلِدِينِهِ حَاطِمٌ، فَأَعْمَى اللّه ُ عَلى هذَا خَبَرَهُ، وَقَطَعَ مِنْ آثَارِ الْعُلَمَاءِ أَثَرَهُ؛ وَصَاحِبُ الْفِقْهِ وَالْعَقْلِ ذُو كَآبَةٍ وَحَزَنٍ وَسَهَرٍ، قَدْ تَحَنَّكَ فِي بُرْنُسِهِ، وَقَامَ اللَّيْلَ فِي حِنْدِسِهِ، يَعْمَلُ وَيَخْشى وَجِلاً دَاعِيا مُشْفِقا، مُقْبِلاً عَلى شَأْنِهِ ، عَارِفا بِأَهْلِ زَمَانِهِ، مُسْتَوْحِشا مِنْ أَوْثَقِ إِخْوَانِهِ، فَشَدَّ اللّه ُ مِنْ هذَا أَرْكَانَهُ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَانَهُ».

.

ص: 471

ثمّ قال ثقة الإسلام طاب ثراه: وَحَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ الْقَزْوِينِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْقَلِ بِقَزْوِينَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام .

هديّة :(فأعرفهم بأعيانهم وصفاتهم) أي بملكاتهم النفسانيّة من آثارها، وأفعالهم الأبدانيّة من مقاصدهم. (يطلبه للجهل والمراء) أي لا لحصول المعرفة المُنجية، بل قصدا إلى ما يوجب الجهل؛ لأنّه من جنوده، ك «المراء» بالكسر والمدّ؛ أي الجدال بغير الحقّ مع أهل الحقّ. و«الاستطالة»: الاستعلاء بالاستكبار. و(الختل) بفتح المعجمة وسكون المثنّاة من فوق: الخدعة. (للفقه والعقل) أي للاتّصاف بالعلم المقرون بالعمل والمعرفة الحفّة بمعرفة مفترض الطاعة وطاعته. (موذٍ ممارٍ) أي لأهل الحقّ ومعهم. و «الأندية»: جمع النَدِيّ على فعيل، بمعنى النادي، وهو مجلس القوم ومتحدّثهم ما داموا فيه مجتمعين. قال الأصعمي: فإذا تفرّقوا فليس بنادٍ. (بتذاكر العلم) أي قصدا إلى الجهل. (وصفة الحلم) أي إظهارا لها، خدعةً ورياءً. و «التسربل»: تفعلل من السّربال، أي القميص، يعني تلبّس بلباس الخشوع بإظهاره مكرا وخديعة خاليا من الورع حقيقةً. فجملة (وتخلّى من الورع) حاليّة. وجملة: (فدقّ اللّه من هذا خيشومه) دعائيّة أو خبريّة. و «الخيشوم» بالفتح: أقصى الأنف. و «الحيزوم»: وسط الصدر. و «الخبّ» بالكسر والتشديد: المكر والجربزة. القاموس: «الخبّ» بكسر المعجمة وتشديد المفردة: الغِشّ، والخبث، والمكر. وبالفتح: الخَدّاع الجُربُز، ويكسر. (1) و «الملق»: الودّ، واللّطف الشديد. ويستعمل في تكلّفهما: رجلٌ مَلِق كصعق، يعطي بلسانه ما ليس في قلبه. (من أشباهه) أي من جملة أمثاله. (للأغنياء من دونه) بكسر الميم، أي لمن دونه من الأغنياء. و «الحلواء» يمدّ ويقصر. وفي بعض النسخ: «لحلوانهم» بالضمّ والنون، أي الرّشوة ونحوها. و «الحطم» بلا نقطة: مصدر حطمه كضرب: كسّره تكسيرا، أو التكسير مبالغة في الكسر. «عمي عليه الخبر» كعلم: خُفي، وأعماه عليه غيره. وضمير (خبره) محتمل؛ أي معرفة اللّه أو المعرفة المنجية لطالب العلم. والجملة دعائيّة أو خبريّة. وكذا تابعها. وقطع أثره (من آثار العلماء) كنايةٌ عن حشره مع الجهلاء في صفوف الهالكين. و «الكآبة» بالهمز ويمدّ: سوء الحال والانكسار من الحزن. و «الحزن» حزنان: حزن مؤدٍّ إلى الفرح في العقبى، وحزنٌ موجب للأحزان في الآخرة، وهو حزن أهل الدنيا حرصا لها وطمعا فيها، فلا ينافي ما سبق من أنّ الحزن من جنود الجهل، ونِعْمَ ما قيل في مديح الشيعة: بايد باشند دائم اين جمعبا سوزدرون شكفته چون شمع و«التحنّك» : إدارة العمامة ونحوها تحت الحنك . والمراد هنا التلفّف كالنائم المجتمع . و«البرنس» كهدهد: قلنسوة طويلة كان النسّاك يلبسونها قبل الإسلام . وقيل : كلّ ثوب له رأس منه ملتزق به الرأس ، كما هو شعار رهبان النصارى، لا سيما الأفرنج منهم . والمراد هنا لباس الزهّاد . والمخاطب عبّاد البصري من الصوفيّة القدريّة . «الحندس» كزبرج : الليل الشديد الظلمة ، فإضافته إلى ضمير «الليل» على التجريد . (مشفقا) أي خائفا . (مقبلاً على شأنه) بتهذيب الأخلاق لصلاح المعاش والمعاد . (عارفا بأهل زمانه) ناجيهم وهالكهم . (مستوحشا من أوثق إخوانه) مبالغة في امتثال حكم التقيّة في زمن دولة الباطل . (أركانه) أي أركان معرفته ليسلم إيمانه ويظفر في الجهاد الأكبر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الأعيان»: جمع العين بمعنى النظر؛ أي فاعرفهم بنظرهم في الفوائد التي يقصدونها من طلب العلم . و«الصفات» عبارة عن لوازم الأعيان ، وبيان الأعيان في فقرة ذكر الأصناف ، وبيان الصفات في الفقرات بعدها . «صنف يطلبه للجهل والمراء» أي للحكم بالظنّ والجدال مع منكره . و«الاستطالة» التفوّق . و«الختل»: الخدعة ، وتقدير (2) الناس . «للفقه» أي لفهم ما يحتاج إليه من المسائل الدينيّة بمعنى العمل بها . و«العقل» أي ترك التجاوز عمّا هو اللّغو . «مؤذٍ» بالهمز ، قال اللّه تعالى في سورة الأحزاب : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِى الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابا مُهِينا» (3) . و«الأندية»: جمع النَديّ على فعيل بمعنى النادي ، يعني المجالس . «وصفة الحلم» أي وصفه ومدحه ، عطف على «التذاكر» ومضاف إلى المفعول به. والأنسب هنا : قراءة الحُلم _ بالضمّ وسكون اللّام وضمّها _ بمعنى الرؤيا الفاسدة، ومنه أضغاث الأحلام . والمراد التأويلات الباطلة بالخيالات الفاسدة ، ف «تذاكر العلم وصفة الحلم» إشارة إلى آية سورة النحل : «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّه ِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه ِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» (4) . «فَدَقَّ اللّه ُ مِنْ هذَا خَيْشُومَهُ» إنّ في سورة الأنبياء قال اللّه تعالى : «لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» (5) . و«الخبّ» بالكسر والتشديد هيجان البحر، وهنا استعارة للخشونة في الكلام ونحوه. و«مِنْ» في «مِنْ أشباهه» و«مِنْ دونه» تبعيضيّة . و«الفاء» في «فهو» للتفريع . و«الحلواء» بالفتح والمدّ، وهنا كناية عن الحرام اللّذيذ. و«التحنّك»: كمال الامتثال، وإدارة العمامة تحت الحنك . والأوّل هنا أنسب . وسيجيء في كتاب الزيّ والتجمّل استحباب لبس أهون الثياب للعبادة لا لتغرير الناس كالمُرائين والصوفيّة. والاستيحاش من أوثق الإخوان في زمن التقيّة لا ينافي ما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في السابع عشر من الباب التاسع والأربعين من قوله عليه السلام : «لا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف» . وقال السيّد الباقر الشهير بداماد: قوله طاب ثراه : و«حدّثني به» و«حدّثنا» أعلى رتبة من «أخبرني» و«أخبرنا» فحدّثني ما سمعته من لفظ الشيخ، وحدّثنا ما سمعته في السّامعين منه، وأخبرني ما قرأت عليه بنفسي، وأخبرنا ما قرئ عليه وأنا شاهد سامع. ولا يجوز إبدال شيء منها بغيره . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم» أي بخواصّهم وأفعالهم (7) المخصوصة (8) ، أو بالشاهد والحاضر من أفعالهم. «صنف يطلبه للجهل» أي ليكون آلة له يستعمل في المراء والجدال ومنازعة السفهاء ، فالجهل هنا مقابل العقل (9) . «للاستطالة والختل» بفتح الخاء المعجمة والتاء المثنّاة فوق، أي للتفوّق والترفّع بالنسبة إلى العلماء ، والختل الخدعة بالنسبة إلى أهل الدِّنيا. «للفقه ، والعقل» أي ليكون فقيها عارفا بالمسائل، وليستعمله العقل فيعمل بمقتضاه، فإنّ العلم مقصود بذاته، والعملَ به أيضا مقصود . ولمّا ذكر الأصناف الثلاثة شرع في بيان ما يختصّ بكلّ واحدٍ منها (10) ، وما حضر وشهد من أفعال كلّ واحد فيعاين ويرى فيه، فقال: «فصاحب الجهل والمِراء مؤذٍ» أي فاعل للأذيّة، وهي المكروه، فُيسْمِع مَن يباحثه ما (11) يكرهه. «ممار» أي منازع مجادل. «متعرّض للمقال في أندية الرجال» النادي: مجتمع القوم ومجلسهم. ويقال لأهل المجلس أيضا ، والنديّ بمعناه، والأندية: جمع النَدِيّ، ومجيء الجمع على أندية وأنداء [إمّا] (12) لأخذ الجمع من النديّ والاكتفاء به، أو لكونه الأصل المأخوذ منه النادي، فلوحظ الأصل عند بناء الجمع من النادي. وقد قيل: الأنداء جمع النادي، وقد ظنّ في الأندية كونها جمعه أيضا. «تذاكر العلم»: ذكر المسائل والمعارف بينهم وإظهار العلم بها. «وصفة الحلم» ذكر أوصافه وإظهار اتّصافه به. و«السِربال» بكسر السين: القميص، أو الدرع، أو كلّ ما لُبس. تسربل به؛ أي تلبّس به . (13) والمراد بالتسربل بالخشوع: إظهار الخضوع والتواضع والسكون والتذلّل. «وتخلّى من الورع» والتقوى واجتناب المحرّم عليه من الإيذاء والمماراة ومخالفة قوله فعله. «فدقّ اللّه من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه» بيان لما يترتّب على طلبه العلم للجهل. والمراد بدقّ الخيشوم _ وهو أعلى الأنف وأقصاه _ : إذلاله، وإبطال أمره، ودفع (14) الانتظام من أحواله وأفعاله . والمراد بقطع الحيزوم _ بفتح الحاء المهملة وهو وسط الصدر _ : إفساد ما هو مناط الحياة والتعيّش عليه. و«الخبّ» بكسر الخاء المعجمة: الخداع والخُبث والغشّ. و«الملق»: المداهنة والملاينة باللِّسان، والإعطاء باللِّسان ما ليس في القول والفعل. «يستطيل على مثله من أشباهه، ويتواضع للأغنياء من دونه» تفصيل لبيان خِبّه ومَلَقه؛ فإنّ خباثته وغشّه باستطالته على مثله ومَنْ يساويه في الرتبة (15) والعزّ من أشباهه، وهم أهل العلم وطلبته، وكذا خِداعه بفعله هذا وإن كان خدّاعا لغير أهل العلم، ومَلَقه بالنسبة إلى الأغنياء (16) بتواضعه «للأغنياء من دونه» أي من غيره، يعني من غير صنفه وجنسه، وهم طلبة العلم، أو «من دونه» أي ممّن هو دونه ومن هو خسيس، أو ضعيف بالنسبة إليه. «فهو لحلوانهم هاضم، ولدينه حاطم» الحلوان _ بالضمّ والنون أخيرا _ : اُجرة الدلّال والكاهن وما أعطى من نحو رشوة (17) . والمراد به هنا ما يعطيه الأغنياء، فكأنّه أجر لما يفعله بالنسبة إليهم ولهم، أو رشوة على من يتوقّع منه بالنسبة إليهم . وفي بعض النسخ: «فهو لحلوائهم هاضم» والحلواء: ما يتّخذ من الحلاوة من الأطعمة اللّذيذة. و«الهضم» في الأصل: الكسر، ثمّ استعمل في تصرّف الطبيعة في الطعام والغذِاء بكسره وإزالة صورته كسرا وإزالةً يستعدّ به لأن يصير جزءا من المغتذي، ويترتّب عليه الغرض المطلوب منه، فيصير (18) جزءا صالحا من الأعضاء فيتقوّى به وينتفع به (19) . و«الحطم» هو الكسر المؤدّي إلى الفساد، وخروج الشيء عن أن يترتّب عليه الغرض المطلوب منه . ولمّا ذكر عليه السلام حال هذا الصنف وفعله بيّن ما يترتّب على فعله بقوله : «فأعمى اللّه على هذا» أي من أجل فعله (20) «خبره» بكسر الخاء المعجمة وسكون الباء الموحّدة؛ أي علمه، فلا يتميّز بين طريق الحقّ والباطل، ولا يختار الحقّ ولا يهتدي إليه، ولا يترتّب على علمه ما هو من آثار العلم وفوائده. و«قطع من آثار العلماء» وما يبقى بعدهم ويذكرون به في القرون الآتية «أثره» أي ما يبقى بعده من آثار علمه، فلا يذكر به . (21) و«صاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر» أي الذي يطلب العلم للفقه والعقل . وفيه إشارة إلى أنّ من يطلب العلم لأن يكون فقيها، وليكون آلة للعقل، مقوّيا له، كان له بحصوله ما أراده من الفقاهة وقوّة العقل . (22) و«الكآبة» بفتح الكاف: إنكسار النفس من شدّة الحزن والهمّ. و«الحزن (23) » : وجع القلب على فوات الفائت، أو عدم حصول متوقّع الحصول . و«التحنّك»: إدارة العمامة تحت الحنك ، أو المراد به هنا الانقياد والمتابعة . و«البرنس» بالباء الموحّدة المضمومة والرّاء المهملة الساكنة والنون المضمومة والسين المهملة: قلنسوة طويلة كان يلبسها النُسّاك (24) في صدر الإسلام. كذا ذكره الجوهري (25) . و«الحندس» بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة والدال المكسورة والسين المهملتين: اللّيل المظلم، أو ظلمة الليل . والمعنى كونه متحنّكا متهيّئا للاشتغال بالعبادة عند لبس البرنس، وكأنّه كان ممّا يُلبس عند الفراغ من الاشتغال بالمكاسب والمعاملات الدنيويّة وترك معاشرة الناس وفي الخلوات. أو منقادا للأوامر والنواهي الشرعيّة في الخلوات (26) . «يعمل ويخشى» أي يعمل بما كُلّف به، ويخشى اللّه مع كونه عاملاً، ويخاف أن لا يكون عمله على خلوص يليق بعبادته (27) . «وجِلاً»: خائفا من سوء عقابه. «داعيا»: طالبا منه سبحانه التوفيق للاهتداء بالهدى، والثَبات على الإيمان والتقوى، ونيل السعادة الأبديّة ومغفرته وعفوه. «مشفقا» من الانتهاء إلى الضلال والشقاء وسوء العاقبة. «مقبلاً على شأنه» وإصلاح حاله؛ حذرا ممّا يشفق منه. «عارفا بأهل زمانه» فلا ينخدع «مستوحشا من أوثق إخوانه»؛ لما يعرفه من أهل زمانه. وبعدما ذكر حال هذا الصنف وفعله بيّن ما يترتّب عليه فقال : «فشدّ اللّه من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه» أي أصلح حاله في الدنيا بإفاضة المعرفة، وإكمال العقل، وتمكّنه من إعمال العلم والعمل على وفقه، وحاله في الآخرة بإعطاء الأمان، فجزاه اللّه على طباق ما كان يطلب العلم له من حسن الحال في الدنيا والآخرة. ولمّا [كان] (28) المطلوب للصنفين الأوّلين الدنيا لا غير، ذكر مجازاتهم بضدّ مطلوبهما في الدنيا، وسكت عن حالهما في الآخرة؛ حيث لم تكن من مطالبهما. ولمّا كان الصنف الثالث مطلوبه خير الدنيا والآخرة ذكر مجازاته على وفق مطلوبه فيهما . (29)

.


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 59 (خبّ).
2- . في «ب» و «ج»: «تغرير».
3- . الأحزاب : 57 .
4- . النحل (16) : 116 .
5- . الأنبياء (21) : 17 _ 18 .
6- . لم نعثر عليه.
7- . في «ب» و «ج»: - «وأفعالهم».
8- . في المصدر: + «بهم».
9- . كذا في «ب» و «ج» والمصدر. وفي «الف»: «العلم».
10- . في «ب» و «ج»: - «منها».
11- . في المصدر: «بما».
12- . أضفناه من المصدر.
13- . في المصدر: + «وجعله لباسا له».
14- . في المصدر: «رفع».
15- . في المصدر: «المرتبة».
16- . في المصدر: + «ومعهم».
17- . في هماش «الف»: «الرشوة، مثلّثة الراء (منه)».
18- . في المصدر: «فتصيّره».
19- . في «الف» والمصدر: - «به».
20- . في المصدر: + «هذا».
21- . هنا في المصدر إضافات لم ينقلها المصنّف(ره).
22- . بإضافة يسيرة في المصدر لم ينقلها المصنّف (ره).
23- . في المصدر: + «الهمّ و».
24- . في المصدر: + «والعبّاد».
25- . الصحاح، ج 3، ص 908 (برنس).
26- . في المصدر: + «وكونه مشتغلاً بالعبادة في ليلته المظلمة، أوفي ظلمة ليله».
27- . في المصدر: + «أو أن لا يديمه له».
28- . أضفناه من المصدر.
29- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 165 _ 171.

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

. .

ص: 475

. .

ص: 476

. .

ص: 477

. .

ص: 478

. .

ص: 479

الحديث السادسروى في الكافي عن عَلِيٍّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ رُوَاةَ الْكِتَابِ كَثِيرٌ ، وَإِنَّ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ ، وَكَمْ مِنْ مُسْتَنْصِحٍ لِلْحَدِيثِ مُسْتَغِشٌّ لِلْكِتَابِ ، فَالْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُ الرِّعَايَةِ ، وَالْجُهَلاء (2) يَحْزُنُهُمْ حِفْظُ الرِّوَايَةِ ، فَرَاعٍ يَرْعى حَيَاتَهُ ، وَرَاعٍ يَرْعى هَلَكَتَهُ ، فَعِنْدَ ذلِكَ اخْتَلَفَ الرَّاعِيَانِ ، وَتَغَايَرَ الْفَرِيقَانِ» .

هديّة :(إنّ رواة الكتاب كثير) أي الذين صحّحوا ألفاظه وأحسنوا قراءته وحفظه؛ بدليل قول أبي جعفر عليه السلام في رسالة إلى سعد الخير، ويجيء في كتاب الروضة إن شاء اللّه تعالى : «وكان من نَبْذِهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يَرعَوْنه، والجُهّال يُعجبهم حِفْظُهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية». و«الكثير» : فعيل يستوي فيه التذكير والتأنيث. «استنصحه» : راعاه جيّدا بطلب ما هو خيره فيه. و«الاستغشاش» : خلاف الاستنصاح . حزن لأجله كعلم، وحزنه الأمر _ كنصر _ كأحزنه، ف (العلماء يحزنهم ترك الرّعاية) أي في الدنيا ، (والجهلاء يحزنهم حفظ الرواية) أي في الآخرة ، فلا منافاة بين «يحزنهم» هنا و«يعجبهم» هناك. (فراع يرعى حياته) إمّا للعالم، فالمعنى حياته الباقية؛ أو للجاهل، أي الحياة الدنيا. وكذا (وراع يرعى هلكته) بالتحريك، أي هلاكه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «كم» مبتدأ خبره «مستغشّ» بكسر الغين المعجمة كالصاد في «المستنصح» . والمراد ب «العلماء»: العالمون بأنّ المطلب الأصلي من ألفاظ القرآن إنّما هو العمل بها، يعني وأنّ تبعة القرآن قليل . وكم من يعدّ الحديث خالصا ويعدّ القرآن غير خالص؛ لكون ذلك الحديث مخالفا لمحكمات القرآن ، فالعلماء يفكّرهم ترك رعاية القرآن فينظرون فيه ويتأمّلون، فيلعنون المخالفين له، كما يفكّر الجهلاء حفظ رواية ألفاظ القرآن فينظرون فيها، فبذلك يحسّنون المخالفين ويقبلون منهم «حياته» أي الباقية . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، والجهّال يحزنهم حفظ الرواية» في الباب الآخر من السرائر عن طلحة بن زيد قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «العلماء تحزنهم الدراية، والجهّال تحزنهم الرواية» (3) _ ثمّ قال _ : أقول : قوله : «ترك الرعاية» في كثير من النسخ هكذا، ولم يظهر لي معنى صحيحا يوافق آخر الحديث، ويوافق ما عندنا من استعمال العرب، ويوافق الحديث المنقول في آخر السرائر . ويمكن أن يُقال : «الترك» من الأضداد كما صرّح به في القاموس (4) . أو يُقال : هنا تصحيف ، والصحيح : «بذل الرعاية» بالباء والذّال المعجمة واللّام ، وفي السّاير كتاب محمّد بن إدريس الحلبي نقل هذا الحديث عن كتاب الصفواني (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أراد ب «رواة الكتاب» : رواة القرآن، قراءةً كان أو تفسيرا وب «رعاته» : من يتفكّر فيه، ويتنبّه لمقصوده، ويعمل بمطلوبه . أو المراد برواته : رواة الفرض، أو الحكم ونقلته؛ وبرعاته : الآخذون له من مأخذه، العاملون به على وجهه . «وكم من مستنصح» أي مستخلص للنقل عن الغشّ. «مستغشّ للكتاب» بأحد الوجهين المذكورين. وفيه إشارة إلى أنّ استنصاح الحديث لا يستلزم رعاية الكتاب، بل يندر المقارنة . «أحزنه» و«حزنه» كنصر : إذا جعله محزونا . والمعنى أنّ العلماء العاملين بعلمهم يحزنهم ترْك الرعاية والتفكّر في الكتاب. والتنبّه لمقصوده، والعمل لمقصوده (6) بمطلوبه، وفواتها عاجلاً عنهم حيث يعلمون ما في الترك من سوء العاقبة؛ وآجلاً عند ظهور الآيات والعلامات، فيحزنهم ما يترك من مقصودهم الذي هو الرعاية ، والجهّال _ الذين لا يريدون العلم للعمل، ولا يتفكّرون في المطالب، ولا يختارون حسن العواقب _ يحزنهم حفظ الرواية، ويصير حفظها من أسباب حزنهم؛ لاشتداد الأمر عليهم بسبب العلم والاطّلاع على الكتاب ونقله والقول به وترك التدبّر فيه والعمل به، فيحزنون بحفظها عاجلاً عند ظهور الآيات، ويحزنهم مطلوبهم من الرواية وحفظها . والحاصل : أنّ مطلوب العلماء ممّا تركه يوجب حزنهم ويؤدّي إليه، ومطلوب الجهّال ممّا فعله والاهتمام به يوجب حزنهم ويؤدّي إليه . أو المراد بالحفظ الرعاية . [قال في القاموس : حفظ المال: رعاه] (7) وبالرواية المرويّ، أي يحزنهم رعاية ما يروونه، كما أنّ العلماء يحزنهم ترك الرعاية . «فراع يرعى حياته، وراع يرعى هلكته» أي فراع _ وهو العالم _ يرعى ويحفظ ما فيه حياته ونجاته وحسن عاقبته، وهو التدبّر والتفكّر في الكتاب والعمل بما فيه . وراع _ وهو الجاهل _ يرعى ويحفظ ما فيه هلاكه وسوء عاقبته، وهو رواية الكتاب بلا تدبّر منه وعمل بما فيه. (8) انتهى. بيانه بقوله : «وفيه إشارة إلى أنّ استنصاح الحديث لا يستلزم رعاية الكتاب بل يندر المقارنة» بناءً على أنّ محكمات الكتاب التي ثبت أحكامها بالاتّفاق بلا احتمال منسوخيّة واحد منها مستندات للأحكام، ومراجع في الكتاب لردّ المتشابهات من السنّة إليه، والتي منها لا كذلك، فحكمها منوط بحكم المحكمات من السنّة بالاتّفاق، وقد مرّ ذكر المعالجات لمتشابهات السنّة القائمة المتواترة بتواتر الكتب وضبطها .

.


1- . فيالكافي المطبوع: «عن عليّ بن إبراهيم».
2- . في الكافي المطبوع: «الجهّال».
3- . مستطرفات السرائر، ص 150، ح 6 .
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 296 (ترك).
5- . صدر العبارة إلى قوله : «تحزنهم الرواية» في الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
6- . في المصدر : - «لمقصوده».
7- . ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 172.

ص: 480

. .

ص: 481

. .

ص: 482

الحديث السابعروى في الكافي عن الإثنين (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عن التميمي ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ حَفِظَ مِنْ أَحَادِيثِنَا أَرْبَعِينَ حَدِيثا ، بَعَثَهُ اللّه ُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِما فَقِيها» .

هديّة :هذا الحديث مستفيض مضمونه باختلاف في اللّفظ بين الخاصّة والعامّة . وقد رواه أصحابنا بعدّة طرق، منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الكاظم عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من حفظ على اُمّتي أربعين حديثا ممّا يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه اللّه يوم القيامة فقيها عالما» (2) . وفي رواية اُخرى : «كنتُ له شفيعا يوم القيامة» . و«من اُمّتي مكان على اُمّتي» (3) . ف «على» بمعنى «اللّام». أي لأجلهم كما قالوا في قوله تعالى : «وَلِتُكَبِّرُوا اللّه َ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (4) ؛ أي لأجل هدايته إيّاكم ، أو متعلّقة على مقدّر مضمّن كالشّفقة. أو بمعنى «من» كما قيل في قوله تعالى: «إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ» (5) ؛ أي من الناس (6) . وحفظ الحديث ضبطه على ما ورد، وروايته كما ضبط، وحراسته عن الاندراس كما أمكن، سواء كان عن ظهر القلب أو بالكتابة . وفهم المعنى مع ذلك إن كان شرطا فحافظ اللّفظ فقط من دون فهم المعنى مأجور أيضا مرحوم؛ لقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «رحم اللّه امرءٍ سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها، فربّ حامل فقهٍ ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه» (7) . فقول بعض المعاصرين في بيانه : ودخول حافظ اللّفظ فقط في هذا الحديث بعيد؛ لأنّه ليس بفقيه ولا عالم، فكيف يبعث فقيها عالما؟! (8) استبعاد عن شمول القدرة، أو تعليم الملك في البرزخ، أو البعيد بمعنى القريب ، ومثله في كتب الصوفيّة كثير . قال برهان الفضلاء : «حفظ» على المعلوم، كعلم . والمراد بالحفظ هنا : العلم المقرون بالعمل. «وأحاديثنا» أي المختصّة بطريق أهل البيت عليهم السلام الواردة في المختلف فيه بين الاُمّة من المسائل الشرعيّة ، فاحتراز عن المختصّة بطريق المخالفين، وعن المشتركة بين جميع الاُمّة؛ لأنّ حفظ المتّفق عليه وإن كان من شروط الفقه لكنّه ليس بكاف . «أربعين حديثا» بناءً على أنّ ما يحتاج إليه أكثر الناس من الأحاديث ليس بأكثر من الأربعين . والفقيه أخصّ مطلق من العالم كما بيّن في شرح السابع من الباب الثاني . انتهى . لعلّه سلّمه اللّه تعالى ترك الاستثناء من قوله : «لكنّه ليس بكاف» لظهوره يعني إلّا أن يكون في باب الإمامة، فيكفي لترتّب الأجر، كحديث المنزلة (9) و«أقضاكم عليّ» (10) ، و«إنّي تاركٌ فيكم الثقلين» (11) وغير ذلك ممّا لا يحصى ، وكفى بكتاب كشف الغمّة (12) شاهدا لهذا . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : والوجه في تعيين عدد الأربعين : أنّ مجامع العلوم الثلاثة في حديث إبراهيم بن عبد الحميد، أو الأربعة في حديث سفيان بن عيينة ورؤوس مسائلها تؤول إلى ذلك، كما يدلّ عليه ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال في هذا المعنى (13) . والحديث طويل فاطلبه ثمّة . انتهى. حديث إبراهيم بن عبد الحميد هو الأوّل من الباب الثالث (14) ، وحديث سفيان بن عيينة هو الحادي عشر من هذا الباب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثا» أي من الأحاديث المرويّة عنّا أهل البيت بأخذها عنّا (15) ولو بواسطة أخذا مقرونا بالتدبّر والعمل بها، ونشرِها. «بعثه اللّه يوم القيامة عالما فقيها» أي معدودا من الفقهاء وفي زمرتهم وجماعتهم (16) .

.


1- . يعني : «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد».
2- . الخصال، ص 541 ، ح 15؛ ثواب الأعمال، ص 134، باب ثواب من حفظ أربعين حديثا. و في المصدرين : «من اُمّتي».
3- . الخصال، ص 541 _ 542 ، ح 16.
4- . البقرة(2) : 185 .
5- . المطفّفين (83) : 2 .
6- . جوامع الجامع، ج 6 ، ص 585 ؛ الأصفى، ج 2، ص 1417، ذيل الآية 2 من المطفّفين (83).
7- . الكافي، ج 1، ص 403، باب ما أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بالنصيحة لأئمّة المسلمين و... ، ح 1؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 84 ، ح 230؛ مسند أحمد، ج 3، ص 225، ح 13374.
8- . الوافي، ج 1، ص 137 .
9- . المرويّ من طرق الخاصّة والعامّة. راجع : مناقب أمير المؤمنين، ص 499 _ 525 ، الباب 53 ، ح 416 _ 457؛ الكافي، ج 8 ، ص 107، ح 80 ؛ الإرشاد، ج 1، ص 8 ، باب الخبر عن أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ صحيح البخاري، ج 4، ص 1602، ح 4154؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1870، ح 2404.
10- . دلائل الإمامة، ص 236، ح 162؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 92؛ بحار الأنوار، ج 40، ص 87 ؛ الاحتجاج، ج 2، ص 353 و 391.
11- . المرويّ بطرق عديدة وبألفاظ مختلفة، رواه العامّة والخاصّة. راجع : صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119؛ و ج 3، ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و... .
12- . من مؤلّفات عليّ بن عيسى الأربلي، المتوفّى سنة 693 في فضائل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته، نشر في ثلاث مجلّدات نشر دار الأضواء، بيروت، لبنان.
13- . الخصال، ص 543 ، باب فيمن حفظ أربعين حديثا، ح 19 .
14- . كذا في «الف» و «ب». والصواب : «الثاني» وهو باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء.
15- . في المصدر : «ويأخذها عنّا».
16- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 173.

ص: 483

. .

ص: 484

الحديث الثامنروى في الكافي عن العِدَّةٌ ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ الشَّحَّامِ (2) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَلْيَنْظُرِ الْاءِنْسَانُ إِلى طَعَامِهِ» قَالَ : قُلْتُ : مَا طَعَامُهُ؟ قَالَ :«عِلْمُهُ الَّذِي يَأْخُذُهُ ، عَمَّنْ يَأْخُذُهُ؟» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . في الكافي المطبوع : «زيد الشحّام».

ص: 485

هديّة :الآية في سورة عبس وتولّى (1) . يعني كما يجب النظر إلى طعام البدن من أين اكتسبه حذرا من الحرام يجب النظر إلى طعام الروح عمّن أخذه حذرا ممّا لا قطع بأنّه حقّ . والمأخوذ المقطوع بحقّيّته منحصر في علم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة فيه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ما طعامه» أي ما المراد من طعامه في الآية؟. «قال : علمه» أي بحديث النبيّ صلى الله عليه و آله «الذي يأخذه، عمّن يأخذه؟» يعني يجب أخذ الحديث عنّا أهل البيت بلا واسطة أو بواسطة ثقة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ الحلال والحرام عنهم عليهم السلام ولا يجوز العمل بأصل أو استصحاب أو غير ذلك . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه؟» أي المراد بالطعام في الآية ما يُدرَك طعمه ويغتذى، به أعمّ من أن يكون إدراكا واغتذاءً جسمانيّا أو روحانيّا ونفسانيّا، والأهمّ من ذلك النفسانيّ فكأنّه المقصود الأصلي. فمراده أنّ المهتمّ به أشدّ اهتماما (3) من طعامه، علمُه الذي يأخذه ، فيجب أن ينظر إليه، ويلاحظه (4) عمّن يأخذه، ولا يأخذه إلّا بطريق حلّ له أخذه به . (5)

.


1- . عبس (80) : 24.
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
3- . في المصدر : + «به».
4- . في المصدر : «ويلاحظ».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 173.

ص: 486

الحديث التاسعروى في الكافي عن مُحَمَّدُ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ، (1) عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«الْوُقُوفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَةِ ، وَتَرْكُكَ حَدِيثا لَمْ تُرْوِهِ خَيْرٌ مِنْ رِوَايَتِكَ حَدِيثا لَمْ تُحْصِهِ» .

هديّة :(عند الشبهة) أي التي لامعالجة لعلّتها بوجهٍ صحيح عند الفقيه العدل الإمامي المأذون عنهم عليهم السلام بالطبابة لعلّة الشبهات. (والاقتحام) في الشيء: رمي النفس فيه من غير رويّة . و(الهلكة) بالتحريك : الهلاك ويضمّ . (لم تروه) أي وتركك كلاما في أمر الدِّين لم ينقل لك من ثقة _ على الحذف والإيصال _ أي لم يكن مأخذه من المعصوم. (خير من روايتك حديثا لم تحصه) من الإحصاء، أي لم تضبطه على وجهه وإن كانت رواية عن المعصوم . و«الإحصاء» : العدّ والحفظ والإحاطة بالشيء . وقرئ : «لم تخصّه» بالخاء المعجمة، أي بالمعصوم باحتمالك كونه عن غيره. ويخطر بالبال أنّ الأولى : «لم تروه» على الخطاب المعلوم من المجرّد، أي تركك الجواز أو الوجوب بترك نقلك الحديث الصحيح خير من فعلك الحرام بروايتك «حديثا لم تحصه» أو «لم تخصّه» على نسخة؛ لأنّ ترك مثل الواجب يغفر بالاستغفار، وفعل مثل الحرام يؤدّي إلى النار . وفي نهج البلاغة من وصايا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لابنه الحسن عليه السلام : «ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لا تُكلَّف، وأمْسِك عن طريقٍ إذا خفت ضلالته؛ فإنّ الكفّ عند حَيْرة الضلالة خيرٌ من ركوب الأهوال» (2) . ولعلّ معنى «فيما لا تكلّف» : في مقام لا تكلّف أن تكون آمرا أو ناهيا فيه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «خير» أي ضرره قليل، وضرر الوقوف عند الشبهة إنّما هو باعتبار الدنيا، نظير النفع في آية سورة البقرة : «وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا» (3) . وجملة «وتركك» من قبيل الترقّي. «ولم تروه» _ بسكون الرّاء وتخفيف الواو المكسورة _ صفة للحديث. ومفهوم هذه الصفة احتراز عن الحديث الذي لم يقع العمل بمقتضاه ، وعن الحديث الذي لم يحص ولم يعدّ . والمراد بالإحصاء هنا : استيعاب العلم المعلوم بجميع أجزائه مثل «أَحْصَى كُلَّ شَىْ ءٍ عَدَدَا» (4) ؛ يعني الوقوف عن القول والعمل عند الشكّ في أنّه جائز أم لا ، أقلّ ضررا من الاقتحام فيه ودخول النار . «وتركك حديثا» لم تنقله مع أنّك ضبطته وعملت بمقتضاه أقلّ ضرارا من نقلك حديثا لم تضبطه . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «الوقوف عند الشبهة» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب التوقّف في الحلال والحرام عند فقد القطع واليقين . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة» أي التثبّت عند الشبهة حتّى ينتهي (6) الأمر خير من الاقتحام والدخول ، وإلقاء النفس فجأةً في الهلكة، وهي _ بضمّ الهاء وفتح اللّام _ الهلاك ، وعبّر عن الضلال بالهلاك. والدخول فيالشبهة وما لا يكون معلوم الثبوت _ عقلاً أو شرعا، لا ابتداء ولا تأنّيا، (7) اعتقادا أو قولاً أو فعلاً _ ضلال وهلاك. «وتركك حديثا لم تروه» أي لم تحمل على روايته. وكونه محمولاً على روايته عبارة عن كونه محفوظا مصحّحا عنده الحديث بحيث يكون له روايته ويجب (8) عليه. والفعل مجهول من باب الإفعال أو التفعيل، (9) أو معلوم من إحدى البابين. يقال : روّيته الشعرَ، أي حملته على روايته، وأرويته أيضا، أي لم تحمل من تروى له على روايته، ولم تصيّره بحيث يكون له أو يجب عليه روايته. ومناط الجوازِ في صور الجواز والوجوب في صوره كونه مأخوذا عن طريقه المعتبر الثابت بالأدلّة العقليّة والنقليّة، (10) محفوظا لفظه أو معناه السالم عن التغيّر والتبدّل فيما هو المقصود إفادته. أو مجرّد، أي «تركك حديثا» ولم تكن راويا له على حاله فلا ترويه. «خيرٌ من روايتك حديثا لم تحصه» [خبر لقوله : «وتركك»] (11) «ولم تحصه» صفة لقوله «حديثا» كقوله : «لم تروه» [لقوله : «حديثا» هناك] (12) هناك . والمراد أنّ حالك _ باعتبار تركك رواية حديثٍ غير ثابت بطريقه، أو حديثا لم تكن راويا له فلا ترويه _ خيرٌ من حالك باعتبار روايتك حديثا لم تحصه. والإحصاء لغةً : العدّ، ولمّا كان عدّ الشيء يلزمه الاطّلاع على واحد واحد ممّا فيه، استعمل في الاطّلاع على جميع ما في شيء والإحاطة العلميّة التامّة بما فيه، وشاع ذلك الاستعمال. وإحصاء الحديث عبارة عن العلم بجميع أحواله متنا وسندا وانتهاءً إلى المأخذ الشرعي، فما لم يكن من الأحاديث معلوما له بأحواله _ متنا؛ للاشتباه في ألفاظه ومعانيه في بقائه ومنسوخيّته، أو سندا حيث لا يعرف كيفيّة سنده، أو انتهاءً حيث لا يعلم أنّ المنتهى إليه من المآخذ الشرعيّة _ تركُ روايته خيرٌ من روايته؛ لأنّه إذا لم يروه رجع الناس فيه إلى من عنده العلم به، فيأخذونه على ما هو عليه، وإذا رواه يرجع إليه كثير من الجَهَلة والمسامحين في أمر الدِّين، ويبقى كثير على الضلال وإن بالغ في التحرّز عن التصرّف ، وفي الإسناد إلى الناقلين وإلى المأخذ المنتهى إليه، ولم يزدد على النقل ولم يدّع حقّيته . (13) انتهى . أنت خبير بأنّ الأنسب بصدر الحديث ما ذكرناه أخيرا بقولنا : «ويخطر بالبال»، وإنّما لم ننقله أوّلاً وهو أولى؛ لمكان توهّم الأمر بترك الواجب وليس أمرا به في مقام المبالغة في المنع والتهديد ، كما أنّ ترك قراءة الحمد في الصلاة مع الاعتقاد بأنّ البسملة منها خيرٌ من ترك البسملة اعتقادا أنّها ليست من السورة، والأوّل يعالج بخلاف الثاني .

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن عبداللّه بن مسكان».
2- . نهج البلاغة، ص 391، الرسالة 31.
3- . البقرة (2) : 219 .
4- . الجنّ (72) : 28 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
6- . في المصدر: «حتى يتبيّن».
7- . في «ب، ج»: «ثانيا».
8- . في المصدر : «أو يجب».
9- . في المصدر قدّم قوله : «يقال : رويته _ إلى _ وأرويته أيضا» على قوله : «أو معلوم من إحدى البابين».
10- . في المصدر : «أو النقليّة».
11- . أضفناه من المصدر.
12- . أضفناه من المصدر.
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 173 _ 175.

ص: 487

. .

ص: 488

. .

ص: 489

الحديث العاشرروى في الكافي عن مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ : أَنَّهُ عَرَضَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام بَعْضَ خُطَبِ أَبِيهِ ، حَتّى إِذَا بَلَغَ مَوْضِعا مِنْهَا ، قَالَ لَهُ :«كُفَّ وَاسْكُتْ» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «لا يَسَعُكُمْ فِيمَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ إِلَا الْكَفُّ عَنْهُ وَالتَّثَبُّتُ وَالرَّدُّ إِلى أَئِمَّةِ الْهُدى حَتّى يَحْمِلُوكُمْ (1) فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ ، وَيَجْلُوا عَنْكُمْ فِيهِ الْعَمى ، وَيُعَرِّفُوكُمْ فِيهِ الْحَقَّ ، قَالَ اللّه ُ تَعَالى : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» » .

هديّة :خلاف عند علماء الرجال في أنّ الطيّار صفة حمزة أو أبيه محمّد؛ ففي رجال الشيخ : حمزة بن محمّد الطيّار (2) . وفي خلاصة العلّامة : حمزة بن الطيّار. (3) وكذلك ضبط برهان الفضلاء. وقال ابن داود في رجاله : حمزة الطيّار، قر، ق (كش، جخ) ممدوح ، وبعض أصحابنا أثبته : حمزة بن الطيّار، وهو التباس ، والظاهر أنّه رأى في كتاب الرجال : حمزة بن محمّد الطيّار، فظنّه صفة أبيه، وهو له. ترحّم عليه الصادق عليه السلام (4) . انتهى. إثبات الابن عند ترك الأب أشهر. يعني (بعض خطب) الباقر عليه السلام (حتّى إذا بلغ موضعا منها) وأراد عرض التتمّة من دون أن يسأل عن معنى ما عرض؛ زعما منه أنّه قد فهمه، أو قصد إلى السؤال بعد التمام، فالأمر على الأوّل بالكفّ، والسكوت أمرٌ بالسؤال عن المستصعب من كلام الإمام عليه السلام . وعلى الثاني دلالة على وجوب السؤال عنه فورا مع الإمكان. و(التثبّت) : التوقّف. (حتّى يحكموكم) من الإفعال أي يثبتوكم . وفي بعض النسخ : «حتّى يحملوكم» من حمله كضرب، بمعنى أجراه وأوصله، يعني حتّى يوصلوكم فيه على قصد الطريق وسواءه. أو من حمّله على فرسه تحميلاً. والتحميل على الطريق لا يحتاج إلى تضمين معنى الإشراف والإعلاء . ويمكن أن يكون المراد ب «القصد» : العدل والوسط بين الإفراط والتفريط، والمآل واحد . (ويجلوا عنكم) من باب غزا . يقال : جلوت بصري برؤيتك. (ويعرّفوكم) من التفعيل. والآية في سورة النحل هكذا : «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ» (5) ، وفي سورة الأنبياء : «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (6) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «بعض خطب أبيه» يعني أبا جعفر عليه السلام . «كفّ» أي عن العرض، و«اسكت» أي عن كلام آخر أيضا. «فيما ينزل بكم» أي من القول والفعل. و«القصد» بمعنى سواء الطريق. «حتّى يحملوكم» على المعلوم من المجرّد. حمله عليه : أوقفه عليه، بمعنى أقامه. والآية في السورتين : سورة النحل، وسورة الأنبياء . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «لا يسعكم» إلى آخره. من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لا يجوز الاعتماد في الحلال والحرام وشبههما إلّا على القطع واليقين، وبأنّه يجب التوقّف إذا لم يكن يقين وقطع . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «عرض على أبي عبداللّه عليه السلام بعض خطب أبيه عليه السلام » عَرْض الكتاب والخطبة : إظهاره على من يعرض عليه، سواء كان لتصحيح لفظه، أو فهم معناه، أو إظهار ما فهمه ليختبر عن صحّته وفساده. «كفّ وأسكت» (8) أمر بالكفّ عن عرض الخطبة بأن لا يقرأها، وبالسكوت عن التكلّم؛ لداعيته (9) إلى إفادة ما أفاده، وشدّة اهتمامه (10) به، أو لفهمه ممّا في الخطبة في هذا الموضع ما لم يكن صوابا، فأمره بالكفّ عن العرض، والسكوت عن بيان ما فهمه، وأفاد (11) أنّ المواضع المشكلة التي لا يعلمون كفوّا عن حملها على معنىً، وردّوا الأمر فيها إلى أئمّة الهدى، أو لكونه في معرض بيان ما فهمه، فأمره بالإعراض عنه والسكوت و أفاد ما أفاد. «حتّى يحملوكم فيه على القصد» أي على استقامة الطريق أو الوسط بين الطرفين، وهو العدل والطريق المستقيم. «ويجلوا» أي يذهبوا «عنكم فيه العمى» والعمى : ذهاب البصر، ويستعمل في ذهاب بصر العقل فيُراد به الجهل والضلال . (12)

.


1- . في «ب» و «ج»: «يحكموكم».
2- . رجال الطوسي، ص 190، الرقم 2350.
3- . خلاصة الأقوال، ص 120، الرقم 2.
4- . رجال ابن داود، ص 86 ، الرقم 534.
5- . النحل (16) : 43 _ 44 .
6- . الأنبياء (21) : 7 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
8- . في المصدر : + «عند بلوغه موضعا من المواضع».
9- . في المصدر : «لداعيةٍ».
10- . في المصدر : «اهتمام».
11- . في «الف»: «أفاد» بدون الواو.
12- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 175 _ 176.

ص: 490

. .

ص: 491

. .

ص: 492

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عن عَلِيٍّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«وَجَدْتُ عِلْمَ النَّاسِ كُلَّهُ فِي أَرْبَعٍ : أَوَّلُهَا : أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ ، وَالثَّانِي : أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ ، وَالثَّالِثُ : أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْكَ ، وَالرَّابِعُ : أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ مِنْ (2) دِينِكَ» .

هديّة :(وجدت علم الناس كلّه) أي العلم الذي يحتاج إليه الناس في دينهم الحقّ أوّلها (أن تعرف ربّك) يعني على ما عرّف به نفسه، وأخبر به حججه المعصومون العاقلون عنه بمجرّد طَوْله العظيم ولطفه العميم، وهو أرحم الراحمين، وأرأف بعباده من والديهم والأقربين. واللّه ، لولا إخبارهم عليهم السلام عقلاً عنه جلّ وعلا بالأسماء الحسنى والأثِنيةَ العليا، والصفات الخاصّة بذاته تعالى ما سمّاه أحدٌ أبدا بها، ولا يعرفه أحد بصفاته الخاصّة أبدا، لا واللّه ، لا صوفيّ قدريّ مرتاض بالآلام، ولا وجديّ مدّعٍ لمعارج في البِسْطام ، فالحكم لهم عليهم السلام والحجّة معهم على الأنام إلى يوم القيام، وهم قد حكموا بكفر من قال بمقالة الصوفيّة القدريّة، وكونه مخلّدا في النار. وقد خرج توقيعا كما نقله الشيخ المفيد قدس سره في حديقة الحدائق (3) ، ومولانا أحمد نزيل الغَرِيّ رحمه الله (4) في حديقة الشيعة من الصاحب صاحب الأمر والزمان صلوات اللّه عليه في سؤال الشيعة بعد قتل الحلّاج في الغيبة الصغرى بأمر بني العبّاس وإفتاء الشافعيّة عن حاله ب «أنّه» كان زنديقا نجسا، وهو عدوّ اللّه مخلّد في النار . (والثاني أن تعرف ما صنع بك) يعني أن تعرف نفسك وخلقتك وصنعه فيك، وتفضّله معك بأنواع التفضّلات وأقسام التلطّفات، وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (5) يعني من عرف نفسه _ كما ينبغي _ فقد عرف ربّه على ما عرّف به نفسه لعباده، من تفرّده تبارك وتعالى بالأزليّة، والخالقيّة، والقدرة على كلّ شيء بمجرّد نفوذ الإرادة، وغير ذلك ممّا أخبر به حججه المعصومون العاقلون عنه سبحانه. ويكفي للعبد من بيان معرفة نفسه مفصّلاً بعد معرفته بأحوالها المتغايرة بكمال عجزها ونهاية احتياجها إيماءً مّا إلى قطرة من البحار وأثر من الآثار. ما أبين خباثة النطفة وكونها بحيث لو تلطّخ إصبعك بها ولم يكن ماء لإزالتها كاد أن ترضى بقطع الإصبع، وهي بعد صيرورتها في الرحم علقةً ثمّ مضغةً توجد بصنعه تبارك وتعالى، فيها نقاط سود صغار في غاية الصغر _ بحيث لا يدركها إلّا إمعان النظر _ اثنتنان من تلك النقاط تصير بحكمة صنعه سبحانه عينيك بطبقاتهما، وأجفانهما، وأشفارهما، وهيئاتهما، ومكانهما من الوجه، ومائهما المالح المخلوق فيهما لصلاحهما، ونورهما السيّار في مقدار طرفة العين ونِصْفِ النظر من الناظر إلى فلك البروج. واثنتان اُخراوان تصير اُذنيك بصماخهما، وهيئاتهما، ومكانهما من الرأس، ومائهما المُرّ المخلوق فيهما؛ صونا من اختلالهما من الهوامّ والسوام ونحوهما؛ وسامعتهما التي تدرك الصوت المخلوق بحركة الشفتين _ مثلاً _ في الهواء المجاور للحلق أوّلاً، ثمّ في سلاسل أمواج الهواء المنتهية إلى الصماخ على هيئات الحروف على أنحاء كثيرة لا تحصى. وهكذا سائر تلك النقاط السود الصغار المخلوقة أوّلاً في المضغة تصير بقدرته وصنع حكمته أنفك وفمك من الوجه، ولسانك وأسنانك في الفم، ويديك ورجليك بمفاصلهما وأصابعهما وهيئاتهما وموضعها من البدن، وسائر جوارحك من قرنك إلى قدمك ظواهرهما وبواطنهما من الأحشاء والأمعاء، وغير ذلك ممّا لا تخفى «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (6) . (والثالث أن تعرف ما أراد منك) يعني أن تعرف لماذا خلقك؟ وما أراد منك لمعاشك ومعادك؟ خلقك لمعرفته بمعرفة مفترض الطاعة، وطاعته على ما اُخبرت واُمرت، وأراد منك بمحض التفضّل الامتثال في الأمر والنهي هنا راضيا شاكرا، ثمّ الاشتغال بالسرور المخلّد، والعيش المؤبّد في دار الخُلد وجنان الرحمان بعد طيّ عقبات البرزخ ومواقف أهوال الموقف للعرض الأكبر، سالما حامدا «وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (7) . (والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك) يعني أن تعرف عدوّ دينك، ومن يفسد إيمانك موافقته وتبعيّته. إنّ رئيس رؤساء الأعداء لدين اللّه سبحانه هو إبليس اللّعين، وهو العدوّ المبين غير المبين، هو وأبالسته يجيئون للتسلّط على بني آدم بالوسوسة من الجوانب الستّة، وقد يتمثّلون بأشكالٍ مختلفة ويكيدون بمكائد عجيبة معجبة ، وقصّة الشيخ النجدي والذي أحكم البيعة أوّلاً مع الأوّل وغير ذلك من القصص معروفة، ونفوذهم في الأصنام المتنطّقة والوجديّين من الصوفيّة القدريّة والطائرين من الجواكي الهندية ظاهر لاُولي الأبصار، ومشهور بتواتر الأخبار . وكما أنّ للإيمان سلسلة واحدة نورانيّة ممتدّة من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيام قائمة في كلّ عصرٍ من الأعصار بحجّة معصوم وشيعته ، فللكفر سلاسل شتّى ظلمانيّة ممتدّة من لدن قابيل إلى انقراض الدنيا قائمة برئيس الملاعين وتبعته من الأبالسة والطواغيت وأشياعهم ومريديهم . وكما أنّ في سلسلة الإيمان فقهاء وفضلاء دائما، ففي سلاسل الكفر رؤساء مهراء في الشيطنة والنَكراء ما دامت الدنيا. تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين كلّهم أهل التوراة، كانت إحداها ناجية والباقية هالكة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلّهم أهل الإنجيل، إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، وهذه الاُمّة على ثلاث وسبعين كلّهم أهل القرآن كانت بالنصّ وإجماع الجميع إحداها ناجية والباقية باغية طاغية هالكة (8) . وقد عرفت مرارا أنّ مكائد أفكار الشيطان ومصائد خدائعه لعباد الرحمان خارجة من الإحصاء والحسبان، وأنّ أدقّها وأخفاها على الإنسان طريقة التصوّف المحفوفة بأشياء من المكارم والأخلاق والحديث والقرآن والأشعار والأمثال ومحاسن الأقوال والأفعال وغير ذلك ، كوسخ الحديد المرصّع بجواهر نفيسة وصنائع لطيفة؛ فكفر الصوفيّ أسوء صنوف الكفر، والتصوّف أخيب شعوب الشرك، وهو من أواخر أفكاره بذلك العمر، وتلك المهارة بتلك القوّة والجرأة الطامعة في الأنبياء عليهم السلام مع علمه بأنّهم معصومون قصدا بالذات إضلاله الناجية من الفرق؛ لعلمه بأنّهم لا يهلكون بالمعصية ومن ورائهم الزيارات والشفاعات وسائر الأسباب للنجاة والمنجيات، وأنّهم لا يكاد أن يتهوّدوا بوسوسته، أو يتنصّروا، أو يتمجّسوا، ففكّروا فكرا وتفكّر، فانتهى فكره إلى وضع طريقة التصوّف، فنعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، ولعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين على الملحدين الأبعدين من الصراط المستقيم، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله المعصومين وسلّم أبد الآبدين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «وجدت علم الناس» أي العلم الذي ينفعهم في الدِّين كلّه «في أربع كلمات أوّلها : أن تعرف ربّك» بأنّه ربّ العالمين على ما عرّف به نفسه . والثاني (9) : أن تعرف ما صنع بك» أي تعترف بأنّ خلق الدنيا وما فيها لو كان بدون التكليف وإرسال الرُّسل والأحكام والآداب والمجازاة في الآخرة لكان عبثا ولهوا ولعبا، كما بيّن المصنّف _ طاب ثراه _ في جواب السؤال الأوّل ، وبيّنا في شرح قوله في الخطبة : «فلو كانت الجهالة جائزة». والثالث : أن تعرف ما أراد منك» أي برسالة الرّسل وإخبارهم بمنافعك ومضارّك . والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك» كالشرك، والإصرار على الكبيرة، واتّباع أهل الرأي وأئمّة الجور» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «علم الناس» أي بما يحتاجون إلى معرفته وينتفعون به منحصر في أربع معارف «أوّلها» أي أوّل المعارف الأربع، أو أوّل أقسامها؛ حيث عُرِف انقسامها بالأقسام «أن تعرف ربّك» بكونه موجودا أزليّا أبديّا واحدا أحدا عالما قادرا وبسائر صفات ذاته وصفات فعله معرفة يقينيّةً فيما يمكن منها تحصيل (10) اليقين فيه . «والثاني» : من الأقسام معرفتك بما صنع بك من إعطاء العقل والحواسّ والقدرة واللّطف بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب، وسائر نعمه العظام . «والثالث» : معرفتك بما أراد منك وطلب فعله والكفّ عنه، وبما أراد من طريق معرفته وأخذه من المآخذ المعلومة بالعقل، أو بالنقل . «والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك» كاتّباع الطواغيت، والأخذ من غير المآخذ، وإنكار الضروريّ من الدِّين . (11)

.


1- . في الكافي المطبوع : + «بن إبراهيم».
2- . في «ب» و «ج»: «عن».
3- . لم نعثر عليه.
4- . في مجمع البحرين، ج 1، ص 315 (غرا) : «الغريّ، كغنيّ البناء الجيّد، ومنه الغريّان بناءان مشهوران بالكوفة، قاله في القاموس. وهو الآن مدفن عليّ عليه السلام ».
5- . غررالحكم، ص 232، ح 4637؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 292، ح 339. ورواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في عوالي اللآلي، ج 4، ص 102، ح 149؛ بحارالأنوار، ج 2، ص 32، ح 22.
6- . المؤمنون (23) : 14.
7- . يونس (10) : 10 .
8- . إشارة إلى حديث الافتراق، رواه الفريقان. راجع : بحارالأنوار، ج 28، ص 2، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله على ثلاث وسبعين فرقة و... .
9- . كذا، والمناسب: «والثانية» وكذا بعدها: والثالثة... والرابعة.
10- . في «الف»: «لتحصيل».
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 176 _ 177 .

ص: 493

. .

ص: 494

. .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عن الثلاثة (1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : مَا حَقُّ اللّه ِ عَلى العباد (2) ؟ فَقَالَ :«أَنْ يَقُولُوا مَا يَعْلَمُونَ ، وَيَكُفُّوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ فَقَدْ أَدَّوْا إِلَى اللّه ِ حَقَّهُ» .

هديّة :يعني : ما أهمّ حقوقه سبحانه على عباده، أو ما حقّ اللّه المندرج فيه جميع حقوقه. (ما يعلمون) أي ما يقطعون بأنّه حقّ، ولا قطع بحقيّة شيء من المختلف فيه بلا مكابرة إلّابإخبار الحجّة المعصوم المنحصر عدده في حكمته تعالى، وانحصر القطع في ذلك بالحقّ في حقّ قوله، وفعله، وتقريره؛ لانحصار الأعلميّة في ربّ العالمين . (ويكفّوا عمّا لا يعلمون) أي ما لا يقطعون بأنّه حقّ؛ لعدم العلم بمآخذه عن الحجّة؛ لعدم دخوله في الأخبار المضبوطة المتواترة المعالجة متشابهاتها بمعالجات معهودة عن الحجج عليهم السلام في جملة محكمات السنّة القائمة آحادها ومتواتراتها، وظنّيّة الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم، وتوقّف الفقيه الإمامي العدل الممتاز _ فضلاً عن العمل بالظنّ في زمن الغيبة بالعلاجات المنصوصة لو لم يلزم منه الحرج المنفيّ _ بمحكم الكتاب واجب قطعا . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : بيانه كنظيره، وهو السابع من الباب الثاني عشر . وقال الفاضل الاسترآبادي : «أن يقولوا ما يعلمون» من تصريحاتهم عليهم السلام بوجوب التوقّف عند عدم اليقين والقطع . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى اللّه حقّه» وذلك لأنّه إذا قال ما علمه قولاً يدلّ على إقراره ولا يكذبه بفعله، وكفّ عمّا لا يعلمه، هداه اللّه إلى علم ما بعده، وهكذا حتّى يؤدّي إلى أداء حقوقه . (4)

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- . في الكافي المطبوع : «على خَلقه».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95. وفي المصدر : - «عند عدم اليقين والقطع» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 177 .

ص: 498

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ سَهْلِ ، (1) عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اعْرِفُوا مَنَازِلَ النَّاسِ عَلى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا» .

هديّة :يعني : أنّ منزلة كلّ فقيه من فقهاء شيعتنا على قدر روايته عنّا؛ فالمكثر قدره أعلى من المقلّ إذا تساويا عقلاً وفهما وعملاً، وإلّا فالمقلّ مع الفهم والعمل أعلى قدرا من المكثر بدونهما ، فالمراد قدر الفهم فهم الراوي وراجله بأساليب كلامهم عليهم السلام لا قدر الرواية كثرةً وقلّةً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني اعرفوا أقدار الناس في الفُتيا والقضاء على قدر كثرة الرواية وقلّتها عنّا؛ بمعنى أنّ من أكثر من الاكتفاء بنقل حديثنا مَن دون تصرّف في لفظه أو معناه عند الجواب عن المسألة التي ليست في محكمات القرآن ويجري فيه الاختلاف بلا مكابرة فهو أسلم من الخطأ من الذي لم يكثر منه عند ذلك . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا» فكلّ طائفة كثير (2) مراجعتهم إلى أهل البيت، وكان رجوعهم إلى روايات أهل البيت عليهم السلام في الأخذ بالمعارف والمسائل، فهؤلاء أكمل عقلاً، وأسلم قلبا، وأطوع لأوامر اللّه ونواهيه. ومن كان يرجع إليهم في كثير، ويأخذون دينهم منهم ومن غيرهم، فهؤلاء ممّن يرجى فيهم أن يصلوا إلى النجاة بفضل اللّه . ومن يراجع غيرهم، وكان اعتماده في أخذ دينه على القائلين بآرائهم وأهوائهم في الدِّين، فهؤلاء لا خير فيهم، ولا يرجى منهم الصلاح والرجوع إلى الحقّ؛ وذلك لأنّ من أخذ بقولهم كان آخذا بقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» (3) . وما في معناه، ومن تركهم كان تاركا لما أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله به، من الأخذ عنهم آخذا بما نهى أخذ دينه عنه من غير كتاب اللّه وعترته فهما لا يفترقان كما نصّ عليه بقوله : «لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض » (4) .

.


1- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد».
2- . في المصدر: «كثر».
3- . حديث الثقلين مرويّ بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، رواه العامّة والخاصّة. راجع : صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119؛ و ج 3، ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و... .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 177 _ 178.

ص: 499

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْغَلاَبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَائِشَةَ الْبَصْرِيِّ رَفَعَهُ : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ :«أَيُّهَا النَّاسُ ، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِلٍ مَنِ انْزَعَجَ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ فِيهِ ، وَلَا بِحَكِيمٍ مَنْ رَضِيَ بِثَنَاءِ الْجَاهِلِ عَلَيْهِ؛ النَّاسُ أَبْنَاءُ مَا يُحْسِنُونَ ، وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُ ، فَتَكَلَّمُوا فِي الْعِلْمِ؛ تَبَيَّنْ أَقْدَارُكُمْ» .

هديّة :(الغلابي) بالمعجمة والمفردة : نسبة إلى بني غلاب _ كسَحاب _ قبيلة بالبصرة ، و(محمّد بن زكريا الغلابي )مولاهم؛ ذكره العلّامة _ طاب ثراه _ في كتابي الخلاصة والإيضاح (1) . و «الانزعاج» : الانقلاع عن المكان، والقلق والاضطراب. و «الزّور» : الكذب والباطل والبهتان. يعني : لا يغتمّ العاقل (من قول الزور فيه)؛ لأنّ الربّ الديّان المُجازي بالعدل الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء (2) ، حكم بين كلّ ظالم ومظلوم، وكلّ مفتر ومبرّاءٍ. (ولا بحكيمٍ مَن رضي بثناء الجاهل عليه) أي على فعله المذموم عند العقلاء، أو لمسرّته من الثناء وإن كان على مكرمة لا تكون فيه، وكلاهما ينافي الحكمة. «الناس أبناء ما يحسنون» على المعلوم من الأفعال؛ أي يحبّونه كما يحبّون آبائهم ، إنّ «كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» (3) يقال : أحسن الشيء، أي تعلّمه : فَعَلِمَه حسنا. و(العلم) من معاني الإحسان ، فمعنى «وقدر كلٌّ امرى ءٍ ما يحسن» : ما يعلمه حسنا . قال أمير المؤمنين عليه السلام : الناس من جهة التمثال أكفّاءأبوهم آدم والاُمّ حوّاء لا فضل إلّا لأهل العلم أنّهمعلى الهدى لمن استهدى أدلّاء وقيمة المرء ما قد كان يحسنهوالجاهلون لأهل العلم أعداء فقم بعلمٍ ولا تبغ له بدلاًفالناس موتى وأهل العلم أحياء (4) (تبيّن) بحذف إحدى التائين جُزِم في جواب الأمر، وقد مرّ مرارا أنّ المراد من العلم ما هو المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه»؛ لأنّ قول الزور قيل في اللّه وفي حججه ، فالانزعاج والانقلاع من المكان منه نوع من التكبّر، وهو علامة الجهل. «ولا بحكيم من رضى بثناء الجاهل عليه» أي بالثناء الصدق، والرضا بصدوره عن الجاهل بظنّه الميل إلى الجاهل ، فينبغي الاحتراز عنه . و«الأبناء» هنا استعارة لجماعة يُعرفون بشيء كما يُعرف الأبناء بالآباء . و«ما» موصولة ومضاف إليه . و«الإحسان» بمعنى كثرة الممارسة لفعل وإيقاعه حسنا . و«في» في «فيالعلم» للتعليل. وتعريف «العلم» للعهد الخارجي، يعني العلم بمحكمات الآيات البيّنات ، أو المراد علم الدِّين. و«تبيّن» على المضارع المعلوم للغائبة من باب التفعّل بحذف إحدى التائين، ومجزوم بالأمر . و«أقداركم» مرفوع وفاعل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ليس بعاقل من انزعج» أي من قلق وخرج عن مكانه من «قول الزور» أي الكذب والميل عن الحقّ مدحا كان أو ذمّا «فيه» أو في عدوّه؛ لأنّه إذا كان فيه كمال ونفاه الكاذب، لم يحصل له به منقصة، ولم يحصل للنّافي إلّا منقصة واستحقاق للعذاب، وإذا كان فيه منقصة لم يحصل له بإثبات الكمال من الكاذب الكمالُ، ولم يدفع (5) به عنه منقصة ، وكذا في عدوّه ، والعقل يمنع من الانزعاج بما يحكم بعدم ضرّه، وبما يحكم بعدم نفعه. «ولا بحكيم من رضى بثناء الجاهل عليه» لأنّ الحكيم عارف بأسباب الأشياء ومسبّباتها، ويعرف أنّ التخالف وعدم التناسب يوجب التنافر في الطبائع، وأنّ الجاهل لا يميل إلّا إلى مشاكله، فلا يثني إلّا على الجاهل، أو من يعتقد جهله ومناسبته له، أو من يستهزئ به باعتقاده، أو من يريد أن يخدعه ، والحكيم لا يرضى بشيء من ذلك، والحكمة لا يجامع الرضا بثناء الجاهل، والعقل لا يجامع الانزعاج من قول الزور، وبالرضا يعرف انتفاء الحكمة، وبالانزعاج انتفاء العقل . «الناس أبناء ما يحسنون» أي ينبغي أن يكون افتخار الناس بما يعلمون (6) ، وهو يُحسن الشيء إحسانا، أي يعلمه ، والشائع افتخار الأبناء بآبائهم (7) ، أو المراد أنّه كما أنّ نظام حال الابن وصلاحه بالأب، كذا نظام حال الناس وصلاحهم بما يعلمونه (8) .

.


1- . خلاصة الأقوال، ص 259، الرقم 104؛ إيضاح الاشتباه، ص 257، الرقم 611 .
2- . اقتباس من الآية : 61 من سورة يونس (10).
3- . المؤمنون (23) : 53 ؛ الروم (30) : 32.
4- . ديوان الإمام عليّ، ص 24.
5- . في المصدر : «يرفع».
6- . في المصدر : «بما يحسنون، أي يعملون».
7- . في المصدر : + «فهم أبناء مايعلمون، أي ينبغي أن يكون افتخارهم به».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 177 _ 178.

ص: 500

. .

ص: 501

. .

ص: 502

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عن الإثنين (1) ، عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، (2) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ : عُثْمَانُ الْأَعْمى ، وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ الْعِلْمَ يُؤْذِي رِيحُ بُطُونِهِمْ أَهْلَ النَّارِ . فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«فَهَلَكَ إِذَنْ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ ، مَا زَالَ الْعِلْمُ مَكْتُوما مُنْذُ بَعَثَ اللّه ُ تَعالى نُوحا ، فَلْيَذْهَبِ الْحَسَنُ يَمِينا وَشِمَالاً ، فَوَ اللّه ِ مَا يُوجَدُ الْعِلْمُ إِلَا هاهُنَا» .

هديّة :ليس إنكاره عليه السلام إنكارا لمساءة مطلق الكتمان، وقد سبق في باب بذل العلم _ يعني لأهله _ أحاديث في الحثّ على الإعلان وعدم الكتمان، بل إنكار لإنكار الحسن البصريّ شرعيّة التقيّة وما هو الحقّ من الحقّ . وكان الحسن البصري _ لعنه اللّه _ من رؤساء الصوفيّة القدريّة ومبتدعي طريقتهم المهلكة، لعنهم اللّه وقصم ظهرهم . والنصّ في لعنه ولعنهم كثير كما في مواضع من الكافى¨ (3) وغيره . والشيخ أبو عليّ الطبرسي رحمه اللهروى في الاحتجاج روايات في طعن اللّعين البصري منها : أنّه «سامريّ هذه الاُمّة » (4) ، ومنها : أنّه «أخو الشيطان». (5) فإن قيل : كانت التقيّة من زمن هابيل وقابيل فما وجه التخصيص ؟ قلنا : لعلّ الوجه أنّ نوحا عليه السلام أوّل اُولي العزم عليهم السلام . ويجيء في كتاب الروضة أنّ نوحا عليه السلام أوّل مسؤول في القيامة عن التبليغ؛ لأنّه أوّل اُولي العزم عليهم السلام (6) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «البصري» بكسر الباء : نسبة إلى البصرة بفتحها. نشأ توهّم الحسن البصري من عدم فهمه قوله تعالى في سورة البقرة : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّه ُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ» (7) . وغفل عن أنّ الكتمان على قسمين : الأوّل : ما يكون بالرأي والقياس، وهوى النفس، والتأويل الباطل، أو التخصيص كذلك . والثاني : ما يكون تقيّةً . والمراد في الآية القسم الأوّل . و«البيّنات» بمعنى المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ، والاختلاف ظنّا. و«الهدى» : الإمام العالم بجميع المتشابهات والمشكلات، ف «الهدى» عطف على «ما أنزلنا» : وضمير «بيّناه» للهدى (8) الذي آياته صريحة في ذلك . و«بيّناه للناس» دلالة على أنّ في معنى تلك المحكمات ودلالتها على الهدى لا اشتباه أصلاً. وقصد اللّعين البصري من كلامه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكتم علمه ولم يخصّص أهل بيته بتعليمه، بل علّم جميع الاُمّة بما علم ، فقال عليه السلام ردّا على اللّعين : «فهلك إذن» إلى آخره . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فهلك إذن مؤمن آل فرعون» بكتمانه إيمانه ومعرفته باللّه . والحاصل : أنّه كيف يكون الكتمان قبيحا موجبا للعقاب، وكان المؤمنون يكتمون (9) تقيّةً كمؤمن آل فرعون. وفي العلوم الحقيقيّة الفائضة من المبدأ على اُولي العزم ما يُتّقى فيه عامّة الناس ولا يجوز إظهارها بينهم. «وما زال هذا العلم مكتوما منذ بعث اللّه نوحا»، وكان مطلب اللّعين من ادّعائه ذلك [إظهار] (10) أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن عنده علم سوى ما اشتهر بين الناس وفي أيديهم من أحاديثه، ولم يكن عند أمير المؤمنين عليه السلام علم بغير ما اشتهر، (11) وتكذيب مَن يدّعي أنّ عنده علم من علوم النبيّ صلى الله عليه و آله غير ما في أيدي الناس ، فأبطل عليه السلام [قوله] (12) ردّه بأنّ الكتمان عند التقيّة أو الحكمة المقتضية له طريقة مستمرّة منذ زمن نوح عليه السلام إلى الآن . «فليذهب الحسن» الذي يزعم انحصار العلم فيما في أيدي الناس «يمينا وشمالاً (13) ، فواللّه ، لا يوجد العلم إلّا هاهنا» أي عند أهل البيت الذين ائتمنهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله على علومه، وهي عندهم عليهم السلام (14) [مكتوبة] (15) .

.


1- . يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمد».
2- . في «ب» و «ج»: - «بن عثمان».
3- . اُنظر: الكافي ج 2، ص 113، باب الصناعات، ح 2.
4- . الاحتجاج، ج 1، ص 251، احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بعد دخوله البصرة... .
5- . لم نعثر عليه.
6- . راجع : الكافي، ج 8 ، ص 267، ح 292.
7- . البقرة (2) : 159.
8- . في «الف»: «الهدى».
9- . في المصدر : «يكتمونه».
10- . أضفناه من المصدر.
11- . في المصدر : «ما هو المشهور» بدل «ما اشتهر».
12- . أضفناه من المصدر.
13- . في المصدر : + «أي إلى كلّ جانب ليطلبه من الناس؛ فإنّه لايوجد عندهم أكثر علوم المعارف والشرائع».
14- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 179 _ 180.
15- . أضفناه من المصدر.

ص: 503

. .

ص: 504

. .

ص: 505

باب رواية الكتب والحديث

الباب الثامن عشر : بَابُ رِوَايَةِ الْكُتُبِ وَالْحَدِيثِ وَفَضْلِ الْكِتَابَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْكُتُبِوأحاديثه في الكافي خمسة عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي عن الثَلاَثَةِ ، عَنْ بُزُرْجَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : قول اللّه عزّ وجلّ (2) : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ» ؟ قَالَ :«هُوَ الرَّجُلُ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ ، فَيُحَدِّثُ بِهِ كَمَا سَمِعَهُ ، لَا يَزِيدُ فِيهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ» .

هديّة :في العنوان : (رواية الكتب) يعني باب رواية كتب الحديث والدّعاء عن رواتها من طريق الإماميّة. (والحديث) يعني ورواية الحديث في باب نقل الحديث. (وفضل الكتابة) أي كتابة الحديث. (والتمسّك بالكتب) أي وفضل التمسّك بكتب الحديث. وصدر الآية في سورة الزّمر : «فَبَشِّرْ عِبَادِى * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ» (3) الآية . وهذا أحد معاني هذه الآية. وقد مضى لها معنى آخر في حديث هشام، الثاني عشر من الباب الأوّل. (لا يزيد فيه ولا ينقص منه) يعني في معناه، ومن معناه، بدليل الأخبار الآتية إن شاء اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني هذا باب الأحاديث المنسوبة إلى نقل الكتب من رواة الحديث، والأحاديث المنسوبة إلى نقل الحديث، وفضل كتابة الحديث، وفضل حفظ كتب الحديث ومحافظتها للتمسّك بها، والعمل بمضمونها. وفي آية سورة الزمر «هو» راجع إلى «أحسنه»، أو إلى قائل أحسنه المفهوم من السياق . فعلى الأوّل يقدّر : «قول الرجل». والحصر على التقديرين بناءً على أنّ هذا آخر مراتب اتّباع أحسن القول؛ لتأخّره عن اتّباع «أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» (4) و «أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم» (5) أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم (6) في سورة الزمر، فتشتمل على جميع مراتب الاتّباع لأحسن القول . وسيجيء الوجه لأولويّة رواية لفظ الحديث بعينه من نقله بالمعنى في كتاب الحجّة في الأوّل من الباب الثاني والمائة باب ما أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بالنصيحة لأئمّة المسلمين . ولعلّ هذه البشارة لمؤمني زمن الغيبة، أو للغائبين عن الإمام في أيّ زمان كانوا . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «والتمسّك بالكتب» قصده _ طاب ثراه _ أنّ أصحاب العصمة عليهم السلام جمعوا أحاديثهم وكتبوا كتبا من أحاديثهم بأمرهم عليهم السلام ؛ ليعمل بها الشيعة في زمن الغيبة الكبرى، وتلك الكتب صار مجمعا على صحّتها بين جمع من أصحاب العصمة عليهم السلام ، فتعيّن العمل بها لا بالخيالات الظنّية . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «هو الرجل» أي المستمع للقول المتّبع أحسنه هو الرجل يسمع الحديث ويحفظه، فيحدّث به ويرويه كما سمعه بلا زيادة ونقصان . فالاتّباع عبارة عن السلوك بقول راويه مسلك ما سمعه وحدّثه به، واقتدأً واقتفأً لأثره، والاحتذاء حذائه (8) بلا زيادة ونقصان، وأحسن القول أكثره حسنا، وهو المحكم الباقي مرّ (9) الدهور حكمه ، فقوله تعالى : «أحسنه» مفعول لقوله : «يتّبعون» كما في قوله تعالى : «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ» (10) .

.


1- . السند في الكافيالمطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير».
2- . في «الف» : - «قول اللّه عزّ وجلّ».
3- . الزمر (39) : 17 _ 18 .
4- . الزمر (39) : 23.
5- . الزمر (39) : 55.
6- . في «ب» و «ج»: - «أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95 . مع تفاوت يسير في صدر العبارة .
8- . في المصدر : «بقوله: رواية مسلك ما سمعه وحدّثه به غيره اقتداءً واقتفاءً لأثره والاحتذاء به حذاءه.
9- . في المصدر: «مدّ».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 180 _ 181. والآية في الزمر (39) : 55 .

ص: 506

. .

ص: 507

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْكَ ، فَأَزِيدُ وَأَنْقُصُ؟ قَالَ :«إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مَعَانِيَهُ ، فَلَا بَأْسَ» .

هديّة :رخصةٌ في نقل الحديث بالمعنى وإن زيد في لفظه أو نقص منه إذا لم يخلّا بالمعنى المقصود من لفظه، واحدا كان أو أكثر (2) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني «فلا بأس»؛ إذ لم يوجب الزيادة أو النقصان في اللفظ الزيادة والنقصان المخلّ في المعنى بوجه في وجوهه إذا كان ذا معاني . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فأزيد وأنقص» أي عندما اُحدّث به وأرويه . والمراد السؤال عن جواز الزيادة والنقصان فيما يسمع من الحديث عند روايته ، فأجاب عليه السلام بقوله : «إن كنت تريد معانيه» أي أن يقصد بالزيادة والنقصان إفادة معانيه، أو إن كنت تقصد حفظ معانيه، فلا يختلّ بالزيادة والنقصان «فلا بأس» بأن تزيد أو تنقص . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى».
2- . في «ب» و «ج»: «كثيرا».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 181.

ص: 508

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام: إِنِّي أَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْكَ ، فَأُرِيدُ أَنْ أَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ فَلَا يَجِيءُ؟ قَالَ : «فَتَتَعَمَّدُ ذلِكَ؟» . قُلْتُ : لَا ، فَقَالَ : «تُرِيدُ الْمَعَانِيَ؟» . قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «فَلَا بَأْسَ» .

هديّة :(فلا يجيء) أي فلا أقدر عليه؛ لأنّه نسي خصوص اللّفظ، أو لعسر الإفهام، أو لغرض آخر. في بعض النسخ : «فتعمّد» من عمده _ كضرب _ : قصده كتعمّده، يعني : أفتريد حنيا ؟ فالتقدير : «أفقد تتعمّد أن ترويه بغير لفظ عمدا لا لغرض صحيح، أو نسيان خصوص اللفظ ». (قلت : لا ، فقال تريد المعاني؟) أي بيان المعاني لمكان النسيان، أو لغرض آخر؟ (قلت : نعم ، قال : فلا بأس) في «فلا بأس» كسابقه دلالة صريحة _ كظاهر الآية _ فيه على جواز نقل الحديث بالمعنى على الوجه الصحيح، إلّا أنّ نقله بألفاظه على ما سمع أولى بالاتّفاق؛ لوجوه بيّنة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فتعمّد ذلك» على الخطاب المعلوم من الإفعال، أو التفعيل، والإعماد والتعميد : جعل الشيء ذا عمد. والعمد _ بالتحريك _ : جراحة سنام الإبل من تحت الجلد مع صحّة ظاهر الجلد. يعني فلا يجيء بخاطري كما سمعتُ . قال : أفتجعل الكلام حَسَن الظاهر وسيّء الباطن؟ بمعنى أنّك تخيّل الناس بذلك أنّ اللفظ الذي تلفظ به هو لفظك؟ «قلت : لا ، فقال : تريد المعاني؟» يعني جميع معانيه بلا زيادة ونقصان ؟ «قلت : نعم ، قال : فلا بأس ». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فلا يجيء» أي هل يجوز فيما سمعته منك واُريد أن أرويه كما سمعته بألفاظه فلا يجيء كذلك ؟ (1) قال عليه السلام في جوابه : «فتعمّد ذلك؟» يقال : تعمّدته : إذا قصدته كعمدته، أي أتقصد اللّفظ وتريد به روايته بألفاظه جميعا ؟ فقال السائل : «لا ، فقال عليه السلام : تريد المعاني؟» أي روايته بمعانيه من غير محافظة على اللّفظ؟ فقال السائل : «نعم ، فقال عليه السلام : فلا بأس» أي إذا كنت بصدد نقل المعنى، فلا بأس بعدم المحافظة على اللّفظ . ويحتمل أن يكون «فتعمّد» من المجرّد. يقال : عمدت الشيء، أي أقمته بعماد، أو «فتعمد» من إلأفعال. يقال : أعمدته جعلت تحته عمادا، ويكون (2) المعنى : أفتضمّ إليه شيئا من عندك تُقيمه به وتصلحه كما يقام الشيء بعماد يعتمد عليه ؟ فقال السائل : «لا ، فقال عليه السلام : تريد المعاني» وتقصدها وتحفظها من الزيادة والنقصان؟ فقال السائل : «نعم ، فقال : فلا بأس» في النقل بالمعنى . (3)

.


1- . في المصدر : + «أن أرويه كما يجيء».
2- . في «الف»: «أو يكون».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 181 _ 182. بتفاوت وزيادة في المصدر.

ص: 509

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْهُ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : الْحَدِيثُ أَسْمَعُهُ مِنْكَ أَرْوِيهِ عَنْ أَبِيكَ ، أَوْ أَسْمَعُهُ مِنْ أَبِيكَ أَرْوِيهِ عَنْكَ؟ قَالَ :«سَوَاءٌ ، إِلَا أَنَّكَ تَرْوِيهِ عَنْ أَبِي أَحَبُّ إِلَيَّ» . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام لِجَمِيلٍ : «مَا سَمِعْتَ مِنِّي فَارْوِهِ عَنْ أَبِي» .

.


1- . السند في الكافي هكذا : «وعنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 510

هديّة :(قال سواء) لأنّ علومهم عليهم السلام من معدن واحد، وهم من نور واحد . ووجه الاستثناء كثير، منها التقيّة، وسرعة بعض الطبائع، وتذكير الإمام السابق . وله فوائد شتّى، منها تذكّر وجوب وجود إمامٍ في كلّ عصرٍ من الأعصار، ووصيّته لخلفه ومطابقة قول الوصيّ والموصي، وغير ذلك، كرجحان علوّ السند، وقرب الإسناد من النبيّ عليه السلام عند الناس في قبول الرواية. وتوقّف الواقفة على الأب، فلا يكون حجّة عليهم من الوجوه والفوائد . (وقال أبو عبداللّه عليه السلام ) كلام ثقة الإسلام، أو أبي بصير، أو غيره من رجال السند . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «سواء» في المطابقة للواقع. ووجه الأحبّيّة : التقيّة؛ إذ لا يحتمل تطرّق الضرر إلى الإمام السابق . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : هذا السؤال يحتمل وجهين : أحدهما : هل فرق بين رواية المسموع منك عن أبيك، وبين رواية المسموع من أبيك عنك أم لا؟ والثاني : هل يجوز أن أروي عن أبيك ما كان سماعه منك، وأروي عنك ما كان سماعه من أبيك ؟ ومعنى الجواب على الأوّل : أنّهما سواء في الجواز، فكما يجوز أن تروي عن أبي ما تسمعه منّي؛ حيث يُعلم أنّ حديثي حديثه ومأخوذ منه، فكذلك يجوز أن تروي عنّي ما كان سماعه من أبي؛ لما يُعلم أنّ أحاديثنا واحد لا يختلف . وعلى الثاني : أنّ السَّماعَين سواء في الجواز بالنسبة إلى الروايتين، وذلك حيث أخبر عليه السلام مجملاً بأنّ ما كان يقول به أحد من الحجج عليهم السلام يقول به الآخر وأنّ أحاديثهم لا يختلف. وقوله «إلّا أنّك»، جارٍ في الاحتمالين . وعلى الاحتمال الثاني يمكن تعلّقه بالقرينتين وبالأخيرة . فعلى الاحتمال الأوّل يكون المعنى : رواية المسموع منّي عن أبي أحبّ إليَّ من رواية المسموع من أبي عنّي . وعلى الاحتمال الثاني على تقدير تعلّقه بالجميع يكون المعنى : رواية كلّ منهما عن أبي أحبّ إليّ من روايته عنّي . وعلى تقدير تعلّقه بالأخيرة يكون المعنى : رواية المسموع من أبي عنه أحبّ إليَّ من روايته عنّي؛ لأنّ في رواية المسموع من أبيه عنه يتوهّم كونه مسموعا عنه بخصوصه، وهو خلاف الواقع . وفي رواية المسموع منه عن أبيه رعاية التقيّة، واستشهاد الرواية عن الأعلى الذي إنكار أهل الزمان له أقلّ. وأحبّيّته إليه إمّا للتقيّة أو للتحرّز عن إيهام ما هو خلاف الواقع من سماعه بخصوصه من المروي عنه . «وقال أبو عبداللّه عليه السلام » من كلام أبي بصير، ويحتمل أن يكون ابتداء ذكر حديثٍ آخر من الكليني طاب ثراه بترك الإسناد. (1) انتهى . «فعلى الاحتمال الأوّل _ إلى قوله _ : أقلّ» كأنّه حاشية منه اُدخلت في المتن، لما لا يخفى (2) . وفي «أو للتحرّز» ما فيه .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 182 _ 183.
2- . في المصدر أيضا في الهامش نقلاً عن حاشية «ت، م، ل» مخطوطات المتن.

ص: 511

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ السّرّاد (1) ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : يَجِيئُنِي الْقَوْمُ ، فَيَسْتَمِعُونَ مِنِّي حَدِيثَكُمْ ، فَأَضْجَرُ وَلَا أَقْوى؟ قَالَ :«فَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِهِ حَدِيثا ، وَمِنْ وَسَطِهِ حَدِيثا ، وَمِنْ آخِرِهِ حَدِيثا» .

هديّة :ضجرمنه وبه، كعلم : تبرّم وقلق من الغمّ والسّآمة. (من أوّله) أي من أوّل كتاب الحديث، أو أوّل درسهم . قال برهان الفضلاء : «يجيئني القوم» يعني من الشيعة. «حديثكم» أي كتاب حديثكم. «فأضجر» أي من كثرة عدد الدّرس، أو طوله. «من أوّله حديثا» أي من أوّل الكتاب درسا «ومن وسطه» درسا «ومن آخره» درسا؛ لأنّ الضجر إن كان من كثرة عدد الدرس فالتقليل يوجب الراحة، وإن كان من طوله فالانتشار يوجب الراحة، كما مرّ في الأوّل من باب النوادر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «يجيئني القوم» لسماع حديثكم منّي، فأقوم بقضاء حاجتهم، ويسمعون منّي حديثكم ولا أقوى على ما يريدون من سماع كلّ ما رُوِّيته من حديثكم منّي وأضجر؛ لعدم الإتيان بمرادهم. فقال عليه السلام في جوابه : «فاقرأ عليهم من أوّله» أي من أوّل كتاب الحديث «حديثا ومن وسطه حديثا ومن آخره حديثا ». والمعنى أنّه إذا لم تَقْو على القيام بمرادهم _ وهو السماع على الوجه الكامل _ فاكتف بما يحصل لهم فضل السماع في الجملة ، ولينتفعوا بما به يجوز العمل والنقل، من الإجارة وإعطاء الكتاب غيره، كما ورد في الأخبار والأحاديث. (2) وقال السيّد السند أميرحسن القائني رحمه الله : يعني أنّ الحديث إذا كان متعدّدا وتضجر من قرائته جاز أن تقرأ عليهم من أوّل الكتاب حديثا، ومن وسطه آخر، ومن آخره آخر. وإن كان حديثا واحدا طويلاً فاقرأ عليهم كلاما مفيدا مستقلّاً من أوّله، وكذا من وسطه وآخره . ولعلّ الوجه في تخصيص الأوّل والوسط والآخر أنّ الجمل المتقاربة تكون في أكثر الأمر من نوع واحد، فليست الفائدة فيها كالتي في الجمل المتباعدة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 184.

ص: 512

الحديث السادسروى فيالكافي بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَالِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُعْطِينِي الْكِتَابَ ، وَلَا يَقُولُ : ارْوِهِ عَنِّي ، يَجُوزُ لِي أَنْ أَرْوِيَهُ عَنْهُ؟ قَالَ : فَقَالَ :«إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْكِتَابَ لَهُ ، فَارْوِهِ عَنْهُ» .

.

ص: 513

هديّة :(الحلّال) : بيّاع الحلّ _ بفتح المهملة وتشديد اللّام _ يعني الشيرج، وهو دهن السمسم. (1) (الرجل من أصحابنا) أي الثقة من الإماميّة. والحديث من مواضع الرخصة في اعتبار الإذن فحوىً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «إذا علمت أنّ الكتاب له» أي أنّه روايته عن الإمام بلا واسطة أو بواسطة. ولا يخفى أنّ في هذا الحديث دلالة على أنّه لا اعتبار بقول من اعتبر الإجازة والرخصة في نقل الكتاب بمجرّد العلم بأنّ مصنّفه فلان . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «إذا علمتَ أنّ الكتاب له فاروه عنه» أي إعطاء كتاب الحديث ممّن تعلم أنّه من مرويّاته ومسموعاته كافٍ في رواية الكتاب عنه . أو المراد أنّ العلم بأنّ الكتاب له ومن مرويّاته كافٍ للرواية، سواء كان مع إعطاء الكتاب أو لا ، لكن لا يقول (2) : «أخبرني» أو «حدّثني» بل يقول : «روى» وأمثاله . (3) انتهى. اعتبار برهان الفضلاء إعطاء صاحب الكتاب لا يأبى عن إعطائه ولو بواسطة ثقةٍ أو أكثر، فلا يتوهّم المنافاة من ظاهر كلامه بينه وبين كلام السيّد؛ لمكان الفرق البيّن بين الكتاب المضبوط بتواتر الثقات، وما ليس كذلك وإن علم أنّه من مصنّفات فلانٍ الثقة .

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ (4) ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه : إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ ، فَأَسْنِدُوهُ إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ ، فَإِنْ كَانَ حَقّا فَلَكُمْ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبا فَعَلَيْهِ» .

.


1- . اُنظر : لسان العرب، ج 11، ص 173 (حلل).
2- . في «ب» و «ج»: «لا يقال».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 184 .
4- . في الكافي : «عليّ بن إبراهيم».

ص: 514

هديّة :احتمال المجهول في (إذا حدّثتم) بعيد . ولعلّ المعنى إذا أردتم رواية الحديث وأنتم شاكّون في ثقة مَنْ حدّثكم به (فأسندوه) إليه فالأمر للوجوب. (فلكم) أي ثوابه. (فعليه) أي إثمه وعقابه . قال برهان الفضلاء : نصح عليه السلام شيعته بهذا؛ لتكثّر الكذّابة فيزمنه و بعدَه. «وإذا حدّثتم» يحتمل المجهول والمعلوم من باب التفعيل، والأوّل أنسب ب «حدّثكم» وبما يأتي في الثاني عشر من هذا الباب . «فإن كان حقّا» أي فإن ظهر أنّه حقّ «فلكم» نفعه، وإن ظهر بطلانه بمثل أنّه مخالف لمحكمات القرآن «فعليه» ضرره لا عليكم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني كلّما تحدّثون بحديث وتروونه فأسندوه عند روايته «إلى الذي حدّثكم» به . ويحتمل أن يكون الفعل مجهولاً؛ أي إذا سمعتم الحديث من راويه «فاسندوه» عند روايته «إلى الذي حدّثكم» به وأخذتم الرواية عنه (1) .

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ عَليِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْمَدَنِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ حُسَيْنٍ الْأَحْمَسِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«الْقَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابَةِ» .

هديّة :حثّ عليه السلام الرعيّة على فضل كتابة الحديث وضبطه بها؛ لمكان عموم بلوى النسيان . و«الاتّكال» : الاعتماد. يعني يتّكل ويطمئنّ لتمكّنه من الرجوع عند النسيان . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني اكتبوا ما سمعتم من الحديث؛ لئلّا تشكّوا فيه عند روايته . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : هذا تحريص منه عليه السلام على كتابة الحديث، وعدم الاكتفاء بالحفظ والاتّكال على المحافظة (2) . (3)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 184 _ 185 .
2- . في هامش «الف» والمصدر : «الحافظة».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 185 .

ص: 515

الحديث التاسعروى في الكافي عن الإثنين ، عَنْ الْوَشَّاءِ (1) ، عَنْ عَاصِمِ بن حُمَيدٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اكْتُبُوا ، فَإِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتّى تَكْتُبُوا» .

هديّة :يعني (اكتبوا) ما تسمعون من حديثنا (فإنّكم لا تحفظون) لأنّكم الرعيّة ، والغنى عن الكتابة خاصّ بالحجج المعصومين عليهم السلام . ومن مزخرفات الصوفيّة القدريّة أنّ الكتب قطّاع الطريق في مسلك أهل التحقيق ، مع أنّ كتب الضلال منهم أكثر من سائر أهل الضلال. والإنسان عدوّ لما جهله (2) . ولِمَ لا يذمّون كتبنا وهي تفضحهم، ولِمَ لا يقولون : إنّ اللعنة محض الرحمة واللّعنة يبدّدهم ويستأصلهم؟! و الحربة التي صنعها اللّه القهّار لأعدائه من اللّام والعين والنون لن يفلّ حدُّها بتمحّلهم (3) بمثل مزخرفاتهم، بل تصير أنفذ وأقطع بالتجربة والعيان . قال برهان الفضلاء : «اكتبوا» أي أحاديثنا ومثل الحديث. ردّ على الصوفيّة؛ لقولهم بأنّ الكتاب سدّ في طريق السالك؛ يعني السالك إلى جهنّم وبئس المصير .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء».
2- . إشارة إلى كِلام مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام المرويّ في نهج البلاغة، ص 533 ، الحكمة 438 : «الناس أعداء ماجهلوا».
3- . في «ب» : «بتجهّلهم».

ص: 516

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ (1) ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا» .

هديّة :«الاحتفاظ» : مبالغة في الحفظ . والظاهر أنّ هذه المبالغة للاحتياج إليها في زمن الغيبة، أو في أوان الشّيب وضعف القوى لا سيّما الحافظة ، أو (سوف) إشارة إلى اختصاص عدم النسيان بالحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم . قال برهان الفضلاء : «بكتبكم» أي بكتب أحاديثنا، كالاُصول الأربعمائة المدوّنة في زمانه عليه السلام . و «الباء» في «بكتبكم» باعتبار تضمين معنى التمسّك، أو لتقوية التعدية . والأوّل أنسب بعنوان الباب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فإنّكم سوف تحتاجون إليها» إخبار منه عليه السلام بوقوع الغيبة، وبعدم تمكّن الناس من المراجعة إلى الحجّة، وعند ذلك لابدّ من الرجوع إلى الكتب المصنّفة في أحاديثهم عليهم السلام (2) .

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (3) ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخَيْبَرِيِّ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«اكْتُبْ ، وَبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ ، فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لَا يَأْنَسُونَ فِيهِ إِلَا بِكُتُبِهِمْ» .

هديّة :في بعض النسخ : «أبي معبد الخيبري» كمنصب. ولعلّه الذي روى عنه المخالفون أيضا. (الكتب) أي أحاديثنا. (فإن متّ) أي صار الموت مشرفا عليك، أو صرت مشرفا على الموت . «والهرج» : الفتنة والاختلاط في الأوضاع للاختلاف. «أنس به» كعلم وكنصر لغةً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «زمان هرج» يعني زمان فتنة وغيبة الإمام عليه السلام . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : بخطّه : «اكتب وبثّ علمك» إلى آخره ، سيجيء في باب الغيبة تصريح من أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بذلك (4) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فأورث كتبك بنيك» أي اجعلها بحيث يصل إليهم بعدك ويبقى في أيديهم . ويحتمل أن يكون الفعل مجهولاً و «بنيك» مصغّرا. «فإنّه يأتي على الناس زمان هرج » يُقال : هرج الناس ، إذا اختلطوا . و المراد اختلاط الباطل بالحقّ بحيث لا يمكن فيه التوصّل إلى الحجّة والحقّ الصريح. وزمان الغيبة زمان ذلك الاختلاط . وما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «بين يدي الساعة هرج» (5) إشارة إلى ذلك الزمان وما فيه، وإذ لا يتيسّر الوصول (6) إلى الحجّة فيه فلابدّ من التوصّل إلى ما أمكن الوصول إليه بالكتب، كما قال عليه السلام : «لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم» (7) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الفضّال».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 185 .
3- . في الكافي : «أحمد بن محمّد بن خالدٍ البرقي».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
5- . النهاية لابن الأثير، ج 5 ، ص 587 (هرج). بحارالأنوار، ج 33، ص 368، ح 599.
6- . في المصدر : «لا تَيَسُّر للوصول».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 185 _ 186 .

ص: 517

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ العِدّة ، عَنْ البرقي ، عن محمّد بن عليّ، رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ الْمُفْتَرِ عَ» . قِيلَ لَهُ : وَمَا الْكَذِبُ الْمُفْتَرِ عُ؟ قَالَ : «أَنْ يُحَدِّثَكَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ، فَتَتْرُكَهُ وَتَرْوِيَهُ عَنِ الَّذِي لم يحدّثك به حَدَّثَكَ عَنْهُ» .

.

ص: 518

هديّة :(المفترع) إمّا بالفاء والعين المهملة على اسم المفعول. و«افتراع البكر» اقتضاضها (1) ، ف «الكذب المفترع» يعني القول الذي لا ينقل عن صاحبه بماء وجهه أو القول الذي يفتضح عيبه إذا اختبر، كالبكر المفترع المدّعية لبكارتها . أو بالقاف على اسم الفاعل من الاقتراع : مبالغة في القرع، يعني يقترع هامة قائله بالافتضاح . في بعض النسخ المعتبرة : «حدّثك عنه» مكان «لم يحدّثك به» يعني وتروِّيه عن راوي راويك لغرض الاعتبار . وقال السيّد الباقر الشهير بالداماد : «المقترع» بالقاف على اسم المفعول من الاقتراع، بمعنى الاختبار والامتحان؛ أي الممتحن أنّه لا يمكن أن لا يفتضح . وفي بعض النسخ : «عن الذي حدّثك عنه» مكان «عن الذي لم يحدّثك به» أي عن الشيخ الذي حدّثك ذلك الرجل روايته عنه . وفي آخر : «عن غير الذي حدّثك به» أي غير ذلك الرجل الذي حدّثك بذلك الحديث (2) . وقال برهان الفضلاء بعد ضبطه : «عن الذي حدّثك عنه (3) » : «والكذب المفترع» أي الكذب المتعارف المبتذل، كالبكر المفترع. أو الافتراع من الفرع، بمعنى الأعلا؛ فإنّ فرع كلّ شيء أعلاه، كأنّ هذا المحدّث يريد أن يجعل حديثه مفترعا؛ أي مرتفعا، فيسنده إلى الأعلى بحذف الواسطة؛ لغرض علوّ السند، كما إذا حدّثه زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام فقال : قال أبو عبداللّه عليه السلام ، وأمّا إذا قال : حدّثني أبو عبداللّه عليه السلام فهو كذب صريح . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : «الاقتراع» بالقاف : الاختبار، وإيقاد النار . فلعلّ المعنى : الكذب الموجب للعقاب ، ف «المقترع» على اسم الفاعل . وفي بعض النسخ : «عن الذي لم يحدّثك به» مكان «عن الذي حدّثك عنه». وضبط بعض المعاصرين (4) : «لم يحدّثك به» وقال : والصواب أن يقال : الافتراع بمعنى التفرّع؛ فإنّه فرّع قوله على صدق الراوي، وإنّما كان كذبا لأنّه غير جازم بصدوره عن الأصل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «افترع البكر» : اقتضّها. و«المفترع» إمّا اسم الفاعل، أي المزيل لبكارة البكر. أو اسم مفعول، أي ما اُزيل بكارته. وعلى الأوّل معناه الكذب الذي يترتّب عليه ما لم يكن قبله من إزالة المانع من العمل بالخبر، وهو حال الراوي إذا لم يكن بحيث يجوز العمل بخبره، أو وصف له بصفة فاعله؛ فإنّه مفترع به حيث لم يشاركه غيره في خصوصه . وعلى الثاني معناه الكذب الذي سبقكم به غيرُكم، ويكون إشارة إلى وقوع هذا القسم من الكذب من السابقين من رواة الحديث (5) .

.


1- . في هامش المخطوطة : «الاقتضاض _ بالقاف والمعجمتين _ : إزالة البكارة (منه)».
2- . التعليقة على الكافي، ص 117، بتفاوت يسير.
3- . في «ب» و «ج»: - «حدّثك عنه».
4- . أراد ببعض المعاصرين صاحب الوافي، اُنظر: الوافي، ج 1، ص 232.
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 186 _ 187 .

ص: 519

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدُ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ البزنطي (1) ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَعْرِبُوا حَدِيثَنَا؛ فَإِنَّا قَوْمٌ فُصَحَاءُ» .

هديّة :يعني لا تلحنوا في إعراب الكلمات حين التكلّم بحديثنا . أو المعنى : أزيلوا فساد الخلاف الذي قد يتوهّم من ظاهر حديثنا بالتأويل الصحيح، من عَرِبَ _ كعلم _ : فسد، فهمزة الإفعال للإزالة. أو المعنى : أظهروا حديثنا كما رَوَيْتُموه من دون تصرّف فيه عند إرادة النقل بخصوص ألفاظه . فعلى هذا والأوّل من الإعراب بمعنى الإفصاح . أو المعنى : أعربوه حين الكتابة، بأن يكتب الحروف بحيث لا يشتبه بعضها ببعض، أو يجعل عليها ما اشتهر باسم الإعراب عند الناس. والأوّل أقرب إلى طريقة السلف . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني أظهروا حديثنا من دون تغيير في لفظه عند نقله «فإنّا قوم فصحاء» وأعرف بأساليب الكلام، فيمكن أن لا تنقلوا بالتغيير ما هو غرضنا. أو المعنى : أعربوه بالحركات والسكنات عند كتابته على ما سمعتم منّا . وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : «الإعراب» : الإبانة والإيضاح . والمراد إظهار الحروف وإبانتها بحيث لا تشتبه مقارناتها بمقارناتها (2) ، وإظهار حركاتها وسكناتها بحيث لا يوجب اشتباها. أي حدّثوا كما حدّثناكم به؛ «فإنّا قوم فصحاء» نتكلّم بما لا يكون فيه اشتباه في الحروف أو الحركات، ولا نلحن (3) في القول لحنا في الحروف أو في الحركة (4) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».
2- . في المصدر : «لاتشتبه بمقارباتها» مكان «لاتشتبه مقارناتها بمقارناتها».
3- . في «الف»: «ونلحن».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 187 .

ص: 520

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ ، قَالُوا : سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي ، وَحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي ، وَحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الْحُسَيْنِ ، وَحَدِيثُ الْحُسَيْنِ حَدِيثُ الْحَسَنِ ، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَحَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَ حَدِيثُ رَسُولِ اللّه ِ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ» .

هديّة :يعني علمي ميراث من أبي، من أبيه، من جدّه، من أخيه، من أبيه، من رسول اللّه صلى الله عليه و آله عقلاً عن اللّه سبحانه، فلا اختلاف في أحاديثنا كما لا اختلاف في علم اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني قولي قول أبي، وقول أبيه قول جدّه، وهكذا . والغرض أنّ ناقل حديثنا مخيّر في نقله عن أيّنا شاء بلا احتياج إلى ذكر الواسطة؛ لأنّه مجرّد النقل ليس فيه اتّباع الظنّ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني أحاديث كلّ واحد منهم عليهم السلام منتهية إلى قول اللّه تعالى، فلا اختلاف في أحاديثهم كما لا يختلف قوله عزّ وجلّ، ولا مدخل فيه للآراء والظنون، فلا يجوزالرجوع أو الاختلاف ، والمرويّ عن كلّ واحد منهم موافق للمروي (2) عن آخر منهم (3) .

.


1- . في «ب» و «ج»: - «بن زياد».
2- . في «الف»: «المروي».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 187 .

ص: 521

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ شَيْنُولَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ مَشَايِخَنَا رَوَوْا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلاموَكَانَتِ التَّقِيَّةُ شَدِيدَةً ، فَكَتَمُوا كُتُبَهُمْ وَلَمْ تُرْوَ (2) عَنْهُمْ ، فَلَمَّا مَاتُوا ، صَارَتِ الْكُتُبُ إِلَيْنَا ، فَقَالَ :«حَدِّثُوا بِهَا؛ فَإِنَّهَا حَقٌّ» .

هديّة :(شينولة) بفتح المعجمة وسكون الخاتمة وضمّ النون : من الألقاب. وقرئ : «شنبولة» بالنون مكان الخاتمة، والمفردة مكان النون. وقال العلّامة في إيضاحه : شينولة، بفتح الشين المعجمة وإسكان المثنّاة من تحت وضمّ النون وإسكان الواو . وقيل : شينرلة بفتح المعجمة وسكون الخاتمة وضمّ النون وسكون الراء المهملة وفتح اللّام والتاء أخيرا (3) . (إنّ مشايخنا رووا) إلى آخره، يعني أنّ السلف من مشايخ الرعيّة الإماميّة رووا عنهما عليهماالسلامما جمعوا في الكتب، كالاُصول الأربعمائة . ولا بأس باحتمال «رُووا» على ما لم يسمّ فاعله . (وكانت) أي وصارت، أي بعدهما عليهماالسلام إلى ما علم اللّه . (فقال : حدّثوا بها فإنّها حقّ) نصّ في صحّة الاعتماد على كتب الثقات المضبوطة بتواتر الثقات، وعلى ما لا شكّ بأنّه من الثقة . قال برهان الفضلاء : «كانت التقيّة شديدة» أي بعد زمان الباقر والصادق عليهماالسلام . والمعنى أنّ مشايخنا الذين وصل الحديث منهم إلينا نقلوا عنهما عليهماالسلام . «فلم ترو» على التأنيث المجهول؛ أي فلم تنقل تلك الكتب عنهم. «فقال : حدّثوا بها؛ فإنّها حقّ» يعني يجب العمل بها وإن كان فيها ما ورد تقيّة، أو غلط فيه الراوي، أو كان كذبا، لكن بشرط العلم بأنّ تلك الكتب مضبوطة بالثقات منقولة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام . وقال السيّد الباقر الشهير بداماد رحمه الله : الأصحّ الأصوب الأقوم : «فلم يروّ عنهم» بفتح الواو المشدّدة والراء المفتوحة على صيغة المجهول من المضارع الغائب . وفي طائفة من النسخ : «فلم يرووا» من روى يروي رواية . وواو الجمع في الفعل للمشايخ ، والضمير البارز في «عنهم» للأئمّة عليهم السلام . وأمّا «فلم نرو» بصيغة المتكلّم مع الغير من الرواية فمن تصحيفات المصحّفين (4) . انتهى . يعني «فلم يروّ عنهم» من التروية بمعنى الحمل . يقال _ كما قال الجوهري _ : رويت الحديث رواية ورويته تروية؛ أي حملته على روايته كما رويته (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فلم ترو عنهم» أي لمّا كانت التقيّة شديدة كتموا كتبهم التي كتبوا فيها رواياتهم، فلم تُرو عنهم تلك الكتب ولم تصل إلينا برواية الرواة عنهم . «فلمّا ماتوا وصلت كتبهم إلينا» أي ونحن نعرف أنّها كتبهم بالقرائن المفيدة للعلم، أو بقول الثقات العارفين بأنّها كتبهم . «فقال : حدّثوا بها» أي بالأخبار بأنّ فلان روى في كتابه (6) كذا. «فإنّها حقّ» فإنّ تلك الروايات معتبرة ثابتة عنهم، وعمّن رووا عنه بنقلهم وإثباتهم لها في كتبهم . (7)

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد».
2- . في النسخ : «فلم يرووا»، لكن ظاهر المصنّف «قدّس سرّه» اختيار ما اُثبت، كما سيأتي في الصفحة التالية، وهو المثبت في الكافي المطبوع أيضا.
3- . في الإيضاح، ص 266، الرقم 567 هكذا : «محمّد بن الحسن بن أبي خالد، المعروف ب «شينر» بفتح الشين المعجمة، وإسكان الياء المنقّطة تحتها نقطتين، وضمّ النون، وإسكان الراء».
4- . التعليقة على الكافي، ص 119، بتفاوت يسير.
5- . راجع : الصحاح، ج 6 ، ص 2364 (روى). بتفاوت فيه.
6- . في «ب» و «ج»: - «في كتابه».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 188 .

ص: 522

. .

ص: 523

. .

ص: 524

باب التقليد

الباب التاسع عشر : بَابُ التَّقْلِيدِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابا مِنْ دُونِ اللّه ِ» ؟ فَقَالَ :«أَمَا وَاللّه ِ ، مَا دَعَوْهُمْ إِلى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَلَوْ دَعَوْهُمْ مَا أَجَابُوهُمْ ، وَلكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاما ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلَالاً ، فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ» .

هديّة :معنى (التقليد) في العنوان (باب) بيان عمل غير الفقيه من الرعيّة في الحلال والحرام بقول الفقيه منهم، أو الإمام ، والتقليد الحلال والتقليد الحرام. والآية في سورة التوبة في توبيخ بعض أهل الكبائر (2) . (أحبارهم) أي علماءهم ، (ورهبانهم) أي مشايخهم المرتاضين بالرياضات الشاقّة المبتدعة. وما أكثر وأبين تحليل الحرام وتحريم الحلال في طريقة الصوفيّة القدريّة ، قال روميّهم في الدفتر الخامس من كتابه في بيان قولهم : إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع : إنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والإكسير للكيمياء، فإذا برأ المريض وصار الصُفْر ذَهَبا فلم تبق حاجة إلى دواء وإكسير ، والسالك يصل بالرياضة في حياته في الدنيا إلى مقام ليس عليه فيه عبادة، ولا حلال ولا حرام (3) . ولذا قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» (4) ؛ فإنّ نكاح ذوات المحارم من الاُمّهات والبنات والأخوات وغيرهنّ حلال عندهم كما عند المجوس، وحلال الشريعة حلال لكلّ مكلّف أبدا وحرامها حرام عليه أبدا، وارتفاع التكليف بالجنون، ويجب الاستعاذة منه كما من الشيطان لا يقيم لهم جوابا بوجه ، واستشهد أمير المؤمنين عليه السلام في الصلاة . ومن مزخرفاتهم لعنهم اللّه أنّ المريد يجب عليه في صلاته أن يقصد بكاف الخطاب في «إيّاك نعبد» شيخه؛ لأنّه واصل فيصل إلى من وصل، كإلابرة إلى الإبرة الواصلة إلى المقناطيس، لعنهم اللّه . ما دعى الأحبارُ جماعةَ اليهود، ولا الرهبانُ جماعةَ النصارى (إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم) ودعى هؤلاء الزنادقة مريديهم إلى عبادة أنفسهم فأجابوهم كما في الحديث الثالث . ولذا ورد في الحديث : «أنّ الصوفيّة أشدّ كفرا من اليهود والنصارى والمجوس». لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الأحبار» : جمع «حبر» بالفتح والكسر، وسكون المفردة معهما، بمعنى العالِم أو عالِم اليهود . «والرُّهبان» بالضمّ : جمع «راهب» بمعنى المرتاض، كمشايخ الصوفيّة لعنهم اللّه ، وقسّيسين النصارى. يعني قلت له عليه السلام : إنّ اللّه وبّخ في سورة التوبة بعض أهل الكبائر بأنّهم أشركوا واتّخذوا علماءهم وأشياعهم المرتاضين أربابا لأنفسهم من دون اللّه ؟ فقال عليه السلام : ليس واللّه شركهم شرك الجحود بل شرك اتّباع الآراء والظنون من علماءهم ومرتاضيهم، أحلّوا لهم حراما كتقليد أهل الظنّ، وحرّموا عليهم حلالاً كسؤال أهل الذِّكر بالاجتهاد وادّعاء حصول الكشف بالرياضة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني سألته عن معنى هذه الآية. «ولو دعوهم ما أجابوهم» أي على وفق دعوتهم كما في «أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا» (5) . «ولكن أحلّوا لهم حراما، وحرّموا عليهم حلالاً» أي على وفق أهوائهم وميلهم إلى استرضاء أهل الدنيا، أو إلى أن لا يظنّ بهم أنّهم لا يعلمون. «فعبدوهم» أي فقبلوا منهم وسلّموا وجوب الإطاعة لهم فيما يقولونه، وهو المراد بعبادتهم؛ فإنّ الإطاعة والانقياد للأوامر والنواهي _ من حيث هو أمرٌ ونهيّ لأحد، لا لأنّه ممّا أوجبه اللّه سبحانه عبادة له _ وخصوصا فيما علم أنّه يخالف فيه أمره سبحانه . أو المراد بعبادتهم إيّاهم نفيا وإثباتا فعل العبادة كالصلاة لهم، كما في حديث آخر الباب من التصريح بنفي العبادات لهم مستشعرا. «فعبدوهم» بالقبول منهم والطاعة لهم «من حيث لا يشعرون» أنّه عبادة، وذلك لمساهلتهم وعدم تفكّرهم في أمر دينهم . أو المراد أنّ أفعالهم وعباداتهم خصوصا فيما يخالف حكم اللّه عبادة لهم (6) .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . التوبة (9) : 31.
3- . مثنوي معنوي، ص 726، مقدّمة الدفتر الخامس.
4- . جامع الأخبار، ص 161، الفصل 126؛ وعنه في المستدرك، ج 18، ص 185، ح 22457؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 166، ح 175؛ و عنه في المستدرك، ج 12، ص 317، ح 14190.
5- . يونس (10) : 89 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 189 .

ص: 525

. .

ص: 526

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الهَمْدانِيِّ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتُمْ أَشَدُّ تَقْلِيدا أَمِ الْمُرْجِئَةُ؟» قَالَ : قُلْتُ : قَلَّدْنَا وَقَلَّدُوا ، فَقَالَ : «لَمْ أَسْأَلْكَ عَنْ هذَا» . فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ أَكْثَرُ مِنَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ الْمُرْجِئَةَ نَصَبَتْ رَجُلاً لَمْ تَفْرِضْ طَاعَتَهُ وَقَلَّدُوهُ ، وَأَنْتُمْ نَصَبْتُمْ رَجُلاً وَفَرَضْتُمْ طَاعَتَهُ ثُمَّ لَمْ تُقَلِّدُوهُ ، فَهُمْ أَشَدُّ مِنْكُمْ تَقْلِيدا» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد».
2- . في الكافي المطبوع : «الهَمَذانيّ».

ص: 527

هديّة :يعني أبا الحسن الأوّل موسى بن جعفر عليهماالسلام . «والتقليد» : العمل بفتوى الغير. واسم (المرجئة) قد يُطلق _ كما هنا _ في مقابلة الإماميّة على العامّة المقابل للخاصّة. من الإرجاء، بمعنى التأخير؛ لتأخيرهم أمير المؤمنين عليه السلام عن منزلته ، وقد يُطلق على طائفة من العامّة القائلين بتأخّر العمل عن الإيمان، والمعطين لأنفسهم الرّجاء باعتقادهم أن لن تضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وأن لا فرق بين إيمان مثل جبرئيل وميكائيل وإيمان أفسق الفسّاق؛ لقولهم بأنّ الإيمان مجرّد التصديق بما جاء به النبيّ عليه السلام والعمل ليس داخلاً . فعلى الإطلاق الثاني إمّا من «الإرجاء» بمعنى التأخير، أو منه بمعنى إعطاء الرجاء. (لم تفرّض) على المعلوم من التفعيل، وكذا (فرّضتم) فرّضه تفريضا : جعله فرضا على نفسه. (ثمّ لم تقلّدوه) أي في بعض الاُمور بالتقليد الواجب عليكم دائما، كالمحافظة على التقيّة والفتوى بالرأي، وعدم التوقّف في تكفير الصوفيّة القدريّة. (فهم أشدّ منكم تقليدا) أي لتقليدهم الحرام عليهم دائما في جميع الاُمور . وقال بعض المعاصرين : والسبب في شدّة تقليدهم لأئمّتهم أنّهم يدعونهم إلى الدّعة والرّاحة ، وأئمّتنا عليهم السلام إلى التكلّف والمشقّة ، فتقليدهم أهون على طباعهم . انتهى (1) . أئمّتنا عليهم السلام لم يدعونا إلى التكلّف والمشقّة والشريعة سهلة سمحة، إنّما الكلفة والمشقّة والضيق في ملّة النصارى والخوارج وطريقة الصوفيّة القدريّة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد بالمرجئة هنا الذين أخّروا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعدّوه رابع خلفائهم . و«التفريض» : عدّ الشيء واجبا بدلالة محكمات القرآن على وجوبه . والغرض من الحديث شكايته عليه السلام عن اتّباعهم الظنّ، أو عن ترك التقيّة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : قصده عليه السلام من المرجئة أهل السنّة؛ فإنّهم اختاروا من عندأنفسهم رجلاً بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجعلوه رئيسا، ولم يقولوا بأنّه معصوم عن الخطأ فتجب طاعته في كلّ ما يقول ، ومع ذلك قلّدوه في كلّ ما قال . وأنتم يا شيعة عليّ عليه السلام نصبتم رجلاً هو أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدتم أنّه معصوم عن الخطأ، ومع ذلك خالفتموه في كثير من الاُمور. وإنّما سمّاهم عليه السلام مرجئة؛ لأنّ الإرجاء بمعنى التأخير، وهم زعموا أنّ اللّه تعالى أخّر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الاُمّة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . «ولكن أحلّوا لهم حراما » قصده عليه السلام أنّ كلّ من قلّد ظنون غيره فقد جعله شريك اللّه في الأمر والنهي ، وكما أنّ الخلق للّه تعالى فكذلك الأمر والنهي له تعالى دون غيره (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : كان الشائع في سابق الزمان التعبير بالقدريّة والمرجئة عمّن يضاهي المعبَّر عنه في هذه الأعصار بالمعتزلة والأشاعرة في اُصول الاعتقادات، كما فيما روي عن ابن عبّاس أنّه أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أبرأ من خمسة : من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدريّة وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم، قالوا : لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم، فقالوا : اللّه أعلم (3) . والمراد بالتقليد : الانقياد والإطاعة في الأوامر والنواهي. «إنّ المرجئة نصبت رجلاً» أي عيّنوه وأقاموه من عند أنفسهم لإمارتهم وإمامتهم من غير أن يكون معيّنا من عند اللّه وعند رسوله صلى الله عليه و آله كالخلفاء في ذلك العصر. «لم تفرض طاعته» أي من عند اللّه أصلاً في الواقع ولا بخصوصه باعتقادهم. «وقلّدوه» وانقادوا لأوامره ونواهيه وأطاعوه «وأنتم نصبتم رجلاً» للإمامة، وقلتم بإمامته «وفرضتم طاعته» أي حكمتم بوجوب طاعته من عند اللّه «ثمّ لم تقلّدوه» ولم تطيعوه حقّ الإطاعة، «فهم أشدّ منكم تقليدا» من حيث تقليدهم وعدم تقليدكم، ومن حيث إنّ تقليدهم لإمامهم لإطاعته، وتقليدكم لإمامكم لإطاعة اللّه ، لا لمحض طاعته (4) .

.


1- . الوافي، ج 1، ص 241 _ 242، حكاه ملخّصا.
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
3- . رجال الكشي، ص 56 ، الرقم 106؛ بحارالأنوار، ج 42، ص 152، ح 20.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 189 _ 190. وفي «ب» و «ج»: «إطاعته».

ص: 528

. .

ص: 529

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تعالى : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابا مِنْ دُونِ اللّه ِ» فَقَالَ :«وَاللّه ِ ، مَا صَامُوا لَهُمْ وَلَا صَلَّوْا لَهُمْ ، وَلكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاما ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلَالاً ، فَاتَّبَعُوهُمْ» .

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الأوّل . قال برهان الفضلاء : «في قول اللّه تعالى» أي في سورة التوبة في توبيخ أهل الكتاب، إنّهم اتّخذوا علماءهم ومرتاضيهم أربابا من دون اللّه ، فقال عليه السلام : واللّه ، ما صاموا رضاءً لهم ولا صلّوا كذلك؛ يعني لم يشركوا شرك الجحود، ولكن أحلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالاً، فاتّبعوهم وصاروا بذلك مشركين باللّه في أحكامه من حيث لا يشعرون .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبداللّه ».

ص: 530

باب البدع والرأي والمقاييس

الباب العشرون : بَابُ الْبِدَعِ وَالرَّأْيِ وَالْمَقَايِيسِوأحاديثه كما في الكافي إثنان وعشرون :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ الإثنين ، عَنْ الْوَشَّاءِ؛ وَالعِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ جَمِيعا ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام النَّاسَ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللّه ِ ، يَتَوَلّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالاً ، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ ، لَمْ يَخْفَ عَلى ذِي حِجًى ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ ، لَمْ يَكُنِ اخْتِلافٌ ، وَلكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هذَا ضِغْثٌ ، وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ ، فَيُمْزَجَانِ فَيَجِيئَانِ مَعا ، فَهُنَالِكَ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلى أَوْلِيَائِهِ ، وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللّه ِ الْحُسْنى» .

هديّة :المراد ب «البدع» في العنوان : الرّسوم المخترعة في الدِّين، كطريقة التصوّف والرهبانيّة المبتدعة. وب «الرأي» : الحكم والفتوى في المسائل الدينيّة من دون استناد إلى محكم من الكتاب والسنّة . و(المقاييس) : جمع المقيوس المجعول بالإعلال مقيسا . والمراد القياسات الفقهيّة الممنوعة شرعا. أو جمع للقياس، بمعنى القياس. و«التولّي» الاتّباع، وأخذ الرجل آخر وليّا وصاحبا له في اُموره. (خلص) خلوصا وخالصة، كنصر : صار صالحا، وهو خالص لا غشّ فيه. (لم يخف) على المعلوم من الخفاء، أو المجهول من الخوف. يُقال : خيف عليه من كذا . و«الحجى» بالكسر والقصر : العقل . و«الضّغث» بالكسر : القبضة من الحشيش المختلط رطبه بيابسه. وما أكثر ذلك الخلط في طريقة التصوّف المحفوف كفرها وزندقتها بأشياء كثيرة من المعارف والمكارم والأخلاق الحسنة والأعمال والأقوال والأشعار والأمثال وغير ذلك من لطائف خدائع الشيطان، ومُهراء رؤسائهم في الشيطنة، وزخرفة الهذيان. (فيمزجان فيجيئان معا) أي الباطل الخالص والحقّ الخالص . و«الاستحواذ» الغلبة على أوليائه؛ أي الذين غلبت عليهم الشقوة وناظر إلى قوله تعالى : «لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ» (2) . والمراد بالحسنى السعادة الأزليّة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «البدع» في العنوان : الأحكام التي بأهواء النفس، ويسمّى بالاعتقاد المبتدأ؛ لعدم استنادها إلى قرينة، ولا إلى أصل محكم لفروعات شتّى. وب «الرأي» : الحكم بالظنّ الحاصل باستفراغ الوسع بلا أصل يكون محكما، وقد يُطلق عليه اسم الاجتهاد ، ولذا قد يستعمل الاجتهاد في مقابلة القياس. و«المقاييس» : جمع مقيوس أصل مقيس، والمفرد في الجمع المكسور يردّ إلى أصله. «بدء وقوع الفتن» بالفتح والهمز أي باعث الفتن المهلكة في الدِّين، يعني اختلافات المجتهدين ظنّا في الإفتاء والقضاء في مسائل الحلال والحرام . و«الهوى» بالفتح والقصر، يجمع على أهواء، يعني أهواء النفس وما تحبّه وتتمنّاه من المحظورات. «وأحكام تبتدع» على المجهول من الافتعال ك «تتّبع»، ومن قبيل العطف التفسيري . والمراد ابتداع الأحكام، بمعنى الحكم من جهة الاعتقاد المبتدأ. «يخالف فيها كتاب اللّه » على المجهول من المفاعلة، وناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل : «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّه ِ الْكَذِبَ» (3) . و«التولّي» : تفعّل، بمعنى جعل الرجل آخر وليّا له وأولى بالتصرّف في اُموره . و«في» في «فيها» للسببيّة، ويحتمل الظرفيّة . وعلى الأوّل المراد بالتولّي التقليد في مسائل الحلال والحرام . وعلى الثاني التقليد في تأويل الآيات البيّنات يعني المحكمات . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله في شرح العنوان بخطّه : «البدعة» : حكم ينسب إلى اللّه تعالى لم يكن ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله (4) . انتهى . أقول : أفحش البدع ما يبتدع في الدِّين بالمكر والخديعة مع تواتر المنع منه، وظهور حرمته في الشريعة كطريقة الصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «البدء» إمّا بمعنى الأوّل ، أو بمعنى الابتداء . و«الفتنة» : الامتحان والاختبار، ثمّ كثر استعماله لما يختبر به من المكروه (5) ، ثمّ كثر استعماله بمعنى الضلال والكفر والقتال . و«الأهواء» جمع هوى. وهوى _ بالقصر _ : الحُبّ المفرط في الخير والشرّ وإرادة النفس . والمعنى أنّ أوّل الفتن أهواء و«الوقوع» مقحّم، أو أوّل وقوعها وقوع الأهواء، أو ابتداء وقوع الفتن منها، أو منشأ وقوع الفتن ومبتدؤها أهواء. «يخالف فيها كتاب اللّه » توضيح وبيان لقوله «تبتدع». «يتولّى فيها رجال رجالاً» يُقال : تولّاه ، إذا اتّخذه وليّا. ويصحّ هنا حمل الوليّ على الحبيب، والناصر، والأولى بالتصرّف. «ولو أنّ الباطل خلص» تفصيل لما ذكره _ من بدء وقوع الفتن والأهواء المتّبعة والأحكام المبتدعة _ بأنّها أوقعت الضلال بخلطها ومزجها بالحقّ، والافتتان باجتماعهما، فإنّ الباطل الخالص لا يخفى بطلانه على «ذي حجى» أي ذي عقل وفطانة. والحقّ الخالص [واحد] (6) لا يكون به ضلال ولا اختلاف. «ولكن يؤخذ من هذا» الباطل «ضغث» أي قبضة «ومن هذا» الحقّ «ضغث، فيمزجان فيجيئان معا» أي مقارنين، فيحصل الاشتباه ، «فهنالك» أي عند الاشتباه «استحوذ» أي غلب «الشيطان على أوليائه» أي محبّيه وأتباعه «ونجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى» أي في مشيّته وقدره وقضائه . (7)

.


1- . السند إلى هنا في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليٍّ الوشّاء؛ وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّدٍ».
2- . النحل (16) : 99 _ 100.
3- . النحل (16) : 116 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
5- . في «ب» و «ج»: - «ثمّ كثر استعماله لما يختبر به من المكروه».
6- . أضفناه من المصدر.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 191 _ 192.

ص: 531

. .

ص: 532

. .

ص: 533

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ الإثنين ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ الْعَمِّيِّ يَرْفَعُهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله :«إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي ، فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّه ِ» .

هديّة :«العمّ» : أخو الأب، وقرية بين حلب وأنطاكية. والمأمور بهذا الإظهار من الرعيّة في زمن الغيبة إنّما هو العالم الذي يكون السلطان في زمانه على الإماميّة سلطانا إماميّا عدلاً مروّجا للحقّ، كما في زماننا هذا . وسلطاننا _ خلّد اللّه ملكه، وأفاض على العالمين برّه وعدله وإحسانه _ الحمد للّه سيّدٌ، عدلٌ، صفويّ، موسويّ، عون للمؤمنين، وغيظ على الملحدين، ومروّج للدِّين الحقّ، وهو السلطان بن السلطان بن السلطان شاه سليمان أيّده اللّه لمزيد العدل والإنصاف، واستيصال الجور والبدعة والاختلاف . وقد ظهر في عصرنا أفحش البدع في الدِّين، يعني طريقة الصوفيّة القدريّة، فصاروا مغلوبين مدحضين مستأصلين بتأييد اللّه ربّ العالمين وتوفيقه لعلمائنا الإماميّين، فأظهروا علمهم، وأقام اللّه عَلَمَهم فهزموهم بإذن اللّه ، واستأصلوهم بعون اللّه ، الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على نبيّنا محمّد وآله المعصومين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فليظهر العالم علمه» أي العالم بمسائل علم الدِّين عند عدم وجوب التقيّة، وتأثير الإظهار ليس بشرط، ففائدته أن لا يتوهّم عوام الناس أنّ البدعة التي ظهرت في الدِّين هي المجمع عليه بين العلماء ُ ، وفي هذا الحديث دلالة على أنّ الراضي بالبدعة والمساهل في إنكارها ملعون كصاحبها . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : أفضح البدع وأفحشها طريقة التصوّف، ثمّ منصب القضاء للجهلاء، وأسوء منه للعلماء (2) المفتونين بحبّ الرئاسة والطمع في زَهرة الدنيا. «فليظهر العالم علمه» يعني عند عدم شدّة التقيّة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : يعني عند عدم وجوب التقيّة . وفي بعض النسخ : «فإن لم يفعل» مكان «فمن لم يفعل ». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فليظهر العالم علمه» أي مع التمكّن وعدم الخوف على نفسه أو على المؤمنين . (3)

.


1- . يعني «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- . في «الف»: «العلماء».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193.

ص: 534

الحديث الثالثروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ رَفَعَهُ ، قَالَ : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (1)«مَنْ أَتى ذَا بِدْعَةٍ فَعَظَّمَهُ ، فَإِنَّمَا يَسْعى فِي هَدْمِ الْاءِسْلَامِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : - «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ».

ص: 535

هديّة :يعني عند عدم وجوب التقيّة كما مرّ في هديّة سابقة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فإنّما يسعى في هدم الإسلام»؛ لأنّ للتعظيم هنا إعانة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فعظّمه» أي لكونه ذا بدعة، أو لا لتقيّة. «فإنّما يسعى في هدم الإسلام»؛ لأنّ تعظيمه ممّا يقوّيه في ترويج بدعته، ورواج البدعة إبطال للشريعة، وإدخال لما ليس منه فيه . (1)

الحديث الرابعروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله :«أَبَى اللّه ُ لِصَاحِبِ الْبِدْعَةِ بِالتَّوْبَةِ» قِيلَ : يَا رَسُولَ اللّه ِ ، وَكَيْفَ ذلِكَ؟ قَالَ : «إِنَّهُ قَدْ أُشْرِبَ قَلْبُهُ حُبَّهَا» .

هديّة :(قد أشرب) على ما لم يسمّ فاعله. أشرب فلان حبّ فلان : خالط قلبه . قال اللّه تعالى : «وَأُشْرِبُوا فِى قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ» (2) ؛ أي حبّ العجل، حذف المضاف واُقيم المضاف إليه مقامه. ووجه إبائه تعالى له بالتوبة، إمّا أنّ إشراب حبّ البدعة في الدِّين يوجب التمادي فيها بحيث لا يوفّق للتوبة قطّ ، أو أنّ قبول التوبة عن البدعة _ كما ورد في النصّ _ مشروط بإحياء صاحبها مَنْ مات من الآخذين ببدعته، ونادر أن يتخلّف إشراب حبّها الموجب للتمادي عن موت واحد منهم ، ولذا ورد عنهم عليهم السلام : «أنّ كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار ». (3) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الباء» في «بالتوبة» لتقوية التعدية . والمراد بتوفيق التوبة. و«اشرب» على المجهول من الإفعال. و«قلبه» مرفوع، ونائب الفاعل. و«حبّها» منصوب ومفعول ثان، يعني قد اُشرب قلبه حبّها فلا يتركها . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قد اشرب قلبه حبّها» أي لا يوفّق صاحب البدعة للتوبة، لأنّه خالطه حبّها، فيعمى بصيرته عن إدراك قبحه، أو فساده وبطلانه، فلا يندم على فعله، ولا يهتدي إلى معرفة الطريق المستقيم . (4)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193.
2- . البقرة (2) : 93 .
3- . الكافي، ج 1، ص 56 ، باب البدع والرأي و... ، ح 8 و 12؛ الفقيه، ج 2، ص 137، ح 1964؛ و ج 3، ص 572 ، ح 4954؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 45، ح 10062، و ص 335، ح 10829 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193.

ص: 536

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ الْسرّاد ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ _ تَكُونُ مِنْ بَعْدِي يُكَادُ بِهَا الْاءِيمَانُ _ وَلِيّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، مُوَكَّلاً بِهِ ، يَذُبُّ عَنْهُ ، يَنْطِقُ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللّه ِ ، وَيُعْلِنُ الْحَقَّ ، وَيُنَوِّرُهُ ، وَيَرُدُّ كَيْدَ الْكَائِدِينَ ، يُعَبِّرُ عَنِ الضُّعَفَاءِ ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللّه ِ» .

هديّة :الغرض من هذا الحديث أنّ دين اللّه تعالى سلسلة نورانيّة ممتدّة من لدن آدم عليه السلام إلى انقراض الدنيا محفوظة في كلّ زمان بحجّة معصوم عاقل عن اللّه ، فمعنى (تكون من بعدي) أي في الفرقة الناجية من البضع والسبعين، كطريقة التصوّف، وهي أفحش البدع وأسوأها كفرا. (يكاد بها الإيمان) على المجهول؛ أي يمكر ويخدع بها أهل الإيمان. (وليّا من أهل بيتي) وهو صاحب الزمان في زماننا . و«الذبّ» : الطرد والدفع. ذبّ عنه، كمدّ. ودفع علماء الشيعة البدعة بإظهار علمهم في غيبة الإمام عليه السلام إنّما هو بتأييد اللّه وغلبة نور الإمام فيهم ، فالدافع لها هو الإمام بإذن اللّه ، كما أنّ الدافع لما دفعه الإمام هو اللّه سبحانه. (يعبّر عن الضعفاء) بدون الواو في النسخ التي رأيناها، أي يكون لسانا لهم إمّا ظاهرا أو في الغيبة بإعانة نوره علماء شيعته في كلّ باب من فتن المكائد والشبهات. (فاعتبروا يا اُولي الأبصار ) كأنّ المخاطب بهذا الخطاب في هذا الحديث مقصودا بالذات علماء عصرنا هذا؛ لدفع فِتَنه وبلاياه الشديدة العظيمة بأسهل الوجوه من مكر اللّه تعالى مع الماكرين الملحدين ، الحمد للّه ربّ العالمين . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «يذبّ عنه» تصريح بأنّ دافع الشبهات الإمام عليه السلام فلم يجز كفاية علم الكلام ولا سيما الكلام الباطل . (2) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «الإيمان» هنا : التصديق بالمحكمات الناهية عن الاختلاف ظنّا. «يعبّر» أي يتكلّم عنهم بما عقل عن اللّه تعالى في ليالي القدر. «فتوكّلوا على اللّه » يعني فلا تتّبعوا ظنونكم في الحكم مشتبهات المسائل (3) الدينيّة في غيبة الإمام وتوقّفوا وتوكّلوا على اللّه حتّى ظهر إمامكم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «يكاد بها الإيمان» أي يمكر ، (4) أو يراد بسوء، أو يحارب ، وفيه إشارة بوقوع فتنة (5) يكاد بها الإيمان بعده صلى الله عليه و آله وكثرتها . «وليّا» أي ناصرا للإيمان «موكّلاًبه» أي بالإيمان. والموكّل بالشيء هو الذي جُعل حافظا له . والمعنى جعل حافظا للإيمان من عند اللّه «يذبّ عنه» أي يدفع عن الإيمان ويمنع عنه أعداء الإيمان، وهم أهل البدع. «ينطق بإلهام من اللّه ، ويعلن الحقّ وينوّره» أي يظهر الحقّ ويقول به قولاً ظاهرا، ويجعله واضحا بيّنا بالبراهين والأدلّة الواضحة. «ويردّ كيد الكايدين» أي يجيب عن شبههم. «يعبّر عن الضعفاء» أي يتكلّم عن قبلهم . والضعفاء الذين ضعفوا عن إظهار الحقّ وإبانته بالأدلّة . ويحتمل أن يكون «يعبّر عن الضعفاء» ابتداء كلام من الصادق عليه السلام ، والمعنى أنّه صلى الله عليه و آله بقوله ذلك يعبّر عن الضعفاء، أي الأئمّة الذين ظُلموا واستضعفوا في الأرض. «فاعتبروا يا اُولي الأبصار» الظاهر أنّه (6) كلام الصادق عليه السلام . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، من الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96 .
3- . في «ب» : «في المسائل».
4- . في المصدر : «أي بها يمكر الإيمان».
5- . في المصدر : «بدعة» مكان «فتنة».
6- . في «ب» و «ج»: «من».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193 _ 194.

ص: 537

. .

ص: 538

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ وَعَلِيّ ، عَن الإثنين ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ؛ وَعَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ السرّاد رَفَعَهُ ، (1) عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : (2)«مِنْ أَبْغَضِ الْخَلْقِ إِلَى اللّه ِ _ تعالى _ لَرَجُلَيْنِ : رَجُلٌ وَكَلَهُ اللّه ُ تعالى إِلى نَفْسِهِ ، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ ، مَشْغُوفٌ (3) بِكَلَامِ بِدْعَةٍ ، قَدْ لَهِجَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، حَمَّالُ خَطَايَا غَيْرِهِ ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ . وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً فِي جُهَّالِ النَّاسِ ، غَانٍ (4) بِأَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِما ، وَلَمْ يَغْنَ فِيهِ يَوْما سَالِما ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ ، حَتّى إِذَا ارْتَوى مِنْ آجِنٍ وَأكْثَرَ (5) مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ ، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِيا ضَامِنا لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلى غَيْرِهِ ، وَإِنْ خَالَفَ قَاضِيا سَبَقَهُ ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ ، كَفِعْلِهِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ الْمُعْضِلَاتِ ، هَيَّأَ لَهَا حَشْوا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ ، (6) فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ غَزْلِ الْعَنْكَبُوتِ ، لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ ، لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَ ، وَلَا يَرى أَنَّ وَرَاءَ مَا بَلَغَ فِيهِ مَذْهَبا ،إِنْ قَاسَ شَيْئا بِشَيْءٍ ، لَمْ يُكَذِّبْ نَظَرَهُ ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ ، اكْتَتَمَ بِهِ؛ لِمَا يَعْلَمُ به (7) مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ يكنّ الصواب؛ (8) لِكَيْ لَا يُقَالَ لَهُ : لَا يَعْلَمُ ، ثُمَّ جَسَرَ فَقَضى ، فَهُوَ مِفْتَاحُ عَشَوَاتٍ ، رَكَّابُ شُبُهَاتٍ ، خَبَّاطُ (9) جَهَالَاتٍ ، لَا يَعْتَذِرُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ؛ فَيَسْلَمَ ، وَلَا يَعَضُّ فِي الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ؛ فَيَغْنَمَ ، يَذْرِي الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ ، تَبْكِي مِنْهُ الْمَوَارِيثُ ، وَتَصْرُخُ مِنْهُ الدِّمَاءُ ، يُسْتَحَلُّ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ ، وَيُحَرَّمُ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَلَالُ ، لَا مَلِيءٌ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ ، (10) وَلَا هُوَ أَهْلٌ لِمَا مِنْهُ فَرَطَ مِنِ ادِّعَائِهِ عِلْمَ الْحَقِّ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه؛ وعليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلمٍ، عن مَسْعدةَ بن صَدَقة، عن أبي عبداللّه ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابْن محبوب رفعه».
2- . في الكافي المطبوع : + «إنّ».
3- . في «ب»: «مشعوف».
4- . في الكافي المطبوع : «عان».
5- . في الكافي المطبوع : «اكتنز».
6- . في الكافي المطبوع : + «به».
7- . في الكافي المطبوع : - «به».
8- . في الكافي المطبوع : - «يكنّ الصواب».
9- . في «ب» و «ج»: «خبّات».
10- . في الكافي المطبوع : «عليه ورد».

ص: 539

هديّة :المراد ب «الرجل» الأوّل : الرجل الضالّ المبتدع أصالة في الاُصول كالحسن البصري، من الصوفيّة القدريّة، وهم موكولون بخذلان اللّه تعالى إلى أنفسهم غير موفّقين لكسب العلوم الحقّة من مآخذها؛ لزعمهم أنّ الحقائق تنكشف لكلّ أحد بالرياضة وإن كان جوكيا (1) كافرا. (فهو جائر) أي مائل عن سواء الطريق . وب «الرجل» الثاني المبتدع أصالة في الفروع، كأبي حنيفة من العامّة . وقال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة : أمّا الرجل الأوّل، فهو الضالّ في اُصول العقائد؛ والثاني، هو المتفقّه في فروع الشرعيّات . (2) وقال برهان الفضلاء : «الرجل» الأوّل عبارة عن الصوفي؛ لقوله بحصول جميع العلوم بالكشف للمرتاض . والثاني، عن القاضي الذي لا يبالي ، والمفتي الذي يقضي بالظنّ. و«المشغوف» بالمعجمة، أو المهملة، وقرئ بهما قوله تعالى : «قَدْ شَغَفَهَا حُبّا» (3) . والمعنى على الأوّل : دخل حبّ كلام بدعة شغاف قلبه، أي حجابه حتّى وصل إلى فؤاده . وعلى الثاني : غلبه حبّه وأحرقه . و«الشغف» بالمهملة : شدّة الحبّ وإحراقه قلب المحبّ . وضبط برهان الفضلاء : «مشعوف» بغير المنقوطة. والكلام المزخرف المعجب جدّا في ترويج المبتدع بدعته في مقالات الصوفيّة أكثر منه في طرق آخر للِفَرقِ الباطلة . و«اللّهج بالشيء» محرّكةً : الولوع فيه والحرص عليه، لهج به، كعلم. (فهو فتنة لمن افتتن به) على المجهول. «فتنه» كنصر، و«افتتنه» من الافتعال للمبالغة . وفي الثاني في الباب الحادي والخمسين في كتاب الإيمان والكفر : «لا تغترّوا بصلاتهم ولا صيامهم؛ فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش». (ضالّ عن هدى من كان قبله) يحتمل ضمّ الهاء وفتحها. «والهدي» بالفتح وسكون الدالّ : السيرة والطريقة. (حمّال خطايا غيره) يحتمل التنوين والإضافة. (ورجل قمش جهلاً) كضرب، أي جمعه. و«القمش» بالفتح : الجمع من هنا ومن هنا، ومنه القُماش لمّا جمع. يعني جهلاً شبيها بالعلم مكرا وخديعةً بمزج الباطل بشيء من الحقّ، كما هو شعار غير الإماميّة من فِرَق هذه الاُمّة، وجميعها مؤمن بالكتاب والرسول صلى الله عليه و آله . (غان بإغباش الفتنة) أي مقيم في ظلماتها، أسير بها. من «غني به» بالغين المعجمة كرضي : أقام به وعاش فيه. و«الغبش» _ بالمعجمة والمفردة المفتوحتين _ : الظلمة . هكذا ضبط السيّد الداماد رحمه اللهوقال : «غان» بالغين المعجمة والنون المنوّنة بالكسر بعد الألف ، وأمّا «عان» من عني بالكسر، أي تعب فمن التصحيفات . (4) وضبط برهان الفضلاء _ سلّمه اللّه تعالى _ «عان» بالمهملة، من عنى بالفتح ، وقال : العاني : الأسير . ويحتمل «غان» بالمعجمة من غنيت المرأة بزوجها _ بالكسر _ : استغنت بالاكتفاء به . و(أشباه الناس) عبارة عن العوامّ والجهّال؛ لخلوّهم عن معنى الإنسانيّة. (ولم يغن فيه يوما سالما) بالغين المعجمة؛ أي لم يلبث في العلم يوما تامّا، ولم يعش. أو حال كونه سالما من الفتنة والجهالة. (بكّر ، فاستكثر ما قلّ منه خير ممّا كثر) بكر بكورا _ كنصر _ وبكّر إليه تبكيرا، وأبكر، وابتكر، كلّه بمعنى، يعني وإن لم يصرف عمره يوما في طلب ما هو العلم حقّا لكن خرج كلّ يوم من أوّل الصباح لكسب الدنيا الحرام، أو الجهالات التي تزعمها الجهّال علما، فاستكثر الذي قليله خيرٌ من كثيره. ففي الكلام إضمار . وقرأ برهان الفضلاء : «ما قُلَّ» بضمّ القاف وتنوين اللّام المشدّدة ، وقال : يعني استكثر الذي أقلّ قليله خيرٌ من كثيره. الجوهري : القلّ والقلّة، كالذلّ والذلّة . يُقال : الحمد للّه على القلّ والكُثْر، (5) بضمّ القاف والكاف وكسرهما . وفي نهج البلاغة : «فاستكثر من (6) جمعٍ ما قَلَّ». (7) و«الارتواء» من الشراب، كالشبع من الطعام . و«الآجن» بكسر الجيم : الماء المتغيّر اللّون والريح والطعم. في بعض النسخ : «واكتثر» من الافتعال للمبالغة مكان «وأكثر». وفي بعض النسخ : «واكتنز» من الكنز بمعنى الجمع، كما ضبط برهان الفضلاء . و«المعضل» كالمشكل لفظا ومعنىً . و«الحشو» : اللّغو، وما لا مخّ له . (ثمّ قطع) أي جزم به وحكم. (فهو من لبس الشبهات) بفتح اللّام، أي اختلاطها . وأصل «اللّبس» : اختلاط الظلام ، وأمّا بالضمّ، _ كما ضبط برهان الفضلاء _ فمصدر لبست الثوب بالكسر . وفي بعض النسخ : «المشتبهات». (في مثل غزل العنكبوت) أي أسيرٌ محبوس كالذباب في الشبيه بحبالة العنكبوت، أو المعنى هو كالعنكبوت في حبالته (لا يدرى) أنّه استحكمها فأصاب، أو لا فأخطأ. (يكنّ الصواب) أي يستره. كنّه كنّا وكنونا، كفَّر : ستره. (لكيلا (8) يقال له لا يعلم) يحتمل الخطاب والغيبة. (ثمّ جسر) أي اجترأ، من الجسارة، وسماجة الوقاحة. و«العشوة» مثلّثة العين : الظلمة، والأمر الملتبس. وأصل «الخبط» : ضرب الإبل يدها على الأرض على غير استواء . (ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع) يعني حرّم اللّه عليه نعمة العلم وهو محروم عنها لا يهتدي إليه أبدا. «ذرت الريح الهشيم» تذروه ذروا : سفته وأطارته، كأذرته تذريه إذراء. و«الهشيم» من النبات : اليابس المتكسّر. و«إذراؤه الروايات (9) » : تصفّحها وسردها موافقا لغرضه الباطل. ودرسها مع عدم فهمها وتأويلها بالمنكر، أو تركها وعدم الإقبال إليها متدبّرا . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «يذري الروايات» وذلك لترجيح القياس على الخبر الواحد. (10) (وتصرخ) من باب نصر. والصراخ كغراب : صوت البكاء. و«المليء» بالهمز على فعيل، بمعنى القادر، والثقة الغني . و«الإصدار» : الإرجاع. (ما عليه ورد) أي من المبهمات والمعضلات. ولا يكون حلّالاً للمشكلات إلّا الحجّة المعصوم بالدلالات البيّنات . (لما منه فرط) كنصر، أي سبق وظهر سابقا. (من ادّعائه علم الحقّ) وزاد في نهج البلاغة : «إلى اللّه أشكو من معشرٍ يعيشون جُهّالاً، ويموتون ضلّالاً، ليس فيهم سِلْعَة أبْور (11) من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، ولا أنفق سِلْعةً وأغلى ثمنا من الكتاب (12) إذا حرّف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر ». (13)

.


1- . الجوكيّة : طائفة من البراهمة يقولون بتناسخ الأرواح. تاج العروس، ج 1، ص 6667 (جوك).
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 1، ص 289، ذيل الخطبة 17 .
3- . يوسف (12): 30.
4- . التعليقة على الكافي، ص 126 _ 127.
5- . الصحاح، ج 5 ، ص 1804 (قلل). وفيه : «والقُلُّ : القِلَّة، مثل : الذُّل والذِلَّه».
6- . في «الف»: - «من».
7- . نهج البلاغة، ص 59 ، الخطبة 17 .
8- . في «ب» و «ج»: «كيلا».
9- . في «ب» و «ج»: «للروايات».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 198.
11- . في هامش المخطوطة : «البوار، كالكسار والهلاك لفظا ومعنىً (منه)».
12- . في المصدر : «ولا سِلْعَةٌ أنفق بيعا ولا أعلى ثمنا من الكتاب».
13- . نهج البلاغة، ص 60 ، الخطبة 17 .

ص: 540

. .

ص: 541

. .

ص: 542

. .

ص: 543

. .

ص: 544

الحديث السابعروى في الكافي عن الإثنين عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ ، (1) عَنْ أَبِي شَيْبَةَ الْخُرَاسَانِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ أَصْحَابَ الْمَقَايِيسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِالْمَقَايِيسِ ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ (2) الْمَقَايِيسُ مِنَ الْحَقِّ إِلَا بُعْدا ، وَإِنَّ دِينَ اللّه ِ لَا يُصَابُ بِالْمَقَايِيسِ» .

هديّة :أوّل من قاس إبليس لعنه اللّه . (وإنّ دين اللّه ...) لأنّ علمه خاصّ بالحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، والقطع بحقّيّة شيء في الدِّين منحصر في إخباره؛ لانحصار الأعلميّة في الربّ المدبّر الحكيم لهذا النظام العظيم . قال برهان الفضلاء : «طلبوا العلم بالمقاييس» إشارة إلى ما اشتهر بين المخالفين من أنّ ظنّيّة الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم، وقد سبق، وقلنا : إنّ «المقاييس» جمع مقيوس، أصل مقيس. ويمكن أن يكون «المقاييس» هنا جمع المقياس يعنى آلات القياس وأسبابها. «والحقّ» عبارة عن المعلوم بالآيات البيّنات الناهية عن اتّباع الظنّ . انتهى. مبالغته سلّمه اللّه تعالى في إنكار الاجتهاد الممنوع وباعثه؛ لنسبته الأصل الثابت عند معظم أصحابنا الإماميّة _ رضوان اللّه عليهم _ أيضا إلى العامّة، وصحّة العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن في العمل بالظنّ عند الاشتباه للفقيه العدل الإمامي الممتاز علما وفضلاً في زمن الغيبة إنّما هو مثبتة لذلك الأصل، والحرج منفي بالكتاب والسنّة. وهل منكر؟! لأنّ الأحوط له التوقّف ما أمكن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «طلبوا العلم» أي بالمسائل الشرعيّة، ولمّا [لم] (3) يكن القياس من سبيل السلوك إليها لم يزد مراعاتهم المقاييس إلّا بُعدا من الحقّ، وذلك لترجيح القياس على الخبر الواحد، أو جعله معارضا للخبر، أو مرجّحا للضعيف على القويّ من الأخبار. (4) «وإنّ دين اللّه » أي الدِّين الذي شرّعه «لا يُصاب بالمقاييس» ؛ إذ ما لم يرد فيه حكم من الشارع فهو على الإباحة، وليس لأحدٍ إثبات حكم فيه بالقياس، وما ورد فيه حكم من الشارع ليس لأحد ترك طلبه وأخذه من جملته (5) والاعتماد فيه على القياس، كيف؟! والأحكام الثابتة إذا لوحظت فأكثرها ممّا يخالف قياسهم . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليٍ الوشّاء، عن أبان بن عثمان».
2- . في الكافي المطبوع : «فلم تزدهم».
3- . أضفناه من المصدر.
4- . ليس في المصدر من قوله : «وذلك لترجيح _ إلى _ من الأخبار».
5- . في المصدر : «حَمَلَتِه».
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 198 _ 199.

ص: 545

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ؛ وَالنيشابُورِيَّيْنِ (1) رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلام ، قَالَا :«كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ» .

هديّة :يعني كلّ بدعة في دين اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه (2) : «كلّ بدعة» يعني كلّ حكم في الدِّين يكون بناؤه على هوى النفس .

.


1- . يعني : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان».
2- . في «ب» و «ج»: + «تعالى».

ص: 546

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ الثلاثة (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فُقِّهْنَا فِي الدِّينِ ، وَأَغْنَانَا اللّه ُ بِكُمْ عَنِ النَّاسِ ، حَتّى أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنَّا لَتَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ مَا يَسْأَلُ رَجُلٌ صَاحِبَهُ تَحْضُرُهُ الْمَسْأَلَةُ وَيَحْضُرُهُ جَوَابُهَا فِيمَا مَنَّ اللّه ُ عَلَيْنَا بِكُمْ ، فَرُبَّمَا وَرَدَ عَلَيْنَا الشَّيْءُ لَمْ يَأْتِنَا فِيهِ عَنْكَ وَلَا عَنْ آبَائِكَ شَيْءٌ ، فَنَظَرْنَا إِلى أَحْسَنِ مَا يَحْضُرُنَا ، وَأَوْفَقِ الْأَشْيَاءِ لِمَا جَاءَنَا عَنْكُمْ ، فَنَأْخُذُ بِهِ؟ فَقَالَ :«هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، فِي ذلِكَ _ وَاللّه ِ _ هَلَكَ (2) مَنْ هَلَكَ يَا ابْنَ حَكِيمٍ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «لَعَنَ اللّه ُ أَبَا حَنِيفَةَ؛ كَانَ يَقُولُ : قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : وَاللّه ِ ، مَا أَرَدْتُ إِلَا أَنْ يُرَخِّصَ لِي فِي الْقِيَاسِ .

هديّة :خلاف بين علماء الرجال، فقيل : محمّد بن حُكيم بضمّ الحاء. وقيل بفتحها. (3) و(ما) في (يسأل) زمانيّة كما في قوله تعالى : «مَا دُمْتُ حَيّا» (4) ، وقوله : «فَاتَّقُوا اللّه َ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (5) . والبارز في (تحضره المسألة) لصاحبه. (فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا) أي لنحكم برأينا استحسانا. (وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم) أي أو بأنسب الأحكام مقيسا على ما يحضرنا من أحكامكم. (قال عليّ : وقلت) يعني هو رأى رأيا باجتهاده وأنا رأيت رأيا آخر باجتهادي على خلافه . قال الزمخشري صاحب الكشّاف في كتاب ربيع الأبرار : قال يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أربعمائة حديث وأكثر . قيل : مثل ذا؟ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «للفَرَس سهمان، وللرجل سهم »، وقال أبو حنيفة : لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن . وأشعر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأصحابه البُدْن ، وقال أبو حنيفة : الإشعار مُثْلة . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا (6) » . وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار . وكان عليه السلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا وأقرع أصحابه ، وقال أبو حنيفة : القرعة قمار . (7) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فقهنا» على المعلوم من باب حَسُن، أو خلافه من التفعيل. «فَقُه» : صار فقيها. و«الناس» عبارة عن فقهاء المخالفين. «حتّى إنّ الجماعة» بكسر الهمزة وتشديد النون. «لتكون» بفتح اللّام على المعلوم من المجرّد، والمستتر للجماعة. وتعريف «المجلس» للعهد الخارجي. والمراد مجلس فقيه المخالفين. و«ما» مصدريّة، والمصدر نائب لظرف الزمان. وضمير «صاحبه» للمجلس. و«صاحبه» عبارة عن فقيه المخالفين. «تحضره» في الموضعين على المضارع المعلوم للغائبة من باب الإفعال، والمستتر للجماعة، والبارز لصاحبه ومفعول أوّل. و«جوابها» نصب ومفعول ثان، والجملة عطف على «تكون» بحذف العاطف، أو حال من المستتر في «تكون». والمراد أنّ رجلاً إذا سأل فقيها من المخالفين بمحضر جماعة منّا عن مسألة وكان ذلك الفقيه غافلاً عن شقوقها تفهم جماعتنا ذلك الفقيه جواب كلّ شقّ من شقوقها. و«في» في «فيما» للسببيّة. و«ما» مصدريّة، أو موصولة. «يحضرنا» على المضارع الغائب المعلوم من باب نصر. «ما يحضرنا» عبارة عن الأحكام التي يخطر بخاطرنا فيما ورد علينا ولم نسمع حكمه من الأئمّة عليهم السلام . «وأوفق الأشياء» عطف تفسير ل «أحسن ما يحضرنا». «كان يقول : قال عليّ وقلت» يعني كان غرضه من قوله : إنّ الأفكار التي يخطر بخاطري في باب القياس لم يخطر بخاطر عليّ عليه السلام . «واللّه ، ما أردت إلّا أن يرخّص لي في القياس» أي في قياس ما لم يعلم حكمه على ما علم حكمه بواسطة الموافقة في آلة القياس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما يسأل رجل صاحبه» أي ما يسأل رجل منهم صاحبه . والجملة حال من فاعل «لتكون» (8) . «فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا» لعلّ المراد بالأحسن ما لا يكون فيه تقيّة ولا يلحقه تغيير، وهو الأصل. «أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم» أي في الجواب عمّا ورد علينا قياسا على ما جاءنا عنكم «فنأخذ به» ونقوله في الجواب . «هيهات هيهات» تأكيد في بُعده عن المسلك المستقيم وإصابة الحقّ. «في ذلك» أي في الأخذ بالقياس. «قال عليّ، وقلت» ظاهره أنّه كان يقول : قال عليّ قياسا، وقلت قياسا، وافقه أو خالفه . (9) ويحتمل أن يكون مراده مخالفته بالقياس لقول عليّ عليه السلام ولو كان روايةً؛ لظنّه بالنبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كان يقول بالقياس، وترجيح قياسه على قياسه صلى الله عليه و آله أو لترجيح قياسه على رواية عليّ عليه السلام . ولكنّه بعيد؛ لاشتماله على ضلال وطغيان (10) قلمّا يرتكبه ويظهره مسلم . (11) انتهى. ما حكيناه عن صاحب الكشّاف آنفا يكفي معيارا لقرب الاحتمال وبُعده .

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- . في «ب» و «ج»: «هلك واللّه ».
3- . اءيضاح الاشتباه، ص 280، الرقم 629 .
4- . مريم (19): 31.
5- . لتغابن (64): 16.
6- . في «ب» و «ج»: «يتفرّقا».
7- . ربيع الأبرار، باب العلم والحكمة والادب والكتاب والقلم، ص 311؛ وعنه في الوافي، ج 17 ص 251 _ 252.
8- . في المصدر : + «وهو ضمير الجماعة».
9- . في المصدر : + «فأخذ بالقياس وظنّ بعليّ عليه السلام ذلك».
10- . في المصدر : + «فيه».
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 200.

ص: 547

. .

ص: 548

. .

ص: 549

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام : بِمَا أُوَحِّدُ اللّه َ؟ فَقَالَ :«يَا يُونُسُ ، لَا تَكُونَنَّ مُبْتَدِعا . مَنْ نَظَرَ بِرَأْيِهِ هَلَكَ ، وَمَنْ تَرَكَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ضَلَّ ، وَمَنْ تَرَكَ كِتَابَ اللّه ِ وَقَوْلَ نَبِيِّهِ كَفَرَ» .

هديّة :(بما اُوحِّد اللّه ) أي بما أستدلّ على التوحيد المعتبر في المعرفة الدينيّة من الدلائل؟ فنهاه عن غير السمع من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . أو المعنى _ كما ينادي به الجواب _ بأيّ طريق من طرق المذاهب في التوحيد اُوحِّد اللّه تعالى؟ فنهاه مؤكّدا عن الابتداع بالرأي فيه، كالصوفيّة القائلين بوحدة الوجود، والموجود المتكثّر بالاُمور الاعتباريّة من الأكوان والشؤونات ، وقد ذكرنا فيما سبق أنّ منشأ ضلالتهم تفكّر رؤسائهم المبتدعين لأفحش البدع كفرا وزندقةً في قول أفلاطون القبطي من رؤساء زنادقة الفلاسفة : إنّ العلّة الاُولى خلق العالم من ذاته، كما منشأ ضلالة زنادقة الفلاسفة هو التفكّر في علمه سبحانه أنّه حضوري أو حصولي. (من نظر برأيه هلك) أي هلاك الخلود في النار كالصوفي . (ومن ترك أهل بيت نبيّه ضلّ) أي عن الطريق ، ويحتمل أن يهتدي. (ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيّه كفر) كغير الناجية من فرق هذه الاُمّة ، فذكر العام بعد الخاصّ؛ للإشارة إلى كفر غير الإماميّة من هذه الاُمّة . قال برهان الفضلاء : «بما اُوحِّد اللّه » أي ما الذي بوسيلته يحصل معرفة التوحيد التي يكون جاهلها مشركا ؟ قال عليه السلام : «يا يونس، لا تكوننّ مبتدعا» في الدِّين بالاجتهاد، ودعوى الكشف الحاصل بالرياضة. «من نظر برأيه» أي فكّر في المسائل الدينيّة فحكم بظنّه هلك؛ لأنّه أشرك . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «من نظر برأيه هلك» فيجب أن يكون التفكّر في المدّعى المسموعة منهم عليهم السلام . وفي البيان، أي الدليل المسموع منهم عليهم السلام . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لا تكوننّ مبتدعا برأيك» أي مثبتا حكما من عندك لا بالكتاب والسنّة، بل برأيك والقياس ، «ومن نظر برأيه هلك». «ومن ترك أهل بيت نبيّه» أي من تركهم ولم يأخذ عنهم أوّلاً أو بواسطة أو وسائط، لم يتمكّن من الوصول إلى الحقّ في المعارف والأحكام؛ حيث ترك السبيل إليها، وهو الأخذ عنهم، فاحتاج إلى الرجوع إلى القياس والرأي، وربّما يؤدّي ضلاله إلى ترك الكتاب وقول النبيّ صلى الله عليه و آله ، وذلك عند معرفته من الكتاب وجوب الرجوع إليهم، ومن مثل قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه ، وعترتي » (2) ، فيكون بتركهم تاركا لما علم ثبوته من الكتاب وقول النبيّ صلى الله عليه و آله مدّعيا جواز الترك لهما بالآراء، ومجوّز ترك كتاب اللّه ، وقول النبيّ صلى الله عليه و آله بالرأي كافر، فنبّه عليه السلام بقوله : «ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيّه كفر ». (3) انتهى. كأنّ في نسخة السيّد بزيادة : «برأيك» بعد «مبتدعا»، وليست في النسخ التي رأيناها سوى نسخة مصنّفه رحمه الله .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
2- . حديث الثقلين مرويّ بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، رواه الخاصّة والعامّة. راجع : الكافي، ج 2، ص 414، باب أدنى مايكون به العبد مؤمنا، ح 1؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام ؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119، و ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 200 _ 201.

ص: 550

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ المُثَنّى الْحَنَّاطِ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : تَرِدُ عَلَيْنَا أَشْيَاءُ لانَعْرِفُهَا (2) فِي كِتَابِ اللّه ِ عزّوجلّ ، وَلَا سُنَّة نبيّه صلى الله عليه و آله (3) فَنَنْظُرُ فِيهَا؟ قَالَ (4) :«لَا ، أَمَا إِنَّكَ إِنْ أَصَبْتَ ، لَمْ تُؤْجَرْ؛ وَإِنْ أَخْطَأْتَ ، كَذَبْتَ عَلَى اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنّى الحنّاط».
2- . في الكافي المطبوع : «ليس نعرفها».
3- . في الكافي المطبوع : «ولا سنّةٍ».
4- . في الكافي المطبوع : «فقال».

ص: 551

هديّة :(قال : لا)يعني لا تتفكّروا عند ذلك اجتهادا بآرائكم، بل شأنكم عنده في زمن الغيبة التوقّف مع الإمكان، وعدم لزوم الحرج المنفيّ بالكتاب والسنّة ورجوعكم عند الضرورة إلى أفقهكم وأحذقكم بالمعالجات المعهودة المتواترة بتواتر الكتب المضبوطة بالثقات عن أهل البيت عليهم السلام . (أمّا أنّك إن أصبت) ردٌّ على ما روته العامّة، وهو قولهم : «من اجتهد فأصاب (1) فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد » (2) قيل : لو كانت روايتهم هذه صحيحة لوجب حملها على الاجتهاد في مثل استعلام جهة القبلة، وتقدير الحكومة في قيم المتلفات ونحوها لإصلاح ذات البين، والاجتهاد في فهم المراد من كلام أهل البيت عليهم السلام في ردّ الفروع الجزئيّة (3) على الاُصول الكلّيّة المأخوذة منهم دون استنباط الأحكام من المتشابهات بالمقاييس والظنون والآراء . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : الغرض من قوله عليه السلام : «لا» أنّ إصابة الحقّ في مثل ذلك اتّفاقي لا مدخل للاختيار فيه، فالإثم على كلا التقديرين ثابت. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فننظر فيها» يحتمل أن يكون المراد النظر بالقياس. والمراد بقوله : «إن أصبت لم تؤجر» : الإصابة في أصل الحكم. (4) ويحتمل أن يكون المراد النظر في الكتاب والسنّة والاستنباط من العمومات لا بطريق القياس فربّما يكون مصيبا في الحكم والاستنباط كليهما ولم يكن مأجورا؛ لتقصّره في تتبّع الأدلّة وتحصيل الظنّ بعدم دليل آخر ، والمصنّف _ طاب ثراه _ حملها على الأوّل، فأوردها في هذا الباب . (5)

.


1- . في «ب» و «ج»: «وأصاب».
2- . سنن الترمذي، ج 3، ص 615 ، ح 1326؛ سنن الدار قطني، ج 4، ص 204، كتاب في الأقضية والأحكام، ح 1؛ كنزالعمّال، ج 5 ، ص 630 ، ح 14110؛ و ج 6 ، ص 7، ح 14597 .
3- . في «ب» و «ج»: - «الجزئيّة».
4- . في «ب» و «ج»: + «وعلّته».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 201.

ص: 552

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» .

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الثامن. والمراد هنا كما هناك، يعني فكلّ ضلالة سبيلها إلى النار، فإنّ بعضا من الضالّين قد يهتدي .

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ الْعَبِيدِي ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ سَمَاعَةَ، (2) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، إِنَّا نَجْتَمِعُ فَنَتَذَاكَرُ مَا عِنْدَنَا ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا شَيْءٌ إِلَا وَعِنْدَنَا فِيهِ شَيْءٌ مُسَتطَّرٌ (3) ، وَذلِكَ مِمَّا أَنْعَمَ اللّه ُ بِهِ عَلَيْنَا بِكُمْ ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَيْنَا الشَّيْءُ الصَّغِيرُ لَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ شَيْءٌ ، فَيَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلى بَعْضٍ وَعِنْدَنَا مَا يُشْبِهُهُ ، فَنَقِيسُ عَلى أَحْسَنِهِ؟ فَقَالَ : «مَا (4) لَكُمْ وَلِلْقِيَاسِ؟ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِالْقِيَاسِ» . ثُمَّ قَالَ :«إِذَا جَاءَكُمْ مَا تَعْلَمُونَ ، فَقُولُوا بِهِ ، وَإِنْ جَاءَكُمْ مَا لَا تَعْلَمُونَ ، فَهَا» وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلى فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : «لَعَنَ اللّه ُ أَبَا حَنِيفَةَ؛ كَانَ يَقُولُ : قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ أَنَا ، وَقَالَتِ الصَّحَابَةُ وَقُلْتُ» ثُمَّ قَالَ : «أَ كُنْتَ تَجْلِسُ إِلَيْهِ؟» فَقُلْتُ : لَا ، وَلكِنْ هذَا كَلَامُهُ . فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، أَتى رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله النَّاسَ بِمَا يَكْتَفُونَ بِهِ فِي عَهْدِهِ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . فَقُلْتُ : فَضَاعَ مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ : «لَا ، هُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبدالرحمن، عن سماعة بن مهران».
3- . في الكافي المطبوع وهامش «الف» : «مسطّر».
4- . في الكافي المطبوع : «وما».

ص: 553

هديّة :(مستطر) من الاستطار. وفي بعض النسخ. «مسطّر» من التسطير، يعني في كتب أحاديثنا. (فنقيس على أحسنه) أي على أوفق ما عندنا وأنسبه؛ لما يرد علينا من الأشياء الجزئيّة التي ليست داخلة تحت الاُصول الكلّيّة ولا تحت منصوص العلّة. (من هلك من قبلكم) أي من الفقهاء؛ ليستقيم الحصر . و«ها» : حرف تنبيه، أو بمعنى هنا، أو هنا من أسماء الأفعال، أي فخذوا من هنا. والغرض الإشارة إلى انحصار مأخذ المسائل الدينيّة في قول الحجّة المعصوم . وقال بعض المعاصرين : الظاهر هنا مكان «ها» «ثمّ» قال : يعني أشار بوضع اليد على الفم إلى السكوت مطابقا لما مرّ من قوله عليه السلام : «أن تقولوا ما لا تعلمون وتكفّوا عمّا لا تعلمون ». (1) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ما عندنا» أي من المسائل وأجوبتها. و«المسطّر» على اسم المفعول من التفعيل، أي مكتوب في كتبنا المضبوطة فيها ما سمعنا عنكم. «الشيء الصغير» أي السهل الحقير من الاُمور التي لا يلزم من الخطأ في حكمها ضرر بيّن في الدنيا والآخرة. «إنّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس» أي بالذي هو علّة الأسباب للمتّبعين لظنّهم في الأحكام. «فها» أي فخذوا من أفواهنا . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة » هذا الحديث ينبغي ذكره في الباب الآتي أيضا . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ها» اسم فعل بمعنى «خذ» . ويحتمل أن يكون «فها» للمفرد ، ويحتمل أن يكون «فهاؤا» للجمع. «وأهوى بيده إلى فيه» على الأوّل ك «هوى بيده» على الثاني للحال، بتقدير «قد» والباء في «بيده» للتعدية، أي مدّ ورفع يده مشيرا إلى فيه. يقال : هوت يدي له وأهوت : إذا امتدّت وارتفعت . والمعنى : إذا جاءكم ما لا تعلمون فخذوا من أفواهنا . «نعم، وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة» [أي نعم، أتى بما يكتفون به في عهده، وبما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة] (3) من الأحكام الشرعيّة. تصديق ذلك قوله عزّ وجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» (4) ، وقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» (5) ، فهو سبحانه لمّا أكمل الدِّين بيّن لنبيّه صلى الله عليه و آله جميع الأحكام الشرعيّة، وأنزلها إليه ؛ ولمّا أمره بتبليغ ما أنزل إليه، بلّغ بنفسه ما أمكن تبليغه إلى من أمكن تبليغه، وحمّل بعضا ليبلّغ إلى آخرين، فلم يبق حكم من أحكام اللّه إلّا وقد أتى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُمّته . «هو عند أهله» أي عند من حمّله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك، وهو أهل للتحمّل والتبليغ، وأهل ما حُمّل يعني أمير المؤمنين وأوصياؤه عليهم السلام . تصديق ذلك قوله صلى الله عليه و آله : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب اللّه ، وعترتي» ، (6) وقوله صلى الله عليه و آله : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» (7) . (8)

.


1- . الوافي، ج 1، ص 253.
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
3- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
4- . المائدة (5) : 3 .
5- . المائدة (5) : 67 .
6- . تقدّم تخريجه قبيل هذا، ذيل الحديث العاشر.
7- . التوحيد، ص 307، الباب 43، ح 1؛ الخصال، ص 574 ، ح 1؛ تحف العقول، ص 430؛ المجازات النبويّة، ص 207، ح 166؛ عوالي اللآلي، ج 4، ص 123، ح 205؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 7، ص 219؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 137 _ 138، ح 4637 _ 4639.
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 202 _ 203.

ص: 554

. .

ص: 555

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عَنْ عليٍّ، عَنْ الْعَبِيدِي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«ضَلَّ عِلْمُ ابْنِ شُبْرُمَةَ عِنْدَ الْجَامِعَةِ _ إِمْلَاءِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَخَطِّ عَلِيٍّ عليه السلام بِيَدِهِ _ إِنَّ الْجَامِعَةَ لَمْ يَدَعْ لِأَحَدٍ كَلَاما ، فِيهَا عِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، إِنَّ أَصْحَابَ الْقِيَاسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِالْقِيَاسِ ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَا بُعْدا؛ إِنَّ دِينَ اللّه ِ لَا يُصَابُ بِالْقِيَاسِ» .

هديّة :«عبداللّه بن شُبْرُمَة» كجربزة : كان من رؤساء أصحاب القياس من فقهاء العامّة، وكان قاضيا بالكوفة. (2) وسيجيء بيان (الجامعة) في كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى. «ضلّ علمه» ضاع واضمحلّ. (إنّ دين اللّه لا يصاب بالقياس)؛ لانحصار علمه في أخبار الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة فيه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «إنّ الجامعة لم يدع لأحد كلاما» يعني ليعجز في حكم مسألة، فيقول : ليس بدّ هنا من القياس واتّباع الظنّ؛ فإنّ الجامعة فيها تأويل جميع متشابهات القرآن. «إنّ دين اللّه لا يصاب بالقياس»؛ لأنّ القياس اتّباع الظنّ، وهو شرك باللّه سبحانه . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «إنّ الجامعة لم يدع لأحد كلاما» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لم يخلوا واقعة عن حكم اللّه تعالى، وبأنّ كلّ أحكامه محفوظ عند أهلها . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة» المراد بالعلم إمّا المأخوذ من مأخذه من المسائل ، وإمّا ما يظنّ ويراه بأيّ طريق كان، سواء كان مأخوذا من المآخذ الشرعيّة، أو من الرأي والقياس. و«الضلال» إمّا بمعنى الخفاء والغيبوبة حتّى لا يُرى، أو بمعنى الضياع والهلاك والفساد، أو مقابل الهُدى. فإن حُمل العلم على الأوّل ناسبه الأوّل من معاني الضلال؛ لأنّه من قلّته بالنسبة إلى ما في الجامعة من جميع المسائل ممّا لا يُرى (4) . وإن حُمِل على الثاني ويشتمل جميع ظنونه وآرائه، ناسبه أحد الأخيرين من معاني الضلال، فإنّه ضائع هالك عندما أتى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمخالفته له. وضلّ هذا العلم، أي ظهر ضلاله وخروجه عن طريقه (5) المستقيم (6) عندما يثبت (7) من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو منهاج الهدى لمخالفته إيّاه. «إنّ دين اللّه لا يصاب بالقياس» لأنّه إذا كان في كلّ مسألة حكما خاصّا صادرا من الشارع، فقلّما يطابقه ما يقاس ويقال فيه بالرأي والتخمين، والأحكام الشرعيّة (8) أكثرها لا يطابق القياس، والعلل فيها غير منتظمة، فقلّما يفارق النظّر فيها عن الالتباس . (9)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عنه، عن محمّدٍ، عن يونس».
2- . رجال الطوسي، ص 117، الرقم 1184؛ خلاصة الأقوال، ص 270، الرقم 5 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.
4- . في المصدر : + «ولا يكون له قدر بالنسبة إليه وفي جنبه».
5- . في «ب» و «ج»: «طريق».
6- . في المصدر : «الطريقة المستقية».
7- . في «ب» و «ج»: «ثبت».
8- . في المصدر : «فإنّ الأحكام الواردة في الشريعة» بدل «والأحكام الشرعيّة».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 203 _ 204.

ص: 556

. .

ص: 557

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عَنْ النيسابوريّين ، عَنْ صَفْوَانَ ، عن البجليّ 1 ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ السُّنَّةَ لَا تُقَاسُ ، أَ لَا تَرى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْضِي صَوْمَهَا وَلَا تَقْضِي صَلَاتَهَا؟ يَا أَبَانُ ، إِنَّ السُّنَّةَ إِذَا قِيسَتْ مُحِقَ الدِّينُ» .

هديّة :«محقه» كمنع : أبطله وأذهبه، كأمحقه فامتحق: صار ممحوقا حتّى لا يرى منه أثر، وذلك لتفاوت مراتب الآراء والظنون والأفكار الموجب للاختلاف، وما من شيء إلّا بينه وبين شيء آخر مجانسة أو مشاركة أو مناسبة في كمّ، أو كيف، أو نسبة، أو غير ذلك . ولكلّ أحد أن يرى بفكره مناسبة أو مشاركة أو موافقة بين شيء وما أراد أن يقيسه، فلا محالة ينجرّ إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال حتّى لم يبق شيء من السنّة بحاله . قال برهان الفضلاء : سيجيء قريب من هذا الحديث في كتاب الديات (1) باب الرجل يقتل المرأة، ويذكر في السادس فيه : أنّ أبان بن تغلب بقياسه في أمر صار باعثا لصدور مثل الكلام عن الإمام عليه السلام . «ولا تقضي صلاتها» مع أنّها أعظم من الصوم . وذهبت الزيديّة إلى أنّ الحائض تقضي الصلاة أيضا . وسيجيء إبطاله في كتاب الحيض في الرابع من باب الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ويذكر هناك نكتة في الفرق بين القضائين ببيان صعوبة قضاء الصلاة بالنسبة إلى قضاء الصوم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : إنّ السنّة لا تقاس؛ أي لا يوصل إليها ولاتعرف بالقياس؛ لما فيها من ضمّ المختلفات في الصفات الظاهرة، وتفريق المتشاركات في الأحوال الواضحة كما في قضاء صوم الحائض، وعدم قضاء صلاتها. «إنّ السنّة إذا قيست» وأثبتت بالقياس «محق» أي محي واُبطل الدِّين بإدخال ما ليس منه فيه، وإخراج ما يكون منه عنه، والإكثار منها يلزم العمل بالقياس . أعاذنا اللّه من إطاعة إبليس، والدخول في التباس . (2)

.


1- . في «ب» و «ج»: + «في».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 204 .

ص: 558

الحديث السادس عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، (2) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام عَنِ الْقِيَاسِ ، فَقَالَ :«مَا لَكُمْ وَالْقِيَاسَ؟ إِنَّ اللّه َ لَا يُسْأَلُ كَيْفَ أَحَلَّ وَكَيْفَ حَرَّمَ» .

هديّة :ناظر إلى قوله تعالى في سورة الأنبياء : «لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (3) ، وتنبيه على أنّ العلم الذي لا اختلاف فيه إنّما هو علم اللّه ، فالحكم إنّما هو حكم اللّه ، والعالم به إنّما هو الحجّة المعصوم العاقل عنه تعالى، وبه يمتاز ما هو الحقّ من الدِّين من أديان البضع والسبعين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : نفي مسؤوليّته تعالى هنا كناية عن أنّ العلم بسرّ قضائه وقَدَره في أحكام شرعه خارج من طاقة غيره، وإشارة إلى أنّ طريق علمنا بالمشكلات منحصر في السؤال، وكذلك العلم بسائر أفعال اللّه ، كما قال في سورة الأنبياء : «لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» ، ويظهر من هنا أنّ المنقول في الأحاديث من علل الشرائع كقطرة من بحار، ومن قبيل النكتة بعد الوقوع . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه لا يسأل كيف أحلّ وكيف حرّم» أي لا يأتي في التحليل والتحريم بما يوافق مدارك عامّة العباد من المصالح والحكم حتّى لو سئل عنه أجاب بما هو مرغوب مداركِهم ومستحسن طباعهم، بل في أحكامه حِكَم ومصالح لا يصل إليها أفهام أكثر الناس من العوامّ والخواصّ . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد».
2- . في «ب» و «ج»: - «بن عيسى».
3- . الأنبياء (21) : 23 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 204 _ 205 .

ص: 559

الحديث السابع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ الإثنين (1) ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ ، عَنْ أَبِيهِ عليهماالسلام :«أَنَّ عَلِيّا عليه السلام قَالَ : مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْقِيَاسِ ، لَمْ يَزَلْ دَهْرَهُ فِي الْتِبَاسٍ ، وَمَنْ دَانَ اللّه َ بِالرَّأْيِ ، لَمْ يَزَلْ دَهْرَهُ فِي ارْتِمَاسٍ» قَالَ : وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِرَأْيِهِ ، فَقَدْ دَانَ اللّه َ بِمَا لَا يَعْلَمُ ، وَمَنْ دَانَ اللّه َ بِمَا لَا يَعْلَمُ ، فَقَدْ ضَادَّ اللّه َ؛ حَيْثُ أَحَلَّ وَحَرَّمَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ» .

هديّة :(دهره) نصب على الظرفيّة . والفقرة الاُولى ردّ على فقهاء العامّة ، والثانية على مشايخ الصوفيّة القدريّة المرتمسين على الاستدراج في ورطات الجهالة، والمغتمسين بالآراء والأفكار في لجج الهلاك والضلالة . (من أفتى الناس برأيه فقد دان اللّه بما لا يعلم) أي أطاعه بالجهالة؛ لحصر عدد (2) حججه المعصومين العاقلين عنه؛ لحصر الأعلميّة فيه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «دهره» أي عمره «في التباس» أي في اختلاط عظيم من ظلمات الشبهات. «في ارتماس» أي في تورّط عظيم من ورطات الجهالات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لم يزل دهره في التباس» يعني من أقام نفسه للعمل بالقياس، لم يزل دهره في التباس؛ أي في اشتباه وخلطٍ بين الباطل والحقّ . «ومن دان اللّه بالرأي» أي اعتقد أنّه من دين اللّه الواجب مراعاته والعمل بمقتضاه «لم يزل دهره في ارتماس» أي انغماس في الباطل [ودخول فيه] (3) بحيث يحيط به إحاطة تامّة (4) . «فقد ضادّ اللّه » حيث نصب نفسه للتحليل والتحريم، وجعلها شريكا للّه في وضع الشريعة (5) . وقال الفاضل الأسترآبادي : «فقد ضادّ اللّه ؛ حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لا يجوز الفتوى إلّا بعد قطع ويقين بما هو حكم اللّه ، أو بما ورد عنهم عليهم السلام . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة».
2- . في «ب» و «ج»: - «عدد».
3- . أضفناه من المصدر.
4- . في المصدر : + «قوله : (من أفتى الناس برأيه) أي بمظنونه المأخوذ لامن الأدلّة والمآخذ المنتهية إلى الشارع، بل من الاستحسانيّات العقليّة، أو القياسات الفقهيّة (فقد دان اللّه بما لا يعلم، ومن دان اللّه بما لا يعلم) وأدخل في دين اللّه ما ليس منه».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 205 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.

ص: 560

الحديث الثامن عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ إِبْلِيسَ لعنه اللّه قَاسَ نَفْسَهُ بِآدَمَ عليه السلام ، فَقَالَ : «خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» ، فَلَوْ قَاسَ الْجَوْهَرَ الَّذِي خَلَقَ اللّه ُ مِنْهُ آدَمَ بِالنَّارِ ، كَانَ ذلِكَ أَكْثَرَ نُورا وَضِيَاءً مِنَ النَّارِ» .

هديّة :(ميّاح) بالياء الخاتمة ككتّان : من الميح بالفتح. وله معان : المنفعة، والاستيلاء، والسعي البليغ، والاستياك، واستخراج الريق بالسواك، والشفاعة، والإعطاء، كالامتياح. وفي بعض النسخ : «عن الحسين بن جَناح» بالجيم، كسحاب، وكأنّه جناح بن رزين. والمراد ب (الجوهر الذي خلق اللّه منه آدم) : روحه المقدّسة التي هي أمر من صنع اللّه سبحانه ، وفي الحديث عن أهل البيت عليهم السلام : «إنّ روح الإنسان جسم لطيف جدّا ». وقد روى الشيخ الطبرسي رحمه اللهفي كتاب الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «الروح لا يوصف بثقل ولاخفيةً، وهي جسم رقيق اُلبس قالبا كثيفا» (2) . الحديث . وقد ذكرنا فيما سبق تمامه، فما هو الحقّ المنصوص أنّ روح الإنسان كما يكون من طينة الجنّة يكون من طينة النار، وكذا الأبدان . وأمّا روح الجانّ وأبدانها إذا لم تكن نافذة في جلد غيرها فشيء واحد وهو النار، فإمّا نورا له كما في المسلمين منهم ، وإمّا ظلماني ككفّارهم. واللّه قادر على تبديل النوراني بالظلماني وبالعكس . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «القيس» بالفتح، و«القياس» كسحاب : مصدر باب ضرب، بمعنى إلحاق شيء بشيء آخر في حكم. «والباء» في «بآدم» بمعنى «مع»، فالظرف مستقرّ وحال من «نفسه» ومنصوب محلّاً؛ إذ لو كان صلة ل «قاس» لكان الظرف لغوا ومتعلّقا ب «قاس» ولم يكن له محلّاً من الإعراب . فالغرض أنّ إبليس قاس نفسه بشيء، وآدم بشيء. و«الفاء» في «فقال» للتفصيل وبيان المقيس عليه في القياسين السابقين. و«خلقتني» ناظر إلى ما في سورة الأعراف وسورة ص (3) ، يعني قاس نفسه بمادّته وهي النار، وآدم بمادّته وهي الطين. [و«الفاء» في «فقاس» للتفريع، أو للتعقيب، وعليهما إشارة إلى قياس ثالث، القياسين، وهو ملاحظة النسبة بين إبليس وآدم، على النسبة التي بين النار والطين ف «ما» موصولة وعبارة عن النسبة، و«ما بين» بتقدير : «على ما بين» كما يجيء في كتاب الدّعاء في باب الإقبال على الدّعاء، الباب التاسع : «اللّهمّ حوالينا ولا علينا» إنّه بتقدير : «اللّهمّ أنزل الغيث على حوالينا، ولا تنزله علينا». وترك ذكر المقيس والاكتفاء بذكر المقيس عليه؛ للاقتصار، بناءً على ظهور المقيس بين آدم وإبليس . فالغرض أنّه عدّ نفسه أشرف من آدم قياسا، بناءً على قياس نسبة إثنين من المخلوق بنسبة إثنين من المخلوق منه . ويظهر من هذا أنّ افتخار الأبناء بالآباء مشتمل على ثلاثة ]قياسات] (4) ، وهو ميراث إبليس، وبطلانها معلوم بالأدلّة النقليّة، منها قوله تعالى في سورة الحجرات : «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ» (5) ]. (6) و«الفاء» في «فلو» للتفريع، و«قاس الجوهر» بتقدير : «قاس على الجوهر». وهو معرّب «كوهر» أي الشيء الذي يكون أصلاً لشيء آخر كان هو مخلوقا منه. و«الباء» في «بالنار» بمعنى «مع» و«بالنار» في تقدير : بالجوهر الذي خلق اللّه منه النار . ويمكن بلا تقدير. ويظهر حكم المادّة _ أي البحر الاُجاج الظلماني_ بطريق أولى وعليهما الظرف حال من الجوهر . والمقصود أنّ قياس المخلوق بالمخلوق منه لو كان صحيحا لكان فاسدا، وما يلزم من صحّته فساده باطل قطعا. بيانه : أنّ إبليس كما هو مخلوق من النار، فتلك النار مخلوقة من البحر الاُجاج الظلماني؛ وأنّ آدم كما هو مخلوق من الطين، فذلك الطين مخلوق من الماء العذب الفرات النوراني كما مرّ في الرابع عشر من الباب الأوّل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالجوهر الذي خلق منه آدم النور العقلاني الذي في نفسه، وهو أكثر ضياءً من النار؛ فإنّه به يظهر ما لا يظهر بالنار كالمعقولات، وبه يظهر ما يظهر بالنار، (7) كالمحسوسات (8) . انتهى . يمكن حمل بيانه على الردّ على القائل بتجرّد النفوس الناطقة تبعا لفلاسفة المثبتين عقولاً مجرّدة ونفوسا مجرّدة؛ فإنّ الحقّ المنصوص اختصاص اللازمانيّة واللامكانيّة، كالخالقيّة والأزليّة بالربّ تبارك وتعالى. ومَثَلُ التوفيق بالتمحّلات بين الاختلافات بين أهل الشرع وغيرهم، كقدم العالم وحدوثها مع عدم رضاء الفلاسفة ومن تبعهم بذلك، مَثَلُ موتِ الحمار وصاحبه غير راضٍ . وقال بعض المعاصرين : الجوهر الذي هو نور معنويّ عقلاني لا نسبة له إلى الأنوار الحسّيّة كنور الشمس والقمر فضلاً عن نور النار التي يضمحلّ في النهار ، وآدم (9) عبارة عنه، لا عن الجسد، (10) ولمّا لم يكن لإبليس منه نصيب لم يره من آدم ولم يعرفه، وهو يختصّ بالأنبياء والأولياء وأهل السعادة الكاملة من العلماء . وأمّا الأرواح التي لسائر أفراد البشر فلإبليس في مثلها مشاركة (11) . انتهى . كأنّ بيانه هذا بناؤه على ما انكشف له من العلم بالحقائق ، وإلاّ فلا مأخذ له لا من الكتاب و لا من السّنّة. (12)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- . الاحتجاج، ج 2، ص 349؛ وعنه في بحارالأنوار، ج 58 ، ص 34، ح 7 .
3- . الأعراف (7) : 12؛ ص (38) : 76 .
4- . في جميع النسخ: «قياس»، والصحيح ما اُثبت.
5- . الحجرات (49) : 13.
6- . الظاهر أنّ ما بين المعقوفتين تفسير للحديث العشرين، ولعلّ ذكره هنا من سهو النسّاخ.
7- . في «ب» و «ج»: - «كالمعقولات وبه يظهر ما يظهر بالنار».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 206 _ 207 .
9- . في المصدر : + «في الحقيقة».
10- . في «ب» و«ج»: - «لا عن الجسد».
11- . الوافي، ج 1، ص 256 _ 257، بتفاوت في صدر العبارة.
12- . في «ب» و «ج»: - «كأنّ بيانه هذا... ولا من السنّة».

ص: 561

. .

ص: 562

. .

ص: 563

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَقَالَ :«حَلَالُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حَلَالٌ أَبَدا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَدا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَا يَكُونُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِيءُ غَيْرُهُ» . وَقَالَ : «قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : مَا ابْتَدَعَ أحَدٌ (2) بِدْعَةً إِلَا تَرَكَ بِهَا سُنَّةً» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد».
2- . في الكافي المطبوع : «ما أحدٌ ابتدع».

ص: 564

هديّة :رواه فيالتهذيب أيضا، عن أحمد، عن ابن بزيع، عن حنان، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام (1) . الحديث. وفي الحديث إشارات إلى أشياء : منها : ختم النبوّة والرسالة على نبيّنا صلى الله عليه و آله . ومنها : أنّه ليس لأوصيائه أيضا تحليل حرامه ولا تحريم حلاله . ومنها : تبليغه صلى الله عليه و آله جميع ما جاء به من عند اللّه ، وأنّ جميعه جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة، وأنّ التكليف ثابت على كلّ مكلّف إلى موته وقيام قيامته. والجنون من الأمراض السوء لا يمكن معه التقرّب من اللّه سبحانه . ولعلّ الغرض الأهمّ الردّ على طريقة التصوّف، وهي أفحش البدع في الدِّين كفرا وشركا وزندقةً . وقد قال الرومي من الصوفيّة القدريّة في الدفتر الخامس من كتابه المسمّى بالمثنوي في بيان قولهم _ بالعناد والنفاق والزندقة والإلحاد، لعنهم اللّه أبد الآباد _ : إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع : إنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض، فإذا برأ السالك من الأمراض النفسانيّة بالرياضة الكاملة استغنى من الدواء (2) . فالحلال والحرام عنده على السويّة _ لعنه اللّه _ لم يجترء المجوس على ذلك، فإنّهم مع تجويزهم نكاح البنات والأخوات والاُمّهات لم يقولوا برفع الحلال والحرام أصلاً ، ولذا قال الرسول صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» (3) يعني أنّهم أسوأ من المجوس كفرا وزندقةً _ لعنهم اللّه _ ، ثمّ لعنهم اللّه «أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (4) . (ما ابتدع أحد بدعة إلّا ترك بها سنّة) وذلك لأنّه ليس شيء ممّا يحتاج إليه الناس إلّا وقد جاء بحُكْمه صلى الله عليه و آله من اللّه عزّ وجلّ، كما مرّ في أحاديث الباب، والباب التالي يفصّلها إن شاء اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «لا يكون غيره» إبطال للاختلاف في أحكام الحلال والحرام باختلاف ظنون المجتهدين، مصوّبةً كانوا أو مخطّئة، بناءً على أنّ اتّباع الظنّ بالحكم الواقعيّ متضمّن للحكم بالمظنون صريحا، كالإفتاء بالمظنون؛ أو غير صريح، كالعمل بالمظنون من حيث إنّه مظنون. ويظهر من هذا التقرير أنّ هذا الخبر لا يبطل طريقة الأخباريّين. «ولا يجيء غيره» لبيان أنّ هذه الشريعة لا يتطرّق إليها نسخ أبدا . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «حلال محمّد صلى الله عليه و آله حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة » من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لايجوز الاختلاف في الفتاوى، وبأنّه لم يخل واقعة عن حكم وارد من اللّه تبارك وتعالى (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما ابتدع أحد بدعة إلّا ترك بها سنّة» لأنّه لمّا كان في كلّ مسألة بيان من الشارع وحكم فيها، فمن قال بما لم يكن في الشرع وابتدع شيئا ترك به سنّة وحكما من أحكامه (6) .

.


1- . لم أجده في التهذيب و لا في غيره بهذا السند.
2- . مثنوي معنوي، ص 726، مقدّمة الدفتر الخامس.
3- . جامع الأخبار، ص 161، الفصل 126؛ و عنه في المستدرك، ج 18، ص 185، ح 24457؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 166، ح 175؛ وعنه في المستدرك، ج 12، ص 317، ح 14190.
4- . المائدة (5) : 75؛ التوبة (9) : 30؛ المنافقون (63) : 4 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 206 .

ص: 565

الحديث العشرونروى في الكافي عَنْ عَلِيّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْعَقِيلِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْقُرَشِيِّ ، قَالَ : دَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ :«يَا أَبَا حَنِيفَةَ ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقِيسُ؟» قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : «لا تَقِسْ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ _ لعنه اللّه _ حِينَ قَالَ : «خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» فَقَاسَ مَا بَيْنَ النَّارِ وَالطِّينِ ، وَلَوْ قَاسَ نُورِيَّةَ آدَمَ بِنُورِيَّةِ النَّارِ ، عَرَفَ فَضْلَ مَا بَيْنَ النُّورَيْنِ ، وَصَفَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْاخَرِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم».

ص: 566

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الثامن عشر. (وصفاء أحدهما على الآخر) أي وفضل صفاء أحدهما على الآخر . و(أحمد بن عبداللّه العقيلي) هو أحمد النسّابة المحدّث بنصيبين (1) . وروي عن أبي حنيفة أنّه قال : جئت إلى حجّام [بمنى] (2) ليحلق رأسي، فقال لي : أدْنِ ميامنك، واستقبل القبلة، وسمّ اللّه تعالى. فتعلَّمت منه [ثلاث] (3) خصال لم تكن عندي ، فقلت له : مملوكٌ أنتَ أم حرّ؟ فقال : مملوك ، قلت : لِمَنْ؟ قالُ : لجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، قلت : أشاهد أم غائب؟ قال : شاهد ، فصرت إلى بابه فاستأذنت عليه فحجبني، وجاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذِنَ لهم فدخلت معهم، فلمّا صرت عنده قلت له : يا ابن رسول اللّه لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم ، فقال : «لا يقبلون منّي » فقلت : ومَن لا يقبل منك وأنت ابن رسول اللّه ؟! فقال : «أنت أوّل من لا يقبل منّي، دخلتَ داري بغير إذني، وجلست (4) بغير أمري، وتكلّمت بغير رأيي، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس». قلت : نعم أقول ، قال : «ويحك يا نعمان، أوّل مَن قاس إبليس _ لعنه اللّه _ حين اُمر بالسجود لآدم عليه السلام فأبى وقال : «خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (5) أيّما أكبر يا نعمان، القتل أو الزناء؟». قلت : القتل ، قال : «فلِمَ جعل اللّه في القتل شاهدين، وفي الزاء أربعةً، أيَنْقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «فأيّما أكبر الصلاة أو الصيام؟» قلت : الصلاة ، قال : «فلِمَ وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، أيَنْقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «فأيّما أضعف المرأة أو الرجل؟» قلت : المرأة ، قال : «فلِمَ جعل اللّه _ تعالى _ في الميراث للرجل سهمين وللمرأة سهم ، أينقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «فبما حكم اللّه فيمن سرق عشر دراهم القطع، وإذا قطع الرجل يد الرجل فعليه ديّتها خمسة آلاف درهم ، أينقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «وقد بلغني أنّك تقرأ آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ وهي «لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ» (6) أنّه الطعام الطيّب والماء البارد في اليوم الصائف؟» قلت : نعم ، قال : «لو دعاك رجل وأطعمك طعاما طيّبا، وسقاك ماءً باردا، ثمّ امتنّ عليك به ما كنت تنسب (7) إليه؟» قلت : أنسبه إلى البخل ، قال : «أفتبخّل اللّه تعالى؟» قلت : فما هو؟ قال : «حبّنا أهل البيت » (8) . روى الصدوق رحمه اللهفي كتاب علل الشرائع نظير هذا الحديث (9) ، أو هو أطول لفظا، وأشمل ببيانه تمام القصّة مفصّلاً.

.


1- . «نصيبين» بالموحّدة بين ياءين : بلد بين الشام والعراق. مجمع البحرين، ج 2، ص 174 (نصب).
2- . أضفناه من بحارالأنوار.
3- . كذا في المصادر، وفي النسخ «ستّ».
4- . في «الف»: «دخلت».
5- . الأعراف (7) : 12؛ ص (38) : 76 .
6- . التكاثر (102) : 8 .
7- . في «ب» و «ج»: «تنسبه».
8- . بحارالأنوار، ج 10، ص 220، ح 20؛ الوافي، ح 1، ص 258 .
9- . علل الشرائع، ج 1، ص 86 _ 88 ، الباب 81 ، ح 1 _ 3 .

ص: 567

الحديث الحادي والعشرونروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَأَجَابَهُ فِيهَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، مَا كَانَ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ :«مَهْ ، مَا أَجَبْتُكَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، لَسْنَا مِنْ «أَ رَأَيْتَ» فِي شَيْءٍ» .

هديّة :(أ رأيت) أي ما رأيك واجتهادك إن كان الحكم كذا وكذا؟ وقوله : (ما كان يكون القول فيها) جزاء الشرط على التجريد، والتقدير. يعني : أسألك إن كان كذا وكذا، ما كان عندك ما يكون باجتهادك القول فيها؟ فزجره عليه السلام بقوله : (مه) وهي كلمة زجر؛ لزعمه صحّة الحكم بالرأي والاجتهاد الممنوع، وإلّا فمثل «رأيت كذا» بمعنى «علمت» في كلامهم عليهم السلام كثير. (لسنا من «أرأيت» في شيء) أي من أهل الرأي والاجتهاد بالآراء والمقاييس في حكم من الأحكام الشرعيّة، فلا يكون الاختلاف في علمنا وحكمنا؛ فإنّا أهل البيت قومٌ معصومون عاقلون عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة معصوم آخر ، وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «علّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألف بابٍ من العلم، فانفتح لي من كلّ باب ألف باب » (2) . وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «اُعطيت جوامع الكلم، واُعطى عليّ جوامع العلم (3) » (4) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فقال : أ رأيت» يعني بعد تغييره صورة المسألة ، قال : ما رأيك، إن كان الأمر كذاوكذا فما جوابك عنه؟ «فقال له : مه» أي لا تقل هكذا فإنّا لسنا من المتّبعين للظنّ في شيء . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه : السائل قصد : أيّ شيء مقتضى اجتهادك الظنّي؟ فأجابه عليه السلام بقوله: «لسنا من أرأيت في شيء» (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أرأيت إن كان كذا وكذا، ما يكون القول فيها» أي أخبرني عن رأيك فيما ينبغي أن يقال في مسألة (6) هذه. «فقال : مه» أي اُكفف، فإنّا لا نقول إلّا بما وصل إلينا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لسنا نقول برأينا (7) . انتهى . ليس في نسخته رحمه الله «كان» بعد «ما» وقبل «يكون» أو سقط من قلم الناسخ في مصنّفه. ولعلّ الثاني .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن عيسى».
2- . الاختصاص، ص 283؛ الخصال، ج 2، ص 646 ، ح 33؛ بحارالأنوار، ج 40، ص 131 _ 132، ح 10 _ 14 .
3- . في «ب» و «ج»: - «واُعطي عليّ جوامع العلم».
4- . الأمالي للطوسي، ص 104 _ 105، ح 161، المجلس 4، ح 15؛ و عنه في بحارالأنوار، ج 38، ص 157، ح 133.
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.
6- . في المصدر : «المسألة».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 206 .

ص: 568

. .

ص: 569

الحديث الثاني والعشرونروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ أَبِيهِ (2) مُرْسَلاً ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«لَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلِيجَةً ، فَلَا تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وَقَرَابَةٍ وَوَلِيجَةٍ وَبِدْعَةٍ وَشُبْهَةٍ مُنْقَطِعٌ ، إِلَا مَا أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ» .

هديّة :أورد طاب ثراه هذا الخبر بعينه بهذا الإسناد في كتاب الروضة، وزاد بعد قوله (منقطع) : «مضمحلّ كالغبار (3) الذي يكون على الحجر الصّلد إذا أصابه المطر » (4) . في سورة التوبة هكذا : «وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» (5) ، ووليجة الرجل : بطانته وخاصّته وصاحب سرّه ومن يعتمد عليه في اُموره . فمعنى الحديث : لا تتّخذوا صاحبا ووليّا _ بمعنى الأولى بالتصرّف _ في اُموركم الدينيّة والدنيويّة من دون اللّه ولا رسوله ولا أوصياء رسوله الواهبين الأمان شيعتهم حتّى لاتُعدّوا أنّكم لستم من شيعتهم. ولظهور نظر الحديث إلى هذه الآية ، ومآل ولاية الرسول والأئمّة عليهم السلام إلى ولاية اللّه _ كما في نصّ الحصر في آية الولاية (6) _ اكتفى بقوله : (لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة) إلاّ ما أثبته القرآن؛ وذلك لانحصار القطع بحقّيّة شيء في المتشابهات في قول اللّه تعالى؛ لانحصار الأعلميّة فيه سبحانه. قال برهان الفضلاء : سيجيء في كتاب الحجّة في العاشر من باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلامأنّ : «الوليجة الذي يقام دون وليّ الأمر» فنقول هنا _ على الاحتمال _ : إنّ الوليجة مطلق الداخل في سلسلة الأئمّة عليهم السلام بحقّ أوبغير حقّ. وهي فعيلة بمعنى فاعلة، من الولوج بمعنى الدخول، والتاء للنقل من الوصفيّة إلى الاسميّة، أو للتأنيث باعتبار النفس. وتفسيرها ب «الذي يقام دون وليّ الأمر» تفسير بفرد منها الذي يلاحظ باعتبار ملاحظة من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين . ويجيء في كتاب الحجّة في باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلامأنّ المراد بالمؤمنين في الآية الأئمّة عليهم السلام . والاقتصار في الحديث؛ للإشعار بأنّ النصّ من اللّه تعالى لا يكون بدون النصّ من الرسول وأوصيائه عليهم السلام ، «فلا تكونوا مؤمنين» لبيان كفر القائلين بانعقاد الإمامة بغير نصّ من اللّه ورسوله وأوصياء رسوله صلى الله عليه و آله ؛ ف «إنّ» الاحتجاج على عدم إيمان هؤلاء القائلين. و«السبب» هنا عبارة عن أمثال المصاهرة بين الوليجة والإمام السابق. و«النسب» القرابة بالولادة، ككون الوليجة والإمام السابق من قبيلة قريش. و«القرابة» ككون الوليجة عمّا للإمام السابق، أو كونهما من بني هاشم . وذكر هذا الحديث في تحت هذا العنوان باعتبار ذكر «البدعة» و«الشبهة». والمراد بالشبهة : المشابهة التي تكون في القياس . وفي هذا الحديث إشعار بأنّ كلّ واحدة من البدعة والشبهة على قسمين : الأوّل : ما يكون في نفس حكم اللّه ، كتعيين الإمام بهوى النفس، أو بشَبِهَه بالإمام السابق في الشكل والشمائل . والثاني : ما يكون في غير ذلك، كاختراع نوع من الطعام بهوى النفس، وكالمشابهة لقياس أمر بآخر في تعيين قِيَم المتلفات وتعيين القبلة . والمقصود في هذا الباب إبطال القسم الأوّل لا الثاني؛ لأنّ القرآن يبطله ويثبت الثاني . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : وليجة الرجل : من يجده معتمدا . والمراد هنا المعتمد عليه في أمر الدِّين. ومن يعتمد في أمر الدِّين وتقرير الشريعة على غير اللّه يكون متعبّدا لغير اللّه ، فلا يكون مؤمنا باللّه واليوم الآخر . وأيضا فما لم يستند إلى موجبه الحقيقي الذي لا يزول _ وهو اللّه سبحانه _ يزول بزوال مستنده الذي اتّخذه (7) وليجة من دون اللّه ، وذلك لأنّ كلّ ما لم يثبته القرآن من السبب والنسب والقرابة والوليجة والبدعة والشبهة منقطع لا يبقى ولا ينتفع بها في الآخرة، فلا يبقى الإيمان، لزوال مستنده وموجبه . أو نقول : فلا يجامع الإيمان (8) باللّه واليوم الآخر الاعتماد عليها في أمر الدِّين (9) . وذكر الوليجة بعد ذكر السبب والنسب والقرابة من ذكر العام بعد الخاصّ، وتقديمها على البدعة والشبهة؛ لأنّهما منحطّان عن أن يُعدّا وليجةً أو ممّا له وليجة .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . في «ب» و «ج»: - «عن أبيه».
3- . في المصدر: «مضمحل، كما يضمحل الغبار».
4- . الكافي، ج 8 ، ص 242، ح 335 .
5- . التوبة (9) : 16 .
6- . المائدة (5) : 55 .
7- . في «ب» و «ج»: «اتّخذ».
8- . في المصدر : + «أي الاعتقاد الثابت».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 207 .

ص: 570

. .

ص: 571

. .

ص: 572

باب الردّ إلى الكتاب والسنّة ، وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام

الباب الحادي والعشرون (1) : بَابُ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ إِلَا وَ قَدْ جَاءَ فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌوأحاديثه كما في الكافي عشرة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ مُرَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ عزّوجلّ _ أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتّى وَاللّه ِ ، مَا تَرَكَ اللّه ُ شَيْئا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ حَتّى لَا يَسْتَطِيعَ عَبْدٌ يَقُولُ : لَوْ كَانَ هذَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ إِلَا وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللّه ُ (تعالى) فِيهِ» .

هديّة :لا شكّ بدلالة هذا العنوان وأحاديث الباب ونظائرها أنّ جميع ما يحتاج إليه الناس في اُمور دينهم ودنياهم من الأحكام إلى قيام القيامة إنّما هو في القرآن والسنّة القائمة، وأنّ الجميع عند أهله، وهم الأئمّة المعصومون من أهل بيت نبيّنا صلى الله عليه و آله ، فالأمر بالتوقّف عند الاشتباه مع المعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن للفقيه العدل الإمامي الممتاز فضلاً وعلما، إنّما هو مع إمكانه بحيث لا يلزم حرج بيّن في الدِّين، وهو منفي بالكتاب (3) والسنّة (4) . (لو كان هذا اُنزل (5) في القرْآن) للتمنّي. إن قال لك رجل من العامّة : أين في القرآن ذمّ فلان وفلان وفلان بخصوصهم؟ فاقرأ آية سورة الحجرات : «وَلَكِنَّ اللّه َ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْاءِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ» (6) ، وفسّر كما ورد عن أهل الذِّكر عليهم السلام (7) . وإن قال لك ملحد: أين في القرآن مذمّة الصوفيّة فقل : سبحان اللّه ! واسكت، أو اقرأ تمام القرآن، أو آيات اللعن، وهم مصرّحون بأنّ اللعنة عين الرحمة، لتركّبها من أربعة أحرف من أسماء اللّه ، «أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (8) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني هذا باب بيان وجوب ترك حكم كلّ مسألة إلى محكمات القرآن، وإلى بيان رسول اللّه صلى الله عليه و آله متشابهات القرآن في الجامعة كما مرّ في الرابع عشر في الباب السابق شيء في الحديث عبارة عمّا يحتاج إليه أكثر الناس. و«حتّى» للانتهاء، وما بعدها داخل في حكم ما قبلها. وجملة : «حتّى لا يستطيع» بدل من جملة القسم، أو معطوفة عليها بحذف العاطف. «يقول» يحتمل الرفع والنصب؛ لجواز إهمال الناصبة المقدّرة وإعمالها. و«لو» للتمنّي. و«إلّا » استثناء من «لا يستطيع»، والواو حاليّة، والمستثنى مفرّغ . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : اشتهر بين علماء الاُصول أنّ المسائل ثلاثة أقسام : قسم من ضروريّات الدِّين ، وقسم من ضروريّات المذهب ، وقسم لا هذا ولا ذاك ، وأنّ القسم الثالث هو محلّ الاجتهاد . واشتهر بينهم أنّ في القسم الثالث أقوالٌ أربعة : الأوّل : أنّه خال عن حكم اللّه . والثاني : أنّه غير خال عن حكم اللّه ، لكن ما نصب اللّه عليه دليلاً أصلاً لا قطعيّا ولا ظنّيا . والثالث : أنّ اللّه تعالى نصب عليه دليلاً ظنّيا لا قطعيّا . وعلى القول الأوّل، كلّ مجتهد مصيب، صرّحوا بذلك . وعلى الثاني والثالث، للمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر واحد، صرّحوا بذلك . والقول الرابع : أنّ في القسم الثالث للّه _ عزّ وجلّ _ حكما معيّنا ونصب عليه دليلاً قطعيّا محفوظا عند أهله ، فالمخطئ فيه آثم فاسق كالقسمين الأوّلين . وفي هذا الباب وغيره تصريحات ببطلان المذاهب الثلاثة وتعيين (9) المذهب الرابع (10) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «كلّ شيء» أي ممّا يحتاج إليه العباد؛ بقرينة ما بعده. «حتّى لا يستطيع عبد يقول» أي قولاً صحيحا. «لو كان هذا اُنزل في القرآن» للتمنّي. «إلّا وقد أنزله اللّه فيه» استثناء من قوله : «ما ترك اللّه شيئا يحتاج إليه العباد» وما بعد «إلّا» جملة ابتدائيّة وقعت حالاً من قوله : «شيئا »، و«إلّا» معطية في المعنى فائدتها الاستثنائيّة، مفيدة كون كلّ متروك من المحتاج إليه قد اُنزل في القرآن . أو المراد، ما ترك شيئا محتاجا إليه على حال إلّا مُنزلاً في القرآن. وتوسيط الغاية بينهما، إمّا رعاية لاتّصالها بذي الغاية ، أو لجعله مفسّرا لمثله المحذوف قبل الغاية 11 .

.


1- . رقم هذا الباب في الكافي المطبوع : العشرون.
2- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
3- . المائدة (5) : 6 ؛ الحجّ (22) : 78.
4- . راجع : الكافي، ج 5 ، ص 495، باب كراهية الرهبانيّة و... ، ح 1؛ و ج 4، ص 504 _ 505 ، باب من قدم شيئا أخّره من مناسكه، ح 1 و 2؛ و وسائل الشيعة، ج 14، ص 155 و 156، الباب 39 من أبواب الذبح، ح 18857 و 18859 .
5- . في «ب» و «ج»: - «اُنزل».
6- . الحجرات (49) : 7 .
7- . البرهان في تفسير القرآن، ج 5 ، ص 105، ذيل الآية 7 من الحجرات (49).
8- . الملك (67): 22.
9- . في المصدر : «تعيّن».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97 _ 98.

ص: 573

. .

ص: 574

. .

ص: 575

الحديث الثانيروى في الكافي عَن عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ عُمَرَ (2) بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يَدَعْ شَيْئا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّا ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ عَلى مَنْ تَعَدّى ذلِكَ الْحَدَّ حَدّا» .

هديّة :(تحتاج إليه الاُمّة) أي إلى انقراض الدنيا، فإشارة إلى وجوب وجود معصوم عاقل عن اللّه في كلّ زمان بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى آخر الدنيا. ومثال وجعل ثلاثا؛ أمّا في العبادات فإنّه جلّ جلاله جعل للصوم (3) حدّا، ودليله قوله عزّ وجلّ : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللّه ُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (4) ، وحدّ من تعدّى ذلك الحدّ الكفّارة على تفصيلها . وأمّا في غيرها فمثل حدّ الزنا، وثبوته بالأربعة، ودليله : «فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» (5) وحدّ من تعدّى ذلك الحدّ _ بأن شهد عليها قبل تمام العدد _ الثمانون جلدة. وغير ذلك من جميع ما في الجامعة من تأويل المتشابهات، وهي الآن عند صاحب الزمان صلوات اللّه عليه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يجيء مضمون هذا الحديث في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى. و«إلّا» هنا للاستثناء المنقطع من القسم الذي لا يمكن فيه تسليط العامل على المستثنى، مثل : «ما زاد هذا إلّا نقص». و«الحدّ» : الحاجز بين الشيئين، والمانع من ارتكاب شيء . والأوّل مراد من الأوّل، والثاني من الثاني . و«الدليل» هنا عبارة عن الإمام، أو عن محكمات القرآن، أو عن الجامعة. والمآل واحد . انتهى . يعني مآل الأوّل والثاني؛ لما لا يخفى . وقال الفاضل الاسترآبادي : «إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يدع شيئا» إلى آخره. يبطل بأحاديث هذا الباب ثلاثة مذاهب من المذاهب الأربعة المشهورة بين الاُصوليّين، ويتعيّن المذهب الرابع وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب قدمائنا الأخباريّين ، والمقصود بأحاديث هذاالباب، وأحاديث باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ردّ المذاهب الثلاثة وتعيين المذهب الرابع، لا ما زعمه جمع من القاصرين [من] أنّ المقصود بها تجويز استنباط الأحكام التي ليست من بديهيّات الدين ولا من بديهيّات المذهب من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ؛ وذلك لأنّه لو كان المراد ما زعموه لما صحّ قولهم عليهم السلام «وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا »، ولا قولهم عليهم السلام : «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة» وكذلك حرامه لا يتبدّل ولا يتغيّر ، ولا قولهم عليهم السلام : «حكم اللّه في كلّ واقعة واحد ». وسيجيء لهذا مزيد توضيح إن شاء اللّه تعالى 6 . انتهى . ترك العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام عند الضرورة من تعدّى حدود اللّه ، العمل بتلك المعالجات حلال وتركه عند الضرورة حرام، والعلاج في واقعة إنّما هو بحكم اللّه سبحانه، ووقت ظهور الإمام من المحتوم . فقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لكلّ شيء» أي ممّا يحتاج إليه العباد حدّا ومنتهى معيّنا لا يتجاوزه ولا يقصر عنه. «وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه» ويبيّنه للناس كالنبيّ صلى الله عليه و آله في زمانه، والإمام في زمانه ، فعلى الناس أن يراجعوا الدليل ويأخذوها (6) عنه ، أو جعل عليه السلام (7) دليلاً من الكتاب. وجعل على من ترك ذلك الحدّ ولم يقل به ولم يأخذه من دليله ولم يراجعه حدّا من العقاب والنكال (8) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: «عمرو».
3- . في «الف»: «الصوم».
4- . البقرة (2) : 187 .
5- . النساء (4): 15.
6- . في «ب» و «ج»: «يأخذوا».
7- . في «ب» و «ج»: «عليه» بدل «عليه السلام».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 208.

ص: 576

. .

ص: 577

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَارُونَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَا خَلَقَ اللّه ُ حَلَالاً وَلَا حَرَاما إِلَا وَلَهُ حَدٌّ كَحَدِّ الدَّارِ ، فَمَا كَانَ مِنَ الطَّرِيقِ ، فَهُوَ مِنَ الطَّرِيقِ ، وَمَا كَانَ مِنَ الدَّارِ ، فَهُوَ مِنَ الدَّارِ حَتّى أَرْشِ الْخَدْشِ فَمَا سِوَاهُ ، وَالْجَلْدَةِ وَنِصْفِ الْجَلْدَةِ» .

هديّة :يجيء هذا الحديث بمضمونه _ إن شاء اللّه تعالى _ في أوائل كتاب الحدود، عن الإثنين، عن الوشّاء، عن أبان، عن سليمان بن أخي حسّان العجلي، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول . الحديث. (والخدش) : تقشير الجلد بُعودٍ وغيره من الحجر والحديد ونحوهما. و«أرشه» : ما يجبر نقصه من الدّية. و(الجلدة) : الضربة بالسوط، ونصفها : أن يؤخذ بنصف السوط فيضرب . وذكر النصف على التمثيل؛ لمكان ثلثها في بعض الأخبار . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : و«الأرش» _ هنا بمعنى الدية _ : مجرور ومضاف. و«الخدش»: تقشير الجلد . و«الفاء» في «فما» للتعقيب باعتبار الرتبة، و«ما» موصولة، وضمير «سواه» بالكسر والقصر ل «الخدش» ومرفوع تقديرا خبرا عن المبتداء المحذوف بتقدير «هو» وهو العائد. ومعنى «ما سواه» ما دونه؛ لأنّ «حتّى» للانتقال من الأقوى إلى الأضعف. و«الجلدة» بالفتح مجرور، عطف على «الأرش » وذكر نصف الجلدة على المثال؛ لأنّ التأديب بثلثها يجيء في بعض الأحاديث في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى بشرحه وبيانه .

.

ص: 578

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبي عَبْدِاللّه عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَا وَفِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ» .

هديّة :أي ما من شيء ممّا يحتاج إليه الاُمّة إلى قيام القيامة إلّا وفي حكمه كتاب محكم، أو سنّة مفسّرة لما يشتبهه. وجميع الأحكام إنّما هو عند أهله عليهم السلام . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : بيانه ظاهر من شرح العنوان .

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أبيه ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (2) والعدّة، عن عليٍّ، عن العبيدي، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ (3) ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ ، فَاسْأَلُونِي أين هو (4) مِنْ كِتَابِ اللّه ِ؟» . ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ : «إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله نَهى عَنِ الْقِيلِ وَالْقَالِ ، وَفَسَادِ الْمَالِ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ» فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، أَيْنَ هذَا مِنْ كِتَابِ اللّه ِ؟ قَالَ : «إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «لَا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النّاسِ» وَقَالَ : «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ قِيامَا» وَقَالَ : «لاتَسْئَلُواعَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» » .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: + «عن يونس».
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي الجارود».
4- . في الكافي المطبوع : - «أين هو».

ص: 579

هديّة :قول الإمام عليه السلام : (إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني أين هو من كتاب اللّه ) من بيّنات دلالات الإمامة، من يجترأ غير الإمام الحقّ العاقل عن اللّه على مثله ؟! وفي الحديث أنّ رجلاً قال للصادق عليه السلام : ولا رطب ولا يابس إلّا في كتابٍ مبين، والجار ثمّ الدار من أمثال العرب، فأين هذا من كتاب اللّه ؟ فقرأ عليه السلام قوله تعالى حكاية عن امرأة فرعون : «رَبِّ ابْنِ لِى عِنْدَكَ بَيْتا فِى الْجَنَّةِ» (1) . والآية الاُولى في سورة النساء (2) ، والثانية أيضا فيها (3) ، والثالثة في المائدة (4) . والمراد ب (القيل والقال) : المكالمة بما لا طائل فيه لصلاح المعاش والمعاد. وب (فساد المال) صرفه لا في مصرفه . وب (كثرة السؤال) : الإكثار منه زائدا على (5) قدر الحاجة للأعمال . ولا يخفى الأمر بالسؤال وذكر حديث النهي عن كثرته، فلأنّ قيام أهل بيته، وقوام أهل بيته، وقوام الأمر نظامه وعماده . وأمّا القَوام بالفتح، فبمعنى العدل والوسط؛ قال اللّه تعالى : «وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما» (6) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «القيل والقال» عبارة عن الأقوال والمكالمات التي لا طائل فيها . ويظهر من هذا الحديث أنّ المراد بكثير من نجواهم: القيل والقال ، فالاستثناء منقطع. و«فساد المال» عبارة عن إنفاقه لا في مصرفه بالحقّ (7) . وفي الحديث في كتاب الزكاة في الباب الثالث والسبعين : «من كان منكم له مال فإيّاه والفساد؛ فإنّ إعطاءه في غير حقّه تبذير وإسراف» . والمراد بكثرة السؤال ، السؤال عن المسائل الدينيّة مزيدا على قدر الاحتياج كما مرّ في الرابع في الباب الرابع عشر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالقيل والقال : نقل الحكايات كما يقال : قيل كذا وكذا في نقل التواريخ والوقائع، وأقوال بعضهم في بعض كما هو الشائع؛ إظهارا للاطّلاع عليها، أو إطّلاعا لهم عليها، أو جعل قلوبهم مشغولين بحكايته، مستأنسين بها، لا للتعليم أو التذكير في المسائل العلميّة وما ينتفع بها، أو الإصلاح؛ فإنّ المطلوب حينئذٍ التعليم والتذكير لا الحكاية . والمراد بفساد المال ترك إصلاحه، أو صرفه في غير مصرفه . والمراد بكثرة السؤال، السؤال عن الأكثر ممّا يحتاج إليه (8) .

.


1- . التحريم (66) : 11. ولم أجد للحديث مصدرا.
2- . النساء (4) : 114.
3- . النساء (4) : 5 .
4- . المائدة (5) : 101.
5- . في «ب» و «ج»: «عن».
6- . الفرقان (25) : 67 .
7- . في «ب» و «ج»: «الحقّ».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 209 .

ص: 580

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَا مِنْ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ إِلَا وَلَهُ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلكِنْ لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُ الرِّجَالِ» .

هديّة :هل لعقل غير الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه مدخل في فهم أنّ بطنا من بطون «المص» (2) إخبار عن زوال ملك بني اُميّة وهلاك مروان الحمار آخر خلفائهم، وسنة فلان، وشهر فلان، وسنة فلان، واستيصاله بخروج المنصور الدوانيقي وأخيه السفّاح على بني اُميّة لعنهم اللّه ؟ وحديثه مذكور في كتاب معاني الأخبار (3) للصدوق رحمه الله . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : أي ما من أمرٍ يحتاج إليه الناس ويجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة إلّا وله أصل في كتاب اللّه محكمٌ أو متشابه، ولكن لا تبلغ إلى تأويل المتشابه عقول الرجال إلّا اُولي الأمر في ليالي القدر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إلّا وله أصل في كتاب اللّه » أي ما يمكن معرفته منه ولو بضمّه إلى غيره من الكتاب، أو السنّة، أو مقدّمة عقليّة أو حسّيّة. «ولكن لا تبلغه عقول الرجال» أي أكثرهم، بل إنّما يبلغه عقول الكمَّل منهم، أو من هداه اللّه إليه وخصّه بمزيد فضله . (4) انتهى. تفسيره بالأكثر لا يناسب حكمة النظام، وكلّ شيء عنده (5) بمقدار ، فلا تغفل .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- . الأعراف (7) : 1.
3- . معاني الأخبار، ص 28، باب معنى الحروف المقطّعة... ، ح 5 ؛ وعنه فيالبحار، ج 10، ص 163، ح 10. وراجع : البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 516.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 210 .
5- . في «الف»: «عنه».

ص: 581

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ الإثنين ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَرْسَلَ إِلَيْكُمُ الرَّسُولَ صلى الله عليه و آله ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَأَنْتُمْ أُمِّيُّونَ عَنِ الْكِتَابِ وَمَنْ أَنْزَلَهُ ، وَعَنِ الرَّسُولِ وَمَنْ أَرْسَلَهُ عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ ، وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ ، وَعَمًى عَنِ الْحَقِّ ، وَاعْتِسَافٍ مِنَ الْجَوْرِ ، وَامْتِحَاقٍ مِنَ الدِّينِ ، وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ عَلى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ رِيَاضِ جَنَّاتِ الدُّنْيَا ، وَيُبْسٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، وَانْتِثَارٍ مِنْ وَرَقِهَا ، وَيَأْسٍ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَاغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا ، وقَدْ (2) دَرَسَتْ أَعْلَامُ الْهُدى ، وَظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدى ، فَالدُّنْيَا مُتَجَهِّمَةٌ فِي وُجُوهِ أَهْلِهَا مُكْفَهِرَّةٌ ، مُدْبِرَةٌ غَيْرُ مُقْبِلَةٍ ، ثَمَرَتُهَا الْفِتْنَةُ ، وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ ، وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ ، مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، وَقَدْ أَعْمَتْ عُيُونُ أَهْلِهَا ، وَأَظْلَمَتْ عَلَيْهَا أَيَّامُهَا ، قَدْ قَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ ، وَدَفَنُوا فِي التُّرَابِ الْمَوْؤُودَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ، يَختَارُ (3) دُونَهُمْ طِيبُ الْعَيْشِ وَرَفَاهِيَةُ خُفُوضِ الدُّنْيَا ، لَا يَرْجُونَ مِنَ اللّه ِ ثَوَابا ، وَلَا يَخَافُونَ _ وَاللّه ِ _ مِنْهُ عِقَابا ، حَيُّهُمْ أَعْمى نَجِسٌ ، وَمَيِّتُهُمْ فِي النَّارِ مُبْلِسٌ ، فَجَاءَهُمْ بِنُسْخَةِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى ، وَتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَتَفْصِيلِ الْحَلَالِ مِنْ رَيْبِ الْحَرَامِ ، ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ ، أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ؛ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَحُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ ، وَبَيَانَ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، فَلَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ ، لَعَلَّمْتُكُمْ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة».
2- . في الكافي المطبوع : - «دو».
3- . في الكافي المطبوع : «يجتاز».

ص: 582

هديّة :«الاُمّي» : الأجنبيّ عن القراءة والكتاب ، (1) والمكّي في النسبة إلى اُمّ القرى؛ قال اللّه تعالى : «هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ» (2) . والمراد هنا المعنى الأوّل ، والرسول صلى الله عليه و آله اُمّي بالمعنى الثاني . وإطلاق الاُمّي عليه صلى الله عليه و آله بالمعنى الأوّل _ كما هو عند العامّة _ باطل بدليل هذه الآية ، وكتاب سنّه حفر الخندق، وثبوت تناوله القرآن لورد القراءة . و(على) على تضمين معنى مثل النوم والغفلة والبُعد. و«الفترة» بالفتح، زمان ما بين الرسولين . و«الهجعة» بفتح الهاء وسكون الجيم والعين المهملة : النوم. كنّى بها عن الغفلة. (واعتراض من الفتنة) أي انبساط مشتمل جدّا. سنّ اللّه تبارك وتعالى عند مشيّته ظهور حجّة من اُولي الأمر أن يعمّ الخصال الرديئة قبله في الناس، ويغلب الكفر بجنوده عليهم، ويضنّ (3) السماء بغيثه، والأرض ببركته، والعيش برفاهيّته. وسينجرّ الزمان لظهور صاحب الزمان صلوات اللّه عليه إلى أشدّ الحالات المذكورة وشمول الكفر والزندقة غاية الشمول (4) ليرتفع تلك الظلمة والدّجى بطلوع شمس الهدى ، وكأنّ سبيل ذلك الشمول طريقة التصوّف بالجربزة الغالبة على إدراكات أهل آخر الزمان . وفي الحديث أنّ سورة التوحيد نزلت لهم. (5) (وانتقاض من المبرم) يعني محكمات الشرائع السابقة في المعارف والأحكام . و«الاعتساف» : للمبالغة في الظلم والميل عن الطريق، فالمعنى واشتداد من الجور. و«الامتحاق» : مبالغة في الإمحاء من المحو بمعنى الذهاب والزوال . و«التلظّي» : تلهّب النار واشتعالها. (على حين اصفرار من [رياض] جنّات الدنيا) لضنّة السماء بغيثه بسخط من اللّه ، وكذا الأرض بمائها وبركاتها . وفي الفقرات السابقة والآتية استعارات وترشيحات. و«إغورار الماء» : مبالغة في غوره وذهابه في باطن الأرض . (قد درست) أي محت وزالت. «درس الرسم» _ كنصر وضرب _ : عفا. و«درسته الريح» لازم ومتعدّ. و«الردى» بالفتح والقصر : الهلاك والضلال . و«التجهّم» بتقديم الجيم : مبالغة في الجهومة ، والجهم وككتف : الوجه الغليظ المجتمع السمج. «رجل جهم الوجه» أي كالح الوجه. «جهم» ككرم، جهامة وجهومة، و«جهمه» كمنه وسمعه : استقبله بوجه كريه كتجهّمه . قاله في القاموس (6) . وضبط بعض المعاصرين بتقديم الهاء على الجيم ، وقال : والتهجّم : التهدّم (7) . وهو كما ترى . و«الإكفهرار» : مبالغة في العبوس . و«المكفهرّ» كالمطمئنّ : السحاب الغليظ الأسود، ومن الوجوه : القليل اللّحم الغليظ الذي لا يستحيي، والمتعبّس. و«الشعار» ككتاب : ما يلي شعر الجسد من اللباس والدّثار أيضا بالكسر: ما فوق الشعار منه. و«التمزيق» : التفريق والتشتيت. «أعمى» : صار أعمى. و«أظلم» : صار ذا ظلمة . و(الموؤودة) : المدفونة حيّة من البنات في التراب ، وقعر القليب كما كان شعار جماعة في الجاهليّة. (يختار دونهم طيب العيش ورفاهية خفوض الدنيا) على ما لم يسمّ فاعله؛ أي المختار عندهم والمعزّز لديهم إنّما هو صاحب طيب العيش . ويمكن «طيّب العيش» كسيّد ، ف «الرفاهية» بالجرّ عطفا على العيش. واحتمال «يجتاز» بالجيم والزّاي على المعلوم، من الاجتياز من الجواز، أي الرائج عندهم والمقبول في نظرهم كما ترى ولو يؤول إلى المعنى . وكذا «يحتاز» بالمهملة والزاي على المجهول من الاحتياز من الحيازة، أي يجمع ويضبط. وكذا «يمتار» بالميم على المجهول، من امتيار الطعام. و«الخفوض» : جمع الخفض بالفتح وهو الدعة والراحة والسكون، ودعة العيش : وسعته وخفضه، كلّه بمعنى عيش خافض مطمئنّ لا اضطراب فيه لسعته . (لا يرجون من اللّه ثوابا)؛ لعدم المعرفة والطاعة وانحصار نظرهم في الخلق وطمعهم منهم. (ولا يخافون واللّه منه عقابا) لذلك أيضا . و«النّجس» بكسر الجيم وتفتح وكالرّجس، كلّه بمعنى. و«الإبلاس» بالمفردة على الإفعال يتعدّى ولا يتعدّى. «أبلسه» : سجنه وحبسه، أي جعله مسجونا محبوسا . و«أبلس» : يئس وتحيّر، ومنه (8) إبليس . و«البَلَس» محرّكة : من لا خير عنده . (وتصديق الذي بين يديه) أي من الكتب السماوية. (ذلك القرآن) فاعل «فجاءهم». (فاستنطقوه) : تمهيد لبيان أنّ القرآن لا يكون فرقان بين الحقّ والباطل إلّا بقيِّمٍ معصوم عاقل عن اللّه ، وأنّ القيّم له بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله من؟ (فلو سألتموني عنه) أي عن القرآن وما فيه من علم ما مضى وما يأتي إلى يوم القيامة. (لعلّمتكم) أي لتظهر لكم دلالة من دلالات الإمامة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : بيانه من الصدر إلى «امتحاق» ظهر في شرح الخطبة . و«التلظّي» : توقّد النار. «قد درست» إلى «في النار مبلس» استئناف بياني للفقرة السابقة، وصدرها ناظر إلى صدر ما سبقت. و«درست» على المعلوم أوخلافه من باب نصر ، و«الدروس» : صيرورة الشيء مفقودا، وزوال الأثر. و«الدرس» بالفتح : الإعلام والإزالة لأثر شيء . و«أعلام الهدى» عبارة عن بيّنات الآيات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ النازلة في كلّ شريعة . و«أعلام الردى» عبارة عن قواعد المتعيّن للظنّ، والرسوم المبتدعة للمدّعين للكشف بالرياضة . و«الفاء» في «فالدُّنيا» تفريعيّة للإشارة إلى أنّ فساد الدنيا يترتّب على فساد الدِّين غالبا؛ قال اللّه تعالى في سورة طه : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا» (9) ، وفي سورة الطلاق : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (10) ، وأيضا : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا» (11) . «متهجّمة» بتقديم الهاء على الجيم المكسورة، أي منهدمة . وفي بعض النسخ بتقديم الجيم بمعنى : كالح الوجه . و«في» على الأوّل متعلّقة بما بعدها . و«المكفهرّ» : المتعبّس . و«الفتنة» : اختلاف الناس باتّباع الظنّ . والمراد ب «الجيفة» : الدنيا الحرام. «عيون أهلها» يحتمل الرفع والنصب؛ لأنّ «أعمى» على الماضي إفعال من عمى، فمتُعدٍّ؛ وبمعنى : صار أعمى، فلازم ، وكذا «أظلم» يتعدّى ولا يتعدّى . وضمير «عليها» ل «العيون». وأخذ الفعلين على التعدّي أولى ف «أيّامها» مفعول به ، وعبارة عن حجج اللّه تعالى ، ووجه الشبه ظاهر؛ قال اللّه تعالى في سورة إبراهيم : «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّه ِ» (12) ؛ يعني ذكّر الاُمّة بسبب بيان الأنبياء والأوصياء . وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار حديث : «لا تعادوا الأيّام فتعاديكم » ثمّ روى في معناه «لا تعادوا الأئمّة عليهم السلام فتعاديكم. (13) «يختار» على المجهول؛ أي ينتجب . وفي بعض النسخ بالجيم مكان الخاء المعجمة على المعلوم، أي يمرّ ورائهم من العجم والتُرك وغيرهما. يعني كان (14) العيش حاصلاً في غير العرب من طوائف الناس . و«البخس» بالمفردة والخاء المعجمة كصعق : الجائر الظالم. و«المبلس» على اسم الفاعل من الإفعال: اليائس بمعنى المأيوس . «فجاءهم بنسخة ما في الصحف» أي النسخة التي تكون للقطع بصحّته وحقّيّته معيارا لما في الصحف الاُولى ، قال اللّه تعالى في سورة طه : «أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الْأُولَى» (15) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وأنتم اُمّيّون عن الكتاب» يقال لمشركي العرب : اُمّيّون؛ لنسبتهم إلى ما عليه اُمّة العرب وجماعتهم من ترك تعلّم الكتاب وجهلهم بالكتاب وغفلتهم عنه، ثمّ غلب فيمن لا يكتب . وقد يقال : الاُمّي منسوب إلى الاُمّ؛ أي من هو باق على حالته الجبليّة التي ولد عليها . (16) و«الفترة» : السكون وقلّة الاجتهاد، والزمان الخالي من الرسول بين الرسولين . و«الهجعة» : النوم بالليل، عبّر بها عن الغفلة بالجهالة . «وانتقاض من المبرم» أي المحكم من الشريعة السابقة . «وامتحاق من الدِّين» أي بطلان وانمحاء . و«التهجّم» : مبالغة الهجوم، و«الهجوم» : الدخول بلا إذن . والمراد بتهجّمها في وجوه أهلها ملاقاتها لهم لا على وفق مأمولهم ومتمنّاهم . و«المكفهرّ» من الوجوه : القليل اللّحم، الغليظ الذي لا يستحي . و«الممزّق» كمعظّم : مصدر كالتمزيق بمعنى التفريق . و«الموؤودة» : البنت المدفونة حيّةً. و«بينهم» متعلّق بالدفن أوالوأد بتضمين معنى الشيوع. «يختاردونهم طيب العيش» أي يختار لغيرهم طيب العيش، ورفاهيّة الدعة، وسعة الدنيا . وفي بعض النسخ : «يحتاز» _ بالحاء المهملة والزاي _ أي يُجمع ويُمسك ورائهم طيب العيش والتوسّع في الدنيا. «حيّهم أعمى بخس» أي عديم المعرفة ناقص الحظّ «وميّتهم في النار مبلس» من أبلس إذا يئس. «ولن ينطق لكم» إشارة إلى أنّ الاهتداء بالكتاب موقوف على بيان الحجّة من أهل البيت، كما بيّنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (17) انتهى . اختيارنا : «يختار» بالخاء المعجمة بالمعنى الذي ذكرناه أنسب بالفقرة التالية. وآخر بيان السيّد إنكار للتفسير بالأكثر، كما حكيناه في هديّة السادس .

.


1- . في «الف»: «الكتاب».
2- . الجمعة (62) : 2 .
3- . «الضِنَّة والضِنّ و... : كلّ ذلك من الإمساك والبخل». لسان العرب، ج 13، ص 261 (ضنن).
4- . في «ب» و «ج»: - «غاية الشمول».
5- . الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 3؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 5 ، ص 801 ، ذيل سورة الإخلاص.
6- . القاموس المحيط، ج 4، ص 92 (جهم).
7- . الوافي، ج 1، ص 271 .
8- . في «الف»: «منها».
9- . طه (20) : 124 .
10- . الطلاق (65) : 2 و 3 .
11- . الطلاق (65) : 4 .
12- . إبراهيم (14) : 5 .
13- . معاني الأخبار، ص 123، باب معنى الحديث الذي روى عن النبيّ صلى الله عليه و آله لاتعادوا... ، ح 1.
14- . في «ب» و «ج»: «يكون».
15- . طه (20) : 133 .
16- . في المصدر : + «ولم يكتب».
17- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 210 _ 212.

ص: 583

. .

ص: 584

. .

ص: 585

. .

ص: 586

. .

ص: 587

. .

ص: 588

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ الصهباني ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَأَنَا أَعْلَمُ كِتَابَ اللّه ِ ، وَفِيهِ بَدْءُ الْخَلْقِ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَفِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وَخَبَرُ الْأَرْضِ ، وَخَبَرُ الْجَنَّةِ وَخَبَرُ النَّارِ ، وَخَبَرُ مَا كَانَ وَخَبَرُ (2) مَا هُوَ كَائِنٌ ، أَعْلَمُ ذلِكَ كَمَا أَنْظُرُ إِلى كَفِّي ، إِنَّ اللّه َ يَقُولُ : فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ» .

هديّة :«ولد فلانا» كوعد، وولّدها توليدا : والتوليد التربية أيضا ، فيحتمل هنا بمعنى التربية؛ لحكومة الإمامة. وتعليمها، ومنه قوله تعالى لعيسى عليه السلام : «أنت نبيّي وأنا ولّدتك» (3) أي ربّيتك للنبوّة، فحرّفت النصارى وقرأوا : «أنت بُنَيّ وأنا ولدتك» على التصغير في «نبيّ» بعد التصحيف، و«ولدتك» من المجرّد. (وأنا أعلم) على التخصيص. (كما أنظر إلى كفّي) من الأمثال في المبالغة للظهور . وفي سورة النحل هكذا : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانا لِكُلِّ شَىْ ءٍ» (4) فهنا نقل بالمعنى . و«التبيان» بالكسر : مصدر شاذّ، والقياس «التفعال» بفتح التاء، كالتنكار والتكرار. ولم يجيء بالكسر إلّا حرفان : التلقاء، والتبيان، وهو البيان الوافي . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «قد ولّدني» على المعلوم من التفعيل، يعني قد بشّر بولادتي ، فإشارة إلى أمثال ما يجيء في كتاب الحجّة في باب ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام من قول اللّه في الحديث القدسي : «سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ ». و«البدء» بالفتح والهمز : الإنشاء والإحداث. و«الخلق» هنا بمعنى التقدير والتدبير . ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول، وناظر إلى قوله تعالى في سورة الأنبياء : «كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ» (5) ، وردّ على زنادقة الفلاسفة والصوفيّة الاتّحاديّة القائلين اُولئك بقدم العالم مع المغايرة بالذات بين الأثر والمؤثّر، واُولئك به مع دعوى الاتّحاد بالذات والتغاير بالاعتبار. «ما هو كائن إلى يوم القيامة» عبارة عمّا هو باق بشخصه، أو بنوعه إلى يوم القيامة. «وما هو كائن» عبارة عمّا يقع ولم يكن من قبل لا بشخصه ولا بنوعه . والعلم بالحوادث الآتية، أي بأكثرها إنّما يحصل للإمام في كلّ سنة في ليلة القدر بالتحديث للاستنباط من القرآن. والبداء لا يجري إلّا في الاعتقاد بشيء ممّا يحدث قبل الاستنباط من القرآن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وفيه بدء الخلق» أي ذكر فيه أوّل الخلق، منه بدأ اللّه الخلق. والمراد كلّ ما اتّصف بالوجود فيما مضى من الخلق. «وما هو كائن» أي ما يتّصف بالوجود من المخلوقات في الحال وفي المستقبل «إلى يوم القيامة» وذكر «فيه خبر السماء وخبر الأرض» أي أحوالها «وخبر الجنّة وخبر النار، وخبر ما كان وما هو كائن» أي ذكر أحوال ما كان وما هو كائن. وهذا من التعميم بعد ذكر الخاصّ، فذكر أوّلاً اشتمال الكتاب على المخلوقات وذكرها فيه، ثمّ ذكر اشتماله على أخبارها، وذكر أحوالها مبتدئا بالعمدة الظاهرة منها في الدنيويّات، أعني السماء والأرض، وفي الاُخرويّات، أعني الجنّة والنار، ثمّ [عمّم] (6) بقوله : «وخبر ما كان وما هو كائن» . (7)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عبدالجبّار».
2- . في «ب» و «ج»: - «خبر».
3- . عون المعبود، ج 8 ، ص 300؛ تاج العروس، ج 5 ، ص 328 (ولد).
4- . النحل (16) : 89 .
5- . الأنبياء (21) : 104 .
6- . أضفناه من المصدر.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 212 _ 213.

ص: 589

. .

ص: 590

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«كِتَابُ اللّه ِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ» .

هديّة :لعلّ التعبير في الأوّل بالنبأ وفي الثاني بالخبر؛ للإشارة إلى العمدة فيما مضى؛ أي الأنبياء بقصصهم، وللتفنّن . والمراد بالفصل : فصل الخطاب، بمعنى الخطاب الفاصل، أو المفصول؛ يعني حكم ما بينكم من الاختلافات والاُمور المتشابهة (2) . قال برهان الفضلاء : «كتاب اللّه » مرفوع على الابتداء، أو منصوب على الإغراء، بتقدير : «ألزموا». وجملة فيه على الأوّل خبر، وعلى الثاني استئناف بياني . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فيه نبأ ما قبلكم» الخطاب لهذه الاُمّة وما قبلهم: السابق عليهم من الاُمم وغيرهم، و«ما بعدهم»: [ما] (3) يكون بعد انقراضهم إلى يوم القيامة ، وفصّل ما بينهم الحكم في القضايا الشرعيّة . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: «المتشابهات».
3- . أضفناه من المصدر.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 213.

ص: 591

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ ، عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَكُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، أَوْ تَقُولُونَ فِيهِ؟ قَالَ :«بَلْ كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله » .

هديّة :(المغراء) بالفتح والغين المعجمة والمدّ : تأنيث الأمغر بمعنى الأحمر الشعر ، «والمغر» بالفتح طين أحمر . (أو تقولون) يحتمل على الخطاب والغيبة، أي بالآراء والاجتهادات . قال برهان الفضلاء : لكلّ شيء من الحلال والحرام وما يحتاج إليه الناس. «أو تقولون» على الخطاب أو الغيبة؛ يعني من عندكم أو من عندهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني أو يقول الناس : إنّ كلّ شيء في كتاب اللّه ، وليس كلّ شيء فيه . (2)

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 213.

ص: 592

باب اختلاف الحديث

الباب الثاني والعشرون : بَابُ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ القاساني ، (1) عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ وَالْمِقْدَادِ وَأَبِي ذَرٍّ شَيْئا مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، وَأَحَادِيثَ عَنْ نَبِيِّ اللّه ِ صلى الله عليه و آله غَيْرَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ ، وَرَأَيْتُ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ نَبِيِّ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّ ذلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ ، أَفَتَرَى النَّاسَ يَكْذِبُونَ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُتَعَمِّدِينَ ، وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ؟ قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيَّ عليه السلام ، فَقَالَ :«قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ ، إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّا وَبَاطِلاً ، وَصِدْقا وَكَذِبا ، وَنَاسِخا وَمَنْسُوخا ، وَعَامّا وَخَاصّا ، وَمُحْكَما وَمُتَشَابِها ، وَحِفْظا وَوَهَما ، وَقَدْ كُذِبَ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلى عَهْدِهِ ، حَتّى قَامَ خَطِيبا ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذَّابَةُ ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ صلى الله عليه و آله ، وَإِنَّمَا أَتَاكُمُ الْحَدِيثُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ : رَجُلٍ مُنَافِقٍ يُظْهِرُ الْاءِيمَانَ ، مُتَصَنِّعٍ بِالْاءِسْلَامِ ، لَا يَتَأَثَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ أَنْ يَكْذِبَ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُتَعَمِّدا ، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَذَّابٌ ، لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا : هذَا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَرَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ، فَيأَخَذُون (2) عَنْهُ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ حَالَهُ؛ وَقَدْ أَخْبَرَهُ اللّه ُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَهُ ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ ، فَقَالَ تبارك وتعالى وَجَلَّ : «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ ، فَتَقَرَّبُوا إِلى أَئِمَّةِ الضَّلَال (3) وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ، فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ ، وَحَمَلُوهُمْ عَلى رِقَابِ النَّاسِ ، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا إِلَا مَنْ عَصَمَ اللّه ُ ، فَهذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ . وَرَجُلٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله شَيْئا لَمْ يَحْمِلهُ (4) عَلى وَجْهِهِ وَوَهِمَ فِيهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِبا ، فَهُوَ فِي يَدِهِ ، يَقُولُ بِهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَيَرْوِيهِ ، فَيَقُولُ : أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ لَمْ يَقْبَلُوهُ ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهِمَ لَرَفَضَهُ . وَرَجُلٍ ثَالِثٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله شَيْئا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهى عَنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَحَفِظَ مَنْسُوخَهُ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ _ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ _ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ . وَآخَرَ رَابِعٍ لَمْ يَكْذِبْ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، مُبْغِضٍ لِلْكَذِبِ؛ خَوْفا مِنَ اللّه ِ تَعَالى وَتَعْظِيما لِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، لَمْ يَنْسَهُ ، بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلى وَجْهِهِ ، فَجَاءَ بِهِ كَمَا سَمِعَ ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ ، وَعَلِمَ النَّاسِخَ والْمَنْسُوخِ (5) ، وَعَمِلَ (6) بِالنَّاسِخِ وَرَفَضَ الْمَنْسُوخَ ، فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِثْلُ الْقُرْآنِ ، نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، وَخَاصٌّ وَعَامٌّ ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ ، قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الْكَلامُ لَهُ وَجْهَانِ ، و (7) كَلَامٌ عَامٌّ وَكَلَامٌ خَاصٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ ، وَقَالَ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ فِي كِتَابِهِ : «ماآتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» فَيَشْتَبِهُ عَلى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَلَمْ يَدْرِ مَا عَنَى اللّه ُ بِهِ وَرَسُولُ اللّه (8) صلى الله عليه و آله ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَفْهَمُ ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَا يَسْتَفْهِمُهُ ، حَتّى أَنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابِيُّ وَالطَّارِئُ فَيَسْأَلَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حَتّى يَسْمَعُوا . وَقَدْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كُلَّ يَوْمٍ دَخْلَةً وَكُلَّ لَيْلَةٍ دَخْلَةً ، فَيُخْلِينِي فِيهَا ، أَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ ، وَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ ذلِكَ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي ، فَرُبَّمَا كَانَ فِي بَيْتِي يَأْتِينِي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَكْثَرُ ذلِكَ فِي بَيْتِي ، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ مَنَازِلِهِ ، أَخْلَانِي وَأَقَامَ عَنِّي نِسَاءَهُ ، فَلَا يَبْقى عِنْدَهُ غَيْرِي ، وَإِذَا أَتَانِي لِلْخَلْوَةِ مَعِي فِي مَنْزِلِي ، لَمْ يُقِمْ (9) عَنِّي فَاطِمَةَ وَلَا أَحَدا مِنْ بَنِيَّ ، وَكُنْتُ إِذَا سَأَلْتُهُ أَجَابَنِي ، وَإِذَا سَكَتُّ عَنْهُ وَفَنِيَتْ مَسَائِلِي ابْتَدَأَنِي ، فَمَا نَزَلَتْ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَا أَقْرَأَنِيهَا ، وَأَمْلَاهَا عَلَيَّ ، فَكَتَبْتُهَا بِخَطِّي ، وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وَتَفْسِيرَهَا ، وَنَاسِخَهَا وَمَنْسُوخَهَا ، وَمُحْكَمَهَا وَمُتَشَابِهَهَا ، وَخَاصَّهَا وَعَامَّهَا ، وَدَعَا اللّه َ أَنْ يُعْطِيَنِي فَهْمَهَا وَحِفْظَهَا ، فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّه ِ تعالى وَلا عِلْما أَمْلَاهُ عَلَيَّ وَكَتَبْتُهُ مُنْذُ دَعَا اللّه َ لِي بِمَا دَعَا ، وَمَا تَرَكَ شَيْئا عَلَّمَهُ اللّه ُ مِنْ حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ ، وَلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ ، كَانَ أَوْ يَكُونُ ، وَلَا كِتَابٍ مُنْزَلٍ عَلى أَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ إِلَا عَلَّمَنِيهِ وَحَفِظْتُهُ ، فَلَمْ أَنْسَ حَرْفا وَاحِدا ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدْرِي ، وَدَعَا اللّه َ لِي أَنْ يَمْلَأَ قَلْبِي عِلْما وَفَهْما وَحُكْما وَنُورا . فَقُلْتُ : يَا رَسُول اللّه ِ (10) ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، مُنْذُ دَعَوْتَ اللّه َ لِي بِمَا دَعَوْتَ لَمْ أَنْسَ شَيْئا ، وَلَمْ يَفُتْنِي شَيْءٌ لَمْ أَكْتُبْهُ ، أَفَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ فِيمَا بَعْدُ؟ فَقَالَ : لَا ، لَسْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ النِّسْيَانَ وَالْجَهْلَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني».
2- . في الكافي المطبوع : «وأخذوا».
3- . في الكافي المطبوع : «الضلالة».
4- . في الكافي المطبوع : «لم يحفظه».
5- . في الكافي المطبوع : «من المنسوخ».
6- . في الكافي المطبوع : «فعمل».
7- . في الكافي المطبوع : «كلام» بدون «و».
8- . في الكافي المطبوع : «رسوله».
9- . في «ب» و «ج»: «تقم».
10- . في الكافي المطبوع : «نبيّ اللّه ».

ص: 593

. .

ص: 594

هديّة :(وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل) يعني وتدّعون، أو تقولون : إنّ ما في أيدي الناس من الأشياء الكثيرة التي أنتم تخالفونهم فيها ، والحقّ هنا الذي عند الإمام الحقّ مسموعا مشافهةً من النبيّ صلى الله عليه و آله كحديث أمير المؤمنين والسبطين عليهم السلام ، والصدق الذي عند شيعته كذلك، كحديث سلمان وأبي ذرّ والمقداد رضي اللّه عنهم . ول «المحكم» إطلاقان : الخطاب الدالّ على معنى لا يحتمل غيره ، والذي لم ينسخ . والمراد هنا الأوّل . و«الحفظ» المحفوظ على وجهه معنىً، و«الوهم» بخلافه، فغير المحفوظ لفظا فقط من الأوّل . و«الكذّابة» بالتشديد : جمع الكذّاب، كالسيّارة للقافلة، أي السائرين، والنظّارة للناظرين. واحتمال بعض المعاصرين كسر الكاف والتخفيف ككتابة على المصدر، حيث قال : ويحتمل كسر الكاف وتخفيف المعجمة على المصدر، ومنه قولهم : المرء قد ينفعه كذابه ، وبمعنى المكذوب كالكتاب بمعنى المكتوب ، والتاء للتأنيث. (1) ليس بشيء، والمصدر : «كذاب» بدون التاء. وكذّاب بالتشديد بمعنى الكذب . وقد روى العتائقي (2) في شرحه لنهج البلاغة في بيان السبب لقيامه صلى الله عليه و آله لهذه الخطبة : أنّ رجلاً سرق رداء النبيّ صلى الله عليه و آله وخرج إلى قوم فقال : هذا رداء محمّد صلى الله عليه و آله أعطانيه لتمكّنوني من تلك المرأة، فاستنكروا ذلك فبعثوا من سأله عنه، فقام فشرب ماء فلدغته (3) الحيّة فمات، فلمّا سمع النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك قال لعليّ عليه السلام : «انطلق فإن وجدته وقد كفيت فأحرقه بالنار» فجاء وأمر بإحراقه. (4) (فليتبوّأ مقعده من النار) أي فليستقرّ في مقرّه من النار. بوّأته منزلاً وفيه : أنزلته فيه فتبوّأ. (وإنّما أتاكم الحديث من أربعة) يعني الحديث المنسوب إلى النبيّ صلى الله عليه و آله بأنّه سمع منه مشافهة . و«التصنّع» : التكلّف، والمتصنّع : المرائي. (لا يتأثّم ولا يتحرّج) أي لا يندم من الإثم ولا يضيق صدره من ذلك، القاموس: الإثم : الذنب. وتأثّم : تاب منه. (5) وتحرّج، أي تسأّم وضاق صدره . وقيل : أي لا يعتقد الإثم إثما. (قد صحب) كعلم والآية في سورة المنافقين . (6) (ثمّ بقوا) من باب رضي، ومن باب رمى لغة طيّ . في بعض النسخ (فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة) بالتاء. (وإنّما الناس مع الملوك والدنيا) أي الدنيا الحرام وأربابها (إلّا من عصم اللّه ). روى العتائقي عن المدائني في شرحه على نهج البلاغة أنّه قال في كتاب الأحداث : إنّ معاوية لعنه اللّه كتب إلى عمّاله أن أدعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة ولا تزكّوا (7) خبرا يرويه أحدٌ في أبي تراب وآله، وأتوني بمناقص (8) له في الصحابة ، فَرُوِيَت أخبار كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر . (9) وروى ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، أنّ معاوية لعنه اللّه أعطى صحابيّا مالاً كثيرا ليضع حديثا في ذمّ عليّ عليه السلام ويحدّث به على المنبر ففعل . (10) وروى عن ابن عرفة المعروف بنفطويه أنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني اُميّة؛ تقرّبا إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون بها أنف بني هاشم. (11) (ووهم فيه) كوعد. (أنّه وَهْم) على المصدر، أي غلط ، واحتمال «أنّه وَهَم» كوعد يحتاج إلى الإضمار أو الحذف والإيصال في (لم يقبلوه). و«الرجل الرابع» : إمّا الإمام، أو ثقة من الرعيّة. ولابدّ لثبوت القطع بالصحّة من الرجوع إلى قول الحجّة المعصوم في المواضع كلّها ؛ لعدم كفاية الظنّ الحاصل بالثقة إلّا بالاستناد إلى أصل من المعصوم مشافهيّ أو مضبوط عنه على ما أمر وعيّن، وعدمِ علم غيره _ وإن كان ثقةً _ بجميع الناسخ والمنسوخ، وضبطه الأخبار على وجهها كما ينبغي ، فالعالم بالناسخ والمنسوخ _ مثلاً _ من الرعيّة، سواء كان في زمان ظهور الإمام أو غيبته، لا يكون علمه بذلك إلّا بمقدار ممتاز عن أقدار علوم غيره بمزيدِ الأوصاف المعتبرة المعهودة في الفقيه العدل الإمامي المرخّص له في العمل عند التشابه وعدم إمكان الوصول إلى الإمام ولزوم الحرج المنفيّ لو توقّف بالمعالجات المضبوطة المعهودة عن الأئمّة عليهم السلام كما ذكر في الخطبة، وسيذكر في الباب الآخر إن شاء اللّه تعالى . «استفهمني» الشيء فأفهمته وفهّمته تفهيما ، فمعنى (ولا يستفهمه) فلا يفهم الجواب فلا يستفهمه (12) ثانيا؛ للأدب، أو الإجلال والمهابة في بعض الأحيان. (حتّى إن كانوا ليحبّون) على التخفيف عن التثقيل بحذف ضمير الشأن. و(الطارئ) الذي يأتي من مكان بعيد، والمرء الغريب. و«الدّخلة» بالفتح للمرّة، وبالكسر للنوع، كما لأخذ العلم . (فيخلّيني فيها) من الإخلاء. أخلاه : أدخله الخلوة، أو من التخلية. يُقال : خلّيت سبيله؛ أي فيخلّي سبيل مساءلتي ومكالمتي في الخلوة. (أكثر ذلك) أي أكثر صلى الله عليه و آله ذلك الإحسان إليّ في بيتي. (وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله) بمنزلة الدليل لذلك الإكثار الميسّر بقلّة المانع من الخلوة، وبيان لوجه آخر، بل لوجوه اُخر لمنزلته عليه السلام منه صلى الله عليه و آله . و«الحكم» بالضمّ : الحكمة، أو الإمامة . ونبّه عليه السلام بإظهار نَبْذٍ من منزلته تلك المنزلة، واختصاصه ذلك الاختصاص على وجوب أن لا يراجع الناس في اُمور دينهم إلّا إليه، ومن هو مثله في العصمة وسائر خصائص الإمامة من أولاده صلوات اللّه وسلامه عليه وآله . وآية «مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ» (13) في سورة الحشر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «باب اختلاف الحديث» يعني بيان سبب المنافاة بين أحاديث المعصومين عليهم السلام ومعدنها واحد . والعطف في «وصدقا» إلى آخره من عطف المفصّل على المجمل . والمقصود تقسيم الباطل إلى خمسة أقسام؛ فالحقّ ليس داخلاً في قسم منها . والمراد ب «العام» فيها (14) : المطلق، كتحرير الرقبة في كفّارة الظهار في سورة المجادلة . (15) وب «الخاصّ» : المقيّد، كتحرير الرقبة المؤمنة في كفّارة قتل الخطأ في سورة النساء (16) . وهذا إشارة إلى بطلان مذهب جماعة من الاُصوليّين لحملهم في أمثال ذلك _ سواء كان في القرآن أو في الحديث _ حمل المطلق على المقيّد باعتبار اللّغة والعرف، أو باعتبار القياس كما ذكر . وبيّن الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب العدّة في فصل ذكر الكلام في المطلق والمقيّد من أنّ المطلق نوع من العامّ والمقيّد نوع من الخاصّ، وبعض كلامه هذا : وقد يكون التخصّص بأن يعلم أنّ اللّفظ يتناول جنسا من غير اعتبار صفة ويخصّ بعد ذلك بذكر صفة من صفاته نحو قول القائل : «تصدّق بالوِرِق إذا كان صحاحا» فيستثنى منه ما ليس بصحاح. وإن كان اللّفظ الأوّل لم يتناول ذلك على التفصيل وقد علم أنّ الرقبة إذا ذكر منكّرة لم يختصّ عينا دون عين فصحّ تخصيص الكافرة منها، وتخصيص ذلك قد يكون بأن يقترن إلى الرقبة صفة يقتضي إخراج الكافرة، وقد يكون باستثناء الكافرة فلا فصل بين قوله عزّ وجلّ : «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» وبين قوله : إلّا أن تكون كافرة ، وهذا بيّن . (17) انتهى كلام الشيخ . فعلى هذا كلّ حديث منقول من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نظير كفّارة الظهار يكون عامّا فهو داخل في الحقّ، وإن كان خاصّا فهو داخل في الباطل، ومن قبيل النقل بالمعنى وهما ، والمراد ب «المحكم» : نقل معنى الحديث النبويّ الصريح الدلالة وغير المنسوخ، سواء كان ذلك الحديث تفسيرا لآيةٍ أو لا ، فذلك النقل مطابق للمنقول وداخل في الحقّ . والمراد ب «المتشابه» : نقل معنى الحديث النبويّ غير صريح الدلالة وغير مطابق للمنقول، فداخل في الباطل . والمراد ب «الحفظ» حفظ لفظ الحديث النبويّ في الخاطر. وب «الوهم» : نسيان ذلك اللفظ، أو عدم سماع بعضه. ولدخول الثلاثة الأخيرة من أقسام الباطل في الغلط بعضها لفظا وبعضها معنى ، يجوز عدّها قسما واحدا ، كما أنّ بناء ليس لهم في الفقرة الآتية عليه . و«الكذّابة» بالفتح والتشديد : جمع «الكذّاب» على صيغة المبالغة . «رجل منافق» إلى قوله : «هذا أحد الأربعة» بيان للقسم الأوّل من الباطل المذكور في «صدقا وكذبا ». «متصنّع» خبر مبتدأ محذوف؛ أي هو متصنّع . والجملة حال من المستتر في «يظهر» أو نعت آخر ل «الرجل». ويمكن أن يكون «متصنّع» نعت آخر ل «الرجل» إلاّ أنّ الأكثر في مثله تقديم المفرد على الجملة. و«الباء» في «بالإسلام» للآلة. و«الزّور» متعلّق ب «تقرّبوا» أو ب «الدعاة». و«الزور» : الكذب الذي يكون بمجرّد اللسان، والقوة، والشرك. وبفتحتين : إعوجاج السليقة. والكلّ هنا مناسب . و«الإقراء» : التدريس. و«الإملاء» : القراءة ليكتب المقروء. انتهى ما نقلنا من شرح برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى، وغاية ما في تفسيره المحكم والمتشابه _ بما عرفت ممّا حكيناه _ الاحتياج في زمن الغيبة لمكان التشابه والاختلاف في غير ما هو الحقّ _ على بيانه _ إلى المعالجات المعهودة المضبوطة بتواتر الكتب المضبوطة عن أصحابنا الأخباريّين _ رضوان اللّه عليهم _ عن الحجج المعصومين عليهم السلام كالمعالجة عند الاشتباه في الرَقَبة _ مثلاً _ بالإطلاق في موضع والتقييد في آخر بالعمل بما هو خلاف ما عليه العامّة، والرشد فيه (18) ، لا إلى حمل المطلق على المقيّد مع التغاير بين المقامين ليلزم العمل بالظنّ الحاصل من القياس وغيره من الاُصول الغير الداخلة في المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فأقبل عليّ» أي فتوجّه إليّ. «إنّ في أيدي الناس» شروع في الجواب. «حقّا وباطلاً» أي من حيث الاعتقاد والرأي. «وصدقا وكذبا» أي من حيث الرواية والنقل. «وحفظا ووهما» أي محفوظا عند الراوي، متيقّنا له أنّه سمعه على ما ينقله، وموهوما له غير متيقّن الانحفاظ، فينقله على ما يتوهّمه أنّه سمعه، سواء وافق الحقّ رجما بالغيب، أو لا . و«الكذّابة» _ كالكتابة _ مصدر، أي كثير الكذب عليَّ . ويحتمل أن يكون على صيغة المبالغة. «فمن كذب عليَّ متعمّدا» أي لا عن وهم. «وإنّما أتاكم الحديث من أربعة» وجه الضبط: أنّ الراوي الذي يؤخذ عنه الحديث ويعتمد على روايته إمّا كاذب، أو صادق، والكاذب الذي يعتمد عليه إمّا ظاهر الصلاح، متصنّع بالإسلام، غير متحرّج من الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وقد أخبر سبحانه بوجودهم في عصره صلى الله عليه و آله ووصفهم بما وصفهم، ثمّ بقوا بعده _ وإمّا متحرّج عن الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمدا، ولكن يتوهّم ويغلط؛ حيث لم يحفظ الحديث على وجهه، فيكذب عليه من حيث لا يدري . والصادق إمّا غير عالم بالناسخ والمنسوخ فيحدّث بالمنسوخ ويقول به، أو عالم بالناسخ والمنسوخ حافظ للحديث على وجهه فلا يحدّث إلّا بالناسخ، أو بالمنسوخ على أنّه منسوخ متروك القول والعمل به بعد أن حفظه على وجهه الذي حدّث به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأراد به العموم والخصوص، والوجه المراد من الكلام الذي له وجهان. «فإنّ أمر النبيّ صلى الله عليه و آله » بيان لوجود القسم الثاني والثالث بتحقّق الناسخ والمنسوخ في الأحاديث النبويّة، فيقع نقل المنسوخ والقول به لغير العالم بالناسخ، وتحقّق العامّ والخاصّ ، والكلام له وجهان فيها فيقع الاشتباه، وينقل العام على عمومه، ويقال به ويتوهّم، فيُحمل ما له الوجهان على غير المراد فيحدّث عنه صلى الله عليه و آله بما فهمه. ولمّا انتهى كلامه صلى الله عليه و آله إلى أنّ الأحاديث كالقرآن في الاشتمال على الناسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ والكلام ذي الوجهين، عمّم البيان بعده بما يشملهما، فبيّن أنّ ما جاز وقوعه في الحديث جاز وقوعه في القرآن، وأبان أنّ المرجع في بيان الكتاب والمبيّن له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله : «مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (19) . ثمّ بيّن أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أودع بيان ما يحتاج إلى البيان من الكتاب عند أهل بيته عليهم السلام بقوله : «فما نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله آية من القرآن» إلى آخره، فكلّ ما يحتاج إليه الناس محفوظ عندهم عليهم السلام فلا يسع الناسَ تركُ الأخذ عنهم والاستبداد بآرائهم في الأخذ عن الكتاب ، بل عليهم أن يراجعوا أهل البيت عليهم السلام فيما فيه احتمال تخصيص، أو إرادة وجه دون وجه، أو وقوع نسخ ، فبعد المراجعة إليهم إذا علم عدم تخصيص يفسّر العام على عمومه. وإذا علم عدم إرادة وجه آخر، يحمل على هذا الوجه . وإذا علم عدم وقوع نسخ عمل به وعدّ محكما . وأمّا صنيع الجماهير من ترك المراجعة إليهم والاستبداد بآرائهم والاعتماد على ظنونهم وقياساتهم، ففيه من الاستهانة بأمر الدِّين ما لا ينبغي للمتديّن، وخصوصا بعد الاطّلاع على قوله صلى الله عليه و آله : «يا أيّها الناس، إنّي تركت فيكم من إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي » (20) . (21)

.


1- . الوافي، ج 1، ص 279 .
2- . في الكنى والألقاب، ج 1، ص 354 : «كمال الدين عبدالرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن العتائقي الحلّي الإمامي الشيخ العالم الفاضل المحقّق الفقيه المتبحّر، كان من علماء المائة الثامنة معاصرا للشيخ الشهيد وبعض تلامذة العلّامة رحمهم اللّه . له مصنّفات كثيرة في العلوم، رأيت جملة منها في الخزانة المباركة الغرويّة، ولعلّ بعضها كانت بخطّه. وله شرح على نهج البلاغة...».
3- . في «ب» و «ج»: «فلذعته».
4- . شرح العتائقي على نهج البلاغة، مخطوط. وروى القصّة أيضا في شرح ابن ميثم، ج 4، ص 21؛ ومنهاج البراعة، ج 14، ص 29 .
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 72 (أثم).
6- . المنافقون (63) : 4.
7- . في المصدر : «ولا تتركوا».
8- . في المصدر : «بمناقض».
9- . رواه عن كتاب الأحداث أيضا في شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 46 .
10- . راجع : شرح ابن أبي الحديد، ج 4، ص 63 .
11- . شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 45 .
12- . في «ب» و «ج»: - «فلا يفهم الجواب فلا يستفهمه».
13- . الحشر (59) : 7 .
14- . في «ب» و «ج»: «هنا».
15- . المجادلة (58) : 3.
16- . النساء (4) : 92.
17- . عدة الاُصول، ج 1، ص 334 و 335.
18- . ناظر إلى قوله عليه السلام في الحديث العاشر من هذا الباب : «ما خالف العامّة ففيه الرشّاد».
19- . الحشر (59) : 7 .
20- . راجع : الكافي، ج 2، ص 414، باب ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام ؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119، و ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711.
21- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 213 _ 217.

ص: 595

. .

ص: 596

. .

ص: 597

. .

ص: 598

. .

ص: 599

. .

ص: 600

. .

ص: 601

. .

ص: 602

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ عُثْمَانَ ، عَنْ الْخَرَّازِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْوُونَ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَا يُتَّهَمُونَ بِالْكَذِبِ ، فَيَجِيءُ مِنْكُمْ خِلَافُهُ؟ قَالَ :«إِنَّ الْحَدِيثَ يُنْسَخُ كَمَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ» .

هديّة :حال هؤلاء الأقوام شأن الرجل الثالث في السابق . قال برهان الفضلاء : «عن فلان وفلان» كناية عن عدد التواتر لا يتّهمون (2) بالكذب، على ما لم يسمّ فاعله؛ أي لوصول حديثهم إلى حدّ التواتر .

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ التميمي (3) ، عَنْ عاصم بن حميد ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : مَا بَالِي أَسْأَلُكَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ ، فَتُجِيبُنِي فِيهَا بِالْجَوَابِ ، ثُمَّ يَجِيئُكَ غَيْرِي ، فَتُجِيبُهُ فِيهَا بِجَوَابٍ آخَرَ؟ فَقَالَ :«إِنَّا نُجِيبُ النَّاسَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله صَدَقُوا عَلى مُحَمَّدٍ أَمْ كَذَبُوا؟ قَالَ : «بَلْ صَدَقُوا» . قَالَ : قُلْتُ : فَمَا بَالُهُمُ اخْتَلَفُوا؟ فَقَالَ : «أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَيَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ ، فَيُجِيبُهُ فِيهَا بِالْجَوَابِ ، ثُمَّ يُجِيبُهُ بَعْدَ ذلِكَ ما يَنْسَخُ (4) ذلِكَ الْجَوَابَ ، فَنَسَخَتِ الْأَحَادِيثُ بَعْضُهَا بَعْضا» .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّار».
2- . في «ب» و «ج»: «يتّهم».
3- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران».
4- . في الكافي المطبوع : «بما ينسخ».

ص: 603

هديّة :(على الزيادة والنقصان) أي زيادة رواج الدِّين ونقصان رواجه؛ ففي الأوّل حقيقة، وفي الثاني تقيّة ومصلحة. أو الزيادة والنقصان كناية عن الاختلاف للتقيّة والمصلحة. ولا يأبى حمل العبارة على القول عن إرادة المعنيين . (قال : بل صدقوا) تقيّة ، أو المراد أصحابه من الناجية. في بعض النسخ : «ثم يجيئه من اللّه تعالى» بزيادة «من اللّه تعالى» قبل «بعد ذلك ». وفي بعض آخر : «ثمّ يجيبه بعد ذلك بما ينسخ» بالمضارع المعلوم، من الإجابة بمعنى الجواب، وزيادة المفردة الداخلة على الموصول . قال برهان الفضلاء : «على الزيادة والنقصان» يعني إنّا أهل البيت نجيب على التقيّة، فنزيد في حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله وننقص، ولم يكن رسول اللّه يفعل ذلك لعدم التقيّة عليه صلى الله عليه و آله ، فلم يزد قطّ ولم ينقص في كلامه سبحانه. «فأخبرني عن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله » يعني (1) الذين وصل عددهم إلى حدّ التواتر. «فما بالهم اختلفوا» يعني قلت : لمّا ليس على النبيّ صلى الله عليه و آله تقيّة وعدد الرواة من الطرفين على حدّ التواتر. «ثمّ يجيئه» أي من عند اللّه تعالى «بعد ذلك» بجواب آخر «ينسخ ذلك الجواب ». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قال : بل صدقوا» لمّا كان الظاهر أنّ السؤال عن غير المنافقين فيما لا يجري فيه الاشتباه الناشئ عن العموم والخصوص، أو كون الكلام ذا وجهين ، أجاب عليه السلام بأنّهم صدقوا ، وأسند الاختلاف إلى الناسخيّة والمنسوخيّة (2) .

.


1- . في «الف»: - «يعني».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 218.

ص: 604

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ ، عَنِ السرّاد ، عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحذّاء (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي :«يَا زِيَادُ ، مَا تَقُولُ لَوْ أَفْتَيْنَارَجُلاً مِمَّنْ يَتَوَلَانَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّقِيَّةِ؟» قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَنْتَ أَعْلَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «إِنْ أَخَذَ بِهِ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَعْظَمُ أَجْرا» .

هديّة :يعني أنّ المؤمن الآخذ بقول الإمام في زمن التقيّة مع علمه بأنّه أفتاه على التقيّة أعظم أجرا من المؤمن العامل الغير العالم بأنّ ما أفتاه الإمام إنّما هو على التقيّة؛ فإنّ الأطوع أطوع . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني أنّ المؤمنين في زمن التقيّة أعظم أجرا من مؤمني زمن النبيّ صلى الله عليه و آله ولا تقيّة فيه، ووسوسة الشيطان في زمن التقيّة أكثر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بشيء من التقيّة» أي ممّا يتّقى به من العامّة . والمراد أنّه ما تقول؟ هل يثاب ويؤجر عليه ويبرأ ذمّته من المكلّف به ؟ فقال زياد : «أنت أعلم» فقال عليه السلام : «إن أخذ به فهو خيرٌ له وأعظم أجرا» أي من العمل بالمكلّف به على وجهه عند عدم التقيّة، أو عند التقيّة إن قلنا بصحّته حينئذٍ (2) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 219.

ص: 605

الحديث الخامسروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«إِنْ أَخَذَ بِهِ أُوجِرَ؛ وَإِنْ تَرَكَهُ وَاللّه ِ أَثِمَ» .

هديّة :(أُوجر) على ما لم يسمّ فاعله؛ أي اُعطي الأجر للطاعة وإن تركه. (واللّه أثم) لترك الطاعة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني وفي رواية اُخرى آخر الحديث هكذا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «اُوجر» أي على فعل ما فيه التقيّة أجر العمل بالمأمور به على وجهه، وأجر ارتكابه التقيّة. «وإن تركه واللّه أثم (1) » على ترك التقيّة ، أو عليه وعلى الإتيان بخلافه، ثمّ بترك الواجب (2) إن قلنا بعدم صحّة المأتيّ به على وجهه حينئذٍ (3) .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَنِي ، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَأَجَابَهُ بِخِلَافِ مَا أَجَابَنِي ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ (4) آخَرُ ، فَأَجَابَهُ بِخِلَافِ مَا أَجَابَنِي وَأَجَابَ صَاحِبِي . فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ ، قُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ شِيعَتِكُمْ قَدِمَا يَسْأَلَانِ ، فَأَجَبْتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغَيْرِ مَا أَجَبْتَ بِهِ صَاحِبَهُ؟ فَقَالَ :«يَا زُرَارَةُ ، إِنَّ هذَا خَيْرٌ لَنَا ، وَأَبْقى لَنَا وَلَكُمْ ، وَلَوِ اجْتَمَعْتُمْ عَلى أَمْرٍ وَاحِدٍ ، لَصَدَّقَكُمُ النَّاسُ عَلَيْنَا ، وَلَكَانَ أَقَلَّ لِبَقَائِنَا وَلبقَائِكُمْ» (5) . قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : شِيعَتُكُمْ لَوْ حَمَلْتُمُوهُمْ عَلَى الْأَسِنَّةِ أَوْ عَلَى النَّارِ لَمَضَوْا ، وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِكُمْ مُخْتَلِفِينَ؟ قَالَ : فَأَجَابَنِي بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ .

.


1- . في «ب» و «ج»: + «أي».
2- . في المصدر : «إثم ترك الواجب».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 219.
4- . في «ب» و «ج»: - «رجل».
5- . في الكافي المطبوع : «وبقائكم».

ص: 606

هديّة :وجه التعبير عن السائل الثاني ب «صاحبي» ظاهر. (لصدّقكم الناس علينا) يعني لصدّق الناسُ ظنّهم فيكم بالتشيّع، وذلك يضرّنا في زمن التقيّة. يُقال : صدّق فلان فلانا القول له أو عليه . وضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «لصدفكم» بالفاء مكان القاف ، قال : يعني لمنعكم الناس من مجالسهم فتلجؤون إلى اجتماعكم على بابنا، وهو في زمن التقيّة يضرّنا ويضرّكم . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لصدّقكم الناس علينا» أي لحكموا (1) بصدقكم علينا، فحكموا بموالاتكم لنا. «ولكان» أي ولكان حكمهم بصدقكم علينا وموالاتكم لنا لا يبقينا ولا يبقيكم (2) .

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ نَصْرٍ الْخَثْعَمِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَنْ عَرَفَ أَنَّا لَا نَقُولُ إِلَا حَقّا ، فَلْيَكْتَفِ بِمَا يَعْلَمُ مِنَّا ، فَإِنْ سَمِعَ مِنَّا خِلَافَ مَا يَعْلَمُ ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ ذلِكَ دِفَاعٌ مِنَّا عَنْهُ» .

هديّة :يعني من عرف أنّا أهل البيت قوم معصومون عاقلون عن اللّه مأمورون في كلّ أمر، وفي كلّ أمر للّه سبحانه حِكَمٌ شتّى. «والدفاع» : مصدر باب المفاعلة للمبالغة. دفع عنه، ودافع عنه دفاعا بمعنىً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «من عرف أنّا لا نقول» يعني سواء كان ما نقول موافقا للمعلوم منّا أهل البيت أو مخالفا تقيّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فليكتف بما يعلم منّا» أي بما يعلمه صادرا عنّا من الأقوال والأفعال، ولا يتفتّش عن مستنده ومأخذه. «فإن سمع منّا خلاف ما يعلم» أي خلاف ما علم صدوره عنّا «فليعلم أنّ ذلك» أي قولنا بخلاف ما يعلمه دفاعٌ منّا عنه (4) .

.


1- . في «ب» و «ج» : «لحملوا».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 219 _ 220.
3- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 220.

ص: 607

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُثْمَانَ ، والسرّاد جَمِيعا ، عَنْ سَمَاعَةَ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فِي أَمْرٍ كِلَاهُمَا يَرْوِيهِ ، أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِأَخْذِهِ ، وَالْاخَرُ يَنْهَاهُ عَنْهُ ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ :«يُرْجِئُهُ حَتّى يَلْقى مَنْ يُخْبِرُهُ ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ حَتّى يَلْقَاهُ» .

هديّة :(يرجئه) على المعلوم من الإفعال، أي يؤخّر ذلك الأمر ويتوقّف حتّى يلقى الإمام، أو من سمع من الإمام وكان مزكّى، وذلك إن أمكن التوقّف بحيث لا يلزم منه حرج في الدِّين، وإلّا فيعمل بقول الفقيه العدل الإمامي الممتاز علما وفضلاً، الحاذق في طبّ المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام لعلل الاختلاف وأمراض الاشتباه، كما ذكر في شرح الخطبة، ويذكر أيضا إن شاء اللّه تعالى . ويمكن أن يكون : «يخبره» من التخبير للمبالغة في التعليم والتفهيم، كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى ، وقال : «كيف يصنع؟» يعني هل يجوز له أن يرجّح إحدى الروايتين بظنّه؟ «قال : يرجئه» أي يؤخّر الترجيح بالظنّ حتّى يلقى من يخبره ويعلّمه ما هو الموافق للواقع. والغرض أنّ الترجيح بالظنّ كما هو شعار فقهاء العامّة لا يجوز . ثمّ قال : ولا يخفى أنّ كونه في سعة إنّما هو في باب العبادات لا في ما فيه الخصومة والحكومة مثل الميراث والقرض كما سيجيء في الحديث الثاني عشر من هذا الباب . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : قال : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره» تصريح في أنّه يجب التأخير والتوقّف حتّى يلقى من يتعلّم منه، فيجوز له التأخير في العمل حتّى يلقاه من يخبره . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «كيف يصنع؟» أي في هذه الصورة، وبِمَ يقول ويفتي فيها؟ أو بِمَ يعمل ؟ والأخير أظهر، حيث لم يبيّن وجوه الترجيح، فيحمل على المقلّد لا على المفتي . «يرجئه» أي يؤخّر العمل والأخذ بأحدهما، أو يؤخّر في الترجيح والفُتيا . وقوله : «حتّى يلقى من يخبره» أي من أهل القول والفُتيا، فيعمل حينئذٍ بفُتياه، أو من أهل الرواية، فيخبره بما يرجّح إحدى الروايتين على الاُخرى، فيقول ويفتي بالرّاجح . ويحتمل أن يكون المراد بمن يخبره الحجّة، وذلك في زمان ظهور الحجّة. «فهو في سعة حتّى يلقاه» أي في سعة في العمل حتّى يلقى من يعمل بقوله، أو من يروي ما يرجّح إحدى الروايتين فيفتي بالراجح (3) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعا، عن سماعة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 98 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 220 _ 221.

ص: 608

الحديث التاسعروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«بِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَكَ» .

هديّة :أي بأيّ الخبرين أخذت على تسليمك إيّاه أنّه أمر الحجّة المعصوم أو نهيه وسعك العمل بموجبه، وتُصيب وتُثاب، وذلك إذا لم يمكن التوقّف للزوم الحرج المنفيّ . فظهر أنّ وجه الحكم على التخيير _ مع أنّ حكم اللّه سبحانه واحد في كلّ قضيّة _ أنّ مع الجهل بالحكم الواقعي يسقط وجوب الأخذ به للاضطرار ، فالحكم في مثله اضطراري كالحكم عند التقيّة والعمل بموجبه . وقد يخصّص التوقّف في الرواية الاُولى بما يتعلّق بالمعارف والعقائد، والتخيير في الثانية بما يتعلّق بالطاعات والأعمال . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني وفي رواية اُخرى عن صاحب الزمان عليه السلام بتوسّط سفير من السفراء في جواب مثل ذلك السؤال هكذا : «ورد من باب التسليم» أي من باب قبول قول الإمام المفترض الطاعة لا من باب الترجيح بالظنّ، جاز لك ولا بأس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «التسليم» : الرّضاء أو الانقياد؛ أي بأيّهما أخذت رضا بما ورد من الاختلاف وقبولاً له، أو انقيادا للمرويّ عنه من الحجج، لا من حيث الظنّ بكون أحدهما حكم اللّه ، أو كونه بخصوصه متعيّنا للعمل، وسعك وجاز لك (1) .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 221.

ص: 609

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُثْمَانَ (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«أَرَأَيْتَكَ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ الْعَامَ ، ثُمَّ جِئْتَنِي مِنْ قَابِلٍ فَحَدَّثْتُكَ بِخِلَافِهِ ، بِأَيِّهِمَا كُنْتَ تَأْخُذُ؟» قَالَ : قُلْتُ : كُنْتُ آخُذُ بِالأَْخِيرِ ، فَقَالَ لِي : «رَحِمَكَ اللّه ُ» .

هديّة :وذلك؛ لأنّ الأخير إمّا حقيقة أو مصلحة . قال برهان الفضلاء : يظهر بيانه ممّا مرّ في السابع من هذا الباب ، وسيجيء مضمونه في السابع من الباب السابع والتسعين، باب التقيّة في كتاب الإيمان والكفر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أرأيتك» أي أخبرني عنك لو حدّثتك بحديثين مختلفين متقدّما ومتأخّرا بأيّهما تأخذ؟ فقال : «كنت آخذ بالأخير » فاسترحم عليه السلام له (2) تصديقا له؛ وذلك لحدوث سبب التغيّر من الأوّل إلى الثاني وعدم العلم بزواله (3) .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: - «له».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 221.

ص: 610

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ابْنِ مَرَّارٍ (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِيعَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : إِذَا جَاءَ حَدِيثٌ عَنْ أَوَّلِكُمْ وَحَدِيثٌ عَنْ آخِرِكُمْ ، بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ؟ فَقَالَ :«خُذُوا بِهِ حَتّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ ، فَخُذُوا بِقَوْلِهِ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّا وَاللّه ِ لَا نُدْخِلُكُمْ إِلَا فِيمَا يَسَعُكُمْ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : «خُذُوا بِالْأَحْدَثِ» .

هديّة :(خذوا به) أي بما جاء عن الأوّل فالأوّل. (حتّى يبلغكم) عن إمام زمانكم. واحتمال أن يكون ضمير«به» للأخير كما ترى ، ولو آل المعنى إلى المعنى. و«الحديث» : نقيض القديم. يعنى خذوا بالأخير؛ لما مرّ من وجهه. وأفعل التفضيل من الحديث : الأحدَث، كالجديد والأجدّ . وبالفارسية : تازه تر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني إذا جاء حديث عن أوّلكم كعليّ بن الحسين عليهماالسلامهنا، وحديث عن آخركم كالباقر عليه السلام بأيّهما نأخذ؟ فقال : «خذوا به»؛ أي بالأخير . والمراد ب «الحيّ» نفسه عليه السلام . «فيما يسعكم» يعني فيما يكون سعتكم وخيركم فيه . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «خذوا بالأحدث » يجيء هذا الحديث في باب التقيّة ، وفيه تصريح بأنّ العلّة في ذلك كون الأحدث موافقا لزمان الحال من شدّة التقيّة في المسألة ومن خفّتها ، فالأحدث قد يكون خلاف الواقع وقد يكون موافق الواقع ، وقد غفل عن هذا المعنى الشيخ الطوسي رحمه الله، فزعم أنّ العلّة في العمل بالأحدث كونه موافقا للواقع ، وقد صرّح بهذا الزعم في باب الأحاديث الواردة في نجاسة الخمر (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّا _ واللّه _ لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم» أي يجوز لكم القول أو العمل به تقيّة أو إلزاما في المأمور به على نحو الإطلاق والعموم لخاصّ (3) من خواصّه لأحدٍ، ولخاصّ آخر لآخر لمصلحة تستدعيه، كاختلافهم في الرواية عن الحجّة، أو في العمل لئلّا يصدّقوا في تولّاهم بالحجّة، أو لا يظنّ بهم ذلك، إلى غير ذلك من الحِكَم وغيرها (4) .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عن إسماعيل بن مرّار».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 98.
3- . في المصدر في الموردين : «بخاصّ».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 221 و 222.

ص: 611

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ ، فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَ إِلَى الْقُضَاةِ ، أَيَحِلُّ ذلِكَ؟ قَالَ :«مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ ، فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ ، وَمَا يَحْكُمُ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتا وَإِنْ كَانَ حَقّا ثَابِتا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللّه ُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ ، قَالَ اللّه ُ تَعَالى : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوابِهِ» » . قُلْتُ : فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ : «يَنْظُرَانِ إِلى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوى حَدِيثَنَا ، وَنَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا ، وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا ، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَما؛ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِما ، فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ ، فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللّه ِ وَعَلَيْنَا رَدَّ ، وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللّه ِ وَهُوَ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللّه ِ» . قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا ، فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ (2) فِي حَقِّهِمَا ، وَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا ، وَكِلَاهُمَا اخْتَلَفا (3) فِي حَدِيثِكُمْ؟ قَالَ : «الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا ، وَلَا يَلْتَفِتْ إِلى مَا يَحْكُمُ بِهِ الْاخَرُ» . قَالَ : قُلْتُ : فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، لَا يُفَضَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلى صَاحِبِهِ (4) الآخر (5) ؟ قَالَ : فَقَالَ : «يُنْظَرُ إِلى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ ، فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا ، وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ . وَإِنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ : أَمْرٌ بَي_ِّنٌ رُشْدُهُ فَيُتَّبَعُ ، وَأَمْرٌ بَي_ِّنٌ غَيُّهُ فَيُجْتَنَبُ ، وَأَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إِلَى اللّه ِ وَإِلى رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ؛ قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : حَلَالٌ بَيِّنٌ ، وَحَرَامٌ بَيِّنٌ ، وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذلِكَ ، فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ» . قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ؟ قَالَ : «يُنْظَرُ ، فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَ الْعَامَّةَ ، فَيُؤْخَذُ بِهِ ، وَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَرَأَيْتَ ، إِنْ كَانَ الْفَقِيهَانِ عَرَفَا حُكْمَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَوَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقا لِلْعَامَّةِ ، وَالْاخَرَ مُخَالِفا لَهُمْ ، بِأَيِّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ؟ قَالَ : «مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ ، فَفِيهِ الرَّشَادُ» . فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَإِنْ وَافَقَها (6) الْخَبَرَانِ جَمِيعا؟ قَالَ : «يُنْظَرُ إِلى مَا هُمْ إِلَيْهِ أَمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وَقُضَاتُهُمْ ، فَيُتْرَكُ ، وَيُؤْخَذُ بِالْاخَرِ» . قُلْتُ : فَإِنْ وَافَقَ حُكَّامُهُمُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعا؟ قَالَ : «إِذَا كَانَ ذلِكَ ، فَأَرْجِهْ حَتّى تَلْقى إِمَامَكَ؛ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَاتِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى».
2- . في «ب» و «ج»: + «فيما حكما وكلاهما اختلفا».
3- . في الكافي المطبوع : «اختلف». وفي «ب» و «ج»: - «فيما حكما وكلاهما اختلفا».
4- . في «ب» و «ج»: - «صاحبه».
5- . في الكافي المطبوع : - «الآخر».
6- . في الكافي المطبوع : «وافقهما».

ص: 612

. .

ص: 613

هديّة :هذا الخبر رواه الشيخ رحمه الله أيضا في التهذيب تارةً بهذا الإسناد (1) ، واُخرى باُخرى (2) ، كما في الكافي في كتاب القضاء (3) . وذكر في الكافي هناك مكان محمّد بن الحسين : محمّد بن الحسن ، وفي التهذيب : محمّد بن الحسن بن ميمون أو شمّون . ورواه الصدوق رحمه اللهأيضا في الفقيه، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت في رجلين اختار كلّ واحدٍ منهما رجلاً (4) . الحديث. (في دين) بفتح الدال. «التحاكم إلى السلطان» : رفع أمره إليه . والمراد هنا : السلطان الغير الإمامي وقضاة المخالفين، وفي حكمهم في هذا فسّاق قضاة الإماميّة وكلّ حاكم مرتشٍ يحكم على المحقّ. ولا بأس على حامل المتخاصمين على الصلح، أو العفو، أو الإبراء أو نحو ذلك . و(الطاغوت) : مبالغة في الطاغي، أو الطغيان، وهو الشيطان وكلّ رئيس طاغٍ. (وما يحكم له) على المعلوم أو خلافه . و«السّحت» بالضمّ وبضمّتين : الحرام، وما خبث من المكاسب . وآية : «يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّ_غُوتِ» في سورة النساء (5) . وفي الحديث قال أمير المؤمنين عليه السلام : «كلّ حَكَمٍ حكمَ بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت » (6) ثمّ قرأ هذه الآية. و«الكفر بالطّاغوت» : التبرّي منه، والقطع بأنّه ليس أهلاً للتحاكم إليه. ولا خلاف أنّ المحقّ الإمامي _ سواء كان خصمه إماميّا أو لا _ حكمه ذلك مع الإمكان والاختيار ، وأمّا إذا اضطرّ _ وهو على نفسه بصيرة _ فلا . وكذا لا خلاف في أنّ الحَكَم العدل الإماميّ إذا اضطرّ إلى أخذ حقّ المحقّ بقوّة الجائر ولا يمكنه التوقّف جاز له ذلك . (قال : ينظران) من المجرّد أو الإفعال؛ أي يجعلان ناظرا في أمرهما. (من كان منكم) من عدول رواة أحاديث أهل البيت عليهم السلام عارفا بالحلال والحرام وسائر أحكام الدِّين. (فليرضوا) على الغيبة؛ أي الشيعة. في بعض النسخ : «واختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلف في حديثكم» مكان (واختلفا في حديثكم ) (7) . والمراد ب (المجمع عليه) هنا : المشهور، بمعنى المتّفق عليه من أكثر الأصحاب، لا المجمع عليه المصطلح عليه اليوم بين أصحابنا ، والكلام في الحديث وروايته لا القول والإفتاء، ولذا قال عليه السلام (8) : (ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك) . ومن إفادات الشهيد الثاني في شرح درايته : أنّ المراد بالشهرة في الخبرين : شهرة الحديث الكائنة بين قدماء أصحابنا الإخباريّين الذين لا يتعدّون النصّ في شيء من الأحكام دون شهرة القول الحادثة بين المتأخّرين من أهل الرأي والتخمين (9) . (فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) يعني إذا لم يعارضه المجمع عليه المصطلح عليه عند المتأخّرين . وفي رواية زرارة رواها محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور اللحسائي (10) في كتاب عوالي اللآلي، عن العلّامة الحلّي قدس سرهمرفوعا إلى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته فقلت : جُعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيّهما آخذ؟ فقال عليه السلام : «يا زرارة، خُذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر ». فقلت : يا سيّدي، إنّهما مشهوران مرويّان مأثوران عنكم ، فقال : «خُذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك ». فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان ، فقال : «انظر إلى ما وافق منهما مذاهب (11) العامّة فاتركه وخُذ بما خالفهم، فإنّ الحقّ فيما خالفهم». قلت : ربما كانا معا موافقين لها (12) أو مخالفين، فكيف أصنع؟ فقال : «إذن فخذ فيه الحائطة (13) لدينك واترك ماخالف الاحتياط». فقلت : إنّهما معا موافقان (14) للاحتياط أو مخالفان له، فكيف أصنع؟ فقال : «إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر» (15) . «فتخيّر» على الخطاب المعلوم من التفعيل؛ أي من باب التسليم . والأخبار كثيرة في هذا المعنى؛ ففي بعضها : «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه، فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا » (16) . ولا يخفى عدم المنافاة بين وجوب التوقّف عند الاشتباه مع الإمكان بحيث لا يلزم منه حرج، وبين العمل بإحدى المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام مع الاضطرار في زمن الغيبة، كالتخيير في العمل من باب التسليم. وليس هذا الحكم والفتوى بأنّه حكم اللّه في الواقع، بل مداواة عنهم عليهم السلام لِعِلَّة الاضطرار ولزوم الحرج. (وإنّما الاُمور ثلاثة أمرٌ بيِّن رشده) لأنّه مجمعٌ عليه بين أصحابنا ولو بمعنى المشهور المذكور ، وكذا الأمر الثاني . (وأمرٌ مشكل) أي غير مشهور حكمه، فضلاً عن كونه مجمعا عليه بالمعنى الاصطلاحي. (يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله صلى الله عليه و آله ) أي بعرْضه على محكمات الكتاب والسنّة وسائر المعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام . (ومن أخذ بالشبهات) أي بالرأي والتخمين ، من دون التوقّف أو المعالجة المعهودة (ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم). (فإن كان الخبران عنكما مشهورين) في بعض النسخ : «عنكم» مكان «عنكما» وهو الظاهر. وفي بعض آخر «عنهما». (17) والمعنى على الأكثر عن الإثنين من أهل البيت عليهم السلام . ولا منافاة بين المستفاد من الأخبار السابقة الدالّة على وجوب الأخذ بما ورد عنهم عليهم السلام على التقيّة، وبين حكم أمثال هذا الخبر من وجوب ترك ما وافق العامّة؛ لأنّ ذلك إنّما هو في العمل، وهذا في العلم والاعتقاد بأنّه حقّ وإن كان قد يجب العمل بخلافه تقيّة . (قلت : جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة) أي عرفا حكمه بحمل كلّ واحد منهما حكم الكتاب الذي محكم ومتشابه معا باعتبارين مثل : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» (18) على ما يوافق حكم الخبر الذي عنده . قال الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج بعد نقل هذا الحديث : جاء هذا الخبر على سبيل التقدير؛ لأنّه قلّما يتّفق في الآثار أن يرد خبران مختلفان في حكمٍ من الأحكام، موافقين للكتاب والسنّة، وذلك مثل الحكم في غسل الوجه واليدين في الوضوء، فإنّ الأخبار جاءت بغسلها (19) مرّة مرّة وبغسلها مرّتين ، وظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك ، بل يحتمل تلك الروايتين، ومثل ذلك يوجد (20) في أحكام الشرع . (21) وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «عزفا حكمه» بالزاي على ما لم يسمّ فاعله، من «العزف» بمعنى المنع، وسنحكيه في نقل بيانه هنا، إن شاء اللّه تعالى . الجواهري : «عزفت نفسي عن الشيء عزوفا» كضرب ونصر : زهدت فيه وانصرفت عنه. (22) (فإن وافقها الخبران جميعا) أي العامّة . وفي بعض النسخ : «وافقهما» أي طائفتين من العامّة. (فارجه حتّى تلقى إمامك) أي فأخّره وقِفْ . قال الشيخ أبو عليّ الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج : وأمّا قوله عليه السلام للسائل : «أرجه وقِف حتّى تلقى إمامك» أمره بذلك عند تمكّنه من الوصول إلى الإمام ، فأمّا إذا كان غائبا ولا يتمكّن من الوصول إليه والأصحاب كلّهم مجمعون على الخبرين ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على رواة الآخر بالكثرة والعدالة، كان الحكم بهما من باب التخيير. يدلّ عليه ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرِّضا عليه السلام قال : قلت له : يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، قال : «ما جاءك عنّا فاعرضه (23) على كتاب اللّه تعالى وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا وإن لم يشبههما فليس منّا » قلت : يجيئان الرجلان _ وكلاهما ثقة _ بحديثين مختلفين، فلا نعلم أيّهما الحقّ؟ فقال : «إذا لم تعلم فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه السلام فتردّ إليه ». (24) وقال ثقة الإسلام في أوائل الكافي : يا أخي أرشدك اللّه أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلّا على ما أطلقه العالم عليه السلام بقوله : «اعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه عزّوجلّ فخذوه، وما خالف كتاب اللّه فردّوه» . وقوله عليه السلام : «دعوا ما وافق القوم فإنّ الرُّشد في خلافهم ». وقوله عليه السلام : «خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ». ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه، ولا نجدّ شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليه السلام : «بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم». (25) «ولا نجد شيئا» إلى آخره، معناه أنّ الواجب علينا حينئذٍ التوقّف إن أمكن، وإلّا فالتخيير من باب التسليم في العمل دون الإفتاء والحكم القطعي بأنّه حكم اللّه الواقعي . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : تسمّى هذه الرواية بمقبولة عمر بن حنظلة؛ لقبول جميع الأصحاب إيّاها، وكونها مدارا لعملهم في المتشابهات . وحاصلها : أنّ العمل بواحد من الخبرين المختلفين الصحيحين إنّما هو فيما فيه التنازع، لا فيما لا يكون فيه ذلك، وليس للفقيه اختيار أصلاً فيما فيه التنازع، بل له أن يرجّح العمل بواحدِ منهما بواحدٍ من الأسباب الستّة للترجيح على الترتيب الذي يذكر هنا ، فإن لم يمكن بشيء منها يجب التوقّف، ولا اختيار لأحد فيما لا نزاع فيه كما مرّ في الثامن والتاسع من هذا الباب . و«الدَّين» : المال في الذمّة بأجلٍ معيّن، فإذا كان بلا أجل معيّن فهو قرض . و«الطاغوت» : الشيطان. والمراد هنا من كان مطاعا في باطله كالشيطان، كالحاكم في المسائل الدينيّة بظنّه . و«السّحت» : الرشوة . والمراد هنا الحرام الشبيه بالرشوة في عقابها ونكالها . «قال : يُنظران» على المعلوم من الإنظار، أي يجعلان ناظرا في أمرهما من كان متّصفا بأوصاف أربعة : الأوّل : أن يكون من عدول المؤمنين، وبهذا أشار بقوله عليه السلام : «من كان منكم ». الثاني : أن يكون مكثرا من تتبّع أحاديث أهل البيت عليهم السلام وبهذا أشار بقوله : «ممّن قد روى حديثنا ». والرواية في الأصل : الإكثار من أخذ الماء، ومنه الراوية للكبير من القِرَب. ووجه الشبه في استعمال الرواية في الإكثار من نقل الحديث المُحيي للقلوب ، والراوية لمكثره ظاهر . الثالث : أن يكون من المتدبّرين في معاني الأحاديث في الحلال والحرام بحيث يعرف أنّ القضيّة المتنازع فيها متفرّعة على أي حديث منها؛ إذ بقلّة التدبّر فيها يحصل الاشتباه كثيرا ، وبهذا أشار بقوله : «ونظر في حلالنا وحرامنا ». الرابع : أن يكون عارفا بأنّ جميع أحاديث الأئمّة عليهم السلام حقّ لا ريبَ فيه وإن كان بعضها على التقيّة، أو لمصلحة اُخرى، وبهذا أشار بقوله : «وعرف أحكامنا ». وقوله : «وهو على حدّ الشرك باللّه » يعني وهو فوق مرتبة الشرك : إذ المشرك يقبل حكم اللّه مع حكم من أخذه شريكا له سبحانه، وتركُ ما أمر اللّه به استكبارا أسوء من الشرك كما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في الثاني عشر من باب الكفر. أو المعنى، وهو في مرتبة الشرك. في قوله : «قلت : فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا _ إلى قوله _ : ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر» بيان أربعة _ على الترتيب _ من الوجوه الستّة لترجيح أحد الحديثين الصحيحين المختلفين على الآخر فيما فيه التنازع. ويتوهّم في قوله : «قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان _ إلى قوله _ : وهلك من حيث لا يعلم» أنّ فيه بيان الوجه الخامس من وجوه الترجيح، وليس كذلك، بل فيه بيان أنّ الترجيح المذكور هنا اُحيل إلى ما ذكر؛ فإنّ بعد معرفة ما ذكر لا إشكال هنا، وبيان الترجيح الخامس إنّما هو في قوله : «قلت : فإن كان الخبران عنكما _ إلى قوله _ : ففيه الرّشاد ». و في بعض النسخ : «عنكم» مكان «عنكما ». و«العزف» بفتح المهملة وسكون المعجمة : المنع . والمعنى: إن كانا ممنوعين من الحكم من الكتاب والسنّة . وفي قوله : «فقلت : جعلت فداك، فإن وافقها الخبران جميعا _ إلى قوله _ : فيترك ويؤخذ بالآخر» بيان الوجه السادس من وجوه الترجيح . وفي بعض النسخ : «فإن وافقهما» بضمير التثنية لطائفتين من العامّة . و«الاقتحام» : الدخول في الشيء من غير رويّة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : هذا الحديث وحديث أبي سعيد الزهري المتقدّم يدلّان على وجوب التوقّف عند تعادل الحديثين المتعارضين، وبعض الأحاديث المتقدّمة كان صريحا في التخيير في العمل بأيّهما شاء ، ويمكن الجمع بينهما بحمل التخيير على واقعة لم تكن متعلّقة بحقوق الآدميّين، وحمل وجوب التوقّف على واقعة تكون كذلك . ثمّ قال : أقول : هذا الحديث وحديث أبي سعيد الزهري المتقدّم في باب النوادر، وحديث سماعة المتقدّم تدلّ على وجوب التوقّف عند تعادل الحديثين المتناقضين، وبعض الأحاديث المتقدّمة كان صريحا في التوسعة؛ أي التخيير في العمل من جهة التسليم . ويمكن الجمع بينهما بحمل التخيير على واقعة لم تكن متعلّقة بحقوق الآدميّين كالوضوء والصلاة، وحمل وجوب التوقّف على واقعة متعلّقة بحقوق الآدميّين كدَيْنٍ أو ميراث . ومعنى قوله عليه السلام : «من جهة التسليم» من باب تسليم أمرِنا ووجوب طاعتنا على الرعيّة، لا من باب ما اشتهر بين أهل الرأي _ أي الاجتهاد الظنّي _ من تخيير المجتهد في العمل عند تعادل الأمارتين، وتخيير المقلّد كذلك، فإنّ لهم حينئذٍ قولين : أحدهما التخيير، والآخر التوقّف . (26) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بينهما منازعة في دين أو ميراث» ذكر الدَّين والميراث إمّا على سبيل التمثيل. والمراد المنازعة مطلقا، أو المراد السؤال عن المنازعة في الدين أو الميراث، أي النزاع في الوارثيّة، أو في قدر الإرث في غير المجمع عليه بين المسلمين، أو في ثبوت الإرث بحصول ظنّ الحاكم به بإقامة الشهود مع عدم علم المدّعي؛ ففي جميع هذه الصور لا يجوز الأخذ بحكم الجائر، ويكون المأخوذ حراما، بخلاف الأعيان ومنافعها مع علم المدّعي؛ فإنّه وإن حرّم الأخذ بحكم الجائر لكن لا يحرم المأخوذ الذي هو حقّه المعلوم له عليه، وحرمة المأخوذ في تلْك الصور لا ينافي صحّة المقاصّة في الدَّين المعلوم ثبوته وحقّيّته له . والمعنيّ بحرمة (27) المأخوذ : كونه غير جائز التصرّف فيه بعد الأخذ، وبحرمة الأخذ : عدم جواز إزالة يد المدّعى عليه واستقرار اليد عليه. «فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة» أي السلطان الجائر وقُضاته. «في حقّ أو باطل» يحتمل العموم والشمول للأعيان والديون والمواريث وغيرها. «فإنّما يأخذ سحتا» إن حمل على أنّه يأخذ أخذا سحتا؛ أي حراما ، فعلى عمومه، وإن حمل على أنّه يأخذ مالاً سحتا، أي حراما عليه أن يتصرّف فيه، فمخصّص بما لا يكون المدّعي به عينا معلوم الحقّيّة للمدّعي، فإنّ له التصرّف في المأخوذ حينئذٍ، بخلاف ما إذا كان ثابت الحقّيّة عنده بحكم الحاكم، أو مظنون الحقّيّة، أو مشكوكها وكان (28) المدّعى به دَينا، فالاستحقاق في العين والتعيين في الدّين بحكم الطاغوت لا يوجب جواز التصرّف. «من كان منكم ممّن قد روى حديثنا» اعتبر في المتحاكم إليه _ بعد كونه على طريقة النجاة وسبيل الحقّ والرشاد، آخذا (29) من روايات أهل البيت عليهم السلام _ كونه (30) ناظرا في حلالها، وحرامها، عارفا بالأحكام التي يستنبط منها. والموصوف بهذه الصفات هو المعبّر عنه بالفقيه عند السلف، وبالمجتهد في هذه الأعصار عند الإماميّة، وإن كان المجتهد في العصر الأوّل بينهم مستعملاً في العامل بالقياس والرأي ، ولذلك منعوا عن الاجتهاد . فالمجتهد عبارة عن العارف بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة معرفةً مستندة إلى النظر في الحلال والحرام على ما في الأدلّة من الكتاب والروايات والأحاديث بعد الجمع والترجيح . وفي قوله : «وعرف أحكامنا» دلالة إلى بلوغه مرتبةَ معرفةِ جميع الأحكام، والقدر (31) المعتدّ به بحسب الوسع معرفةً بالفعل، أو بالقوّة القريبة منها (32) بحيث يصحّ إطلاق المعرفة عليه . وتلك المعرفة يحصل بعد الفطنة القويمة، وبعد العلم بأساليب الكلام بممارسته ملاحظة الأحاديث، ونهج بيانهم للأحكام، وملازمة العلماء ذوي البصائر والاستمداد منهم . وقد سعى السلف في جميع ما يستمدّ به في معرفة أساليب الكلام ومعانيها وترجيح الأخبار وجمعها _ شكر اللّه مساعيهم، وجزاهم أحسن الجزاء _ ولكن لا يغني ما أتوا به من تلك الممارسة والملازمة، فلا يعتمد قبلهما على تحدّسه بالمراد. وإذا حصل له تلك المعرفة اطّلع من جانب اللّه بإلهام وإعلام على جواز عمله بما يفهمه من الروايات. ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء . وأمّا القاصرون من المتزاولين لأقوال الفقهاء المكابرين مع العلماء الممارين للسفهاء فيضلّون عن السبيل بادّعاء ما ليس لهم والدخول فيما حُظر عليهم، ولا ينتفعون بمساعيهم، فما هم إلّا كباسط كفّيه إلى الماء، وليس ببالغٍ فاه، ويضلّون الناس ويحسبون أنّهم يحسنون صنعا . أعاذنا اللّه من فتنهم (33) والتصنّع بصنعتهم ، وهدانا اللّه إلى اتّباع المهتدين من عباده الهادين إلى سبيل الرّشاد. «والرادّ على اللّه على حدّ الشرك باللّه » أي على مرتبة من الضلالة لا مرتبة فيها أشدّ منها، والمرتبة المتجاوزة منها مرتبة الشرك باللّه ؛ لأنّه بردّه على اللّه يخرج من الإيمان، وباستخفافه بحكم اللّه يخرج عن التحافظ على الإسلام والانقياد الظاهري، فلم يبق له إلّا الإسلام الضعيف الغير المتحافظ عليه وحفظ الدّم والمال به، والمرتبة التي بعدها الشرك باللّه ، فيخرج من انحفاظهما لا بجزية لأهل الذمّة من المشركين. «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث» أي من يكون حديثه أصحّ من حديث الآخر بأن ينقله من أعدل أو أكثر من العدول أو الثقات. وظاهر هذه العبارة الحكم بترجيح حكم الراجح في الصفات الأربع جميعها . ويحتمل الترجيح بحسب الرجحان في واحدة من الأربع أيّها كانت . وعلى الأوّل يكون حكم الرجحان بحسب بعضها دون بعض مسكوتا عنه. [وعلى الثاني يكون حكم تعارض الرجحان في بعضٍ منها للرجحان في بعض آخر مسكوتا عنه.] (34) والاستدلال على الأولويّة والرجحان بالترتيب الذكري ضعيف . والمراد أنّ الحكم الذي يجب قبوله من الحكمين المذكورين حكم الموصوف بما ذكر من الصفات الأربع، ويفهم منه وجوب اختياره لأن يتحاكم إليه ابتداءًا، وأنّ ترجيح الأفضل لازم في الصور المسكوت عنها . ومن هاهنا ابتدأ في الوجوه المعتبرة للترجيح في القول والفُتيا . «قال: قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان» أي فإنّ راويين (35) لحديثكم العارفَين بأحكامكم عدلان مرضيّان، لا يفضّل واحد منهما على صاحبه في شيء من الصفات المذكورة، فإذا كان كذلك فبحكم أيّهما يؤخذ؟ فأجاب عليه السلام وبيّن له وجها آخر للترجيح بقوله : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حَكَما بِه، المجمع عليه من أصحابك؛ أي المشهور روايته بين أصحابك «فيؤخذ» بأشهرهما روايةً، «ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه»؛ أي المشهور في الرواية لا ريب فيه. وفي قوله : «لا ريب فيه» إشارة إلى أنّ المناط غلبة الظنّ بصحّة الرواية، واستناد الحكم بالرواية الصحيحة . والمراد ب «البيّن رشده» : الظاهر حقّيّته؛ لغلبة الظنّ أو العلم بصحّة الرواية المتضمّنة له، أو دلالة الكتاب عليه . وب «البيّن غيّه» : الظاهر بطلانه؛ لغلبة الظنّ أو العلم بصحّة الرواية المتضمّنة له، أو دلالة الكتاب عليه . والأمر المشكل : ما لا يغلب الظنّ بحقّيّته أو بطلانه فضلاً عن العلم من أدلّته من الكتاب والسنّة؛ لعدم وضوح دلالة الكتاب وصحّة الحديث، أو دلالته ، فهذا لا يحكم فيه ولا يفتى، «بل يرد علمه إلى اللّه وإلى الرسول صلى الله عليه و آله ». «فمن ترك الشبهات» إلى آخره، أعمّ مأخذا ممّا ذكره عليه السلام بقوله : «يردّ علمه إلى اللّه »؛ لشموله العمل، واختصاصِ ذلك بالحكم والفُتيا. «فمن ترك الشبهات» أي فُتيا وحكما وعملاً «نجا من المحرّمات»؛ فإنّ الفُتيا بالمشتبه حرام، وكذا الحكم به، وكذا العمل به على أنّه مطلوب . «ومن أخذ بالشبهات» فُتيا أو حكما أو عملاً «ارتكب المحرّمات، وهلك من حيث لا يعلم»؛ لأنّه حينئذٍ متعبّد لهواه وللشيطان، وهو على حدّ الشرك باللّه . وفي «فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات» دلالة على فضل ترك ما هو مشتبه الحرمة. وإن كان الخبران عنكما مشهورين» الظاهر أنّ المراد ب «الخبران» عن الصادق والباقر عليهماالسلاموالخطاب للصادق وأبيه عليهماالسلام . وتخصيصهما بالذِّكر والخطاب؛ لاشتهار الروايات عنهما، وشيوعِ الأخذ عن أهل البيت في زمانهما دون السابقين؛ لشدّة التقيّة حينئذٍ، وتعلّقِ الأغراض بالأخذ عن غيرهم وتركهم. وإذا كان الخبران مشهورين غلب الظنّ بصحّتهما، فلا يخلوان من موافقة الكتاب والسنّة، أو موافقة العامّة للتقيّة، فيكون أحدهما موافقا للكتاب والسنّة، والآخر موافقا للعامّة وآرائهم، فيؤخذ بالموافق لهما ويترك الموافق للعامّة . والمراد بموافقة الكتاب والسنّة : احتماله الدخول في المراد من الكتاب والسنّة الثابتة، والكون من محاملهما . «أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة» أي وجد كلّ منهما ما حكم به موافقا للكتاب والسنّة، وكان أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم، فالترجيح للمخالف للعامّة؛ فإنّه جمع بحمل الموافق للمخالف على التقيّة. «فإن وافقها الخبران جميعا» أي وافق كلّ خبر بعضا من العامّة. «ينظر إلى ما هم أميل، حكّامهم وقضاتهم» أي ينظر إلى ما حكّامهم وقضاتهم إليه أميل. و«حكّامهم» بدل من الضمير المنفصل في «ما هم». ويترك الموافق لهم ومختارهم؛ لكونه أولى بالتقيّة، ويؤخذ ويفتى ويحكم بالذي لا يميل إليه حكّامهم وقضاتهم. «فإن وافق حكّامهم الخبرين» أي كان ميل الحكّام إلى ما في الخبرين من الحكم سواءً، ولا يكونون إلى أحدهما أميل. «وأرجه» أي أخّر الفُتيا والحكم بما في أحدهما، ولا تُفْت ولا تحكم بأحدهما «حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات» وترك الفُتيا والحكم فيها بترجيح أحد الطرفين مع الاشتباه «خيرٌ من الاقتحام» والدّخول «في الهلكات» بالترجيح والفتوى والحكم من غير مرجّح. و«الهلكات» : جمع هلكة _ محرّكة _ بمعنى الهلاك . والمراد الدخول في الضلال وما يوجب العقاب والنكال . عصمنا اللّه بلطفه عن الاقتحام فيما يوجب سخطه، وصلّى اللّه على محمّد وآله المعصومين . (36)

.


1- . التهذيب، ج 6 ، ص 218، ح 514 ، إلى قوله : «على حدّ الشرك باللّه عزّوجلّ».
2- . التهذيب، ج 6 ، ص 301، ح 845 .
3- . الكافي، كتاب القضاء والأحكام، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، ح 14616، إلى قوله: «على حدّ الشرك باللّه عزّوجلّ».
4- . الفقيه، ج 3، ص 8 ، ح 3233.
5- . النساء (4) : 60 .
6- . دعائم الإسلام، ج 2، ص 53 ، ح 1883؛ وعنه في المستدرك، ج 17، ص 244، ح 21240.
7- . كذا في المخطوطين، ولعلّ الصحيح هكذا : «وفي بعض النسخ : وكلاهما اختلف في حديثكم» مكان «وكلاهما اختلفا في حديثكم».
8- . في «ب» و «ج»: - «ولذا قال عليه السلام ».
9- . راجع: شرح الدراية المطبوع ضمن رسائل في دراية الحديث، ج 1، ص 180 ، وفيه : «المشهور : وهو ما شاع عند أهل الحديث، بأن نقله رواة كثيرون...». وما حكاه المصنّف نقلاً عن الشهيد الثاني ليس بتمامه من كلام الشهيد قدس سره، بل من كلام صاحب الوافي. راجع : الوافي، ج 1، ص 292.
10- . كذا في جميع النسخ، والمشهور : «الأحسائي». وفي خاتمة المستدرك، ج 1، ص 334، نقلاً عن الرياض في باب الكنى : «أبي جمهور اللحساوي... ويقال تارة : الأحسائي، واللحسائي».
11- . في المصدر : «مذهب».
12- . في المصدر : «لهم».
13- . في «الف»: «الحائط».
14- . في المصدر : «مواف2ض وكذا : «مخالفين».
15- . عوالي اللآلي، ج 4، ص 133، ح 229؛ وعنه في المستدرك، ج 17، ص 303، ح 21413.
16- . عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 24، باب ماجاء عن الرضا عليه السلام ، من الأخبار المنثورة، ح 45؛ وعنه في البحار، ج 2، ص 233، ح 15 .
17- . في «ب» و «ج»: - «من دون التوقّف... وفي بعض آخر عنهما».
18- . المائدة (5) : 6 .
19- . في المصدر في الموضعين : «بغسلهما».
20- . في المصدر : «يؤخذ».
21- . الاحتجاج، ج 2، ص 108، باب احتجاج أبي عبداللّه عليه السلام في أنواع شتّى من... .
22- . الصحاح، ج 4، ص 1403 (عزف).
23- . في المصدر: «فقسه».
24- . الاحتجاج، ج 2، ص 109، باب احتجاج أبي عبداللّه عليه السلام في أنواع شتّى من... .
25- . الكافي، ج 1، ص 8 و 9 .
26- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 98 _ 99.
27- . في جميع النسخ : «لحرمة» وما أثبتناه من المصدر.
28- . في المصدر : «أو كان».
29- . في المصدر : «كونه آخذا».
30- . في المصدر : - «كونه».
31- . في المصدر: «أو القدر».
32- . في المصدر : «منه».
33- . في «ب» و «ج»: «فتنتهم».
34- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
35- . في المصدر : «الراويين».
36- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 222 _ 230.

ص: 614

. .

ص: 615

. .

ص: 616

. .

ص: 617

. .

ص: 618

. .

ص: 619

. .

ص: 620

. .

ص: 621

. .

ص: 622

. .

ص: 623

. .

ص: 624

. .

ص: 625

. .

ص: 626

باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب

الباب الثالث والعشرون : بَابُ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَشَوَاهِدِ الْكِتَابِوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ الأربعة (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ عَلى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً ، وَعَلى كُلِّ صَوَابٍ نُورا ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللّه ِ فَخُذُوهُ ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللّه ِ فَدَعُوهُ» .

هديّة :يعني أنّ أصلاً ومستندا نصب على كلّ حقّ، ليدلّ على أنّه حقّ. و(نورا) أي برهانا واضحا نصب على كلّ صواب؛ ليظهر منه أنّه صواب. (فما وافق كتاب اللّه فخذوه) أي محكماته المضبوط عدم نسخها بالأحاديث المضبوطة عن أئمّتنا عليهم السلام بتواتر الكتب من ثقات أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم؛ فإنّ العلم بأنّ حكم وجوب الزكاة _ مثلاً _ لم ينسخ إنّما هو بالعلم الحاصل من الأخبار الموصوفة، فيعالج متشابهات السنّة المتواترة بمحكماتها المربوطة بمحكمات الكتاب ، وكذا محكمات الكتاب التي [هي] محكمات باعتبار ومتشابهات بآخر، كآية الوضوء، (2) والصلوات الخمس (3) وأوقاتها. والعلم بجميع محكمات الكتاب خاصّ بالمعصوم؛ لتوقّفه على العلم بجميع الناسخ والمنسوخ، فلا يحصل للفقيه بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام لعلّة التشابه إلّا الظنّ ، وهذا الظنّ لا ينافي القطع بصحّة الحكم والإفتاء والعمل في زمن الغيبة لو لم يلزم حرج من التوقّف الواجب مع إمكانه . نعم ، هذا الظنّ ينافي القطع بأنّه حكم اللّه في الواقع. والحكم بحكم اللّه الواقعي حقيقي، وبالظنّ المرخّص في تحصيله _ على ما فصّل مرارا _ اضطراريّ ، كصحّة العمل بخبر الواحد الصحيح من باب التسليم لا الإفتاء والحكم بأنّه حكم اللّه ، فظهر أنّ معنى «فما وافق كتاب اللّه » أي قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه مثل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعينه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «شواهد الكتاب» في العنوان محكماته (4) الناهية عن اتّباع الظنّ، الآمرة بسؤال أهل الذِّكر فيما يجري فيه وفي دليله النزاع بلا مكابرة. يعني هذا باب بيان أنّ تابع سنّة الرسول صلى الله عليه و آله من هو تابع لمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ والاجتهاد بالرأي والتخمين في المتشابهات، لا من هو تابع للأحاديث الموضوعة، أو لمتشابهات القرآن بدون السؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام فإنّ الذين قالوا بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام (5) طوائف : وأكبرهم الأشاعرة والمعتزلة. تَبِع الأشاعرة في مسائل اُصول الدِّين أبا الحسن الأشعري، والمعتزلة اعتزلوا عن الأشاعرة فيها فتبعوا واصل بن عطاء ، والجميع في مسائل فروع الدِّين أهل الرأي والاجتهاد ، ومع ذلك تبعوا أربعة نفر من مجتهديهم المختلفين في الحكم والفتوى باتّباع الظنّ، فصاروا أربع طوائف : فتبع طائفة أبا حنيفة، وطائفة الشافعي، واُخرى مالك بن أنس، واُخرى أحمد بن حنبل . والأشاعرة _ وهم أكبرهم _ يسمّون أنفسهم بأهل السنّة والجماعة وغيرهم من طوائف العامّة بأهل البدعة . وأصحابنا الإماميّة يسمّون جميعهم بالحشويّة؛ لتركهم محكمات القرآن وأخذهم الأباطيل من الأحاديث الموضوعة والاُصول الباطلة وغير ذلك . فختم المصنّف _ طاب ثراه _ كتاب العقل بهذا الباب؛ ليظهر أنّ جميع طوائف المخالفين أهل البدعة والضلالة، وأنّ أهل السنّة في الحقيقة إنّما هم الشيعة الاثنا عشريّة . والمراد من «الحقّ» هنا الإيمان المسؤول عنه يوم القيامة، كما يظهر من نقل المصنّف _ طاب ثراه _ هذه الفقرة في كتاب الإيمان والكفر في باب حقيقة الإيمان واليقين . ومن الحقيقة الأصل الذي يرجع إليه، كما يرجع العسكر إلى العَلَمِ القائم لهم . والمراد هنا الشهادة الصادقة من الأعمال الصالحة . «وعلى كلّ صواب نورا» يعني دليلاً واضحا على صحّة العمل من محكمات القرآن ، فالمعنى أنّ على كلّ إيمان علامة من الأعمال الصالحة ، وعلى كلّ عمل صالح دليلاً واضحا من محكمات القرآن إمّا بلا واسطة كوجوب الزكاة ، وإمّا بواسطة كوجوب العمل بخبر الواحد الصحيح . فالغرض أنّ في محكمات القرآن نهيا عن اتّباع الظنّ، وأمرا بسؤال أهل الذِّكر في المتشابهات ، فإن كان دعوى الإيمان والعمل الصالح وكذا دعوى الإمامة ، ودعوى الكون عن (6) أهل السنّة بالحقّ، ونقل الأحاديث على طبق الدعوى، والجلوس في منصب القضاء والفتوى مبنيّا على تبعيّة الظنّ، فباطل وخطأ، وإلّا فحقّ وصواب . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «إنّ على كلّ حقّ حقيقة» معناه: أنّ كلّ واقعة ورد فيها حكم من اللّه تعالى، ونصب اللّه تعالى عليه دليلاً قطعيّا واضحا عند أهل الذِّكر عليهم السلام موجودا في كتاب اللّه تعالى، لا يجوز القول بخلافه . فهذا الكلام الشريف يبطل ثلاثة مذاهب من مذاهب الاُصوليّين، ويتعيّن المذهب الرابع. فإنّ بعضهم قال: بأنّ الواقعة التي ليست من بديهيّات الدِّين ولا من بديهيّات المذهب ليس فيها للّه حكم، بل فوّض حكمها إلى أذهان المجتهدين . وقال بعضهم: بأنّ فيها حكما من اللّه تعالى، لكنّه تعالى لم ينصب عليه دليلاً فهو بمنزلة دفين . وبعضهم قال: بأنّ اللّه تعالى نصب عليه دليلاً ظنّيا لا قطعيّا . (7) وبعضهم قال : نصب عليه دليلاً قطعيّا . وأصحاب المذهب الرابع يقولون : من خالف حكم اللّه فهو مخطئ فاسق . وأصحاب المذهب الأوّل يقولون : كلّ مجتهد مُصيب . وأصحاب المذهب الثاني والثالث يقولون : مَن خالف حكم اللّه معذور، وله أجر واحد، ومَن وافقه، له أجران ، (8) انتهى . أقول : تحقيق قوله : «وبعضهم قال : نصب عليه دليلاً قطعيّا» أنّ دليلاً عليه قطعيّا واضحا عند أصحاب العصمة عليهم السلام ، وأمّا فقهاء شيعتهم فمرخّصون في زمن الغيبة عند الاشتباه، وكونهم جامعين لشرائط الفتوى أن يتفصّوا عند الاضطرار _ لامتناع التوقّف _ بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام ، فدليلهم _ مثل الأخذ بأحد الخبرين من باب التسليم _ ظنّي، وحكمهم بالمعالجة على الرخصة قطعيّ، بمعنى القطع بصحّته . وهذا معنى ما ثبت عند الاُصوليّين من أصحابنا الإماميّة أنّ ظنّية الطريق لاينافي قطعيّة الحكم، فنسبة برهان الفضلاء _ كما نقلنا فيما سبق _ هذا الأصل إلى الاُصوليين من المخالفين كما ترى . نعم ، ظنّية الطريق ينافي القطع في الحكم بأنّه حكم اللّه في الواقع، لا الحكم بصحّة الحكم الاضطراريّ بالمعالجة الصريحة في الرخصة . وتحقيق قوله «وأصحاب المذهب الرابع يقولون : من خالف حكم اللّه فهو مخطئ فاسق» أنّ الآخذ في المتشابهات بظنّه من دون التمسّك بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام _ مع امتناع التوقّف؛ للزوم الحرج المنفيّ في الدِّين _ مخطئ فاسق، متعدّ عن حدود اللّه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ على كلّ حقٍّ حقيقة» أي على كلّ ثابت في نفس الأمر من الاُمور الدينيّة وغيرها ، _ والمقصود من الدينيّة : ما يكون مصيره إليه؛ أي ينتهي ثبوته وبيانه إليه . قال في الغريبين : قال اللّيث : الحقيقة ما يصير إليه حقّ الأمر ووجوبه. (9) «وعلى كلّ صواب نورا» أي على كلّ اعتقاد مطابق لما في نفس الأمر موضحا مبيّنا يهدى إليه. «فما وافق كتاب اللّه » أي ينتهي في البيان والاستدلال إليه أو إلى ما يوافقه «فخذوه»، «وما خالف كتاب اللّه » أي ينتهي بيانه إلى ما يخالف كتاب اللّه ، ولا ينتهي إليه ولا إلى ما يوافقه «فدعوه». (10)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني».
2- . المائدة (5) : 6 .
3- . النساء (4) : 103؛ البقرة (2) : 238 .
4- . في «ب» و «ج»: «محكماتها».
5- . في «ب» و «ج»: + «هم».
6- . في «ب» و «ج»: «من».
7- . في المصدر : - «وبعضهم قال بأنّ اللّه نصب عليه دليلاً ظنّيّا لاقطعيّا».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 99 _ 100.
9- . في المصدر : - «قال في الغريبين : قال الليث : الحقيقة ما يصير إليه حقّ الأمر ووجوبه».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 230 و 231.

ص: 627

. .

ص: 628

. .

ص: 629

. .

ص: 630

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ مُحَمَّد ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ ، عَنْ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ (1) أَنَّهُ حَضَرَ ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ فِي هذَا الْمَجْلِسِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيهِ مَنْ نَثِقُ بِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِهِ؟ قَالَ :«إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ ، فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِدا مِنْ كِتَابِ اللّه ِ ، أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَإِلّا فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ أَوْلى بِهِ» .

هديّة :(قال : وحدّثني الحسين بن أبي العلاء) يعني قال أبان : وحدّثني الحسين بن أبي العلاء بعد نقل هذا الحديث الوارد بسؤاله عنه عليه السلام : إنّ ابن أبي يعفور كان حاضرا في مجلس السؤال . فالوجه تكرار السؤال بحسب السائلين في المجلسين . قال السيّد السند أمير حسن القائني بخطّه رحمه الله : «قال : وحدّثني» أي قال أبان : وحدّثني الحسين بن أبي العلاء . ويحتمل نصب ابن أبي يعفور؛ يعني أنّه حضر معه في هذا المجلس. (عن اختلاف الحديث) أي في قضيّة واحدة يرويه الثقة على الاختلاف وغير الثقة أيضا كذلك. (شاهدا من كتاب اللّه ) أي من محكماته المعلوم عدم نسخها بالأخبار المضبوطة عن أصحاب العصمة عليهم السلام بالكتب المضبوطة بثقات شيعتهم من أصحابهم على التواتر، متواترةً كانت، أو أخبار آحاد. (أو من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) أي المضبوطة عنه من أوصيائه بثقاث شيعتهم عليهم السلام . (وإلّا فالذي جاءكم به أولى به) يعني : أمّا أنتم فلا تقبلوه ، وأمّا هو فإن كان سمعه من الإمام مشافهة فيعمل عليه بنفسه من باب التسليم، وإن كان وروده على التقيّة أو مصلحة اُخرى ، وكذا إن كان سمعه من الثقة، وإلّا فهو أولى بتركه منكم فإنّه كماله المشتبه بالحرام حتّى يعلم مأخذه ومكسبه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن اختلاف الأحاديث التي يرويها أهل المذاهب المختلفة في باب الإمامة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . «يرويه» أي الحديث المختلف. «مَنْ نَثِق به» أي جماعة ثقات. «ومنهم من لا نثق به» من اُولئك الرواة. «حديث» أي في الإمامة. «شاهدا من كتاب اللّه » أي من محكماته التي فيها النهي عن اتّباع الظنّ، والأمر بسؤال أهل الذِّكر. «أو من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإلّا فالذي جاءكم به أولى» يعني فردّوا عليه وهو أولى بكذبه ذلك . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قال : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّه حضر» يحتمل وجوها : أوّلها : قال عليّ بن الحكم : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّه _ أي الحسين _ حضر ابن أبي يعفور في المجلس الذي سمع منه أبان. وثانيها : قال أبان : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّه _ أي الحسين _ حضر ابن أبي يعفور في مجلس سؤاله عن أبي عبداللّه عليه السلام . وثالثها : قال أبان : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّ ابن أبي يعفور حضر مجلس السؤال عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وكان السائل غيره وهذا بعيد (2) ، والأمر فيه سهل. «يرويه من نثق به و[منهم] من لا نثق به» يحتمل وجهين : أحدهما : السؤال عن اختلاف (3) الواقع في الحديث برواية الموثّقين للحديثين المختلفين، فيشكل الأمر للثقة بالرواة وحصول الظنّ بثبوتهما. ويكون قوله : «ومنهم من لا نثق (4) به» إشارة إلى أنّ من الأحاديث المختلفة ما يرويه من لا نثق به منهم؛ أي من المحدّثين، ولا يشكل حينئذٍ؛ لعدم الوثوق بالرواية . وثانيهما : السؤال عن اختلاف الحديث برواية من نثق به من أصحابنا الإماميّة المعدّلين، وبرواية من لا نثق به منهم؛ أي من العامّة الذين هم عندنا غير موثوق بهم، ويكون السؤال عن اختلاف الحديث مطلقا، سواء كان في أحاديثنا، أو أحاديث العامّة . «فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله » أي فاقبلوه ، والخبر (5) محذوف . «وإلّا» أي وإن لم تجدوا له شاهدا من كتاب اللّه أو السنّة (6) الثابتة منه صلى الله عليه و آله فلا تقبلوا من الذي جاءكم به، وردّوه عليه؛ فإنّه أولى بروايته وأن يكون عنده لا يتجاوزه . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن عبداللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبداللّه بن أبي يعفور. قال : وحدّثني حُسين بن أبي العلاء».
2- . في «الف» : «المقيّد».
3- . في المصدر : «الاختلاف».
4- . في «ب» و «ج»: «يثق».
5- . في المصدر: «والجزاء».
6- . في «الف»: «والسنّة».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 231 و 232.

ص: 631

. .

ص: 632

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عن البرقي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّضْرِ (1) ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«كُلُّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَكُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللّه ِ ، فَهُوَ زُخْرُفٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سُويد».

ص: 633

هديّة :اكتفاؤه عليه السلام في الفقرة الأخيرة بذكر كتاب اللّه إشارة إلى أنّ أصل جميع الاُصول والمستندات للمسائل الدينيّة إنّما هو محكمات الكتاب المعلوم عدم نسخها بتواتر الأحاديث المضبوطة عن أصحاب العصمة عليهم السلام بثقات شيعتهم رضوان اللّه عليهم . و«الزّخرف» كهدهد : الذهب، وكمال حسن الشيء ، ومن القول : حَسَنه بترقيش الكذب ، ومن الأرض ألوان نباتها (1) . والمراد هنا المعنى الثالث، يعني المزخرف . ويقال لكلّ مموّه ومزوّر : المزخرف . والترقيش : التنقيش من الرّقش كالنقش . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : أي كلّ شيء يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة مردود إلى محكمات القرآن ومحكمات السنّة؛ بمعنى أنّه إن كان حكمه صريحا فيهما يجب العمل به، وإلّا فالمتمسّك سؤال أهل الذِّكر عليهم السلام ، وكلّ حديث روي في الأمامة عن الرسول صلى الله عليه و آله إن كان مخالفا لمحكمات الكتاب فهو كذب ومكر . والمراد بمخالفته لمحكمات القرآن كونه بحيث يكون فيه ميل إلى إمامة من هو تابع لظنّه في فُتياه وقضائه، بناءً على أنّ في محكمات القرآن نهيا عن اتّباع الظنّ قطعا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة» أي يجب أن ينتهي كلّ شيء من الاُمور الدينيّة إلى الكتاب والسنّة، وأن يكون مأخوذا عنه . «وكلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه » بل يخالفه «فهو زخرف» والزّخرف من القول حسنه بترقيش الكذب؛ أي تزيينه . والمراد كذب مزيّن بإسناده إلى النبيّ والحجج عليهم السلام (2) . انتهى . قد عرفت في هديّة الأوّل أنّ معنى قولهم عليهم السلام : «فما وافق كتاب اللّه فخذوه» فما وافق قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه كالنبيّ صلى الله عليه و آله بعينه .

.


1- . راجع : لسان العرب، ج 9، ص 133 (زخرف).
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 232.

ص: 634

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا لَمْ يُوَافِقْ مِنَ الْحَدِيثِ الْقُرْآنَ ، فَهُوَ زُخْرُفٌ» .

هديّة :قد علم بيانه بسابقه .

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ (2) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِمِنى ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللّه ِ ، فَأَنَا قُلْتُهُ ، وَمَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللّه ِ ، فَلَمْ أَقُلْهُ» .

هديّة :يعني يوافق قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء : «بمنى» أي في حجّة الوداع . «ما جاءكم عنّي» أي في الإمامة على ما عرفت في بيان الثالث .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَنْ خَالَفَ كِتَابَ اللّه ِ وَسُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَقَدْ كَفَرَ» .

هديّة :يعني من خالف قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه كالنبيّ بعينه صلى الله عليه و آله فقد كفر ، وكذا من خالف سنّة محمّدٍ المضبوطة عنه صلى الله عليه و آله من أوصيائه بثقات شيعتهم عليهم السلام على التواتر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني من خالف محكمات الكتاب ومحكمات السنّة فقد كفر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «من خالف كتاب اللّه وسنّة محمّد صلى الله عليه و آله » أي في الفُتيا، وأفتى بخلاف ما اُنزل في المحكم من الكتاب، أو ما أتى به النبيّ صلى الله عليه و آله عالما عامدا معتقدا لفتياه «فقد كفر» باللّه وبرسوله؛ لأنّ الاعتقاد باللّه ورسوله صلى الله عليه و آله لا يجامع الاعتقاد بخلاف ما اُنزل في الكتاب، وأتى به النبيّ صلى الله عليه و آله عالما بالمخالفة . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 233.

ص: 635

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام :«إِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللّه ِ مَا عُمِلَ بِالسُّنَّةِ وَإِنْ قَلَّ» .

هديّة :ردّ على المبتدعين في العبادات والرياضات. وما أكثر بدع الصوفيّة القدريّة لعنهم اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : أي بوسيلة السنّة المقرّرة بمحكمات القرآن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما عمل بالسنّة» أي العمل بما جاء في السنّة النبويّة عالما بأنّه عمل بما جاء فيها لمجيئه فيها ، ويكون «ما» مصدريّة . أو ما عمل بالسنّة [فيه] ويكون المراد الأعمال التي عملت . (2)

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ وَ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ : عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا ، قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : إِنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَقُولُونَ هذَا . فَقَالَ :«يَا وَيْحَكَ ، وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيها قَطُّ؟! إِنَّ الْفَقِيهَ _ حَقَّ الْفَقِيهِ _ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا ، الرَّاغِبُ فِي الْاخِرَةِ ، الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله » .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 233.

ص: 636

هديّة :(إنّ الفقهاء) أي من العامّة. (يا ويحك) بحذف المنادى تحقيرا مشعرا بالتوبيخ؛ أي يا هذا ويحك . (وهل رأيت فقيها حقّا قطّ ؟ إنّ الفقيه) الواقعي إنّما هو المتّصف بهذه الأوصاف، أن يكون زاهدا في الدنيا الحرام، وراغبا في ثواب الآخرة، المقارنة خلوص إيمانه باليوم الآخر خلوص إيمانه باللّه ، ومتمسّكا بالسنّة النبويّة المضبوطة عنه صلى الله عليه و آله من آله بثقات شيعتهم عليهم السلام ، فلا فقيه حقّ الفقيه سوى الإمام الحقّ وشيعته . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «إنّ الفقهاء» يعني علماء المخالفين . «التمسّك بسنّة النبيّ صلى الله عليه و آله » أي السنّة (1) المقرّرة بمحكمات القرآن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ الفقيه حقّ الفقيه الزاهد في الدنيا» إلى آخره؛ لأنّ من استقرّ العلم في قلبه كان عاملاً بعلمه، والعالم العارف إذا عمل بعلمه زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وتمسّك بما فيه نجاته. (2)

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (3) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَزْدِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ جَعْفَر بن محمّدٍ (4) ، عَنْ آبَائِهِ ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليهم السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : لَا قَوْلَ إِلَا بِعَمَلٍ ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ إِلَا بِنِيَّةٍ ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ وَلَا نِيَّةَ إِلَا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ» .

.


1- . في «ب» و «ج»: «بالسنّة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 234.
3- . في الكافي المطبوع : «عن أحمد بن محمّد بن خالد».
4- . في الكافي المطبوع : - «بن محمّد».

ص: 637

هديّة :في التهذيب بإسناده عن الرِّضا عليه السلام هكذا قال عليه السلام : «لا قول إلّا بعمل، ولا عمل إلّا بنيّة، ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» . (1) وفي بعض نسخ الكافي أيضا كما في التهذيب. يعني لا يقبل الإيمان التصديقي مع إمكان العمل إلّا بالعمل؛ لأنّ العمل من الإيمان، بل الإيمان كلّه عمل . وكذا لا يقبل العمل إلّا بخلوص النيّة بدخول نور الإيمان داخل القلب . وسيجيء في مواضع من كتاب الإيمان والكفر بيان وجوه الفرق بين الإسلام والإيمان على تخالف الإطلاق. منها : إحاطة نور الإيمان القلب من غير دخوله داخله كما في المستودع ، قال اللّه تعالى في سورة الحجرات : «قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْاءِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...» (2) . وكذا لا تقبل النيّة إلّا بإصابة السنّة المضبوطة عن الحجج المعصومين عليهم السلام بثقات شيعتهم على التواتر . قال (3) برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى بعد ضبطه هكذا : «لا قول إلّا بالعمل، ولا قول ولا عمل إلّا بنيّة، ولا قول ولا عمل ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» : يعني لا يقبل القول إلّا بالعمل، ولا يقبل القول والعمل إلّا بنيّة القربة ورضائه سبحانه ، ولا يقبل القول والعمل والنيّة إلّا بإصابة السنّة المقرّرة بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي لا يجدي القول والإقرار والاعتقاد في العمليّات إلّا بعمل، ولا يجدي القول والعمل إلّا بنيّة؛ أي بقصد متعلّق بالفعل، إنّ الإتيان به من جهة الإطاعة والانقياد للّه سبحانه ، ولا ينفع القول والعمل والنيّة مجموعها «إلّا بإصابة السنّة» أي بالأخذ من السنّة والإتيان بما يوافقها . (4)

.


1- . التهذيب، ج 4، ص 186، ح 520 .
2- . الحجرات (49) : 14 .
3- . في «الف»: «وقال».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 234.

ص: 638

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَا وَلَهُ شِرَّةٌ وَفَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ ، فَقَدِ اهْتَدى ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلى بِدْعَةٍ ، فَقَدْ غَوى» .

هديّة :«الشّرة» بالكسر والتشديد : النشأة والرغبة . وفي الحديث : «لكلِّ عابد شرّةٌ» (2) و«الشّره» بالتحريك والتخفيف والهاء : غلبة الحرص على الشيء ، وقرئ بهما هنا . و«الفترة» بالفتح مقابلهما. يعني فمن فتر عن عبادة مندوبة، لكثرتها، ووهن طاقته، وانزجار طبيعته فأقبل إلى أقلّ منها مطابقا للسنّة الحقّة فهو من الناجين . وأمّا من فتر عنها وأقبل إلى بدعة كبدع الصوفيّة القدريّة _ لعنهم اللّه _ قلّ أو كثر فهو من الهالكين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الشره» بفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة والهاء : حرص الدنيا . ويحتمل «الشرّة» بالكسر والتشديد والتاء المصدرية : الرغبة في العبادة . و«الفترة» بالفتح : عدم الرغبة في الدنيا، ووهن الطبيعة. يعني ما من أحد من الرعيّة إلّا وله حرص الدنيا في بعض أوقاته ، كما أنّه يكون لكلّ أحد في أوائل سنّه ، وقد يكون له وهن في طلب الدنيا كما أنّه يكون لكلّ أحد عند ملاحظته فناء الدنيا، فمن كان وهنه في طلب الدنيا موافقا للسنّة المقرّرة بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة، فهو من الفرقة الناجية ، ومن كان تركه حرص الدنيا موافقا للبدعة الممنوعة في الشريعة الغرّاء _ كالصوفيّة المدّعين للمكاشفة بالرياضة _ فهو من الفرقة الهالكة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «شرّة الشباب» : فرحه ونشاطه. و«الفترة» : السكون بعد حدّة واللين بعد شدّة . والمراد بالفترة إلى السنّة : السكون إليها والاستقرار عند الوصول إليها . والمعنى أنّه ما من أحد إلّا وفيه نشاط يتحرّك بسببه إلى جوانب مختلفة، وفترةٌ وسكون إلى ما يستقرّ عنده ويسكن إليه، فبنشاطه يتوجّه إلى كلّ جانب، ويتحرّك إليه في أخذ دينه، وينظر في كلّ ما يجوز كونه مأخذا، ثمّ يستقرّ عندما يعتقد صلوحه للمأخذيّة دون غيره يفتر به ويسكن إليه ، فمن كان سكونه إلى السنّة وما ينتمي إليها ويجعلها مأخذا ومنتهى في الاُمور الدينيّة فقد اهتدى ، ومن كان سكونه إلى ما لا يوافق السنّة، بل يخالفها (3) من البدع فقد غوى وضلّ وخاب وخسر . (4)

.


1- . في الكافي : «عليّ بن إبراهيم».
2- . مسند أحمد، ج 2، ص 158، ح 6477؛ النهاية لابن الأثير، ج 2، ص 459 (شرر). و عن النهاية في بحارالأنوار، ج 68، ص 210.
3- . في «ب» و «ج»: «يخالفه»
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 234 و 235.

ص: 639

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ البرقي ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ؛ وَمُحَمَّدُ (2) ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ (3) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«كُلُّ مَنْ تَعَدَّى السُّنَّةَ ، رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ» .

هديّة :يعني من تعدّى السنّة المضبوطة عن النبيّ صلى الله عليه و آله من آله المعصومين بثقات شيعتهم عليهم السلام على التواتر، سواء كان ما يتعدّى فيه من العقائد أو الأعمال، ردّ إلى السنّة وجوبا بما تقتضيه السنّة من الاستتابة والضرب والقتل . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «كلّ من تعدّى السنّة» يعني كلّ من تعدّى السنّة المقرّرة بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ فيما يجري فيه وفي دليله النزاع بلا مكابرة «ردّ إلى السنّة» يعني واجب على كلّ من تمكّن من ردّه ومنعه ردّه إلى السنّة ومنعه من البدعة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ردّ إلى السنّة» أي يجب أن يردّ إلى السنّة، كمن زاد أو نقص في الفرائض أو غيرها من المحدودات في السنّة قولاً أو عملاً، يجب ردّه إلى السنّة، ونهيه عن مخالفتها على من تمكّن من ذلك .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّدٍ البرقي».
2- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى».
3- . في الكافي المطبوع : «زراة بن أعين».

ص: 640

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَن الأربعة (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه : السُّنَّةُ سُنَّتَانِ : سُنَّةٌ فِي فَرِيضَةٍ ، الْأَخْذُ بِهَا هُدًى ، وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ؛ وَسُنَّةٌ فِي غَيْرِ فَرِيضَةٍ ، الْأَخْذُ بِهَا فَضِيلَةٌ ، وَتَرْكُهَا إِلى غَيْرِ خَطِيئَةٍ» .

هديّة :(السنّة) لغةً : الطريقة، وشرعا لها إطلاق عامّ، وإطلاق خاصّ، كما نصّ به عليه السلام . وعلى الأوّل يقابلها البدعة ، والمعنى سنّة مضبوطة عن النبيّ صلى الله عليه و آله من آله عليهم السلام بثقات شيعتهم على التواتر في باب ما فرض اللّه تعالى على عباده، الأخذُ بها على وجهها هدايةٌ للآخذ بها بتوفيق اللّه إلى الصراط المستقيم، وتركُها ضلالةٌ وكفر بخذلان اللّه ، أمّا لا على الاستحلال فضلالة المعصية وكفرها الموجب لنقص الإيمان، وأمّا على الاستحلال فضلالة الكفر وكفر الجحود الموجب للخلود في النار مطلقا، كما بالارتداد عن الملّة، أو بشرط عدم التوبة كما بالارتداد عن الملّة . وسنّة مضبوطة كذلك في باب المندوبات الأخذ بها فضيلة موجبة للنفل والعطاء، وتركها لا يوجب إثما . ويمكن أن يكون «إلى» بمعنى مع . وأمّا احتمال تنوين «غير» ورفع «خطيئة» على الخبر فليس بشيء. كقول بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث : وتنقسم السنّة إلى واجب وندب . وبعبارة اُخرى: إلى فرض ونفل ، وبثالثة إلى فريضة وفضيلة . (2) وأمّا تخصيص السنّة بالنفل والفضيلة فعرف طار من الفقهاء نشأ حديثا، وليس في كلام أهل البيت عليهم السلام منه أثر، بل يقولون : غسل الجمعة سنّة واجبة ونحو ذلك ؛ فإنّ قوله هذا غفلة بيّنة عن ثبوت الإطلاق الخاصّ للسنّة في كلام أهل البيت عليهم السلام _ كما في صريح هذا الحديث _ ومثلُه صار سببا لاشتهار الإطلاق الخاصّ فيما بين الفقهاء . قال برهان الفضلاء : «إلى» في «إلى غير خطيئة» بمعنى مع، والظرف خبر المبتدأ. و«غير» مجرور غير منوّن ومضاف إلى «خطيئة». يعني الطريقة التي جاء بها النبيّ صلى الله عليه و آله من عند اللّه تبارك وتعالى قسمان : أحدهما : ما في محكمات القرآن صريحا من دون حاجة إلى السؤال عن أحد، أو ضمنا بمعنى الحاجة في علمه إلى السؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام ، ومن المحكمات وجوب السؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام . ومنه يعلم وجوب العمل بخبر الواحد الصحيح. والآخر : ما ليس في محكمات القرآن بل هو في متشابهاته. والأخذ بهذا القسم فضيلة، أي كمال يحصل للآدميّ بقضائه تعالى وقَدَره، كمن وصل إليه اتّفاقا خبر صحيح موافقا للواقع، فتركه ليس مع إثم، أي لا إثم في تركه، كمن وصل إليه خبر صحيح موافقا للتقيّة وليس فيه تقصير . انتهى . فيه أشياء تظهر بالتدبّر في البيانات في هديّة الأوّل وسائر أحاديث الباب . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه : السنّة سنّتان؛ أي الأثر والطريقة النبويّة صلى الله عليه و آله قسمان : قسم ورد فيما افترضه اللّه ، وقسم ورد فيما استحبّه اللّه تعالى . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : السنّة الطريقة المنسوبة إليه صلى الله عليه و آله والحديث المرويّ عنه عليه السلام . وعلى الأوّل : فكونها في فريضة كونُ العامّ في خاصّ من خواصّها، أي سنّة تكون فريضةً . وعلى الثاني : فكونها في فريضة كونها في بيانها، أي سنّة تكون مبيّنةً بفريضة . وقوله : «الأخذ بها» أي العمل على وفقها، والقول بوجوبها أو مفادها «هدى، وتركها» قولاً أو فعلاً «ضلالة» . «وسنّة في غير فريضة» أي كائنة في غيرها كون العامّ في خاصّه، أو في بيان غيرها. «والأخذ بها» أي العمل على وفقها «فضيلة، وتركها إلى غير خطيئة» أي ينتهي إلى غير خطيئة، أو هو من غير خطيئة أو هو غير خطيئة (4) ؛ لأنّ تركه ترك ما جوّز الشارع تركه ولم يوجب فعله . وأمّا عدم القول به لعدم الاطّلاع عليه، [وتركُ تحصيل الاعتقاد بما جاء في السنّة هذه] (5) فليس بخطيئة ، وأمّا عدم القول والإنكار بعدما اطّلع على السنّة فعلى حدّ الشرك. (6) في بعض نسخ الكافي بعد ذكر هذا الحديث : «تمّ كتاب العقل». وفي بعض آخر : «هذا آخر كتاب فضل العلم من كتاب الكافي» فلعلّه من زيادات المفيد، أو بعض تلامذة ثقة الإسلام الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه، وجعل اللّه الجنّة مثواه . قد فرغت بتوفيق اللّه وحسن تأييده من تأليف الجزء الأوّل، وهو كتاب العقل من كتاب الهدايا في اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الأوّل في سنة أربع وثمانين وألف، حامدا مصلّيا، ويتلوه إن شاء اللّه تبارك وتعالى الجزء الثاني، وهو كتاب التوحيد . وفّقني اللّه للإتمام بحقّ الحسين وأخيه وجدّه وأبيه و اُمّه وبنيه عليهم السلام .

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني».
2- . الوافي، ج 1، ص 302.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 100.
4- . في «ب» و «ج»: - «أو هو غير خطيئة».
5- . أضفناه من المصدر.
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 235 و 236.

ص: 641

. .

ص: 642

. .

ص: 643

فهرس المطالب .

ص: 644

. .

المجلد 2

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

فهرس أبواب كتاب التوحيد من أجزاء كتاب الهدايا على نسق أبواب الكافي ، وهي خمسة وثلاثونباب حدوث العالم وإثبات المحدث.باب إطلاق القول بأنّه تعالى شيء.باب أنّه تعالى لا يُعرَف إلّا بهِ.باب أدنى المعرفة.باب المعبود.باب الكون والمكان.باب النسبة.باب النهي عن الكلام في الكيفيّة.باب في إبطال الرؤية.باب النهي عن الصِّفة بغير ما وصفَ به نفسه جلّ وتعالى.باب النهي عن الجسم والصورة.باب صفات الذات.باب آخر وهو من الباب الأوّل.باب الإرادة أنّها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل.باب حدوث الأسماء.باب معاني الأسماء واشتقاقها.باب آخر وهو من الباب الأوّل إلّا أنّ فيه زيادة ، وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء اللّه وأسماء المخلوقين. .

ص: 6

باب تأويل الصمد.باب الحركة والانتقال.باب العرش والكرسيّ.باب الروح.باب جوامع التوحيد.باب النوادر.باب البداء.باب في أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بسبعة.باب المشيئة والإرادة.باب الابتلاء والاختبار.باب السعادة والشقاء.باب الخير والشرّ.باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين.باب الاستطاعة.باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة.باب (بلا عنوان).باب حجج اللّه على خلقه.باب الهداية أنّها من اللّه عزّ وجلّ. .

ص: 7

كتاب التوحيد

باب حدوث العالم وإثبات المحدث

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الجزء الثاني من كتاب الهدايا : كتاب التوحيدو هو يشتمل مطابقا للكافي على خمسة وثلاثين بابا

كِتَابُ التَّوْحِيدِالباب الأوّل : بَابُ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْمُحْدِثِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ ، قَالَ : قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ : كَانَ بِمِصْرَ زِنْدِيقٌ يَبْلُغُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام أَشْيَاءُ ، فَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُنَاظِرَهُ ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ بِهَا ، وَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ خَارِجٌ بِمَكَّةَ ، فَخَرَجَ إِلى مَكَّةَ وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَصَادَفَنَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي الطَّوَافِ ، وَكَانَ اسْمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ ، وَكُنْيَتَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ كَتِفَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَا اسْمُكَ»؟ قالَ : اسْمِي عَبْدُ الْمَلِكِ ، قَالَ : «فَمَا كُنْيَتُكَ؟» قَالَ : كُنْيَتِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَمَنْ هذَا الْمَلِكُ الَّذِي أَنْتَ عَبْدُهُ؟ أَمِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ ، أَمْ مِنْ مُلُوكِ السَّمَاءِ؟ وَأَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِكَ : عَبْدُ إِلَهِ السَّمَاءِ ، أَمْ عَبْدُ إِلَهِ الْأَرْضِ؟ قُلْ مَا شِئْتَ تُخْصَمْ» . قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ : فَقُلْتُ لِلزِّنْدِيقِ : أَمَا تَرُدُّ عَلَيْهِ؟ قَالَ : فَقَبَّحَ قَوْلِي ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِذَا فَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ، فَأْتِنَا» . فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، أَتَاهُ الزِّنْدِيقُ ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام (1) : «أَتَعْلَمُ أَنَّ لِلْأَرْضِ تَحْتا وَفَوْقا؟» قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : «فَدَخَلْتَ تَحْتَهَا؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «فَمَا يُدْرِيكَ مَا تَحْتَهَا؟» قَالَ : لَا أَدْرِي ، إِلَا أَنِّي أَظُنُّ أَنْ لَيْسَ تَحْتَهَا شَيْءٌ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَالظَّنُّ عَجْزٌ لِمَا لَا يَسْتَيْقِنُ (2) » . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «أَفَصَعِدْتَ السَّمَاءَ؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «أَفَتَدْرِي مَا فِيهَا؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «عَجَبا لَكَ! لَمْ تَبْلُغِ الْمَشْرِقَ ، وَلَمْ تَبْلُغِ الْمَغْرِبَ ، وَلَمْ تَنْزِلِ الْأَرْضَ ، وَلَمْ تَصْعَدِ السَّمَاءَ ، وَلَمْ تَجُزْ هُنَاكَ ؛ فَتَعْرِفَ مَا خَلْفَهُنَّ وَأَنْتَ جَاحِدٌ بِمَا فِيهِنَّ؟! وَهَلْ يَجْحَدُ الْعَاقِلُ مَا لَا يَعْرِفُ؟» . قَالَ الزِّنْدِيقُ : مَا كَلَّمَنِي بِهذَا أَحَدٌ غَيْرُكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَأَنْتَ مِنْ ذلِكَ فِي شَكٍّ ، فَلَعَلَّهُ هُوَ ، وَلَعَلَّهُ لَيْسَ هُوَ» . فَقَالَ الزِّنْدِيقُ : وَلَعَلَّ ذلِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «أَيُّهَا الرَّجُلُ ، لَيْسَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حُجَّةٌ عَلى مَنْ يَعْلَمُ ، وَلا حُجَّةَ لِلْجَاهِلِ ، يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، تَفَهَّمْ عَنِّي ؛ فَإِنَّا لَا نَشُكُّ فِي اللّه ِ أَبَدا ، أَمَا تَرَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَلِجَانِ فَلَا يَشْتَبِهَانِ ، وَيَرْجِعَانِ قَدِ اضْطُرَّا لَيْسَ لَهُمَا مَكَانٌ إِلَا مَكَانُهُمَا ، فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلى أَنْ يَذْهَبَا ، فَلِمَ يَرْجِعَانِ؟ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُضْطَرَّيْنِ ، فَلِمَ لَا يَصِيرُ اللَّيْلُ نَهَارا ، وَالنَّهَارُ لَيْلاً؟ اضْطُرَّا _ وَاللّه ِ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ _ إِلى دَوَامِهِمَا ، وَالَّذِي اضْطَرَّهُمَا أَحْكَمُ مِنْهُمَا وَأَكْبَرُ» . فَقَالَ الزِّنْدِيقُ : صَدَقْتَ . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، إِنَّ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ ، وَتَظُنُّونَ أَنَّهُ الدَّهْرُ ، إِنْ كَانَ الدَّهْرُ يَذْهَبُ بِهِمْ ، لِمَ لَا يَرُدُّهُمْ؟ وَإِنْ كَانَ يَرُدُّهُمْ ، لِمَ لَا يَذْهَبُ بِهِمْ؟ الْقَوْمُ مُضْطَرُّونَ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، لِمَ السَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ ، وَالْأَرْضُ مَوْضُوعَةٌ؟ لِمَ لَا يَنْحَدِرُ (3) السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ؟ لِمَ لَا تَنْحَدِرُ الْأَرْضُ فَوْقَ طاقَتِهَا ، (4) وَلَا يَتَمَاسَكَانِ ، وَلَا يَتَمَاسَكُ مَنْ عَلَيْهَا؟» . قَالَ الزِّنْدِيقُ : أَمْسَكَهُمَا اللّه ُ رَبُّهُمَا وَسَيِّدُهُمَا . قَالَ : فَ_آمَنَ الزِّنْدِيقُ عَلى يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ آمَنَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلى يَدَيْكَ فَقَدْ آمَنَ الْكُفَّارُ عَلى يَدَيْ أَبِيكَ . فَقَالَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي آمَنَ عَلى يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : اجْعَلْنِي مِنْ تَلَامِذَتِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ ، خُذْهُ إِلَيْكَ وَعَلِّمْهُ» ، فَعَلَّمَهُ هِشَامٌ ؛ وَكَانَ مُعَلِّمَ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ مِصْرَ الْاءِيمَانَ ، وَحَسُنَتْ طَهَارَتُهُ حَتّى رَضِيَ بِهَا أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «للزنديق» .
2- . في الكافي المطبوع : «لا تستيقن» .
3- . في الكافى المطبوع : «لا تسقط» .
4- . في الكافى المطبوع : «طباقها» .

ص: 8

. .

ص: 9

هديّة : .

ص: 10

. .

ص: 11

. .

ص: 12

. .

ص: 13

. .

ص: 14

. .

ص: 15

. .

ص: 16

. .

ص: 17

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَسِّنٍ الْمِيثَمِيِّ ، (1) قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ الْمُتَطَبِّبِ ، فَقَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُ اللّه ِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : تَرَوْنَ هذَا الْخَلْقَ؟ _ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى مَوْضِعِ الطَّوَافِ _ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الْاءِنْسَانِيَّةِ إِلَا ذلِكَ الشَّيْخُ الْجَالِسُ _ يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللّه ِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام _ فَأَمَّا الْبَاقُونَ ، فَرَعَاعٌ وَبَهَائِمُ . فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : وَكَيْفَ أَوْجَبْتَ هذَا الِاسْمَ لِهذَا الشَّيْخِ دُونَ هؤُلَاءِ؟ قَالَ : لِأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَهُ عِنْدَهُمْ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : لَابُدَّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : لَا تَفْعَلْ ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ ، فَقَالَ : لَيْسَ ذَا رَأْيَكَ ، وَلكِنْ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلَالِكَ إِيَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : أَمَا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هذَا ، فَقُمْ إِلَيْهِ ، وَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ ، وَلَا تَثْنِي عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ ؛ فَيُسَلِّمَكَ إِلى عِقَالٍ ، وَسِمْهُ مَا لَكَ و عَلَيْكَ . (2) قَالَ : فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ ، وَبَقِيتُ أَنَا وَابْنُ الْمُقَفَّعِ جَالِسَيْنِ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ ، قَالَ : وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ ، مَا هذَا بِبَشَرٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِرا ، (3) وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِنا ، فَهُوَ هذَا ، فَقَالَ لَهُ : وَكَيْفَ ذلِكَ؟ قَالَ : جَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ، ابْتَدَأَنِي ، فَقَالَ :«إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلى مَا يَقُولُ هؤُلَاءِ _ وَهُوَ عَلى مَا يَقُولُونَ ، يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ _ فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلى مَا تَقُولُونَ _ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ _ فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ ، وَهُمْ» ، فَقُلْتُ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللّه ُ ، وَأَيَّ شَيْءٍ نَقُولُ؟ وَأَيَّ شَيْءٍ يَقُولُونَ؟ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلَا وَاحِدا ، فَقَالَ : «وَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِدا وَهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ لَهُمْ مَعَادا وَثَوَابا وَعِقَابا ، وَيَدِينُونَ بِأَنَّ فِي السَّمَاءِ إِلها ، وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ؟!» . قَالَ : فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا مَنَعَهُ _ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ _ أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ ، وَيَدْعُوَهُمْ إِلى عِبَادَتِهِ حَتّى لَا يَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ؟ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ؟ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْاءِيمَانِ بِهِ . فَقَالَ لِي : «وَيْلَكَ ، وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ؟! نُشُوءَكَ وَلَمْ تَكُنْ ، وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ ، وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ ، وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ ، وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ ، وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ ، وَرِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ ، وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ ، وَحَزَنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ ، وَفَرَحَكَ بَعْدَ حَزَنِكَ ، وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ ، وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ ، وَعَزْمَكَ بَعْدَ أَنَاتِكَ ، وَأَنَاتَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ ، وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ ، وَكَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ ، وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ ، وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ ، وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ ، وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ ، وَخَاطِرَكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ ، وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِكَ» . وَمَا زَالَ يُعَدِّدُ عَلَيَّ قُدْرَتَهُ _ الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِي ، الَّتِي لَا أَدْفَعُهَا _ حَتّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عليّ ، عن عبدالرحمن بن محمّد بن أبي هاشم ، عن أحمد بن مُحَسِّنِ الميثمي» .
2- . في الكافي المطبوع : «أو عليك» .
3- . في «ب»: «ظهر» .

ص: 18

هديّة : .

ص: 19

. .

ص: 20

. .

ص: 21

. .

ص: 22

. .

ص: 23

الحديث الثالث (1)روى في الكافي ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَسَدِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَرْمَكِيِّ الرَّازِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بُرْدٍ الدِّينَوَرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْخُرَاسَانِيِّ خَادِمِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«أَيُّهَا الرَّجُلُ ، أَ رَأَيْتَ ، إِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَكُمْ _ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُونَ _ أَ لَسْنَا وَإِيَّاكُمْ شَرَعا سَوَاءً ، لَا يَضُرُّنَا مَا صَلَّيْنَا وَصُمْنَا ، وَزَكَّيْنَا وَأَقْرَرْنَا؟» فَسَكَتَ الرَّجُلُ . ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَنَا _ وَهُوَ قَوْلُنَا _ أَلَسْتُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ وَنَجَوْنَا؟» . فَقَالَ : رَحِمَكَ اللّه ُ ، أَوْجِدْنِي كَيْفَ هُوَ؟ وَأَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ : «وَيْلَكَ ، إِنَّ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ غَلَطٌ ؛ هُوَ أَيَّنَ الْأَيْنَ بِلَا أَيْنٍ ، وَكَيَّفَ الْكَيْفَ بِلَا كَيْفٍ ، فَلَا يُعْرَفُ بِالْكَيْفُوفِيَّةِ ، وَلَا بِأَيْنُونِيَّةٍ ، وَلَا يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ ، وَلَا يُقَاسُ بِشَيْءٍ» . فَقَالَ الرَّجُلُ : فَإِذا إِنَّهُ لَا شَيْءَ إِذَا لَمْ يُدْرَكْ بِحَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِّ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «وَيْلَكَ ، لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسُّكَ عَنْ إِدْرَاكِهِ ، أَنْكَرْتَ رُبُوبِيَّتَهُ ، وَنَحْنُ إِذَا عَجَزَتْ حَوَاسُّنَا عَنْ إِدْرَاكِهِ ، أَيْقَنَّا أَنَّهُ رَبُّنَا بِخِلَافِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ» . قَالَ الرَّجُلُ : فَأَخْبِرْنِي مَتى كَانَ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : (2) «إِنِّي لَمَّا نَظَرْتُ إِلى جَسَدِي ، وَلَمْ يُمْكِنِّي فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ فِي الْعَرْضِ وَالطُّولِ ، وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ عَنْهُ ، وَجَرِّ الْمَنْفَعَةِ إِلَيْهِ ، عَلِمْتُ أَنَّ لِهذَا الْبُنْيَانِ بَانِيا ، فَأَقْرَرْتُ بِهِ ؛ مَعَ مَا أَرى _ مِنْ دَوَرَانِ الْفَلَكِ بِقُدْرَتِهِ ، وَإِنْشَاءِ السَّحَابِ ، وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ، وَمَجْرَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِنَ الْايَاتِ الْعَجِيبَاتِ الْمُبَيِّنَاتِ _ عَلِمْتُ أَنَّ لِهذَا مُقَدِّرا وَمُنْشِئا» .

.


1- . ورد في الكافي المطبوع قبل هذا الحديث حديث آخر لم يذكره المصنّف هنا، كما لم يذكره صدرالمتألّهين والمازندراني والفيض . وقال في مرآة العقول ، ج 1 ، ص 249 : «وليس هذا الحديث [أي الذي لم يذكره المصنّف هنا] في أكثر النسخ» .
2- . في الكافي المطبوع : + «أخبرني متى لم يكن ، فاُخبرك متى كان؟» قال الرجل : فما الدليل عليه؟ فقال أبو الحسن عليه السلام » .

ص: 24

هديّة :(محمّد بن عليّ) كما عيّنه الصدوق رحمه الله في إسناد هذا الحديث هو : «أبو سمينة الكوفي الصيرفي» (1) . و(أبو الحسن) هو الثاني ، يعني الرضا عليه السلام . (وليس هو كما تقولون) لأنّه مجرّد مقال بلا حجّة ، ومحض خيال بلا بيّنة . و«الشرع» بالكسر ، ويفتح ، وبفتحتين : المثل . والجمع أيضا بالكسر ، وبالفتح أيضا . وكعِنَب أيضا ؛ ولكونه مصدرا يستوي فيه التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع . و(سواء) إذا مددت فتحت ، وإذا قصرت كسرت . (وهو قولنا) لمكان الحجج القاطعة ، والمعجزات الساطعة ، والآيات الباهرة ، والدلالات الظاهرة . (ألستم قد هلكتم ونجونا ) قال اللّه تبارك وتعالى : «فَأَىُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (2) . (أوجدني) : أفْدِني وأفْهِمني . وقرأ برهان الفضلاء : «هو أيّن الأيّن» كسيّد ، يعني من له الأين ؛ «وكيّف الكيّف» يعني من له الكيف . في توحيد الصدوق رحمه اللهوعيونه : «بكيفوفيّةٍ» (3) منكّرةً ، كنظيرتها هنا في عامّة النسخ . والوجه لِما في هنا أنّ «الكيف» هنا مراد بجميع أفراده ، و«الأين» ببعض أفراده . (فاخبرني متى كان) لا خلاف في ظنّهم هنا بسقوط كلمات من قلم سالف من نسّاخ الكافي . وفي التوحيد والعيون هكذا : «قال الرجل فاخبرني متى كان؟ قال أبو الحسن عليه السلام : «أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان » ، قال الرجل : فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن عليه السلام : «إنّي لمّا نظرت» . الحديث . قال السيّد الداماد ثالث المعلّمين قدس سره : قد تحقّق في الحكمة الإلهيّة أنّه لا يكون لوجود شيءٍ متى إلّا إذا كان لعدمه متى . وبالجملة ، لا يدخل الشيء في مقولة «متى» بوجوده فقط بل بوجوده وعدمه جميعا ، فإذا لم يصحّ أن يقال لشيء : متى لم يكن وجوده ، لم يصحّ أن يقال : متى كان وجوده . (4) (ومجرى الشمس والقمر) أي بقدرته تعالى وتقديره وتدبيره فيهما باختلاف مجراهما ومنطقيهما وحيّزيهما لغرض اختلاف الليل والنهار ، وفصول الدهور ، وأهلّة الشهور ، وسائر الآثار ؛ لفوائد عظيمة ، وأغراض مستقيمة .

.


1- . التوحيد ، ص 250 ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 3 .
2- . الأنعام (6) : 81 .
3- . التوحيد ، ص 251 ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 3 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 120 ، الباب 11 ، ح 28 .
4- . التعليقة على اُصول الكافي، ص 180.

ص: 25

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (1) قَالَ : إِنَّ عَبْدَ اللّه ِ الدَّيَصَانِيَّ سَأَلَ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ ، فَقَالَ لَهُ : أَلَكَ رَبٌّ؟ فَقَالَ : بَلى ، قَالَ : أَقَادِرٌ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَادِرٌ قَاهِرٌ ، قَالَ : يَقْدِرُ أَنْ يُدْخِلَ الدُّنْيَا كُلَّهَا الْبَيْضَةَ ، لَا تَكْبُرُ الْبَيْضَةُ وَلَا تَصْغُرُ الدُّنْيَا؟ قَالَ هِشَامٌ : النَّظِرَةَ ، فَقَالَ لَهُ : قَدْ أَنْظَرْتُكَ حَوْلاً ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُ . فَرَكِبَ هِشَامٌ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، أَتَانِي عَبْدُ اللّه ِ الدَّيَصَانِيُّ بِمَسْأَلَةٍ لَيْسَ الْمُعَوَّلُ فِيهَا إِلَا عَلَى اللّه ِ وَعَلَيْكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«عَمَّا ذَا سَأَلَكَ؟» فَقَالَ : قَالَ لِي : كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا هِشَامُ ، كَمْ حَوَاسُّكَ؟» قَالَ : خَمْسٌ ، قَالَ : «أَيُّهَا أَصْغَرُ؟» قَالَ : النَّاظِرُ ، قَالَ : «وَكَمْ قَدْرُ النَّاظِرِ؟» قَالَ : مِثْلُ الْعَدَسَةِ أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا ، فَقَالَ لَهُ : «يَا هِشَامُ ، فَانْظُرْ أَمَامَكَ وَفَوْقَكَ وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَرى» فَقَالَ : أَرى سَمَاءً وَأَرْضا وَدُورا وَقُصُورا وَبَرَارِيَ وَجِبَالاً وَأَنْهَارا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّ الَّذِي قَدَرَ أَنْ يُدْخِلَ الَّذِي تَرَاهُ الْعَدَسَةَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا قَادِرٌ أَنْ يُدْخِلَ الدُّنْيَا كُلَّهَا الْبَيْضَةَ لَا تَصْغُرُ الدُّنْيَا وَلَا تَكْبُرُ الْبَيْضَةُ» . فَأَكَبَّ هِشَامٌ عَلَيْهِ ، وَقَبَّلَ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ، وَقَالَ : حَسْبِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، وَانْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ ، وَغَدَا عَلَيْهِ الدَّيَصَانِيُّ ، فَقَالَ لَهُ : يَا هِشَامُ ، إِنِّي جِئْتُكَ مُسَلِّما ، وَلَمْ أَجِئْكَ مُتَقَاضِيا لِلْجَوَابِ ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ : إِنْ كُنْتَ جِئْتَ مُتَقَاضِيا ، فَهَاكَ الْجَوَابَ . فَخَرَجَ الدَّيَصَانِيُّ عَنْهُ حَتّى أَتى بَابَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَلَمَّا قَعَدَ ، قَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، دُلَّنِي عَلى مَعْبُودِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «مَا اسْمُكَ؟» فَخَرَجَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : كَيْفَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِاسْمِكَ؟ قَالَ : لَوْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ : عَبْدُ اللّه ِ ، كَانَ يَقُولُ : مَنْ هذَا الَّذِي أَنْتَ لَهُ عَبْدٌ؟ فَقَالُوا لَهُ : عُدْ إِلَيْهِ ، وَقُلْ لَهُ : يَدُلُّكَ عَلى مَعْبُودِكَ ، وَلَا يَسْأَلُكَ عَنِ اسْمِكَ . فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، دُلَّنِي عَلى مَعْبُودِي ، وَلَا تَسْأَلْنِي عَنِ اسْمِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «اجْلِسْ» وَإِذَا غُلَامٌ لَهُ صَغِيرٌ ، فِي كَفِّهِ بَيْضَةٌ يَلْعَبُ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا غُلَامُ نَاوِلْنِي (2) الْبَيْضَةَ» ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهَا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا دَيَصَانِيُّ ، هذَا حِصْنٌ مَكْنُونٌ ، لَهُ جِلْدٌ غَلِيظٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الْغَلِيظِ جِلْدٌ رَقِيقٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الرَّقِيقِ ذَهَبَةٌ مَائِعَةٌ ، وَفِضَّةٌ ذَائِبَةٌ ، فَلَا الذَّهَبَةُ الْمَائِعَةُ تَخْتَلِطُ بِالْفِضَّةِ الذَّائِبَةِ ، وَلَا الفِضَّةُ الذَّائِبَةُ تَخْتَلِطُ بِالذَّهَبَةِ الْمَائِعَةِ ، فَهِيَ عَلى حَالِهَا ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا خَارِجٌ مُصْلِحٌ ؛ فَيُخْبِرَ عَنْ صَلَاحِهَا ، وَلَا دَخَلَ فِيهَا مُفْسِدٌ ؛ فَيُخْبِرَ عَنْ فَسَادِهَا ، لَا يُدْرى أ لِلذَّكَرِ (3) خُلِقَتْ أَمْ لِلْأُنْثى ، تَنْفَلِقُ عَنْ مِثْلِ أَلْوَانِ الطَّوَاوِيسِ ، أَتَرى لَهَا مُدَبِّرا؟» . قَالَ : فَأَطْرَقَ مَلِيّا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّكَ إِمَامٌ وَحُجَّةٌ مِنَ اللّه ِ عَلى خَلْقِهِ ، وَأَنَا تَائِبٌ مِمَّا كُنْتُ فِيهِ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن إسحاق الخفّاف ، أو عن أبيه ، عن محمّد بن إسحاق» .
2- . في الكافي المطبوع : «ناولني يا غلام» .
3- . في الكافي المطبوع : «للذَّكَر» من دون همزة الاستفهام .

ص: 26

. .

ص: 27

هديّة :يُقال : فلان دَيَصاني بالتحريك ؛ أي زنديقٌ ملحدٌ حاد عن الطريق . داص يديص دَيَصانا : زاغ وحاد . قال الشهرستاني في الملل والنحل : الديصانيّة طائفة من الثنويّة القائلين بقدم النور والظلمة . (1) (قادر) على كلّ شيء . (قاهر) على جميع ما سواه . وبهذا فُسّر «اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ» . (2) (لا تكبر البيضة) على المعلوم من المجرّد ، أو التفعيل ، أو خلافه منه . وكذا (ولاتصغر الدنيا) . و(النَظِرة) ككَلِمَة : كالمُهلة ، أي ألتمس النَظِرَة . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : قال هشام النظرة لا يجب علينا دفع شبهة الملاحدة والكامل بذلك هو الإمام عليه السلام . (3) (حولاً) أي سَنة . (كيت وكيت) مثلّثة الحركة البنائيّة ، لا تستعمل إلّا مكرّرة ، يكنّى بهما عن الحكاية بتمامها . (كم حواسّك) أي الظاهريّة . (أيّها أصغر) أي محلّاً . (وكم قدر الناظر) تميزه محذوف ، أي كم شبرا مثلاً. (فأكبّ هشام عليه)، يقال: كبّه، أي صرعه بوجهه فأكبّ هو . وهذا من الشواذّ أن يكون «فَعَلَ» متعدّيا و«أفعل» لازما . (حسبي يا ابن رسول اللّه ) في جواب الإمام عليه السلام . هذا في توجيهه ليندفع به الشبهة بحذافيرها ، أقوال وبيانات ، وأنا أرجو فهمه بعون اللّه وتوفيقه . قال برهان الفضلاء : في هذا الجواب إشكال ، وهو أنّ السؤال إنّما هو عن إمكان تعلّق قدرته تعالى بما هو محال بالذات ، والجواب لا يطابقه ؛ لأنّه تمثيل بما هو ممكن . ثمّ أجاب: بأنّ ذلك السؤال صورة محضة لا حقيقة لها ؛ إذ لا يمكن الإخبار عن مفهومها بغير قضيّة طبيعيّة ؛ لأنّ صدق العنوان المحال ليس على فرد ممكن ليمكن انعقاد قضيّة غير طبيعيّة موجبة أو سالبة ، وليس هذا بارتفاع النقيضين ؛ لأنّ عدم إمكان أن تنعقد قضيّة متعارفة موجبة سالبة المحمول لا يستلزم إمكان انعقاد قضيّة طبيعيّة سالبة بسيطة ، كما اشتهر في المنطقيّين أنّ المجهول المطلق لا يخبر عنه ، فثبت أنّه تعالى لا عاجز عن ذلك ولا غير عاجز، ولا قادر ولا غير قادر . وقال السيّد الأجلّ النائيني نحوا ممّا قال برهان الفضلاء حيث قال في أواخر توجيهه : فمرجع السؤال إلى كون شيء واحد من جهة واحدة كبيرا صغيرا معا ، وهذا لفظ ليس له معنى محصّل . (4) وقال الفاضل الإسترابادي، بخطّه : قصده عليه السلام أنّ معنى القادر هو المتمكِّن من خلق الممكن ، ومعنى العاجز هو غير المتمكّن من خلق الممكن ، والذي يمكن هنا الدخول في المشاعر لا الوجود الخارجي . وإنّما أجمل عليه السلام في الكلام ؛ لأنّهم مكلّفون بأن يكلّموا الناس على قدر عقولهم . (5) وقال بعض المعاصرين مطابقا لما قاله استاذه الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي وجماعة من الفضلاء : هذه مجادلة بالتي هي أحسن ، وجواب جدليّ مسكت يناسب فهم السائل ، وقد صدر مثله عن أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما رواه الصدوق في توحيده . (6) والجواب البرهاني أن يقال : إنّ عدم تعلّق قدرته تعالى على ذلك ليس من نقصان في قدرته ، ولا لقصور في عمومها وشمولها كلّ شيء ، بل إنّما ذلك من نقصان المفروض ، وامتناعه الذاتي ، وبطلانه الصرف ، وعدم حظّه من الشيئيّة ، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام فيما رواه الصدوق أيضا بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير تصغير الدنيا أو تكبير البيضة؟ قال : إنّ اللّه تعالى لا ينسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون » . (7) وفي رواية اُخرى : «ويلك أنّ اللّه لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممّن يلطّف الأرض ويعظّم البيضة » . (8) ولنا أن نجعل الجواب الأوّل أيضا برهانيّا على قاعدة الانطباع بأن نقول : إنّ ذلك إنّما يتصوّر ويتعقّل بحسب الوجود الانطباعي الارتسامي، واللّه سبحانه قادر على ذلك ؛ حيث أدخل الذى تراه جليدة ناظرك . (9) انتهى كلام بعض المعاصرين . أقول : لا شكّ أنّ الإيمان بمعراجه صلى الله عليه و آله على ما اُمرنا به إنّما هو الإيمان بأمرٍ ممكن مقدور له تعالى مع محاليّة دركنا كيفيّة إمكانه ونَهَج وقوعه ببدن جسماني في قليلٍ من الزمان، سائرا على البُراق من مكّة إلى البيت المقدّس ، ومنه من الصخرة إلى الرفيق الأعلى ، إلى سدرة المنتهى ، إلى الحجب ، إلى ما شاء اللّه تعالى بتلك المكالمات باللسان ، والمشاهدات بالبصر ، وتفرّس عجائبات الملكوت ، وتصفّح سرادقات الجبروت ، وتصرّف طرائف الجنان ، وإمامة الجماعة في ذلك المكان . فالمحال إدراكنا كيفيّة الإمكان ونهج الوقوع ، لا الوقوع والإمكان . (10) فمعنى الجواب أنّ الذي قدر على هذا بهذا النهج الذي لا يدركه الأكمه قبل وقوعه البتّة قادر على هذا أيضا ، لكن بنهج لا يدرك قبل أن يقع ، ولا يقع إلّا أن يشاء اللّه فيقع ويدرك من غير استبعاد واستحالة ، كما في مثال الناظر والمنظور للمبصر بعد كَمَهِه ، واللّه العظيم قادر على أن تنفلق سَفَرْجلةً في كفّ رسوله صلى الله عليه و آله عن حورائين مخلوقتين منذ ما شاء اللّه لسلمان وأبي ذرّ رضي اللّه عنهما ، وأن يحشران الناس جميعا أوّلاً في صعيدٍ واحدٍ . (11) وفسّر الصعيد الواحد بصخرة بيت المقدّس ألا يرى قول الصادق عليه السلام : «قادر» وقول أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «إنّ اللّه تعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون» أي لا يقع ، لا أنّه لا يمكن ، وعدم الوقوع لا يستلزم عدم الإمكان . ومعنى قوله عليه السلام : «ومن أقدر ممّن يلطّف الأرض ويعظّم البيضة» أنّ تقييد السائل سؤاله بقوله : «من غير تصغير الدنيا أو تكبير البيضة» دلالة على إمكان ذلك عنده، وتجويزه أن يكون مقدورا له تعالى بأحد هذين النهجين ، فمن أقدرُ ممّن قدر على ذلك بالتصغير أو التكبير؟ فإذا كان ذلك مقدورا له بهذا النهج كان مقدورا له أيضا بلا تصغير أو تكبير بنهج آخر غيرُ مدرَكٍ قبل الوقوع إلّا أن يشاء اللّه ، فيقع ويدرك من غير استحالة في إدراكه بنهجه، فإن خدشك شيء فاجمع خاطرك بالتأمّل في أنّ إيمانك بمعراجه صلى الله عليه و آله إيمان بمُحالٍ بالذات ، أو بممكن مقدورٍ له عزّ وجلّ «تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» (12) . (مسلّما) أي لأسلّم عليك . (فهاك الجواب) «ها» مقصورة من أسماء الأفعال يلحق بها كاف الخطاب ، أي خذ إليك الجواب . (ولم يخبره باسمه) حذرا عن الإلزام ، وخفّة عِلاوَة التوبيخ ، كما مرّ في هديّة الأوّل . ولا يبعد أن يقال : حذرا عن أن ينقلب منصبه في ولاية المناظرة ، فيصيرَ مستدلّاً بعد كونه مانعا فيخَبَرَ عن صلاحها . (ولا دخل فيها) في بعض النسخ : «ولم يدخل فيها» يعني ليس لك خبر عن داخل مثل الحصن في الكفّ ، لا عن صلاح داخله ، ولا عن فساد داخله ، فتعريض بأنّ القاصر فهمه عن مثل هذا _ فضلاً عن مثل الدنيا بسماواتها وأرضيها وما فيهنّ وما بينهنّ وما فوقهنّ وما تحتهنّ _ لا يمكنه درك الخالق المدبّر الحكيم لمثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم بكنهه ، فلا وجه لإنكاره سوى الجهل والحماقة ، أو العناد والسفاهة ، ودلائل ربوبيّته ظاهرة ، وآثار قدرته باهرة ، وشواهد صنعته متظافرة ، وآيات حكمته متوافرة ، وبيّنات حجّته متواترة . (فأطرق مليّا) أي زمانا طويلاً . بارك اللّه له في جودة تأمّله وحسن إيمانه .

.


1- . الملل والنحل ، ج 1 ، ص 250 .
2- . يوسف (12) : 21 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 103.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 259 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، 103 .
6- . التوحيد ، ص 130 ، باب القدرة ، ح 11 .
7- . التوحيد ، ص 130 ، باب القدرة ، ح 9 .
8- . التوحيد ، ص 130 ، باب القدرة ، ح 10 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 321 _ 322 .
10- . راجع : البحار ، ج 37 ، ص 101 ، ح 5 ؛ و ج 43 ، ص 307 _ 308 ، ح 72 .
11- . الكافي ، ج 2 ، ص 107 _ 108 ، باب العفو ، ح 4 ؛ الوسائل ، ج 12 ، ص 172 _ 173 ، ح 15994 ؛ البحار ، ج 2 ، ص 14 ، ح 26 .
12- . الملك (67) : 1 .

ص: 28

. .

ص: 29

. .

ص: 30

. .

ص: 31

الحديث الخامسروى في الكافي ، عَنْ عَلِيّ ، (1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ؛ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي أَتى أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَكَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«لَا يَخْلُو قَوْلُكَ : «إِنَّهُمَا اثْنَانِ» مِنْ أَنْ يَكُونَا قَدِيمَيْنِ قَوِيَّيْنِ ، أَوْ يَكُونَا ضَعِيفَيْنِ ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِيّا وَالْاخَرُ ضَعِيفا ، فَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ ، فَلِمَ لَا يَدْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَيَتَفَرَّدَ بِالتَّدْبِيرِ؟ وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِيٌّ ، وَالْاخَرَ ضَعِيفٌ ، ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ كَمَا نَقُولُ ؛ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي . فَإِنْ قُلْتَ : إِنَّهُمَا اثْنَانِ ، لَمْ يَخْلُوا (2) مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ وجِةٍ ، (3) أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، فَلَمَّا رَأَيْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِما ، وَالْفَلَكَ جَارِيا ، وَالتَّدْبِيرَ وَاحِدا ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَائْتِلَافُ الْأَمْرِ عَلى أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ . ثُمَّ يَلْزَمُكَ _ إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ _ فُرْجَةٌ مَّا بَيْنَهُمَا حَتّى يَكُونَا اثْنَيْنِ ، فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثا بَيْنَهُمَا ، قَدِيما مَعَهُمَا ، فَيَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ ، فَإِنِ ادَّعَيْتَ ثَلَاثَةً ، لَزِمَكَ مَا قُلْتُ فِي الِاثْنَيْنِ حَتّى يَكُونَ بَيْنَهُمْ فُرْجَةٌ ، فَيَكُونُوا خَمْسَةً ، ثُمَّ يَتَنَاهى فِي الْعَدَدِ إِلى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْكَثْرَةِ» . قَالَ هِشَامٌ : فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ : فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «وُجُودُ الْأَفَاعِيلِ دَلَّتْ عَلى أَنَّ صَانِعا صَنَعَهَا ، أَلَا تَرى أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلى بِنَاءٍ مُشَيَّدٍ مَبْنِيٍّ ، عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ بَانِيا وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَرَ الْبَانِيَ وَلَمْ تُشَاهِدْهُ؟» قَالَ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ : «شَيْءٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ ؛ ارْجِعْ بِقَوْلِي إِلى إِثْبَاتِ مَعْنىً ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم» .
2- . في الكافي المطبوع : «لم يخل» .
3- . في الكافي المطبوع : «جهةٍ» .

ص: 32

هديّة :قد أورد ثقة الإسلام طاب ثراه هذا الحديث في الكافي متفرّقا ، فأورد أوائله هنا ، ثمّ أعاد بعضها مع واسطة في الباب التالي تارةً ، وفي باب آخر بعد باب صفات الذات اُخرى مقتصرا على بعضها ، وبعض أواخره في باب الإرادة ، وبعضها في باب الاضطرار إلى الحجّة في كتاب الحجّة ، وكرّر ذكر الإسناد . و(الفُقَيمي) بالتصغير، نسبة إلى فُقَيم بن دارِم بن مالك بن حنظلة : أبو حيّ من تميم و«فُقَمي» ك «هُدلي» نسبة إلى فُقَم ، كصُرد : أبوحيّ من كنانة . (من أن يكونا قديمين قويّين) إشارة على الاتّفاق من الثنويّة أيضا على قدم المبدأ ؛ لحاجة الحادث إلى مؤثّر قديم لامحالة ولو بالواسطة . (فلم لايدفع) بيان للزوم فسادين على الفرض : أحدهما : محاليّة الفرض ؛ لأنّ معنى كون كلّ منهما قويّين قاهريّته على جميع ما سواه ، وكلّ منهما داخل فيما سوى الآخر . والثاني : لزوم التعطيل في التدبير من الجانبين كما إذا كانا عاجزين . فلظهور فساد هذا الشقّ ببيان الطرفين لم يذكر . فإن قلت : «إنّهما اثنان» دفع دخل في الشيء الأوّل ، أي لا يقال : لِمَ لا يجوز أن يكونا قويّين متّفقين في التدبير ؛ أو برهان آخر . وحاصل الجواب على التقديرين : أنّ وحدة نسق التدبير ونظم الانتظام واستمرارهما كما يدلّ على بطلان التخالف المقتضي للاختلاف يدلّ على عدم الحاجة إلى مدبّرين مستقلّين في التدبير مع التساوي في الاستقلال . (والفلك جاريا) يحتمل ضمّ الفاء وسكون اللام ، فعلى الاستعارة أو على الحقيقة ؛ أي بالرّياح بأمر مدبّرها . (ثمّ يلزمك) برهان آخر . والمراد ب_ «الفرجة» بالضمّ : ما به الامتياز ، واللّازم هنا خلاف الفرض والتسلسل . قال الفاضل الإسترابادي : «لا يخلو قولك: إنّهما اثنان» ذكر عليه السلام أدلّة ثلاثة [على أنّ خالق الممكنات شخص واحد جلّ جلاله ] (1) والأوّلان تقريران لبرهان التمانع المذكور في كتاب اللّه ، وهما مبنيّان على أنّ صانع الممكنات منزّه عن النقص ، وهذه مقدّمة واضحة . وتقرير برهان التمانع الدالّ على وحدة الخالق مذكور في الكتب الكلاميّة كشرح المقاصد . (2) وملخّص الدليل الثالث : أنّه يمتنع التعدّد ، وإلّا لزم التسلسل ؛ لأنّه لو وجد واجبان لوجد ذو فرجة ، أي مركّب من شخصين متمايزين فيكون واجبا ثالثا ؛ لأنّه وجد من غير تأثير فاعل، فيلزم ذو فرجتين اُخريين (3) أحدهما مركّب من الأوّل والثالث ، وثانيهما من الثاني والثالث ، وهكذا ، فيلزم اُمور قديمة غير متناهية غير ممكنة ؛ لأنّها وجدت من غير تأثير فاعل . فإن قلت : إنّما يكون التركيب بين الأشياء الخارجة بعضها عن بعض ، ولولا ذلك لزم وجود اُمور غير متناهية في كلّ ما وجد فيه أمران ، فيمتنع التركيب بين الشيء وجزئه . قلت : هذه المقدّمة ودليلها صحيحان ، لكن يلزم هنا أن يكون الموجود الثالث بسيطا غير مركّب من الجزئين ؛ لأنّه واجب الوجود ، وهكذا في باقي المراتب . ومن اطمأنّ قلبه بالبرهان المذكور في كتب القوم الدالّ على أنّ كلّ دور يستلزم تسلسلاً يطمئنّ قلبه بما حرّرناه ، وتلخيصه: أنّه لو توقّف «أ» على «ب» و «ب» على «أ» للزم توقّف «أ» على نفسها ولزم وجود «أ» ثانية مغايرة لنفسها؛ للمقدّمة الصادقة في نفس الأمر ، وهي أنّ الموقوف غير الموقوف عليه ، وللزم توقّف الألف الثانية أيضا على نفسها لمقدّمة اُخرى صادقة في نفس الأمر ، وهي أنّ الشيء ليس إلّا نفسه ، فيلزم ألفات غير متناهية متوقّفة بعضها على بعض ، وكذلك يلزم باءات غير متناهية . (4) أقول : ما أظهر الفرق بين التسلسل في اُمور قديمة يلزم من اعتبارها كونها أصلاً في الوجود ، وبين التسلسل في اُمور اعتباريّة لا يلزم من اعتبارها كونها كذلك ! والاُمور الاعتباريّة المحضة قد يكون بعض حيثيّاتها صادقا في نفس الأمر . و(الأفاعيل) جمع اُفعولة بالضمّ ؛ أي الأفعال العجيبة والآثار الغريبة، بتدبيرات محكمة وتقديرات متقنة، لفوائد ظاهرة ومصالح باهرة . وهذا البرهان كما يدفع التعطيل يدفع الإيجاب واقتضاء الطبيعة. (مشيّد) مرتفع ، مستحكم. (مبنيّ) مراعى في بنائه ما يراعى من المصالح والحِكم . (ارجع بقولي) أي افهم من قولي شيء بخلاف الأشياء . (إثبات) مسمّى له الأسماء الحسنى ، وهو أحديّ المعنى ، بمعنى أنّه لا ينقسم في وجود ، ولا عقل ، ولا وهم ، كذلك ربّنا ، فلا يشاركه شيءٌ في شيء حتّى في مفهوم الشيء ؛ فإنّ شيئيّته ليست كشيئيّة الأشياء ، كما أنّ وحدته ليست كوحدة الأعداد ، وهذا معنى أنّه شيء بحقيقة الشيئيّة . وفتح الهمزة في «أنّه» أولى لا إثبات مجرّد اسم ملتئم من الحروف . وقرأ برهان الفضلاء : «أرجع» على المتكلّم وحده . وضبط كما في بعض النسخ بزيادة : «ولا يجسّ» بالجيم بعد «ولا يحسّ»، وصرّح بأنّهما على المعلوم ؛ أي لا يحسّ بآلة ولا يجسّ بجارحة يد ، وكذا في«ولايدرك» أي ولا يدرك الأشياء بالحواسّ الخمس . «جسّه» بالجيم ، كمدّ : مسّه ، ومنه المجسّ ، الموضع الذي يجسّه الطبيب . وسنذكر تمام قول برهان الفضلاء . وقال بعض المعاصرين مطابقا لما قاله صدر الدِّين محمّد الشيرازي : قوله عليه السلام : «لا يخلو قولك _ إلى قوله _ : فإنّ قلت» مبنيّ على ثلاث مقدّمات مبيّنة في كتب الحكمة مضمّنة في كلامه عليه السلام إحداها : أنّ صانع العالم لابدّ أن يكون قويّا مستقلّاً بالإيجاد والتدبير لكلّ واحدٍ واحدٍ والجميع . والثانية : عدم جواز استناد حادثٍ شخصي إلى موجدين مستقلّين بالإيجاد . والثالثة : استحالة ترجّح أحد الأمرين المتساويّين على الآخر من غير مرجّح ، وقد وقعت الإشارة إلى الثلاث بقوله عليه السلام : «فلِمَ لا يدفع كلّ واحدٍ منهما صاحبه» ثمّ دفع كلّ واحدٍ منهما صاحبه مع أنّه محال في نفسه مستلزم للمطلوب . وقوله عليه السلام : «لِمَ لا يخلو» برهان آخر مبنيّ على ثلاث مقدّمات حدسيّة : إحداها : أنّ كلّ متّفقين من كلّ وجه بحيث لا تمايز بينهما أصلاً لا يكونان اثنين ، بل هما واحد ألبتّة ، كما قال الشيخ الإلهي صاحب حكمة الإشراق : صرف الوجود الذي لا أتمّ منه كلّما فرضته ثانيا فإذا نظرت فهو هو . والثانية : أنّ كلّ مفترقين من كلّ جهة لايكون صنع أحدهما مرتبطا بصنع الآخر ، ولاتدبيره مؤتلفا بتدبيره بحيث يوجد عنهما أمر واحد شخصي . والثالثة : أنّ العالم أجزاؤه مرتبط بعضها ببعض كأنّ الكلّ شخص واحد . وقوله عليه السلام : «ثمّ يلزمك» إمّا برهان ثالث مستقلّ على حياله ، وإمّا تنوير للثاني وتشييد له على سبيل الاستظهار ، بأن يكون إشارة إلى إبطال قسم ثالث، وهو أن يكونا متّفقين من وجه ومفترقين من وجه آخر ، فيقال : لو كانا كذلك يكون لا محالة ما به الامتياز بينهما غير ما به الاشتراك فيهما ، فيكونوا ثلاثة . وإلى البرهان الثاني أشار ما رواه الصدوق رحمه اللهفي كتاب التوحيد بإسناده عن هشام بن الحكم ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ اللّه واحد؟ قال : «اتّصال التدبير وتمام الصنع ، كما قال عزّ وجلّ : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّه ُ لَفَسَدَتَا» ». (5) وروى فيه أيضا بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ؛ فوجهان منها لا يجوزان على اللّه تعالى ، ووجهان يثبتان فيه . فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز عليه ؛ لأنّه تشبيه ، وجلَّ ربّنا وتعالى عن ذلك . وأمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه ربّنا أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ» (6) . (7) انتهى قول بعض المعاصرين مطابقا لاُستاذه . أقول : سبحان اللّه غرض صاحب حكمة الإشراق من قوله : صرف الوجود الذي لا أتمّ منه _ إلى قوله _ : فهو هو _ كما صرّح به فيها _ : بيان حقيقة التوحيد على معتقده، ولا حقيقة للتوحيد عند الصوفيّة القدريّة القائلين بوحدة الوجود سوى هذا ، وتوحيدهم هكذا كفر باللّه العظيم . ألا تعجب من استشهاد هذين الفاضلين بقوله ، ثمّ بحديث أمير المؤمنين عليه السلام ، وفيه : «أنّه ربّنا أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ » . والخالق عند القائلين بوحدة الوجود هو بحت الوجود ، والمخلوقات شؤوناته وأكوانه وتشكّلاته في سلسلتي البدو والعود على معتقدهم ، وليس بدّ لهم من القول بِقِدَم العالم ، والتناسخ صورة الوجود البحت ، وبهذيانات آخر ، كما عرفت مرارا . سبحان اللّه «هو خِلْوٌ من خَلقه، وخلقه خِلْوٌ منه» . (8) «لا تدركه الأوهام وهو بكلّ شيءٍ محيط ، وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة ، بمعنى أنّ شيئيّته مباينة بالذات لشيئيّة جميع ما سواه ، كما أنّ وحدته لوحدة كلّ واحد من الداخل وحدته في باب الأعداد . قال برهان الفضلاء : معنى «شّيء بخلاف الأشياء» أنّ أسماءه جميعا مشتقّات ، والذات _ كما ثبت عند أهل العربيّة _ مبهمة في المشتقّات وخارجة عن مفهومها ، فمعنى «أرجع بقولي إلى إثبات معنى» إلى إثبات مسمّى يكون اسمه غيره ؛ أي يكون اسمه مشتقّا ، فإنّ الجامد من الأسماء كالجسم والبلّور والخبز عين مسمّاه . وسيبيّن في الباب الخامس في أوّله إن شاء اللّه تعالى . وقول الشيخ إلالهي _ : صِرْف الوجود ، إلى آخره حجّة ثانية على بطلان وحدة الوجود من حيث لا يَشْعُر ؛ لأنّ كلّ شيء كلّما فرضته ثانيا ، فإذا نظرت فهو هو، إلّا اللّه سبحانه ، وهو «شيء بخلاف الأشياء». وفي الحديث الأوّل من الباب الثاني : «فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، ولا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام» الحديث . وليس معنى قوله عليه السلام : «دلّ بصحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد»: أنّ العالم بجميع أجزائه المرتبط بعضها ببعض كشخص واحد له أعضاء وشؤونات على قاعدة وحدة الوجود كما صرّحوا به في كتبهم ، بل المعنى أنّ كلّ واحد من صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر دلالة التوحيد . أمّا الأوّل فظاهر ؛ لصحّة أمر حجّيّة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة . وأمّا الثاني ؛ فلأنّ العالم بنظامه مدبَّرٌ لا محالة ، وكلّ مدبَّرٍ حادثٌ قطعا ، وسلسلة الحدوث ينتهي ألبتّة إلى قديم واحد ، وإلّا تسلسل بالعلّة في الحدوث ، وبالفرجة في التعدّد . وهذا معنى قوله عليه السلام : «اتّصال التدبير» . (9) وأمّا الثالث ، فله معنيان : الأوّل : عدم الاختلاف بين اُولي الأمر ذوي المعجزات المتوافرة والدلالات المتواترة في اُصول الدِّين وأصلها التوحيد . والثاني : اتّفاق جميع الناس في الحكم بأنّ الصنعة في خلقة الماء إنّما هي صنعة من خلق النار ، والصنعة في خلقة النار إنّما هي صنعة من خلق الهواء ، وهكذا من البَعوضِ إلى الفيل ، ومن الأرض إلى السماء ، من نجوم الأرض وأشجارها إلى ثوابت النجوم وسيّارها ، من ناشطات شواهق الجبال إلى ناشطات أبراج الأطباق ، من طرائف لجج البحار ونفائس نتايج المعادن إلى عجائبات أعنان الجوّ وأطراف الآفاق بلاتفاوت في صنائع القدرة ولطائف تدبير الصنع بالاتّفاق . وهذا هو توحيد الفطرة ، فطرة اللّه التي خلق الناس عليها ، (10) قال اللّه تبارك وتعالى في سورة الملك : «بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقا مَا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ» (11) ، و«الفطور» جمع الفَطْرة بالفتح ، وهو الشَقّ ، يعني الذي ينافي اتّساق النظام ونسق الانتظام ، قال اللّه عزّ وجلّ في سورة الطول : «اللّه ُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللّه ُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللّه ُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَىُّ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (12) . ومن بيانات الفاضل الإسترابادي رحمه الله أنّه : قد ظهر من كلامه عليه السلام أدلّة اُخرى : منها : أنّه لو وجد واجبان للزم اجتماع الوجوب والإمكان في الموجود الثالث . ومنها : أنّه لو وجد واجبان للزم وجود ممكن ، وهو الموجود الثالث بغير تأثير فاعل ؛ لبداهة أنّ وجود المجموع غير محتاج إلى تأثير . ومنها : أنّه لو وجد واجبان للزم وجود واجب يمتنع أن يكون صانعا ؛ لأنّ الموجود الثالث بمنزلة الحجر الموضوع بجنب الإنسان ، وبمنزلة مجموع نفس زيد ونفس عمرو . وحاصل الدليل الأوّل : أنّه لو كان اثنين لدفع الآخر هذا الإله المُرسِل للرّسلِ ؛ لإقرار الناس بأنّه لا شريك له بمثل فعله ، ولم يدفع . وحاصل الثاني : أنّه لو كان اثنين لدفع الآخر آثار هذه الإله ولم يدفع ولم يفعل . ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام : «لو كان له سبحانه شريك، فأين رسل شريكه؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا» . (13)

.


1- . أضفناه من المصدر .
2- . شرح المقاصد ، ج 2 ، ص 63 .
3- . في جميع النسخ: «فرجتان آخران» . والصحيح ما أثبتناه ؛ لأن «ذو» لا تستعمل إلّا مضافة .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 105 .
5- . التوحيد ، ص 250 ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 3 ، والآية في الأنبياء (21) : 22 .
6- . التوحيد ، ص 83 _ 84 ، باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح 3 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 330 _ 331 .
8- . الكافي، ج 1، ص 82 _ 83، باب إطلاق القول بأنّه شيء، ح 3 و 5 .
9- . التوحيد ، ص 250 ، باب الرد على الثنويّة والزنادقة ، ح 2 .
10- . إشارة إلى الآية 30 من سورة الروم (30).
11- . الملك (67) : 1 _ 4 .
12- . غافر (40) : 64 _ 65 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 105 .

ص: 33

. .

ص: 34

. .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

. .

ص: 39

الحديث السادسروى في الكافي، بإسناده عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«كَفى لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِخَلْقِ الرَّبِّ الْمُسَخِّرِ ، وَمُلْكِ الرَّبِّ الْقَاهِرِ ، وَجَلَالِ الرَّبِّ الظَّاهِرِ ، وَنُورِ الرَّبِّ الْبَاهِرِ ، وَبُرْهَانِ الرَّبِّ الصَّادِقِ ، وَمَا أَنْطَقَ بِهِ أَلْسُنَ الْعِبَادِ ، وَمَا أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ ، وَمَا أَنْزَلَ عَلَى الْعِبَادِ ، دَلِيلاً عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ» .

هديّة :(الزهري) كهذلي : نسبةٌ إلى زهرة . وزهرة بن كلاب : أبو حيّ من قريش . وبنو زهرة : جماعة من الشيعة بحلب . «الباء» في (بخلق الربّ) كما في «وَكَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا» (2) . قال في القاموس : وتكون زيادة واجبة ، كأحسن بزيدٍ ، أي أحسن زيد ، أي صار ذا حسن . وهي في فاعل كفى : ك «كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» . (3) و(المسخّر) على اسم الفاعل من التفعيل . واحتمال اسم المفعول منه حتّى تكون الأوصاف كلّها للمضاف _ كما قيل _ ليس بشيء ، فغير الأوّل كذلك ؛ أي بمخلوقاته وهو مسخّر لها وبسلطنته إلى آخر الحديث . يعني كفى لذوي العقول دليلاً على توحيد ربّ العالمين بالتدبير المبين في الصنع المتين كلّ واحد من هذه الثمان من الحجج القاطعة والبراهين الساطعة القاصمة ظهور (4) الزنادقة من الفلاسفة وأهل التناسخ والثنويّة والدهريّة والقدريّة ، ومن مذاهبهم حدوث الأفاعيل والآثار باللزوم والإيجاب واقتضاء الطبائع والاتّفاق . أمّا الحجّة الاُولى : فإنّا رأينا وثبت أنّ العالم مسخّر بجميع نظامه من المركز إلى المحدّب في الحركات ، والسكنات ، والتحيّز ، ومقتضى الطبائع والإرادات ، فلا الرّبع المسكون يمكنه عدم الانكشاف بمقتضى الطبيعتين ، ولا الهواء في الجوّ يمكنه السكون إذا كان مقتضى طبيعته ذلك ، ولا التحرّك بنهج واحد وقدر مضبوط ووقت خاصّ كذلك ، ولا السحاب المسخّر بين السماء والأرض يمكنه السقوط على الأرض حين تثاقله جدّا . وأظهر من الشمس، أنّ الشمس لم يتحيّز بمقتضى طبعها في الفلك الرابع في ذلك الحيّز الخاصّ منه ، وكذا القمر في السماء الدنيا . وفوائد وضع المنطقتين في نظام المشارق والمغارب ، واختلاف الأيّام ، وليالي الدّهور ، وفصول السنين ، وأهلّة الشهور، وغير ذلك من الآثار الظاهرة والآيات الباهرة، بنظم واحد متّسق، ونسق خاصّ متّفق، علمنا وثبت أنّ القاهر لجميع هذه المدبّرات المسخّرات ربٌّ قديم واحد ؛ لوجوب الغلبة بالربوبيّة ، والتغاير بالخالقيّة ، وبطلان التعدّد عقلاً وجمعا . وأمّا الحجّة الثانية : فيبنى نظامها على الملك والسلطنة ، بأنّه ليس بدّ في مثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم، من ملك قادر وسلطان قاهر؛ لتخصيص كلّ جرم من الأجرام العلويّة بوضع خاصّ وحيّز مخصوص ، وكلّ قسم من الأجسام السفليّة بمحاذاة معيّنة ومكان معلوم مع اتّحاد الطبيعة في عامّة الأجزاء في غالب الأجرام ، كما في تمام بعض الأقسام في عامّة الأجسام . والحجّة الثالثة : ينتظم نسقها على الجلالة والعظمة ، بأنّ جلالة الآثار الظاهرة وعظمة الآيات الباهرة بحيث لا تدرك الأوهام قدرها بالأنظار ، وتحيّرت عقول الفحول عند ملاحظتها بالأفكار ، دلالة ظاهرة على أنّها إنّما هي بتدبير عظيم من ملك عظيم قادر ، وتقدير جليل من سلطان جليل قاهر ، سبّوح عن العجز والنقصان ، قدّوس عن الحاجة إلى الأعوان . وقد ثبت عقلاً وسمعا _ كما باختلاف المنظر في الهندسة _ أنّ مقدار جرم الشمس _ وهو يرى بالأنظار قدر وأحد من الأشبار _ ثلاثمائة وستّون أضعاف كرة الأرض . فانظر إلى فلك القمر وسعته، وهو كحلقة في جيب الثاني ، والثاني كحلقة في جيب الثالث وهكذا ، فلو جلّلته عدّة من الشموس كما قد يجلّل لبنات من الذهب سقفا من السقوف يكون مقدار كلّ لَبِنَة من تلك اللّبنات ثلاثمائة وستّين أمثال تمام الأرض ، والأرض ربعها مكشوف، ونصف ربعها _ لا بل نصف ثمنها تقريبا _ سبعة أقاليم من خطّ الاستواء إلى عرض التسعين ، ومن الاُفق الغربي إلى الاُفق المبين ، فتبارك اللّه ربّ العالمين ، عظمت قدرته وجلّت عظمته . والحجّة الرابعة : ينوّر برهانها بالنور الباهر الممتاز المتميّز به ، لا باقتضاء الطبيعة والإيجاب النور من النور والظلمة ، والظلمة من الظلمة والنور ، والحقّ من الباطل ، والصلاح من الفساد ، والإيمان من الكفر والضلال ، وهو نور الأنوار، وقد قال صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري»، (5) و«أنا وعليّ من نور واحد» (6) . والحجّة الخامسة : يبرهن بالبرهان الصادق القرآن المجيد وقَيِّمَه الناطق . والحجّة السادسة : يتنطّق بإحكام الصنع والتدبير في الإنسان، وإتقان الخلق والتقدير، وبتقدير في الأبدان ، من حالة العلقة إلى الصورة وتمام الخلقة . والعينان أوّلاً نقطتان في المضعة تدركان بالبصر أم لا ، ثمّ يصلان بصنع القدرة في طبقاتهما وجلدتيهما _ كما ترى _ إلى حيث يصل ، ويرى شعاع نورهما في لَمْحة هيئات النجوم وأشكال البروج في فلك البروج . وكذا الاُذنان أوّلاً ، ثمّ يصلان إلى حيث يسمعان الصوت الذي قد يصير بحركة الشفتين واللِّسان حروفا مبيّنة سائرة متدرّجة من مبدأ الفم على دُرَج تموّج الهواء إلى منتهى الصماخ . وكذا كلّ عضو من الأعضاء من الفرق إلى القدم بأفاعيله وخواصّه ، ثمّ مِنْ أوّل النشوء إلى أرذل العمر ، وما أنطق اللّه به اللّسان اُنمُوذَج من سائر الصنائع والتدابير في الأبدان . قال اللّه تبارك وتعالى في سورة المؤمنون : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاما فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْما ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ» (7) . والجميع في جميع الأحوال باختلافها ، وتمام الأوضاع بتغايرها مربوب محتاج في بقاء بنيان البدن وسلامته من الآفات إلى ربٍّ متّصفٍ بما رخّص العباد في الاعتقاد بأنّه متّصف به من الصفات . وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» . (8) والأركان الأربعة لبيت المعرفة كما قال الصادق عليه السلام : «معرفة العبد ربّه ، ونفسه ، وأنّه لماذا خلقه ، وعدوّ دينه » (9) . وظاهر أنّ جميع البيانات والكلمات التي صدرت وتصدر إلى آخر الدنيا من أهل المعارف الحقّة إنّما هو بيان لهذه الكلمات الأربع ، ولقد كفى بإيماننا بيانا كافيا لأهل الإيمان . أمّا معرفة العبد ربّه ، فبما عرّفه به نفسه ، وأخبر به حججه المعصومون صلوات اللّه عليهم . وأمّا معرفة العبد نفسه ، فبما أشرنا إليه من العلم بالنطفة وحالاتها وعجائب صنائع الربّ تعالى ، وغرائب تدابيره فيها . وأمّا معرفة العبد أنّ خالقه لماذا خلقه ، فإيمانه بأنّه تبارك وتعالى إنّما خلقه للمعرفة والطاعة بطاعة مفترض الطاعة فيما أمر به ونهى عنه من العقائد والأعمال . وأمّا معرفة العبد عدوّ دينه ، فبما أخبر به الحجج عليهم السلام من ذلك أنّ ذلك اللّعين الرئيس للشياطين عدوٌّ مبين غير مبين لأنظار الناظرين يجيء ببغضه وعداوته؛ لكي يضلّ بني آدم من جهات الستّ، وهم لا يرونه ولا يشعرون به، وله مجرى في الأبدان مجرى الدم في العروق ، وقد ينفذ الرئيس _ وليس لهم سلطان على الذين آمنوا _ في بدن رئيس من الصوفيّة وجماعة من أبالسته في طائفة من المريدين فيرقصون ويَرْقُصُونهم ، فتجدهم حالة المصروعين الذين يتخبّطهم الشيطان من المسّ ، وتحمرّ عيونهم وألوانهم ويجدون فيهم قوّةً وحالة لم تكن من قبل، ولا يشعرون أنّها من الشيطان ، بل يقطعون أنّهم شربوا شراب التوحيد واتّصلوا كالقطرة إلى بحر التجريد، وهم واصلون إلى جهنّم وبئس المصير . لا يرضى هؤلاء الملحدون _ كما صرّح به ابن العربي في فتوحاته _ بمنزلة الإمامة أو بمرتبة النبوّة، ويدّعون ما يدّعون. قال اللّه عزّ وجلّ في سورة يس : «أَوَلَمْ يَرَ الْاءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» (10) . والحجّة السابعة : تعجز الزنادقة بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة للحجج المعصومين الممتازين عن الجميع حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام ، وقد ضبط نسب موسى بن جعفر عليهماالسلام عند فحول العلماء وأهل التاريخ من المؤالف والمخالف في الأصلاب الطاهرة إلى هابيل بن آدم عليهماالسلام ، فأين نسب الثاني وهو شرّ الثلاثة ومعتمدهم ؟ نعم، ضبط بالاتّفاق أنّ امرأة واحدة كانت اُخته واُمّه وعمّته ، وأين نسب ابن العربي صاحب الفتوحات المكّيّة ، والبسطامي صاحب سبعين معراجا في ليلة من ليالي الجمعة ، والحلّاج وهو على معتقدهم صاحب الصور وآية «وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ» (11) في سورة القارعة! وهم لا يشعرون أنّ حلّاجهم صار محلوجا من قبل في أي جهنّم من دركات النار ؟ وأين نسب الرومي؟ وهو عندهم صاحب القرآن الفارسي ، وفي الدفتر الخامس من قرآنه : أنّ الشريعة بمنزلة الدّواء للمريض والإكسير لعمل الكيمياء وأنّ السالك يصل برياضته الكاملة إلى حيث يصحّ ويبرأ من الأمراض النفسانيّة ، فيصير صفره ذهب ، فينجو عن قيد الشريعة وأسْرها ، حلالها وحرامها ، فيحلّ له ما كان حراما من شرب الخمر ونكاح الاُمّ والبنت والاُخت ونحو ذلك (12) ، كما في شرع المجوس ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» (13) . فاعرف عدوّ دينك واستعذ باللّه من الشيطان الرجيم ، وتوكّل على العزيز الرحيم . والحجّة الثامنة : كما تعاقب الملاحدة بتعاقب العقوبات النازلة العاجلة وتتابع الآفات المتواترة الشاملة على أهل العناد من العباد ، كأصحاب الفيل ، وقوم ثمود ، وعاد ، وآل فرعون ذي الأوتاد، تعذّبهم بالكتب النازلة ، والآيات الكاملة في كلّ دهرٍ وزمان إلى قيام القيامة بظهور القائم صاحب هذا العصر والزمان صلوات اللّه عليه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن البرقي ، عن أبيه ، عن عليّ بن النُعمان ، عن ابن مسكان» .
2- . النساء (4) : 79 .
3- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 480 (الباء) .
4- . جمع «ظَهْر» .
5- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 100 ، ح 140 ؛ وعنه في البحار ، ج1 ، ص 97 ، ح 7 .
6- . الخصال ، ص 31 ، ح 108 ؛ وعنه في البحار ، ج 35 ، ص 34 ، ح 33 .
7- . المؤمنون (23) : 12 _ 16 .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ح 20 ، ص 292 ، ح 339 . ورواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في البحار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 22 .
9- . لم نعثر عليه.
10- . يس (36) : 77 .
11- . القارعة (101) : 5 .
12- . إشارة إلى ما قاله المّلا الرومي في مقدمة الدفتر الخامس من المثنوي ، وما قاله المصنّف هنا وفهم من كلام الملّا الرومي غير صحيح . راجع المثنوى ، ص 726 .
13- . عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175 ؛ جامع الأخبار ، ص 161 ، الفصل 126 ؛ وعنهما في المستدرك ، ج 12 ، ص 317 ، ح 14190 ؛ و ج 18 ، ص 185 ، ح 22457 .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

باب إطلاق القول بأنّه تعالى شيء

الباب الثانى : بَابُ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تعالى شَيْءٌوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنِ عِيسى ، عَنْ التميمي (1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقُلْتُ : أَتَوَهَّمُ شَيْئا؟ فَقَالَ :«نَعَمْ ، غَيْرَ مَعْقُولٍ ، وَلَا مَحْدُودٍ ، فَمَا وَقَعَ وَهْمُكَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ خِلَافُهُ ، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، كَيْفَ تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُعْقَلُ ، وَخِلَافُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَوْهَامِ؟! إِنَّمَا يُتَوَهَّمُ شَيْءٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَحْدُودٍ» .

هديّة :يعني أبا جعفر الثاني الجواد عليه السلام . و«عبد الرحمان بن أبي نجران التميمي» من رجال الرّضا والجواد عليهماالسلام ثقة ثقة . (أتوهّم) على المتكلّم وحده من التفعّل بتقدير الاستفهام ، و«إنّما يتوهّم» في آخر الحديث يعضده . وضبط برهان الفضلاء : «أتوهّم» على المضارع المجهول الغائبة من باب وعد ، بمعنى هل تتوهّم الذات . «شيء» كلمة من العمومات ، عمومها كعموم «العين» وعموم نقيضها كعموم «الممتنع» بالاشتراك المعنوي . وقولك : «شيءٌ ممتنع» على نهج التجوّز . فكما ثبت أنّ الواحد ممّا سوى اللّه وحدته من باب الأعداد وشيئيّته كشيئيّة الأشياء ، ثبت أنّ وحدة الربّ تعالى إنّما هي حقيقة الوحدانيّة المباينة بالذات لوحدة باب الأعداد ، وشيئيّته حقيقة الشيئيّة المخالفة من جميع الجهات لشيئيّة سائر الأشياء . وقد عرفت في الخامس من الباب الأوّل، وهديّته أنّه تبارك وتعالى شيء بحقيقة الشيئيّة ، وأنّه أحديّ المعنى، لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد» . (2) (نعم ، غير معقول) في الأذهان ، (ولا محدود) في الأذهان والأعيان . وقال بعض المعاصرين : «نعم غير معقول» أي يصدق عليه مفهوم شيء وإن لم يكن شيئا معقولاً لغيره ، ولا محدودا بحدّ ؛ وذلك للفرق بين مفهوم الأمر وما صدق عليه ، فهو ليس مفهوم الشيء ولا شيئا من الأشياء المعقولة وإن صدق عليه أنّه شيء . (3) انتهى . أقول : ظاهر أنّ حاصل بيانه أنّه عزّوجلّ هو ما صدق مفهوم الشيء ، لا مفهوم الشيء ، وهو _ بعد بنائه على ما ذهب إليه القدريّة من وحدة الوجود _ مبنيّ على صحّة صدق بعض المفهومات عليه _ سبحانه _ بالاشترك المعنوي ، وهو شيء بخلاف الأشياء بحقيقة الشيء ، وكلّ ما وقع عليه الوهم من شيء فهو خلافه ، فلا يصدق عليه مفهوم بالاشتراك المعنوي أصلاً ، وهو محيط بجميع الأعيان والأذهان بمفهوماتها الخاصّة والعامّة ، ولذا من خاصّته _ تبارك وتعالى _ أنّه ليس لغيره العلم بكنه ما لا يتناهى . نعم، غير الحجّة إذا كان نظره في التحقيق من عند نفسه لا يلتفت إلى حديث الحجّة، وهو يشرحه أنّه حجّة له أو عليه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن عبدالرحمن بن أبي نجران».
2- . التوحيد ، ص 83 ، باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح 3 ؛ الخصال ، ص 2 ، باب الواحد ، ح 1 ؛ إرشاد القلوب ، ح 1 ، ص 166 ، باب 50 ؛ البحار ، ج 3 ، ص 206 ، ح 1 .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 333 .

ص: 46

. .

ص: 47

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلّهِ عزّوجلّ : إِنَّهُ شَيْءٌ؟ قَالَ :«نَعَمْ ، يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدِّ التَّعْطِيلِ ، وَحَدِّ التَّشْبِيهِ» .

هديّة :(محمّد بن إسماعيل) هو البرمكي ، صاحب الصومعة، عيّنه الصدوق رحمه الله في سند هذا الحديث في كتاب التوحيد (2) . والمضاف في (حدّ التعطيل) يحتمل الحالات الثلاث . و«التعطيل» عبارة عن زعم الملحد في الصانع ب«ليس» . وقيل : أو عبارة عن إيجاب المؤثّر ، فردٌّ على الفلاسفة القائلين به ، وبأنّ الواحد من جميع الجهات لا يصدر عنه إلّا الواحد ، وبانتساب جميع الأفاعيل سوى الأثر الأوّل إلى العقل الفعّال عاشر العشرة عندهم ، وإلى المؤثّر الأوّل بواسطة تلك الأعوان ، وبتعطيله بالذات عن سوى الأثر الأوّل ، قال اللّه تعالى في المائدة : «وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللّه ِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ (3) » . ونفي التشبيه ، عبارة عن القطع بأنّ كلّ ما يخطر بالبال ويقع عليه الوهم ليس عينه ولا مثله . وقال برهان الفضلاء بعد ضبطه يخرجه على الغيبة : «التعطيل» هنا بمعنى عدّ الشخص خاليا عن الزينة «عطلت المرأة» كعلم ، و«تعطّلت» : إذا لم يكن عليها حُليّ، فهي عاطل . والمراد تخليته تعالى عن الصفات الكماليّة المختصّة المسمّاة بالنعوت . قال : يعني قال عليه السلام : نعم القول بأنّه شيء معيّن موجود في الخارج ، لا أنّه هو نفس الشيئيّة فيكون من الاُمور الاعتباريّة الخالية عن الصفات الكماليّة ، يخرجه من تعطيله عن تلك الصفات . وكذا القول بأنّه شيء لا كالأشياء ، يخرجه عن التشبيه ، وهو كونه متّحدا مع الممكنات ذاتا ومتغايرا بالاعتبار كما قالت الصوفيّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : أي يجوز أن يُقال للّه عزّ وجلّ : إنّه شيء ، ويجب أن يخرجه القائل من الحدّين . والمراد من التعطيل : الخروج عن الوجود ، وعن الصفات الكماليّة والفعليّة والإضافيّة ؛ وبالتشبيه : الاتّصاف بصفات الممكن ، والاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات . (4) وقال الفاضل الإسترابادي : أي لا تقل: إنّه لا شيء ، ولا تقل : إنّه شيء كالنور أو كالشمس أو كالظلّ أو كغير ذلك من الماهيّات التي أدركناها . (5) وقال بعض المعاصرين : لمّا دلّ السؤال على أنّ السائل نفى التشبيهَ عن اللّه جلّ جلاله أجاب عليه السلام بقوله : «تخرجه من الحدّين» وإلّا فإطلاق الشيء عليه إخراج له من حدّ التعطيل فقط ، فينبغي أن يُقال : شيء لا كالأشياء . (6) أقول : بناءً على توجيه برهان الفضلاء _ سلّمه اللّه تعالى _ بل لمّا دلّ السؤال على جواز إطلاق الشيء عليه تبارك وتعالى بالاشتراك المعنوي قال عليه السلام : نعم ، القول بأنّه شيء لا كالأشياء يخرجه من الحدّين .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل» .
2- . التوحيد ، ص 107 ، باب أنه تبارك و تعالى شيء ، ح 7 .
3- . المائدة (5) : 64 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 271 _ 272 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 107 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 334 .

ص: 48

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ رَفَعَهُ ، (1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ اللّه َ خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَا خَلَا اللّه َ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي المغراء رفعه» .

ص: 49

هديّة :«المغر» بالفتح وسكون المعجمة ويحرّك : طير أحمر . «جمل أمغر» كأنّه مصبوغ به . و«ناقة مغراء» . وحميد بن المثنّى العجلي الصّيرفي أبو المغراء من رجال الصادق عليه السلام ثقة . و«الخِلوّ» بالكسر وسكون اللام : «الخالي ، يعني أنّ اللّه خِلْو من خلقه من جميع الجهات والحيثيّات حتّى في صدق مفهوم الشيئيّة ، وهو شيء بخلاف الأشياء بحقيقة الشيئيّة . وقد عرفت آنفا أنّ معنى «أنّه عزّ وجلّ شيء بحقيقة الشيئيّة» أنّ حقيقة شيئيّته متفرّدة عن شيئيّة الأشياء الممكنة ، كما أنّ وحدته ممتازة بحقيقتها عن وحدة كلّ واحد منها ؛ لعدم كونها من باب الأعداد . وكذا في جميع الصفات ، فمعنى قوله عليه السلام : (وكلّ ما وقع عليه اسم شيء) وقع عليه بالاشتراك اللّفظي ، والاستثناء منقطع . وقال برهان الفضلاء : «خِلْو من خلقه» يعني ليس له ذهن يقع فيه صور الأشياء ، وليس محلّاً للعوارض والحوادث . «وخلقه خلو منه» يعني لا تعقل ذاته تعالى لأحدٍ ، ولا يحلّ فيه شيء . ومثل الحديث قامعيّته للزنادقة ، وقاصميّته ظهور الملاحدة عامّةً ، يعني حجّة على الجميع عند جميع المبتدئين والمنتهين وجميع العقول والأوهام . وقال بعض المعاصرين : والسرّ في خِلو كلّ منهما عن الآخر ، أنّ اللّه سبحانه وجود بحت خالص لا ماهيّة له سوى الإنّيّة ، والخلق ماهيّات صرفة لا إنّيّة لها من حيث هي ، وإنّما وجدت به سبحانه وبإنّيّته فافترقا . (1)

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 334 .

ص: 50

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ اللّه َ تبارك وتعالى خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» مَا خَلَا اللّه َ ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، تَبَارَكَ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» .

هديّة :في بعض النسخ : «أبا جعفر عليه السلام ». وبرهان الفضلاء ضبط كالأكثر . ونسق هذا الحديث أصرح من نظائره في أنّ صدق مفهوم الشيئيّة على الأشياء بالاشتراك اللّفظي وإن كان صدقه على الممكنات منها بالاشتراك المعنوي ، كصدق «لا شيء» على الممتنعات . وقد يقال : شيء ممتنع ، ولا امتناع في صدق شيء على مفهوم بالاشتراك اللفظي، وصدق نقيضه بالاشتراك المعنويّ؛ لتغاير الاعتبار . وما أصرح «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (2) في هذا الأصل ، وهو اقتباس من سورة الشورى «وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» أزلاً وأبدا ، لا كخلقه ، فردٌّ بعد الردّ على الصوفيّة القدريّة . و«الكاف» في «كمثله» من الزوائد على المشهور . وقال برهان الفضلاء : «الكاف» للتشبيه ، فعلى الكناية ، كمثلك لا يبخل ، وإنّما زيد كاف التشبيه لأنّ «ليس مثله شيء» يوهم أنّه ليس بشيء ، كما تزعم الزنادقة لعنهم اللّه .

الحديث الخامسروى في الكافي ، عَنْ الثلاثة (3) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ خَيْثَمَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تعالى شأنه خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» مَا خَلَا اللّه َ تَعَالى ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن النضر بن سُويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة بن أعين» .
2- . شورى (42) : 11 .
3- . يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .

ص: 51

هديّة :«الخثم» بالمعجمة والمثلّثة محرّكة : عرض الأنف . و«خيثم» بتقديم الخاتمة على المثلّثة كجعفر : من أسماء الأسد ، كخيثمة وأخثم . وبيان الحديث كنظائره .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده (1) ، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ حِينَ سَأَلَهُ : فَما هُوَ (2) ؟ قَالَ :«شَيْءٌ (3) بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ ، ارْجِعْ بِقَوْلِي إِلى إِثْبَاتِ مَعْنىً ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ» . فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَتَقُولُ : إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؟ قَالَ : «هُوَ سَمِيعٌ ، بَصِيرٌ ؛ سَمِيعٌ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ آلَةٍ ، بَلْ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ ، وَيُبْصِرُ بِنَفْسِهِ ، لَيْسَ قَوْلِي : إِنَّهُ سَمِيعٌ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ ، وَ (4) يُبْصِرُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ شَيْءٌ ، وَالنَّفْسُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَلكِنْ أَرَدْتُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِي ؛ إِذْ كُنْتُ مَسْؤُولاً ، وَإِفْهَاما لَكَ ؛ إِذْ كُنْتَ سَائِلاً ، فَأَقُولُ : إِنَّهُ سَمِيعٌ بِكُلِّهِ ، لَا أَنَّ الْكُلَّ مِنْهُ لَهُ بَعْضٌ ، وَلكِنِّي أَرَدْتُ إِفْهَامَكَ ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْ نَفْسِي ، وَلَيْسَ مَرْجِعِي فِي ذلِكَ إِلَا إِلى أَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْعَالِمُ الْخَبِيرُ ، بِلَا اخْتِلَافِ الذَّاتِ ، وَلَا اخْتِلَافِ الْمَعْنى» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «هُوَ الرَّبُّ ، وَهُوَ الْمَعْبُودُ ، وَهُوَ اللّه ُ ، وَلَيْسَ قَوْليَ : «اللّه ُ» إِثْبَاتَ هذِهِ الْحُرُوفِ : أَلِفٍ وَلَامٍ وَهاءٍ ، وَلَا رَاءٍ وَلَا بَاءٍ ، وَلكِنِ ارْجِعْ إِلى مَعْنىً وَشَيْءٍ خَالِقِ الْأَشْيَاءِ وَصَانِعِهَا ، وَنَعْتِ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَهُوَ الْمَعْنى سُمِّيَ بِهِ اللّه ُ ، وَالرَّحْمنُ ، وَالرَّحِيمُ وَالْعَزِيزُ ، وَأَشْبَاهُ ذلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، وَهُوَ الْمَعْبُودُ جَلَّ وَعَزَّ» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ مَوْهُوما إِلَا مَخْلُوقا . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «لَوْ كَانَ ذلِكَ كَمَا تَقُولُ ، لَكَانَ التَّوْحِيدُ عَنَّا مُرْتَفِعا ؛ لِأَنَّا لَمْ نُكَلَّفْ غَيْرَ مَوْهُومٍ ، وَلكِنَّا نَقُولُ : كُلُّ مَوْهُومٍ بِالْحَوَاسِّ مُدْرَكٍ بِهَا تَحُدُّهُ الْحَوَاسُّ وَتُمَثِّلُهُ ؛ فَهُوَ مَخْلُوقٌ [وَلَابُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ صَانِعِ الْأَشْيَاءِ خَارِجا مِنَ الْجِهَتَيْنِ الْمَذْمُومَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : النَّفْيُ] ؛ (5) إِذْ كَانَ النَّفْيُ هُوَ الْاءِبْطَالَ وَالْعَدَمَ ، وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ : التَّشْبِيهُ ؛ إِذْ كَانَ التَّشْبِيهُ هُوَ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ الظَّاهِرِ التَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ ؛ لِوُجُودِ الْمَصْنُوعِينَ وَالِاضْطِرَارِ إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مَصْنُوعُونَ ، وَأَنَّ صَانِعَهُمْ غَيْرُهُمْ ، وَلَيْسَ مِثْلَهُمْ ؛ إِذْ كَانَ مِثْلُهُمْ شَبِيها بِهِمْ فِي ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ ، وَفِيمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْ حُدُوثِهِمْ بَعْدَ إِذْ لَمْ يَكُونُوا ، وَتَنَقُّلِهِمْ مِنَ صِغَرٍ إِلى كِبَرٍ ، وَسَوَادٍ إِلى بَيَاضٍ ، وَقُوَّةٍ إِلى ضَعْفٍ ، وَأَحْوَالٍ مَوْجُودَةٍ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلى تَفْسِيرِهَا ؛ لِبَيَانِهَا وَوُجُودِهَا» . فَقالَ (6) السَّائِلُ : فَقَدْ حَدَدْتَهُ إِذْ أَثْبَتَّ وُجُودَهُ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «لَمْ أَحُدَّهُ ، وَلكِنِّي أَثْبَتُّهُ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْاءِثْبَاتِ مَنْزِلَةٌ» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَلَهُ إِنِّيَّةٌ وَمَائِيَّةٌ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، لَا يُثْبَتُ الشَّيْءُ إِلَا بِإِنِّيَّةٍ وَمَائِيَّةٍ» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَلَهُ كَيْفِيَّةٌ؟ قَالَ : «لَا ؛ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ جِهَةُ الصِّفَةِ وَالْاءِحَاطَةِ ، وَلكِنْ لَابُدَّ عن (7) الْخُرُوجِ مِنْ جِهَةِ التَّعْطِيلِ وَالتَّشْبِيهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ نَفَاهُ ، فَقَدْ أَنْكَرَهُ وَدَفَعَ رُبُوبِيَّتَهُ وَأَبْطَلَهُ ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِغَيْرِهِ ، فَقَدْ أَثْبَتَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ الْمَصْنُوعِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الرُّبُوبِيَّةَ ، وَلكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّ لَهُ كَيْفِيَّةً لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ ، وَلَا يُشَارَكُ فِيهَا ، وَلَا يُحَاطُ بِهَا ، وَلَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ» . قَالَ السَّائِلُ : فَيُعَانِي الْأَشْيَاءَ بِنَفْسِهِ ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعَانِيَ الْأَشْيَاءَ بِمُبَاشَرَةٍ وَمُعَالَجَةٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي لَا تَجِيءُ الْأَشْيَاءُ لَهُ إِلَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُعَالَجَةِ وَهُوَ مُتَعَالٍ ، نَافِذُ الْاءِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ ، فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «فما هو» .
3- . في الكافي المطبوع : «هو شيء» .
4- . في الكافي المطبوع : «وبصير» .
5- . ما بين المعقوفتين ليس في النسخ وأضفناه من التوحيد ، ص 243 ، ح 1 ؛ والاحتجاج ، ج 2 ، ص 331 تبعا للكافي المطبوع .
6- . في الكافي المطبوع : «قال له» .
7- . في الكافي المطبوع : «من» .

ص: 52

. .

ص: 53

هديّة :في بعض النسخ : «حين سأله فما هو» بزيادة الفاء . ومن قوله : «هذا» إلى قوله «ولا تغيّره الأزمان» قد ذكر في الخامس من الباب الأوّل ، وعلم بيانه في هديّته . وهذا من الخامس . وسيذكر تمامه في أوّل كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى . (فتقول : إنّه سميعٌ بصير) يعني فكيف يسمع ويبصر إذا كان غير جسم وغير صورة ؟! وقال برهان الفضلاء : يعني فكيف يسمع ويبصر إذا كان لا يحسّ شيئا ولا يجسّ شيئا ؟! فظهر وجه ضبطه على المعلوم . و(ليس قولي : اُءنّه سميع يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه) دفع لتوهّم السائل أنّ المراد بالنفس الذهن . (ولكن أردت عبارةً عن نفسي) يعني بل أردت بقولي بعد قولي (بغير جارحة) بغير آلة . (إنّه سميع يسمع بنفسه ويبصر بنفسه) التعبير عن نفس المخلوق ؛ لأنّ الأشياء تعرف بأضدادها . فمعنى «قولي هذا» : أنّه يسمع بنفسه لا بجارحة ، ويبصر بنفسه لا بآلة . وقال برهان الفضلاء : يعني ولكن أردت التعبير عمّا في نفسي إفهاما لك . ولسائر الأصحاب من الفضلاء في هذه العبارة توجيهات . (فأقول) أي بعبارة اُخرى : إفهاما لك . (إنّه سميع بكلّه لا أنّ الكلّ منه له بعض) سيجيء هذه الفقرات في الثاني من الباب الثالث عشر . وهناك هكذا : «لا أنّ الكلّ له بعض ؛ لأنّ الكلّ لنا له بعض» بإسقاط منه وزيادة الفقرة الأخيرة . ولعلّ «منه» بمعنى «عليه» . يعني لا أنّ الكلّ الموصوف بأنّه يصدق عليه ؛ فقد تكون «من» مرادفة «على» كما في «وَ نَصَرْنَ_هُ مِنَ الْقَوْمِ» (1) . وقال برهان الفضلاء : الظاهر أنّ «من» بمعنى «في» وضمير «ها» راجع إلى اللّه ، وضمير «له» للكلّ . (ولكنّي أردت إفهامك والتعبير عن نفسي) بيانه كما عرفت من نظيره . (بلا اختلاف الذات) بالتجزّي (ولا اختلاف المعنى) أي المسمّى بالتعدّد . وقول الفارابي : وجود كلّه ، وجوب كلّه ، علم كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه ، إرادة كلّه وإن كان دلالة على عينيّة الصفات الكماليّة إلّا أنّه ليس بمرخّص فيه ، بل الواجب مُوجِد كلّه . وهكذا وما لا رخصة في إطلاقه ؛ للنقص ؛ أو للمفسدة أو للمصلحة ، فإطلاقه من دون توقيف من الشارع شرك شرعا . (قال عليه السلام : هو الربّ ، وهو المعبود ، وهو اللّه ) هل سمعت هو الربوبيّة ، هو المعبوديّة ، هو الاُلوهيّة ؟! (قال له السائل : فما هو) يعني قال : لمّا قلت السميع البصير العالم ، الخبر ، ذكرت اسمه بحسب الصفات ، فما اسمه بحسب الذات؟ وقال برهان الفضلاء : «فما هو» هنا سؤال عن اسم غير مشتقّ ، واستفهام إنكاري ؛ بقرينة الاستفهام السابق . و«لا» في (ولا) زائدة كما في لا يستوي الظلمات ولا النور . (2) (وشيء خالق الأشياء) بالجرّ ، ويحتمل الرفع . (ونعت هذه الحروف) ، أي وصانع صورة هذه الحروف . قال برهان الفضلاء : «ونعت» عطف على معنى ، أي «إلى معنىً» وصفة هذه الحروف . وهو كما ترى . (سمّي به) أي بنعت هذه الحروف (اللّه والرحمن والرحيم) استيناف بياني لمرجع ضمير «به» ، أو عطف بيان . وقال برهان الفضلاء «اللّه » مبتدأ ، و«من أسمائه» خبره . وقيل : «وهو المعني سمّي به اللّه » من باب القلب ، أي سمّي ذلك المعنى باللّه والرحمن والرحيم . (قال السائل : فإنّا لم نجد موهوما إلّا مخلوقا) يعني لمّا قلت : «ولكن ارجع إلى معنى» فالمعنى لا يكون إلّا موهوما ، والموهوم محدود ، والمحدود حادث مخلوق . (قال أبو عبداللّه عليه السلام : لو كان ذلك كما تقول) يعني لو كان اسمه الذهني عين مسمّاه في الخارج كما في الأسماء الغير المشتقّة ، مثل الجسم والبِلَّورْ (3) (لكان التوحيد) بنفي الحدّين . واعتقاد أنّه ليس كمثله شيء لا في الذهن ولا في الخارج حتّى اسمه الذهني (مرتفعا عنّا) فلا نكون مكلّفين في التوحيد بنفي الحدّين ؛ حيث لا يوجب نفيهما أيضا أن يكون اسمه الذهني عين مسمّاه في الخارج . وضبط برهان الفضلاء «لأنّا لم نكلّف» على المتكلّم مع الغير معلوما من باب عَلِم من الكَلْف بالفتح بمعنى الميل على نهج الحرص ، أي لم نحرص . (إذ كان) يعني ثبت نفي الحدّين عن الخالق الواجب وجوده ؛ لمكان وجود المخلوقين المدبَّرين المحتاجين إلى المحدث القديم ضرورة ، حيث الاضطرار راجع إليهم في ذلك ، فمن ينكر أنّه مصنوع ؟! (والعدم) _ بالتحريك ، أو بالضمّ _ بمعنى الفقد كما ضبط برهان الفضلاء . (والتأليف) أي بين الأضداد فيه . في بعض النسخ «لا حاجة بنا» مكان «هنا ». (لبيانها) لوضوحها . (إذ أثبت وجوده) أي صفة لذاته زائدة عليها ، فبالتركيب محدود . وحاصل جوابه عليه السلام : أنّه لمّا لم يكن بدّ في إثبات شيء سواء كان موجودا بعين وجوده أو بوجود زائد على ذاته من أن يقال هو موجود ؛ إذ ليس بعد حدّ النفي عبارة لحدّ الإثبات إلّا هذه العبارتين وما يرادفهما ، ولو اختلف معناهما لفسدتا بالقصد أو بانضمام قيد . (فله إنّية) تصديق و إقرار ، أو استفهام . و«الإنيّة» بالكسر والتشديدين : التحقّق والثبوت ، والمائيّة الماهيّة والحقيقة ، بمعنى ما تحقّق في الخارج ونفس الأمر . قد عرفت ، في هدية الثالث قولَ بعض المعاصرين : والخلق ماهيات صرفة لا إنّيّة لها من حيث هي . وقد سمعت هنا قول الإمام عليه السلام : «نعم، لا يثبت الشّيء إلا بإنّيّة ومائيّة» . ومن اُصول زنادقة الفلاسفة الفرق بين الثبوت في الخارج والوجود في الخارج ، والحكم بثبوت الماهيّات في الخارج عارية عن الوجود ، والفرق بين الثبوت في نفس الأمر والوجود في الخارج لا يستلزم الفرق بين الثبوت والوجود في الخارج . (جهة الصفة) أي الزائدة . (ولكن لابدّ من الخروج عن جهة التعطيل والتشبيه) للاضطرار المذكور الراجع إلى المخلوقين المدبَّرين . (ولكن لابدّ من إثبات أنّ له كيفيّة) أي خصوصيّة (لا يستحقّها غيره) . (ولا يحاط بها) أي ولا تكون زائدة . و«معاناة الشيء» : ملابسته ومعاشرته ، وفي الأصل بمعنى المقاساة ، من العَناة _ بالفتح والمدّ _ بمعنى التعب والمشقّة ؛ يعني فيلابسَ الأشياء ، أو فيتعبَ بتدبيرها ؛ لعدم انقطاع التدبير عنه تعالى .

.


1- . الأنبياء (21) : 77 .
2- . إشارة إلى الآية 19 _ 20 ، من فاطر (35) .
3- . في مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 230 (بلر) : «البلّوْر _ وهو بكسر الباء مع فتح اللام كسنّور : حجر من المعادن ، واحدته : بلّورة» .

ص: 54

. .

ص: 55

. .

ص: 56

. .

ص: 57

الحديث السابعروي في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْن عيسى ، (1) عمّن ذكره ، قال : ، سُئِلَ أَبُو عَبداللّه عليه السلام : أيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنّ اللّه َ تعالى شيء؟ قَالَ :«نَعَمْ ، يُخْرِجُهُ (2) مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدِّ التَّعْطِيلِ ، وَحَدِّ التَّشْبِيهِ» .

هديّة:بيانه كنظيره ، وهو الحديث الثاني .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عيسى» .
2- . في حاشية ميرزا رفيعا ، ص 271 : «أي يجوز أن يقال للّه : إنّه شيء ، ويجب أن يخرجه الجاهل من الحدّين ، فقوله : يخرجه ، إنشاء في قالب الخبر».

ص: 58

باب أنّه تعالى لا يعرف إلّا به

الباب الثالث : بَابُ أَنَّهُ تعالى لَا يُعْرَفُ إِلَا بِهِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، (1) عَنِ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : اعْرِفُوا اللّه َ بِاللّه ِ ، وَالرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ ، وَأُولِي الْأَمْرِ بِالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَدْلِ وَالْاءِحْسَانِ» .

هديّة :قال ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ بعد ذكر هذا الحديث في الكافي : وَمَعْنى قَوْلِهِ عليه السلام : «اعْرِفُوا اللّه َ بِاللّه ِ» يَعْنِي أَنَّ اللّه َ خَلَقَ الْأَشْخَاصَ وَالْأَنْوَارَ وَالْجَوَاهِرَ وَالْأَعْيَانَ ، فَالْأَعْيَانُ : الْأَبْدَانُ ، وَالْجَوَاهِرُ : الْأَرْوَاحُ ، فَهُوَ _ جَلَّ وَعَزَّ _ لَا يُشْبِهُ جِسْما وَلَا رُوحا ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي خَلْقِ الرُّوحِ الْحَسَّاسِ الدَّرَّاكِ أَمْرٌ وَلَا سَبَبٌ ، هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ ، فَإِذَا نَفى عَنْهُ الشَّبَهَيْنِ : شَبَهَ الْأَبْدَانِ ، وَشَبَهَ الْأَرْوَاحِ ، فَقَدْ عَرَفَ اللّه َ بِاللّه ِ ، وَإِذَا شَبَّهَهُ بِالرُّوحِ أَوِ الْبَدَنِ أَوِ النُّورِ ، فَلَمْ يَعْرِفِ اللّه َ بِاللّه ِ . انتهى . (يعني) تكرار للتأكيد في قطعه _ طاب ثراه _ بحمله هذا . (أنّ اللّه ) يحتمل فتح الهمزة وكسرها . و(الشبه) بالكسر ومحرّكة : لغتان . قال برهان الفضلاء : المراد ب «الأشخاص» هنا : أفراد نوع الإنسان . وب «الأنوار» : علماء أهل الحقّ . وب «الجواهر» : النفائس وب «الروح» كما هو الحقّ : الجسم اللّطيف الحسّاس الدّرّاك . وهو _ سلّمه اللّه تعالى _ لا يقول بوجود المجرّدات كالفلاسفة ومن تبعهم ، لا عقولها ولا نفوسها . وضبط هو «المنفرد» من الانفعال ، فكأنّه فرار من استشمام شائبة التكلّف . وفاعل (نفى) على المعلوم ، مثل المكلّف والموحّد . وقال الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد بعد ما أسند هذا الحمل إلى الكليني ثقة الإسلام طاب ثراه : والقول الصواب في هذا الباب أن يُقال : عرفنا اللّه باللّه ؛ لأنّا إن عرفناه بعقولنا فهو _ جلّ وعزّ _ واهبُها ، وإن عرفناه جلّ وعزّ بأنبيائه ورسله وحججه فهو _ عزّ وجلّ _ باعثُهم ومرسلُهم ومتّخذُهم حججا ، وإن عرفناه بأنفسنا فهو _ عزّ وجلّ _ محدثُها ، فبه عرفناه . وقد قال الصادق عليه السلام : «لولا اللّه ما عرفناه ، ولولا نحن ما عرف اللّه » (2) . انتهى . ما أرفع شأنه قوله ولد بدعاء المعصوم حقّا . «وإن عرفناه بأنفسنا» ؛ أي بأفاعيله تعالى وتدبيراته في خلقتنا من بدء نشوء النطفة إلى أرذل العمر . ولبرهان الفضلاء في بيان هذا الحديث تفصيل حاصله يظهر بتطبيق فقرات الصدوق رحمه اللهبفقرات ثقة الإسلام طاب ثراه . وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : هذا الحديث يحتمل وجوها : أحدها : أن يكون المراد بالمعروف به (3) ما يعرف الشيء به بأنّه هو هو ، فمعنى «اعرفوا اللّه باللّه » : اعرفوه بأنّه هو اللّه مسلوبا عنه جميع ما يُعرف به الخلق من الأجسام والأرواح والأعيان والأكوان (4) والأنوار ، وبالجملة من الجواهر والأعراض ومشابهة شيء منها أو مماثلته ، فهو هو اللّه معروفا بسلب المشابهة والمماثلة للمخلوقات . وهذا هو الذي ذكره ثقة الإسلام . ومعنى «والرسول بالرِّسالة» أي بأنّه أرسل بهذه الشريعة ، وهو مرسَل بهذه الأحكام وهذا الكتاب وهذا الدِّين ، ومعرفة اُولي الأمر بأنّه الآمر بالمعروف والعالم العامل به . و«العدل» أي الطريقة الوسطى . و«الإحسان» أي الاستقامة واتّباع طريقة السابقين عليه من الثابتين (5) على الطريقة المستقيمة . وفسّر _ كما ذكر في الغريبين _ قوله تعالى : «اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» (6) باستقامة وسلوك للطريق الذي درج عليه السابقون الهادون . (7) والحاصل أنّه يعرف الإمام بأنّه الذي عُيّن لإقامة المعروف والعدل والإحسان ، وهو العالم به عن اللّه ، والقائم عليه ، والمقيم له . وثانيهما : أن يكون المراد بما يُعرف به ما يعرف باستعانته من قوى النفس العاقلة والمدركة وما يكون بمنزلتها ويقوم مقامها . فالمعنى : أعرفوه بنور اللّه المشرق على القلوب ولو بواسطة (8) العقول المفارقة ؛ فإنّ القوى النفسانيّة بنفسها قاصرة عن معرفته سبحانه ، إنّما يعرف بنور اللّه المُطّلعَ على الأفئدة . واعرفوا «الرسول بالرسالة» ؛ أي بما يُشرق على النفوس بتوسّط رسالة الرسول . «واُولي الأمر بالمعروف» أي بالعلم بالمعروف والعدل والإحسان ، وما يحصل للنفس من استكمال القوّة العقليّة بها . وثالثها : أن يكون المراد ما يعرف بها من الأدلّة والحجّة (9) . فالمعنى : اعرفوه بالمقدّمات العقليّة البرهانيّة التي هداكم اللّه إليها وأعطاكم علمها ، وإن كانت قد تحتاج إلى تنبيه وهداية إليها ، لا بما اُرسل به الرسول من الآيات والمعجزات ، وبقول الرسل ، فإنّها متأخّرة المعرفة عن معرفة اللّه . و«اعرفوا الرسول بالرسالة» أي بما اُرسل به من الآيات والدلالات بعد معرفة اللّه سبحانه . واعرفوا اُولي الأمر بعلمه بالمعروف ، وإقامة العدل والإحسان بعد معرفتكم المعروف بتوسّط معرفة اللّه ومعرفة الرسول والاطّلاع على ما جاء به . ووجه رابع ، وهو أنّ جميع ما يعرف به ينتهي إليه سبحانه كما ذكره الصدوق رحمه اللهفي كتاب التوحيد بقوله : الصواب في هذا الباب إلى آخره . (10) انتهى . الظاهر من بيانه رحمه الله أنّ المضبوط عنده هكذا «واُولي الأمر بالمعروف» بدون «بالأمر» . أو فسّر الأمر بالعلم ؛ إشارة إلى ما لا يخفى . وللفاضل الإسترابادي صاحب الفوائد المدنيّة نزيل مكّة المعظّمة ثمّ المدينة المنوّرة رحمه اللههنا عبارتان ؛ الاُولى : يعني تعقّلوا ربّنا بعنوان كلّي منحصر في الفرد وُضع [له] (11) لفظ اللّه ، أو جُعل آلةً للملاحظة عند وضع لفظة اللّه للشخص المنزّه عن كلّ نقص ، على اختلاف المذهبين . وذلك العنوان عند الفضلاء : «الذات المستجمع لجميع صفات الكمال» وفي الحديث : «المستولي على ما دقّ وجلّ» لا بعنوان آخر ، كما تعقّلتم الرسول بعنوان أنّه رسول اللّه ، واُولي الأمر بعنوان أنّه صاحب الأمر . الثانية : يعني اعرفوا اللّه بالعنوان الذي ألقاه في قلوبكم بطريق الضرورة ، أي بغير اكتساب واختيار منكم كما مرّ وسيجيء ، وهو أنّه شيءٌ موجود ليس له مثل ولا نظير ، خالق كلّ شيء ، وعَيِّنوا رسوله بإرساله تعالى إيّاه وإجراء المعجزة على يده ، وعيِّنوا الأئمّة بالآثار التي أجراها اللّه على أيديهم من الأمر بما هو معروف في حكم اللّه ، ورعاية الطريقة الوسطى ، والإتيان بما هو الحقّ في كلّ باب ؛ أي بما خصّهم اللّه به من العلم بكلّ معروف والعمل على وفقه . ومقصوده عليه السلام أنّه ليس لكم الاختيار في شيء من المقامات الثلاثة ، بل يجب عليكم تعيين ما عيّنه اللّه فيها . (12) أقول : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» لا في الذهن ولا في الخارج ، وهو سبحانه منزّه عن تعقّلنا إيّاه بعنوان كلّي منحصر في الفرد كتعقّلنا الشمس ، بل المرجع لنا في الجميع ما وصف به نفسه تعالى ، وهو منزّه عن جميع ما خطر بالخاطر . ولبعض المعاصرين أيضا هنا عبارتان ؛ الاُولى : قال أهل الحكمة: من عرف اللّه جلّ جلاله لا باستشهاد من الخلق عليه ، بل إنّما عرفه بالنظر إلى حقيقة الوجود بما هو وجود ، وأنّه لابدّ أن يكون قائما بذاته أو مستندا إلى من يقوم بذاته ، فقد عرف اللّه باللّه . (13) الثانية : طويلة أخذنا بعضها وهو خلاصة تمامها ، قال : يعني انظروا في الأشياء إلى وجوهها التي إلى اللّه سبحانه بعدما أثبتّم أنّ لها ربّا صانعا ، فاطلبوا معرفته بآثاره فيها من حيث تدبيره لها ، وقيموميّته إيّاها ، وتسخيره لها ، وإحاطته بها ، وقهره عليها حتّى تعرفوا اللّه بهذه الصفات القائمة به ؛ ولا تنظروا إلى وجوهها التي إلى نفسها ، أعني من حيث إنّها أشياء لها ماهيّات لا يمكن أن توجد بذواتها بل مفتقرة إلى موجد يوجدها ؛ فإنّكم إذا نظرتم إليها من هذه الجهة تكونوا قد عرفتم اللّه بالأشياء فلن تعرفوه إذن حقّ المعرفة . (14) انتهى . ومن الوجوه لهذا الحديث أنّ قوله عليه السلام : (اعرفوا اللّه باللّه ) يعني بقول اللّه بما عرّف به نفسه تعالى ، وأخبركم بتوسّط الحجج المعصومين المنصوصين المحصورين عددا في حكمته تعالى ، لا بما عرّفه الصوفي القَدَري من أنّه تحت الوجود المتنزّل من العلّيّة إلى المعلوليّة ، سائرا في سلسلتي البدو والعود . (والرسول بالرسالة) المقرونة بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة، والامتياز حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام ، لا بما عرّفه الصوفي القَدَري من أنّه هو اللّه في صورة البشر كالإسكندر في رسالته منه إلى النوشابة البردعيّة . (واُولي الأمر بأمره بالمعروف والعدل والإحسان) بأمر اللّه تعالى واختياره ، لا بما عرّفه الصوفي القدري من أنّ أمره باختياره واختيار الناس . وقد ذكر ابن العربي في فتوحاته : أنّه خيّر في قبول الإمامة فلم يرض بها . وقال أيضا فيها : إنّي لم أسأل اللّه أن يعرّفني إمام زماني ولو كنت سألته لعرّفني . (15) وفسّر برهان الفضلاء «المعروف» : بالعلوم الحقّة ؛ يعني بتعلّمها ، و«العدل» : بالعدل بين الناس بحكم اللّه لا بالظنّ والرأي والقياس . و«الإحسان» : بالعصمه عن الخطأ ، و«العلم» : بالأحكام عند اللّه ، والعمل بما أمر به ونهى عنه في دين اللّه تبارك وتعالى .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن محمّد ، عمّن ذكره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن حمران» .
2- . التوحيد ، ص 290 ، ذيل حديث 10 ، من باب أنّه عزّوجلّ لا يعرف إلّا به .
3- . في المصدر : «بالمعرّف به» .
4- . في المصدر : «والألوان» .
5- . في المصدر : «السالكين» .
6- . التوبة (9) : 100 .
7- . الغربيين، ج 2، ص 444 (حسن).
8- . في المصدر : «بوساطة» .
9- . في المصدر : «والحجج» .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 281 _ 282 .
11- . أضفناه من المصدر .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 108 .
13- . الوافي ، ج 1 ، ص 338 .
14- . الوافي ، ج 1 ، ص 339 .
15- . لم نعثر عليهما رغم الفحص الأكيد والتتبّع الكثير.

ص: 59

. .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

. .

ص: 63

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ سِمْعَانَ بْنِ أَبِي رُبَيْحَةَ مَوْلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ : سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ :«بِمَا عَرَّفَنِي نَفْسَهُ» . قِيلَ : وَكَيْفَ عَرَّفَكَ نَفْسَهُ؟ قَالَ : «لَا يُشْبِهُهُ صُورَةٌ ، وَلَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ ، وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ ، قَرِيبٌ فِي بُعْدِهِ ، بَعِيدٌ فِي قُرْبِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُقَالُ : شَيْءٌ فَوْقَهُ ، أَمَامَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُقَالُ : لَهُ أَمَامٌ ، دَاخِلٌ فِي الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ دَاخِلٍ فِي شَيْءٍ ، وَخَارِجٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ خَارِجٍ مِنْ شَيْءٍ ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هكَذَا وَلَا هكَذَا غَيْرُهُ ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ مُبْتَدَأٌ» .

هديّة :(سمعان) بالفتح ويكسر . ضبط العلّامة الحلّي في إيضاحه : «سمعان بن أبي رُبَيْحة» (2) مصغّرة بالراء والمفردة والمهملة . وفي بعض النسخ : «أبي ربيعة» مكبّرة بالعين المهملة . وضبطه برهان الفضلاء وجماعة : «أبي زيحة» بفتح الزاي وسكون الخاتمة والمهملة . (قال : لا يشبهه صورة) يعني علّمني بالإرسال والإخبار أنّه نفى عنه حدّ التشبيه ، وأنّه عزّ وجلّ كذا وكذا ، ولا يقاس بالناس في شيء أصلاً . فليس النسبة كنسبة الروح إلى البدن ، أو الأب إلى الابن ، أو الحال إلى المحلّ ، أو الفحل إلى الاُنثى ؛ فإنّ إضافته أيضا إلى خلقه منفردة عن سائر الإضافات . (قريب في بُعده) بالإحاطة الخاصّة الممتازة . (بعيدٌ في قربه) بالمباينة الكلّيّة (فوق كلٍّ) بالقدرة والغلبة . (أمام كلّ) بالأوّليّة المنفردة . (لا كشيء داخل) يعني قربه عين بُعده ، وفوقيّته عين أماميّته ، وهي عين دخوله في الأشياء ، وهو عين خروجه منها . قيل : «ولكلّ شيء مبتدأ» حاليّة يعني وكيف يكون مثله شيء وهو لكلّ شيء مبتدأ ولا مبتدأ له . وقال برهان الفضلاء : هذه كبرى البرهان ، يعني فلمعرفته أيضا مبتدأ لا يتمّ إلّا بإخبار المعصوم . وقال بعض المعاصرين : يعني يقع الابتداء به وبأثره من حيث هو أثره ، كلّما ينظر إلى شيء . (3) تقييده بالحيثيّة على زعمه زخرفة لستر سرّه الذي انكشف من مزخرفاتهم بالنثر والنظم في المجامع والأسواق لصبيان اللّاعين أيضا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي لا واجب غيره . (4) أقول : أي لا قديم غيره . ووجه الفرق هو الأولويّة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا» .
2- . إيضاح الاشتباه، ص 202، الرقم 333.
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 342 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 285 .

ص: 64

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : إِنِّي نَاظَرْتُ قَوْما ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ اللّه َ أَجَلُّ (2) وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ ، بَلِ الْعِبَادُ يُعْرَفُونَ بِاللّه ِ ، فَقَالَ :«رَحِمَكَ اللّه ُ» .

.


1- . السند في الكافي هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان» .
2- . في الكافي المطبوع : + «وأعزّ».

ص: 65

هديّة :قيل : يعني من أن يعرف بخلقه حقّ معرفته ، فلا إشكال بالأوّل ، بل العباد يعرفون باللّه . وقد قال الصادق عليه السلام : «لولا اللّه ما عُرِفنا ، ولولا نحن ما عُرِف اللّه » . (1) وقيل : بل العباد يعرفون بصنعه وتدبيره أنّهم مخلوقون محتاجون بكمال العجز ونهاية الاحتياج . وضبط برهان الفضلاء : «يعرفون» على المعلوم ، بخلاف «يعرف» على خلافه ، قال : يعني بل عباد اللّه المعصومون يعرفون اللّه بأسمائه وصفاته بإخباره تعالى وتعليمه إيّاهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني من أن يُعرَف بوجوده وصفاته الكماليّة وتقدّسه وتنزّهه عمّا لا يليق به بوساطة العلم بصدق خلقه كالنبيّ والحجج ، وبإخباره ؛ لأنّ اللّه سبحانه أوّل الأشياء ، وبرهانه أوّل البراهين وأظهر الأشياء ، وبرهانه أظهر البراهين ، وصدق الأنبياء والحجج إنّما يُعرف بمعرفة اللّه سبحانه [فكيف يُعرف اللّه سبحانه] (2) بقولهم؟! أو المراد من أن يتوقّف معرفته على وجود خلقه ، ولا يعرفه أحد إلّا بتوسّط معرفته بخلقٍ غيره وبمخلوقيّة خلقٍ ؛ لأنّه سبحانه أعظم وأجلّ من أن لا يقدر على إقامة البراهين لمعرفته بلا توسّط معرفة خلقٍ آخر أو معرفة مخلوقيّة شيء من الأشياء، وأكرم وألطف بعباده من أن يقدر عليها ولا يقيم لها ولا يهديهم إليها ، بل معرفة الأنبياء والحجج تتوقّف على معرفة باعثهم وخالقهم . ويحتمل «يعرفون» على المعلوم ؛ أي بل العقلاء من خلقه يعرفون اللّه باللّه ، لا بتوسّط المخلوق ، ويكون إشارةً إلى طريقة الصدِّيقين الذين يستدلّون بالحقّ ، لا عليه . (3) انتهى . لقوله : «بل معرفة الأنبياء والحجج تتوقّف على معرفة باعثهم وخالقهم» تفصيل ، إجماله أنّ المعرفة العقليّة مجملة ، والشرعيّة مفصّلة ، والإيمان المنجي إنّما هو الثانية بدعائمها، وهي درجات ، وأصل النجاة بأدناها ، على ما ستعرفه إن شاء اللّه تعالى . وقال الفاضل الإسترابادي : يعني من أن يتصوّر من باب التشبيه بخلقه ، كأن يقال : هو مثل ضوء الشمس أو مثل النور ، بل الخلق يعرفون الماهيّات الممكنة بسبب اللّه تعالى ، أي بسبب خلقه لهم ، أو بسبب فيضان المعاني من اللّه على نفوسهم ؛ فإنّ المعرفة صنع اللّه في قلوبهم ، أو بخلق يعرفون اللّه باللّه ؛ لأنّه لولا ألهمهم اللّه بنفسه لما عرفوه . (4)

.


1- . التوحيد ، ص 290 ، ذيل الحديث 10 من باب أنّه عزّوجلّ لا يعرف إلّا به .
2- . أضفناه من المصدر .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 281 _ 282 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .

ص: 66

. .

ص: 67

باب أدنى المعرفة

الباب الرابع : بَابُ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ ، فَقَالَ :«الْاءِقْرَارُ بِأَنَّهُ لَا إِلهَ غَيْرُهُ ، وَلَا شِبْهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ ، وَأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ ، مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» .

هديّة :الشيخ رحمه الله ذكر (الفتح) هذا في رجاله من رجال الهادي أبي الحسن الثالث عليه السلام ، (2) وكذا صاحب كشف الغمّة ، (3) وذكره الصدوق رحمه الله من أصحاب الرضا أبي الحسن الثاني عليه السلام ، (4) وقال ابن داود : الفتح بن يزيد الجرجاني صاحب المسائل لأبي الحسن عليه السلام ، واختلف هو الرِّضا عليه السلام أم الثالث عليه السلام . (5) والمراد ب_(أدنى المعرفة) هنا : أقلّ مراتبه ، معرفة اللّه التي هي أوّل أركان الإيمان المنجي بدعائمه ، يعني أقلّ مراتبها مفصّلاً شرعا بعد نهاية مراتبها إجمالاً عقلاً . أو المراد أعمّ من أقلّ مراتب هذه ونهاية مراتب هذه ؛ لئلّا تخلو المعرفة العقليّة _ وهي قبل الشرعيّة _ من نفع النجاة لصاحبها ، كما لا تخلو من ضرر العقاب على الغافل عنها . وقد عرفت آنفا أنّ النجاة أصلها إنّما هو بأقلّ مراتب الإيمان المنجي ، ويحتجّ على العباد بمراتب إجمال المعرفة العقليّة ولا ينتفع بها إلّا من لم يسمع صيّت الإسلام ومضى . وقيل : لا يكون هذا أبدا ، بل يجب إتمام الحجّة ولو بإرسال الملك في صورة البشر . وقال برهان الفضلاء : «الأدنى» هنا بمعنى الأقرب ، وأقرب معرفة اللّه تعالى هي التي أعطاها اللّه المكلّفين بشواهد الربوبيّة من دون حاجتهم إلى وحي وإلهام ، وبها يحتجّ على الغافلين عنها ؛ فإنّ كلّ عقل مكلّف بها قبل معرفة الرسول وما جاء به ، ومسؤول عنها بحجّيّة العقل ، وأعلى شواهد الربوبيّة وأسناها حججه المعصومون الممتازون . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «سألته عن أدنى المعرفة» أي ما لابدّ لكلّ أحد من المكلّفين بالمعرفة ، ولا يكون بدونه من أهلها الإقرار والاعتقاد بوجود إله ؛ أي خالق مستحقّ أن يُعبد ، متفرّدٍ بالإلهيّة ، متنزّه عن الشبه ، فلا يشبه هو غيره . أو المراد لا شبه له في استحقاق العبادة . «ولا نظير له» أي المماثل الممانع ، فلا يشاركه غيره في مرتبته ولا يعارضه . «وأنّه قديم» أي غير محتاج إلى علّة «مثبت» أي محكوم عليه بالثبوت والوجود لذاته «موجود» أي حقيقة عينيّة لها ما ينتزع العقل ويدركه منه من المعنى البديهي المعبّر عنه بالوجود ، أو من الوجدان ، أي معلوم . «غير فقيد» أي غير مفقود زائل الوجود ، أو لا يفقده الطالب ، أو غير مطلوب عند الغيبة ؛ حيث لا غيبة له . وهذا الحديث قريب ممّا روى الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن ابن عبّاس، قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، علّمني من غرائب العلم؟ قال : «ما صنعت في رأس العلم حتّى تسأل عن غرائبه؟» قال الرجل : ما رأس العلم يارسول اللّه ؟ قال : «معرفة اللّه حقّ معرفته» قال الأعرابيّ : وما معرفة اللّه حقّ معرفته؟ قال : «تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ندّ وأنّه واحد أحد ، ظاهر باطن ، أوّل آخر ، لا كفؤ له ولا نظير له ، فذلك حقّ معرفته» . (6) وفسّر الواحديّة بالتفرّد بحسب الصفات ، والأحديّة بحسب الذات ، والظاهريّة بشدّة ظاهريّة الآثار ، وبالخفاء لشدّة الظهور ، وبعدم الغيبة عن شيء ، والباطنيّة بالخفاء لشدّة الظهور ، وبالمحجوبيّة عن درك الأفهام والأوهام ، وبالاطّلاع على البواطن والخفايا ، والأوّليّة والآخريّة بالابتدائيّة التي لا بداية لها ، وبالانتهائيّة التي لا نهاية لها . وذكر «وأنّه ليس كمثله شيء» بعد نفي الشبه ؛ للتوضيح ، أو للتأكيد ، أو للإشارة إلى أنّ نفي الشّبه ليس مستندا إلى إدراك الذات ، بل إنّما هو مستند إلى إدراك الآثار . وكلّ من هذه الصفات ردّ على صنف من أصناف الكفّار ، وأسوأهم القدريّة لعنهم اللّه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن عبداللّه بن الحسن العَلَوي ؛ وعليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمداني جميعا» .
2- . رجال الطوسي ، ص 390 ، الرقم 5741 ، وذكره في ص 436 ، الرقم 6239 بهذا العنوان أيضا في باب ذكر أسماء من لم يرو عن واحد من الأئمّة عليهم السلام .
3- . كشف الغمّة ، ج 3 ، ص 179 .
4- . التوحيد، ص 56، ح 14؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 117، ح 23.
5- . رجال ابن داود ، ص 266 ، الرقم 389 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 286 _ 287؛ والحديث في التوحيد ، ص 284 ، باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد ، ح 5 .

ص: 68

. .

ص: 69

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ سَهْلِ ، عَنْ طَاهِرِ بْنِ حَاتِمٍ فِي حَالِ اسْتِقَامَتِهِ : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الرَّجُلِ : مَا الَّذِي لَا يُجْتَزَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ بِدُونِهِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ :«لَمْ يَزَلْ عَالِما وَسَامِعا وَبَصِيرا ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ» .

هديّة :«طاهر بن حاتم بن ماهويه القزويني أخو فارس بن حاتم» أظهر القول بالغلوّ بعد استقامته ، وهو يروي عن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : كتب إلى الطيّب ، يعني أبا الحسن عليه السلام . (2) وقال برهان الفضلاء : «إلى الرجل» يعني إلى الرضا عليه السلام . وقيل : يعني إلى الكاظم عليه السلام . (لا يجتزأ) على ما لم يسمّ فاعله ، والفاعل هو اللّه ، ويكتب بالهمز وبالياء بدونها . في توحيد الصدوق رحمه اللههكذا : فكتب : «ليس كمثله شيء ، لم يزل سميعا وعليما وبصيرا وهو الفعّال لما يريد» . قال برهان الفضلاء : والغرض أنّ هذه الصفات من شواهد الربوبيّة ظاهرة على كلّ مكلّف قبل إرسال الرّسل ، وصريحة في صدق لا إله إلّا اللّه وبطلان العمل بالظنّ والرأي والقياس . وبياننا أدنى المعرفة في هديّة الأوّل أنسب ببيانه هذا من بيانه إيّاها هناك وإشارته إليه هنا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد» .
2- . التوحيد ، ص 284 ، باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد ، ح 4 .

ص: 70

الحديث الثالثروى في الكافي وقال : وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الَّذِي لَا يُجْتَزَأُ بِدُونِ ذلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ ، فَقَالَ :«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، لَمْ يَزَلْ عَالِما ، سَمِيعا ، بَصِيرا» .

هديّة :قيل : هذا الحديث وسابقه حديث واحد . والقائل بقوله : (وسئل) هو طاهر بن حاتم . والمراد بأبي جعفر _ كما صرّح به برهان الفضلاء _ هو الجواد عليه السلام .

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ أَمْرَ اللّه ِ كُلَّهُ عَجِيبٌ إِلَا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ بِمَا عَرَّفَكُمْ (2) مِنْ نَفْسِهِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن عليّ بن يوسفَ بن بقّاح» .
2- . في الكافي المطبوع : «احتجّ عليكم بما قد عرّفكم» .

ص: 71

هديّة :في بعض النسخ المعتبرة : «عجب» مكان «عجيب» : و : «قد احتجّ بما قد عرّفكم من نفسه» بزيادة كلمتي التحقيق ؛ يعني أنّ صنع اللّه كلّه عجيب جدّا باشتماله على حِكَم شتّى ومصالح لا تحصى . والكلّ دلالة على ربوبيّته ، و شهادة بتفرّده في أمره ؛ أي من الآثار الظاهرة والأفاعيل الباهرة من شواهد الربوبيّة ودلالات الاُلوهيّة . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «العجيب» : الأمر العظيم الغريب المخفيّ سببه . والمراد أنّ أمر اللّه كلّه من الخفايا التي لا يطّلع عليها إلّا بتعريف وتبيين من اللّه سبحانه ، وإعطائه القلوب مبادئ معرفته ، إلّا أنّه احتجّ على عباده بما عرّفهم من نفسه ، وإعطائه القلوب مبادئ معرفته ولم يحتجّ عليهم ولم يكلّفهم بما سواه ، فلا ينبغي لأحد أن يتعرّض لمعرفته ما لم يكلّفه به من أمره تعالى ، ويتكلّفَ تحقيق ما لم يعط مبادئ معرفته . (1) وقال برهان الفضلاء : «من نفسه» أي من عظمته التي يعلمها كلّ مكلّف قبل الوحي . وهذا الحديث يناسب هذا الباب بتفسير أدنى المعرفة وإجمال تعيينها ، كما أنّ سائر أحاديثه بتعيينها على التفصيل . وقال الفاضل الإسترابادي : «قد احتجّ عليكم» أي أوجب عليكم أن تقرّوا بوجوده بالعنوان الذي ألقاه في قلوبكم ، وقد مرّ في كلام أمير المؤمنين عليه السلام . (2)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 289 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 108 .

ص: 72

باب المعبود

الباب الخامس : بَابُ الْمَعْبُودِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، عَنْ عَلِيّ، عَنْ العبيدي ، عَنْ السرّاد ، (1) عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ عَبَدَ اللّه َ بِالتَّوَهُّمِ ، فَقَدْ كَفَرَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنى ، فَقَدْ أَشْرَكَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنى بِإِيقَاعِ الْأَسْمَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ ، وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَعَلَانِيَتِهِ ، فَأُولئِكَ أَصْحَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام حَقّا» . وفي حديث آخر : «اُولئك هم المؤمنون حقّا» .

هديّة :في العنوان يعني تعيين المعبود بالحقّ من معبود سائر الفِرَق . (بالتوهّم) أي بغير ما عرّف به نفسه بالإرسال والإخبار ، كما توهّم الصوفيّة القدريّة أنّه تعالى ذات وما سواه عوارض الذات وشؤوناتها . (ومن عبد الاسم دون المعنى) المراد بالمعنى الحقيقة العينيّة . والاسم لفظيّ وذهنيّ ، والثاني ذاتي ووصفي ، يعني إمّا صورة الذات في الذهن أو صورة الصفة فيه ، فعلى الأوّل ردّ على مثل الحروفيّة من الملاحدة ، وعلى الأوّل من الثاني على الصوفيّة القدريّة . وقد قال ابن عربيّهم ما قال في صورة الفَرَس ، وهو لم يعبد بعد غيبة الصورة عن نظره إلّا الصورة الذّهنيّة . وكذا على الثاني من الثاني . (ومن عبد الاسم والمعنى) ردّ على من ردّتهم الفقرتان السابقتان ، وإشارة إلى أنّهم طوائف . (بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه) أي باعتقاد عينيّة صفاته التي وصف بها نفسه ، بدليل الردّ في الفقرات السابقة . (فعقد) على ما لم يسمّ فاعله أولى ؛ لما لا يخفى . والمعرفة صنع اللّه في قلوب المؤمنين . (وفي حديث آخر) كلام ثقة الإسلام طاب ثراه . قال برهان الفضلاء : «التوهّم» تصوّر الشيء بلا توسّط عنوانه ، كما يكون في غير المشتقّات ، مثل العلم والقدرة من المصادر ، والجسم والبِلَّوْر والبدن من أسماء الجنس ، وزيد وعمرو من الأعلام . و«الاسم» يُطلق على اللفظ ، مثل لفظ «اللّه » و«العالم» و«القادر» وعلى الصورة الذهنيّة التي تحصل في الذهن من لفظ «اللّه » و«العالم» و«القادر» وأمثالها . والمراد هنا المعنى الثاني . والمراد ب_«المسمّى» الذي عبّر عنه هنا ب_«المعنى» ما يكون في خارج الذهن ويكون مطابقا لاسمه ، بمعنى أن يصحّ الكلام إذا جعل مبتدأ واسمه خبرا . وقد ثبت أنّ الأسماء الجامدة كالأعلام وأسماء الأجناس والمصادر ونحوها هي عين مسمّاها، بخلاف الأسماء المشتقّة ، بدليل أنّ الخبر لا يقال له : الخابر ، والنار لا يُقال لها : الناير . وسيجيء في بيان الثالث أنّ سرّ ذلك أنّ القيام الذي هو معتبر في المشتقّات حقيقي لا الأعمّ من الحقيقي والمجازي ، كما زعمه الفاضل الدّواني . وأمّا ما ذكره أهل المنطق من المشتقّات في أمثلة النوع والجنس والفصل فَوَهم ، أو على المسامحة . ومعنى الحديث أنّ العباد من العباد المنتسبين إلى الإسلام على أربعة أقسام : الأوّل : من اعتقد على التوهّم أنّ اسما من أسمائه تعالى عين المسمّى ، كمن اعتقد أنّه سبحانه جسم أو بدن ، أو اعتقد إمكان رؤيته بالبصر ، وكمن اعتقد مثل الدواني أنّه وجود وعلم وقدرة من دون قصد المجاز ، وأنّه العالم بمعنى العلم القائم بنفس العلم بالقيام المجازي ، وهكذا في أنّه موجود وقادر مثلاً ، وكمن زعم أنّ لفظ «اللّه » علم شخصي له تعالى، لا شبيه بالعلم كما هو الحقّ ، فبتوهّمه «الاسم» بمعنى الصورة الذهنيّة توهّم أنّه المسمّى فعبد المتوهّم وكفر . الثاني : من تعمّق في اسم من أسمائه وإن اعتقد أنّ اسما من أسمائه ليس عين المسمّى بل كلّها مشتقّات ، أو تجاوز عن الأسماء التي في المحكمات كأكثر المتكلّمين حيث يتّبعون الفلاسفة ولا يسكتون في الأسماء المختلف فيها، فيدخلون الاسم الغلط في الأسماء الصحيحة، ويحكمون أنّ المجموع من حيث المجموع من الأسماء، والحال أنّ المجموع لا يصدق على شيء ؛ إذ بعدم صدق الجزء يلزم عدم صدق المجموع من حيث المجموع ، فلا يكتفون باسم العالم مثلاً ، بل يقولون بالتعمّق في الفكر أنّه عالم بالعلم الإجمالي ، فعبد (2) الاسم فقط وكفر . الثالث : من عبد الاسم والمعنى ، كالأشاعرة وهم قائلون بأنّ المشتقّ منه لكلّ اسم من أسمائه تعالى موجود في الخارج قديم ؛ إذ من المعلوم أنّ كمال الذات المتّصفة بصفات موجودة كماليّة إنّما بتبعيّة صفاته ، فعبد الاسم والمعنى وأشرك . الرابع : من عبد المعنى بإيقاع الأسماء المنصوصة عليه عزّ وجلّ بلا تجاوز عنها إلى الاسم المختلف فيه كالمرئي والبادي والعائد والنازل والمتشكّل والوجود والمكر ونحو ذلك فاُولئك المؤمنون حقّا . وبعبارة اُخرى : فاُولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام حقّا . انتهى كلام برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى . كما أنّ لكلّ اسم لفظيّ صورة في الذهن كذلك لكلّ مسمّى عينيّ صورة فيه ، وكما أنّ الاسم يُطلق على اللفظ المؤلَّف من الحروف كذلك يُطلق على الصورة الذهنيّة للمسمّى العينيّ ، فكما لا خلاف أنّ الاسم بالمعنى الأوّل غير المسمّى لا خلاف في أنّه بالمعنى الثاني عينه إذا كان جامدا ، بمعنى أنّه لا يقال للخُبز خابز ، فصورة الذات وحدها . والأصحّ في الاسم المشتقّ بالمعنى الثاني أنّه غير مسمّاها ومباينه ، فصورة الذات وصفتها معا وجميع الأسماء المنصوصة التي لنا رخصة في إطلاقها عليه سبحانه مشتقّات بالمعنى الثاني ، بمعنى أنّها غير المسمّى ومباينها كما أنّها غيره بالمعنى الأوّل . وإن قلنا : إنّ المشتقّ بالمعنى الثاني عين مسمّاه أيضا كالجامد ، فمراده سلّمه اللّه تعالى _ كما يظهر من كلامه _ أنّ جميع أسماء اللّه تعالى مشتقّات بالمعنى الثاني ؛ بمعنى أنّها غير مسمّاها ومباينها حتّى لفظ الجلالة ، عَلَما كانت أو شبيهة بالعَلَم على القولين ؛ فإنّ ما يعقل منه سبحانه في معرفته بأسمائه بالمعنى الثاني ليس صورة المسمّى العيني ولا كنه له ، وهو غير محدود ، غير موهوم ، غير مدرك كما هو ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولذا لا رخصة لأحد في إطلاق اسم عليه تعالى إلّا بما عرّف به نفسه ، ووصف به ذاته تعالى ، وورد به الكتاب والسنّة ؛ لئلّا يقيس فيقول : هو وجود بحت ، هو علم بحت ونحوهما ، فيقعَ في المهالك ، كالصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : «من عبد اللّه بالتوهّم» أي بأن يتوهّمه محدودا مدركا بالوهم . «ومن عبد الاسم» أي بالحروف أو بالمفهوم الصفتي له «دون المعنى» أي المعبّر عنه بالاسم «فقد كفر»؛ لأنّ الحروف والمفهوم غير واجب الوجود الخالق إله الكلّ سبحانه ، إنّما الاسم بلفظه ومفهومه تعبير عن المعنى المقصود أن يعبّر عنه ؛ أي ذاته الأحديّ المتعالي عن إحاطة العقول والإدراكات . «ومن عبد الاسم والمعنى» أي مجموعهما أو كلّ واحدٍ منهما «فقد أشرك» حيث أدخل في عبادته غيره تعالى . «ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه» أي كما وصف «فعقد عليه قلبه» أي اعتقد المعنى والهيئة «ونطق به لسانه في سريرته وعلانيته» فإنّ الاعتقاد بالقلب إذا فارق اختيارا الإقرار باللِّسان لم يكن كافيا في الإسلام والإيمان ، «فاُولئك من أصحاب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه حقّا» . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن محبوب» .
2- . جواب لقوله: «من تعمّق».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 289 _ 290 .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

. .

ص: 76

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ أَسْمَاءِ اللّه ِ وَاشْتِقَاقِهَا : اللّه ُ مِمَّا هُوَ مُشْتَقٌّ؟ قَالَ : فَقَالَ لِي :«يَا هِشَامُ ، اللّه ُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلهٍ ، وَالْاءِلهُ يَقْتَضِي مَأْلُوها ، وَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمّى ، فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ المَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئا ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ وَعَبَدَ اثْنَيْنِ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنى دُونَ الِاسْمِ ، فَذَاكَ التَّوْحِيدُ ، أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ؟» . قَالَ : فَقُلْتُ : زِدْنِي ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ، فَلَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمّى ، لَكَانَ كُلُّ اسْمٍ مِنْهَا إِلها ، وَلكِنَّ اللّه َ مَعْنىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ وَكُلُّهَا غَيْرُهُ ؛ يَا هِشَامُ ، الْخُبْزُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ ، وَالْمَاءُ اسْمٌ لِلْمَشْرُوبِ ، وَالثَّوْبُ اسْمٌ لِلْمَلْبُوسِ ، وَالنَّارُ اسْمٌ لِلْمُحْرِقِ ، أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ ، فَهْما تَدْفَعُ بِهِ وَتُنَاضِلُ بِهِ أَعْدَاءَنَا وَالْمُلحِدِينَ (2) مَعَ اللّه ِ غَيْرَهُ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَقَالَ : «نَفَعَكَ اللّه ُ بِهِ ، وَثَبَّتَكَ يَا هِشَامُ» . قَالَ هِشَامٌ : فَوَ اللّه ِ ، مَا قَهَرَنِي أَحَدٌ فِي التَّوْحِيدِ حَتّى قُمْتُ مَقَامِي هذَا .

هديّة :(اللّه مشتقّ من إله) يحتمل الفعل كنصر ، والمصدر كالنصر أو ككتاب . و«الإله» يحتمل المصدر على الوجهين . الجوهري : ألَه _ بالفتح _ إلهةً، أي عَبد عبادةً ، ومنه قرأ ابن عبّاس : «وَيَذَرَكَ وَ ءَالِهَتَكَ» قال : وعبادتك ، ومنه قولنا : «أللّه » ، وأصله إله على فعال ، بمعنى مفعول ؛ لأنّه مألوه أي معبود كقولنا : إمام فعال بمعنى مفعول ؛ لأنّه مؤتمّ به ، فلمّا اُدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام . ولو كانتا عوضا منها لما اجتمعتا مع المعوّض منه في قولهم : الإله . وقطعت الهمزة في النداء للزومها تفخيما لهذا الاسم . (3) انتهى . والخلاف في اشتقاق كلمة الجلالة وعدم اشتقاقها ، وفي أنّ المألوه بمعنى المعبود أو العابد أو العبادة كثير . فقال الفاضل الإسترابادي بخطّه بعد ذكره ما ذكرنا من كلام الجوهري : سيجيء في باب جوامع التوحيد : كان إلها إذ لا مألوه . وقوله عليه السلام : «والإله يقتضي مألوها»: إنّ معنى الإله المألوه ، فوجه الجمع بين الكلامين أنّ اللّه تعالى سمّى نفسه بالإله قبل أن يعبده أحد من العباد . (4) وقال برهان الفضلاء : معنى «والإله يقتضي مألوها» قال صاحب القاموس : اختلفوا في لفظة الجلالة على عشرين قولاً ، والأصحّ أنّها عَلَم غير مشتقّ . (5) وهذا الحديث يبطل قوله، بل الأصحّ أنّها مشتقّة من الإله على فعال بالكسر ، مصدر بمعنى الفاعل من «ألَه» كنصر ، فعلٌ متعدّ فيقتضي مألوها ، ف_«الإله» يعني المستحقّ _ بكسر الحاء _ أن يعبده غيره ، أي الطالب حقّه من غيره وحقّه عبادة غيره له ، و«المألوه» يعني المستحقّ بفتح الحاء ، فأمّا منه فهو العابد ، وأمّا به فهو العبادة . وفي الصحيفة الكاملة في دعاء يوم عرفة : «وإله كلّ مألوه» (6) ، وفي الحديث وسيجيء : «وإلها إذ لا مألوه» . (7) والألف واللام في لفظ «اللّه » للعهد الخارجي ، يعني الإله الذي يستحقّ عبادة كلّ عابد ، ولا شيء يستحقّ عبادته تعالى إيّاه ، ولذا صارت شبيهة بالعَلَم في الاستعمالات ، وتوهّم جماعة أنّها عَلَم حقيقةً . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «مشتقّ من أله» يحتمل أن يكون المشتقّ منه «إله» كفعال ، وهو مضبوط في كثير من النسخ ، ويحتمل «ألِهَ» كفعل ، وعلى التقديرين ففيه معنى الإله كالنصر . «والإله يقتضي مألوها» أي من له إله ؛ فإنّ مفهوم الإله نسبيّ يقتضي نسبةً إلى غيره ، ولا يتحقّق بدون الغير ، والمسمّى لا حاجة له إلى غيره ، فيكون الاسم غير المسمّى كما قال عليه السلام : «والاسم غير المسمّى» . (8) والظاهر من كلامه عليه السلام أنّ المراد بالمألوه ما ذكرناه ، لمكان الاقتضاء ، ولمختار الزمخشري : أنّ المشتقّ منه في هذه التصاريف اسم عين وهو الإله ؛ لورود المألوه في مواضع من كلامهم عليهم السلام ظاهرا في هذا المعنى كقوله عليه السلام : «كان ربّا إذ لا مربوب ، وإلها إذ لا مألوه ، وعالما إذ لا معلوم ، وسميعا إذ لا مسموع» . (9) ويحتمل أن يكون المراد من «الإله» مفهوم المعبود بالحقّ . وب_«المألوه» ذاته ، لكنّه خلاف الظاهر . وأمّا حمله على أنّ «الإله» بمعنى «المألوه» كما قطع به الجوهري (10) فبعيد جدّا . أقول : نعم، لكنّ لقائلٍ أن يقول : لا يبعد أن يكون المعنى و«الإله» على فعال يجب أن يكون بمعنى المألوه ، أي المعبود ؛ لأنّه مصدر لا يجوز أن يكون بمعنى العبادة أو العابد ، فلابدّ أن يكون بمعنى المعبود . وقال بعض المعاصرين : الظاهر أنّ لفظة «إله» في الحديث فعال بمعنى المفعول ، فمعنى قوله (11) عليه السلام : «والإله يقتضي مألوها» معناه أنّ إطلاق هذا الاسم يقتضي أن يكون في الوجود ذات معبود يُطلق عليه هذا الاسم ؛ فإنّ الاسم غير المسمّى . (12) قوله «في الوجود» مكان في الخارج على زعمه مرموز . (فمن عبد الاسم دون المعنى) تفريع على المغايرة ، ولم يعبد شيئا أي شيئا موجودا في الخارج . قال السيّد الأجلّ النائيني : لأنّ الاسم غير موجود عينيّ لا بلفظه ولا بمفهومه ، (13) ولعدم وجود الاسم وبقائه لفظا ولا مفهوما . ولا يخفى لطف التعبير في زيادة البيان للمغايرة عن خصوص التعدّد المقصود بتسعة وتسعين . (يا هشام الخبز اسم للمأكول) ولعلّ المراد أنّ هذه الأسماء بمعنى الألفاظ أو الصور الذهنيّة ، كما أنّها غير مسمّياتها الموجودة في الخارج كذلك أسماؤه تعالى غير مسمّاها المحيط بالأذهان وخارجها من غير أن يكون الخارج ظرفا لوجوده . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا طلب الزيادة في البيان أجابه عليه السلام ببيان المغايرة بين الاسم والمسمّى بتعدّد الأسماء ووحدة المسمّى ، وبإيراد الأمثلة من الأسماء المغايرة للمسمّى _ ولا مفهومات لها صفتيّة يتوهّم اتّحادها مع المسمّى _ كالخبز والماء والثوب والنار ؛ فإنّها أسماء لموصوفات بصفات هي مغايرة لمفهومات الصفات والألفاظ . (14) وقال برهان الفضلاء : المراد أنّ هذه الأسماء من الخبز والماء وغيرهما من الجوامد ، وكلّ واحدٍ منها عين مسمّاه ، ولذا لم يصدق جميعها على مسمّى واحد ، وأسماؤه تعالى كلّها مشتقّات وكلّ واحدٍ منها غير المسمّى ، ولذا يصدق الجميع على مسمّى واحد، ولا اشتراك له تعالى في اسم غير مشتقّ . بناء بيانه هذا على بيانه الذي بيّناه في هديّة الأوّل . (وتناضل) على الخطاب المعلوم ، من المناضلة ، أو التناضل بحذف أحد التائين . والمناضلة ، وكذا التناضل : المراماة والمدافعة . وناضلوا : تفاخروا بالظفر على الخصم كتناضلوا . وهذا الحديث أورده في الكافي مرّتين : هنا ، وفي باب الأسماء . وهناك : «تناقل» مكان «تناضل» . والمناقلة : أن تحدّثه ويحدّثك . و«الإلحاد» هنا بمعنى الإشراك . وفي التعبير إشارات . (ما قهرني أحد في التوحيد حتى) ما صيّرني أحد ملزما مغلوبا في المباحثة في التوحيد حتّى اليوم .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «المتّخذين» .
3- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109.
5- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 280 (أله) .
6- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 244 ، الدعاء 47 .
7- . سيجيء في باب جوامع التوحيد ، ح 4 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 290 .
9- . الكافي ، ج 1 ، ص 139 ، باب جوامع التوحيد ، ح 4 .
10- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله) .
11- . كذا في جميع النسخ ، وفي المصدر : «وقوله» بدل «فمعنى قوله» .
12- . الوافي ، ج 1 ، ص 347 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 291.
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 291 .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عن التميمي، (1) قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، أَوْ قُلْتُ لَهُ : جَعَلَنِي اللّه ُ فِدَاكَ ، نَعْبُدُ الرَّحْمنَ الرَّحِيمَ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ؟ قَالَ : فَقَالَ :«إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمّى بِالْأَسْمَاءِ ، فَقَدْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ وَجَحَدَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئا ، بَلِ اعْبُدِ اللّه َ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ _ الْمُسَمّى بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ _ دُونَ الْأَسْمَاءِ ؛ إِنَّ الْأَسْمَاءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ تعالى» .

هديّة :يعني الجواد عليه السلام . والشكّ من بعض الرّواة . غرض السائل أنّ عبادة اسم المعبود عبادة المعبود أم لا . (بل عبد اللّه ) على الأمر ، أو المتكلّم وحده . (صفات) أي علامات . قال برهان الفضلاء : يعني هل لنا أن نعبد الاسم بمعنى الصورة الذهنيّة بأن نعتقد أنّ الاسم الرحمن _ مثلاً _ عين المسمّى ، وأنّ مسمّاه رحمة قائمة بنفسها كما ذهب إليه صاحب حكمة الإشراق الدواني تبعا للصوفيّة . فأجاب عليه السلام : «بل اعبد اللّه الواحد» أي الذي لا شريك له في صفات الربوبيّة . «الأحد» أي الذي لا ينقسم أصلاً . «الصمد» وسيذكر معناه وتأويله إن شاء اللّه تعالى . «لا أسماؤه» وهي اُمور حادثة في أذهان حادثة وصفات وصف بها نفسه . ولا يكون الاسم المشتقّ عين مسمّاه ، ولا الصفة الذهنيّة عين موصوفه العينيّ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فقد أشرك» أي بعبادة الأسماء المتعدّدة ، وكفر وجحد ؛ حيث لم يعبد المسمّى «ولم يعبد شيئا» أي موجودا عينيّا ؛ لعدم وجود الاسم وبقائه لفظا ولا مفهوما . (2) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : «إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه تعالى» يدلّ على أنّ لفظ «اللّه » ليس عَلَما لذاته تعالى ، كما هو مذهب بعض . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 291 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109 .

ص: 81

. .

ص: 82

باب الكون والمكان

الباب السادس : بَابُ الْكَوْنِ وَالْمَكَانِوأحاديثه كما في الكافي تسعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عن السرّاد ، (1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَأَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ مَتى كَانَ؟ فَقَالَ :«مَتى لَمْ يَكُنْ حَتّى أُخْبِرَكَ مَتى كَانَ؟ سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ فَرْدا صَمَدا ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدا» .

هديّة :يعني باب نفي حدوث المحدث وتحيّزه ، أو باب إثبات الكون _ بمعنى الوجود العيني _ له تعالى ونفى التحيّز ، كما قيل . (نافع بن الأزرق) ينسب إلى الأزارقة : صنف خرجوا على بني اُميّة زمن عبد الملك بن مروان . فالحديث قد علم بيانه في الباب الأوّل . ولمّا كان (متى) سؤالاً عن زمان مخصوص بحدوث شيء فيه ، وكان السؤال ب_ «متى» فيما لا خصوصيّة لزمان به ، لقدمه ، أجاب عليه السلام أوّلاً بعدم صحّة سؤاله ، ثمّ بأزليّته عزّ وجلّ وتفرّده في ذلك ، واحتياج جميع ما سواه إليه ، وتنزّهه سبحانه عن صفات النقص وخواصّ الخلق .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب» .

ص: 83

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عن البرقي، عن البزنطي ، (1) قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام مِنْ وَرَاءِ نَهَرِ بَلْخَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَسأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَإِنْ أَجَبْتَنِي فِيهَا بِمَا عِنْدِي ، قُلْتُ بِإِمَامَتِكَ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«سَلْ عَمَّا شِئْتَ» . فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ مَتى كَانَ؟ وَكَيْفَ كَانَ؟ وَعَلى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ اعْتِمَادُهُ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَيَّنَ الْأَيْنَ بِلَا أَيْنٍ ، وَكَيَّفَ الْكَيْفَ بِلَا كَيْفٍ ، وَكَانَ اعْتِمَادُهُ عَلى قُدْرَتِهِ» . فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ ، (2) وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّه ِ ، وَأَنَّ عَلِيّا وَصِيُّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَالْقَيِّمُ بَعْدَهُ بِمَا أتى (3) بِهِ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ الصَّادِقُونَ ، وَأَنَّكَ الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِمْ .

هديّة :قيل : الظاهر كما في توحيد الصدوق رحمه الله : «أين كان» (4) مكان «متى كان» إلّا أنّ المضبوط : «متى كان» فقيل : لمّا كان الزمان والمكان متصاحبين نبّه عليه السلام بنفي أحدهما على نفي الآخر . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني : لمّا كان «متى كان» لا يصحّ إلّا في الزماني ، وهو لا يكون إلّا ذا مادّة جسمانيّة يلزمه الأين ، أجاب عليه السلام . (6) وكأنّ السائل من العلماء بأنّه سبحانه منزّه عن لوازم معروض الزمان ؛ أي المادّة الجسمانيّة المخلوقة للّه عزّ وجلّ . (وعلى أيّ شيء كان اعتماده) أي بأيّ شيء كان استمداده في خلق الخلق . قرأ برهان الفضلاء : «أيّن الأيّن» كسيّد فيهما ، وكذا «كيّف الكيّف» واحتمل سكون الخاتمة في الأخيرتين كالأخيرتين المنفيّتين . في بعض النسخ بزيادة : «وحده لا شريك له» بعد كلمة التوحيد . وفي بعض آخر _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «بما أقام به» مقام «بما أتى به» أي بما أقامه به . وفي بعض آخر : «من بعده» أي من بعد عليّ عليه السلام . وفسّر الصادقين في قوله تعالى في سورة التوبة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (7) بالأئمّة عليهم السلام . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . في هامش «الف» : + «وحده لا شريك له» .
3- . في الكافي المطبوع : «قام» .
4- . التوحيد، ص 125، باب القدرة، ح 3.
5- . قاله الفيض في الوافي ، ج 1 ، ص 350 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 295 .
7- . التوبة (9) : 119 .
8- . الكافي ، ج 1 ، ص 208 ، باب ما فرض اللّه عزّوجلّ ورسوله صلى الله عليه و آله من الكون مع الأئمّة عليهم السلام ، ح 1 و 2 .

ص: 84

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مَحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ مَتى كَانَ؟ فَقَالَ :«وَيْلَكَ ، إِنَّمَا يُقَالُ لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ : مَتى كَانَ ؛ إِنَّ رَبِّي تَعَالى كَانَ وَلَمْ يَزَلْ حَيّا بِلَا كَيْفٍ _ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ «كَانَ» ، وَلَا كَانَ لِكَوْنِهِ كَوْنُ كَيْفٍ ، وَلَا كَانَ لَهُ أَيْنٌ ، وَلَا كَانَ فِي شَيْءٍ ، وَلَا كَانَ عَلى شَيْءٍ ، وَلَا ابْتَدَعَ لِمَكَانِهِ مَكَانا ، وَلَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ الْأَشْيَاءَ ، وَلَا كَانَ ضَعِيفا قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئا ، وَلَا كَانَ مُسْتَوْحِشا قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئا ، وَلَا يُشْبِهُ شَيْئا مَذْكُورا ، وَلَا كَانَ خِلْوا مِنْ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ ، وَلَا يَكُونُ مِنْهُ خِلْوا بَعْدَ ذَهَابِهِ ، لَمْ يَزَلْ حَيّا بِلَا حَيَاةٍ ، وَمَلِكا قَادِرا قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئا ، وَمَلِكا جَبَّارا بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ ؛ فَلَيْسَ لِكَوْنِهِ كَيْفٌ ، وَلَا لَهُ أَيْنٌ ، وَلَا لَهُ حَدٌّ ، وَلَا يُعْرَفُ بِشَيْءٍ يُشْبِهُهُ ، وَلَا يَهْرَمُ لِطُولِ الْبَقَاءِ ، وَلَا يَصْعَقُ لِشَيْءٍ ، بَلْ لِخَوْفِهِ تَصْعَقُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا ، كَانَ حَيّا بِلَا حَيَاةٍ حَادِثَةٍ ، وَلَا كَوْنٍ مَوْصُوفٍ ، وَلَا كَيْفٍ مَحْدُودٍ ، وَلَا أَيْنٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ، وَلَا مَكَانٍ جَاوَرَ شَيْئا ، بَلْ حَيٌّ يُعْرَفُ ، وَمَلِكٌ لَمْ يَزَلْ لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْمُلْكُ ، أَنْشَأَ مَا شَاءَ حِينَ شَاءَ بِمَشِيئَتِهِ ، ولَا يُحَدُّ ، (2) وَلَا يُبَعَّضُ ، وَلَا يَفْنى ، كَانَ أَوَّلاً بِلَا كَيْفٍ ، وَيَكُونُ آخِرا بِلَا أَيْنٍ ، وَ «كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» ، «لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، تَبَارَكَ اللّه ُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» . وَيْلَكَ أَيُّهَا السَّائِلُ ، إِنَّ رَبِّي لَا تَغْشَاهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تَنْزِلُ بِهِ الشُّبُهَاتُ ، وَلَا يجار ، 3 من شيء، وَلَا يُجَاوِرُهُ (3) شَيْءٌ ، وَلَا يَنْزِلُ بِهِ الْأَحْدَاثُ ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ ، وَلَا يَنْدَمُ عَلى شَيْءٍ ، وَ «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» ، «لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَاتَحْتَ الثَّرى» » .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن عليّ بن أبي حمزة» .
2- . في الكافي المطبوع : «لا يجدّ» بدون الواو .
3- . في الكافي المطبوع : «لا يجاوزه» .

ص: 85

هديّة :(كان ولم يزل) الواو للحال ؛ أي وأنّه قديم ، أو للعطف على كان ، ف_ «حيّا» خبر عنهما . (ولم يكن له كان) يحتمل أن يكون «كان» من الأفعال الناقصة ؛ أي لم يصحّ له متى كان و«كان» بالرّفع على المصدر كما احتمل برهان الفضلاء ؛ أي الاشتداد ، بمعنى صيرورة الشيء قويّا على التدريج . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : أي لا مجال للمعنى الحقيقي للفظ «كان» في حقّه تعالى ؛ لأنّه اعتبرت في معناه الحقيقي قطعة مخصوصة من الزمان الماضي ، ولا يستعمل في حقّه تعالى إلّا مجرّدا عن الزمان . (1) (ولا كان لكونه كون كيف ، ولا كان له أين) يحتمل إضافة «الكون» إلى «الكيف» والتنوين ، أي حدوث . ف_ «كيف» للاستفهام الإنكاري ، و«الواو» بعدها للحال . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «ولا كان لكونه كيف» بدون المضاف . (ولا ابتدع لمكانه مكانا) أي لمرتبة علوّه . والأوّل مصدر ميمي ، والثاني اسم مكان . (ولا كان مستوحشا) أي كالغريب من الغربة . (ولا يشبه شيئا مذكورا) أي كلّ يذكره الذّكر ويخطر بالخاطر . (خلوّا) بالكسر أي خاليا . و(الملك) بالضمّ : السلطنة ، فضمير (إنشائه) للملك بالكسر المفهوم سياقا ، أو للملك بالضمّ ، أي لبعض من خلقه ، أو _ كما قال برهان الفضلاء _ : للشيء المذكور . وكذا ضمير (ذهابه) . (بلا حياة) أي حادثة ، بدليل التصريح بعد . (وملكا جبّارا) أي ذا قوّة وغَلَبة في أفاعيله ؛ منها إبقاء ما شاء من خلقه المقتضي بذاته الفناء . والهرم محرّكة ، والمهرم ، والمهرمة : أقصى الكبر ، هرم كصعق . (ولا يصعق) لا يخاف ، ولا يدهش . (ولا كون موصوف) بالتوصيف أي محدود . واحتمل برهان الفضلاء الإضافة . وكذا (لا كيف محدود ، ولا أين موقوف عليه) فمعنى الأخيرة على التوصيف : ولا أين مستقرّ . وعلى الإضافة : ولا أين من حُبس على الأين ، أو «الموقوف» بمعنى الواقف . (بل حيّ يعرف) على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد ، أي بآثار حياته ، نعت ل «الحيّ» كَ «لم» يزل ل «الملك» . (وكُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ) ناظر إلى آية سورة القصص ، (2) ومن تفاسيرها : «هالك» أي ساقط عن درجة الاعتبار إلّا دينه القائم بحجّته المعصوم . و(له الخلق والأمر) إلى آية سورة الأعراف . 3 ومن العلماء من فسّر «الأمر» بعالم المجرّدات ، و«الخلق» بعالم الأجسام . والمستفاد من أحاديثهم عليهم السلام تفسير الخلق بخلق ما خلق اللّه ، والأمر بوضع الشرائع . (لا تغشاه) : لا تحيطه . و«الشّبهة» بالضمّ : الالتباس والشكّ ، أي الوضوح حججه وسطوع براهينه ، أو «به» بمعنى «عليه» أي لا يتحيّر من الشكّ والالتباس عليه . (ولا يحار) على المعلوم من الحيرة . واحتمل برهان الفضلاء : «يجار» بالجيم على المجهول ، من الإجارة ، من الجوار بمعنى الكَنَف . و«يجأر» على المعلوم مهموز العين من الجأر ، بمعنى النداء والاستغاثة . (ولا يجاوره) شيء بالمجاورة المكانيّة . وقرئ : «ولا يجاوزه» بالجيم من المجاوزة ، أي بغفلته عن ذلك شيء . (ولا تنزل به الأحداث) أي ليس محلّاً للحوادث والعوارض كما زعمت الصوفيّة القدريّة ، قال شبستريهم : من وتو عارض ذات وجوديممشبّك هاى مشكوة وجوديم (ولا يسأل عن شيء) بل هم يُسألون . «ندم» كعلم . (ولا تأخذه سِنة ولا نوم) اقتباس من آية الكرسي . (3) ولبعض المعاصرين في بيان هذا الحديث كلام طويل يذكر مهمّه عنده، قال : ليعلم أنّ نسبة ذاته تعالى إلى مخلوقاته يمتنع أن يختلف بالمعيّة واللّا معيّة ، وإلّا فيكون بالفعل مع بعض وبالقوّة مع آخرين، فيتركّب ذاته من جهتي فعل وقوّة ، ويتغيّر صفاته حسب تغيّر المتجدّدات المتعاقبات تعالى عن ذلك ، بل نسبة ذاته التي هي فعليّة صرفة وغناء محض من جميع الوجوه إلى الجميع _ وإن كان من الحوادث الزمانيّة _ نسبة واحدة ومعيّة قيمومة ثابتة غير زمانيّة ولا متغيّرة أصلاً ، والكلّ بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات ، كلٌّ في وقته ومحلّه وعلى حسب طاقته ، وإنّما فَقْرها وفقدها ونقصها بالقياس إلى ذواتها ، وقوابل ذواتها، وليس هناك إمكان وقوّة ألبتّة فالمكان والمكانيّات بأسرها بالنسبة إلى اللّه تعالى كنقطة واحدة في معيّة الوجود «وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» (4) ، والزمان والزمانيّات بآزالها وآبادها كان واحدا عنده في ذلك . جفّ القلم بما هو كائن ، ما من نسمة كائنة إلّا وهي كائنة والموجودات كلّها شهاديّاتها وغيبيّاتها كموجود واحد في الفيّضان عنه «مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ» (5) . وإنّما التقدّم والتأخّر والتجدّد والتصرّم والحضور والغيبة في هذه كلّها بقياس بعضها إلى بعض في مدارك المحبوسين في مطمورة الزمان المسجونين في سجن المكان لا غير وإن كان هذا لممّا يستغربه الأوهام ، ويشمئزّ عنه قاصروا الأفهام . وأمّا قوله عزّ وجلّ : «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ» (6) فهو كما قاله بعض أهل العلم: إنّها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها ، ولعلّ من لم يفهم بعض هذه المعاني يضطرب فَيَصُول ويرجع ، فيقول : كيف يكون وجود الحادث في الأزل؟ أم كيف يكون المتغيّر في نفسه ثابتا عند ربّه ؟ أم كيف يكون الأمر المتكثّر المتفرّق وحدانيّا جميعا؟ أم كيف يكون الممتدّ ، أعني الزمان واقعا في غير الممتدّ ، أعني اللّازمان مع التقابل الظاهر بين هذه الاُمور ؟ فلنمثّل له بمثالٍ حسّيّ يكسر سورة استبعاده ؛ فإنّ مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجة الحسّ والمحسوس فليأخذ أمرا ممتدّا كحبل مختلف الأجزاء في اللون ، ثمّ لَيُمرره في محاذاة نملة ، فتلك الألوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها يظهر لها شيئا فشيئا ؛ لضيق نظرها ، ومتساوية في الحضور لديه يراها كلّها دفعة ؛ لقوّة إحاطة نظره وسعة حدسه ، «وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ» (7) . (8) انتهى كلام بعض المعاصرين .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109 .
2- . القصص (28) : 88 .
3- . البقرة (2) : 255 .
4- . الزمر (39) : 67 .
5- . لقمان (31) : 28 .
6- . الرحمن (55) : 29 .
7- . يوسف (12) : 76 .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 354 _ 355 .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَنْ العِدَّةٌ ، عن البرقي ، (1) عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ ، قَالَ : اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ إِلى رَأْسِ الْجَالُوتِ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنَّ هذَا الرَّجُلَ عَالِمٌ _ يَعْنُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام _ فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ ؛ نَسْأَلْهُ ، فَأَتَوْهُ ، فَقِيلَ لَهُمْ : هُوَ فِي الْقَصْرِ ، فَانْتَظَرُوهُ حَتّى خَرَجَ ، فَقَالَ لَهُ رَأْسُ الْجَالُوتِ : جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ ، قَالَ :«سَلْ يَا يَهُودِيُّ ، عَمَّا بَدَا لَكَ» فَقَالَ : أَسْأَلُكَ عَنْ رَبِّكَ : مَتى كَانَ؟ فَقَالَ : «كَانَ بِلَا كَيْنُونِيَّةٍ ، كَانَ بِلَا كَيْفٍ ، كَانَ لَمْ يَزَلْ بِلَا كَمٍّ وَبِلَا كَيْفٍ ، كَانَ لَيْسَ لَهُ قَبْلٌ ، هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ وَلَا غَايَةٍ وَلَا مُنْتَهىً ، انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْغَايَةُ وَهُوَ غَايَةُ كُلِّ غَايَةٍ» . فَقَالَ رَأْسُ الْجَالُوتِ : امْضُوا بِنَا ؛ فَهُوَ أَعْلَمُ مِمَّا يُقَالُ فِيهِ .

هديّة :(رأس الجالوت) من الألقابِ لأعلم أحبار اليهود في أيّ زمان كان . و«جالوت» كان مَلِكا مشركا قتله داود عليه السلام وكان رأسه مثلاً في الكِبَر والعِظَم . وطائفة من اليهود من أولاد جالوت . (كان) في الجواب في أربعة مواضع على نسق واحد . وقرأ برهان الفضلاء : «كان بلا كَيْفَ كان» على بناء كيف على الفتح ، من قبيل «متى كان» في السؤال . وكذا و«بلا كَيْفَ كان» . «الغاية» الأخيرة وقبلها للنهاية ، وقبلهما لجزء من الزمان . (ولا غاية ولا منتهى) يحتمل الجرّ ، والظاهر الرفع ؛ يعني ليس له قبل ولا غاية ولا منتهى . و«الفاء» في (فهو) للبيان ويحتمل التفريع . وقال السيّد الأجلّ النائيني : قول السائل «متى كان» سؤال عن اختصاص وجوده تعالى بزمان يكون وجوده فيه ، فأجاب عليه السلام بنفي اختصاص وجوده تعالى بالزمان ، وتعاليه عن أن يكون فيه ، فنبّه أوّلاً على نفي ما هو مناط الكون في الزمان عنه سبحانه [بعد إثبات الوجود له والقولِ بوجوده سبحانه] (2) ، فقال : «كان بلا كينونة كان بلا كيف كان» . (3) فقرأ كبرهان الفضلاء ، وزاد في إضافة الكينونيّة . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : هو قبل القبل بلا قبل ؛ أي لا يتّصف بقبليّة زمانيّة ولا مكانيّة ، فقبليّته ترجع إلى معنى سلبي، أي ليس لوجوده أوّل ، بخلاف سائر الموجودات ؛ فإنّ لوجودها أوّلاً . «ولا غاية ولا منتهى» بالرفع عطف على «قبل » ، والسبب فيه أنّ أزليّته وأبديّته ترجعان إلى معنى سلبي ، أي ليس له أوّل ولا آخر . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد» .
2- . أضفناه من المصدر .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 3001 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 110 .

ص: 90

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده عن البرقي ، عن البزنطي ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«جَاءَ حِبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَتى كَانَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ لَهُ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، وَمَتى لَمْ يَكُنْ حَتّى يُقَالَ : مَتى كَانَ؟ كَانَ رَبِّي قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ ، وَبَعْدَ الْبَعْدِ بِلَا بَعْدٍ ، وَلَا غَايَةَ وَلَا مُنْتَهى لِغَايَتِهِ ، انْقَطَعَتِ الْغَايَاتُ عِنْدَهُ ، فَهُوَ مُنْتَهى كُلِّ غَايَةٍ . فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَنَبِيٌّ (2) أَنْتَ؟ فَقَالَ : وَيْلَكَ ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله » .

هديّة :«مَوْصِل» كمجلس : بلدة قرب بغداد . و«الحبر» بالفتح ويكسر : واحد أحبار اليهود . قال الجوهري : والكسر أفصح . (3) وضبط برهان الفضلاء بالفتح . (ولا غاية) واوها للابتداء ، فواو (ولا منتهى) للعطف ، أو للعطف فللابتداء . و«الفاء» في (فهو منتهى) للتفريع أو للتعليل ؛ يعني فهو غير كلّ غاية ، أو فوق كلّ غاية . قال برهان الفضلاء : «أفنبيٌّ أنت؟» يعني ما قلتَ إنّما هو ممّا يعلم بالوحي ، فقال عليه السلام : أنا عبد معلّم لمن أوحى اللّه إليه فعلّمني . وقال الصدوق رحمه الله في توحيده : يعني بذلك عبد طاعة لا غير ذلك . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . في الكافي المطبوع : «أ فنبيّ» .
3- . الصحاح ، ج 2 ، ص 620 (حبر) .
4- . التوحيد ، ص 175 ، باب نفي المكان والزمان ... ذيل حديث 3 .

ص: 91

الحديث السادسروى في الكافي ، وقال : وَرُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عليه السلام : أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ سَمَاءً وَأَرْضا؟ فَقَالَ عليه السلام :«أَيْنَ سُؤَالٌ عَنْ مَكَانٍ ، وَكَانَ اللّه ُ وَلَا مَكَانَ» .

هديّة :(سئل عليه السلام ) يعني أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وقيل : يعني النبيّ صلى الله عليه و آله .

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَأْسُ الْجَالُوتِ لِلْيَهُودِ : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيّا عليه السلام مِنْ أَجْدَلِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِمْ ، اذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ لَعَلِّي أَسْأَلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، أوَ أُخَطِّئُهُ (2) فِيهَا ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، قَالَ : سَلْ عَمَّا شِئْتَ ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَتى كَانَ رَبُّنَا؟ قَالَ لَهُ : يَا يَهُودِيُّ ، إِنَّمَا يُقَالُ : «مَتى كَانَ» لِمَنْ لَمْ يَكُنْ ؛ فَكَانَ «مَتى كَانَ» ، هُوَ كَائِنٌ بِلَا كَيْنُونةٍ (3) كَائِنٍ ، كَانَ بِلَا كَيْفٍ يَكُونُ ، بَلى يَا يَهُودِيُّ ، ثُمَّ بَلى يَا يَهُودِيُّ ، كَيْفَ يَكُونُ لَهُ قَبْلٌ؟! هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا غَايَةٍ ، وَلَا مُنْتَهى غَايَةٍ ، وَلَا غَايَةَ إِلَيْهَا ، انْقَطَعَتِ الْغَايَاتُ عِنْدَهُ ، هُوَ غَايَةُ كُلِّ غَايَةٍ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ دِينَكَ الْحَقُّ ، وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ بَاطِلٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمّد بن يحيى» .
2- . في الكافي المطبوع : «واُخطِّئه» .
3- . في الكافي المطبوع : «كينونيّة» .

ص: 92

هديّة :(من أجدل الناس) أي من أقواهم وأقدرهم على الخصومة في المناظرات . (أو اُخطّئه) يعني إلى أن اُخطّئه فيجوز الإعمال والإهمال . وقد يكون «أو» _ كما قال الجوهري _ بمعنى «إلى أن» تقول لأضربنّه أو يتوب . (1) أو «إلّا أن» . وفي الصحيفة الكاملة : «فإنّ نفسي هالكة أو تعصمها» . (2) وفي بعض النسخ : «واُخطّئه» بالواو يعني واُبيّن خطأه فيها . (فكان متى كان) أي فصحّ في حقّه متى كان . (هو كائن بلا كينونة كائن) أي ليست كينونته كما هو للمخلوق . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «بلا كينونيّة كائن» بياء مشدّدة للنسبة . وضبط الفاضل الإسترابادي هكذا بالتنوين ورفع كائن . (3) أي وهو كائن . (كان بلا كيف يكون) بإضافة «كيف» إلى «يكون» يعني لا أوّل لكينونته ولا آخر . وقرأ برهان الفضلاء : «يكوّن» على المعلوم من التفعيل مع فتح «كَيْفَ» قال : يعني كان قادرا على التكوين بلا تأمّل في أنّه كيف يكوّن إذا أراد التكوين . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «بلا كيف يكون» أي بلا كيف له تكوّن . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني كان بلا كيفٍ يوجد . (5) (بلى يا يهودي) يعني حقّ ما قلته لك ، ثمّ بلى يا يهودي، حقّ ما سمعته منّي . (بلا غاية ولا منتهى) أي بلا غاية لقبليّته وبلا منتهى لبعديّته . (غاية ولا غاية إليها) يعني هو غاية كلّ غاية ولا غاية لِوَهمٍ إليها بدليل (هو غاية كلّ غاية) . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «ولا غاية إليها غاية» . (6) وقال برهان الفضلاء : «إليها» أي معها . ولسائر الفضلاء في هذا الحديث توجيهات . و(دينك) مكان «دينكم» : تعريض على المخالفين .

.


1- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2274 (أو) .
2- . الصحيفة السجّادية ، ص 108 ، الدعاء 20 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 110 .
4- . المصدر .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 304 .
6- . التوحيد ، ص 175 ، باب نفي المكان والزمان و ... ، ح 6 .

ص: 93

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : أَكَانَ اللّه ُ وَلَا شَيْءَ غيره (2) ؟ قَالَ :«نَعَمْ ، كَانَ وَلَا شَيْءَ» . قُلْتُ : فَأَيْنَ كَانَ يَكُونُ؟ قَالَ : وَكَانَ عليه السلام مُتَّكِئا فَاسْتَوى جَالِسا ، وَقَالَ : «أَحَلْتَ يَا زُرَارَةُ ، وَسَأَلْتَ عَنِ الْمَكَانِ ؛ إِذْ لَا مَكَانَ» .

هديّة :ليس في بعض النسخ : «غيره» كما في الجواب . قيل : يعني فأين كان فيما سبق ، وأين يكون الآن وفيما يأتي ، وقيل : «كان» كلمة ربط . 3 وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فأين كان يكون؟» «كان» زائدة . (3) «أحال فلان» أتى بشيء محال وأيضا قاس مع الفارق ، وكلا المعنيين مناسب .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنِ البزنطيّ ، (4) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«أَتى حِبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَتى كَانَ رَبُّكَ؟ قَالَ : وَيْلَكَ ، إِنَّمَا يُقَالُ : «مَتى كَانَ» لِمَا لَمْ يَكُنْ ، فَأَمَّا مَا كَانَ ، فَلَا يُقَالُ : «مَتى كَانَ» ، كَانَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ ، وَبَعْدَ الْبَعْدِ بِلَا بَعْدٍ ، وَلَا مُنْتَهى غَايَةٍ لِتَنْتَهِيَ غَايَتُهُ . فَقَالَ لَهُ : أَنَبِيٌّ أَنْتَ؟ فَقَالَ : لِأُمِّكَ الْهَبَلُ ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله » .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن محمّد رفعه» .
2- . في الكافي المطبوع - «غيره» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 305 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن ابن أبي نصر».

ص: 94

هديّة :(فأمّا ما كان) أي أزلاً وأبدا . (ولا منتهى غاية لتنتهي غايته) أي ليكون محدودا . لا ينافي ما سبق آنفا من قوله : «وهو منتهى كلّ غاية» لما مرّ من أنّ المعنى : وهو غير كلّ غاية أو فوق كلّ غاية . و(الهبل) بالمفردة والتحريك : مصدر قولك : هبلته اُمّه ، أي ثكلته وفقدته .

.

ص: 95

باب النسبة

الباب السابع : بَابُ النِّسْبَةِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : انْسِبْ لَنَا رَبَّكَ ، فَلَبِثَ ثَلَاثا لَا يُجِيبُهُمْ ، ثُمَّ نَزَلَتْ : «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» إِلى آخِرِهَا» .

هديّة :«النسبة» بالضمّ والكسر : مصدر نسبه ، كنصر وضرب . قال الفاضل الإسترابادي : أي فيه بيان النسبة بالسلبيّة بين اللّه وبين الممكنات . (2) كانت اليهود قائلين بأكثر اُصول الفلاسفة من إيجاب الواجب ، وقِدَم العالَم ، ونسبة غير الجوهر الأوّل إلى الواجب بالواسطة ، كنسبة ولد الولد إلى الجدّ ؛ توهّما منهم أنّ نسبة الولد إلى الأب إنّما هي بظهوره منه ؛ «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» . (3) قال السيّد الأجلّ النائيني : أي اذكر لنا نسب ربّك ، أو نسبته إلى ما سواه ، و«النسب» محرّكة و«النسبة» بالضمّ والتحريك 4 : القرابة ، أو في الآباء خاصّة . وقد يطلق النسبة على حالِ شيء بالقياس إلى غيره . (4) (ثلاثا) أي ثلاث ساعات انتظارا لنزول القرآن في ذلك لمصالح . والصدوق أورد هذا الحديث في كتاب التوحيد وزاد في آخره : فقلت له : ما الصمد؟ فقال : «الذي ليس بمجوّف» . (5) وروى فيه أيضا عن الربيع بن مسلم، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام وسئل عن «الصّمد ، فقال : «الصمد الذي لا جوف له» . (6) فقيل : هذا تفسيره لغةً . و«اللّه صمد» بالمعاني التي ستذكر إن شاء اللّه تعالى . ونقل بعض المعاصرين عن اُستاذه صدر الدِّين محمّد الشيرازي نزيل قم إنّه قال : لمّا كان الممكن وجوده أمرا زائدا على أصل ذاته ، وباطنه العدم واللّا شيء ، فهو يشبه الأجوف كالحُقّة الخالية عن شيء ، وأمّا الذي ذاته الوجوب والوجود من غير شائبة عدمٍ وفُرجة خلل فيستعار له الصمد . (7) أقول : ظاهر هذا الحديث : أنّ «هو» في «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» (8) ل «ربّي» والسؤال «انسب لنا ربّك» . والمشهور أنّه ضمير الشأن .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي أيّوب» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 111 .
3- . المائدة (5) : 64 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 306 .
5- . التوحيد ، ص 93 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 8 .
6- . التوحيد ، ص 93 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 7 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 363 _ 364 .
8- . الإخلاص (112) : 4 .

ص: 96

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عن السرّاد ، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو النَّصِيبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتهُ (2) عَنْ «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» فَقَالَ :«نِسْبَةُ اللّه ِ إِلى خَلْقِهِ أَحَدا ، صَمَدا ، أَزَلِيّا ، صَمَدِيّا ، لَا ظِلَّ لَهُ يُمْسِكُهُ ، وَهُوَ يُمْسِكُ الْأَشْيَاءَ بِأَظِلَّتِهَا ، عَارِفٌ بِالْمَجْهُولِ ، مَعْرُوفٌ عِنْدَ كُلِّ جَاهِلٍ ، فَرْدَانِيّا ، لَا خَلْقُهُ فِيهِ ، وَلَا هُوَ فِي خَلْقِهِ ، غَيْرُ مَحْسُوسٍ وَلَا مَجْسُوسٍ ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، عَلَا فَقَرُبَ ، وَدَنَا فَبَعُدَ ، وَعُصِيَ فَغَفَرَ ، وَأُطِيعَ فَشَكَرَ ، لَا تَحْوِيهِ أَرْضُهُ ، وَلَا تُقِلُّهُ سَمَاوَاتُهُ ، حَامِلُ الْأَشْيَاءِ بِقُدْرَتِهِ ، دَيْمُومِيٌّ ، أَزَلِيٌّ ، لَا يَنْسى وَلَا يَلْهُو ، وَلَا يَغْلَطُ وَلَا يَلْعَبُ ، وَلَا لِاءِرَادَتِهِ فَصْلٌ ، وَفَصْلُهُ جَزَاءٌ ، وَأَمْرُهُ وَاقِعٌ «لَمْ يَلِدْ» فَيُورَثَ «وَلَمْ يُولَدْ» فَيُشَارَكَ ، «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ» » .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و محمّد بن الحسين ، عن ابن محبوب» .
2- . في الكافي المطبوع : «سألت أبا عبداللّه »، وفي «الف»: سألته أبا عبد اللّه عليه السلام » بدل «سألته» .

ص: 97

هديّة :«نصيبين» بفتح النون : بلدةٌ ، والنسبة «نصيبي» بإسقاط النون ، و«نصيبيني» بإثباتها ، والأوّل أكثر . قال السيّد الأجلّ النائيني : والأحد ما لا ينقسم أصلاً لا وجودا ولا عقلاً ولا وهما ، لا إلى أجزاء ولا إلى ماهيّة وذاتيّة (1) مغايرة لها ، ولا إلى جهة قابليّة وجهة فعليّة . (2) ونصب (أحدا صمدا) على التميز للنسبة ، و(أزليّا صمديّا) على النعت للصّمد ، وياء النسبة للمبالغة ، كالأحمري ، أو نصب الكلّ على المدح . وممّا رواه الصدوق ، عن أبي البختري وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام أنّه قال : «الصمد الذي لا جوف له ، والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصّمد الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصّمد الذي لا ينام ، والصّمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال» . وقال الباقر عليه السلام : «كان محمّد بن الحنفيّة يقول : الصّمد القائم بنفسه الغنيّ عن غيره . وقال غيره : الصمد: المتعالي عن الكون والفساد ، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير» . وقال الباقر عليه السلام : «الصمد السيّد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه» . قال : وسئل عليّ بن الحسين عليهماالسلام عن الصمد ، فقال : «الصمد الذي لا شريك له ، ولا يؤده حفظ شيء ، ولا يعزب عنه شيء» . (3) وقال زيد بن عليّ : الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له : كُن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالاً وأرواحا ، (4) وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ . (5) قال وهب بن وهب القرشي : وحدّثني الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه عليهم السلام : «إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام يسألونه عن الصمد ، فكتب إليهم : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، قد سمعت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : مَن قال في القرآن بغير علمٍ فليتبوّأ مقعده من النار ، وأنّ اللّه سبحانه قد فسّر الصّمد فقال : «اللّه ُ أحد * اللّه الصمد» ، ثمّ فسّره فقال : «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ» «لم يلد» لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا تتشعّب منه البدوات كالسِنَةِ والنوم والخطرة والوهم (6) والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والسأمة والجوع والشبع . تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف . «ولم يولد» لم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء ، كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها ، كالشيء من الشيء ، والدابّة من الدابّة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، والثمار من الأشجار ؛ ولا كما يخرج الأشياء اللّطيفة من مراكزها ، كالبصر من العين ، والسمع من الاُذن ، والشمّ من الأنف ، والذوق من الفمّ ، والكلام من اللِّسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو اللّه الصّمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم اللّه الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحد . (7) قل للصّوفي القدري : أرأيت معجزة أقصم لظهوركم من سورة نسبة الربّ تعالى شأنه ، فلولا البغض والعناد ليقول «وَ لَ_كِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَ_فِرِينَ» . (8) (لا ظلّ له يمسكه) أي لا حافظ عليه ممّا سواه . قال برهان الفضلاء : «الظلّ» يُقال لمن ألقى مظلّة على شيء قصد حفظه عن التلف ليترتّب عليه أثره ، كصاحب البستان على الفواكه ، فإن كان قصده خيرا يسمّى باليمين ، وإلّا بالشمال ، واللّه تبارك وتعالى يقرّر ظلالاً من خلقه على سائر خلقه ، فظلّ رحمة يقوم بأمره موافقا لرضاه وآخر على خلافه ، قال اللّه تعالى في سورة النحل : «يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدا للّه ِِ وَهُمْ دَاخِرُونَ» (9) ؛ إفراد اليمين ؛ لندرته ، وجمع الشمال ؛ لكثرته. فلان في ظلّ فلان : في كنفه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : لا ظلّ له ؛ أي لاكِنَّ له . (10) و«الكنّ» بالكسر والتشديد : وقاء كلّ شيء وستره ، كالكنّة والكنان بكسرهما ، والجمع : أكنان وأكنّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : الظلّ من كلّ شيء شخصه أو وقاؤه وستره ؛ أي لا شخص له ولا شبح له يمسكه ، كالبدن للنفس ، والفرد المادّي للحقيقة ، أو لا واقي له يقيه . «وهو يمسك الأشياء بأظلّتها» أي بأشخاصها وأشباحها ، أو بوقاياتها . وفيه تنبيه على أنّ صمديّته تعالى ليس بكونه مصمتا (11) لا تجويف له كما للأجسام ، بل بكونه جامعا في ذاته بمبادئ كلّ الكمالات والخيرات ، ولا يكون فيه قابليّة لشيء هو يفقده . (12) وقال بعض المعاصرين : أي لا مادّة له ، وقيل : أي لا جسم له . وفي حديث ابن عبّاس : الكافر يسجد لغير اللّه وظلّه يسجد للّه ؛ أي جسمه ، ويُقال للجسم الظلّ ؛ لأنّه عنه . وقيل : لأنّه ظلّ الروح ؛ لأنّه ظلمانيّ والروح نوراني وهو تابع له يتحرّك بحركته النفسانيّة ويسكن بسكونه النفساني . (13) أقول : «وظلّه» في حديث ابن عبّاس، يعني صنمه الذي اعتقد أنّه حافظه وحاميه . (عارف بالمجهول) أي لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ؛ (14) فإنّ نسبة علمه تعالى إلى الظواهر والخفايا نسبة كونه محيطا بكلّ شيء . (معروف عند كلّ جاهل) بشواهد الربوبيّة ، وبفطرة اللّه التي فطر الناس عليها . (15) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «معروف عند كلّ جاهل» بأنّه فردانيّ «لا خلقه فيه ولا هو في خلقه» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي ظاهر غاية الظهور حتّى أنّ ما من شأنه أن يخفى عليه الأشياء ويكون جاهلاً بها هو معروف عنده غير مخفيّ عليه ؛ لأنّ مناط معرفته مقدّمات ضروريّة ، ومعرفته بسلب صفات الأشياء عنه تعالى ونفي شبهها ، فمن جهل الأشياء ، وعرفه بأنّه منفيّ عنه صفات الممكن وشبهها ، كان عارفا به غاية العرفان ؛ حيث لا سبيل إلى معرفة حقيقته إلّا بسلب شبه الممكنات عنه ، ولا ينافيها الجهل بماهيّات الممكنات وأوصافها المخصوصة بها . (16) (فردانيّا) نسبة إلى الفرد بزوائد النسبة للمبالغة . نصب على الحال . و«المجسوس» بالجسم الممسوس . (علا فقرب ، ودنا فبعد) لهاتين الفقرتين تفسيرات : منها : أنّه تعالى علا جميع ما سواه ، فبشواهد ربوبيّته معروف عند كلّ جاهل ؛ ودنا بقطع الجميع على وجوده وقدرته وعلمه وصنعه وتنزّهه عن صفات المخلوقات ، فبعُد عن العقول والأوهام بكنهه وحقيقته . وقال برهان الفضلاء : يعني علا عند الذين علموا أنّ العلم بأسمائه وصفاته وأحكامه لا يمكن بدون توسّط الوحي والحجّة المعصوم ، فقرُب منهم ودنا ، أي انحطّت مرتبته عند من حكم في أسمائه وصفاته وأحكامه من عند نفسه فبعُد عنهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «علا فقرب ، ودنا فبعُد» أي علم بأعلى مراتب الماهيّات في الوجود «فقرب» منها ؛ لمعرفتها به بحسب تلك المراتب ، وذلك الإيجاد والماهيّات (17) بحسب مرتبتها بالعقل كما قال الفيلسوف : العقل هو الأشياء كلّها . «ودنا» أي علم بمرتبتها الدّنيا التي هي بحسب مادّيتها وجسمانيّتها ، «فبعُد» عنها؛ لعدم معرفتها بحسب تلك المرتبة . (18) وقال الفاضل الإسترابادي : أي علا عن مشابهة (19) الممكنات ، وكان كاملاً من جميع الجهات ، فلأجل ذلك قرب إليها من حيث العلم بها ، ودنا من حيث العلم بها ، فبُعد عنها من حيث الذات . (20) (فشكر) أي فرضي وجزى . (لا تحويه أرضه) أي لا يحيطه أهل أرضه بالأوهام . (ولا تقلّه) على المعلوم من الإفعال ، أقلّه : رفعه على كتفه للحمل وأطاق حمله . أي ولا تطيق حمل جلالته أهل سماواته ولا سمواته. «غلط فيه» كعلم ، وكذا «لعب» . (ولا لإرادته فصل) ناظر إلى قوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» . (21) (وفصله جزاء) أي حكمه بالعدل جزاء الأعمال . (وأمره واقع) أي أمر السّاعة كلمح بالبصر ، (22) وحشر جميع الأجساد من الأوّلين والآخرين . (لم يلد فيورث) على المعلوم من الإفعال أو التفعيل ؛ أي فيورث ولده سلطنته . (ولم يولد فيشارك) والده في السلطنة «قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ» . (23) (ولم يكن له كفوا أحد) جامع لجميع ما عرفت في بيان النسبة .

.


1- . في المصد : «إنّيّة» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، 307 .
3- . التوحيد ، ص 90 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 3 ؛ معاني الأخبار ، ص 7 ، باب معنى الصمد ، ح 3 .
4- . في المصدر : «أزواجا» .
5- . التوحيد ، ص 90 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 4 ؛ معاني الأخبار ، ص 7 ، باب معنى الصمد ، ح 3 .
6- . في المصدر : «الهمّ» .
7- . التوحيد ، ص 90 _ 91 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 5 .
8- . الزمر (39) : 71 .
9- . النحل (16) : 48 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 111 .
11- . في المصدر : «تنبيه على أنّه ليس صمديّته بكونه مصمتا» .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 309 .
13- . الوافي ، ج 1 ، ص 364 . وليس في المصدر : «أي لا مادّة له . وقيل» .
14- . إشارة إلى آية 5 من آل عمران (3) .
15- . إشارة إلى آية 30 من الروم (30) .
16- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 309 _ 310 .
17- . في المصدر : «وذلك لاتّحاد الماهيّات» .
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 310 _ 311 .
19- . في المصدر : «مشاهدة» .
20- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 111 .
21- . يس (36) : 82 .
22- . إشارة إلى آية 77 من النحل (16) .
23- . الزخرف (43) : 81 .

ص: 98

. .

ص: 99

. .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنِ النَّضْرِ ، (1) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، (2) قَالَ : سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ تبارك وتعالى _ عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ مُتَعَمِّقُونَ ؛ فَأَنْزَلَ اللّه ُ «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» وَالْايَاتِ مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ إِلى قَوْلِهِ : «وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» فَمَنْ رَامَ وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَقَدْ هَلَكَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن سعيد ، عن النضر بن سُوَيد» .
2- . في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 103

هديّة :(متعمّقون) أي متفكّرون جدّا في درك حقيقة الأشياء سيّما حقيقة الربّ تعالى بالاستدلالات القياسيّة الشيطانيّة والانكشافات الرياضيّة النفسانيّة ، كالصوفيّة والقدريّة القائلين بوحدة الوجود وتنزّلاته وتشكّلاته ، وغير ذلك من المزخرفات الكفرانيّة . ومن مقالاتهم المزخرفة : إنّ كمال التوحيد حصر السجود له وإن كان هو الأمر بسجود غيره ، وبذلك لقّب عندهم اللّعين برئيس الموحِّدين ، وكالفلاسفة المتفكّرين في أنّ علمه تعالى حضوريّ أو حصوليّ ، إجماليّ أو تفصيليّ ، فِعلي علّة للمعلوم ، أو انفعالي تابع للمعلوم . والآيات من سورة الحديد : «بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ للّه ِِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْاخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللّه ُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللّه ِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» . (1) «ذو» بمعنى الصاحب ، تأنيثه «الذات»، وفسّرت «ذات الصدور» بالأفكار والضمائر والوساوس ، وكلّ ما خطر في الخاطر . قال برهان الفضلاء : الظاهر من تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ «جوامع الكلم» في حديث النبيّ صلى الله عليه و آله حيث قال : «واُوتيت جوامع الكلم» عبارة عن هذه الآيات السبع . (2) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ» دلالة على إحاطة علمه تعالى بجميع الأشخاص والأمكنة ، فلا يعزب عنه سبحانه شيء منها . «فمن رامَ وراء ذلك» أي قصد خلافه ووصفه بخلاف ما أتى به سبحانه كمَن وصفه بالجسم ، أو بالشكل والصورة ، أو بالصّفات الزائدة ، أو بالإيلاد ، أو بالشريك ، أو بالجهل بشيء ، أو بإيجاد غيره ، أو نفي قدرته عن شيء «فقد هلك» وضلّ عن سواء الطريق ، واُحيط بجهنّم وهو بها حقيق . (3) قال الفاضل الإسترابادي : «علم أنّه يكون في آخر الزمان» نهيٌ عن التعمّق في أدلّة التوحيد . ثمّ قال : «والآيات من سورة الحديد» كأنّها من أوّل السورة . (4) وقال بعض المعاصرين : أشار بالمتعمّقين إلى أكابر أهل المعرفة . ولعمري إنّ في سورتي التوحيد والحديد ما لا يدرك غوره إلّا الأوحديّ الفريد ، ولا سيّما الآيات الاُول من سورة الحديد، وخصوصا قوله تعالى : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ» . (5) انتهى .

.


1- . الحديد (57) : 1 _ 6 .
2- . تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 351 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 314 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 112 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 369 .

ص: 104

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، 1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ :«كُلُّ مَنْ قَرَأَ «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» وَآمَنَ بِهَا ، فَقَدْ عَرَفَ التَّوْحِيدَ» . قُلْتُ : كَيْفَ يَقْرَؤُهَا؟ قَالَ : «كَمَا يَقْرَؤُهَا النَّاسُ ، وَزَادَ فِيها : ذلِكَ اللّه ُ رَبِّي» . (1)

هديّة :(وآمن بها) أي على ما فسّرها الحجّة المعصوم القيّم العاقل عن اللّه . (وزاد فيها) أي فقرأها وزاد فيها ، وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وزاد فيه» أي في الجواب . وكذلك اللّه ربّي» مرّتين مكان «ذلك اللّه ربّي مرّة» قال : «وزاد» بلفظ الماضي إشارة إلى أنّها داخلة في الإيمان بها لا فيها .

.


1- . في الكافي المطبوع : «وزاد فيه : كذلك اللّه ربّي ، كذلك اللّه ربّي» .

ص: 105

. .

ص: 106

باب النهي عن الكلام في الكيفيّة

الباب الثامن : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْكَيْفِيَّةِوأحاديثه كما في الكافي عشرة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«تَكَلَّمُوا فِي خَلْقِ اللّه ِ ، وَلَا تَتَكَلَّمُوا فِي اللّه ِ ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اللّه ِ لَا يَزْدَادُ صَاحِبَهُ إِلَا تَحَيُّرا» . وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى ، عَنْ حَرِيزٍ : «تَكَلَّمُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا تَتَكَلَّمُوا فِي ذَاتِ اللّه ِ» .

هديّة :(في الكيفيّة) في العنوان ؛ أي في خصوص الذات . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «في الكيفيّة» أي الماهيّة . (2) وقال السيّد النائيني : يعني في حقيقة الذات إلّا بسلب التشابه والتشارك بينه وبين ما سواه . (في خلق اللّه ) أي في مخلوقاته وآلائه وآثار قدرته وآياته . (في اللّه ) أي في ذات اللّه وحقيقته وكنهه سبحانه . (إلّا تحيّرا)؛ لاستحالة إدراك الكنه ، فالنهي نهي عن طلب المحال المؤدّي إلى الهلاك . (وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام . وفي توحيد الصدوق رحمه الله عن عليّ بن رئاب ، عن ضريس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «اذكروا من عظمة اللّه ما شئتم ، ولا تذكروا ذاته، فإنّكم لا تذكرون منه إلّا وهو أعظم منه» . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 112 .
3- . التوحيد ، ص 445 ، باب النهي عن الكلام والجدال و ... ، ح 3 .

ص: 107

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ المُنْتَهى» فَإِذَا انْتَهَى الْكَلَامُ إِلَى اللّه ِ ، فَأَمْسِكُوا» .

هديّة :الآية في سورة النجم ، (2) و«الفاء» للتفسير . (إلى اللّه ) أي إلى ذات اللّه وحقيقته . ليس لأحد بحث عن أنّ حقيقة الوجود ما هي ، أو حقيقة الضوء ما هي ، أو حقيقة الظلّ ونحوها ، بل المباحثة في أنّ الاتّصاف بالوجود في كلّ نوع من الموجود على أيّ نحوٍ من الأنحاء . فبشّر القدريّ _ المصرّح بأنّ حقيقة الربّ ما هي ، وأنّ ما سوى اللّه تعيّنات وشؤون وأشكال _ بعذابٍ أليم بالخلود في الجحيم .

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الخزّاز ، (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ النَّاسَ لَا يَزَالُ بِهِمُ الْمَنْطِقُ حَتّى يَتَكَلَّمُوا فِي اللّه ِ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ ذلِكَ ، فَقُولُوا : لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج» .
2- . النجم (53) : 42 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب» .

ص: 108

هديّة :في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «لهم» باللّام مكان (بهم) بالمفردة . و(المنطق) من المصادر الميميّة أيضا . قال برهان الفضلاء : يعني فقولوا ردّا على الذين يخوضون في كيفيّة الذات _ كالصوفيّة _ : هذه الكلمات الصريحة في أنّه سبحانه لا يعرف بكنهه باسمٍ ؛ إذ «ليس كمثله شيء» في اسمٍ غير مشتقّ ، يعنى لا صورة له تعالى في ذهن تكون عينه ، وقد سبق أنّ كلّ اسم جامد عين مسمّاه وأن جميع أسماء اللّه تعالى غير المسمّى ومباينه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : في بعض النسخ : «بهم» مكان «لهم» أي يجوز لهم ، أو معهم الكلام وآخر الحديث بالباء أنسب . (1) (فقولوا) يعني فاقتصروا على التوحيد ونفي الشريك ؛ إذ لا يجوز الكلام في معرفته إلّا بسلب التشابه والتشارك بينه وبين غيره .

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، (2) قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«يَا زِيَادُ ، إِيَّاكَ وَالْخُصُومَاتِ ؛ فَإِنَّهَا تُورِثُ الشَّكَّ ، وَتُحْبِطُ الْعَمَلَ ، وَتُرْدِي صَاحِبَهَا ، وَعَسى أَنْ يَتَكَلَّمَ في الشَّيْءِ (3) ، فَلَا يُغْفَرَ لَهُ ؛ إِنَّهُ كَانَ فِيمَا مَضى قَوْمٌ تَرَكُوا عِلْمَ مَا وُكِّلُوا بِهِ ، وَطَلَبُوا عِلْمَ مَا كُفُوهُ ، حَتّى انْتَهى كَلَامُهُمْ إِلَى اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَتَحَيَّرُوا ، حَتّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُدْعى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ ، وَيُدْعى مِنْ خَلْفِهِ ، فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى : «حَتّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 316 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبيدة الحذّاء».
3- . في الكافي المطبوع : «بالشيء» .

ص: 109

هديّة :(إيّاك والخصومات) أي المباحثات مع الذين ينكرون دينكم . وفي الحديث _ كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى في الباب الخامس والثلاثين _ : «ولا تخاصموا الناس لدينكم» . 1 «أردأه» بالهمزة : أهلكه . ويقرء مثل تردي بالهمزة وبدونها . (ما وكلوا به) على المجهول من الكلة بمعنى الحوالة ، أو التوكيل . فعلى الأوّل إمّا من باب القلب ، أو لا حاجة إليه . «وكلّ باللّه » كوعد ، وتوكّل وأوكل واتّكل : استسلم وفوّض إليه الأمر . «ما كفّوه» على المجهول أيضا من الكفّ ، أي مُنِعوه . قال السيّد الأجلّ النائيني : «وكّلوا به» على المجهول من التوكيل ؛ أي أمروا بتحصيله واُقدروا عليه . و«كفوا» من الكفاية . (1) وضبط برهان الفضلاء : «ما كفوه» من باب رمى من الكفاية . قال : يعني علم ما هم معذورون في تركه . الجوهري : مَنعتُ الرجل عن الشيء فامتنع منه ، ومانعته الشيء . (2) فالظاهر جواز «كفّوه» بالتشديد من الكفّ على تضمين معنى الممانعة بمعنى المنع ، فجائز تعدّيه بلا واسطة ، ويمكن على الحذف والإيصال أيضا . وضبط بعض المعاصرين كبرهان الفضلاء وقال : يعني ما كفاهم اللّه مؤونته . (3) (إن كان) بكسر الهمزة مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشّأن . (وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام . (تاهو) : تحيّروا . ألم تر أنّ الصوفيّة القدريّة من بهتهم ودهشتهم يحسبون أنّ زوال العقل كمال ، والمجانين من الواصلين ، والجنون مقدّم في الحديث والدّعاء على الجذام والبرص ؛ (4) لأنّه شرّ منهما .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 317 . وليس فيه : «وكفوا ، من الكفاية» .
2- . الصحاح ، ج 3 ، ص 1287 (منع) .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 373 .
4- . ليس أمرا كلّيّا ، راجع على سبيل المثال : الكافي ، ج 2 ، ص 531 ، باب القول عند الإصباح والإمساء ، ح 25 و 26 و 28 .

ص: 110

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَنْ نَظَرَ فِي اللّه ِ : كَيْفَ هُوَ ، هَلَكَ» .

هديّة :ماحَ يميحُ ميحا : جاد وتبختر ونزل البئر فملأ الدّلو فهو مائح . والمبالغة : ميّاح . (من نظر في اللّه ) : من تفكّر في حقيقة الذات (هلك) فضلاً عمّن قطع _ كالقدري _ بأنّه لا إنيّة .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ مَلِكا عَظِيمَ الشَّأْنِ كَانَ فِي مَجْلِسٍ لَهُ ، فَتَنَاوَلَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَفُقِدَ ، فَمَا يُدْرى أَيْنَ هُوَ» .

هديّة :(فما يدرى) على المجهول ؛ أي إلى القيامة . والفعلان على المعلوم . يعني ففقد نفسه من تخبّطه من المسّ ، (3) فما يدري أين هو أبدا ؛ فإنّ إبليس تسلّطه بحسب عِظَم الذنب والخطأ وصِغَره . وقال الفاضل الإسترابادي : أي فلم يوجد . وقد يستعمل «لا» مكان «لم» وبالعكس ، وقيل : الظاهر : «فما دُرِي» . وقرأ برهان الفضلاء : «مَلَكا» بفتح اللام . و«فقد» على المعلوم . وكذا «فما يدرى» . قال : يعني فتفكّر ذلك المَلَك في ذات الربّ فلم يجد ما هي فما يدري ذلك الملك أبدا أين هو . والغرض أنّ محاليّة درك الذات والكنه ليست مختصّة بالبشر . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي ملكا من الملوك عظيم الشأن «كان في مجلسه ، فتناول الربّ تعالى» وتكلّم في حقيقته ، أو حقيقة صفاته الحقيقيّة «ففقد» وصار مفقودا عن مجلسه، «فما يدرى أين هو» أو فقد ما كان واجدا له ، فما يدري أين هو ؛ لحيرته . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابه» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة بن أعين» .
3- . إشارة إلى آية 275 من البقرة (2) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 318 .

ص: 111

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عَنِ الْعَلَاءِ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ فِي اللّه ِ ، وَلكِنْ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلى عَظَمَتِهِ ، فَانْظُرُوا إِلى عَظِيمِ خَلْقِهِ» .

هديّة :(في اللّه ) أي في حقيقته . قال برهان الفضلاء : أي في عظمة ذاته بصورة اسم غير مشتقّ . (إلى عظيم خلقه) قيل : هو السماء ، وقيل : هو الإنسان ، وقيل : هو الحجّة المعصوم ، والكلّ صحيح وعظيم ، والأخير أعظم من كلّ مخلوق عظيم . في بعض النسخ : «في عظمته» . وفي آخر : «إلى عظم خلقه» كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن العلاء بن رزين» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 318 .

ص: 112

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«ابْنَ (1) آدَمَ ، لَوْ أَكَلَ قَلْبَكَ طَائِرٌ ، لَمْ يُشْبِعْهُ ، وَبَصَرُكَ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ خَرْتُ (2) إِبْرَةٍ ، لَغَطَّاهُ ، تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ بِهِمَا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ إِنْ كُنْتَ صَادِقا ، فَهذِهِ الشَّمْسُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللّه ِ ، فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تَمْلَأَ عَيْنَيْكَ مِنْهَا ، فَهُوَ كَمَا تَقُولُ» .

هديّة :في بعض النسخ : «ياابن آدم» بإظهار حرف النداء . و«الخرت» بضمّ المعجمة وسكون المهملة والمثنّاة الفوقيّة : الثقب في الاُذن والإبرة وغيرهما . و«الإبرة» بكسر الهمزة وسكون المفردة . و«الملكة» : عظمة السلطنة والشأن . في بعض النسخ : «عينك» بالإفراد . أنت خبير بأنّ مقدار جرم الشمس _ وهو في الأنظار قدر شبر _ ثلاثمائة وستّون ضِعفا لمقدار مجموع كرة الأرض ونصف ثمنها تقريبا سبعة أقاليم ، فانظر إلى السماء الدنيا وهي في جيب سائر السماوات كحلقة في فلاة أنّها تسع عدّة من الشمس لو تعدّدت ، ونِعْمَ ما قيل : كما يعتري العين الظاهرة عند التحدّق في جرم الشمس عَمَش يُثبّطه عن تمام الإبصار ، فكذلك يعتري العين الباطنة عند التعمّق في شأن حججه تعالى دَهَش يُكْمِه عن اكتناه أوّل درجة من درجات أنوارهم . (3) «العمش» محرّكة : ضعف البصر بسيلان دمعها غالبا . «ثبّطه عن الأمر» : شغله عنه . و«الدهش» محرّكة : الحيرة ، فهو كما تقول . (4) قال برهان الفضلاء : ادّعت الصوفيّة أنّ أهل القلب يصلون أوّلاً قبل مقام الوصول والاتّحاد إلى مقام مشاهدة ذات اللّه ، وصحّت عند الأشاعرة الرؤية بالإمكان في الدنيا والوقوع في الآخرة ، وهذا الحديث ردّ على كفرهما . وقال بعض المعاصرين : الخطاب في هذا الحديث خاصّ بمن لا يتجاوز درجة الحسّ والمحسوس ، فأمّا من جاوزها منهم وبلغ إلى درجة العقل والمعقول وهم أصحاب القلوب الملكوتيّة ، فلهم أن يعرفوا بقلوبهم ملكوت السماوات والأرض ، فلذا حثّ اللّه تعالى في غير موضع من كتابه على النظر في الملكوت ، قال اللّه تعالى : «أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» (5) ، وقال : «وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» (6) . (7) أقول : بل الخطاب في هذا الحديث خطاب من الحجّة المعصوم المحصور عدده في حكمة اللّه تعالى إلى غير المعصوم . والمعنى تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض كما هي . والحثّ على النظر فيهما إنّما هو على قدر المقدرة للاستدلال بالآثار الظاهرة والآيات الباهرة .

.


1- . في الكافي المطبوع : «يا ابن» .
2- . في الكافي المطبوع و حاشية «ب» و «ج» : «خرق» .
3- . هذا الكلام اُخذ من الوافي ، ج 1 ، ص 376 ، وفيه : «قيل : «كما يعترى العين الظاهرة التي هي بصر الجسد عند التحدّق في جرم الشمس عمش يثبطه عن تمام الإبصار ، فكذلك يعتري العين الباطنة التي هي بصر العقل عند إداراك البارئ القدّوس تعالى دهش يكمهه عن اكتناه ذاته سبحانه» .
4- . كذا في الأصل، والظاهر أنّ فيها سقطا.
5- . الأعراف (7) : 185 .
6- . الأنعام (6) : 75 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 374 .

ص: 113

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ الْبَعْقُوبِيِّ ، (2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ يَهُودِيّا يُقَالُ لَهُ :«سُبُّخْت» (3) جَاءَ إِلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّه ِ ، جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ رَبِّكَ ، فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ ، وَإِلَا رَجَعْتُ . قَالَ : سَلْ عَمَّا شِئْتَ ، قَالَ : (4) أَيْنَ رَبُّكَ؟ قَالَ : فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَكَانِ الْمَحْدُودِ ، قَالَ : وَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ : وَكَيْفَ أَصِفُ رَبِّي بِالْكَيْفِ وَالْكَيْفُ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ لَا يُوصَفُ بِخَلْقِهِ؟ قَالَ : فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّكَ نَبِيُّ؟ (5) » ، قَالَ : «فَمَا بَقِيَ حَوْلَهُ حَجَرٌ وَلَا غَيْرُ ذلِكَ إِلَا تَكَلَّمَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ : يَا سُبُّخَتُ ، إِنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . فَقَالَ سُبُّخْت : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ أَمْرا أَبْيَنَ مِنْ هذَا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللّه ِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع: «البعقوبي» بالباء. قاله في حاشيته: «اليعقوبي هنا بالمثنّاة على ما في أكثر النسخ، والصحيح بالموحّدة نسبة إلى بعقوبة، وهي قصبة على ساحل نهر ديالى ببغداد».
3- . في الكافي المطبوع : «سُبِحَتْ» .
4- . في الكافي المطبوع : «قال : هو» .
5- . في الكافي المطبوع : + «اللّه » .

ص: 114

هديّة :صحّ في الإيضاح «اليعقوبي» بالخاتمة أوّلاً والمفردة آخرا ، (1) وأورده الفاضل الفريد الملقّب بعد الصدوق برئيس المحدّثين، ميرزا محمّد الإسترابادي نزيل مكّة المعظّمة رحمه الله في رجاله أيضا في حرف الخاتمة . (2) وقال الشهيد الثاني زين الدِّين العاملي قدس سرهبخطّه : «البعقوبي» بالمفردة أوّلاً وآخرا نسبةً إلى بعقوبة قرية من قرى بغداد ، واسمه داود بن عليّ الهاشمي ثقة . (3) و(سبّخت) ضبطه برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى بضمّ السين المهملة والمفردة المضمومة المشدّدة وسكون الخاء المعجمة وضمّ المثنّاة الفوقانيّة لمنع صرفه بالعجمة . القاموس : سبّخت بضمّ السين والباء المشدّدة لقب أبي عبيدة . (4) (وإلّا رجعت) على المتكلّم وحده . وقرأ برهان الفضلاء على الخطاب ، يعني عن دعوى النبوّة . (قال : هو في كلّ مكان) أي بالإحاطة العلميّة . قال السيّد الأجلّ النائيني : أي هو حاضر في كلّ مكان بالحضور العلمي ، وليس بحاضر في شيء من الأمكنة كائن فيه بالحضور والكون الأيني والوضعي ؛ فإنّ القرب والحضور على قسمين : قرب المفارقات والمجرّدات وحضورها بالإحاطة العلميّة بالأشياء ، وقرب المقارنات وذوات الأوضاع وحضورها بالحصول الأيني ، والمقارنة الوضعيّة في الأمكنة مع (5) المتمكّنات والمتحيّزات . وحضور الأوّل سبحانه من القسم الأوّل دون الثاني ، والحضور العلمي في شيء لا ينافي الحضور العلمي في آخر؛ فإنّ الإحاطة العلميّة بالأشياء المتباينة (6) بالوضع ، والمتباينة بالحدود معا جائزة ، فهو سبحانه محيط علمه بجميع الأمكنة والأيون ، وحاضر بالحضور العلمي في كلّ منها ، والمقارنة الوضعيّة تختلف بالنسبة إلى ذوات الأوضاع ، والقرب من بعضها يوجب البُعد من بعض ، وحضور البعض يوجب غيبة البعض ، وهو سبحانه منزّه عن هذه المقارنة ، وليس في شيء من المكان المحدود . «بالكيف» أي بصفة زائدة على ذاته تعالى ، وكلّ ما هو غير ذاته (7) فهو مخلوق ، واللّه لا يوصف بخلقه . (8) واحتمل برهان الفضلاء : «بخلقة» كفطرة . (فمن أين يعلم) يحتمل الغائب المجهول والمتكلّم مع الغير . وفي بعض النسخ : «فمن أين نعرف (9) أنّك نبيّ اللّه » مكان «يعلم» وظهور لفظة الجلالة . (أمرا) بدل (كاليوم) . واحتمل برهان الفضلاء كونه مفعولاً لفعل محذوف مقدّر فيه الاستفهام الإنكاريّ ؛ أي اطلب أمرا . وروى الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد في باب السّبخت اليهودي بإسناده عن عبداللّه بن جعفر الأزهري ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه عليهم السلام قال : «قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في بعض خطبه : من الذي حضر سبّخت الفارسي وهو يكلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال القوم ما حضره منّا أحد ، فقال عليّ عليه السلام : لكنّي كنت معه صلى الله عليه و آله وقد جاء سبّخت وكان رجلاً من ملوك فارس وكان ذَرِبا ، فقال له : يا محمّد، إلى ما تدعو؟ قال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، فقال سبّخت : وأين اللّه يا محمّد؟ فقال : هو في كلّ مكانٍ موجود بآياته ، فقال : فكيف هو؟ فقال : لا كيف له ، ولا أين ؛ لأنّه عزّ وجلّ كيّف الكيف وأيّن الأين ، قال : فمن أين جاء؟ قال : لا يُقال له : جاء ، وإنّما يقال : جاء للزائل من مكان إلى مكان وربّنا لا يوصف بمكان ولا بزوال ، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال ، فقال : يا محمّد، إنّك لتصف ربّا عظيما بلا كيف ، فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا حيوان إلّا قال مكانه : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وقلت أنا أيضا : أشهدُ أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، فقال : يا محمّد مَن هذا؟ قال : هذا خير أهلي ، وأقرب الخلق منّي ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وروحه من روحي ، وهو الوزير منّي في حياتي ، والخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، فاسمع له وأطع فإنّه على الحقّ ، ثمّ سمّاه عبداللّه . (10) قوله عليه السلام : «وكان ذربا» كصعق بالمعجمة والمهملة والمفردة ؛ أي منطيقا . و«الذّرب» : الحادّ من كلّ شيء .

.


1- . الإيضاح ، ص 178 ، الرقم 286 .
2- . منهج المقال، ص 400 من الطبعة الحجريّة.
3- . راجع: أعيان الشيعة، ج 2، ص 137.
4- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 149 .
5- . في المصدر : «ومع» .
6- . في المصدر : «المختلفة» .
7- . في المصدر : «وكل ما يغاير ذاته» بدل «وكل ما هو غير ذاته فهو» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 319 _ 320 .
9- . في «الف» : «يعرف» .
10- . التوحيد ، ص 310 ، ح 2 .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

الحديث العاشرروى في الكافي ، عن الثلاثة ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقَصِيرِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصِّفَةِ ، فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ :«تَعَالَى الْجَبَّارُ ، تَعَالَى الْجَبَّارُ ، مَنْ تَعَاطى مَا ثَمَّ هَلَكَ» .

هديّة :(عتيك) مصغّرا من عتك يعتك ، كضرب كرّ في القتال ، والفرس : حمل للعضّ ، وعلى يمين فاجرة : أقدم ، والقوسُ احمرّت قِدَما ، فهي عاتك ، واللّبن : اشتدّت حموضته ، والعاتك : الكريم والخالص والصافي من النبيذ وغيره . (2) وله معانٍ اُخر . (من الصفة) أي من كيفيّة الذات ؛ بدليل الجواب ، ومناسبة الباب . (تعاطى) : تناول . في بعض النسخ «ما ثمّة» .

.


1- . يعني ، «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .
2- . راجع: لسان العرب ، ج 10 ، ص 463 (عتك) .

ص: 118

باب في إبطال الرؤية

الباب التاسع : بَابٌ فِي إِبْطَالِ الرُّؤْيَةِوأحاديثه كما في الكافي ثمانية . وفي وجه أحد عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، (1) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ : كَيْفَ يَعْبُدُ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ لَا يَرَاهُ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام :«يَا أَبَا يُوسُفَ ، جَلَّ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَالْمُنْعِمُ عَلَيَّ وَعَلى آبَائِي أَنْ يُرى» . قَالَ : وَسَأَلْتُهُ : هَلْ رَأى رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَرى رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ» .

هديّة :«التوقيع» : ما يوقّع في الكتاب ، وأكثر إطلاقه ما يوقّع السلطان بخطّه في الكتاب . (وهو لا يراه) يعني كيف يَعْبد وهو لا يعرفه معرفةً ممتازةً بامتيازه عن غيره وعدم مشابهته بغيره، وهي لا يحصل إلّا بالرؤية . (والمنعم عليَّ وعلى آبائي) أي بنعمة الولاية ، وهي خير النِعَم بعد النبوّة . (بقلبه) «من» في (من نور عظمته) تبعيضيّة ، أي لم تكن تلك الرؤية بالبصر _ إذ المبصَرْ محدود مخلوق البتّة _ بل بإدراك القلب ، ولم تكن رؤية القلب متعلّقة بالذات بل بنور عظيم مخلوق بعظمته سبحانه ، وفسّر _ كما سيجيء نصّه _ بنور الوصيّ الواجب على اللّه تعالى تعيينه والتنصيص عليه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن عليّ بن أبي القاسم» .

ص: 119

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، قَالَ : سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذلِكَ ، فَأَذِنَ لِي فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَحْكَامِ حَتّى بَلَغَ سُؤَالُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ : إِنَّا رُوِّينَا أَنَّ اللّه َ قَسَمَ الرُّؤْيَةَ وَالْكَلَامَ بَيْنَ نَبِيَّيْنِ ، فَقَسَمَ الْكَلَامَ لِمُوسى ، وَلِمُحَمَّدٍ الرُّؤْيَةَ . فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«فَمَنِ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللّه ِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْاءنْسِ «لَاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» وَ «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ؟ أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وسلم؟» قَالَ : بَلى ، قَالَ : «كَيْفَ يَجِيءُ رَجُلٌ إِلَى الْخَلْقِ جَمِيعا ، فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ ، وَأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللّه ِ بِأَمْرِ اللّه ِ ، فَيَقُولُ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» ، وَ «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي ، وَأَحَطْتُ بِهِ عِلْما ، وَهُوَ عَلى صُورَةِ الْبَشَرِ؟! أَمَا تَسْتَحُونَ؟ مَا قَدَرَتِ الزَّنَادِقَةُ أَنْ تَرْمِيَهُ بِهذَا أَنْ يَكُونَ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللّه ِ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ يَأْتِي بِخِلَافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ» . قَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَإِنَّهُ يَقُولُ : «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى» ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ بَعْدَ هذِهِ الْايَةِ مَا يَدُلُّ عَلى مَا رَأى ؛ حَيْثُ قَالَ : «ماكَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى» يَقُولُ : مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا رَأى ، فَقَالَ : «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» فَآيَاتُ اللّه ِ غَيْرُ اللّه ِ ، وَقَدْ قَالَ اللّه ُ : «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» فَإِذَا رَأَتْهُ الْأَبْصَارُ ، فَقَدْ أَحَاطَ (2) بِهِ الْعِلْمَ ، وَوَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ» . فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَاتِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ ، كَذَّبْتُهَا ، وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْما ، وَ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» » .

هديّة :(أبو قُرّة) بضمّ القاف . (المحدّث) بكسر الدال المشدّدة . (روينا) على المجهول من الرواية، ويضمّن معنى الإخبار . وقرأ برهان الفضلاء على المجهول من التروية ، يعني من ماءٍ . نقل الحديث لنا عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ اللّه قسم كذا ، وأنّه عليه السلام رأى ربّه في صورة شابّ موفّق ابن ثلاثين . كما سيذكر في الثالث في الباب العاشر . «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» في سورة الأنعام . (3) وفي التفسير لا تدركه أبصار الأفئدة فضلاً عن الأنظار . فالأبصار جمع البصر بمعنى البصيرة ، من غير خلاف في أنّ الأبصار مفسّرة في هذه الآية بالأوهام ، وستعرف في هديّة آخر الباب إن شاء اللّه تعالى . «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» في سورة طه (4) «وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» في سورة الشورى . (5) قال السيّد الأجلّ النائيني : أمّا دلالة «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» فظاهرة . وأمّا دلالة «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» فلأنّ الأبصار إحاطة علميّة ، وأمّا دلالة «وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» فلأنّ الإبصار إنّما يكون بصورة للمرئيّ وهي شيء تماثله وتشابهه ، وإلّا لم يكن صورة له . (6) أقول : هذا بناؤه على قاعدة الانطباع فالأولى على الإطلاق أن يقال : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» مفسّر بنفي المشابهة أصلاً ؛ يعني ليس يشبهه شيء من الأشياء في شيء من الأنحاء ، والمبصريّة نحوٌ من الأنحاء المشتركة ، وحده لا شريك له ، لا بحسب الذات ، ولا بحسب الصفات الحقيقيّة . (محمّد صلى الله عليه و آله ) رفع واسم ليس والخبر محذوف . يعني أ ليس محمّد صلى الله عليه و آله المبلِّغ؟ (أما تستحون؟) يقرأ بطريقين : ك «لّا يستحيي» و«لا يستحي» في القرآن . (أن ترميه) أي النبيّ صلى الله عليه و آله ، لثبوت صدقه وأمانته وديانته عند الجاحدين أيضا . (ما كذّب فؤاد محمّد) بحذف المفعول لعلّه تقيّة، وهو : «ما رأى» أي من نور وصيّه صلى الله عليه و آله حالة التعيين . فجملة (ما رأت عيناه) جملة اُخرى منفيّة بدليل ما رواه الصدوق رحمه اللهفي توحيده بإسناده ، عن محمّد بن الفضل، (7) قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : هل رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ربّه؟ فقال : نعم بقلبه رآه ؛ أما سمعت أنّه عزّ وجلّ يقول : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى» (8) لم يره بالبصر ولكن يراه بالفؤاد . (9) وفي بعض النسخ «فآيات اللّه غيره»، وستعرف تفسير سورة والنجم من أحاديثهم عليهم السلام ، وأنّها نزلت في أمر الوصاية والولاية ، «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» فكان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قرب كماله من كمال رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرب البيتين المتّصلين من قوس واحدة «أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى» (10) فلان وفلان وفلان . أيّتها القدريّة، كيف يجيء رسول من اللّه إلى الخلق جميعا فيقول : كلّ من نطق بكلمة الكفر وأصرّ فهو مرتدّ ، نجس ، واجب القتل ، مخلّد في النار ، فيكون قصده أنّه كذا ظاهرا وفي الحقيقة هو من المقرّبين، بل من الواصلين على خلاف قصده ؟! إنّه من الواصلين إلى النار وبئس المصير ، وقد قال فرعون : «أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى» (11) ، وجُنَيدُكم : ليس في جُبّتي سوى اللّه ! وبسطاميّكم : سبحاني ! وكذا سائر طواغيتكم من الحلّاج ومثله . ومن اُكذوبتكم ومفترياتكم ماذكرتم في كتبكم أنّ حلّاجكم رأى في المنام حصنا حصينا من حديد من الأرض إلى السماء، لا خلل فيه سوى ثقبة واحدة ، فسأل في المنام ما هذه الثقبة والخلل في مثل هذا الحصن الحصين والبنيان المرصوص؟ فقيل له : هذا حصن الشريعة لا خلل فيها سوى الخلل الذي يقع فيها من لسانك ، ولا يسدّ إلّا برأسك المقطوع من جسدك . أما شعرتم أيّتها النّوكى أنّ إنكاركم كفركم عين الإقرار به كالرستاقي؟! وقد أقررتم في عين إنكاركم أنّ مثل قول مثل الحلّاج خلل وكفر شرعا بحكم الشارع المخبر عن اللّه العدل الحكيم ، فكيف يحكم الشارع بكفر من هو من المقرّبين بل الواصلين؟ أم كيف يفرّق بين مقالة فرعون ومقالة مثل الحلّاج؟ وكذا روايتكم عن بسطاميّكم أنّ مريديه وأبالسته اعترضوا عليه أنّك تتكلّم في حالة الوجد والسماع بكلمات الكفر والزندقة ، فقال : فواجب عليكم أن تقتلوني عند ذلك ، فلمّا سمعوا ذلك من الشيخ تهيّئوا لقتله وأحضروا السكاكين والخناجر ، فلمّا أدرك الشيخ وجده وحالته أخذ في كلماته الكفرانيّة ومقالاته الشيطانيّة، فوثبوا من الجوانب بحكم الشارع وأمر الشيخ وإقراره بحقّيّة أمر الشارع، فضربوه بالخناجر والسكاكين، فلمّا فرغوا كان الجارحون مجروحين والضاربون مضروبين ؟!!

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار» .
2- . في الكافي المطبوع : «أحاطت» .
3- . الأنعام (6) : 103 .
4- . طه (20) : 110 .
5- . الشورى (42) : 11 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 322 .
7- . في المصدر : «الفضيل» .
8- . النجم (53) : 11 .
9- . التوحيد ، ص 116 ، باب ما جاء في الرؤية ، ح 17 .
10- . النجم (53) : 19 _ 20 .
11- . النازعات (79) : 24 .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا تَرْوِيهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَشْرَحَ لِي ذلِكَ . فَكَتَبَ بِخَطِّهِ :«اتَّفَقَ الْجَمِيعُ _ لَا تَمَانُعَ بَيْنَهُمْ _ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ ضَرُورَةٌ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى اللّه ُ سبحانه بِالْعَيْنِ ، وَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ ضَرُورَةً ، ثُمَّ لَمْ تَخْلُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إِيمَانا ، أَوْ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَانا ، فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّهُ ، فَلَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوُا اللّه َ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَانا ، لَمْ تَخْلُ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ _ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ _ أَنْ تَزُولَ ، وَلَا تَزُولُ فِي الْمَعَادِ ، فَهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ اللّه َ _ تعالى ذكره _ لَا يُرى بِالْعَيْنِ ؛ إِذِ الْعَيْنُ تُؤَدِّي إِلى مَا وَصَفْنَاهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».

ص: 123

هديّة :(وما ترويه العامّة) أي في الرؤية في الدنيا للنبيّ صلى الله عليه و آله وفي الآخرة للجميع . (والخاصّة) أي في امتناعها أصلاً لأنّها ضدّه؛ لأنّ الضرورة ضدّ الاكتساب في أمرٍ واحد في وقتٍ واحد . (من أن تكون إيمانا) أي الإيمان التصديقي ؛ إذ العمل من الإيمان ، بل الإيمان كلّه عمل بالاتّفاق كما سيذكر مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء في بيان البرهان : يعني «ثمّ لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا» لا غيرها ، بمعنى أن لا يكون مكلّفا به في الدنيا أصلاً ، أو لا تكون كذلك ؛ بمعنى أن يكون الإيمان مكلّفا به في الدنيا فقط ، فيكون منحصرا في الاكتسابي . والأوّل باطل ؛ لاقتضائه أن لا يكون أحد مؤمنا في الدنيا ، وأن يكون النبيّ عليه السلام كذلك قبل ليلة المعراج ، وكذا الثاني ؛ لاقتضائه إمّا اجتماع الكسب والضرورة في أمر واحد في القيامة وهما ضدّان ، ولا قائل بتجويزه في ملّة سوى الصوفيّة . أو زوال الكسبي بتحقّق الضروريّ ، ولا قائل بزواله في المعاد حتّى الصوفيّة . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : «ثمّ لم تخل تلك المعرفة» يعني إن كانت تلك المعرفة إيمانا فالمعرفة الكسبيّة ليست بإيمان كامل ، فيلزم أن يكون إيمان الأنبياء في الدنيا أضعف من إيمان أدنى رعيّةٍ في الآخرة ، وأن لا يكون إيمان كامل في الدنيا ، وإن لم يكن إيمانا فلابدّ من زوال المعرفة الاكتسابيّة في الآخرة ، ويلزم منه زوال الإيمان بالكلّيّة . ويمكن تقرير هذا البرهان بوجهين : أحدهما مبنيّ على أنّه انعقد الإجماع على أنّه ليس الإيمان نوعين ، (1) أحدهما حاصل بالرؤية وثانيهما بالكسب والنظر . والآخر مبنيّ على أنّه انعقد الإجماع على أنّ الإيمان الكامل غير متوقّف على الرؤية . لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب ، أي لابدّ أن تزول عند حصول المعرفة من جهة الرؤية ، والحال أنّها لا تزول في الواقع . وملخّص البرهان : أنّ المعرفة من جهة الرؤية غير متوقّفة على الكسب والنظر وقوّته ، (2) والمعرفة التي في دار الدنيا متوقّفة عليه وضعيفة بالنسبة إلى الاُولى ، فتخالفتا مثل الحرارة القويّة والضعيفة . فإن كانت المعرفة من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة من جهة الكسب إيمانا كاملاً ؛ لأنّ المعرفة من جهة الرؤية أكمل منها . وإن لم تكن إيمانا يلزم سلب الإيمان عن الرائين ؛ لامتناع اجتماع المعرفتين في زمان واحد في قلب واحدٍ ، يعني قيام تصديقين أحدهما أقوى من الآخر بذهن واحد ، أحدهما حاصل من جهة الرؤية ، والآخر من جهة الدليل ، كما يمتنع قيام حرارتين بماء واحد في زمان واحد . (3) انتهى . وقال السيّد الداماد رحمه الله : «ولا تزول» يعني لا تزول في نشأة المعاد عن النفس، علم قد اكتسبته في هذه النشأة ، فلو كان اللّه يرى بالعين في تلك النشأة لكان يتعلّق به الإدراك الإحساسي الضروري والعلم العقلي الاكتسابي معا ؛ وذلك محال بالضرورة البرهانيّة، ولا سيّما إذا كان الإدراكان المتباينان بالنوع _ بل المتنافيان بالحقيقة _ في وقت واحد . (4) وأورد عليه بعض المعاصرين : أنّ الإدراك الاكتسابي لم يتعلّق إلّا بالتصديق بوجوده ونعوته لا ذاته وهويّته ، فلعلّ الإدراك الإحساسيّ يتعلّق بذاته وهويّته . ثمّ أجاب بما حاصله : إنّ الرؤية تستلزم الإحاطة بالعلم ، وهو سبحانه لا يحاط به علما . (5) ما أقبح الصوفيّة؟! تارةً بأنّ السالك يصل أوّلاً قبل الوصول والاتّحاد إلى مقام مشاهدة الذات، واُخرى بما سمعت . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا تمانع بينهم» إلى آخره، في أنّ حصول معرفة المرئيّ بالصفات التي يرى عليها ضروريّ . «فلو جاز أن يرى اللّه سبحانه بالعين وقعت المعرفة» من جهة الرؤية عند الرؤية «ضرورة»، فتلك المعرفة «لا تخلو» من أن تكون إيمانا ، أو لا تكون إيمانا ، وهما باطلان ؛ لأنّه إن كانت تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة الحاصلة في الدنيا من جهة الاكتساب إيمانا ؛ لأنّهما متضادّان ؛ فإنّ المعرفة الحاصلة بالاكتساب أنّه ليس بجسم ، وليس في مكان ، وليس بمتكمّم ولا متكيّف . والرؤية بالعين لا تكون إلّا بإدراك صورة متحيّزة من شأنها الانطباع في مادّة جسمانيّة ، والمعرفة الحاصلة من جهتها معرفة بالمرئي بأنّه متّصفة بالصفات المدركة في الصورة ، فهما متضادّان لا يجتمعان في المطابقة للواقع ، فإن كانت هذه إيمانا لم تكن تلك إيمانا ، فلا يكون في الدنيا مؤمن ؛ لأنّهم لم يروا اللّه عزّ ذكره ، وليس لهم المعرفة من جهة الرؤية إنّما لهم المعرفة من جهة الاكتساب ، فلو لم تكن إيمانا لم يكن في الدنيا مؤمن . «وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا» أي اعتقادا مطابقا للواقع يقينيّا وكانت المعرفة الاكتسابيّة إيمانا «لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب من أن تزول» عند المعرفة من جهة الرؤية في المعاد ؛ لتضادّهما ، ولا تزول ؛ لامتناع زوال الإيمان في الآخرة . وهذه العبارة يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال عند الرؤية والمعرفة من جهتها؛ لتضادّهما ، والزوال مستحيل لا يقع ؛ لامتناع زوال الإيمان في الآخرة . وثانيها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال وتكون متّصفةً بكليهما في المعاد عند وقوع الرؤية والمعرفة من جهتها ؛ لامتناع اجتماع الضدّين ، وامتناع زوال الإيمان في المعاد ، والمستلزم لاجتماع النقيضين مستحيل . وثالثها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال ولابدّ من أحدهما، فكلّ منهما محال . وأمّا بيان أنّ الإيمان لا يزول في المعاد _ بعد الاتّفاق والإجماع عليه _ أنّ الاعتقاد الثابت المطابق للواقع الحاصل بالبرهان مع معارضة الوساوس الحاصلة في الدنيا ، يمتنع زوالها عند ارتفاع الوساوس والموانع . على أنّ الرؤية عند مجوّزيها إنّما يقع للخواصّ من المؤمنين والكمّل منهم في الجنّة ، فلو زال إيمانهم لزم كون غير المؤمن أعلى درجة من المؤمن ، وكون الأحطّ مرتبة أكمل من الأعلى درجةً . وفساده ظاهر . (6) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : سمعت السيّد السند الشيخ محمّد الحائري سبط الشهيد الثاني _ رحمهما اللّه _ قال : قلت لمولانا أحمد الأردبيلي قدس سره : كأنّ راوي هذا الحديث محمّد بن عبيد بن صاعد الواقفي الغير الموثّق ، وعداوة الواقفة له عليه السلام وجرأتهم وعنادهم معلومة ، فكأنّه افترى عليه عليه السلام هذا الدليل المدخول؟ فقال : قد مضى في كلام ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ أنّه لم يذكر في كتابه هذا إلّا الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام فكأنّه عليه السلام كلّم الراوي بكلام إقناعي بقدر ما وجد فيه من العقل .

.


1- . في «ب» و «ج» : «على نوعين» .
2- . في المصدر : «قويّةٌ» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 .
4- . التعليقة على اُصول الكافي، ص 223.
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 380 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 325 _ 327 .

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ . فَكَتَبَ عليه السلام :«لَا تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ يَنْفُذُهُ الْبَصَرُ ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ ، لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ ، وَكَانَ فِي ذلِكَ الِاشْتِبَاهُ ؛ لِأَنَّ الرَّائِيَ مَتى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ ، وَجَبَ الِاشْتِبَاهُ ، وَكَانَ ذلِكَ التَّشْبِيهَ ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبَّبَاتِ» .

هديّة :يعني (أسأله) عن شيئين (عن الرؤية) التي قالت عامّة العامّة بجوازها في الآخرة بهذا البصر ، وعن اختلافهم بعد هذا الاتّفاق في التجسيم اللّازم من تجويز الرؤية ؛ فطائفة منهم قالوا به ، كالحنابلة وغيرها ، لا كالأشاعرة وسائر طوائف العامّة بتجويزهم رؤية غير الجسم والجسماني بهذا البصر على خلاف العادة ، حتّى أنّهم قالوا : يجوز على خلاف العادة رؤية الصوت والطعم والرائحة بهذا البصر . في بعض النسخ : «ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء لم ينفذ البصر» بإثبات «لم» قبل «ينفذ» وإسقاط الضمير المنصوب بعده . والمراد بالهواء في الجواب : الفضاء شاغلاً بعنصر الهواء أو لا ، ولكون مثله من السفسطيّات لم يلتفت عليه السلام إلى الجواب عنه واكتفى بالجواب عن الأوّل . (فإذا انقطع الهواء) يعني فإذا امتنع بالاتّفاق توسّط فضاء بين الرائي والمرئي المفروضين ؛ لاستلزامه بالانتهاء إلى المرئي أن يكون المرئي محدودا شبيها بما له حدّ وغاية امتنعت الرؤية قطعا . (وكان في ذلك الاشتباه) يعني وثابت في ذلك التوسّط التشبيه و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» . (1) (لأنّ الرائي) تعليل لاستلزام التوسّط التشبيه . و(السبب الموجب) بكسر الجيم يعني الشرط الرابط . (وكان ذلك التشبيه) يعني وثابت أنّ الاشتباه هو التشبيه الممنوع . (لأنّ الأسباب) تعليل للزوم الاشتباه . وقال الفاضل الإسترابادي : «وكان في ذلك الاشتباه» يعني كون الرّائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم مشابهة المرئي بالرّائي في الوقوع في جهة ، وفي الجسميّة ؛ فإنّ كون الشيء في طرف مخصوص من الهواء سبب عقلي ؛ لكونه جسما ، فيلزم المشابهة بين الربّ وبين الرائي في الكون في الجهة وفي الجسميّة ، وقد مضى أنّه أخرجه عن الحدّين . (2) وقال برهان الفضلاء : «لا تجوز الرؤية» _ إلى قوله _ : «لم تصحّ الرؤية» توطئة مقدّمةٍ لتحرير محلّ النزاع . والمراد بالهواء الفضاء . «وكان في ذلك الاشتباه» إلى قوله : «وجب الاشتباه» تحرير محلّ النزاع ، «وكان» عطف على «لم يصحّ» . و«في ذلك» أي في انقطاع الهواء عنهما . «الاشتباه» يعني غلط الناس بسبب المشابهة بين الحقّ والباطل ، يعني امتناع الرؤية وصحّتها . و«السبب» بمعنى الوسيلة ، وهي هنا الفضاء . و«الموجبة» بكسر الجيم ، أي ما يوجب الرابط بين الشيئين . «وكان ذلك التشبيه» إلى آخر الحديث : دليل عقليّ على امتناع الرؤية . و«الواو» في «وكان» عطف على «كان» في «ذلك الاشتباه» . واحتمل : «وكأن ذلك التشبيه» بفتح الهمزة والنون الساكنة في «وكان» والفعل الماضي من الدلالة متّصلاً بالمفعول بدل ذلك ، قال : يعني وكأنّ دليل الذي سمّي بدليل التشبيه أراك طريق امتناع الرؤية . وحمل «الأسباب» على الأدلّة ، و«المسبّبات» بالنتائج . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لا تجوز الرؤية» يعني الحقّ أنّه لا تجوز الرؤية بالعين ، وما بعده دليل على عدم جواز الرؤية . وتقريره أنّه «ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء لم ينفذ البصر» سواء كان الإبصار بالانطباع ، كما هو الظاهر من الرواية السابقة . وذهب إليه المشاؤون ؛ أو بالشعاع ، كما هو مذهب آخرين من الحكماء . «فإذا» لم يكن بينهما هواء «وانقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية» بالبصر . «وكان في ذلك» أي في كون الهواء بين الرائي والمرئي «الاشتباه» يعني شَبَه كلّ منهما بالآخر . يقال : اشتبها : إذا أشبه كلّ منهما الآخر . «لأنّ الرائي متى ساوى المرئيّ» وماثله في النسبة «إلى السبب» الذي أوجب بينهما في الرؤية «وجب الاشتباه» ومشابهة إحداهما الآخر في توسّط الهواء بينهما . (3) «وكان ذلك التشبيه» أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي للرائي في الوقوع في الجهة حتّى يصحّ كون الهواء بينهما ، فيكون متحيّزا ذا صورة وضعيّة ؛ فإنّ كون الشيء في طرف مخصوص من طرفي الهواء ، وتوسّط الهواء بينه وبين شيء آخر سببٌ عقليّ للحكم بكونه في جهة ، ومتحيّزا ذا وضع وصورة وضعيّة ومشابها لمخلوقه في الصورة ، وهو المراد بقوله : «لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات». (4) انتهى . ضبط «لم ينفذ البصر» كالبعض ، وقرأ «الموجب» بفتح الجيم «وكان ذلك التشبيه» برفع «التشبيه» . وفي كتاب التوحيد روى الصدوق بإسناده ، عن أحمد بن إسحاق، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس ، فكتب : «لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر ، فإذا انقطع عن الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية ، وكان في ذلك الاشتباه ؛ لأنّ الرائي متى ساوى المرئي لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات» . (5) وفي توجيه آخر الحديث _ كما في كتاب التوحيد _ أقوال ، أقربها أنّ المحاذوات . بمعنى المحاذاة ، وضمير «اتّصالها» للواسطة المفهومة سياقا ، و«المسبّبات» عبارة عن كلّ ما يرى ، والأقرب أنّ الحمل على الإسقاط أولى .

.


1- . الشورى (42) : 11 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 .
3- . في «ب» و «ج» : + «فيكون متحيّزا» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 328 _ 329 .
5- . التوحيد ، ص 109 ، ح 7 ، بتفاوت وزيادة في المصدر .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَضَرْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، أَيَّ شَيْءٍ تَعْبُدُ؟ قَالَ :«اللّه َ تَعَالى» قَالَ : رَأَيْتَهُ؟ قَالَ : «بَلْ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْاءِبْصَارِ ، وَلكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْاءِيمَانِ ، لَا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، وَلَا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ ، مَوْصُوفٌ بِالْايَاتِ ، مَعْرُوفٌ بِالْعَلَامَاتِ ، لَا يَجُورُ فِي حُكْمِهِ ، ذلِكَ اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا هُوَ» . قَالَ : فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد» .

ص: 130

هديّة :الأولى (بمشاهدة الإبصار) بكسر الهمزة؛ لما لا يخفى . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «بمشاهدة العيان .» القاموس : لقيته عيانا _ ككتاب _ أي معاينة لم يشكّ في رؤيته إيّاه . (1) ولعلّ الغرض من (ولكن) أن الانكشاف بالإيمان الحقيقي والاعتقاد الثابت الذي لا يغلط أكثر منه بالبصر الظاهري الذي قد يغلط . (ولا يشبه) على المعلوم من الإفعال . أشبه : صار شبيها . وضبط برهان الفضلاء على المجهول من التفعيل . (موصوف بالآيات) القرآنيّة صامتها وناطقها ، (معروف بالعلامات) وآثار القدرة وشواهد الربوبيّة من الأنبياء والأوصياء . وفسّر النجم في قوله تعالى : «وَ عَلَ_مَ_تٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (2) بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، والعلامات بالأئمّة عليهم السلام . (3) «اللَّهُ أَعْلَمُ» مأخوذ من آية سورة الأنعام، (4) قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه : «رسالته» بالإفراد ، وسائر القرّاء : «رسالاته» بالجمع . (5) ولعلّ تعجّب الرجل من مشاهدة آثار الإمامة وشأنها عنده عليه السلام . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولمّا سمع منه السائل هذا الكلام أقرّ بمنزلته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخرج وهو يقول : «اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» . (6)

.


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 251 (عين).
2- . النحل (16) : 16 .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 206 _ 207 ، باب أن الأئمّة هم العلامات ... ، ح 1 _ 3 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 256 ، ح 10 .
4- . الأنعام (6) : 124 .
5- . مجمع البيان ، ج 4 ، ص 557 ذيل الآية 124 ، من الأنعام (6) .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .

ص: 131

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قال :«جَاءَ حِبْرٌ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ حِينَ عَبَدْتَهُ؟» قَالَ : «فَقَالَ : وَيْلَكَ ، مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّا لَمْ أَرَهُ ، قَالَ : وَكَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ : وَيْلَكَ ، لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ فِي مُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ ، وَلكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْاءِيمَانِ» .

هديّة :«الحبر» واحد أحبار اليهود . وقد مرّ بيانه . (وكيف رأيته) يعني على أيّ صورة . (وفي) للسببيّة أو ظرف الزمان . وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله بإسناده ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن اللّه _ عزّ وجلّ _ هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال : «نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة» فقلت : متى؟ قال : «حين قال «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى» (2) » ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال : «وإنّ المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا؟» قال أبو بصير : فقلت له : جُعلت فداك، فاُحدّث بهذا عنك؟ قال : «لا ، فإنّك إذا حدّثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول له ، ثمّ قدّر أنّ ذلك تشبيه، كفر ، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى اللّه عمّا يصفه المشبّهون والملحدون» . (3) قوله عليه السلام : «ألست تراه» بالقلب بحقيقة الإيمان ؛ لقوله : «وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين» ؛ ولعدم قول السائل : «لا» استئذانه للتحديث عنه عليه السلام . «ثمّ قدّر» والتقدير بمعنى التخمين .

.


1- . في الكافيالمطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . الأعراف (7) : 172 .
3- . التوحيد ، ص 117 ، ح 20 .

ص: 132

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ ، فَقَالَ :«الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ ، وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ الْعَرْشِ ، وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ الْحِجَابِ ، وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ السِّتْرِ ، فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ، فَلْيَمْلَؤُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» .

هديّة :(الشمس) أي نور الشمس ، وكذا في سائر الفقرات . ولعلّ «السبعين» فيها كناية عن الكثرة التي حسابها مع اللّه تعالى ، وكثيرا يكنّى بمثل السبعين والمأة والألف عن الكثرة البالغة كذلك . كما في قوله تعالى في سورة التوبة : «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّه ُ لَهُمْ» (2) . قال برهان الفضلاء : «يروون» بالواوين من الرواية . وقوله : «الشمس» إلى قوله «من نور الستر» حكاية رواية المخالفين ، بقرينة ما يجيء في الثالث من الباب الحادي عشر ، وأحاديث الباب العشرين . يعني فقال عليه السلام : هذا حديث صحيح عندهم . (فإن كانوا صادقين) في بعض النسخ : «فإذا كانوا صادقين» . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فيما يَرون» من الرؤية . وفي بعض النسخ : «يروون» من الرواية ، أي فيما ينقلونه من رواية الرؤية . والمراد بالشمس نور الشمس . وكذا في أمثاله . (3) وهذه الأنوار الأربعة فوق نور الشمس منشأها بنصّهم عليهم السلام نور نبيّنا صلى الله عليه و آله وأوّل خلق اللّه نوره صلى الله عليه و آله . (4) وقال بعض المعاصرين : الأنوار الأربعة إشارة إلى النور الخيالي والنفسي والعقلي والإلهي ؛ فالخيالي مظاهره أبدان الحيوانات الأرضيّة وصدر الإنسان الصغير ، وأعظم المظاهر لأعظم أفراده هو الكرسيّ الذي هو صدر الإنسان الكبير ، والنور النفسي مظاهره في هذا العالم قلوب بني آدم ، وأعظم المظاهر لأعظم أفراده هو العرش ، وهو قلب العالم الكبير ، ولهذا نسبه إلى العرش ، وهو مظهر النور العقلي الذي نسبه إلى الحجاب ؛ لأنّ العقل حجاب المشاهدة ، وهو مظهر النور الإلهي الذي نسبه إلى الستر ؛ لأنّه مستور عن العقول . وهذه الأنوار كلّها من سنخ واحد بسيط لاتفاوت بينها إلّا بالشدّة والضعف ؛ لأنّ حقيقة النور ليست إلّا نفس الظهور ؛ أعني الظاهر لنفسه المظهر لغيره ، فلا شيء أظهر منه ، ولا يمكن الاطّلاع على شيء من أفرادها إلّا بالمشاهدة الحضوريّة ، وكلّ ما كان منها أشدّ ظهورا فهو أخفى من إدراك هذه الحواسّ الظاهرة الجسمانيّة ونسبتها إلى الذات الإلهيّة التي هي نور الأنوار نسبة المتناهي إلى غير المتناهي . (5) انتهى .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار، عن صفوان بن يحيى» .
2- . التوبة (9) : 80 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 333 .
4- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 99 ، ح 140 ؛ بحارالأنوار ، ج 54 ، ص 170 ، ح 117 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 383 .

ص: 133

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابن عيسى ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ، بَلَغَ بِي جَبْرَئِيلُ مَكَانا لَمْ يَطَأْهُ قَطُّ جَبْرَئِيلُ ، فَكُشِفَ لَهُ ، فَأَرَاهُ اللّه ُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ» .

هديّة :«الباء» في (بلغ بي) للتعدية ، أو للمصاحبة فأولى؛ لما لا يخفى . (فكشف له) إلى آخر الحديث ، كلام الرضا عليه السلام . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «فكشف لي فأراني» وبتقديم «جبرئيل» على «قطّ .» (2) والمراد بطائفة من نور عظمة اللّه تعالى : نور ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بدليلٍ ، وكأنّ هو مطلوبه صلى الله عليه و آله . قال برهان الفضلاء : «نور العظمة» منقسم بعظمة اللّه تعالى إلى أنوار أربعة ، كما سيجيء في الأوّل في الباب العشرين ، باب العرش والكرسي : «إنّ العرش خلقه اللّه تعالى من أنوار أربعة : نور أحمر منه احمرّت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرّت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرّت الصفرة ، ونور أبيض ومنه البياض . وهو العلم الذي حمّله اللّه الحَمَلة» . ونور الولاية نور العظمة ، أحبّ اللّه أن يريه رسوله صلى الله عليه و آله وأحبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يراه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فكشف له فأراه اللّه من نور عظمته ما أحبّ» يحتمل أن يكون من كلام الرضا عليه السلام . و[لا] (3) يبعد أن يكون من تتمّة قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيحمل على الالتفات من التكلّم إلى الغيبة ، أو على كون الضمير في «فأراه اللّه » لجبرئيل عليه السلام . واعلم أنّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ قال في الكافي بعد هذا الحديث بلا فاصلة بباب ، أو كلام ، أو مثلهما : (في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» ثمّ ذكر قبله (4) باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه جلّ وتعالى ثلاثة أحاديث ، فقال برهان الفضلاء _ بعد ذكره أنّ أحاديث الباب، باب في إبطال الرواية، أحد عشر _ : إنّ قوله : «في قوله «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» تتمة هذا الحديث . و«في» بمعنى «مع» كما في «خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ» (5) ، فذكر عليه السلام هذه الفقرة دفعا لتوهّم من توهّم الرؤية ليلة المعراج _ ثمّ قال _ : ولا يبعد ما قال الفاضل المحقّق مولانا ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه الله : إنّه ليس من تتمّة الحديث ، بل ابتداء كلام من صاحب الكافي بمنزلة عنوان الباب للأحاديث الثلاثة التي بعده . وقال الفاضل الإسترابادي مولانا محمّد أمين رحمه الله : في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ» كلام مستأنف في تفسير قوله تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» أي الكلام في قوله تعالى . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» كلام مستأنف عن محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله ومعناه : الكلام في تفسير قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ» وما ورد فيه من الأحاديث أورده في ذيل باب إبطال الرؤية بالعين ؛ للمناسبة ، ولكون (7) الإدراك بالأوهام في حكم الإبصار بالعيون ؛ ولأنّ نفي الإدراك بالأوهام يلزمه نفي الإدراك بالعيون . (8) أقول : قد أشار السيّد الأجلّ إلى أنّ «الأبصار» في هذه الآية مفسّرة بالأوهام من غير خلاف ، كما في الأحاديث الثلاثة التالية ، فنحن نقتفي الأكثر فنقول : قال ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ في الكافي في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نصر» .
2- . التوحيد ، ص 108 ، ح 4 .
3- . أضفناه من المصدر . وفي جميع النسخ : «يبعد» بدون «لا» .
4- . كذا في جميع النسخ ولعلّ الصحيح : «بعده» ؛ لأنّ باب النهي عن الصفة ... بعد هذا الباب لا قبله ، وأيضا ذكر الكليني _ طاب ثراه _ بعد قوله : في قوله تعالى : لا تدركه ... ثلاثة أحاديث في معنى هذه الآية . فلاحظ وتدبّر لعلّ في العبارة سقط أو سهو .
5- . القصص (28) : 79 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 .
7- . في جميع النسخ : «ويكون» بدل «ولكون» . و ما أثبتناه من المصدر .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 334 .

ص: 134

. .

ص: 135

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ التميمي، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تبارك وتعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ» قَالَ :«إِحَاطَةُ الْوَهْمِ ؛ أَ لَا تَرى إِلى قَوْلِهِ : «قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ» ؟ لَيْسَ يَعْنِي بَصَرَ الْعُيُونِ «فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ» : لَيْسَ يَعْنِي مِنَ الْبَصَرِ بِعَيْنِهِ «وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْها» : لَيْسَ يَعْنِي عَمَى الْعُيُونِ ، إِنَّمَا عَنى إِحَاطَةَ الْوَهْمِ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ بَصِيرٌ بِالشِّعْرِ ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالثِّيَابِ ، اللّه ُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرى بِالْعَيْنِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن عبداللّه بن سنان» .

ص: 136

هديّة :قال اللّه تبارك وتعالى في سورة الأنعام : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» (1) ، والمراد بالوهم في (إحاطة الوهم) بصيرة القلب ، كما نصّ عليه في التاليين . (ألا ترى إلى قوله) يعني بلا فاصلة . قال برهان الفضلاء : ولذا لم يستدلّ عليه السلام بقوله تعالى : «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الْأَبْصَارِ» (2) . الظاهر : «يعني من أبصر» مكان «يعني من البصر» . قيل : ويستفاد من هذا الخبر أنّ المراد بالأبصار في الآية الكريمة ما يشمل أبصار العيون وأبصار القلوب ، فالمعنى : إنّما عنى إحاطة بصر القلب مجرّدة عن بصر العين فضلاً عنها بتوسّطه . وقال الفاضل الإسترابادي : «إحاطة الوهم» يعني المراد أنّ القلوب لا تدرك كنهه تعالى ؛ فإنّ امتناع الرؤية بالعين أظهر من أن يحتاج إلى البيان . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إحاطة الوهم» أي المراد نفي إحاطة الوهم ، ويلزمه نفي الإبصار بالعين ، فأفاد نفي الإبصار بالأوهام مطابقةً ، ونفي الإبصار بالعيون التزاما . وقوله : «ألاترى» استشهاد لصحّة إرادة إدراك الأوهام من إدراك الأبصار . وقوله : «اللّه أعظم» تأييد لكون المراد إدراك الأوهام لا إدراك العيون . وتقريره: أنّه سبحانه أعظم من أن يشكّ ويتوهّم فيه أنّه يدرك بالعين حتّى يُنفى عنه ويُتعرّض لنفيه ، إنّما المتوهّم إدراكه بالقلب فهو الحقيق بأن يتعرّض لنفيه ، ويلزم منه نفي الإدراك بالعين . قال : وفي بعض النسخ : «اللّه أعلم من أن يرى بالعين» وينبغي أن يحمل على أنّه أوسع علما من أن يُحاط بالعين ، ويكونَ علمه علم ما يحاط بالعين ويحدّد به . (4) أقول : أو يحمل بعد قراءة «يرى» على المعلوم على أنّ بعض المخالفين كالحنابلة القائلين بالتجسيم لمّا زعموا أنّ «وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» دلالة بحكم التناظر على أنّه تعالى يرى الأبصار بالبصر ، وهم قالوا : يعني لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يدركها ، فقال عليه السلام ردّا عليهم : «اللّه أعلم من أن يرى بالعين» أي يعلم بها ، واللّه أعلم .

.


1- . الأنعام (6) : 103 _ 104 .
2- . الحشر (59) : 2 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 _ 114 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 334 _ 335 .

ص: 137

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَحْمَدَ ، (1) عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ اللّه ِ : هَلْ يُوصَفُ؟ قَالَ (2) :«أَ مَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» ، قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «أَ مَا تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» ؟» ، قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «فَتَعْرِفُونَ الْأَبْصَارَ؟» ، قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «مَا هِيَ؟» ، قُلْتُ : أَبْصَارُ الْعُيُونِ ، فَقَالَ : «إِنَّ أَوْهَامَ الْقُلُوبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ ، فَهُوَ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَوْهَامَ» .

هديّة :(هل يوصف) أي بحدِّ أو بكيفيّة كالمحسوسات لتعرف ذاته مثلنا . (أكبر) بالمفردة ؛ أي أكبر إدراكا وأدقّ ، فمقتضى مقام الثناء دركه تعالى أوهام القلوب ، فالمنفيّ في القرينة درك الأوهام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أكبر» لإحاطتها بما لا يصل إليها أبصار العيون ، فهو أحقّ بأن يتعرّض لنفيه _ قال _ : والمراد بأوهام القلوب إدراك القلوب . ولمّا كان إدراك القلب بالإحاطة بما لا يمكن أن يحاط به وهما عبّر عنه بأوهام القلوب . (3) أقول : وأيضا في هذا التعبير لطف ظاهر في المقام ، وإشارة إلى أنّ غير المعرفة بالكنه وَهْم، وهو شأن جميع ما سوى اللّه ، وقد قال صلى الله عليه و آله : «ما عرفناك حقّ معرفتك» . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد» .
2- . في الكافي المطبوع : «فقال» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 335 .
4- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 132 ، ح 227 ؛ بحارالأنوار ، ج 68 ، ص 23 .

ص: 138

الحديث الحادي عشرروى في الكافي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» ؟ فَقَالَ :«يَا أَبَا هَاشِمٍ ، أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ ؛ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ السِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلَا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ ، وَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لَا تُدْرِكُهُ ، فَكَيْفَ أَبْصَارُ الْعُيُونِ؟!»

هديّة :يعني الجواد عليه السلام . «الأبصار» في الجواب في الموضعين يحتمل الإفراد والجمع ، والمآل واحد . قال برهان الفضلاء : «لا تدخلها» من باب الإفعال ، من دَخِلَ كعلم بمعنى فسد _ قال _ : وإن كان من باب نصر كان المراد بالإدراك إدراك كنه الذات لا الشخص، وهو في المحسوسات لا يمكن بدون إحساسها . و«لا تدركها» عطف على «تدرك» . وهو كما ترى . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «أدقّ» حيث يصل إلى ما لا يصل إليه إدراك العيون ، ويدقّ عن أن يدرك بها . «فكيف أبصار العيون» أي يلزم من نفي أوهام القلوب نفي أبصار العيون ، فنفيها نفي لهما . (2) قال ثقة الإسلام: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : الْأَشْيَاءُ (3) لَا تُدْرَكُ إِلَا بِأَمْرَيْنِ : بِالْحَوَاسِّ ، وَالْقَلْبِ ؛ وَالْحَوَاسُّ إِدْرَاكُهَا عَلى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ : إِدْرَاكا بِالْمُدَاخَلَةِ ، وَإِدْرَاكا بِالْمُمَاسَّةِ ، وَإِدْرَاكا بِلَا مُدَاخَلَةٍ وَلَا مُمَاسَّةٍ . فَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ ، فَالْأَصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ وَالطُّعُومُ . وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ ، فَمَعْرِفَةُ الْأَشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ ، وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ . وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ ، فَالْبَصَرُ ؛ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَيِّزِهِ ، وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ ، فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ ، وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ ، فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ ، أَدْرَكَ مَا يُلَاقِي مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْخَاصِ ، فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلى مَا لَا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ ، رَجَعَ رَاجِعا ، فَحَكى مَا وَرَاءَهُ ، كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لَا يَنْفُذُ بَصَرُهُ فِي الْمِرْآةِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ ، رَجَعَ رَاجِعا يَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ، وَكَذلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي ، يَرْجِعُ رَاجِعا فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ . فَأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ ، فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ ويتمثّله ، 4 فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودا ، رَجَعَ رَاجِعا فَحَكى مَا فِي الْهَوَاءِ . فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلى مَا لَيْسَ مَوْجُودا فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ اللّه ُ وَعَزَّ ؛ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذلِكَ ، لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلَا مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ ، كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ ، تَعَالَى اللّه ُ أَنْ يُشبه (4) خَلْقُهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عمّن ذكره» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 336 .
3- . في الكافي المطبوع : + «كلّها» .
4- . في الكافي المطبوع : «أن يشبهه» .

ص: 139

هديّة :أورد ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ بإسناده هذا الكلام عن هشام بن الحكم في ذيل هذا الباب لمناسبته أحاديث الباب . (ولا في حيّزه) أي ولا يداخله غيره في حيّزه . ولعلّ مراده من قوله : (فأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء ، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ويتمثّله) إنّ القلب إنّما يدرك بسبب إدراكه بواسطة الحواس الظاهريّة جميع ما في فضاء الدنيا فضاءً خياليّا بجميع ما فيه من الاُمور المتوهّمة والمتمثّلة بما في فضاء الدنيا وإن كان فضاؤه الخيالي أضعاف أضعاف الفضاء الظاهري ، فهو لا يدرك إلّا الاُمور المحدودة المتناهية ، فإذا حمل على إدراك ما لا حدّ له ولا نهاية رجع راجعا، فحكى المحدود والمتناهي ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما لا حدّ له ولا نهاية، ولا يمكنه إحاطته بالفضاء الخيالي وإن بالغ في توسّعه عالم الخيال . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : الظاهر أنّ هذا الكلام لهشام في بيان مضمون ما سمع من الإمام ، وهو مضمون الحديث الرابع في هذا الباب عن أبي الحسن الثالث عليه السلام فكان قد سمعه عن آبائه عليهم السلام . فقوله : «الأشياء لا تدرك» إلى قوله : «ولا في حيّزه» توطئة منه لبيان مضمون الرابع . وقوله : «وإدراك البصر له سبيل وسبب» إلى قوله : «إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره» لبيان ذلك على ما فهم من كلام الإمام على خلاف ما فهمنا منه وبيّنّا . وعلى ما فهمه وبيّنه يرد أشياء ، منها : أنّ الظاهر من بيانه أنّ الضياء شرط لمطلق الرؤية وهو منتقص برؤية الخفّاش في الظلام . وقوله : «فأمّا القلب» إلى آخر الحديث ، تقوية لمضمون التاسع والعاشر والحادي عشر قصدا منه إلى تقريب امتناع إحاطته تعالى بأوهام القلوب إلى العقول ، لا ذكرا منه على نهج البرهان . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «أن يشبهه خلقه» بزيادة البارز المتّصل المنصوب . وقال بعض المعاصرين في كتابه : أورد في الكافي بعد هذه الأخبار الثلاثة خبرا آخر في هذا المعنى من كلام هشام بن الحكم، تركنا ذكره لعدم وضوحه . (1) وقال الفاضل الإسترابادي : قال الاُستاد المحقّق رئيس المحدِّثين مولانا ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه الله : لمّا كان ذهن هشام بن الحكم في غاية الاستقامة ، والتزم أن لا يتكلّم إلّا بما أخذه منهم صلوات اللّه عليهم أمروا الأئمّة عليهم السلام جمعا من الشيعة أن يأخذوا منه معالم دينهم ، فلذلك يروون كلامه كما يروون كلامهم . (2) ثمّ قال مولانا محمّد أمين رحمه الله بخطّه : «فأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء» المراد من الهواء عالَم الأجسام، أي الهواء وما في حكمه من جهة الجسميّة . والمراد أنّ القلب يتمكّن من إدراك عالم الأجسام إدراكا على وجه جزئيّ ، ولا يتمكّن من إدراك ما ليس بجسم ولا جسماني على وجه قال جزئي . لا يقال : ينتقض بإدراك النفس الناطقة ذاتها على وجه جزئي ، لأنّا نقول : الكلام في إدراك النفس الناطقة غيرها ، أو الكلام في العلم الحصولي لا الحضوري الذي يكفي في تحقّقه مجرّد حضور المعلوم عند العالم ؛ أي عدم غيبوبته عنه . أو المراد أنّ القلب يتمكّن من إدراك عالم الأجسام على وجه التخييل والتمثيل ، ولا يتمكّن من إدراك غير عالم الأجسام على ذلك الوجه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : لمّا أورد محمّد بن يعقوب الكليني _ طاب ثراه _ تلك الأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام في نفي الإبصار بالعيون وأوهام القلوب ذيّل الباب بما نقل عن هشام بن الحكم الذي هو رأس أصحاب الصادق عليه السلام ورئيسهم في الكلام الذي إنّما يظنّ به أنّه كلامٌ (4) مأخوذ عن أحاديث أهل البيت وأقوالهم عليهم السلام . قال : قوله : «إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره» يحتمل أن يكون المراد به : إذ لا سبيل للناظر إلى إنفاذ بصره ، حيث لا سبيل هنا ينفذ البصر فيه . ويحتمل أن يكون المراد : إذ لا سبيل للناظر من جهة إنفاذ البصر ؛ أي لا سبيل ينفذ بصره فيه . قال : «وأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء» أي البُعد الذي يسمّونه حيّزا «فهو يدرك جميع ما في الهواء» من المتحيّزات بذواتها أو صورها، «فإذا حمل القلب على» إدراك «ما ليس في الهواء موجودا» وليس يصحّ عليه التحيّز بذاته ، أو بصورة ذهنيّة (5) مناسبة له لائقة به «رجع راجعا» عمّا لا سبيل له إليه إلى ما يقابله من المتحيّزات . (6)

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 386 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 114 .
3- . المصدر .
4- . في المصدر : «كلامه» .
5- . في المصدر : «وهيئة» بدل «ذهنيّة» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 337 _ 338 .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه جل و تعالى

الباب العاشر : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصِّفَةِ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ جلّ و تَعَالىوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَتِيكٍ الْقَصِيرِ ، قَالَ : كَتَبْتُ عَلى يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَنَّ قَوْما بِالْعِرَاقِ يَصِفُونَ اللّه َ بِالصُّورَةِ وَبِالتَّخْطِيطِ ، فَإِنْ رَأَيْتَ _ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ _ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنَ التَّوْحِيدِ . فَكَتَبَ إِلَيَّ :«سَأَلْتَ _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ عَنِ التَّوْحِيدِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قِبَلَكَ ، فَتَعَالَى اللّه ُ الَّذِي «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ، تَعَالى عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ ، الْمُشَبِّهُونَ اللّه َ بِخَلْقِهِ ، الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللّه ِ ، فَاعْلَمْ _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ فِي التَّوْحِيدِ مَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ في (2) صِفَاتِ اللّه تَعالى ، فَانْفِ عَنِ اللّه ِ عزّ ذكره الْبُطْلَانَ وَالتَّشْبِيهَ ، فَلَا نَفْيَ وَلَا تَشْبِيهَ ، هُوَ اللّه ُ الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ ، تَعَالَى اللّه ُ عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ ، وَلَا تَعْدُوا الْقُرْآنَ ؛ فَتَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ» .

هديّة :(بالصورة) قيل _ بدليل التالي للتالي _ : أي بأنّه جسد مجوّف إلى السُرّة . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : قال ابن الأثير في نهايته : الخطّ: علم معروف وللناس فيه تصانيف كثيرة ، يستخرجون به الضمير وغيره . (3) فيمكن أن يكون المراد بالتخطيط أنّهم أخرجوا توصيفه تعالى بالصورة من علم الخطّ . وقال برهان الفضلاء : أي بالهيكل المجوّف . و«بالتخطيط» أي بتناسب أعضاء الجسد، وقد يقال : شابّ مخطّط ، أي موفّق ، حسن الهيكل ، متوافق الأعضاء . وبالفارسيّة : جوان خوش اندام . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بالصورة والتخطيط» أي الشكل الحاصل بإحاطة الحدود والخطوط . (4) وقيل : مخطّط ؛ أي متهيّأ بهيئة حَسَنةٍ لظهور مبدأ شعر اللّحية كالخطّ الحسن على صفحة العارض . (مَنْ قِبَلك) بفتح الميم وكسر القاف ؛ أي من عندك . قد سبق بيان نفي الحدّين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه في هديّة الثاني من الباب الثاني . (هو اللّه الثابت الموجود) ناظر إلى نفي البطلان . و(تعالى اللّه عمّا يصفه الواصفون) إلى نفي التشبيه . (ولا تعدوا) من باب غزا ، أي ولا تجاوزوا ما فيه على ما فسّره قيّمه المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن ابن أبي نجران» .
2- . في الكافي المطبوع : «من» .
3- . النهاية ، ج 2 ، ص 117 (خطط) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 339 .

ص: 144

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام :«يَا أَبَا حَمْزَةَ ، إِنَّ اللّه َ تعالى لَا يُوصَفُ بِالمَحْدُودِيَّةٍ ، (2) عَظُمَ رَبُّنَا عَنِ الصِّفَةِ ، وَكَيْفَ (3) يُوصَفُ بِمَحْدُودِيَّةٍ مَنْ لَا يُحَدُّ وَ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُوَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» ؟!» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير» .
2- . في الكافي المطبوع : «بمحدوديّة» .
3- . في الكافي المطبوع : «وكيف» .

ص: 145

هديّة :(بالمحدوديّة) أي بالصفات التي تحيط بالأوهام كما في الأجسام والجسمانيّات . وفي بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «بمحدوديّة» وقال : من الحدّة ، يعني بمحدوديّة الأذهان والأوهام وذكائها ودقّتها ، فالباء للآلة ؛ أي بمدد حدّتها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بمحدوديّة» أي بانتهاء الحقيقة العقليّة والعينيّة بالعوارض والصفات العرضيّة العقليّة أو الحسّيّة . ثمّ قال : «عظم ربّنا عن الصفة» ؛ أي كلّ خارج عارض لاحق بالحقيقة . (1) أقول : أو الألف واللام للعهد الخارجي ، يعني عن الوصف المذكور ، والآية في سورة الأنعام . (2)

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (3) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَا : دَخَلْنَا عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَحَكَيْنَا لَهُ أَنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله رَأى رَبَّهُ فِي صُورَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ فِي سِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَقُلْنَا : إِنَّ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وَصَاحِبَ الطَّاقِ وَالْمِيثَمِيَّ يَقُولُونَ : إِنَّهُ أَجْوَفُ إِلَى السُّرَّةِ ، وَالْبَقِيَّةُ صَمَدٌ . فَخَرَّ سَاجِدا لِلّهِ ، ثُمَّ قَالَ :«سُبْحَانَكَ مَا عَرَفُوكَ ، وَلَا وَحَّدُوكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ وَصَفُوكَ ، سُبْحَانَكَ لَوْ عَرَفُوكَ ، لَوَصَفُوكَ بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، سُبْحَانَكَ كَيْفَ طَاوَعَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يُشَبِّهُوكَ بِغَيْرِكَ؟! اللّهُمَّ ، لَا أَصِفُكَ إِلَا بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، وَلَا أُشَبِّهُكَ بِخَلْقِكَ ، أَنْتَ أَهْلٌ لِكُلِّ خَيْرٍ ، فَلَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا ، فَقَالَ : «مَا تَوَهَّمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَوَهَّمُوا اللّه َ غَيْرَهُ» . ثُمَّ قَالَ : «نَحْنُ _ آلَ مُحَمَّدٍ _ النَّمَطُ الْأَوْسَطُ الَّذِي لَا يُدْرِكُنَا الْغَالِي ، وَلَا يَسْبِقُنَا التَّالِي ؛ يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حِينَ نَظَرَ إِلى عَظَمَةِ رَبِّهِ كَانَ فِي هَيْئَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ ، وَسِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ؛ يَا مُحَمَّدُ ، عَظُمَ رَبِّي وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ» . قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَنْ كَانَتْ رِجْلَاهُ فِي خُضْرَةٍ؟ قَالَ : «ذاكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلى رَبِّهِ بِقَلْبِهِ ، جَعَلَهُ فِي نُورٍ مِثْلِ نُورِ الْحُجُبِ حَتّى يَسْتَبِينَ لَهُ مَا فِي الْحُجُبِ ؛ إِنَّ نُورَ اللّه ِ مِنْهُ أَخْضَرُ ، وَمِنْهُ أَحْمَرُ ، وَمِنْهُ أَبْيَضُ ، وَمِنْهُ غَيْرُ ذلِكَ ؛ يَا مُحَمَّدُ ، مَا شَهِدَ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، فَنَحْنُ الْقَائِلُونَ بِهِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 340 _ 341 .
2- . الأنعام (6) : 103 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بَكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد» .

ص: 146

هديّة :(فحكينا له) أي ما يرويه العامّة ويعتقدونه . في بعض النسخ : «في هيئة الشابّ الموفّق» يقال : شابّ موفّق ، أي حسن الهيئة ، متوافق الأعضاء ، كما قيل : أي الكامل في شبابه وخلقته وجماله . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : يحتمل أن يكون هذا من باب الاشتباه الخطّي ، وأن يكون في الأصل : «الشابّ الريّق» (1) كسيّد . راق الشيء : لمع . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الشابّ الموفّق» أي المستوي ، من أوفق الإبل : إذا اصطفّت واستوت . وقيل : يحتمل أن يكون هذا من باب الاشتباه الخطّي ، وأن يكون في الأصل : «الشابّ الرّيّق» . والظاهر على هذا الاحتمال أن يكون «الموقّف» بتقديم القاف على الفاء ؛ أي المزيّن ؛ فإنّ الوقف سِوار من عاج ، يُقال : وقّفه ، أي ألبسه الوقف . فالمراد المزيّن بأيّ زينةٍ كانت . (2) وقد يطلق على الذي هيّأت له أسباب الطاعة والصلاح . (وصاحب الطاق) هو أبو جعفر الأحول ، محمّد بن النعمان الملقّب بمؤمن الطاق . (والميثمي) هو أحمد بن الحسن . وهذه الثلاثة من أصحاب الصادق عليه السلام ثقات لا كلام في عِظَم شأنهم واستقامتهم ، إلّا أنّ أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم قيل: إنّه واقفي . (3) فقيل : ولم يثبت . وقد قال الشيخ في فهرسته : إنّه صحيح الحديث سليم . (4) وقال النجاشي : وهو على كلّ حال ثقة صحيح الحديث معتمدٌ عليه . (5) في بعض النسخ : «والباقي صمد» مكان «والبقيّة صمد» . و«الصمد» لغةً غير الأجوف ، زعمت القدريّة كما ذكر بعض المعاصرين في كتابه : أنّ العالم كلّه شخص واحد وذات واحدة ، له جسم وروح ؛ فجسمه جسم الكلّ ، أعني الفلك الأقصى بما فيه ، وروحه روح الكلّ ، والمجموع صورة الحقّ الإله . فقسمه الأسفل الجسماني أجوف ؛ لما فيه من معنى القوّة الإمكانيّة والظلمة الهيولانيّة الشبيهة بالخلا والعدم . وقسمه الأعلى الروحانيّ صمد ؛ لأنّ الروح العقلي موجود فيه بالفعل بلا جهة إمكان استعداديّ ومادّة ظلمانيّة . (6) سبحانه وتعالى شأنه عمّا يقول الملحدون ، كيف طاوعتهم أنفسهم _ أي الشيطان _ بالطوع والرغبة في القول بالتشبيه؟! (ما توهّمتم من شيء) نفي لحدّ التشبيه . وفي الحديث عن الباقر عليه السلام : «كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم . ولعلّ النّمل الصغار تتوهّم أنّ للّه سبحانه زبانيّين، فإنّ ذلك كمالها ، وتتوهّم أنّ عدمها نقصان لمن لم يتّصف بهما ، وهكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به» (7) الحديث . و«الزّبانا» بالضمّ والقصر : القرن ، وزبانيا العقرب : قرناها . (نحن آل محمّد النمط الأوسط) «الآل» نصب على الاختصاص ، و«النّمط» محرّكة : الطريقة والنوع من الشيء والجماعة من الناس أمرهم واحد ، و«الأوسط» : إشارة إلى اختصاص الخطاب في قوله تعالى في البقرة : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» (8) بالأئمّة عليهم السلام . وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «خير هذه الاُمّة النمط الأوسط ، يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي» . (9) وهو غير مناف لما في هنا من قوله عليه السلام : (لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي) ؛ فإنّ المراد بالغالي : الغالي في التوحيد ، كالصوفيّة القائلين بوحدة الوجود . فالمعنى هنا : لا يدركنا الغالي ؛ للمباينة التامّة بين توحيدنا وتوحيدهم ، وهي بعينها مباينة الإيمان والشرك . وهناك : ويرجع إليهم الغالي في رجوعه عن غلوّه في التوحيد ؛ وهذا مراد من قال : الغالي لا يدركهم عليهم السلام إلّا أن يرجع إليهم ، والتالي لم يصل بعدُ إليهم وليس له أن يسبقهم . وقال برهان الفضلاء : «التالي» أي المتأخّر كالمجسّمة ، و«الغالي» : من لم يعلم موجودا سوى اللّه كالصوفيّة . ثمّ قال : وغرض الإمام عليه السلام إنّنا وشيعتنا كهشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي في تقيّة، فسبقنا تقيّة على التالي في مذهبه بحيث لا يسبقنا (10) هو ، ولا يصل في رجوعه إلينا الغالي . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : قد مضى في كلام ثقة الإسلام أنّه لم يذكر في كتابه هذا إلّا الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام بالمعنى المعتبر عند القدماء . والسرّ في أمثال هذا الحديث أنّ بعض العامّة كذبوا على المشهورين من أصحاب الأئمّة عليهم السلام وشنّعوا عليهم بمذاهب باطلة لأن يسقطوهم من أعين الناس ، والراوي يذكر عند الإمام عليه السلام مااشتهر بين الناس في حقّهم وقد يذمّهم الإمام من باب التقيّة ، فلا قدح فيهم ولا في الرواية . (11) (حين نظر إلى عظمة ربّه) يعني إلى نورٍ من نورها ، بدليل الأوّل في الباب التاسع . (جعله في نور مثل نور الحجب) في الحديث : «إنّ للّه عزّ وجلّ سبعا وسبعين حجابا من نور لو كشف عن وجهه لأحرقت سُبُحات وجهه ما أدركه بصره» وفي رواية : «سبعمائة حجاب» وفي اُخرى : «سبعين ألف حجاب» . (12) وفي اُخرى : «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» . (13) وفسّر الوجه بالذات وبنور الإمام أيضا ، والعلم بالعلم الجوهري . «سُبُحات وجه ربّنا» بضمّ السين والباء أي: جلالته . «استبان» : ظهر فانكشف .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 114 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 341 .
3- . كما في خلاصة الأقوال ، ص 319 ، الرقم 4 .
4- . الفهرست ، ص 22 ، الرقم 56 .
5- . رجال النجاشي ، ص 74 ، الرقم 179 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 407 .
7- . البحار ، ج 66 ، ص 293 .
8- . البقرة (2) : 143 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 408 ؛ ورواه بهذا اللفظ عن عليّ عليه السلام في تاج العروس ، ج 10 ، ص 435 (نمط) . وراجع : الأمالي للمفيد ، ص 3 ، المجلس الأول ، ح 3 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 125 ، ح 1292 .
10- . في «ب» و «ج» : «لم يسبقنا» .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115 .
12- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 106 ، ح 158 .
13- . بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 54 .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عن هَارُونُ بْنُ الْجَهْمِ ، (1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : قَالَ :«لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنْ يَصِفُوا اللّه َ بِعَظَمَتِهِ ، لَمْ يَقْدِرُوا» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن بشير البرقي ، قال : حدّثني عبّاس بن عامر القصباني ، قال : أخبرني هارون بن الجهم» .

ص: 150

هديّة :يعني أن يصفوه ويثنوا عليه من عندهم بدون توسّط الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه تعالى ، وهو الذي لا إله إلّا هو ، فلا عالم به إلّا هو ، ولذا لا يجوز لغيره وصفه إلّا بما وصف به نفسه . قال برهان الفضلاء : يعني لا يعلم أحد بوصفه الموافق ، وثنائه اللّايق بدون الوحي ؛ لأنّه تعالى لا يحسّ فالعلم به بالنظر إلى الجميع من علم الغيب ، ولا يعلم الغيب إلّا اللّه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : وذلك لأنّ الوصف إنّما هو بألفاظ وعبارات موضوعة لمعاني مدركة للعقول والمدارك القاصرة من الإحاطة بقطرة من قطراتِ بحرِ عظمته ، وكيف يقدر أحدٌ على وصف من لا يعرفه حقّ معرفته _ لا بذاته ولا بصفات عظموته (1) وجبروته _ بما يعجز عن إدراكه من عظموته وجبروته؟! فغاية قصارى مقدور أكابر هذه البقعة الإمكانيّة والهياكل الجسمانيّة والروحانيّة أن يُقرّوا بالعجز عن وصفه بما هو أهل ، وباتّصافه بما هو وصف به نفسه قائلين : لا نُحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك . (2)

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَدانِيِّ ، (3) قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام : أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ مَوَالِيكَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : جِسْمٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : صُورَةٌ . فَكَتَبَ عليه السلام بِخَطِّهِ :«سُبْحَانَ مَنْ لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُوصَفُ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ _ أَوْ قَالَ _ : الْبَصِيرُ» .

.


1- . في المصدر في الموضعين : «عظمته» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 345 .
3- . في الكافي المطبوع : «الهمذاني» بالذال المعجمة .

ص: 151

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . (فمنهم من يقول) أي تبعا لروايات العامّة زعما منهم أنّها صحيحة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ ففي بعضها : أنّه (جسم) صمد مصمت ، وفي اُخرى : أنّه (صورة) . قال برهان الفضلاء : أي هيكل مجوّف . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «صورة» أي ذات صورة مشكّلة . (1) (من لا يحدّ) كالجسم ، ويخلق من الأجسام وغيرها ما يشاء . (ولا يوصف) كالصورة ، ويصوّر لخلقه ما يشاء من الصور . (أو قال البصير) يعني مكان العليم ، كما في سورة الشورى . (2) والشكّ من سهل .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عن سَهْلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : كَتَبَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهماالسلام إِلى أَبِي :«أَنَّ اللّه َ أَعْلى وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُبْلَغَ كُنْهُ صِفَتِهِ ؛ فَصِفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَكُفُّوا عَمَّا سِوى ذلِكَ» .

هديّة :يظهر من الكشّي رحمه الله أنّ هذا الكتاب كان منه عليه السلام في جواب السؤال عن مباحثة الهشامين تقيّة في الجسم والصورة . (3)

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (4) عَنْ حَفْصٍ أَخِي مُرَازِمٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ ، قَالَ : سَأَ لْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصِّفَةِ ، فَقَالَ :«لَا تَجَاوَزْ مَا فِي الْقُرْآنِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 345 .
2- . الشورى (42) : 11 .
3- . رجال الكشي ، ص 279 ، الرقم 500 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «سهلٌ ، عن السندي بن الربيع ، عن ابن أبي عمير» .

ص: 152

هديّة :أي (من الصفة) في التوحيد . (لا تجاوز) من المفاعلة ، أو التفاعل بحذف إحدى التائين ، نهي أو نفي بمعناه . وفي بعض النسخ : «لا تجاوزوا» على الجمع .

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقَاسَانِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَيْهِ عليه السلام : أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ . قَالَ : فَكَتَبَ عليه السلام :«سُبْحَانَ مَنْ لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُوصَفُ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» » .

هديّة :يعني إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام . وبيان الحديث كنظائره .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ بِشْرِ بْنِ بَشَّارٍ النَّيْسَابُورِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام : أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : جِسْمٌ ، (3) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : صُورَةٌ . (4) فَكَتَبَ :(5) «سُبْحَانَ مَنْ لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُوصَفُ ، وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» » .

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . في بعض النسخ بزيادة «إليّ» قبل «سبحان» وبيان الحديث كنظيره ، وهو الخامس .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عن سهلٍ» .
2- . يعني عن سهل .
3- . في الكافي المطبوع: «هو جسم».
4- . في الكافي المطبوع : «هو صورة» .
5- . في الكافي المطبوع : + «إليّ» .

ص: 153

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٌ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ : قَدِ اخْتَلَفَ _ يَا سَيِّدِي _ أَصْحَابُنَا فِي التَّوْحِيدِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هُوَ جِسْمٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : صُورَةٌ ، (1) فَإِنْ رَأَيْتَ يَا سَيِّدِي ، أَنْ تُعَلِّمَنِي مِنْ ذلِكَ مَا أَقِفُ عَلَيْهِ وَلَا أَجُوزُهُ ، فَعَلْتَ مُتَطَوِّلاً عَلى عَبْدِكَ . فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ عليه السلام :«سَأَلْتَ عَنِ التَّوْحِيدِ ، وَهذَا عَنْكُمْ مَعْزُولٌ ، اللّه ُ وَاحِدٌ أَحَدٌ «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ» ، خَالِقٌ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، يَخْلُقُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَجْسَامِ وَغَيْرِ ذلِكَ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ ، وَيُصَوِّرُ مَا يَشَاءُ وَلَيْسَ بِصُورَةٍ ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبْهٌ ، هُوَ لَا غَيْرُهُ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» » .

هديّة :(وهذا عنكم معزول) قيل : يعني ومثل السؤال بدولتنا وتعليمنا عن شيعتنا مثلكم بعيد مبعد ، وقيل : يعني اعتقاد الجسم أو الصورة . وقيل : أي المعرفة بالكنه عنكم ؛ أي عن المخلوق . وقال برهان الفضلاء : يعني أنّ سؤالك دلالة على أنّ التوحيد زال عنكم ؛ لحصر الاختلاف في أمرين باطلين . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «معزول» أي تحقيقه بمدارككم وعقولكم ساقط عنكم ؛ لعجز عقولكم عن الإحاطة به ، وعن الوصول إلى حقّ تحقيقه ، إنّما المرجع لكم في التوحيد وصفه سبحانه بما وصف به نفسه من أنّه واحد . (2) إلى آخر الحديث .

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، (3) عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ اللّه َ لَا يُوصَفُ ، وَكَيْفَ يُوصَفُ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ : «وَما قَدَرُوا اللّه َ حَقَّ قَدْرِهِ» ؟! فَلَا يُوصَفُ بِقَدَرٍ إِلَا كَانَ أَعْظَمَ مِنْ ذلِكَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «هو صورة» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 347 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى» .

ص: 154

هديّة :(لا يوصف) قيل : أي بالكنه وكيفيّة الحقيقة . وقال برهان الفضلاء : أي بالرأي بلا توسّط الوحي . أقول : أي لا يقدر أحد على وصفه من عند نفسه، ولا يبلغ كنه عظمته كما في التالي . والآية في الأنعام والزّمر . (1) (بقدر) أي من العظمة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وما قدروا اللّه حقّ قدره» أي ما عظّموه حقّ تعظيمه، «فلا يوصف بقدر» ولا يعظّم تعظيما «إلّا كان أعظم من ذلك» . (2)

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ اللّه َ عَظِيمٌ رَفِيعٌ ، لَا يَقْدِرُ الْعِبَادُ عَلى صِفَتِهِ ، وَلَا يَبْلُغُونَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ ، «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» وَلَا يُوصَفُ بِكَيْفٍ ، وَلَا أَيْنٍ وَحَيْثٍ ، وَكَيْفَ أَصِفُهُ بِالْكَيْفِ وَهُوَ الَّذِي كَيَّفَ الْكَيْفَ حَتّى صَارَ كَيْفا ، فَعُرِفَتِ الْكَيْفُ بِمَا كَيَّفَ لَنَا مِنَ الْكَيْفِ؟! أَمْ كَيْفَ أَصِفُهُ بِأَيْنٍ وَهُوَ الَّذِي أَيَّنَ الْأَيْنَ حَتّى صَارَ أَيْنا ، فَعُرِفَتِ الْأَيْنُ بِمَا أَيَّنَ لَنَا مِنَ الْأَيْنِ؟! أَمْ كَيْفَ أَصِفُهُ بِحَيْثٍ وَهُوَ الَّذِي حَيَّثَ الْحَيْثَ حَتّى صَارَ حَيْثا ، فَعُرِفَتِ الْحَيْثُ بِمَا حَيَّثَ لَنَا مِنَ الْحَيْثِ؟! فَاللّه ُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ دَاخِلٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَخَارِجٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» لَا إِلهَ إِلَا هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ «وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» » .

.


1- . الأنعام (6) : 91 ؛ الزمر (39) : 67 ؛ الحجّ (22) : 74 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 347 .

ص: 155

هديّة :(على صفته) أي من عند أنفسهم بلا توسّط الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (ولا يبلغون كنه عظمته) أصلاً . (لا تدركه الأبصار) لا أوهام القلوب كنهه ، ولا أبصار العيون شخصه . و«الحيث» : وصف أعمّ من الكيف والأين والزمان . قرأ برهان الفضلاء : «وهو الذي كيّف الكيّف حتّى صار كيِّفا» كسيّد . وكذا : «بما كيّف لنا من الكيّف» . وهكذا في «الأيّن» و«الحيّث» في الفقرات الباقية . قال الفاضل الإسترابادي : «فعرفت الكيف بما كيّف» تفسير لقوله : بل الخلق يعرفون باللّه . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وهو الذي كيّف الكيف» أي هو موجد الكيف ومحقّق حقيقته في موضوعه حتّى صار كيفا له ، فعرفت الكيفيّة بما أوجده فينا وجعله حالاً لنا من الكيف ، فالمعلوم لنا من الكيف ما نجده فينا منه وأمثالنا ، (2) ولا تعرف كيفا سوى أنواع هذه المقولة التي نجدها من حقائق صفاتنا وطبائعها ، واللّه سبحانه أجلّ من أن يوصف بها بالاتّحاد أو القيام والحلول . كذا الكلام في الأين والحيث ، والمراد بالأين كون الشيء في المكان ، أو الهيئة الحاصلة للمتمكّن باعتبار كونه في المكان ، وهو أيضا ممّا أوجده سبحانه ، وحقّق حقيقته في موضوعه حتّى صار أينا له . والحيث اسم للمكان للشيء ، واللّه سبحانه موجده ومحقّق حقيقته وجاعله مكانا للمتمكّن فيه ، فاللّه سبحانه أجلّ من أن يوصف بما ذكر ، وبسائر ما لا يفارق الإمكان . «داخل في كلّ مكان» أي حاضر بالحضور العقلي والإحاطة العلمي ، غير غائب فلا يعزب عن المكان ولا المتمكّن فيه ، ولا يخلو عنه مكان بأن لا يحضره بالحضور العقلي والشهود العلميّ . وأمّا الدخول كما للمتمكّن في المكان أو للجزء العقلي أو الخارجي في الكلّ ، فهو سبحانه منزّه عنه وخارج من كلّ شيء . (3) تفسير لقوله : «هو خلوّ من خلقه وخلقه خلوّ منه» . (4)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 308 .
2- . في المصدر : «أمثالها» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 348 ، بتفاوت .
4- . تقدّم في باب إطلاق القول بأنّه شيء .

ص: 156

. .

ص: 157

باب النهي عن الجسم و الصورة

الباب الحادي عشر : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْجِسْمِ وَ الصُّورَةِوأحاديثه كما في الكافي ثمانية :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ يَرْوِي عَنْكُمْ : أَنَّ اللّه َ جِسْمٌ صَمَدِيٌّ نُورِيٌّ ، مَعْرِفَتُهُ ضَرُورَةٌ ، يَمُنُّ بِهَا عَلى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ . فَقَالَ عليه السلام :«سُبْحَانَ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ إِلَا هُوَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُحَسُّ ، وَلَا يُجَسُّ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَلَا الْحَوَاسُّ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ ، وَلَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا تَخْطِيطٌ وَلَا تَحْدِيدٌ» .

هديّة :(عليّ بن أبي حمزة) البطائني قائد أبي بصير يحيى بن أبي القاسم ، واقفيّ كذّاب . قال الكشّي : قال له أبو الحسن عليه السلام : أنت وأصحابك أشباه الحمير . (2) وقال الرضا عليه السلام : سئل عليّ بن أبي حمزة في قبره عنّي فوقف فضرب على رأسه ضربةً فامتلأ قبره نارا . (3) وقال الغضائري : هو لعنه اللّه أشدّ الخلق عداوةً للوليّ بعد أبي إبراهيم عليه السلام . (4) فما سمعه من هشام على تقدير الصحّة تقيّة منه ؛ إذ لا قدح فيه لأحد من العصابة ، وعدم تكذيبه عليه السلام إيّاه مؤيّد . (ضرورة) على الرفع بالخبريّة عن «المعرفة» . واحتمل برهان الفضلاء النصب على الحاليّة على جوازها عن المبتدأ . وفي نسخة الفاضل الإسترابادي اُعربتْ بالرّفع، وكتب بخطّه : معرفة اللّه اضطراريّ على كلّ نفس لا كلّ مخلوق؛ لشموله الجمادات . (ولا جسم) إلى آخر الحديث ، يحتمل النصب ، ف «لا» لنفي الجنس . (ولا يجسّ) أي لا يمسّ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . رجال الكشي ، ص 443 _ 445 ، الرقم 832 ، 835 ، 836 .
3- . . رجال الكشي ، ص 444 ، الرقم 833 _ 834 .
4- . رجال ابن الغظائري ، ص 83 ، الرقم 107 ؛ وحكاه عنه في خلاصة الأقوال ، ص 363 ، الرقم 1 .

ص: 158

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلِ ، (1) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الْجِسْمِ وَالصُّورَةِ ، فَكَتَبَ :«سُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السميع البصير ، (2) لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ» . وَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ إِلَا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَ .

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . «لا» في «لا جسم» لتأكيد النفي . ومدخولها يحتمل النصب والرفع . و(رواه) كلام ثقة الإسلام . (لم يسمّ) أي لم يعيّن لا بالاسم ، ولا بالكنية ، ولا باللّقب كالهادي .

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : جِئْتُ إِلَى الرِّضَا عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَأَمْلى عَلَيَّ :«الْحَمْدُ لِلّهِ فَاطِرِ الْأَشْيَاءِ إِنْشَاءً ، وَمُبْتَدِعِهَا ابْتِدَاءً (4) بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، لَا مِنْ شَيْءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الِاخْتِرَاعُ ، وَلَا لِعِلَّةٍ ؛ فَلَا يَصِحَّ الِابْتِدَاعُ ، خَلَقَ مَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ ، مُتَوَحِّدا بِذلِكَ لِاءِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ ، لَا تَضْبِطُهُ الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، ولَا تُدْرِكُهُ (5) الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ ، عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وَضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ ، احْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد» .
2- . في الكافي المطبوع : - «وهو السميع البصير» .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع» .
4- . في الكافي المطبوع : «ابتداعا» .
5- . في الكافي المطبوع : «لا تدركه» بدون الواو .

ص: 159

هديّة :أمليت الكتاب، اُملي إملاء ، وأمللته اُملّ إملالاً لغتان جيّدتان جاء بهما القرآن . (1) ولا همز في أملا عليّ ؛ فإنّ أصله الواو لا الهمزة . والتعريف في (الأشياء) للاستغراق . (إنشاء) بلا موادّ قديمة وماهيّات ثابتة ، فنفي للجعل المركّب . (ابتداءً) بلا اقتضاء شيء من الطبائع القديمة ، فنفى للإيجاب ، فيبطل الاختراع ، أي الإنشاء الموصوف ، فلا يصحّ الابتداع ، أي الإيجاد المذكور . (وحقيقة ربوبيّته) أي لإظهار تفرّده بالحكمة وحقيقة الربوبيّة ، بدليل قوله بلا فاصلة (لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأبصار) لا أوهام القلوب ولا أبصار العيون . (ولا يحيط به مقدار) لا عقليّا ولا خارجيّا . (عجزت دونه) أي دون وصفه بالكنه . (وكلّت دونه الأبصار) عجزت دون إدراكه البصائر والأبصار . (وضلّ فيه تصاريف الصفات) يعني فَقَد واضمحلّ في بابه صفات الإمكانيّة المتغايرة المتغيّرة . (بغير حجاب محجوب) أي محاط بالأوهام . (بغير سترٍ مستور) أي محصور بالأنظار . وكأنّه هذا مراد من قال : يعني بحجاب غير محجوب ، وستر غير مستور . وكذا من قال : «محجوب» أي محدود ، «مستور» أي محفوف . وقرئ : «حجابِ محجوبٍ ، وسترِ مستورٍ» على الإضافة في بعض النسخ ، كما ضبط برهان الفضلاء : «لا إله إلّا هو الكبير المتعال» بالضمير مكان الجلالة . قال برهان الفضلاء : الفطر والإنشاء والاختراع هنا بمعنى ، وهو الإيجاد بلا مادّة قديمة . ولمّا كان الفطر أكثر استعمالاً في هذا المعنى _ فإنّه بمعنى الشقّ ، فكأنّه تعالى شقّ حصار العدم وأخرج من كتمه العالم _ قدّمه عليه السلام ثمّ ذكر الإنشاء ، لتناسبه لفظ الابتداء ، كالاختراع لفظ الابتداع . وكلّ من الإنشاء والابتداء مفعول مطلق للنوع ؛ يعني الإنشاء العجيب والابتداء الغريب . «بقدرته» متعلّق بالفاطر ، و«حكمته» بالمبتدع . «لا من شيء» خبر مبتدأ محذوف ، يعني حدوث الأشياء لا من شيء ، يعني لا من مادّة قديمة _ كما زعمت المشّاؤون من زنادقة الفلاسفة _ ولا لعلّة ، أي فائدة عائدة إلى الإيجاد ، كما زعمت الإشراقيّون منهم . «خلق ما شاء» لبيان سابقه . و«التوحّد» : مبالغة في الوحدة . «وحقيقة ربوبيّته» أي خلوص ربوبيّته . «بغير حجاب محجوب» أي حجاب يكون له حجاب ، و«بغير سترٍ مستور» كذلك . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي بغير حجاب يحجبه وهو الحجاب الذي يكون باطنه محجوبا ؛ فإنّ ما لا يكون باطنه محجوبا لا يكون حاجبا ، وما لا يكون باطنه مستورا لا يكون ساترا . (2) وقد مرّ بيان محتملات الفقرتين في شرح خطبة الكافي مفصّلاً .

.


1- . لسان العرب ، ج 15 ، ص 291 (ملا) .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 352 .

ص: 160

. .

ص: 161

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : وَصَفْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام قَوْلَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ ، وَحَكَيْتُ لَهُ قَوْلَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، أَنَّهُ جِسْمٌ . فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ تَبارك وتَعَالى لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، أَيُّ فُحْشٍ أَوْ خَنا أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَصِفُ خَالِقَ الْأَشْيَاءِ بِجِسْمٍ أَوْ صُورَةٍ ، أَوْ بِخِلْقَةٍ ، أَوْ بِتَحْدِيدٍ وَأَعْضَاءٍ؟ تَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيرا» .

هديّة :(وصفت) يعني ما اشتهر بين الناس من قول الِهشامَين . وقد ثبت أنّ أمثال القول من مثلهما إنّما هي على التقيّة والأغراض الصحيحة بتعليم الإمام ، ولذا سكت عليه السلام عن ذكرهما وذمّهما بخصوصهما . وذكر الكشّي _ بعد الإطراء في مدحهما كما هو المشهور بل المجمع عليه؛ لأخبار صحيحة في مدحهما وثقتهما واستقامتهما في المذهب _ : أنّهما باحثا لغرض صحيح منعقد من نحو عشرين ، فأخذ ابن الحكم في الاستدلال للقول بالجسم ، والجواليقي للقول بالصورة فاشتهر ذلك . وقال الفاضل الإسترابادي : وصفت يعني الخيالات الواهية المنسوبة إلى الهشامين . (2) و«الجواليق» كمصابيح : جمع الجُوالَق بضمّ الجيم وفتح اللام معرّب جوال . و«الخناء» بفتح المعجمة والنون والمدّ : الفحش بالضمّ ، أو أفحشه بخلقةٍ ، أي بهيكل وشكل . قال السيّد الأجلّ النائيني : «أيّ فحش» أي أيّ قبيح شديد القبح في المناهي ، أو أيّ قول في المخاطب ، والمحكيّ عنه بوصفه بما لا يليق به بالغا في الظلم والعدوان غايته . «أعظم من قول من يصف سبحانه بجسم أو صورة»، ولعلّ الفحش ناظر إلى الجسم ، والخناء إلى الصورة ؛ فإنّ الأوّل تعبير عن الذات ، والثاني عن الصفات . ولم يتعرّض عليه السلام لتوبيخهما ؛ لعدم ثبوت القولين ، إنّما بالغ في بطلان المحكيّ عنهما . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عمّن ذكره ، عن عليّ بن العبّاس ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 353 .

ص: 162

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ الرُّخَّجِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَمَّا قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ فِي الجِسْمِ ، وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ فِي الصُّورَةِ . فَكَتَبَ عليه السلام :«دَعْ عَنْكَ حَيْرَةَ الْحَيْرَانِ ، وَاسْتَعِذْ بِاللّه ِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، لَيْسَ الْقَوْلُ مَا قَالَ الْهِشَامَانِ» .

هديّة :(حيرة الحيران) أي الضالّ عن الطريق بالتفكّر في الذات كالصوفيّ القدريّ . وقد قال ابن العربي : رأيت ربّي على صورة فرس . (واستعذ باللّه من الشيطان) ؛ فإنّ التصوّف من أفكاره العميقة في أواخر عمره، ذلك العمر بذلك الاجتهاد في اُموره وقد صلّى في السماء ركعتين في أربعة آلاف سنة . (2) وكلمة «ما» في (ما قال) كما قال برهان الفضلاء موصولة ، أو استفهاميّة ، أو نافية . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «دع عنك حيرة الحيران» يحتمل وجهين : أحدهما : أن يحمل السؤال على أنّه كيف قالا بهذين القولين مع اختصاصهما بالأئمّة عليهم السلام وشناعةِ القولين؟! والثاني : أن يحمل السؤال على أنّه هل يجوز أن يقال : إنّه سبحانه جسم ، أو يطلق فيه الصورة كما يحكى عن الهشامين؟ وهل يجوز له حقيقةً ، أو مجازا ، أو اصطلاحا؟ وهل المراد المعاني الظاهريّة ، أو غيرها؟ (3) فالحيرة عليهما تشمل الحيرة في أمرهما .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد رفعه» .
2- . في الأصل: «سنين»، والصواب ما اُثبت.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 353 _ 354 .

ص: 163

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ ظَبْيَانَ يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ يَقُولُ قَوْلاً عَظِيما إِلَا أَنِّي أَخْتَصِرُ لَكَ مِنْهُ أَحْرُفا ، يَزَعَمَ (2) أَنَّ اللّه َ تعالى جِسْمٌ ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ شَيْئَانِ : جِسْمٌ ، وَفِعْلُ الْجِسْمِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّانِعُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ . فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«وَيْلَهُ ، (3) أَمَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ ، وَالصُّورَةَ مَحْدُودَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ؟ فَإِذَا احْتَمَلَ الْحَدَّ ، احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، وَإِذَا احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، كَانَ مَخْلُوقا» . فقَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَقُولُ؟ قَالَ : «لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَهُوَ مُجَسِّمُ الْأَجْسَامِ ، وَمُصَوِّرُ الصُّوَرِ ، لَمْ يَتَجَزَّأْ ، وَلَمْ يَتَنَاهَ ،وَلَمْ يَتَزَايَدْ ، وَلَمْ يَتَنَاقَصْ ، لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَرْقٌ ، وَلَا بَيْنَ الْمُنْشِئِ وَالْمُنْشَاَ?، لكِنْ هُوَ الْمُنْشِئُ ، فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ جَسَّمَهُ وَصَوَّرَهُ وفرّقه (4) وَأَنْشَأَهُ ؛ إِذْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُشْبِهُ هُوَ شَيْئا» .

هديّة :(يونس بن ظبيان) كذّاب ملعون . وقال الغضائري : كوفيّ كذّاب وضّاع للحديث . (5) وقال النجاشي : مولى ضعيف جدّا لا يلتفت إلى روايته ، كلّ كُتُبه تخليط . (6) وقال الكشّي : متّهم غال . وروى أنّ الكاظم عليه السلام لعنه ألف لعنة يتبعها ألف لعنة ، كلّ لعنة منها يبلغ قعر جهنّم . (7) وقوله : «غال» يحتمل الغالي في التوحيد ، كالصوفيّة ، كما مرّ في الثالث في الباب العاشر . في بعض النسخ _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني (8) _ : «فزعم» مكان «يزعم» أي يدّعي . يحتمل (يجوّز) على المعلوم من التفعيل في الموضعين . والبارز في (ويله) والمستتر في «علم» لقائلِ ذلك القول اعتقادا لا تقيّة ، كهشام على الفرض . وفي قوله عليه السلام : (لو كان كما يقولون) على الجمع ، إشارة لطيفة على التوبيخ للقائلين بذلك اعتقادا . (لم يتجزّأ) يهمز على الأصل ، ولا يهمز تخفيفا . وكذا (المنشئ والمنشأ). (فرق بين من جسّمه) . قال برهان الفضلاء : من «الفرق» أو من «التفريق» يعني فرّق بين من جسّمه بتدبيره من وجوه ، كالفرق بين أفراد الإنسان والحيوان وغيرهما . وكذا فرّق بين أفراد من فرّقه وجزّاه ، وكذا بين أفراد من أنشأه واخترعه . وقال بعض المعاصرين : يعني فَرْق بينه وبين من جسّمه ، (9) فقرأ «فرق» على المصدر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي بين من جسّمه و«صوّره وأنشأه» وبين من لم يجسّمه ولم يصوّره ، أو بين كلّ ممّن جسّمه و غيره من المجسّمات . (10)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد ، عن عبداللّه بن المغيرة» .
2- . في الكافي المطبوع ، و هامش «الف» : «فزعم» .
3- . في الكافي المطبوع : «ويحه» .
4- . في الكافي المطبوع : - «وفرّقه» .
5- . رجال ابن الغضائري، ص 101، الرقم 152؛ وحكاه عنه في الخلاصة، ص 419، الرقم 2.
6- . رجال النجاشي ، ص 448 ، الرقم 1210 .
7- . رجال الكشي ، ص 363 _ 364 ، الرقم 672 _ 673 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 354 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 481 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 355 _ 356 .

ص: 164

. .

ص: 165

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْجِمَّانِيِّ ، (2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام : إِنَّ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ جِسْمٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، سَمِيعٌ ، بَصِيرٌ ، عَالِمٌ ، (3) قَادِرٌ ، مُتَكَلِّمٌ ، نَاطِقٌ ، وَالْكَلَامُ وَالْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ يَجْرِي مَجْرى وَاحِدٍ ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مَخْلُوقا . فَقَالَ :«قَاتَلَهُ اللّه ُ ، أَ مَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ ، وَالْكَلَامَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ؟ مَعَاذَ اللّه ِ ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللّه ِ مِنْ هذَا الْقَوْلِ ، لَا جِسْمٌ ، وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا تَحْدِيدٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ مَخْلُوقٌ ، إِنَّمَا يُكَوَّنُ الْأَشْيَاءُ بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ ، وَلَا تَرَدُّدٍ فِي نَفَسٍ ، وَلَا نُطْقٍ بِلِسَانٍ» .

هديّة :(الجماني) نسبة إلى أحد الأجداد . و«جمان» _ بالجيم والنون _ كغُراب : «اللّؤلؤ» . (مجرى واحد) على الإضافة . وما نسبه إلى ابن الحكم مذهب الحنابلة من العامّة بغفلتهم عن التناقض بين قولهم بالجسم وإقرارهم بأنّه ليس كمثله شيء ، وعن امتناع قدم الكلام . (قاتله اللّه ) أي قائله بغير تقيّة ، أو غرض صحيح . وقال برهان الفضلاء : لعلّ الهشام قال هذا الكلام قبل تشرّفه بخدمة الإمام ، و«زعم» على الماضي مؤيّد ، أو هذا الكلام منه كان في مجلس مباحثته تقيّة مع الجواليقي ، كما مرّ ، ف «قاتله اللّه » إنشاءُ التعجّب لا دعاءٌ عليه ، وقوله عليه السلام : «وأبرأ إلى اللّه من هذا القول» مكان القائل كما هو المتعارف مؤيّدٌ . (ولا تحديد) أي ولا محدود ، فالمصدر بمعنى المفعول . واحتمال الرفع والنصب جارٍ في المعطوف والمعطوف عليه . (إنّما يكون الأشياء بإرادته) دفع لشبهة توهّمت من قوله تبارك وتعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (4) ؛ وهي أنّ الكلام لو كان مخلوقا لكان مسبوقا بكلام آخر وهو قوله تعالى : «كُن» فيتسلسل . والجواب أنّ المراد منه إرادته ومشيّته . قال الزمخشري في كشّافه : «كُن» مجاز من الكلام ، وتمثيل ؛ لأنّه لا يمتنع عليه شيء من المكنونات ، وأنّه بمنزلة المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع . (5) ضبط برهان الفضلاء «في نفس» بالتحريك . ويحتمل سكون الفاء ، فالمراد إرادة النفس .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل» .
2- . في الكافي المطبوع : «الحِمّاني» .
3- . في الكافي المطبوع : «عالم ، سميع ، بصير» بدل «سميع ، بصير ، عالم» .
4- . يس (36) : 82 .
5- . الكشّاف ، ج 4 ، ص 31 ، ذيل الآية 82 من يس (36) .

ص: 166

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : وَصَفْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَوْلَ هِشَامٍ الْجَوَالِيقِيِّ وَمَا يَقُولُ فِي الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ ، وَوَصَفْتُ لَهُ قَوْلَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ» .

هديّة :قد سبق بيان (الشابّ الموفّق) وتوجيه قول الهشامين . قال السيّد الدّاماد الملقّب بثالث المعلّمين : كلّ ما نسب إلى الهشامين من التشبيه _ وهما على الأصحّ من الموثّقين بل توثيقهما واستقامتهما كالمجمع عليه _ فمأوّل إلى وجهٍ صحيح وغرض صريح . (2) وقال الشهرستاني في الملل والنحل بعدما نقل أنّ هشام بن الحكم غلا في حقّ عليّ عليه السلام : وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في الاُصول لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة ؛ فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ودون ما يظهره من التشبيه ، وذلك أنّه ألزم أبا هذيل العلّاف فقال : إنّك تقول : الباري تعالى عالم بعلمه (3) وعِلْمُه ذاتُه ، فيشارك المحدثات في أنّه عالم بعلم ، ويباينها في أنّ علمه ذاته فيكون عالما لا كالعالمين ، فلِمَ لا تقول : إنّه جسم لا كالأجسام ، وصورة لا كالصور ، وله قدر لا كالأقدار . (4) انتهى . وهو أيضا دليل منشأ الاشتباه على الناس في مذهب المشّائين . وما قيل : لعلّ صدور مثل ذلك عنهما قبل رجوعهما إلى الحقّ ، (5) فقد قيل : إنّ ابن الحكم كان قبل وصوله إلى خدمة الصادق عليه السلام حينا عند أبي شاكر الدّيصاني ، وحينا على رأي جهم بن صفوان، فلمّا وُفِّق لخدمة الصادق عليه السلام تاب ورجع إلى الحقّ ، فخلاف الظاهر من الأحاديث .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس» .
2- . لم نعثر عليه منه الفحص الأكيد .
3- . في المصدر : «بعلمٍ» .
4- . الملل والنحل ، ج 1 ، ص 185 .
5- . من القائلين الفيض في الوافي ، ج 1 ، ص 392 ؛ والسيّد بدرالدين العاملي في الحاشية على اُصول الكافي ، ص 88 .

ص: 167

. .

ص: 168

باب صفات الذات

الباب الثاني عشر : بَابُ صِفَاتِ الذَّاتِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«لَمْ يَزَلِ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ رَبَّنَا ، وَالْعِلْمُ ذَاتُهُ وَلَا مَعْلُومَ ، وَالسَّمْعُ ذَاتُهُ وَلَا مَسْمُوعَ ، وَالْبَصَرُ ذَاتُهُ وَلَا مُبْصَرَ ، وَالْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَلَا مَقْدُورَ ، فَلَمَّا أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَكَانَ الْمَعْلُومُ ، وَقَعَ الْعِلْمُ مِنْهُ عَلَى الْمَعْلُومِ ، وَالسَّمْعُ عَلَى الْمَسْمُوعِ ، وَالْبَصَرُ عَلَى الْمُبْصَرِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَقْدُورِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَلَمْ يَزَلِ اللّه ُ مُتَحَرِّكا؟ قَالَ : فَقَالَ : «تَعَالَى اللّه ُ ؛ (2) إِنَّ الْحَرَكَةَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ بِالْفِعْلِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَلَمْ يَزَلِ اللّه ُ مُتَكَلِّما؟ قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ بِأَزَلِيَّةٍ ، كَانَ اللّه ُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَلَا مُتَكَلِّمَ» .

هديّة :الألف واللام في (الذّات) في العنوان للعهد الخارجي ؛ يعني ذات الربّ تبارك وتعالى . وكلّ ما يحمل على الشيء بواسطة يُقال له : الصفة ، كالعلم يحمل على زيد في ضمن العالم وذي العلم ، وكذا القدرة في ضمن القادر وذي القدرة . وما يحمل على الشيء بلا واسطة يُقال له : الاسم . قال برهان الفضلاء : والمراد بالصفة الذات : الصفة التي يكون ثبوتها لذاته تعالى أزليّا وأبديّا بدوام الذات . وبعبارة اُخرى : هي التي لا يكون لها مصداق سوى الذات . وأمّا صفة الفعل ، فهي الصفة التي يكون ثبوتها (3) للذّات حادثا ومخصوصا بزمان وجود فعل من الأفعال ، فمصداقها المجموع المركّب من الذات والفعل ، والمجموع المركّب من الفعل وغير الفعل فعل ، كما سيجيء بيانه في آخر الباب الرابع عشر . وقال الفاضل الإسترابادي مولانا محمّد أمين رحمه الله : قد تقرّر في الحكمة والكلام أنّ الصفة قسمان : قسم له وجودان : وجود لغيره ، ووجود في نفسه كالبياض والسّواد . وهذا القسم له أسماء : منها : الصفة الحقيقيّة ، ومنها : الصفة الاستفهاميّة ، ومنها : الصّفة الزائدة على ذات الموصوف . وقسم له وجود لغيره فقط ، كالزوجيّة والفرديّة والإمكان والوجوب والعمى . وهذا القسم أيضا [له] أسماء : منها : الصفة الانتزاعيّة ، ومنها : الصفة الغير الحقيقيّة ، ومنها : الصفة الغير الزائدة . وقد تقرّر أيضا أنّ القسم الثاني ينقسم إلى قسمين : قسم منشأ انتزاعه مجرّد ذات الموصوف ، وقسم منشأ انتزاعه ذات الموصوف مع ملاحظة شيء آخر عدميّ أو وجوديّ معه . والمستفاد من كلامهم عليهم السلام أنّ صفاته تعالى كلّها انتزاعيّة ، وأنّ منشأ انتزاع بعضها مجرّد ذاته تعالى ، وعبّروا عليهم السلام عن هذا القسم بصفات الذات ، أي التي عين الذّات . ومنشأ انتزاع بعضها ذاته تعالى مع ملاحظة أثر من آثاره ، وعبّروا عليهم السلام عن هذا القسم بصفات الفعل ؛ أي التي مصداقها عين الفعل . ويستفاد من تصريحاتهم عليهم السلام أنّ كلّ صفة توجد هي ونقيضها في حقّه تعالى فهي من صفات الفعل ، وكلّ صفة ليست كذلك فهي من صفات الذات ، ولا ينتقض (4) تلك القاعدة بالأوّل والآخر ؛ لأنّ المراد من الأوّل في حقّه تعالى أنّه ليس قبله شيء و من الآخر أنّه ليس بعده شيء ، فلا تناقض بينهما . ثمّ قال : وأقول : يمكن إرجاع صفات الذات كلّها إلى معان سلبيّة ، مثلاً: نقول : ليس معنى القادر من قام به القدرة ، ولا معنى العالم من قام به العلم ، بل معناهما من ليس بعاجز ومن ليس بجاهل . ويمكن إرجاع صفات الفعل كلّها إلى معان وجوديّة ، مثلاً: معنى المشيئة والإرادة والتقدير : خلق نقوش في اللّوح المحفوظ مسمّاة بتلك الأسماء . ويمكن حمل صفات الذات على معان وجوديّة يصحّ انتزاعها منه تعالى . (5) وقال السيّد الداماد أمير محمّد باقر الحسيني رحمه الله : صفات الذات على قسمين : قسم لا إضافة له إلى غيره تعالى أصلاً ، كالحياة والبقاء . وقسم له إضافة إلى غيره ولكن يتأخّر إضافته عنه ، كالعلم والسّمع والبصر ؛ فإنّها عبارة عن انكشاف الأشياء في الأزل كلّيّاتها وجزئيّاتها ، كلٌّ في وقته وبحسب مرتبته وعلى ما هو عليه ، فيما لا يزال مع علمه بها في الأزل كما فيما لا يزال . وتسمّى مثل الخالقيّة والرازقيّة صفة الفعل ، وهي إضافة محضة . (6) ضمير «إضافته» و«عنه» في قوله للقسم . والغرض من حكاية قوله حكاية الاصطلاح لا غير . (لم يزل اللّه تبارك وتعالى ربّنا) لمّا ذهب أكثر الأشاعرة إلى أنّ صفات اللّه تعالى سبع : الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والتكلّم ؛ وكلّ منها موجودة في نفسها زائدة على الذات ، فأبطل عليه السلام بقوله هذا إلى قوله : «والقدرة على المقدور» قولهم في الخمس الاُول ، تعبيرا عن الحياة بالربوبيّة أزلاً وأبدا ؛ لاشتمالها على الحياة وزيادة . (وقع العلم منه) أي حدث لعلمه إضافة . قال الفاضل الإسترابادي : «وقع العلم منه على المعلوم» لا بمعنى أن التعلّق لم يكن بالفعل في الأزل ، بل الانطباق على المعلوم الخارجي ليس في الأزل ، أو يقال : العلم الحضوري ليس في الأزل . (7) ثمّ صرّح عليه السلام في الجوابين بعدُ : أنّ الإرادة والتكلّم حادثان فليسا بقديمين موجودين في نفسهما وإلّا لزم كون الذات محلّاً للحوادث . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا كان العلم عبارةً عمّا هو مناط انكشاف المنكشف على العالِم وكون العالم مطّلعا عليه ، والسمع كذلك إلى المسموع ، وكذا البصر بالنسبة إلى المبصَر ؛ والقدرة عبارةً عمّا هو مناط صحّة الصّدور واللّاصدور عن القادر حتّى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، وهي فينا كيفيّات وقوىً قائمة بذواتنا وأنفسنا ، ولا كذلك في حقّه سبحانه ، إنّما مناط هذه الاُمور ثمّة ذاته الأحديّة المقدّسة عن شوب الكيفيّات والقوى والعوارض والطوارئ ، فهو سبحانه موصوف بها بذاته ، ولا يسلب شيء منها عنه بالنسبة إلى شيء ممّا يصحّ نسبته إليه ، فلا يكون عالما بشيء وغير عالم بشيء يصحّ عليه المعلوميّة ، ولا يكون سميعا بشيء وغير سميع بشيء يصحّ عليه المسموعيّة ، وبصيرا بشيء وغير بصير بشيء يصحّ عليه المبصَريّة ، وقادرا على شيء وغير قادر على شيء يصحّ عليه المقدوريّة . (8) فهي صفات الذات ، وللذات بذاته المناطيّة فيها ، ولا مدخل للغير فيه . (قال : قلت : فلم يزل اللّه متحرّكا؟) أي متغيّرا بتغيّر الإرادة إذا كانت عين الذات . فأجاب عليه السلام : بأنّ الإرادة محدثة بسبب الفعل ، وهي نفس الإيجاد ، أو الفعل ، بمعنى المفعول ، كما سيفصّل بيانه في باب حدوث الأسماء . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فلم يزل اللّه متحرّكا؟» سؤال عن كونه منتقلاً من حال إلى حال . والجواب : نفي جواز اتّصافه بالحركة ؛ لكونها محدثة بالفعل ، أي بالإيجاد والتأثير ، فيكون من الموجودات الزائدة على الذات ، لا من السّلوب والإضافات ، فلا يمكن اتّصافه بها فضلاً عن أن يتّصف بها لذاته . (9) وقرأ برهان الفضلاء : «محدّثة» في الموضعين بالتشديد ، أي معدودة من الحوادث . قال : ويحتمل : «ولا متكلَّم» بفتح اللام ، أي المتكلّم به ، وهو الكلام أو المتكلّم له ؛ أي المخاطب . والمضبوط كسر اللام . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فلم يزل اللّه متكلّما؟» سؤال عن كون الكلام من صفاته الحقيقيّة الذاتيّة . والجواب : أنّ الكلام صفة محدَثة غير أزليّة ، والكلام فيه كالكلام في الحركة ، فلا اتّصاف له به حقيقة ، لا أزلاً ولا فيما يزال . والاتّصاف به فيما لا يزال إنّما يكون بالاتّصاف بالإضافة إليه ؛ حيث لا يعتبر في كون الكلام كلامَه قيامُ الكلام به ، كما هو في الحاضر ، وذلك بخلاف الحركة ؛ حيث يعتبر في كونها حركة للمتحرّك بها قيامها به . (10)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . في الكافي المطبوع : + «عن ذلك» .
3- . في جميع النسخ الثلاث : «ثبوته» .
4- . في المصدر : «و إلّا تنقض» بدل «ولا ينتقض» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 116 .
6- . لم نعثر عليه، نعم يمكن استفادة ذلك من تضاعيف كلامه في تقويم الإيمان، ص 309 _ 314 و 378 _ 380.
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 117 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 357 _ 358 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 358 .
10- . المصدر .

ص: 169

. .

ص: 170

. .

ص: 171

. .

ص: 172

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«كَانَ اللّه ُ وَلَا شَيْءَ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَزَلْ عَالِما بِمَا يَكُونُ ؛ فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ» .

هديّة :من كلام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين ، وعلمه بما في السماوات العُلى كعلمه بما في الأرضين السُّفلى» . (2) وقال عليه السلام : «لم يسبق له حال حالاً ، فيكون أوّلاً قبل أن يكون آخرا ، ويكون ظاهرا بعد أن يكون باطنا» (3) يعني حتّى يكون كذلك تعالى عن ذلك . قال برهان الفضلاء : الحديث ردّ على من قال : العلم بما لم يوجد بعدُ غير العلم به إذا وجد . ومن الحجج على بطلانه ، أنّ هذا القول على فرض صحّته لزم بطلانه ؛ لاستلزامه أن لا يكون العلم الأوّل بعلمٍ ؛ إذ لا يحدث علم إلّا بزوال جهل سابق ، ولا يزول علم إلّا بحدوث جهل لاحق . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ولم يزل عالما بما يكون» أي كان اللّه عالما لذاته (4) بجميع الأشياء ولم يكن شيئا موجودا غيره ، فهو لذاته بذاته مناط انكشاف جميع الأشياء [لا الأشياء بوجودها] (5) فعلمه بكلّ ما يوجد قبل كونه ، كعلمه به بعد كونه ؛ لعدم الاختلاف في مناط الانكشاف . (6) أقول : لا يلزم من اختلاف نسبة شيء وإضافته اختلافه بالاتّفاق ، فلا يلزم من تغيّر إضافات العلم وهو عين الذات إلّا التغيّر في الاعتبارات ، وهذا ملخّص البيانات .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين» .
2- . نهج البلاغة ، ص 233 ، الخطبة 163 .
3- . نهج البلاغة ، ص 96 ، الخطبة 65 .
4- . في المصدر : «لذاته عالما» .
5- . أضفناه من المصدر .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 359 .

ص: 173

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) عَنِ الْكَاهِلِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : فِي دُعَاءٍ : الْحَمْدُ لِلّهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ :«لَا تَقُولَنَّ مُنْتَهى عِلْمِهِ ؛ فَلَيْسَ لِعِلْمِهِ مُنْتَهىً ، وَلكِنْ قُلْ : مُنْتَهى رِضَاهُ» .

هديّة :وذلك لأنّ العلم من صفات الذات والرّضا من صفات الفعل ، فإنّ مصداقه إعطاء الثواب ، ورضاه سبحانه عن عبده غير الرضا عن الآخر . قال برهان الفضلاء : «منتهى» مصدر ميميّ ، وقد يستعمل المصادر بمعنى مقاديرها ، كرأيته حَلَب ناقة، ومن هذا القبيل «منتهى علمه ومنتهى رضاه» أي مقدار انتهائهما . ولا منتهى لعلمه ورضاه من صفات الفعل . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فليس لعلمه منتهى» أي ليس لمعلوماته عدد متناهٍ ، فلا يكون لعلمه عدد مُنْتَهٍ إلى حدّ ، أو ليس لعلمه بحمده نهاية بانتهاء حمده إلى حدّ لا يتصوّر فوقه حمد ، فلا يصحّ «الحمد للّه منتهى علمه» بمعنى «الحمد للّه حمدا بالغا عددا هو عدد منتهى علمه» . ولا بمعنى «الحمد للّه حمدا بالغا حدّا لا يتصوّر حمد فوقه، ويكون هو نهاية معلومه سبحانه في حمده . (2) وقوله : «ولكن قل : منتهى رضاه) أي قل : هذا منتهى علمه ؛ فإنّه يصحّ على الوجه الأوّل ؛ فإنّ لرضاه بحمد العبد منتهىً عددا ، وعلى الوجه الثاني ؛ فإنّ لرضاه بحمد العبد حدّا لا تجاوزه ، ولا ريب في جواز انتهاء الرّضا على الوجهين .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 361 .

ص: 174

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَعْدِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ النخعي : (1) أَنَّهُ كَتَبَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ اللّه ِ تعالى : أَ كَانَ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَكَوَّنَهَا ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذلِكَ حَتّى خَلَقَهَا وَأَرَادَ خَلْقَهَا وَتَكْوِينَهَا ، فَعَلِمَ مَا خَلَقَ عِنْدَ مَا خَلَقَ ، وَمَا كَوَّنَ عِنْدَ مَا كَوَّنَ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام بِخَطِّهِ :«لَمْ يَزَلِ اللّه ُ تعالى عَالِما بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كَعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ بَعْدَ مَا خَلَقَ الْأَشْيَاءَ» .

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . وأيّوب بن نوح بن درّاج النخعي ثقة ، له كتب وروايات ومسائل عن الهادي عليه السلام ، وكان وكيلاً للعسكريّين عليهماالسلام . وجميل عمّه . (2) وحاصل جوابه عليه السلام _ كما سبق _ : أنّ الاختلاف في المعلوم بالوجود العيني وعدمه لا يوجب الاختلاف في العلم الذي عين الذات ، بل في نسبته في الوقوع على المعلوم قبل الإيجاد وبعده . قال السيّد الأجلّ النائيني : «لم يزل اللّه تعالى عالما» أي كان اللّه عالما بكلّ شيء قبل أن يخلقه ، كعلمه به بعد خلقه بلا اختلاف وتفاوت في العلم والانكشاف قبل الخلق وبعده ، فلا يحصل بالحضور الوجوديّ زيادةٌ في الانكشاف ، ولا يحصل به شيء له لم يكن قبله ، إنّما الاختلاف في المعلوم بالوجود العيني وعدمه ... فذاته سبحانه مناط لجميع أنحاء الانكشافات، فعالم بنحو الإدراك الجزئي كما هو عالم بنحو الإدراك الكلّي ، ووجود الظلّي والمثالي اللّازم للانكشاف للأشخاص لا يتوقّف على المادّة العينيّة وتوابعها ، فيصحّ قبل الخلق كما يصحّ بعده ، فهو لم يزل عالم بجميع الأشياء كلّيّاتها وجزئيّاتها ، لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماء ولا في الأرض . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن عيسى ، عن أيّوب بن نوح» .
2- . رجال النجاشي ، ص 102 ، الرقم 254 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 59 ، الرقم 1 . وفي المصدرين : «وأخوه جميل بن درّاج» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 361 و 363 . بتقطيع في العبارة .

ص: 175

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلِ ، (1) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام أَسْأَلُهُ أَنَّ مَوَالِيَكَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلْمِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما قَبْلَ فِعْلِ الْأَشْيَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا نَقُولُ : لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما ؛ لِأَنَّ مَعْنى «يَعْلَمُ» «يَفْعَلُ» ، فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعِلْمَ ، فَقَدْ أَثْبَتْنَا فِي الْأَزَلِ مَعَهُ شَيْئا ، فَإِنْ رَأَيْتَ _ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ _ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِنْ ذلِكَ مَا أَقِفُ عَلَيْهِ وَلَا أَجُوزُهُ . فَكَتَبَ بِخَطِّهِ عليه السلام :«لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما تَبَارَكَ وَتَعَالى ذِكْرُهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد» .

ص: 176

هديّة :(إلى الرجل) يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام . عالم بالأشياء قبل خلقها ، كعلمه بها بعد خلقها . (لأنّ معنى يعلم يفعل) تقرير لدليل الشبهة بأنّ العلم قبل الإيجاد محال ؛ إذ لابدّ للعلم أزلاً بالشيء من تحقّقه أزلاً ؛ لأنّ العلم لا ينفكّ عن المعلوم ، فأجاب عليه السلام بما مفاده أنّ علمه تعالى عين ذاته ، وانكشاف الممكنات المعدومة لا يوجب وجودها في الأزل . وقال برهان الفضلاء : «لأنّ معنى يعلم يفعل» يعني لأنّ مصداق يعلم أن يفعل ، فيجوز النصب بالإعمال والرّفع بالإهمال . ثمّ قال : وهذا الدليل بناؤه على مقدّماتٍ ثلاث : الاُولى: أنّ العلم بلا شيء محض محال . والثانية : أنّ الشيئيّة منحصرة في الوجود ذهنا أو خارجا . والثالثة : أنّ ما سوى اللّه موجود بالإيجاد ، سواء كان موجودا في نفسه في الذّهن ، أو موجودا في نفسه في الخارج . فالإمام عليه السلام أجاب بما أجاب من غير توجّه إلى دفع الشبهة ؛ لظهور دفعها بمنع المقدّمة الاُولى . والمعتزلة أجابوا عن هذه الشبهة بمنع المقدّمة الثانية؛ لقولهم بثبوت المعدومات في الخارج . وقال الفاضل الإسترابادي : قد ذكر ابن سينا شبهة عجز عن جوابها، وكان قول السائل : «فقد أثبتنا في الأزل شيئا» إشارة إليها ، وهي أنّ علمه تعالى في الأزل متعلّق بكلّ مفهوم ، فلابدّ للمفهومات من وجود أزلي ، فوجودها في الأزل إمّا خارجيّ أو ذهني ، وعلى التقديرين هي قائمة بأنفسها أو بغيرها . وعلى تقدير قيامها بغيرها فهي قائمة بذاته تعالى أو بغيره تعالى ، والكلّ محال . فذكر صاحب المحاكمات احتمالاً في الوجود الذهني ، وهو أن يكون وجود ذهني من غير قيام الموجود الذهني بشيء . وجواب الشبهة منحصر في التمسّك بهذا الاحتمال بأن يقال : ذاته تعالى وجود ذهني لكلّ المفهومات الغير المتناهية من غير قيام الوجود بها ، ومن غير قيامها بشيء ، ومن غير قيامها بنفسها . وتوضيحه: أنّه تعالى علم بتلك المفهومات ، ووجودها الذهني عين علمه تعالى ، وليست للمفهومات بحسب هذا الوجود تشخّصات بها يمتاز بعضها عن بعض ، ولا يتّصف في هذا الوجود بشيء من صفاتها ، وإلّا لزم تعدّد الموصوفات في الأزل ، وهو محال . ثمّ قال : وأقول: بعد أن ثبت بالأدلّة العقليّة والنقليّة أنّه علمه تعالى أزليّ متعلّق في الأزل بجميع المفهومات ، وانحصر جواب الشبهة في الاحتمال الذي ذكره صاحب المحاكمات ، صار ذلك الاحتمال ثابتا بالبرهان . والمستفاد من كلامهم عليهم السلام أنّ علمه (1) تعالى من صفات الذات وأنّه قديم ، فبطل ما زعمه جمعٌ من أنّ له تعالى علمين : أزليّ إجماليّ حصوليّ هو عين ذاته تعالى ، وتفصيليّ حضوريّ هو عين سلسلة الممكنات التي خلقها اللّه تعالى . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لأنّ معنى يعلم يفعل» يحتمل وجهين : أحدهما : أنّ تعلّق علمه تعالى بشيء يوجب وجود ذلك الشيء وتحقّقه ، فلو كان لم يزل عالما ، كان لم يزل فاعلاً وكان معه شيء في الأزل في مرتبة علمه ؛ أعني ذاته ، أو غير مسبوق بعدم زمانيّ ، وهذا على تقدير كون علمه فعليّا . وثانيها : أنّ تعلّق العلم بشيء يستدعي انكشاف ذلك الشيء ، وانكشاف الشيء يستدعي نحو حصول له ، وكلّ حصولٍ ووجودٍ لغيره سبحانه مستندا إليه تعالى ، فيكون من فعله ، فيكون معه في الأزل شيء من فعله . فأجاب عليه السلام : بأنّه لم يزل اللّه عالما ، ولم يلتفت إلى بيان فساد متمسّك نافيه ؛ لأنّه أظهر من أن يحتاج إلى البيان ؛ فإنّه على الأوّل مبنيّ على كون العلم فعليّا ، وهو ممنوع ، ولو سلّم فلا يستلزم فعليّة العلم عدم انفكاك المعلوم عنه عينا ، بمعنى عدم مسبوقيّته بعدمٍ زمانيّ ، أو كون المعلوم في مرتبة العالم . وعلى الثاني مبنيّ على كون الصور العلميّة صادرةً عنه صدور الاُمور العينيّة ، فيكون من أقسام الموجودات العينيّة ومن أفعاله سبحانه ، وهو ممنوع ، فإنّ الصور العلميّة توابع غير عينيّة لذات العالِم ، ولا يحصل لها عدا الانكشاف لدى العالِم ، ولا حظّ لها من الوجود والحصول العيني أصلاً ، ولا مسبوقيّة لها إلّا بذات العالِم ، لكنّها ليست في مرتبة ذاته ، ولا يجب فيها نحو التأخّر الذي للأفعال الصادرة عن المبدأ بالإيجاد . (3) أقول : قد سمعت وفهمت أقوال هؤلاء الفضلاء المتبحّرين ، وأيقنت أنّ مفاد بياناتهم في دفع تلك الشبهة يؤول إلى أمر واحد ، وهو الإقرار بالعجز عن دركهم كيفيّة علمه تعالى بمعلوماته ، وذلك لاجتهادهم جدّا في الفرار عن القياس ، ولا يمكنهم درك شيء بحقيقة كيفيّة إلّا بالقياس إلى ما هو معلوم لهم حقيقةً ، مثل كيفيّة علم المخلوق ، وعلم المخلوق غير ذاته ، وعلم الخالق تعالى عين ذاته ؛ ولذا اكتفى عليه السلام في الجواب بما هو الثابت المقطوع به عن الحجّة المعصوم العالم العاقل عن اللّه ، فأشار بل صرّح فيه بأنّ علم المخلوق بكيفيّة علمه تعالى محال ، كعلمه بكيفيّة ذاته وحقيقة كنهه تعالى وعلمه سبحانه عين ذاته ، سبحان من لم يزل ربّا عالما ، تعالى شأنه عمّا يقولون .

.


1- . كذا في المصدر ، وفي المخطوطة : «أنّه» بدل «أنّ علمه» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 117 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 363 _ 364 .

ص: 177

. .

ص: 178

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُكَّرَةَ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعَلِّمَنِي هَلْ كَانَ اللّه ُ _ جَلَّ وَجْهُهُ _ يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَنَّهُ وَحْدَهُ؟ فَقَدِ اخْتَلَفَ مَوَالِيكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ كَانَ يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئا مِنْ خَلْقِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا مَعْنى «يَعْلَمُ»: «يَفْعَلُ» ، فَهُوَ الْيَوْمَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا غَيْرُهُ قَبْلَ فِعْلِ الْأَشْيَاءِ ، فَقَالُوا : إِنْ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَالِما بِأَنَّهُ لَا غَيْرُهُ ، فَقَدْ أَثْبَتْنَا مَعَهُ غَيْرَهُ فِي أَزَلِيَّتِهِ ، فَإِنْ رَأَيْتَ يَا سَيِّدِي ، أَنْ تُعَلِّمَنِي مَا لَا أَعْدُوهُ إِلى غَيْرِهِ . فَكَتَبَ عليه السلام : «مَا زَالَ اللّه ُ عَالِما تَبَارَكَ وَتَعَالى ذِكْرُهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد» .

ص: 179

هديّة :(سكّرة) واحدة «السّكر» بالضمّ والكاف المفتوحة المشدّدة فارسيّ معرّب . و(فضيل) هذا من أصحاب الباقر عليه السلام . وبيان الحديث كسابقه ببياناته .

.

ص: 180

باب آخر و هو من الباب الأوّل

الباب الثالث عشر : بَابٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ : عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ الْقَدِيمِ :«إِنَّهُ وَاحِدٌ ، صَمَدٌ ، أَحَدِيُّ الْمَعْنى ، لَيْسَ بِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ» . قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، يَزْعُمُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ يَسْمَعُ بِغَيْرِ الَّذِي يُبْصِرُ ، وَيُبْصِرُ بِغَيْرِ الَّذِي يَسْمَعُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «كَذَبُوا ، وَأَلْحَدُوا ، وَشَبَّهُوا ، تَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، يَسْمَعُ بِمَا يُبْصِرُ ، وَيُبْصِرُ بِمَا يَسْمَعُ» . قَالَ : قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهُ بَصِيرٌ عَلى مَا يَعْقِلُونَهُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «تَعَالَى اللّه ُ ، إِنَّمَا يُعْقَلُ مَا كَانَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ وَلَيْسَ اللّه ُ كَذلِكَ» .

هديّة :هذا الباب من تمام سابقه ، إلّا أنّ المقصود هناك إثبات أزليّة صفات الذات ، وهنا إثبات لازم تلك الأزليّة بنفي التعدّد في مصداق تلك الصفات . و(في صفة القديم) إشارة إلى امتناع تعدّد القديم . (واحد) متفرّد في صفاته . (صمد) مصمود إليه لجميع ما سواه . (أحديّ المعنى) متوحّد في الوحدة . (ليس بمعاني كثيرة) بزيادة الصفات على الذات . (قال : فقال : كذبوا) يحتمل التشديد ، يعني الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (وشبّهوا) وقاسوا . «على» في (على ما يعقلونه) نهجيّة . (إنّما يعقل) على المعلوم أو خلافه ، من باب ضرب ، فدليل لما قلناه في آخر هديّة الخامس في الباب السابق ؛ يعني إنّما يعقل بالعقل والذّهن . وضبط برهان الفضلاء : «إنّما يُعقل» على المجهول . قال : «على ما يعقلونه» أي على نهج هيكل يعقلونه باسم غير مشتقّ . (ليس اللّه كذلك) أي محال أن يعقل في ذهن باسم غير مشتقّ . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لعلّ المراد بواحديّته أن لا يشاركه غيره في حقيقته ، بل أن لا يجوز عليه المشاركة ؛ لتشخّصه بذاته تعالى ، وبصمديّته كونه غير محتمل لأن يحلّه غيره ، ولا يصحّ عليه الخلوّ عمّا يمكن أن يدخل فيه . وبأحديّته أن لا يصحّ عليه الائتلاف من معانٍ متعدّدة ، أو الانحلال إليها . و«ليس بمعانٍ كثيرة» تفسير لأحديّ المعنى . ويحتمل أن يكون بمنزلة المفسّر لكلّ واحدٍ من الثلاثة ؛ فإنّ ما يصحّ عليه المشاركة لا محالة له حقيقة وتشخّص متغايرين ، (2) وما يصحّ عليه القبول لشيء وحلول الشيء فيه يكون مستكملاً بمعانٍ كثيرة مختلفة ، فنفي المعاني الكثيرة المختلفة بتصحيح الواحديّة والصمديّة والأحديّة . وقوله : «إنّه يسمع بغير الذي يبصر» أي مناط الإبصار فيه غير مناط السّمع ، وبالعكس . ولمّا كان هذا إنّما يصحّ بالتألّف والتركّب ردّ عليهم بقوله : «كذبوا وألحدوا وشبّهوا» أي قالوا بما لا يطابق الواقع ، ومالوا عمّا هو الحقّ في توحيده من أحديّته ، وشبّهوه بمخلوقه «تعالى اللّه عن ذلك» علوّا كبيرا . ثمّ صدع بالحقّ وقال : «يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع» أي مناطهما فيه سبحانه واحد ، ويصحّ على مناط إبصاره أن يكون مناطا لسمعه وبالعكس ؛ لأنّه مناط لكلّ واحدٍ منهما بذاته الأحديّة . وقوله : «إنّما يعقل ما كان بصفة المخلوق» أي تعالى اللّه عن أن يتّصف بما يحصل ويرتسم في العقول والأذهان ؛ لأنّه لا يحاط بالعقول إلّا ما كان بصفة المخلوق . (3) أقول : يعني إنّما يعقل بالعقل والوجود الذهني . وفي توحيد الصدوق رحمه الله بإسناده عن الصادق عليه السلام أنّه قيل له : إنّ رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول : إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ لم يزل سميعا بسمع ، وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة ، فغضب عليه السلام ثمّ قال : «من قال بذلك ودان به فهو مشرك ، وليس من ولايتنا على شيء ؛ إنّ اللّه تبارك وتعالى ذاتٌ علّامة سميعة بصيرة قادرة» . (4) وفي رواية اُخرى عن الرضا عليه السلام : «مَن قال ذلك ودان به فقد اتّخذ مع اللّه آلهةً اُخرى ، وليس من ولايتنا على شيء» ثمّ قال عليه السلام : «لم يزل اللّه عزّ وجلّ عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته تعالى عمّا يقول المشركون [والمشبّهون] علوّا كبيرا» . (5) وبإسناده عن محمّد بن عروة، قال : قلت للرضا عليه السلام : خلق اللّه الأشياء بقدرة أم بغير قدرة؟ فقال : «لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة ؛ لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئا غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك ، وإذا قلت : خلق الأشياء بقدرة فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة ، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره» . (6) وبإسناده عن هشام بن سالم، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقال لي : «أتنعت اللّه ؟» قال : قلت : نعم ، قال : «هات» فقلت : هو السميع البصير ، قال : «هذه صفة يشترك فيها المخلوقون .» قلت : فكيف تنعته؟ قال : «هو نورٌ لا ظلمة فيه ، وحياةٌ لا موت فيه ، وعلمٌ لا جهل فيه ، وحقٌّ لا باطل فيه» ، فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد . (7) وبإسناده عن الصادق عليه السلام قال : «هو نورٌ ليس فيه ظلمة ، وصدقٌ ليس فيه كذب ، وعدلٌ ليس فيه جور ، وحقٌّ ليس فيه باطل ، كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين . وكذلك كان إذ لم تكن أرضٌ ولا سماء ، ولا ليلٌ ولا نهار ، ولا شمسٌ ولا قمر ولا نجوم ، ولا سحاب ولا مطر ولا رياح» . (8) قوله عليه السلام : «هو نورٌ لا ظلمة فيه» يعني ليس كمثله شيء لا في الذّهن ولا في الخارج، فثبت أنّ نوارنيّته تعالى ليست من مقولة النورانيّة المعقولة التي تقابلها الظلمانيّة كذلك ، كما مرّ من أنّ وحدته تعالى ليست داخلة في وحدة الأعداد ، وهكذا صدقه ليس من مقولة صدق المخلوق ، وهكذا في الجميع ؛ وسرّه أنّ صفات ذاته تعالى عين ذاته، وهو سبحانه متفرّد بالخالقيّة وجميع ما سواه بالمخلوقيّة . وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومَن قرنه فقد ثنّاه ، ومَن ثنّاه فقد جزّأه، ومَن جزّأه فقد جهله .» الحديث . (9) «فقد قرنه» أي بقديم آخر . «فقد جزّاه» ؛ لأنّ كلّ واحد من اثنين بعض المجموع . «فقد جهله» يحتمل التشديد .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى عبيد».
2- . في المصدر : «المتغايران» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 365 _ 366 .
4- . التوحيد ، ص 143 _ 144 ، ح 8 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 63 ، ح 2 .
5- . التوحيد ، ص 139 _ 140 ، ح 3 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 62 ، ح 1 .
6- . التوحيد ، ص 130 ، ح 12 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، 136 ، ح 3 .
7- . التوحيد ، ص 146 ، ح 14 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 70 ، ح 16 .
8- . التوحيد ، ص 128 ، ح 8 ؛ وعنه في البحار ، ج 3 ، ص 306 ، ح 44 .
9- . نهج البلاغة ، ص 39 ، الخطبة 1 .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ _ الَّذِي سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام _ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : أَ تَقُولُ : إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، سَمِيعٌ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ آلَةٍ ، بَلْ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ ، وَيُبْصِرُ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ قَوْلِي : إِنَّهُ سَمِيعٌ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ شَيْءٌ وَالنَّفْسُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَلكِنِّي أَرَدْتُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِي ؛ إِذْ كُنْتُ مَسْؤُولاً ، وَإِفْهَاما لَكَ ؛ إِذْ كُنْتَ سَائِلاً ، فَأَقُولُ : يَسْمَعُ بِكُلِّهِ لَا أَنَّ كُلَّهُ لَهُ بَعْضٌ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَنَا لَهُ بَعْضٌ ، ولكِنْ أَرَدْتُ إِفْهَامَكَ ، وَالتَّعْبِيرَ عَنْ نَفْسِي ، وَلَيْسَ مَرْجِعِي فِي ذلِكَ كُلِّهِ إِلَا إِلى أَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْعَالِمُ الْخَبِيرُ ، بِلَا اخْتِلَافِ الذَّاتِ ، وَلَا اخْتِلَافِ مَعْنىً» .

هديّة :قد سبق هذا الحديث بتفاوت يسير ببيانه في السادس من الباب الثاني . قال برهان الفضلاء : لعلّ هذا التفاوت من سهو نسّاخ الكافي لعدم التفاوت سندا وحكايةً .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العبّاس بن عمرو» .

ص: 185

باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ، و سائر صفات الفعل

الباب الرابع عشر : بَابُ الْاءِرَادَةِ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ ، وَ سَائِرِ صِفَاتِ الْفِعْلِوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنِ النَّضْرِ ، (1) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : لَمْ يَزَلِ اللّه ُ تعالى مُرِيدا؟ قَالَ :«إِنَّ الْمُرِيدَ لَا يَكُونُ إِلَا لِمُرَادٍ مَعَهُ ، لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما قَادِرا ، ثُمَّ أَرَادَ» .

هديّة :في بعض النسخ : «إلّا المراد» بالألف واللام . وعليهما يعني أنّ إرادة اللّه تعالى من صفات الفعل وحادثة كسائر صفات الفعل من المشيئة والرّضا والغضب وأمثالها ، كما سيبيّن إن شاء اللّه تعالى . قيل : اُريد بالإرادة هنا الإيجاد والإحداث _ كما نصّ عليه في الثالث _ دون الإرادة بمعنى العلم الذي هو عين ذاته سبحانه . (2) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : قوله : «لا يكون إلّا لمراد معه» يمكن حمل المعيّة على المعيّة في طرف الإرادة ، فحينئذٍ يجوز حمل الإرادة على ما يعمّ أقسامها الثلاثة ؛ أعني إرادته تعالى فعله ، وإرادته تعالى أفعال العباد ، وإرادة العباد أفعالهم . ويمكن حملها على المعيّة بحسب الوجود الخارجي ، فحينئذٍ يتعيّن حمل الإرادة على فرد منها ، وهو إرادته تعالى الحتميّة المتعلّقة بفعله تعالى المشار إليها بقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» . (3) وقال برهان الفضلاء : «لا يكون» تامّة ، أو ناقصة بتقدير لا يكون مريدا . والاستثناء مفرّغ ، أي لا يكون لمصداق إلّا لمراده . واللام في «لمراد» للآلة ومدخولها مصداق الإرادة . و«مع» مكان واو العطف ، كاشتريت العبد مع ثيابه . ثمّ قال : والإرادة على أربعة أقسام : الأوّل : ما هو المتعلّق بفعل المريد ، أو بفعل فعله ، أو بفعل سبب من أسباب فعله . والثاني : ما هو المتعلّق بفعل المريد لا على النهج المذكور ، كالميل إلى فعل شيء، سواء كان مع العزم بذلك أم لا ، كما نقل في حكاية يوسف عليه السلام . والثالث : ما هو المتعلّق بفعل الغير على نهج الطلب . والرابع : ما هو المتعلّق بفعل الغير لا على نهج الطلب ، كمجرّد الميل إلى وقوع شيء من شيء . وهي بأقسامها حادثة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ المريد لا يكون إلّا المراد معه» أي لا يكون المريد بحال إلّا حال كون المراد معه ، ولا يكون مفارقا عن المراد . وحاصله : أنّ ذاته سبحانه مناط لعلمه وقدرته ؛ أي صحّة الصدور واللّا صدور ، بأن يريد فيفعل ، وأن لا يريد فيترك ، فهو بذاته مناط لصحّة الإرادة وصحّة عدمها ، فلا يكون بذاته مناطا للإرادة وعدمها ، بل المناط فيها الذات مع حال المراد . فالإرادة ، أي المخصّصة لأحد الطرفين لم يكن من صفات الذات ، فهو بذاته عالم قادر مناط لهما ، وليس بذاته مريدا مناطا لها ، بل بمدخليّة مغاير متأخّر عن الذات ، وهذا معنى قوله : «لم يزل عالما قادرا ثمّ أراد» . (4) فردّ على القائلين بالإيجاب وقدم العالم؛ فإنّ الإرادة عندهم عبارة عن اقتضاء الطبيعة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، عن الحسين بن سعيد الأهوازي ، عن النضر بن سويد» .
2- . قاله الفيض في الوافي ج 1 ، ص 455 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 118، والآية في يس (36) : 82 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 367 .

ص: 186

. .

ص: 187

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : عِلْمُ اللّه ِ وَمَشِيئَتُهُ هُمَا مُخْتَلِفَانِ أَوْ مُتَّفِقَانِ؟ فَقَالَ :«الْعِلْمُ لَيْسَ هُوَ الْمَشِيئَةَ ؛ أَ لَا تَرى أَنَّكَ تَقُولُ : سَأَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللّه ُ تعالى ، وَلَا تَقُولُ : سَأَفْعَلُ كَذَا إِنْ عَلِمَ اللّه ُ ، فَقَوْلُكَ : «إِنْ شَاءَ اللّه ُ» دَلِيلٌ عَلى أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ ؛ فَإِذَا شَاءَ ، كَانَ الَّذِي شَاءَ كَمَا شَاءَ ، وَعِلْمُ اللّه ِ السَّابِقُ لِلْمَشِيئَةِ» .

هديّة :«المشيئة» قد يطلق مترادفة للإرادة ، وقد يفرّق بينهما بانضمام الجِدّ في الإرادة دون المشيئة . قال برهان الفضلاء : ذهبت الفلاسفة إلى اتّحاد علم اللّه ومشيّته ، وعلمُه تعالى عندهم فعلي سبب لوجود المعلوم لا انفعالي تابع للمعلوم . وإلى أنّ نسبة علمه تعالى إلى معلومه كنسبة كلام إنشائي إلى مضمونه، لا كنسبة كلام خبريّ إلى مضمونه . و(علم اللّه ) مبتدأ و(السابق المشيئة) خبر ، كزيد الحسن الوجه ، أي سابق على مشيّته . واحتمل برهان الفضلاء : «السائق» بالهمز مكان المفردة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ولا تقول سأفعل كذا إن علم اللّه » أي ليس معنى المشيئة معنى العلم بعينه ؛ فإنّ العلم هو مناط الانكشاف ، والمشيئة مخصّص المنكشف برجحان الوقوع والصدور ، فمن المعلوم ما يشاء ، ومنه ما لا يشاء . ويحتمل إعمال «السابق» ونصب «المشيئة» وإضافة «السابق» إلى «المشيئة» من باب الضارب الرجل . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن عليّ بن أسباط» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 367 _ 368 .

ص: 188

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَنِ الْاءِرَادَةِ مِنَ اللّه ِ وَمِنَ الْخَلْقِ؟ قَالَ : فَقَالَ :«الْاءِرَادَةُ مِنَ الْخَلْقِ : الضَّمِيرُ وَمَا يَبْدُو لَهُمْ بَعْدَ ذلِكَ مِنَ الْفِعْلِ ، وَأَمَّا مِنَ اللّه ِ ، فَإِرَادَتُهُ إِحْدَاثُهُ لَا غَيْرُ ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَوِّي ، وَلَا يَهُمُّ ، وَلَا يَتَفَكَّرُ ، وَهذِهِ الصِّفَاتُ مَنْفِيَّةٌ عَنْهُ ، وَهِيَ صِفَاتُ الْخَلْقِ ؛ فَإِرَادَةُ اللّه ِ تَعَالى هي (2) الْفِعْلُ لَا غَيْرُ ذلِكَ ؛ يَقُولُ لَهُ : «كُنْ» فَيَكُونُ بِلَا لَفْظٍ ، وَلَا نُطْقٍ بِلِسَانٍ ، وَلَا هِمَّةٍ ، وَلَا تَفَكُّرٍ ؛ وَلَا كَيْفَ لِذلِكَ ، كَمَا أَنَّهُ لَا كَيْفَ لَهُ» .

هديّة :(الضمير) : الخاطر ، يعني تصوّر الفعل مع ما يظهر للمريد من اعتقاد النفع أو ظنّه ، ثمّ الرويّة ، أي القصد الراجح ، ثمّ الهمّة ، أي تأكّد القصد وهو العزم الجازم ، ثمّ انبعاث الشوق ، ثمّ تأكّده إلى أن يصير إجماعا باعثا على الفعل . وكلّ ذلك فينا إرادة بأعوانها بين ذاتنا وبين الفعل ، وهي أسباب الفعل فقوله : (من الفعل) أي من أسباب الفعل . وقيل : المشار إليه ل«ذلك» مجموع ما يتوسّط . (3) (وكيف لذلك) أي خصوصيّة متعلّقة للأذهان . (كما أنّه لا كيف له) تعالى بهذا المعنى . والمنفيّ عنه تعالى الكيف بهذا المعنى دون خصوصيّة الحقيقة التي كيّف الكيف فصار كيفا . وقال برهان الفضلاء : «الضمير» على خمسة أقسام : الأوّل : القدر المشترك بين التصوّر والتصديق . والثاني : التفكّر في شيء . والثالث : طلب شيء في الكلام النفسي الذي هو مدلول الكلام اللّفظي . والرابع : ميل الطبع إلى شيء، سواء كان مع عزم فعله أو لا . وهذا القسم يسمّى بالهمّة أيضا كقوله تعالى في سورة يوسف : «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا» (4) ، والميل أعمّ من الميل إلى صدور من المائل أو من غيره . والخامس : العزم على الفعل . والأوّل لا يسمّى بالإرادة وكذا الثاني ، بخلاف البواقي . و«البداء» بالمدّ : حدوث إرادة فعل لفاعلٍ مختار لا يكون فعله لازما عقليّا لعلّة تامّة لفعله . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أخبرني عن الإرادة من اللّه ومن الخلق» الظاهر أنّ المراد بالإرادة المخصّص أحد الطرفين وما به يرجِّح القادر أحد مقدورَيْه على الآخر ، لا ما يطلق في مقابل الكراهة كما يقال : يريد الصّلاح والطاعة ويكره الفساد والمعصية . والجواب : أنّ «الإرادة من الخلق الضمير» أي أمر يدخل خواطرهم وأذهانهم ويوجد في نفوسهم ، ويحلّ فيها بعدما لم يكن فيها وكانت هي خالية عنه . «وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل» يحتمل أن يكون جملة معطوفة على الجملة السابقة ، والظرف خبرا للموصول . ويحتمل أن يكون الموصول معطوفا على قوله : «الضمير» ضمن عطف المفرد على المفرد ، فيكون «من الفعل» بيانا للموصول . والمعنى على الأوّل : أنّ الإرادة من الخلق الضمير الذي يدخل في قلبهم ، والذي يكون لهم بعد ذلك من الفعل لا من إرادتهم . وعلى الثاني : أنّ إرادتهم مجموع ضمير يحصل في قلبهم وما يكون لهم من الفعل المرتّب عليه . والمقصود هنا بالفعل ما يشمل الشوق إلى المراد وما يتبعه من التحريك إليه والحركة ، فالإرادة من الخلق (5) حادثة في ذواتهم حاصلة فيها بدخولها فيهم وقيامها بهم بعد خلوّهم بذواتهم عنها . وأمّا الإرادة من اللّه فيستحيل أن يكون كذلك ؛ فإنّه يتعالى عن أن يقبل شيئا زائدا على ذاته ويدخله ما يزيد عليه ويغايره ، إنّما إرادته المرجّحة للمراد من مراتب إلاحداث لا غير ذلك ؛ إذ ليس في الغائب إلّا ذاته الأحديّة ، ولا يتصوّر هناك كثرة معانٍ ، ولا له بعد ذاته وما لذاته بذاته إلى ما ينسب إلى الفعل ممّا لا يدخله ولا يجعله بحالة وهيئة له مغايرة لحالة وهيئة اُخرى يصحّ عليه دخول هذه فيه أو تلك ، فإنّ الاتّصاف بالصفات الحقيقيّة الزائدة إنّما هو من شأن المخلوق لا الخالق تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فإرادته تعالى من مراتب الفعل المنسوب إليه لا غير ذلك . (6) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «فإرادته إحداثه» هذه العبارة صريحة في أنّ إرادته تعالى زيدا _ مثلاً _ عين إيجاده إيّاه ، وقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (7) ناظر إلى هذا المعنى . وما في كلامهم عليهم السلام من أنّه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها ناظر إلى هذا المعنى أيضا . وسيجيء في كلامهم عليهم السلام إطلاق المشيئة والإرادة على معنى آخر . (8) أقول : نصّه عليه السلام بأنّ إرادته تعالى هي إحداثه لا غير ذلك دلالة على أنّ الخلق الأوّل من مخلوقاته تعالى هو الإرادة ، فبتأويل قوله صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري» (9) ب«أوّل ما خلق اللّه بالإرادة نوري» يندفع الإشكال . وأيضا جميع المخلوقات بتوسّط الإيجاد ولا واسطة للإيجاد ، فأوّليّته في المخلوقات لا ينافي تلك الأوّليّة ، وهذا معنى قولهم عليهم السلام _ كما سيجيء _ : خلق اللّه المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى» .
2- . في الكافي المطبوع : - «تعالى هي» .
3- . راجع الوافي ، ج 1 ، ص 456 .
4- . يوسف (12) : 24 .
5- . في المصدر : + «حالة» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 368 _ 369 ، بتفاوت يسير .
7- . يس (36) : 82 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 118 .
9- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 99 ، ح 140 ؛ بحار الأنوار ، ج 15 ، ص 24 ، ح 44 .

ص: 189

. .

ص: 190

. .

ص: 191

الحديث الرابعروى في الكافي عن الثلاثة ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«خَلَقَ اللّه ُ الْمَشِيئَةَ بِنَفْسِهَا ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِالْمَشِيئَةِ» .

هديّة :دفع لشبهة مشهورة هي: أنّه تعالى إن كان خلق الأشياء بالمشيئة وكانت المشيئة مخلوقة فتحتاج إلى مشيئة اُخرى ، وهكذا فيتسلسل . والجواب أنّ المشيئة من صفات الفعل وجميع ما خلق اللّه تعالى خلق بالمشيئة إلّا المشيئة فإنّها خُلقت بنفسها . وظاهر أنّ توسّط فعل الفاعل بين قدرته ووجود المفعول لا يحتاج إلى فعل الفعل ، كما أنّ وجود المفعول يحتاج إلى توسّط الفعل . ويوضّح الجواب بظهور الفرق بين الفعل والمفعول ، فجميع العالم سوى المشيئة فعل بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، والمشيئة فعل لا بهذا المعنى ، غاية ما في الباب اشتهار التجوّز في الإطلاق وهو أوجب الإشكال ولا يوجب ، فخلقه مخلوقه ومخلوقه خلقه ، ولذا جرى وشاع إطلاق الخلق على المخلوق وبالعكس ، وهو الخالق لجميع ما سواه تعالى شأنه . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد بالمشيئة هنا مصداق المشيئة ، وهو ما لا يتحقّق المشيئة بدونه ، وليس هو _ كما ورد في النصّ _ سوى الماء الذي هو أوّل المخلوقات ومادّتها . (2) وسيجيء في الحديث أنّ المشيئة متقدّمة على الإرادة والتقدير والقضاء والإمضاء . (3) و(بنفسها) متعلّق ب(خلق) يعني لا بمادّة . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «خلق اللّه المشيئة بنفسها» . الأئمّة عليهم السلام تارةً يطلقون المشيئة والإرادة على معنى واحد ، وتارةً يطلقونهما على معنيين مختلفين كما سيجيء . والمراد بهذه العبارة الشريفة أنّ اللّه تعالى خلق اللّوح المحفوظ ونقوشها من غير سبق سبب آخر من لوح ونقش ، وخلق سائر الأشياء بسببهما ، وهذا مناسب لقولهم عليهم السلام : «أبى اللّه أن يجري الأشياء إلّا بأسبابها» . (4) أقول : سبحان اللّه كلّ حديث من أحاديثهم عليهم السلام في كلّ باب لا سيّما في باب التوحيد بحر زخّار لا ينزف ولو بالفرض والتقدير ، ولا يصل إلى ساحله سيّاح بالعلاج والتدبير بل كلّ متبحّرٍ يسيح في حوالي لجّته بقدر قوّته من التصوّر والتصوير ، وكثير من القوّة هنا قليل من الكثير . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «خلق اللّه المشيئة بنفسها» أي أبدع المشيئة واخترعها بنفسها لا بمشيئةٍ اُخرى ، فكانت المشيئة أوّل صادر عنه ، ثمّ أبدع الأشياء المرادة بالمشيئة ، فكان صدور الأشياء عنه بعد صدور المشيئة عنه . ولمّا كان بين المشيئة والمراد مراتب _ كما ستطّلع عليه _ أتى بلفظة «ثمّ» الدالّة على التراخي . وإطلاق الخلق هنا بمعناه الأعمّ ، ولذا صحّ إسناده بالمشيئة التي هي من عالم الخلق . (5) وقال السيّد الدّاماد رحمه الله : المراد ب«المشيئة» في هذا الحديث : مشيئة العباد لأفعالهم الاختياريّة ؛ لتقدّسه سبحانه عن مشيئة مخلوقه، زائدة على ذاته عزّ وجلّ . وب«الأشياء» : أفاعيلهم المترتّب وجودها على تلك المشيئة ، وبذلك تنحلّ شبهة ربّما اُوردت هاهنا : أنّه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم لكانت الإرادة مسبوقة بإرادة اُخرى وتسلسلت الإرادات لا إلى نهاية . (6) وقال بعض المعاصرين : أفاد عليه السلام أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة ، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة اُخرى ، بل هي مخلوقة بنفسها ؛ لأنّها نسبة وإضافة بين الشّائي والمشيء ، تتحصّل بوجوديهما (7) العيني والعلمي ، ولذا أضاف خلقها إلى اللّه سبحانه ؛ لأنّ كلا الوجودين له وفيه ومنه . وفي قوله عليه السلام : «بنفسها» دون أن يقول : «بنفسه» إشارة لطيفة إلى ذلك ، نظير ذلك ما يقال : إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود ، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر ، بل إنّما يوجد بنفسه . فافهم راشدا . (8) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة» .
2- . الكافي ، ج 8 ، ص 94 ، ح 67 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 83 ، باب 77 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار ، ج 5 ، ص 240 ، ح 23 .
3- . سيجيء في السادس عشر من باب البداء .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 118 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 370 .
6- . راجع التعليقة على اُصول الكافي ، ص 248 .
7- . ما أثبتناه من المصدر ، و في المخطوطات : «بوجوديها» .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 458 _ 459 .

ص: 192

. .

ص: 193

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْمَشْرِقِيِّ حَمْزَةَ بْنِ الْمُرْتَفِعِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَوْلُ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «وَ مَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوى» مَا ذلِكَ الْغَضَبُ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«هُوَ الْعِقَابُ يَا عَمْرُو ؛ إِنَّهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ قَدْ زَالَ مِنْ شَيْءٍ إِلى شَيْءٍ ، فَقَدْ وَصَفَهُ صِفَةَ مَخْلُوقٍ ، (2) إِنَّ اللّه َ تَعَالى لَا يَسْتَفِزُّهُ شَيْءٌ ؛ فَيُغَيِّرَهُ» .

هديّة :في توحيد الصدوق رحمه الله : عن المشرقي ، عن حمزة بن الربيع ، عمّن ذكره ، قال : كنت . (3) الحديث . (عمرو بن عبيد) من رؤساء المعتزلة . قول اللّه تعالى في سورة طه: «هَوى» (4) يهوي هويّا _ ك_رمى _ : سقط وهلك . وهَوِي كرضي هوىً : أحبّ . (هو العقاب) يعني لا كيفيّة نفسانيّة ، كما في المخلوق . «استفزّه» : أزعجه من مكانه ، وأيضا أفزعه . واستفزّه الخوف : استخفّه . وفي توحيد الصدوق رحمه الله «لا يستفزّه شيء ولا يغيّره» . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «هو العقاب» أي ليس فيه سبحانه قوّةُ تغيّره (5) من حالة إلى حالة يكون إحداهما رضاه والاُخرى غضبه ، إنّما أسند إليه الغضب باعتبار صدور العقاب عنه تعالى ، فليس التغيّر إلّا في فعله . «صفة مخلوق» من إضافة المصدر إلى المفعول ؛ أي وصف مخلوق ، وذلك لما بيّن أنّ القابليّة لصفة لا يجامع وجوب الوجود . وإليه أشار عليه السلام بقوله : «لا يستفزّه شيء» أي لا يستخفّه ولا يجده خاليا عمّا يكون قابلاً له ، «فيغيّره» بالحصول له تغيّر الصفة لموصوفها . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّدٍ البرقي» .
2- . في الكافي المطبوع : «وإنّ» .
3- . التوحيد، ص 168، باب 26، ح 1 .
4- . طه (20) : 81 .
5- . في المصدر : «تغيّرٍ» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 371 ، بتفاوت يسير .

ص: 194

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ _ الَّذِي سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام _ فَكَانَ مِنْ سُؤَالِهِ : أَنْ قَالَ لَهُ : فَلَهُ رِضا وَسَخَطٌ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«نَعَمْ ، وَلكِنْ لَيْسَ ذلِكَ عَلى مَا يُوجَدُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ؛ وَذلِكَ أَنَّ الرِّضَا حَالٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ ، فَتَنْقُلُهُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ أَجْوَفُ ، مُعْتَمِلٌ ، مُرَكَّبٌ ، لِلْأَشْيَاءِ فِيهِ مَدْخَلٌ ، وَخَالِقُنَا لَا مَدْخَلَ لِلْأَشْيَاءِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ : وَأحدِيُّ الذَّاتِ ، وَأحدِيُّ (2) الْمَعْنى ؛ فَرِضَاهُ ثَوَابُهُ ، وَسَخَطُهُ عِقَابُهُ ، مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَتَدَاخَلُهُ ؛ فَيُهَيِّجُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ الْعَاجِزِينَ الْمُحْتَاجِينَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «واحديّ» بدل «وَأحديّ» في الموضعين .

ص: 195

هديّة :«السُخط» بالضمّ ، وبفتحتين : الغضب . (عليه) أي على المخلوق . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «عليه» أي على الراضي من الخلق «فينقله من حالٍ إلى حال» حيث كان قبل الرّضا قابلاً له ، ثمّ اتّصف به بالفعل . (1) وضبط في توحيد الصدوق رحمه الله : «وذلك أنّ الرّضا [والغصب] دخّال يدخل عليه» . (2) (أجوف) أي ضعيف محتاج في أفعاله إلى قوىً زائدة على ذاته وأسباب وآلات كذلك . وقيل : أجوف ؛ لأنّه مزدوج الحقيقة من الوجود والعدم . ومضى بيانه في باب النسبة . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «أجوف» له قابليّة ما يحصل فيه ويدخله . (4) وقال السيّد الدّاماد رحمه الله : قد تبرهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيعة ، وهي العلم الأعلى : أنّ كلّ ممكن مزدوج تركيبيّ ، وكلّ مركّب مزدوج الحقيقة فإنّه أجوف الذات لا محالة ، فما لا جوف لذاته على الحقيقة هو الأحد الحقّ سبحانه لا غير ، فإذن الصمد الحقّ ليس هو إلّا الذات الأحديّة الحقّة من كلّ جهة ، فقد تصحّ من هذا الحديث الشريف تأويل الصمد بما لا جوف له ، ولا مدخل لمفهوم من المفهومات وشيء من الأشياء في ذاته أصلاً . (5) وقيل : أي قابل لأن يدخل فيه شيء . وقال برهان الفضلاء : أي قابل للكيفيّة . (معتمل) أي معمول حسنا من أشياء . قال برهان الفضلاء : «المعتمل» المعمول بتدبير . و«المدخل» اسم المكان ، وبالضمّ مصدر ميمي . في توحيد الصدوق : «لأنّه واحد أحديّ الذات ، أحديّ المعنى» (6) بدون الواوين للعطف . وقد مرّ بيان «أحديّ المعنى» في مواضع . والياء للمبالغة كالأحمريّ . وقال برهان الفضلاء : «أحديّ المعنى» كناية عن عدم كونه معقولاً ذهنيّا باسم غير مشتقّ أيضا ؛ فإنّ المغاير لاسمه الغير المشتقّ لا مصداق لأحديّته معنىً سوى أحديّته ذاتا . وفي توحيد الصدوق زيادة بعد «المحتاجين» هكذا : «وهو تبارك وتعالى القويّ العزيز الذي لا حاجة به إلى شيء ممّا خلق ، وخلقه جميعا محتاجون ، إليه إنّما خلق الأشياء من غير حاجة و سبب (7) ، بل اختراعا وابتداعا» . وقال السيّد الدّاماد رحمه الله : «من غير حاجة» في زيادة رواية الصدوق ، نفي لمبادئ الأفعال الاختياريّة التي فينا عنه سبحانه وعن أفعاله الاختياريّة . وقوله : «ولا سبب» تصريح بأنّ السبب الغائي الحقيقي الذي هو غاية الغايات لأفعاله تعالى نفس ذاته لا أمر وراء ذاته عزّ وجلّ . (8)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 371 .
2- . التوحيد ، ص 169 ، باب 26 ، ح 3 .
3- . قاله في الوافي ، ح 1 ، ص 460 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 371 .
5- . التعليقة على اُصول الكافي ، ص 250 _ 251 .
6- . التوحيد ، ص 169 ، باب 26 ، ح 3 . و فيه : «وأحديّ المعنى» .
7- . في المصدر : «ولا سبب» .
8- . التعليقة على اُصول الكافي ، ص 251 .

ص: 196

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عن ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«الْمَشِيئَةُ مُحْدَثَةٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير .

ص: 197

هديّة :أي مشيئة اللّه تبارك وتعالى من صفات الفعل على ما علم بيانه مفصّلاً . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي متأخّر عن الذات تأخّر الصادر المخرج عن العدم إلى الوجود عن مبدئه الذي يفيض وجوده . (1) وقال بعض المعاصرين : المراد بهذه المشيئة الإيجاد دون مشيّته الأزليّة التي هي عين ذاته سبحانه . (2) إطلاق المشيئة على العلم وهو عين الذات عرف جديد لا مشاحّة فيه لو لم يكرهه الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه عزّ وجلّ . قال ثقة الإسلام طاب ثراه في آخر هذا الباب : جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ إِنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ وَصَفْتَ اللّه َ بِهِمَا ، وَكَانَا جَمِيعا فِي الْوُجُودِ ، فَذلِكَ صِفَةُ فِعْلٍ ؛ وَتَفْسِيرُ هذِهِ الْجُمْلَةِ : أَنَّكَ تُثْبِتُ فِي الْوُجُودِ مَا يُرِيدُ وَمَا لَا يُرِيدُ ، وَمَا يَرْضَاهُ وَمَا يَسْخَطُهُ ، وَمَا يُحِبُّ وَمَا يُبْغِضُ ، فَلَوْ كَانَتِ الْاءِرَادَةُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ مِثْلِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، كَانَ مَا لَا يُرِيدُ نَاقِضا لِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَلَوْ كَانَ مَا يُحِبُّ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، كَانَ مَا يُبْغِضُ نَاقِضا لِتِلْكَ الصِّفَةِ ؛ أَ لَا تَرى أَنَّا لَا نَجِدُ فِي الْوُجُودِ مَا لَا يَعْلَمُ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَكَذلِكَ صِفَاتُ ذَاتِهِ الْأَزَلِيّة (3) لَسْنَا نَصِفُهُ بِقُدْرَةٍ وَعَجْزٍ (4) وَذِلَّةٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يُحِبُّ مَنْ أَطَاعَهُ ، وَيُبْغِضُ مَنْ عَصَاهُ ، وَيُوَالِي مَنْ أَطَاعَهُ ، وَيُعَادِي مَنْ عَصَاهُ ، وَإِنَّهُ يَرْضى وَيَسْخَطُ ؛ وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ : اللّهُمَّ ارْضَ عَنِّي ، وَلَا تَسْخَطْ عَلَيَّ ، وَتَوَلَّنِي وَلَا تُعَادِنِي . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يَقْدِرُ أَنْ يَعْلَمَ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَعْلَمَ ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَمْلِكَ ولَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَمْلِكَ ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ عَزِيزا حَكِيما وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَكُونَ عَزِيزا حَكِيما ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ جَوَادا وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَكُونَ جَوَادا ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ غَفُورا وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَكُونَ غَفُورا . ولَا يَجُوزُ أَيْضا أَنْ يُقَالَ : أَرَادَ أَنْ يَكُونَ رَبّا وَقَدِيما وَعَزِيزا وَحَكِيما وَمَالِكا وَعَالِما وَقَادِرا ؛ لِأَنَّ هذِهِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، وَالْاءِرَادَةُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ ؛ أَ لَا تَرى أَنَّهُ يُقَالُ : أَرَادَ هذَا وَلَمْ يُرِدْ هذَا ، وَصِفَاتُ الذَّاتِ تَنْفِي عَنْهُ بِكُلِّ صِفَةٍ مِنْهَا ضِدَّهَا ؛ يُقَالُ : حَيٌّ وَعَالِمٌ وَسَمِيعٌ وَبَصِيرٌ وَعَزِيزٌ وَحَكِيمٌ ، غَنِيٌّ ، مَلِكٌ ، حَلِيمٌ ، عَدْلٌ ، كَرِيمٌ ؛ فَالْعِلْمُ ضِدُّهُ الْجَهْلُ ، وَالْقُدْرَةُ ضِدُّهَا الْعَجْزُ ، وَالْحَيَاةُ ضِدُّهَا الْمَوْتُ ، وَالْعِزَّةُ ضِدُّهَا الذِّلَّةُ ، وَالْحِكْمَةُ ضِدُّهَا الْخَطَأُ ، وَضِدُّ الْحِلْمِ الْعَجَلَةُ وَالْجَهْلُ ، وَضِدُّ الْعَدْلِ الْجَوْرُ وَالْظُّلْمُ .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 372 .
2- . راجع الوافي ، ج1 ، ص 459 .
3- . في الكافي المطبوع : «الأزليّ» .
4- . في الكافي المطبوع : + « وعلم وجهل ، وسفه وحكمة وخطأ ، وعزّ» .

ص: 198

هديّة :الظاهر أنّ (جملة القول) إلى آخره بعد السابع بلا فاصلة كلام ثقة الإسلام ، كما صرّح به معظم الأصحاب . وأمّا احتمال كونه من تمام الحديث فكماترى . (أنّ كلّ شيئين) أي متقابلين يجتمعان في الوجود وصفا للّه تبارك وتعالى كالرّضا والغضب ، بخلاف الحياة والعلم والقدرة ؛ فإنّ الرّضا يجتمع مع ضدّه وهو السخط في الوجود وصفا للّه سبحانه ، وليس كذلك الحياة والموت والعلم والجهل والقدرة والعجز . وملخّص كلامه طاب ثراه أنّ كلّ صفة اُذِنّا في إطلاقها عليه سبحانه من غير أن نُمنَع من إطلاق ضدّها عليه تعالى كالرّضا والإرادة فهي من صفات الفعل ومخلوقةٌ بالنصّ والإجماع من العصابة ، وأمّا ما اُذِنّا من الصفات أن نعتقد اتّصافه تعالى به ومُنِعنا من اعتقاد اتّصافه بضدّه فهو من صفات الذات . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «جملة القول» إلى قوله : «وضدّ العدل الجور والظلم» من كلام ثقة الإسلام ؛ فإنّ أحاديث هذا الباب مذكور في كتاب التوحيد لمحمّد بن عليّ بن بابويه رحمه اللهوليس فيه : « جملة القول»، بل فيه بيان المعيار المميّز بين صفات الذات وصفات الفعل بوجهٍ قريب من كلام المصنّف . (1) وحاصل الكلام: أنّ ثقة الإسلام ذكر معيارين للتميز بين صفات الذات وبين صفات الفعل : أحدهما : أنّ كلّ صفة من صفاته تعالى توجد هي في حقّه _ تعالى _ دون نقيضها فهي من صفات الذات ، وكلّ صفة توجد هي ونقيضها في حقّه _ عزّ وجلّ _ فهي من صفات الفعل . وثانيهما : أنّ كلّ صفة يمكن أن تتعلّق بها قدرته تعالى وإرادته فهي من صفات الفعل ، وكلّ صفة ليست كذلك فهي من صفات الذات . ومعنى قوله : «كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة» أنّه كان ما لا يريد مستلزما لاجتماع النقيضين ؛ لأنّ صفات الذات نسبتها إلى جميع المتعلّقات واحدة . (2) انتهى . في بيانه المعيار الثاني نظر ، وقد ثبت أنّ الإرادة من صفات الفعل . وقال برهان الفضلاء : صفات الذّات عين الذات ليس لها وجود في أنفسها بغير وجود الذات ، ولها وجود رابطيّ وإطلاق الوجود على الوجود الرابطيّ مجاز . وصفات الفعل حوادث ، ولها وجود في أنفسها ووجود آخر رابطيّ . وقوله : «جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل» عبارة المصنّف طاب ثراه . «وصفتَ اللّه بهما» على الخطاب ، واحتراز عن مثل الحياة والموت ؛ إذ وصفه تعالى لا يمكن بكليهما . «جميعا» خبر ل«كانا» . «في الوجود» متعلّق ب«جميعا» و«الوجود» : الوسعة والقدرة . والمراد هنا قدرة اللّه تعالى ؛ فإنّها أوسع الأقدار . «وكانا جميعا» احتراز عن العلم والحياة ؛ إذ ليسا في طرفي [القدرة باعتبار أنّهما ليسا بمتقابلين ، وأيضا احتراز عن العلم وعدم العلم ؛ إذ تصفه تعالى بكلٍّ منهما وهما متقابلان ، إلّا أنّهما ليسا في طرفي] (3) قدرته تعالى . أمّا وصفه بالعلم فظاهر ، وأمّا وصفه بعدم العلم كما في سورة الرعد : «وَجَعَلُوا للّه ِِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ» (4) ، وهذا لا ينافي بأنّه تعالى عالم بكلّ شيء ؛ فإنّ لصفات الذات قسمين : الأوّل : ما اتّصافه تعالى بنقيضه ممكن كالعلم ، وهو متعلّق بكلّ شيء وعدمه بشريك له تعالى . الثاني : ما لا يكون كذلك كالحياة . أقول : صفات الذات كلّها في امتناع اتّصافه تعالى بنقائضها متّفقة اللّفظ والمعنى ، وعدم العلم بالشريك عبارة عن المخلوق عن علمه تعالى بعدم الشريك وامتناعه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «جملة القول» إلى آخره ، ليس من تتمّة الحديث ، بل كلام صاحب الكافي _ طاب ثراه _ للتنبيه على معنى صفات (5) الذات وصفة الفعل والتميز بينهما . وتلخيص كلامه أنّ كلّ صفة يوصف بها بالنسبة إلى شيء وبمقابلها بالنسبة إلى آخر ، فهي من صفات الفعل وبالنسبة إلى الفعل كالإرادة والرّضا والحبّ ؛ فإنّ في الوجود ما يريده وما لا يريده ، وما يرضاه وما يسخطه ، وما يحبّه وما يبغضه . وكلّ صفة من صفات الذات لا يصحّ الاتّصاف بمقابلها كالعلم والقدرة والحلم والحكمة والعزّ والمُلك ، ولا يصحّ أيضا أن يسند بالإرادة . وتحقيقه أنّ ما للذات بذاته من دون أن يكون متحصّلاً بالنسبة إلى غيره من أفعاله فهو صفة الذات ، كالعلم والقدرة والحلم والعزّ والحكمة ، فإنّها وإن كانت ذات نسبةٍ إلى الغير ويتبعها نسبة ، إلّا أنّها ليست متحصّلة المعاني بالنسب . وما له من الصفات المتحصّلة المعاني بالنسبة إلى فعله فهو من صفات الفعل ، كالإرادة والرِّضا والحبّ ومقابلاتها . والذي ينبغي أن يُنبَّه عليه في هذا المقام أنّ كون الإرادة من صفات الفعل ، وكونها متحصّل المعنى بالنسبة إلى الغير لا ينافي كونها غير زائدة على الدّاعي ، يعني العلم بالنفع ؛ لأنّه لا يلزم من كون العلم غير متحصّل المعنى بالغير كون العلم بالنفع _ بما هو علم بالنفع _ غير متحصّل المعنى بالغير ، كما أنّ الخشب بما هو خشب غير متحصّل المعنى والحقيقة بشيء من العوارض ، وبما هو سرير متحصّل المعنى والقوام بالهيئة السريريّة ، فكما أنّ السرير اسم للخشب بهيئة السّريريّة ، والخشب اسم له بما هو خشب من غير اعتبار شيء آخر فيه ، كذا الدّاعي اسم للعلم بتعقّله بالنفع ، والعلم اسم له من غير اعتبار التعلّق والمتعلّق وإن كان يتبعه ويلزمه التعلّق بمتعلّق . وأيضا لا ينافي كونها من صفات الفعل كونها من الصفات الحقيقيّة ، فلا يلزم من الحكم بكونها من صفات الفعل كونها خارجة عن الصفات الحقيقيّة ، ومِنْ عدّها في الصفات الحقيقيّة الحكم بخروجها عن صفات الفعل . وأيضا لا ينافي كونها من صفات الفعل نفي المعاني والصفات الزائدة عينا ؛ فإنّه لا يلزم من كونها صفة الفعل كونها معنىً قائما بالذات حالّاً فيه ولا صفة زائدة عينيّة ، كما لا يخفى . (6) أقول : لا يخفى عليك أنّ كلّ هذه التحقيقات من هؤلاء المتبحّرين يؤول إلى أمرٍ واحد وهو التميز بين صفات الذات وصفات الفعل بالاعتبارات والاُمور النسبيّة . والفرق بين القديم والحادث إنّما هو بالتباين الكلّي الحقيقي لا بالفرق من وجه دون وجه ، فالأولى من التوجيهات ما بيّناه أوّلاً من الإذن في الإطلاق على ما عرفت ، وعدمه فيه كذلك ، وفوائد نقلنا بياناتهم مع أنّ الغرض الأصلي إظهار شمّة (7) من شأن أحاديثهم عليهم السلام كثيرة . قال بعض المعاصرين : وملخّص كلام صاحب الكافي: أنّ ما يختلف من صفاته سبحانه بالنسبة إلى المخلوقات فهو من صفات الفعل ، وما لا يختلف بالإضافة إليها بل يشمل كلّها على نسقٍ واحد فهو من صفات الذات كالعلم والقدرة . (8) انتهى . كأنّه وجد الفرق بين العلم والإرادة بما قاله ، فإن تجده وإلّا فافهم . قوله (ولا يقدر أن لا يعلم) يعني من أمارة صفات الذات أنّها لا تحمل المقدوريّة عليها ، ولا معنى لحمل اللّامقدوريّة أيضا عليها . وصفات الفعل إمّا يحمل عليها المقدوريّة فقط كالإرادة ، أو هي والمراديّة أيضا كسائر صفات الفعل ، ف«لا» في «لا يقدر» إمّا لتأكيد النفي أو من مقول القول المنفيّ . قال برهان الفضلاء : «لا» في «لا يقدر» زائدة للتأكيد ، أو ثانيتها من تصرّف النسّاخ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه اللّه تعالى : «ولا يقدر أن لا يعلم» يحتمل أن يكون كلمة «لا» مؤكّدة للنفي ، فالمعنى : لا يجوز أن يقال : يقدر أن لا يعلم ، كما لا يجوز أن يُقال : يقدر أن يعلم . ويؤيّده ترك كلمة «لا» في قوله : «ويقدر أن لا يكون جوادا» . وفي قوله : «يقدر أن لا يكون غفورا» على أظهر الاحتمالين فيهما . ويحتمل أن تكون كلمة «لا» في «ولا يقدر أن لا يعلم» من مقول القول الذي لا يجوز . وتوجيهه أنّ القدرة لا ينسب إلّا إلى الفعل نفيا أو إثباتا ، فيُقال : يقدر أن يفعل أو يقدر أن لا يفعل ، ولا ينسب إلى ما لايعتبر الفعل فيه لا إثباتا ولا نفيا . فما يكون من صفات الذات التي لا شائبة للفعل فيها كالعلم والقدرة والملك وغيرها من صفات الذات ، لا يجوز أن ينسب إليها القدرة ؛ فإنّ القدرة إنّما يصحّ استعمالها مع الفعل أو الترك . فإن قيل : يصحّ أن يقال : إنّه يقدر أن يغفر ويقدر أن لا يغفر ، ويقدر أن يجود بشيء ويقدر أن لا يجود به . قلنا : فرق بين الجواد والغفور ، وبين فعل الجود والمغفرة ؛ فإنّ معنى الجواد ذات يليق به الجود ؛ أي حصول ما ينبغي وفيضه منه بلا غرض لذاته ، أو من يكون في ذاته بحيث يكون منه إفادة ما ينبغي لا لعوض وإن كانت الإفادة بإرادة . فمرجع الجود إلى التماميّة وفوقها ومناطيّة الانكشاف . وأمّا النسبة التابعيّة المتأخّرة فليست معتبرة فيه إنّما هي تتبعه ، ولذا يعدّ من صفات الذات . وكذا الغفور من هو في ذاته بحيث يتجاوز عن المؤاخذة لمن يشاء فمرجعه إلى خيريّته وكماله وقدرته . (9) أقول : فيه ما فيه ، واُشيرُ إليه آنفا .

.


1- . التوحيد ، ص 148 ، ذيل الحديث 19 من باب 11 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 312 .
3- . ما بين المعقوفتين من «ألف» ولم يرد في «ب» و«ج» .
4- . الرعد (13) : 33 .
5- . في «ألف» والمصدر : «صفة» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 373 _ 374 ، بتفاوت يسير .
7- . في «ب» و«ح» : «مشمّة» .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 461 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 375 _ 376 ، بتفاوت .

ص: 199

. .

ص: 200

. .

ص: 201

. .

ص: 202

. .

ص: 203

. .

ص: 204

باب حدوث الأسماء

الباب الخامس عشر : بَابُ حُدُوثِ الْأَسْمَاءِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ خَلَقَ اسْما بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُتَصَوَّتٍ ، وَبِاللَّفْظِ غَيْرَ مُنْطَقٍ ، وَبِالشَّخْصِ غَيْرَ مُجَسَّدٍ ، وَبِالتَّشْبِيهِ غَيْرَ مَوْصُوفٍ ، وَبِاللَّوْنِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ ، مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْأَقْطَارُ ، مُبَعَّدٌ عَنْهُ الْحُدُودُ ، مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ ، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مُسَتَّرٍ . (2) فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَامَّةً عَلى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ مَعا ، لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ قَبْلَ الْاخَرِ ، فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ ؛ لِفَاقَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهَا ، وَحَجَبَ واحدا مِنْهَا ، (3) وَهُوَ الِاسْمُ الْمَكْنُونُ الْمَخْزُونُ . فَهذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي ظَهَرَتْ ، فَالظَّاهِرُ هُوَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، وَسَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هذِهِ الْأَسْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ ، فَذلِكَ اثْنَا عَشَرَ رُكْنا ، ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ اسْما فِعْلاً مَنْسُوبا إِلَيْهَا ، فَهُوَ الرَّحْمنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ «الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» الْعَلِيمُ ، الْخَبِيرُ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، الْحَكِيمُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْعَلِيُّ ، الْعَظِيمُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْقَادِرُ ، السَّلَامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْبَارِئُ ، الْمُنْشِئُ ، الْبَدِيعُ ، الرَّفِيعُ ، الْجَلِيلُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّازِقُ ، الْمُحْيِي ، الْمُمِيتُ ، الْبَاعِثُ ، الْوَارِثُ . فَهذِهِ الْأَسْمَاءُ وَمَا كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنى _ حَتّى تَتِمَّ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ اسْما _ فَهِيَ نِسْبَةٌ لِهذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَهذِهِ الْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ ، وَحَجَبَ الِاسْمَ الْوَاحِدَ الْمَكْنُونَ الْمَخْزُونَ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ _ عزّوجلّ _ : «قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَ_نَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» » .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة».
2- . في الكافي المطبوع ، وحاشية «ألف» : «مستور» .
3- . في الكافي المطبوع : «واحدا منها» بدل «منها واحدا» .

ص: 205

هديّة :لفحول المتبحّرين من الأصحاب في شرح هذا الحديث أقوال من كلّ باب ، والكلّ مقرّ بالعجز عن فهمه على ما هو الصواب ؛ لظهور انحصار فهمه في الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه المفيض الوهّاب ، فقد يكون له في التكلّم بمثله بإذن الحكيم حِكَم وأغراض ومصالح خلا التفهيم فلمّا لا مانع من الحمل الغير المنافي للمذهب المستقيم . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «فالظاهر هو اللّه » كأنّ مراده عليه السلام أنّ لفظة «اللّه » عَلَم شخصيّ ، وسائر أسمائه تعالى موضوعة لمفهومات كلّيّة منحصر مصداقها ، ومنشأ انتزاعها ذلك الشخص جلّ جلاله ، ولمّا امتنع تعقّل ذلك الشخص إلّا بعنوان كلّي فجعل اللّه تعالى اثنى عشر عنوانا كلّيّا آلة لملاحظة ذلك الشخص ، وهذا معنى قوله : «سخّر» . ثمّ خلق لكلّ من تلك العنوانات ثلاثين أسماء أفعال . «بهذه الأسماء» أي بسبب الاستغناء بهذه الأسماء من غيرها . (1) وقال برهان الفضلاء : «الأسماء» جمع الاسم بمعنى العلامة ، فيعمّ الألفاظ المستعملة في اللّه تعالى على أنّها أسماء اللّه ومفهومات تلك الألفاظ ، وهي أجزاء الكلام النفسي ، المدلول للكلام النفسي والحجج المعصومين العالمين بجميع الأحكام كما في التالي . والمراد بحدوثها حدوثها باعتبار وجودها في نفسها لا باعتبار وجودها الرابطي ؛ فإنّ استعمال لفظ الوجود في الوجود الرابطي مجاز ، وهي باعتبار وجودها الرابطي على قسمين : أسماء صفات الذات ، كما سيجيء في السابع من الباب السادس عشر من قوله : «فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها فَنَعم» . وأسماء صفات الفعل ، كما مرّ في الأبواب السابقة . وفي هذا الباب إبطال لخمسة من أقوال أهل الضلال : الأوّل : قول الأشاعرة : إنّ كلام اللّه قديم ، ويلزم من حدوث الأسماء حدوث كلام اللّه بطريق أولى دون العكس . الثاني : قول الأشاعرة وتابعيهم : إنّ بعض أسمائه تعالى عَلَم الذات . الثالث : قول الغلاة في أمير المؤمنين عليه السلام باتّحاده مع اللّه ، كقول النصارى في عيسى عليه السلام . الرابع : قول الأشاعرة : إنّ صفات الذات _ وهي سبع : العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والكلام والبصر _ زائدة على الذات وقائمة بها بوجودها في أنفسها لا بوجودها الرابطي كما هو الحقّ والمتّفق عليه ، فإنّهم يقولون لهذه السبع وجودان : الوجود الرابطي للذات، وهو المتّفق عليه منهم ومن غيرهم . والوجود في أنفسها ، كالبياض القائم بالجسم . ولا شريك لهم في هذا القول إلّا في الصفتين : العلم والحياة . والنصارى مثلهم فيهما كما قال اللّه تعالى في سورة المائدة : «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» (2) لم يقل : «أحد ثلاثة» ؛ للإشارة إلى أنّ الصفة لو كانت زائدة وموجودة في نفسها، فيكون شرف الذات بانضمام الصفة أكبر من الذات ، كما قال في سورة التوبة للنبيّ صلى الله عليه و آله : «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ» (3) للإشارة إلى نفاق صاحبه وتابعية النبيّ صلى الله عليه و آله إيّاه في مبادي الإسلام لئلّا يظهر كفره ، وكما في الحديث: «أنّ القرآن أكبر الثقلين وأهل البيت عليهم السلام أصغرها» . (4) فإذا كان القائلون بثالث ثلاثة كافرين فما حال الأشاعرة القائلين بثامن ثمانية . وما ذكر ثقة الإسلام في بيان معنى زيادة صفات الفعل في آخر الباب السابق جارٍ في صفات الذات أيضا ، إلّا أنّهم لا يسمّونها بصفات الفعل ؛ فإنّ اعتقادهم أنّ تلك الصفات ليست داخلة تحت القدرة والاختيار مع قولهم بأنّها موجودة في نفسها في الخارج . ودلالة حدوث الأسماء _ كالعالم والقادر _ على حدوث الصفات _ كالعلم والقدرة _ مبنيّة على مقدّمتين : الاُولى : أنّ المشتقّات والمبادئ _ كالضاحك والضحك _ متّحدتان بالذات ومتغايرتان بالاعتبار ، فالضاحك عين الضحك وبالعكس . الثانية : أن تكون الأشياء موجودة في الذهن بأنفسها لا بصورها ومثلها ، وإلّا لا يستلزم حدوث الأسماء الذهنيّة حدوث الصفات الخارجيّة . الخامس : قول المعتزلة : إنّ صفاته تعالى عين الذات حقيقة لا بالمعنى الذي ذكره ثقة الإسلام في آخر الباب السابق . «خلق اسما» على الماضي المعلوم من باب نصر ، إخبار عن تدبير اللّه تعالى ومشيئته في أوّل وقت إحداث الماء الذي أوّل الحوادث ، ومادّة كلّ حادث مشيئته التي تعلّقت في وقتها على جميع الحوادث ولم يكن لا مَلَك ولا إنسٌ ولا جنّ ولا لفظ ولا لافظ كما يظهر من السابع من الباب العشرين . (5) «اسما» على إلافراد ، عبارة عن لفظ الاسم ، كما يقال : ضرب فعل ماض ، أو عبارة عن لفظ الاسم ومدلوله ؛ إذ هو فرد من أفراده ، كما يوضّح في تمام الكلام إن شاء اللّه تعالى . قوله : «بالحروف» ونظائره متعلّق بمدخول «غير» . وتقديم الظرف لإفادة الحصر ؛ إذ الألف واللام في «الحروف» ونظائره للعهد الخارجي ، بمعنى حروف موجودة في أنفسها بالفعل في الخارج ، فإشارة إلى كونها بالقوّة عند الخلق . و«غير» في خمسة مواضع حال من «اسما» على الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ «اسما» على هذا في حكم المعرفة . ووصف ل«اسما» على الاحتمال الثاني . والأوّل أولى ؛ لأنّ هذه الصفات تحقّقها عند المشيئة لا بعدها ، وكلام النحاة يأبى أن يكون ذو الحال نكرة محضة . و«المتصوّت» على اسم المفعول من التفعّل . و«المنطق» عليه من الإفعال للتعريض . «الانطاق» : جعل الشيء في عرضة المنطوقيّة . و«المجسّد» عليه من التفعيل ؛ أي بجسد النعمة . و«التشبيه» أي المشابهة الحاصلة بينهما في لباس الصوت بالهمس والجهر مثلاً . و«المصنوع» بالنون ، يعني المكتوب ؛ فإنّ الكتابة من الصنائع . و«الأقطار» الجوانب الستّ . و«الحدود» الفواصل بين الأشياء . و«المستتر» على اسم الفاعل من الافتعال . و«المستور» ما عليه ستر . و«الفاء» في «فجعله» للتعقيب . وضمير المنصوب ل«الاسم» ، فإخبار عن وقت الشروع في الإيجاد، إيجاد إيجاد المَلَك والإنس والجنّ . و«كلمة تامّة» عبارة عن لفظ الاسم ومدلوله . و«على» في «على أربعة أجزاء» بنائيّة ؛ إذ اللفظ بناؤه على المعنى والكلّ بناؤه على الأجزاء . والمراد أنّ مدلول لفظ الاسم له أربعة أجزاء : الأوّل : الذات المستعمل فيها لفظ الاسم ، كما في «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» و «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» بعنوان عموم المجاز ، كالأسد المستعمل في الأعمّ من الرجل الشجاع والحيوان المفترس ؛ إذ الاسم موضوع لمفهومه واستعمل هنا في الأعمّ من المفهوم والذات ؛ فإنّ ذات الشيء كاسمها الغير المشتقّ وتحقّقه هنا في ضمن الذات . الثاني : اللّه ، مدلول همزة الاسم . الثالث : السَنِيّ مدلول سين الاسم ، مأخوذ من السناء بالفتح والمدّ ، بمعنى فتح الباب . والمراد هنا مفتّح أبواب الخير . الرابع : الماجد ، مدلول ميم الاسم . فإشارة إلى الثالث والرابع في الأوّل من الباب السادس عشر . (6) «معا» حال من «أربعة أجزاء» . «ليس» استئناف بياني ل«معا» . والمراد أنّ واحدا منها ليس نسبة الآخر ، كما أنّ «الثلاثمائة والستّين» نسبة «الاثني عشر»، وهي نسبة «الثلاثة» الأخيرة . ف«هذه الأسماء» مبتدأ وخبر . و«الفاء» في «فالظاهر» للتفريع . والمراد الظاهر الأوّل من الثلاثة ، أو المراد أنّ «اللّه » مدلول همزة الاسم ، و«تبارك» مدلول سين الاسم ؛ لأنّ السّني والمتبارك يؤولان إلى معنى . و«تعالى» مدلول ميم الاسم ؛ لأنّ الماجد والمتعالي يؤلان إلى معنى . و«الركن» : الأصل الذي يكون مدارا عليه . وأهل الحساب من العرب يقولون : فذلك مكان جمعا ، ولذا يسمّى حاصل الجمع بالفذلكة . ويظهر ممّا يجيء في كتاب الدّعاء في الباب التاسع والخمسين (7) أن يكون الأركان الاثني عشر : «الظاهر الطهر ، المبارك المقدّس ، الحيّ القيّوم ، نور السماوات ، نور الأرض ، الرحمن الرحيم ، الكبير المتعالي» . ويجيء في الحديث : «نحن واللّه الأسماء الحسنى ، لا يقبل اللّه من العباد عملاً إلّا بمعرفتنا » . (8) ويجيء في كتاب الدُّعاء : «اللّهُمَّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم ، الأجلّ الأكرم ، المخزون المكنون» . (9) فلعلّ المراد هناك أمير المؤمنين عليه السلام نظير ما في الثاني في هذا الباب . «لكلّ ركن منها» أي من الأركان . والمراد ب«الفعل» المفهوم المشتقّ . فتمهيد لدفع توهّم أن يكون اسما من أسماء اللّه تعالى من قبيل الأعلام أو أسماء الأجناس . «منسوبا» للتصريح بذلك ؛ أي بأن ليس واحد منها رئيسا برأسه ، بل كلّ منها تحت كلّ من الأركان الاثني عشر لو فصّل . فعلى ما ذكرناه من كتاب الدّعاء يكون «الرحمن» و«الرحيم» و«الحيّ» و«القيّوم» من الأركان ، فيحتمل أن يكون هنا سهو من النسّاخ ؛ لأنّ «البارئ» وقع مكرّرا . ولا ينافي هذا ما يجيء في التّالي من أنّ «العليّ العظيم» أوّل الأسماء ؛ لأنّ له معنى آخر . فللّه تعالى ستّة وثلاثون اسما _ مثلاً _ جميعها مخلوقة في الأذهان وألسِنَة الخلائق : «الرحمن والرحيم ، الملك القدّوس» إلى آخر ما ذكر المصنّف، وهو «الوارث» . «لا تأخذه سِنة» اسم و«لا نوم» اسم . و«الفاء» في «فهذه الأسماء» للتفريع . وعلى ما نقلنا من كتاب الدّعاء فالمشار ل«هذه» الأركان ؛ لأنّ المشار إليه لو كانت الستّة والثلاثين ينضمّ إليها الأركان الاثنا عشر، فيكون عدد المجموع اثنين وسبعين وثلاثمائة . «حتّى يتمّ» على الغائب من باب ضرب ، فالمستتر ل«ما» . أو على الغائبة فل«الأسماء الحسنى» أو ل«هذه الأسماء» و«أسماء» قبل . «وهي نسبة» على الجمع خبر المبتدأ وهو «فهذه» و«الواو» حاليّة ، والحال من غير الفاعل والمفعول يجوز عند محقّقي النحاة . والمراد بالنسبة هنا التفضيل . «بهذه» متعلّق ب«حجب» . والمراد أنّ اللّه سبحانه لا يدرك لا بالكنه ولا بالشخص ، فمعرفته تعالى منحصرة في معرفة الأسماء الثلاثة ، وهي علامة الربوبيّة ، وهذه الثلاثة لا تعرف إلّا بمعرفة الاثني عشر ، وهي لا تعرف إلّا بمعرفة الثلاثمائة والستّين ، بمعنى أنّ الغلط في واحد منها يستلزم عدم معرفته تعالى . والآية في سورة بني إسرائيل . (10) والمشار إليه ل«ذلك» محجوبيّة ذاته تعالى بهذه الأسماء . انتهى كلام برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه خلق أسماء بالحروف غير متصوّت» في كثير النسخ : «أسماء» بلفظ الجمع . وفي بعضها : «اسما» بالإفراد . والجمع بين النسختين أنّه اسم واحد على أربعة أجزاء كلّ جزء منه اسم ، فيصحّ التعبير عنه بالاسم وبالأسماء . «غير متصوّت» بمتعلّقه المقدّم صفة للاسم ، أو حال من فاعل «خلق» أي الاسم موصوف بأنّه غير ذي صوت متصوّر بصورة الحرف . وبأنّه «غير منطَق» باللّفظ ، أي لم يجعل ناطقا باللفظ كما ينطق الاسم فينا باللفظ . وإسناد النطق إلى الاسم من باب التوسّع . وبأنّه «غير مجسّد» بالشخص ، أي ليس له سواد يرى فيكون مجسّدا . وبأنّه «غير موصوف» بالتشبيه ، أي بكونه مشبّها بغيره من خلقه . وبأنّه «غير مصبوغ» بالكون . وكذا ما بعدها من الصفات . أو المراد أنّه سبحانه خلق الاسم حال كونه سبحانه غير متصوّت بالحروف ، وغير منطق باللّفظ ، أي لم يجعل الاسم ناطقا باللّفظ بالتوسّع في إلاسناد على قياس ما سبق إلى آخر ما ذكر . وهذا أنسب بقوله و«بالشخص غير مجسّد» إلى آخره ؛ لأنّ هذه ممّا كثر الاشتباه فيها بالنسبة إليه سبحانه فيحتاج إلى البيان . وفائدة إيرادها في هذا المقام أنّه يعرف منها حال الاسم من كونه غير مؤلّف من الحروف ، غير متنطّق به باللّسان بلفظٍ (11) غير دالّ على التجسّد والتشبّه واللّون والأقطار والحروف والمدركيّة بالحواسّ والأوهام . وقوله «مستتر غير مستور» أي متغطّى، بينه وبين غيره ستر وغطاء غير مستور هو بذلك الستر ، أي ليس ذلك الستر له إنّما هو لغيره من نقص الماهيّة والقوّة والإمكان ، وليس من طرفه إلّا غاية الظهور لا ستر منه وفيه له أصلاً ، إنّما الحاجب الذي يمنع من ظهوره على غيره [ما] (12) لغيره من النقص والضعف اللازم لطبيعة الإمكان ، فبظلمة القوّة والاستبعاد في غيره حُجبوا عنه واستتر عنهم . «فجعله كلمة تامّة» أي فجعل ما خلقه من الاسم كلمة تامّة محيطة بجميع الأشياء لا يخرج شيء عنها وعن نسبتها ، مشتملة على أربعة أجزاء كلّ جزء منها اسم ، ليس بين تلك الأجزاء ترتيب وضعيّ أو لفظيّ ، فلا واحد منها قبل الآخر . «فأظهر منها ثلاثة أسماء» أي جعلها ظاهرة على خلقه ؛ لحاجتهم إليها وانتظام اُمورهم في العادات بها ، وجعل واحدا منها محجوبا عنهم مستترا عن مداركهم وهو الاسم المكنون المخزون ، فهذه الأجزاء الثلاثة الأسماء التي ظهرت ، فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى بأسمائه . أو المراد أنّ من الأسماء الثلاثة الظاهرة المدلول عليه باسم اللّه تبارك وتعالى . «وسخّر لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركنا» أي ذلّل لكلّ اسم منها أربعة أركان ، وجعلها آلة لفعله ومَظاهرَ لآثاره . ولعلّ المراد بالأركان الاثني عشر البروج الفلكيّة ، وأنّه يظهر فعل كلّ اسم منها وأثره بأربعة أركان هي أربعة من البروج الاثني عشر . «ثمّ خلق لكلّ ركن» من الأركان الاثني عشر بعدد درجاتها الثلاثين «ثلاثين أسماء فعلاً منسوبا إليها» أي لحصول الفعل المنسوب إلى الأركان أو الأسماء ، وظهوره بإعمال درجات الأركان . أو المراد أنّ هذه الأسماء هي الأفعال بحقيقتها ، فقوله «فعلاً» منصوب بنزع الخافض ، أو على البدليّة . وبقوله : «هو الرحمن الرحيم» _ إلى آخره _ عدّ جملة من الأسماء الثلاثمائة والستّين ، وأجمل عن البواقي منها بقوله : «وما كان من الأسماء الحسنى حتّى يتمّ ثلاثمائة وستّين اسما فهي» الأسماء الثلاثمائة والستّين نسبة لهذه الأسماء الثلاثة، ومعتبرة بحسب نسبتها في الأفعال، «وهذه الأسماء الثلاثة» الظاهرة «هي الأركان» التي باقي الأسماء تنسب إليها ويعتمد عليها . «وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة» أي هو منضمّ فيها محجوبة بها عن الخلق . «وذلك قوله تعالى» أي ما ذكر _ من إيجاد الذات الأحديّ اسما على أربعة أجزاء وإظهار ثلاثة منها ، والظاهر هو اللّه تبارك وتعالى ، وأنّه سخّر لكلّ اسم من الثلاثة التي هي من أجزاء الاسم المخلوق على أربعة أجزاء أربعة أركان ، وأنّه خلق لكلّ ركن ثلاثين اسما_ تفصيل لما أجمله سبحانه بقوله : «قُلْ ادْعُوا اللّه َ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَِ» (13) الآية ، فإنّه دلّ على أنّه يجوز دعاؤه بالاسم الظاهر من أجزاء الاسم المخلوق أوّلاً، الدال على الذات الموجود بلا ماهيّة كلّيّة له، المشار إليه بالإشارة العقليّة بما هو وجود بلا ماهيّة ، لا كالوجود للماهيّة الممكنة ، وباسم من الأسماء الدالّة على الأفعال كالرحمن ؛ فإنّ الأسماء الحسنى كلّها مختصّة بالذات الأحديّ ويستوي في صحّة التعبير عنه بها . (14) انتهى كلام السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله . وقال بعض المعاصرين : الاسم ما دلّ على الذات الموصوفة بصفة معيّنة، سواء كان لفظا أو حقيقةً من الحقائق الموجودة في الأعيان ؛ فإنّ الدلالة كما تكون بالألفاظ كذلك تكون بالذوات من غير فرق بينهما فيما يؤول إلى المعنى ، بل كلّ موجود بمنزلة كلام صادر عنه تعالى دالّ على توحيده وتمجيده ، بل كلّ منها عند اُولي البصائر لسان ناطق بوحدانيّته ، يسبّح بحمده ، ويقدّسه عمّا لا يليق بجنابه كما قال تعالى : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (15) ، بل كلّ الموجودات ذكر وتسبيح له تعالى ؛ إذ يفهم منه وحدانيّته وعلمه واتّصافه بسائر صفات الكمال ، وتقدّسه عن صفات النقص والزوال . وكأنّ الاسم الموصوف بالصفات المذكورة إشارة إلى أوّل ما خلق اللّه ، أعني النور المحمّدي والروح الأحمدي ، والعقل الكلّي . وأجزاؤه الأربعة إشارة إلى جهته الإلهيّة ، والعوالم الثلاثة التي يشتمل الاسم (16) عليها ؛ أعني عالم العقول المجرّدة عن الموادّ والصور ، وعالم الخيال المجرّد عن الموادّ دون الصور ، وعالم الأجسام المقارنة للموادّ . وبعبارة اُخرى إلى الحسّ والخيال والعقل والسرّ . وبثالثة إلى الشهادة والغيب وغيب الغيب وغيب الغيوب . وبرابعة إلى الملك والملكوت والجبروت واللّاهوت . ومعيّة الأجزاء عبارة عن لزوم كلّ منها الآخر ، وتوقّفه عليه في تماميّة الكلمة . وجزؤه المكنون : السرّ الإلهيّ والغيب اللاهوتي . «فالظاهر هو اللّه » يعني أنّ الظاهر بهذه الأسماء الثلاثة هو اللّه ؛ فإنّ المسمّى يظهر بالاسم ويعرف به . و«الأركان الأربعة» : الحياة والموت والرزق والعلم التي وكل اللّه بها أربعة أملاك : إسرافيل وعزرائيل وميكائيل وجبرائيل . وفعل الأوّل : نفخ الصور والأرواح في قوالب الموادّ والأجساد ، وإعطاء قوّة الحسّ والحركة لانبعاث الشوق والطلب وله ارتباط مع المفكّرة ، ولو لم يكن هو لم ينبعث الشوق والحركة لتحصيل الكمال في أحد . وفعل الثاني : تجريد الأرواح والصور عن الأجساد والموادّ ، وإخراج النفوس من الأبدان وله ارتباط مع المصورة ، ولو لم يكن هو لم يمكن الاستحالات والانقلابات في الأجسام ، ولا الاستكمالات والانتقالات الفكريّة في النفوس ، ولا الخروج من الدنيا والقيام عند اللّه للأرواح ، بل كانت الأشياء كلّها واقفة في منزل واحد ومقام أوّل . وفعل الثالث : إعطاء الغذاء والإنماء على قدر لائق وميزان معلوم لكلّ شيء بحسبه ، وله ارتباط مع الحفظ والإمساك ، ولو لم يكن هو لم يحصل النشوء والنّماء في الأبدان ، ولا التطوّر في أطوار الملكوت في الأرواح ، ولا العلوم الجمّة للفطرة . وفعل الرابع : الوحي والتعليم ، وتأدية الكلام من اللّه سبحانه إلى عباده ، وله ارتباط مع القوّة النطقيّة ، ولو لم يكن هو لم يستفد أحد معنى من المعاني بالبيان والقول ، ولم يقبل قلب أحد إلهام الحقّ وإلقاءه في الرّوع . وهاهنا أسرار لا يحتملها المقام . (17) انتهى كلام بعض المعاصرين . أقول _ تبعا لأصحابنا رضوان اللّه عليهم في جرأتهم في حمل الحديث المستصعب عنهم عليهم السلام على ما لا ينافي المذهب وفاقا منهم على أنّهم مأذونون في إقامة الاحتمال الصحيح _ : إنّ هذا الحديث لعلّه من تفاسير «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» وليس اسمٌ أقرب من هذه الآية إلى الاسم الأعظم المكنون المخزون ، وقربها منه كقرب بياض العين إلى سوادها . (إنّ اللّه تعالى خلق اسما) أي نورا في النور المخلوق أوّلاً ليكون مدلوليّا نفسيّا للاسم اللّفظي حين يخلق ويتجسّد بالحروف ، يعني لجميع أسمائه الحسنى اللّفظيّة ، قال اللّه تعالى في سورة الشورى : «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْاءِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (18) ، وكان ذلك النور في النور ، وهو نور معرفة القائل ب«ما» عرفناك حقّ معرفتك» . غير متّصف حين خلق بالصفات المذكورة بل جسّده بعد خلقه لذلك الروح يتّصف بها . (غير مستّر) أو (غير مستور) على اختلاف النسخ ، أي بحجاب جسماني . (فجعله كلمة تامّة) بأنّها نهاية المعارف الحقّة على قدر غاية الطاقة البشريّة التي فوق طاقة المَلَكيّة . (على أربعة أجزاء معا) أي فجعل أيضا قبل خلق الجسد لذلك النور منشعبا على أربع شعب ، كما جعل المخلوق الأوّل من النور منشعبا على نور النبوّة والولاية ؛ ليكون واحد من الأنوار الأربعة مدلولاً للاسم اللفظي الذي لا ينطق به قطّ بعد خلقه تعالى إيّاه ، ولا يعلم به أبدا غير الحجّة المعصوم المحصور عدده في علم اللّه وحكمته . وثانيها للفظ الجلالة . وثالثها للرّحمن . ورابعها للرحيم . (فأظهر منها) من تلك الأنوار الأربعة بعد خلق الأسماء اللّفظيّة لها . (ثلاثة أسماء منها لفاقة الخلق إليها) يعني اللّه ، والرحمن ، والرحيم . (وحجب واحدا منها ، وهو الاسم) اللفظي الذي لا ينطق به قطّ سوى المعصوم ، ولا يبلغ غاية معرفة اسمه النفسي سواه . ولعلّ الباء والسين والميم إشارة إلى أنّ محجوبيّة الاسم الأعظم في الأربعة كمحجوبيّة المدرج فيها وهو الهمز ، وأنّها من جملة حُجُبه . (فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى) يعني فالأوّل من الثلاثة التي ظهرت من الأربعة ، أو فالظاهر الأوّل هو اللّه تبارك وتعالى ، والظاهر الثاني هو الرحمن ، والظاهر الثالث هو الرحيم . (وسخّر سبحانه لكلّ اسم) من الثلاثة التي ظهرت من الأربعة (أربعة) أبراج ، لكلّ حرف من كلّ واحدٍ منها برجا ، كلّ برج من السماء العليا إلى الأرض السفلى قابلاً لظهور الآثار فيها بإذن اللّه تعالى ، (ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسما) لأجل الأفعال المنسوبة إليها ، فالمنسوب إليه المؤثّر بإذن اللّه هو الرحمن والرحيم والملك والقدّوس إلى ثلاثمائة وستّين اسما ، فكلّ يوم بآثارها وحوادثها نسبة إلى اسم ، وكلّ برج بالثلاثين إلى إمام كنسبة كلّ حرف من الثلاثة الظاهرة ، فهمزة «اللّه » إشارة إلى الإمام الأوّل عليه السلام ، و«اللامان» إلى ولديه وشبليه عليهم السلام ، و«الهاء» إلى خامس أهل البيت عليهم السلام ، و«الراء» إلى باقر العلوم عليه السلام ، و«الحاء» إلى حاشر الحديث وحامي حمى الدِّين وحافظ بيضة الإسلام والحقّ المبين عليه السلام ، و«الميم» إلى الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام ، و«النون» إلى الثامن الضامن عليه السلام ، و«الراء» إلى ابن الرضا الملقّب بالمرتضى عليه السلام ، و«الحاء» إلى أبي الحسن الملقّب بالناصح والفتاح عليه السلام ، و«الباء» إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام ، و«الميم» إلى المهدي صاحب الأمر والزمان صلوات اللّه عليه .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 119 .
2- . المائدة (5) : 73 .
3- . التوبة (9): 40 .
4- . تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 5 ؛ بصائر الدرجات ، ص 414 ، باب 17 ، ح 5 ؛ البحار ، ج 23 ، ص 140 ، ح 89 ؛ و ج 89 ، ص 27 ، ح 29 .
5- . وهو باب العرش والكرسي .
6- . وهو باب معاني الاسم واشتقاقها .
7- . وهو باب الدعاء في حفظ القرآن .
8- . الكافي ، ج 1 ، ص 143 _ 144 ، باب النوادر من كتاب التوحيد ، ح 4 .
9- . الكافي ، ج 2 ، ص 582 ، باب دعوات موجزات ... ، ح 17 .
10- . الإسراء (17) : 110 .
11- . في المصدر : «بلفظه» .
12- . أضفناه من المصدر.
13- . الإسراء (17) : 110 .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 376 _ 379 .
15- . الإسراء (17) : 44 .
16- . في «الف» والمصدر : - «الاسم» .
17- . الوافي ، ص 464 _ 465 .
18- . الشورى (42) : 52 .

ص: 206

. .

ص: 207

. .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

. .

ص: 211

. .

ص: 212

. .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : هَلْ كَانَ اللّه ُ _ تعالى _ عَارِفا بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ؟ قَالَ :«نَعَمْ» . قُلْتُ : يَرَاهَا وَيَسْمَعُهَا؟ قَالَ : «مَا كَانَ مُحْتَاجا إِلى ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهَا ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْهَا ، هُوَ نَفْسُهُ ، وَنَفْسُهُ هُوَ ، قُدْرَتُهُ نَافِذَةٌ ، فَلَيْسَ يَحْتَاجُ إلى أَنْ يُسَمِّيَ نَفْسَهُ ، وَ لكِنَّهُ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَسْمَاءً لِغَيْرِهِ يَدْعُوهُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُدْعَ بِاسْمِهِ ، لَمْ يُعْرَفْ ، فَأَوَّلُ مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ : الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، فَمَعْنَاهُ : اللّه ُ ، وَاسْمُهُ : الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، هُوَ أَوَّلُ أَسْمَائِهِ عَلَا عَلى كُلِّ شَيْءٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبد اللّه ، عن محمّد بن عبد اللّه و موسى بن عُمَر والحسن بن عليّ بن عثمان» .

ص: 217

هديّة :(يراها ويسمعها) يعني هل يرى نفسه كما يرى غيره؟ وهل يسمع كلامه كما يسمع كلام غيره ؟ (لأنّه لم يكن يسألها) أي لم يكن يدعو نفسه كما يدعوه خلقه ويطلب منه الحاجة . (قدرته نافذة) استئناف بياني ؛ أي في كلّ ما شاء ، (فليس يحتاج) إلى (أن يسمّي نفسه) فيطلب منه الحاجة . (لم يعرف) بأنّه الربّ المدعوّ منه الحاجة . (فأوّل ما اختاره لنفسه العليّ العظيم) أي من الأسماء اللفظيّة ، كما أنّ أوّل ما اختاره لخلقه منها «اللّه الرحمن الرحيم» وقد ذكر في الحديث الأوّل . (فمعناه اللّه ) أي مدلول لفظة الجلالة . وقرأ برهان الفضلاء : «ويُسمعها» على المعلوم من الإفعال ، يعني وهل يُسْمع نفسه الكلام اللفظي ، ثمّ قال : «هو نفسه ، ونفسه هو» إبطال لمذهب الغلاة القائلين بالاتّحاد بين اللّه وبين الإمام ، ومذهب الصوفيّة القائلين باتّحاده تعالى مع كلّ شيء كالشمعة بتشكّلاته والبحر بأمواجه . ونفوذ قدرته تعالى عبارة عن تجرّده ، إشارة إلى انحصار التجرّد فيه تعالى ، وتعلّق قدرته بكلّ شيء بلا وجوب توسّط مجرّد فيما بينه وسائر مخلوقاته ، فإبطال لمذهب الفلاسفة والصوفيّة التابعين لهم في هذا الأصل أيضا ، وهو أصل من اُصول الكفر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قلت يراها ويسمعها» لمّا زعم السائل أنّ المعرفة بالإدراك الجزئي كالرؤية والاسم الخاصّ ، وأنّ الخلق بذكر اسمه سبحانه ، فإذا كان عارفا بنفسه قبل الخلق كان يرى نفسه قبل الخلق ، وإذا كان عارفا بنفسه قبل الخلق وكان خلقه بذكر اسمه كان يسمّي نفسه قبل الخلق ويسمعها بذكر اسمه ، سأله عمّا كان يزعمه بقوله : «يراها ويسمعها» . ولا يبعد أن يكون مكان «يسمعها» «يسمّيها» وإن لم يوجد في النسخ التي وصلت إلينا . فأجاب عليه السلام بقوله : «ما كان محتاجا إلى ذلك» لعدم المغايرة بين المدرك والمدرك ، والرؤية تقتضي المغايرة بينهما وهو نافذ القدرة لا يحتاج إلى أن يسمّى نفسه وأن يستعين بالاسم . (1) «فأوّل ما اختاره لنفسه العليّ العظيم» أي هذا الاسم أحقّ الأسماء كلّها بأن يختار له سبحانه ، أو أنّه من الأسماء الثلاثة الظاهرة ، وأوّليّته بالنسبة إلى غيرها من الأسماء ؛ لأنّه من نسب الأسماء الثلاثة ، أو أنّه أوّل الثلاثة في الترتيب إن قدّر ولوحظ ترتيب بينها ، فإذن يكون أوّل بالنسبة إلى الكلّ . «لأنّه أعلى الأشياء» أي جميع الأشياء حتّى الأسماء ، فهو أحقّ الأسماء بالتعبير عنه سبحانه ، أو أوّل الأسماء النسبيّة ومقدّم عليها ، أو أوّل جميع الأسماء ومقدّم على ما سواه . «فمعناه اللّه » أي ذاته المقصود بالاسم «اللّه » . وفيه دلالة على أنّ «اللّه » اسم بإزاء الذات لا باعتبار صفة من الصفات . «واسمه العليّ العظيم» أي هذا الاسم «هو أوّل أسمائه» التي باعتبار الصفات والنسب إلى الغير . (2)

.


1- . من قوله : «فأجاب»إلى «بالاسم» في المصدر مع إضافات اُخرى لعلّها سقطت من قلم المصنّف ولم يكن في مقام التلخيص .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 380 _ 381 .

ص: 218

الحديث الثالثروى في الكافي بهذا الإسناد ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الِاسْمِ : مَا هُوَ؟ قَالَ :«صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ» .

هديّة :قيل : يعني علامة للمسمّى . وقال برهان الفضلاء : يعني سألت الرضا عليه السلام عن الاسم ما هو؟ قال : «صفة» أي ثناء في الأذهان الحادثة للمثني عليه، ليس فيه ولا عينه بل أمر حادث له . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «صفة لموصوف» يعني كيفيّة قائمة بالهواء ، فيمتنع أن يكون عين المسمّى كما توهّم جمع . أو معناه مفهوم كلّي هو صفة انتزاعيّة لذلك الشخص جلّ جلاله . (1) أقول : يعني علامة لفظيّة بمدلولها النفسيّ لموصوفٍ قديمٍ أو حادث ، فدلالة على حدوث مطلق الأسماء .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 119 .

ص: 219

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«اسْمُ اللّه ِ غَيْرُ اللّه ، (2) وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَا خَلَا اللّه َ ، فَأَمَّا مَا عَبَّرَتْهُ الْأَلْسُنُ أَوْ عَمِلَتِ الْأَيْدِي ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ غَايَةٌ مِنْ غَايَاتهُ ، (3) وَالْمُغَيَّا غَيْرُ الْغَايَةِ ، وَالْغَايَةُ مَوْصُوفَةٌ ، وَكُلُّ مَوْصُوفٍ مَصْنُوعٌ ، وَصَانِعُ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِحَدٍّ مُسَمّىً ، لَمْ يَتَكَوَّنْ ؛ فَتُعْرَفُ كَيْنُونِيَّتُهُ بِصُنْعِ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَتَنَاهَ إِلى غَايَةٍ إِلَا كَانَتْ غَيْرَهُ ، لَا يَذِلُّ (4) مَنْ فَهِمَ هذَا الْحُكْمَ أَبَدا ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ ، فَارْعَوْهُ ، وَصَدِّقُوهُ ، وَتَفَهَّمُوهُ بِإِذْنِ اللّه ِ . مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ اللّه َ بِحِجَابٍ أَوْ بِصُورَةٍ أَوْ بِمِثَالٍ ، فَهُوَ مُشْرِكٌ ؛ لِأَنَّ حِجَابَهُ وَمِثَالَهُ وَصُورَتَهُ غَيْرُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ ، مُوَحِّدٌ ، (5) فَكَيْفَ يُوَحِّدُهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَرَفَهُ بِغَيْرِهِ؟! وَإِنَّمَا عَرَفَ اللّه َ مَنْ عَرَفَهُ بِاللّه ِ ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِهِ ، فَلَيْسَ يَعْرِفُهُ ، إِنَّمَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ ، لَيْسَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ شَيْءٌ ، وَاللّه ُ خَلَقَ (6) الْأَشْيَاءِ لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ، وَاللّه ُ يُسَمّى بِأَسْمَائِهِ وَهُوَ غَيْرُ أَسْمَائِهِ ، وَالْأَسْمَاءُ غَيْرُهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن بكر بن صالح ، عن عليّ بن صالح» .
2- . في حاشية «الف» والكافي المطبوع : «غيره» .
3- . في الكافي المطبوع : «مَنْ غاياه» .
4- . في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «لا يزلّ».
5- . في الكافي المطبوع : «متوحّد» .
6- . في الكافي المطبوع : «خالق» .

ص: 220

هديّة :في كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله عن الحسن بن محمّد ، عن خالد بن يزيد . (1) في بعض النسخ : «اسم اللّه غيره» بالضمير مكان لفظة الجلالة ، يعني اسمه اللفظيّ والنفسيّ . (وكلّ شيء) في الخارج (وقع عليه اسم شيء) أي اسم من الأسماء ، أو اسم الشيئيّة ، فالغرض صحّة الإطلاق بأنّه تعالى شيء كما مرّ بابه . أو المراد من «الاسم» الاسم النفسيّ ، ومن «الشيء» الاسم اللّفظي ، فالمعنى أنّ كلّ موجود يمكن أن يطابقه مفهومه ما خلا اللّه . فالغرض بيان وجه من وجوه المباينة الكلّيّة بين الخالق والمخلوق . (فأمّا ما عبرته الألسن) بالتخفيف ، من العبارة . يقال : عبرت الرؤيا عبارةً ، كنصر : فسّرتها . قال اللّه تعالى في سورة يوسف : «إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ» (2) . (أو عملت الأيدي) يعني الأسماء المكتوبة . (فهو مخلوق) أي باتّفاق من العقلاء . (واللّه غاية من غاياته) أو «من غايات» كما في بعض النسخ ، يعني والمفهوم من «اللّه » في الأذهان مفهوم من مفهوماته بأسمائه اللفظيّة فيها ، فمحصور متناه ذو غاية . و(المغيّا) يعني وذو الغاية (غير الغاية) قطعا، (والغاية موصوفة) محدودة، (وكلّ موصوف) محدودٍ (مصنوع) والصانع غير موصوف محدود بحدّ معيّن . (بصنع غيره) متعلّق ب«الكينونيّة» . (لا يذلّ) بالذال المعجمة على المعلوم من باب فرّ . وفي بعض النسخ : «لا يزلّ» بالزاي على المعلوم أيضا منه . (وهو التوحيد الخالص) ناظر إلى نفي الحدّين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه . (بحجاب أو بصورة أو بمثال) ردّ على طوائف من أهل الشرك لا سيّما الصوفيّة القدريّة . وقد مضى بيان «من عرف اللّه باللّه » . (ليس بين الخالق والمخلوق شيء) استئناف بيانيّ ، وناظر إلى حديث «هو خلو من خلقه ، وخلقه خلوّ منه» . (3) أي شيء مشترك . (لا من شيء كان) ردّ على طوائف من أهل الشرك أيضا . وقال الفاضل الإسترابادي : الظاهر «عن خالد» كما في كتاب التوحيد . «اسم اللّه غيره» سيجيء في باب ما اُعطي الأئمّة من اسم اللّه الأعظم ما ينفع ذلك . «فأمّا ما عبرته» إشارة إلى اللّفظ وإلى النقش . ومعنى «عبرته» جعلته عبارة . «واللّه غاية من غاياته» أي لفظ اللّه اسم من أسمائه . و«المعنى» بالمهملة والنون «غير الغاية» أي المعنى غير اللّفظ . «والغاية موصوفة» أي الاسم موصوفة ، أي يجوز تحديدها ، أي تعريفها بأن يقال : كيفيّة عارضة للهواء معتمدة على المخارج . «مسمّى لم يتكوّن» خبر بعد خبر . «ولم تتناه» على لفظ الخطاب ، يعني أنّه لم يبلغ ذهنك إلى اسم إلّا كان ذلك الاسم غيره تعالى . (4) وقال برهان الفضلاء : «اسم اللّه غيره» يعني ليس اسم من أسمائه مفهوما عَلَميّا كما توهّم جمع أنّ «اللّه » عَلَمَ ، وآخرون أنّ «الرّحمن» أيضا عَلَم . «وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء» بمعنى أنّه موجود في نفسه ، في الخارج أو في الذهن ، جوهرا كان أو عرضا، فهو حادث بالتدبير . «ما خلا اللّه » يعني ليس اسم من أسمائه قديما ، فردّ على الأشاعرة القائلين بأنّ سبعة من أسمائه . (5) وقد ذكرت في بيان الأوّل : كلّ منها موجود في نفسه في الخارج ، قديم بكلا وجوديه : وجوده في نفسه ، ووجوده الرابطي ، وقائم بذاته تعالى «فهو مخلوق» ثانيا، أي بلا نزاع فيه لأحد . «فأمّا ما عبرته الألسن» من العبور من باب نصر كما من النهر بالتدريج . والمراد عبور اللسان من اللفظ حرفا حرفا . ولمّا بيّن أنّه ليس اسم من أسمائه تعالى عَلَما شخصيّا له ، وكان أكثر التوهّم في لفظ «اللّه » صرّح بخصوصه ليرتفع الاشتباه . و«الغاية» بمعنى العلامة ؛ فإنّ غاية العسكر وعلامته بمعنى ، يعني ولفظة «اللّه » علامة من علاماته تعالى . «والمعنى غير الغاية» بالعين المهملة والنون ؛ بمعنى المقصد أو المقصود ، يعني والذي يتصوّر بتلك العلامة فهو غير تلك العلامة ؛ لأنّ العلامة متصوّرة بالكنه فحادثة مدبّرة لغيرها ، والمدبّر للأشياء لا يتصوّر بالكنه بل بالوجه فقط . «من فهم هذا الحكم» أي الحكمة . وقال بعض المعاصرين : «واللّه غاية من غاياته» أي المفهوم من اسم اللّه حدّ من حدود ما عبرتْه الألسن ، أو عملتْه الأيدي ينتهيان إليه ، وهما غير المفهوم منهما ، والمفهوم منهما موصوف بهما فمصنوع يصفه الواصف في ذهنه . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «اسم اللّه غيره» أي اسم اللّه تعالى غير ذاته الذي هو المسمّى بالاسم . «وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء» يُقال له : إنّه اسم شيء «فهو مخلوق» غير اللّه وما خلاه . وقوله : «ما خلا اللّه » إمّا استثناء من المبتدأ ، أو خبر بعد خبر ، أو صفة للخبر . ولمّا كان مظنّة أن يتوهّم من قوله : «ما خلا اللّه » أنّ اللّه غير مخلوق ولو بلفظه أو نقشه ، دفعه بقوله : «فأمّا ما عبرته الألسن» وجعلته عبارة «أو عملت الأيدي» أي اللّفظ أو النقش «فهو مخلوق» . «واللّه عانة من عاناه» يحتمل أن يكون لفظ «اللّه » موردا على سبيل القسم . و«عانة من عاناه» خبر لقوله : «هو» أو خبر مبتدأ محذوف . وتقدير الكلام: فهو مخلوق واللّه هو عانة من عاناه . ويحتمل أن يكون «اللّه » مبتدأ ، ويكون المراد به الاسم ، و«عانة من عاناه» خبره ، فالمعنى وهو أو الاسم ملابس مَنْ لابسه ومباشر مَنْ باشره . وفي النهاية الأثيريّة : معاناة الشيء : ملابسته ومباشرته . (7) أو مهمّ من اهتمّ به . وفي النهاية : عنيتُ به فأنا عانٍ ، أي اهتممت به واشتغلت . (8) أو هو أسير من أسره وذليل من أذلّه . وفي النهاية : العاني الأسير . وكلّ من ذلّ واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان . (9) أو هو محبوس من حبسه . وفي النهاية : وعنّوا بالأصوات ، أي احبسوها واخفوها . (10) «والمعنى غير العانة» أي المقصود بالاسم المتوسّل به إليه غير العانة ؛ أي غير ما تتصوّره وتفعله . «والعانة موصوفة» أي كلّ ما تتصوّره أو تفعله فتلابسه أو تسخّره أو تهتمّ به، أو هو ذليل مخلوق مأسور موصوف بصفات الممكن وتوابع الإمكان، «وكلّ موصوف بها مصنوع» . والمحفوظ في النسخ التي رأيناها «غاية من غايات» بالغين المعجمة فيهما ، ويفسّر بأنّ اسم اللّه غاية من غايات ، أي اسم من أسمائه تعالى ، ولكن في أكثر ما رأيناه من النسخ العتيقة وقع إصلاح في لفظ «غايات» حيث كانت مكتوبة بالهاء المدوّرة، فحُكّت وأصلحت وكُتبت بالتاء المستطيلة . و«العانة» أصله عانية حذفت الياء كما حذفت عن العاني في حديث المقدام: «الخال وارث من لا وارث له، يفكُّ عانه» . (11) وفي النهاية : أي عانيه ، فحذفت الياء . (12) وأمّا «التاء» في «العانة» فإذا جعل خبرا لقوله : «هو» يكون للمبالغة ، وفي غيره يحتمل المبالغة والتأنيث . «لا يذلّ من فهم هذا الحكم أبدا» أي لا يذلّ ذلّ الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه . «وهو» أي سلب جميع ما يغايره عنه «التوحيد الخالص» . «فارعوه» من الرعاية . وفي بعض النسخ : «فاوعوه» بالواو ، أي فاحفظوه . وفي بعضها بالدال ، أي كونوا مدّعين له مصدّقين به . والمعاني فيها متقاربة . (13)

.


1- . التوحيد ، ص 192 ، باب 29 ، ح 6 . وفيه «عليّ بن الحسن بن محمّد» .
2- . يوسف (12) : 43 .
3- . تقدّم في باب إطلاق القول بأنّه شيء .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
5- . كذا في النسخ التي بأيدينا .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 468 ، بتفاوت يسير .
7- . النهاية لابن الأثير ، ج 3 ، ص 598 (عنا) .
8- . المصدر .
9- . المصدر .
10- . المصدر .
11- . سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 138 ، ح 2901 ؛ سنن البيهقي ، ج 6 ، ص 243 ، ح 12179 .
12- . النهاية لابن الأثير ، ص 598 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 381 _ 384 ، بتفاوت يسير .

ص: 221

. .

ص: 222

. .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

باب معاني الأسماء و اشتقاقها

الباب السادس عشر : بَابُ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَ اشْتِقَاقِهَاوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر .

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ جَدِّهِ ، (1) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ تَفْسِيرِ «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيم» قَالَ :«الْبَاءُ بَهَاءُ اللّه ِ ، وَالسِّينُ سَنَاءُ اللّه ِ ، وَالْمِيمُ مَجْدُ اللّه ِ _ وَرَوى بَعْضُهُمْ : الْمِيمُ مُلْكُ اللّه ِ _ وَاللّه ُ إِلهُ كُلِّ شَيْءٍ ، الرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ ، وَالرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً» .

هديّة :في العنوان يعني أسماء اللّه . (واشتقاقها) عطف على «المعاني» . قال برهان الفضلاء : يعني وبيان أنّ جميع أسمائه مشتقّات ليست من قبيل الأعلام وأسماء الأجناس ، وقد ثبت عند أهل العربيّة أنّ الذات في المشتقّات خارجة من مفهومها ومبهم . وروى بعضهم كلام ثقة الإسلام ، أي بعض العدّة . قال العلّامة طاب ثراه : قال محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه : كلّما ذكرته في كتابي الكافي عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فهم : عليّ بن إبراهيم وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة وأحمد بن عبداللّه اُميّة (2) وعليّ بن الحسن . (3) قال برهان الفضلاء : الاسم يستعمل في أربعة معان : الأوّل : لفظ اللّه ، والرحمن ونحوهما . الثاني : مفهوم ذلك اللفظ . الثالث : مفهوم لفظ الذات . الرابع : الإمام العالم بجميع الأحكام . والمراد هنا المعنى الثالث . وإذا كان كنه شيء وشخصه غير معلوم فلابدّ من أن يعبّر عنه بالذات أو الاسم، فيُضاف إلى اسم من الأسماء بالمعنى الأوّل والثاني ، وبهذا يسمّى ذلك بالاسم الأعظم . قال السيّد الأجلّ النائيني : «البهاء» : الحسن . و«السّناء» بالمدّ : الرفعة . و«المجد» : الكرم والشرف . ولمّا كان تفسيره بحسب معنى حرف الإضافة ولفظ الاسم غير محتاج إلى البيان للعارف باللغة أجاب عليه السلام بالتفسير بحسب المدلولات البعيدة المنظورة ، أو لأنّه صار مستعملاً للتبرّك مخرجا عن المدلول الأوّلي ففسّره بغيره ممّا لوحظ في التبرّك . والمراد بهذا التفسير إمّا أنّ هذه الحروف لمّا كانت أوائل هذه الألفاظ الدالّة على هذه الصفات اُخذت للتبرّك ، أو أنّ هذه الحروف لها دلالة على هذه المعاني ، إمّا على أنّ للحروف مناسبة مع المعاني بها وصفت (4) لها ، وهي أوائل هذه الألفاظ وأشدّ حروفها مناسبة وأقواها دلالة لمعانيها ، أو لأنّ الباء لمّا دلّت على الارتباط والانضياف _ ومناط الارتباط والانضياف إلى الشيء وجدان حسن مطلوب للطالب _ ففيها دلالة على حسن وبهاء مطلوب لكلّ طالب ، وبحسبها فسّرت ببهاء اللّه . ولمّا كان الاسم من السموّ الدال على الرفعة والعلوّ والكرم والشرف ، فكلّ من الحرفين بالانضمام إلى الآخر دالّ على ذلك المدلول ، فنُسبت (5) الدلالة على «السناء» بحسب المناسبة إلى السين ، وفسّرها بسناء اللّه ، والدلالة على المجد أو المُلك بحبسها إلى الميم وفسّرها بالمجد أو المُلك . «واللّه إله كلّ شيء» أي مستحقّ العبوديّة لكلّ شيء والحقيق بها . «والرحمن بجميع خلقه» أي فيه مبالغة الرحمة ودلالة على شمولها لجميع خلقه ، فهي كصفات الذات لا يختلف الأشياء بالنسبة إليها إثباتا ونفيا . «والرحيم بالمؤمنين خاصّة» فهي بحال صفات الفعل من الاختلاف إثباتا ونفيا . (6) وقال بعض المعاصرين : اُشير بهذا التفسير إلى علم الحروف ، فإنّه علمٌ شريف يمكن أن يستنبط منه جميع العلوم والمعارف كلّيّاتها وجزئيّاتها إلّا أنّه مكنون عند أهله . (7) انتهى . لو كان علم يستنبط منه جميع العلوم والمعارف كلّيّاتها وجزئيّاتها لكان خاصّا بالحجّة المعصوم القيّم للقرآن المنكر لثبوته لغيره عموما وخصوصا ، والمكفّر للحروفيّة من الزنادقة عموما . ولكلّ حرف من القرآن سبعون بطنا في موضعها إن تكرّر، فلعلّ هذا بطنٌ من بطونها .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد».
2- . في المصدر : «عبد اللّه بن اُميّة» .
3- . خلاصة الأقوال ، ص 430 ، الفائدة الثالثة .
4- . في المصدر : «وضعت» .
5- . في المصدر : «فنسب» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 385 _ 386 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 469 .

ص: 226

. .

ص: 227

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ أَسْمَاءِ اللّه ِ وَاشْتِقَاقِهَا : اللّه ُ مِمَّا هُوَ مُشْتَقٌّ؟ فَقَالَ :«يَا هِشَامُ ، اللّه ُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلهٍ ، وَإله (1) يَقْتَضِي مَأْ لُوها ، وَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمّى ، فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئا ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنى ، فَقَدْ أَشْرَكَ وَعَبَدَ اثْنَيْنِ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنى دُونَ الِاسْمِ ، فَذَاكَ التَّوْحِيدُ ، أَفَهِمْتَ يَا هِشَامُ؟» . قَالَ : قُلْتُ : زِدْنِي ، قَالَ : «لِلّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْما ، فَلَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمّى ، لَكَانَ كُلُّ اسْمٍ مِنْهَا إِلها ، وَلكِنَّ اللّه َ مَعْنىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ وَكُلُّهَا غَيْرُهُ . يَا هِشَامُ ، الْخُبْزُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ ، وَالْمَاءُ اسْمٌ لِلْمَشْرُوبِ ، وَالثَّوْبُ اسْمٌ لِلْمَلْبُوسِ ، وَالنَّارُ اسْمٌ لِلْمُحْرِقِ ؛ أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ فَهْما تَدْفَعُ بِهِ ، وَتُنَاقِلُ (2) بِهِ أَعْدَاءَنَا الْمُلحدين (3) مَعَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَهُ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «نَفَعَكَ اللّه ُ بِهِ وَثَبَّتَكَ يَا هِشَامُ» . قَالَ هِشَامٌ : فَوَ اللّه ِ ، مَا قَهَرَنِي أَحَدٌ فِي التَّوْحِيدِ حَتّى قُمْتُ مَقَامِي هذَا .

.


1- . في الكافي المطبوع : «و الإله» .
2- . في الكافي المطبوع : «تناضل» .
3- . في الكافي المطبوع : «المتّخذين» .

ص: 228

هديّة :قد سبق هذا الحديث في الباب الخامس باب المعبود بتفاوت يسير . وضبط برهان الفضلاء هنا : «تناقل» بالنون مكان «تناضل» هناك . و«التناقل» : التجاوب في المناظرة بلا تأمّل وعجز . وفي بعض النسخ هنا «تثاقل» بالمثلّثة كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني . وقال : أي تجعلهم متباطئين غير ناهضين للجدال . (1) وفي بعض آخر : تناضل هناك . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : الظاهر _ كما مرّ _ : «وتناضل به» مكان «وتناقل به» . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني : قد سبق هذا الحديث في باب المعبود بسنده ومتنه ، إلّا أنّه هناك وقع «والإله يقتضي مألوها»، وهنا «وإله يقتضي مألوها» بدون لام التعريف . ولو جرّد النظر عمّا هناك لم يبعد أن يقرأ هنا «ألِهَ» بلفظ الفعل الماضي . وأله آلهة واُلوهة والُوهيّة : عبد عبادة . ومنه لفظ الجلالة كذا ذكره اللّغويّون . (3) «و إله يقتضي مألوها» أي معبودا لتعدّي معناه ، كما أنّ الإله يقتضي مألوها ، أي يوجبه ليكون مطابقه ومصداقه ؛ لأنّه بمعنى المألوه أو _ كما ذكرنا في باب المعبود _ أنّ المألوه مَن له إلهٌ يعبده وهو أولى . وسيجيء في باب جوامع التوحيد ما يؤيّده . (4) (الخبز اسم للمأكول) تمثيل فيه تنبيه على مغايرة الاسم للمسمّى بمغايرة أسماء الأشياء كلّها لمسمّياتها .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 338 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
3- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 ؛ القاموس المحيط ، ص 1603 (أله) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 386 .

ص: 229

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنْ مَعْنَى اللّه ِ ، فَقَالَ :«اسْتَوْلى عَلى مَا دَقَّ وَجَلَّ» .

هديّة :قيل : مبنى الجواب على أنّ اشتقاق لفظة الجلالة من أله بالفتح آلهة ، أي عبد عبادةً . وأصلها «إله» على فِعال ، بمعنى المفعول . و«المألوه» هو المعبود . والمعبود الحقّ هو الخالق الغالب على جميع المخلوقات دقيقها وجليلها باطنها وظاهرها . وقد سبق في باب المعبود أنّ التحقيق: أنّ أصلها «إله» على فِعال بمعنى الفاعل ، من ألهَ كنصر ، فعلاً متعدّيا فيقتضي مألوها . ف«الإله» يعني المستحِقّ _ بكسر الحاء _ أن يعبده غيره . والمألوه يعني المستحقّ منه _ بفتح الحاء _ عبادة الإله . وفي الصحيفة الكاملة في دعاء يوم عرفة : «وإله كلّ مألوه»، (2) والظاهر أنّه عليه السلام لم يرد «وإله كلّ إله» . وكذا ما في الحديث من قولهم عليهم السلام : «وإلها إذ لا مألوه»، (3) فلا عبرة بمثل قول الجوهري: وأصلها إله على فعال بمعنى مفعول ؛ لأنّه مألوه أي معبود كقولنا : إمام [فِعال] بمعنى مفعول ؛ لأنّه مؤتمّ به ، فلمّا اُدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام . (4) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب«المعنى» هنا المرجع ، يعني سئل عليه السلام عن مرجع لفظ «اللّه » بأنّ الألف واللام للعهد الخارجي بأيِّ سبب دخلت عليه؟ فقال عليه السلام : مرجع ذلك أنّه تعالى غالب جدّا ، كما هو غير مخفيّ بشواهد ربوبيّته على الأصاغر والأكابر ، بمعنى أنّه وليّ جميع النِّعم صغائرها وكبائرها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «عن معنى اللّه » أي عن مفهوم هذا الاسم ومناطه . «استولى على ما دقّ وجلّ» أي على جميع الأشياء دقيقها وجليلها ، والاستيلاء على جميع الأشياء مناط المعبوديّة بالحقّ لكلّ شيء . (5) أقول : يُقال _ كما قال في القاموس _ : ألِهه كفرح : أجاره وآمنه . فلا يبعد أن يكون الجواب إشارة إلى أنّ مأخذ الاشتقاق ل «الإله» كما يكون «أله» كنصر بمعنى عبد يكون «أله» كعلم ، بمعنى أجار ، والمجير مستول كملاً على المجار في كنفه ولذا آمنه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد» .
2- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 244 ، الدعاء 47 .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 138 ، باب جوامع التوحيد ، ح 4 ؛ التوحيد ، ص 309 ، باب 43 ، ح 2 .
4- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله) .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 388 .

ص: 230

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ تعالى : «اللَّهُ نُورُ السَّمَوتِ وَالْأَرْضِ» فَقَالَ :«هَادٍ لِأَهْلِ السَّمَوات ، (2) وَهَادٍ لِأَهْلِ الْأَرْضِ» . وَفِي رِوَايَةِ الْبَرْقِيِّ : «هُدى مَنْ فِي السَّمَاءِ ، وَهُدى مَنْ فِي الْأَرْضِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد» .
2- . في الكافي المطبوع : «السماء» .

ص: 231

هديّة :في (قول اللّه تعالى) في سورة النور . (1) (وفي رواية البرقي) كلام ثقة الإسلام . في بعض النسخ : «هدى» بالضمّ في المواضع الأربعة مكان «هاد» و«هدى» . لا خفاء لوجه تفسير النور بالهادي أو بالهدى ، ويمكن تأويل هذا التفسير إلى ما يستفاد من تفسير هذه الآية في الخامس في الباب الثالث عشر باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللّه عزّ وجلّ من أنّ نور اللّه هو الإمام، فالتقدير : نور اللّه نور السموات والأرض ، أو : اللّه نوره نور السموات والأرض ؛ فإنّ تقدير السلطان نادى بين الناس : أنّ منادي السلطان نادى ، أو : السلطان مناديه نادى . قال برهان الفضلاء : يعني أنّ نور السراج مثلاً كما هو هاد للخلق في ظلمة الليل كذلك اللّه هاد لأهل السموات وأهل الأرض بأنوار حجبه وآياته إلى معرفته ، كما أنّ أهل الجنّة يقولون «وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللّه ُ» (2) . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا كان النور مناط الهداية فهو الهدى ، أي ما يهتدى به ويصحّ أن ينسب الهداية إليه ، ويطلق عليه الهادي ، فعبّر عن كونه سبحانه هاديا أو هدى لمن في السماء والأرض بأنّه نور السموات والأرض . (3)

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (4) عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ تباك و تعالى : «هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْاخِرُ» وَقُلْتُ : أَمَّا «الْأَوَّلُ» فَقَدْ عَرَفْنَاهُ ، وَأَمَّا «الْاخِرُ» فَبَيِّنْ لَنَا تَفْسِيرَهُ . فَقَالَ :«إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ إِلَا يَبِيدَ (5) أَوْ يَتَغَيَّرَ ، أَوْ يَدْخُلَهُ التَّغَيُّرُ وَالزَّوَالُ ، أَوْ يَنْتَقِلَ مِنْ لَوْنٍ إِلى لَوْنٍ ، وَمِنْ هَيْئَةٍ إِلى هَيْئَةٍ ، وَمِنْ صِفَةٍ إِلى صِفَةٍ ، وَمِنْ زِيَادَةٍ إِلى نُقْصَانٍ ، وَمِنْ نُقْصَانٍ إِلى زِيَادَةٍ إِلَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ الْاخِرُ عَلى مَا لَمْ يَزَلْ ، وَلَا تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ كَمَا تَخْتَلِفُ عَلى غَيْرِهِ ، مِثْلُ الْاءِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ تُرَابا مَرَّةً ، وَمَرَّةً لَحْما وَدَما ، وَمَرَّةً رُفَاتا وَرَمِيما ، وَكَالْبُسْرِ الَّذِي يَكُونُ مَرَّةً بَلَحا ، وَمَرَّةً بُسْرا ، وَمَرَّةً رُطَبا ، وَمَرَّةً تَمْرا ، فَيَتَبَدَّلُ (6) عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ ، وَاللّه ُ _ تعالى _ بِخِلَافِ ذلِكَ» .

.


1- . النور (24) : 35 .
2- . الأعراف (7) : 43 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 389 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن فضيل بن عثمان» .
5- . في الكافي المطبوع : «أن يبيد» .
6- . في الكافي¨ المطبوع : «فتتبدّل» .

ص: 232

هديّة :(أمّا الأوّل فقد عرفناه) أي من قولكم بأنّه تعالى هو القديم ، ليس قديم سواه ، فإشارة إلى بطلان ما توهّمت الأشاعرة في السبع من صفاته تعالى : العلم والقدرة والحياة والإرادة والكلام والسمع والبصر من أنّها كيفيّات قديمة له تعالى موجودة في أنفسها زائدة على الذات ، ووجودها في أنفسها غير وجود الذات ، وغير وجودها الرابطي أيضا . وكذا إلى بطلان القائلين مَنْ الفلاسفة ومن تبعهم كالصوفيّة القدريّة بثبوت الحقائق والطبائع والماهيّات القديمة . (وأمّا الآخر فبيّن لنا تفسيره) يعني فإنّه إن كان بمعنى أنّ كلّ شيء يفنى وهو سبحانه يبقى ، فيتوهّم منه عدم إعادة أهل المعصية والطاعة ، وعدم النار والجنّة كما زعمت القدريّة وأوّلوا الجسماني من المذكورات بما أوّلها التناسخيّة لعنهم اللّه . أو أنّ الأنسب على الإعادة الأوسط مكان الآخر . فأجاب عليه السلام بما حاصله : إنّ المعنى من الآخر هو المستمرّ على الربوبيّة أزلاً أبدا . «باد عدوّي» كباع : فنى وهلك . «على» في (على ما لم يزل) استعلائيّة ، كما في قوله تعالى : «أُوْلَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ» (1) . ف«ما» إمّا موصولة ، فالتقدير : على ما لم يزل هو عليه . أو مصدريّة ، يعني على أزليّة الربوبيّة وأبديّتها . و«الرُفات» كالفُتات لفظا ومعنىً ، أي السّاقط من المدقوق أو المكسور أو المفتّت . وأوّل ما يبدو من النخلة يقال له : «طلع» ثمّ «خَلال» بالمعجمة كسحاب ، ثمّ «بلح» بالمفردة واللام المفتوحتين والمهملة ، ثمّ «بسر» ، ثمّ «رطب» ، ثمّ «تمر» .

.


1- . البقرة (2) : 5 .

ص: 233

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ مَيْمُونٍ الْبَانِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْأَوَّلِ وَالْاخِرِ ، فَقَالَ :«الْأَوَّلُ لَا عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ ، وَلَا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ ؛ وَالْاخِرُ لَا عَنْ نِهَايَةٍ كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَلكِنْ قَدِيمٌ ، أَوَّلٌ ، آخِرٌ ، لَمْ يَزَلْ ، وَلَا يَزُولُ ، بِلَا بَدْءٍ وَلَا نِهَايَةٍ ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ ، وَلَا يَحُولُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» .

هديّة :مفعول (سمعت) محذوف يدلّ عليه (فقال) وما بعده . قيل: والتقدير : سمعت قوله عليه السلام ، فاُقيم المضاف إليه مقام المضاف . والأصحّ أنّ المحذوف : «يقول» . (لا عن أوّل قبله) يحتمل إضافة «الأوّل» إلى «القبل» و«البدء» إلى «السبق»، أي لا عن جهة أوّله الزمانيّ ولا عن جهة سبقه كذلك . أو «الأوّل» منوّن ، وكذا «البدء» و«قبله» نصب على الظرفيّة ، و«سبقه» على الفعل الماضي ؛ فإنّ كلّ ما أوّليّته زمانيّة مسبوق بزمان قطعا . (والآخر لا عن نهاية) أي لا جهة نهاية زمانيّة ، بل بمعنى أنّه قديم لا بداية له ولا نهاية له . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «ولا يزال» مكان «ولا يزول» وهو أظهر . (لا يقع عليه الحدوث) ردّ على القائلين بأنّه سبحانه محلّ الحوادث كالقدريّة القائلين بأنّ الحوادث بأجمعها شكله «قَ_تَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» . (2) قال الفاضل الإسترابادي : «لاعن أوّل قبله» يعني معنى الأوّل والآخر يرجعان إلى السلب . (3) وقرأ برهان الفضلاء : «لا عن أوّل قبلة» بإضافة «الأوّل» إلى «القبلة» بالتحريك ، والتاء للوحدة . وكذا «ولا عن بديء سبقة» بقراءة «البديء» كالبديع لفظا ومعنىً ، و«السّبقة» بالفتح وسكون المفردة . قال : «القَبَل» بفتحتين : الاستيناف . قال الهروي في الغريبين في حديث آدم عليه السلام : «إنّ اللّه تعالى كلّمه قِبَلاً» بكسر القاف وفتح المفرد . ويجوز في العربيّة قَبَلاً بفتحتين ؛ أي مستأنفا للكلام يقال : سقى إبله قَبَلاً، أي استأنف بها السّقي . قال : يعني سمعته عليه السلام وقد سئل عن قوله تعالى في سورة الحديد «الْأَوَّلُ وَالْاخِرُ» (4) ، فقال : الأوّل هنا ليس مأخوذا عن أوّل يكون مع استئناف ، ولا عن ابتداع يكون مع سبق واحد على أمثاله . ثمّ قال : «لم يزل ولا يزال» من الأفعال الناقصة وخبرهما محذوف يدلّ عليه «أوّل آخر» فالتقدير : لم يزل أوّلاً آخرا ، ولا يزال أوّلاً آخرا . قال السيّد الداماد رحمه الله : «أوّل آخر» بدون العطف إشارة إلى أنّ أوّليّته عين آخريّته ؛ لأنّ قدمه ليس قدما زمانيّا ؛ أي الامتداد الكمّي بلا نهاية ، فهو تبارك وتعالى أزليّ بما هو أبديّ وأبديّ بما هو أزليّ . «لا يقع عليه الحدوث» ناظر إلى الأوّليّة . «لا يحول من حال إلى حال» ناظر إلى الآخريّة . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة» .
2- . المنافقون (63) : 4 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
4- . الحديد (57) : 3 .
5- . لم نعثر عليه.

ص: 234

. .

ص: 235

الحديث السابعروى في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ إِلى أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ :كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، لَهُ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ فِي كِتَابِهِ ، وَأَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ هِيَ هُوَ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ لِهذَا الْكَلَامِ وَجْهَيْنِ : إِنْ كُنْتَ تَقُولُ : «هِيَ هُوَ» ، أَيْ إِنَّهُ ذُو عَدَدٍ وَكَثْرَةٍ ، فَتَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ ؛ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ : هذِهِ الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ لَمْ تَزَلْ ، فَإِنَّ «لَمْ تَزَلْ» مُحْتَمِلٌ مَعْنَيَيْنِ : فَإِنْ قُلْتَ : لَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ فِي عِلْمِهِ وَهُوَ مُسْتَحِقُّهَا ، فَنَعَمْ ؛ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ : لَمْ يَزَلْ تَصْوِيرُهَا وَهِجَاؤُهَا وَتَقْطِيعُ حُرُوفِهَا ، فَمَعَاذَ اللّه ِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، بَلْ كَانَ اللّه ُ وَلَا خَلْقَ ، ثُمَّ خَلَقَهَا وَسِيلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، يَتَضَرَّعُونَ بِهَا إِلَيْهِ ، وَيَعْبُدُونَهُ وَهِيَ ذِكْرُهُ ، وَكَانَ اللّه ُ وَلَا ذِكْرَ ، وَالْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ هُوَ اللّه ُ الْقَدِيمُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ ، وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ مَخْلُوقَاتٌ ، وَالْمَعَانِي ، وَالْمَعْنِيُّ بِهَا هُوَ اللّه ُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ الِاخْتِلَافُ وَلَا الِائْتِلَافُ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ وَيَأْتَلِفُ الْمُتَجَزِّئُ ، فَلَا يُقَالُ : اللّه ُ مُخْتَلِفٌ وَ لا (1) مُؤْتَلِفٌ ، وَلَا اللّه ُ قَلِيلٌ ولَا كَثِيرٌ ، وَلكِنَّهُ الْقَدِيمُ فِي ذَاتِهِ ؛ لِأَنَّ مَا سِوَى الْوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وَاللّه ُ وَاحِدٌ ، لَا مُتَجَزِّئٌ وَلَا مُتَوَهَّمٌ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، وَكُلُّ مُتَجَزِّئٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ دَالٌّ عَلى خَالِقٍ لَهُ ؛ فَقَوْلُكَ : «إِنَّ اللّه َ قَدِيرٌ» خَبَّرْتَ أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، فَنَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْعَجْزَ ، وَجَعَلْتَ الْعَجْزَ سِوَاهُ ، وَكَذلِكَ قَوْلُكَ : «عَالِمٌ» إِنَّمَا نَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْجَهْلَ ، وَجَعَلْتَ الْجَهْلَ سِوَاهُ ، وَإِذَا أَفْنَى اللّه ُ الْأَشْيَاءَ ، أَفْنَى الصُّورَةَ وَالْهِجَاءَ وَالتَّقْطِيعَ ، وَلَا يَزَالُ مَنْ لَمْ يَزَلْ عَالِما» . فَقَالَ الرَّجُلُ : فَكَيْفَ سَمَّيْنَا رَبَّنَا سَمِيعا؟ فَقَالَ : «لِأَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ مَا يُدْرَكُ بِالْأَسْمَاعِ ، وَلَمْ نَصِفْهُ بِالسَّمْعِ الْمَعْقُولِ فِي الرَّأْسِ . وَكَذلِكَ سَمَّيْنَاهُ بَصِيرا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ مَا يُدْرَكُ بِالْأَبْصَارِ مِنْ لَوْنٍ أَوْ شَخْصٍ أَوْ غَيْرِ ذلِكَ ، وَلَمْ نَصِفْهُ بِبَصَرِ لَحْظَةِ الْعَيْنِ . وَكَذلِكَ سَمَّيْنَاهُ لَطِيفا ؛ لِعِلْمِهِ بِالشَّيْءِ اللَّطِيفِ مِثْلِ الْبَعُوضَةِ وَأَخْفى مِنْ ذلِكَ ، وَمَوْضِعِ النُّشُوءِ مِنْهَا ، وَالْعَقْلِ وَالشَّهْوَةِ ؛ لِلسَّفَادِ وَالْحَدَبِ عَلى نَسْلِهَا ، وَإِقَامِ بَعْضِهَا عَلى بَعْضٍ ، وَنَقْلِهَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ إِلى أَوْلَادِهَا فِي الْجِبَالِ وَالْمَفَاوِزِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْقِفَارِ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ خَالِقَهَا لَطِيفٌ بِلَا كَيْفٍ ، وَإِنَّمَا الْكَيْفِيَّةُ لِلْمَخْلُوقِ الْمُكَيَّفِ . وَكَذلِكَ سَمَّيْنَا رَبَّنَا قَوِيّا لَا بِقُوَّةِ الْبَطْشِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَلَوْ كَانَتْ قُوَّتُهُ قُوَّةَ الْبَطْشِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، لَوَقَعَ التَّشْبِيهُ ، وَلَاحْتَمَلَ الزِّيَادَةَ ، ومَا احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ احْتَمَلَ النُّقْصَانَ ، وَمَا كَانَ نَاقِصا كَانَ غَيْرَ قَدِيمٍ ، وَمَا كَانَ غَيْرَ قَدِيمٍ كَانَ عَاجِزا ، فَرَبُّنَا _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَا شِبْهَ لَهُ وَلَا ضِدَّ ، وَلَا نِدَّ وَلَا كَيْفَ ، وَلَا نِهَايَةَ ، وَلَا تَبْصَارَ بَصَرٍ ، وَمُحَرَّمٌ عَلَى الْقُلُوبِ أَنْ تُمَثِّلَهُ ، وَعَلَى الْأَوْهَامِ أَنْ تَحُدَّهُ ، وَعَلَى الضَّمَائِرِ أَنْ تُكَوِّنَهُ ، جَلَّ وَعَزَّ عَنْ إِدَاتِ خَلْقِهِ ، سِمَاتِ بَرِيَّتِهِ ، وَتَعَالى عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيرا» .

.


1- . في الكافي المطبوع : - «مختلف ولا» .

ص: 236

هديّة :(وأسماؤه وصفاته هي هو) بتقدير الاستفهام ، يعني وهل أسماؤه وصفاته هي هو لثبوت عينيّة الصفات؟ وقيل : الظاهر أنّ الواو حاليّة ، يعني والحال أنّ أسماءه وصفاته عين الذات . قال برهان الفضلاء : الواو حاليّة ، احتراز عن صفات الفعل ؛ فإنّها ليست عين الذات . ومراد السائل أنّ كون الصفات عين الذات فهمه مشكل، فبيّن لنا . والمراد هنا من الأسماء مفهومات المشتقّات ، ومن الصفات مفهومات مباديها ، كمفهوم القويّ والعزيز في آية «إِنَّ اللّه َ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ» (1) ، ومفهوم القوّة والعزّة في آية «ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» (2) وآية «وَللّه ِِ الْعِزَّةُ» (3) . ثمّ احتمل على البعد أن يكون المراد منهما ألفاظ المشتقّات والمبادئ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : استفسر عليه السلام بقوله : «إن كنت تقول هي هو» عن مراد السائل بقوله : «هي هو» فذكر محتملاته وحُكَم كلّ منها . (4) و«الهجاء» بالكسر والمدّ : إحصاء عدد أشياء متغايرة . و«معاذ اللّه » : مصدر ميميّ نصب على المصدر من عاملٍ محذوف ، أي فَعُذتُ عياذا باللّه ، وإضافة المصدر كما في شكرَ للّه مكان شكرا للّه . و(غيره) بالرّفع وصف ل«شيءٍ» بناءً على المشهور من أنّ مثل «غير» ومثل «لا» يكسبان التعريف بالإضافة . قال برهان الفضلاء : يعني إن كنت تقول بعينيّة الصفات ، بمعنى أنّه سبحانه ذو عدد وكثرة كالأشاعرة والصوفيّة فذاك شرك وكفر . وإن كنت تقول : إنّها أزليّة أبديّة ، بمعنى كون حدوثها في الأذهان معلوما له سبحانه ، وكذا كونه مستحقّا لأن يدعوه الخلائق بها «فنعم» . وإن كنت تقول : إنّها أزليّة بكيفيّاتها وكمّيّاتها التي تتّصف بها بعد الحدوث في الأذهان أو الألفاظ ، فعياذا باللّه أن نعتقد كون شيء شريكا له في أزليّته . وتقييد «شيء» ب«غيره» إنّما هو لدفع توهّم أنّ الاستحقاق المدلول لقوله عليه السلام : «وهو مستحقّها» أيضا شيء أزليّ ، بأنّ المراد نفي كلّ شيء أزليّ غيره حتّى الاستحقاق ، فالحكم بأزليّة الاستحقاق على المجاز بناءً على ضيق العبارة . فظهر من هذا أنّ إطلاق الوجود الرابطي على المستحقّ _ بفتح الحاء _ أيضا على المجاز وضيق العبارة ، بل كان اللّه ولا غير معه ، فليس كما تقول الأشاعرة في الصفات السبع أنّ كلّ واحدة منها موجودة في نفسها وقائمة بذاته سبحانه ، ولا كما تقول المعتزلة بثبوت المعدومات ، ولا كما تقول أكثر الفلاسفة وجماهير الصوفيّة بِقِدَم العالم وحضور كلّ جزء من أجزائه عنده تعالى في وقته أزلاً وأبدا ، ولا كما يقول بعض الفلاسفة وجمع من الصوفيّة بقدم العالم وحضور كلّ جزء من أجزائه بصورته في اللّه سبحانه أو في واحدٍ من العقول العشرة . (ثمّ خلقها) أي الأسماء جميعا، وصفات الفعل جميعا . وللسيّد الأجلّ النائيني هنا كلام فهمه مشكل ، أو قياس الانكشاف الأزلي بالانكشاف الحاصل من علم المخلوق ؛ حيث قال : و«هجاؤها» أي شكلها ، أو تقطيع الكلمات بحروفها . والثاني كالمفسّر ل«هجاؤها» على ثاني الاحتمالين . فعلى جميع هذه الشقوق يلزم أن يكون مع اللّه سبحانه موجود عينيّ مغاير له غير مسبوق بالعدم ، ومعاذ اللّه أن يكون معه شيء مغاير له عينا غير محدث . ولا كذلك الظلّيّات ؛ فإنّها كالتوابع والأظلال للعينيّات لا تأصّل لها في الوجود حتّى يجب أن يكون موجودا بذاته ، أو مخرجا من العدم إلى الوجود ، فكلّ ما يغايره من الموجودات العينيّة مسبوق بالعدم ، عري عن الأزليّة . «بل كان اللّه ولا خلق ، ثمّ خلقها» أي الأسماء والصفات بعد عدمها المقابل للوجود العيني وإن كان أظلالها العلميّة التابعة لذاته الأحديّة مسبوقة بالذات لا بالعدم ، حيث لم يصر مخرجا من العدم إلى الوجود العيني ، وثبوتها نفس تابعيّتها للذات الأحديّة ، وكذا مسبوقيّتها بالذات ، فليس كالاُمور العينيّة التي مقتضى تأخّرها وانفصال وجودها عن الوجود الأزلي مسبوقيّتها بالعدم . (5) انتهى . أقول : والحقّ _ كما هو المستفاد من أحاديثهم عليهم السلام ، وعليه انعقد إجماع العصابة _ أنّه تعالى علمه عين ذاته فلا علم لغيره بخصوصيّة علمه تعالى بأنّه حصوليّ أو حضوريّ ، كما لا علم لأحد بخصوصيّة الذات . فالمراد بالأظلال العلميّة إن كان هو الصور كما في الأذهان فقياس ، وإلّا فكما قلنا ، وذلك قوله عليه السلام : (وإن كنت تقول لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها ، فمعاذ اللّه أن يكون معه شيء غيره) . وأيضا بنفي الوجود العيني عن الظلّ الأزليّ ، وثبوت الثبوت الأزلي لا يندفع الإشكال ؛ فإنّ ذلك يستلزم إمّا ثبوت قديم غيره تعالى ، أو عينيّة الظلّ التابع مع ذي الظلّ المتبوع ، والأظلال المذكورة في أحاديثهم عليهم السلام مخلوقات قطعا فلا مخلص إلّا بما قلنا . (وهي ذكره) على المصدر . وقرئ «ذكرة» بالتاء بدل الضمير بمعنى الذكرى . (والمعاني) قيل : عطف على الصفات ؛ أي مخلوقات . وقال برهان الفضلاء : «الواو» بمعنى «مع» . واحتمل العطف وحذف الخبر . ولا بأس بالاستئناف فالواو في «والمعنيُّ بها» لعطف التفسير . قال بعض المعاصرين : والأولى أن يجعل «والمعاني» مبتدأ ويجعل «المعنيّ بها» عطف تفسير له بإرجاع الضمير المجرور إلى «الأسماء والصفات» . وقيل : وفي بعض النسخ «مخلوقات المعاني» بدون الواو . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «والأسماء والصفات مخلوقات» . المراد بالأسماء والصفات الألفاظ والحروف الدالّة على ما وصفت له . (7) «والمعاني» عطف على «الأسماء» أي والمعاني _ وهي حقائق مفهومات الصفات _ مخلوقة . أو المراد بالأسماء الألفاظ ، وبالصفات ما وضع ألفاظها له . وقوله : «مخلوقات والمعاني» خبر لقوله «والأسماء والصفات»، أي الأسماء مخلوقات والصفات هي المعاني . وقوله : «والمعنيّ بها هو اللّه » أي المقصود بها ، المذكور بالذّكر ، ومصداق تلك المعاني المطلوب بها هو ذات اللّه تعالى «الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف» . (8) انتهى . (لا يليق به الاختلاف) باشتماله على أمرين مختلفين حقيقة ، كالجسم والبياض والنوع والفصل . (ولا الائتلاف) باشتماله على شيئين متّفقين حقيقةً كجسم واحد منقسم إلى نصفين ، وهو تعالى واحد من جميع الوجوه «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (9) وتنزيهه عن الوحدة العدديّة معيار لجميع صفاته الذاتية ، ولذا يرجع جميع صفاته تعالى في التوحيد الخالص إلى السلب . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولعلّ «الاختلاف» إشارة إلى كثرة الأفراد و«الائتلاف» إلى كثرة الأجزاء «وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّي» . (10) (ولكنّه القديم في ذاته) لا في أسمائه وصفاته ؛ لأنّ فرض ما سوى الواحد بحقيقة الوحدة يستلزم التجزّي والتعدّد والتحديد والكمّية والكيفيّة وغير ذلك من سمات المخلوق . و«التخبير» : مبالغة في الإخبار . والمراد بنفي العجز : إثبات أنّ مصداق قدرته تعالى إنّما هو نفس ذاته ، فنفي العجز كناية عن عموم القدرة . وكذا الكلام في نفي الجهل ، وكلّ ما لا يليق بجنابه تبارك وتعالى . وبهذا أشار ثقة الإسلام في آخر باب صفات الفعل بقوله : «وصفات الذات ينفي عنه تعالى بكلّ صفة منها ضدّها» . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : قوله : «لأنّه لا يخفى عليه» تصريح بأنّ صفاته تعالى كلّها يرجع إلى السلب . (11) أي السلب الذي عين الثبوت الخاصّ الذي لا علم لأحدٍ سواه تعالى بخصوصيّته . (أفنى الصورة) يعني صورة الأسماء والصفات التي في الأذهان ، كما أفنى الأذهان وسائر ما سوى اللّه ، فلا يبقى شيء ممّا سوى اللّه ، كما لم يكن شيء قديم عالم قدير سميع بصير ملكٌ قدّوس سوى اللّه . قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له مذكورة في نهج البلاغة : «وإنّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه ، كما كان قبل ابتدائها ... ثمّ يعيدها من هذا الفناء» (12) يعني ينشئها كما أنشأها أوّل مرّة . (فكيف سمّينا ربّنا سميعا؟) يعني إذا كان إثبات الصفة بنفي الضدّ . (13) وقال برهان الفضلاء : يعني إذا امتنع الاختلاف والائتلاف فكيف اتّصافه بصفة السمع مثلاً . (بالسمع المعقول في الرأس) يحتمل العقل بمعنى التصوّر ، والعقل بمعنى العقد . والأوّل أولى معنى ، والثاني لفظا . و(النشوء) بالضمّ على فُعول : الحدوث ، وبالكسر كالعلم : الشمّ ، وبالفتح كالفتح : أوّل النموّ . والكلّ مناسب . و«السّفاد» بالكسر : نزو الذكر على الاُنثى . و(الحدب) محرّكة العطف والشفقة . (وإقام بعضها) بكسر الهمزة ؛ أي إقامته وكونه مقيما قواما قويّا عليه قائما بأُموره حافظا لأحواله . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «وإفهام بعضها عن بعض ، أي منطقها» (14) موافقا لخبر فتح الآتي في الباب التالي . و«القفر» بفتح القاف وسكون الفاء : المفازة التي لا نبات فيها ولا ماء ، والجمع قِفار كرجال . (لوقع التشبيه) لأنّ جميع صفاته تعالى كوحدته ، وهي ليست من باب الأعداد ، فلا شبه لصفاته و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (15) . (ولاحتمل الزيادة) لأنّ كلّ ما كان من باب الأوصاف المخلوقة لكان كذا . (وما كان ناقصا) أي وما احتمل النقصان ، بدليل السياق (16) (كان غير قديم) لأنّ القديم الواحد بحقيقة الوحدة لا يحتمل الزيادة والنقصان ، والقلّة والكثرة . كيف؟! وهو قبل العدد والمعدود ، والزائد والناقص ، والقليل والكثير ، وغير ذلك ممّا سوى الذات الأحديّ تعالى شأنه وجلّ برهانه . وأبديّة باب العدد بمعنى لا يقف إنّما هي في الخيال ، والخيال فانٍ «وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّ_كَ ذُو الْجَلَ_لِ وَ الْاءِكْرَامِ» . (17) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أبطل عليه السلام كون قوّته قوّة البطش المعروف من المخلوق بوجهين : أحدهما : لزوم وقوع التشبيه ، وكونه مادّيا مصوّرا بصورة المخلوق . وثانيهما : لزوم كونه سبحانه محتملاً للزيادة ؛ لأنّ الموصوف بمثل هذه الكيفيّة لابدّ لها ، من مادّة قابلة لها متقوّمة بصورة جسمانيّة ، موصوفة بالتقدّر بقدر ، والتناهي والتحدّد بحدّ لا محالة ، فيكون لا محالة حينئذٍ موصوفا بالزيادة على ما دونه من ذوي الأقدار ، فكلّ موصوف بالزيادة الإضافيّة موصوف بالنقصان الإضافي لوجهين : أحدهما : أنّ المقادير الممكنة لا حدّ لها تقف عنده ، كما لا حدّ لها في النقصان ، فالمتقدّر بمقدار متناهٍ يتّصف بالنقص الإضافي بالنسبة إلى بعض الممكنات وإن لم يكن يدخل في الوجود . وثانيهما : أنّه يكون حينئذٍ لا محالة موصوفا بالنقص الإضافي بالنسبة إلى مجموع الموصوف بالزيادة الإضافيّة والمقيس إليه ، فيكون أنقص من مجموعهما ، وما كان ناقصا بالنسبة إلى غيره من الممكنات لا يكون قديما واجب الوجود لذاته ؛ لأنّه علّة ومبدأ لكلّ ما يغايره ، والمبدأ المفيض أكمل وأتمّ من المعلول الصادر عنه المفاض عليه منه ، فكلّ ناقص إضافيّ أحقُّ بالمعلوليّة من المبدئيّة لما هو أكمل وأزيد منه ، وهذا ينافي ربوبيّته ويتمّ به المطلوب . (18) أقول : ليس غرض جمع من متأخّري أصحابنا _ رضوان اللّه عليهم _ من بناء الكلام في بيان أحاديث الأئمّة عليهم السلام لا سيّما أحاديث اُصول الدِّين على حكمة قواعد حكمة الفلسفة ومسائلها ، إلّا إظهار قوّة الطبيعة وجَوْدة القريحة بأنّهم يمكنهم توجيه المستصعبات من أحاديث الاُصول باُصول غيرها بحيث لا يلزم منه قدح في المذهب وإن كانت تلك الاُصول غير مذكورة في أحاديث الاُصول وغير مطابقة لها أصلاً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «البطش» أخذك عدوّك بالعُنْف . قال اللّه تعالى في سورة البروج : «إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ» (19) . وأيضا «البطش» : العداوة ؛ قال اللّه تعالى في سورة الشورى : «وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ» . (20) وكلا المعنيين يناسب هنا . (لوقع التشبيه) أي بغيره في الأعضاء والكيفيّة . (وما كان غير قديم كان عاجزا) لأنّه مخلوق . (لا شبه له) أي لا شبيه له . قال برهان الفضلاء : أي لا شبيه له في اسم غير مشتقّ . وضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا شية له» (21) أي لا لونَ له ولا نقش . وأصلها «وشي» ومنه الوشّاء لنقّاش الثوب . قال : لأنّ شية الممكن ممكن . (ولا ضدّ) لأنّ ما سواه مخلوق . (ولا ندّ) لأنّ المخلوق ليس له قوّة المعاندة لخالقه بحيث يغلب . قال برهان الفضلاء : «التبصار» بالفتح : مصدر من باب التفعيل للمبالغة ، كما يقال في العرف : فلان مبصّر بكسر الصاد المشدّدة . و«التبصار» بالكسر : اسم المصدر ، كالتكرار ، وكلاهما هنا مناسب . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «تبصار بصر» أي التبصّر بالبصر ، و«تبصار» مصدر «تبصّر» لمن قال : كِلّام وكذّاب في كلّم وكذّب . وفي التنزيل : «وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابا» (22) ، وقال الشاعر : ثلاثة أحباب فحبّ علاقةوحبّ تِملاق وحبّ هو القتل . فكأنّه قال : ولا تبصّر بصر. (ومحرّم على القلوب أن تمثّله) أي ممتنع عليها أن تشبّهه أو تصوّره كما هو . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي أن تجعل حقيقته موجودا ظلّيّا مثاليّا ، وتأخذ منه حقيقة كلّيّة معقولة ؛ لكونه واجب الوجود بذاته لا ينفكّ حقيقته عن كونه موجودا عينيّا شخصيّا . (23) (وعلى الأوهام أن تحدّه) أي تحيط به . (وَعَلَى الضَّمَائِرِ أَنْ تُكَوِّنَهُ) أي تجد خصوصيّته وحقيقته المخصوصة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وعلى الأوهام أن تحدّه» لعجزها عن أخذ المعاني الجزئيّة عمّا لا يحصل في القوى والأذهان ولايخاط بها . «وعلى الضمائر أن تكوّنه» الضمير : السرّ وداخل الخاطر والبال ، ويطلق على محلّه ، كما أنّ «الخاطر» في الأصل ما يخطر بالبال ويدخله ، ثمّ يطلق على محلّه الذي هو البال . و«التكوين» : التحريك . والمعنى أنّه محرّم على ما يدخل الخواطر أن يدخله وينقله من حالٍ إلى حال ؛ لاستحالة قبوله لما يغايره . أو المراد بالضمائر خواطر الخلق وقواهم الباطنة ، وأنّه يستحيل أن يخرجه من الغيبة إلى الحضور والظهور عليهم ، أي ليس لها أن يجعله بأفعالها مستنزلاً إلى مرتبة الحضور عندهم ، إنّما يمكن الحضور بجذبة منه للنفوس الذكيّة ، وإخراج لها من مرتبتها التي يليق بها ويتمكّن من الوصول إليها بسعيها إلى مرتبة الحضور . والمراد (24) أنّه لا يمكن حضور ذاته سبحانه للنفوس ما دامت في مرتبتها النفسيّة ، إنّما المراد بالحضور في تلك المرتبة حضور الأنوار والملائكة والآيات لا حضور ذاته الأحديّة ، والظهور العلمي الحضوري لذاته بحقيقته عليها . 25 انتهى . وقال برهان الفضلاء : «التكوين» : التصوير بعنوان التشخّص . ثمّ قال : و«الأدات» بفتح الهمزة والدال والتاء الممدودة في الكتابة بعد الألف : جمع «الأداة» بالتاء المدوّرة ، يعني آلات خلقه . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «عن آداب خلقه» جمع «الأدب» بالمفردة ، وقال : يعني جلّ وعزّ عن آداب خلقه وما يليق بهم من الصفات ، واستعمال الآلات . ثمّ قال : وفي بعض النسخ : «عن أداة خلقه» أي آلتهم التي بها يفعلون ويحتاجون في أفعالهم إليها . «و»جلّ عن «سمات بريّته» أي صفات خليقته وصورها . (25)

.


1- . الحجّ (22) : 40 .
2- . الذاريات (51) : 58 .
3- . المنافقون (63) : 8 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 391 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 391 _ 392 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 474 .
7- . في المصدر : «وضعت له» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 392 .
9- . الشورى (42) : 11 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 392 .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
12- . نهج البلاغة ، ص 276 ، الخطبة 186 . وفيه «بعد الفناء» بدل «من هذا الفناء» .
13- . في «الف» : + «فكيف» .
14- . التوحيد ، ص 63 ، باب 2 ، ح 18 .
15- . الشورى (42) : 5 .
16- . في «الف» : «بدلالة السياق» .
17- . الرحمن (55) : 27 .
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 395 .
19- . البروج (85) : 12 .
20- . الشعراء (26) : 130 .
21- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 396 . وفيه «لاشبه» .
22- . النبأ (78) : 28 .
23- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 396 .
24- . في المصدر : «أو المراد» .
25- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 397 .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

. .

ص: 245

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ السرّاد ، (1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ : اللّه ُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ :«اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟» فَقَالَ : مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «حَدَّدْتَهُ» فَقَالَ الرَّجُلُ : كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ : «قُلْ : اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ» .

هديّة :«حدّده تحديدا» : جعل له حدّا ، أو أخذه محدودا . وضبط برهان الفضلاء : «حددته» كنصر ، بمعنى دفعته عن مقامه . وفي بعض النسخ : «قل : اللّه أكبر ، أكبر من أن يوصف» بتكرار لفظ «أكبر» . والمقدّر عليهما : يعني . والمعنى ، من أن يوصف بوصف المخلوقين ، أو من [أن] يعقل وصفه كما هو حقّه . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أكبر من أيّ شيء؟» استعلام عن مراد القائل إنّه هل أراد اتّصافه تعالى بالشدّة والزيادة في الكِبَر الذي يعقل في المخلوق ، فيلزم اتّصافه بالكِبَر الإضافي ، أو أراد نفي اتّصافه سبحانه بما يعقل من الصفات التي في المخلوقات؟ فلمّا أجاب القائل بقوله : «من كلّ شيء» علم أنّه أراد الاتّصاف بالكِبرَ الإضافي ، فنبّه على فساده بقوله : «حدّدته»؛ لأنّ المتّصف بصفات الخلق محدّد بحدود الخلق . ولفظ «أكبر» هنا ليس مستعملاً فيما يعقل من المعاني الحقيقيّة للتفضيل ، إنّما استعمل في نفي صفات المخلوقات وتعاليه عن الاتّصاف بها ، فيكون استعمالاً للّفظ في لازم معناه الحقيقي ؛ فإنّ الأشدّ والأزيد في صفة مشتركة بين المفضّل والمفضّل عليه خارج عن مرتبة المفضّل عليه ، غير محاط بها ، فاستعمل في الخروج عن مرتبة غيره ونفى المحاطيّة بتلك المرتبة مجرّدا عن الاشتراك في أصل الصفة . كأنّ (2) القدرة من لوازمها نفي العجز ، والعلم من لوازمها نفي الجهل ، والسمع من لوازمه نفي خفاء ما يدرك بالسمع ، والبصر من لوازمه نفي خفاء المدرك بالبصر ، واستعملت هذه الصفات فيه سبحانه باعتبار اللوازم [لا] (3) باعتبار تحقّق المعقول من صفاتنا (4) فيه سبحانه . (5) أقول : نعم ، إن قلنا بالاشتراك المعنوي ، والحقّ الاشتراك اللفظي في الألفاظ المستعملة في الخالق والمخلوق ، وإلّا لزم التجوّز في الجميع نظرا إلى الخالق تعالى . وقول السيّد _ كما ستعرفه في هديّة التالي _ لاستحالة كون المخلوق مشاركا للخالق مشاركة مصحّحة للنسبة، بيّنة عادلة لنا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب» .
2- . في المصدر : «كما أنّ» بدل «كأنّ» .
3- . أضفناه من المصدر .
4- . كذا في المصدر وحاشية «ج» وهو الصواب ، وفي المخطوطات : «صفاته» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 397 _ 398 .

ص: 246

الحديث التاسعروى في الكافي وقال : وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَيُّ شَيْءٍ اللّه ُ أَكْبَرُ؟» فَقُلْتُ : اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، فَقَالَ : «وَكَانَ ثَمَّ شَيْءٌ ؛ فَيَكُونَ أَكْبَرَ مِنْهُ؟» فَقُلْتُ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ : «اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ» .

.

ص: 247

هديّة :يعني أيّ معنى معنى (اللّه أكبر) . (وكان ثمّ شيء) على الاستفهام الإنكاري ، أي وهل كان قديما شيء أزليّ غيره تعالى؟ وقيل : أي شيء مناسب أو شبيه فيوازن بينهما . وقال برهان الفضلاء : «ثمّ» إشارة إلى الملكوت ، يعني مرتبة القديم الواحد من جميع الجهات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أي شيء اللّه أكبر؟» ؛ أي ما المراد به؟ وما معناه؟ ولمّا أجابه بقوله : «اللّه أكبر من كلّ شيء» دلّ كلامه على أنّ المراد به اتّصافه بالشدّة أو الزيادة في الصفة الموجودة في المخلوقات . ونبّه على خطئه بقوله : «وكان ثمّ شيء؟» وهذا استفهام إنكاري ، أي أ كان (1) في مرتبة تُداني مرتبته تعالى ، ويصحّ فيها النسبة بينه وبين غيره شيء؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا . ولمّا علم القائل خطأه _ لاستحالة كون المخلوق مشاركا للخالق مشاركة مصحّحة للنسبة _ قال : «وما هو؟» أي ما معناه؟ وما المراد به؟ فأجابه عليه السلام بقوله : «اللّه أكبر من أن يوصف» . (2)

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، (3) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ «سُبْحَانَ اللّه ِ» فَقَالَ :«أَنَفَةٌ لِلّهِ» .

.


1- . ما أثبتناه من المصدر ، وفي النسخ : «كان» بدون همزة الاستفهام .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 398 _ 399 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد» .

ص: 248

هديّة :«أنف من الشيء» كعلم أنَفَةً بالتحريك ، إذا استنكف عنه وكرهه وشرّف نفسه عنه . يعني تنزّهٌ للّه سبحانه عن كلّ متصوّر ، وما لا يليق بشأنه تعالى في علمه . و(سبحان) مصدر منصوب بفعل مضمر . قال برهان الفضلاء : «سبحان» : مصدر باب منع . والمعنى عدّ الشيء منزّها من النقصان ، ومفعول مطلق لفعل محذوف ؛ أي أ سبح سبحانا كأمنع . و«الأنفة» بالتحريك ، مصدر باب علم : الإباء والاستنكاف . أقول : لعلّ قصده أنّه مصدر من المجرّد بمعنى التسبيح لكون المبالغة مقصود ألبتّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أنفة» أي براءةٌ، وتعالٍ وتنزّهٌ له سبحانه عن صفات المخلوقات . ونصب «سبحان اللّه » على المصدر ، أي اُسبّح اللّه سبحانا يليق به ، يعني اُبرّئ اللّه من السوء وممّا لا يليق به براءةً ، واُنزّهه تنزيها . (1)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلى طِرْبَالٍ ، عَنْ هِشَامٍ الْجَوَالِيقِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ : «سُبْحَانَ اللَّهِ» : مَا يُعْنى بِهِ؟ قَالَ :«تَنْزِيهُهُ» .

هديّة :خلاف بين علماء الرجال في اسم (مولى طربال) فضبط جماعة «سليمان» (3) وآخرون «سليم» (4) مصغّرا ، وقيل مكبّرا . و«طربال» بالكسر : كلّ بناء عال ، واسم رجل . وطرابيل الشام : صوامعها . في بعض النسخ : «عن قول اللّه سبحانه ، سبحان اللّه كأنّ سبحانه تصرّف تنزيه شاهد لما قلنا آنفا أنّ المبالغة مرادة ألبتّة . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «تنزيهه» بالنصب مضافا إلى الضمير المنصوب . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في بعض النسخ : «سليم مولى طربال» وفي «قر» (5) من رجال الشيخ : «سليمان مولى طربال» وفي (ق) : (6) سليم مولى طربال» . «تنزيه» في بعض النسخ : «تنزيهه» أي معنى سبحان اللّه ، والمقصود به تنزيه اللّه سبحانه . (7)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 399 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبدالعظيم بن عبد اللّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط» .
3- . كما في رجال النجاشي، ص 185، الرقم 489؛ رجال الطوسي، ص 137، الرقم 1448، في أصحاب الباقر عليه السلام .
4- . كما في رجال الطوسي ، ص 219 ، الرقم 2907 ، في أصحاب الصادق عليه السلام .
5- . يعنى أصحاب الباقر عليه السلام .
6- . يعنى أصحاب الصادق عليه السلام . والصحيح من العبارة ما أثبتناه ، وفي النسخ : «وفي «قر» و«ق» من رجال الشيخ : «سليمان مولى طربال» . وفي «ن» ...» . وفي المصدر : وفي «قر» و«ق» من رجال الشيخ : «سليمان مولى طربال» . وفي «ق» ...» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 399 .

ص: 249

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ؛ وَمُحَمَّدٌ ، عَنْ ابْنِ عِيسى جَمِيعا ، (1) عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِيَ عليه السلام : مَا مَعْنَى «الْوَاحِدِ»؟ فَقَالَ :«إِجْمَاعُ الْأَلْسُنِ عَلَيْهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالى : «وَ لَ_ل_ءِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» » .

هديّة :الألف واللام في المسؤول عنه للعهد الخارجي يعني ما معنى (الواحد) الممتاز من كلّ واحدٍ ، أو الواحد المأخوذ في صفاته تعالى ، فقال : (إجماع الألسن) يعني الواحد من وحدانيّته متّفقة عليها يوم أخذ الميثاق . قال برهان الفضلاء : «إجماع» مبتدأ ، والضمير في «عليه» للّه سبحانه ، و«بالوحدانيّة» خبر ، و«الباء» للسببيّة ، والألف واللام للعهد الخارجي ؛ يعني إنّما كان إجماع الألسن عليه يوم الميثاق بسبب ذلك الوحدانيّة ، كما قال في سورة الزخرف : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» (2) . وقال بعض المعاصرين : كما أنّ الغرائز الإنسانيّة مجبولة بحسب الفطرة الاُولى على الاعتراف بأنّ اللّه تعالى واحد لا شريك له ، ولهذا لمّا سألهم «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا» بالاتّفاق «بَلَى» (3) كذلك في الفطرة الثانية لو خلّوا وطبائعهم ولم يكن لهم غرض آخر وسئلوا : من الخالق إيّاهم ليقولنّ اللّه . وقد روي أنّ زنديقا دخل على أبي عبداللّه عليه السلام فسأله عن الدليل على إثبات الصانع فأعرض عليه السلام عنه ، ثمّ التفت عليه السلام إليه وسأله: «من أين أقبلت وما قصّتك؟» فقال الزنديق : إنّي كنت مسافرا في البحر فعصفتْ علينا الريحُ وتقلّبتْ بنا الأمواج ، فانكسرت سفينتنا ، فتعلّقت بساجة منها ، فلم يزل الموج يقلبها حتّى قذفتْ بي إلى الساحل فنجوت عليها ، فقال عليه السلام : «أرأيت الذي كان قلبك إذا انكسرت السفينةُ وتلاطمتْ عليكم الأمواج فزعا عليه ، مخلصا له في التضرّع ، طالبا منه النجاة ، فهو إلهك» . فاعترف الزنديق بذلك وحسن اعتقاده ، وذلك من قوله عزّ وجلّ : «وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَا إِيَّاهُ» (4) . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إجماع الألسن عليه بالوحدانيّة» أي معنى الواحد في أسمائه وصفاته سبحانه ما أجمع عليه الألسن من وحدانيّته وتفرّده بالخالقيّة والاُلوهيّة، كقوله : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» . (5) لا يخفى أنّ صنيعه من عدم تخصيصه الإجماع بيوم الميثاق أولى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّدٍ ، ومحمّدُ بنُ الحسنِ ، عن سهلِ بن زيادٍ ؛ ومحمّدُ بنُ يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا» .
2- . الزخرف (43) : 87 .
3- . الأعراف (7) : 172 .
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 477 . والآية في الإسراء (17) : 67 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 400 . والآية في الزخرف (43) : 87 .

ص: 250

. .

ص: 251

باب آخر و هو من الباب الأوّل إلّا أنّ فيه زيادةً و

الباب السابع عشر : بَابٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ إِلَا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً وَ هُوَ الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ أَسْمَاءِ اللّه ِ وَأَسْمَاءِالْمَخْلُوقِينَوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُخْتَارِ الْهَمْدَانِيِّ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعا ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ» ، لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُ الْمُشَبِّهَةُ ، لَمْ يُعْرَفِ الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَلَا الْمُنْشِئُ مِنَ الْمُنْشَاَ?، لكِنَّهُ الْمُنْشِئُ ، فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ جَسَّمَهُ وَصَوَّرَهُ وَأَنْشَأَهُ ؛ إِذْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُشْبِهُ هُوَ شَيْئا» . قُلْتُ : أَجَلْ _ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ _ لكِنَّكَ قُلْتَ : الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، وَقُلْتَ : لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَاللّه ُ وَاحِدٌ ، وَالْاءِنْسَانُ وَاحِدٌ ، أَ لَيْسَ قَدْ تَشَابَهَتِ الْوَحْدَانِيَّةُ؟ قَالَ : «يَا فَتْحُ ، أَحَلْتَ _ ثَبَّتَكَ اللّه ُ _ إِنَّمَا التَّشْبِيهُ فِي الْمَعَانِي ، فَأَمَّا فِي الْأَسْمَاءِ ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُسَمّى ، وَذلِكَ أَنَّ الْاءِنْسَانَ وَإِنْ قِيلَ : وَاحِدٌ ، فَإِنَّهُ يُخْبَرُ أَنَّهُ جُثَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ بِاثْنَيْنِ ، وَالْاءِنْسَانُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِوَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَهُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَأَلْوَانَهُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَمَنْ أَلْوَانُهُ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَجْزَاءٌ مُجَزَّأٌ (2) لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ : دَمُهُ غَيْرُ لَحْمِهِ ، وَلَحْمُهُ غَيْرُ دَمِهِ ، وَعَصَبُهُ غَيْرُ عُرُوقِهِ ، وَشَعْرُهُ غَيْرُ بَشَرِهِ ، وَسَوَادُهُ غَيْرُ بَيَاضِهِ ، وَكَذلِكَ سَائِرُ جَمِيعِ الْخَلْقِ ؛ فَالْاءِنْسَانُ وَاحِدٌ فِي الِاسْمِ ، وَلَا وَاحِدٌ فِي الْمَعْنى ، وَاللّه ُ _ تَباركَ وتعالى _ هُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ غَيْرُهُ ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَفَاوُتَ ، وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ ، فَأَمَّا الْاءِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ الْمَصْنُوعُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجَوَاهِرَ شَتّى غَيْرَ أَنَّهُ بِالِاجْتِمَاعِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللّه ُ عَنْكَ ، فَقَوْلَكَ : اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فَسِّرْهُ لِي كَمَا فَسَّرْتَ الْوَاحِدَ ؛ فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لُطْفَهُ عَلى خِلَافِ لُطْفِ خَلْقِهِ لِلْفَصْلِ ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ تَشْرَحَ ذلِكَ لِي ، فَقَالَ : «يَا فَتْحُ ، إِنَّمَا قُلْنَا : اللَّطِيفُ ؛ لِلْخَلْقِ اللَّطِيفِ ، لِعِلْمِهِ (3) بِالشَّيْءِ اللَّطِيفِ ، أَ وَلَا تَرى _ وَفَّقَكَ اللّه ُ وَثَبَّتَكَ _ إِلى أَثَرِ صُنْعِهِ فِي النَّبَاتِ اللَّطِيفِ وَغَيْرِ اللَّطِيفِ ؛ وَمِنَ الْخَلْقِ اللَّطِيفِ ، وَمِنَ الْحَيَوَانِ الصُّغَارِ ، وَمِنَ الْبَعُوضِ وَالْجِرْجِسِ ، وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا مَا لَا يَكَادُ تَسْتَبِينُهُ الْعُيُونُ ، بَلْ لَا يَكَادُ يُسْتَبَانُ _ لِصِغَرِهِ _ الذَّكَرُ مِنَ الْاُنْثى ، وَالْحَدَثُ الْمَوْلُودُ مِنَ الْقَدِيمِ . فَلَمَّا رَأَيْنَا صِغَرَ ذلِكَ فِي لُطْفِهِ ، وَاهْتِدَاءَهُ لِلسَّفَادِ ، والْهَرَبَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَالْجَمْعَ لِمَا يُصْلِحُهُ ، وَمَا فِي لُجَجِ الْبِحَارِ ، وَمَا فِي لِحَاءِ الْأَشْجَارِ وَالْمَفَاوِزِ وَالْقِفَارِ ، وَإِفْهَامَ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ مَنْطِقَهَا ، وَمَا يَفْهَمُ بِهِ أَوْلَادُهَا عَنْهَا ، وَنَقْلَهَا الْغِذَاءَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ تَأْلِيفَ أَلْوَانِهَا : حُمْرَةٍ مَعَ صُفْرَةٍ ، وَبَيَاضٍ مَعَ حُمْرَةٍ ، وَأَنَّهُ مَا لَا تَكَادُ عُيُونُنَا تَسْتَبِينُهُ ، لِدَمَامَةِ خَلْقِهَا لَا تَرَاهُ عُيُونُنَا ، وَلَا تَلْمِسُهُ أَيْدِينَا ، عَلِمْنَا أَنَّ خَالِقَ هذَا الْخَلْقِ لَطِيفٌ ، لَطُفَ بِخَلْقِ مَا سَمَّيْنَاهُ بِلَا عِلَاجٍ وَلَا أَدَاةٍ وَلَا آلَةٍ ، وَأَنَّ كُلَّ صَانِعِ شَيْءٍ فَمِنْ شَيْءٍ صَنَعَ ، وَاللّه ُ _ الْخَالِقُ اللَّطِيفُ الْجَلِيلُ _ خَلَقَ وَصَنَعَ لَا مِنْ شَيْءٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم» .
2- . في الكافي المطبوع : «مجزّأة» .
3- . في الكافي المطبوع: «ولعلمه».

ص: 252

هديّة :«جرجان» بالضمّ معرّب كركان . والمراد ب«أبي الحسن عليه السلام » إمّا الثاني الرضا عليه السلام وإمّا الثالث الهادي عليه السلام . و«الفتح» هذا مجهول لا يعرف منه إلّا أنّه صاحب المسائل لأبي الحسن عليه السلام . قال ابن داود في رجاله : واختلف هل هو الرضا عليه السلام أم الثالث عليه السلام . (1) في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «لو كان كما يقول المشبّهة» بعد «كفوا أحد» وقبل «لم يعرف الخالق من المخلوق» . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : «لم يعرف الخالق من المخلوق» في حكم الاستفهام الإنكاري ، أي ألم يعرف؟ . وفي توحيد الصدوق رحمه الله بعد قوله : «كفوا أحد» : «منشئ الأشياء ، ومجسّم الأجسام ، ومصوّر الصور ، ولو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق» . (2) وربّما يوجد في بعض نسخ الكافي : «ولو كان كما تقول المشبّهة لم يعرف» . و«فرق» منوّن ، أو فعل ماضٍ ، أي بينه و«بين من جسّمه» انتهى . أو المعنى فرق بين أفراد من جسّمه . وقرأ برهان الفضلاء «فرّق» من التفريق للمبالغة . قال : أي فرّق واضحا مبيّنا بين ذوي العقول الذين جسّمهم وصوّرهم وأنشأهم . واحتمل «فرق» كنصر . ولقوله بعدم تجرّد النفوس الناطقة . قال : فإنّ لكلّ نفس من النفوس الناطقة مكان ومقدار وكيفيّة ووقت لحدوثه، والدليل على التدبير وعدم الإيجاب أنّ شيئا لا يشبهه وهو لا يشبه شيئا ، و هذا من خاصّة واجب الوجود لذاته المفرّق بالتدبير بين المختلفات والمشتبهات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لم يعرف الخالق» أي خالق الكلّ من المخلوق ؛ لأنّه ليس المخلوق ذاتيّا لخالقه ، ولا مرتبطا به ارتباطا يصحّح الحمل والقول عليه . والمراد بالخلق إمّا مطلق الإيجاد ، فقوله «ولا المنشئ من المنشأ» كالمفسّر والمؤكّد لما سبق . أو المراد به التقدير والتصوير ، فقوله : «ولا المنشئ» تعميم . والضمير في «لكنّه» إمّا للشأن ، أو راجع إليه سبحانه . والمراد أنّه أو «المنشئ فرّق بين من جسّمه وأوجده حقيقة متعدّدة (3) متكمّمة . «ومن صوّره» وأوجده متصوّرا بصورة خاصّة . «و»من «أنشأه» وأوجده متميّزا (4) بماهيّة وإنيّة، وجعل لكلّ من كلّ قسم حقيقة خاصّة وصفة مخصوصة . وكلّ مخلوقاته مقولة بعضها على بعض معرّف لما يقال عليه ، ولا يحمل شيء منها عليه سبحانه ، ولا يعرف هو به «إذ كان لا يشبهه شيء» ولو عُرف ممّا (5) عرف به شيء منها لوقعت المشابهة . (6) أقول : فقرات هذا البيان كفقرات هذا الحديث بيّنات عادلات لما قلناه في هديّة الثامن في الباب السابق من الاشتراك اللفظي ، فلا تنس ليفيدك في مواضع إن شاء اللّه تعالى . (أجل) مثل «نعم» . وقيل أحسن في التصديق و«نعم» أحسن في الاستفهام . (أحلت) من الإحالة ، وهو القياس ، والتكلّم بشيء محال ، وكلا المعنيين حسن هنا . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : أي قلت بالمحال . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي قلت بمحال حيث قلت بالتشابه . (8) وقال برهان الفضلاء : يعني أثبتّ بمحال ، وهو قياسك الاشتراك في الأسماء المشتقّة بالاشتراك في المعاني ، أو قِسْتَ الاشتراك في المعاني بالاشتراك في الأسماء المشتقّة . «إنّما التشبيه» المنفيّ «في المعاني» أي المسمّيات والحقائق «فأمّا في الأسماء» أي الصور الذهنيّة التي هي مدلولات الأسماء اللّفظيّة «فهي» في الخالق والمخلوق «واحدة» بحسب اشتراكهما فيها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «إنّما التشبيه» بالتشارك «في المعاني أمّا» الاشتراك «في الأسماء» فلا يوجب التشابه، «فهي واحدة» أي كلّ منها واحد وإن اُطلق على المتعدّد وعبّر عن كلّ منها به ، ولا تشابه هنا في معنى الوحدانيّة . وبيان ذلك : أنّ الإنسان وإن اُطلق عليه الواحد فقولك : إنّه واحد «يخبر أنّه جثّة واحدة» أي مجتمع من أجزاء وأعضاء وصور وكيفيّات مختلفة متعدّدة موقوف (9) بالوحدة بالاجتماع ، لا أنّ ذاته المشتمل على هذه الاُمور شيء واحد ؛ لظهور أنّ هذه مختلفة متعدّدة ، وهو مجموع أجزاء مجزّأ بها . (10) أقول : (إنّما التشبيه في المعاني) يعني لا شكّ أنّ التشبيه المتفرّع على التعدّد إنّما هو بحسب ما يطلق عليه لفظ «الواحد» لا بحسب لفظ «الواحد» ، وأنّ الإطلاق لا يوجب الاشتراك المعنوي فيوجب التشبيه والوحدة حقيقة وعدديّة ، والتباين بينهما كلّي . وقوله عليه السلام : (وذلك أنّ الإنسان) إلى آخره : تفصيل الفرق بين الواحد بحقيقة الوحدة ، وبين الواحد الذي وحدته من باب العدد . و(ليست بسواء) أي تلك الأجزاء في الكمّيّة والكيفيّة والتحيّز وغيرها من لوازم الحدوث . قال السيّد الأجلّ النائيني : يعني ليست تلك الأجزاء بسواء في الحقيقة النوعيّة حتى تكون واحدةً بالماهيّة أو بالاتّصال ، إنّما وحدتها وحدة بالاجتماع ، وهو _ سبحانه وتعالى _ واحد بالذات لا تكثّر فيه أصلاً ، فوحدة الإنسان اجتماع أجزاء واُمور متكثّرة متعدّدة ، ووحدته سبحانه نفي الكثرة والتجزّؤ والتعدّد فيه مطلقا . (11) وقرأ برهان الفضلاء : «لَبِسَتْ بُسوُءا» و«البُسُوء» _ بالمفردة المضمومة على فعول _ : المؤالفة . قال : يعني لبست لباس الاُلفة والمؤالفة . (لا واحد غيره) أي لا واحد فيه غيره ، أو لا واحد في المعنى غيره . وحذف الفاء في خبر مدخول (12) «أمّا» نادر ، أو سهو من النسّاخ . وحاصل تفسيره عليه السلام «الواحدَ» أنّ الوحدة حقيقيّة وعدديّة ، والأوّل حيث لا يتعقّل الشركة ، والثاني لا يتعقّل إلّا بها . قال برهان الفضلاء : توهّم الفاضل المدقّق مولانا محمّد أمين الإسترابادي من عبارات هذا الحديث ومثله أنّ إطلاق مثل لفظ «الواحد» على الخالق تعالى والمخلوق بالاشتراك اللفظي ، وبناء توهّمه على أنّ المراد من «المعنى» هو المستعمل فيه لا المصداق والمعتمد عليه في استعمال اللفظ ، وهو خلاف البديهة ، إلّا على مذهب جمع يقولون : إنّ الموضوع له للألفاظ الاُمور الخارجيّة دون الصور الذهنيّة ، وهو ضعيف لا سيّما في لفظ «لا شيء» ونحو ذلك ؛ على أنّه خلاف الاصطلاح في الاشتراك اللفظي والحقيقة والمجاز ؛ لأنّه يستلزم أن يكون إطلاق الموجود على الجوهر والعرض بالاشتراك اللّفظي ، أو الحقيقة والمجاز . أقول : قول المعصوم أصدق ، ولا شكّ أنّ غرض الإمام من الاختلاف في المعنى _ كما سيذكر في مواضع في التالي أيضا _ التباين الكلّي الخاصّ بحيث لا يكون بينها مصحّحا للحمل بوجه أصلاً ، والاشتراك المعنوي لابدّ له من الاشتراك في معنى ولو من وجه ؛ فإنّه لا يعقل حيث لا اشتراك بوجه ، كالإمكان المشترك بين الجواهر والأعراض والامتناع بين المحالات ؛ على أنّ مثل «اللّاشيء» ليس من الألفاظ الموضوعة قصدا ، بل من المتداولات تبعا في استعمال الموضوعات قصدا ، ألا يُرى أنّ الشيئيّة أيضا ليست تصحّح حمل مطلق الشيء عليه سبحانه، وهو شيء بحقيقة الشيئيّة بخلاف ما سواه من الأشياء ، وما أظهر التباين الكلّي الخاصّ بين الأشياء وبين شيء خاصّ به وُصف القِدَم والوحدة التي ليست من باب الأعداد . (للفصل) أي للفرق الذي بيّنتَ لي . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي لِما علمتُ من وجوب «الفضل» (13) ونفي التشابه بينه وبين خلقه (14) . وكان «الفضل» في بيانه منقّطا في بعض نسخ الكتاب ، وتوحيد الصدوق رحمه الله . (15) «ولعلمه بالشيء اللطيف» بالواو . قال السيّد الأجلّ النائيني : «إنّما قلنا : اللّطيف للخلق اللطيف» لعلّ المراد أنّ اللطيف هو الشيء الدقيق ، ثمّ استعمل فيما هو (16) مبدأ وسبب للدقيق من القوّة على صنعه (17) والعلم به ، فيقال لصانعه : إنّه دقّ ولطف بصنعه وهو صانع دقيق في صنعه ، وللعالم به : إنّه دقّ ولطف بدركه وهو عالم دقيق في دركه ، وهو سبحانه قويّ على خلق الدقيق لا بقوّة استعمال آلة وأداة ، وعالم بالدقيق لا بكيفيّة نفسانيّة، ولا باستعمال أداة وآلة . ولمّا لا يجهلها ويحيط علمه بها لا بكيفيّة نعقلها في نفوسنا ، فالمقصود باللطف فيه سبحانه نفي العجز عن خلق الدقيق ، ونفي الجهل بالدقيق . وقوله : «أَوَلا ترى وفّقك اللّه وثبّتك إلى أثر صنعه في النبات» تنبيه على نفي عجزه سبحانه عن خلق الدقيق ، ونفي جهله بالشيء الدقيق وأدقّ ما فيه من الدقائق . (18) قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ومن الحيوان الصغار» إلى آخره ، تصريحات بأنّ حيوانات العجم يدركون بعض المعاني الكلّيّة . (19) و(الجرجس) كزبرج : صغار البعوض . ويقال : «القرقس» أيضا بالقافين بدل الجيمين . و(الحدث) بالتحريك : الحادث الجديد . (وما في لجج البحار) في بعض النسخ «ممّا» بيانا «لما يصلحه» . و«اللحاء» بالكسر والمهملة والمدّ : قشر الشجر . في توحيد الصدوق : «وفهمه بعضها عن بعض» . (20) (وبياض مع حمرة) في بعض نسخ العيون : «وبياضا» (21) بالنصب . و«الواو» في (وأنّه ما لا تكاد) للحال ، والضمير للشان أو التأليف . وقرأ برهان الفضلاء : «وأبه» بالمفردة ؛ والواو للعطف أمرا من الإبهاء ، بمعنى ترك طلب البيان التفصيلي لشيء . «استبان» : ظهر ، و«استبانه» : رآه ظاهرا ، يتعدّى ولا يتعدّى . و«الدمامة» بفتح المهملة والتخفيف : الحقارة . قال السيّد الأجلّ النائيني : «لدمامة خلقها» أي لكونها مستورة بما يغطّيها . (22) و«العلاج» المزاولة والمباشرة . قال برهان الفضلاء : يعني لا بالمباشرة بل بنفوذ الإرادة . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «بلا علاج» أي بلا عمل . (23)

.


1- . رجال ابن داود ، ص 266 ، الرقم 389 .
2- . التوحيد ، ص 185 ، باب 29 ، ح 1 . ولاحظ أيضا ، ص 61 ، باب 2 ، ح 18 .
3- . في المصدر : «متقدّرة» .
4- . في المصدر : «ذاتا متميّزا» .
5- . في المصدر : «بما» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 400 _ 401 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 401 .
9- . في المصدر : «موصوف» .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 401 .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 401 _ 402 .
12- . في «ب» و «ج» : «مدلول» .
13- . في المصدر : «الفصل» .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 402 .
15- . التوحيد ، ص 186 ، باب 29 ، ح 1 . وفيه أيضا : «للفصل» بدون النقطة .
16- . في جميع النسخ: - «هو» وما اُثبت من المصدر .
17- . في جميع النسخ: «صفة»، وما اُثبت من المصدر.
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 402 _ 403 . بتفاوت يسير .
19- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .
20- . التوحيد ، ص 186 ، باب 29 ، ح 2 . وفيه «وفهم» .
21- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 118 ، باب 11 ، ح 23 . وفيه : «وبياضها مع خضرة» .
22- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 403.
23- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

. .

ص: 257

. .

ص: 258

الحديث الثانيروى في الكافي وقال : عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«اعْلَمْ _ عَلَّمَكَ اللّه ُ الْخَيْرَ _ أَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ قَدِيمٌ ، وَالْقِديمُ (1) صِفَتُهُ الَّتِي دَلَّتِ الْعَاقِلَ عَلى أَنَّهُ لَا شَيْءَ قَبْلَهُ ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ فِي دَيْمُومِيَّتِهِ ، فَقَدْ بَانَ لَنَا بِإِقْرَارِ الْعَامَّةِ مُعْجِزَةَ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ قَبْلَ اللّه ِ ، وَلَا شَيْءَ مَعَ اللّه ِ فِي بَقَائِهِ ، وبَطَلَ (2) قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ ؛ وَذلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ فِي بَقَائِهِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ خَالِقا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقا لِمَنْ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ؟! وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ ، كَانَ الْأَوَّلَ ذلِكَ الشَّيْءُ ، لَا هذَا ، وَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلى بِأَنْ يَكُونَ خَالِقا لِلثَّانِي . (3) ثُمَّ وَصَفَ نَفْسَهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ بِأَسْمَاءٍ دَعَا الْخَلْقَ _ إِذْ خَلَقَهُمْ وَتَعَبَّدَهُمْ وَابْتَلَاهُمْ _ إِلى أَنْ يَدْعُوهُ بِهَا ، فَسَمّى نَفْسَهُ سَمِيعا ، بَصِيرا ، قَادِرا ، قَائِما ، نَاطِقا ، ظَاهِرا ، بَاطِنا ، لَطِيفا ، خَبِيرا ، قَوِيّا ، عَزِيزا ، حَكِيما ، حليما ، (4) عَلِيما ، وَمَا أَشْبَهَ هذِهِ الْأَسْمَاءَ . فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْغَالُونَ (5) الْمُكَذِّبُونَ _ وَقَدْ سَمِعُونَا نُحَدِّثُ عَنِ اللّه ِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِثْلُهُ ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْخَلْقِ فِي حَالِهِ _ قَالُوا : أَخْبِرُونَا _ إِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا مِثْلَ لِلّهِ وَلَا شِبْهَ لَهُ _ كَيْفَ شَارَكْتُمُوهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنى ، فَتَسَمَّيْتُمْ بِجَمِيعِهَا؟! فَإِنَّ ذلِكَ (6) دَلِيلاً عَلى أَنَّكُمْ مِثْلُهُ فِي حَالَاتِهِ كُلِّهَا ، أَوْ بَعْضِهَا (7) دُونَ بَعْضٍ ؛ إِذْ جَمَعَتْكُم (8) الْأَسْمَاءَ الطَّيِّبَةَ . قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللّه َ تَعَالى أَلْزَمَ الْعِبَادَ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي ؛ وَذلِكَ كَمَا يَجْمَعُ الِاسْمُ الْوَاحِدُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَالدَّلِيلُ عَلى ذلِكَ قَوْلُ النَّاسِ الْجَائِزُ عِنْدَهُمُ الشَّائِعُ ، وَهُوَ الَّذِي خَاطَبَ اللّه ُ بِهِ الْخَلْقَ ، فَكَلَّمَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً فِي تَضْيِيعِ مَا ضَيَّعُوا ؛ فَقَدْ يُقَالُ لِلرَّجُلِ : كَلْبٌ ، وَحِمَارٌ ، وَثَوْرٌ ، وَسُكَّرَةٌ ، وَعَلْقَمَةٌ ، وَأَسَدٌ ، كُلُّ ذلِكَ عَلى خِلَافِهِ وَحَالَاتِهِ ، لَمْ تَقَعِ الْأَسَامِي عَلى مَعَانِيهَا الَّتِي كَانَتْ بُنِيَتْ عَلَيْه ؛ (9) لِأَنَّ الْاءِنْسَانَ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلَا كَلْبٍ ، فَافْهَمْ ذلِكَ رَحِمَكَ اللّه ُ . وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه ُ بِالْعِلْمِ لِغَيْرِ (10) عِلْمٍ حَادِثٍ عَلِمَ بِهِ الْأَشْيَاءَ ، و (11) اسْتَعَانَ بِهِ عَلى حِفْظِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِهِ ، وَالرَّوِيَّةِ فِيمَا يَخْلُقُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَيُفْسِدُ مَا مَضى بِما (12) أَفْنى مِنْ خَلْقِهِ ، مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ ذلِكَ الْعِلْمُ وَيَعِينُهُ (13) كَانَ جَاهِلاً ضَعِيفا ، كَمَا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا عُلَمَاءَ الْخَلْقِ إِنَّمَا سُمُّوا بِالْعِلْمِ لِعِلْمٍ حَادِثٍ ؛ إِذْ كَانُوا فِيهِ جَهَلَةً ، وَرُبَّمَا فَارَقَهُمُ الْعِلْمُ بِالْأَشْيَاءِ ، فَعَادُوا إِلَى الْجَهْلِ . وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه ُ عَالِما ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُ شَيْئا ، فَقَدْ جَمَعَ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ اسْمُ الْعَالِمِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى عَلى مَا رَأَيْتَ . وَسُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعا لَا بِخَرْتٍ فِيهِ يَسْمَعُ بِهِ الصَّوْتَ وَلَا يُبْصِرُ بِهِ ، كَمَا أَنَّ خَرْتَنَا _ الَّذِي بِهِ نَسْمَعُ _ لَا نَقْوى بِهِ عَلَى الْبَصَرِ ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ ، لَيْسَ عَلى حَدِّ مَا سُمِّينَا نَحْنُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ بِالسَّمْعِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهكَذَا الْبَصَرُ لَا بِخَرْتٍ مِنْهُ أَبْصَرَ ، كَمَا أَنَّا نُبْصِرُ بِخَرْتٍ مِنَّا لَا نَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ ، وَلكِنَّ اللّه َ بَصِيرٌ لَا يَحْتَمِلُ شَخْصا مَنْظُورا إِلَيْهِ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهُوَ قَائِمٌ لَيْسَ عَلى مَعْنَى انْتِصَابٍ وَقِيَامٍ عَلى سَاقٍ فِي كَبَدٍ كَمَا قَامَتِ الْأَشْيَاءُ ، وَلكِنْ «قَائِمٌ» يُخْبِرُ أَنَّهُ حَافِظٌ ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ : الْقَائِمُ بِأَمْرِنَا فُلَانٌ ، وَاللّه ُ هُوَ الْقَائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، وَالْقَائِمُ أَيْضا فِي كَلَامِ النَّاسِ : الْبَاقِي ؛ وَالْقَائِمُ أَيْضا يُخْبِرُ عَنِ الْكِفَايَةِ ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : قُمْ بِأَمْرِ بَنِي فُلَانٍ ، أَيِ اكْفِهِمْ ، وَالْقَائِمُ مِنَّا قَائِمٌ عَلى سَاقٍ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ وَلَمْ يَجْمَعِ (14) الْمَعْنى . وَأَمَّا اللَّطِيفُ ، فَلَيْسَ عَلى قِلَّةٍ وَقَضَافَةٍ وَصِغَرٍ ، وَلكِنْ ذلِكَ عَلَى النَّفَاذِ فِي الْأَشْيَاءِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُدْرَكَ ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : لَطُفَ عَنِّي هذَا الْأَمْرُ ، وَلَطُفَ فُلَانٌ فِي مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ ، يُخْبِرُكَ أَنَّهُ غَمَضَ فِيهِ الْعَقْلُ وَفَاتَ الطَّلَبُ ، وَعَادَ مُتَعَمِّقا مُتَلَطِّفا لَا يُدْرِكُهُ الْوَهْمُ ، فَكَذلِكَ لَطُفَ اللّه ُ تَعَالى عَنْ أَنْ يُدْرَكَ بِحَدٍّ ، أَوْ يُحَدَّ بِوَصْفٍ ؛ وَاللَّطَافَةُ مِنَّا : الصِّغَرُ وَالْقِلَّةُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَأَمَّا الْخَبِيرُ ، فَالَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَفُوتُهُ ، لَيْسَ لِلتَّجْرِبَةِ وَلَا لِلِاعْتِبَارِ بِالْأَشْيَاءِ ، فَعِنْدَ التَّجْرِبَةِ وَالِاعْتِبَارِ عِلْمَانِ وَلَوْ لَا هُمَا مَا عُلِمَ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ ، كَانَ جَاهِلاً وَاللّه ُ لَمْ يَزَلْ خَبِيرا بِمَا يَخْلُقُ ، وَالْخَبِيرُ مِنَ النَّاسِ : الْمُسْتَخْبِرُ عَنْ جَهْلٍ ، الْمُتَعَلِّمُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَأَمَّا الظَّاهِرُ ، فَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلَا الْأَشْيَاءَ بِرُكُوبٍ فَوْقَهَا ، وَقُعُودٍ عَلَيْهَا ، وَتَسَنُّمٍ لِذُرَاهَا ، وَلكِنْ ذلِكَ لِقَهْرِهِ وَلِغَلَبَتِهِ الْأَشْيَاءَ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ : ظَهَرْتُ عَلى أَعْدَائِي ، وَأَظْهَرَنِي اللّه ُ عَلى خَصْمِي ، يُخْبِرُ عَنِ الْفَلْجِ وَالْغَلَبَةِ ، فَهكَذَا ظُهُورُ اللّه ِ عَلَى الْأَشْيَاءِ . وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ ظَّاهِرُ (15) لِمَنْ أَرَادَهُ وَلَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ مُدَبِّرٌ لِكُلِّ مَا يُرى ، (16) فَأَيُّ ظَاهِرٍ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنَ اللّه ِ تَعَالى؟ لِأَنَّكَ لَا تَعْدَمُ صَنْعَتَهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ ، وَفِيكَ مِنْ آثَارِهِ مَا يُغْنِيكَ ، وَالظَّاهِرُ مِنَّا : الْبَارِزُ بِنَفْسِهِ ، وَالْمَعْلُومُ بِحَدِّهِ ، فَقَدْ جَمَعَنَا الِاسْمُ وَلَمْ يَجْمَعْنَا الْمَعْنى . وَأَمَّا الْبَاطِنُ ، فَلَيْسَ عَلى مَعْنَى الِاسْتِبْطَانِ فِي الْأَشْيَاءِ (17) بِأَنْ يَغُورَ فِيهَا ، وَلكِنْ ذلِكَ مِنْهُ عَلَى اسْتِبْطَانِهِ لِلْأَشْيَاءِ عِلْما وَحِفْظا وَتَدْبِيرا ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : أَبْطَنْتُهُ : يَعْنِي خَبَرْتُهُ وَعَلِمْتُ مَكْتُومَ سِرِّهِ ، وَالْبَاطِنُ مِنَّا : الْغَائِبُ فِي الشَّيْءِ ، الْمُسْتَتِرُ ، وَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَأَمَّا الْقَاهِرُ ، فَلَيْسَ عَلى مَعْنى عِلَاجٍ وَتَصَلُّبٍ (18) وَاحْتِيَالٍ وَمُدَارَاةٍ وَمَكْرٍ ، كَمَا يَقْهَرُ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، وَالْمَقْهُورُ مِنْهُمْ يَعُودُ قَاهِرا ، وَالْقَاهِرُ يَعُودُ مَقْهُورا ، وَلكِنْ ذلِكَ مِنَ اللّه ِ تَعَالى عَلى أَنَّ جَمِيعَ مَا خَلَقَ مُلَبَّسٌ بِهِ الذُّلُّ لِفَاعِلِهِ ، وَقِلَّةُ الِامْتِنَاعِ لِمَا أَرَادَ بِهِ ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ : «كُنْ» فَيَكُونُ ، وَالْقَاهِرُ مِنَّا عَلى مَا ذَكَرْتُ وَوَصَفْتُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهكَذَا جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَسْتَجْمِعْهَا كُلَّهَا ، فَقَدْ يَكْتَفِي الِاعْتِبَارُ بِمَا أَلْقَيْنَا إِلَيْكَ ، وَاللّه ُ عَوْنُكَ وَعَوْنُنَا فِي إِرْشَادِنَا وَتَوْفِيقِنَا» .

.


1- . في حاشية «ج» والكافي المطبوع : «والقِدَم» .
2- . في الكافي المطبوع : «بطل» بدون الواو .
3- . في المخطوطات : «للأوّل» . وقال في هامش الكافي المطبوع بعد ضبطه «للثاني» : «هكذا في «ف» وهو الصحيح . وفي سائر النسخ والمطبوع : «للأوّل» . والمراد به الأوّل المفروض أوّلاً . وفي التوحيد : «خالقا للأوّل الثاني» .
4- . في الكافي المطبوع : - «حليما» .
5- . كذا في حاشية «الف» والكافي المطبوع . وفي المخطوطات : «القالون» .
6- . في الكافي المطبوع : «في ذلك» .
7- . في الكافي المطبوع : «في بعضها» .
8- . في الكافي المطبوع وحاشية «ج»: «جمعتم».
9- . في الكافي المطبوع : «عليها» .
10- . في الكافي المطبوع : «بغير» .
11- . في الكافي المطبوع : - «و» .
12- . في الكافي المطبوع: «ممّا».
13- . في الكافي المطبوع : «يغيبه» .
14- . في الكافي المطبوع : «لم نجمع» .
15- . في الكافي المطبوع : «الظاهر» .
16- . في الكافي المطبوع: «برأ».
17- . في الكافي المطبوع : «للأشياء» . وفي حاشية «ب» : «بالأشياء» .
18- . في الكافي المطبوع : «ونَصَبٍ» .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

هديّة :(مرسلاً) عبارة ثقة الإسلام طاب ثراه . والصدوق رحمه الله رواه عن ثقة الإسلام مسندا ، قال في عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن محمّد المعروف بعلّان ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام . (1) الحديث . قال الفاضل الإسترابادي : هذا الحديث منقول في توحيد الصدوق رحمه الله مسندا لا مرسلاً . (2) (ولا شيء معه في ديموميّته) بيان لمعنى قوله تعالى : «إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا» (3) ردّا على القدريّة القائلين بوحدة الوجود. وتفسير المعيّة بها . و«الديمومة» : فعولة من الدوام . قال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : «الديمومة» : الصحراء البعيدة الأرجاء . واللّه تعالى ديمومي ، يعني انقطع الغايات دونه ، فمعيّته تعالى مع الأشياء عبارة عن تمام الحضور وكمال الإحاطة ، وهو تعالى «خِلْو من خلقه ، وخلقه خلوّ منه» . (4) قال برهان الفضلاء : «في ديموميّته» أي أزليّته ؛ إذ الكلام في صفة القديم (5) واختصاصها . فتعريف «القدم» هنا بوجوب الوجود كماترى . كما قال السيّد الأجلّ النائيني : المراد بالقدم وجوب الوجود بالذات والسرمديّة ، ووجوب الوجود بالذات يدلّ على التوحيد بالسرمديّة ؛ لامتناع التعدّد في الواجب بذاته واستحالة سرمديّة غيره ، فلا شيء قبله بسرمديّته ، (6) ولا شيء معه وفي مرتبته في ديمومته واستمرار وجوده ؛ لكون كلّ شيء مخلوق له ؛ لأنّ كلّ شيء سواه ممكن ، وكلّ ممكن إنّما يوجد بإيجاب خالق له يخرجه من العدم إلى الوجود ، وينتهي لا محالة إلى الواجب . (7) أنت خبير بأنّ بيانه هذا ليس بمانع صريحا من تعدّد القديم ، والغرض الأصلي _ كما بدأ به الإمام عليه السلام _ إبطال تعدّد القديم ثبوتا ووجودا عينيّا ، وإثبات اختصاص صفة القِدَم بذاته سبحانه . على أنّ الأولى «بإيجاد خالق له» بالدال مكان المفردة . (معجزة الصفة) قرئ بكسر الجيم والنصب على المفعوليّة ل«الإقرار» مضافا إلى «الصفة» أي الخالقيّة ، يعني فقد بان وظهر لنا بإقرار جميع الناس بخالقيّته التي أعجزت واضطرّت جميعهم إلى الإقرار بها . ففاعل (بان) مضمون (أنّه لا شيء قبل اللّه ، ولا شيء مع اللّه في بقائه) . وقال بعض المعاصرين : «معجزة الصفة» بكسر الجيم والرّفع فاعل ل«بان» وما بعدها بدل عنها ؛ أي بان لنا بإقرار العامّة بأنّ اللّه قديم معجزة هذه الصفة ؛ أي إعجازها لمن زعم أنّ شيئا قبله أو معه . وقيل : معجزة الصفة بفتح الجيم والجرّ صفة للعامّة أي الذين أعجزتهم الصفة عن نيلها . (8) وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : الظاهر «هذه الصفة» مكان «معجزة الصفة» . (9) وقرأ برهان الفضلاء : «معجِّرة الصفة» بالجرّ على اسم الفاعل من التعجير ، بالجيم والرّاء المهملة بمعنى توسيع البطن . وفسّر «العامّة» الموصوفة بالتعجير بالذين لم يهتدوا إلى باب «أنا مدينة العلم» (10) ووسّعوا صفة القِدَم فأدرجوا فيها قدماء كالفلاسفة والأشاعرة والصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فقد بان لنا بإقرار العامّة معجزة الصفة» بيان لخالقيّته لكلّ شيء بما يناسب أفهام العامّة من أنّ إقرار العامّة _ أي كلّ الناس _ بأنّه سبحانه خالق كلّ شيء ، وأنّه لم يسعهم إنكاره كما قال سبحانه : «وَ لَ_ل_ءِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» (11) يدلّ على خالقيّته لكلّ شيء ، وأنّ مقدّمات بيانها ظاهرة لا يضرّها تشكيك المشكّكين ، وإذا كان خالقا لكلّ شيء فلا شيء قبله ولا شيء معه . واكتفى بهذا عن تفصيل بيانها ؛ لغناء العلماء عن التفصيل ، وعدم انتفاع العوام والمبتدئين بالتفصيل ، بل ربّما ينفتح لهم به أبواب الشُبه والشكوك التي لا يسعها الوقت لرفعها وإزالتها . والمراد بقوله : «إقرار العامّة» إذعانهم ، أو الإثبات . وعلى الأوّل متعلّق الإذعان ؛ إمّا «معجزة الصفة» بحذف الصّلة ، أو محذوف ؛ أي إقرار العامّة بأنّه خالق كلّ شيء ، و«معجزة الصفة» صفة ل«الإقرار» ، أو بدل عنه ، أي إقرار العامّة بأنّه خالق كلّ شيء معجزة الصفة ، أي صفة الخالقيّة لكلّ شيء أو صفة القدم لا يسع أحدا أن ينكره . وعلى الثاني ف«معجزة الصفة» مفعول «الإقرار» أو صفة ل«الإقرار» أو بدل عنه والمفعول محذوف . وعلى تقدير كونه مفعولاً ف«معجزة الصفة» من إضافة الصفة إلى الموصوف ؛ أي الصفة التي هي معجزة لهم عن أن لا يثبتوا له خالقيّة كلّ شيء ، أو المعجزة بمعناه المتعارف ، والإضافة لاميّة ، أي إثباتهم الخالقيّة للكلّ معجزة هذه الصفة ؛ حيث لا يسعهم أن ينكروها وإن أرادوا الإنكار . ويحتمل أن يكون «معجزة الصفة» فاعل «بان» ويكون «أنّه لا شيء قبل اللّه » بيانا أو بدلاً ل«معجزة الصفة» . «ثمّ وصف نفسه تعالى» أي ثمّ اعلم أنّه ، أو ثمّ بعدما كان قديما وصف نفسه «بأسماء» محدثة . (12) (تعبّدهم) كلّفهم العبادة . «القالون» : المكذّبون ، بالقاف ، أي أعدائنا المكذّبين لإمامتنا . من «القلى» بالكسر والقصر : البغض والعداوة . فإن فتحت القاف مُددتْ . وضبط السيّد الأجلّ النائيني بالغين المعجمة ؛ حيث قال : «فسمّى نفسه» تعالى بهذه الأسماء المحدثة، فلمّا رأى الغالون المجاوزون في عباد اللّه عن مرتبتهم ، المكذّبون لأهل الحقّ من أسمائه ذلك ، أي وصفَه تعالى نفسه بها «وقد سمعونا نحدّث» ونحكي «عن اللّه » أنّه (13) أي «لا شيء مثله» ومشاركة في الحقيقة «ولا شيء» يشاركه «من الخلق في حاله» اعترضوا و«قالوا : أخبرونا إذا زعمتم أنّه لَا مِثْلَ لِلّهِ وَلَا شِبْهَ لَهُ ، كَيْفَ شَارَكْتُمُوهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنى» . وصفاته العلى «فَتَسَمَّيْتُمْ بِجَمِيعِهَا؟! وفي مثل ذلِكَ (14) دَلِيل عَلى أَنَّكُمْ مِثْلُهُ فِي حَالَاتِهِ» . إن انحصرت حالاته فيها «أو بعضها» الظاهر «دون بعض» إن كان له حال غيرها . ف«قيل لهم» في الجواب : «إنّ اللّه تعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه» وأطلقها عليهم وسمّاهم بها لا بوضع واحد وبمعنى واحد ، بل «على اختلاف المعاني» باشتراك الاسم بين معنيين ، أو بالنقل ، أو بالحقيقة والمجاز، «وذلك كما يجمع الاسم الواحد» في اللّغات «معنيين مختلفين» بالاشتراك أو النقل أو الحقيقة والمجاز ، «والدليل على ذلك» والمصحّح له «قول الناس» في مقالاتهم «الجائز عندهم» أي الشائع (15) أو الجائز من موضع إلى موضع ، ف«الشائع» على الثاني كالمفسّر والموكِّد للجائز . (16) وضبط برهان الفضلاء بالقاف وقال : وفي بعض النسخ : «الغالون» كما في كتاب التوحيد بالغين المعجمة ، فيشمل الغالين في التوحيد كالصوفيّة القدريّة ، حيث قالوا بوحدة الوجود وأنّ العالم صورته . في بعض النسخ : «جمعتم» مكان «جمعتكم» أي جمعتم الأسماء الطيّبة لأنفسكم . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني مراد الأعداء أن ليس كمثله شيء ليس نفي التشبّه بل نفى الموافق في تمام الحقيقة . وسمّيت الأشاعرة بأصحاب المعاني لقولهم بوجود صفات له تعالى في أنفسها زائدةً على الذات ، مشتركة بينه تعالى وبين الخلق . (أسماء من أسمائه) يحتمل الإفراد في الأوّل على التمثيل ، والمعنى على التقديرين : أنّه سبحانه لم يمنع العباد من التسمية حقيقة أو مجازا بالأسماء الموضوعة حقيقةً له تعالى ، كما لا مانع في كلامهم من صدق الاسم الواحد حقيقةً ومجازا أو بالاشتراك اللّفظي على حقيقتين مختلفتين ، فلمّا خاطبهم اللّه في كلامه بكلامهم وكلّمهم بما يعقلون أنّ فيه _ كما في كلامهم _ نقل ومجاز واشتراك وتشابه ثبت احتياجهم في امتياز الحقّ من الباطل إلى قيّم معصوم عاقل عن اللّه تبارك وتعالى . قيل : (خاطب اللّه به الخلق) مثل اليهود بالحمار ، وبلعم بالكلب . وعبّر عن القدرة باليد إلى غير ذلك . و«العلقمة» : واحدة العلقم ، وهو شجر مُرّ ، والحنظل وكلّ شيء مرّ . قال الفاضل الإسترابادي : «وسكّرة» نسخة بدل «وبقرة» كما في كتاب التوحيد . (17) (وهو الذي خاطب اللّه به) حال من فاعل (الحائز) . والواو في (وحالاته) بمعنى «مع» أو للعطف ، فمؤيّد لما ذهب إليه الكوفيّون من جواز العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار . والبارز في (بنيت عليه) لكلّ واحد من المعاني . وفي العيون : «عليها» . (18) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني قيل في جواب الاعداء أنّه تعالى ألزم عباده «إسما من أسمائه» على اختلاف مدلول ذلك الاسم من جميع الوجوه مع جميع مدلولاته الاُخر ، بمعنى عدم كون اسم غير مشتقّ مشتركا بينه وبينهم ، وكون اشتراكه معهم في اسم مشتقّ شبيها بجميع اسم غير مشتقّ مدلولين مختلفين ، مع أنّ المستعمل فيه اللفظ لذلك الاسم الغير المشتقّ فيهما واحد . وحاصل الجواب : أنّ مشاركته تعالى مع خلقه في اسم من أسمائه ليست مستلزمة للتشبيه ، ولا منافية لنفي المثل ، إلّا أن لا (19) يكون الاختلاف في جميع المدلولات ، وهو ثابت في جميعها باختلاف واحد من مدلولاته اختلافا كلّيّا مع جميع مدلولاته الاُخر ؛ إذ ليس اسم غير مشتقّ بينه وبين خلقه ، مع أنّه ليس مجازا فيهما ولا في واحدٍ منهما أصلاً ، لا مجازا لغويّا ولا مجازا عقليّا ، إلّا أنّه شبيه بالحقيقة العقليّة والمجاز العقلي ، والفرق أنّه لابدّ في مشاركة الخلق معه تعالى في اسم من الاختلاف في ما بين مدلول واحد من مدلولاته وجميع مدلولاته الاُخر كلّيّا ، ويكفي في اشتراك شيئين من الخلق في اسم بأن يكون في أحدهما حقيقة عقليّة وفي الآخر مجازا عقليّا اختلافهما في الجملة وإن كانا متّفقين من وجه أو أكثر ، كالرجل والاسم وكلاهما جسم . أقول : هذا البيان لا سيّما قوله : «على اختلاف مدلول ذلك الاسم من جميع الوجوه» دليل الاشتراك اللفظي . (ويفسد ما مضى بما أفنى) على المعلوم من الإفعال عطفا على (يخلق) . وضبط برهان الفضلاء : «ممّا أفنى» بالميم مكان «بما» بالمفردة . وقال : «من» في «ممّا لو لم يحضره» للتعليل و«ما» مصدريّة . وقرأ «تغيّبه» على الماضي من التفعّل ، بمعنى «وجده غائبا» وعلى الحذف والإيصال ؛ أي تغيّب عنه مكان «يعينه» من الإعانة عطفا على (لم يحضره) كما في العيون . 20 وفي بعض النسخ : «ويعيّنه» من التعيين . فجواب «لو رأينا» إلى قوله : «فعادوا إلى الجهل» محذوف ، وهو «لحكمنا بضعفهم» . ليس في التوحيد والعيون (20) كلمة «لو» . وضبط _ كما في بعض النسخ _ «قبله» مكان «فيه» في (إذ كانوا فيه) . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «ويعيّنه» من التعيين . و«فئة» بمعنى الجماعة مكان «فيه» ؛ حيث قال : «ممّا لو لم يحضره ذلك العلم» أي من العلم الذي لو لم يحضر العالم ذلك العلم «ويعيّنه» ويحصّله تعيينا وتحصيلاً لا يكون (21) إلّا بحصوله بعد خلوّه عنه بذاته «كان جاهلاً ضعيفا» . ثمّ قال : وفي بعض النسخ «يغيبه» من الغيبة مكان «يعيّنه» من التعيين ، فيكون مفسّرا لقوله : «لم يحضره» . «إذ كانوا فئة جهلةً» بيان لمسبوقيّة علمهم بالجهل ، يعني «إذ كانوا قبل علمهم فئة جهلة» . وفي بعض النسخ «فيه» بحرف الإضافة والضمير ؛ أي كانوا في حال العلم الحاصل لهم جَهَلَةً خالية عن مناط الانكشاف بذواتهم . (22) (لا يحتمل شخصا منظورا إليه) أي لا بطريق احتمال البصر الا?شخاص المرئيّة . (فقد جمعنا الاسم) بالرفع (ولم يجمع المعنى) أي ولم يجمعنا المعنى . وقيل : «ولم نجمع المعنى» على المتكلّم مع الغير ، أو الغيبة ف«الاسم» بعد «فقد جمعنا» نصب أو رفع . قال الفاضل الإسترابادي : «فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم» حاصل الكلام: أنّ المعاني اللغويّة لتلك الألفاظ مفقودة في حقّه تعالى ، فإطلاق تلك الألفاظ عليه تعالى بطريق المجاز اللغوي أو العقلي . (23) ومثل الحديث صريح في أنّ كلّ اسم من أسمائه تعالى يكون مأخذ اشتقاقه من الصفات الانتزاعيّة بالنسبة إلى الخلائق ، كالموجود والثابت والرازق والصانع ، فإطلاقه عليه تعالى حقيقة . وكلّ اسم يكون مأخذ اشتقاقه في حقّ الخلق من الصفات الانضماميّة كالعلم والقادر ، فإطلاقه عليه تعالى بطريق المجاز لا الحقيقة . (24) والخرت بضمّ المعجمة صماخ الاُذن وثقب الاُبرة ونحوها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «الخَرْت» ويضمّ : الثقب في الاُذن وغيرها . (25) كما في القاموس . (26) و«الكبد» بالتحريك : الشدّة والتعب والضيق . و«القضافة» بفتح القاف والمعجمة : النحافة والدقّة . و«القضيف» : النحيف والدّقيق . (على النفاذ) بفتح النون ، يعني على استيلائه على جميع الأشياء بنفوذ القدرة والإرادة ظواهرها وبواطنها . وضبط برهان الفضلاء بالمهملة ، يعني على فقد شبيهه في الأشياء يخبرك ، أي هذا القول . وفي بعض النسخ : «وقولك يخبرك غمض فيه العقل» بضمّ الميم وفتحها ، أي خفي واشتدّ غوره . والغامض من الكلام : خلاف الواضح . وفي التوحيد والعيون : «فبهر العقل» (27) من «بهره» : إذا غلبه معلوما ومجهولاً . (فعند التجربة) في التوحيد والعيون : «فيفيده التجربة والاعتبار علما» . (المستخبر عن جهل) أي العالم بعد جهل سابق (المتعلّم) أي من غيره . (وتسنّم لذراها) : ارتفاع لأعلاها . سنمه وتسنّمه : علاه . و«الذرى» بالضمّ والقصر : جمع «ذروة» بالضم ويكسر : أعلى الشيء . و(الفلج) بالتحريك : الظفر . (ووجه آخر أنّه ظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء) وجه من وجوه ظاهريّته تعالى . قال الفاضل الإسترابادي : «ووجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء» تصريح بأنّ اللّه تعالى ظاهر في ذهن كلّ من أراده ، بل أظهر من كلّ شيء ؛ لأنّك لا تُعْدِم صنعته حيث شئت ، وفيك من آثاره ما يغنيك ، فالمنكر كالمنكر وجود نفسه من السوفسطائيّة . والشاكّ في وجوده كالشاكّ في وجود نفسه من السوفسطائيّة ، ومن المعلوم أنّ الإنكار والشكّ هناك إمّا من باب الجنون أو من باب العناد فكذلك هنا . (28) وقال السيّد الداماد رحمه الله : «ولا يخفى عليه شيء» هذا وجه آخر لظاهريّته جلّ سلطانه وراء أنّه الظاهر لمن أراده ؛ فإنّ ظهور كلّ شيء للّه سبحانه إنّما هو بنفس ظهور ذاته تعالى لذاته عزّ وجلّ . (29) وقال بعض المعاصرين : تعدّد الوجه بعيد عن العبارة ، والأولى أن يقال : لمّا كان سبحانه محيطا بالأشياء وله المعيّة مع كلّ شيء فعدم خفاء شيء عليه يستلزم ظهوره للأشياء ، وكذا تدبيره لها يستلزم ظهوره لديهم ، فكأنّه أكّد ظهوره لمن أراده بالأمرين . (30) انتهى . قال سيّد الشهداء صلوات اللّه عليه في دعاء عرفة : «كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقرٌ إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟ ومتى بعُدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عينٌ لا تراك ، ولا تزال عليها رقيبا ، وخسرت صفقةُ عبدٍ لم تجعل له من حبّك نصيبا . (31) قوله عليه السلام : (أبطنته) قيل : يعني بطنته ، أو الهمزة للاستفهام . الجوهري : بطنت الأمر كنصر : إذا عرفت باطنه . ومنه الباطن في أسماء اللّه . (32) (خبرته) كنصر من الخُبر بالضمّ اسم من الاختبار . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : (ونصب) محرّكة ؛ أي وتعب ، مكان (وتصلّب) أي تشدّد وقوّة السعي في العمل . و«الاحتيال» جودة النظر والقدرة على التصرّف . و«المداراة» وقد يحتاج في العمل إليها . (لم يخرج منه طرفة عين) أي من سلطانه تبارك وتعالى .

.


1- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 132، باب 11، ح 50. وفيه في صدر الحديث : «عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق».
2- . لم نعثر عليه.
3- . المجادلة (58) : 7 .
4- . الكافي ، ج 1 ، ص 82 _ 83 ، باب إطلاق القول بأنّه شيء ، ح 3 _ 5 .
5- . في «الف»: «القِدَم».
6- . في المصدر : «لسرمديّته» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 403 _ 404 .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 487 . بتفاوت يسير وتقدّم وتأخّر في العبارة .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .
10- . نهج الحقّ، ص 221؛ المناقب، ج 2، ص 35؛ البحار، ج 40، ص 201، ح 4.
11- . الزخرف (43) : 87 .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 404 _ 405 .
13- . كذا في المصدر، وفي جميع النسخ : «أي» .
14- . في المصدر : «فإنّ في ذلك» بدل «وفي مثل ذلك» .
15- . في المصدر: «السائغ».
16- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 405 _ 406 . بتفاوت .
17- . التوحيد ، ص 187 ، باب 29 ، ح 2 . وفيه أيضا : «وسكّرة» .
18- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 133 ، باب 11 ، ح 50 .
19- . في «ب ، ج» : - «لا» .
20- . التوحيد ، ص 188 ، باب 29 ، ح 2 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 133 ، باب 11 ، ح 50 .
21- . في المصدر : + «له» .
22- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 407 _ 408 . بتفاوت وتلخيص .
23- . في المصدر : «فائدة : هذا الأحاديث صريحة» مكان «ومثل الحديث» .
24- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122 .
25- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 408 .
26- . القاموس ، ج 1 ، ص 146 (خرت) .
27- . التوحيد، ص 189، باب 29 ، ح 2؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 134، باب 11، ح 50 .
28- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 122.
29- . التعليقة على الكافي ، ص 292 _ 293 .
30- . الوافي ، ج 1 ، ص 488 .
31- . الإقبال ، ص 349 ؛ البحار ، ج 95 ، ص 225 _ 226 ، ح 2 .
32- . الصحاح ، ج 5 ، ص 2079 (بطن) .

ص: 263

. .

ص: 264

. .

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

. .

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

باب تأويل الصمد

الباب الثامن عشر : بَابُ تَأْوِيلِ الصَّمَدِوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ _ وَلَقَبُهُ شَبَابٌ الصَّيْرَفِيُّ _ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا الصَّمَدُ؟ قَالَ :«السَّيِّدُ الْمَصْمُودُ إِلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ» .

هديّة :«صمد إليه» كنصر : قصد . قد سبق بيان معاني الصمد في الأخبار في باب النسبة وهو الباب السابع . قال ابن الأثير في نهايته : الصمد : السيّد الذي انتهى إليه السُؤدد ، وقيل : هو الدائم الباقي ، وقيل : الذي لا جوف له ، وقيل : الذي يصمد إليه في الحوائج ؛ أي يقصد . (2) قال برهان الفضلاء : «في القليل والكثير» في كلّ حاجة ، وكلّ تنازع في المختلف فيه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما الصمد؟» أي ما معنى الصمد في أسمائه سبحانه؟ وأجاب عليه السلام : بأنّ المراد به السيّد المصمود إليه في كلّ شيء قليلهِ وكثيرهِ ؛ يعني الذي يكون عنده كلّ ما يحتاج إليه كلّ شيء ، ويكون رفع حاجة الكلّ إليه ، ولم يفقد في ذاته شيئا ممّا يحتاج إليه الكلّ . فالصّمد _ بالتحريك _ مأخوذ من الصمد بمعنى القصد . (3) أقول : يمكن تأويل جميع معاني الصّمد ممّا ذكر هنا وفيما سبق إلى هذا التأويل ، فما لا جوف له مثلاً ، أي ما لا خلل ولا نقصان فيه أصلاً ؛ لاستجماعه جميع صفات الكمال أزلاً أبدا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد» .
2- . النهاية ، ج 3 ، ص 99 (صمد) .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 414 .

ص: 273

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ شَيْءٍ مِنَ التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ الَّتِي يُدْعى بِهَا ، وَتَعَالى فِي عُلُوِّ كُنْهِهِ _ وَاحِدٌ تَوَحَّدَ بِالتَّوْحِيدِ فِي تَوَحُّدِهِ ، ثُمَّ أَجْرَاهُ عَلى خَلْقِهِ ؛ فَهُوَ وَاحِدٌ ، صَمَدٌ ، قُدُّوسٌ ، يَعْبُدُهُ كُلُّ شَيْءٍ ، وَيَصْمُدُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ ، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْما» .

هديّة(السريّ) كالسخي لفظا ومعنى . (تباركت أسماؤه) جملة وصفيّة (وتعالى) عطف عليها . (في توحّده) أي في وحدانيّته ذاتا ووصفا ؛ حيث لا يدخل وحدته في باب العدد ، ولا صفة من سائر صفاته في باب المتصوّر بالكنه ، والمعقول بالأذهان الحادثة . والبارز في (أجراه) للفظ الواحد ، ودلالة على أنّ الأسماء الحسنى حقيقة فيه تعالى ، وهو الواضع ، وعلمه بوسعه كلّ شيء قبل كلّ شيء ؛ ففي غيره، حقيقة أيضا أو مجاز (فهو واحد صمد) على التوصيف للإشارة إلى التباين الكلّي الخاصّ بين الواحد الخالق والواحد المخلوق .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .

ص: 274

قَالَ ثقة الإسلام طاب ثراه بعد هذا الحديث بلا فاصلةفَهذَا هُوَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ فِي تَأْوِيلِ الصَّمَدِ ، لَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُشَبِّهَةُ أَنَّ تَأْوِيلَ الصَّمَدِ : الْمُصْمَتُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ لَا يَكُونُ إِلَا مِنْ صِفَةِ الْجِسْمِ ، وَاللّه ُ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ مُتَعَالٍ عَنْ ذلِكَ ، هُوَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تَقَعَ الْأَوْهَامُ عَلى صِفَتِهِ ، أَوْ تُدْرِكَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الصَّمَدِ فِي صِفَةِ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْمُصْمَتَ ، لَكَانَ مُخَالِفا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ؛ لِأَنَّ ذلِكَ مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ الْمُصْمَتَةِ الَّتِي لَا أَجْوَافَ لَهَا ، مِثْلِ الْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُصْمَتَةِ الَّتِي لَا أَجْوَافَ لَهَا ، تَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيرا ، فَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ ذَلِكَ ، فَالْعَالِمُ عليه السلام أَعْلَمُ بِمَا قَالَ . وَهذَا الَّذِي قَالَ عليه السلام _ أَنَّ الصَّمَدَ هُوَ السَّيِّدُ الْمَصْمُودُ إِلَيْهِ _ هُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» . وَالْمَصْمُودُ إِلَيْهِ : الْمَقْصُودُ فِي اللُّغَةِ . قَالَ أَبُو طَالِبٍ صلوات اللّه عليه فِي بَعْضِ مَا كَانَ يَمْدَحُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله مِنْ شِعْرِهِ : وَ بِالْجَمْرَةِ الْقُصْوى إِذَا صَمَدُوا لَهَايَؤُمُّونَ قَذْفا رَأْسَهَا بِالْجَنَادِلِ يَعْنِي قَصَدُوا نَحْوَهَا يَرْمُونَهَا بِالْجَنَادِلِ ، يَعْنِي الْحَصَى الصِّغَارَ الَّتِي تُسَمّى بِالْجِمَارِ . وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ (1) : مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ بَيْتا ظَاهِرالِلّهِ فِي أَكْنَافِ مَكَّةَ يُصْمَدُ يَعْنِي : يُقْصَدُ . وَقَالَ ابن (2) الزِّبْرِقَانُ : [ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .....]وَ لَا رَهِيبَةَ إِلّا سَيِّدٌ صَمَدٌ وَ قَالَ شَدَّادُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ : عَلَوْتُهُ بِحُسَامٍ ثُمَّ قُلْتُ لَهُخُذْهَا حُذَيْفُ فَأَنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ وَ مِثْلُ هذَا كَثِيرٌ ، وَاللّه ُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ هُوَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ الَّذِي جَمِيعُ الْخَلْقِ _ مِنَ الْجِنِّ وَالْاءِنْسِ _ إِلَيْهِ يَصْمُدُونَ فِي الْحَوَائِجِ ، وَإِلَيْهِ يَلْجَؤُونَ عِنْدَ الشَّدَائِدِ ، وَمِنْهُ يَرْجُونَ الرَّخَاءَ وَدَوَامَ النَّعْمَاءِ لِيَدْفَعَ عَنْهُمُ الشَّدَائِدَ .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «شعرا» .
2- . في الكافي المطبوع : - «ابن» .

ص: 275

هديّة(فهذا هو المعنى الصحيح) أي التأويل الصحيح الذي لا خلاف فيه ؛ لموافقته نصّ الكتاب والسنّة . و(المشبّهة) المجسّمة من الحنابلة وغيرهم . «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» في سورة الشورى . (1) فأمّا ما جاء في الأخبار من ذلك كما ذكرنا طائفة منها في الباب السابع ، وأشرنا هنا إلى إمكان تأويل الجميع إلى ما هنا . (فالعالم عليه السلام ) أي الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه (أعلم بما قال) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني له احتمالات : الأوّل : التقيّة . الثاني : الاستفهام الإنكاري . الثالث : الاستعارة على التشبيه بالصمد في الاعتماد عليه ؛ فإنّ الاعتماد في الأجسام على مُصْمِتها أكثر . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: كان المصمت في الحديث بمعنى الوحدة المختصّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : لعلّ تفسير الصمد بالمصمت بمعنى أنّه سبحانه لا جوف له ، بمعنى الخلوّ عمّا يصحّ الاتّصاف به ، لكونه تامّا مستكملاً في ذاته بذاته فيطلق عليه الصمد لذلك الاستكمال الذاتي والتماميّة ، بمعنى أنّه لا يخلو في ذاته عمّا يصحّ أن يتّصف به ويعدّ من كماله ، وبمعنى أنّه يقصد إليه كلّ ما يغايره في كمالاته ويكون انتهاء الكلّ إليه في الوجود والكمالات . (2) و«الباء» في (وبالجمرة القصوى) للقسم ، وجواب القسم في بيت آخر . (صمدوا) : قصدوا . (يؤمّون) : يقصدون . (قذفا) رميا . في بعض النسخ : «رضخا» أي دقّا وكسرا . يقال : رضخت رأس الحيّة بالحجارة كمنع . و(الزبرقان) بكسر الزاي والراء وسكون المفردة بينهما : القمر ، واسم شاعر . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وقال : ابن الزبرقان» . قال في المُغْرب : «الزبرقان» لقب ابن بدر ، وهو في الأصل القمر . (3) وفي القاموس : «الزبرقان» لقب الحصين بن بدر الصحابي [لجماله] (4) أو لصغر عمامته . (5) و(رهيبة) بالتصغير اسم رجل . في بعض النسخ : «في حذيفة بن مرو» مكان «بدر» . و«الحسام» كغراب : السيف القاطع ، من «الحسم» بمعنى القطع . وتأنيث الضمير في (خذها) للضربة أو الحربة . ويحتمل التنبيه . «حذيف» : منادى مرخَّم . و(الرخاء) بالفتح والمدّ : السُمولة والراحة .

.


1- . الشورى (42) : 11 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 415 بتفاوت يسير .
3- . المُغْرِب ، ج 1 ، ص 180 (حجج) ؛ وص 360 (زنبق) .
4- . أضفناه من المصدر .
5- . القاموس المحيط ، ص 1148 (زبرق). وفيه : «أو لصُفرَة عمامته» .

ص: 276

. .

ص: 277

باب الحركة و الانتقال

الباب التاسع عشر : بَابُ الْحَرَكَةِ وَ الِانْتِقَالِوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَهُ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ لَا يَنْزِلُ ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلى أَنْ يَنْزِلَ ، إِنَّمَا مَنْظَرُهُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ سَوَاءٌ ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَرِيبٌ ، وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ بَعِيدٌ ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلى شَيْءٍ ، بَلْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ ذُو الطَّوْلِ ، لَا إِلهَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . أَمَّا قَوْلُ الْوَاصِفِينَ : إِنَّهُ يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَإِنَّمَا يَقُولُ ذلِكَ مَنْ يَنْسُبُهُ إِلى نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ ، وَكُلُّ مُتَحَرِّكٍ مُحْتَاجٌ إِلى مَنْ يُحَرِّكُهُ أَوْ يَتَحَرَّكُ بِهِ ، فَمَنْ ظَنَّ بِاللّه ِ الظُّنُونَ ، هَلَكَ ؛ فَاحْذَرُوا فِي صِفَاتِهِ مِنْ أَنْ تَقِفُوا لَهُ عَلى حَدٍّ تَحُدُّونَهُ بِنَقْصٍ ، أَوْ زِيَادَةٍ ، أَوْ تَحْرِيكٍ ، أَوْ تَحَرُّكٍ ، أَوْ زَوَالٍ ، أَوِ اسْتِنْزَالٍ ، أَوْ نُهُوضٍ ، أَوْ قُعُودٍ ؛ فَإِنَّ اللّه َ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِينَ ، وَنَعْتِ النَّاعِتِينَ ، وَتَوَهُّمِ الْمُتَوَهِّمِينَ «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِالرَّحِيمِ * الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ» » .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن عليّ بن عبّاس الجراذيني .

ص: 278

هديّة :في العنوان يعني امتناع (الحركة والانتقال) عليه سبحانه مطلقا ؛ ردّا على المجسّمة ، وكفر الصوفيّة القدريّة أيضا ، وهم مصرّحون بتنزّله سبحانه عن مرتبة العِلّيّة إلى مراتب المعلوليّة في سلسلتي البدو والعود على اصطلاحهم الميشوم . في بعض النسخ «إلى سماء الدنيا» بالإضافة ، والأكثر أكثر . والحكاية إشارة إلى ما روي «أنّ اللّه ينزل في الثلث الأخير ، أو النصف الأخير في كلّ ليلة ، وفي ليالي الجمعة في أوّل الليل إلى السماء الدنيا فينادي هل من داع؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل»، (1) الحديث . واُوّل في بعض الأخبار بإنزاله سبحانه ملكا ينادي ، فالظاهر صحّة الحديث ، وأنّه مأوّل . و«المنظر» كمنصب : مصدر ميمي وهنا بمعنى التدبير ، أو اسم مكان ؛ يعني محلّ التدبير . (لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد) لتساوي نسبة جميع ما سواه تعالى إليه جلّ وعلا ، فالفقرتان بأجمعهما كناية عن تساوي نسبة كلّ مُحاط مكاني إلى محيطه اللّامكانيّ . قال برهان الفضلاء : «لم يبعد منه قريب» أي باعتبار مكان قريب منّا ، «ولم يقرب منه بعيد» أي باعتبار مكان بعيد عنّا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّما منظره» أي ما ينظر إليه «في القرب والبُعد منه سواء» أي لا يختلف اطّلاعه على الأشياء بالقرب والبُعد ؛ لأنّهما إنّما يجريان في المكاني ، بالنسبة إلى المكاني ، وهو سبحانه متعال عن المكان . (2) (ولم يحتجّ إلى شيء) أي في تدبيره . (بل يحتاج إليه) على المجهول، والظرف نائب الفاعل . (وهو ذو الطول) أي الفضل والخير . وفيه _ وهو اقتباس من سورة المؤمن (3) _ إشارةٌ إلى غنائه عن كلّ شيء وحاجة كلّ شيء إليه ؛ إذ لا إله للعالمين إلّا هو ، وهو العزيز الحكيم . (إلى من يحرّكه) في الحركة القسريّة والنفسانيّة ، أو ما يتحرّك به في الحركة الطبيعيّة . قال السيّد الأجلّ النائيني : «من أن تقفوا» إمّا من «وقف يقف» أي أن يقفوا في الوصف له وتوصيفه إلى (4) حدّ، فتحدّونه بنقص أو زيادة ، أو تحريك ، أو تحرّك . أو من «قفا يقفوا» أي أن تتّبعوا له في البحث عن صفاته تتبّعا «على حدّ تحدّونه» بما ذكر . (5) «استنزله» و«أنزله» بمعنى . قال برهان الفضلاء : و«التوهّم» هنا بمعنى التصوّر باسم غير مشتقّ . «وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ» (6) أي في جميع اُمورك موقنا بعلمه بجميع الأحوال أزلاً وأبدا ، أو توكّل عليه في توصيفه، فصفه بما وصف به نفسه لا بما يذهب إليه الأوهام . «وَ تَقَلُّبَكَ فِى السَّ_جِدِينَ» (7) أي تصرّفك في قلوب أهل التوحيد . والاقتباس من سورة الشعراء .

.


1- . البحار ، ج 84 ، ص 168 _ 169 ، ح 12 ؛ وراجع أيضا الوسائل ، ج 7 ، ص 77 _ 79 ، ح 8778 _ 8781 ؛ والبحار ، ج 84 ، ص 163 ، باب دعوة المنادي في السحر و ... .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 417 .
3- . غافر (40) : 3 .
4- . في «الف» : «على» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 418 .
6- . الشعراء (26) : 217 .
7- . الشعراء (26) : 219 .

ص: 279

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ :«لَا أَقُولُ : إِنَّهُ قَائِمٌ ؛ فَأُزِيلَهُ عَنْ مَكَانِهِ ، وَلَا أَحُدُّهُ بِمَكَانٍ يَكُونُ فِيهِ ، وَلَا أَحُدُّهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَرْكَانِ وَالْجَوَارِحِ ، وَلَا أَحُدُّهُ بِلَفْظِ شَقِّ فَمٍ ، وَلكِنْ كَمَا قَالَ (2) تَبَارَكَ وَتَعَالى : «كُن فَيَكُونُ» بِمَشِيئَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي نَفْسٍ ، صَمَدا فَرْدا ، لَمْ يَحْتَجْ إِلى شَرِيكٍ يَذْكُرُ لَهُ مُلْكَهُ ، وَلَا يَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابَ عِلْمِهِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه رفعه» .
2- . في الكافي المطبوع : + «اللّه » .

ص: 280

هديّة :(إنّه قائم) أي عن قعود ، وهو قول بانتقاله عن وضعه في مستقرّه إلى وضع آخر فيه ، أو بانتقاله (عن مكان) بمعنى السطح الباطن للحاوي . قال السيّد الأجلّ النائيني : أي لا يتّصف بالقيام اتّصاف الأجسام والمكانيّات ؛ لاستلزامه الزوال في الجملة عن مكانه الذي استقرّ فيه . (1) (ولا أحدّه أن يتحرّك) أي بأن يتحرّك . (في شيء من الأركان) أي عمدة الأطراف حركة كمّيّة ، أو المعنى بشيء منها ؛ أي حركة أينيّة . وحروف الأدوات ينوب بعضها مناب بعض . (ولكن كما قال) أي ولكن يكون الأشياء بقوله : «كن» لا بآلة جارحة بل بمشيئته . (من غير تردّد نفس) إمّا بالتحريك ، أو بسكون الفاء ، أي من غير تردّد وتفكّر . (صمدا فردا) نصب على المدح . قرئ «يذكّر ، ولا يفتّح» على المعلوم من التفعيل . وقرأ السيّد الأجلّ النائيني على المجهول من المجرّد ، وقال : أي لم يحتج ملكه إلى شريك يذكر له . (2) واحتُمل المعلوم من المجرّد والتفعيل . وقال برهان الفضلاء : «صمدا» نصب بالمدح بتقدير أعني . «ويذكر» على المعلوم من باب نصر . والمستتر فيه ل«للّه » والضمير في «له» للشريك . «ولا يفتح» عطف على «يذكر» . و«لا» زائدة لتذكير النفي في «لم يحتج» كما في «ولا الضالّين» أي لم يحتج إلى شريك يذكر له ربوبيّته نفسه تعالى ويفتح له أبواب علمه عزّ وجلّ . والمراد أنّ بعثة الأنبياء والرّسل لتعليم الخلق ليس على وجه الاحتياج بل بمحض الحكمة والرحمة والتفضّل . أقول : يعني لم يحتج في عجائب صنعه وتدبيره إلى معين يعينه في سلطنة تدبيره وتقديره وكمال إحاطة علمه بالجميع أزلاً أبدا وعموم قدرته الكاملة .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 419 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 419 .

ص: 281

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي بَعْضِ مَا كَانَ يُحَاوِرُهُ : ذَكَرْتَ اللّه َ ، فَأَحَلْتَ عَلى غَائِبٍ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«وَيْلَكَ ، كَيْفَ يَكُونُ غَائِبا مَنْ هُوَ مَعَ خَلْقِهِ شَاهِدٌ ، وَإِلَيْهِمْ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ ، وَيَرى أَشْخَاصَهُمْ ، وَيَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ؟!» فَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : أَ هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟ أَ لَيْسَ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ ، كَيْفَ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ؟! وَإِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ ، كَيْفَ يَكُونُ فِي السَّمَاءِ؟! فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّمَا وَصَفْتَ الْمَخْلُوقَ الَّذِي إِذَا انْتَقَلَ عَنْ مَكَانٍ ، اشْتَغَلَ بِهِ مَكَانٌ ، وَخَلَا مِنْهُ مَكَانٌ ، فَلَا يَدْرِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مَا يَحْدُثُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، فَأَمَّا اللّه ُ _ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ ، الْمَلِكُ ، الدَّيَّانُ _ فَلَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ ، وَلَا يَكُونُ إِلى مَكَانٍ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلى مَكَانٍ» .

هديّة :(محمّد بن إسماعيل) هو البرمكي . و(عمرو بن محمّد) هو الأسدي من رجال الكاظم عليه السلام . وقيل : عمر بضمّ العين . و(عيسى بن يونس) هو الشاكري الكوفي . و«المحاورة» : المكالمة . (فأحلت) من الإحالة من الحوالة . وهمز تاء الاستفهام للإنكار . و(الديّان) من الدين بمعنى الجزاء . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : ولعلّ بعظمته وملكه أشار إلى وجوبه الذاتي وعدم مشاركته لشيء من الممكنات ، وهو مناط الحكم بعدم جواز التمكّن عليه ، والاختلاف بالقرب والبُعد المكاني بالنسبة إلى ما سواه . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن محمّد بن أبي عبد اللّه » .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 420 .

ص: 282

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي ، قَدْ رُوِيَ لَنَا أَنَّ اللّه َ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا . وَرُوِيَ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى مَوْضِعِهِ ، فَقَالَ بَعْضُ مَوَالِيكَ فِي ذلِكَ : إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ ،فَقَدْ يُلَاقِيهِ الْهَوَاءُ ، وَيَتَكَنَّفُ عَلَيْهِ ، وَالْهَوَاءُ جِسْمٌ رَقِيقٌ يَتَكَنَّفُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ بِقَدْرِهِ ، فَكَيْفَ يَتَكَنَّفُ عَلَيْهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلى هذَا الْمِثَالِ؟! فَوَقَّعَ عليه السلام :«عِلْمُ ذلِكَ عِنْدَهُ ، وَهُوَ الْمُقَدِّرُ لَهُ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ تَقْدِيرا . وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَهُوَ كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ ، وَالأَشْيَاءُ كُلُّهَا لَهُ سَوَاءٌ عِلْما وقُدْرَةً وَمُلْكا وَإِحَاطَةً» .

هديّة :(على العرش استوى) يعني أنّه في عرشه لا في موضع آخر فمن تمام الرواية ، أو المعنى بدليل قوله تعالى : «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» (2) ، وحديث أنّه ينزل . «تكنّفه» و«اكتنفه» بمعنى ، أي أحاط به . والتعدية ب«على» على التضمين ، كيدور ويستولي . و«على» في (على هذا المثال) نهجيّة . (علم ذلك) أي استوائه على العرش المخلوق المحيط بالكرسي وسع السماوات والأرض . وضمير «له» للعرش . قال برهان الفضلاء : «علم ذلك عنده» جواب عن استدلالهم بقوله تعالى : «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» والمشار إليه العرش ، يعني علم تدبير العرش وتقديره واستيلائه عليه ؛ فإنّ الاستواء مفسّر بالاستيلاء قدرةً والإحاطة علما وملكا، لا الاستواء بتوهّم جسم محيط أو شيء الآخر من الأشياء المتوهّمة . واعلم أنّه جواب عن استدلالهم بحديث «أنّه ينزل كلّ ليلة» يعني ليس المراد من النزول هنا انتقال الذات من مكان آخر ، بل المراد نزول الرحمة أو الملك أو غيرهما كما في تفسير قوله تعالى : «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ» (3) ، وقوله : «وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّا صَفّا» (4) . «والأشياء كلّها له سواء» تفسير لقوله «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» . وإنّما لم يَجِبْ عن استدلالهم بحديث «أنّه ينزل عشيّة عرفة» ؛ اكتفاءً بالجواب المعلوم عن الحديث المعلوم ؛ وإشارة إلى أنّه من طرقهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «علم ذلك عنده» أي علم كيفيّة نزوله بعدما لم يكن عنده سبحانه ، وليس عليكم معرفة ذلك ، ثمّ أشار إشارةً خفيّةً إلى أنّ المراد بنزول تقديره نزول رحمته وإنزالها بتقديره بقوله : «وهو المقدّر له بما هو أحسن تقديرا»، ثمّ أفاد أنّ ما عليكم علمه أنّه لا يجري عليه أحكام الأجسام والمتغيّرات (5) من المجاورة والقرب المكاني والتمكّن في الأمكنة ، بل حضوره سبحانه حضور وشهود علميّ وإحاطة بالعلم والقدرة والملك بقوله : «واعلم أنّه إذا كان في السماء الدنيا» . (6) وقال الفاضل الإسترابادي : أي علم كيفيّة نزوله ، نزول الملائكة أو نزول أمره . وقال بعض المعاصرين : «فهو كما هو على العرش» أي إذا كان مع شيء لم تبطل معيّته لشيء آخر، بل هو دائما بحال واحد . (7) أنت خبير بأنّ معيّته تعالى مع الأشياء بمعنى إحاطته علما جميع الأشياء أزلاً أبدا ، وعلمه عين ذاته ، وهو خِلْو من خلقه وخلقه خلو منه ، وكان مع الأشياء كما كان ولم يكن شيء . وأمّا المعيّة بالمعنى المبتني على وحدة الوجود عند القدريّة فمن أسوء صنوف الكفر وأفحشها .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد» .
2- . طه (20) : 5 .
3- . الرعد (13) : 41 .
4- . الفجر (89) : 22 .
5- . كذا في النسخ ، وفي المصدر : «المتحيّزات» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 421 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 404 .

ص: 283

. .

ص: 284

الحديث الخامسروى في الكافي وقال : وَ عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْكُوفِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى مِثْلُهُ .

هديّة :بيانه كبيان مثله .

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَ فِي قَوْلِهِ : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَلثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» : عَنه ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَل_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَاخَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ» فَقَالَ :«هُوَ وَاحِدٌ وَاحِدِيُّ الذَّاتِ ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَبِذَاكَ وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ بِالْاءِشْرَافِ وَالْاءِحَاطَةِ وَالْقُدْرَةِ «لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِى السَّماواتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلَا أَكْبَرُ» بِالْاءِحَاطَةِ وَالْعِلْمِ ، لَا بِالذَّاتِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ مَحْدُودَةٌ تَحْوِيهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ ، فَإِذَا كَانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الْحَوَايَةُ» .

.

ص: 285

هديّة :الظاهر أنّ «الواو» في قوله (وفي قوله) للابتداء ، يعني وورد في قوله تعالى في سورة المجادلة (1) عنه متّصلاً بابن اُذينة عنه عليه السلام أنّه قال في قوله تعالى فلا تكرار معنى . وقال برهان الفضلاء _ بعد ذكره قوله : «وفي قوله : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» » في آخر الحديث الخامس متّصلاً ب«مثله» _ : «الواو» للعطف على «مثله» بتقدير : «وما في قوله» . قال يعني روى محمّد بن عيسى بطريق آخر مثله مع ما يذكر في السادس . وقال الفاضل الإسترابادي : «وفي قوله» كلام المصنّف ، أي الكلام في قوله [تعالى] (2) قال : والظاهر أنّ قوله : «عنه» من كلام تلامذة المصنّف ، والضمير راجع إليه ، ويؤيّده ما سيجيء كثيرا من الضمائر الراجعة إلى المصنّف . (3) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : الظاهر أنّ ضمير «عنه» للمصنّف لا لعليّ بن محمّد ؛ فإنّ الرواية عن العدّة من دأب المصنّف . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وفي قوله : «مَا يَكُونُ» كلام المؤلّف رحمه الله، أي روي في بيان قوله تعالى هذا هذه الرواية الآتية . (4) و(ما) في الآية نافية ، و(يكون) تامّة و(من) زائدة ؛ لإفادة العموم ، و(نجوى) مصدر ، أو اسم مصدر ، أو جمع الناجي ، أو مصدر مستعمل في الجمع للمبالغة ، ف«ثلاثة» على الأخيرين بدل ؛ قاله برهان الفضلاء . وقال بعض المعاصرين : «نجوى» صيغة جمع بمعنى متناجين . (5) وقال الجوهري : النجو : السرّ بين اثنين . نجوته نجوا ساررته كناجيته وانتجيته إذا خصّصته بمناجاتك والاسم النجوى . ثمّ قال : وقوله تعالى «وَ إِذْ هُمْ نَجْوَى» (6) فجعلهم هم النجوى ، وإنّما النجوى فعلهم كما تقول : قوم رضى ، وإنّما الرّضى فعلهم ويكون النجوى اسما مصدرا . (7) انتهى . وسيجي في الحديث أنّ هذه الآية من سورة المجادلة وآية «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ» من سورة الزخرف (8) ، نزلتا في أصحاب الصحيفة الملعونة وكانوا ستّة ملاعين (9) ، وذكروا في هديّة الثاني عشر من الباب الأوّل في كتاب العقل . وتمام الآية في سورة المجادلة ، «وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا» . (واحد) بحقيقة الوحدة لا ثاني له . (واحديّ الذات) لا تركيب فيه (بائن من خلقه) لايشبههم ، وهو خِلْو من خلقه وخلقه خلو منه . قال برهان الفضلاء : «الواو في «وأحدي الذات» للعطف ، و«بائن من خلقه» تفسير له ، ولذا لم يعطف . قال : ويحتمل أن يكون الواو جزء الكلمة والنسبة للمبالغة ، كالأحمري . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «واحديّ» مبالغة الواحد ، كالأحدي للأحد . والمبالغة في واحديّة الذات إشارة إلى الواحديّة من جميع الجهات ، وعدم التكثّر في الذّات ولا الصفات الحقيقيّة التي مرجعها إلى الذات . (10) (وبذلك وصف نفسه) أي في كتاب الكريم بقوله في سورة الشورى : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (11) ، فلا يجوز لأحد وصفه إلّا بما وصف به نفسه ، فإنّما العلم به هو كما هو ولا إله إلّا هو . (لا يعزب) لا يذهب ولا يغيب ، اقتباس من سورة السبأ . (12) و«الذرّة» : واحدة الذرّ ، وهو صغير النمل . قال برهان الفضلاء : ووزن مقدار مائة منها مقدار شعيرة . قيل : (بالإحاطة) متعلّق بالآية ؛ يعني إنّما هو رابع ثلاثة المتناجين وسادس الخمسة بالإشراف والإحاطة بالعلم (لا بالذات) أي لا بالذات الجسدانيّة . (حدود أربعة) اليمين ومقابله والقدّام . و(الحواية) بالفتح مصدر بمعنى الإحاطة . (لزمها الحواية) أي المحيطيّة أو المحاطيّة . وقال برهان الفضلاء : يعني لا يعزب عنه باعتبار الإحاطة بالعلم لا باعتبار قرب الذات بالقرب المتعقّل في الجسم والجسماني . وقال السيّد الأجلّ النائيني : فهو بائن من خلقه وهو سبحانه بذلك وصف نفسه في كتابه الكريم ، فإحاطته سبحانه بكلّ طائفة ليست إحاطة بجهة الذات ، بل إحاطة بالإشراف والاطّلاع ، فعلمه محيط بالكلّ وكلّ شيء معلوم له ، وقدرته محيطة بالكلّ وكلّ شيء مقدور له ، لا يعزب عنه مقدار ذرّة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالإحاطة والعلم ، (13) وليس إحاطته سبحانه بكلّ شيء بالذات ؛ لأنّ الأماكن محدودة ، فإذا كان إحاطته بالذات فإن كانت بالدخول في الأمكنة لزم كونه محاطا بالمكان ، وإن كانت بالانطباق على المكان لزم كونه محيطا بالمتمكّن كالمكان . (14) وهنا سؤال وهو أنّ اللّه تعالى قال : «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» ، (15) فما التوفيق بين الآيتين؟ والجواب : أنّ إضافة الثالث إلى الثلاثة يفيد أنّ الثالث من جنس الثلاثة ورابع الثلاثة لا يلزم أن يكون من جنسهم وفي عدادهم ، والمحيط على الثلاثة بالعلم يجوز أن يكون غيرهم ، وهو لم يزل بلا مكان ولا زمان والآن كما كان . وفي توحيد الصدوق رحمه اللهبإسناده ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهماالسلامقال : «إنّ اللّه تعالى لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ، ولا يحلّ في مكان «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا» . (16) ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير سترٍ مستور ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال» . (17) قوله عليه السلام : «ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه» دلالة على أنّ كون خلقه حجابا عبارة عن امتناع عقل الخلق عن خصوصيّة ذات الخالق ، فلا عالم به كما هو إلّا هو ، ولا إله إلّا هو . وقد مرّ بيان حجاب محجوب وستر مستور في هديّة الثالث في الباب الحادي عشر . وفي توحيد الصدوق أيضا بإسناده ، عن يونس بن عبد الرحمن قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : لأيّ علّة عرج اللّه بنبيّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه وناجاه هناك واللّه لا يوصف بمكان؟ فقال عليه السلام : «إنّ اللّه لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ، ولكنّه _ عزّ وجلّ _ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ، ويكرمهم بمشاهدته ، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقوله المشبّهون «سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ__لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» » . (18)

.


1- . المجادلة (58) : 7 .
2- . أضفناه من المصدر .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122 _ 123 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 421 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 401 .
6- . الإسراء (17) : 47 .
7- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2503 (نجا).
8- . الزخرف (43) : 80 .
9- . الكافي ، ج 8 ، ص 179 ، ح 202 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 422 ، بتفاوت .
11- . الشورى (42) : 11 .
12- . السبأ (34) : 3 .
13- . في المصدر : «للإحاطة بالعلم» .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 422 .
15- . المائدة (5) : 73 .
16- . المجادلة (58) : 7 .
17- . التوحيد ، ص 179 _ 180 ، باب 28 ، ح 12 .
18- . التوحيد ، ص 175، باب 28، ح 5 . والآية في يونس (10) : 18؛ النحل (16) : 1؛ الروم (30) : 40؛ الزمر (39) : 67 .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

. .

ص: 289

الحديث السابعروى في الكافي وقال : فِي قَوْلِهِ : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» فَقَالَ :«اسْتَوى عَلى كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ» .

هديّة :(في قوله «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» ) كلام ثقة الإسلام . يعني وورد في قوله هذا حديث عليّ بن محمّد . والآية في سورة طه. (1) (على) في التفسير ، إمّا فعل وكلّ مفعوله ؛ يعني «استوى» بمعنى «علا»، يعني علا الرحمنُ العرشَ ، وعلا العرشُ كلَّ شيءٍ ، فعلا الرحمانُ كلَّ شيء بالاستواء، (فليس شيء أقرب إليه من شيء)، وهذا حاصل المعنى ، لا أنّ لفظة «على» في الآية الكريمة فعل لا حرف ، أو حرفٌ ، فالتعدية إشارة إلى تضمين معنى «استولى» ، وأن العرش هنا عبارة عن جميع المخلوقات ، وهو أحد معاني العرش كما سيذكر ، وأنّ نسبة استيلائه بعلمه وقدرته وملكه ونفوذ إرادته على نهج «كُن فَيَكُونُ» (2) على الجميع على السواء، لا يتفاوت بالقُرب والبُعد، والضعف والشدّة، والقلّة والكثرة وغير ذلك من أوصاف الخلق . قال برهان الفضلاء : «في قوله : الرحمن على العرش استوى» كلام المصنّف . وفرّق بهذا بين السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر وسائر أحاديث الباب ؛ للإشارة إلى أنّ نفي الحركة والانتقال ليس بصريح فيها بل بعنوان الاستدلال . ثمّ قال : وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ «على العرش» متعلّق ب«استوى» على تضمين معنى استولى ، وأنّ المراد بالعرش جميع المخلوقات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «في قوله «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» » كلام المؤلّف ، أي روي في بيان قوله تعالى هذا، هذه الروايات الآتية ، ثمّ قال : «فليس شيء أقرب إليه من شيء» أي ليس استواؤه على العرش بمعنى الاستقامة والاعتدال في الجلوس أو القيام ، بل استواؤه الاعتدال بالنسبة إلى كلّ شيء وعدم اختلاف نسبته من الأشياء أي بالقُرب والبُعد . ولعلّ المراد بكونه «على العرش» علمه به وما فيه مشرفا عليه . والمراد بالعرش ، العرش الذي فيه كلّ شيء علما وحوايةً وهو المحيط بالكرسي والسماوات وما فيهنّ ، والأرض وما بينهنّ بما فيه من النفس والروح الجسماني والعقلاني . وتسميته عرشا باعتبار الأنوار التي فيه وهي المحيطة بالعلوم بأنواعها ، فاُطلق على متعلّق النور الجامع لهذه العلوم كما اُطلق على العلوم نفسها . (3)

.


1- . طه (20) : 5 .
2- . يس (36) : 82 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 422 _ 423 .

ص: 290

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنِ السرّاد ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَادٍ (1) : أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» فَقَالَ :«اسْتَوى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «مارد» . وفي حاشية «الف» : «مارد ، زياد» .

ص: 291

هديّة :بيانه كنظيره . وفي ضبط (محمّد بن مادّ) بالميم والدالّ المشدّدة خلاف ، فقيل : زياد . وقيل : مارد ، والأخير ضبط العلّامة في خلاصته وابن داود في رجاله . قال في الخلاصة : محمّد بن مارد _ بالرّاء والدال المهملة _ التميمي ، عربيّ ، صميم ، ختن محمّد بن مسلم ، ثقة ، عين . 1 وقال ابن داود : محمّد بن مارد التميمي (ق، م، ست) (1) عربيّ ، صميم ، ثقة ، عين ، ختن محمّد بن مسلم . (2) والمضبوط في أكثر نسخ الكافي «مادّ» بالميم والدال المشدّدة .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ البجلي ، (3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ تبارك وتعالى : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» فَقَالَ :«اسْتَوى فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ بَعِيدٌ ، وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ قَرِيبٌ ، اسْتَوى فِي كُلِّ شَيْءٍ» .

هديّة :بيان آخره كما في هديّة الأوّل .

.


1- . «ق» يرمز بها لمن روى عن الإمام الصادق عليه السلام ، و «م» لمن روى عن الإمام الكاظم عليه السلام ، و «ست» الفهرست للطوسي .
2- . رجال ابن داود ، ص 332 ، الرقم 1459 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج».

ص: 292

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ مِنْ شَيْءٍ ، أَوْ فِي شَيْءٍ ، أَوْ عَلى شَيْءٍ ، فَقَدْ كَفَرَ» . قُلْتُ : فَسِّرْ لِي ، قَالَ : «أَعْنِي بِالْحَوَايَةِ مِنَ الشَّيْءِ لَهُ ، أَوْ بِإِمْسَاكٍ لَهُ ، أَوْ مِنْ شَيْءٍ سَبَقَهُ» .

هديّة :يعني (أعني) بقولي : (من شيء) معنيين : الأوّل : محاطيّته من جهة شيء . والثاني : كونه من شيء سبقه . وبقولي : (في شيء) تمكّنه في مكان وكونه محصورا به . وبقولي : (على شيء) استقراره على عرشه ، وإمساك عرشه له كالمركب والسفينة كما توهّم المشبّهة . قال برهان الفضلاء : يعني أقصد من قولي : «في شيء» محاطيّته بشيء . ومن قولي : «على شيء» محفوظيّته بشيء مركوب له ، ومن قولي «من شيء» مسبوقيّته بشيء . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بالحواية من الشيء له» تفسير لقوله : «في شيء» . «أو بإمساك له» تفسير لقوله : «على شيء» . «أو من شيء سبقه» تفسير لقوله : «من شي» . (2)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ مِنْ شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مُحْدَثا ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْصُورا ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلى شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْمُولاً» .

هديّة :(محصورا) أي محاطا محدودا . (محمولاً) أي كالراكب على مركب أو على سفينة ، فلزم التحيّر والافتقار وغيرهما من أوصاف المخلوق .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 424 .

ص: 293

الحديث الثاني عشرروى في الكافي وقال : فِي قَوْلِهِ : «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَهٌ» . عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّيَصَانِيُّ : إِنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَةً هِيَ قَوْلُنَا ، قُلْتُ : مَا هِيَ؟ فَقَالَ : «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ» فَلَمْ أَدْرِ بِمَا أُجِيبُهُ ، فَحَجَجْتُ ، فَخَبَّرْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ :«هذَا كَلَامُ زِنْدِيقٍ خَبِيثٍ ، إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِ ، فَقُلْ لَهُ : مَا اسْمُكَ بِالْكُوفَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ : فُلَانٌ ، فَقُلْ لَهُ : مَا اسْمُكَ بِالْبَصْرَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ : فُلَانٌ ، فَقُلْ : كَذلِكَ اللّه ُ رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ إِلهٌ ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ، وَفِي الْبِحَارِ إِلهٌ ، وَفِي الْقِفَارِ إِلهٌ ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ إِلهٌ» . قَالَ : فَقَدِمْتُ ، فَأَتَيْتُ أَبَا شَاكِرٍ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : هذِهِ نُقِلَتْ مِنَ الْحِجَازِ .

هديّة :(في قوله : «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ» ) قول ثقة الإسلام كنظريّة السابقين ، «داص يديص ديصانا» بالتحريك : زاغ وحاد وألحد . فلان ديصانيّ ، أي ملحد زنديق . قيل : كان أبو شاكر زنديقا ثنويّا (1) . وقيل : كان من الطبيعيّين القائلين بأنّ أفاعيل العلويّات من طبائع الأجرام العلويّة وأفاعيل السفليّات من طبائع الأجسام السفليّة . وقال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل : الديصانيّة طائفة من طوائف الثنويّة القائلين بأصلين قديمين أي النور والظلمة (2) . وبهذا فرّق بين الثنويّة والمجوس ؛ فإنّهم يقولون بِقِدَم النور وحدوث الظلمة ، ولذا ورد حديث : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» . (3) قال : وكانت طائفة من الديصانيّة قبل الماني النقّاش قائلين بأنّ فاعل الخير هو النور من فوق ، وفاعل الشرّ هو الظلمة من جهة التحت ، وهما مع ذلك متلاقيان . وطائفة اُخرى منهم يقولون بأنّ النور والظلمة من جنس واحد كالمنشار والحديد، فإنّ صفحته ملائمة لا تؤذي وأسنانه بخلاف صفحته . (4) كما تقول الصوفيّة إنّ الوجود أصل وكلّ شيء سواه أكوانه وشؤوناته ، وقد قال ذلك الشبستري : من و تو عارض ذات وجوديممشبّكهاى مشكوة وجوديم ومثله كثير في كتبهم، هل يكون كفر أفحش من استناد كلّ شيء إلى طبيعة بحت الوجود بالإيجاب؟! والآية في سورة الزخرف . (5) (فخبّرت) من التخبير . أخبرته وخبّرته تخبيرا بمعنى . وقرأ برهان الفضلاء : «خبرت» من باب نصر ، أي سألت وأخذت الخبر ، ثمّ احتمل «خبّرت» من التفعيل . (في السماء إله) أي مستحقّ العبادة لأهلها، وفي الأرض إله كذلك، وهكذا . و(القفار) : البراري والصحاري . (هذه) أي الحجّة . قال برهان الفضلاء : أي هذه الدقيقة ، أو المعنى هذه آية اُخرى نقلت من المدينة . قال السيّد الأجلّ النائيني : «ما اسمك بالكوفة؟» المراد بالاسم هنا ما يشتمل الاسم وما بمنزلته من الصفات التي يطلق على الشيء ويعبّر بها عنه . (6) وقال بعض المعاصرين : «في السماء إله» أي معبود ؛ لأنّ الجامد العَلَمي لا يتعلّق بالظرف ، فالزمه عليه السلام بما هو أوضح وأقرب إلى فهمه . (7) أقول : كأنّه توهّم عدم مطابقة الجواب ؛ غفلة عن الجواب المطابق . والمعنى أنّ تسميتك باسمك في مكان لا تكون فيه لا يقتضي كونك فيه ، والمطابقة أتمّ لو كان ورود الجواب عليه وهو لا في البصرة ولا في الكوفة .

.


1- . رجال الكشّي ، ص 278 ، الرقم 497 .
2- . راجع : الملل والنحل ، ج 1 ، ص 250 .
3- . التوحيد ، ص 382 ، باب 60 ، ح 29 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175 ؛ المستدرك ، ج 18 ، ص 185 ، ح 22457 .
4- . راجع: الملل والنحل ، ج 1 ، ص 250 . ولم نجد نصّ العبارة فيها .
5- . الزخرف (43) : 84 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 425 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 401 .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

باب العرش و الكرسيّ

الباب العشرون : بَابُ الْعَرْشِ وَ الْكُرْسِيِّوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (1) رَفَعَهُ ، قَالَ : سَأَلَ الْجَاثَلِيقُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ تعالى يَحْمِلُ الْعَرْشَ أَمِ الْعَرْشُ يَحْمِلُهُ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :«اللّه ُ حَامِلُ الْعَرْشِ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَ_و تِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَ لَ_ل_ءِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» » . قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَ_ل_ءِذٍ ثَمَ_نِيَةٌ» فَكَيْفَ قَالَ ذاكَ ، (2) وَقُلْتَ : إِنَّهُ يَحْمِلُ الْعَرْشَ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟! فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّ الْعَرْشَ خَلَقَهُ اللّه ُ تَعَالى مِنْ أَنْوَارٍ أَرْبَعَةٍ : نُورٍ أَحْمَرَ ، مِنْهُ احْمَرَّتِ الْحُمْرَةُ ، وَنُورٍ أَخْضَرَ ، مِنْهُ اخْضَرَّتِ الْخُضْرَةُ ، وَنُورٍ أَصْفَرَ ، مِنْهُ اصْفَرَّتِ الصُّفْرَةُ ، وَنُورٍ أَبْيَضَ ، مِنْهُ الْبَيَاضُ ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي حَمَّلَهُ اللّه ُ الْحَمَلَةَ ، وَذلِكَ نُورٌ مِنْ عَظَمَتِهِ ، فَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ أَبْصَرَ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ عَادَاهُ الْجَاهِلُونَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ ابْتَغى مَنْ فِي السَّمَاءِ (3) وَالْأَرْضِ مِنْ جَمِيعِ خَلَائِقِهِ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ بِالْأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَدْيَانِ الْمُشْتَّةِ ، (4) فَكُلُّ مَحْمُولٍ _ يَحْمِلُهُ اللّه ُ بِنُورِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ _ لَا يَسْتَطِيعُ لِنَفْسِهِ ضَرّا وَلَا نَفْعا وَلَا مَوْتا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورا ، فَكُلُّ شَيْءٍ مَحْمُولٌ ، وَاللّه ُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْمُمْسِكُ لَهُمَا أَنْ تَزُولَا ، وَالْمُحِيطُ بِهِمَا مِنْ شَيْءٍ ، وَهُوَ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَنُورُ كُلِّ شَيْءٍ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاكَبِيرا» » . قَالَ لَهُ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «هُوَ هَاهُنَا ، وَهَاهُنَا ، وَفَوْقُ ، وَتَحْتُ ، مُحِيطٌ بِنَا ، وَمَعَنَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَبارك تَعَالى : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ» فَالْكُرْسِيُّ مُحِيطٌ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرى «وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى» ، وَذلِكَ قَوْلُهُ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَ_?ودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ» فَالَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ هُمُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ حَمَّلَهُمُ اللّه ُ عِلْمَهُ ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ عَنْ هذِهِ الْأَرْبَعَةِ شَيْءٌ خَلَقَ اللّه ُ فِي مَلَكُوتِهِ ، وَهُوَ الْمَلَكوُتُ الَّذِي أَرَاهُ اللّه ُ أَصْفِيَاءَهُ وَأَرَاهُ خَلِيلَهُ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : «وَكَذَ لِكَ نُرِى إِبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» وَكَيْفَ يَحْمِلُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ اللّه َ ، وَبِحَيَاتِهِ حَيِيَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَبِنُورِهِ اهْتَدَوْا إِلى مَعْرِفَتِهِ؟!» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي» .
2- . في الكافي المطبوع : «ذلك» .
3- . في الكافي المطبوع : «السماوات» .
4- . في الكافي المطبوع : «المشتبهة» .

ص: 297

هديّة :في العنوان يعني (العرش والكرسيّ) اللّذين لهما إطلاقات على ما يستفاد من أحاديثهم عليهم السلام . وفي الحديث عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن العرش والكرسي ما هما؟ فقال : «العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسيّ وعاؤه ، وفي وجه آخر العرش هو العلم الذي أطلع اللّه أنبياءه ورسله وحججه عليهم السلام عليه ، والكرسي هو العلم الذي لم يطّلع عليه أحد من أنبيائه ورسله عليهم السلام . (1) ولعلّ «الوعاء» نور مخلوق محيط ، أو عبارة عن البُعد المجرّد المخلوق لتمكّن العالم فيه . وقوله عليه السلام : «العرش في وجه هو جملة الخلق» ناظر إلى قوله عزّ وجلّ في سورة طه «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» يعني استولى على جميع خلقه بالعلم والقدرة والسلطان . «والكرسيّ وعاؤه» إلى قوله تعالى : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» وهو نور مخلوق لا يخرج عنه شيء خلق اللّه في ملكوته الذي أراه أصفياءه . وقال بعض المعاصرين : كأنّ «جملة الخلق» في هذا الحديث عبارة عن مجموع العالم الجسماني ، و«وعاؤه» عن عالمي الملكوت والجبروت ؛ لاستقراره عليهما وقيامه بهما ، وقد ثبت أنّ العلم والمعلوم متّحدان بالذات متغايران بالاعتبار . (2) انتهى . قال برهان الفضلاء : يفهم من أحاديث هذا الباب أنّ العرش قد يكون عبارة عن علامة علمه وقدرته وسلطانه ، كما أنّ عرش الملوك علامة سلطنتهم ، فهو بهذا المعنى عبارة عن جميع الممكنات الموجودة ، وهي منحصرة حصرا عقليّا في أربعة أقسام : فعل اللّه تعالى ، وفعل الخلق متّصفا بالحسن ، وفعل الخلق متّصفا بالقبح ، وفعل الخلق بلا اتّصاف بحسن أو قبح كفعل الأطفال والحيوانات . وقد يستعمل لفظ العرش في العلم بأنّ العرش منقسم إلى هذه الأقسام وأنّ جميعها بإذن اللّه وأمره وقوله : «كُن» ، ونفوذ إرادته من دون جبر على فاعله . وقد يستعمل في محكمات القرآن ، أو في العلم التفصيلي بالقرآن، محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وغير ذلك من وجوهه ، وهو خاصّ بالحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . وأنّ الكرسيّ عبارة أيضا عن علمه وقدرته تعالى ، والعرش عن علم اللّه الذي اطّلع عليه أنبياءه ورسله وحججه عليهم السلام خاصّة . (اللّه حامل العرش) أي الحافظ الذي يحفظ المحفوظ عن الزوال والسقوط لقوله عليه السلام في جواب الجاثليق . و«جاثليق» : اسم رئيس النصارى في بلد الإسلام . (وذلك قوله : «إِنَّ اللّه َ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» ) الآية في سورة الفاطر . (3) ( «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ» ، في سورة الحاقّة . 4 و(ثمانية) يحتمل الأصناف والأشخاص ؛ لما سيذكر في السادس والسابع ؛ ولأنّ سيّد القوم بمنزلة جميعهم . والمضبوط (ونور أبيض، منه البياض) وقيل : الظاهر «ابيضّ منه البياض» . قال برهان الفضلاء : «من» في «من أنوار» للسببيّة ، يعني أنّ العرش _ بمعنى جميع المخلوقات _ خلقه اللّه بنور أحمر وهو قوله: «كُن» في أفعاله تعالى ، وبنور أخضر وهو قوله : «كُن» في أفعال العباد الحسنة ، وبنور أصفر وهو قوله «كُن» في أفعالهم القبيحة ولا جبر ، وبنور أبيض وهو قوله : «كُن» في أفعال المخلوقات غير متّصفة بشيء من الحسن والقبح . وكلّ من «الحمرة» ونظائرها مصدر بمعنى اسم الفاعل ، فالوصف باعتبار المتعلّق . و«الحمرة» عبارة عن فعله تعالى ؛ لعدم استطاعة أحد على دفعه ، و«احمرارها» عبارة عن اشتدادها باعتبار تعلّق المشيئة عليها حتما وبسائرها عزما . واستعمال «الحمرة» في الشدّة كثير . يقال : احمرّ الحرب ، وموتٌ أحمر ، وسنةٌ حمرة ؛ أي شديدة بالجدب ونحوه . و«الخضرة» عبارة عن الأفعال الحسنة للخلق ، و«اخضرارها» عبارة عن استحقاق المدح عليها . و«الصفرة» عبارة عن أفعالهم السيّئة، و«اصفرارها» عن استحقاق الذمّ عليها . و«البياض» عبارة عن أفعال المخلوقات غير متّصفة بالحسن والقبح . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله بناءً على دأبه من توجيه الحديث باُصول الفلسفة التي لا يلزم من القول بها خلاف المذهب عنده : لمّا كان العرش يطلق على الجسم المحيط وعلى النفس العقلانيّة المتعلّقة (4) وعليهما ، كما أنّ الإنسان يطلق على هذا البدن المحسوس وعلى النفس المتعلّقة به وعليهما . وذلك الجوهر العقلاني عاقل بذاته . وعقل يعقل معقولاته في نفسه وما ارتبط به من النفوس الكاملة ارتباطا يعلم به ما فيه ويعقلها فيه ويتحمّلها منه ، فهو الحامل الحافظ لذلك العقل والعلم المتجلّي فيه ، ففسّر العرش في قوله تعالى : «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ» بالعلم، وقال : «إنّ العرش خلقه اللّه من أنوار أربعة»، وتلك الأنوار جواهر عقلانيّة متناسبة، لحقتها مناسبة لخفّتها جهة وحدة ، أو جواهر (5) عقلاني ذو جهات أربع باعتبارها يعدّ أربعة أنوار، وهذه القسمة لحب مراتب المعقولات العقلانيّة والنازلة منها إلى الظهور العيني . ولعلّ الحمرة كناية عمّا يناسبها من آثار الملك وغلبة السلطانيّة والقهر و لواحقها . الخضرة كناية عمّا يناسبها من النموّ والنضارة وحركة الأشياء من مبادئ نشوئها نحو كمالاتها . والصفرة كناية عن الوصول إلى قرب استكمالها وانتهاء فعل تلك القوى المحرّكة . والبياض عبارة عن الظهور التامّ والانكشاف الكامل الغير المختلفة (6) بحجاب لما كان أو هو كائن أو يكون ، وللأديان والملل والحقائق الحِكميّة . (7) انتهى . أقول : لا خلاف لأصحابنا أنّ «العرش» هو مخلوق من مخلوقاته تعالى محيط بما تحته ، وكذا «الكرسي» بمعنى وعاء العرش بمعنى جميع العالم ، وأمّا «الكرسي» بمعنى العلم الذي لم يطلع اللّه عليه أحدا، فمخلوقيّته باعتبار معلومه ممّا لا عالم به من العالم سواه تعالى . ولا قائل بعدم مخلوقيّة العرش والكرسيّ بأيّ معنى كانا . وحدوث العرش بمعنى جميع المخلوقات من حيث الجميع ظاهر ، وأمّا حدوثه بمعنى العلم الذي أطلع اللّه عليه حججه عليهم السلام فباعتبار المعلوم أو التعلّم والتعليم . و«الأنوار الأربعة»: أركان أربعة ، فالركن الذي هو نور أحمر ، نور التقديس والتنزيه ؛ ولمناسبة شدّة التقديس وغاية خلوص التنزيه كُتب عليه : سبحان اللّه . والركن الذي هو نور أخضر ، نور الأنعام والأفضال ؛ ولمناسبة نضرة الشكر وسرور الرضا كُتب عليه : والحمد للّه . والركن الذي هو نور أصفر ، نور التوحيد ونفي الأنداد ؛ ولمناسبة اضمحلال الأنداد واصفرارها بالإشراف على الزوال والقرب من الغروب والغروب، كُتب عليه : ولا إله إلّا اللّه . والركن الذي هو نور أبيض ، نور علوّ الشأن وتعاليه عن أن يوصف بالنعوت المتوهّمة ؛ ولمناسبة خلق الذات من خلقه وقراحيّته من الاتّصاف بصفات الخلق كُتب عليه : واللّه أكبر ، وهو العلم الذي حمّله اللّه الحَمَلَة . قال برهان الفضلاء : «وهو» راجع إلى مضمون قوله : «إنّ العرش خلقه اللّه من أنوار أربعة» . وقيل : الضمير للعرش . وقيل : للنور الأبيض . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الضمير للعرش ، أو للنور الأبيض . (8) (وذلك نور من عظمته) إشارة إلى نور القرآن ونور علم الإمام ، وهو المرجع لضمير (فبعظمته ونوره)، فإنّ فوز الهداية لا تكون إلّا أثرا لتلك العظمة ، وذلك النور يهدي لنوره من يشاء . (وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون) يعني فبسبب عظمة الإمام ونور القرآن والاه العارفون بهما للهداية ، وكذا بسببهما عاداه الجاهلون بهما للضلالة والغواية . وقال بعض المعاصرين : (9) «وعاداه الجاهلون» ؛ لأنّهم افتقدوه لشدّة قربه ، قال اللّه تعالى : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ» (10) . ومن أشعار هذا المعاصر بالفارسيّة : سالك ومسلوك ومسلوكٌ إليهجمله ما بوديم ما كرديم كم (والأديان المتشتّتة) أي المتفرّقة . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «المشتبهة» . ألا يرى أنّ بشموله كرمه العظيم وصبره الجميل بعد إكمال التبليغ بحسب أبغض خلقه إليه كالقدري أنّه قطب لمدار هذا النظام ، وقد ذكروا في كتبهم أنّ القطب في زمان كلّ إمام فلان الصوفي وفي زمن أبي محمّد العسكري عليه السلام حلّاجهم . وفي توقيعات الصاحب عليه السلام _ كما ذكر مولانا أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة ، والشيخ المفيد في حدائقه : «أنّ حلّاجهم كذّاب ملعون عدوّ اللّه وعدوّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم» . (11) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «وذلك من نور عظمته» يعني مجموع الأنوار الأربعة . و«من» سببيّة . و «اُبصر» على ما لم يسمّ فاعله . و«الأعمال المختلفة» ناظر إلى من في السماء ؛ إذ بعضهم ساجد أبدا أو راكع أبدا . و«الأديان المشتبهة» ناظرا إلى من في الأرض من الجنّ والإنس . وقال بعض المعاصرين في وجه الأوّل : لأنّ بنور العقل يكون إبصار القلوب . وفي وجه الثاني : لأنّ الجهل منشأؤه الظلمة التي هي ضدّ النور . والمعاداة إنّما تكون بين الضدّين . وفي وجه الثالث : لأنّ كلّ شيء يرجع إلى أصله وغايته اللّذين منهما نشأ ويطلبهما ويتوسّل بهما . (12) أقول : غفل عن قوله عليه السلام : «ابتغى من في السماء والأرض من جميع خلائقه ، إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المتشتّتة» والإيمان أصله النور ، والكفر أصله الظلمة ، وكلاهما من مخلوقات اللّه سبحانه . (فكلّ محمول) مبتدأ وخبر ، أي فكلّ واحد ممّا ذكر . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فكلّ محمول» أي لا يصحّ عليه سبحانه المحموليّة ، وكلّ محمول يحمله اللّه ويحفظه «بنوره» أي بعلمه «وعظمته» أي بإحاطته بالكلّ «وقدرته» أي بالغلبة على الكلّ بالإيجاد والخالقيّة . وذلّ الكلّ له بالإمكان والمخلوقيّة . (13) لا يأبى بيانه من احتمال الإضافة ، فالخبر «يحمله اللّه » . (لا يستطيع) أي لا يقدر مستقلّاً وهو أحد معنيي الاستطاعة . قال الفاضل الإسترابادي : «لايستطيع لنفسه ضرّا ولا نفعا» دلالة على أنّ العبد لا يتمكّن تمكّنا تامّا من الفعل إلّا في آنِ إحداثه . (14) والسرّ في ذلك ما تواترت به الأخبار من أنّ من جملة مقدّمات الفعل إذنه تعالى وهو نقيض الحيلولة ، والإذن إنّما يحصل في آنِ الإحداث لا قبله . (15) (الممسك لهما) أي الحافظ للسماوات والأرض من شيء . قيل : يعني بجميع ما فيهما . وقال برهان الفضلاء : يعني من زوال وتصرّف فيهما . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني لا يخرج من إحاطته شيء . (16) (وهو حياة كلّ شيء) . قال برهان الفضلاء : أي نور الكتاب المنوط بنور الإمام . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وهو حياة كلّ شيء» ومحييه الذي به حياته «ونور كلّ شيء» . (17) وقيل : من شيء خبر للمبتدأ الموصوف ، يعني فكلّ شيء محمول . فالجملة بينهما حاليّة ومنوّره . (سبحانه وتعالى عمّا يقولون) من كون شيء حاملاً وممسكا له . (أين هو؟) . قال برهان الفضلاء : هذا السؤال بجوابه معترضة بين أجزاء الجواب عن السؤال الأوّل ؛ يعني قال : فإذا لم يكن محمولاً فأين هو؟ فالكرسي تتميم للجواب الأوّل . وآية «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَلثَةٍ» في سورة المجادلة . (18) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «أين هو» سؤال عن مكان يحضره تعالى . «وهو هاهنا وهاهنا» بيان لحضوره سبحانه حضورا علميّا كلّ شيء وكلّ مكان ، وحضور كلّ شيء له بإحاطته العلميّة واستواء نسبته إلى الفوق والتحت ، وإحاطته بالكلّ من حيث العلم غير مختلف ، (19) فعلمه بالأواخر كعلمه بالأوائل لا يعزب عنه مثقال ذرّة . وقوله : «فالكرسي محيط بالسماوات والأرض» إن كان المراد بالسماوات الأفلاك كلّها فإحاطة الكرسيّ إما باعتبار الإحاطة العلميّة ، أو باعتبار إطلاق الكرسيّ على المحيط بالكلّ ، فهو من حيث العلم عرش ، ومن حيث الوسعة الجسمانيّة كرسيّ . وإن كان المراد بالسماوات الأفلاك السبعة فالكرسيّ تحت المحيط ، ومحيط بالسموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى كما قاله عليه السلام . ويحتمل أن يكون هذا القول منه عليه السلام إشارة إلى أنّ الكرسيّ أيضا عبارة عن علمه ، كما قيل في تفسير قوله تعالى : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» (20) . (21) وذكر آية «وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ» من سورة طه (22) هنا توضيح لبيان إحاطة العلم . (علمه) أي العلم الذي اطلّع اللّه عليه حججه . قال برهان الفضلاء : أي علم العرش إضافة المصدر إلى المفعول ، أو علمه الذي أوحى إلى المعصومين والمآل واحد . (هذه الأربعة) أي الأنوار الأربعة على ما فسّرت ، و«هذا» إشارة إلى أنّ الحصر عقليّ دائر بين النفي والإثبات ؛ فإنّ ما يتعلّق به قوله عزّ وجلّ : «كن» فعل اللّه ، أولا ، والثاني مع استحقاق المدح أو الذمّ ، أو لا معهما . وآية : «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» في سورة الأنعام . (23)

.


1- . معاني الأخبار ، ص 29 ، باب معنى العرش والكرسي ، ح 1 ؛ وعنه في البحار ، ج 55 ، ص 28 ، ح 47 .
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 497 .
3- . فاطر (35) : 41 .
4- . في المصدر : + «به» .
5- . في المصدر : «جوهر» .
6- . في «الف» : «المختلفة» ؛ وفي المصدر : «المختلط» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 425 _ 426 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 426 .
9- . يريد ببعض المعاصرين الفيض في الوافي، ولم أجده في الوافي .
10- . الواقعة (56) : 85 .
11- . لم نعثر على الحدائق، وذكر في حديقة الشيعة، ص 561 خروج توقيع في لعنه.
12- . الوافي ، ص 497 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 .
14- . في المصدر : «أن أحدثه» .
15- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123 .
16- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 .
17- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 .
18- . المجادلة (58) : 7 .
19- . في المصدر : «مختلفة» .
20- . مجمع البيان ، ج 2 ، ص 928 ، ذيل الآية 255 من البقرة (2) .
21- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 _ 428 .
22- . طه (20) : 7 .
23- . الأنعام (6) : 75 .

ص: 298

. .

ص: 299

. .

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

. .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، قَالَ : سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ ، فَأَذِنَ لِي ، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَ فَتُقِرُّ أَنَّ اللّه َ مَحْمُولٌ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«كُلُّ مَحْمُولٍ مَفْعُولٌ بِهِ ، مُضَافٌ إِلى غَيْرِهِ ، مُحْتَاجٌ ، وَالْمَحْمُولُ اسْمُ نَقْصٍ فِي اللَّفْظِ ، وَالْحَامِلُ فَاعِلٌ وَهُوَ فِي اللَّفْظِ مِدْحَةٌ ، وَكَذلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ : فَوْقَ ، وَتَحْتَ ، وَأَعْلى ، وَأَسْفَلَ ، وَقَدْ قَالَ اللّه ُ تَعَالى : «وَلِلّهِ الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» وَلَمْ يَقُلْ فِي كُتُبِهِ : إِنَّهُ الْمَحْمُولُ ، بَلْ قَالَ : إِنَّهُ الْحَامِلُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَالْمُمْسِكُ للسَّمَاوَاتِ (2) وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ، وَالْمَحْمُولُ مَا سِوَى اللّه ِ ، وَلَمْ يُسْمَعْ أَحَدٌ آمَنَ بِاللّه ِ وَعَظَمَتِهِ قَطُّ قَالَ فِي دُعَائِهِ : يَا مَحْمُولُ» . قَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَإِنَّهُ قَالَ : «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَ_ل_ءِذٍ ثَمَ_نِيَةٌ» وقَالَ : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ» ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «الْعَرْشُ لَيْسَ هُوَ اللّه َ ، وَالْعَرْشُ اسْمُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ وَعَرْشٍ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ ، ثُمَّ أَضَافَ الْحَمْلَ إِلى غَيْرِهِ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ بِحَمْلِ عَرْشِهِ وَهُمْ حَمَلَةُ عِلْمِهِ ، وَخَلْقا يُسَبِّحُونَ حَوْلَ عَرْشِهِ وَهُمْ يَعْمَلُونَ بِعِلْمِهِ ، وَمَلَائِكَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ عِبَادِهِ ، وَاسْتَعْبَدَ أَهْلَ الْأَرْضِ بِالطَّوَافِ حَوْلَ بَيْتِهِ ، وَاللّه ُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى كَمَا قَالَ . وَالْعَرْشُ وَمَنْ يَحْمِلُهُ وَمَنْ حَوْلَ الْعَرْشِ ، وَاللّه ُ الْحَامِلُ لَهُمُ ، الْحَافِظُ لَهُمُ ، الْمُمْسِكُ ، الْقَائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ ، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُقَالُ : مَحْمُولٌ ، وَلَا أَسْفَلُ _ قَوْلاً مُفْرَدا لَا يُوصَلُ بِشَيْءٍ _ فَيَفْسُدُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنى» . قَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ : أَنَّ اللّه َ إِذَا غَضِبَ إِنَّمَا يُعْرَفُ غَضَبُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ يَجِدُونَ ثِقْلَهُمْ (3) عَلى كَوَاهِلِهِمْ ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدا ، فَإِذَا ذَهَبَ الْغَضَبُ ، خَفَّ وَرَجَعُوا إِلى مَوَاقِفِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «أَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ تَعَالى مُنْذُ لَعَنَ إِبْلِيسَ ، إِلى يَوْمِكَ هذَا هُوَ غَضْبَانُ عَلَيْهِ ، فَمَتى رَضِيَ؟ وَهُوَ فِي صِفَتِكَ لَمْ يَزَلْ غَضْبَانا (4) عَلَيْهِ وَعَلى أَوْلِيَائِهِ وَعَلى أَتْبَاعِهِ ، كَيْفَ تَجْتَرِئُ أَنْ تَصِفَ رَبَّكَ بِالتَّغَيُّرِ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ، وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا يَجْرِي عَلَى الْمَخْلُوقِينَ؟! سُبْحَانَهُ ، لَمْ يَزُلْ مَعَ الزَّائِلِينَ ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَ الْمُتَغَيِّرِينَ ، وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَعَ الْمُتَبَدِّلِينَ ، وَمَنْ دُونَهُ فِي يَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ ، وَكُلُّهُمْ إِلَيْهِ مُحْتَاجٌ ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّنْ سِوَاهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار» .
2- . في الكافي المطبوع : «السماوات» .
3- . في الكافي المطبوع : «ثِقَلَهُ» .
4- . في الكافي المطبوع : «غضبانَ» .

ص: 306

هديّة :(كلّ محمول مفعول به) أي فُعل به وتصرّف فيه بفعل غيره ، فمخلوق منسوب إلى فعل غيره وهو خالقه، وكلّ مخلوق ناقص (محتاج) إلى خالقه . (والمحمول اسم نقص) أي مع أنّ المحمول ، أو والحال أنّ المحمول علامة النقص . ووصف المخلوق وكلّ لفظ ليس من الألفاظ الكماليّة لا يجوز إطلاقه عليه سبحانه بوجه ، والألفاظ الكماليّة يطلق عليه لكن بإذن الشرع صريحا بالاتّفاق ، أو فحوى على الخلاف ، كواجب الوجود وأعلى الموجودات توصيفا لا تسمية ، والمشهور الجواز . (والحامل) فاعل ، وفسّر بالحافظ . (مدحة) بالكسر ، أو بالتحريك . في القاموس : مدحه كمنعه مدحا بالفتح ومدحة بالكسر : أحسن الثناء عليه ، كمدّحه وامتدحه وتمدّحه ، والمديح والمدحة بالتحريك والأمدوحة : ما يمدح به . الجمع : مدائح وأماديح . (1) (وكذلك قول القائل فوق وتحت) يعني فوق وأعلى مدحة واسم كمال ، وتحت وأسفل ذمّ واسم نقص . (وقد قال اللّه : «وَللّه ِِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» ) في سورة طه وسورة الحشر . (2) (بل قال إنّه الحامل) قال اللّه تعالى في سورة بني إسرائيل : «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» . (3) (والممسك للسماوات والأرض أن تزولا) كما في سورة الفاطر . (4) (فإنّه قال : «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ» ) في سورة الحاقّة (5) (وقال : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ» ) الآية في سورة المؤمن . (6) (والعرش اسم عِلْمٍ) ، أي الذي اطلّع اللّه عليه حججه . (وقدرة) أي واسم قدرة ، بمعنى علامة القدرة ، وهو جميع المخلوقات . (وعرش) أي واسم عرش (فيه كلّ شيء) يعني الكرسيّ ، بمعنى وعاء جملة الخلق . وقرأ برهان الفضلاء : «وعَرَش» كنصر وضرب ونصب «كلّ شيء» أي وبنى في ذلك الاسم _ بمعنى العلامة _ كلّ شيء . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فيه كلّ شيء» أي العرش اسم مشترك يطلق على علمه سبحانه علم تفصيلي في موجود عينيّ ، وعلى قدرته تعالى في مظهرها . ويطلق على ما فيه كلّ شيء علما أو عيانا ، كالروحاني من المحيط أو الجسماني منه . (7) (ثمّ أضاف الحمل إلى غيره) أي مجازا (خلقٍ من خلقه) بالجرّ على البدل ؛ ليفيد التنوين التعظيم . (لأنّه استعبد خلقه) أي بعضا من خلقه ، فالذكر بصورة الإطلاق للاهتمام والامتياز . وقرأ برهان الفضلاء : «لأنّه استعبد خِلقة» بكسر المعجمة وسكون اللام والتاء للوحدة النوعيّة ، أي نوعا من المخلوق . (وهم يعملون بعلمه) بتقديم الميم في الفعل ، كما ضبط برهان الفضلاء والسيّد الأجلّ النائيني . (8) والأكثر ، أي بالعلم الذي أوحى اللّه إليهم . وفي بعض النسخ : «يعلمون» بتقديم اللام . (واللّه على العرش استوى كما قال : والعرش ومن يحمله) إلى قوله : (وعلى كلّ شيء) يحتمل وجوها : فعليّة «على» وحرفيّتها في الموضعين ، وجرّ «العرش» وما عطف عليه بعد «قال» على البدل ونصبهما . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولمّا كان اللّه سبحانه هو الحامل والحافظ بالحقيقة لكلّ شيء قال : ثمّ أضاف الحمل إلى خلقه ؛ لأنّه استعبد خلقه بحمل عرشه وهم حَمَلة علمه ، واستعبد خلقا بتسبيحه وهم يعملون بعلمه ، واستعبد ملائكة بكتابة أعمال عباده فهم الكاتبون لها ، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته . «واللّه على العرش» أي فوقه ، وهو الممسك القائم على كلّ شيء وفوق كلّ شيء وعلى كلّ شيء، و«استوى» نسبته من الفوق والتحت «كما قال» _ ثمّ قال السيّد _ : في بعض النسخ : «والعرش ومن عليه» وفي بعض آخر : «والعرش ومن يحمله» بزيادة الواو فيهما . وعلى النسخ أي هم محمولون ؛ بقرينة قوله : «واللّه الحامل لهم» . (9) وقال برهان الفضلاء : «كما قال» خبر عن جملة الآية، «العرش» تفسيرٌ . ومن فوائد المقام على ما أفاد برهان الفضلاء أنّ المنسوبين إلى العرش _ يعني (10) علم كتابه سبحانه _ ثلاثة أقسام : الأوّل : حَمَلة العرش ليعرضوا يوم القيامة أعمال العباد حسناتها وسيّئاتها على كتاب اللّه عزّ وجلّ ، وهم ثمانية أصناف : آدم وأوصياؤه عليهم السلام ، نوح وأوصياؤه عليهم السلام ، إبراهيم وأوصياؤه عليهم السلام ، موسى وأوصياؤه عليهم السلام ، عيسى وأوصياؤه عليهم السلام ، محمّد وأوصياؤه عليهم السلام ، رضوان وسائر خزنة الجنّة ، مالك وسائر خزنة النار . القسم الثاني : من حول العرش وهم صنفان : الأوّل : المؤمنون الذين أدركوا خدمة الحجّة نبيّا أو وصيّا من أصناف الثمانية المذكورة على حقيقة الإيمان ، كثلاثين نفرا من الشيعة يكونون بإذن اللّه سبحانه فيما بين المسجدين في خدمة الصاحب عليه السلام في غيبته الكبرى يُقال لهم : النَطَسة جمع ناطس بالنون والمهملتين بمعنى الجاسوس ، إذا مات واحدٌ منهم أو أكثر يبدّل اللّه _ عزّ وجلّ _ مكانه من خلّص الشيعة ، وبهذا يُقال لهم : الأبدال أيضا . والثاني : الكتبة من الملائك ، فمن اليمين رضوان وتبعته من خَزَنة الجنّة ، ومن الشمال مالك وتبعته من الزبانية خزنة النار ، وكلّ من الخزنة والزبانية يسلّم كتب الأعمال إلى متبوعه . القسم الثالث : المؤمنون الذين لم يدركوا خدمة المعصوم وحملة العرش ومن حوله يستغفرون لهم ، قال اللّه تبارك وتعالى في سورة المؤمن : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (11) الآية . (قولاً مفردا) قيل : متعلّق ب «أسفل» خاصّة ، يعني لا يقال : هو أسفل إلّا أن يوصل بشيء فيُقال : هو أعلى وأسفل . قال برهان الفضلاء : يعني ولا يقال في حقّه تعالى : هو محمول بدون قرينة دالّة على أنّ هذا القول مجاز لا حقيقة . وكذا : هو أسفل، «فيفسد اللفظ» لسوء الأدب ، وكذا المراد ؛ لأنّ الإطلاق حقيقة دون قصد التجوّز باطل ، فإشارة إلى أنّ الإطلاق مع القرينة يفسد اللفظ ظاهرا دون المراد . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قولا» أي بلا ضميمة تدلّ على المراد أو على إثباته لغيره سبحانه ، كقولك : اللّه محمول عرشه أو علمه أو دينه ، فإذا اُفرد ولم يضمّ بضميمة يفسد اللفظ والمعنى ، أمّا فساد اللفظ ؛ فلأنّه لفظ نقصٍ . وأمّا فساد المعنى ؛ فلاستحالة إمساك شيء له . (12) (فتكذّب بالرواية) كضرب ، أي فتنكر ، أو على الإفعال أو التفعيل . قال اللّه تعالى : «وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابا» . (13) (فمتى رضي) يعني إذا كان حال غضبه غير حال رضاه ، فبغضبه على إبليس دائما يلزم أن لا يكون له تعالى حال رضى منذ لعن إبليس ، وقد مرّ في باب صفات الفعل أنّ مثل الرضا والغضب من صفات الفعل . ولا يخفى لطف قوله عليه السلام (وهو في صفتك لم يزل غضبانا عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه) . (سبحانه لم يزل مع الزائلين) بضمّ الزاي من باب صان . (في يده) : في تحت قدرته ونفوذ إرادته . وليس في الجواب دلالة على بطلان الرواية ، بل فيه إشارة إلى محملها الصحيح من أنّ المراد بالغضب إنزال العذاب ، وبوجدان الحملة ثقل العرش اطّلاعهم على ذلك بالوحي إليهم وخوفهم من غضب اللّه وتعوّذهم إليه منه سجّدا خُضّا خُشّعا ، أو شدّة سرورهم وبهجتهم وشكرهم ممّا أنعم اللّه به عليهم من العصمة المانعة عمّا يوجب العذاب ، وبذهاب الغضب وحصول الخفّة اطّلاعهم على إنزال الرحمة كذلك .

.


1- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 248 (مدح) .
2- . الآية في سورة الأعراف (7) : 180 ؛ وفي سورة طه (20) : 8 : «اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» ؛ وفي سورة الحشر (59): 24: «هُوَ اللَّهُ الْخَ__لِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» .
3- . الإسراء (17) : 70 .
4- . فاطر (35) : 41 .
5- . الحاقّة (69) : 17 .
6- . غافر (40) : 7 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 429 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 430 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 429 _ 430 . وما نقله من السيّد رحمه الله بقوله : «ثمّ قال السيّد _ إلى «واللّه الحامل لهم» ليس في المصدر .
10- . في «الف» : «بمعني» .
11- . غافر (40) : 7 .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 430 .
13- . النبأ (78) : 28 .

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

. .

ص: 311

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ رِبْعِيٍّ (1) عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» فَقَالَ :«يَا فُضَيْلُ ، كُلُّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ ، السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ» .

هديّة :(وكلّ شيء) أي غير السماوات والأرض من المخلوقات . قيل: قد مرّ أنّ الكرسي قد يراد به العلم الذي لم يطّلع عليه أحد سوى اللّه تعالى ، وقد يراد به وعاء العرش ، وقد يراد به العلم . وقد روى الصدوق رحمه الله في توحيده بإسناده عن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» (2) قال : «علمه» . (3) وفي الحديث : «ما السماوات والأرضون السبع مع الكرسيّ إلّا كحلقة مُلقاة في فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة» . (4) فبتعدّد الإطلاق يندفع المنافاة بين كون العرش في الكرسيّ كما في التالي ، وبين كون الكرسي في العرش كما في أحاديث اُخر ، فالعرش بمعنى جملة الخلق، وسعة الكرسي بمعنى العلم ، وبمعنى العلم وسع الكرسي بمعنى جملة الخلق . وقال برهان الفضلاء : «الكرسي» : علم اللّه ، وقدرته السماوات والأرض «وكلّ شيء في الكرسي» يعني كلّها خُلق بالعلم والقدرة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وكلّ شيء في الكرسي» هذا إن حُمل على حقيقة العموم في الممكنات دلّ على كون العرش في الكرسي . وإن حُمل على العموم في كلّ ما هو من جنسه ويجري فيه الكون الذي للكائنات (5) دلَّ على كون العرش فيه إن حُمل على الجسم ، وإن حمل على العلم ، أو الجوهر العقلاني فلا . وإن لم يحمل على حقيقة العموم في الممكنات أو ما يجري فيه الإحاطة بالمحيطيّة أو المحاطيّة المكانيّة، فيجوز أن يكون الكرسي محيطا بالسماوات السبع والأرض وما فيهنّ وما بينهنّ وكلّ شيء من السماوي والأرضي وكون العرش _ إذا حمل على الجوهر الجسماني المحيط _ محيطا بها وبالكرسي . (6) والقول بأنّ أحدهما عبارة عن العلم الإجمالي والآخر عن العلم التفصيلي ، فكون كلّ واحدٍ منهما في الآخر ليس بمستبعد، مستبعدٌ جدّا ؛ لعدم النصّ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبد اللّه » .
2- . البقرة (2) : 255 .
3- . التوحيد ، ص 327 ، باب 52 ، ح 1 .
4- . تفسير العيّاشي، ج 1، ص 137، ح 455؛ معاني الأخبار، ص 333، باب معنى تحيّة المسجد و... ، ح 1؛ البحار، ج 55، ص 17، ح 10.
5- . في المصدر : «للمكانيّات» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 432 .

ص: 312

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (2) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ _ تبارك وتعالى _ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» : السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَسِعْنَ الْكُرْسِيَّ ، أَمِ الْكُرْسِيُّ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَقَالَ :«بَلِ الْكُرْسِيُّ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْعَرْشَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ وَسِعَ الْكُرْسِيُّ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع: «زرارة بن أعين».

ص: 313

هديّة :(والعرش) بالنصب عطف على المفعول ف(كلّ) نصب على المفعول المقدّم . والبيان كسابقه . قال برهان الفضلاء : «العرش» هنا عبارة عن كتاب اللّه ، وكونه في الكرسيّ عبارة عن نزوله بالعلم والقدرة . ووجه السؤال إمّا الشكّ في الإعراب ، أو احتماله القلب في الآية كما في قوله : «الشكر مربوط بالمزيد» . 1 وقال الفاضل الإسترابادي : سمعت من اُستادي رئيس المحدّثين مولانا ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه اللهيقول : والعرش يعني والعلم الذي في أيدي الثمانية . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني : يحتمل أن يكون قوله «والعرش» عطفا على «الكرسيّ» يعني والعرش أيضا وسع السماوات والأرض . ويحتمل أن يكون عطفا على السماوات والأرض ، أي الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش كلّها وكلّ شيء ، ويكون قوله : «وسع الكرسيّ» تأكيدا لما سبقه . (2)

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» : السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَسِعْنَ الْكُرْسِيَّ ، أَم الْكُرْسِيُّ (4) وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَقَالَ :«إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 432 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن عبد اللّه بن بكير ، عن زرارة بن أعين» .
4- . في الكافي المطبوع : «أو الكرسيّ» .

ص: 314

هديّة :قد علم بيانه . والأخبار متلائمة .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«حَمَلَةُ الْعَرْشِ _ وَالْعَرْشُ : الْعِلْمُ _ ثَمَانِيَةٌ : أَرْبَعَةٌ مِنَّا ، وَأَرْبَعَةٌ مِمَّنْ شَاءَ اللّه ُ» .

هديّة :(والعرش : العلم) ابتدائيّة معترضة بين المبتدأ وخبره ؛ أي العلم الذي أطلع اللّه عليه حججه المعصومين من الأنبياء والرسل والأوصياء . في الحديث عن الكاظم عليه السلام قال : «إذا كان يوم القيامة كان حملة العرش ثمانية : أربعة من الأوّلين : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، وأربعة من الآخرين : محمّد وعليّ والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم» . (2) فلعلّ عليه السلام عبّر عن السبعة عشر بثمانية بعدّة الحسين والمعصومين من ولده عليهم السلام واحدا . وفي اعتقادات الصدوق رحمه الله : فأمّا العرش الذي هو جملة الخلق فَحَمَلته أربعة من الملائكة لكلّ واحدٍ منهم ثماني أعين ، كلّ عين طباق الدنيا ، واحد منهم على صورة بني آدم يسترزق اللّه لولد آدم ، والآخر على صورة الثور يسترزق اللّه للبهائم كلّها ، والآخر على صورة الأسد يسترزق اللّه للسباع ، والآخر على صورة الديك يسترزق اللّه للطير كلّها ، فهم اليوم هؤلاء الأربعة ، وإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية . وأمّا العرش الذي هو العلم فحملته أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ؛ فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، وأمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد وعليّ والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم ، هكذا روى بالأسانيد الصحيحة عن الأئمّة عليهم السلام في العرش وحملته . انتهى كلام الصدوق رحمه الله . 3 وقول بعض المعاصرين : ويشبه أن يكون الملائكة كناية عن أرباب الأنواع العقليّة ، وتكون أربعة في جانب البدو والنشأة الاُولى ، وتصير ثمانية في جانب العود والنشأة الاُخرى التي تصير إليها الأنواع بعد تحصيل كمالاتها . (3) فخروج عن الشرع إلى مسلك الفلسفي والقدري . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : في هذا الحديث إشارة إلى تفسير قوله تعالى : «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ» (4) وحملهم العرش فوق الخلائق يوم القيامة عبارة عن رفعهم الأعمال للعرض على كتاب اللّه ، وظاهر بعض الأخبار _ كما في الصحيفة الكاملة (5) _ أنّ بعض حملة العرش من الملائكة ، وبعضها أنّ كلّ واحد من أئمّتنا عليهم السلام داخل في حملة العرش . (6) فالمراد بثمانية الأصناف لا الأشخاص . ويمكن أن يكون المراد بقوله : «منّا» أهل بيت إبراهيم عليه السلام فهذه الأربعة : إبراهيم وأوصياؤه ، وموسى وأوصياؤه، وعيسى وأوصياؤه ، ومحمّد وأوصياؤه عليهم السلام . وتلك الأربعة : آدم وأوصياؤه ، ونوح وأوصاؤه ، ورضوان بتوابعه ، ومالك بزبانيته . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «أربعة منّا» : نبيّنا وعليّ والحسن والحسين صلوات اللّه الرحمن عليهم . وفسّرت في بعض الأخبار أربعة منّا بأمير المؤمنين ، وسيّدة نساء العالمين ، والحسنين صلوات اللّه عليهم ؛ والأربعة الثانية بسلمان ، والمقداد ، وعمّار ياسر ، وأبي ذرّ الغفاري رضي اللّه عنهم . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 503 ؛ ورواه بتفاوت مرسلاً في البحار ، ح 55 ، ص 27 ، ح 43 .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 504 .
4- . الحاقّة (69): 17.
5- . الصحيفة الكاملة ، ص 33 ، الدعاء 3 .
6- . تقدّم قبيل هذا .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .

ص: 315

. .

ص: 316

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ» فَقَالَ :«مَا يَقُولُونَ؟» قُلْتُ : يَقُولُونَ : إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ ، وَالرَّبُّ فَوْقَهُ ، فَقَالَ : «كَذَبُوا ، مَنْ زَعَمَ هذَا ، فَقَدْ صَيَّرَ اللّه َ مَحْمُولاً ، وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ ، وَلَزِمَهُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَقْوى مِنْهُ» . قُلْتُ : بَيِّنْ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللّه َ حَمَّلَ دِينَهُ وَعِلْمَهُ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءٌ ، أَوْ جِنٌّ أَوْ إِنْسٌ ، أَوْ شَمْسٌ أَوْ قَمَرٌ ، فَلَمَّا أَرَادَ اللّه ُ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ ، نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَنْ رَبُّكُمْ؟ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَالْأَئِمَّةُ عليهم السلام ، فَقَالُوا : أَنْتَ رَبُّنَا ، فَحَمَّلَهُمُ الْعِلْمَ وَالدِّينَ ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : هؤُلَاءِ حَمَلَةُ دِينِي وَعِلْمِي ، وَأُمَنَائِي فِي خَلْقِي ، وَهُمُ الْمَسْؤُولُونَ ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِي آدَمَ : أَقِرُّوا لِلّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَلِهؤُلَاءِ النَّفَرِ بِالْوَلَايَةِ وَالطَّاعَةِ ، فَقَالُوا : نَعَمْ ، رَبَّنَا أَقْرَرْنَا ، فَقَالَ اللّه ُ لِلْمَلَائِكَةِ : اشْهَدُوا ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : شَهِدْنَا عَلى أَنْ لَا يَقُولُوا غَدا : «إِنَّا كُنَّا عَنْ هَ_ذَا غَ_فِلِينَ» أَوْ يَقُولُوا : «إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَافَعَلَ الْمُبْطِ_لُونَ» يَا دَاوُدُ ، وَلَايَتُنَا مُؤَكَّدَةٌ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ» .

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ: «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ» ) في سورة هود . (2) (ما يقولون؟) يعني المخالفين . (كذبوا) على المعلوم من باب ضرب ، أو التفعيل ، يعني قول الحجّة أو الكتاب والسنّة ؛ للفقرة التالية . وجوابه عليه السلام للبيان دلالة على أنّ المخلوق الأوّل في العالم الجسماني الماء ، كما أنّ المخلوق الأوّل في العالم الروحاني نور «أنا وعليّ من نور واحد» . (3) (فلمّا أراد أن يخلق الخلق) أي أبدانهم بعد خلق أرواحهم . (فحمّلهم العلم والدِّين) أي اللّذين حمّلهما أوّلاً الماء . (وهم المسؤولون) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل وسورة الأنبياء : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» . (4) (ثمّ قال لبني آدم _ إلى قوله : «أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ» (5) ) إلى آية سورة الأعراف : «وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ» (6) الآية . (على أن يقولوا) ليس تتمّة كلام الملائكة بل متعلّق ب«نثرهم بين يديه» . قال برهان الفضلاء : «حمّل دينه وعلمه الماء» يعني خلق قبل خلق السماوات والأرض ماء ليصير مادّة لمن يكون قابلاً لتحميل الدِّين والعلم عليه . فالمراد من التحميل على الماء مشيئة التحميل ، ونثرهم عبارة عن أخذ الميثاق على كلّ واحدٍ بخصوصه بحيث لا يمكن لأحد ادّعاء الغفلة أو استلزام شرك الآباء شركه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه حمّل دينه وعلمه الماء» لعلّ المراد به أنّ العرش هو علمه سبحانه الفائض من الجوهر العقلاني إلى النفوس والأرواح الجسمانيّة ، وكان فيضان هذا العلم على الماء من الجسمانيّات قبل خلق الأرض والسماء والجنّ والإنس والشمس والقمر ، وذلك أنّ القابل لأن يفاض عليه من الأنوار العقلانيّة المستعدّ له إنّما هو الماء الذي منه حياة كلّ شيء ، وإنّما الحياة هي المصحّحة للعلم والقدرة كما في قوله تعالى : «مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَىٍّ» (7) ، وقبل خلق السماوات والأرض كان علمه سبحانه على الماء كما أنّ بعد خلق هذه الأشياء على المخلوق من الماء ؛ فإنّ الماء أقرب الأجسام إلى المبادئ العقلانيّة والأسباب الروحانيّة ، ومحلّ الحياة في الجسمانيّات المصحّحة للعلم والقدرة ، ولذا نِيطَ التطهير من الأدناس المانعة من قرب المبادئ باستعمال الماء والتطهير به مع زوال أعيانها . (8) انتهى . لو لم يقل هذا السيّد الأجلّ ، كما لم يقل بأكثر اُصول الفلاسفة كإيجاب الصانع وقِدَم العالم وغيرهما من عمدة اُصولهم باقتضاء الطبائع وقابليّة الموادّ ونحوهما من اُصولهم ، لكان خيرا لفهم المبتدئين وأنسب ؛ لقوله : باختيار الصانع ، وحدوث العالم ، وبطلان كلّ ما أبطله الشرع . وقال بعض المعاصرين : قد يُراد بالماء المادّة الجسمانيّة . وقد يُراد به العقل ؛ لقبوله الكمالات . (9) «نثرهم» أي نثر ماهيّاتهم وحقائقهم بين يدي علمه فاستنطق الحقائق بألسنة قابليّات جواهرها ، وألسن استعدادات ذواتها . 10 إلى آخر ما قال من هذا القبيل .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب» .
2- . هود (11) : 7 .
3- . معاني الأخبار ، ص 56 ، باب معاني أسماء محمّد و ... ، ح 4 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 58 ، ح 219 . وعنهما في البحار ، ج 35 ، ص 34 ، ح 33 .
4- . النحل (16) : 43 ؛ الأنبياء (21) : 7 .
5- . الأعراف (7) : 173 .
6- . الأعراف (7) : 172 .
7- . الأنبياء (21) : 30 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 433 _ 434 .
9- . في المصدر : «وقد يراد به ما خلق منه الأصفياء والجنّة باعتبار قبوله الكمالات من اللّه سبحانه» . بدل : «وقد يراد به العقل القبوله الكمالات» .

ص: 317

. .

ص: 318

. .

ص: 319

باب الروح

الباب الحادي والعشرون : بَابُ الرُّوحِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنِ الْأَحْوَلِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الرُّوحِ الَّتِي فِي آدَمَ ، و (2) قَوْلُهُ : «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى» قَالَ :«هذِهِ رُوحٌ مَخْلُوقَةٌ ، وَالرُّوحُ الَّتِي فِي عِيسى مَخْلُوقَةٌ» .

هديّة :يعني في العنوان (الروح) الذي أضافه اللّه سبحانه في القرآن إليه تبارك وتعالى . و«الروح» يذكّر ويؤنّث ، وقوله : «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» في سورة ص . (3) والإضافة للتكريم والتشريف . (هذه) أي الروح التي في هذه الآية ، والروح التي في عيسى . (مخلوقة) أي التي في آية سورة النساء . (4) قال برهان الفضلاء _ بناءً على قوله بوجود المجرّدات _ : «الرّوح» بالضمّ ما به الحياة وهو جسم هوائي ، وإطلاقه على جبرئيل والقرآن والرسول والقرآن والرسول والوصيّ على سبيل التشبيه ، وبهم الحياة الباقية . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : المراد من «الروح» الشيء الذي يكون مبدأ للتأثير ، سواء كان مجرّدا عن الكثافة الجسمانيّة أو لا ؛ ليشمل الأقسام الآتية كلّها . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله _ بناءً على قوله بتجرّد النفس الناطقة _ : هذا الباب في الروح الذي أضافها اللّه إلى ذاته سبحانه ، ومعنى إضافته إليه . و«الروح» بالضمّ ما به حياة الأنفس وهو منشأ الحركات الإراديّة والإدراكات . وقد يطلق على الموصوف به ، ومحلّه ومتعلّقه القريب الأوّلي . ولمّا كان ما هذا شأنه منتقلاً نحوا من الانتقال اشتقّ له اسم من الريح الذي اعتبر في معناه الانتقال . وإضافتها إليه سبحانه في قوله : «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» (6) باعتبار انتسابها إليه سبحانه بمخلوقيّتها وشرفها من بين سائر الأرواح المخلوقة ، وقربها منه سبحانه بكمال المعرفة والتقدّس . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع : - «و» .
3- . ص (38): 72؛ الحجر (15): 29.
4- . النساء (4) : 171 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
6- . الحجر (15) : 29 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 434 _ 435 .

ص: 320

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ حُمْرَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبدِ اللّه عليه السلام (2) عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَرُوحٌ مِّنْهُ» قَالَ :«هِيَ رُوحُ اللّه ِ مَخْلُوقَةٌ ، خَلَقَهَا اللّه ُ فِي آدَمَ وَعِيسى» .

هديّة :في سورة النساء : «إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّه ِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ» (3) . قال برهان الفضلاء : المراد ب_«الكلمة» مصداق ما وجب دائما من وجوب وجود حجّة معصوم عاقل عن اللّه . وب«الرّوح» مصداق ما به حياة الناس إيمانا ، يعني الأحكام النازلة من السماء . وقال الفاضل الإسترابادي : «خلقها اللّه في آدم وعيسى» أي من غير جري العادة ، وخلقها في غيرهما بجري العادة . فهاهنا زيادة اختصاص به تعالى . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحجّال» .
2- . في الكافي المطبوع : «أبا جعفر» .
3- . النساء (4) : 171 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .

ص: 321

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى» : كَيْفَ هذَا النَّفْخُ؟ فَقَالَ :«إِنَّ الرُّوحَ مُتَحَرِّكٌ كَالرِّيحِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ رُوحا لِأَنَّهُ اشْتَقَّ اسْمَهُ مِنَ الرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ عَنْ لَفْظَةِ الرِّيحِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ مُجَانِسَ (2) لِلرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ اصْطَفَاهُ عَلى سَائِرِ الْأَرْوَاحِ ، كَمَا قَالَ لِبَيْتٍ مِنَ الْبُيُوتِ : بَيْتِي ، وَلِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ : خَلِيلِي ، وَأَشْبَاهِ ذلِكَ ، وَكُلُّ ذلِكَ مَخْلُوقٌ ، مَصْنُوعٌ ، مُحْدَثٌ ، مَرْبُوبٌ ، مُدَبَّرٌ» .

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة ص . (3) (كيف هذا النفخ؟) يعني هل هو كنفخ الهواء في جسم ، أو عبارة عن تعلّق مجرّد بمادّي كما قالت الفلاسفة به؟ والجواب صريح في أنّه كالأوّل . قال برهان الفضلاء : الروح التي عبّرت الفلاسفة عنها بالنفس الناطقة ليست مجرّدة كما قالت الفلاسفة ، بل جسم لطيف يتحرّك وينتقل كالهواء من مكان إلى مكان . قال الفاضل الإسترابادي : الحركة إنّما تصحّ في الروح بمعنى الجسم البخاري الذي يتكوّن من لطافة الأخلاط وبخاريّتها لا في الروح المجرّدة . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وإنّما أخرجه على لفظة الريح» لعلّ إخراجه على لفظة الريح عبارة عن التعبير عن إيجاده في البدن بالنفخ فيه ؛ لمناسبة الروح للريح ومجانسته إيّاه . وإنّما أضافه إلى نفسه سبحانه ؛ لأنّه اصطفاه بتقدّسه وتشرّفه على سائر الأرواح ، كما أضاف البيت إلى نفسه ، والخليل إلى نفسه سبحانه للتشرّف والتقدّس ، وكلّ ذلك مخلوق محدث مربوب . فلا يتوهّم أنّه سبحانه له روح به حياته الذاتيّة نفخ منه في آدم وعيسى عليهماالسلام . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن عروة» .
2- . في الكافي المطبوع: «مجانسة» .
3- . ص (38) : 72 ؛ الحجر (15) : 29 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 435 .

ص: 322

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزّازِ ، (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَمَّا يَرْوُونَ أَنَّ اللّه َ خَلَقَ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ ، فَقَالَ :«هِيَ صُورَةٌ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ ، اصْطَفَاهَا اللّه ُ وَاخْتَارَهَا عَلى سَائِرِ الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ ، فَأَضَافَهَا إِلى نَفْسِهِ ، كَمَا أَضَافَ الْكَعْبَةَ إِلى نَفْسِهِ ، وَالرُّوحَ إِلى نَفْسِهِ ؛ فَقَالَ : «بَيْتِىَ» (3) وَ «نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى» » .

هديّة :(عمّا يروون) عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . (فقال : «بيتي» ) في سورة البقرة . (4) (و «نفخت فيه من روحي» ) في سورة ص . (5) قال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : هذا جواب بحسب الظاهر للتقيّة ، فلا منافاة بينه وبين الجواب الذي نقل في كتاب التوحيد عن الرضا عليه السلام من أنّ أوّل الحديث حذف . (6) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «على صورته» أي على الصورة الشريفة التي اصطفاها من بين الصور المخلوقة يستحقّ أن يضاف إليه سبحانه ؛ فإنّ الصور كلّها مخلوقات له سبحانه ، وهو منزّه عن الصورة والمثال ، تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن بحر» .
2- . في الكافي المطبوع : «الخرّاز» بالراء المهملة .
3- . في الكافي المطبوع : «وبيتي» .
4- . البقرة (2) : 125 ؛ الحجّ (22) : 26 ؛ نوح (71) : 28 .
5- . ص (38) : 72 ؛ الحجر (15) : 29 .
6- . لم يوجد في الحاشية المطبوعة .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 435 .

ص: 323

. .

ص: 324

باب جوامع التوحيد

الباب الثاني والعشرون : بَابُ جَوَامِعِ التَّوْحِيدِوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، عَنْ مُحَمّدْ ومُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ (1) رَفَعَاهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام اسْتَنْهَضَ النَّاسَ فِي حَرْبِ مُعَاوِيَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ، فَلَمَّا حَشَدَ النَّاسُ ، قَامَ خَطِيبا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلّهِ الْوَاحِدِ ، الْأَحَدِ ، الصَّمَدِ ، الْمُتَفَرِّدِ ، الَّذِي لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ ، قُدْرَةٌ بَانَ بِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَبَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ ، فَلَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ ، وَلَا حَدٌّ تُضْرَبُ لَهُ فِيهِ الأَمْثَالُ ، كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ اللُّغَاتِ ، وَضَلَّ هُنَاكَ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ ، وَحَارَ فِي مَلَكُوتِهِ عَمِيقَاتُ مَذَاهِبِ التَّفْكِيرِ ، وَانْقَطَعَ دُونَ الرُّسُوخِ فِي عِلْمِهِ جَوَامِعُ التَّفْسِيرِ ، وَحَالَ دُونَ غَيْبِهِ الْمَكْنُونِ حُجُبٌ مِنَ الْغُيُوبِ ، تَاهَتْ فِي أَدْنى أَدَانِيهَا طَامِحَاتُ الْعُقُولِ فِي لَطِيفَاتِ الْأُمُورِ . فَتَبَارَكَ اللّه ُ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ ، وَتَعَالَى الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْدُودٌ ، وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ ، وَلَا نَعْتٌ مَحْدُودٌ ، وسُبْحَانَ (2) الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ مُبْتَدَأٌ ، وَلَا غَايَةٌ مُنْتَهىً ، وَلَا آخِرٌ يَفْنى . سُبْحَانَهُ هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَالْوَاصِفُونَ لَا يَبْلُغُونَ نَعْتَهُ ، حَدَّ (3) الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا عِنْدَ خَلْقِهِ ؛ إِبَانَةً لَهَا مِنْ شِبْهِهِ ، وَإِبَانَةً لَهُ مِنْ شِبْهِهَا ، فَلَمْ يَحْلُلْ فِيهَا ؛ فَيُقَالَ : هُوَ فِيهَا كَائِنٌ ، وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا ؛ فَيُقَالَ : هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْهَا ؛ فَيُقَالَ لَهُ : آئنَ ، (4) لكِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَاطَ بِهَا عِلْمُهُ ، وَأَتْقَنَهَا صُنْعُهُ ، وَأَحْصَاهَا حِفْظُهُ ، لَمْ يَعْزُبْ عَنْهُ خَفِيَّاتُ غُيُوبِ الْهَوَاءِ ، وَلَا غَوَامِضُ مَكْنُونِ ظُلَمِ الدُّجى ، وَلَا مَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلى إِلَى الْأَرَضِينَ السُّفْلى ، لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا حَافِظٌ وَرَقِيبٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ مُحِيطٌ ، وَالْمُحِيطُ بِمَا أَحَاطَ مِنْهَا الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَا تُغَيِّرُهُ صُرُوفُ الْأَزْمَانِ ، وَلَا يَتَكَأَّدُهُ صُنْعُ شَيْءٍ كَانَ ،إِنَّمَا قَالَ لِمَا شَاءَ : «كُنْ» فَكَانَ . ابْتَدَعَ مَا خَلَقَ بِلَا مِثَالٍ سَبَقَ ، وَلَا تَعَبٍ وَلَا نَصَبٍ ، وَكُلُّ صَانِعِ شَيْءٍ فَمِنْ شَيْءٍ صَنَعَ ، وَاللّه ُ لَا مِنْ شَيْءٍ صَنَعَ مَا خَلَقَ ، وَكُلُّ عَالِمٍ فَمِنْ بَعْدِ جَهْلٍ تَعَلَّمَ ، وَاللّه ُ لَمْ يَجْهَلْ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ ، أَحَاطَ بِالْأَشْيَاءِ عِلْما قَبْلَ كَوْنِهَا ، فَلَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهَا عِلْما ، عِلْمُهُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَهَا كَعِلْمِهِ بَعْدَ تَكْوِينِهَا ، لَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ ، وَلَا خَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَلَا نُقْصَانٍ ، وَلَا اسْتِعَانَةٍ عَلى ضِدٍّ مُنَاوٍ ، وَلَا نِدٍّ مُكَاثِرٍ ، وَلَا شَرِيكٍ مُكَابِرٍ ، لكِنْ خَلَائِقُ مَرْبُوبُونَ ، وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ . فَسُبْحَانَ الَّذِي لَا يَؤُودُهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ ، وَلَا تَدْبِيرُ مَا بَرَأَ ، وَلَا مِنْ عَجْزٍ وَلَا مِنْ فَتْرَةٍ بِمَا خَلَقَ اكْتَفى ، عَلِمَ مَا خَلَقَ ، وَخَلَقَ مَا عَلِمَ ، لَا بِالتَّفْكِيرِ فِي عِلْمٍ حَادِثٍ أَصَابَ مَا خَلَقَ ، وَلَا شُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَخْلُقْ ، لكِنْ قَضَاءٌ مُبْرَمٌ ، وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ ، وَأَمْرٌ مُتْقَنٌ . تَوَحَّدَ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَخَصَّ نَفْسَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، وَاسْتَخْلَصَ بِالْمَجْدِ وَالثَّنَاءِ ، وَتَفَرَّدَ بِالتَّوْحِيدِ وَالْمَجْدِ وَالسَّنَاءِ ، وَتَوَحَّدَ بِالتَّحْمِيدِ ، وَتَمَجَّدَ بِالتَّمْجِيدِ ، وَعَلَا عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاءِ ، وَتَطَهَّرَ وَتَقَدَّسَ عَنْ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ ، وَعَزَّ و جَلَّ عَنْ مُجَاوَرَةِ الشُّرَكَاءِ ، فَلَيْسَ لَهُ فِيمَا خَلَقَ ضِدٌّ ، وَلَا لَهُ فِيمَا مَلَكَ نِدٌّ ، وَلَمْ يَشْرَكْهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الْمُبِيدُ لِلْأَبَدِ ، وَالْوَارِثُ لِلْأَمَدِ ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ وَحْدَانِيّا أَزَلِيّا قَبْلَ بَدْءِ الدُّهُورِ ، وَبَعْدَ صُرُوفِ الْأُمُورِ ، الَّذِي لَا يَبِيدُ وَلَا يَنْفَدُ . بِذلِكَ أَصِفُ رَبِّي ، فَلَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ مِنْ عَظِيمٍ مَا أَعْظَمَهُ! وَمِنْ جَلِيلٍ مَا أَجَلَّهُ! وَمِنْ عَزِيزٍ مَا أَعَزَّهُ! وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّا كَبِيرا» . قال ثقة الإسلام بعد هذا الحديث في الكافي : وَ هذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ مَشْهُورَاتِ خُطَبِهِ عليه السلام حَتّى لَقَدِ ابْتَذَلَهَا الْعَامَّةُ ، وَهِيَ كَافِيَةٌ لِمَنْ طَلَبَ عِلْمَ التَّوْحِيدِ إِذَا تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَ مَا فِيهَا ، فَلَوِ اجْتَمَعَ أَلْسِنَةُ الْجِنِّ وَالْاءِنْسِ _ لَيْسَ فِيهَا لِسَانُ نَبِيٍّ _ عَلى أَنْ يُبَيِّنُوا التَّوْحِيدَ بِمِثْلِ مَا أَتى بِهِ _ بِأَبِي وَأُمِّي _ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَا إِبَانَتُهُ عليه السلام ، مَا عَلِمَ النَّاسُ كَيْفَ يَسْلُكُونَ سَبِيلَ التَّوْحِيدِ . أَ لَا تَرَوْنَ إِلى قَوْلِهِ : «لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى بِقَوْلِهِ : «لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ» مَعْنَى الْحُدُوثِ ، وَكَيْفَ أَوْقَعَ عَلى مَا أَحْدَثَهُ صِفَةَ الْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ بِلَا أَصْلٍ وَلَا مِثَالٍ ؛ نَفْيا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ ، بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ؛ وَإِبْطَالاً لِقَوْلِ الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئا إِلَا مِنْ أَصْلٍ ، وَلَا يُدَبِّرُ إِلَا بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ ، فَدَفَعَ عليه السلام بِقَوْلِهِ : «لَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» جَمِيعَ حُجَجِ الثَّنَوِيَّةِ وَشُبَهِهِمْ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَعْتَمِدُ الثَّنَوِيَّةُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنْ يَقُولُوا : لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْ شَيْءٍ ، أَوْ لَا مِنْ شَيْءٍ ، (5) فَقَوْلُهُمْ : «مِنْ شَيْءٍ» خَطَأٌ ، وَقَوْلُهُمْ : «مِنْ لَا شَيْءٍ» مُنَاقَضَةٌ وَإِحَالَةٌ ؛ لِأَنَّ «مِنْ» تُوجِبُ ثُبُوتا ، (6) وَ«لَا شَيْءٍ» تَنْفِيهِ ، فَأَخْرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هذِهِ اللَّفْظَةَ عَلى أَبْلَغِ الْأَلْفَاظِ وَأَصَحِّهَا ، فَقَالَ عليه السلام : «لا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى «مِنْ» ؛ إِذْ كَانَتْ تُوجِبُ شَيْئا ، وَنَفَى الشَّيْءَ ؛ إِذْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مَخْلُوقا مُحْدَثا ، لَا مِنْ أَصْلٍ أَحْدَثَهُ الْخَالِقُ كَمَا قَالَتِ الثَّنَوِيَّةُ : إِنَّهُ خَلَقَ مِنْ أَصْلٍ قَدِيمٍ ، فَلَا يَكُونُ تَدْبِيرٌ إِلَا بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ . ثُمَّ قَوْلِهِ عليه السلام : «لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ ، وَلَا حَدٌّ يُضْرَبُ لَهُ فِيهِ الْأَمْثَالُ ، كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ اللُّغَاتِ» فَنَفى عليه السلام أَقَاوِيلَ الْمُشَبِّهَةِ حِينَ شَبَّهُوهُ بِالسَّبِيكَةِ وَالْبِلَّوْرَةِ ، وَغَيْرَ ذلِكَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ مِنَ الطُّولِ وَالِاسْتِوَاءِ ، وَقَوْلَهُمْ : «مَتى لَمْ تَعْقِدِ (7) الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلى كَيْفِيَّةٍ ، وَلَمْ تَرْجِعْ إِلى إِثْبَاتِ هَيْئَةٍ ، لَمْ تَعْقِلْ شَيْئا ، فَلَمْ تُثْبِتْ صَانِعا» فَفَسَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ وَاحِدٌ بِلَا كَيْفِيَّةٍ ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ تَعْرِفُهُ بِلَا تَصْوِيرٍ وَلَا إِحَاطَةٍ . ثُمَّ قَوْلِهِ عليه السلام : «الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ ، وَتَعَالَى الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْدُودٌ ، وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ ، وَلَا نَعْتٌ مَحْدُودٌ» . ثُمَّ قَوْلِهِ عليه السلام : «لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ ؛ فَيُقَالَ : هُوَ فِيهَا كَائِنٌ ، وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا ؛ فَيُقَالَ : هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ» فَنَفى عليه السلام بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ صِفَةَ الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ ؛ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ التَّبَاعُدَ وَالْمُبَايَنَةَ ، وَمِنْ صِفَةِ الْأَعْرَاضِ الْكَوْنَ فِي الْأَجْسَامِ بِالْحُلُولِ عَلى غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَمُبَايَنَةِ الْأَجْسَامِ عَلى تَرَاخِي الْمَسَافَةِ . ثُمَّ قَالَ عليه السلام : «لكِنْ أَحَاطَ بِهَا عِلْمُهُ ، وَأَتْقَنَهَا صُنْعُهُ» أَيْ هُوَ فِي الْأَشْيَاءِ بِالْاءِحَاطَةِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَ عَلى غَيْرِ مُلَامَسَةٍ .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ومحمّد بن يحيى جميعا» .
2- . في الكافي المطبوع: «سبحان» بدون الواو.
3- . في الكافي المطبوع : «وحدّ» .
4- . في الكافي المطبوع : «أين» .
5- . في الكافي المطبوع : «من لا شيء» .
6- . في الكافي المطبوع : «شيئا» .
7- . في الكافي المطبوع : «ما لم تعقد» .

ص: 325

. .

ص: 326

. .

ص: 327

هديّة :«الجوامع» : جمع جامعة ، والتأنيث للكلمة ، بمعنى الكلام أو الخطبة أو الفقرة أو نحوها . والمورد في هذا الباب طائفة من خطب أمير المؤمنين عليه السلام فيها كفاية لمن أراد علم التوحيد وما يتعلّق به بما لا مزيد عليه لعقول العقلاء . و«الاستنهاض» : طلب القيام . (حشد) القوم كنصر وضرب : اجتمعوا على أمر واحد كاحشدوا واحتشدوا وتحاشدوا . و(لا من شيء خلق ما كان) أي ما خلق . قال السيّد الداماد رحمه الله : هذه الفقرة تحقيق لمعنى الإبداع والجعل البسيط الذي هو تأييس الآيس من اللّيس المطلق لا من مادّة ولا بمدّة . (1) وقال بعض المعاصرين : وهذا في كلّ الوجود أو على ما هو التحقيق عند العارفين ، وإن كان في الكائنات تكوين من موادّها المخلوقة إبداعا لا من شيء عند الجماهير . (2) (قدرة) قيل : نصب على التمييز ، أو نزع الخافض . يعني ولكن خلق الأشياء قدرة ، أو بقدرة . وقرى ء بالرفع أي له قدرة ، أو هو قدرة ، وعينيّة الصفات ثابتة . قال السيّد الأجلّ النائيني : أي له قدرة بان بها من الأشياء ، فلا يحتاج أن يكون الصدور والحدوث عنه في مادّة كما يحتاج غيره إلى ذلك . «وبانت الأشياء منه سبحانه» بعجزها عن التأثير لا في مادّة . (3) وقال برهان الفضلاء : «قدرة» نصب مفعول له لقوله «لا من شيء خلق ما كان» مثل : قعدت عن الحرب جبنا . وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله : «قدرته» 4 ففاعل «خلق» أو مبتدأ مضاف . (بان) من البين بمعنى الافتراق . (تضرب له فيه الأمثال) كأمثال الصوفيّة من البحر وأمواجه ، والسمعة وأشكاله ، ونحوهما من مزخرفاتهم . قال السيّد الأجلّ النائيني : إذ لا مماثلة بينه وبين المدركات بالعقول والمشاعر . (4) (كَلَّ) أي عجز . من الكلال بمعنى الإعياء . (دون صفاته) عند التأمّل فيها . وقال بعض المعاصرين : أي قبل الوصول إليها . (5) و«التحبير» : التزيين . واحتمل السيّد الأجلّ النائيني : «التخبير» بالمعجمة بمعنى البيان والإخبار . (6) و«التصاريف» : جمع التصريف مبالغة في الصرف والتحويل . والتعريف في الصفات للعهد الخارجي ؛ أي لم يهتد إليه قطّ وصف الواصفين بأنحاء المبالغة في إرجاع الصفات المدركة بالأذهان إليه سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي : «تصاريف الصفات» أي التغيّرات اللازمة للصفات المتغايرة المدركة لأذهاننا . (7) و«التفكير» و«الإفكار» و«التفكّر» و«الفكر» كلّه بمعنى . (دون الرسوخ في علمه) أي القطع بكيفيّة علمه أنّه حضوريّ أو حصوليّ أو لا ذا ولا ذا . والمعنى عند تفسير المعصوم كتابه وهو العالم بعلم كتابه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني وانقطع قبل الوصول إلى الرسوخ في علمه ، أي في معلومه بما هو معلوم ، أو في العلم به سبحانه ومعرفته أو في إبانة حقيقة علمه بالأشياء التفاسير (8) الجامعة . (9) (حجب من الغيوب) دلالة على محجوبيّة الحجاب أيضا . (تاهت) : حارت ودهشت . والضمير في (أدانيها) للحجب . و«الطامح» : المرتفع ، أي العقول الكاملة الماهرة في درك الاُمور الدقيقة . (بعد الهمم) : تعمّقها ، أي الهمم العالية . و(غوص الفطن) الغائصة . في بعض النسخ : «سبحان الذي» بدون الواو . (أوّل مبتدأ) على التوصيف ، يعني لا أوّل لأوّليّته ولا نهاية لآخريّته . (عند خلقه) أي إيجاده إيّاها . (إبانة لها من شبهه) قيل : نصب على الحال ، وقيل : مفعول له . وقال برهان الفضلاء : نصب على المصدريّة ، أي أبنت إبانةً ، مثل : الحمد للّه إقرارا بنعمته . و(آئن) على وزن «كائن» من «الأون» بالفتح . وهو أحد شقّي الخُرْج ، (10) يعني هو خِلْوٌ من خلقه ، لا بمعنى كونه متفرّدا منها في جانب كتفرّد عديل من عديله ، بل بمعنى استحالة الحلول والاتّحاد وغيرهما من الأنحاء الممتنعة . وقرأ السيّد الأجلّ النائيني : «أين» بفتح الهمزة وسكون الياء ، قال : يعني ولم يخل من الأشياء خلوّ المحلّ عن الحالّ ، أو المكان من المتمكّن ، فيُقال له : أين هو منها . وهذا القول بالنسبة إلى المكان حقيقي وبالنسبة إلى المحلّ توسّعي . (11) وضبط برهان الفضلاء : «آئن» ك«كائن» . وهذه الفقرات الثلاث ردّ على الصوفيّة القدريّة والفلاسفة وسائر ملل الشرك . قالت الصوفيّة باتّحاده سبحانه مع كلّ موجود . وقالت الفلاسفة بوساطة العقل الأوّل بينه وبين سائر الموجودات وهو فاعل مُوجِب . «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» . (12) قال الشهرستاني في الملل والنحل في بيان مذاهب النصارى : ولهم في كيفيّة الاتّحاد والتجسّد كلام ، فمنهم من قال : أشرق على الجسد إشراق النور على الجسم . ومنهم من قال : انطبع فيه انطباع النقش في الشمعة . ومنهم من قال : ظهر ظهور الروحانيّ بالجسماني . ومنهم من قال : تدرّع اللّاهوت بالناسوت . ومنهم من قال : مازجت الكلمة جسد المسيح ممازجة اللّبن بالماء . (13) وكلّ ما قالت النصارى في جسد المسيح قالت الصوفيّة في جسد العالم . و(الهواء) بالمدّ : هواء الجوّ . و«الهوى» بالقصر : هوى النفس . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «غيوب الهوى» بالقصر ، وفسّر بالمتمنّيات الخفيّة . و(العُلى) بالضمّ والقصر جمع «علياء» بالضمّ والمدّ : المكان المشرف على سائر الأمكنة . (حافظ ورقيب) من ملائكته . (بشيء محيط) بتدبيره . و(المحيط) مبتدأ خبره (الواحد) يعني والمحيط بعلمه بجميع المحيط والمحاط ، منها الذي ليس كمثله شيء . (لا يتكأّده) أي لا يشقّ عليه ولا يثقله . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولعلّ عليه السلام أورد «فكان» مكان «فيكون» تنبيها على تجرّد صيغة الماضي والمضارع في أمثال هذه البيانات عن الزمان ؛ لتأخّره عن الخلق والإيجاد بمراتب . (14) (فلم يزدّد بكونها علما) دلالة على انحصار علمه تعالى في العلم الأزلي السابق على الإيجاد . صرّح به الفاضل الإسترابادي بخطّه . (15) و«المناواة» : المعاداة . وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله «مثاور» (16) مكان «مناو» . و«المثاورة» : المواثبة، أي بالعداوة . و«المكاثر» : ذو الكثرة والشدّة ليغلب بكثرته . و«المكابر» ذو المكابرة واللّجاج ليعارض بلجاجه . (داخرون) : صاغرون ذليلون . (لا يؤوده) : لا يثقله . «براه» كمنع : خلقه . (ولا من عجز) أي ليس اكتفاؤه بما خلق من عجز . و«الإبرام» : الإحكام . و«الاستخلاص» : مبالغة في الخلوص . و(السناء) بالمدّ : الضياء ، وبالقصر : الرفعة . (المبيد للأبد) قيل : من «الإبادة» بمعنى الإهلاك ، أي المجاوز عنه . وقرئ _ كما في بعض النسخ _ : «المؤبّد» من التأبيد بالمفردة ، أي أبّد الأبد فصار أبدا . وضبط برهان الفضلاء : «المئيد» بالهمز على الإفعال من الأيد بمعنى القوّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : و«المبيد للأبد» أي الخالق المعطي لوجوده ، (17) على اسم الفاعل من «أباد يبيد» من باب الإفعال ، بمعنى ذهب وانقطع _ والهمزة للإزالة ؛ أي مزيل بطلانه وذهابه وانقطاعه بإعطاء وجوده وإبقائه فهو خالقه ومبقيه . ويمكن أن يحمل الإبادة على الإذهاب ، أي المذهب لما لا ينتهي من الزمان أو الدّهر وأنّه في الذهاب دائما، وهو سبحانه مُذهبه (18) كما أنّه محدّده . (19) و«الأبد» ما لا منتهى له من الزمان أو الدّهر والأمد هو المنتهى ، فبطل قول الدهري في أنّ المبدأ هو الدهر، والدهر في الطرف المتأخّر متجدّد مستلزم للحدوث، والحادث ممكن محتاج، وفي الطرف المقدّم له نهايات وهو منقض عندها . والمبدأ للممكنات واجب الوجود بذاته الذي يستحيل العدم والانقضاء فيه، فهو وارث كلّ منقض . (20) و«الأمد» بالميم : المدّة ؛ يعني الزمان والزماني . (من عظيم ما أعظمه) كلمة «من» للتبيين . وكلمة «ما» للتعجّب . أدام اللّه فيوضاتك ثقة الإسلام بأبي أنت واُمّي ما أشبه بيانك ببيان المعصومين صلوات اللّه عليهم! انظر وتأمّل واستح واخجل أيّها المعاصر المفتون المغبون في كدّ السعي والعمل ، ألم ترَ إلى بيانات مشايخنا الثلاثة المسمّين بمحمّد ، والمكنّين بأبي جعفر _ رضوان اللّه عليهم _ في كتبهم الأربعة كأنّها لنورانيّتها واستقامتها وعدم تناكرها للأحاديث من تمام الأحاديث ، بيانا لكلام المعصوم من كلام المعصوم، لا سيّما في الكافي من الخطبة إلى الروضة ، وهو مؤلّفه بذلك النّظم والنسق بأمر صاحب الأمر عليه السلام . فانظر كيف أشار بقوله : (ولولا إبانته عليه السلام ) إلى وجوب وجود الإمام لمثل هذا النظام بذلك الشأن وعظم المقام وجوامع مناقبه عليه السلام كحديث «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» . (21) وبقوله : (ألا ترون) إلى قوله عليه السلام : (إلّا باحتذاء مثال) إلى إبطال ما ذهب إليه الفلاسفة ، وما ثبت عند الثنويّة ؛ فإنّ الفلاسفة _ بعد الاتّفاق على امتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، وإيجاب الصانع ، وقِدَم العالم ، وتوسّط العقول _ ذهب الإشراقيّون منهم إلى قِدَم العالم ، بمعنى قدم النوع والمفهوم الكلّي المشترك بين الأجسام ؛ لقولهم بإمكان فناء كلّ جسم من الأجسام بالكلّيّة ، وهي متوافقة عندهم في الحقيقة ومتخالفة في العوارض والتشخّصات بناءً على نفيهم تركّب الجسم من الجواهر الفردة ومن الهيولى والصورة أيضا ؛ وعدم قولهم بالصور النوعيّة الجوهريّة . وذهب المشّاؤون منهم إلى قدم العالم ، بمعنى قدم هيولائه ، وقدم طائفة من الأجسام بناءً على عدم قولهم بتوافق الأجسام في الحقيقة ؛ لقولهم بتركّبها من الهيولى القديمة والصورة الحادثة ووجود الصور النوعيّة الجوهريّة ، فقالوا بتعدّد القديم الشخصي . والثنويّة قالوا بشخصين قديمين فاعلين مستقلّين ، يَعْنُون النور والظلمة ، ويزدان وأهريمن . والصوفيّة أخذوا ضغثا من هنا وضغثا من هناك فاخترعوا مذهبا يكون ضلالة كفره شاملاً لجميع صنوف الكفر والزندقة ، فيكون أسوأها وأفحشها . وبقوله : (وشُبههم) على الجمع إلى أنّ حججهم شُبهات ، وعلى الاسم _ بكسر المعجمة _ إلى نظائرهم من الصوفيّة ؛ لقولهم بالوحدة في التعدّد والتعدّد في الوحدة . وكلمة «ما» في قوله : (أكثر ما يعتمد) مصدريّة . و(أن يقولوا) في تقدير : «على أن يقولوا» يعني أكثر اعتمادهم على هاتين المقدّمتين في ترتيب القياس لشبههم ، اُولاهما خطاهم المراد ؛ لما عرفت ، والثانية مناقضة لما ذكر . وبقوله : (ثبوتا) أو «شيئا» _ كما في بعض النسخ _ إلى الجعل البسيط . وبقوله : (كما قالت الثنويّة : إنّه خلق من أصل قديم) إلى أنّ كلّ من قال بتعدّد القديم فهو من الثنويّة . وبقوله : (حين شبّهوه بالسبيكة والبلّورة) _ بكسر المفردة وفتح اللام المشدّدة _ إلى ما هو السرّ عند الصوفيّة القائلين بأنّ العالم صورة بحت الوجود، والوجود كالشمعة والعالم كتشكّلاتها . ثمّ انظر أيُّها المعاصر _ المفتون المغبون إلى صنيعك المضمون في عنقك المَحْبون (22) بالكتب الأربعة، لاسيّما بكافي ثقة الإسلام، وهو مؤّلف بذلك النسق والنظام بأمر صاحب الأمر عليه السلام فمثلك ومثلهم في عدم رضاك بنظمهم ونسقهم ، ثمّ كدّك البليغ بالتعب الذي أنت أعلم به في جمع كتبهم وجعلك إيّاها كتابا واحدا بدون ترتيب نظمهم ونسق ترتيبهم بتصرّفات ركيكة وبيانات مزخرفة واهية ، كمثل سعي رجل غاصب وكدّ غاصب راجل جمع لَبِنات وأحجارا من بيوت أربعة في جوانب أربعة، المشرق والمغرب والجنوب والشمال حجرا حجرا لَبِنةً لَبِنةً من غير تناوله حجرين مرّة أو لبنتين دفعة ، فبنى بيتا في وسط الدنيا في غاية الوهن والإشراف على الانهدام، فأمر حكم الشرع في تخريب ذلك البيت ورجم الغاصب الظلّام بتلك الأحجار واللّبنات في أعين الأنام تشنيعا إلى يوم القيام .

.


1- . التعليقة على اُصول الكافي ، ص 325 ، بتفاوت .
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 429 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 436 ، بتفاوت يسير .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 437 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 429 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 437 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
8- . في «ب» و «ج» : «النفائس» .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 437 .
10- . «الخُرج» بالضمّ : الجوالق ذو اُونين . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 294 ؛ لسان العرب ، ج 2 ، ص 252 (خرج) .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 438 .
12- . المائدة (5) : 64 .
13- . الملل والنحل ، ج 1 ، ص 220 .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 440 ، بتفاوت يسير .
15- . لم يوجد في الحاشية المطبوعة .
16- . التوحيد ، ص 41 ، باب 2 ، ح 3 .
17- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 443 .
18- . في «ب» و «ج» : «يذهبه» .
19- . في المصدر : «مجدّده» .
20- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 443 ، بتفاوت . ومن قوله : «على اسم الفاعل» إلى قوله : «كما أنّه محدّده» في حاشية المصدر .
21- . الاختصاص ، ص 237 ؛ الإرشاد ، ج 1 ، ص 33 ؛ التوحيد ، ص 307 ، باب 43 ، ح 1 ؛ البحار ، ج 40 ، ص 70 ، ح 104 ؛ و ص 87 ، وص 202 ، ح 6 .
22- . المحبون: أي الوارم. اُنظر: القاموس المحيط، ج 2، ص 562 (حبن).

ص: 328

. .

ص: 329

. .

ص: 330

. .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

. .

ص: 334

. .

ص: 335

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالى ذِكْرُهُ ، وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ وسُبْحَانُهُ وَتَقَدَّسَ وَتَفَرَّدَ وَتَوَحَّدَ ، وَلَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ ، وَ «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْاخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ» ، فَلَا أَوَّلَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، رَفِيعا فِي أَعْلى عُلُوِّهِ ، شَامِخُ الْأَرْكَانِ ، رَفِيعُ الْبُنْيَانِ ، عَظِيمُ السُّلْطَانِ ، مُنِيفُ الْا لَاءِ ، سَنِيُّ الْعَلْيَاءِ ، الَّذِي يَعْجِزُ الْوَاصِفُونَ عَنْ كُنْهِ صِفَتِهِ ، وَلَا يُطِيقُونَ حَمْلَ مَعْرِفَةِ إِلهِيَّتِهِ ، وَلَا يَحُدُّونَ حُدُودَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَيْفِيَّةِ لَا يُتَنَاهى إِلَيْهِ» .

هديّة :(إبراهيم) هذا يحتمل الصيقل ، والبصري ، والكرخي . (تبارك اسمه) بالمعطوفات عليه خبر (إنّ) (وسبحانه) عطف على (ثناؤه) . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «سبحانه» بدون العطف ، فنصب على المصدريّة . وفي بعض آخر : «وجلّ ثناءُ سُبُحاتِه» بضمّتين والمثنّاة من فوق ، أي أنوار ربوبيّته التي منها علوم حججه عليهم السلام . وفي العبارة وجوه اُخر . (وتقدّس) عن جميع ما يحيطه الخواطر . (وتفرّد) بالقِدَم . (وتوحّد) بالإلهيّة . (شامخ الأركان) خبر بعد الخبر ، أو لمبتدأ محذوف . و«الشامخ» : العالي جدّا . و«الإنافة» : الإشراف على الشيء . و«السّنام» بالمدّ : الضياء ، وبالقصر : الرفعة . و«العلياء» بالضمّ والمدّ : المكان المشرف على سائر الأمكنة . والمراد علوّه القدر والمنزلة . (حدوده) أي الشرعيّة ؛ لأنّه علّة لقوله (ولا يطيقون) بل لقوله الذي (يعجز) . (بالكيفيّة) أي بالعلم بالكيفيّة المعقولة قياسا . (لا يتناهى) على ما لم يسمّ فاعله ، و(إليه) نايب الفاعل . قال السيّد الأجلّ النائيني : «إنّ اللّه تبارك اسمه» أي تقدّس اسمه عن لحوق النقصان ، وتعالى ذكره عن الوصف بما يليق بالإمكان ، وجلّ ثناؤه سبحانه عن إحصاء الألسن وإحاطة الأذهان ، وتقدّس عن الاتّصاف بما هو في بقعة الإمكان ، وتفرّد بقدرته عن مشاركة الأعوان ، وتوحّد بعزّ جلاله عن مجاورة الأمثال واتّخاذ الأزواج والولدان ، وهو بذاته لم يزل ولا يزال لابإحاطة الدهور والأزمان ، وهو الأوّل الذي يُبتدأ منه وجود كلّ موجود ، والآخر الذي ينتهي إليه كلّ معدود ، (2) والظاهر الغالب على الأشياء والمحيط بها بقدرته وعلمه الشاملة ، والباطن الذي لا يصل إليه ولا يحيط به إدراك الأوهام والعقول الكاملة ، فلا أوّل لأوّليّته لأزليّته . وقوله : «رفيعا» نصب على الحاليّة أو على المدح . «في أعلى علوّه» أي في علوّه الأعلى من الوصف والبيان ، والأعلى (3) من كلّ علوّ يصل إليه ويدركه الأوهام والأذهان ، أو يعبّر عنه بالعبارة واللّسان ، وهو «شامخ الأركان» وطويلها وعاليها، «رفيع البنيان» وهو خالقها وبانيها، «عظيم السلطان» لا يعارض في سلطانه . «منيف الآلاء» مشرفها على الخلق بالفَيَضان من بحر جوده ، أو زائدها مَن أناف عليه ، أي زاد . «سنيّ العلياء» : رفيعه . و«العلياء» : السّماء ، ورأس الجبل ، والمكان المرتفع ، وكلّ ما علا من شيء . ولعلّ المراد هنا كلّ مرتفع يليق بأن ينسب إليه . ثمّ أشار عليه السلام إلى أنّ معرفته سبحانه ليس بالسبيل إلى معرفة كنه صفاته ؛ إذ لا سبيل إلى معرفة كنه صفاته ، كما لا معرفة (4) إلى معرفة (5) كنه ذاته بقوله : «الذي يعجز الواصفون عن كنه صفته ، ولا يطيقون حمل معرفة ذاته وصفاته كما يليق بإلهيّته». والعجز مستند إلى قصورهم عن إدراك ما يتعالى عنهم وعن إحاطتهم . «ولا يحدّون حدوده»، ولا يقدرون على تحديده ؛ لأنّهم إنّما يقدرون على التحديد بالكيفيّات وأشباهها، وهو سبحانه متعالٍ عن الكيفيّات والصفات الزائدة عينا . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة» .
2- . في المصدر : «أمد كلّ معدود» .
3- . في المصدر : «أو الأعلى» .
4- . كذا في النسخ، وفي المصدر : «لاسبيل» .
5- . في «ب» و «ج» : «معرفته» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 445 _ 446 .

ص: 336

. .

ص: 337

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُخْتَارِ ؛وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعا ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ ، قَالَ : ضَمَّنِي وَأَبَا الْحَسَنِ عليه السلام الطَّرِيقُ فِي مُنْصَرَفِي مِنْ مَكَّةَ إِلى خُرَاسَانَ ، وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى الْعِرَاقِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنِ اتَّقَى اللّه َ يُتَّقى ؛ وَمَنْ أَطَاعَ اللّه َ ، يُطَاعُ» فَلَطَفْتُ (2) فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ ، فَوَصَلْتُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا فَتْحُ ، مَنْ أَرْضَى الْخَالِقَ ، لَمْ يُبَالِ بِسَخَطِ الْمَخْلُوقِ ؛ وَمَنْ أَسْخَطَ الْخَالِقَ ، فَقَميِنٌ (3) أَنْ يُسَلِّطَ اللّه ُ عَلَيْهِ سَخَطَ الْمَخْلُوقِ ، وَإِنَّ الْخَالِقَ لَا يُوصَفُ إِلَا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَأَنّى يُوصَفُ الَّذِي تَعْجِزُ الْحَوَاسُّ أَنْ تُدْرِكَهُ ، وَالْأَوْهَامُ أَنْ تَنَالَهُ ، وَالْخَطَرَاتُ أَنْ تَحُدَّهُ ، وَالْأَبْصَارُ عَنِ الْاءِحَاطَةِ بِهِ؟ جَلَّ عَمَّا وَصَفَهُ الْوَاصِفُونَ ، وَتَعَالى عَمَّا يَنْعَتُهُ النَّاعِتُونَ ، نَأى فِي قُرْبِهِ ، وَقَرُبَ فِي نَأْيِهِ ، فَهُوَ فِي نَأْيِهِ قَرِيبٌ ، وَفِي قُرْبِهِ بَعِيدٌ ، كَيَّفَ الْكَيْفَ ، فَلَا يُقَالُ : كَيْفَ؟ وَأَيَّنَ الْأَيْنَ ، فَلَا يُقَالُ : أَيْنَ؟ إِذْ هُوَ مُنْقَطِعُ الْكَيْفُوفِيَّةِ وَالْأَيْنُونِيَّةِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم» .
2- . في الكافي المطبوع : «فتلطّفت» .
3- . في الكافي المطبوع : «فَقَمن» .

ص: 338

هديّة :يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام عيّنه الصدوق في عيونه . (1) وقال برهان الفضلاء : يعني الثاني أو الثالث عليهماالسلام . و«المنصرف» مصدر ميمي بمعنى الانصراف . (من اتّقى اللّه يتّقى) أي منه ، أو المعنى يحفظ . (فلطفت) على المتكلّم المعلوم من باب حسن ، أي فعلت تدبيرا لطيفا في الوصول إليه سريعا . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فلطفت» أي رفقتُ أو دنوتُ ساعيا في الوصول إليه بتضمين معنى السعي . (2) وفي بعض النسخ : «فتلطّفت» من التفعّل . و«السخط» بفتحتين وبالضم : الغضب . و«القمين» : كالخليق والجدير لفظا ومعنى . و«القمن» كالفَطِن _ كما في بعض النسخ _ بمعناه . (أن تدركه) في تقدير «من أن تدركه» . وكذا (أن تناله) . (والخطرات) جمع الخطرة ، أي جميع ما يخطر بالخواطر . (والأبصار) أي أوهام القلوب . وقال السيّد الأجلّ النائيني : الإطلاق إشارة إلى شمول الأبصار لأبصار العيون وأبصار الأوهام . (3) (نأى) من باب منع ، قلبت الياء ألفا ، أي بعُد في قربه ؛ لتعاليه عن أوصاف المخلوقات وتقدّسه عن إحاطة الأوهام والخطرات . (وقرُب في نأيه) لإحاطته علما بظواهر الموجودات وبواطن الذوات من الأسرار والخفيّات . قرأ برهان الفضلاء : «كيّف الكيِّف وأيّن الأيّن» كسيّد في المفعولين . و«المنقطع» اسم مكان . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «منقطع الكيفوفيّة والأينونيّة» يحتمل أن يكون من باب الوصف بحال المتعلّق وعلى صيغة اسم الفاعل ، أي الكيفوفيّة والأينونيّة منقطعة عنه . ويحتمل أن يكون على صيغة اسم المفعول بأن يكون اسم مفعول ، أي هو منقطع فيه وعنده الكيفوفيّة والأينونيّة . أو اسم مكان ، أي مرتبته مرتبة انقطع فيه الكيفوفيّة والأينونيّة . والتعبير بلفظ الانقطاع ؛ لأنّ الكيف تحديد لحال الشيء بما به ينقطع بعده هذا الحال، كما أنّ الأين تحديد بما به ينقطع بعده حاله بحسب الكمّيّة أو التحيّز ، فهو سبحانه منقطع هذا القطع . (4)

.


1- . لم أجده في عيون أخبار الرضا عليه السلام .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 446 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 447 ، ذكره في هامشه نقلاً عن حاشية بعض النسخ .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 447 _ 448 .

ص: 339

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَخْطُبُ عَلى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ _ يُقَالُ لَهُ : ذِعْلِبٌ _ ذُو لِسَانٍ بَلِيغٍ فِي الْخُطَبِ ، شُجَاعُ الْقَلْبِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقال : وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ ، مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّا لَمْ أَرَهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ : وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ ، لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ ، وَلكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْاءِيمَانِ ، وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ ، إِنَّ رَبِّي لَطِيفُ اللَّطَافَةِ لَا يُوصَفُ بِاللُّطْفِ ، عَظِيمُ الْعَظَمَةِ لَا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ ، كَبِيرُ الْكِبْرِيَاءِ لَا يُوصَفُ بِالْكِبَرِ ، جَلِيلُ الْجَلَالَةِ لَا يُوصَفُ بِالْغِلَظِ ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، لَا يُقَالُ : شَيْءٌ قَبْلَهُ ، وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، لَا يُقَالُ : لَهُ بَعْدٌ ، شَاءَ الْأَشْيَاءَ لَا بِهِمَّةٍ ، دَرَّاكٌ لَا بِخَدِيعَةٍ ، فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، غَيْرُ مُتَمَازِجٍ بِهَا ، وَلَا بَائِنٍ مِنْهَا ، ظَاهِرٌ لَا بِتَأْوِيلِ الْمُبَاشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ لَا بِاسْتِهْلَالِ رُؤْيَةٍ ، نَاءٍ لَا بِمَسَافَةٍ ، قَرِيبٌ لَا بِمُدَانَاةٍ ، لَطِيفٌ لَا بِتَجَسُّمٍ ، مَوْجُودٌ لَا بَعْدَ عَدَمٍ ، فَاعِلٌ لَا بِاضْطِرَارٍ ، مُقَدِّرٌ لَا بِحَرَكَةٍ ، مُرِيدٌ لَا بِهَمَامَةٍ ، سَمِيعٌ لَا بِآلَةٍ ، بَصِيرٌ لَا بِأَدَاةٍ ، لَا تَحْوِيهِ الْأَمَاكِنُ ، وَلَا تَضَمَّنُهُ الْأَوْقَاتُ ، وَلَا تَحُدُّهُ الصِّفَاتُ ، وَلَا تَأْخُذُهُ السِّنَاتُ ، سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ ، وَالْعَدَمَ وُجُودُهُ ، وَالِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ ، بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لَا مَشْعَرَ لَهُ ، وَبِتَجْهِيرِهِ الْجَوَاهِرَ عُرِفَ أَنْ لَا جَوْهَرَ لَهُ ، وَبِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا ضِدَّ لَهُ ، وَبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا قَرِينَ لَهُ ، ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ ، وَالْيُبْسَ بِالْبَلَلِ ، وَالْخَشِنَ بِاللَّيِّنِ ، وَالصَّرْدَ بِالْحَرُورِ ، مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا ، وَمُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا ، دَالَّةً بِتَفْرِيقِهَا عَلى مُتَفرِّقِهَا ، (1) وَبِتَأْلِيفِهَا عَلى مُؤلِّفِهَا ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّه تبارك وَ تَعَالى : «وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍخَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» فَفَرَّقَ بَيْنَ قَبْلٍ وَبَعْدٍ ؛ لِيُعْلَمَ أَنْ لَا قَبْلَ لَهُ وَلَا بَعْدَ ، (2) شَاهِدَةً بِغَرَائِزِهَا أَنْ لَا غَرِيزَةَ لِمُغْرِزِهَا ، مُخْبِرَةً بِتَوْقِيتِهَا أَنْ لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا ، حَجَبَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ ؛ لِيُعْلَمَ أَنْ لَا حِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، كَانَ رَبّا إِذْ لَا مَرْبُوبَ ، وَإِلها إِذْ لَا مَأْلُوهَ ، وَعَالِما إِذْ لَا مَعْلُومَ ، وَسَمِيعا إِذْ لَا مَسْمُوعَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «مفرّقها» .
2- . في الكافي المطبوع : + «له» .

ص: 340

هديّة :(ذعلب) كزبرج بالذال المعجمة والعين المهملة : الناقة القويّة . وهنا اسم أو لقب . (بمشاهدة الأبصار) يحتمل الجمع والإفراد . وضبط برهان الفضلاء بالكسر . (لطيف اللّطافة) أي بحسب تدابيره في مصنوعاته ، ولُطْف النافذ في شيء بحيث لا يدرك صفة الممكن . واللّه سبحانه لطيف ، أي عالم بدقائق المصالح وغوامضها . (لا يوصف باللّطف) الذي من صفات الممكن ، وهو الصغر والدقّة والقلّة والنحافة ورقّة القوام ونحو ذلك ، وكذا الكلام في العظم المنفيّ ونظائره . قال برهان الفضلاء : تركيب «لطيف اللّطافة» ونظائره للمبالغة ، كما يُقال : جدّ جدّه . والمستتر في «لا يوصف» ل«اللّطافة» . والألف واللام في «اللطف» للعهد الخارجي ؛ أي اللطف الذي في المخلوقين . وقال السيّد الأجلّ النائيني : وقد أورد هنا الغلظ الذي من مناسبات الجلالة في الخلق ؛ تنبيها على أنّ المنفيّ عنه ما هو مدرَك العقول من صفات الخلق في كلّ ذلك كما في الجلالة . (1) (شاء) على صيغة الفاعل . واحتمال الماضي كما ترى . وقرئ «شيّئا» على التفعيل و«شيّاء» كدرّاك على صيغة المبالغة . وقال برهان الفضلاء : «شاء» في الأصل : «شائي» اُسقطت الياء بالتقاء الساكنين بعد إسقاط الضمّة ، أو لثقل الضمّة على الياء فمضاف إلى «الأشياء» . قال السيّد الأجلّ النائيني : شيّئ الأشياء ومعطي شيئيّتها وموجدها لا بقصد واهتمام وحركة نفسانيّة . (2) فضبط كسيّد . (لا بهمّة) بكسر الهاء وتفتح ، أي لا بقصد ذهني وإرادة خُلقي . (درّاك لا بخديعة) أي علّام لا بدقّة الفكر وتعمّقه . قال السيّد الأجلّ النائيني : وهو درّاك لا بآلة يتصرّف فيها ، أو حركة نفسانيّة [منتهية إليها] (3) وما يشبهها من الحيل والخدائع في التوصّل إلى المطالب . (4) وقال برهان الفضلاء : «الدرّاك» من «الدرك» بالتحريك ، بمعنى الغلبة على العدوّ . «في» في (في الأشياء كلّها) بمعنى «مع» . (متجلٍّ لا باستهلال رؤية) أي ظاهر غير خفيّ على عناديه بآياته ودلائل ربوبيّته لا بظهور من رؤيته . قال ابن الأثير في نهايته : اُهلّ واستُهلّ إذا اُبصر ، وأهللتُه أبصرته . (5) (ناء) بعيد (لا بمسافة) بل عن درك العقول والأوهام . (قريب) بالإحاطة العلميّة (لا بمداناة) كما في المخلوقات . (لطيف لا بتجسّم) لا برقّة قوام ونحو ذلك من معاني اللّطف في الممكنات . و«الهمامة» كسحابة : الكدّ والسعي ؛ أي لا بذلك بل بالداعي إلى فعله من علمه وحكمته وعنايته بالخير . (ولا تضمنه الأوقات) من باب علم : لا تشمله كيف تضمن المخلوق خالقه . و(المشاعر) : جمع المشعر بالفتح : محلّ الشعور ، كالعين والاُذن: أو بالكسر: آلة الشعور . (وبتجهيره الجواهر) يعني بتأصيله الاُصول والأركان . «قارن بينهم» : جعل بعضهم قرينا لبعض . (ضادّ النور بالظلمة) ردّ على الثنويّة . (والصّرد) : البرد ، فارسيّ معرّب . (دالّة) أي هي دالّة . (بغرائزها) : بذواتها . (لمغرزها) على اسم الفاعل من الإفعال أو التفعيل . وضبط برهان الفضلاء : «مؤلّفا» بالنصب . وكذا «مفرّقا» قال : وهما و«دالّة» و«شاهدة» و«مخبرة» حالات خمس من مفاعيل «ضادّ» . وآية «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ» في سورة والذاريات . (6) وقد سبق بيان الخلاف في معنى المألوه في الباب الخامس وهو باب المعبود . قال برهان الفضلاء : _ هنا كما قال هناك _ أي كان مستحقّا للعبادة بكسر الحاء ؛ إذ لا مستحقّ لها بفتحها . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «إذ لا مألوه» أي لم تحصل العبادة بعد ، ولم يخرج وصف المعبوديّة من القوّة إلى الفعل . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي وإلها مستحقّا بذاته لأن يُعبد قبل وقت وجود المتعبّد الذي له الإله ، فالمألوه هنا بمعنى النسبة لا الاشتقاق ؛ لئلّا يخرج الكلام عن الانتظام والاتّساق كما حملناه عليه في باب المعبود ، وباب معاني الأسماء . (8)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 448 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 449 .
3- . أضفناه من المصدر .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 449 .
5- . النهاية ، ج 5 ، ص 629 (هلل) .
6- . الذاريات (51) : 49 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 453 .

ص: 341

. .

ص: 342

. .

ص: 343

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ _ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ _ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، (1) قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَعِيسى شَلَقَانُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فَابْتَدَأَنَا ، فَقَالَ :«عَجَبا لِأَقْوَامٍ يَدَّعُونَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ قَطُّ ، خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام النَّاسَ بِالْكُوفَةِ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ حَمْدَهُ ، وَفَاطِرِهِمْ عَلى مَعْرِفَةِ رُبُوبِيَّتِهِ ، الدَّالِّ عَلى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ ، وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلى أَزَلِهِ ، وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلى أَنْ لَا شِبْهَ لَهُ ، الْمُسْتَشْهِدِ بِآيَاتِهِ عَلى قُدْرَتِهِ ، الْمُمْتَنِعَةِ مِنَ الصِّفَاتِ ذَاتُهُ ، وَمِنَ الْأَبْصَارِ رُؤْيَتُهُ ، وَمِنَ الْأَوْهَامِ الْاءِحَاطَةُ بِهِ ، لَا أَمَدَ لِكَوْنِهِ ، وَلَا غَايَةَ لِبَقَائِهِ ، لَا تَشْمُلُهُ الْمَشَاعِرُ ، وَلَا تَحْجُبُهُ الْحُجُبُ ، وَالْحِجَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ خَلْقُهُ إِيَّاهُمْ ؛ لِامْتِنَاعِهِ مِمَّا يُمْكِنُ فِي ذَوَاتِهِمْ ، وَلِاءِمْكَانٍ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ ، وَلِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ مِنَ الْمَصْنُوعِ ، وَالْحَادِّ مِنَ الْمَحْدُودِ ، وَالرَّبِّ مِنَ الْمَرْبُوبِ ، الْوَاحِدُ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ ، وَالْخَالِقُ لَا بِمَعْنى حَرَكَةٍ ، وَالْبَصِيرُ لَا بِأَدَاةٍ ، وَالسَّمِيعُ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ ، وَالشَّاهِدُ لَا بِمُمَاسَّةٍ ، وَالْبَاطِنُ لَا بِاجْتِنَانٍ ، وَالظَّاهِرُ الْبَائِنُ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ ، أَزَلُهُ نُهْيٌ (2) لِمَجَاوِلِ الْأَفْكَارِ ، وَدَوَامُهُ رَدْعٌ لِطَامِحَاتِ الْعُقُولِ ، قَدْ حَسَرَ كُنْهُهُ نَوَافِذَ الْأَبْصَارِ ، وَقَمَعَ وُجُودُهُ جَوَائِلَ الْأَوْهَامِ ، فَمَنْ وَصَفَ اللّه َ ، فَقَدْ حَدَّهُ ؛ وَمَنْ حَدَّهُ ، فَقَدْ عَدَّهُ ؛ وَمَنْ عَدَّهُ ، فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : أَيْنَ؟ فَقَدْ غَيَّاهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : عَلَامَ؟ فَقَدْ أَخْلى مِنْهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : فِيمَ؟ فَقَدْ ضَمَّنَهُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «قال : حدّثني إسماعيل بن قتبة» .
2- . في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «نهية» .

ص: 344

هديّة :(شلقان) _ بفتح المعجمة واللام أيضا ويسكّن _ : لقب عيسى بن أبي منصور . (ما يتكلّم به قطّ) من أقوال الصوفيّة القدريّة والغُلاة وسائر أصناف الكفر والإلحاد . قالت القدريّة : خرقة التصوّف وصلت إلينا من عليّ عليه السلام وسلسلة أطوارنا وأسرارنا ينتهي إليه عليه السلام ، واستند الغلاة إلى بعض ما ذكره العامّة في كتابهم المسمّى ب«خطبة البيان» من الأقوال التي لم يتكلّم بها قطّ ، بل أمر بتكفير قائله، وحكم بأنّ قائله مرتدّ نجس مخلّد في النار ، وعلى تقدير الصحّة فالحجّة المعصوم العاقل عن اللّه محصور العدد في علمه تعالى وتقديره كجميع ما قدّر ودبّر في هذا النظام من العلويّات والسفليّات ، فليس لغيره أيّ مَن كان أن يدّعي التوسّط لأفاعيله سبحانه فيقول : أنا المورّق في الأشجار ، أنا المصوّر في الأرحام . وقال برهان الفضلاء : كان جماعة ادّعت أنّ عليّا عليه السلام قال : إنّ معرفة وجود الربّ تعالى لا تحصل لأحد بدون بيان الرسول بالوحي إليه منه سبحانه ، أو ادّعت أنّه عليه السلام قال : إنّ معرفة استحقاقه للحمد بمعنى كونه مختارا في أفعاله لا تحصل لأحد بدون ما ذكر . ومآل المقالتين واحد ، فأظهر عليه السلام بطلان هذا الاعتقاد ؛ ليظهر أنّ معرفة وجوب وجود الحجّة المعصوم أيضا عقلي من غير حاجة إلى وحي من اللّه تعالى، كمعرفة وجوب وجود الربّ المدبّر لهذا النظام المتقن الظاهر أنّه مدبَّر من حكيم عظيم ؛ إذ ليس أحد أن لا يعلم أنّ لهذا النظام مدبِّر أعظم وصانع أعلم . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي يدّعون افتراءً على أمير المؤمنين عليه السلام من المذاهب والآراء العاطلة في التوحيد «ما لم يقل به قطّ» . (1) (حمده) أي حمدهم إيّاه سبحانه (وفاطرهم) وخالقهم (على معرفة ربوبيّته) بآثاره العجيبة وصنائعه الغريبة . (الدالّ على وجوده) وصف بعد الوصف ، أو هو الدالّ ، أو نصب على المدح . وكذا ما عطف عليه . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وبإشباههم» على الإفعال . قال : يعني وباشتراكهم في اسم غير مشتقّ على أن لا شريك له في اسم غير مشتقّ . ثمّ قال : ومن جملة طلبه الشهادة عن عباده بآياته على قدرته قوله عزّ وجلّ في سورة فصّلت : «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ» . (2) (الممتنعة من الصفات ذاته) أي من الكيفيّات والصّفات الزائدة ؛ فإنّ صفاته سبحانه عين الذات ليست موجودة في الخارج بأنفسها كما توهّمت الأشاعرة ، بل وجودها في أنفسها إنّما هو في الأذهان الحادثة . (لا أمد لكونه) أي لا مدّة لأزليّته ، وكون المدّة من مخلوقاته . (ولا غاية لبقائه) ؛ لأبديّته ، وكون كلّ غاية من مصنوعاته . (لا يشمله المشاعر) : لا يدركه ولا يحيط به . (ولا تحجبه الحُجب) ؛ لأنّه أظهر من كلّ ظاهر بظهور آثار قدرته ظاهرا وباطنا . (خلقه إيّاهم) يعني خالقيّته لهم وهو مصداق الوجوب الذاتي ، ومخلوقيّتهم له سبحانه وهو مصداق الإمكان الذاتي . والواجب لذاته يمتنع عليه ما عليه سمة الإمكان من الأوصاف والإدراكات، فيمتنع عليه تعالى ما يمكن فيهم، وما يمكن فيهم يمتنع عليه . وهذا دليل الافتراق الكلّي الخاصّ والمباينة التامّة المخصوصة . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «ولإمكان ذواتهم ممّا يمتنع منه ذاته» . (3) قال برهان الفضلاء : «ولإمكانٍ» بالتنوين لإفادة التبعيض ؛ فإنّ في «لإ مكانهم» بدل «لإمكانٍ» يتوهّم أنّ كلّ محال في شأنه تعالى فهو جائز في مخلوقاته، وليس كذلك ؛ فإنّ من المحال فيهما اجتماع النقيضين وشباهة الخالق بالمخلوق في اسم غير مشتقّ وخلق الشريك . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني إنّما الحجاب بينه وبين خلقه كونه خالقا بريئا من الإمكان ، وكونهم مخلوقة وممكنة قاصرة عن نيل البريء بذاته وصفاته من الإمكان ، والحجاب بينه وبين صنعه قصورهم وكماله . (4) (الواحد لا بتأويل عدد) ؛ لأنّ وحدة العدديّة من مخلوقاته ، سبحانه وهو قبل العدد والمعدود والحدّ والمحدود . وفي الصحيفة الكاملة : «لك يا إلهي وحدانيّة العدد» . (5) يعني الأحديّة الحقيقيّة التي لا يتصوّر الشركة معها ؛ للتنافي بينهما حيث يمتنع الشركة ، والشركة مخلوقة كالمشتركين . وقال بعض المعاصرين : المراد بوحدانيّة العدد جهة وحدة الكثرات واحديّة جمعها لا إثبات الوحدة العدديّة، فافهم . (6) انتهى . (لا بمعنى حركة) بل بمعنى إبداع واختراع من دون تدريج وتدرّج وتغيّر وتبدّل وتعاقب وتفنّن . لا يشغله خلق عن خلق ، ولا صنع عن صنع ، ولا تدبير عن تدبير . (لا بتفريق آلة) قيل : أي آلة مغايرة لذاته . وقيل : يعني لا بتخريق الهواء الداخل في الصّماخ . قال السيّد الأجلّ النائيني : «لا بتفريق آلة» أي بإدخال شيء فيها كما في الحيوان ، أو المراد بتفريق الآلة قلع المقلوع أو قرع المقروع المحصّل للصوت المسموع ، وكذا الآلة في الحديث السابق . (7) و«الاجتنان» : الاستتار . (أزله نهي) في بعض «نُهية» بالضمّ اسم من نهاه ينهاه وبمعنى النهاية . وواحدة النُهى بمعنى العقول . «طامحات العقول» أي العقول العالية الكاملة . (نوافذ الأبصار) أي الأوهام العميقة النافذة . (قمع) كمنع : غلب وقهر . (جوائل الأوهام) أي الأوهام الجائلة ، من الجولان . قال الفاضل الإسترابادي : «فمن وصف اللّه فقد حدّه» . المراد بالوصف هنا القول بأنّ له صفة زائدة كما تدلّ عليه لفظة فاء التفريعيّة . وفي القاموس : الحدّ تمييز الشيء عن الشيء . (8) والمعنى : من قال بأنّ له صفة زائدة فقد ميّزه عن صفته ، ومَن ميّزه عن صفته قال بالتعدّد ، ومَن قال بالتعدّد فقد أبطل أزله . (9) (غيّاه) على التفعيل : جعله ذا غاية . (علاما ، أو _ علام) بالاكتفاء بفتحة الميم ، أي على أيّ شيء اعتماده . (فقد أخلى منه) أي قدرته وغنائه . وقال برهان الفضلاء : يعني فقد أخلى من سلطانه الأشياء الاُخر . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني فقد أخلى منه غير ما جعله سبحانه عليه . (ضمّنه) من التضمين : جعله في ضمن شيء وداخله .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 454 .
2- . فصّلت (41) : 9 _ 10 .
3- . التوحيد ، ص 56 ، باب 2 ، ح 14 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 455 .
5- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 152 ، الدعاء 28 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 438 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 456 ، بتفاوت يسير .
8- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 286 (حدد) .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 .

ص: 345

. .

ص: 346

. .

ص: 347

. .

ص: 348

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَمْزَةَ ، عَنْ فَتْحِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ مَوْلى بَنِي هَاشِمٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ التَّوْحِيدِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ :«الْحَمْدُ لِلّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ حَمْدَهُ» . وَ ذَكَرَ مِثْلَ مَا رَوَاهُ سَهْلُ (1) إِلى قَوْلِهِ : «وَقَمَعَ وُجُودُهُ جَوَائِلَ الْأَوْهَامِ» . ثُمَّ زَادَ فِيهِ : «أَوَّلُ الدِّيَانَةِ بِهِ مَعْرِفَتُهُ ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ تَوْحِيدُهُ ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ ؛ لِشَهَادَةِ (2) كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ ، وَشَهَادَةِ الْمَوْصُوفِ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ ، وَشَهَادَتِهِمَا جَمِيعا بِالتَّثْنِيَةِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ الْأَزَلُ ، فَمَنْ وَصَفَ اللّه َ ، فَقَدْ حَدَّهُ ؛ وَمَنْ حَدَّهُ ، فَقَدْ عَدَّهُ ؛ وَمَنْ عَدَّهُ ، فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : كَيْفَ؟ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : فِيما؟ (3) فَقَدْ ضَمَّنَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : عَلى ما؟ (4) فَقَدْ حَمّلَهُ (5) ؛ وَمَنْ قَالَ : أَيْنَ؟ فَقَدْ أَخْلى مِنْهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : مَا هُوَ؟ فَقَدْ نَعَتَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ إلى ما (6) ؟ فَقَدْ غَايَاهُ ، عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومَ ، وَخَالِقٌ إِذْ لَا مَخْلُوقَ ، وَرَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبَ ، وَكَذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنَا ، وَ فَوْقَ مَا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «زياد» .
2- . في الكافي المطبوع : «بشهادة» .
3- . في الكافي المطبوع : «فيم» .
4- . في الكافي المطبوع : «علامَ» .
5- . في الكافي المطبوع : «جهله» .
6- . في الكافي المطبوع : «إلام» .

ص: 349

هديّة :الظاهر أنّ (ورواه) كلام ثقة الإسلام طاب ثراه . وقال برهان الفضلاء : «ورواه» إلى قوله : «فيه» كلام عليّ بن محمّد . و(الدّيانة) بالكسر : الاستكانة والعبوديّة . وتعديته بالباء على تضمين معنى الإيمان به . قال السيّد الأجلّ النائيني : «الدِّيانة» : مصدر دان يدين . وفي المصادر : «الديانة» : دين دار كَشتن . ويعدّى بالباء . والمعنى : أوّل التدّين بدين اللّه _ الذي أمر عباده بالتديّن به والدخول في العبوديّة والتذلّل له كما ينبغي ويليق بكبرياء كماله وعزّ جلاله _ معرفته سبحانه ، فمن لم يكن ذا معرفة به سبحانه لم يكن ذا دين . (1) (وكمال معرفته توحيده) دلالة على أنّ المعرفة الفطريّة التي فطر اللّه الناس عليها قبل التوحيد ؛ فإنّ لكلّ أحد علم _ بإعطاء اللّه _ بأنّ لهذا النظام العظيم صانع أعظم ومدبّر أعلى . وقال السيّد الأجلّ النائيني : المراد بمعرفته العلم بوجوده وإنّيّته وعينيّته بصفات كماله والتقدّس عمّا لا يليق بجبروته وجلاله . (2) أقول : نعم ، لكن المراد بمعرفته ما قلناه لما قلناه . (نفي الصفات) أي نفي الزائدة والمعقولة في الأذهان الحادثة . في بعض النسخ : «بشهادة كلّ صفة» بالباء مكان اللام . و«التثنية» و«التثنّي» : جعل الشيء قرينا للآخر فتذكير «منه» للمصدر . وفي بعض النسخ : «الممتنعة من الأزل» . (فقد عدّه) أي في عداد الممكنات . (فقد استوصفه) أي بالأوصاف الإمكانيّة والكيفيّات الجسمانيّة . (فقد حمّله) على المعلوم من التفعيل ، أي زعم أنّ اعتماده على غير قدرته . ونسخة : «فقد جهله» كعلم ، أو على التفعيل ، بمعنى عدّه جاهلاً كأنّها تصحيف . (فقد أخلى منه) أي إحاطته بالزمان والزمانيّات والمكان والمكانيّات . و«التنعيت» : توصيف الشيء بالكنه . قيل : «والمغاياة» : اطّلاع كلّ من الشيئين على كنه الآخر . وقال برهان الفضلاء : «المغاياة» : قيام الرجل على رأس الآخر بالسيف على قصد هلاكه ، والمراد هنا الحكم بفناء شيء . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «ومن قال إلامَ فقد وقّته» . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فمن قال : كيف؟ فقد استوصفه» ووصفه بصفة ، «ومن قال : فيما؟ فقد ضمّنه» وجعله مضمّنا محاطا بشيء ، «ومن قال : على ما؟ فقد حمّله» وجعله محمولاً منتهٍ إلى ما يحمله ، «ومَن قال : أين؟ فقد أخلى منه» حيث جعله مخصوصا بأين خاصّ منتهٍ إلى حدّ أينه ، «ومن قال : ما هو؟ فقد نعته» بما يقع في حقّه جواب «ما هو» «ومن قال : إلى ما؟ فقد غاياه» وجعله منتهٍ إلى ما هو ينتهي إليه . (4) (وخالق إذ لا مخلوق) أي قادر على الخلق قبل الخلق . قال برهان الفضلاء : هذا وأمثاله على سبيل المجاز ، يعني كأنّه قبل الخلق _ لقدرته عليه من غير مانع _ خالق ، كما أنّ غير الأصمّ عند عدم صوت سميع . أقول : تمثيله _ سلّمه اللّه تعالى _ دلالة على أنّ التجوّز إنّما هو بالنسبة بين الخالق وفعليّة المخلوق ، وهو سبحانه خالق حقيقة دائما ، كما أنّه عالم أزلاً أبدا ، وربّ إذ لا مربوب . وقد سبق أنّ صفات الفعل حدوثها باعتبار النسب والمتعلّقات ، وهي أفعال حادثة لا صفات حقيقيّة .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 458 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 458 .
3- . التوحيد ، ص 57 ، باب 2 ، ح 14 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 460 .

ص: 350

. .

ص: 351

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ ، قَالَ : خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْما خُطْبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ حُسْنِ صِفَتِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعْظِيمِ اللّه ِ جَلَّ جَلَالُهُ ؛ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : فَقُلْتُ لِلْحَارِثِ : أَ وَمَا حَفِظْتَهَا؟ قَالَ : كَتَبْتُهَا ، (2) فَأَمْلَاهَا عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ :«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَا يَمُوتُ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ؛ لِأَنَّ (3) كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ مِنْ إِحْدَاثِ بَدِيعٍ لَمْ يَكُنِ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ ؛ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكا ، وَلَمْ يُولَدْ ؛ فَيَكُونَ مَوْرُوثا هَالِكا ، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ ؛ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحا مَاثِلاً ، وَلَمْ تُدْرِكْهُ الْأَبْصَارُ ؛ فَيَكُونَ بَعْدَ انْتِقَالِهَا حَائِلاً ، الَّذِي لَيْسَتْ فِي أَوَّلِيَّتِهِ نِهَايَةٌ ، وَلَا لِاخِرِيَّتِهِ حَدٌّ وَلَا غَايَةٌ ، الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ وَقْتٌ ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ زَمَانٌ ، وَلَا يَتَعَاوَرُهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ ، وَلَا يُوصَفُ بِأَيْنٍ وَلَا بِمَ وَلَا مَكَانٍ ، الَّذِي بَطَنَ مِنْ خَفِيَّاتِ الْأُمُورِ ، وَظَهَرَ فِي الْعُقُولِ بِمَا يُرى فِي خَلْقِهِ مِنْ عَلَامَاتِ التَّدْبِيرِ ، الَّذِي سُئِلَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَنْهُ فَلَمْ تَصِفْهُ بِحَدٍّ وَلَا بِبَعْضٍ ، بَلْ وَصَفَتْهُ بِفِعَالِهِ ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ بِآيَاتِهِ ، لَا تَسْتَطِيعُ عُقُولُ الْمُتَفَكِّرِينَ جَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِطْرَتَهُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَهُوَ الصَّانِعُ لَهُنَّ ، فَلَا مَدْفَعَ لِقُدْرَتِهِ ، الَّذِي نَأى مِنَ الْخَلْقِ ، فَلَا شَيْءَ كَمِثْلِهِ ، الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ لِعِبَادَتِهِ ، وَأَقْدَرَهُمْ عَلى طَاعَتِهِ بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ ، وَقَطَعَ عُذْرَهُمْ بِالْحُجَجِ ، فَعَنْ بَيِّنَةٍ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ ، وَبِمَنِّهِ نَجَا مَنْ نَجَا ، وَلِلّهِ الْفَضْلُ مُبْدِئا وَمُعِيدا . ثُمَّ إِنَّ اللّه َ _ وَلَهُ الْحَمْدُ _ افْتَتَحَ الْحَمْدَ لِنَفْسِهِ ، وَخَتَمَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَمَحَلَّ الْاخِرَةِ بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ ، فَقَالَ : «وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ» . الْحَمْدُ لِلّهِ اللَابِسِ الْكِبْرِيَاءِ بِلَا تَجْسِيدٍ ، وَالْمُرْتَدِي بِالْجَلالِ بِلَا تَمْثِيلٍ ، وَالْمُسْتَوِي عَلَى الْعَرْشِ بِلا زَوَالٍ ، (4) وَالْمُتَعَالِي عَلَى الْخَلْقِ بِلَا تَبَاعُدٍ مِنْهُمْ وَلَا مُلَامَسَةٍ مِنْهُ لَهُمْ ، لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُنْتَهى إِلى حَدِّهِ ، وَ لَا لَهُ مِثْلٌ ؛ فَيُعْرَفَ بِمِثْلِهِ ، ذَلَّ مَنْ تَجَبَّرَ غَيْرَهُ ، وَصَغُرَ مَنْ تَكَبَّرَ دُونَهُ ، وَتَوَاضَعَتِ الْأَشْيَاءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَانْقَادَتْ لِسُلْطَانِهِ وَعِزَّتِهِ ، وَكَلَّتْ عَنْ إِدْرَاكِهِ طُرُوفُ الْعُيُونِ ، وَقَصُرَتْ دُونَ بُلُوغِ صِفَتِهِ أَوْهَامُ الْخَلَائِقِ ، الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا قَبْلَ لَهُ ، وَالْاخِرِ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا بَعْدَ لَهُ ، الظَّاهِرِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ بِالْقَهْرِ لَهُ ، وَالْمُشَاهِدِ لِجَمِيعِ الْأَمَاكِنِ بِلَا انْتِقَالٍ إِلَيْهَا ، لَا تَلْمِسُهُ لَامِسَةٌ ، وَلَا تَحُسُّهُ حَاسَّةٌ «هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» أَتْقَنَ مَا أَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْأَشْبَاحِ كُلِّهَا ، لَا بِمِثَالٍ سَبَقَ إِلَيْهِ ، وَلَا لُغُوبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي خَلْقِ مَا خَلَقَ لَدَيْهِ ، ابْتَدَأَ مَا أَرَادَ ابْتِدَاءَهُ ، وَأَنْشَأَ مَا أَرَادَ إِنْشَاءَهُ عَلى مَا أَرَادَ مِنَ الثَّقَلَيْنِ : الْجِنِّ وَالْاءِنْسِ ؛ لِيَعْرِفُوا بِذلِكَ رُبُوبِيَّتَهُ ، وَتَمَكَّنَ فِيهِمْ طَاعَتُهُ ، نَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا عَلى جَمِيعِ نَعْمَائِهِ كُلِّهَا ، وَنَسْتَهْدِيهِ لِمَرَاشِدِ أُمُورِنَا ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، وَنَسْتَغْفِرُهُ لِلذُّنُوبِ الَّتِي سَبَقَتْ مِنَّا ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِيّا دَالًا عَلَيْهِ ، وَهَادِيا إِلَيْهِ ، فَهَدى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَاسْتَنْقَذَنَا بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ ؛ «مَنْ يُطِعِ اللّه َ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا عَظِيما» وَنَالَ ثَوَابا جَزِيلاً ؛ وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ وَرَسُولَهُ ، فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا ، وَاسْتَحَقَّ عَذَابا أَلِيما ، فَأَبْخِعُوا 5 بِمَا يَحِقُّ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِخْلَاصِ النَّصِيحَةِ وَحُسْنِ الْمُؤَازَرَةِ ، وَأَعِينُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ بِلُزُومِ الطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ ، وَهَجْرِ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ ، وَتَعَاطَوُا الْحَقَّ بَيْنَكُمْ ، وَتَعَاوَنُوا بِهِ دُونِي ، وَخُذُوا عَلى يَدِ الظَّالِمِ السَّفِيهِ ، وَمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاعْرِفُوا لِذَوِي الْفَضْلِ فَضْلَهُمْ ، عَصَمَنَا اللّه ُ وَإِيَّاكُمْ بِالْهُدى ، وَثَبَّتَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى التَّقْوى ، وَأَسْتَغْفِرُ اللّه َ لِي وَلَكُمْ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر و غيره ، عمّن ذكره ، عن عمرو بن ثابت ، عن رجل سمّاه» .
2- . في الكافي المطبوع : «قد كتبتها» .
3- . في الكافي المطبوع : «لأنّه» .
4- . في الكافي المطبوع : «بغير زوال» .

ص: 352

. .

ص: 353

هديّة :«السبيع» كأمير : أبو بطن من همدان . في القاموس : منهم الإمام أبو إسحاق عمرو بن عبداللّه . ومحلّة بالكوفة منسوبة إليهم أيضا . (1) «عجب» كعلم ، و«تعجّب» بمعنى . (من حسن صفته) أي وصفه وثنائه . (وما ذكره) أي ومن حسن ما ذكره ، فعطف تفسير على صفته . «أمليت» الكتاب و«أمللته» بمعنى أي قرأته . (لا يموت) ؛ إذ الموت والحياة من مخلوقاته ؛ «خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» . (2) (عجائبه) أفاعيله ، أي أفعاله العجيبة ؛ لأنّ كلّ يوم من أيّام الدنيا والآخرة . (مشاركا) يحتمل فتح الراء وكسرها والفتح أولى . والولد مشارك لوالده في شرفه وعزّه . (هالكا) مفعول ل«الموروث» بمعنى الوارث ؛ إذ الموروث بمعنى الموصول إليه الميراث . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فيكون موروثا هالكا» لهلاك كلّ حادث ، وحدوث كلّ مولود . (3) (ولم تقع عليه الأوهام) أي بالإحاطة . (ماثلاً) أي شبيها . شبّهه بالأشباح المدركة بالأذهان . قال برهان الفضلاء : وقوع الوهم على شيء عبارة عن تصوّره باسم غير مشتقّ . و«الماثل» : شبيه الشيء في اسم غير مشتقّ . (حائلاً) أي متغيّرا ، من حال يحول ، إذا تغيّر عن حاله . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «خايلاً» بالمعجمة . قال : أي فيكون بعد انتقاله تعالى عن ذلك من مقابلتها وما في حكمها «خايلاً» أي ذا خيال وصورة متمثّلة في المدرك . (4) وقال برهان الفضلاء : يعني بعد انتقالها عنه ومرور الأيّام متغيّرا عن حال إلى حال . (نهاية) أي ليس لأوّليّته أوّل ولا لآخريّته آخر ؛ لأزليّته وأبديّته سبحانه . (لم يسبقه) ؛ إذ الوقت من مخلوقاته . و«التعاور» : التناوب . (ولا يوصف) أي لا يقع الجواب بوضعٍ وكيفٍ عن السؤال عن أينه وحقيقته . (ومكان) ؛ لأنّ الأين والمكان من مخلوقاته وحقيقته لا تدرك لمخلوق . (بطن من خفيّات الاُمور) أي أخفى من كلّ خفيّ بالعدم السبيل لدركٍ إلى ذاته ، وأظهر من كلّ ظاهر بآثاره وآياته . (بحدّ) أي بمعرّف لتمام حقيقته أو بعضها . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «ولا بنغض» بالنون والغين والضاد المعجمتين ، أي ولا بحركة وانتقالٍ من حالٍ إلى حال . (5) وقال برهان الفضلاء : أي فلم يصفوه باسم غير مشتقّ يكون تمام حقيقته ولا باسم غير مشتق يكون بعض حقيقته . (ودلّت عليه بآياته) أي اُممهم بآيات ربوبيّته ، وإشارة إلى قوله تعالى في سورة الشعراء : «قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا» (6) ، وفي سورة طه : «قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» . (7) (فلا مدفع لقدرته) حتى يثبتون إيجابه ، أو ينسبون التدبير إلى الطبائع . (وأقدرهم) : أعطاهم القدرة . في بعض النسخ _ كما في توحيد الصدوق رحمه الله _ : «وعن بيّنة» (8) مكان «وبمنّه» . (و للّه الفضل) أي التفضّل والكرم . (ومعيدا) أي لهم ليوم الحساب . (افتتح الحمد لنفسه) ناظر إلى قوله : «وللّه الفضل مبدئا» كنظيره إلى قوله : «معيدا» . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ومعيدا» حيث لطف بهم ومنَّ عليهم بالحجج من النبيّ والوصيّ . (9) قيل : «افتتح» أي في القرآن . وقال برهان الفضلاء : أي أبواب عبادة الخلق له تعالى ، بمعنى ترغيبهم إليها بجعله فاتحة الكتاب لازمة لصلاتهم . (ومحلّ الآخرة) : مصدر ميمي بمعنى الحلول . وقال برهان الفضلاء : «ومحلّ الآخرة» بفتح الميم وسكون الحاء شدّتها وصعوبتها . (فقال : «وقُضِىَ بَيْنَهُم» ) في سورة الزمر . (10) في بعض النسخ : «بلا تجسّد» على التفعّل مكان التفعيل . وكذا «بلا تمثّل» . وقد سبق معنى الاستواء على العرش . (ينتهى) على ما لم يسمّ فاعله . (إلى حدّه) : إلى كنهه . (وكلّت) : عجزت . و«الطروف» : جمع الطّرف ، وهو تحريك الجَفْن (11) بالنظر . (بالقهر له) أي بالتسلّط والغلبة ، أو اللام للاختصاص ، والضمير له سبحانه . (والمشاهد) أي الحاضر . وقد ذكرت آية «هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ» (12) في الثاني عشر في الباب التاسع عشر . (من الأشباح كلّها) أي من الأعيان كلّها . و«اللغوب» : الإعياء والتعب . و«الإرادة» في (على ما) بمعنى الطلب التكليفي . (وتمكّن) على المضارع الغائبة بحذف إحدى التائين . و«المحامد» : جمع محمدة بكسر الميم الثانية ، وتفتح مصدر ميمي بمعنى الحمد . (كلّها) : مبالغة في التأكيد ؛ للشمول . و«النّعماء» بالفتح والمدّ: النعمة . و«المراشد» : جمع المرشد كمنصب ، من الرُّشد بمعنى استواء الطريق واستقامتها . (فهدى به) مكان «فهدانا» _ كما يقتضيه السياق _ دلالة على أنّ الهداية هنا بمعنى إراءة الطريق ، وإشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» (13) ، وإلى أنّ الهداية المنفيّة في هذه الآية بمعنى الاستنقاذ والإيصال إلى المطلوب . (ومن يعص اللّه ورسوله) أيّ عصيان أفحش؟ وأيّ كفر أغلظ؟ وأيّ عناد أفضح؟ وأيّ قول أقبح؟ وأيّ طريق أهلك من القول بولاية من ادّعى الربوبيّة لنفسه كحلّاج القدريّة وجنيدهم وبسطاميّهم. (فابخعوا بما يحقّ عليكم) بالمفردة ثمّ المعجمة ثمّ المهملة ؛ أي فبالغوا في أداء ما يجب عليكم . قال ابن الأثير في نهايته : فيه: أتاكم أهل اليمن أرقّ قلوبا وأبخع طاعةً ؛ أي أبلغ وأنصح في الطاعة من غيرهم ، كأنّهم بالغوا في بَخْع أنفسهم ، أي قهرها وإذلالها بالطاعة . (14) الجوهري : بخع بالحقّ خضع له وأقرَّ به . (15) ونحوه في القاموس . (16) وضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فأنجعوا» بالنون والجيم والمهملة ، على الأمر من الإفعال . قال : «الإنجاع» : الوصول إلى المطلب . ولم أقف على مأخذه . وفي كتب اللغة : نجع الطعام : هنّأ أكله ، والوعظ فيه : دخل وأثّر . وانتجع : طلب الكلأ في موضعه . (17) فلعلّه قصد لازم المعنى . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فانجعوا بما يحقّ عليكم » أي فأفلحوا بما يجب عليكم من الأخذ سمعا وطاعةً وإخلاص النصيحة ، وأن لا تغشّ بخدعة وميل إلى الفساد والضلال، «وتناولوا الحقّ بينكم» . (18) و«الموازرة» : المعاونة . و(المكروهة) هنا بمعنى الممنوعة . (دوني) قيل: أي من غير مراجعة إليّ في كلّ أمر أمر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «دوني» أي عندي وقريبا منّي ، أو قبل الوصول إليّ . (19) وقال برهان الفضلاء : «دوني» أي عندي . ومن الظالمين السفهاء الشيعة المبتلى بالتصوّف؛ مغترّا بما ترى ظاهرا في الصوفي من العزلة والخضوع والاستكانة ومداومة الذكر والسهر وترك الدنيا وغيرها من الأعمال الحسنة ، والتصوّف كوسخ حديد رُصّع بالجواهر النفيسة، وهو من غوامض أفكار الشيطان في أواخر عمره بعد تفريقه الاُمّة على بضع وسبعين فرقة ، (20) وعلمه بأنّ الناجية منهم لا يتهوّد بوسوسته ولا يتنصّر مثلاً وقلّما تهلك بالمعصية ؛ لمكان الزيارات والشفاعات وانفتاح أبواب التوبة إلى المعاينة .

.


1- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 36 (سبع) .
2- . الملك (67) : 2 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 462 .
4- . المصدر .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 463 .
6- . الشعراء (26) : 23 _ 24 .
7- . طه (20) : 49 _ 50 .
8- . التوحيد، ص 32، باب 2، ح 1.
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 464 .
10- . الزمر (39) : 75 .
11- . «الجَفْن» بفتح الجيم وسكون الفاء : جفن العين وهو غطاؤها من أعلاها ومن أسفلها . مجمع البحرين ، ج 6 ، ص 225 (جفن) .
12- . الزخرف (43) : 84 .
13- . القصص (28) : 56 .
14- . النهاية ، ج 1 ، ص 258 (بخع) .
15- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 3 (بخع) .
16- . الصحاح، ج 3، ص 183 (بخع).
17- . الصحاح ، ج 3 ، ص 1288 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 87 (نجع) .
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 466 .
19- . المصدر .
20- . إشارة إلى حديث الافتراق الذي رواه الخاصّة والعامّة . راجع الوسائل ، ج 27 ، ص 49 ، ح 33180 ؛ البحار ، ج 36 ، ص 336 ، ح 198 ؛ وج 28 ، ص 29 _ 30 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 608 ، ح 4597 ؛ سنن ابن ماجه ، ج 2 ، ص 1322 ، ح 3993 ؛ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 145 ، ح 12501 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 4 ، ص 477 ، ح 8325 .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

باب النوادر

الباب الثالث والعشرون : بَابُ النَّوَادِرِوأحاديثه كما في الكافي أحد عشر .

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ النَّصْرِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عزّوجلّ : «كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» فَقَالَ :«مَا يَقُولُونَ فِيهِ؟» قُلْتُ : يَقُولُونَ : يَهْلِكُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَا وَجْهَ اللّه ِ ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللّه ِ! لَقَدْ قَالُوا قَوْلاً عَظِيما ، إِنَّمَا عَنى بِذلِكَ وَجْهه (2) الَّذِي يُؤْتى مِنْهُ» .

هديّة :المراد ب«النوادر» في العنوان طائفة من الأحاديث الغريبة القريبة من أحاديث التوحيد . (عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة القصص . (3) (قولاً عظيما) بتفسيرهم من عندهم ، وإرادتهم من الوجه الذات ، أو عضوا من الأعضاء تعبيرا بالخبر عن الكلّ . قال برهان الفضلاء : فإنّ اسم الفاعل في المستقبل مجاز بالاتّفاق والتجزّي من لوازم المخلوق ، فاسم الفاعل في الآية ليس بمعنى المستقبل قطعا . فالمعنى كلّ إمامٍ ضالٌّ ومذهبٍ باطلٌ إلّا الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه وطريقته المستقيمة . وقالت الصوفيّة في تفسير هذه الآية للوجود وجهان ؛ وجه الباقي ، ووجه تشكّلاته الفاني . فلقد قالوا قولاً عظيما . و(وجهه الذي يؤتى منه) إنّما هو المعصوم وصراطه المستقيم . وقال بعض المعاصرين : في حديث آخر جعل الضمير راجعا إلى شيء ، وفسّر الوجه بالذات . (4) في بعض النسخ : «وجه اللّه الذي يؤتى منه» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن النعمان ، عن سيف بن عميرة ، عمّن ذكره» .
2- . في الكافي المطبوع : «وجه اللّه » .
3- . القصص (28) : 88 .
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 418 .

ص: 360

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» قَالَ :«مَنْ أَتَى اللّه َ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَهْلِكُ ، وَكَذلِكَ قَالَ : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ» » .

هديّة :(بما أمر به) يحتمل المعلوم وخلافه . و(لا يهلك) على المعلوم من باب ضرب ، أو خلافه من الإفعال . وقرأ برهان الفضلاء على غير المعلوم من التفعيل . هلّكه تهليكا : نسبه إلى الهلاك . قال : والمراد البطلان . (وكذلك قال) أي بإرادة الحصر في سورة النساء (2) : ( «مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ» ) فسّر ب : في جميع ما جاء به صلى الله عليه و آله وسلموأهمّه الإمامة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . في جميع النسخ: «النور» بدل «النساء»، ولكنّ الصحيح ما اُثبت. نعم، الوارد في سورة النور (24): 52 هكذا: «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» الآية .

ص: 361

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سلام ، (2) عَنْ أَبِي سَلَامٍ النَّخَّاسِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«نَحْنُ الْمَثَانِي الَّتِي أَعْطَاها اللّه ُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، وَ نَحْنُ وَجْهُ اللّه ِ نَتَقَلَّبُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، وَنَحْنُ عَيْنُ اللّه ِ فِي خَلْقِهِ ، وَيَدُهُ الْمَبْسُوطَةُ بِالرَّحْمَةِ عَلى عِبَادِهِ ، عَرَفْنَا مَنْ عَرَفَنَا ، وَجَهِلْنَا مَنْ جَهِلَنَا وَإِمَامَةَ الْمُتَّقِينَ» .

هديّة :(نحن المثاني) ناظر إلى قوله تعالى في سورة الحجر : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» ، (3) فسبعا بحسب أسمائهم عليهم السلام : عليّ وفاطمة والحسن والحسين ومحمّد وجعفر وموسى . والمثاني : القرآن . يعني نحن المعصومون بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالقرآن الناطق . القاموس : والمثاني : القرآن ، أو ما ثنّي منه مرّة بعد مرّة ، أو الحمد ، أو البقرة إلى براءة ، أو كلّ سورة دون الطوال ودون المأتين وفوق المفصّل . واحدها مثنى . (4) الجوهري : والمثاني من القرآن: ما كان أقلّ من المأتين، وتسمّى فاتحة الكتاب مثاني ؛ لأنّها تثنّى في كلّ ركعة ، ويسمّى جميع القرآن مثاني أيضا ؛ لاقتران آية الرحمة بآية العذاب . (5) وقال الصدوق رحمه الله : معنى قوله عليه السلام : «نحن المثاني» أي نحن الذين قرننا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إلى القرآن وأوصى بالتمسّك بالقرآن وبنا وأخبر اُمّته إنّنا لا نفترق حتّى نردّ عليه حوضه . (6) وفي واحد «مثاني» أقوال ؛ فقيل : واحدها «مثنى» بمعنى اثنين اثنين . وقيل : «المثناة» من التثنية وقيل : «مثنية» من الثناء . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «المثاني» جمع «مثناة» بفتح الميم وسكون المثلّثة وفتح النون . قبل الألف وتاء التأنيث : اسم مكان ، بمعنى موضع التكرار . وصيغة منتهى الجموع للكثرة ، يعني الآيات الكثيرة التي نهي فيها عن تبعيّة الرأي والظنّ . و«أعطاها اللّه » إشارة إلى حديث النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «واُعطيت المثاني مكان الزبور» ، (7) أو إشارة إلى قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعا مِنْ الْمَثَانِي» ، (8) أي من جملة الآيات الكثيرة التي هي موضع التأكيد والتكرار . ثمّ قال : والمشهور أنّ المراد بالآيات السبع سورة فاتحة الكتاب ؛ لاشتمالها على ثناء اللّه بصفات الربوبيّة التي لها دلالة صريحة على وجوب وجود إمام مفترض الطاعة عالم بجميع الأحكام في كلّ زمان ؛ ليكون مصداقا لربوبيّة ربّ العالمين . فالمعنى نحن الأئمّة أهل البيت مدلولون للمثاني التي أعطاها اللّه نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : إن كان المراد بالمثاني كتاب اللّه وكلامه المجيد أو ما ثنّي منه ، فكون الأئمّة عليهم السلام مثاني باعتبار استقرار كلام اللّه في أنفسهم واشتمالهم عليه وإحاطتهم العلميّة به ، كقول أمير المؤمنين عليه السلام : «أنا كلام اللّه الناطق» . (9) وإن كان المقصود ما بعد الأوّل من جنسه ، فكونهم عليهم السلام من جنسه مثاني باعتبار أنّ كلّ واحد منهم عالم بما اُنزل عليه صلى الله عليه و آله ومتخلّق بأخلاقه يحصل منه الهداية وتعليم علوم الشرائع للناس وانتشارها منه ؛ وذلك من حيث الإمامة لا الرسالة ، وكان في بيته إلى أواخر زمان السابع من الأئمّة كاظمهم عليهم السلام ، ثمّ اشتدّت التقيّة في آخر زمانه ، وحيل بينهم بعد ذلك وبين الأئمّة عليهم السلام (10) بالحبس أو ما يقوم مقامه من التقيّة الشديدة ، وكان بمنزلة الغيبة حتّى لا يتمكّن الطالبون من الاُمّة من سؤالهم ، ولا يتمكّنوا من بيان الحقّ لهم ، ولذا ورد في الكلام العزيز : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» . (11) (ونحن وجه اللّه ) أي وجه رحمته وجهة تقرّبه . (بين أظهركم) أي بينكم . وقال برهان الفضلاء : يعني ونحن طريق معرفة ربوبيّته تعالى بينكم ، نسير بينكم فسهل عليكم امتحاننا في دعوانا أنّ طاعتنا مفترضة على جميع من في الأرض ، وأنّ الجميع في تحت حكمنا ؛ قال اللّه تعالى في البقرة : «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه ِ» (12) . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي نحن وجه اللّه الذي اُمرتم بإتيانه منه ، نتصرّف في الاُمور في الأرض «بين أظهركم» أي وسطكم وفي معظمكم . ويحتمل «يتقلّب» على الغائب ونحن عين اللّه في خلقه ؛ قيل : أي مصطفاه وصفوته . (13) وقال برهان الفضلاء : و«العين» إشارة إلى النظر بالمرحمة ، و«اليد» إلى مسّها على الرأس بالرعاية . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي ينظر بنا إليهم نظر الرحمة بولايتنا أو النقمة ببغضنا ونحن يده المبسوطة بالرحمة فبنا شملتهم الرحمة . (14) وقال بعض المعاصرين : وإنّما هم عين اللّه من حيث كونهم واسطة في رؤيته تعالى للمخلوقين باعتبارٍ ، وباعتبارٍ آخر بالعكس . (15) أقول : كأنّ زعمه أنّه بيان مرموز لا يفهمه العلماء القشريّة عندهم ، أي المنكرين للتصوّف واُصول القدريّة التي يفهم أسرارها كلّ مُشَعبذ وقّاح بل كلّ قلندر شطّاح . (عرفنا من عرفنا) أي عرفنا بطيب الولادة من عَرَفنا بالإمامة ، (وجَهِلَنا) بخبث الولادة من جَهِلَ إمامتنا . واحتمال «عَرْفنا» و«جَهِلْنا» على المتكلّم مع الغير ؛ يعني عرفنا بالميلاد الحلال من عرفنا بالإمامة ولم نعرف به من لم يعرف بها كما ترى . وقال برهان الفضلاء : يعني عرف قدرنا من عرف قدرنا ، وجهل قدرنا من جهل قدرنا وقدر إمامة المتّقين . والمراد أنّ مطلوبنا شيعتنا ولا نبالي بإنكار غيرهم ، كما قال اللّه تعالى في سورة الفرقان : «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما» (16) . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني عرفنا بهذه المعرفة «من عرفنا» بالتقوى الذي لنا بفضله وعصمته ، وعرف إمامة المتّقين «وجهلنا» بهذه من جهل ما لنا من المعرفة والتقوى والعصمة وجهل إمامة المتّقين . (17) وهذه الأوصاف خاصّة بالمعصومين المصابيح للمناهج ، وعددهم مضبوط منحصر بتقدير العزيز العليم وتدبير العدل الحكيم كالسيّارات والأبراج .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن سنان» .
3- . الحجر (15) : 87 .
4- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 309 (ثنى) .
5- . الصحاح، ج 6، ص 2296 (ثنى).
6- . التوحيد ، ص 151 ، باب 12 ، ذيل الحديث 6 .
7- . الكافي ، ج 2 ، ص 601 ، كتاب فضل القرآن ، ح 10 ؛ البحار ، ح 89 ، ص 27 ، ح 31 .
8- . الحجر (15) : 87 .
9- . التوحيد ، ص 164 ، باب 22 ، ح 1 ؛ بصائر الدرجات ، ص 64 ، باب 3 ، ح 13 . وفيهما «لسان» مكان «كلام» . البحار ، ج 30 ، ص 546 .
10- . في المصدر : «الاُمّة» .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 468 ، بتفاوت يسير .
12- . البقرة (2) : 115 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 468 .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 469 ، بتفاوت .
15- . الوافي ، ج 1 ، ص 420 _ 421 .
16- . الفرقان (25) : 74 .
17- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 469 ، بتفاوت .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ ابْنِ عَمَّارٍ : (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلِلَّهِ الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» قَالَ :«نَحْنُ _ وَاللّه ِ _ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللّه ُ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلاً إِلَا بِمَعْرِفَتِنَا» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري ومحمّد بن يحيى جميعا، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمّار».

ص: 365

هديّة :(في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأعراف . (1) «الاسم» : العلامة الدالّة على المسمّى ، وظاهر أنّ من أكمل علامات الربوبيّة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه الدالّ عليه دلالة ظاهرة والهادي إليه هداية باهرة ، فتأويل الآية كما قال عليه السلام ، وللّه الحجج المعصومون فاطلب التقرّب إليه بمعرفتهم عليهم السلام . في بعض النسخ _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني _ : «ونحن واللّه أسماء اللّه الحسنى » وقال : أي الحافظ لها ومظهرها المحيط بمعرفتها .

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ مَرْوَانَ بْنِ صَبَّاحٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِنَّ اللّه َ خَلَقَنَا ، فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا ؛ وَصَوَّرَنَا ، فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا ؛ وَجَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبَادِهِ ، وَلِسَانَهُ النَّاطِقَ فِي خَلْقِهِ ، وَيَدَهُ الْمَبْسُوطَةَ عَلى عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَوَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتى مِنْهُ ، وَبَابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَخُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ ؛ بِنَا أَثْمَرَتِ الْأَشْجَارُ ، وَأَيْنَعَتِ الثِّمَارُ ، وَجَرَتِ الْأَنْهَارُ ؛ وَبِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ السَّمَاءِ ، وَيَنْبُتُ عُشْبُ الْأَرْضِ ؛ وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللّه ُ ، وَلَوْ لا نَحْنُ مَا عُبِدَ اللّه ُ» .

هديّة :(فأحسن خلقنا) أي من الطينة الطاهرة . فإشارة إلى آية التطهير . (3) (وجعلنا عينه في عباده) أي بمنزلة عينه بدلالة خلقنا . و«الوجه» هنا مفسّر صريحا بالجهة والطريق . و«الإثمار» إفعال للصيرورة . وكذا «الإيناع» من «الينع» بتقديم الخاتمة المفتوحة على النون ، وهو نضج الثمر وإدراكه ، أي صار نضيجة . (وينبت) على المعلوم من باب نصر . و«العُشب» بالضمّ وسكون المعجمة : الكلاء الرطب . (وبعبادتنا عبد اللّه ) إمّا بمعنى أنّ حقّ عبادته سبحانه لا يصدر إلّا عن المعصوم ، أو المعنى أنّ بطاعة مفترض الطاعة تقبل العبادة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وبعبادتنا عبد اللّه » أي بمعرفتنا وعبادتنا التي بها نعرفه ونعبده ونهدي عباده إليها ونعلّمها إيّاهم عُبِد اللّه لا بغيرها عمّا يسمّيها العامّةُ معرفةً وعبادةً ، وهذه المعرفة والعبادة إنّما تكون لمن انتجبه اللّه واختاره لحملها وأفاضها عليه ، وأمر عباده بالأخذ منهم والمراجعة إليهم فيها ؛ لئلّا يضلّوا بإغواء الشيطان . (4) واحتمل برهان الفضلاء : «ولولا نحن ما عبد اللّه » على التفعيل المعلوم . فدلالة واضحة على وجوب وجود الإمام ؛ فإنّ الأعلم بالحقائق في هذا النظام صانعها ومدبّرها ألبتّة ، فانحصر الحقّ فيما أخبر به فلابدّ لامتناع الرؤية والمعاشرة الجسمانيّة من واسطة معصوم عاقلٍ عنه تعالى .

.


1- . الأعراف (7) : 180 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحُسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد ، عن الهيثم بن عبد اللّه » .
3- . الأحزاب (33) : 33 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 471 .

ص: 366

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عن ابْنِ بَزِيعٍ ، (1) عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تَبارِك وتعالى : «فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ» فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا ، وَلكِنَّهُ خَلَقَ أَوْلِيَاءَ لِنَفْسِهِ يَأْسَفُونَ وَيَرْضَوْنَ وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَا نَفْسِهِ ، وَسَخَطَهُمْ سَخَطَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمُ الدُّعَاةَ إِلَيْهِ ، وَالْأَدِلَاءَ عَلَيْهِ ، فَلِذلِكَ صَارُوا كَذلِكَ ، وَلَيْسَ أَنَّ ذلِكَ يَصِلُ إِلَى اللّه ِ كَمَا يَصِلُ إِلى خَلْقِهِ ، لكِنْ هذَا مَعْنى مَا قَالَ مِنْ ذلِكَ ، وَقَدْ قَالَ : «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّا ، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ، وَدَعَانِي إِلَيْهَا» وَقَالَ : «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ» وَقَالَ : «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» فَكُلُّ هذَا وَشِبْهُهُ عَلى مَا ذَكَرْتُ لَكَ ، وَهكَذَا الرِّضَا وَالْغَضَبُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يُشَاكِلُ ذلِكَ ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إِلَى اللّه ِ الْأَسَفُ وَالضَّجَرُ _ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَهُمَا وَأَشَبأَهُهمَا (2) _ لَجَازَ لِقَائِلِ هذَا أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الْخَالِقَ يَبِيدُ يَوْما مَا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَهُ الْغَضَبُ وَالضَّجَرُ ، دَخَلَهُ التَّغَيُّرُ ، وَإِذَا دَخَلَهُ التَّغَيُّرُ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ الْاءِبَادَةُ ، ثُمَّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُكَوِّنُ مِنَ الْمُكَوَّنِ ، وَلَا الْقَادِرُ مِنَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ، وَلَا الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، تَعَالَى اللّه ُ عَنْ هذَا الْقَوْلِ عُلُوّا كَبِيرا ؛ بَلْ هُوَ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ لَا لِحَاجَةٍ ، فَإِذَا كَانَ لَا لِحَاجَةٍ ، اسْتَحَالَ الْحَدُّ وَالْكَيْفُ فِيهِ ، فَافْهَمْ إِنْ شَاءَ اللّه ُ تَعَالى» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع» .
2- . في الكافي المطبوع : «وأنشأهما» .

ص: 367

هديّة :(في قول اللّه تبارك وتعالى) في سورة الزخرف . (1) و«الأسف» محرّكة : أشدّ الحزن . أسف على ما فاته كعلم وتأسّف بمعنى . وأسف أيضا عليه : غضب ، وآسفه إيسافا : أغضبه ، أسفونا : أغضبونا . أي صاروا بأعمالهم باعثين على أن نغضب عليهم وننتقم منهم . (أولياء لنفسه) : حججا معصومين ممتازين عن الجميع حسبا ونسبا . (وهم مخلوقون مربوبون) ردّ على القدريّة ؛ إذ بعد الاتّصال على رأيهم الفاسد لا مخلوق قبل الممات أيضا . (فلذلك) أي فلانحصار وصف الاصطفاء والاجتباء فيهم . (صاروا كذلك) أي مختصّين بالإضافات المذكورة . (وليس أنّ ذلك) بفتح الهمزة وتشديد النون ، أي وليس المعنى أنّ ذلك . (وقد قال) في الحديث القدسي : (مَن أهان لي وليّا ...) الحديث . وآية ( «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ» ) في سورة النساء ، (2) وتاليها في سورة الفتح . (3) (على ما ذكرت لك) على الوجه الذي ذكرت . (وهكذا الرِّضا والغضب) قد سبق أنّهما وأمثالهما من صفات الفعل وهي أفعال حادثة . قال السيّد الأجلّ النائيني : قد مرّ مرارا أنّه سبحانه لا يتّصف بصفات المخلوق ، فإطلاق الأسف فيه سبحانه إمّا تجوّز باستعماله في صدور الفعل الذي يترتّب فينا مثله على الأسف ، وإمّا مجاز في الإسناد ، أو من مجاز الحذف كما حمله عليه السلام في هذا الحديث . (4) (والضجر) بالتحريك : السامّة . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وأنشأهما» مكان (وأشباههما) ثمّ قال : وفي بعض النسخ : «وأشباههما» . «بادَ» : زالَ وهلك ، و«الإبادة» : الإهلاك ، قيل : ولعلّ هنا للصيرورة كما يدلّ عليه كلام برهان الفضلاء ؛ حيث فسّرها بالهلاك والزوال . أقول : المضبوط في عامّة النسخ : (التغيير) على التفعيل في الموضعين ، فالمناسب «الإبادة» بمعنى الإهلاك ، وأيضا دخول الضجر من سِمات المخلوق ، فالإدخال والتغيير والإبادة من الغير . (دخله التغيير) أي من حال إلى حال . (لم يعرف المكوّن) أي الخالق الغني من جميع الجهات . (من المكوّن) أي المخلوق المحتاج كذلك ؛ فإنّ المتّصف بالتغيّر ممكن فناقص محتاج إلى مكوّن واجب الوجود لذاته ، غنيّ قادرٍ على كلّ شيء ؛ لكماله من جميع الجهات باستجماعه جميع صفات الكمال . (لا لحاجة) أي لا لنقص من جهة الإمكان والاحتياج . ف(استحال الحدّ) أي التناهي والكيف ؛ إذ كلّ منهما خاصّ بالمتناهي في ذاته . (لا لحاجة) أي منه إلى خلقه في وجوده ، أو كمالاته ؛ لكونه المبدأ الأوّل الأزلي السرمدي الأحديّ المتقدّس عن التكثّر بجهة من الجهات كالفعليّة والقوّة وغيرها، (فإذا كان) كذلك (استحال) عليه (الحدّ) الموقوف على الماهيّة الإمكانيّة (والكيف . فافهم إن شاء اللّه تعالى) . قال برهان الفضلاء : حاصل الاستدلال أنّ شيئا من الكيف لا يمكن أن يكون واجب الوجود ؛ لاحتياجه إلى محلّه ، فممكن بالذات ، وكلّ ممكن حادث مدبَّرٌ بتدبير مُحْدِثِه ، فيستحيل أن يكون خالق العالَمْ ذا كيف ، فإنّ كيفه يكون إذا حادثا بتدبيره ، فيكون الخالق في كماله محتاجا إلى غيره وهو كيفه ، وذلك نقص ينافي الوجوب بالذات باتّفاق أهل الإسلام والزنادقة من الفلاسفة ، وينافي أيضا الخالقيّة باتّفاق أهل الإسلام . فظهر من هذا التقرير أنّ «لأنّه» إلى آخره إشارةٌ إلى الاستدلال الذي مقدّماته مشتركة بين أهل الإسلام والزنادقة . و«ثمّ لم يعرف» إلى آخره إشارةٌ إلى قسم آخر من الاستدلال وهو مختصّ بأهل الإسلام ، فلمّا كان الفرق بينهما دقيقا قال عليه السلام «فافهم إن شاء اللّه » .

.


1- . الزخرف (43) : 55 .
2- . النساء (4) : 80 .
3- . الفتح (48) : 10 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 471 .

ص: 368

. .

ص: 369

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عن البزنطي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ _ ابْتِدَاءً مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْأَلَهُ _ :«نَحْنُ حُجَّةُ اللّه ِ ، وَنَحْنُ بَابُ اللّه ِ ، وَنَحْنُ لِسَانُ اللّه ِ ، وَ نَحْنُ وَجْهُ اللّه ِ ، وَنَحْنُ عَيْنُ اللّه ِ فِي خَلْقِهِ ، وَ نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اللّه ِ فِي عِبَادِهِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر» .

ص: 370

هديّة : (1)يعني نحن أهل البيت المعصومون المنصوصون الممتازون حسبا جميع الأحساب ، ونسبا إلى آدم عليه السلام ذلك تقدير العزيز العليم ليميز الخبيث من الطيّب . وقد علم منّا آنفا بيان «الباب» و«اللّسان» و«الوجه» و«العين» . و«الولاة» : جمع الوالي بمعنى الحاكم . قال برهان الفضلاء : والمراد من «أمر اللّه » هنا : كتاب اللّه ، كما في قوله تعالى في سورة الشورى : «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا» (2) ، والروح فيها فسّر بما به الحياة الباقيّة . قال السيّد الأجلّ النائيني : هذا القول يعني «ونحن ولاة أمر اللّه في عباده» منه عليه السلام كقول أبي عبداللّه عليه السلام في الحديث السابق : (3) «ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة» . (4)

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عن البزنطي ، (5) عَنْ حَسَّانَ الْجَمَّالِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي هَاشِمُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ الْجَينيُّ ، (6) قَالَ : سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ :«أَنَا عَيْنُ اللّه ِ ، وَأَنَا يَدُ اللّه ِ ، وَأَنَا جَنْبُ اللّه ِ ، وَأَنَا بَابُ اللّه ِ» .

هديّة :«جين» بالجيم كصين : اسم رجل . وقيل : نسبة إلى «حُبين» كزبير بالمهملة والمفردة اسم رجل . وقيل : إلى «حنين» كذلك بالنون بدل المفردة . قيل : «الجنب» عبارة عن كنف الحماية كما يستفاد من التالي . وقال برهان الفضلاء : يعني أنا مذكور في جنب اللّه كما في آيتي الولاية والإطاعة : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ» الآية ، «أَطِيعُواْ اللَّهَ» الآية .

.


1- . اقتباس من الآية 96 الأنعام (6) : والآية 37 من الأنفال (8) .
2- . الشورى (42) : 52 .
3- . أراد الحديث الخامس من الباب .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 473 .
5- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
6- . في الكافي المطبوع : «الجنبيّ» .

ص: 371

الحديث التاسعروى في الكافي، بإسناده ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، (1) عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ : عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «يَ_حَسْرَتَى عَلَى مَافَرَّطتُ فِى جَنم_بِ اللَّهِ» قَالَ :«جَنْبُ اللّه ِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه ، وَكَذا (2) مَا كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ بِالْمَكَانِ الرَّفِيعِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلى آخِرِهِمْ» .

هديّة :(في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الزمر (3) حكايةً عن أهل النار . في بعض النسخ _ : كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وكذلك» مكان «كذا» وقال : يعني الأوصياء الإثني عشر جميعا مذكورون في جنب اللّه ، كما في آيتي الولاية ، (4) والطاعة . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني أنّ المراد بجنب اللّه الحجج عليهم السلام في كلّ اُمّة ، وفي هذه الاُمّة المرحومة أمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء من بعده إلى آخرهم صاحب الزمان عليهم السلام . (6) (بالمكان الرفيع) أي المخصوص بالإمامة . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع» .
2- . في الكافي المطبوع : «كذلك» .
3- . الزمر (39) : 56 .
4- . . المائدة (5): 55 .
5- . النساء (4) : 59 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 473 . وفيه - : «إلى آخرهم صاحب الزمان عليه السلام » .
7- . المائدة (5): 55؛ النساء (4): 59.

ص: 372

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنِ الْحَكَمِ وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ حَبِيبٍ ، عَنْ الْعِجْلِيِّ ، (2) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«بِنَا عُبِدَ اللّه ُ ، وَبِنَا عُرِفَ اللّه ُ ، وَبِنَا وُحِّدَ اللّه ُ ، وَمُحَمَّدٌ حِجَابُ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالى» .

هديّة :قد علم بيان (بنا عُبِدَ اللّه ) ونظيريه في هديّة الخامس . (ومحمّد حجاب اللّه ) أي أوّلنا وأقدم الحجج في التوسّط بين اللّه وبين خلقه للدلالة إلى ما هو الحقّ والهداية إلى الصراط المستقيم ، ونوره صلى الله عليه و آله أوّل الأنوار المخلوقة وأقدمها ومنتهاها نور الحجاب ، فلا واسطة بينهما من سائر مخلوقاته سبحانه . وفسّر برهان الفضلاء «الحجاب» بالرسول ، من الحجابة بمعنى الرسالة ، وظاهر بيانه أنّه قرأ على صيغة المبالغة ، قال : يعني رسول اللّه والواسطة بين اللّه وبين خلقه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله أي هو الواسطة والحائل بين اللّه وبين كلّ خلقه ، وكما لا يمكن الوصول إلى المحبوب إلّا بالوصول إلى حجابه كذلك هو صلى الله عليه و آله بالنسبة إلى جميع خلقه حتّى الأئمّة عليهم السلام والأرواح النوريّة . أو المراد أنّ نفسه صلى الله عليه و آله النور المشرق منه سبحانه ، وأقرب شيء منه كما يدلّ عليه قوله عليه السلام : «أوّل ما خلق اللّه نوري» (3) ومنه الحجاب لنور الشمس .

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، (4) عَنْ مُوسَى بْنِ قَادِمٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ مَا ظَ_لَمُونَا وَ لَ_كِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تَعَالى أَعْظَمُ وَأَعَزُّ وَأَجَلُّ وَأَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُظْلَمَ ، وَلكِنَّهُ خَلَطَنَا بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ ظُلْمَنَا ظُلْمَهُ ، وَوَلَايَتَنَا وَلَايَتَهُ ؛ حَيْثُ يَقُولُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ» يَعْنِي الْأَئِمَّةَ مِنَّا» . ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : «وَمَا ظَلَمُونَا وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور» .
2- . في الكافي المطبوع : «بريد العجلي» .
3- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 99 ، ح 140 ؛ وعنه في البحار ، ج 1 ، ص 97 ، ح 7 ؛ وعن جابر في ج 15 ، ص 24 ، ح 44 . وقريب منه في معاني الاخبار ، ص 306 ، ح 1 ؛ الخصال ، ص 481 ، ح 55 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عبد اللّه ، عن عبد الوهّاب بن بشر» .

ص: 373

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة البقرة . (1) (وأمنع) وأرفع . (خلطنا) على المعلوم من باب نصر؛ حيث يقول في سورة المائدة . (2) قيل : (ثمّ قال في موضع آخر) : كلام زرارة يعني ثمّ قرأ الإمام عليه السلام في مكان آخر هذه الآية من سورة البقرة . (3) (ثمّ ذكر) وفسّر كما فسّر أوّلاً . وقال برهان الفضلاء : «في موضع آخر» يعني في سورة الأعراف . «ثمّ ذكر» يعني مضمون الآية في البقرة والأعراف بلفظ آخر ، ومثل ما قال في أواخر سورة الأعراف وهو قوله تعالى : «وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ» ؛ (4) إذ تقديم المفعول دلالة على قصر القلب . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني ثمّ قال اللّه سبحانه في موضع آخر من كتابه «وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (5) ، ثمّ ذكر سبحانه مثله في كتابه من إسناد ما لهم من الرضا والغضب والأسف وأمثالها إلى نفسه في مواضع كثيرة . (6)

.


1- . البقرة (2) : 57 ؛ الأعراف (7) : 160 .
2- . لعلّه أراد بهذا ما قاله النائيني في الحاشية على اُصول الكافي من أنّ اللّه خلط الأئمّة بنفسه وذكرهم مع ذكره، وجعل ظلمهم ظلمه وولايتهم ولايته ، واستشهد بآية الولاية. المائدة (5) : 55 .
3- . في «ب» و «ج» : + «والأعراف بلفظ آخر» .
4- . الأعراف (7) : 177 .
5- . البقرة (2) : 57 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 474 ، بتفاوت يسير .

ص: 374

باب البداء

الباب الرابع والعشرون : بَابُ الْبَدَاءِوأحاديثه كما في الكافي سبعة عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (1) عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ :«مَا عُبِدَ اللّه ُ بِشَيْءٍ مِثْلِ الْبَدَاءِ» .

هديّة :يعني مثل الإقرار بالبداء وحقّيّته ؛ فإنّه الإقرار باختصاص علم الغيب باللّه تبارك وتعالى ، وبكونه قادرا مختارا في الفعل والترك يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء . يُقال : بدا له في هذا الأمر كغزا بدوّا . والاسم : «البداء» بالفتح والمدّ ، أي نشأ وظهر له أمر آخر وحكم جديد لم يكن من قبل . قال في المصباح : بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أوّلاً . والاسم : «البداء» مثل سلام . (2) و«البداء» في أفعال اللّه : عبارة عن المحو والإثبات ؛ قال اللّه عزّ وجلّ في سورة الرعد : «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . (3) و«البداء» في حقّه تعالى حقّ بالكتاب والسنّة وإجماع أهل الحقّ وثبوت المعجزات الظاهرة الباهرة المتظافرة المتوافرة المتواترة أيضا من البراهين القاطعة لحقّيّته في حقّه تعالى . ومنها أنّه لولاه لانتفى فائدة كثير من الأوامر والنواهي لا سيّما الأمر بالدّعاء والتصدّق . وبالإقرار بحقّيّته يبطل الإيجاب كما زعمت الفلاسفة ، وكون الأفاعيل والآثار باقتضاء الطبائع كما توهّم الطبيعيّون في كلّ شيء والصوفيّة في ذات الوجود ، وقول اليهود ومن يقفوا إثرهم ؛ حيث قالوا : فرغ اللّه من الأمر ؛ (4) ولذا بالغ الحجج عليهم السلام في إثباته والحثّ على الإقرار بمثل قولهم : «ما عبد اللّه بشيء مثل البداء» . والوجه بينه وبين ما سبق في الثاني عشر من الباب الأوّل في كتاب العقل حيث قال : «يا هشام، كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما عُبد اللّه بشيءٍ أفضل من العقل» أنّ الإقرار بحقّيّة البداء في حقّه تعالى هو العقل . وبالبداء يظهر المعجزات ، فيمحو اللّه ما هو المقتضي العادي للطبائع ويثبت خلافه . وبالبداء يقطع باختصاص علم الغيب به سبحانه . والقول بحقّيّة البداء في حقّه سبحانه من خواصّ مذهب أهل البيت عليهم السلام . وتوضيح المقام : أنّ الإخبار مثلاً بصدور أمر دون الإخبار باستثنائه أو شرط صدوره أو سبب انتفائه أو تعليقه بالمشيئة بقوله : إن شئت ، أو إن شاء اللّه مع علم المخبر بالجميع لا يستلزم عدم علمه بالجميع وعنده اُمّ الكتاب . وهل يمحى إلّا ما كان ثابتا عاديّا كإحراق النار ، أو ثابتا بدون العلم بشرط انتفائه _ مثلاً _ كإماتة إسماعيل ؟ أو هل يثبت إلّا ما لم يكن ثابتا عاديّا كتكلّم الشجر والحجر ، أو لم يكن ثابتا بدون العلم بشرط صدوره كإمامة الكاظم عليه السلام ؟ والخامس عشر توضح لك خلاصة ما في الباب إن شاء اللّه تعالى ، فكما أنّه تعالى يخبر بالمحتوم يخبر بما يقع إن شاء ولا يقع إن لم يشأ . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : البداء في حقّه تعالى أن يظهر في ثاني الحال علما كان مخفيّا عنده تعالى ، وفي حقّ الخلق أن يظهر له رأي بعد أن لم يكن . فمعنى البداء في حقّه تعالى ظهور إرادة وتقدير عند الخلق لم يكن ظاهرة قبل ، سواء كان مظنونهم خلافه أو لم يكن . (5) وقال برهان الفضلاء : البداء في حقّه تعالى صدور شيء من أفعاله تعالى في وقت لم يكن ذلك الصدور قبل ذلك الوقت معلوما لغيره تعالى ، فمظنون لغيره أو مشكوك فيه . فالبداء مستلزم لمحو ظنّ الإمام إن كان ظنّه خلاف مقتضى ذلك ، ومستلزم لإثبات علم الإمام إن كان شكّ في مقتضى ذلك . وبهذا يدفع طعن الحشويّة في جملة جهالاتهم على الإماميّة: أنّ قولهم بالبداء يرجع إلى نسبة الجهل السابق وحدوث العالَم . وفي الصحيح (6) البخاري في حديث الأقرع والأبرص والأعمى : «بدا للّه أن يبتليهم» . (7) وإنّما لم يعبد اللّه بشيء مثل البداء ؛ لأنّ الإقرار به إيمان بالغيب بمعنى الإقرار باختصاص علم الغيب باللّه سبحانه . أقول : ثابت أنّ الحجّة لا يخبر إلّا بإذن اللّه وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله بأجَلِ ذلك اليهوديّ الحطّاب واُخّر بتصدّقه فأخبر النبيّ صلى الله عليه و آله بأنّ للّه بدا فيما أخبرت به للصدقة . فقول برهان الفضلاء : فالبداء مستلزم لمحو ظنّ الإمام أو إثباته ، إيماءٌ إلى ما هو الحقّ الدافع للإشكال ، كما سنتلو عليك في هديّة الخامس إن شاء اللّه تعالى . فقصده من ظنّ الإمام أنّ الإمام يعلم بعلامة باهرة أنّ المُخْبَر به بعضُ العلم أو تمامه ، فإذا كان بعضه فظنّ أو شكّ وقوعه أو لا وقوعه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : تحقيق القول في البداء أنّ الاُمور كلّها _ عامّها وخاصّها ، ومطلقها ومقيّدها ، ومنسوخها وناسخها ، مفرداتها ومركّباتها ، وإخباراتها وإنشاءاتها بحيث لا يشذّ عنها شيء _ منتقشة في اللّوح ، والفائض منه على الملائكة والنفوس العِلْويّة والنفوس السفليّة قد يكون الأمر العامّ ، أو المطلق ، أو المنسوخ حسب ما يقتضيه الحكمة الكاملة من الفَيَضان في ذلك الوقت، ويتأخّر المبيّن إلى وقت يقتضي الحكمة فَيَضانَه فيه ، وهذه النفوس العِلْويّة وما يشبهها يعبّر عنها بكتاب المحو والإثبات . والبداء عبارة عن هذا التغيّر في ذلك الكتاب من إثبات ما لم يكن مثبتا ، ومحو ما اُثبت فيه . والروايات كلّها تنطبق عليه . وبملاحظة جميعها يُهتدى إليه . وإنّما بالغوا عليهم السلام في إثبات البداء ؛ ردّا على اليهود ومن تابعهم ؛ حيث قالوا : إنّ اللّه تبارك وتعالى فرغ من الأمر ، (8) فقالوا عليهم السلام _ كما ورد به التنزيل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ» . الرعد (13): 39. وهل يمحى إلّا ما كان مثبَتا؟ وهل يثبت إلّا ما لم يكن؟ وإنّما لم يعبد اللّه بشيء مثل البداء ؛ لأنّ فيه الإقرارَ بما في كتاب اللّه ، وتصديقَه وتصديقَ أنبيائه ورسله والراسخين في العلم ، وسدّ سبيل الوساوس النفسانيّة والشيطانيّة في إنكار الأنبياء والأوصياء بالتغيّر فيما أضمروا (9) به من غير ما اُمروا بتبليغه من الشرائع إن خصّص البداء بما دون النسخ في الأوامر والنواهي ، وفيما جاءوا به مطلقا إن عمّم . (10) انتهى . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : القول في حقّه تعالى بالبداء ؛ ردّ على اليهود ؛ حيث قالوا : إنّه تعالى فرغ من الأمر ؛ لأنّه عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدّر كلّ شيء على وفق علمه . وملخّص الردّ : أنّ له تعالى إرادات حادثة ، والبداء بحسب الإرادة لا بحسب العلم المحيط بالجميع فيقدّم المؤخّر بالإرادة ويؤخّر المقدّم بالإرادة . قول المتكلّمين : إنّ إرادته أزليّة ، يعني علمه أزليّ . وإنّما لم يعبد اللّه ولم يعظّم بشيء مثل البداء ؛ لأنّ مدار استجابة الدعاء والرغبة إليه سبحانه والرهبة منه وتفويض الاُمور إليه وأمثال ذلك على ثبوت البداء في حقّه تعالى . وقال بعض المعاصرين : اعلم أنّ القوى المنطبعة الفلكيّة لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الاُمور دفعة واحدة ؛ لعدم تناهي تلك الاُمور ، بل إنّما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا وجملة فجملة مع أسبابها وعللها على نهج مستمرّ ونظام مستقرّ ؛ فإنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد إنّما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخّرة للّه ونتايج بركاتها ، فهي تعلم أنّه كلّما كان كذا كان كذا ، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمرٍ مّا في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربما تأخّر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقية الأسباب لولا ذلك السبب ولم يحصل لها العلم بذلك بعد ؛ لعدم الاطّلاع لها على سبب ذلك السبب ، ثمّ لمّا جاء أوانه واطّلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل ، فيمحى عنها نقش الحكم السابق ويثبت الآخر . (11) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة بن أعين».
2- . المصباح ، ج 1 ، ص 40 (بدا) .
3- . الرعد (13) : 38 _ 39 .
4- . تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 171 ، ذيل الآية 64 من المائدة (5) ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 98 ، ح 6 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 .
6- . كذا في جميع النسخ.
7- . صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 1276 ، ح 3277 .
8- . تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 171 ، ذيل الآية 64 من المائدة (5) ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 98 ، ح 6 .
9- . في المصدر : «بالتغيير فيما أخبروا به» مكان «بالتعيّر فيما أضمروا به» .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 475 .
11- . الوافي ، ج 1 ، ص 507 _ 508 .

ص: 375

. .

ص: 376

. .

ص: 377

. .

ص: 378

الحديث الثانيروى في الكافي ، وَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَا عُظِّمَ اللّه ُ بِمِثْلِ الْبَدَاءِ» .

هديّة :(ما عظّم اللّه ) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل ؛ فإنّ الإقرار بحقّيّة البداء في حقّه تعالى إيمان بالربّ الصانع القادر المختار الذي لا إله إلّا هو لا يعلم الغيب إلّا هو ، وبكتبه ورسله وأئمّته عليهم السلام . قال برهان الفضلاء : إنّما لم يعظّم اللّه بمثل البداء ؛ لأنّ تعظيم هذا الإقرار رأس سائر تعظيماته تعالى كما ظهر من شرح السابق . وقال الفاضل الإسترابادي : لأنّ القول بالبداء في حقّه تعالى ردّ على اليهود ؛ حيث زعموا أنّه فرغ من الأمر ؛ لأنّه عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدّر كلّ شيء على وفق علمه . وملخّص الردّ : أنّه يتجدّد له إرادات وتقديرات كلّ يوم بحسب المصالح المنظورة له تعالى . (1)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 .

ص: 379

الحديث الثالثروى في الكافي عن الثلاثة ، (1) عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَحَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ فِي هذِهِ الْايَةِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ» قَالَ : فَقَالَ :«وَهَلْ يُمْحى إِلَا مَا كَانَ ثَابِتا؟ وَهَلْ يُثْبَتُ إِلَا مَا لَمْ يَكُنْ؟» .

هديّة :(في هذه الآية) في سورة الرعد . (2) و(هل) في الموضعين للاستفهام الإنكاري . يعني هذه الآية من البراهين القاطعة على حقّية البداء في حقّه تعالى وبطلان الإيجاب وتعميم علم الغيب . (وهل يمحى إلّا ما كان ثابتا) كعلم الإمام بشيء بدون العلم بشرطه ، وكإحراق النار . (وهل يثبت إلّا ما لم يكن) كتقديم المعلوم تأخيره للغير لعدم علمه بالمانع للتأخير ؛ أو الباعث للتقديم وكتكلّم الشجر . قال السيّد الأجلّ النائيني : «وهل يمحى» استدلال منه عليه السلام بهذه الآية التي قال وتكلّم فيها بحقّيّة البداء ومحو المثبَت وإثبات ما لم يكن في كتاب المحو والإثبات . (3) يعني النفوس العلويّة وما يشبهها . وقال برهان الفضلاء : فسّر عليه السلام هذه الآية في سورة الرعد : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلَا بِإِذْنِ اللّه ِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» (4) ، وفيه إشارة إلى أنّ النزاع في الخلافة إذا وقع بين المنسوبين إلى رسول فلمّا لا يجوز له تعيين الوصيّ _ وهو آية بيّنة من آيات الربوبيّة _ إلّا بإذنه تعالى ووحيه ، فيجب الرجوع حينئذٍ إلى المعيار الذي قرّره اللّه تعالى لذلك ، وذلك أنّ لكلّ سَنَةٍ كتاب على حدة لَيعيّن فيه وقت الحوادث التي يحتاج الإمام إلى العلم بها إلى القابل ، تتنزّل الملائكة والروح فيها بذلك الكتاب على إمام الزمان ، لا على نهج الوحي لاختصاصه بالنبيّ بل على طريق التحديث ، بمعنى تذكير مقدّمات معلومة مترتّبة منتجة لِتُعيِن على استنباط أحكام متشابهات القرآن من محكماتها ؛ قال اللّه في سورة النساء : «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ» ، (5) فإن كان ما في كتاب كلّ سَنَةٍ بعضه غير مطابق لما ظنّه الإمام، فما يمحى هو ذلك الظنّ ، وإلّا فما يثبت هو علم الإمام بصيرورة شكّه علما ثابتا . واُمّ الكتاب عبارة عن كتاب وقت الظهور ظهور القائم عليه السلام . ويظهر من ذلك الكتاب مضامين جميع كتب المحو والإثبات السابقة ، كظهور الولد من بطن اُمّه . وليس مضمون ذلك الكتاب معلوما لأحد قبل القائم عليه السلام وعلمه عند اللّه إلى زمان ظهور صاحب الزمان صلوات اللّه عليه . وكما يسمّى كتاب المحو والإثبات باُمّ الكتاب يسمّى باللوح المحفوظ وبالبيت المعمور .

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .
2- . الرعد (13) : 39 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 476 .
4- . الرعد (13) : 38 _ 39 .
5- . النساء (4) : 83 .

ص: 380

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا بَعَثَ اللّه ُ نَبِيّا حَتّى يَأْخُذَ لَه (2) ثَلَاثَ خِصَالٍ : الْاءِقْرَارَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ ، وَخَلْعَ الْأَنْدَادِ ، وَأَنَّ اللّه َ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .
2- . في الكافي المطبوع : «عليه» .

ص: 381

هديّة :(الإقرار له بالعبوديّة) يعني بأنّ العبد عبد دائما حتّى أفضل الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه و آله والمعبود معبود دائما ومنزّه عن أن يكون تارةً عبدا ومعبودا اُخرى ، كما قالت الصوفيّة: إنّ وصف العبوديّة تنقلب في نهاية سلسلة العود باصطلاحهم أخذا من التناسخيّة . (وخلع الأنداد) أي بالتوحيد الخالص ونفي الشركاء في القِدَم كما زعمت الفلاسفة والثنوية والأشاعرة ومن يقفوا إثرهم . (وأنّ اللّه يقدّم ما يشاء) يعني الإقرار بأنّه قادر مختار لا يعلم الغيب إلّا هو . ليس بدّ للقدريّ أن يقول معنى هذا الحديث: إنّ اللّه ما بعث نبيّا حتّى يأخذ عليه الإقرار بكونه عبدا في سلسلة البدو ، ومعبودا في منتهى العود ، وبأنّ تشكّلاته ليست أندادا له ، وبثبوت العلم والحكم والبداء ، ونقش كلّ حادث أوّلاً للقوى المنطبعة الفلكيّة ثمّ للنفوس المرتاضة المتّصلة بالعقل الفعّال والمبادئ العالية. ولو كان جوكيّا من الجواكي لم يتفكّر ما بال ولد الزّنا حيث يمتنع نجاته من النار وإن صرف عمره في الطاعة وتتبّع الآثار . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لا يخفى ما في هذا الحديث من المبالغة في إثبات البداء بجعله ثالث الإقرار بالاُلوهيّة والتوحيد؛ ولعلّه ذلك لأنّ إنكاره يؤدّي إلى إنكاره سبحانه . (1) وقال الفاضل الإسترابادي : يقدّم ما يشاء ؛ أي يقدّره في اللوح المحفوظ أوّلاً على وجه ، ثمّ يغيّر ذلك إلى وجه آخر ، وهذا هو البداء في حقّه تعالى . (2)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 476.
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125.

ص: 382

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» قَالَ :«هُمَا أَجَلَانِ : أَجَلٌ مَحْتُومٌ ، وَأَجَلٌ مَوْقُوفٌ» .

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنعام : «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ» (2) ، قيل : «وأجل» مبتدأ خصّص بمقابلته ب«أجلاً» و«مسمّى عنده» خبره. وقيل : بل مخصّص بالصفة ، والخبر «عنده». (هما) أي الأجل المقضيّ ، والأجل المسمّى. و«الأجل المحتوم» هو الذي قضاه وعلّمه ملائكته ورسله علما تامّا ، بمعنى عدم كونه موقوفا على شرط لا يعلم مثلاً أو معلّقا بالمشيئة. و«الأجل الموقوف» هو المخزون عنده تعالى من دون أن يطّلع عليه أحد من خلقه كما في الأخبار الآتية . ولعلّ المراد بالتعليم كما قلنا ، ويجيء في السابع ونظيره: تعليم العلم بأمر تمام العلم دون الأعمّ من التعليم بتمامه وبعضه ، فلا إشكال إذا أخبر حجّة من حججه تعالى بأمر ولا يخبر إلّا بما أخبره اللّه به فظهر خلافه بدعاء أو تصدّق أو حِكْمة من حِكَم اللّه سبحانه . ومثل العلم بعضه مُخْبَر به وبعضه مخزون ، أو إخبار معلّق بالمشيئة ، فالإخبار يكون ببعض العلم دون بعض ، بخلاف التعليم فإنّه لا يكون إلّا بتمام العلم. وإنّما لا يقدح ذلك في حُجّيّة الحجّة لأنّها لا تقبل إلّا من الحجّة المعصوم المنصوص الثابت حجّيّته بآيات الحجّيّة ودلالتها . قال برهان الفضلاء : «المحتوم» ما هو المعلوم للمعصوم في ليلة القدر . و«الموقوف» ما هو المخزون عنده تعالى . فالمحتوم تفسير للمقضيّ ، والموقوف تفسير للمسمّى عنده . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «هما أجلان» فالذي قضاه مقترنا بالإمضاء «أجل محتوم»؛ لأنّه ثابت بقضائه سبحانه ، والذي سمّاه وجعله مُعْلما بالعلامات في تقديره «أجل موقوف» فإن قضاه وأمضاه حُتم ، وإن غيّره قضاء بالإمضاء حُتم غيره ولا يقع سواه . (3) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : يعني النقوش اللوح المحفوظ _ وهي المشيئة والإرادة والتقدير كما سيجيء في كلامهم عليهم السلام _ قسمان ؛ قسم حتمه اللّه تعالى ؛ أي لن يمحوه ويعمل على وفقه . وقسم موقوف حتمه على مشيئة جديدة . فعلم من ذلك تجدّد إرادته تعالى ، هذا هو معنى البداء في حقّه تعالى . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد».
2- . الأنعام (6): 2 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 476 _ 477.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 _ 126 .

ص: 383

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَوَ لَمْ يَرَ الْاءِنسَ_نُ أَنَّا خَلَقْنَ_هُ مِن قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْ_?ا» قَالَ : فَقَالَ :«لَا مُقَدَّرا وَلَا مُكَوَّنا» . قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ : «هَلْ أَتَى عَلَى الْاءِنسَ_نِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْ_?ا مَّذْكُورًا» فَقَالَ : «كَانَ مُقَدَّرا غَيْرَ مَذْكُورٍ» .

هديّة :الآية الاُولى نقل بالمعنى ، أو سهو من النسّاخ؛ فإنّها في سورة مريم هكذا : «أَوَلَا يَذْكُرُ الْاءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئا» (2) ، وفي سورة يس هكذا : «أَوَلَمْ يَرَ الْاءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» . (3) قل للقدري : ألا ترى أنّ مخلوقا من أخسّ الأشياء وأخبثها بكمال جهالته _ كفرعون _ لا يرضى بالإمامة والنبوّة ويدّعي الاُلوهيّة؟! ألم يقل ابن عربيّكم: إنّي كلّفت الإمامة وألقيت على منكبي كالرداء فلم أرض بها؟! ألم يقُل حلّاجكم ما قال بذلك الحسب والنسب ، وكذا بسطاميّكم؟! . وتفسير الآية الاُولى دلالة على أنّ المعنى: إنّا أردنا خلقه من طين أو نطفة إرادةً حادثةً بدت بعد أن لم تكن من قبل أن يولد أو يكلّف. (لا مقدّرا) بصورته بتقدير حادث بمعنى إرادة حادثة ، (ولا مكوّنا) بتمام خلقته بتكوين كذلك . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «شيئا» أي شيئا معتدّا به . «لا مقدّرا» أي بصورته «ولا مكوّنا» أي لا مسكّنا في الرحم. من التكوين بمعنى تسكين الشيء في مكان معيّن . والمراد من التفسيرين بيان جهل الخلائق بالغيب ليثبت البداء . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «لا مقدّرا و لا مكوّنا» يعني قد مضى على الإنسان وقت لم يكن هو موجودا في الأرض ، مذكورا بين أهل الأرض ، ولم يكن تقديره أيضا _ أي نقشه _ موجودا في اللّوح المحفوظ ، فعلم تجدّد إرادته تعالى وتجدّد تقديره ، وهو معنى البداء في حقّه تعالى . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالخلق في الآية إمّا التقدير ، أو الإيجاد والإحداث العيني . وعلى الأوّل معناه قدّرنا الإنسان أو وجوده ، ولم يكن تقديرا في الإنسان مسبوقا بكونه مقدّرا أو مكوّنا في فرد . وعلى الثاني أوجدناه ولم يكن إيجادا مسبوقا بتقدير سابق أزليّ ، بل بتقدير كائن ، ولا مسبوقا بتكوين سابق . وقوله : «غير مذكور» أي غير مذكور ومثبت في الكتاب الذي يقال لذلك الكتاب: كتاب المحو والإثبات ، أو غير مذكور لما تحت اللّوح المحفوظ . (5) انتهى . قد عرفت في هديّة الأوّل تفسير السيّد كتاب المحو والإثبات بالنفوس العِلْويّة وما يشبهها ، وقد سمعت أخي الصّلبي الفاضل الثقة سراج الإمام مولانا محمّد قاسم التبريزي سلّمه اللّه تعالى وكان قد تلمّذ حينا من الدهر في خدمة السيّد رحمه اللهبعد تلمّذه مدّة مديدة في ملازمة برهان الفضلاء سلّمه اللّه يقول : سمعت السيّد يقول : من أراد فلسفة غير مخالفة للإسلام فعليه بتعليقاتي هذه على اُصول الكافي .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط ، عن خَلَف بن حمّاد».
2- . مريم (19) : 67 .
3- . يس (36) : 77 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 477.

ص: 384

. .

ص: 385

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، (1) عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«الْعِلْمُ عِلْمَانِ : فَعِلْمٌ عِنْدَ اللّه ِ مَخْزُونٌ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدا مِنْ خَلْقِهِ ؛ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ ، فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ ؛ لَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ وَلَا مَلَائِكَتَهُ وَلَا رُسُلَهُ ؛ وَعِلْمٌ عِنْدَهُ مَخْزُونٌ ، يُقَدِّمُ (2) مَا يَشَاءُ ، وَيُؤَخِّرُ (3) مَا يَشَاءُ ، وَيُثْبِتُ منه (4) مَا يَشَاءُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمادّ بن عيسى ، عن ربعي بن عبد اللّه ».
2- . في الكافي المطبوع: + «منه».
3- . في الكافي المطبوع: + «منه».
4- . في الكافي المطبوع: - «منه».

ص: 386

هديّة :قد علم في هديّة الخامس أنّ الأثنينيّة في علمه تعالى إنّما هي باعتبار التعليم وعدمه ، وأنّ الإشكال لا يندفع إلّا بتخصيص التعليم بالمحتوم على ما عرفت. (لا يكذب) على المعلوم من الإفعال أو التفعيل ؛ يعني لا يجعل نفسه كاذبا عند الملائكة والرُّسل ، ولا ملائكته عند الرسل ، ولا رسله عند الناس . قال برهان الفضلاء : «لم يُطلع عليه أحدا من خلقه» كوقت ظهور القائم عليه السلام «فما علّمه ملائكته ورسله في ليالي القدر فإنّه سيكون». والبداء إنّما هو في المخزون الموقوف عنده تعالى ، إمّا مستلزم لمحو ظنّ الإمام ، أو إثبات علمه على ما سبق بيانه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «العلم علمان» إلى آخره . الحاصل : أنّ التقدير _ وهو النقش في اللوح المحفوظ _ قسمان : قسمٌ مكتوب فيه: إن شئت ، وقسمٌ ليس بمكتوب فيه ذلك . والثاني هو المحتوم. واللّه سبحانه وتعالى يُعلِّم أنبياءه المنقوش بقسميه على ما نقش ، ولا يُعلّمهم ما ليس بمنقوش من الاحتمالات الثلاثة التي سيكون في القسم الأوّل من النقش ، ثمّ إذا صار أحد الاحتمالات الثلاثة محتوما يصير منقوشا ، وحينئذٍ يعلّم أنبياءه النقش الثاني أيضا . (1) انتهى بيانه. مؤيّد لبياننا في دفع الإشكال في هديّه الخامس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لعلّ المراد به تقسيم العلم إلى علم علّمه الملائكةَ والرّسلَ للتبليغ فما فيه من الأخبار سيكون ، وعلم لم يأمر بتبليغه كالمعدود من الغيب. وهذا علمٌ مخزون لم يُنزله على أحد للتبليغ ، والمُفاض منه ومن الداخل فيه على النفوس العِلْويّة وما يتلوها يجري فيه التقدّم والتأخّر . «فما علّمه ملائكته ورسله» للتبليغ والإرسال «فإنّه سيكون» ولا يدخله التغيّر ؛ لأنّ دخول التغيّر فيما يبلّغه منه سبحانه ينجرّ إلى تكذيب المخبر به والحكيم لا يفعل ما ينقض غرضه ، وينجرّ إلى تكذيب ملائكته ورسله ، أو تكذيب نفسه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا . (2) أقول : أنت خبير بأنّ الإشكال المذكور في هديّة الخامس لا يندفع ببيانات هؤلاء الفضلاء كما ينبغي إلّا بتمحّلات بعيدة فيها ، على (3) أنّ المنسوخ من الأحكام بالتبليغ قبل النسخ وبعده فالأولى ما بيّناه من تخصيص التعليم موافقا لهذا الحديث الصريح في أنّ ما أخبر به مَلَك أو حجّة من حجج اللّه سيكون ألبتّة ولا يتغيّر بالبداء قطعا ، فالإخبار ببعض العلم قد يتغيّر لمخزونيّة تمامه ففيه البداء ، وللحجّة إذن الإخبار بالمعلّق بالمشيئة معلّقا بها صريحا أولا . وأمّا التعليم يعني الإخبار بتمامه فمحتوم لا يتغيّر أبدا. والعلم بأنّ إخبارا بأمر كذا إخبارٌ ببعض علمه أو تعليم بتمامه خاصّ بالمعصوم. وإنّما لا نكذّب المُخْبِر لو أخبر بالأوّل الذي فيه البداء فتخلّف وتغيّر؛ لأنّ حجّيّته ثابتة بالنصّ ، ودلالاتها المذكورة مفصّلة في أحاديث كتاب الحجّة ، وستعرفها ببيانها إن شاء اللّه تعالى . وقال بعض المعاصرين _ بناءً على الأصل الثابت عنده من الفلاسفة والقدريّة _ : العلم علمان؛ وذلك لأنّ صور الكائنات كلّها منتقشة في اُمّ الكتاب المسمّى باللّوح المحفوظ تارةً _ وهو العالم العقليّ والخلق الأوّل _ وكتاب المحو والإثبات اُخرى ، وهو العالم النفسيّ والخلق الثاني. وأكثر اطّلاع الأنبياء والرسل على الأوّل وهو محتوم من المحو والإثبات ، وحكمه محتوم بخلاف الثاني فإنّه موقوف. (4) قد عرّفنا لك تحقيقه في معنى البداء في هديّة الأوّل فلا تنس إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126.
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 477 _ 478.
3- . في «ب» و «ج» : - «على» .
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 512.

ص: 387

. .

ص: 388

الحديث الثامنروى في الكافي بهذا الإسناد ، (1) عَنِ الْفُضَيْلِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«مِنَ الْأُمُورِ أُمُورٌ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ اللّه ِ ، يُقَدِّمُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ ، وَيُؤَخِّرُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ» .

هديّة :(موقوفة) أي مخزونة عند اللّه سبحانه لم يطّلع عليه أحدا من خلقه . والبداء فيه على ما فصّل .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده، (2) عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ؛ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ لِلّهِ تبارك وتعالى عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَخْزُونٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَا هُوَ ، مِنْ ذلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ ؛ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ ، فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ» .

هديّة :أي جميعه. قد عرفت الفرق بين العلم المعلَّم وبين العلم المخبر به، وأنّ الإخبار ببعض المخزون الذي يكون البداء فيه لا ينافي مخزونيّته من حيث التمام . قال السيّد الأجلّ النائيني : «علمٌ مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو» يعني ما في اللوح المحفوظ والسابق عليه. «من ذلك يكون البداء» أي التغيّر في كتاب المحو والإثبات . «وعلمٌ علّمه ملائكته ورسله» أي العلم الحاصل لهم بتعليمه للتبليغ. «فنحن نعلمه» أي الأئمّة عالمون به حافظون له. (3) وتمام البيان كما في هديّة السابع .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد ، عن حمّاد ، عن ربعي».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن جعفر بن عثمان».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 478 _ 479.

ص: 389

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ السرّاد ، عَنْ ابْنِ سِنَانٍ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا بَدَا لِلّهِ فِي شَيْءٍ إِلَا كَانَ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ» .

هديّة :دفع لشبهة مشهورة نشأت من خطوات الشيطان ، وهي أنّه كيف يصحّ نسبة البداء إليه سبحانه وعلمه محيط بكلّ شيء أبدا أزلاً على ما هو عليه في نفس الأمر وهو تعالى وتقدّس عمّا يوجب التغيّر في علمه ؟ والجواب المفصّل يظهر من تقرير السؤال؛ إذ العلم المحيط بما يُقدّم ويُؤخّر لا يمكن أن يتغيّر؛ لأزليّته بتقديم الأمر الحادث أو تأخيره ، فالتغيّر في صفات الفعل كالمشيئة الحادثة والإرادة الحادثة . وأمّا في العلم الأزليّ فعلى ما عرفت آنفا من أنّ اثنينيّته ترجع إلى التعليم ، يعني الإخبار بتمام علمٍ أمر ، وإلى الإخبار ببعضه لحكمة البداء . قال برهان الفضلاء : التغيّر في ظنّ الإمام وشكّه . وقال الفاضل الإسترابادي : قد غفل جمع من علماء الإسلام عمّا نطقت (2) به أصحاب العصمة عليهم السلام _ كما مرّ مجملاً وسيجيء مفصّلاً _ من أنّ المراد بمشيّة اللّه وإرادته وتقديره أنّه ينتقش في اللوح المحفوظ أنّه سيفعل كذا ، فزعموا أنّ إرادته تعالى مثل العلم عين ذاته بل حملوها على علم مخصوص . (3) فقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما بدا للّه في شيء» أي ممّا في كتاب المحو والإثبات «إلّا كان في علمه» بما في لوح المحفوظ «قبل أن يبدو له» بمحو المثبت ، وإثبات غير المثبت ، والبداء منه سبحانه مسبوق بعلمه الأزليّ ، وليس البداء منه من جهل كما من غيره . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحُسين بن سعيد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد اللّه بن سنان».
2- . في المصدر: «نطق».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 479 ، بتفاوت يسير.

ص: 390

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ فَضَّالٍ ، (1) عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ لَمْ يَبْدُ لَهُ مِنْ جَهْلٍ» .

هديّة :قد علم بيانه ممّا سبق من أنّ البداء في حقّه سبحانه حقّ ومسبوق بعلمه الأزليّ وليس من جهل ، كما أنّ البداء من غيره تعالى بعلم حادث مسبوق بالجهل .

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ العبيدي ، (2) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : هَلْ يَكُونُ الْيَوْمَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ اللّه ِ بِالْأَمْسِ؟ قَالَ :«لَا ،مَنْ قَالَ هذَا ، فَأَخْزَاهُ اللّه ُ» . قُلْتُ : أَ رَأَيْتَ ، مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَ لَيْسَ فِي عِلْمِ اللّه ِ؟ قَالَ : «بَلى ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ» .

هديّة :(هل يكون) أي على القول بحقّيّة البداء في حقّه تعالى. (فأخزاه اللّه ): دعائيّة . قال برهان الفضلاء : «قبل أن يخلق الخلق» أي أوّل المخلوقات، وهو الماء؛ فإنّ عند إحداث الماء قد وقع تدبير جميع المخلوقات، كما يجيء في كتاب الحجّة في الباب الخامس والأربعين في ثاني من أحاديثه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بلى قبل أن يخلق الخلق» أي يعلم كلّ كائن إلى يوم القيامة بعلمه السابق على خلقه، (3) وهو علمه الأزليّ السابق على الأزمان والأوقات . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه ، عن أحمد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى».
3- . في المصدر: «جميع خلقه».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 479.

ص: 391

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ العبيدي ، (1) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الْقَوْلِ بِالْبَدَاءِ مِنَ الْأَجْرِ ، مَا فَتَرُوا عَنِ الْكَلَامِ فِيهِ» .

هديّة :(ما فتروا) على المعلوم، من باب نصر؛ ولتعديته ب«عن» فسّره برهان الفضلاء ب«ما عدلوا ورجعوا». قال : وذلك؛ لأنّ الإقرار به من الإيمان بالغيب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما في القول بالبداء» أي ما في الاعتقاد به وإظهاره وإفشائه «من الأجر ما فتروا» ولم يمسكوا «عن الكلام فيه ». ولعلّ ذلك؛ لأنّه مناط الخوف والرجاء والباعث على التضرّع والدُّعاء السعي في أمر المعاش والمعاد . (2)

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده، (3) عَنْ مُرَازِمِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَا تَنَبَّأَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتّى يُقِرَّ لِلّهِ بِخَمْسِ خِصَالٍ : بِالْبَدَاءِ ، وَالْمَشِيئَةِ ، وَالسُّجُودِ ، وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَالطَّاعَةِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن محمّد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 480.
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن عمرو الكوفي أخي يحيى».

ص: 392

هديّة :لعلّ التفعّل هنا للمطاوعة لا للتكلّف ، ويحتمل مجيء «المتنبّئ» بمعنى صاحب النبوّة كالمتطبّب بمعنى صاحب الطبابة . (بالبداء) أي بأنّه حقّ في حقّه تعالى على ما فصّل، وبأنّ جميع أفعال الخلائق لا يصدر عنهم إلّا بمشيّة اللّه تعالى ولا جبر؛ لما سبق من تفصيل معنى المشيئة، وبحقّيّة ما جرى في أوّل الأمر من الأمر بسجود الملائكة لآدم عليه السلام ؛ لما في صلبه من طينة خاتم الأنبياء وآله، وما قدّر في الآخر للتكليف بعبوديّة من المعاد للمكافأة وبالولاية لأهل البيت عليهم السلام . وقال برهان الفضلاء : أي بالإقرار بالبداء على ما سبق. وبالإقرار بأنّ كلّ ما يقع من أفعال الخلائق إنّما هو بمشيئة اللّه من دون أن يكونوا مجبورين في أفعالهم. وهذا ردّ على المعتزلة والمجوس كما سنبيّن في أوّل الباب الخامس والعشرين . وبالإقرار بأنّ له تعالى جميع السماوات والأرض وما فيهما وهو على كلّ شيء قدير . قال اللّه تعالى في سورة آل عمران وسورة النور : «وَللّه ِِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» ، (1) وفي سورة النحل : «وَللّه ِِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» . (2) وهذا ردّ على الفلاسفة؛ حيث قالوا : إنّ لكلّ جسم مكانا طبيعيّا، وسكون الأرض طبيعيّ وحركة الأفلاك إراديّة لا أنّهما بتدبير الفاعل، والفاعل عندهم مُوجَب . وردّ على المعتزلة أيضا؛ حيث قالوا : إنّ العباد مستقلّون في القدرة على الفعل والترك من دون التوقّف على إذنه تعالى . وبالإقرار بأنّ جميع المخلوقين عباد اللّه ؛ ردّا على الفلاسفة القائلين بالإيجاب ، وعلى الذين يقولون إنّ عيسى عليه السلام ابن اللّه ، وعلى القائلين من المشركين بأنّ الملائكة بنات اللّه . وبالإقرار بوجوب الطاعة للّه سبحانه على كلّ مكلّف وإن كان نبيّا أو وصيّا، وهذا ردّ على الصوفيّة؛ حيث قالوا بما قال روميّهم _ في الدفتر الخامس من كتابه المشهور بالمثنوي في بيان قولهم الباطل: إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع _ : من أنّ السالك يصل بالرياضة الكاملة من مرتبة العبوديّة إلى منزلة المعبوديّة، ثمّ مثّل بأنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والإكسير للكيمياء، فلا الصحيح محتاج إلى الدواء ولا الذهب إلى الكيمياء. (3) غلطوا وضلّوا وهلكوا ، أولم يتفكّروا هؤلاء الضالّون المتخبّطون من المسّ أنّه لو كان كما قالوا لكان الحكم بكفر قائله، وبأنّه مرتدّ نجس مخلّد في النار أسخف من قولهم؟! هل الشرع بهذه الجلالة والمتانة والحسب والنسب سخيف أم قولهم؟! . وقال السيّد الأجلّ النائيني: «بالبداء» أي أوّل الخمس البداء، والثاني أنّ كلّ شيء بمشيّة اللّه ، وإنّما يقع الأشياء بالمشيئة منه سبحانه. والثلاثة الاُخر: السجود للّه ، والعبوديّة له، والطاعة له والانقياد لأوامره ونواهيه . وهي اُصول كلّ الشرائع بعد المعرفة والتوحيد . (4)

.


1- . آل عمران (3) : 189؛ النور (24): 42؛ ومواضع اُخرى .
2- . النحل (16) : 49 .
3- . مثنوى معنوى، ص 726، مقدّمة الدفتر الخامس.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 480.

ص: 393

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده، (1) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمَةَ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تعالى أَخْبَرَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِمَا كَانَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا ، وَبِمَا يَكُونُ إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَحْتُومِ مِنْ ذلِكَ ، وَاسْتَثْنى عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ» .

هديّة :بكمال إيجازه وإجماله مفصّل لتمام أحاديث الباب. (واستثنى عليه) قال : يكون كذا إن شئت، أو إن شاء اللّه فيما سواه ؛ يعني في الموقوف المخزون الذي يكون البداء فيه . قال برهان الفضلاء : المراد بالاستثناء التعليق بالمشيئة باعتبار الوقت المعيّن، أو الشخص المعيّن لا باعتبار أصل الوقوع. وتعديته ب«على» على تضمين معنى اشتراط إقراره صلى الله عليه و آله باختصاص علم الغيب باللّه سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «وأخبره بالمحتوم من ذلك» يعني بقسمي المنقوش على ما نقش، وذلك بأن أخبره في قسم بنقش من غير قيد «إن شئت» وفي قسم بنقش مع قيد «إن شئت» . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بما كان منذ كانت الدُّنيا» أي بكلّيّاتها وعظامها المعتدّ بشأنها أو بكلّها على وجه كلّي إجمالي يستنبط منه التفاصيل والجزئيّات . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 126 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 480.

ص: 394

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده، (1) عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ :«مَا بَعَثَ اللّه ُ نَبِيّا (2) إِلَا بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَأَنْ يُقِرَّ لِلّهِ بِالْبَدَاءِ» .

هديّة :ردّ على الذين قالوا _ تمسّكا بالتوراة المصنوع (3) بعد الرفع _ : إنّ الخمر كان حلالاً في الاُمم السابقة إلى أن نزلت آية تحريمه إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، ونقلوا عن ذلك التوراة أو الإنجيل أنّ إسحاق عليه السلام صار أعمى فقال يوما مّا: «مَنْ أتى مِنْ بَنِيّ بالخمر ولحم الظبي لي حتّى أشربَ وآكل أدعو له من اللّه أن يُعطي بعدي النبوّة له» وكان ميله إلى عيص، وكان كثير شَعْر الساعِدَين، فلمّا سمعت اُمّ يعقوب ذلك أسرعت في تحصيل الخمر ولحم الظبي، وجعلت يد ابنها بشَعْر المَعْز كَيَدِ عيص، فلمّا أقدمها مسّ إسحاق يده فظنّ أنّه عيص، فشرب وأكل وسرّ فدعا للآتي بهما، فصارت النبوّة في يعقوب وولده !! لا تعجب ومن البضع والسبعين من هذه الاُمّة إحداها ناجية وهم الممتازون بالإمامة الممتازة في الاُصول .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه».
2- . في الكافي المطبوع: + «قطّ».
3- . في «الف»: + «أو الإنجيل المصنوع».

ص: 395

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سُئِلَ الْعَالِمُ عليه السلام : كَيْفَ عِلْمُ اللّه ِ؟ قَالَ :«عَلِمَ وَشَاءَ ، وَأَرَادَ وَقَدَّرَ ، وَقَضى وَأَمْضى ؛ فَأَمْضى مَا قَضى ، وَقَضى مَا قَدَّرَ ، وَقَدَّرَ مَا أَرَادَ ؛ فَبِعِلْمِهِ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ ، وَبِمَشِيئَتِهِ كَانَتِ الْاءِرَادَةُ ، وَبِإِرَادَتِهِ كَانَ التَّقْدِيرُ ، وَبِتَقْدِيرِهِ كَانَ الْقَضَاءُ ، وَبِقَضَائِهِ كَانَ الْاءِمْضَاءُ ، وَالْعِلْمُ يَتَقَدِّمٌ (2) الْمَشِيئَةِ ، وَالْمَشِيئَةُ ثَانِيَةٌ ، وَالْاءِرَادَةُ ثَالِثَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْاءِمْضَاءِ ؛ فَلِلّهِ تَعَالى الْبَدَاءُ فِيمَا عَلِمَ مَتى شَاءَ ، وَفِيمَا أَرَادَ لِتَقْدِيرِ الْأَشْيَاءِ ، فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْاءِمْضَاءِ ، فَلَا بَدَاءَ ، فَالْعِلْمُ بِالْمَعْلُومِ قَبْلَ كَوْنِهِ ، وَالْمَشِيئَةُ فِي الْمُنْشَاَ?قَبْلَ عَيْنِهِ ، وَالْاءِرَادَةُ فِي الْمُرَادِ قَبْلَ قِيَامِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ لِهذِهِ الْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ تَفْصِيلِهَا وَتَوْصِيلِهَا عِيَانا وَوَقْتا ، وَالْقَضَاءُ بِالْاءِمْضَاءِ هُوَ الْمُبْرَمُ مِنَ الْمَفْعُولاتِ ذَوَاتِ الْأَجْسَامِ الْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي لَوْنٍ وَرِيحٍ وَوَزْنٍ وَكَيْلٍ ، وَمَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَطَيْرٍ وَسِبَاعٍ ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، فَلِلّهِ _ عَزَّوَجلَّ _ فِيهِ الْبَدَاءُ مِمَّا لَا عَيْنَ لَهُ ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَيْنُ الْمَفْهُومُ الْمُدْرَكُ ، فَلَا بَدَاءَ ، وَاللّه ُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ؛ فَبِالْعِلْمِ عَلِمَ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا ؛ وَبِالْمَشِيئَةِ عَرَّفَ صِفَاتِهَا وَحُدُودَهَا ، وَأَنْشَأَهَا قَبْلَ إِظْهَارِهَا ؛ وَبِالْاءِرَادَةِ مَيَّزَ أَنْفُسَهَا فِي أَلْوَانِهَا وَصِفَاتِهَا ؛ وَبِالتَّقْدِيرِ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَعَرَّفَ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا ؛ وَبِالْقَضَاءِ أَبَانَ لِلنَّاسِ أَمَاكِنَهَا ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا ؛ وَبِالْاءِمْضَاءِ شَرَحَ عِلَلَهَا ، وَأَبَانَ أَمْرَهَا ، وَذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد» .
2- . في «ألف» : «متقدّم» ؛ وفي الكافي المطبوع : «متقدّم على» .

ص: 396

هديّة :المراد ب(العالم) إمّا صاحب الزمان عليه السلام ، فالحديث مرسل عن سفير من سفرائه عليه السلام ؛ إذ المعلّى بن محمّد لا يروي عن المعصوم بلا واسطة . وإمّا أبو محمّد العسكري عليه السلام ، أو واحد من آبائه عليهم السلام . (كيف علم اللّه ؟) يحتمل الفعل والمصدر . (قال : علم) يعني بعلمه الأزليّ المحيط بالجميع بحيث لا يشذّ عنه شيء . إنّ الأصلح ممّا هو ممكن الوقوع اُمور : كنظام فلك الشمس من الممثّل والخارج المركز ، أو من الممثّل والحامل الموافق المركز والتدوير ، وله سبحانه أن يفعل أيّها شاء ويترك أيّها شاء ، وهذا معنى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل لكن شاء ففعل . والمرجّح هو المشيئة الحادثة ، فما (شاء) منها (أراد) إيجاده ، ثمّ (قدّر) بحكمته قَدْره ووزنه ووقته وغير ذلك من الأوصاف . ثمّ (قضى) وحكم فأوجب ، ثمّ (أمضى) وحتم فأوجد وترك التتمّة ، يعني وأراد ما شاء وشاء ما علم للظهور . (والعلم متقدّم المشيئة) أي العلم الأزليّ المشيئة الحادثة . (والمشيئة في المنشأ) على اسم المفعول من الإنشاء ، أي في إنشاء ما شاء إنشاءه ممّا هو ممكن الوقوع . وفي بعض النسخ : «في المُشاء» على اسم المفعول من «شاء يشاء» كالمنال من نال ينال . صار مشيوء مشيا كما صار مرموي مرمىً ، فنقلت فتحة الياء إلى ما قبلها ثمّ حذفت الياء بالتقاء الساكنين لمنافرة الألف المتجانسة للفتحة عن الياء المتجانسة للكسرة . و«المشاء» بضمّ الميم اسم مفعول من أشاءه بمعنى ألجأه ، ولا يجيء كالمجيء مِنْ شاء . (قبل عينه) أي وجوده العيني . (قبل قيامه) أي تمكّنه في مكانه . (قبل تفصيلها) أي تفريق بعضها عن بعض بالتمييز ، وتوصيل بعضها إلى بعض بالتأليف بحسب وجودها العيني وأوقاتها المعيّنة . (والقضاء) المتلبّس (بالإمضاء ، هو المبرم) المحكم لا رادّ له . (ومادبّ ودرج) أي مشى وتحرّك . (وغير ذلك) ابتدائيّة ، أي وغير ما هو المبرم بالقضاء بالإمضاء (ممّا يدرك بالحواسّ) إذا وجد . و«من» في (ممّا لا عين له) تعليليّة ، و«ما» كافّة . و(المفهوم) بمعنى المعلوم المعيّن ، أو المعنى المفهوم ذهنا والمدرك حسّا . ولعلّ في هذه الفقرة إشارة إلى الفرق بين البداء والتبديل ، فالبداء قبل الوجود العيني ، والتبديل أعمّ ، فله سبحانه التبديل بعد العين وصفا وصورةً أو عينا بالكلّيّة . وفي القرآن في سورة محمّد : «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْما غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» (1) ، وفي الدُّعاء : «ولا تبدّل اسمي ولا جسمي» . (2) و«تعريف الصفات» بمعنى تعيينها . (شرح عللها) أي وجوهها وحكمها ومصالحها وفوائدها . (ذلك تقدير العزيز العليم) اقتباس من سورة الأنعام ، ويس ، وفصّلت . (3) و«العزيز» دلالة على جبّاريّته تعالى بالقهر والغلبة على كلّ شيء ، وعلى حكمته وعدالته . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الظاهر من السؤال أنّه كيف علم اللّه ؟ أبعلم مستند إلى الحضور العيني والشهود في وقته لموجود عينيّ أو في موجود عيني أو في موجود عيني كما في علومنا ، أو بعلم مستند إلى الذات سابق على خلق الأشياء ؟ فأجاب عليه السلام : بأنّ العلم سابق على وجود المخلوق بمراتب ، وقال : «علم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى » . ف «العلم» : ما به ينكشف الشيء . و«المشيئة» : ملاحظته بأحوال مرغوب فيها يوجب فينا ميلاً دون المشيئة له سبحانه ، لتعاليه عن التغيّر والاتّصاف بالصفة الزائدة . و«الإرادة» : تحريك الأسباب نحوه وبحركة نفسانيّة فينا ، بخلاف الإرادة فيه سبحانه . و«التقدير» : (4) التحديد ، وتعيين الحدود والأوقات . و«القضاء» هو الإيجاب . و«الإمضاء» هو الإيجاد . «فامضي ما قضى» أي فاوجد ما أوجب ، وأوجب ما قدّر ، وقدّر ما أراد . «والعلم متقدّم على المشيئة» وهو الأوّل بالنسبة إليها . «والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع» وقوعا سابقا «على القضاء» والإيجاب المتلبّس «بالإمضاء» والإيجاد . «وللّه تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء» فإنّ الدخول في العلم أوّل مراتب السلوك إلى الوجود العيني ، وله البداء ؛ لعدم (5) الإيجاد فيما علم (6) أن يبدوا ، وفيما أراد وحرّك الأسباب نحو تقديره متى شاء وقبل القضاء والإيجاب ، فإذا وقع القضاء والإيجاب متلبّسا «بالإمضاء» والإيجاد «فلا بداء» ، فعلم أنّ في المعلوم العلم قبل كون المعلوم وحصوله في الأذهان والأعيان ، وفي المُشاء المشيئة قبل عينه ووجوده العيني . وفي أكثر النسخ «المنشأ» ولعلّ المراد الإنشاء قبل الإظهار كما في آخر الحديث ، وفي المراد الإرادة قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها وحضورها العيني في أوقاتها «والقضاء بالإمضاء هو المبرم» الذي يلزمه وجود المَقْضيّ . وقوله : «من المفعولات» يحتمل تعلّقه بالمبرم ، ويكون قوله «ذوات الأجسام» ابتداءَ الكلام . ويحتمل كونه من الكلام المستأنف وتعلّقه (7) بما بعده ، والمعنى أنّ هذه الأشياء المحدثة للّه فيه البداء قبل وقوع أعيانها ، فإذا وقع العين فلا بداء . (8) وقال الفاضل الإسترابادي : قوله : «وبتقديره كان القضاء » أي التقدير واقع في اللوح المحفوظ على نهج القضاء المتلبّس بالإمضاء ، ف«على» نهجيّة لا استعلائيّة . وفي كلامه عليه السلام إشارة إلى شيئين : الأوّل : أنّ التقدير مشتمل على كلّ التفاصيل الموجودة في الخارج . والثاني : أنّ الإمضاء لا ينفكّ عن القضاء ، ومعنى القضاء هو النقش الحتمي . (9) وقال بعض المعاصرين _ بناء على أصل ثابت عنده _ : المشيئة والإرادة والقدر والقضاء والإمضاء كلّه من أسماء علمه الأزلي ، كلّ اسم باعتبار حال من الأحوال المختلفة سبحانه . وفي الأخبار أنّ القضاء بمعنى الحكم والإيجاب متأخّر عن القدر . «فالعلم بالمعلوم قبل كونه» إشارة إلى أنّ لهذه الموجودات الواقعة في الأكوان المادّية لها ضرب من الوجود والتحقّق في العلم الإلهي قبل تحقّقها في العالَم الكوني . (10) والحقّ أنّه إشارة إلى العلم الأزلي الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل أبدا بحال من الأحوال من الزيادة والنقصان والانعدام والتجدّد وغير ذلك ، كتعلّق الإيجاد بمعلوم دون معلوم ، والكلّ من معلوماته سبحانه . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «علم وشاء» يعني قال عليه السلام : علم اللّه تعالى هذا النظام قبل أن يوجد ، ولم يوجد كلّه دفعةً _ كما زعمت الفلاسفة من أنّ وجود الأجسام والحوادث والأزمنة ليس على الترتيب من حيث الصدور ، بل الترتيب الذي يشاهد إنّما هو بالنظر إلى الزمانيّات ؛ لكون الزمان الصادر عن واجب الوجود دفعة ، ويسمّونها دفعة دهريّة هو ماض وحال ومستقبل بالنسبة إلى الزمانيّ _ بل أوجد تدريجا بمراتب . فبعد العلم «شاء» يعني خلق ماءً ليصير مادّة خلق الأجسام بهذا النظام . ثمّ «أراد» والإرادة : تأكيد المشيئة ، يعني جعل بعض ذلك الماء عذبا ليخلق منه الجنّة وأهله ، وبعضه ملحا اُجاجا ليخلق منه النار وأهله . ثمّ «قدّر» والتقدير : تأكيد الإرادة بفعل آخر ، كخلقه السماوات والأرض بحيث يوجد الليل والنهار والفصول والأهلّة وغير ذلك لفائدة الأرزاق وغير ذلك . ثمّ «قضى» والقضاء : فعل التتمّة ، كخلق المكلّف وبعث الرّسل وإنزال الكتب . ثمّ «أمضى» والإمضاء : بتقيّة الفعل التامّ إلى أوان ترتّب الفائدة المطلوبة منه إليه ، كتبقية هذا النظام إلى الوقت المعلوم . «وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ » أي غير ما ذكر ممّا لم يوجد 11 ويدرك من بعد «فللّه فيه البداء» قبل أن يصير موجودا عينيّا ، ولا بداء بعد تحقّقه موجودا عينيّا معلوما مدركا . «فبالعلم علم الأشياء قبل» إيجادها . «وبالمشيئة» أعطى ريح الوجود صفات الأشياء . يُقال : «عرّفه تعريفا» : صيّره ذا ريح ، من العَرْف بالفتح ، وهو الريح ، طيّبة أو منتنة . وأنشأها «قبل إظهارها» أي مهّد لها بخلق الماء قبل إيجادها بخصوصيّاتها . «وبالإرادة» بين ذوات الأرواح وبينها وبين غيرها . «وبالتقدير» قدّر أقواتها . «وعرّف أوّلها وآخرها» أي أوّل الأشياء وآخرها . «وبالقضاء أبان للناس» أماكن الأشياء ممتازة من السماوات والأرض والنجوم والعناصر والجبال والمعادن والأنهار وغير ذلك ممّا علم اللّه «ودلّهم» على منافعها ، «وبالإمضاء» أوضح الأغراض من إيجادها وأبان شغلها ، ومآلها كمثال أهل الجنان وأهل النيران «ذلك تقدير العزيز العليم» .

.


1- . محمّد (47) : 38 .
2- . راجع الكافى ، ج 3 ، ص 469 ، باب صلاة فاطمه عليهاالسلام و ... ، ح 7 ؛ و ج 4 ، ص 407 ، باب الطواف واستلام الأركان ، ح 1 ؛ الوسائل ، ج 8 ، ص 106 ، ح 10182 .
3- . الأنعام (6) : 96 ؛ يس (36) : 38 ؛ فصّلت (41) : 12 .
4- . في المصدر : «القدر» .
5- . في المصدر : «بعدم» .
6- . في المصدر : + «متى شاء» .
7- . في «ب» و «ج» : «تعليقه» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 481 _ 482 .
9- . لم نعثر عليه في الحاشية المطبوعة .
10- . الوافي ، ج 1 ، ص 518 ، بتفاوت .

ص: 397

. .

ص: 398

. .

ص: 399

. .

ص: 400

. .

ص: 401

باب في أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا فيالسماء إلّابسبعة

الباب الخامس والعشرون : بَابٌ فِي أنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فيالسَّمَاءِ (1) إِلَابِسَبْعَةٍوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ حَرِيزِ وَابْنِ مُسْكَانَ جَمِيعا ، (2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ :«لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَا بِهذِهِ الْخِصَالِ السَّبْعِ : بِمَشِيئَةٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَقَدَرٍ ، وَقَضَاءٍ ، وَإِذْنٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلى نَقْضِ وَاحِدَةٍ ، فَقَدْ كَفَرَ» .

هديّة :يعني لا يحدث شيء في العالَم إلّا بعد حدوث هذه الخصال السبع ، فلا يفعل عبد يحبّه اللّه ، خيرا، أو يبغضه اللّه شرّا (إلّا بمشيئة ، وإرادة ، وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب ، وأجل) من اللّه سبحانه . ولا جبر ؛ إذ الجبر إذا أجبر مَنْ من شأنه الخير على الشرّ ، ومَنْ من شأنه الشرّ على الخير . ولا تفويض أيضا ؛ لعدم استقلال العبد قدرةً، وقدرته تؤثّر بإذن من اللّه سبحانه ، فأمر بين الأمرين . و«المشيئة» : جعله تعالى في العبد القدرة على الفعل بإذنه ، والترك بإذنه . و«الإرادة» : خلقه الخير فيمن يحبّه والشرّ فيمن يبغضه ، ثمّ تقديره وتحديده ما أراد بمثاله وأجله ، ثمّ القضاء والحكم ، ثمّ الإذن والإمضاء ، فيصدر أمر بين أمرين بفعل الفاعل وإيجاد الخالق تعالى . وتوضح لك مصاديق الحالات الثلاث من هذه الأمثلة : إذا كان رجل على مرتفع وآخر أسفل منه فيعلو منه في الأسفل بأنحاء ثلاثة ، إمّا بأخذ مَنْ في العالي على يد مَنْ في الأسفل من غير علاج ممّن في الأسفل فهو الجبر ، وإمّا بسعي مَنْ في الأسفل وقوّته بلا شائبة علاج وتأثير ممّن في العالي فهو التفويض ، وإمّا بأخذ الأعلى على يد مَنْ في الأسفل وقوّتهما وعلاجهما وتأثير سعيهما فهو أمرٌ بين الأمرين . ثمّ اعلم أنّ المشيئة تؤكّد بالإرادة ، والإرادة بالتقدير _ تقدير القَدْر والوصف _ والتقدير بالحكم ، والحكم بالإذن ، ويثبت بالإذن النقش والمثال الممتاز عن غيره في الأعيان بمدّتها أيضا من أوّلها إلى آخرها ، فحقيقة مشيّته تعالى جعله في العبد قدرةً على الخير والشرّ ، فإذا شاء خيره فعل الخير بتوفيقه ، وإذا شاء شرّه فعل الشرّ بخذلانه ، فالجاعل بقدرته هو اللّه سبحانه والفاعل باختياره هو العبد . والفرق بين الأمر والمشيئة ظاهر كما سيجيء في الثالث من الباب التالي ، فلا يصدر شيء من عبد إلّا بإذن اللّه ، لكن الخير بإذن منضمّا بأمر اللّه ورضائه ، والشرّ بإذن منضمّا بنهيه وإكراهه . ومَثَل اختيار العبد كَمَثَلِ العصير العنبي من شأنه أن يصير دِبسا أو خمرا . والعلم عند اللّه وحججه صلوات اللّه عليهم . وفي الحديث القدسي _ كما سيذكر في باب الخير والشرّ _ : «إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا ، خلقت الخير ، وخلقت الشرّ ، فطوبى لمن أجريتُ على يديه الخير ، وويلٌ لمن أجريتُ على يديه الشرّ ، وويلٌ لمن يقول : كيف ذا؟ وكيف ذا ؟». (3) يعني على يديه الخير دائما أو غالبا ، وكذا في أجزاء الشرّ ؛ لما سيذكر في بيان الثالث من الباب التالي . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «إلّا بهذه الخصال السبع » يعني وجود كلّ حادث مسبوق بسبعة أشياء . وسيجيء في باب الجبر رواية في الإذن ، وسيجيء في باب الاستطاعة ما يدلّ على أنّ الإذن هو القدر المشترك بين الحيلولة والتخلية . (4) وقيل : الإذن هو الإمضاء ، والكتاب هو المثبت في اللّوح المحفوظ ، والأجل هو تعيين الوقت . (5) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني لا يكون شيء من أفعال جوارح العباد من الإنس والجنّ في الأرض ، والملائكة وغيرها في السماء إلّا بهذه الخصال السبع . والأربع الاُول للردّ على المجوس والمعتزلة ؛ لنسبة المجوس جميع تدبيرات الظُلْمَة يعني الشيطان إليها ، بمعنى إثباتهم الاستطاعة والاستقلال في القدرة لها . وقول المعتزلة القائلين بتفويضين اللّذين أحدهما نشأ من اعتقادهم بوجوب كلّ لطف نافع على اللّه ، والثاني من اعتقادهم بأنّ قدرة العبد على الفعل إنّما هو قبل وقت الفعل _ لقولهم باستطاعة العبد في الفعل والترك على الاستقلال _ بأنّ اللّه سبحانه فوّض تدبيرات أفعال العباد إلى قدرتهم واختيارهم وليس لتدبير اللّه تعالى مدخلاً في تدبير العبد فعلاً وتركا ، وبأنّه تعالى لا يقدر على لطف يوجب الحيلولة بين العاصي والعصيان ؛ لقولهم بوجوب كلّ لطف نافع على العادل القادر ، فقالوا : لو كان ذلك من مقدوراته لفعل ، ولهذا سمّيت المعتزلة بالمفوّضة والأشاعرة يسمّون المعتزلة بالقدريّة ؛ لنسبتهم القَدَر إلى أنفسهم . وحاصل الردّ: أنّ فعلاً من أحد لا يصدر في هذا النظام إلّا بمشيئة اللّه سبحانه عند أربعة أوقات : عند خطور الفعل في خاطر فاعله ويسمّى هذا الخطور بمشيّة العبد . وعند بقاء العبد على مشيّته هذه ويسمّى هذا بإرادة العبد ، كما سمّي ما من اللّه عند ذلك بإرادة اللّه ، وعند وقت أخذه وشروعه في الفعل قبل الإتمام ويسمّى هذا بقدر العبد ، كما يسمّى ما من اللّه عند ذلك بقدر اللّه . وعند وقت إتمام الفعل ويسمّى هذا بقضاء العبد ، كما يسمّى ما من اللّه عنده بقضاء اللّه . واللّه تبارك وتعالى قادر عند الأوقات الأربعة على فعل أو ترك يصير مانعا من فعل العبد ، لكن لحكمته تعالى وعلمه بالمصالح لا يمنع العبد من فعله طاعةً كان أو معصية ؛ لئلّا يبطل الحجّة والعدالة . ويحتمل أن يكون لَمَعنى «شاء» : «ما شاء» بأن يكون المشيئة عبارة عن إعلام السعادة والشقاء قبل وجود المكلّفين . و«الإرادة» عبارة عن الإعلام الموافق للإعلام الأوّل قبل وجود المكلّفين أو بعده . و«القَدَر» عبارة عن مشيّته تعالى عند قصد المكلّف فعلاً قبل الشروع . و«القضاء» عبارة عن مشيّته تعالى عند الفعل . و«الإذن» عبارة عن عدم إحداثه تعالى مانعا عقليّا لفعل العبد عند فعله مع قدرته على إحداث المانع . و«الكتاب والأجل» _ ردّا على الأشاعرة القائلين بعدم وجوب شيء عقلاً على اللّه تعالى _ أوّلهما عبارة عن وجوب الخلق والتدبير . و«الأجل» عبارة عن وقت معيّن لو شاء قبله أو بعده كان على خلاف المصلحة . و«النقض» بالمعجمة هنا بمعنى «النقص» بالمهملة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني لا يحدث شيء في الأرض ولا في السماء إلّا ما يتوسّط ويدخل في كونه سبعة أشياء ، وكلّ واحد منها يسبقه . ولمّا كانت المشيئة أوّل ما له اختصاص بشيء دون شيء أخذ في عدّ سوابق وجود الأشياء وصدورها منه سبحانه من المشيئة ، وبعدها الإرادة ، وبعدها القَدَر ، وبعدها القضاء وبالترتيب المذكور في الحديث . وأمّا «الإذن» وهو الإعلام وإفاضة العلم ، أي الإذن في الشيء : الإعلام بإجازته والرخصة فيه ، وإفاضة العلم بالرخصة والإباحة . قال الراغب : الإذن في الشيء : إعلام بإجازته والرخصة فيه . (6) وفي القاموس : أذن له في الشيء _ كسمع _ إذنا وأذينا : أباحه له . (7) وأمّا حمل الإذن هنا على العلم فلا يخلو عن بُعد إلّا أن يحمل على علم خاصّ كالمشيئة والإرادة ، فلا يخلو عن غرابة . (8) و«الكتاب» وهو ما ثبت فيه الأشياُء وتقرّر فيه . و«الأجل» وهو المدّة المعيّنة الموقّتة للأشياء فهي داخلة في الإرادة والقَدَر ، أو متخلّلة بين الأربعة بأن يكون الإذن متخلّلاً بين المشيئة والإرادة ، والكتاب بينهما وبين القَدَر ، والأجل بين القَدَر والقضاء ، أو كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة داخل في واحد من هذه الثلاثة الاُول من الأربعة . وذكر الثلاثة مع الأربعة على تقدير الدخول ؛ للدلالة على دخولها في الأربعة وثبوت الوساطة في الإيجاد لها كالأربعة . وعلى تقدير التخلّل ؛ للدلالة على ترتّب هذه الثلاثة على الثلاثة الاُول من الأربعة ، فهي كالتتمّة لها . «على نقص واحدة » أي إسقاطها من مقدّمات الإيجاد وجعلها أقلّ من سبعة . «فقد كفر» ؛ لأنّه كذب على اللّه ، وقال فيه خلاف الحقّ ، وردّ على اللّه ؛ حيث أنكر ما ثبّته في الكتاب المبين . وفي بعض النسخ : «نقض واحدة» بالضاد المعجمة ؛ أي الردّ على واحدة منها . وهذه النسخة بقوله : «فقد كفر» أنسب . والنسخة الاُولى للغرض المسوق له الكلام وللحديث الثاني أوفق . (9)

.


1- . في الكافي المطبوع : «في السماء والارض» بدل «في الأرض ولا في السماء» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيدٍ ومحمّد بن خالد جميعا ، عن فضالة بن أيّوب ، عن محمّد بن عُمارة ، عن حريز بن عبد اللّه وعبد اللّه بن مسكان جميعا» .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 154 ، باب الخير والشرّ ، ح 2 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 127 .
5- . قاله الفيض في الوفي ، ج 1 ، ص 519 .
6- . المفردات ، ص 71 (أذن) .
7- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 195 (أذن) .
8- . من قوله : «أي الإذن في الشيء _ إلى _ فلا يخلو عن غرابة» أورده في المصدر في الهامش نقلاً عن حاشية بعض النسخ .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 484 _ 485 .

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عِمْرَانَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام ، قَالَ :«لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَا بِسَبْعٍ : بِقَضَاءٍ ، وَقَدَرٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَمَشِيئَةٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، وَإِذْنٍ ، فَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ هذَا ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ، أَوْ رَدَّ عَلَى اللّه ِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «ورواه أيضا عن أبيه ، عن محمّد بن خالد» .

ص: 406

هديّة :الظاهر أنّ الترديد من الراوي . وقد عرفت بيان السبع بأنحائه مفصّلاً . والتقديم والتأخير في التعداد قد لا يستدعي وجها . ويمكن أن يكون الوجه في تقديم «القضاء» و«القَدَر» هنا اشتهارهما في السبع ؛ حيث يكتفى بهما منها في المحاورات ، أو الإشارة إلى الردّ على من اكتفى بهما عن مقدّمات الأحداث . وفي تأخير «الإذن» التصريح بامتناع الحيلولة بينه وبين الوقوع بخلاف سائره بدونه . وقال برهان الفضلاء : «لا يكون شيء » أي من أفعال العباد وتروكهم . وعكس الترتيب هنا في الأربع الاُول ؛ لقربه إلى بعض الأذهان ، وأخّر «الإذن» ؛ ليظهر أنّ الردّ هنا على المعتزلة في مسألة اُخرى غير التي كان الردّ عليهم فيها بالأربع الاُول ، كما بيّنّاه في بيان سابقه . والترديد من الراوي . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الكلام في هذا الحديث كالكلام في الحديث الأوّل ، إلّا أنّه أخذ في هذا الحديث من أقرب الاُمور والخصال من المعلول ووجوده ، وفي الحديث السابق من أقربها من المبدأ . (1)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 485 .

ص: 407

باب المشيئة و الإرادة

الباب السادس والعشرون : بَابُ الْمَشِيئَةِ وَ الْاءِرَادَةِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الدَّيْلَمِيِّ ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهماالسلام يَقُولُ :«لَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَا مَا شَاءَ اللّه ُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى» . قُلْتُ : مَا مَعْنى «شَاءَ»؟ قَالَ : «ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ» . قُلْتُ : مَا مَعْنى «قَدَّرَ»؟ قَالَ : «تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مِنْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ» . قُلْتُ : مَا مَعْنى «قَضى»؟ قَالَ : «إِذَا قَضى أَمْضَاهُ ، فَذلِكَ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ» .

هديّة :(شيء ) أي في السماوات والأرض من أفعال العباد ، أو منها و من أفعال اللّه ، كإنشاء السحاب وإنزال الغيث . وقوله : (ابتداء الفعل) على المصدر ، أو الفعل قرينة التعميم . وقد عرفت آنفا أنّ مشيّته تعالى بالنسبة إلى أفعال العباد جعلهم قادرا على الفعل والترك بإذنه وإرادته سبحانه ، إرادة الخير ممّن يحبّه أو الشرّ ممّن يبغضه ، ثمّ التقدير وصفا ووقتا ، ثمّ الحكم والإمضاء ؛ ففي الخير بإذن منه منضمّ إلى الأمر والرّضا ، وفي الشرّ بإذن منه منضمّ إلى النهي والكراهة . وفي محاسن البرقي بعد قوله : «قال : ابتداء الفعل » قلت : ما معنى أراد؟ قال : «الثبوت عليه » (2) أي على الفعل أو الترك ، أو على الخير ممّن يحبّه أو الشرّ ممّن يبغضه على التفصيل من طوله وعرضه على التمثيل . (قال : إذا قضى أمضاه ) يعني إذا قضى وأمضى ، فدلالة (فذلك الذي لا مردَّ له ). و«المردّ» من المصادر الميميّة . قال برهان الفضلاء : «شيء » أي من أفعال جوارح العباد . «ابتداء الفعل » يعني مشيئة العبد ابتداء قصد الفعل ، ومشيئة اللّه تدبيره فعلاً موافقا لذلك . «إذا قضى أمضاه» يعني أنّ القضاء خلقه تعالى آخر الأجزاء ، فإذا قضى بالإمضاء فلا بداء . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «قال : ابتداء الفعل» أي المشيئة ابتداء الفعل ، أي أوّل ما يحصل من جانب الفاعل ، أو يصدر عنه ممّا يؤدّي إلى وجود المعلول . «من طوله وعرضه » أي من التحديدات والتعيينات بالأوصاف والأحوال كالطول والعرض . «إذا قضاه أمضاه» أي إذا أوجبه باستكمال الشرائط لوجوده وجميع ما يتوقّف عليه المعلول ، أوجده . «وذلك الذي لا مردَّ له» لاستحالة تخلّف المعلول عن الموجب التامّ . (3) أقول : كأنّ النزاع بين برهان الفضلاء _ سلّمه اللّه تعالى _ لقوله بجواز تخلّف المعلول عن علّته التامّة كما في حدوث العالم ، وبين القائلين بامتناعه لفظيّ ، لا سيّما في صورة قول الفريقين بحدوث العالم ؛ فإنّ الوقت الأصلح له مدخل في تماميّة الفاعل باعتبار ، وبآخر (4) لا . وإنّما قلنا في تمامية الفاعل ، (5) أي بالاختيار ؛ لئلّا يرد عدم تخلّف النتيجة من البرهان . فتدبّر .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن أبيه ، عن محمّد بن سليمان الديلمي» .
2- . المحاسن ، ج 1 ، ص 244 ، ح 237 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 485 _ 486 .
4- . في «ب» و «ج» : «باعتبار» مكان «بآخر» .
5- . في «ب» و «ج» : - «وإنّما قلنا في تمامية الفاعل» .

ص: 408

. .

ص: 409

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى؟ قَالَ : «نَعَمْ» . قُلْتُ : وَأَحَبَّ؟ قَالَ : «لَا» . قُلْتُ : وَكَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى وَلَمْ يُحِبَّ؟! قَالَ : «هكَذَا خَرَجَ إِلَيْنَا» .

هديّة :(شاء ) أي في أفعال العباد أو مطلقا ، ف«نعم» أي مطلقا ، و(لا) أي لا مطلقا ، بل أحبّ ورضى إذا أمر ، وأبغض وكره إذا نهى على ما مرّ بيانه آنفا . (قلت : وكيف شاء) تقرير لشبهة مشهورة هي أنّه قد ثبت وجوب الرضا بالقضاء وعدم جواز الرضا بالكفر والمعاصي ؛ فإذا كان الكفر والمعاصي بالقضاء فكيف التوفيق؟ والجواب : أنّ القضاء لا منافاة بين تعلّقه بالخير لمن أحبّه ، (2) وبين تعلّقه بالشرّ لمن أبغضه ، كما لا منافاة بين محبّته لمن أحبّه وبغضه لمن أبغضه . ويعضد هذا الجواب أنّه لا منافاة بين الرضا بإجرائه تعالى الخير على يد من أحبّه والشرّ على يد مَنْ أبغضه ، وبين البغض لما أبغضه تعالى ، بل لا يتخلّف كلّ منهما عن الآخر في مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ؛ فإنّه لا يرضى بالقضاء إلّا ببغضه لما أبغضه اللّه ، ولا يبغض ما أبغضه اللّه إلّا برضاه بقضاء اللّه وكفّه عن قول : كيف ذا؟ وكيف ذا؟ ولِمَ أحبّ هذا؟ ولِمَ يحبّ هذا ، وحكمة إعراض الإمام عن تفصيل الجواب معه عليه السلام (هكذا خرج إلينا ) أي بالتحديث ، أو من الكتب الإلهيّة . وقيل : «لا» يعني لا دائما ؛ لمكان التوفيق للطاعة والخذلان للمعصية . وقال برهان الفضلاء : المراد من الجواب أنّ هذا النزاع ليس في المعنى ، والمذكور في الآيات القرآنية أنّ كلّ واقع حتّى المعصية إنّما هو بمشيّة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه ، قال اللّه عزّ وجلّ في سورة البقرة : «لَوْ شَاءَ اللّه ُ مَا اقْتَتَلُوا» (3) ، وفي سورة هود : «وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللّه ُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ» (4) ، وفي سورة الدهر وسورة التكوير : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» 5 . وأنّه سبحانه لا يحبّ المعصية ؛ قال اللّه تعالى في سورة النساء : «لَا يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ» (5) ، وفي البقرة : «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (6) . وفي بعض النسخ _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله _ : «هكذا اُخرج إلينا» على المجهول من الإفعال ، قال : يعني هكذا نقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله ووصل منه إلينا . ولمّا كان فهمه يحتاج إلى لطف قريحةٍ والحكمةُ مقتضية لعدم بيانه للسائل اكتفى ببيان المأخذ النقلي عن التبيين العقلي . ثمّ قال : ولعلّ عدم المنافاة بين تعلّق الإرادة والمشيئة بشيئين (7) وأن لا يحبّه ؛ لأنّ (8) تعلّق المشيئة والإرادة بما لا يحبّه بتعلّقها (9) بوقوع ما يتعلّق به إرادة العباد وبإرادتهم وترتّبه عليها ، فتعلّقهما بالذات بكونهم قادرين مريدين لأفعالهم وترتّبها على إرادتهم ، وتعلّقهما بما هو مرادهم بالتّبع ، ولا بجبر (10) في كون متعلّقهما بالتّبع شرّا غير محبوب له ؛ فإنّ دخول الشرّ وما لا يحبّه في متعلّق مشيّته وإرادته بالعرض جائز ، فلكلّ من تعلّق مشيّته وإرادته بخير وعلم لزوم شرّ له شرّيةً لا تقاوم خيريّته تعلّق (11) بذلك الشرّ بالتّبع ، وذلك التعلّق بالتّبع لا ينافي أن يكون المريد خيّرا محضا ، ولا يكون شرّيرا ومحبّا للشرّ . (12) أقول : أنت خبير بأنّ الغرض من ذكر بيانات جماعة من معظم الأصحاب معرفتك مقادير قوّة كلّ منهم في السباحة في بحار أحاديثهم عليهم السلام حيث لا يتجاوزون _ وإن بالغوا في بذل الجهد لها _ عن أداني سواحلها .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . في «ب» و «ج» : «لمن أحبّه» .
3- . البقرة(2) : 253 .
4- . هود (11) : 34 .
5- . النساء (4) : 148 .
6- . البقرة (2) : 222 .
7- . في حاشية «ج» والمصدر : «بشيء» .
8- . في هامش المصدر : قوله : «لأنّ» خبر «لعلّ» . وقوله : «وأن لايحبّه» عدلُ مدخول «بين» أي عدم المنافاة بين تعلّقهما بشيء وعدم حبّه لأجل هذا .
9- . في المصدر : «بتعلّقهما» .
10- . في المصدر : «لا حَجْر» مكان «ولا يجبر» .
11- . في المصدر : «تعلّقتا» .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 486 .

ص: 410

. .

ص: 411

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ وَاصِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«أَمَرَ اللّه ُ وَلَمْ يَشَأْ ، وَشَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْ ؛ أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لِادَمَ ، وَشَاءَ أَنْ لَا يَسْجُدَ ، وَلَوْ شَاءَ لَسَجَدَ ، (2) وَنَهى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ ، وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ، وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ» .

هديّة :قد سبق وحقّ أنّ شيئا لا يقع إلّا بمشيّته تعالى مأمورا به كان أو منهيّا عنه ، وأنّه سبحانه لا يأمر إلّا بالخير ولا ينهى إلّا عن الشرّ ، وأنّه لا يشاء إلّا أن يجري الخير على يد مَنْ يحبّه والشرّ على يد من لا يحبّه . وسيجيء أنّ له تعالى إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، فلذا يأمر ولا يشاء ويشاء ولا يأمر ؛ يأمر بالخير مَنْ يحبّه ومن لا يحبّه . وقد لا يشاء أن يصدر (3) عمّن لا يحبّه ؛ لعلمه الأزلي بأنّه مع قدرته على الفعل والترك يختار الترك ، وقد يشاء أن لا يصدر عمّن يحبّه ؛ لحكمةٍ ، كالعلم بالأصلح له ، كما في التالي من أنّه «أمر إبراهيم بذبح إسحاق ولم يشأ أن يفعل » . وسيجيء في الخامس : أنّه «شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه» الشامل على ما يجري على يد العبد على خلاف ما يفعله باختياره لولا غلبة مشيئة اللّه _ لحكمة _ على مشيّته ، وهو من البداء قبل الإمضاء . وينهى عن الشرّ من يحبّه ومن لا يحبّه ، فقد يشاء صدور ما علم بعلمه الأزلي أنّ فاعله يختاره وقد لا يشاء لحكمةٍ (4) كما مرّ . والإشكال المتوهّم في المقام يدفع بأنّه سبحانه عَلِم بعلمه الأزلي أنّ بعض من يحبّه لا يفعل باختياره وتوفيق اللّه إلّا الخير ، وبعضه كذلك غالبا ؛ وأنّ من لا يحبّه لا يفعل باختياره وخذلان اللّه إلّا الشرّ أو غالبا . ومصداق الأوّل في الثاني مثل الكافر الذي يكون عمره بين إدراكه وموته قليلاً . وصدور الخير دائما أو كثيرا عمّن يحبّه (5) اللّه ، وكذا الشرّ عمّن لا يحبّه اللّه دلالة واضحة على قدرته سبحانه على الحيلولة بين العبد ومراده بالتوفيق أو الخذلان ، وعلى جعله العبد قادرا على الفعل والترك ، فلا جبر ؛ ولذا قد يتخلّف الخير عمّن يحبّه والشرّ عمّن لا يحبّه . قال برهان الفضلاء في شرح هذا الحديث : وذلك لأنّ مشيّته تبارك وتعالى يتعلّق بكلّ واقع حتّى بالمعاصي ، وأمره سبحانه لا يتعلّق إلّا بالطاعة تقع أم لا ، فلا تلازم بينهما . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني أمر اللّه بشيء لم يشأه مشيئةً منجرّة إلى وقوعه ، وشاء مشيئةً منجرّةً إلى وقوع المُشاء ولو بالتّبع ، كما أمر إبليس بالسجود لآدم عليه السلام ولم يشأ أن يسجد ، بل شاء أن لا يسجد بالتّبع مشيئةً منجرّةً إلى الوقوع ، ولو شاء كذلك لسجد ، ونهى آدم عن أكل الشجرة ولم يشأ تركه بل شاء أن يأكل بالتّبع ، ولو لم يشأ لم يأكل . (6) وقال بعض المعاصرين : سرّ هذا الحديث أنّ للّه سبحانه بالنسبة إلى عباده أمرين : أمرا إراديّا إيجاديّا ، وأمرا تكليفيّا إيجابيّا . والأوّل بلا واسطة الأنبياء عليهم السلام ولا يحتمل العصيان ، والمطلوب منه وقوع المأمور به (7) ويوافق مشيّته تعالى طردا وعكسا لا يتخلّف عنها البتّة ، فيقع المأمور به لا محالة وإليه اُشير بقوله عزّ وجلّ : «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (8) . والثاني يكون بواسطة الأنبياء عليهم السلام ، والمطلوب منه قد يكون وقوع المأمور به فيوافق مشيّته تعالى ويقع المأمور به من غير معصية فيه ، كالأوامر التي كلّف اللّه بها الطائعين . وقد يكون نفس الأمر من دون وقوع المأمور به ؛ لحِكَم ومصالح يرجع إلى العباد ، فهذا الأمر الذي لا يوافق المشيئة ولا الإرادة ؛ يعني وما لم يشأ اللّه به وقوع المأمور به ولا إرادة ، وإن شاء الأمر به وأراد وأمر ؛ ولذلك لم يقع المأمور به . (9) انتهى . وفيه _ بعد ما فيه من أنّ الأمر من غير طلب ليس بأمر _ أنّ تحقيقه هذا لا يوافق سرّه تحقيق (10) السابق في البداء في بابه ، على أنّ أمر إبليس بالسجود قبل بعث الأنبياء عليهم السلام .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد» .
2- . في «ج» : «لسجدون» .
3- . في «ب» و «ج» : «أن لا يصدر» .
4- . في «ب» و «ج» : - «لحكمة» .
5- . في «ب» و «ج» : «لا يحبّه» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 487 .
7- . في «ألف»: - «به».
8- . النحل (16) : 40 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 522 .
10- . في «ألف» : «تحقيقه» .

ص: 412

. .

ص: 413

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَنْ عَلِيٍّ ، 1 عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدٍ بنِ المُختارٍ (1) الْهَمْدَانِيِّ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعا ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ لِلّهِ _ تبارك وتعالى _ اِءِرَادَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ : إِرَادَةَ حَتْمٍ ، وَإِرَادَةَ عَزْمٍ ، يَنْهى وَهُوَ يَشَاءُ ، وَيَأْمُرُ وَهُوَ لَا يَشَاءُ ؛ أَ وَمَا رَأَيْتَ أَنَّهُ نَهى آدَمَ وَزَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ ذلِكَ؟ وَلَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا ، لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمَا مَشِيئَةَ اللّه ِ تَعَالى ، وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْبَحَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أن يذبحه ، (2) لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَةُ إِبْرَاهِيمَ مَشِيئَةَ اللّه ِ تَعَالى» .

.


1- . في الكافي المطبوع: - «بن المختار».
2- . في الكافي المطبوع : - «أن يذبحه» .

ص: 414

هديّة :المراد أبو الحسن الثاني الرِّضا عليه السلام ، أو الثالث الهادي عليه السلام . والفرق بين الإرادتين ، وكذا بين المشيئتين أنّ في صورة الحتم لا يقدر العبد أن يفعل خلاف المراد والمُشاء ، فيغلب مشيّته مشيئة اللّه ، بخلاف صورة العزم ؛ فإنّ له أن يفعل خلاف المراد والمُشاء ، فيوافق مشيّته مشيئة الحتم ومشيئة العزم قدر مشترك . فلا يخالفه شيء . وسائر بيان الحديث كسابقه . وفي الأمر بذبح إسحاق أقوال ؛ فقيل كما وقع الأمر بذبح إسماعيل وقع بعده مرّة اُخرى بذبح إسحاق أيضا ، فالمحكي في الصافّات عن إسماعيل قوله : «يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ» (1) ، أوّلهما لأوّليّته . والصدوق رحمه اللهصرّح في كتاب معاني الأخبار بحصر الذبيح في إسماعيل ، (2) ووجّه في كتاب الخصال في باب الإثنين _ بعد الحكم باختلاف الروايات في هذا الباب _ بأنّ الذبيح حقيقةً هو إسماعيل ، واُطلق هذا الاسم على إسحاق مجازا ؛ لتمنّاه منزلة أخيه وثوابه وإعطاء اللّه ذلك إيّاه . (3) وقال برهان الفضلاء : الظاهر من هذا الحديث أنّ الذبيح المأمور بذبحه بأمر اللّه هو إسحاق والمشتبه به على إبراهيم في منامه هو إسماعيل . ووجوه دعوى الظهور مذكورة في شرحه لم نذكرها لبُعدها ولما لا يحفى . وقال الفاضل الإسترابادي : وسيجيء في أوّل كتاب الحجّ في رواية أبي بصير وفي رواية زرارة أنّ الذبيح إسماعيل . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في هذه الرواية دلالة على الأمر بذبح إسحاق وأنّه عليه السلام لم يشأه ، وأمّا على أنّ ما وقع من الإقدام على الذبح والفداء بالنسبة إليه فلا ؛ أي فلا دلالة . ويحتمل وقوع هذا الأمر ونسخه وتغيّره إلى الأمر بذبح إسماعيل ووقوع الإقدام على الذبح ومقدّماته بالنسبة إليه . (5) انتهى . الدلالة على الأمر بذبح إسحاق ظاهرة ، وأمّا على أنّه عليه السلام لم يشأه فلا ؛ فإنّ معنى «لَما غلبت مشيئة إبراهيم» محتمل أو صريح في المشيئة المفروضة ؛ لأنّه شاء أن يذبح كما هو المشهور والأنسب بحاله عليه السلام .

.


1- . الصافّات (37) : 102 .
2- . معاني الأخبار ، ص 391 ، باب نوادر المعاني ، ح 34 .
3- . الخصال ، ج 1 ، ص 56 ، باب الاثنين ، ذيل الحديث 78 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 127 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 488 .

ص: 415

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ دُرُسْتَ (1) عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«شَاءَ وَأَرَادَ ، وَلَمْ يُحِبَّ وَلَمْ يَرْضَ ؛ شَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ إِلَا بِعِلْمِهِ ، وَأَرَادَ مِثْلَ ذلِكَ ، وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُقَالَ : ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ، وَلَمْ يَرْضَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ» .

هديّة :يعني شاء اللّه تبارك وتعالى وجعل في العبد قدرته على الفعل والترك ، وأراد ما علم أنّ هذا يفعل باختياره في وقت كذا إيّاه من الخير والشرّ ، وهذا كذلك بعكسه . وله البداء في هذه الإرادة قبل الإمضاء لحكمه ، فيريد الخير ويحبّ ويرضى . ويريد الشرّ ولا يحبّ ولا يرضى . فإرادته سبحانه على الحتم لا يتعلّق إلّا بما يعلم صدوره عن العبد باختياره المتروك في طرفيه ، أو المغلوب المقلوب بغلبة إرادة اللّه من أحدهما إلى الآخر لمصلحة علمها اللّه . وهذا معنى (شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه وأراد مثل ذلك) والإشكال الناشئ هنا من أنّ ما يطابق الحكمة يرضى به سبحانه البتّة ؛ ففي كون ما يرضى به وما لا يرضى به مطابقا للحكمة تناقض لا محالة ، مدفوع بأنّه لا شكّ لنا في عدم المنافاة بين حكمة الصدور واللّا صدور ، وبين عدم الرضا به لنصّ المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه وإن لم يكن وجهه معلوما لنا ، على أنّ العلم المحيط بجميع الحِكَم والمصالح عِلْمُه حَسْبُ ، وما اُوتي البشر من العلم إلّا قليلاً . (2) وخلاصة الكلام : أنّ جميع المكالمات سؤالاً وجوابا ينتهي في هذا الباب إلى هذا الإشكال ولا مدفع له إلّا بما قلنا ، وثبت اعتقادنا عليه بعون اللّه تعالى وحسن توفيقه . وتوضيح الجواب : أنّه لا منافاة بين رضائه تعالى باعتبار تعلّقه بحكمته و أفعاله ، وبين عدم رضائه باعتبار تعلّقه بأفعال العباد . واللّه عليمٌ حكيم ، وهو لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون . (3) قال برهان الفضلاء : «شاء» في «شاء أن لا يكون شيء» مبتدأ ؛ لأنّه محكيّ ، و«أن لا يكون» خبر ، و«أن» مخفّفة عن المثقّلة ، أو مفسّرة عند من لم يشترط تقدّم الجملة ، وذهب إلى أنّ «أن» في و«آخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين» مفسّرة ، و«لا يكون» على التقديرين مرفوع ، و«الباء» في «بعلمه» للسببيّة ، وكذا «وأراد» مبتدأ و«مثل ذلك» مرفوع وخبره ، فالمعنى معنى شاء أنّه لا يكون شيء إلّا بعلمه مع قدرته على الحيلولة بينه وبين فاعله المختار في الفعل والترك ، فقد يحول لحكمةٍ وقد لا يحول . «ولم يحبّ أن يُقال : ثالث ثلاثة» كما قالت النصارى: إنّه سبحانه ذات لها صفتان قائمتان عليها موجودتان في نفسهما : إحداهما العلم ، والاُخرى الحياة . وقال الفاضل الإسترابادي : «شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه وأراد مثل ذلك» المراد من العلم هنا نقوش اللّوح المحفوظ ، والمشيّة والإرادة والتقدير والقضاء كلّها نقوش اللوح المحفوظ ، والتفاوت بينها أنّ كلّ لاحق تفصيله (4) أكثر من سابقه ، وتوقّف أفعال العباد على تلك الاُمور السبعة إمّا بالذات أو بجعل اللّه تعالى . وتحقيق المقام : أنّ تحرّك القوى البدنيّة بأمر النفس الناطقة المخصوصة المتعلّقة به ليس من مقتضيات الطبيعة ، فيكون بجعل اللّه تعالى . وهنا احتمالان : أحدهما : أنّه جعل اللّه بدنا مخصوصا مسخّرا لنفس مخصوصة بأن قال : كُن متحرّكا بأمرها ، ثمّ جعل ذلك موقوفا على الاُمور السبعة بأن قال : لا يكن شيء إلّا بعد السبعة . وثانيهما : أنّ بهذه السبعة يجعل اللّه تعالى البدن مسخّرا لنفس مخصوصة كلّ يوم في أفعال مخصوصة ، وعلى التقديرين ظهر معنى قولهم عليهم السلام : «لا جبر ولا تفويض ، وبينهما منزلة أوسع ممّا بين السماء والأرض » . (5) وسيجيء أنّه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة ، وخلق المشيئة بنفسها . والمراد أنّ هذه السبعة ومحلّها _ أعني اللّوح المحفوظ _ ليست موقوفة على مثلها وإلّا لزم التسلسل . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه » أي شاء بالمشيئة الحتميّة أن لا يكون شيء إلّا بعلمه وعلى طباق ما في علمه بالنظام الأعلى وما هو الخير والأصلح ولوازمها «وأراد» بالإرادة الحتميّة «مثل ذلك ولم يحبّ» الشرور اللّازمة التابعة للخير والأصلح ، ك«أن يقال : ثالث ثلاثة» وأن يكفر به ولم يرض بها . (7) انتهى . كأنّ قصده من هذا البيان ما فصّلناه أوّلاً من عدم المنافاة بين رضائه سبحانه باعتبار تعلّقه بحكمة أفعاله ، وبين عدم رضائه باعتبار تعلّقه بأفعال العباد .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عن درست بن أبي منصور» .
2- . اقتباس من الآية 85 من الإسراء (17) .
3- . اقتباس من الآية 23 من الأنبياء (21) .
4- . في المصدر : «تفضيله» .
5- . راجع: الكافي ، ج 1 ، ص 159 ، باب الجبر والقَدَر ... ، ح 9 و 11 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 488 .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

الحديث السادسروى في الكافي ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ البزنطي ، (1) قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام :«قَالَ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ : ابْنَ آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ لِنَفْسِكَ مَا تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ، جَعَلْتُكَ سَمِيعا بَصِيرا قَوِيّا «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه ِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» وَذَلكَ (2) أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذَلكَ (3) أَنَّنِي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» .

هديّة :من بيّنات براهين ما بيّناه أوّلاً في هديّة سابقه . في بعض النسخ : «ياابن آدم» بإثبات حرف النّداء . (بمشيّتي) المراد هنا بالمشيئة : القدر المشترك بين المشيئة السابقة على الإرادة والإرادة ، أي بجعلي فيك القدرة على الفعل والترك ، وبإرادتي إجراء الخير أو خلافه على يدك بعلمي وحكمتي . (أنت الذي تشاء لنفسك) باختيارك وقدرتك التي تحت قدرتي ومغلوبة لها ؛ لقدرتي على قلبها إن شئتُ بعلمي وحكمتي من كلّ واحد من طرفي الاختيار إلى الآخرَ ما تشاء من الخير وخلافه . (وبقوّتي أدّيت فرائضي ) أي بقوّتي الغالبة على قوّتك عند صدور فعل عنك لا بالجبر ولا بالتفويض ، بل بأمرٍ بين الأمرين ، أو المعنى : وبخلقي القدرة فيك وتوفيقيلك على اختيارك فعل الحسنة . وهذا أنسب بالفقرة التالية . في بعض النسخ : «فريضتي» مكان «فرائضي» . (وبنعمتي قويت على معصيتي) أي وبكرامتي وخلقي فيك القدرة والقوّة والجوارح والآلات . وفسّر التكريم في قوله : «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» (4) بإعطاء القدرة والاختيار . (5) وهذه الفقرة توبيخيّة بدليل تاليها وهي تعليليّة . (ما أصابك من حسنة ) أي باختيارك بتوفيق اللّه (فمن اللّه ) بعلمه وحكمته .(وما أصابك من سيّئة) باختيارك بخذلان اللّه (فمن نفسك) كذلك (وذلك أنّي) بفتح الهمزة تعليليّة ، أي ولذلك حسناتك بعلمي وحكمتي وتوفيقي منسوبة إلى رضائي ، وسيّئاتك بعلمي وحكمتي وخذلاني إيّاك منسوبة إليك وعدم رضائي بها . وفي الصحيفة الكاملة السجّادية : «وإذا هممنا بهمّين يرضيك أحدهما عنّا ، ويسخطك الآخر علينا ، فَمِلْ بنا إلى ما يرضيك عنّا ، وأوهن قوّتنا عمّا يسخطك علينا ، ولا تُخَلّ في ذلك بين نفوسنا واختيارها ؛ فإنّها مختارة للباطل إلّا ما وفّقت ، أمّارةٌ بالسوء إلّا ما رحمت» . (6) ولمّا كان وجه الرّضاء وعدمه المتعلّقين معا بحكمة الخذلان مع قدرته سبحانه ، على الحيلولة غير معلوم لنا ، قال عليه السلام : (وذلك أنّني لا اُسأل عمّا أفعل وهم يُسألون) . قال برهان الفضلاء ما حاصله : إنّ معصية العبد بمحض تمكين اللّه إيّاه عليها ، وأمّا طاعته فبانضمام تقويته سبحانه إيّاه عليها بالتمكين . (7) وحاصله : أنّ الطاعة بالتوفيق والمعصية بالخذلان فإنّ كلّاً من المعصية والطاعة إنّما هو بأمر بين الأمرين . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بمشيّتي » أي بالمشيئة التي خلقتها فيك وجعلتك ذا مشيئة ، _ وهي من آثار مشيئة اللّه سبحانه _ كنتَ أنت الذي تشاء لنفسك على وفق هواها ما تشاء ، وبالقوّة التي خلقتها فيك _ وهي من آثار قوّة اللّه ، ولعلّ المراد هنا القوّة العقلانيّة _ أدّيت فريضتي ، وبنعتمي التي أنعمتها عليك من قدرتك على ما تشاء ، والقوى الشهوانيّة والغضبيّة _ التي بها حفظ الأبدان والأنواع وصلاحها _ قويت على معصيتي . (8) «جعلتك سميعا بصيرا قويّا» . السمع باعتبار حمل القوّة على القوّة العقلانيّة ، والبصر ناظر إلى الفقرة الثانية ، والقوّة إلى الفقرة الثالثة . «ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه » لأنّه من آثار ما اُفيض عليه من جانب اللّه . «وما أصابك من سيئة فمن نفسك» لأنّه من طغيانها هواه . «وذلك أنّي أولى بحسناتك منك » بيان للفرق مع أنّ الكلّ مستند إليه ومُنْتهٍ به بالأخرة . وللعبد في الكلّ مدخل بالترتّب على مشيّته وقوّة (9) العقلانيّة والنفسانيّة بأنّ ما يؤدّي إلى الحسنات منها أولى به سبحانه ؛ لأنّه من مقتضيات خيريّته سبحانه وآثاره الفائضة من ذلك الجناب بلا مدخليّة النفوس إلّا القابليّة لها . وما يؤدّي إلى السيّئات منها أولى بالأنفس ؛ لأنّها مناقص من آثار نفسها (10) لا يستند إلّا إلى ما فيه منقصة . «وذلك أنّني لا اُسأل عمّا أفعل وهُم يُسألون » بيان لكونه أولى بالحسنات بأنّ ما يصدر ويفاض من الخيّر المحض من الجهة الفائضة منه لا يسأل عنه ولا يؤاخذ به ؛ فإنّه لا مؤاخذة بالخير الصرف ، وما ينسب إلى الخيّر المحض ، ومن فيه شرّية ينبعث منه الشرّ يؤاخذ بالشرّ ، والشرور وإن كان من حيث وجودها منتسبة إلى خالقها فمن حيث شرّيتها منتسبة إلى منشئها وأسبابها القريبة المادّية . صدق اللّه العظيم . 11 انتهى . لو سأل السائل عن منقصة بيانه لا منقصة فيه سوى أنّه يُستشمّ من عدّة من فقراته أنّها كأنّها مبتنية على طائفة من اُصول الفلاسفة من الإيجاب وكون الآثار باقتضاء الطبائع ، وفي وجه وهو لا يسئل ما فيه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».
2- . في الكافي المطبوع : «ذاك» .
3- . في الكافي المطبوع : «ذاك» .
4- . الإسراء (17) : 70 .
5- . راجع : مجمع البيان ، ج 6 ، ص 662 ، ذيل الآيه 70 من الإسراء (17) .
6- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 59 _ 60 ، الدعاء التاسع .
7- . في «ألف» : «إلى التمكين» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 488 _ 489 .
9- . في المصدر : «قواه» .
10- . في المصدر : «نقصها» مكان «نفسها» .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

باب الابتلاء و الاختبار

الباب السابع والعشرون : بَابُ الِابْتِلَاءِ وَ الِاخْتِبَارِوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا مِنْ قَبْضٍ وَلَا بَسْطٍ إِلَا وَلِلّهِ فِيهِ مَشِيئَةٌ وَقَضَاءٌ وَابْتِلَاءٌ» .

هديّة :كأنّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ وضع هذا الباب بعد سابقه ؛ لدفع شبهة نشأت من أنّ الأشياء إذا كانت لا تكون إلّا بعلمه تعالى وحكمته على ما فصّل ، فما وجه التكليف والأمر والنهي ؟ والجواب : أنّ وجه التكليف الابتلاء والامتحان ؛ يعني إتمام الحجّة «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ» . (2) ولعلّ «القبض» كناية عن الخذلان لحكمته ، و«البسط» كناية عن التوفيق لحكمته . أو «القبض» عبارة عن حالة الشكّ بالوسوسة ، و«البسط» عن حالة القطع بالمسموع من الحجّة . قال برهان الفضلاء : لمّا ذكر في آخر الباب السابق تقويته تعالى جانب الطاعة لبعض وعدمها لآخر وفيه توهّم الجبر وعدم الامتحان التكليفي ، فوضع هذا الباب لدفع ذلك التوهّم . والمراد ب«القبض» هنا عدم إعطاء اللّه المكلّف مقوّي الطاعة ، و«البسط» ضدّه ، يعني ما من هذا وهذا للعاصي والمطيع إلّا بمشيئته وإرادته وقَدَره وقضائه للابتلاء والاختبار . والاختصار بترك الثاني والثالث ؛ للظهور . والامتحان من اللّه سبحانه إتمام الحجّة على العباد لا استعلام الحال . وقال بعض المعاصرين : الابتلاء من اللّه سبحانه إظهار ما كتب لنا أو علينا في القَدَر ، وإبراز ما أودع فينا وغرز في طباعنا بالقوّة بحيث يترتّب عليه الثواب والعقاب ؛ فإنّه ما لم يخرج من القوّة إلى الفعل لم يوجد بعد وإن كان معلوما للّه سبحانه ، فلا يحصل ثمرته وتبعته اللازمتان . (3) انتهى . وقال الفاضل الإسترابادي : المراد من القبض والبسط الفرح والألم ، سواء كان ورودهما بطريق ظلم أحدٍ أم لا . وقد سبق أنّ كلّ حادث مسبوق بسبعة ، وذكر هنا اثنين منهما ، إمّا بإرادة معنى أعمّ من المشيئة ، أو بالاكتفاء بالبعض . فلعلّ قصده أنّ ورود كلّ منهما على صاحبه منشأه إمّا منه أو من غيره فله في صورة الفرح وعليه في صورة الألم . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما من قبض ولا بسط » أي ما من تضييق ولا توسعة إلّا قُدّر فيه مشيئة وقضاء لذلك القبض والبسط ، أو لما يؤدّي إليه ، وابتلاء واختبار لعباده . والحديث الذي بعده كهذا الحديث إلّا أنّه خصّ بما أمر اللّه به أو نهى عنه ، ولعلّه (5) لاختصاص الحكم به ، بل لبيان الحكم في الخاصّ وإن لم يختصّ به . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . الأنفال (8) : 42 .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 524 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128، بتفاوت في النقيصة في المصدر .
5- . في المصدر: + «ليس».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 490 .

ص: 422

. .

ص: 423

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ فِيهِ قَبْضٌ و بَسْطٌ (2) _ مِمَّا أَمَرَ اللّه ُ بِهِ أَوْ نَهى عَنْهُ _ إِلَا وَلِلّهِ فِيهِ (3) _ عَزَّ وَجَلَّ _ ابْتِلَاءٌ وَقَضَاءٌ» .

هديّة :قد علم بيانه ببيان سابقه فتدبّر . و«الواو» في «وبسط» بمعنى «أو» . و«ممّا» وصف الشيء و«مِنْ» بيانيّ أو تبعيضيّ ، كما احتمل برهان الفضلاء .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيّوب ، عن حمزة بن محمّد بن الطيّار» .
2- . في «ب» و «ج» : «ولا بسط» ؛ وفي الكافي المطبوع : «أو بسط» .
3- . في الكافي المطبوع : «وفيه للّه » .

ص: 424

باب السعادة و الشقاء

الباب الثامن والعشرون : بَابُ السَّعَادَةِ وَ الشَّقَاءِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ تبارك وتعالى _ خَلَقَ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ، فَمَنْ خَلَقَهُ اللّه ُ سَعِيدا ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَدا ، وَإِنْ عَمِلَ شَرّا ، أَبْغَضَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُبْغِضْهُ ، وَإِنْ كَانَ شَقِيّا ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَدا ، وَإِنْ عَمِلَ صَالِحا ، أَحَبَّ عَمَلَهُ وَأَبْغَضَهُ ؛ لِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَحَبَّ اللّه ُ شَيْئا ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَدا ، وَإِذَا أَبْغَضَ شَيْئا ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَدا» .

هديّة :(السعادة) بالفتح لغةً : سعة العيش ، ومجازٌ متروك الحقيقة ، أو حقيقة عرفيّة في علامة النجاة . و(الشقاء) بالفتح يمدّ ويقصر : ضدّ السعادة . القاموس : الشّقا : الشدّة والعسر ، ويمدّ ، شقي _ كرضي _ شقاوة وشقا وشقاءً وشَقْوةً ، ويكسر . وشقاه اللّه وأشقاه . (2) ولعلّ المراد هنا النور والظلمة ، أو طينة الجنّة والنار . فالمعنى قبل أن يخلق الأبدان . (فمن خلقه اللّه سعيدا) لإطاعته في التكليف بدخول النار يوم أخذ الميثاق على الإقرار بربوبيّة ربّ العالمين ، ونبوّة الأنبياء ، وولاية الأوصياء عليهم السلام . (وإن عمل شرّا) إشارة إلى أنّ الأبدان المخلوقة لأهل الجنّة قسمان : قسمٌ من بحت طينة الجنّة فللحجج عليهم السلام ، وقسمٌ من الطينتين بغلبة طينة الجنّة على ضدّها على ما شاء اللّه من التفاوت وقدّر بحكمته ، فلشيعتهم الثابتين على إقرارهم الأزلي في الصراط المستقيم . (وإن عمل صالحا) إشارة إلى ما علم من بيان الضدّ . (فإذا أحبّ اللّه شيئا) يعني يوم أخذ الميثاق . قال برهان الفضلاء : لمّا ذكر ثقة الإسلام في الباب السابق ما يدلّ بظاهره على استطاعة العبد وقدرته مستقلّاً في الفعل والترك وهو يوهم التفويض فوضع هذا الباب وآخر لدفع ذلك التوهّم ، ثمّ وضع بعدهما بابا لإثبات الواسطة . «قبل أن يخلق خلقه» إشارة إلى مثل الحديث الذي يجيء في كتاب الإيمان والكفر عن الباقر عليه السلام «إنّ اللّه عزّ وجلّ قال قبل أن يخلق الخلق : كُن ماءً عذبا أخلقُ منك جنّتي وأهل طاعتي ، وكُن ملحا اُجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي» . (3) الحديث . و«لم يبغضه أبدا» و«لم يحبّه أبدا» للدلالة على أنّ ما ورد في الأدعية المأثورة من طلب السعادة على فرض الشقاء مجاز ليس طلبا حقيقةً ، بل الغرض إظهار كمال الرغبة في الثواب والخوف من العذاب . انتهى . أقول : لا يذهب عليك أنّ بيانه هذا يوهم الجبر ؛ إذ لا شكّ في الفرق بين الامتناع الذاتي والعادي . ومن عادة اللّه سبحانه ما يمتنع أن لا يدوم ، كقدرته على فعل القبيح وامتناعه منه عادةً أبدا ، ودوام الامتناع العادي لا يمنع الإمكان الذاتي ، ومنها ما لا امتناع في عدم دوامه وله التبديل في خلقه ، فطلب السعادة مجاز باعتبار وحقيقة بآخر ، إلّا أن يدّعى أنّ تبديل السعادة أو الشقاوة قبيح في عادة اللّه سبحانه فمجاز ليس إلّا . وبالجملة : الحمل على المجاز ، كما قال سلّمه اللّه تعالى _ أوفق بظاهر الأحاديث وأسلم للمتأمِّل في مثل المعضل . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «خلق السعادة والشقاء» المراد خلق تقدير لا خلق تكوين ، كما وقع التصريح به في الأحاديث . وخلق التقدير نقوش اللّوح المحفوظ ، وخلق التكوين الوجود في الخارج وهو من فعلنا . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه خلق السعادة والشقاوة» أي قدّرهما لعباده تقديرا سابقا على الخلق ، فمن خلق (5) اللّه سعيدا على وفق تقديره لم يبغضه أبدا ، إنّما يبغض عمله إن عمل سوءا ، ولم يبغضه ، ومَن قدّره شقيّا وخلقه شقيّا على وفق تقديره لم يحبّه أبدا ، وإن عمل عملاً صالحا أحبّ عمله ؛ لأنّه يحبّ الخير والصلاح ، وأبغضه لشقاوته ولما يصير إليه من عدم الثبات على الإيمان . (6) وقال بعض المعاصرين : والسرّ في تفاوت النفوس في الخير والشرّ واختلافها في السعادة والشقاوة ، اختلاف الاستعدادات وتنوّع الحقائق ؛ فإنّ المواد السُفْلِيّة بحسب الخلقة والماهيّة متباينة في اللطافة والكثافة ، وأمزجتها مختلفة في القُرب والبُعد من الاعتدال الحقيقي ، والأرواح الإنسيّة التي بإزائها مختلفة بحسب الفطرة الاُولى في الصفاء والكدورة ، والقوّة والضعف مترتّبة في درجات القرب والبُعد من اللّه تعالى ؛ لأنّ بإزاء كلّ مادّة ما يناسبه من الصُوَر ، فأجود الكمالاتِ لأتمّ الاستعدادات وأخسّها لأنقصها ، فلا يمكن لشيء من المخلوقات أن يظهر في الوجود ذاتا وصفةً وفعلاً إلّا بقدر خصوصيّة قابليّته واستعداده الذاتي . ثمّ قال : ووجه آخر : أنّه قد ثبت أنّ للّه عزّ وجلّ صفات وأسماء متقابلة هي من أوصاف الكمال ونعوت الجلال ، ولها مظاهر متباينة بها يظهر أثر تلك الأسماء . مثلاً لمّا كان قهّارا أوجد المظاهر القهريّة التي لا يترتّب عليها إلّا أثر القهر ، ولمّا كان غفورا أوجد مجالي للعفو والغفران ، وقس على هذا . فظهر أن لا وجه لاستناد الظلم والقبائح إلى اللّه سبحانه ؛ لأنّ هذا الترتيب والتمييز من وقوع فريق في طريق اللطف وآخر في طريق القهر من ضروريّات الوجود والإيجاد ، ومن مقتضيات الحكمة والعدالة . ومن هنا قال بعض العلماء : لَيْتَ شِعري لِمَ لا يُنسب الظلم إلى المَلِك المجازي حيث يجعل بعض من تحت تصرّفه وزيرا قريبا وبعضهم كنّاسا بعيدا ؛ لأنّ كلّاً منهما من ضروريّات مملكته ، وينسب إلى اللّه تعالى في تخصيص كلّ من عبيده بما خصّص ، مع أنّ كلّاً منهما ضروريّ في مقامه؟! . (7) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 349 (شقا) .
3- . الكافي ، ج 2 ، ص 6 ، باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف الأوّل ، ح 1 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128 .
5- . في المصدر : «خلقه» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 490 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 528 ، بإسقاط بعض العبارات .

ص: 425

. .

ص: 426

. .

ص: 427

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْعَقَرْقُوفِيِّ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام جَالِسا وَقَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، مِنْ أَيْنَ لَحِقَ الشَّقَاءُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ حَتّى حَكَمَ (2) لَهُمْ فِي عِلْمِهِ بِالْعَذَابِ عَلى عَمَلِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَيُّهَا السَّائِلُ ، حُكْمُ اللّه ِ _ تعالى _ لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمَّا حَكَمَ بِذلِكَ ، وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْرِفَتِهِ ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ ثِقَلَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ أَهْلُهُ ، وَوَهَبَ لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْصِيَتِه ؛ (3) لِسَبْقِ عِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَمَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ مِنْهُ ، فَوَاقَعُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا حَالاً تُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ وَهُوَ مَعْنى «شَاءَ مَا شَاءَ» وَهُوَ سِرُّهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد رفعه ، عن شعيب العقرقوفي» .
2- . في الكافي المطبوع : + «اللّه » .
3- . . في الكافي المطبوع : «معصيتهم» .

ص: 428

هديّة :«اللام» في (حكم لهم) للاستحقاق ، كما في قوله تعالى : «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (1) و «لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (2) و «لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ» (3) و «لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» (4) . وتوضيح السؤال : أنّ اللّه سبحانه بقدرته على خلقه جميع العباد سعيدا «وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» (5) . قوله : هل أجبر الشقيّ على شقاوته والسعيد على سعادته ، أم ذلك باقتضاء الطبيعة واستعداد المادّة كما قالت القَدَريّة؟ وحاصل الجواب : أنّ مِنْ علمه تعالى ما هو خاصّ لم يطلع عليه أحدا من خلقه وهو سرّه ، فلا علم لأحدٍ على الباعث على محبّته سبحانه لمن أحبّه أو بغضه لمَن أبغضه ، ولو كان لقوله : (لا يقوم له أحد) وسع الاستثناء ، فالمعنى إلّا الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . (فلمّا حكم بذلك) بسعادة أهل الطاعة وشقاء أهل المعصيّة أعطى من أحبّه _ بعد جعله مختارا في الفعل والترك _ أن يختار الفعل باختياره وبتوفيق اللّه سبحانه ، كما يختار من أبغضه الترك باختياره مخذولاً بالخذلان ، فلذا لا يثقل العمل والطاعة على من أحبّه بخلاف مَن أبغضه . في بعض النسخ هكذا : «فواقعوا معصيتهم على ما سبق لهم في علمه» بزيادة «معصيتهم على» . وفي آخر : «فوافقوا ما سبق لهم في علمه» من الموافقة بالفاء والقاف . و«القدرة» في (ولم يقدروا) عبارة عن الاستطاعة وكماليّة القدرة . ومعنى التعليل أنّ علمه الأزلي بأنّ ما يختاره المختار باختياره بالتوفيق أو الخذلان ماذا من الطرفين لن ينقلب ولن يتخلّف معلومه ، والعلم عند اللّه وأهل ذكره عليهم السلام . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : معنى السؤال : أنّ أيّ شيء صار سببا للحكم العلمي الأزلي بعذاب أهل الشقاء ؟ ومعنى الجواب : أنّ حكمه العلمي الأزلي بعذاب أهل المعصية أو بثواب أهل الطاعة حقّ ليس موقوفا اتّصافه بالحقّيّة على وجود أحد ولِلحوق صفة به . ولا يقاس علمه تعالى المتعلّق بالغيب والشهادة بعلم المخلوق وهو علمٌ حادث تابعٌ للمعلوم وليس بعلم الغيب ، فكما لا يجوز أن يُقال : إنّ علمه تعالى علّة لمعلومه لا يجوز أن يُقال تابع للمعلوم . «فلمّا حكم بذلك » أي بعدم القيام المفهوم من «لا يقوم» و«الباء» للملابسة لا صلة للحكم . والإضافة في «محبّته» إضافة المصدر إلى المفعول ، أي محبّة اللّه . والمراد ب«القوّة» هنا الأمر الدالّ والعلامة ، وهو خلق الماء العذب والماء الملح الاُجاج . «وهب لأهل المعصية» من باب مجاز المشاكلة . يعني فلمّا حكم بعلمه _ وحُكْمُه غير موقوف على وجود أحد ولا لحوق صفة _ وهب لأهل الطاعة علامةً دالّة على نجاتهم ، وأبعد عنهم ثقل العمل بالطاعة بقدر تفاوت مراتبهم في المحبّة التي كلّ منهم متّصفٌ في علمه سبحانه بقَدْرٍ منها ، ووهب لأهل المعصية علامة دالّة على هلاكهم . وفي بعض النسخ المعتبرة : «على معصيتهم» مكان «معصيته» . «ومنعهم» أي لم يعطهم استطاعة قبول الأحكام الدينيّة من اللّه تعالى . «فواقعوا ما سبق لهم» أي أوقعوا . «ولم يقدّروا» على المعلوم من التفعيل ؛ أي ولم يصيّروا أنفسهم راغبةً في الإتيان بما يُنجيهم من العذاب . «وهو سرّه» يعني العلم بوجه خلق السعادة والشقاء قبل خلق الخلق ، أو وجهه سرّ لا يعلمه إلّا اللّه . أو المعنى : إلّا اللّه وخزنة علمه المعصومون . انتهى . الأولى كون الإضافة في «محبّته» إضافة المصدر إلى الفاعل مع التساوي في ترتّب الفائدة ؛ إذ السرّ المسؤول عنه إنّما هو سبب الحكم العلمي لأجل المحبّة وعدمها قبل الخلق . على أنّ منشأ محبّة العبد محبّة المعبود تعالى ، وأوّل التالي مؤيّد . ونِعْمَ ما قيل : گرت عزّت دهد رو ناز مى كنو گرنه چشم حسرت باز مى كن وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «فلمّا حكم بذلك وهب» إلى آخره . المراد حُكْمه تعالى في التكليف الأوّل يوم الميثاق (6) قبل تعلّق الأرواح بالأبدان ؛ حيث ظهرت ذلك اليوم الطاعة والمعصية ، فقال _ جلّ وعلا _ مشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه الطاعة : هؤلاء للجنّة ، ومشيرا إلى من ظهرت منه المعصية : هؤلاء للنار ولا اُبالي . فلمّا علم اللّه تعالى أنّ أفعال الأرواح بعد تعلّقهم بالأبدان موافقة لفعلهم يوم الميثاق مهّد لكلّ روح شروطا تناسب ما في طبعه من السعادة والشقاوة . «منعهم إطاقة القبول» معناه أنّه لم يشأ ولم يقدّر قبولهم ، ومن المعلوم أنّ المشيئة والتقدير شرطان في وجود الحوادث _ كما مرّ _ وإن لم يكونا من الأسباب . وأمّا قوله : «ولم يقدروا أن يأتوا» فمعناه _ واللّه أعلم _ أنّهم لم يقدروا على قلب حقائقهم بأن يجعلوا أرواحهم من جنس أرواح السعداء . وسيجيء في اُصول هذا الكتاب : لا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء . «لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق» تعليل لقوله : «فوافقوا ما سبقوا لهم في علمه » . وهنا فائدتان : إحداهما : أنّ الجمادات إذا خُلّيت وأنفسها كانت في أمكنة مخصوصة مناسبة لطبعها ، فكذلك الأرواح إذا خُلّيت وإرادتها اختارت الطاعة أو المعصية ، فمقتضى الطبع قسمان . وثانيتهما : إنّ لعلمه تعالى بأنّ بعض الأرواح يختار المعصية ما خلق الأشياء السبعة التي هي شرط الطاعة ، وخلق السبعة التي هي شرط المعصية ولا يلزم الجبر ؛ لأنّ التمهيد وقع على وفق اختياره . وبعبارة اُخرى : الجبر هو خلق الفعل في العباد ، أو خلق ما يخلق الفعل فيهم ، كالميول القسريّة . والاضطرار جاء بمعنى الجبر ، وجاء بمعنى الإكراه وهو أن يفعل الإنسان بإرادته فعلاً لا يحبّه بخوف ونحوه . (7) انتهى . ومن المعلوم أنّ صرف طائفة من العمر في مطالعة المصنّفات في اُصول الفلاسفة لضرّه أكثر من نفعه ، ومن ضرّه ظنّ مثل الفاضل من أصحابنا أنّه لو لم يتمسّك بحبل تلك الاُصول لما أمكنه توجيه طائفة من أحاديثهم عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا سأل السائل عمّا يستند إليه حكم اللّه لعذاب أهل الشقاء ، وأنّه لابدّ أن يكون لحوق الشقاء لهم مقدّما على حكم اللّه في علمه حتّى يترتّب عليه ذلك الحكم ، وعمّا يستند إليه لحوق الشقاء سابقا على حكمه في علمه ، وأنّه لا شيء قبل علمه يستند إليه لحوق الشقاء لهم . أجاب عليه السلام : بأنّ حكم اللّه لا يقوم له أحد من خلقه بموجبه وبيان سببه ، أو بما يليق به ، وبأن يكون بيانا بسببه ولا بإدراكه وفهمه ، وما هو كذلك فحقيقٌ بأن لا يتعرّض لبيانه ، والسّكوت عمّا يعجز اللّسان عن بيانه أولى من التعرّض للبيان . ثمّ بيّن بقوله : «فلمّا حكم بذلك» أنّ حكمه بذلك في علمه يترتّب عليه إعطاء المعرفة لأهل السعادة وأهل محبّته ، ووَضْع ثقل العمل عنهم بثبوت ما هم أهله ، وإعطاء أهل الشقاء والمعصية القوّة على معصيتهم لما علمه فيهم من الشقاء . «ومنعهم» ولم يعطهم «إطاقة القبول منهم، فواقعوا ما سبق لهم في علمه» من السعادة والشقاوة وتوابعهما «ولم يقدروا» على الإتيان بحال لهم يُنجيهم من عذابه ؛ لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق والوقوع . «وهو معنى شاء ما شاء » أي ما ذكرناه من أنّه لا يقوم بحكم اللّه أحد من خلقه بحقّه معنى «شاء ما شاء» «وهو سرّه» الذي لم يطّلع عليه أحد من خلقه . (8) وقال بعض المعاصرين : ما قدّر اللّه سبحانه على الخلق الكفر والعصيان من نفسه ، بل باقتضاء أعيانهم وطلبهم بألسنة استعداداتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا ، فما كانوا في علمه تعالى ظهروا في وجوداتهم العينيّة فليس للحقّ إلّا إفاضة الوجود عليهم والحكم لهم وعليهم ، فلا يحمدوا إلّا أنفسهم ، ولا يذمّوا إلّا أنفسهم ولا يبقى للحقّ إلّا حمد إفاضة الوجود ؛ لأنّ ذلك له لا لهم . (9) انتهى .

.


1- . أورد في آيات متعدّدة منها في البقرة (2) : 10 و 174 .
2- . البقرة (2) : 104 ؛ المجادلة (58) : 4 .
3- . الأنفال (8) : 14 .
4- . الرعد (13) : 25 .
5- . النحل (16) : 9 .
6- . في «ب، ج»: «قبل الميثاق».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 129 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 491 _ 492 .
9- . الوافي، ج 1، ص 529 _ 530.

ص: 429

. .

ص: 430

. .

ص: 431

. .

ص: 432

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنِ النَّضْرِ ، (1) عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ المُعَلّى (2) أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ :«يُسْلَكُ بِالسَّعِيدِ فِي طَرِيقِ الْأَشْقِيَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ السَّعَادَةُ . وَقَدْ يُسْلَكُ بِالشَّقِيِّ طَرِيقَ السُّعَدَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ الشَّقَاءُ ؛ إِنَّ مَنْ كَتَبَهُ اللّه ُ _ عَزَّوَجَلَّ _ سَعِيدا _ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَا فُوَاقُ نَاقَةٍ _ خَتَمَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ» .

هديّة :(يسلك بالسعيد) أي قد يسلك بدليل التناظر ، وكون الكلام في الأبدان المخلوقة بالخلط بين الطينتين . والظرف نائب الفاعل و«الباء» للتعدية . (ما أشبهه) أي ما أشبه هو بالاتّصال وأصله الانفصال . (إنّ من كتبه اللّه عزّ وجلّ سعيدا) أي بعلمه المكنون المخزون على ما عرفت في هديّة سابقة . وفي الحديث : «العيادة قدر فواق ناقة» (3) والفواق _ كغراب _ : ما بين الحَلْبَتين من الوقت لأنّها تحلب ثمّ تترك سُوَيعةً يرتضعها الفَصيل ليدرّ ثمّ تُحلب . يُقال : ما أقام عنده إلّا فُواقا . (4) (ختم له بالسعادة) يحتمل المعلوم ، فالمستتر «للّه عزّ وجلّ» وخلافه ، فالظرف نائب الفاعل . وترك النظير ، لظهوره بالتناظر .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد» .
2- . في الكافي المطبوع : «معلّى» .
3- . الكافي ، ج 3، ص 117 _ 118، باب في كم يعاد المريض و ... ، ح 2؛ وعنه في الوسائل ، ج 2 ، ص 425 ، ح 2543 .
4- . لسان العرب ، ج 10 ، ص 316 (فوق) .

ص: 433

. .

ص: 434

باب الخير و الشرّ

الباب التاسع والعشرون : بَابُ الْخَيْرِ وَ الشَّرِّوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البرقي ، عَنْ السرّاد وَعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ مِمَّا أَوْحَى اللّه ُ تعالى إِلى مُوسى عليه السلام ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي التَّوْرَاةِ : أَنِّي أَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُحِبُّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ ، وَأَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُرِيدُهُ ، فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ» .

هديّة :يعني هذا باب الخير والشرّ اللّذين خالقهما بأنواعهما وأصنافهما وأشخاصهما هو اللّه بالمشيئة والإرادة والقَدَر والقضاء والكتاب والأجل والإذن ، وفاعلهما باختياره هو العبد . وسيذكر في الأوّل من الباب التالي قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ اللّه تعالى كلّف تخييرا ، ونهى تحذيرا » . (خلقت الخلق) بالحكمة والتدبير . (وخلقت الخير) أي عقل الإيمان وجنوده ، فالشرّ هو الكفر وجنوده . وقد عرفت مرارا أنّ أسوء صنوف الكفر كفر الصوفيّة القَدَريّة ، ثمّ كفر القائلين بالقَدَر والتفويض . (أجريته) أي بالقُدرتين والتوفيق ، أو الخذلان . قدرة اللّه الغالبة ، وقدرة العبد المغلوبة . قال برهان الفضلاء : وضع هذا الباب كسابقه لإبطال التفويض الذي ذهبت إليه القَدَريّة ببيان الخير والشرّ ؛ يعني الحسنات من الإيمان والطاعات ، والسيّئات من الشرك والمعاصي ، والقدر في الأشياء عند الصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالخلق الموجود العيني القارّ الوجود ، وبالخير والشرّ ما هو من الأعمال والأفعال . وكلّ الموجودات بأقسامها مستند الوجود إليه سبحانه ، واستناد بعضها إلى من يفعله باعتبار جريانه على يديه ووقوعها تبع قدرته وإرادته بالمدخليّة لا بالإيجاد ، وإنّما إعطاء الوجود من الواجب بذاته الموجب الموجد للأشياء كما هي في علمه بمشيّته وإرادته وقَدَره وقضائه ، فلأفعال العباد موجد وشرائط وأسباب مقرّبة لها إلى الوجود ، ووجودها وجهة خيريّتها من ذلك المبدأ الفاعلي ، وظهورها على يد عاملها وجهات شرّيّتها من شرائطها وأسبابها ؛ أي من أحوال عاملها ، وواسطة ظهورها بجريها على يده ، وبقدرته وإرادته ، فتنسب إلى العامل بهذه الجهة ، فخالقها وموجدها هو اللّه سبحانه وعاملها والمتكلّف بكسبها بقدرته وإرادته وسائر قواه وجوارحه هو من جرت هو على يده بقدرته وإرادته . وسيجيء ما يُغنيك لتحقيق هذا إن شاء اللّه . والحديثان الآخران كهذا الحديث إلّا أنّه زاد فيهما الوعيد على المنكر لما قاله والمتشكّك فيه . (2) انتهى . تفسيره الخلق بما فسّره ، لعلّ للإيماء إلى تعميم الخلق فأنسبه بالمقام ، ولعلّ أنسبيّة التفسير بالعباد بالسياق ، وتفسيره الخير والشرّ أرجح .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن محبوب و عليّ بن الحكم ، عن معاوية بن وهب» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 493 _ 494 ، بتفاوت .

ص: 435

. .

ص: 436

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :إِنَّ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّه ُ في (2) كُتُبِهِ : أَنِّي أَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ ذَا؟» .

هديّة :(كيف ذا؟ وكيف ذا؟) كناية عن السؤال عن الوجه المخزون عند العدل الحكيم ، أو الحكم بوجههما رأيا وقياسا ، أو الإنكار لحقّيّة حكم الحديث .

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عن العبيدي ، (3) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ كَرْدَمٍ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ : أَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ هذَا؟» . 4 قَالَ يُونُسُ : يَعْنِي مَنْ يُنْكِرُ هذَا الْأَمْرَ يَتَفَقّهٍ (4) فِيهِ .

هديّة :(بكّار) كعطّار . و(كردم) كجعفر . وقيل : كعنصر ؛ الرجل القصير الضخم . (5) (يتفقّه فيه) حال من فاعل (ينكر) أي يجتهد في تخريج وجهه بعقله ورأيه . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «بتفقّه فيه» على المصدر للتكلّف ؛ أي بسبب دعوى علمه ومعرفة سرّه كالصوفيّة . قال برهان الفضلاء : يعني قال محمّد بن عيسى : قال يونس : يعني عليه السلام بقوله : لمن يقول : من ينكر _ كالمعتزلي _ أنّه تعالى خالق الخير والشرّ بادّعائه العلم بخلافه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «من» .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى» .
4- . في الكافي المطبوع : «بتفقّه» .
5- . لسان العرب ، ج 12 ، ص 516 (كردم) .

ص: 437

. .

ص: 438

باب الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين

الباب الثلاثون : بَابُ الْجَبْرِ وَ الْقَدَرِ وَ الْأَمْرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِوأحاديثه كما في الكافي أربعة عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، عَنْ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا رَفَعُوهُ ، قَالَ :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام جَالِسا بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ صِفِّينَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فَجَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ (1) : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلى أَهْلِ الشَّامِ ، أَ بِقَضَاءٍ مِنَ اللّه ِ وَقَدَرٍ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَجَلْ يَا شَيْخُ ، مَا عَلَوْتُمْ تَلْعَةً وَلَا هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلَا بِقَضَاءٍ مِنَ اللّه ِ وَقَدَرٍ . فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : عِنْدَ اللّه ِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ : مَهْ يَا شَيْخُ ، فَوَ اللّه ِ ، لَقَدْ عَظَّمَ اللّه ُ لَكُمُ الْأَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ ، وَفِي مُقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ ، وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالَاتِكُمْ مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ . فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : وَكَيْفَ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَالَاتِنَا مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ ، وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟! فَقَالَ لَهُ : وَتَظُنُّ أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْما ، وَقَدَرا لَازِما ؛ إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذلِكَ ، لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ اللّه ِ عزَّوَجَلَّ ، وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَلَمْ تَكُنْ (2) لَائِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ ، وَلَا مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ المُذْنِبُ أَوْلى بِالْاءِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ ، وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا ، إِنَّ اللّه َ _ عزَّوَجَلَّ _ كَلَّفَ تَخْيِيرا ، وَنَهى تَحْذِيرا ، وَأَعْطى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرا ، وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوبا ، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِها ، وَلَمْ يُمَلِّكْ مُفَوِّضا ، وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثا «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» ، فَأَنْشَأَ الشَّيْخُ يَقُولُ : أَنْتَ الْاءِمَامُ الَّذِي نَرْجُو بِطَاعَتِهِيَوْمَ النَّجَاةِ مِنَ الرَّحْمنِ غُفْرَانا أَوْضَحْتَ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ مُلْتَبِساجَزَاكَ رَبُّكَ بِالْاءِحْسَانِ إِحْسَانا» .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «له» .
2- . في «ب» و «ج» : «فلا تكن» .

ص: 439

هديّة :هذا الحديث في توحيد الصدوق رحمه الله سنده متّصل غير مرفوع هكذا : أحمد بن عمران الدّقاق ، عن محمّد بن الحسن الطائي ، عن سهل ، عن عليّ بن جعفر الكوفي ، قال : سمعت سيّدي عليّ بن محمّد عليهماالسلاميقول : حدّثني أبي محمّد بن علي ، عن أبيه الرضا ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . ورواه بسند آخر أيضا متّصل غير مرفوع . (1) ولعلّ المراد ب«الكوفة» هنا مسجدها . و«المنصرف» : مصدر ميمي بمعنى الانصراف . و(صفّين) كسجّين موضع قرب الرَقَّة بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية لعنه اللّه . جثا يجثوا جُثُوّا وجُثِيّا بضمّ الجيم _ والمثلّثة في الأوّل مضمومة وفي الثاني مكسورة _ : جلس على ركبتيه وأقام على أطراف أصابعه . (2) (إلى أهل الشام) إلى معاوية وعسكره . و«التلعة» _ بفتح المثنّاة الفوقانيّة وسكون اللام والمهملة _ : ما ارتفع من الأرض . (عند اللّه ) على تقدير الاستفهام التعجّبي . و«العناء» بالفتح والمدّ . يعني أمِنْهُ تعالى أطلبُ أجر مشقّتي مع وقوع ذلك بقضائه وقدره ؟ وزيدَ في بعض الروايات : «ولا أرى في ذلك أجرا» . (ولا إليه مضطرّين) يعني لخلقه تعالى فيكم الاختيار ، ولعلمه الأزلي بما يصدر باختياركم من الطرفين على التوفيق أو الخذلان «وَ مَا تَشَآءُونَ إِلَا أَن يَشَآءَ اللَّهُ» . (3) قال المحقّق الطوسي نصير الملّة والدِّين في بعض رسائله المعمول لتحقيق الأمر بين الأمرين : العبد مختار في الفعل والترك إلّا أنّ مشيّته ليست تحت قدرته كما قال اللّه تعالى : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» ، فإذن نحن في مشيّتنا مضطرّون وفي عين الاختيار مجبورون . (4) (قضاءً حتما) أي بالإجبار والإكراه ، أو بإيجاب الفاعل الموجب . (وقدرا لازما) للذوات والحقائق كما زعمت الصوفيّة القدريّة . وإنّما «كان المذنب أولى بالإحسان ، والمحسن أولى بالعقوبة » ؛ لأنّ فعل العبد إذا كان بالقضاء الحتم والجبر فلابدّ من القول بالظلم ، والظالم شأنه الإحسان إلى المذنب وعقوبة المحسن ؛ فإنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه . (ومجوسها) عطف تفسير ل «القدريّة» ، كالقدريّة ل (إخوان عبدَة الأوثان ، وخصماء الرحمان ، وحزب الشيطان) . وفي رواية ابن عبّاس : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن أبرأ من خمسة ؛ من الناكثين وهم أصحاب الجمل ، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام ، ومن الخوارج وهم أهل النهروان ، ومن القَدَريّة وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا : لاقَدَر ، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا : اللّه أعلم . (5) وقال بعض المعاصرين : وإنّما كان المذنب أولى بالإحسان ؛ لأنّه لا يرضى بالذنب كما يدلّ عليه جبره عليه ، فجبره عليه يستدعى إحسانا في مقابلته . والمحسن أولى بالعقوبة ؛ لأنّه لا يرضى بالإحسان لدلالة الجبر عليه ، ومن لا يرضى بالإحسان أولى بالعقوبة من الذي يرضى به . (6) انتهى . وقال برهان الفضلاء في بيان هذا الحديث : اعلم أنّ المذاهب في أفعال العباد ثلاثة : الأوّل : الجبر ، وأهله أربع طوائف : الاُولى : رهط جهم بن صفوان الترمذي ، قالوا : لا فرق بين الحركة رعشة ومشيا وجميع حركات العباد كحركة الأوراق على الأشجار ، ليس لغير اللّه تعالى فيها قدرة واختيار . الثانية : الأشاعرة ، قالوا : إنّما الفاعل لأفعال العباد هو اللّه ، وفرّقوا بين الحركتين بأنّ في الحركة رعشةً لا قدرة للعبد أصلاً ، وفي الحركة مشيا له قدرة ولكن يصدر بقدرة اللّه ؛ لأنّها أقوى ، ولو فرض عدم قدرته على المحال لَيَصدر بقدرة العبد . وبهذا الاعتبار سمّوا أفعال العباد الاختياريّة كالحركة مشيا مكسوبةَ العباد ولم يسمّوا مثل الحركة رعشةً مكسوبةَ العبد . الثالثة : تبعة اليهود والفلاسفة القائلين بامتناع تخلّف المعلول عن علّته التامّة ، ووجوب كلّ فعل عندها ، وسمّوا هذا الوجوب بالوجوب السابق ، فلمّا قالوا بانتهاء سلسلة العلل إلى واجب الوجود، وبأنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد ، وبقدم العالم لزمهم القول بمجبوريّة واجب الوجود وجميع الفاعلين في سلسلة العلل وإن كانوا لدفع الفضيحة قائلين بالقدرة والاختيار . ولايمكن أن يكون حسن الأشياء ولا قبحها عند هذه الطوائف الثلاث عقليّا . الرابعة : المخطّئة _ على اسم الفاعل من التفعيل _ قالوا : إنّ اللّه تعالى أمر العباد بمعصية إنكار ربوبيّته والشرك ؛ لأنّه جعلهم مجبورين على تبعيّة الظنّ وقد يقع فيه الخطأ ، لعدم تصريحه تعالى بجميع أحكام الدين في محكمات القرآن ، وأمُره العباد بإطاعة الرسول واُولي الأمر يستلزم أمرهم بالشرك وتبعيّة الظنّ الذي قد يقع فيه الخطأ . وهذا الاستدلال عن المخطّئة حكى اللّه سبحانه بقوله : «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّه ُ مَا أَشْرَكْنَا» (7) . المذهب الثاني : التفويض ، ويسمّى بالقَدَر أيضا ، وأهله ثلاث طوائف : الاُولى : المعتزلة وهم قالوا بالتفويضين : أحدهما: أنّ أفعال العباد ليست تحت مشيئة اللّه وإرادته وقضائه . وثانيهما : أنّهما ليست داخلة تحت إذن اللّه تعالى . وقد سبق بيان التفويضين . وتسميتهم بالقَدَريّة عند طائفة من العلماء ؛ لنسبتهم جميع القَدَر _ أي التدبير في الفعل _ إلى العباد . الثانية : المصوّبة _ كالمخطّئة _ وهم قالوا : الاجتهاد ليس بخطإ ولو كان خطأً ، و المخطئ مصيب ومثاب وحكم اللّه في المسائل الخلافيّة تابع لرأي المجتهد . وبهذا الاعتبار سمّيت المصوّبة بالقَدَريّة أيضا ؛ لنسبتهم تدبير الأحكام إلى رأي العباد . الثالثة : رهط مُؤيَس _ كزبير بالميم والواو والمهملة بعد الخاتمة _ وهم قالوا : إنّ اللّه تعالى فوّض طائفةً من الأحكام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ يعني إلى اجتهاده بالظنّ والرأي والقياس وصوّب تعالى اجتهاده عليه السلام وإن كان خطأ ، فهم المصوّبة في حقّ الرسول وبعض الأئمّة أيضا . وسمّيت هذه الطوائف الثلاث أيضا بالمصوّبة ؛ لما عرفت . سيذكر الفرق بين هذا التفويض والتفويض الذي سيذكر في كتاب الحجّة في باب التفويض إلى رسول اللّه والأئمّة عليهم السلام في أمر الدّين . المذهب الثالث : الأمر بين الأمرين ، وأهله الشيعة الاثني عشريّة مستندين في ذلك إلى الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه تبارك وتعالى . وليس المراد بالقضاء والقَدَر هنا ما مرّ في بيان الخصال السبع ، بل المراد التدبير المطلق ؛ يعني مطلق التدبير من الحكيم تعالى ، فباعتبار أنّ فيه قطع وفصل يسمّى قضاء ، وباعتبار أنّه مطابق للحكمة يسمّى قدرا . وبعبارة اُخرى : «القضاء» هو الأمر ، و«القَدَر» هو الحكم بضمّ الكاف . والمعنى أنّه لم يكن هذا السَفَر بقضاء واحد وقَدَر واحد، بل كان لكلّ فعل فيه قضاء وقدر على حِدةٍ . و«العناء» _ بالفتح والمدّ _ : التعب . «وتظنّ» عطف على مقدّر ؛ أي وتسمع جوابك وتظنّ بعدُ . وإنّما كان المذنب أولى بالإحسان ؛ لأنّه مجبور ، فيلزم أن يعوّض ما فعل به من الجبر بالإحسان . «ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب» ؛ لأنّه مجبور وفعله الإساءة لولا الجبر . «ولم يعص مغلوبا» ردّ على المفوّضة ؛ حيث قالوا : إنّ كلّ المعاصي بغالبيّة الشيطان ومغلوبيّة الرّحمان ، وبعض الطاعات بمغلوبيّة الرّحمان ؛ بمعنى أنّه لو يريد خلافه لصدر أيضا كالمعاصي . «ولم يطع مكرها» بفتح الرّاء ؛ أي مجبورا مغلوبا كما لم يعص مغلوبا . «ولم يملّك» على المعلوم من التفعيل . «مفوّضا» على اسم الفاعل منه أيضا ؛ أي ولم يجعل أحدا قادرا مفوّضا ، بكسر الواو . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه اللّه تعالى : يفهم من الأحاديث أنّ معنى القَدَر هنا _ يعني في العنوان _ إنكار توقّف الحوادث على تقدير اللّه تعالى توقُّف المشروط على الشرط لا توقّف المسبّب على السبب ، فالمضاف محذوف ؛ أي إنكار القَدَر . ويفهم من بعض الأحاديث أنّ القَدَر هنا (8) بمعنى الاستطاعة أيضا . ويفهم من كلامهم عليهم السلام أنّ المراد من الجبريّة الأشاعرة ، ومن القدريّة المعتزلة ؛ لأنّهم شهّروا أنفسهم بإنكار ركن عظيم من الدين وهو كون الحوادث بقَدَر اللّه وقضائه ، وهم زعموا أنّ العبد قبل أن يقع منه الفعل مستطيع ، (9) يعني لا يتوقّف فعله على تجدّد فعل من أفعاله تعالى ، وهذا معنى التفويض يعني اللّه تعالى فوّض أفعال العباد إليهم . وفي كلامهم عليهم السلام : «من قال بالتفويض فقد أخرج اللّه عن سلطانه» . (10) وأنّ (11) أفعال العباد يتوقّف على اُمور سبعة توقّف المشروط على الشرط لا المسبّب على السبب . وأنّ آخر تلك الاُمور الإذن ، وأنّه مقارن لحدوث الفعل من العبد وليس قبل حدوثه ، وإلّا لزم التفويض وإن يخرج اللّه من سلطانه ، وأنّ (12) الأمر بين الأمرين هو أمر بين الجبر والتفويض . وقد مرَّ توضيحه في الحواشي السابقة . وقوله : «تلك مقالة إخوان عَبَدة الأوثان » يعني أنّ القول بأنّ الحوادث كونها بقَدَر اللّه وقضائه يستلزم أن يكون العباد مجبورين ، مقالة طائفتين : إحداهما الأشاعرة ، والاُخرى المعتزلة ، ففي العبارة الشريفة ذمّ الطائفتين : أوّلاً ذمّ الأشاعرة ، وثانيا ذمّ المعتزلة . ف«عبَدَة الأوثان» إشارة إلى الأشاعرة، و«قَدَريّة هذه الاُمّة» إشارة إلى المعتزلة ، كما وقع التصريح به في روايات كثيرة . والقدريّة والأشاعرة زعموا أنّ القَدَر والقضاء لا يكونان إلّا بطريق الإلجاء ، فنفاهما المعتزلة وأثبتهما الأشاعرة . و«مكرها» بكسر الرّاء . (13) انتهى . أنت خبير ممّا عرفت مرارا أنّ ورود الحديث تارةً ب «أنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة» ، (14) واُخرى ب «أنّ الصوفيّة مجوس هذه الاُمّة» (15) ينفي المنافاة بين إطلاق القدريّة تارةً على الصوفيّة واُخرى على المعتزلة ، على أنّ تغاير الاعتبارين في الإطلاق كاف لنفي المنافاة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : تلخيص ما في هذا الحديث _ من سؤال السال وجوابه عليه السلام _ أنّه سأل عن كون أفعالهم وما عملوه في مسيرهم لجهاد أهل الشام : هل كان بقضاء اللّه وقدره ؟ والظاهر أنّ القضاء إذا استعمل مع القَدَر الإيجابُ الذي منه سبحانه في طريق الإيجاد ، لا الإيجاب التكليفي من الطلب الحتمي للفعل كما في الأمر ، أو للكفّ عن الفعل أو تركه كما في النهي ، ولا الإعلام . فالأولى أن يحمل القضاء في هذا الحديث على ذلك الإيجاب ، لا على أحد من الأخيرين ، فلنحمله عليه كما هو الظاهر من كلام السائل ؛ حيث قرنه بالقَدَر ؛ وحيث استفهم عن احتسابه عند اللّه بعَنائه وتعبه ومشقّته في إتيانه بتلك الأفعال والأعمال استفهاما إنكاريّا . وحيث راجع في السؤال بعد الردّ عليه في الجواب بقوله عليه السلام : «مه يا شيخ» إلى قوله : «ولا إليه مضطرّين » فأعاد السؤال بقوله : «وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ، ولا إليه مضطرّين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟!» . وحينئذٍ فتقرير جوابه عليه السلام أنّ القضاء والإيجاب في طريق الإيجاد على قسمين : أحدهما : الإيجاب بمدخليّة قدرة العبد وإرادته ، ولا إيجاب منه سابقا عليها وإنّما المؤدّي إلى الإكراه والاضطرار الإيجاب السابق عليهما ، لا الإيجاب بهما . والثاني : الإيجاب لا بمدخليّة القدرة والإرادة من العبد ، وهو المراد بالقضاء الحتم والقَدَر اللّازم . وهذا القسم من الإيجاب هو المؤدّي إلى الإكراه والاضطرار . فقول السائل باستلزام الكون بالقضاء للإكراه والاضطرار يدلّ على ظنّه أنّ القضاء في أفعال العباد قضاء حتم ، والقدر فيها قدر لازم وجوبا ولزوما لا بمدخليّة القدرة والإرادة من العبد ، كما قال عليه السلام : «وتظنّ أنّه كان قضاءً حتما ، وقدرا لازما» أي تظنّ أنّ القضاء الذي قلتَ إنّ ما فعلتم به وكذا القدر ، كان قضاءً حتما وقدرا لازما سابقين على قدرة العبد وإرادته ، وليس تعلّقهما بأفعال العباد وأعمالهم على هذا النحو ، ولو كان تعلّقهما بها كذلك لخرج أفعالهم عن قدرتهم ولم تكن بها وبإرادتهم ، ولم يستحقّوا بها مدحا ولا ذمّا ؛ لاختصاصهما بما يصدر عن المختار بقدرته وإرادته وإذا كان كذلك لبطل الأمر والنهي ؛ لقبح مخاطبة غير القادر بهما ولم يكن الوعد والوعيد حينئذٍ بمعني ، و سقط المقصود بهما وبطل الثواب والعقاب ؛ حيث لاينفكّ استحقاقهما عن استحقاق المدح والملامة ، ولو فرض جريان المدح والذمّ واستحقاقهما واستحقاق الإحسان والإثابة والعقوبة وترتّبها على الأفعال الاضطراريّة الخارجة عن القدرة والاختيار لكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، والمحسن أولى بالعقوبة من المسيء ؛ لأنّ في عقوبة المسيء على ذلك التقدير جمع (16) بين إلزامه [بالسيّئة وعقوبته عليها ، وكلّ منعهما إضرارٌ وإزراء به ، وفي إثابة المحسن جمعا بين إلزامه] (17) بالحسنة وإثابته عليهما . (18) وكلّ منهما نفع وإحسان إليه . وفي خلاف ذلك يكون لكلّ منهما نفع وضرر ، وهذا بالعدل أقرب وذلك بخلافه أشبه . «إنّ اللّه كلّف تخييرا» أي أمره جاعلاً له مخيّرا بين الفعل والترك بإعطاء القدرة له على الإتيان بما شاء منهما من غير إكراه وإجبار . «ونهى تحذيرا» وطلبا للاحتراز عن فعل المنهيّ عنه لا بإكراه على الترك . «وأعطى على القليل كثيرا» ترغيبا للإطاعة وترك المعصية ، ولم يعص ولا يقع العصيان عن طاعته بمغلوبيّته ، بل بما فيه الحكمة من عدم إكراهه وإجباره . ويحتمل أن يكون المراد لا يقع العصيان بمغلوبيّة العاصي ؛ فإنّه لا عصيان مع عدم الاختيار ، ولا يقع الطاعة له بإكراهه المطيع على الطاعة ؛ فإنّه لا طاعة إلّا بالاختيار . «ولم يملك مفوّضا» يحتمل أن يكون الفعل من الملك ، أي لم يملك مُلكا وسلطانا يفوّض فيه خلق مخلوق _ كأفعال العباد _ إلى مخلوق مثلهم ، فيكون وجودهم مستندا إليهم لا إليه سبحانه . ويحتمل أن يكون من الإملاك ، أي لم يُعط السلطنة للعباد على أفعالهم مفوّضا خلقها إليهم . «ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً» لا يشتمل على حكمة كاملة . «ولم يبعث النبيّين مبشِّرين ومنذرين عبثا» لا يترتّب عليها غايتها و «ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ» . (19) انتهى . وفي توحيد الصدوق زيادة قبل «فأنشأ الشيخ» وبعد «من النار» وهي : فقال الشيخ : فما القضاء والقدر اللّذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلّا بهما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «الأمر من اللّه والحكم» ثمّ تلا هذه الآية : « «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلَا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا» (20) ؛ أي أمر ربّك أن لا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا» (21) فأنشأ الشيخ يقول الحديث . التفسير من أمير المؤمنين عليه السلام والآية في سورة بني إسرائيل . و«الحكم» بالضمّ بمعنى الحكمة ، يعني هما عبارة عن الإمضاء بالحكمة الكاملة . وفسّر «هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟» ب«هل جزاء كلمة التوحيد بشروطها إلّا الجنّة» .

.


1- . التوحيد ، ص 380 ، باب القضاء والقدر و ... ، ح 28 .
2- . لسان العرب ، ج 14 ، ص 131 (جثا) .
3- . التكوير (81) : 29 .
4- . حكاه عنه في ضمن كلام طويل في الوافي ، ج 1 ، ص 537 _ 539 .
5- . رجال الكشّي ، ص 56 ، الرقم 106 ؛ وعنه في البحار ، ج 42 ، ص 152 ، ح 20 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 536 _ 537 .
7- . الأنعام (6) : 148 .
8- . في المصدر : + «جاء» .
9- . في المصدر : + «تامّ» .
10- . راجع الكافي ، ج 1 ، ص 158 ، باب الجبر والقدر و ... ، ح 6 .
11- . عطف على قوله : «ويفهم من كلامهم» وكذا ما بعده .
12- . في المصدر : «وأمّا» .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130 .
14- . التوحيد ، ص 382 ، باب القضاء والقَدَر و ... ، ح 29 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175 .
15- . لم أجده بهذا اللفظ .
16- . في المصدر : «جمعا» .
17- . مابين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
18- . في المصدر: «عليها».
19- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 494 _ 499 .
20- . الإسراء (17) : 23 .
21- . التوحيد ، ص 382 ، ذيل الحديث 28 .

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ إِلَيْهِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ» .

هديّة :أوّل الحديث ردّ على الأشاعرة ، وناظر إلى آية سورة الأعراف : «وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللّه ُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّه َ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (2) . قال برهان الفضلاء : فسّرت «الفاحشة» بالاقتداء بأئمّة الجور ، وفسّرت «الفحشاء» بالآراء الباطلة والعقايد الفاسدة والحكم بمقتضاهما . وآخر الحديث ردّ على المعتزلة المفوّضة القائلين باستقلال العبد واستطاعته ، فضمير «إليه» الزاعم ، والظرف متعلّق بالتفويض تقديرا . وعلى الصوفيّة القدريّة أيضا ، وهم قائلون بنسبة الخير والشرّ إلى ذات العبد بطلبه بلسان الاستعداد ما استعدّ له منهما . ويحتمل أن يكون ضمير «إليه» له سبحانه ، فردّ على الأشاعرة أيضا ، وهم قائلون بأنّه تعالى كما هو خالقهما فاعلهما أيضا . وقد عرفت الفرق بين الخلق والفعل ، وأنّ العبد فاعل فعله بمدخليّة قدرته واختياره ، واللّه سبحانه خالق فعل العبد . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه اللّه تعالى : «مَن زعم أنّ اللّه يأمر بالفحشاء» إشارة إلى فساد قول الأشاعرة من نفي الحسن والقبح العقليّين ، وتجويز أن يأمر بما نهى عنه ممّا يحكم العقل بقبحه ، وأن يأمر بالسوء والفحشاء ؛ فإنّ إبطال حكم العقل فيما يحكم به بديهةً أو بالبرهان باطل ، والأمر القبيح قبيح ، ومن جوّز القبيح على اللّه فقد كذب عليه . «ومن زعم أنّ الخير والشرّ إليه» إشارة إلى فساد قول المعتزلة من أنّ الخير والشرّ من أفعال العباد مفوّض إليهم ، وأنّ العبد مستقلّ بإيجاد أفعاله ، وأنّ اللّه سبحانه يجري في ملكه خلق شيء وإيجاده لا بإرادته ، وأنّه (3) قول بخالق وموجد سواه ، وبتحقّق مخلوق لا يكون وجوده منه بقدرته وإرادته كقول المجوس في الشرور . ومَن زعم هذا «فقد كذب على اللّه » وأبطل ملكه وسلطانه . ويحتمل أن يكون المراد أنّ من زعم أنّ الخير والشرّ إلى اللّه سبحانه من غير مدخليّة إرادة العبد وقدرته _ كما يقوله الأشاعرة _ فقد كذب على اللّه ، فيكون إشارة إلى فساد قول الأشاعرة أيضا كالفقرة الاُولى . واللّه أعلم . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء» .
2- . الأعراف (7) : 28 .
3- . في المصدر : «فإنّه» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 499 .

ص: 448

. .

ص: 449

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْوَشَّاءِ ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ ، فَقُلْتُ : اللّه ُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ :«اللّه ُ أَعَزُّ مِنْ ذلِكَ» . قُلْتُ : فَجَبَرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ : «اللّه ُ أَعْدَلُ وَأَحْكَمُ مِنْ ذلِكَ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «قَالَ اللّه ُ تبارك وتعالى : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَنَا أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ؛ عَمِلْتَ الْمَعَاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِيكَ» .

هديّة :(أعزّ من ذلك) أي من أن يكون شيء موجودا في العالم باستقلال قدرة غيره تعالى ولا خالق سواه . (أعدل وأحكم من ذلك) أي من الإجبار على المعاصي والتعذيب بها والنهي عنها . وفي الاستشهاد بالحديث القدسي بيان للأمر بين الأمرين ، وقد علم بيانه بنظيره السابق في باب المشيئة والإرادة ردّا على طوائف الجبريّة والمفوّضة والقدريّة بأنّ الخالق لفعل العبد هو اللّه سبحانه ، والفاعل هو العبد بمدخليّة قدرته وإرادته اللّتين أعطاهما اللّه إيّاه .

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ مَرَّارٍ ، (2) عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام :«يَا يُونُسُ ، لَا تَقُلْ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ ؛ فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَلَا بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَلَا بِقَوْلِ إِبْلِيسَ ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالُوا : «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى هَدَينَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآَ أَنْ هَدَينَا اللّهُ» وَقَالَ أَهْلُ النَّارِ : «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَ كُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ» وَقَالَ إِبْلِيسُ : «رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى» » . فَقُلْتُ : وَاللّه ِ ، مَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ ، وَلكِنِّي أَقُولُ : لَا يَكُونُ إِلَا بِمَا شَاءَ اللّه ُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى ، فَقَالَ : «يَا يُونُسُ ، لَيْسَ هكَذَا ، لَا يَكُونُ إِلَا مَا شَاءَ اللّه ُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى ؛ يَا يُونُسُ ، تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ؟» ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «هِيَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ ، فَتَعْلَمُ مَا الْاءِرَادَةُ؟» ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «هِيَ الْعَزِيمَةُ عَلى مَا يَشَاءُ ، فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ؟» ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «هوَ (3) الْهَنْدَسَةُ ، وَوَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ وَالْفَنَاءِ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «وَالْقَضَاءُ هُوَ الْاءِبْرَامُ وَإِقَامَةُ الْعَيْنِ» . قَالَ : فَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَهُ ، وَقُلْتُ : فَتَحْتَ لِي شَيْئا كُنْتُ عَنْهُ فِي غَفْلَةٍ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار» .
3- . في الكافي المطبوع : «هي» .

ص: 450

هديّة :(لا تقل بقول القدريّة) أي الصوفيّة وهم قائلون _ كما نقلناه عن بعض المعاصرين في هديّة الثاني في الباب الثامن والعشرين _ بأنّ القَدَر شأن الحقائق والماهيّات وليس من الحقّ إلّا إفاضة الوجود . ( بقول أهل الجنّة) في نسبة فعل الخير والشرّ من العبد باختياره إلى إيجاد اللّه سبحانه بالتوفيق والخذلان . (ولا بقول أهل النار) في الإقرار بأنّ المعصية باختيارهم . (ولا بقول إبليس) في الإقرار بأنّ اللّه تعالى هدى من أحبّه وأغوى من لم يحبّه بعد جعله الاختيار فيهما ، وعلمه بما يختار كلّ منهما . والآية الاُولى في سورة الأعراف (1) والثانية في سورة المؤمنون ، (2) والثالثة في سورة الحجر . (3) (ليس هكذا) نفي لسببيّة مشيئة اللّه وإرادته وقدره وقضائه لفعل العبد بإثبات شرطيّتها له كما سبق بيانه . و(الذِّكر) بالكسر والضمّ . يعني قال مشيئة اللّه المتعلّقة بفعل العبد هي خلق القدرة والاختيار فيه ؛ ليذكر الفعل أو الترك ، وإرادته كذلك جعله مريدا لأحدهما عازما عليه بالتوفيق أو الخذلان . و(الهندسة) : معرّب «اندازه». و(الإبرام) هنا بمعنى الإذن والإمضاء . قال برهان الفضلاء : المراد بالقدريّة هنا المعتزلة ، وبقولهم : تفويضهم الأوّل الذي إثبات المشيّة والإرادة والقدر والقضاء في الخصال السبع على ما سبق لإبطاله . ومراد السائل بقوله : «إلّا بما شاء اللّه » إثبات الواسطة بين تفويضهم الأوّل وبين القول بأنّ الخصال الأربع تتعلّق بالمعاصي بلا واسطة ، والباعث على إثباته الواسطة استبعاده تعلّق مشيئة اللّه سبحانه بالمعاصي . وحاصل جوابه عليه السلام : أنّ ما استبعدته ليس منافيا لعدالته تعالى على ما سبق مفصّلاً . وحرف الجرّ يوهم أن يكون مشيّته تعالى كمشيّة العبد نفسانيّة ، وأهل الجنّة سلبوا الفعل عنهم بإسناد الهداية إليه تعالى ، وأهل النار سلبوه عنهم بإسناده إلى غلبة الشّقوة ، وإبليس سلبه عنه بإسناده الإغواء إلى اللّه سبحانه ، والمفوّضة نسبوه مطلقا إلى أنفسهم وقالوا باستقلال العبد فيه كاستقلال اللّه تعالى في أفعاله . والفرق بين «بما» و«ما» أنّ الباء تدلّ على العلّية ، فالمعنى بدون الباء : لا يصدر فعل من عبد إلّا بمشيّة اللّه سبحانه ؛ أي بتوسّط مشيّته بين مشيئة العبد والفعل توسّطا إضافيا ولذا قيل : الفرق بين «بما شاء اللّه » و«ما شاء اللّه » أنّ الأوّل جبر محض ، والثاني أمرٌ بين الأمرين ، أو أعمّ . «كنت عنه في غفلة» يعني كان ظنّي أنّ تعلّق مشيئة اللّه بالمعاصي قبيح ، فعلمت أن لا منافاة بينه وبين عدالته سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه اللّه بخطّه : لم يقولوا بقول أهل الجنّة ؛ يعني الفِرَق الثلاثة قائلون بأنّ الهداية والشقاوة والغواية بتقدير اللّه تعالى ، والقدريّة أنكروه . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا تقل بقول القدريّة» الظاهر أنّ المراد هنا أيضا بالقدريّة من يقول بأنّ أفعال العباد وجودها ليست بقدر اللّه وقضائه ، بل بإيجادهم لها بإرادتهم كما في الحديث الأوّل . ومن يقول بعدم مدخليّة قضائه وقدره ، وباستقلال إرادة العبد به ، واستواء نسبته إلى الإرادتين وصدور أحدهما عنه لا بموجب غير الإرادة _ كما ذهب إليه بعض المعتزلة _ لا يقول بقول أهل الجنّة من إسناد هدايتهم إليه سبحانه ، ولا بقول أهل النار من إسناد ضلالتهم إلى شقوتهم ، ولا بقول إبليس من استناد الإغواء إليه سبحانه . «لا يكون إلّا بما شاء اللّه » أي إلّا بالّذي شاء اللّه أو بشيء شاء اللّه . ولمّا كانت هذه العبارة قاصرة عن الدلالة على المراد قال عليه السلام : «ليس هكذا» أي ليس التعبير عمّا هو هكذا ، بل العبارة عنه «لا يكون إلّا ما شاء اللّه وأراد وقدّر وقضى » . وقوله : «هي الذِّكر الأوّل» أي المشيئة فينا هي توجّه النفس إلى المعلوم بملاحظة صفاته وأحواله المرغوبة الموجّهة لحركة النفس التي تحصّله ، (5) وهذه الحركة النفسانيّة فينا وانبعاثها لتحصيله هي العزم والإرادة ، وفي الواجب تعالى ما تترتّب عليه أثر هذا التوجّه ويكون بمنزلته . و«الهندسة» : مأخوذة من الهنداز ، وهي فارسيّة ، ومعناه تحديد مجاري الاُمور ، فلمّا عرّبت صيّرت الزاي سينا ؛ لأنّه ليس في كلام العرب زاي بعد الدال . والمهندس : مقدّر مجاري القناة حيث تحفر ، ثمّ عمّم في تحديد مجاري الاُمور كلّها . (6)

.


1- . الأعراف (7) : 43 .
2- . المؤمنون (23) : 106 .
3- . الحجر (15) : 39 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130 .
5- . في المصدر : «تحصيله» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 501 _ 503 .

ص: 451

. .

ص: 452

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ الْيَمَانِيِّ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّه َ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَعَلِمَ مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ ، وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ ، فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلى تَرْكِهِ ، وَلَا يَكُونُونَ آخِذِينَ وَلَا تَارِكِينَ إِلَا بِإِذْنِ اللّه ِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني».

ص: 453

هديّة :بيان بيّن للأمر بين الأمرين بما لا مزيد عليه . (ما هم صائرون إليه) أي باختيارهم . (وأمرهم ونهاهم) لعدم علّيّة العلم وتحقّق السبيل إلى الطرفين لمكان الاختيار . (فما أمرهم) بيانيّة . ووجه الاستثناء محاليّة فاعليّة العبد بدون خالقيّة الربّ ولا خالق سوى اللّه ، ولحكمته الحيلولة أو التخلية توفيقا أو خذلانا . قال برهان الفضلاء : الاستثناء ردّ على المعتزلة في تفويضهم الثاني ، وهو صدور الفعل عن العبد بدون إذنه تعالى ، وفي متن الحديث اقتصار للاختصار . وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى أخذه ؛ وذلك لأنّ تكليف المجبور ليس من أفعال العدل الحكيم . وقال الفاضل الإسترابادي : سيجيء في الأحاديث أنّ إذن اللّه مقارن لحدوث الفعل والترك ، فإنّ مصداقه الحيلولة أو التخلية ، والإذن آخر الخصال ، وسيجيء في باب الاستطاعة تفسيره . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فما أمرهم به» أي كلّ ما تعلّق به الأمر جُعل للمأمور سبيل إلى تركه بإعطاء القدرة له ، وإمكان المأمور . (2) ولا منافاة بين إمكانه بالذات قبل الإرادة الحتميّة ووجوبه بالعرض بعدها . والمراد الإمكان قبل الإرادة الحتميّة ، فلا يُقال المأمور به واجب ضروري الوجود عند اجتماع أسباب وجوده ، وممتنع ضروريّ العدم عند عدم اجتماع أسباب وجوده فلا إمكان له . «ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذن اللّه » إشارة إلى عدم استقلالهم فيما لهم من الفعل والكفّ والترك . (3)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130 _ 131 .
2- . في المصدر : «المأمور به» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 503 _ 504 ، بتفاوت كثير .

ص: 454

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عن العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ حَفْصِ بْنِ قُرْطٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ يَأْمُرُ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللّه ِ ، فَقَدْ أَخْرَجَ اللّه َ مِنْ سُلْطَانِهِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ بِغَيْرِ قُوَّةِ اللّه ِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ؛ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ، أَدْخَلَهُ اللّه ُ النَّارَ» .

هديّة :الفقرة الاُولى ردّ على الأشاعرة ، والثانية ردّ على الصوفيّة القدريّة _ وقد عرفت مقالتهم في هديّة الثاني في الباب الثامن والعشرين _ والثالثة ردّ على المفوّضة . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ومَنْ زعم أنّ المعاصي بغير قوّة اللّه » ردّ على الأشاعرة ؛ حيث زعموا أنّ المعاصي فعل اللّه لا بقوّة خلقها . (2) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : في هذا الحديث ردّ على عدّة فِرَق: أوّلها : الذين قالوا في آية سورة النساء : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (3) : إنّ من كان حكمه في المختلف فيه بالظنّ والرأي هو داخل في اُولي الأمر واللّه سبحانه أمر بطاعته . وحاصل الردّ أنّه تعالى قال في سورة البقرة : «وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّه ِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (4) ، وفي سورة الأعراف : «إِنَّ اللّه َ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ» (5) ، وفي سورة النحل : «وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ» (6) . وثانيتها : المصوّبة ؛ حيث قالوا : يحصل العلم بالحسن والقبح بدون إرادة اللّه والوحي إلى الرسول ، أو التابعون لزنادقة الفلاسفة ؛ حيث قالوا : إنّ الحوادث مثل الصحّة والمرض ليست بمشيّة اللّه وقدرته ، أو الّذين يقولون باستقلال العبد في القدرة على الفعل والترك وعدم فعله في تحت مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه . وحاصل الردّ : أنّه تعالى قال في سورة الكهف : «وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدا» (7) ، وفي سورة الأنبياء : «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» (8) ، وفي سورة الدهر : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» (9) ، فكيف يكون الخير والشرّ بدون مشيئة اللّه سبحانه . وثالثتها : القائلون بالتفويض الثاني للمعتزلة ؛ حيث لم يثبتوا الإذن في الخصال السبع ، أو القائلون بالجبر ، بعدم إثباتهم قدرة العبد على الفعل والترك ، أو القائلون بعدم كون السعادة والشقاء بخلق اللّه تعالى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
3- . النساء (4) : 59 .
4- . البقرة (2) : 168 _ 169 .
5- . الأعراف (7) : 28 .
6- . النحل (16) : 90 .
7- . الكهف (18) : 26 .
8- . الأنبياء (21) : 35 .
9- . الإنسان (76) : 30 .

ص: 455

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عن البرقي ، عَنْ عُثْمَانَ ، (1) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : كَانَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِالْقَدَرِ (2) وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا هذَا ، أَسْأَلُكَ؟ قَالَ : سَلْ ، قُلْتُ : قد (3) يَكُونُ فِي مُلْكِ اللّه ِ تَعَالى مَا لَا يُرِيدُ؟ قَالَ : فَأَطْرَقَ طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ ، فَقَالَ : يَا هذَا ، لَئِنْ قُلْتُ : إِنَّهُ يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ ، إِنَّهُ لَمَقْهُورٌ ، وَلَئِنْ قُلْتُ : لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إِلَا مَا يُرِيدُ ، أَقْرَرْتُ لَكَ بِالْمَعَاصِي ، قَالَ : فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : سَأَلْتُ هذَا الْقَدَرِيَّ ، فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ :«لِنَفْسِهِ نَظَرَ ، أَمَا لَوْ قَالَ غَيْرَ مَا قَالَ ، لَهَلَكَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن عثمان بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع : «بالقدر» .
3- . في الكافي المطبوع : - «قد» .

ص: 456

هديّة :في بعض النسخ : «يتكلّم في القدر » وضبط برهان الفضلاء كالأكثر ، وقال : يعني بالتفويض الأوّل للمعتزلة . وفسّر «الملك» بالمملكة ، فكأنّه احتمل ضمّ الميم وكسرها . و«نظر» بفكر ، وصرّح بأنّ اللام في «لك» للانتفاع ؛ يعني عن غيرك فأكون مقرّا بخلاف مذهبي ، وأنّ «أما» للتنبيه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «لنفسه نظر » أي احتاط . «لهلك» لأنّه كان يزعم أنّ إرادة اللّه إنّما يكون بطريق الحتم ؛ لقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (1) . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أقررت لك بالمعاصي» أي أمكنتك لفعلها ؛ إذ كلّ معصيته بإرادة . (3) أو المراد أنّه أقررت لك بأنّ المعاصي بإرادته . «لنفسه نظر» أي رقّ ورحم لنفسه وأعانها «لو قال غير ما قال لهلك» . (4) أقول : (رجل يتكلّم بالقدر) أي بنسبة التقادير والتدابير إلى الحقائق والماهيّات ، وإفاضة الوجود حسب إلى الربّ تعالى ، كما صرّح به بعض المعاصرين في كتابه (5) وحكيناه لك مرارا . (لنفسه نظر) أي من تأمّل ولم يحكم في مثله برأيه فنفع نفسه ، وإلّا فهلك أسوء الهلاك كالقدريّة لعنهم اللّه .

.


1- . يس (36) : 80 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
3- . في المصدر : «معصية بإرادته» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 504 _ 505 .
5- . الوافي، ج 1، ص 529 _ 530.

ص: 457

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبِي طَالِبٍ الْقُمِّيِّ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :قُلْتُ : أَجَبَرَ اللّه ُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ : «لَا» . قال : قُلْتُ : فَفَوَّضَ إِلَيْهِمُ الْأَمْرَ؟ قَالَ : «لَا» . قَالَ : قُلْتُ : فَمَا ذَا؟ قَالَ : «لُطْفٌ مِنْ رَبِّكَ بَيْنَ ذلِكَ» .

هديّة :«الهمزة» للاستفهام . و(جبر) كنصر ، أو «أجبر» من باب الإفعال ، وظاهر السياق الاستفهام . (لطف) أي أمرٌ لطيف دقيق جدّا ، وعند فهيمه أوسع ممّا بين السماء والأرض . وقد سبق بيانه وتصوير نظير مصداقه ببيان الحاء صعود القائم على المنحدر إلى القائم على المرتفع بأنّه إمّا باستقلال هذا أو ذاك ، وإمّا بقوّة ذاك على الغالبيّة توفيقا أو خذلانا ، ومدخليّة قوّة هذا على المغلوبيّة كذلك . قال برهان الفضلاء : ظاهر هذا الجواب أنّ المراد بالجبر جبر المخطّئة ، وبالتفويض تفويض المصوّبة ، وباللّطف الإمام المعصوم المفترض الطاعة العالِم بجميع الأحكام . ويحتمل أن يكون المراد بالجبر والتفويض أعمّ ممّا ذكر ، وباللّطف الدقّة ، فيشتمل الإمام المعصوم أيضا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لطف من ربّك بين ذلك » لعلّ المراد باللّطف هنا إعطاء القدرة للعبد على ما يشاء من الفعل والترك ، وجعله عاملاً بإرادته _ الواقعة تحت إرادة اللّه _ بالمأمور به ، والكفّ عن المنهيّ عنه ، وتقريبه من الطاعة بالأمر ، وتبعيده عن المعصية بالنهي . (2) وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «لطف من ربّك» هذا نظير قوله تعالى : «قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» ؛ (3) فإنّ المقامات الصعبة يقتضي الاكتفاء بالإجمال وترك التفصيل . وسمعت اُستاذي رئيس المحدّثين ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه الله ومدّ ظلّه يقول : «لطف من ربّك» أي التكليف والأمر والنهي ، كما سيجيء . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن زعلان» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 505 .
3- . الإسراء (17) : 85 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .

ص: 458

الحديث التاسعروى في الكافي ، عَنْ عَلِيُّ ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلام ، قَالَا :«إِنَّ اللّه َ تعالى أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ مِنْ أَنْ يُجْبِرَ خَلْقَهُ عَلَى الذُّنُوبِ ، ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا ، وَاللّه ُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُرِيدَ أَمْرا ؛ فَلَا يَكُونَ» . قَالَ : فَسُئِلَا عليهماالسلام : هَلْ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ؟ قَالَا : «نَعَمْ ، أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .

هديّة :(من أن يجبر) على المعلوم من باب نصر ، أو الإفعال . (واللّه أعزّ) بيان لصدور فعل العبد بمشيّة اللّه وقدرته الغالبة ، واختيار العبد وقوّته المغلوبة في التوفيق والخذلان . وتصويرنا المذكور مرارا يحقّق لك معنى (أوسع ممّا بين السماء والأرض) يعني معنى الأمر بين الأمرين معنى ظاهر ، كمعنى الجبر ومعنى التفويض . ودقّته في الجملة لا تنافي وضوحه بعد العقل عن المعصوم العاقل عن اللّه بدليل ما في التالي من قوله عليه السلام : «لا يعلمها إلّا العالم ، أو من علّمها إيّاه العالم» . قال برهان الفضلاء : إنّما هي أوسع كذا ؛ لأنّ الآيات التي حجّة للجبريّة ألقت المفوّضة في شدّةٍ وضيق ،وكذا الآيات التي حجّة للمفوّضة ألقت الجبريّة في ضيق وشدّة ، وما أظهر الفرق بين فعل يصدر بمشيّتين من اثنين وبين ما يصدر بمشيّة واحدة من واحد ! . وقال الفاضل الإسترابادي : «واللّه أعزّ من أن يريد أمرا فلا يكون» ردّ على المعتزلة حيث زعموا أنّ العباد ما شاؤوا صنعوا ، والمعنى ليس هذا على الإطلاق ، بل إذا وافق إرادة اللّه تعالى . والمراد بالقدر هنا قدر العباد ؛ حيث زعمت المعتزلة أنّ العباد ما شاؤوا صنعوا . وقال الصادق عليه السلام : «لا أقول : العباد ما شاؤوا صنعوا» . (2) فالقدر المقابل للجبر استقلال العباد بمشيّتهم وتقديرهم ؛ يعني مشيّتهم وتقديرهم ما هي متوقّفة على مشيئة اللّه وإرادته وتقديره وقضائه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قالا : نعم أوسع ممّا بين السماء والأرض» لمّا كان كلام السائل دالّاً على إنكار الواسطة بين الجبر _ وهو إيجاب اللّه وإلزامه العباد على أعمالهم بلا مدخليّة لإرادة العباد وقدرتهم في أفعالهم وإيجابها _ والقدر _ وهو استقلال قدرة العبد وإرادته في إيجاب فعله وإيجاده من غير إيجاب اللّه له وإيجاده سبحانه بقدرته واختياره _ اُجيب بأنّ ما بينهما احتمالات كثيرة ، ولا حصر بينهما لا عقلاً ولا قطعا . (4)

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . راجع الكافي ، ج 1 ، ص 165 ، باب حجج اللّه على خلقه ، ح 4 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 505 .

ص: 459

الحديث العاشرروى في الكافي بهذا الإسناد ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ ، فَقَالَ :«لَا جَبْرَ وَلَا قَدَرَ ، وَلكِنْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَهُمَا فِيهَا الْحَقُّ ؛ الَّتِي بَيْنَهُمَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَا الْعَالِمُ ، أَوْ مَنْ عَلَّمَهَا إِيَّاهُ الْعَالِمُ» .

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .

ص: 460

هديّة :قيل فيها : (الحقّ) مبتدأ وخبر مقدّم ، و(التي بينهما) مبتدأ آخر . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «منزلة» مبتدأ ، و«بينهما» نعت له ، وجملة «فيها الحقّ» خبر ، و«التي» مبتدأ آخر ، و«بينهما» صلة الموصول ، وجملة «لا يعلمها» بتمامها خبر . والمراد ب«العالم» : الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه تعالى . وب«المتعلّم» : شيعته العاقل عنه . واحتمال أن يكون المراد بالعالم : مطلق العاقل عن اللّه تعالى فيشمل الملائكة (1) ، وب«المتعلّم» : مطلق العاقل عن العاقل (2) عن اللّه فيشمل المحدّث مثل سلمان وسفراء الصاحب عليه السلام ، كما ترى . قال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : المراد من «العالم» أصحاب العصمة عليهم السلام على وفق ما مضى في الأحاديث السابقة «نحن العلماء وشيعتنا المتعلِّمون (3) » . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : التي بينهما لا يعلمها إلّا العالم ، أو من علّمها إيّاه العالم » وذلك لدقّتها وغموضها وعروض الشبه فيها ، فلا يقدر على تحقيقها والعلم بها على ما ينبغي إلّا العالم ، أو من علّمه العالم ، فالقادر على تحقيقها والعالم بها إمّا من خصّه اللّه بإفاضة العلوم عليه ، أو من وفّقه للتعلّم والأخذ عنه . (5)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بهذا الإسناد ، (6) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عِدَّةٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لَهُ رَجُلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَجْبَرَ اللّه ُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ : (7) «أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي ، ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا» . فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَفَوَّضَ اللّه ُ إِلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ : فَقَالَ :«لَوْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ ، لَمْ يَحْصُرْهُمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ» . فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَبَيْنَهُمَا مَنْزِلَةٌ؟ قَالَ : فَقَالَ : «نَعَمْ ، أَوْسَعُ ما (8) بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .

.


1- . في «ب» و «ج» : - «فيشمل الملائكة» .
2- . في «ب» و «ج» : شيعته العاقل» مكان : «مطلق العاقل عن العاقل» .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 34 ، باب أصناف الناس ، ح 4 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 506 .
6- . يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد» .
7- . في الكافي المطبوع : «فقال : اللّه » .
8- . في الكافي المطبوع : «ممّا» .

ص: 461

هديّة :بيانه كنظائره . «حصره» كنصر : جعله في حصار وضيّق عليه . قال برهان الفضلاء : «لم يحصرهم» أي لم يجعلهم محصورا في حصار الأمر والنهي بالتكليف . وقال الفاضل الإسترابادي : «لم يحصرهم » يعني الحكمة التي اقتضت حصرهم بالأمر والنهي يأبى عن التفويض ، وهو قول المعتزلة ؛ حيث قالوا : العباد ما شاؤوا صنعوا . (1) في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «إلى الأرض» مكان «والأرض » . وفي بعض آخر : «ممّا بين السماء» بميمين مكان «ما بين السماء» .

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ البزنْطي ، (2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ بِالْجَبْرِ ، وَبَعْضَهُمْ يَقُولُ بِالِاسْتِطَاعَةِ ، قَالَ : فَقَالَ عليه السلام لِي :«اكْتُبْ : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ إِلَيَّ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ؛ جَعَلْتُكَ سَمِيعا بَصِيرا «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه ِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» ، وَذلِكَ أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذلِكَ أَنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، قَدْ نَظَمْتُ لَكَ كُلَّ شَيْءٍ تُرِيدُ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .

ص: 462

هديّة :قد سبق نظائره ببيانها مفصّلاً . (قد نظمت) تأكيد لحكم سابقه . واحتمال أن يكون من كلام أبي الحسن الرضا عليه السلام أو عليّ بن الحسين عليهماالسلام سواء . (كلّ شيء تريد) أي من التحقيق في هذا الباب . قال برهان الفضلاء : المراد ب«الجبر» هنا : القدر المشترك بين مذهب الجهميّة والأشاعرة والزنادقة . وب«الاستطاعة» : استقلال العبد في القدرة على الفعل والترك ، سواء كان على التفويض الأوّل للمعتزلة ، وهو عدم كون فعل العبد تحت مشيئة اللّه وإرادته وقدره وقضائه ؛ أو على التفويض الثاني لهم ، وهو عدم كون فعل العبد موقوفا على إذن اللّه سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «الاستطاعة» و«القدر» هما التفويض ، وهما ضدّ الجبر . (1)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ ، وَلكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ» . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؟ قَالَ : «مَثَلُ ذلِكَ : رَجُلٌ رَأَيْتَهُ عَلى مَعْصِيَةٍ ، فَنَهَيْتَهُ ، فَلَمْ يَنْتَهِ ، فَتَرَكْتَهُ ، فَفَعَلَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ ؛ فَلَيْسَ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْكَ فَتَرَكْتَهُ كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالْمَعْصِيَةِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132.
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن حسين بن محمّد» .

ص: 463

هديّة :في بيان المثل إشارة إلى أنّ علمه تعالى بأنّ العبد _ وهو مختار في الفعل والترك بقوّة مخلوقة فيه يقبل _ الأمر أو لا يقبل _ ليس علّة ولا باعثا ، بل العلّة مشيئة العبد بمشيّة اللّه على التوفيق أو الخذلان المنوطين بالعلم الأزلي بما يصدر باختيار العبد من الطرفين بفاعليّته بالقوّة المغلوبة ، وخالقيّة الربّ بالقدرة الغالبة . قال برهان الفضلاء : المراد ب«الجبر» هنا : الجبر عند المخطّئة ، وب«التفويض» : التفويض عند المصوّبة . ف«أمرته» بتخفيف الميم ، كما بيّنه الصدوق رحمه الله في باب الأسماء في كتاب التوحيد . ويحتمل أن يكون المراد ب«الجبر» هنا : القدر المشترك بين مذهب الجهميّة والأشاعرة والزنادقة . وب«التفويض» : مذهب المعتزلة ف«أمّرته» بتشديد الميم من التأمير ؛ أي جعلته أميرا ومطلق العنان . وقال الفاضل الإسترابادي : «كنت أنت الذي أمرته بالمعصية» يعني كما لا يستلزم الأمر بالمعصية لا يستلزم التفويض . (1)

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«اللّه ُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا يُطِيقُونَ ، وَاللّه ُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي سُلْطَانِهِ مَا لَا يُرِيدُ» .

هديّة :الفقرة الاُولى لإبطال الجبر ، والثانية لإبطال التفويض وإثبات الأمر بين الأمرين على ما عرفت مرارا . قال برهان الفضلاء : «الإطاقة» : القدرة مع الوسعة . وصدر الحديث لإبطال الجبر بمعنى القَدْر المشترك بين مذهب الجهميّة والأشاعرة والزنادقة ، وآخره لإبطال التفويض الأوّل للمعتزلة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما لا يطيقون » أي ما لا يكون الإتيان به مقدورا لهم ، ويكونون مجبورين على خلافه كما يقوله الجبريّة ، واللّه أعزّ من أن يكون في ملكه ما لا يريده ، ويدخل شيء في الوجود لا من قدرته وإرادته وإيجاده له . (3)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 508 .

ص: 464

. .

ص: 465

باب الاستطاعة

الباب الحادي والثلاثون : بَابُ الِاسْتِطَاعَةِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْقَاسَانِيِّ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، (1) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَقَالَ :«يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ بَعْدَ أَرْبَعِ خِصَالٍ : أَنْ يَكُونَ مُخَلَّى السَّرْبِ ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ ، لَهُ سَبَبٌ وَارِدٌ مِنَ اللّه ِ» . قَالَ : قُلْتُ له (2) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَسِّرْ لِي هذَا ، قَالَ : «أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُخَلَّى السَّرْبِ ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ يُرِيدُ أَنْ يَزْنِيَ ، فَلَا يَجِدُ امْرَأَةً ثُمَّ يَجِدُهَا ، فَإِمَّا أَنْ يَعْصِمَ نَفْسَهُ ، فَيَمْتَنِعَ كَمَا امْتَنَعَ يُوسُفُ عليه السلام ، أَوْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِرَادَتِهِ ، فَيَزْنِيَ ، فَيُسَمّى زَانِيا ، وَلَمْ يُطِعِ اللّه َ بِإِكْرَاهٍ ، وَلَمْ يَعْصِهِ بِغَلَبَةٍ» .

هديّة :معنى العنوان ثبوت وسعة القدرة للعبد على الفعل والترك بعدم المانع مع نفي استقلاله فيها ، لكون قدرته تحت قدرة الخالق تعالى ، وصدور فعل العبد بمدخليّة قدرته من دون استقلاله فيها ، وقدرة الخالق بالاستقلال والغالبيّة . والقدرة على أحد الطرفين يلزمها القدرة على الآخر بخلاف الاستطاعة لأحدهما ؛ لتوقّفها على حصول أسباب حصولها من مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه . وحصول أسباب أحد الطرفين لا يستلزم حصول أسباب حصول الآخر كما سيذكر في هديّة الثاني . و(السرْب) بالفتح : السبيل . وقرأ برهان الفضلاء : «سليم الخوارج» بالمعجمة والجيم جمع خارجة ، يعني الآلات الخارجة عن البدن كالزّاد والراحلة . و«السبب الوارد» بمعنى الشرط ، دون العلّة المشيئة والإرادة والقَدَر والقضاء والأجل والكتاب والإذن . (فإمّا أن تعصم) على ما لم يسمّ فاعله . (فيمتنع) أي بتوفيق اللّه تعالى . (فيزني) أي بخذلان اللّه عزّ وجلّ . (بإكراه) أي بل باختياره واستطاعته وتوفيق اللّه . (بغلبة) أي ولم يعصه بمغلوبيّة ، بل بمدخليّة قدرته وخذلان اللّه . أو المعنى ولم يعصه بغالبيّة قدرته . فالعبد لعدم المنافاة بين نفي مغلوبيّته أصلاً وثبوت مغلوبيّته في الجملة بفاعليّته بالاستطاعة وخالقيّة الربّ بالاستقلال لا مغلوبٌ مطلقا ولا مستقلٌّ مطلقا ، والأمر والنهي بَعْدَ (3) العلم الأزلي بما يصدر عن المكلّف لإتمام الحجّة عليه لمكان اختياره واستطاعته ، ألا ترى أنّ السيّد إذا أخبرك أنّ عبده الفلاني لم يقبل أمره في أمر كذا فشاء أن يصدّق عليك قوله فأمره امتحانا وإتماما للحجّة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الاستطاعة» أخصّ من القدرة ولا يستعمل إلّا في قدرة المخلوقين ، وهي قدرة تكون معها وسعة في الجملة ، ويختلف الوسعة بالشدّة والضعف . والعبد ليس مكلّفا بمجرّد خلق القدرة فيه ، بل اللّه سبحانه لا يكلّفه إلّا مع الاستطاعة وذلك من فضل رحمته . قال اللّه تعالى في البقرة : «لَا يُكَلِّفُ اللّه ُ نَفْسا إِلَا وُسْعَهَا» (4) ، فلم يكلّف بالحجّ مثلاً بمجرّد القدرة على المشي بل بعد حصول ما يصير سببا لوسعة القدرة من الزاد والراحلة والرفقة . و«السرب» بالفتح : الطريق ، وفلان آمن في سِربه بالكسر ، أي في نفسه ، وفلان واسع السِرب بالكسر أيضا، أي رخيّ البال . و«الخوارج» في الموضعين بالمعجمة والجيم : جمع خارجة ، يعني الآلات الخارجة عن البدن كالزاد والراحلة والرفقة للحاجّ . والمراد من «السبب الوارد» تعلّق مشيئة اللّه سبحانه حين مشيئة العبد ، وكلّ واحدة من الخصال السبع سبب لوسعة القدرة على حدة ، والمجموع لوسعة كاملة . والمشار إليه ل«هذا» : السبب الوارد . و«أن يكون» خبر لمبتدأ محذوف ؛ أي تفسيره . «ولم يعصه بالغلبة» أي بغالبيّة قدرته بكونه مستقلّاً غالبا بقدرته ومشيّته على قدرة اللّه ومشيّته ، كما ذهب إليه المخطّئة . والحاصل : أنّ مشيّته تعالى إذا منعت العبد لمصلحة من الفعل مع استطاعته فليس بالجبر وإذا لم يمنع فليس بالتفويض . وقال الفاضل الإسترابادي : «السرب» بكسر السّين وفتحها . «فإمّا أن تعصم نفسه» تفسير الإذن بأنّه التخلية في آخر الأمر أو الحيلولة . وقوله : «ولم يطع اللّه » لفّ ونشر مرتّب ، فقوله : «ولم يطع اللّه » ناظر إلى قوله : «فيمتنع» وقوله : «ولم يعصه» ناظر إلى قوله : «فيزني» . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «مخلّى السّرب» أي مخلّى الطريق ، مفتوحه «صحيح الجسم» من الأمراض المانعة «سليم الجوارح» التي هي آلات له . «له سبب وارد من اللّه » سبحانه من عصمة نفسه ، أو التخلية بينه وبين إرادته . «فيزني فيسمّى زانيا» لترتّب الزنا على إرادته . «ولم يطع اللّه بإكراه» بل بإرادة وعصمة اللّه إيّاه من موانع المطلوب «ولم يعصه بغلبة» منه بل بإرادة وتخلية الأمر بينه وبين إرادته . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن الحسن بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد القاساني ، عن عليّ بن أسباط» .
2- . في الكافي المطبوع : - «له» .
3- . كذا في «الف» وهو الصواب . وفي «ب» و «ج» : «بعدم» .
4- . البقرة (2) : 286 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 508 ، بتفاوت يسير .

ص: 466

. .

ص: 467

. .

ص: 468

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ اللّه ِ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعا ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَقَالَ أبو عبد اللّه عليه السلام :«أَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْمَلَ مَا لَمْ يُكَوَّنْ؟» ، قَالَ : لَا ، قَالَ : «فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْتَهِيَ عَمَّا قَدْ كُوِّنَ؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَمَتى أَنْتَ مُسْتَطِيعٌ؟» ، قَالَ : لَا أَدْرِي . قَالَ : فَقَالَ (2) أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ خَلَقَ خَلْقا ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الِاسْتِطَاعَةِ ، ثُمَّ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِمْ ، فَهُمْ مُسْتَطِيعُونَ لِلْفِعْلِ في (3) وَقْتَ الْفِعْلِ مَعَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلُوا ذلِكَ الْفِعْلَ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوهُ فِي مُلْكِهِ ، لَمْ يَكُونُوا مُسْتَطِيعِينَ أَنْ (4) يَفْعَلُوا فِعْلاً لَمْ يَفْعَلُوهُ ؛ لِأَنَّ اللّه َ تعالى أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُضَادَّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ» . قَالَ الْبَصْرِيُّ : فَالنَّاسُ مَجْبُورُونَ؟ قَالَ : «لَوْ كَانُوا مَجْبُورِينَ ، كَانُوا مَعْذُورِينَ» . قَالَ : فَفَوَّضَ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ : «لَا» . قَالَ : فَمَا هُمْ؟ قَالَ : «عَلِمَ مِنْهُمْ فِعْلاً ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الْفِعْلِ ، فَإِذَا فَعَلُوا كَانُوا مَعَ الْفِعْلِ مُسْتَطِيعِينَ» . قَالَ الْبَصْرِيُّ : أَشْهَدُ أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى وعليّ بن إبراهيم جميعا ، عن أحمد بن محمّد» .
2- . في الكافي المطبوع : + «له»
3- . في الكافي المطبوع : - «في» .
4- . في «ب» و «ج» : «من أن» .

ص: 469

هديّة :(ما لم يكون) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل . وكذا (قد كوّن) يعني ألك وسعة القدرة على ما لم يتعلّق به إيجاد اللّه سبحانه؟ وهو متوقّف على تحقّق الخصال السبع على ما مرَّ بيانه . في بعض النسخ : «آلات الاستطاعة» على الجمع . (ثمّ لم يفوّض إليهم) يعني بل جعل تأثير الاستطاعة موقوفا على المشيئة والإيجاد . (فهم مستطيعون للفعل في وقت الفعل مع الفعل) نصّ على (1) أنّ فاعليّة العبد إنّما هو (2) بخالقيّة الربّ ، وأنّ مشيئة العبد بمشيّة اللّه «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» (3) ؛ أي فللعباد وسعة القدرة على الفعل عند تعلّق مشيئة اللّه وإيجاده بما علم صدوره عنهم بمشيّتهم واختيارهم . (إذا فعلوا ذلك الفعل) أي بمشيّة اللّه وإيجاده . (فإذا لم يفعلوه في ملكه) حيث لم يشأ . (قال : علم منهم فعلاً) أي ما يصدر عنهم باختيارهم . (فإذا فعلوا) أي بمشيّة اللّه وإيجاده ومدخليّة قدرتهم . (كانوا مع الفعل مستطيعين) وإن لم يكونوا مستقلّين . والحاصل : أنّ سبب الفعل مشيئة الفاعل واختياره ، ولا ينافي هذه السببيّة كون مشيئة الخالق وإيجاده من شروط الوجود . قال برهان الفضلاء : كأنّ هنا وقع سهو من نسّاخ الكافي ؛ فإنّ الظاهر «سأل» مكان «سألت» ، و«عليّ بن مبشّر بن الحكم» مكان «عليّ بن الحكم» ، و«ابن مبشّر» من أصحاب الصادق عليه السلام ، و«ابن الحكم» من أصحاب أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام . يعني قال ابن مبشّر : سأل ذلك الرجل . لا يقال : فلابدّ من «قالا» مكان «قال» ؛ لأنّا نقول : تفرّد الضابط لمتن الحديث بلفظ الإمام عليه السلام والسائل ممكن . ولمّا كان الحسن البصري _ لعنه اللّه _ من المعتزلة قائلاً باستقلال العبد في قدرته بالتفويض الثاني من تفويضيهم فسأل الرجل البصري عن الاستطاعة ؛ يعني عن كمال الوسعة في القدرة على المكلّف به بحيث لا يكون أكمل منه . و«الآلة» : ما يعين الفاعل على الفعل ، وإضافتها لاميّة . وفي بعض النسخ : «وقت الفعل» بدون «في» . وحاصل جملة الجواب : أنّ العبد ليس له استطاعة قبل وقت الفعل بل أصل القدرة أيضا ، فبطل التفويض الثاني للمعتزلة . وكذا ليس له وقت الفعل كمال الاستطاعة بحيث يمكنه الفعل بدون تعلّق مشيئة اللّه تعالى شروعا وإتماما ، فبطل التفويض الأوّل للمعتزلة أيضا . فثبت ما هو الحقّ من أنّ العبد في وقت الفعل مستطيع في الجملة بوسعة قدرته بحيث يصحّ تكليفه، وكونه مكلّفا مختارا وإن لم يكن مستقلّا في قدرته ؛ لكونها تحت قدرة اللّه وتوقّفها بمشيّة اللّه وإيجاده توقّف المشروط على الشرط لا المسبّب على السبب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أتستطيع أن تعمل ما لم يكوّن؟» أي أتستطيع أن تعمل ما لم يتمّ أسباب وجوده ؟ وكيف تكون مستطيعا في وقت عدم شيء لعدم استجماع شرائط وجوده لذلك الشيء في ذلك الوقت ، وعدم سبق ما لا يدخل في الوجود إلّا بسبقه كمشيّة اللّه وإرادته وقَدَره ، وكالمعدّات (4) المُهَيِّئة للموادّ؟! «فتستطيع أن تنتهي عمّا قد كوّن ؟» أي في زمان وجوده . والاستطاعة للشيء : التمكّن منه وانقياد حصول ذلك الشيء له . واستطاعة أحد الطرفين لا يستلزم استطاعة الآخر بخلاف القدرة ؛ فإنّ القدرة ؛ على أحد الطرفين يلزمه القدرة على الآخر ، والقدرة على الفعل يسبقه بمراتب بخلاف الاستطاعة . «فجعل فيهم آلة الاستطاعة» أي آلة حصولها وما به يتمّ حصولها . «ثمّ لم يفوّض إليهم» الأمر في حصول الاستطاعة وحصول ما أعطاهم آلة استطاعته . «فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع وجود الفعل» بإتيانهم به «فإذا لم يفعلوه في ملكه» وسلطانه الشامل لهم ، وهم تحت قدرته وإرادته وقَدَره وقضائه «لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلاً لم يفعلوه» ولم يكن في مشيّته وإرادته وقَدَره ؛ لأنّه تعالى أعزّ من أن يضادّه أو يعارضه أحدٌ في ملكه بالتصرّف بإيجاد ما لم يوجده سبحانه ولم يشأه ولم يقدّره . «لو كانوا مجبورين كانوا معذورين» لقبح المؤاخذة على ما ليس باختياريّ . (5) وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : أقول : في كتاب التوحيد لابن بابويه أحاديث كثيرة بظاهرها مخالفة للحديثين المذكورين في هذا الكتاب ، وأحاديث موافقة . فمن المخالفة : حدّثنا أبي رضى الله عنهقال : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عمّن رواه من أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام يقول : «لا يكون العبد فاعلاً إلّا وهو مستطيع ، وقد يكون مستطيعا غير فاعل ، ولا يكون فاعلاً أبدا حتّى لا يكون (6) معه الاستطاعة» . (7) حدّثني أبي رضى الله عنهبإسناده ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ما كلّف اللّه العباد كلفة فعل ولا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم استطاعة ، ثمّ أمرهم ونهاهم فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلّا باستطاعة متقدّمة قبل الأمر والنهي ، وقبل الأخذ والترك ، وقبل القبض والبسط » . (8) حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن الوليد بإسنادهما ، عن عوف بن عبداللّه الأزدي ، عن عمّه، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الاستطاعة ، فقال : «وقد فعلوا » ، فقلت : نعم، زعموا أنّها لا يكون إلّا عند الفعل ، وإرادة في حال الفعل لا قبله فقال : «أشرك القوم» . (9) ومن الأحاديث الموافقة ؛ حدّثنا أبي رضى الله عنه بإسناده ، عن مروك بن عبيد ، عن عمر (10) رجل من أصحابنا ، عمّن سأل أبا عبداللّه عليه السلام فقال له : إنّ لي أهل بيت قَدَريّة يقولون : نستطيع أن نفعل (11) كذا وكذا ونستطيع أن لا نعمل ، قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «قُل تستطيع أن لا تذكر ما تكره ولا تنسى ما تحبّ؟ فإن قال : لا ، فقد ترك قوله ، وإن قال : نعم ، فلا تكلِّمه أبدا ، فقد ادّعى الربوبيّة » . (12) ومعنى الحديث الأخير أنّه إذا لم تستطع حفظ معنى في خاطرك فكيف تستطيع أن تعمله؟ ويمكن الجمع بين الأخبار بما ذكرناه في الحواشي السابقة من أنّ الاستطاعة قسمان : ظاهريّة وباطنيّة ، وأنّ الظاهريّة مناط التكليف وأنّها متقدّمة على التكليف . ألا ترى أنّ الحجّ يجب على من يموت في طريق مكّة ، وأنّ الاستطاعة الجامعة للظاهريّة والباطنيّة إنّما يحصل في وقت الفعل والترك . (13) انتهى كلام الفاضل الإسترابادي رحمه الله . أقول : فرق بيِّن بين أسباب الاستطاعة من المشيئة والإرادة والقَدَر ، وبين سبب تأثيرها وهو الإذن والإمضاء . فمعنى الحديث الأوّل : لا يكون العبد فاعلاً إلّا وهو مستطيع بالاستطاعة الكاملة بإذن اللّه سبحانه ، وقد يكون مستطيعا بحصول الاستطاعة بالمشيئة والإرادة والقدر غير فاعل بانتفاء شرط التأثير وهو الإذن فلا مخالفة . ومعنى «ثمّ أمرهم ونهاهم» في الثاني : أنّه أمرهم بالخير ونهاهم عن الشرّ ؛ لتؤثّر استطاعتهم بإذن اللّه إذا أذن توفيقا أو خذلانا . فمناط التكليف الاستطاعة المتقدّمة الحاصلة بأسبابها قبل الإذن الذي هو شرط التأثير ومن شأنها التأثير بالإذن . ومعنى «وقد فعلوا» في الثالث : أنّ نسبة الأفعال إلى العباد لا يكون إلّا بالاستطاعة الكاملة عند الفعل كما في التالي ، ووجه إشراك القوم زعمهم عدم الفرق بين أسباب تحقّق الاستطاعة وسبب تأثيرها، فيلزمهم القول باستقلال العبد في القدرة على الفعل والترك من دون توقّف وسع قدرتهم على مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وتأثير استطاعتهم على إذن اللّه تعالى . ومعنى الأمر بالسؤال في الرابع بتبيين ما هو الحقّ وتوضيحه من أنّ الفاعل لفعل العبد وإن كان هو العبد بمدخليّة قدرته المخلوقة فيه كاختياره ومشيّته وإرادته وقدره واستطاعته إلّا أنّ الخالق في الوجود مطلقا من الخارجي والذهني هو اللّه سبحانه لا غيره .

.


1- . في «الف» : «في» مكان «على» .
2- . في «ب، ج»: - «إنّما هو».
3- . الإنسان (76) : 30 .
4- . في «ب» و «ج» : «كالمعدّات» بدون «واو» العطف .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 509 _ 510 .
6- . كذا في النسخ ، وفي المصدر : «حتى يكون» .
7- . التوحيد ، ص 350 ، باب الاستطاعة ، ح 13 .
8- . التوحيد ، ص 352 ، باب الاستطاعة ، ح 19 .
9- . التوحيد ، ص 350 ، باب الاستطاعة ، ح 12
10- . في التوحيد : «عن عمرو» .
11- . في التوحيد والمصدر : «نعمل».
12- . التوحيد ، ص 352 ، باب الاستطاعة ، ح 22 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134.

ص: 470

. .

ص: 471

. .

ص: 472

. .

ص: 473

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ صَالِحٍ النِّيلِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : هَلْ لِلْعِبَادِ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ شَيْءٌ؟ قَالَ : فَقَالَ لِي :«إِذَا فَعَلُوا الْفِعْلَ ، كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ بِالِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللّه ُ فِيهِمْ» . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا هِيَ؟ قَالَ : «الْالَةُ مِثْلُ الزَّنِي (2) إِذَا زَنى ، كَانَ مُسْتَطِيعا لِلزِّنى حِينَ زَنى : وَلَوْ أَنَّهُ تَرَكَ الزِّنى وَلَمْ يَزْنِ ، كَانَ مُسْتَطِيعا لِتَرْكِهِ إِذَا تَرَكَ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «لَيْسَ لَهُ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ ، وَلكِنْ مَعَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ كَانَ مُسْتَطِيعا» . قُلْتُ : فَعَلى مَا ذَا يُعَذِّبُهُ؟ قَالَ : «بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْالَةِ الَّتِي رَكَّبها (3) فِيهِمْ ؛ إِنَّ اللّه َ تبارك وتقدّس لَمْ يُجْبِرْ أَحَدا عَلى مَعْصِيَتِهِ ، وَلَا أَرَادَ _ إِرَادَةَ حَتْمٍ _ الْكُفْرَ مِنْ أَحَدٍ ، وَلكِنْ حِينَ كَفَرَ كَانَ فِي إِرَادَةِ اللّه ِ أَنْ يَكْفُرَ ، وَهُمْ فِي إِرَادَةِ اللّه ِ وَفِي عِلْمِهِ أَنْ لَا يَصِيرُوا إِلى شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ» . قُلْتُ : أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا؟ قَالَ : «لَيْسَ هكَذَا أَقُولُ ، وَلكِنِّي أَقُولُ : عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَكْفُرُونَ ، فَأَرَادَ الْكُفْرَ ؛ لِعِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَلَيْسَتْ (4) إِرَادَةَ حَتْمٍ ، إِنَّمَا هِيَ إِرَادَةُ اخْتِيَارٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن سهل بن زياد ، وعليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد ؛ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا» .
2- . في الكافي المطبوع : «الزاني» .
3- . في الكافي المطبوع : «ركّب» .
4- . في الكافي المطبوع : + «هي» .

ص: 474

هديّة :(النيلي) : نسبة إلى النّيل ، بكسر النون ، شطّ معروف ، وقرية من قرى الكوفة ، ومدينة بين بغداد وواسط . (إذا فعلوا الفعل) أي بإذن اللّه توفيقا أو خذلانا . (كانوا مستطيعين) أي بالاستطاعة الكاملة المؤثّرة بإذن اللّه التي جعلها اللّه فيهم بتمام أسبابها . (قال : الآلة) بتقدير «منها الآلة» أو «الآلة منها» . ولا مانع من احتمال قصد الخصوص أو العموم ؛ لاحتمال الذّكر على التمثيل . و(الزّنى) يمدّ ويقصر . في بعض النسخ : «حين الزّنى» مكان «حين زنى» أي بالخذلان والتخلية . (ولو أنّه ترك الزّنا) بالتوفيق والحيلولة . (قليل ولا كثير) أي من الاستطاعة التامّة المؤثّرة بإذن اللّه . (بالحجّة البالغة) أي بمخالفة الأمر أو النهي بعد إتمام الحجّة بالإخبار والتنبيه وعدا ووعيدا من المبشّر المعصوم والنّذير المعلوم ، وبعد جعله مختارا بخلق أسباب الاختيار فيه وآلات الاستطاعة التي من شأنها الفعل والترك بإذن اللّه عزّ وجلّ . ونِعْمَ ما قيل في هذا المعنى بالفارسيّة : ترا تيشه دادم كه هيزم شكنندادم كه ديوار مسجد بكن (ولاأرادة إرادة حتم الكفر من أحد) أي ليست إرادة إكراه وإجبار على خلاف ما علم صدوره من العبد باختياره إذا كان مخلّى السِرب ، فقد يكون إرادة حتم بالمعنى في غير مثل الكفر لحكمة ومصلحة عائدة نفعها إلى العبد ، بل أراد إرادة موافقة لإرادة العبد باختياره لعلمه بما يريد المكلّف باختياره من الطرفين . (وهم) أي الكفّار . وضبط بعض المعاصرين : «إنّما هي إرادة اختبار» (1) بالمفردة ، وهو تصحيف سَمِج لا يناسب المقام بوجه . قال برهان الفضلاء : قد عرفت أنّ الاستطاعة وسعة تامّة في الجملة، لتأثيرها بعد الإذن بالمدخليّة لا بالاستقلال، وهي تحصل للقدرة المخلوقة بحصول الأسباب والآلات والأعوان . «قليل ولا كثير» ردّ على المعتزلة ؛ حيث قالوا : تكون الاستطاعة في الحال للفعل في ثاني الحال . و«الحجّة البالغة» الكتب المنزَّلة والرُّسل والأوصياء . والمراد ب«الآلة» المركّبة فيهم» : ما يشمل حالتهم التي يصيرون بها مستعدّين . «للاستطاعة» أي القدرة المتّسعة بالاتّساع الذي عرفت . «إلى شيء من الخير» أي الطاعة . «وليست إرادة حتم» أي جبر وإكراه ، بل إنّما هي إرادة مجامعة لقدرة العبد واختياره ، أي ولإرادته باختياره . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بالحجّة البالغة والآلة التي ركّبها فيهم» من الأمر والنهي والإقدار على الفعل والترك ، والقوى والجوارح الصائرة إليه بإرادته ، وإن كان إعطاء وجود الفعل على وفق إرادة العبد من اللّه سبحانه وإفاضة الوجود منه سبحانه عليه بمشيّته وإرادته وقَدَره وقضائه . (2) إنّ اللّه لم يجبر أحدا على معصيته» ؛ لصدورها عنه بقدرته وإرادته . «ولا أراد _ إرادة حتم _ الكفر من أحد» حتّى يقع الكفر بلا مدخليّة إرادة العبد ، إنّما أراد وقوع الكفر عند إرادة العبد إيّاه بها (3) وبقدرته ، فيتعلّق هذه الإرادة منه سبحانه بالعَرَض بالكفر وتحقّقه ، فحين كفر بإرادته كان في إرادة اللّه أن يكفر ، وهم في إرادة اللّه في (4) علمه أن لا يصيروا إلى شيء من الخير بإرادتهم . «أراد منهم أن يكفروا» أي شاء منهم أن يكفروا ، وذلك مقصوده منهم . ولمّا كان هذا الكلام (5) إنّما نشأ من توهّمه من قوله : «كان في إرادة اللّه أن يكفروا» أنّ الكفر مراده ومطلوبه منهم . أجاب عليه السلام : «ليس كذا أقول» ولم يكن مرادي من قولي هذا ، ولكن المراد من قولي وما أقوله أنّ اللّه أراد وقوع مرادهم ، وعلم أنّ إرادتهم يتعلّق بالكفر ، فتعلّق إرادته بكفرهم من حيث تعلّق إرادته بوقوع ما يريدون ، ومن حيث علمه بتعلّق إرادتهم به ، وهذا لا يستلزم كون الكفر مقصوده ومطلوبه منهم ؛ فإنّ دخوله في القصد بالعرض لا بالذات ، وتعلّق الإرادة بالكفر بالعرض ليست موجبة للفعل إيجابا يخرجه عن الاختيار ؛ لأنّ هذا التعلّق من جهة إرادتهم واختيارهم ، وما يتعلّق بشيء من جهة الإرادة والاختيار لا يخرجه عن الاختيار . (6)

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 549 .
2- . في المصدر : «وقضائه وقدره» .
3- . في المصدر : «وبها» .
4- . في المصدر : «وفي» .
5- . في المصدر : + «من السائل» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 510 _ 511 .

ص: 475

. .

ص: 476

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ حُمْرَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ فَلَمْ يُجِبْنِي ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ دَخْلَةً أُخْرى ، فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهَا شَيْءٌ لَا يُخْرِجُهُ إِلَا شَيْءٌ أَسْمَعُهُ مِنْكَ ، قَالَ :«فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ فِي قَلْبِكَ» . قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، إِنِّي أَقُولُ : إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يُكَلِّفِ الْعِبَادَ مَا لَا يَسْتَطِيعُونَ ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ إِلَا مَا يُطِيقُونَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَصْنَعُونَ شَيْئا مِنْ ذلِكَ إِلَا بِإِرَادَةِ اللّه ِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، قَالَ : فَقَالَ : «هذَا دِينُ اللّه ِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وَآبَائِي» . أَوْ كَمَا قَالَ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا» .

ص: 477

هديّة :(منها) أي من الاستطاعة ، أو من مسألتي . «ضرّه» كمدّ ، وأضرّه بمعنى . (ما كان في قلبك) من الوساوس . وقصد السائل تَعداد الأسباب الشرطيّة فلا ضير في عدم الترتيب بذكر الإرادة قبل المشيئة ، والقضاء قبل القدر . والشكّ من الراوي ؛ يعني «أو قال كما قال آبائي» مكان «وآبائي» ، أو المعنى أو قال شبيها بهذا لفظا . قال برهان الفضلاء : الضمير في «فإنّه» للشأن ، والموصول عبارة عن الوسوسة في قلب المؤمن حقّا . وفي ذكر الإرادة والمشيئة والقضاء والقدر إشارة إلى بطلان التفويض الأوّل للمعتزلة . والشكّ من الراوي ؛ يعني قال : هذا المضمون بهذا اللفظ أو بما يشابهه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «أو كما قال» من شكّ الراوي ، أي مثل ما مرّ . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا يضرّك ما كان في قلبك» لمّا كان عليه السلام مطّلعا على أنّه خطر بقلبه ما هو الحقّ ، أجابه بعدم إضراره . وترك الجواب أوّلاً ؛ إمّا لهذا أو لمصلحة مقتضية له . ولمّا سمع السائل منه هذا عَرَض عليه معتقده ، فصدّقه عليه السلام بقوله : «هذا دين اللّه الذي أنا عليه وآبائي » . «أو كما قال» ترديد من السائل بين العبارة المنقولة وما في حكمها من العبارات الدالّة على تصديق معتقده بوجه من الوجوه . (2)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 512 .

ص: 478

باب البيان و التعريف و لزوم الحجّة

الباب الثاني والثلاثون : بَابُ الْبَيَانِ وَ التَّعْرِيفِ وَ لُزُومِ الْحُجَّةِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ احْتَجَّ عَلَى النَّاسِ بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ» .

هديّة :المراد ب(البيان) في العنوان الإخبار البيّن بما هو الحقّ من العقائد والأقوال والأعمال في هذا النظام . ب(التعريف) : تبيين ما هو الحقّ ممّا ذكر بما لا مزيد عليه . وب(لزوم الحجّة) : وجوب وجود الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه ممتازا حسبا ونسبا ما دام الاشتباه ، والاشتباه باقٍ ما دام الشيطان ، والشيطان مشكّك ما دام الدنيا . وما أوضح أنّ من البديهيّات أنّ الأعلم بما هو الحقّ ممّا ذكر في هذا النظام إنّما هو مدبّره ، فانحصر القطع بحقّية شيء من ذلك في إخباره وتعريفه ، ولمّا لم يمكن الرؤية ومثل المعاشرة بالملامسة ونحوها وجب على لطفه الإخبار والتعريف بالإلهام أو الوحي أو الواسطة «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (2) ، وعلى حكمته توسّط المخلوق من البشر فيما بينه وبينهم ، وأن يكون لتوسّطه بين ربّ العالمين والعالمين لمثل الأمر العظيم في مثل هذا النظام بهذا النسق من المدبّر العدل الحكيم تعالى شأنه ، بحيث يكون ممتازا عن الجميع بالعصمة وسائر مكارم الأخلاق والأحساب وبشرف النسب وكرم الأصل في نظام سلاسل الأنساب ، وبهذا تتعيّن «الناجية» في حديث الافتراق . (3) وهو متواتر بالاتّفاق . (بما آتاهم وعرّفهم) أي بما أعطاهم من العقل والفهم ودرك شواهد الربوبيّة من السماء والأرض وما فيهما وما بينهما من عجائب الصنع المُتقن وغرائب التدبير المحكم ، والاستطاعة للفعل عنده وكذا للترك . وعرّفهم كلّ ما يحتاجون في معاشهم ومعادهم إلى معرفته من الخير والشرّ بإخبار الحجّة الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه وفعله وتقريره . قال برهان الفضلاء : قد وضع ثقة الإسلام هذا الباب بهذا العنوان إبطالاً لمذهب الجهميّة ، وقول المرجئة وسائر المذاهب الباطلة في حقيقة الإيمان على ما ستعرف إن شاء اللّه تعالى . قالت الجهميّة : الإيمان إنّما هو مجرّد معرفة الربوبيّة لربّ العالمين والمكلّف يكلّف به . وقالت المرجئة : إيمان المكلّف مجرّد معرفة ربوبيّته تعالى ومعرفة الرسول وتصديقه في جميع ما جاء به ، ولا مدخل للعمل في حقيقة الإيمان ، فالمؤمن باللّه ورسوله بجميع ما جاء به سواء عمل أم لا ، مؤمن حقّا . «بما آتاهم » أي بما أعطاهم من شواهد الربوبيّة مثل السماء والأرض ، «وعرّفهم» بالمعجزات والمحكمات بتوسّط الرّسل والأوصياء في كلّ عصرٍ من الأعصار إلى انقراض الدنيا . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بما آتاهم وعرّفهم » أي بإتيانهم المعرفة وتعريفهم . (4) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : هنا مقامان : الأوّل : أنّ الصور الإدراكيّة _ المطابقة للواقع وغير المطابقة _ كلّها فائضة من اللّه سبحانه بأسبابها المختلفة وهذا هو قول الحكماء وعلماء الإسلام ، قال اللّه تعالى : «سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَا مَا عَلَّمْتَنَا» (5) ، وشبهها من الآيات . والثاني : أنّ اللّه تعالى لم يكلّفنا بالكسب والنظر لنعرف أنّ لنا خالقا ، بل عليه أن يعرّف نفسه . وفيه ردّ على المعتزلة والأشاعرة حيث زعموا أنّ أوّل الواجبات النظر لتحصل معرفة الخالق . وفي كتاب العلل وغيره تصريحات بأنّ أوّل الواجبات الإقرار بالشهادتين . انتهى . كفى للتوضيح بيانه الأوّل من المقامين ما مرّ في هديّة الثاني في الباب السابق في بيان قوله عليه السلام : «هل تستطيع أن لا تذكر» _ في الحديث الذي نقله هذا الفاضل من كتاب توحيد الصدوق رحمهماالله _ : من أنّ الفاعل لفعل العبد وإن كان هو العبد بمدخليّة قدرته المخلوقة فيه كاختياره ومشيّته وإرادته وقدره واستطاعته ، إلّا أنّ الخالق في الوجود مطلقا من الخارجي والذهني هو اللّه سبحانه لا غير . وتحقيق المقام الثاني منهما : أنّ المعلوم فهمه لكلّ فهم لا يكون مكلّفا به ، كالمعرفة الفطريّة الخَلْقيّة ، والبصيرة الضروريّة الجِبلّيّة ، وهي الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها ؛ فإنّ كلّ ذي شعور يعلم قطعا بطائفة من شواهد الربوبيّة التي دلّت على نفي حدّ التعطيل فقط أنّ لمثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم صانع أعلم من كلّ عليم ، مدبّر أحكم من كلّ حكيم ، مالك أعظم من كلّ عظيم . وأمّا المعرفة الدينيّة والبصيرة اليقينيّة وهي معرفة الربوبيّة بخصوصيّاتها كما عرّف اللّه به نفسه منها التنزّه عن حدّ التشبيه ، ومعرفة الرسول والإمام بخصائصهما بالمعجزات والآيات والدلالات كما ورد به الكتاب والسنّة ، فمكلّف (6) بها البتّة ، وحصولها بعد البيان والتعريف قطعا إذا أقبلوا وقبلوا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد» .
2- . الأنفال (8) : 42 .
3- . حديث الافتراق رواه الخاصّة والعامّة . راجع: الوسائل ، ج 27 ، ص 49 ، ح 33180 ؛ البحار ، ج 36 ، ص 336 ، ح 198 ؛ وج 28 ، ص 29 _ 30 ؛ سنن أبي داود ، ج 2، ص 608 ، ح 4597 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1322 ، ح 3993 ؛ مسند أحمد ، ج 3، ص 145 ، ح 12501 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 4 ، ص 477 ، ح 8325 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 512 .
5- . البقرة (2) : 14 .
6- . جواب لقوله : «وأمّا المعرفة الدينيّة» .

ص: 479

. .

ص: 480

. .

ص: 481

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : الْمَعْرِفَةُ مِنْ صُنْعِ مَنْ هِيَ؟ قَالَ :«مِنْ صُنْعِ اللّه ِ ، لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ» .

هديّة :أي المعرفة الدينيّة والبصيرة اليقينيّة على ما عرفتها آنفا . ولا يتوهّم المنافاة بين كونها من صنع اللّه وتدبيره وتوفيقه وبين كونها مكلّفا بها ؛ فإنّ المكلّف بها إذا قبل فبتوفيق اللّه والهداية من اللّه _ كما ستعرف في بابه وهو آخر أبواب هذا الكتاب _ وإلّا فمن عند نفسه بخذلان اللّه إيّاه على ما مرَّ بيانه مرارا في الأبواب السابقة . وقال برهان الفضلاء : المراد بالمعرفة هنا : معرفة الأمام الحقّ في كلّ زمان إلى انقراض الدنيا ، ومراد السائل أنّها مكلّف بها أم لا؟ وتوضيح الجواب أنّها ليس للعباد فيها اختيار وتدبير ، بل هي من فعل اللّه وتدبيره ، فليست مكلّفا بها بل المكلّف به هو العمل بمقتضاها . أقول : لا منافاة بين الوجهين للفرق بين المعرفة والهداية والأوّل مسبّب عن الثاني . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ليس للعباد فيها صنع» يعني هي من صنع اللّه ، ولو كان سبب بعضها من صنع العباد . (2) و قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ليس للعباد فيها صنع» وذلك لأنّ عقول الناس غير وافية بالوصول إلى المعرفة بكمالها ، وإنّما يحصل بتعريف اللّه ؛ ولأنّ المعرفة ليس ممّا لإرادة العبد وأفعاله فيه تأثير ، إنّما حصولها بفيضان من المبدأ على النفوس . وأوّل الوجهين أظهر . (3) أقول : بل في الوجهين ما فيهما ؛ إذ المراد بكمال المعرفة إذا كان حقّ المعرفة فكما ترى ، وإلّا فكذلك . والفيضان من المبدأ عامّ ، ولإجمال عبارة الوجهين يمكن التوجيه المطابق لما فصّلناه أوّلاً ، كما لا يخفى على الفطن المتأمِّل إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن حكيم و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 135 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 513 .

ص: 482

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تبارك وتعالى : «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمَام بَعْدَ إِذْ هَدَل_هُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ» ، قَالَ :«حَتّى يُعَرِّفَهُمْ مَا يُرْضِيهِ وَمَا يُسْخِطُهُ» . وَقَالَ : «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَل_هَا» ، قَالَ : «بَيَّنَ لَهَا مَا تَأْتِي وَمَا تَتْرُكُ» . وَقَالَ : «إِنَّا هَدَيْنَ_هُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا» ، قَالَ : «عَرَّفْنَاهُ ، إِمَّا آخِذٌ وَإِمَّا تَارِكٌ» . وَعَنْ قَوْلِهِ : «وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَ_هُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى» ، قَالَ : «عَرَّفْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى وَهُمْ يَعْرِفُونَ» . وَفِي رِوَايَةٍ : «بَيَّنَّا لَهُمْ» .

هديّة :الآية الاُولى في سورة التوبة ، (2) والثانية في سورة الشمس ، (3) والثالثة في سورة الإنسان (4) والرابعة في سورة فصّلت . (5) (وقال) في الموضعين بتقدير «القول» أي وقلت ، وقال اللّه . (وعن قوله) بتقدير «السؤال» أي وسألت . (وفي رواية) كلام ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ يعني (بيّنا لهم) مكان «عرّفناهم» . وهذه الآيات البيّنات بيّنات لما بيّناه في هديّة سابقة . قال برهان الفضلاء : «ليضلّ» أي ليتركهم في الحيرة والضلالة بعد إذ هداهم بالرُّسل والكتب حتّى يتبيّن لهم بمحكمات الكتاب ما يتّقون من إنكار الربوبيّة بالحكم بالرأي في المختلف فيه . «حتّى يعرّفهم ما يرضيه » أي افتراض طاعة الإمام الحقّ الذي يرضيه طاعة الناس إيّاه . «وما يسخطه» أي اقتفاء الإمام الباطل الذي يسخطه اقتفاء الناس إيّاه . «وقال » عبارة ثعلبة ، والمستتر للحمزة . يعني وقرأ حمزة هذه الآية من سورة والشمس ، وكذا «وقال : «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ» (6) » . «وعن قوله» أي وسأل حمزة الإمام عليه السلام عن قوله تعالى في سورة فصّلت . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه » هذا القول وما بعده ممّا قاله عليه السلام دالّ على أنّ التعريف فيما يرضيه ويسخطه ، وفيما ينبغي الإتيان به وما ينبغي تركه ، وفيما هو سبيل الخير من اللّه سبحانه . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال» .
2- . التوبة (9) : 115 .
3- . الشمس (91) : 8 .
4- . الإنسان (76) : 3 .
5- . فصّلت (41) : 17 .
6- . الإنسان (76) : 3 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 513 .

ص: 483

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ هَدَيْنَ_هُ النَّجْدَيْنِ» قَالَ :«نَجْدَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» .

هديّة :«النجد» : ما ارتفع من الأرض والطريق ، وقد يُطلق على مطلق الطريق . والآية في سورة البلد . (2) والهداية هنا وفي الآيات السابقة في سابقه بمعنى التعريف والبيان ، وإراءة الطريق ، والتكليف . وللعباد لمكان ثبوت اختيارهم صنع فيها في الجملة ، كما مرّ في بيان أمر بين الأمرين . والهداية التي لا صنع للعباد فيها أصلاً ، بمعنى إعطاء البصيرة والإيصال إلى المطلوب . قال برهان الفضلاء : المراد بطريق الخير : الإقرار بالربوبيّة بتصديق الرّسل والكتب والأوصياء المعصومين في كلّ زمان صلوات اللّه عليهم ، وبطريق الشرّ : إنكار ذلك بتكذيب ذلك .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . البلد (90) : 10 .

ص: 484

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، هَلْ جُعِلَ فِي النَّاسِ أَدَاةٌ يَنَالُونَ بِهَا الْمَعْرِفَةَ؟ قَالَ : فَقَالَ :«لَا» . قُلْتُ : فَهَلْ كُلِّفُوا الْمَعْرِفَةَ؟ قَالَ : «لَا ، عَلَى اللّه ِ الْبَيَانُ «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاوُسْعَهَا» وَ «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَآ ءَاتَ_ل_هَا» » . قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ عزّوجلّ : «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمام بَعْدَ إِذْ هَدَل_هُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ» قَالَ : «حَتّى يُعَرِّفَهُمْ مَا يُرْضِيهِ وَمَا يُسْخِطُهُ» .

هديّة :(أداة ينالون بها المعرفة) أي من عند أنفسهم من غير احتياجهم إلى بيان المعصوم وتعريفه في حصول المعرفة الدينيّة بدءً ، كما في حصول المعرفة الفطريّة . (فهل كلّفوا المعرفة؟) أي من قبل البيان والتعريف بحجّة معصوم عاقل عن اللّه تعالى . والآية الاُولى في سورة البقرة . (2) و«الوسع»: الطاقّة ؛ أي الاستطاعة ، وهي سعة القدرة على ما مرّ بيانه في بابها . والثانية في سورة الطلاق . (3) والثالثة في سورة التوبة . (4) قال برهان الفضلاء : «أداة» أي آلة ينالون بها معرفة الربوبيّة والرسالة والإمامة ، كما جعل فيهم آلة الصلاة والزكاة . «فهل كلّفوا المعرفة؟» كما زعمت الجهميّة والمرجئة . «إِلَا مَآ ءَاتَ_ل_هَا» أي إلّا إنفاق مال أعطاه اللّه إيّاها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها» فيه إشارة إلى أنّ المعرفة بكمالها لا قدرة للعبد على تحصيلها بإرادته ، وأنّ تكليف غير المقدور قبيح وغير واقع . «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَآ ءَاتَ_ل_هَا» معرفتها . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن يونس» .
2- . البقرة (2) : 286 .
3- . الطلاق (65) : 7 .
4- . التوبة (9) : 115 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 514 .

ص: 485

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ سَعْدَانَ رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ عزّوجلّ _ لَمْ يُنْعِمْ عَلى عَبْدٍ نِعْمَةً إِلَا وَقَدْ أَلْزَمَهُ فِيهَا الْحُجَّةَ مِنَ اللّه ِ ، فَمَنْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ قَوِيّا ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا كَلَّفَهُ ، وَاحْتِمَالُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مِمَّنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ ؛ وَمَنْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ مُوَسَّعا عَلَيْهِ ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ مَالُهُ ، ثُمَّ تَعَاهُدُهُ الْفُقَرَاءَ بَعْدُ بِنَوَافِلِهِ ؛ وَمَنْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ شَرِيفا فِي بَيْتِهِ ، جَمِيلاً فِي صُورَتِهِ ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللّه َ عَلى ذلِكَ ، وَلَا (1) يَتَطَاوَلَ عَلى غَيْرِهِ ؛ فَيَمْنَعَ حُقُوقَ الضُّعَفَاءِ لِحَالِ شَرَفِهِ وَجَمَالِهِ» .

هديّة :«الفاء» في (فمن منّ اللّه عليه) للبيان . (فجعله قويّا) بسلطنة أو رئاسة أو قوّة بدنيّة . (بما كلّفه) من العدل في الرعيّة والإنصاف من نفسه فيمن هو دونه ، ورفع الظلم عن المظلوم ، والجهاد ، والحجّ ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من الاُمور المكلّف بها ، كاحتمال مؤونة الأهل والعيال ، ومواساة الإخوان بحسن البِشر والمال وحسن المعاشرة ، وصلة الأرحام ، وحسن الجوار ، وتعاهد الفقراء للأغنياء ، والإتيان بحقوق الضعفاء ، وترك التطاول والتكبّر للشرفاء إلّا على من تكبّر لا على المتكبّر . وفي الحديث «تِهْ على التّاه حتّى نسى تيهه» . (2) و(بعد) بعد (ثمّ) تأكيد وإشارة إلى ترتيب مراتب الإنفاق كما يجيء في كتاب المعيشة إن شاء اللّه تعالى . و«النوافل» : الزوائد . (في بيته) : في قومه . (جميلاً في صورته) أي مزيّنا بلباس التجمّل في ظاهره ، كتزيّنه بنور الإيمان في سيرته وصورته . قال برهان الفضلاء : ذكر «بعد» مع «ثمّ» للمبالغة في أنّ المال إن لم يكن من الحلال لا يجوز إتيانه الفقراء بل يجب ردّه على المالك . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فحجّته عليه القيام بما كلّفه» أي ما يحتجّ به عليه بعد التعريف قوّة القيام بما كلّف به ، أو المحتجّ له القيام بالمكلّف به . وهذا أظهر وأوفق بما بعده من جعل التعاهد للفقراء بنوافل ماله والحمد على شرفه وجماله ، وعدم التطاول على غيره من الحجّة . وحينئذٍ ينبغي حمل قوله : «فحجّته عليه ماله» على أنّ المحتجّ له إصلاح ماله وصرفه في مصارفه ، وحفظه عن التضييع والإسراف فيه . (3)

.


1- . . في الكافي المطبوع : «وأن لا» .
2- . لم أجد هذا الحديث في المجاميع الحديثية للعامّة والخاصّة .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 514 .

ص: 486

. .

ص: 487

باب

الباب الثالث والثلاثون : بَاب (1)وفيه كما في الكافي حديث واحد :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ دُرُسْتَ ، (2) عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«سِتَّةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ : الْمَعْرِفَةُ ، وَالْجَهْلُ ، وَالرِّضَا ، وَالْغَضَبُ ، وَالنَّوْمُ ، وَالْيَقَظَةُ» .

هديّة :لعلّ ثقة الإسلام أفرد هذا الحديث مع مناسبته أحاديث الباب السابق للإشارة إلى غرابته وندرته ، فالتقدير : «باب نادر» . وفي تعقيب الباب بسابقه إشارة إلى المناسبة . قيل : ذكر العدد ليس للحصر ؛ إذ ورد في الحديث أيضا أنّ الستّة : «الفقر ، والغنى ، والمرض ، والصحّة ، والنوم ، واليقظة» . 3 وتكلّف التوجيه بما يدخل به غير المذكور هنا في المذكور بعيد جدّا . وقال برهان الفضلاء : إنّما لم يعنون هذا الباب ؛ لكونه شبيها بأنّه من تتمّة سابقه ، والفرق أنّ الكلام في سابقه في لزوم الحجّة في معرفة الربوبيّة والرسالة والإمامة على اُولي الألباب ، وهنا في عدم لزوم الحجّة في المذكورات على المستضعفين . والمراد ب «المعرفة» : معرفة الربوبيّة والرسالة والوصاية . وب «الجهل» : جهل المذكورات . وب «الرِّضا» : رضى مخلوق عن مخلوق . وب «الغضب» : غضب مخلوق على مخلوق . والمراد أنّ الجاهل الواقعي بالربوبيّة والرسالة والوصاية معذور . انتهى . وفي بيانه تأمّل بليغ . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : قوله عليه السلام : «المعرفة والجهل» يعني الجهل المركّب ؛ أي الصورة الإدراكيّة الغير المطابقة للواقع . (3) فيه أيضا تأمّل .

.


1- . في الكافي المطبوع : «باب اختلاف الحجّة على عباده» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحسين بن زيد ، عن درست بن أبي منصور» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 135 .

ص: 488

. .

ص: 489

باب حجج اللّه على خلقه

الباب الرابع والثلاثون : بَابُ حُجَجِ اللّه ِ عَلى خَلْقِهِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْمَحَامِلِيِّ ، عَنْ دُرُسْتَ ، عَنْ العجلي ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَيْسَ لِلّهِ عَلى خَلْقِهِ أَنْ يَعْرِفُوا ، وَلِلْخَلْقِ عَلَى اللّه ِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ ، وَلِلّهِ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا عَرَّفَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا» .

هديّة :(أن يعرفوا) على المعلوم ، من باب ضرب ؛ أي أن يحصّلوا لأنفسهم المعرفة الدينيّة من دون الحجّة عليهم بتعريف الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه . (وللخلق) أي بل للخلق على اللّه أن يجعلهم عارفين بالمعرفة الدينيّة بالتعريف، قبلوا أم لا. أو المعنى أن يعرّف لهم على الحذف والإيصال . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «للخلق» بدون الواو . وقال : يعني ليس للّه على خلقه أن يعرفوا ربوبيّته فيسعوا في طلب الرسول والكتاب والوصيّ ، بل للخلق على اللّه أن يعرّف غير مستضعفيهم ربوبيّته بشواهدها ، وللّه على الخلق إذا عرّفهم ربوبيّته أن يقبلوا بالسعي في طلب الرسول والكتاب والوصيّ . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ليس للّه على خلقه أن يعرفوا» قد وقعت في مواضع كثيرة من كلامهم عليهم السلام تصريحات بأنّ اللّه تعالى يعرّف نفسه ممّن (2) أراد تعلّق التكليف به ، بأن يخلق أوّلاً في قلبه أنّ لك خالقا مدبّرا ، وأنّه ينبغي أن يجيء من قِبَله تعالى من يدلّك على مصالحك ومضارّك ، وفي هذه المرتبة ليس تكليفا أصلاً ثمّ تبلغه الدعوة من قِبَله تعالى بالاعتراف بوحدانيّته قولاً وقلبا ، وبأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه . وهذا أوّل التكاليف ، والدليل على صدقه المعجزة . ومن تلك المواضع ما مضى في باب أدنى المعرفة عن الصادق عليه السلام من قوله : «إنّ أمر اللّه كلّه عجيب ، إلّا أنّه قد احتجّ عليكم بما عرّفكم به من نفسه» . ومن تلك المواضع ما يجيء في تحت باب : ومن الناس من يعبد اللّه على حرف ؛ عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله : «أدنى ما يكون العبد به مؤمنا أن يعرّفه اللّه تعالى نفسه فيقرّ له بالطاعة ، ويعرّفه نبيّه صلى الله عليه و آله ويقرّ له بالطاعة ، ويعرّفه إمامه فيقرّ له بالطاعة » ومنها : أحاديث هذا الباب . ومنها : أحاديث الماضي . ومنها : الحديثان المذكوران في أوّل كتاب الحجّة . «أن يقبلوا» أي يعترفوا بذلك ويقرّوا به . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ليس للّه على خلقه أن يعرفوا » أي ليس المعرفة واجبةً عليهم ؛ لأنّه من صنع اللّه لا من صنعهم . «وللخلق على اللّه أن يعرّفهم» لأنّ استكمالهم ونجاتهم فيما لا يكون تحت قدرتهم لازم على الخالق الخبير الحكيم القادر ، ويحكم العقل بحسنه وقبح تركه ، وبأنّه لا يتركه الموصوف بتلك الصفات البتّة . «و»الواجب «للّه على الخلق» ومن حقوقه عليهم «إذا عرّفهم أن يقبلوا» أي يطيعوا وينقادوا ويعترفوا بأنّ ما عرّفهم حقّ . وهذا الحديث وأمثاله دالّ (4) على التحسين والتقبيح العقليّين . (5) والعلم عند اللّه وأهل الذِّكر صلوات اللّه عليهم .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن درست بن أبي منصور ، عن بريد بن معاوية» .
2- . في «ب» و «ج» والمصدر : «من» مكان «ممّن» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 136 .
4- . كذا في المصدر ، وفي النسخ : «دلّ» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 515 .

ص: 490

. .

ص: 491

الحديث الثانيروى في الكافي عن العِدَّة ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بن ميمون ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : مَنْ لَمْ يُعَرَّفْ شَيْئا هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ :«لَا» .

هديّة :(من لم يعرّف شيئا) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل ؛ أي له شيئا من المعارف الدينيّة . ويحتمل المعلوم من باب ضرب ، أي بتعريف اللّه بوساطة الحجّة المعصوم . وقال برهان الفضلاء : يعني المستضعف الذي لم يعرف شيئا من الربوبيّة هل عليه مؤاخذة ؟ وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : يعني من لم يعرّفه اللّه نفسه ونبيّه لم يكلّفه بشيء أصلاً ؛ لأنّ التكليف إنّما يكون بعد التعريفين كما مرّ . وممّا يوضح ذلك الأحاديث الآتية في باب المستضعف . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي من لم يعرف شيئا أصلاً بتعريفه سبحانه بإرسال الرّسل والوحي والإلهام هل يجب عليه شيء يؤاخَذ بتركه ويُعاقب عليه؟ أو المراد من لم يعرف شيئا خاصّا بتعريفه سبحانه هل يجب ذلك الشيء عليه ، ويؤاخذ بتركه ويعاقب عليه؟ وإن كان عبارة السائل قاصرة عنه . والجواب بنفي الوجوب ؛ أمّا على الأوّل ؛ فلقوله تعالى : «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» 3 ؛ ولأنّه من لم يعرف شيئا حتىّ المعرفة باللّه سبحانه التي من صنع اللّه كيف يؤاخذ بعدم المعرفة ، وبما يترتّب عليه ؟! وأمّا على الثاني ؛ فلما قاله سبحانه ؛ لأنّ الإرسال في شيء لا يجدي في شيء آخر ؛ ولأنّه مؤاخذة الغافل عن الشيء من غير أن ينبّه عليه وعقابه على تركه قبيح أصلاً (3) . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 136 .
3- . كذا في النسخ ، وفي المصدر : «عقلاً» مكان «أصلاً» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 515 _ 516 .

ص: 492

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا حَجَبَ اللّه ُ عَنِ الْعِبَادِ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ» .

هديّة :أي من المعارف الدينيّة ، كبعض خصوصيّات الربوبيّة ، وخصائص النبوّة والإمامة ممّا لا يحتاجون إليه في الدِّين كسرّ محبّة اللّه لأهل الخير ، فإجراُء الخير على يدهم ؛ وسخط اللّه على أهل الشرّ ، فإجراء الشرّ على يدهم ، كما مرَّ في الثاني من باب السعادة والشقاء حيث قال عليه السلام في آخره : «وهو سرّه تبارك وتعالى» . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «عن العباد » أي عن المستضعفين من العباد من ربوبيّته ، فالتكليف بمقتضاه موضوع عنهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما حجب اللّه عن العباد» أي ما لم يعرفوه . وبيانه ظاهر . ولعلّ معرفة اللّه سبحانه في الجملة ليس ممّا حجبه اللّه عن عبد من عباده وإن كان حجابا (2) فبصنعه لا بصنع اللّه سبحانه ؛ لأنّه سبحانه لم يحجبها عن أحد ، بل أوضحها وأظهرها بدلائلها وإعطاء ما يكفي للوصول إليها ، وإن لم يقع الوصول فمن جهتهم لا من حَجْبه سبحانه إيّاها عنهم . نعم ، المعرفة على وجه الكمال ربّما يُقال بحجبها عن بعض النفوس الناقصة . وفي استناد هذا الحجب إليه سبحانه نظر . ويحتمل أن يكون المراد بقوله : «ما حجب اللّه عن العباد» ما لم يكن في وسعهم وحُجبوا عنه بما من جانب اللّه ، فيكون موضوعا عنهم ، كما في الحديث الذي بعد هذا . (3) انتهى . أقول : ملخّص أقوال الأصحاب في هذا الباب : أنّ اللّه تبارك وتعالى لا يكلّف العباد بشيء ولا يحتجّ عليهم إلّا بعد البيان والتعريف وإعطاء الوسع والطاقة وما به الاستطاعة ؛ «لِئَلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ» ، (4) فهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة . (5) والمعيار العدل للفطن المتأمّل في البيانات في هذا الباب تمييزه بين المعرفة الفطريّة التي لا تكليف فيها أصلاً والمعرفة الدينيّة التي مناط التكليف ، ولا تحصل إلّا بالتعريف إذا أقبل وقَبِل فحيّ عن بيّنة ، بخلاف من أنكر وأدبر فهلك عن بيّنة . والمستضعفون أيضا مكلّفون بقدر وسعهم ، ولذا ثبت أنّ للّه فيهم المشيئة في المؤاخذة والعفو عنهم . 6 واللّه أعلم بالصواب .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . كذا في النسخ، وفي المصدر: «حجابٌ».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 516 .
4- . النساء (4) : 165 .
5- . اقتباس من الآية 42 ، الأنفال (8) .

ص: 493

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ ، (1) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي :«اكْتُبْ» ، فَأَمْلى عَلَيَّ : «إِنَّ مِنْ قَوْلِنَا : إِنَّ اللّه َ يَحْتَجُّ عَلَى الْعِبَادِ بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ ، فَأَمَرَ فِيهِ وَنَهى : أَمَرَ فِيهِ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ، فَنَامَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَنِ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : أَنَا أُنِيمُكَ ، وَأَنَا أُوقِظُكَ ، فَإِذَا قُمْتَ فَصَلِّ ؛ لِيَعْلَمُوا إِذَا أَصَابَهُمْ ذلِكَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ ، لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ : إِذَا نَامَ عَنْهَا هَلَكَ ؛ وَكَذلِكَ الصِّيَامُ ، أَنَا أُمْرِضُكَ ، وَأَنَا أُصِحُّكَ ، فَإِذَا شَفَيْتُكَ فَاقْضِهِ» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «وَكَذلِكَ إِذَا نَظَرْتَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، لَمْ تَجِدْ أَحَدا فِي ضِيقٍ ، وَلَمْ تَجِدْ أَحَدا إِلَا وَلِلّهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ، وَلِلّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ ، وَلَا أَقُولُ : إِنَّهُمْ مَا شَاؤُوا صَنَعُوا» . ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللّه َ يَهْدِي وَيُضِلُّ» . وَقَالَ : «وَمَا أُمِرُوا إِلَا بِدُونِ سَعَتِهِمْ ، وَكُلُّ شَيْءٍ أُمِرَ النَّاسُ بِهِ ، فَهُمْ يَسَعُونَ لَهُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَسَعُونَ لَهُ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ ، وَلكِنَّ النَّاسَ لَا خَيْرَ فِيهِمْ» . ثُمَّ تَلَا عليه السلام : «لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ» فَوُضِعَ عَنْهُمْ «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ» قَالَ : «فَوُضِعَ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان الأحمر» .

ص: 494

هديّة :(اكتب) إنّ كسر الهمزة أولى من فتحها ، لمكان الكتابة فنقل باللّفظ لا بالمعنى فقط . (بما آتاهم) من الاختيار ، وما به الاستطاعة . (وعرّفهم) بالحجج والكتب . «ثمّ» في (ثمّ أرسل) بمنزلة الفاء البيانيّة ؛ إذ التعريف لتحصل المعرفة الدينيّة لمن أقبل وقبل ، إنّما هو بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب . (فنام رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الصلاة) صلاة الفجر في منزل من منازل غزوة من غزواته . في بعض النسخ بزيادة : «في بعض أسفاره» بعد «عن الصلاة» . (فقال : أنا اُنيمك) عند اضطرابه صلى الله عليه و آله بعد اليقظة . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : باتّصال «يصعنون» بقوله : «وكذلك الصيام» من دون توسّط «ليس كما يقولون إذا نام عنها هلك » . «شفاه اللّه » كضرب . (وللّه فيه المشيئة) أي في المؤاخذة والعفو ، قال اللّه تعالى في سورة النساء : «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» (1) بعد إتمام الحجّة وتقصير المحتجّ عليه . (ولا أقول) أي كالمفوّضة (إنّهم ما شاؤوا صنعوا) يعني بل أقول _ كما مرَّ مرارا _ : إنّه سبحانه علم ما يصدر عنهم باختيارهم فشاء أن يشاؤوا إمّا الخير على التوفيق وإمّا الشرّ على الخذلان . «وما تشاءُون إلّا أن يشاء اللّه » ، إنّ اللّه يهدي من يحبّه ويضلّ من يبغضه . (وما اُمروا إلّا بدون سعتهم) أي دون قدر طاقتهم فضلاً عن قدر طاقتهم . (2) (فهم يسعون له) وفوقه تفضّلاً وأتمّيةً للحجّة . (ولكن الناس لا خير فيهم) يعني غير الفرقة الناجية من البضع والسبعين في هذه الاُمّة ، لا خير فيهم في علمه تعالى بأنّهم لا يختارون _ وسِربَهم مخلّى _ إلّا الكفر ، وضلالهم إنّما هو بعد هدايتهم بالمعجزات وبيّنات الآيات ، فخلق الكفر في فاعل الكفر لا ينافي العدالة ، ولا يسأل عن التفصيل (3) فيه ، مع أنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، واللّه لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون ، وما لأهل ولاية اللّه ومحبّته وللسؤال عن وجه محبّته لهم وسخطه على أعدائهم . وشغل الشكر على نعمة الولاية والتبرّي ولو استوعب مدّة العمر لا يخرجهم عن التقصير ، فافهم واشكر ولا تسأل عمّا نصّ الإمام عليه السلام بأنّه سرّ من أسرار اللّه تبارك وتعالى كما في الثاني من الباب الثامن والعشرين . (ما ينفقون) في سبيل اللّه ، أو خصوص الجهاد . و«الحرج» : الضيق والإثم . «فوضع عنهم» أي الجهاد . «ما على المحسنين من سبيل » . قيل : لنيّة الخير . وإنّما يثيب اللّه عباده بالنيّات . (لتحملهم) أي على الرواحل للجهاد ، والآية في سورة التوبة هكذا : «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للّه ِِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ» (4) . قال برهان الفضلاء : عدم ذكره عليه السلام قوله تعالى : «إِذَا نَصَحُوا للّه ِِ وَرَسُولِهِ» إيماء إلى أنّ «وَلَا عَلَى الَّذِينَ» عطف على «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ» لا على سابقها ، أو للإيماء إلى أنّ صدر الآية الثانية هو «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ» لا «وَلَا عَلَى الَّذِينَ» كما هو المشهور . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الظاهر أنّ المراد بما آتاهم وعرّفهم هنا معرفة اللّه سبحانه التي عرّفها للعباد بإظهار الدلائل الواضحة الدالّة عليها ، يرشدك إليه قوله : «ثمّ أرسل » ؛ فإنّ إرسال الرسول إنّما يتأخّر عن هذا التعريف . وما بعد ذلك في هذا الحديث من قوله : «ثمّ أرسل إليهم» لبيان أن لا تضيّق على العباد فيما اُمروا به ، ثمّ عمّم نفي التضييق عليهم في جميع ما كُلِّفوا به إتيانا وتركا . وفيه إشارة إلى نفي الجبر . وقوله : وللّه عليه الحجّة كالدليل عليه ؛ فإنّه لا حجّة على المجبور ، لكن لكونه معذورا . «وللّه فيه المشيئة» إشارة إلى نفي القَدَر ، وأنّ كلّ ما يكون من العبد بمشيّة اللّه . «ولا أقول : إنّهم ماشاؤوا صنعوا» _ سواء كان على وفق مشيئة اللّه أو لم يكن _ تصريح بنفي القَدَر . «إنّ اللّه يهدي ويضلّ» دليل على كون الكلّ بمشيّة اللّه . «وما اُمروا إلّا بدون سعتهم» أي لم يكلّفهم بمنتهى سعتهم بل كلّفوا بما لم يصل إليه ، وفوقه مراتب من السّعة . «وكلّ شيء أمر الناس به فهم يسعون له ، وكلّ شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم» غير مطلوب منهم فما لم يقع من المأمور به ليس لأنّهم لا يسعون له ؛ بل لأنّهم لا خير فيهم . (5) انتهى . وفي أوّل بيانه ما فيه بإقراره ؛ فإنّ المعرفة الفطريّة التي فطر اللّه الناس عليها ، وحاصلة لكلّ ذي شعور وإدراك بشواهد الربوبيّة من السماء والأرض وغيرهما من عجائب الصنائع وغرائب الآثار إنّما هي قبل البيان والتعريف الموجب لحصول المعرفة الدينيّة إذا أقبلوا وقبلوا . فحمل «ثمّ» على ما قلنا أولى . وحمل برهان الفضلاء أيضا على التعقيب والتراخي بعد حمله «العباد» على غير المستضعفين . وقد عرفت ما فيه . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : ثمّ أرسل إليهم رسولاً ؛ إرسال الرّسل بعد تعريف نفسه جلّ جلاله . «ولا أقول إنّهم ما شاؤوا صنعوا» معنى الأمر بين الأمرين أنّهم ليس كذا بحيث ما شاؤوا صنعوا ، بل فعلهم معلّق على إرادة حادثة متعلّقة بالتخلية أو بالصرف . وفي كثير من الأحاديث أنّ تأثير السحر موقوف على إذنه تعالى ، وكان السرّ في ذلك أنّه تعالى قال : لا يكن شيء من طاعته أو معصيته أو غيرهما _ كالأفعال الطبيعيّة _ إلّا بإذن جديد منّي ، فيتوقّف حينئذٍ كلّ حادث على الإذن توقّف المعلول على شرطه ، لا توقّفه على سببه . واللّه أعلم . ويفهم من كثير منها أنّ التخلية في المعاصي إنّما يكون في آن المعصية لا قبلها . «إنّ اللّه يهدي ويضلّ» يجيء في باب ثبوت الإيمان : أنّ اللّه خلق الناس كلّهم على الفطرة التي فطرهم عليها ، لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود ، ثمّ بعث اللّه الرّسل يدعوا العباد إلى الإيمان به ، فمنهم من هدى اللّه ومنهم من لم يهده اللّه . وأقول : هذا إشارة إلى الحالة التي سمّتها الحكماء العقل الهيولاني . وأقول : معنى الضالّ هو الذي انحرف عن صوب الصواب والثواب ، ولمّا لم يكن قبل إرسال الرّسل وإنزال الكتب صوب صواب امتنع حينئذٍ الانحراف عنه ، ولمّا حصل أمكن . فيكون اللّه تعالى سبيا بعيدا في ضلالة الضالّ . وهذا هو المراد من قوله عليه السلام : «يضلّ » . (6) انتهى . أراد بقوله _ في أوّل بيانه بعد تعريف نفسه جلّ جلاله _ : أنّ إرسال الرُّسل إنّما هو بعد تعريف نفسه جلّ جلاله ، بطائفة من شواهد ربوبيّته الدالّة على نفي حدّ التعطيل حسب ليتلائم فقرات بيانه إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . النساء (4) : 48 .
2- . في «ب» و «ج» : - «فضلاً عن قدر طاقتهم» .
3- . في «الف» : «ترك التفصيل» .
4- . التوبة (8) : 91 _ 92 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 516 _ 517 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 137 .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

. .

ص: 498

باب الهداية أنّها من اللّه عز وجل

الباب الخامس والثلاثون : بَابُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مِنَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابن بزيع ، (1) عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ ثَابِتٍ بن (2) سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«يَا ثَابِتُ ، مَا لَكُمْ وَلِلنَّاسِ ، كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ، وَلَا تَدْعُوا أَحَدا إِلى أَمْرِكُمْ ؛ فَوَ اللّه ِ ، لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يَهْدُوا عَبْدا يُرِيدُ اللّه ُ ضَلَالَهُ ، (3) مَا اسْتَطَاعُوا عَلى أَنْ يَهْدُوهُ ؛ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يُضِلُّوا عَبْدا يُرِيدُ اللّه ُ هُدَاهُ ، (4) مَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُضِلُّوهُ ، كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ : عَمِّي وَأَخِي وَابْنُ عَمِّي وَجَارِي ؛ فَإِنَّ اللّه َ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرا ، طَيَّبَ رُوحَهُ ، فَلَا يَسْمَعُ مَعْرُوفا إِلَا عَرَفَهُ ، وَلَا مُنْكَرا إِلَا أَنْكَرَهُ ، ثُمَّ يَقْذِفُ اللّه ُ فِي قَلْبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أَمْرَهُ» .

هديّة :(أنّها) في العنوان بفتح الهمزة بدل الاشتمال من (الهداية) يعني توفيق الإيمان باللّه والرسول والوصيّ على ما جاء به الرسول من اللّه سبحانه ، فمعنى الإضلال في نسبته إليه تعالى هو الخذلان بالتخلية بين العبد وما يعلم صدوره عنه بإرادته واختياره لو خلّى سربه من غير أن يكون العلم الأزلي علّةً ، على ما مرّ بيانه مرارا . قيل : (ثابت) يكنّى «أبا سعيد» فالصحيح : «أبي سعيد» مكان «ابن سعيد» . (وكفّوا عن الناس) لا ينافي حكم العاشر في الباب الثالث في كتاب العقل من الأمر بإظهار العلم وهداية الناس ؛ فإنّ الحكم هنا متعلّق بزمن اشتداد التقيّة ، وهناك بزمن الهُدْنة وغلبة المؤمنين ، وذلك _ مع أنّ الموفّق للإيمان والهادي إلى الحقّ في مطلق الزمان هو اللّه سبحانه حَسْب _ إنّما هو على زعم الأشقياء وقصم ظهر الأعداء وتأكيد إتمام الحجّة وتحصيل الثواب بإظهار الكلمة وجمعها ، وإزالة ظهور الاختلاف بإظهار طريقة الصواب وفضلها . في بعض النسخ : «هدايته» مكان «هداه» . وفي ذكر «العمّ» قبل «الأخ» إشارة إلى أنّ «العمّ» لمكان المبالغة في رعاية حقّ الأب أحقّ بالرّعاية من «الأخ» كابن العمّ من الجار . و«التطيّب» : التزكية . (إلّا عرفه) وقَبِله . (كلمة) : نورا من أنواره . (يجمع بها أمره) يحفظه من غلبة الوسوسة عليه حتّى يصل إلى كماله في علم اللّه سبحانه . قال برهان الفضلاء : المراد بالهداية هنا توفيق الإقرار بالربوبيّة والرسالة والإمامة ، وهو من اللّه ، بمعنى أنّ العالِم بسعيد الناس وشقيّهم إنّما هو اللّه سبحانه ، فيوفّق على وفقه ويخذل كذلك . والظاهر «ثابت أبي سعيد» مكان «ابن سعيد» كما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في باب في ترك دعاء الناس . والمراد ب «الناس» هنا : أصل الإصرار ، كما يظهر في كتاب الإيمان والكفر في باب في إحياء المؤمن ، وباب في الدّعاء للأهل إلى الإيمان ، وباب في ترك دعاء الناس . و«الأمرِ» (5) : تصديق الإمام المعصوم المفترض الطاعة . «ولا يقول» خبر بمعنى النهي . وفي بعض النسخ : «لا يقل » . والمراد ب «الكلمة» : كلمة التوحيد ؛ يعني يقذف اللّه بتوفيقه في قلبه أوّلاً التصديق الواقعي بأنّه لا إله إلّا اللّه ، ثمّ يجمع به جميع أجزاء الإيمان لاندراج الشهادة بالرسول والوصيّ في ذلك . وقال الفاضل الإسترابادي : «كفّوا عن الناس» الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في باب الاعتقادات غير واجب في زمن التقيّة أو مطلقا إلّا على صاحب الدعوة . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني : الظاهر أنّ ما في هذا الباب من نفي التعرّض للناس والكفّ عن دعوتهم إلى الأمر الذي عليه الفرقة الناجية لمكان التقيّة ، ودفع الضرر العائد من دعوتهم إلى هذه الفرقة مع ظنّ عدم تأثير هذه الدعوة فيهم ، بل المظنون كونها من أسباب رسوخهم في الضلال خصوصا ممّن لا يستمعون لكلامه ، ولا يقدر هو أن يقول بما هو حقّ المقال . (7) فابتداء الدعوة لغير الطالب المسترشد في تلك الأعصار محظور . وأمّا في زمان استعلاء الحقّ وظهوره وغلبته على الباطل فابتداء الدعوة لدفع الباطل وردّه وإعلاء الحقّ وتقريره حسن ، وإن لم يؤثّر في الخبيث الشقيّ أثرا يترتّب عليه النجاة وهو الإيمان المستقرّ ؛ لما فيه من الحكمة وخلوّه عن المفسدة . «كلمة يجمع بها أمره» أي يلقي اللّه في قلبه اعتقادا حقّا يرشد بها إلى جميع العقائد التي بها صلاح أمره ونجاته عن الهلاك ولعلّها كناية عن الأمر الذي عليه الفرقة الشريفة . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل» .
2- . في حاشية «ج ، الف» و الكافي المطبوع : «ثابتٍ أبي سعيد» .
3- . في الكافي المطبوع : «ضلالته» .
4- . في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «هدايته» .
5- . عطف على قوله قبيل هذا : «والمراد» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 137 .
7- . من هنا قد أسقط المصنّف رحمه الله قريب من صفحة من كلام النائيني رحمه الله .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 518 _ 519 .

ص: 499

. .

ص: 500

الحديث الثانيروى في الكافي عن الثلاثة ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ اللّه َ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرا ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً مِنْ نُورٍ ، وَفَتَحَ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ، وَوَكَّلَ بِهِ مَلَكا يُسَدِّدُهُ ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءا ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ ، وَسَدَّ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ، وَوَكَّلَ بِهِ شَيْطَانا يُضِلُّهُ» . ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ : «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَ_مِ وَمَن يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ» .

.


1- . يعني «عليّ بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .

ص: 501

هديّة :«النكتة» بالضمّ ، كالنقطة لفظا ومعنىً ، واسم المصدر وهو «النّكت» بالفتح ، نكت كنصر : ضرب في الأرض برأس خشبةٍ ونحوها فأثّر فيها . و«المسامع» : جمع مسمع كمنبر ، يعني جارحة السمع . وفتح مسامع القلب بيد اللّه تبارك الذي ، بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير . (1) إذا أراد بعبدٍ خيرا لَعَلِمه بأنّه يصدر منه الخير بإرادته واختياره إذا خلّى سِربه ، فيريد تعالى أن يريد الخير ويخلق فيه الخير مطابقا لمختاره في علمه تعالى ليفعل الخير كما هو أهلهُ ، وإذا أراد بعبدٍ سوء لعلمه بأنّه يصدر منه الشرّ بإرادته واختياره إذا خلّى سِربه ، فيريد سبحانه أن يريد الشرّ ويخلق فيه الشرّ مطابقا لمختاره في علمه تعالى ليفعل الشرّ كما هو أهله . والآية في سورة الأنعام . (2) و«الحرج» : الضيق . وذكره بعد الضيق تأكيد للمبالغة . و«يصعّد» بالتشديدين على المضارع المعلوم من التفعّل ، أي ضيق قلبه كضيق قلب من يقصد التصعّد بكمال الهوس والهمّة إلى السماء من غير سبب يعتدّ به من جناح و غيره من أدوات الصعود . قال برهان الفضلاء : إذا أراد بعبد خيراً للعلم بسعادته ، وإذا أراد بعبد سوءاً للعلم بشقائه . وفتح مسامع القلب كناية عن محكمات القرآن ، وسدّ مسامع القلب كناية عن تأويل المحكمات التي نهى اللّه فيها صريحاً عن العمل بالظنّ و إلخ . وقال الفاضل الإسترابادي : «وكّل شيطاناً يضلّه» للإضلال المنسوب إليه تعالى وجهان ، قد مرّ بيانه . وثانيهما من باب الغضب الدنيوي بالنسبة إلى من استحبّ العمى على الهدى بعد أن عرّفه اللّه النجدين . وقال السيّد الأجل النائيني : «نكت في قلبه نكتة من نور» أي أدخل في قلبه وأحدث فيه أثراً من نور . «وفتح مسامع قلبه» وجعلها مفتوحة تَسَع المعارفَ ، «ووكّل به ملكاً [يسدّده]» ويعرّفها إيّاه ويحفظه عن الزيغ . «وإذا أراد بعبد سوءاً» أي بإرادته وقوع مراد العبد وعلمه بأنّه يريد السوء «نكت في قلبه نكتة سوداء» بأن يتركه مخلّى بينه وبين مراده ، فيحدث في قلبه نكتة سوداء من سوء اختياره ويصير مسامع قلبه مسدودة ، وتركه والشيطانَ الموكّل به لإضلاله من سوء اختياره . (3) وقال بعض المعاصرين : «وفتح مسامع قلبه» أي بتكرير الإدراكات النوريّة الناشئة من تكثير الأعمال الصالحة وسماع الأقوال الفاتحة من جنس ما يتأثّر منه قلبه أوّلاً، فيقوى بها استعداده لأن يصير بها ملكة نفسانيّة ، ويخرج بها نور قلبه من الضعف إلى الكمال ، ومن القوّة إلى الفعل ، فيستعدّ أن يصير ذاتاً جوهريّة نورانيّة قائمة بذاتها فاعلة الخير والهداية .

.


1- . اقتباس من الآية 26 من آل عمران (3) .
2- . الأنعام (6) : 125 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 519 _ 520 .

ص: 502

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ لِلّهِ ، وَلَا تَجْعَلُوهُ لِلنَّاسِ ؛ فَإِنَّهُ مَا كَانَ لِلّهِ ، فَهُوَ لِلّهِ ؛ وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ ، فَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللّه ِ ، وَلَا تُخَاصِمُوا النَّاسَ لِدِينِكُمْ ؛ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَمْرَضَةٌ لِلْقَلْبِ ؛ إِنَّ اللّه َ تَعَالى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ» (1) وَقَالَ : «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (2) ذَرُوا النَّاسَ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنِ النَّاسِ ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إِنِّي سَمِعْتُ أَبِي عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِذَا كَتَبَ عَلى عَبْدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي هذَا الْأَمْرِ ، كَانَ أَسْرَعَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّيْرِ إِلى وَكْرِهِ» .

.


1- . القصص (28) : 56 .
2- . يونس (10) : 99 .

ص: 503

هديّة :في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول» . وسيجيء هذا الحديث في الباب الرابع والتسعين في كتاب الإيمان والكفر ، وفيه بعد قوله : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام : «ولا سَواءٌ» (1) يعني أخذهم وأخذكم ، فخبر مقدّم لمبتدأ محذوف . (اجعلوا أمركم للّه) أي أخلصوا دينكم وانقيادكم لمن فرض اللّه عليكم ، (ولا تجعلوه للناس) ولا تراؤوا به ، والرياء شرك خفيّ ممرضة ، على اسم الفاعل من الإفعال ، أو بفتح الميم اسم آلة أو اسم مكان . وضبط برهان الفضلاء بالفتح بمعنى موضع أمراض كثيرة . والآية الاُولى في سورة القصص والثانية في سورة يونس وصدرها «وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَأَمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ» الآية. جميعاً: تأكيد على التأكيد . والوكر بالفتح : عُشّ الطائر بضمّ العين المهملة وتشديد الشين المعجمة . قال سيّد الأجل النائيني رحمه الله : «اجعلوا أمركم» أي دينكم الذي يدينون اللّه به في التديّن به لمرضاته وطاعته ، «ولا تجعلوه للناس» وليعلموا أنّكم عليه ، فلا تظهروا به ، فإنّ ما كان لطاعة اللّه ومرضاته يصعد إلى اللّه ويصل إليه وهو يجازي عليه ، وما كان للناس فلا يصعد إلى اللّه ولا يترتّب عليه المطلوب منه . «ولا تخاصموا الناس» فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب من الجانبين ، فتمرض قلوبكم بالميل إلى الغلبة وإظهارها ، فلا يخلص للّه ، ولا يجديكم ، ويمرض قلوبهم ، ويزيدهم مرضاً على مرض باللجاج في باطلهم والعناد له ، فلا يؤثّر فيهم ولا يزيدهم إلّا ضلالاً . ثمّ بعد النهي عن المخاصمة أمر بعدم التعرّض لهم وترك دعوتهم إلى هذا الأمر معلّلاً بأنّهم أخذوا أمرهم عن الناس وتبعوهم ، وظنّوا أنّ فعلهم حجّة ، واتّباعهم لازم ، و إنّكم أخذتم أمركم عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وممّا ثبت عندكم أنّه عنه ، واعتقدتم أن لا حجّيّة إلّا لما ثبت عن اللّه وعن رسوله ، ولا يجوز ترك متابعته واتّباع غيره في أمر من الاُمور ، فهم لا يستمعون إليكم ، ولا يصدّقون ما تحتجّون به عليهم ، فلا تأثير لقولكم فيهم ، إنّما يجدي قولكم مَن طيّب اللّه روحه ، ونكت في قلبه نكتة من نور ، ومن هذا شأنه يصل إلى الحقّ يطلبه (2) وإن لم يدعه إليه أحد . يؤيّد ذلك ما نقله عليه السلام عن أبيه عليه السلام انّه كان يقول : «إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر» وأراد وقدّر دخوله فيه «كان أسرع إليه من الطير إلى وكره» (3) .

.


1- . الكافي ، ج2 ، ص213 ، باب في ترك دعاء الناس ، ح4 .
2- . في المصدر : «بطلبه» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص520 _ 521 .

ص: 504

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : نَدْعُو النَّاسَ إِلى هذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ :«لَا ، يَا فُضَيْلُ ، إِنَّ اللّه َ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً ، أَمَرَ مَلَكاً فَأَخَذَ بِعُنُقِهِ ، فَأَدْخَلَهُ فِي هذَا الْأَمْرِ طَائِعاً أَوْ كَارِهاً» .

هديّة :ندعو الناس يعني في زمن التقيّة . والعبارة «عن طائعاً أو كارهاً» بالفارسيّة : «خواهى نخواهى» . قال برهان الفضلاء : «في هذا الأمر ، أي في التصديق والإيمان بإمامتنا أهل البيت عليهم السلام » . وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : أي أدخله في هذا الأمر والعلم الحقيقيّة (1) بالاطّلاع على دلائله ، سواء كان راغباً فيه أو كارهاً له فإنّ (2) عند الاطّلاع على الدلائل والانتقال إلى وجه الدلالة يحصل العلم بالمدلول إن شاء اللّه تعالى . (3) تمّ بعون اللّه وحسن توفيقه كتاب التوحيد وهو الجزء الثاني من الأجزاء الثلاثين من كتاب الهدايا ، ويتلوه الجزء الثالث كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى ، والحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله المعصومين شفعاء يوم الدين في سنة 1083 .

.


1- . في المصدر : «بحقّيّته» .
2- . في المصدر : «فإنّه» .
3- . الحاشية على الاُصول الكافي ، ص521 .

ص: 505

. .

ص: 506

. .

ص: 507

فهرس المطالب .

ص: 508

. .

المجلد 3

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كتاب الحجّة

اشاره

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الجزء الثالث من كتاب الهداياكِتَابُ الْحُجَّةِوهو يشتمل مطابقاً للكافي على مائة وثمانية وعشرين باباً،(1) أو مائة وستّة عشر باباً إن عدّ أبواب التاريخ باباً واحداً.

.


1- .كذا، ولقد بلغ عدد العناوين في متن هذا الكتاب إلى المائة والثلاثين باباً، وهكذا أيضاً في الكافي. والظاهر أنّ المصنّف رحمة اللَّه عليه لم يعدّ اثنين منها من جملة الأبواب في بداية الرأي بملاحظة عدم رؤيته إيّاهما في بعض نسخ الكافي، ثمّ انصرف بعدُ، كما صرّح به في ذيل الباب الخامس و الستّين، باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: «ليس هذا العنوان في أكثر النسخ... ونحن نقلناه كما في بعضها؛ فعلى هذا أبواب كتاب الحجّة أزيد ممّا ذكر بواحد».

ص: 6

. .

ص: 7

الباب الأوّل: باب الاضطرار إلى الحجّة

الباب الأوّل : بَابُ الِاضْطِرَارِ إِلَى الْحُجَّةِوأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل1210.الإمام الكاظم عليه السلام :روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِ (1)، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ الَّذِي سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ الْأَنْبِيَاءَ وَ الرُّسُلَ؟ قَالَ : «إِنَّا لَمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً، صَانِعاً، مُتَعَالِياً عَنَّا وَ عَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، وَ كَانَ ذلِكَ الصَّانِعُ حَكِيماً مُتَعَالِياً، و لَمْ يَجُزْ(2) أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ وَ لَا يُلَامِسُوهُ؛ فَيُبَاشِرَهُمْ وَ يُبَاشِرُوهُ، وَ يُحَاجَّهُمْ وَ يُحَاجُّوهُ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَرَاءَ فِي خَلْقِهِ يُعَبِّرُونَ عَنْهُ إِلى خَلْقِهِ وَ عِبَادِهِ، وَ يَدُلُّونَهُمْ عَلى مَصَالِحِهِمْ وَ مَنَافِعِهِمْ وَ مَا بِهِ بَقَاؤُهُمْ وَ فِي تَرْكِهِ فَنَاؤُهُمْ، فَثَبَتَ الْآمِرُونَ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فِي خَلْقِهِ، وَ الْمُعَبِّرُونَ عَنْهُ جَلَّ وَ عَزَّ، وَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام وَ صَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، حُكَمَاءَ مُؤَدَّبِينَ فِي الْحِكْمَةِ(3)، مَبْعُوثِينَ بِهَا، غَيْرَ مُشَارِكِينَ لِلنَّاسِ - عَلى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ

.


1- .في «الف» : «الفقمي» .
2- .في الكافي المطبوع : «لم يجز» بدون الواو .
3- .في الكافي المطبوع وحاشية «د»: «بالحكمة».

ص: 8

1210.الإمام الكاظم عليه السلام :فِي الْخَلْقِ وَ التَّرْكِيبِ - فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، مُؤَيَّدِينَ (1) عِنْدَ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ بِالْحِكْمَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ ذلِكَ فِي كُلِّ دَهْرٍ وَ زَمَانٍ مِمَّا أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الدَّلَائِلِ وَ الْبَرَاهِينِ؛ لِكَيْلَا تَخْلُوَ أَرْضُ اللَّهِ مِنْ حُجَّةٍ يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلى صِدْقِ مَقَالَتِهِ وَ جَوَازِهديّة:(الحجّة) هنا عبارة عن الإمام المفترض الطاعة ، العالم بجميع الشرائع الإلهيّة ، تسمية السبب باسم مسبّبه ، كما في «مطرت السماء نباتاً» - أي غيثاً - يكون النبات مسبّباً عنه.ومعنى الاضطرار إلى الحجّة: بداهةُ الاحتياج إليها، ببداهة أنّ الأعلم بحقائق الأشياء إنّما هو مبدعها المدبّر لها ، وأنّ حجّته مع امتناع الرؤية لا تقوم على خَلقِه إلّا بمن هو أوثقهم وأعلمهم وأشهرهم حسباً ونسباً إلى آدم عليه السلام كنبيّنا وآله صلى اللَّه عليه وآله ، وفاقاً من المؤالف والمخالف، فإنّ حكمة العظمة تأبى عن أن يكون حجّتُه على خلقه مجهولاً في نَسَبِه ، كمشايخ الصوفيّة القدريّة، بل تقتضي معلوميّةَ نَسَبِه في خلقه تعالى إلى آدم عليه السلام.و«فُقَيم» مصغّراً: الحيّ من كنانة ، والنسبة إليهم «فُقَمِيّ» كهذليّ؛ صرّح به الجوهريّ (2) . وبإثبات الخاتمة لغة، أو كلاهما قياس كما قيل :«الفُقْم» بالضمّ : اللّحي كالرمي. وفي الحديث: «من حفظ ما بين فُقْميه» أي ما بين لحييه . وبالتحريك : أن يتقدّم الثنايا السفلى على العُليا فلا تقع عليها. والرجل أفقمٌ. والأفقم من الاُمور : الأعوج. والفَقَم أيضاً : الامتلاء ، [يقال:] أصاب من الماء حتّى فَقِم ، كعلم . وتفاقم الأمر : عَظُم. والمفاقمة : البِضاع.(3)و(الزنديق) كعفريت ، من الثنويّة ، وهو معرّب؛ قاله في الصحاح (4). وقيل: هو معرّب «زندين» باعتبار نقصان العقل .(5)

.


1- .في الكافي المطبوع : + «من» .
2- .الصحاح ، ج 5 ، ص 2003 (فقم) .
3- .المصدر.
4- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1489 (زندق) .
5- .القاموس المحيط، ج 3، ص 242 (زندق).

ص: 9

وهو القائل بقِدَم العالَم وإيجاب الصانع كالفلسفي، أو المنكر للصانع المختار كالدهري والطبيعي، أو القائل بتعدّد الإله كالقدريّ والمجوسيّ والمانويّ من الثنويّة.واللَّه العظيم، أفضحهم كفراً وزندقة الصوفيّة القدريّة مجوس هذه الاُمّة ؛ لقولهم بالتنزّلات والتشكّلات في سلسلتي البدو والعود في خيالاتهم الفاسدة لعنهم اللَّه.والحديث كأنّه تتمّة الحديث الذي قد ذكر في الجزء الثاني من كتاب التوحيد في الأوّل من أبوابه.(أثبتَّ) على الخطاب من الإفعال معلوماً، أو الغيبة منه لا كذلك .وتكرار «قال» بواسطة الفاصلة .(لمّا أثبتنا) أي بالبراهين المذكورة في أوائل الحديث ، أو المعنى : إنّا لمّا أيقنّا بمشاهدة ما لا يحصى من عجائب التقديرات بما لا يتناهى من غرائب التدبيرات بمثل هذا النظام العظيم ، بمثل هذا الاتّساق (1)القويم في مثل هذه الأنفس ، في مثل هذه الآفاق ، فبداهة انحصار الأعلميّة بحقائقها في مبدعها ومدبّرها ، احتياجها واضطرارها إلى وجود مخبر معصوم ، مبيّن حَسَبُه في الأحساب ونَسَبُه في الأنساب ، صفوة مبلّغ أمين في كلّ باب ، وقدوة عاقل مؤدّب (2) عن المدبّر العزيز الوهّاب ، وحجّة بالغة مفترضة الطاعة ، نبيّاً أو وصيّاً بعصمة منصوصة مبيّنة ؛ ليحيى من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.(3)(صانعاً) أي مدبّراً بالحكمة البالغة ، مختاراً في الفعل والترك ؛ فبمنزلة الفصل ، ردّاً على الطبيعيّين القائلين بخالقيّة الطبائع الأصليّة والحقائق القديمة في زعمهم .(ومتعالياً عنّا وعن جميع ما خلق) بتضمين معنى التنزيه ، ومعلوميّة «خلق»، أو خلافها أيضاً ؛ بمنزلة الفصل ، ردّاً على جمهور الفلاسفة القائلين بصانعيّة المبادئ

.


1- .الاتّساق : الانتظام . كتاب العين ، ج 5 ، ص 195 (وسق).
2- .فى «ب» : «مؤدّب عاقل» .
3- .اشارة إلى الآية 42 من سورة الأنفال (8): «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ».

ص: 10

العالية، ودلالةً - كما صرّح به برهان الفضلاء مولانا خليل اللَّه القزويني سلّمه اللَّه تعالى - على نفي شركةِ مخلوقٍ الخالقَ سبحانه في اسم جامد محض كالجسم والبلّور، وقد علم أنّه ذاتي لأفراده قطعاً وعين مسمّاه في الأذهان ، بخلاف المشتقّ. وأنّ ما ذكره أهل المنطق من المشتقّات مثالاً لبعض الذاتيّات فعلى المسامحة في المثال. والمحاط بالذهن مخلوق البتّة ، ومن ثَمّ يمتنع تصوّر كنه الخالق تعالى .و«التعالي» مبالغة في العالي.وقرأ برهان الفضلاء - سلّمه اللَّه تعالى - : «متغالباً» بعد «حكيماً» بالمعجمة والمفردة ، على المبالغة في الغالب.في بعض النسخ : «ولم يجز» بالواو ، فخبر بعد خبر ل «كان» أو عطف على «كان» .ونفى جواز أن يشاهده خلقُه ردٌّ على المخالفين والصوفيّة القدريّة لعنهم اللَّه ، وهم مصرّحون في كتبهم بأنّ الإنسان - أيُّ مَن كان وإن كان جوكيّاً كافراً - يصل لصفاء باطنه بالرياضات الكاملة - وإن كانت على خلاف حكم اللَّه تعالى في شريعته الغرّاء - إلى مرتبةٍ يشاهد فيها جمالَ اللَّه سبحانه بالاتّصال إلى المبادئ العالية في سلسلة العود ، فيحصل له بذلك جميع العلوم والمعارف من غير افتقار إلى الكتب وعلوم الحجج العاقلين عن اللَّه تعالى .و«المحاجّة» كالتحاجّ : التخاصم والمخالفة.وقال برهان الفضلاء: «كأنّه تصحيف، والظاهر: ويحاجبهم ويحاجبوه؛ بزيادة المفردة، أي يفارقهم ويفارقوه.ووجه ظهوره غير ظاهر.ف (ثبت) تفصيل ل «ثبت» جواب «لمّا».و«السفير»: الرسول والمصلح بين القوم .(وصفوته من خلقه) مثلّثة الصاد : مصطفاه بالعصمة والحكمة.وقال الفاضل مولانا محمّد أمين الأسترآبادي ، نزيل مكّة المعظّمة ثمّ المدينة

.

ص: 11

المنوّرة في بيان قوله: «والمعبّرون عنه جلّ وعزّ وهم الأنبياء»: «خصوص الحرمة والوجوب سمعيّان، وأصلهما عقليّان».(1)ومبنى كلامه ظاهر، وللكلام فيه طول وتحقيقه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى .في بعض النسخ : «مؤدّبين بالحكمة» مكان (في الحكمة). ولا يبعد كسر الدّال.و(على) بمعنى «مع» أي مع مشاركتهم لهم في المخلوقيّة والهيئة البشريّة حسّاً، دون كيفيّة تلك الهيئة حقيقةً.وحاصله : أنّهم غير مشاركين للناس في شي ءٍ من أحوالهم الحسّيّة والواقعيّة ، سوى المخلوقيّة حقيقة والهيئة البشريّة حسّاً الممتازة بكيفيّتها حقيقةً.وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى : «في سيّئ» على فعيل من السؤاى، في قبيح من أحوالهم.(ممّا أتت) أي من أجل ما أتت. والفرق بين الدليل والبرهان أنّ الدليل قد يُطلق على القرينة المفيدة للظنّ ، والبرهان لا يطلق إلّا على ما يفيد العلم.(يكون معه علم) أي عظيم ممتاز بكثرته وعظمه عن علم سائر الخلق. وتذكير الضمير باعتبار الشخص.وقرئ : «عَلَم» بفتحتين ، أي معجزة .(وجواز عدالته) أي ثبوت حجّته بعصمته «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»(2).

الحديث الثاني 1203.امام حسن عليه السلام:روى في الكافي عَنْ النسيابوريين، عَنْ صَفْوَانَ (3)، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي .


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .
2- .النساء (4) : 165 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى» .

ص: 12

1203.امام حسن عليه السلام:عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ ، بَلِ الْخَلْقُ يُعْرَفُونَ بِاللَّهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ».

قُلْتُ: إِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبّاً، فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ لِذلِكَ الرَّبِّ رِضًا وَ سَخَطاً، وَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ رِضَاهُ وَ سَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ الْوَحْيُ، فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الرُّسُلَ، فَإِذَا لَقِيَهُمْ، عَرَفَ أَنَّهُمُ الْحُجَّةُ، وَ أَنَّ لَهُمُ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ؛ فَقُلْتُ (1) لِلنَّاسِ: أليس (2)تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ هُوَ الْحُجَّةَ مِنَ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ؟ قَالُوا: بَلى.

قُلْتُ: فَحِينَ مَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، مَنْ كَانَ الْحُجَّةَ عَلى خَلْقِهِ؟ فَقَالُوا: الْقُرْآنُ، فَنَظَرْتُ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا هُوَ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ وَ الْقَدَرِيُّ وَ الزِّنْدِيقُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ حَتّى يَغْلِبَ الرِّجَالَ بِخُصُومَتِهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا بِقَيِّمٍ، فَمَا قَالَ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ، كَانَ حَقّاً، فَقُلْتُ لَهُمْ : مَنْ قَيِّمُ الْقُرْآنِ؟ فَقَالُوا: ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ، وَحُذَيْفَةُ يَعْلَمُ ، وَ عُمَرُ يَعْلَمُ (3)، قُلْتُ: كُلَّهُ؟ قَالُوا: لَا ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْرِفُ ذلِكَ (4) كُلَّهُ إِلَّا عَلِيّاً عليه السلام، وَ إِذَا كَانَ الشَّيْ ءُ بَيْنَ الْقَوْمِ ، فَقَالَ هذَا:لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا : لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: أَنَا أَدْرِي، فَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ قَيِّمَ الْقُرْآنِ، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، وَ كَانَ (5) الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنَّ مَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ، فَهُوَ حَقٌّ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ».هديّة:قد أورد هذا الخبر أيضاً في كتاب الكافي بذيلٍ في باب فرض طاعة الإمام عليه السلام،(6) وسيذكر إن شاء اللَّه تعالى، وقد سبق حديث ببيانه في الجزء الثاني ، كتاب التوحيد ، في باب أنّه سبحانه لا يعرف إلّا به، وكان هناك هكذا: «قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّي ناظرت

.


1- .في الكافي المطبوع : «وقلت» .
2- .في الكافي المطبوع : - «أليس» .
3- .في الكافي المطبوع : «وعمر يعلم و حذيفة يعلم» .
4- .في «ب» : «القرآن» .
5- .في «ب» : «فكان» .
6- .الكافي، ج 1، ص 188، ح 15. وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 462، ح 497.

ص: 13

قوماً ، فقلت لهم: إنّ اللَّه...» الحديث.(1)والمعنى على قراءة (يُعرفون) على غير المعلوم : أنّ اللَّه عزّ شأنه أجلّ وأكرم من أن يُعرف - كما يرضى - بأفكار خلقه ، بلا توسّط مخبرٍ معصوم ، ممتازٍ حسباً ونسباً ، عاقلٍ عنه تعالى، بل خلقُه يَعرِفون أنّهم مخلوقون بظهور علاماتِ الصنع المحكم فيهم من صانعهم العظيم ، وآثار التدبير المتقن لهم من مدبّرهم الحكيم . وحقٌّ أنّ معرفته بما يحبّ ويرضى نظريّة لا تحصل لأحد إلّا بتوسّط الوحي منه والعقل عنه تعالى، وأنّ معرفة الخلق على أنّهم مخلوقون ضروريّة بما عرفت.وعلى قراءة (يَعرفون) على المعلوم : أنّهم يعرفونه بتوسّط الوحي بلطفه والعقل عنه بفضله.و«السخط» كالسَّحَر والصُبح : خلاف الرِّضا.وبيان مراد القائل المظهر تصديقه ما سمع عن المعصوم من المعرفة المذكورة - على ما مرّ في كتاب التوحيد - أنّه ينبغي أن يعرف أنّ الربّ لا يكون متّصفاً إلّا بصفات الكمال ، كالحكمة البالغة وإرادة الخير دون الشرّ ، فإنّ إرادة الشرّ القبيح من صفات النقص ، فيجب عليه اللطف بعباده، ولا يتحقّق إلّا بالأمر بالخير والنهي عن الشرّ ، وهما يوجبان الرضا بالإطاعة والسخط على العصيان ، ولا يعرف أمره ونهيه إلّا بوحيٍ أو رسولٍ للناس، أي العامّة .(عرف أنّهم الحجّة)؛ أي بحجّة الدلالات الظاهرة، ودلالة المعجزات الباهرة.وقال الفاضل الأسترآبادي رحمة اللَّه عليه:«مِن أَن يُعرَف بخَلقه» يعني مِن أن يُتصوّر من باب التشبيه بخلقه ، كأن يقال: هو مِثل ضوء الشمس أو مِثل النور، بل الخلق يَعرفون الماهيّات الممكنة بسبب اللَّه تعالى ، أي بسبب خلقه لهم، أو بسبب فيضان المعاني من اللَّه على نفوسهم ، فَهُم يَعرفون اللَّه باللَّه ؛ لأنّه لولا ألهمهم اللَّه بنفسه وبنعته لما عرفوه (2). انتهى.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 86، ح 3. وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 215، ح 231.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .

ص: 14

وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه: «المعنى في هذا الحديث كما سبق في كتاب التوحيد»(1) من قوله:«اعرفوا اللَّه باللَّه» يعني بأنّه هو اللَّه مسلوباً عنه جميع ما يُعرف الخلق به ، من الأجسام والأرواح والأعيان والألوان والأنوار، وبالجملة من الجواهر والأعراض ومشابهةِ شي ء منها أو مماثلته، فهو اللَّه معروفاً بسلب المشابهة والمماثلة للمخلوقات .(2)وهذا هو الذي ذكره ثقة الإسلام هناك بقوله: «ومعنى قوله عليه السلام: «اعرفوا اللَّه باللَّه» يعني أنّ اللَّه تعالى خلق الأشخاص والأنوار» إلى آخره (3). وقد سبق ذكر الأقوال في معناه مفصّلاً .في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «أليس تزعمون» مكان «تعلمون».(قالوا القرآن). مشهور أنّ الثاني قد قال عند طلبه صلى اللَّه عليه وآله حين حانت الرحلة الدواة والقلم: حَسْبنا كتاب اللَّه وهو فينا.و(المُرجئ) بالهمز ، على اسم الفاعل من الإفعال . والإرجاء : التأخير وإعطاء الرجاء أيضاً كالترجية. ويُقال : المُرجيّة بتشديد الخاتمة ؛ لتجويزهم أرجيت مكان أرجأت، كتوضّيت مكان توضّأت، فالرجل مُرجِئٌ كمُرجِع، أو بالتشديد؛ أو مُرْجٍ كمُعْطٍ ، والقوم مُرجئة كمُرجعة، أو مُرجيّة بالتشديد ، فإحداهما للنسبة كما صرّح به الجوهري أيضاً.(4)والمشهور في وجه التسمية: تأخيرُهم الإمامةَ الحقّةَ عن الخلافة الباطلة. وقيل: تأخيرهم العملَ عن الإيمان، أو العذابَ عن العاصي ؛ فإنّ اعتقادهم أنّ الإيمان الذي هو سبب النجاة إنّما هو مجرّد التصديق بجميع ما جاء به النبيّ عليه السلام ، وأنّ أفسق الفسّاق من المسلمين شريك - مثل جبرئيل وميكائيل - في حقيقة الإيمان الباعث للنجاة؛ لأنّ هذا التصديق لا يختلف بالشدّة والضعف.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 524 .
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 281 .
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 85 . وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 213.
4- .الصحاح ، ج 1 ، ص 52 (رجأ) .

ص: 15

وقيل: بل وجه التسمية رجاؤهم النجاةَ بدون العمل أو ترجيتُهم الفسّاقَ.وأمّا القدريّة ، فقالت الأشاعرة وكثيرون : هم المعتزلة ؛ لإنكارهم كون أفعالِ العباد تحت مشيئة اللَّه وقَدَرِه ، بقولهم إنّها بمجرّد مشيّتهم وقدرهم بالاستطاعة التامّة.قال الفاضل الأسترآبادي: قوله: «المرجئ والقدري» دلالة على أنّ القدريّ هو المعتزلي (1) ؛ لأنّ المرجئة طائفة من الأشاعرة.وقالت المعتزلة: بل هم الأشاعرة ؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَرِه تعالى من دون اختيارهم فيها أصلاً.والأصحّ أنّهم الصوفيّة ، إمّا لتضييقهم على أنفسهم برياضات شاقّة مخالفة لشرع العدل الحكيم سبحانه ؛ فمن القدر بمعنى الضيق ، ومنه «ليلة القدر» لتضيّق الأمكنة بنزول الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم إلى حضرة إمام الزمان، وقال اللَّه تعالى: «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(2)، وقال سبحانه: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»(3)، فسّر بعلم أن لن نضيّق عليه رزقه، وإمّا لإثباتهم القَدَرَ المعلومَ للَّه سبحانه - باعتقادهم - ثبوتَ الأقدار المتفاوتة له تعالى في مراتب طريقَيِ النزول والصعود، ومنازل سلسلتَيِ البدو والعود، ومجالَيِ التشكّلات والأطوار في مجاري الشؤون بالأدوار.ولقولهم (4) - كالمجوس - بتعدّد الظلمة في وحدة النور، وتعدّد النور في وحدة الظلمة. قال صلى اللَّه عليه وآله: «القدريّة مجوس هذه الاُمّة».(5)

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .
2- .الرعد (13) : 26.
3- .الأنبياء (21) : 87.
4- .أي الصوفية.
5- .جامع الأخبار، ص 161؛ عوالى اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 410، ح 4691؛ المستدرك للحاكم النيشابوري، ج 1، ص 85؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 10، ص 207. وفي التوحيد، ص 382، ح 29 عن أبي عبد اللَّه عليه السلام. وفي تفسير القمّي، ج 1، ص 226، عن أبي جعفر عليه السلام. وفي ثواب الأعمال، ص 213 عن عليّ عليه السلام .

ص: 16

أو لقولهم - كالمجوس - بجواز نكاح ذوات المحارم ، كما نطق به ذلك الرومي في الدفتر الخامس من كتابه : إنّ المأمورات والمنهيّات الشرعيّة بمنزلة الدواء للمريض ، ويصل السالك المرتاض إلى مرتبة يكون فيها بصفاء باطنه غير محتاج إلى تلك الأدوية باستخلاصه من الأمراض النفسانيّة ، فهو فيها مطلق من قيد العبادة والمأمورات والمنهيّات كنكاح البنات والأخوات والاُمّهات.(1)(حتّى يغلب) بالرفع . و«حتّى» تكون جارّة بمنزلة «إلى» الانتهاء، وتكون بمعنى «إلّا» في الاستثناء، وتكون عاطفة بمنزلة الواو ، وتكون حرف ابتداء يستأنف بها الكلام، فإن أدخلتها على المستقبل نصبته بإضمار «أن» ، تقول: سرتُ إلى الكوفة حتّى أدخلها . فإن كنت في حال دخولٍ رفعت ، وقرئ: «وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ»(2)بالرفع ، فمَن نَصَبه جَعَلَه غايةً ، ومَن رَفَع جَعَلَه حالاً ، بمعنى : حتّى الرسول هذه حاله .(إلّا بَقَيِّمٍ) دلالة على أنّ عِلْم القرآن - على ما صنعه تعالى - متضمّناً كلّ رطبٍ ويابس ، منحصراً علمُه بأجمعه في شأن صانعه سبحانه ، لا يحصل لأحدٍ إلّا لمن اُوحي إليه منه سبحانه ، بنَكْتٍ في قلبه أو نَقْرٍ في سمعه ، معصوم مرسل، أو محدّث مكمّل ، وأنّ مفرداته وإن كانت متكرّرة - كالألفات - وكذا مركّباته وآيه متضمّنةٌ كلّ واحد منها بخصوصه في موضعه سبعين معنى من القصص والأحكام والإخبار عن المغيّبات حتّى يتضمّن بألفاظه القدر الذي ترى جميع الرطب واليابس.وقد روى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن أبي جمعة رحمة بن صدقة قال: أتى رجل من بني اُميّة - وكان زنديقاً - جعفر بن محمّد عليه السلام فقال: قول اللَّه في كتابه: «المص»(3) أيّ شي ءٍ أراد بهذا؟ وأيّ شي ء فيه من الحلال والحرام؟ وأيّ شي ء فيه ممّا ينتفع به الناس؟ قال: فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمّد عليه السلام فقال: «امسك ويحك! الألف

.


1- .نقل بالمعنى غير مطابق لما في المثنوي في اللفظ والمراد. راجع: مثنوى معنوى، ديباجة الدفتر الخامس، ص 726.
2- .البقرة (2): 214.
3- .الأعراف (7): 1.

ص: 17

واحد ، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون ، كم معك؟» فقال الرجل: أحد وستّون (1) ومائة. فقال له جعفر بن محمّد عليه السلام: «إذا انقضت سنة إحدى وستّين (2) ومائة انقضى ملك أصحابك» . قال: فنظرنا فلمّا انقضت سنة إحدى وستّين (3)ومائة يوم عاشوراء دخل المسودّة(4) الكوفة وذهب ملكهم».(5)وذكر في كتاب التواريخ أنّ الأخير من طواغيت بني اُميّة ، وهو مروان الحمار.و(القَيّم) كسَيّد : المعدّل في الأمر . وقِوامه بالكسر ، وهو من القَوام - بالفتح - بمعنى العدل، قال اللَّه تعالى: «وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً»(6). والتأنيث في قوله تعالى: «وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»(7) بإرادة الملّة الحنيفيّة أو المبالغة أو النقل. وقِوام الأمر بالكسر : نظامه وعماده، يُقال: فلان قِوام أهل بيته وقيام أهل بيته ، وهو الذي يقيم شأنهم. ومنه قوله تعالى: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً»8.

.


1- .في المصدر : «وثلاثون» بدل «وستّون» .
2- .في المصدر : «وثلاثين» بدل «وستّين» .
3- .أي أصحاب الدعوة العبّاسيّة ، و سمّوا بها لأنّهم كانوا يلبسون ثياباً سوداً .
4- .معاني الأخبار ، ص 28 ، ح 28 ؛ و عنه في البحار ، ج 10 ، ص 164 ، ح 1 . وقال المجلسي في بيان هذا الخبر: «هذا الخبر لايستقيم إذا حمل على مدّة ملكهم لعنهم اللَّه ؛ لأنّه كان ألف شهر ، ولا على تأريخ الهجرة مع بعد ابتنائه عليه لتأخّر حدوث هذا التاريخ عن زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله ، ولا على تأريخ عام الفيل ؛ لأنّه يزيد على أحد و ستّين و مائة ، مع أنّ أكثر نسخ الكتاب أحد وثلاثون و مائة ، و هو لايوافق عدد الحروف . و قد أشكل عليّ حلّ هذا الخبر زماناً حتّى عثرت على اختلاف ترتيب الأباجد في كتاب عيون الحساب ، فوجدت فيه أنّ ترتيب «أبجد» عند المغاربة هكذا : أبجد ، هوّز ، حطّي ، كلمن ، صعفض ، فرست ، ثخذ ، ظغش ؛ فالصاد المهملة عندهم ستون ، والضاد المعجمة تسعون ، والسين المهملة ثلاثمائة ... فحينئذ يستقيم ما في أكثر النسخ من عدد المجموع ، ولعلّ الاشتباه في قوله : «والصاد تسعون» من النسّاخ لظنّهم أنّه مبنيّ على المشهور ، وحينئذٍ يستقيم إذا بني على البعثة ، أو على نزول الآية» .
5- .الفرقان (25): 67.
6- .البيّنة (98): 5.
7- .النساء (4): 5.

ص: 18

الحديث الثالث 1183.امام على عليه السلام ( _ در خطبه اى كه طى آن از آل محمّد صلى الله عليه و ) روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (1)، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ:

كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ الطَّيَّارُ ، وَجَمَاعَةٌ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ هُوَ شَابٌّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا هِشَامُ، أَ لَا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ؟ وَ كَيْفَ سَأَلْتَهُ؟» قَالَ (2) هِشَامٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي أُجِلُّكَ وَ أَسْتَحْيِيكَ، وَ لَا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ، فَافْعَلُوا».

قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَ جُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، فَعَظُمَ ذلِكَ عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَ دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَ عَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِرٌ(3) بِهَا مِنْ صُوفٍ، وَ شَمْلَةٌ مُرْتَدِياً بِهَا وَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ، فَأَفْرَجُوا لِي ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ عَلى رُكْبَتَيَّ.

ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْعَالِمُ، إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ أتَأْذَنُ (4) لِي فِي مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَيُّ شَيْ ءٍ هذَا مِنَ السُّؤَالِ؟ وَ شَيْ ءٌ تَرَاهُ كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟! فَقُلْتُ: هكَذَا مَسْأَلَتِي، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، سَلْ وَ إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ، قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا، قَالَ (5): سَلْ.

قُلْتُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَرى بِهَا الْأَلْوَانَ وَ الْأَشْخَاصَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ.

قُلْتُ: أَ لَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَذُوقُ بِهِ الطَّعْمَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الصَّوْتَ. .


1- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».
2- .في الكافي المطبوع : «فقال» .
3- .في الكافي المطبوع : «متّزراً» .
4- .في «الف» والكافي المطبوع : «تأذن» بدون همزة الاستفهام .
5- .في الكافي المطبوع : + «لي» .

ص: 19

1183.امام على عليه السلام ( _ در خطبه اى كه طى آن از آل محمّد صلى الله عليه و ) قُلْتُ: أَ لَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّ مَا وَرَدَ عَلى هذِهِ الْجَوَارِحِ وَ الْحَوَاسِّ.

قُلْتُ: أَ وَ لَيْسَ فِي هذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ فَقَالَ: لَا.

قُلْتُ: وَ كَيْفَ ذلِكَ وَ هِيَ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ؟! قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْ ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ أَوْ سَمِعَتْهُ، رَدَّتْهُ إِلَى الْقَلْبِ فَيَسْتَيْقِنُ (1) الْيَقِينَ، وَ يُبْطِلُ (2) الشَّكَ.

قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللَّهُ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: لَا بُدَّ مِنَ الْقَلْبِ، وَ إِلَّا لَمْ تَسْتَيْقِنِ الْجَوَارِحُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ، فَاللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتّى جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ، وَ تَتَيَقَّنُ (3) بِهِ مَا شَكَّتْ فِيهِ، وَ يَتْرُكُ هذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَ شَكِّهِمْ وَ اخْتِلَافِهِمْ ، لَا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَ حَيْرَتَهُمْ، وَ يُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَيْهِ حَيْرَتَكَ وَ شَكَّكَ؟

قَالَ: فَسَكَتَ، وَ لَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي (4): أَنْتَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ (5): أَ مِنْ جُلَسَائِهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً(6) هُوَ، ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ، وَ أَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ، وَ زَالَ عَنْ مَجْلِسِهِ، وَ مَا نَطَقَ حَتّى قُمْتُ.

قَالَ: فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ قَالَ: «يَا هِشَامُ، مَنْ عَلَّمَكَ هذَا؟» قُلْتُ: شَيْ ءٌ أَخَذْتُهُ مِنْكَ وَ أَلَّفْتُهُ، فَقَالَ : «هذَا - وَاللَّهِ - مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسى».هديّة:(حُمران) بالضمّ كنعمان، و(عَمرو بن عُبَيد) البصري من المعتزلة.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فتستيقن» .
2- .في الكافي المطبوع : «وتبطل» .
3- .في «الف» : «ويتيقّن».
4- .في «د» : - «لي» .
5- .في «د» : «فقال» .
6- .في «ألف» : «فإذن أنت» .

ص: 20

(واستحيك)(1) بياء واحدة وأصله بيائين ، من الاستحياء من الحياء، وقرئ بهما قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا»(2). قال الجوهري: أي لا يستبقي. وقال:يُقال: «استَحَيْتُ» بياء واحدة، وأصله: «استَحْيَيْتُ» فأَعَلّوا الياء الاُولى وألقَوا حركتها على الحاء، [فقالوا : استَحَيْتُ كما قالوا اسْتَعَيْتُ (3)استثقالاً لما دخلت عليه الزوائد. وقال سيبويه: حُذِفَت إحدى اليائين لالتقاء الساكنين ؛ لأنّ الاُولى تقلب أَلِفاً لتحرّكها. قال: وإنّما فعَلوا ذلك حيث كَثُرَ في كلامهم. وقال المازنيّ: لم تُحذف لالتقاء الساكنين ؛ لأنّها لو حذفت لذلك لرَدُّوها إذا قالوا هو يَسْتَحِي ، ولقالوا يَسْتَحِيّ كما قالوا يستبيع. وقال الأخفش: استَحَى بياء واحدة لغة تميم ، وبيائين لغة أهل الحجاز، وهو الأصل؛ لأنّ ما كان موضع لامه معتلّاً لم يُعلّوا عينه، ألَا ترى أنّهم قالوا: أَحْيَيْتُ وحَوَيْتُ ، ويقولون: قلت وبعت، فيُعِلُّون العين لِمَا لم يعتلّ اللام ، وإنّما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه الكلمة ، كما قالوا : لا أَدْرِ في لا أدري.(4)و«الشملة» كساء يشمل به دون القطيفة.(فأَفِرجوا لي) على الإفعال ، أي انكشفوا، فالهمزة للصيرورة، يُقال: فَرَجَ اللَّه غمَّك ، كضرب ، وشدّد للمبالغة ، ولذا يستعمل كثيراً أو دائماً - كما قيل - في الدعاء بالتشديد. الجوهري :أفرج الناس عن طريقه : انكشفوا. وفي الحديث: «لا يُترَك في الإسلام مُفَرجٌ». وقرأ الأصمعي : «مُفْرَحٌ» بالحاء المهملة وأنكر قولهم : «مُفْرَجٌ» بالجيم، وقال: هو الذي قد أثقله الدَّين، يقول: يُقْضَى عنه الدَّين من بيت المال ولا يُترَك مَدِيناً. وقال أبو عبيدة: سمعت محمّد بن الحسن يقول: هو يروى بالحاء والجيم، قال: فمن قال : «مُفْرَجٌ» بالجيم ، فهو القتيل يوجد بأرضٍ فلاةٍ ، لا يكون عنده قرية ، فإنّه يُودّى من بيت المال.(5)

.


1- .في الكافي المطبوع : «وأستحييك» .
2- .البقرة (2): 26.
3- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
4- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2323 (حيا) .
5- .الصحاح ، ج 1 ، ص 334 (فرج) .

ص: 21

ومن قال: «مُفْرَحٌ» بالحاء ، فمِن أفرحه الدَّين : أثقله.قال الزهري:كان في الكتاب الذي كتبه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بين المهاجرين والأنصار أن لا يَترُكوا مُفْرَجاً(1) حتّى يَعيِنُوه على ما كان من عَقْل أو فِداء.(2)في بعض النسخ : «أتأذن لي» بإظهار همزة الاستفهام.و(الحمقاء) تأنيث الأحمق على تجوّز في النسبة ، كنهاره صائم وليله قائم.وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى : «حُمْقاً» بالضمّ والتنوين ، وهو خلاف العقل ، فمفعول له، أي من جهة الحماقة، ثمّ احتمل التأنيث.(فيستيقن اليقين) يُحتمَل الغيبة والخطاب، ف «اليقين» فاعل ، أي فيقوى، أو مفعول ، أي تَحْكُم قطعاً بتحقّقه ، وكذا.(وتبطل الشكّ) فكنصر أو أكرم. قيل: الظاهر أنّ أبا مروان شتم ، إمّا لمروان أو أبيه الحكم ، وهو من أسماء الشيطان.وقال برهان الفضلاء - كالأكثرين - : أبو مروان كنية عَمْرو بن عُبَيد البصري.وحاصل الاحتجاج : أنّ من ضروريّات الدِّين - وفاقاً من أهل الإسلام - الإيمانَ باليوم الآخر لجزاء الأعمال، ولذا لم يشذّ في القرآن في مواضع كثيرة قوله: «وَ الْيَوْمِ الْأَخِرِ» عن مثل قوله: «مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ»(3)و«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»(4) فلو كان لابدّ من إمامة القلب - وشأنه الإدراكات التصوّريّة والتصديقيّة - للجوارح - وشأنها الإدراكاتُ التصوّريّة دون اليقينيّة - لصلاح حياة الدنيا الفانية، من دون احتياجِ الخلق إلى إمامٍ معصومٍ مفترضِ الطاعة - لأفضليّته حسباً ونسباً كالأنبياء والأوصياء سيّما أئمّتنا عليهم السلام ،

.


1- .في «الف» : «مفرحاه» . و في المصدر : «مفرحاً» .
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 392 (فرح) .
3- .البقرة (2) : 62 و 177؛ المائدة (5): 69؛ التوبة (9) : 18 .
4- .التوبة (9) : 44 . وراجع أيضاً: آل عمران (3): 114؛ المجادلة (58): 22.

ص: 22

وفاقاً من المؤالف والمخالف - لصلاح حياة الآخرة الباقية، فأقبحُ وجهٍ من وجوهِ مزيّةِ الفرع على الأصل في مثل هذا النظام العظيم من مدبّره العدل الحكيم تعالى شأنه؛ قال اللَّه تعالى في سورة الأعلى: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى»(1)، وفي سورة والنجم: «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ»(2)، وهذا المضمون كثير في القرآن .فإن قال قائل (3): إنّ الإنسانَ الكامل ذات جوهريّة نورانيّة قائمة بذاتها فاعلة للخير والهداية، فقل لمن يصحّحه بالهذيان : هل الإمامُ المعصوم العاقلُ عن اللَّه سبحانه - بعد إبطاله دعوى فرعون - صحّح دعوى البسطامي والحلّاج والرومي وأمثالهم من الصوفيّة القدريّة، أم أبطل وحَكَم بكفرهم وأمر بقتلهم وأخبر بتخليدهم في النار؟ فإن قال بالأوّل فقل : عليك ما على الثاني، وإن قال بالثاني فقل : عليك ما على الأوّل. ومن توقيعات صاحب الزمان عليه السلام كما ذكره المفيد في حديقة الحدائق ومولانا أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة: «إنّ الحلّاج المصلوب بفتوى الشافعيّة كان مردوداً مطروداً ملعوناً أزلاً وأبداً».(4)وتقرير الإمام عليه السلام عند قول الهشام : (شي ء أخذته منك وألّفته) دلالة على جواز نقل الحديث بالمعنى بأيّ تأليف صحيح كان.(قال: فضحك أبو عبداللَّه عليه السلام) يعني : قال هشام عند نقله هذه الحكاية في مجلس آخر.

.


1- .الأعلى (87): 16 - 19.
2- .النجم (53): 29 - 30.
3- .في «ألف»: «فإن كنت متذكّراً لقول بعض المعاصرين في كتابه من بياناته المحكيّة هنا في أواخر كتاب التوحيد» بدل «فإن قال قائل». والقائل هو العلّامة الكاشاني في الوافي، ج 1، ص 563، ذيل ح 472.
4- .لم نعثر على ترجمة العبارة في المصدر، نعم فيه تعابير شتّى في حقّ الحلّاج، مثل: ساحر، كافر. راجع: حديقة الشيعة، ص 570 و 575 و 594.

ص: 23

الحديث الرابع 1177.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (1)، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ:

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَوَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ صَاحِبُ كَلَامٍ وَ فِقْهٍ وَ فَرَائِضَ، وَ قَدْ جِئْتُ لِمُنَاظَرَةِ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «كَلَامُكَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَوْ مِنْ عِنْدِكَ؟» فَقَالَ: مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام وَ مِنْ عِنْدِي، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «فَأَنْتَ إِذاً شَرِيكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله؟» قَالَ : لَا، قَالَ : «فَسَمِعْتَ الْوَحْيَ عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - يُخْبِرُكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَتَجِبُ طَاعَتُكَ كَمَا تَجِبُ طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله؟» قَالَ: لَا.

فَالْتَفَتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِلَيَّ، فَقَالَ: «يَا يُونُسَ بْنَ يَعْقُوبَ، هذَا قَدْ خَصَمَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ». ثُمَّ قَالَ: «يَا يُونُسُ، لَوْ كُنْتَ تُحْسِنُ الْكَلَامَ كَلَّمْتَهُ». قَالَ يُونُسُ: فَيَا لَهَا مِنْ حَسْرَةٍ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي سَمِعْتُكَ تَنْهى عَنِ الْكَلَامِ، وَ تَقُولُ: وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْكَلَامِ؛ يَقُولُونَ: هذَا يَنْقَادُ وَ هذَا لَا يَنْقَادُ، وَ هذَا يَنْسَاقُ وَ هذَا لَا يَنْسَاقُ، وَ هذَا نَعْقِلُهُ وَ هذَا لَا نَعْقِلُهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّمَا قُلْتُ: فَوَيْلٌ لَهُمْ إِنْ تَرَكُوا مَا أَقُولُ، وَ ذَهَبُوا إِلى مَا يُرِيدُونَ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «اخْرُجْ إِلَى الْبَابِ، فَانْظُرْ مَنْ تَرى مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَأَدْخِلْهُ». قَالَ: فَأَدْخَلْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ وَكَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ الْأَحْوَلَ وَ كَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وَكَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ قَيْساً الْمَاصِرَ وَكَانَ عِنْدِي أَحْسَنَهُمْ كَلَاماً، وَ كَانَ قَدْ تَعَلَّمَ الْكَلَامَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام .

فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِنَا الْمَجْلِسُ - وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَبْلَ الْحَجِّ يَسْتَقِرُّ أَيَّاماً فِي جَبَلٍ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ فِي فَازَةٍ لَهُ مَضْرُوبَةٍ - قَالَ: فَأَخْرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام رَأْسَهُ مِنْ فَازَتِهِ، فَإِذَا هُوَ بِبَعِيرٍ يَخُبُّ، فَقَالَ: «هِشَامٌ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ». قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّ هِشَاماً رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَقِيلٍ كَانَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لَهُ ، قَالَ: فَوَرَدَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَوَّلَ مَا اخْتَطَّتْ لِحْيَتُهُ، وَ لَيْسَ فِينَا إِلَّا مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنّاً مِنْهُ، قَالَ : فَوَسَّعَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ قَالَ: «نَاصِرُنَا بِقَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ». .


1- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».

ص: 24

1177.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :ثُمَّ قَالَ: «يَا حُمْرَانُ، كَلِّمِ الرَّجُلَ». فَكَلَّمَهُ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ.

ثُمَّ قَالَ: «يَا طَاقِيُّ، كَلِّمْهُ». فَكَلَّمَهُ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْأَحْوَلُ.

ثُمَّ قَالَ: «يَا هِشَامَ بْن سَالِمٍ، كَلِّمْهُ». فَتَعَارَكَا.(1)

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لِقَيْسٍ الْمَاصِرِ : «كَلِّمْهُ». فَكَلَّمَهُ، فَأَقْبَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَضْحَكُ مِنْ كَلَامِهِمَا مِمَّا قَدْ أَصَابَ الشَّامِيَّ، فَقَالَ لِلشَّامِيِّ: «كَلِّمْ هذَا الْغُلَامَ» يَعْنِي هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لِهِشَامٍ: يَا غُلَامُ ، سَلْنِي فِي إِمَامَةِ هذَا، فَغَضِبَ هِشَامٌ حَتَّى ارْتَعَدَ، ثُمَّ قَالَ لِلشَّامِيِّ: يَا هذَا، أَرَبُّكَ أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ أَمْ خَلْقُهُ لِأَنْفُسِهِمْ؟ فَقَالَ الشَّامِيُّ: بَلْ رَبِّي أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ، قَالَ: فَفَعَلَ بِنَظَرِهِ لَهُمْ مَا ذَا؟ قَالَ: أَقَامَ لَهُمْ حُجَّةً وَ دَلِيلًا كَيْلَا يَتَشَتَّتُوا، أَوْ يَخْتَلِفُوا، يَتَأَلَّفُهُمْ، وَ يُقِيمُ أَوَدَهُمْ، وَ يُخْبِرُهُمْ بِفَرْضِ رَبِّهِمْ، قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، قَالَ هِشَامٌ: فَبَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَنْ؟ قَالَ: الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ، قَالَ هِشَامٌ: فَهَلْ نَفَعَنَا الْيَوْمَ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ فِي رَفْعِ الِاخْتِلَافِ عَنَّا؟ قَالَ الشَّامِيُّ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ اخْتَلَفْتُ (2) أَنَا وَ أَنْتَ، وَ صِرْتَ إِلَيْنَا مِنَ الشَّامِ فِي مُخَالَفَتِنَا إِيَّاكَ؟

قَالَ: فَسَكَتَ الشَّامِيُّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لِلشَّامِيِّ: «مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟» قَالَ الشَّامِيُّ: إِنْ قُلْتُ : لَمْ نَخْتَلِفْ ، كَذَبْتُ؛ وَإِنْ قُلْتُ: إِنَّ الْكِتَابَ وَ السُّنَّةَ يَرْفَعَانِ عَنَّا الِاخْتِلَافَ، أَبْطَلْتُ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْوُجُوهَ؛ وَ إِنْ قُلْتُ: قَدِ اخْتَلَفْتُ (3) وَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَدَّعِي الْحَقَّ، فَلَمْ يَنْفَعْنَا إِذَنِ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ إِلَّا أَنَّ لِي عَلَيْهِ هذِهِ الْحُجَّةَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «سَلْهُ تَجِدْهُ مَلِيّاً».

فَقَالَ الشَّامِيُّ: يَا هذَا، مَنْ أَنْظَرُ لِلْخَلْقِ؟ أَ رَبُّهُمْ أَوْ أَنْفُسُهُمْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: رَبُّهُمْ أَنْظَرُ لَهُمْ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ الشَّامِيُّ: فَهَلْ أَقَامَ لَهُمْ مَنْ يَجْمَعُ لَهُمْ كَلِمَتَهُمْ، وَ يُقِيمُ أَوَدَهُمْ، وَ يُخْبِرُهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ بَاطِلِهِمْ؟ قَالَ هِشَامٌ : فِي وَقْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَوِ السَّاعَةِ؟ قَالَ الشَّامِيُّ: فِي وَقْتِ رَسُولِ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ السَّاعَةِ مَنْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: هذَا الْقَاعِدُ الَّذِي تُشَدُّ إِلَيْهِ الرِّحَالُ، وَ .


1- .في الكافي المطبوع : «فتعارفَا» .
2- .في الكافي المطبوع: «اختلفنا».
3- .في الكافي المطبوع : «اختلفنا» .

ص: 25

1177.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :يُخْبِرُنَا بِأَخْبَارِ السَّمَاءِ(1) وِرَاثَةً عَنْ أَبٍ عَنْ جَدٍّ.

قَالَ الشَّامِيُّ: فَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ ذلِكَ؟ قَالَ هِشَامٌ: سَلْهُ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ الشَّامِيُّ: قَطَعْتَ عُذْرِي فَعَلَيَّ السُّؤَالُ.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا شَامِيُّ، أُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ سَفَرُكَ، وَ كَيْفَ كَانَ طَرِيقُكَ، كَانَ كَذَا وَ كاَنَ كَذَا».

فَأَقْبَلَ الشَّامِيُّ يَقُولُ: صَدَقْتَ، أَسْلَمْتُ لِلَّهِ السَّاعَةَ .

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «بَلْ آمَنْتَ بِاللَّهِ السَّاعَةَ؛ إِنَّ الْإِسْلَامَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، وَ عَلَيْهِ يَتَوَارَثُونَ وَ يَتَنَاكَحُونَ ، وَ الْإِيمَانُ عَلَيْهِ يُثَابُونَ» . فَقَالَ الشَّامِيُّ: صَدَقْتَ، فَأَنَا السَّاعَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَ أَنَّكَ وَصِيُّ الْأَوْصِيَاءِ.

ثُمَّ الْتَفَتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِلى حُمْرَانَ، فَقَالَ: «تُجْرِي الْكَلَامَ عَلَى الْأَثَرِ فَتُصِيبُ».

وَ الْتَفَتَ إِلى هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، فَقَالَ: «تُرِيدُ الْأَثَرَ وَ لَا تَعْرِفُهُ».

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْأَحْوَلِ ، فَقَالَ: «قَيَّاسٌ رَوَّاغٌ ، تَكْسِرُ بَاطِلاً بِبَاطِلٍ ، إِلَّا أَنَّ بَاطِلَكَ أَظْهَرُ».

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى قَيْسٍ الْمَاصِرِ، فَقَالَ: «تَتَكَلَّمُ، وَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَبْعَدُ مَا يَكُونُ مِنْهُ، تَمْزُجُ الْحَقَّ مَعَ الْبَاطِلِ، وَ قَلِيلُ الْحَقِّ يَكْفِي عَنْ كَثِيرِ الْبَاطِلِ، أَنْتَ وَ الْأَحْوَلُ قَفَّازَانِ حَاذِقَانِ».

قَالَ يُونُسُ: فَظَنَنْتُ - وَ اللَّهِ - أَنَّهُ يَقُولُ لِهِشَامٍ قَرِيباً مِمَّا قَالَ لَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: «يَا هِشَامُ، لَا تَكَادُ تَقَعُ، تَلْوِي رِجْلَيْكَ إِذَا هَمَمْتَ بِالْأَرْضِ طِرْتَ، مِثْلُكَ فَلْيُكَلِّمِ النَّاسَ، فَاتَّقِ الزَّلَّةَ، وَ الشَّفَاعَةُ مِنْ وَرَائِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ».هديّة:كان تسمّى في عرف السلف مسائل اُصول الدِّين ب «الكلام» ومسائل اُصول الفقه ب «الفقه» ومسائل فروعه ب «الفرائض» ثمّ تعارف الكلام في العلم الباحث عن أحوال

.


1- .في الكافي المطبوع : + «والأرض».

ص: 26

المبدأ والمعاد على قانون الإسلام، وهو بيان لمصطلح السلف ، والفقه في فروعه ، والفرائض في المواريث.(كلامُك) أي تكلّمُك في اُصول الدِّين واُصول الفقه وفروعه والدِّين وما ينتمي إليه منتمٍ إلى الكتاب وسنّة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من دون اشتراك غيره فيها، أو علمك الذي حدّ بأنّه الباحث عن أحوال المبدأ والمعاد على نهج قانون الإسلام ، المأخوذ عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من دون اشتراك غيره في تحديده وتعليمه ، والمضبوط بالكتاب وسنّة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لا بغيرهما.(لمناظرة أصحابك) أي في أمر الإمامة ، لقوله فيما بعد لهشام : «يا غلام ، سَلني في إمامة هذا» .(يخبرك) أي فتكون أنت أيضاً مخبراً بالوحي عن اللَّه تعالى كالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.وقرأ برهان الفضلاء : «يخيّرك» بالخاتمة مكان المفردة على التفعيل؛ أي في الحكم بالظنّ. قال: أو المعنى يفوّض إليك كما تجب طاعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؛ أي بحجّة المعجزة .(قد خصم نفسه). خَصَمه كضرب : ألزمه وغلب عليه.والمضبوط في النسخ المعتبرة: «قال: يا يونس» أي وقال أو ثمّ قال. وفي بعض النسخ كما في نسخة الفاضل الأسترآبادي : «قال يونس» بدون حرف النداء، فلابدّ من تقدير محذوف.وقال الفاضل الأسترآبادي بخطّه: الظاهر أنّ اللام سهو من القلم ، وأصل «قا» : «يا».(1)انتهى.(فَيا لها) توبيخٌ له بعدم إحسانه تعلّم علم الكلام . وحرف النداء للتعجّب أو التأسّف. والضمير مبهم لا مرجع له، يفسّره الحسرة .(هذا يَنقادُ) إلى قوله : (وهذا لا نَعقلُه) عبارة عن قول أهل المناظرة : هب، ولا نسلّم ، وهذا مطّرد ، وهذا شاذّ ، وهذا تقريب ، وهذا تعسّف.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ص 139 .

ص: 27

وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه:المراد بالانقياد إمكان الاستدلال لشي ء بسهولة، وبالانسياق إمكانه له بعسر ؛ إذ الانسياق مطاوع للسوق ، وهو لا يكون إلّا للصعب من الدواب ، كالانقياد للذلول.(إن تَركوا ما أقول) يعني قول المفترض الطاعة بحجّة العصمة في الكلام . وفيه مدحُ علمِ الكلام وتعلّمِه ، كما في قول يونس لقيس الماصر : إنّه تعلَّمَه من عليّ بن الحسين عليهما السلام .(مَن تَرى مِن المتكلّمين) أي من أصحابنا من الآخذين علم الكلام من المعصوم.و(الأحول) هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن النعمان ، مؤمن الطاق ، مولى بَجِيلَة ، من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام ، كان دكّانه في طاق المحامل بالكوفة ، وكان خيّراً فاضلاً ، كثيرَ العلم، حسنَ الخاطر، والمخالفون يسمّونه شيطان الطاق ؛ إمّا لكثرة مطايباته معهم في التصريح ببطلان مذاهبهم، أو لأنّه كان يرجع إليه في النقد ، فيخرج كما ينقد، وله حكايات مع أبي حنيفة :منها: أنّ أبا حنيفة قال له يوماً: يا أبا جعفر تقول بالرجعة في زمن المهدي كما يقول جعفر بن محمّد؟ فقال: نعم ، هو حجّة اللَّه كآبائه عليهم السلام وأنا مؤمن لا كافر ، مقرّ لا منكر. فقال له: أقرضْني من كيسك هذا مائةَ دينارٍ، فإذا عدت أنا وأنت رددتُها إليك. فقال له: اُريد ضميناً لي عنك أنّك تعود إنساناً ، فإنّي أخاف أَنْ تعودَ دبّاً أو خنزيراً أو قِرداً ، فلا أَتمكَّنُ من استرجاع ما أَخَذْتَ منّي.(1)ومنها: أنّ المؤمن كان يوماً مع ذلك الكافر في طريق، فسمعا منادياً ينادي: من رأى صبيّاً ضالّاً، فأخذ المؤمن بيد الكافر وقال بأعلى صوته: يا هذا ما رأينا صبيّاً ضالاًّ، فإن كنتَ تريد كهلاً ضالّاً فهو هذا.(2)ومنها: أنّ ذلك الكافر رأى المؤمن يوم رحلة الباقر عليه السلام فقال شماتة: إمامك قد مات،

.


1- .رجال الكشّي ، ص 326 ؛ الاحتجاج ، ج 2 ، ص 381 ؛ و عنه في البحار ، ج 53 ، ص 107 .
2- .الاحتجاج ، ج 2 ، ص 381 ؛ و عنه في البحار ، ج 47 ، ص 396 .

ص: 28

فقال المؤمن: يموت الأنبياء والأئمّة، ولكن إمامك من المنظَرين إلى يوم الوقت المعلوم.(1)وله حكايات اُخر كما ذكره الكشّي والنجاشي وغيرهما.و«المَصْر» بالفتح وسكون المهملة : الحذاقة في حلب اللّبن وفي تعليم الفَرَس، ويُقال : «الماصر» لمطلق الحاذق.و«الفازة» بالزاي بعد الألف والفاء : الخيمة الصغيرة، أو خيمة لها عمودان.و«الخَبَب» محرّكة بالمعجمة والمفردتين : ضرب من العَدْو، أو عَدْو البعير، فلغيره على المجاز اللغوي . خَبّ الفرس ، كمدّ ، خَبّاً وخَبَباً وخَبِيباً : راوح بين يديه ورجليه ، وأخبّه : صاحبه.(أَوّل مَا اختَطَّتْ) أي أوّل زمان الاختطاط ، فإنّ المصدر قد يستعمل مكان الزمان ، كرأيته مجي ء الحاجّ.(فتعاركا) من التعارك ، وهو المجادلة، كالمعاركة. والمراد هنا تساويهما في ذلك من دون أن يَغلِب أحدهما على الآخر.وفي بعض النسخ : «فتعارقا» بالقاف ، أي عَرَقا معاً من كثرة المجادلة، أو ظهور العجز فيهما والخجالة.وفي بعض آخر : «فتفارقا» بالفاء والقاف ، أي من دون أن يَخصِم أحدُهما صاحبَه، أو سريعاً.وفي بعض آخر : «فتقارنا» بالقاف والراء المهملة والنون.وفي آخر : «فتعارفا» بالمهملتين والفاء. والأخيران متقاربان، فظهر تصحيف آخر.وضبط السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا : «فتعارفا» بالمهملتين والفاء، وقال:أي تكالما بما حصل به التعارفُ بينهما، ومعرفةُ كلّ واحدٍ بالآخر وبكلامه ، بلا غلبة لأحدهما على الآخر.(2)

.


1- .رجال الكشّي ، ص 186 ؛ الاحتجاج ، ج 2 ، ص 380 ؛ و عنه في البحار ، ج 47 ، ص 405 .
2- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 531.

ص: 29

واحتمل برهان الفضلاء «تعادقا» بالعين والدال المهملتين والقاف ، من عَدَق بظنّه كضرب ويشدّد: رجم ، أي تكالما بالظنّ . والرجم والتعديق - كالترجيم - : التكلّم بالظنّ ، ومنه الحديث المعدّق المرجّم، وقال: فلان كذا عَدْقاً بالغيب ورجماً بالغيب.(ممّا قد أصاب الشامي) على بدل البعض ، أي من الاضطراب الذي أصابه.(أنْظَرُ لخَلقِه) أي (1) في نظر اللطف ، أو النظر كناية عن اللطف والرأفة ؛ لاستلزام النظر من الغنيّ العظيم إلى الفقير الحقير إيّاهما غالباً.و«التشتّت» : التفرّق. و«التألّف» من الاُلفة. و«الأَوَد» بالتحريك : الإعوجاج .في بعض النسخ : «بغرض ربّهم» بالمعجمة مكان الفاء .«أبطل»: أتى بشي ءٍ باطل.(بل آمنْتَ باللَّه الساعة). الظاهر من أحاديثهم عليهم السلام كما ذهب إليه معظم الأصحاب أنّ للإسلام إطلاقين، يُطلق على الإيمان الظاهري ، وهو الإيمان ظاهراً بجميع ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، وفي جملة أركانه بل أعظم أركانه الإيمانُ بالولاية ، سواءٌ كان نور الإيمان محيطاً بظاهر القلب، أم داخلاً جوفه أيضاً ؛ وعلى الإيمان الواقعي الحقيقي بجميع ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، ولا يكون إلّا بدخول نور الإيمان داخل القلب. والإيمان المستودع من القسم الأوّل، وهو محيط بنوره ظاهر القلب من غير دخول شي ء منه داخله، وبإحاطته ظاهر القلب يظنّ صاحبُه ثبوتَه ، ولن يثبت ما لم يدخل داخله بإذن اللَّه تعالى، قال اللَّه تعالى في سورة الحجرات: «قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ»(2)، فمعنى قوله عليه السلام : «بل آمَنْتَ»: صرتَ مؤمناً واقعيّاً بدخول نور الإيمان داخل قلبك، فلا دلالة فيه على إسلامه من قبل كما قيل.والتحقيق الذي يرفع الإشكالَ الناشئَ عن ظواهر طائفة من الأخبار : أنّ كفر

.


1- .في «د» : - «أي» .
2- .الحجرات (49): 14.

ص: 30

المخالف بانتفاء إيمانه بالولاية ، مغمضٌ عنه ظاهراً في زمن الغيبة لحِكَم ومصالح شتّى ، يكفي لأجلها كونه مخبوءاً بالشهادتين ، وهما من أعظم أركان الإيمان وقيل : أكملُها ، فدَمُه محقون كالمؤلّفة قلوبهم، ونجاسته معفوّة كماء الاستنجاء حتّى يحكم اللَّه فيهم بحجّته الظاهرة من الذرّيّة الطاهرة في سلطنته الباهرة ودولته القاهرة.(فكيف لي أن أعلم ذلك) يعني لا سبيل إلى العلم بذلك إلّا من الكتاب والسنّة ، وقد ذكر أنّهما لا يرفعان الاختلاف، فأجابه هشام: بأنّ السبيل إلى علم ذلك حينئذٍ إعجازه وإخباره بما لا سبيل إلى علمه لغير الحجّة العاقل عن اللَّه بالوحي أو بالتحديث .(تُجْرِي الكلامَ على الأثر) أي تتبع كلامك بما وصل إليك من الأخبار.و«القَيّاس» : كثير القياس. ولعلّ المراد هنا حسن التدبير في هندسة السؤال والجواب.و«الرّوّاغ» بإهمال أوّله وإعجام آخره : كثير الروغان : وهو ما يفعله الثعلب من المكر والخديعة، وقد يكنّى به عن حُسْن المصارعة ، راغ الثعلب يروغ رَوْغاً ورَوْغاناً.وضبط برهان الفضلاء بإهمال الآخر أيضاً؛ أي معجب جدّاً بصنيعه، راعني الشي ء : أعجبني، والأروع الذي يعجبك حُسْنُه، وامرأة روعاء : بيّنة الرّوع بالتحريك.(إلّا أنّ باطلَك أظهر) أي أغلب .(وأقرب ما يكون) إلى قوله : (أبعدُ ما يكون منه) يعني تتكلّم والحال أنّ كلامك القريب من الحقّ يكون أبعد منه ؛ لمزجك الحقّ بالباطل ، ف (تَمْزُجُ) على الخطاب المعلوم ، من باب ضرب ، استئناف بياني، أو عطف بيان للجملة السابقة. وقيل: يعني إذا قَرُبتَ من الاستشهاد بحديثِ حقٍّ بيّنٍ تركتَه وأخذتَ أمراً آخر بعيداً من مطلوبك، أو باطلاً، أو ممزوجاً.وفي بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء: «وأبعد» بالواو، وذكر أنّ «الواو» في «وأقرب» حاليّة. و«أقربُ» بالرفع على الابتداء ، مضاف إلى الموصول، «وأبعد» عطف على «الأقرب» على حذف الخبر ، مثل: أنت ومالك؛ أي مقرونان، وجوّز الصيمري

.

ص: 31

نَصْبَ «مالك» على أنّ «الواو» بمعنى «مع»(1) فالتقدير: أنت مقرون ومالك ، ف «أبعد» على هذا منصوب، فالمعنى : تتكلّم والحال أنّ في كلامك يُذْكر أقربُه من الحقّ مع أبعده منه.و«القَفّاز» بالقاف والفاء والزاي ، كالوثّاب لفظاً ومعنىً، وهنا كناية عن الجري ء.وضبط السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه : «فقّاران» بالفاء والقاف والمهملة، قال: «يُقال: افتقر عن معان غامضة، أي فتح عنها ؛ من فقرتُ البئر : إذا حفرتَها لاستخراج مائها. و«الفقّار»: فعّال من فقر».(2)وقرأ برهان الفضلاء: «جارفان» بالجيم والمهملة والفاء ، مكان «حاذقان» وقال: يعني سيّاران من الحواشي حذراً من الورطة و«الجرف» كعَسِر ، وعسر : ما تجرّفته السيول وأكلته من الأرض، ومنه قوله تعالى: «عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ»(3) ، يُقال: هار الجُرُف ، يَهُور هَوراً فهو هاير: سقط وانكسر. وهوّرته - بالتشديد - فتهوّر وانهار ، أي انهدم. والتهوّر أيضاً الوقوع في شي ء بقلّة مبالاة.(طرت) أي قُمتَ منتصباً سريعاً رفيعاً يشبه الطيران. وفي الكلام استعارات وترشيحات.وقرأ برهان الفضلاء : (لا تكاد) على الخطاب المجهول من الكيد ، أي لا تخدع، قال: (تقع ، تَلْوِى) استئناف بيانيّ، و«تقع» بمعنى تجلس ، و«تَلْوي» من باب ضرب ، جملة حاليّة.(إذا هَمَمْت) استئنافٌ بياني للاستئناف الأوّل؛ يعني إذا قصدت الجلوس آمناً طرت لملاحظة الأطراف كالطير الفطن .(مِثلُك) بالرفع على الابتداء ، المؤخّر بقرينة الفاء في : «فليكلّم» والتقديم للحصر.(فاتَّقِ الزَّلَّة) بالفتح وهي للقدم ، يعني : فاتّق الزلّة بترك التقيّة الموجبِ أذى الإمام

.


1- .شرح الكافية للرضي، ج 1، ص 525.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 535 .
3- .التوبة (9): 109.

ص: 32

وشيعته. وقد روي أنّه ارتكب ذلك وكلّمهم حيث كانت التقيّة شديدة في زمن الكاظم عليه السلام. وفي الخبر دلالات بفضل هشام وخيريّته وسلامته من الزلّة في اعتقاده إلى آخر عمره.وفي بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «والشناعة» بالنون ، مكان «الفاء» يعني : فاتّق الفضيحة من بعد الزلّة إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الخامس 1175.سلمان:روى في الكافي عَنْ العدّةِ، عَنْ ابْنِ عِيسى (1)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، قَالَ:

أَخْبَرَنِي الْأَحْوَلُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بَعَثَ إِلَيْهِ وَ هُوَ مُسْتَخْفٍ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، مَا تَقُولُ إِنْ طَرَقَكَ طَارِقٌ مِنَّا؟ أَ تَخْرُجُ مَعَهُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ كَانَ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ، خَرَجْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ أُجَاهِدُ هؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَاخْرُجْ مَعِي، قَالَ: قُلْتُ: لَا، مَا أَفْعَلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قَالَ: فَقَالَ لِي: أَ تَرْغَبُ بِنَفْسِكَ عَنِّي؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ، فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ نَاجٍ، وَ الْخَارِجُ مَعَكَ هَالِكَ، وَ إِنْ لَا يَكُنْ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ(2)، فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ وَ الْخَارِجُ مَعَكَ سَوَاءٌ.

قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَ أَبِي عليه السلام (3) عَلَى الْخِوَانِ، فَيُلْقِمُنِي الْبَضْعَةَ السَّمِينَةَ، وَ يُبَرِّدُ لِيَ اللُّقْمَةَ الْحَارَّةَ حَتّى تَبْرُدَ؛ شَفَقَةً عَلَيَّ وَ لَمْ يُشْفِقْ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ النَّارِ إِذْ أَخْبَرَكَ بِالدِّينِ وَ لَمْ يُخْبِرْنِي بِهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مِنْ شَفَقَتِهِ عَلَيْكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ لَمْ يُخْبِرْكَ، خَافَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَقْبَلَهُ، فَتَدْخُلَ النَّارَ، وَ أَخْبَرَنِي أَنَا، فَإِنْ قَبِلْتُ نَجَوْتُ، وَ إِنْ لَمْ أَقْبَلْ لَمْ يُبَالِ أَنْ أَدْخُلَ النَّارَ.

ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَنْتُمْ أَفْضَلُ أَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: بَلِ الْأَنْبِيَاءُ، قُلْتُ: يَقُولُ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: «يَا بُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً»(4)، لِمَ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتّى كَانُوا لَا .


1- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- .في الكافي المطبوع : «حجّة في الأرض» بدل «في الأرض حجّة» .
3- .في الكافي المطبوع : - «عليه السلام» .
4- .يوسف (12): 5.

ص: 33

1175.سلمان:يَكِيدُونَهُ؟ وَ لكِنْ كَتَمَهُمْ ذلِكَ، فَكَذَا أَبُوكَ كَتَمَكَ؛ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَيْكَ.

قَالَ: فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ، لَئِنْ قُلْتَ ذلِكَ لَقَدْ حَدَّثَنِي صَاحِبُكَ بِالْمَدِينَةِ أَنِّي أُقْتَلُ وَ أُصْلَبُ بِالْكُنَاسَةِ، وَ إِنَّ عِنْدَهُ صَحِيفَةً(1) فِيهَا قَتْلِي وَ صَلْبِي، فَحَجَجْتُ، فَحَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِمَقَالَةِ زَيْدٍ وَ مَا قُلْتُ لَهُ، فَقَالَ لِي : «أَخَذْتَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ، وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ يَسَارِهِ (2)، وَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ وَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ، وَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ مَسْلَكاً يَسْلُكُهُ».هديّة:(وهو مُسْتَخفٍ) أي مستور ، خوفاً من طواغيت بني اُميّة.طَرَق فلان - كنصر - طَرقاً بالفتح وطُروقاً بالضمّ : إذا جاء بليل، أو بغتةً ليلاً أو نهاراً . وكلاهما وجيه خوفاً وشجاعة هنا.(مِنَّا) أي من أهل البيت عليهم السلام.(إنّما هي نفسٌ واحدة) يعني لا تكون الحجّة الناطق المفترضُ الطاعة بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله في كلّ زمانٍ إلّا واحداً من آله وذرّيّته صلى اللَّه عليه وآله.وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: «يعني إنّما أنا شخص واحد ، لا يصير خروجي معك باعثاً لخروج جماعة» انتهى.وبهذا المضمون نطق السيّد الأجلّ ميرزا رفيعا.(3)والفاء البيانيّة في قوله: (فإن كان) أنسب بما قلناه وبناء بيانه؛ على أنّ المقام مقام الكتمان.ووجه التسوية ثبوت الحجّة للناس على اللَّه تعالى على ذلك التقدير، وقد قال اللَّه تعالى في سورة النساء: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»(4).

.


1- .في الكافي المطبوع : «لصحيفة» .
2- .في الكافي المطبوع : «شماله» .
3- .راجع : الحاشية على اُصول الكافي ،ص 537 .
4- .النساء (5): 165.

ص: 34

وقال برهان الفضلاء: وجه التسوية على التقدير ثبوتُ جواز العمل لكلّ أحد برأيه واجتهاده في أيّ أمرٍ ورد عليه من اُمور دينه ودنياه.و(الخِوان) ككِتاب ، ويضمّ : الذي يؤكل عليه ، معرّب.لقم اللقمة كعلم وتلقّمها ، والتقمها، كلُّه بمعنىً ، وألقمتها غيري كلقّمتها تلقيماً.و(البَضْعَة) بالكسر والفتح : القطعة من اللحم.بَرَد الشي ء - كنصر - وبرّده غيره تبريداً.و«الشّفقة» بسكون الفاء ويُفتَح : الاسم من الإشفاق، وأشفقت عليه فأنا مشفق وشفيق .الجوهري:وإذا قلت: أشفقت منه، فإنّما تعني حَذِرْته ، وأصلهما واحد. ولا يقال: شفقت. وقال ابن دريد: شفقت وأشفقت بمعنى. وأنكره أهل اللغة.(1)وفي القاموس: الشفقة : حرص الناصح على صلاح المنصوح.(2)في بعض النسخ : (لم يُخْبِرهُمْ) بدون «لِمَ» قبل «لَمْ» وثبوتها أولى ، لما لا يخفى.قال الفاضل الأسترآبادي رحمة اللَّه عليه بخطّه: (واللَّهِ ، لئن قلتَ ذلك) جوابه محذوف.(3) وقال برهان الفضلاء: جزاء الشرط محذوف.و(لقد حدّثني) علّةٌ وقائم مقامَ الجزاء.(صاحِبُك) يعني أبا عبداللَّه عليه السلام، ويحتمل أبا جعفر عليه السلام لثبوت كلا الإخبارين ، وستعرف في باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة.(والكُناسة) بالضمّ ، كالقُمامة لفظاً ومعنىً، واسمُ موضعٍ بالكوفة.ولعلّ المراد ب (الصحيفة) هنا مصحف فاطمة عليها السلام؛ فإنّ الصحيفة في غالب عُرفهم عليهم السلام كما عرفت فيما سبق - عبارةٌ عن الجامعة، وأمثال الخبر إنّما هي في مصحف فاطمة عليها السلام.

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1501 (شفق) .
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 250 (شفق).
3- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .

ص: 35

واعلم أنّ اليمين واليسار وكذا الشمال تستعمل ب «عن» وسائر الجهات ب «مِن»، ولأهل العربيّة في هذا نكات.وحاصل ما قال ابن هشام في مغني اللبيب : إنّ «عن» هنا اسم ، لا حرف ، واليمين واليسار يقصد بهما العضوان المخصوصان ، بخلاف بين يديه وخلفه وفوق رأسه وتحت قدميه، فالتقدير: من عن يمينه ومن عن يساره ، بمعنى من جانب يمينه ومن جانب يساره، حذفت «من» لكراهة اجتماع الخافضين من الحروف صورة ، وقد لا تحذف.قال القطريّ:ولقد أراني للرماح دَريئَةًمِن عَنْ يميني مرّةً وشِمالي (1)والدَّريئة بالمهملتين والهمز على فَعِيلَة : حلقة توضع على الهدف ، يُتَعَلَّم الطعنُ والرمي عليها.قيل: لا يخفى ما من اللطف في ذكره عليه السلام الجهات الستّ ، فإنّ الفقرات المصدّرة ب «قلت» في كلام مؤمن الطاق ستّ.واعلم أنّه صحّ عند أصحابنا بروايات صحيحة معتبرة(2) كما صرّح به معظم الأصحاب أنّ زيداً كان مَرْضِيّاً عند الصادق عليه السلام، وكان عليه السلام شديد المحبّة له ، وأنّه لم يكن يريد المجاهدة طلباً للرياسة والإمامة لنفسه، بل لرضاء آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله.قال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه اللَّه تعالى:لعلّ مراد زيدٍ بقوله: (أَن أَخرُج) جهادُهم لدفع شرّهم عنه وعن أهل البيت عليهم السلام كجهاد المرابطين في زمن الغيبة لدفع الكفرة، أو كمجاهدة المرء عدوَّه على سبيل الدفع عن نفسه وحريمه وماله - أو جهادُهم لدفع الظَلَمة وإقامة الحقّ ليستقرّ الحقّ مستقرّه ، ويرجعَ الأمر إلى من هو الحجّة ، لا جهادُهم على سبيل الدعوة إلى نفسه بالإمامة ، كما

.


1- .راجع : مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 149 ؛ و ج 2 ، ص 532 .
2- .راجع: الكافي، ج 8، ص 279 - 281، ح 421؛ الأمالي للصدوق، ص 349، المجلس 56، ح 1؛ ثواب الأعمال، ص 220؛ رجال الكشّي، ص 285، ح 505؛ الأمالي للطوسي، ص 56، المجلس 2، ح 77.

ص: 36

هو المنقول في حال زيد والمظنون من أمره ، وإجمالُه في القول لئلّا يتخلّف عنه العامّة ويتضرّر منه الخاصّة، فلمّا ردَّ عليه الأحول بقوله: «لا»، قال له: أترغب .(1)إلى آخره؛ أي أترى لنفسك فضلاً عليَّ والحال أنّ ما تراه من ترك الخروج لدفع شرّ هؤلاء ليس بأولى ممّا أراه في رضاء أهل البيت عليهم السلام . فمنع المعصوم إيّاه ظاهراً إنّما هو لمصالح شتّى ، كقوله هنا للأحول: «أخذته من بين يديه» إلى آخره. ومن المصالح أن لا يذهب وهمٌ إلى إمامته. والأحاديث في مدح زيد كثيرة مستفيضة رحمه اللَّه تعالى.

.


1- .شرح الأصول الكافي ، ص 536 .

ص: 37

الباب الثاني: باب طبقات الأنبياء و الرسل و الأئمّة

الباب الثاني : بَابُ طَبَقَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 1170.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(1)، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ دُرُسْتَ (2)، عَنْهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «الْأَنْبِيَاءُ وَ الْمُرْسَلُونَ عَلى أَرْبَعِ طَبَقَاتٍ: فَنَبِيٌّ مُنَبَّأٌ فِي نَفْسِهِ لَا يَعْدُو غَيْرَهَا؛ وَ نَبِيٌّ يَرى فِي النَّوْمِ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَلَا يُعَايِنُهُ فِي الْيَقَظَةِ، وَ لَمْ يُبْعَثْ إِلى أَحَدٍ، وَ عَلَيْهِ إِمَامٌ مِثْلُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلى لُوطٍ عليهما السلام؛ وَ نَبِيٌّ يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ يُعَايِنُ الْمَلَكَ وَ قَدْ أُرْسِلَ إِلى طَائِفَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا كَيُونُسَ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ (3) - لِيُونُسَ : «وَ أَرْسَلْنَهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» قَالَ: يَزِيدُونَ ثَلَاثِينَ أَلْفاً، وَ عَلَيْهِ إِمَامٌ؛ وَ الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ (4) ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ يُعَايِنُ فِي الْيَقَظَةِ ، وَ هُوَ إِمَامٌ مِثْلُ أُولِي الْعَزْمِ ، وَ قَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام نَبِيّاً، وَ لَيْسَ بِإِمَامٍ حَتّى قَالَ اللَّهُ : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى» فَقَالَ اللَّهُ (5) : «لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ» مَنْ عَبَدَ صَنَماً أَوْ وَثَناً لَا يَكُونُ إِمَاماً».

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : «درست بن أبي منصور» .
3- .في «الف» : «تعالى» .
4- .في الكافي المطبوع : «نومه» .
5- .في «الف» : + «عزّوجلّ» .

ص: 38

هديّة:(والأئمّة عليهم السلام) في العنوان كما تكون الإمامة للمعصوم بدون النبوّة ، والرسالة تكون مع بعض مراتب النبوّة ، وبعض مراتب الرسالة - على ما فصّل في الحديث - فلها أيضاً طبقات.قال الفاضل الأسترآبادي بخطّه: الإمامة رياسة عامّة من عند اللَّه سبحانه وتعالى ، فإذا اُخذت لا بشرط شي ء تجامع النبوّة والرسالة ، وبشرط لا شي ء ، لا(1).وقال الزمخشري في كشّافه: الإمام على وزن الإله : مَن يَؤتَمّ به، كالإزار لما يؤتزر به (2).وآية : «وَ أَرْسَلْنَهُ» في الصافّات (3)، و«إِنِّى جَاعِلُكَ» في البقرة(4).(مَنَبَّأٌ في نفسه) على اسم المفعول من التفعيل، ويحتمل الإفعال، قيل: يعني منبّأ يوحى إليه أمر نفسه فقط ألّا يتجاوز حكمه إلى غيره. وضعّف بمخالفته لما صرّح عليه معظم الأصحاب من أنّ المعنى منبّأ بغير واسطة سوى نفسه ، سواء كان مبعوثاً إلى غيره أو لا، وكون القسم الأوّل في مثل الخبر قسيماً للبواقي مؤيّد.قال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى :«فِي» للتعليل ، كما في قوله تعالى: «لُمْتُنَّنِى فِيهِ»(5)؛ يعني منبّأ يوحى إليه بوساطة نفسه حسْبُ ، لا يتجاوز تلك الواسطة إلى غيرها من الملك والنوم وغيرهما.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه:هذا منحصر إيتاؤه في نفسه لا يتجاوزه من نفسه لا بسماع صوت، أو معاينة في اليقظة، ولا ببعثته إلى أحد، (وقوله تعالى: «مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً»(6) إشارة إلى هذه المرتبة،) انتهى.(7)

.


1- .الحاشية على أصول الكافي ، ص 140 ، مع اختلاف يسير.
2- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 309 .
3- .الصافّات (37) : 147 .
4- .البقرة (2) : 124 .
5- .يوسف (12): 32.
6- .الشورى (42): 51.
7- .الحاشية على أصول الكافي ، ص 539 . وما بين القوسين لم يرد في المصدر .

ص: 39

أراد أنّ المعنى أن يكلّمه اللَّه بلا واسطة إلّا وحياً وإلهاماً ، وقيده الأخير ينافي التعميمَ المذكورَ.(ويَسمعُ الصوتَ) في بيان الثانية ، أي (في اليقظة) ف «في اليقظة» في بيان الرابعة ظرف للسمع أيضاً. أو المعنى كما قال بعض المعاصرين: أي صوت الملك في المنام واليقظة .(مثلُ ما كان إبراهيم على لوط) مثالٌ لقوله : (وعليه إمام) خاصّة ؛ لقوله تعالى في الصافّات: «وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ»(1). والجامعُ بين الرؤية في المنام وسماع الصوت ومعاينة الملك في اليقظة والرسالة إلى الجميع أو إلى طائفة - قلّوا أو كثروا - وعليه إمام كيونس ، صاحبُ الثالثة . وبين الثلاثة الاُول وهو إمام الناس جميعاً، صاحبُ الرابعة، فاُولوا العزم كلُّهم إمامٌ لجميع الناس لا إمامَ عليهم - كصاحب الثالثة - المبعوثُ إلى الجميع وهو إمامهم ، بخلاف المذكور من قسميه في الحديث ، وهو المبعوث إلى طائفة وعليه إمام كيونس عليه السلام ، ولذا قيل: (وقد اُرْسِلَ) بيان للقسم الثاني من صاحب الثالثة . ولم يذكر القسم الأوّل كآدم عليه السلام ؛ لما لا يخفى . وصاحب الثانية كالاُولى في أنّه لم يبعث إلى أحد وعليه إمام.«وَ مِن ذُرِّيَّتِى» لعلّه على الاستفهام التعجّبي ، يدلّ عليه ما في الخبر التالي من قوله: «فمِن عِظَمِها في عين إبراهيم، قال: ومن ذرّيتي» .«لَا يَنَالُ» يعني نعم من متّقيهم ؛ إذ لا ينال عهدي الظالمين .(من عبد) مكان «يعبد». قيل: فيه دلالة على أنّ المراد بالظالم من ظلم و سبق ظلمه ، و عدم دخول الفاء في الخبر دلالة على عدم إرادة معني الشرط ؛ وأيضاً لم يسأل الخليل عليه السلام الإمامةَ للظالم حين ظلمه، بل الداخل في سؤاله الذي سبق ظلمه ، وهو غير مشتبه، فاُجيب بعدم دخول من ظلم وسبق منه الظلم.(2)

.


1- .الصافّات (37): 133.
2- .القائل هو الميرزا رفيع الدين النائيني في الحاشية على اُصول الكافي، ص 540.

ص: 40

واحتمالُ أن يكون السؤال لأخذ العهد لذرّيّته بالإمامة، والجواب أنّ من يفعل منهم ظلماً لا ينال عهد الإمامة ، فلا يصحّ إدخال ذرّيته عموماً في العهد ، فإنّ بعضهم ممّن يعبد الصنم أو الوثن حسنٌ.والصنم والوثن بمعنى كما في كتب اللغة.(1)وقيل: الوثن ما يعبد بغير حقّ ، فيشمل أئمّة الضلالة ، فلا يحسن احتمال أن يكون الترديد من الراوي.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ الشَّحَّامِ (2)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيّاً، وَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولاً، وَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ رَسُولاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِيلاً، وَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ (3) إِمَاماً، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الْأَشْيَاءَ، قَالَ: «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»(4)، فَمِنْ عِظَمِهَا فِي عَيْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ»(5)، قَالَ: «لَا يَكُونُ السَّفِيهُ إِمَامَ التَّقِيِّ».

هديّة:كان إبراهيم عليه السلام - كما ورد - ملقّباً قبل النبوّة في أهل السماء والأرض ب «العبد الصالح» ، ثمّ شرّف قبل الرسالة بتشريف النبوّة ، ثمّ بالرسالة ، ثمّ بالخُلَّة ، ثمّ بالإمامة .في بعض النسخ المعتبرة : «قبل أن يجعله إماماً» مكان (قبل أن يتّخذه إماماً). والضمير في (عِظَمِها) للإمامة، وقيل: لأسبابها من العلوم وغيرها .

.


1- .كتاب العين، ج 8، ص 242؛ لسان العرب، ج 13، ص 442 (وثن).
2- .في الكافي المطبوع : «زيد الشحّام» .
3- .في «الف» : «أن يتّخذه» .
4- .في الكافي المطبوع : + «قال» .
5- .البقرة (2): 124.

ص: 41

(لا يكون السفيه إمام التَّقِي) تفسيرٌ لامتناع إمامة الظالم ، سواء كان ظلمه سفاهةً على نفسه أو على غيره أيضاً.وهنا دلالات : دلالةٌ على عموم الإمامة بالنصّ وهو قوله: «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً» ، فلا يطلق الإمام بمعنى الحجّة إلّا على الحجّة على الناس جميعاً، وهذا هو القدر المشترك من مفهوم الإمامة بين الرسول والإمام.ودلالةٌ على عِظَم الإمامة؛ لإعطائها بعد إتمام الكلمات وجمع المراتب كلّها ، فمن عِظَمِها في نظر الخليل عليه السلام طلب إدخالَ ذرّيّته في هذه العطيّة وجَعْلَها باقيةً في ذرّيّته، فاُجيب بأنّ عهد اللَّه لا ينال إلّا المتّقين بالعصمة منهم.ودلالةٌ بمنطوق الجواب على حرمان الظالم، وبمفهومه على أنّ الإمامةَ إنّما هي في العدل من ذرّيّته بالعصمة إلى يوم الدِّين .وتفسير الظالم ب «السّفيه» وجهه ظاهر.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «سَادَةُ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ خَمْسَةٌ ، وَ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ عَلَيْهِمْ دَارَتِ الرَّحى: نُوحٌ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ مُوسى، وَ عِيسى، وَ مُحَمَّدٌ صَلَّوات اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ عَلى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ والأوصياء».

هديّة:قيل: كنّى ب (الرَّحى) عن الشرائع لدورانها بين الاُمم إلى يوم القيامة، وشبّه اُولوا العزم بالماء الذي يدور به الرحى.وقيل: يعني رحى الهداية ، الدايرة من أوّل الدنيا إلى آخرها ، قائمة بحجّةٍ معصومٍ عاقلٍ عن اللَّه ، ظاهر أو غائب، بواسطة أو بغير واسطة ، ولا أجد فرقاً بينهما إلّا بالإجمال والتفصيل.

.

ص: 42

وقال برهان الفضلاء:المراد بالرحى نظام شرعه تعالى أو المواعظ المنصوصة في القرآن، ليكون إشارةً إلى أنّ العمدة في قصص القرآن قصصُ اُولي العزم من الرُّسل، ثمّ احتمل أن يكون المراد نظامَ العالم ليكون إشارة إلى أنّهم لو لم يُخْلَقوا لما يُخْلَق العالم».أقول: يمكن أن يكون «الرّحي» كناية عن الأفلاك بنظامها المحيط على الأجسام والجسمانيّات ، وقوام ذلك كلّه في حكمة اللَّه سبحانه إنّما هو بحججه المعصومين قطعاً، واُولوا العزم على ولاية أئمّتنا عليهم السلام اُصول في ذلك بعد أصالة خامسهم صورة وأوّلهم حقيقة بآله صلى اللَّه عليه وآله لجميع الأنوار.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبِي السَّفَاتِجِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيّاً، وَ اتَّخَذَهُ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولًا، وَ اتَّخَذَهُ رَسُولًا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِيلًا، وَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ إِمَاماً، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ هذِهِ الْأَشْيَاءَ وَ قَبَضَ يَدَهُ ، قَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» فَمِنْ عِظَمِهَا فِي عَيْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ : يَا رَبِّ «وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ»(2)».

هديّة:بيانه كسابق سابقه.و(السَّفَاتِج) بالفاء، جمع السُّفْتَجَة بالضمّ : وهي أن تُعطي مالاً لأحد وله مال في بلدك، فتستفيد أمن الطريق ، فتستوفي قدر مالك هناك، وقيل ذلك المال: السُّفتجة بالضمّ، والمعاملة المذكورة: السَّفتجة بالفتح.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «بن زياد» .
2- .البقرة (2): 124.

ص: 43

(قَبَضَ يدَه) كناية عن إعانته بتعليم العلوم التي هي من أسباب الإمامة أو بإعطاء أسباب الإمامة من العلوم وغيرها.وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: و«قبض يده» عطف تفسير ، واحتُمِل كونه عبارة عن العصمة . وهو كما ترى.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه: و«قبض يده» أي أخذ كلّها و حصلت له واستقرّت في يده.(1)ولا يبعد أن يكون المراد إيصاله إلى أعلى مراتب التقرّب الذي أعلا أعلاه لنبيّنا وآله صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .الحاشية على الاُصول الكافي ، ص 541 .

ص: 44

الباب الثالث: باب الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدّث

الباب الثالث : بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ وَالْمُحَدَّثِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ الْبَزَنْطِيِ (1)، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا»(2): مَا الرَّسُولُ؟ وَ مَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: «النَّبِيُّ: الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ لَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ. وَ الرَّسُولُ: الَّذِي يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ يَرى فِي الْمَنَامِ، وَ يُعَايِنُ الْمَلَكَ».قُلْتُ: الْإِمَامُ مَا مَنْزِلَتُهُ؟ قَالَ: «يَسْمَعُ الصَّوْتَ ، وَ لَا يَرى، وَ لَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ «وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَ لَا نَبِىٍ (3) (وَلَا مُحَدَّثٍ)» .

هديّة:يعني باب بيان الفرق بين المذكورين في إرسال اللَّه تعالى إليهم المَلَكَ ، باعتبار النبوّة أو الرسالة أو التحديث ، يعني إمامة الجميع من دون أن يكون نبيّاً، فإنّ الإمامة - كما سبق - : هي الرياسة العامّة المنصوصة ، فإذا اُخذت لا بشرط شي ء يجامع النبوّة والرسالة، وإذا اُخذت بشرط لا شي ء لا يجامعهما. والمفهوم من النصوص أنّ النسبة

.


1- .في الكافي المطبوع: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».
2- .مريم (19): 51 و 54.
3- .الحجّ (22): 52.

ص: 45

بين الإمام والرسول عموم وخصوص من وجه كما بين الإمام والنبيّ، وأنّها بين الرسول والنبيّ عموم وخصوص مطلقاً كما بين الإمام واُولي العزم، والإمام والمحدّث ، اُولي العزم والنبيّ ، وأُولي العزم والرسول ، واُولي العزم والمحدّث ، والنبيّ المحدّث ، والرسول والمحدّث ، فعشر صور ؛ اثنتان في النسبة الاُولى وثمانية في الثانية.وقال الفاضل الأسترآبادي رحمة اللَّه عليه في بيان العنوان: أي الذين يحدّثهم الملائكة حتّى جبرئيل عليه السلام كالأئمّة وفاطمة عليها السلام من دون المعاينة(1) .ولعلّ الباعث على السؤال في الخبر تقديم الرسول على النبيّ والنبوّة قبل الرسالة ، فتوهّم السائلُ أنّهما في آية «سورة مريم» ونزولها مقدّم، وفي آية «سورة الحجّ» ونزولها مؤخّر بمعنى آخر.فحاصل الجواب : أنّهما مستعملان في الآيتين من السورتين بمعناهما المشهور، ووجه التقديم الإيماءُ إلى أنّ «الرسول» على قسمين ، باعتبار تقديم نبوّته على رسالته زماناً ومعيّتهما دائماً كإبراهيم ونبيّنا صلى اللَّه عليه وآله.(ولا يُعاين الملك) الأوّل ، أي حين سماع صوته ، فلا ينافي ما في الخبر التالي من قوله: «وربّما رأى الشخص ولم يسمع» .(ولا يعاين الملك) الثاني، يعني بصورته الأصليّة، فلا يُقال : في أخبار كثيرة تكلّم الملك مع غير النبيّ والإمام ورؤيته الملك ، كما في حديث «عابد بني إسرائيل» في الباب الأوّل من كتاب العقل، والحديث الثالث في الباب السابع والسبعين من كتاب الإيمان والكفر، فكيف لا يرى الإمامُ ويرى غيرُه. وأيضاً «المحدّث» لقب الحجّة المعصوم، فلا إشكال من وجه على أنّه على التنزيل ، كلُّ إمام محدّثٌ ، وليس كلّ محدّث إماماً.وفي تلاوته عليه السلام الآية هكذا، قيل : هكذا في قراءة أهل البيت عليهم السلام. والأصحّ على ما ذهب إليه معظم الأصحاب كما صرّح به الصدوق في اعتقاداته (2)وبرهان الفضلاء في

.


1- .الحاشية على الاُصول الكافي ، ص 139 .
2- .الاعتقادات في دين الإماميّة ، ص 83 .

ص: 46

شرحيه على الكافي بالعربيّة والفارسيّة : أنّ القرآن محفوظ - ما دامت الدنيا - عن تحريف آيها وكلماتها، قال اللَّه تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(1). نعم، تحريف المخالفين إنّما هو بحسب الإعراب - كما في «وأرْجُلِكم» و«آل ياسين» - والمعنى تفسيراً وتأويلاً - كما في تفاسيرهم - على خلاف الحقّ ، وأنّ مثل قوله عليه السلام: «ولا محدّث» في القراءة في حديثه، وكذا «في عليّ» بعد قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ»(2) إنّما هو بانضمام المتن بشرحه ، شرحِ جبرئيل عليه السلام لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ولذا حمل على هذا ، مثلُ قولِهم عليهم السلام: «واللَّه هكذا نزلت» أي بشرحها من جبرئيل عليه السلام . فقرأ برهان الفضلاء : «نزّلت» على ما لم يسمّ فاعله ، من التفعيل والتنزيل المقابل للتأويل؛ بمعنى التفسير، فيعني تنزيل اللفظ على معناه فيعمّ، فقال بعد التصريح بالضبط : يعني هكذا فسّرت له صلى اللَّه عليه وآله . والقول بوقوع التحريف في القرآن في كلماتها وآيها أيضاً كما ذهب إليه شرذمة من العصابة كما ترى.قال الفاضل الأسترآبادي: يظهر من سياق هذه الأحاديث أنّ لفظة «محدّث» كان في القرآن فأسقطوا، ووجه الإسقاط ظاهر، واللَّه أعلم بالصواب.(3)

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ مَرَّارٍ(4)، قَالَ: كَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَعْرُوفِيُّ إِلَى الرِّضَا عليه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَ النَّبِيِّ وَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: فَكَتَبَ أَوْ قَالَ: «الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَ النَّبِيِّ وَ الْإِمَامِ أَنَّ الرَّسُولَ: الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام (5)، فَيَرَاهُ، وَ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَ رُبَّمَا رَأى فِي مَنَامِهِ نَحْوَ رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام. وَ النَّبِيُّ

.


1- .الحجر (15): 9.
2- .المائدة (5): 67.
3- .راجع الحاشية على اُصول الكافي ص 140 .
4- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار».
5- .في الكافي المطبوع : - «عليه السلام» .

ص: 47

رُبَّمَا سَمِعَ الْكَلَامَ، وَ رُبَّمَا رَأَى الشَّخْصَ وَ لَمْ يَسْمَعْ. وَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلَامَ، وَ لَا يَرَى الشَّخْصَ».

هديّة:(ويَنزِل عليه الوحي) يحتمل المعلوم من التفعيل .(والنبيّ ربّما سَمِع الكلام) يعني مع عدم رؤيته الشخص ، فهو ربّما يرى الشخص في المنام ، وربّما يسمع الكلام ، وربّما يرى الشخص ولا يسمع. والرسول ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامَه ، وينزل عليه الوحي ويرى الشخص في المنام. والإمام يسمع ولا يرى، فالإمامة في بيان الفرق إنّما هي باعتبار هذه المرتبة، كما أنّ الرسالة باعتبار نزولِ جبرئيل والرؤيةِ والسماعِ في اليقظة ، والنبوّةَ باعتبار الرؤية في المنام، وقد عرفت وجه التوافق في بيان سابقه، وهذا هو المراد بقول من قال: كأنّ المراد أنّه لم يجمع للنبيّ بين الأمرين كما يجمع للرسول ، فلا ينافي سابقه.وقال برهان الفضلاء:ليس المراد هنا من بيان الفرق بين النبيّ والرسول الحصر في القسمين المذكورين في بيان النبيّ، فإنّ النبيّ ربّما يوحى إليه في المنام أو في اليقظة بسماع الصوت من دون أن يرى الشخص.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْسرّادِ، عَنِ مُؤْمِنٍ الطَّاقِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الرَّسُولِ وَ النَّبِيِّ وَ الْمُحَدَّثِ، قَالَ: «الرَّسُولُ: الَّذِي يَأْتِيهِ جَبْرَئِيلُ قُبُلاً، فَيَرَاهُ وَ يُكَلِّمُهُ، فَهذَا الرَّسُولُ.وَ أَمَّا النَّبِيُّ، فَهُوَ الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ نَحْوَ رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ، وَ نَحْوَ مَا كَانَ رَأى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ أَسْبَابِ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْوَحْيِ حَتّى أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالرِّسَالَةِ، وَ كَانَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله - حِينَ جُمِعَ لَهُ النُّبُوَّةُ ، وَ جَاءَتْهُ الرِّسَالَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - يَجِيئُهُ بِهَا جَبْرَئِيلُ، وَ يُكَلِّمُهُ بِهَا قُبُلًا،

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول».

ص: 48

وَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ جُمِعَ لَهُ النُّبُوَّةُ، وَ يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ يَأْتِيهِ الرُّوحُ وَ يُكَلِّمُهُ وَ يُحَدِّثُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يَرى فِي الْيَقَظَةِ.وَ أَمَّا الْمُحَدَّثُ، فَهُوَ الَّذِي يُحَدَّثُ، فَيَسْمَعُ، وَ لَا يُعَايِنُ، وَ لَا يَرى فِي مَنَامِهِ».

هديّة:(قُبُلاً) بفتحتين وبضمّتين وكعِنَب وكصُرَد، يعني عياناً ومقابلةً، وقُبْل الشي ء بضمّ القاف وسكون المفردة : أوّل زمانه ، فيناسب هنا (قُبْلَ الوحي)، هكذا كما قرأ برهان الفضلاء.و(الرَّسالة) بالفتح : شغل الرسول ، وبالكسر : كلامه. وكانت مدّة رؤيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ستّةَ أشهر قبل الوحي في اليقظة ، وربّما يُقال: إنّ معنى قوله عليه السلام: «إنّ رؤيا المؤمن جزءٌ من ستّة وأربعين جزءاً من أجزاء النبوّة»(1)أنّ نسبة زمان نبوّته صلى اللَّه عليه وآله بطريق الرؤيا - وهي ستّة أشهر - إلى مدّة مجموع زمانها - وهي ثلاث (2) وعشرون سنة - نسبةُ الواحد إلى ستّة وأربعين .وفي طريق العامّة أيضاً أنّ بَدْأَ نبوّته صلى اللَّه عليه وآله إنّما هو بالرؤيا ، أي رؤيته جبرئيل في المنام؛ فقد روى البخاري في صحيحه : أنّ أوّل ما بُدِئَ به رسول اللَّه من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فَلَق الصبح.(3)

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ(4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ العِجْلِيِ (5): عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى (6): «وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَ لَا نَبِىٍ (7) (وَلَا

.


1- .عدّة الداعي، ص 278. وعنه في بحار الأنوار، ج 73، ص 220، ح 30؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 53؛ سنن الترمذي، ج 3، ص 363، ح 2373.
2- .في الأصل : «ثلاثة» .
3- .صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 3 ؛ وج 6 ، ص 88 ؛ و ج 8 ، ص 67 .
4- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى».
5- .في الكافي المطبوع : «عن بريد» .
6- .في الكافي : «عزّوجلّ» .
7- .الحجّ (22): 52.

ص: 49

مُحَدَّثٍ)» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَيْسَتْ هذِهِ قِرَاءَتَنَا، فَمَا الرَّسُولُ وَ النَّبِيُّ وَ الْمُحَدَّثُ؟قَالَ: «الرَّسُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ الْمَلَكُ، فَيُكَلِّمُهُ. وَ النَّبِيُّ هُوَ الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ رُبَّمَا اجْتَمَعَتِ النُّبُوَّةُ وَ الرِّسَالَةُ لِوَاحِدٍ. وَ الْمُحَدَّثُ: الَّذِي يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ لَا يَرَى الصُّورَةَ».قَالَ: قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، كَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي رَأى فِي النَّوْمِ حَقٌّ، وَ أَنَّهُ مِنَ الْمَلَكِ؟قَالَ: «يُوَفَّقُ لِذلِكَ حَتّى يَعْرِفَهُ، لَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ بِكِتَابِكُمُ الْكُتُبَ، وَ خَتَمَ بِنَبِيِّكُمُ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام (1)».

هديّة:لا يخفى دلالة قوله: (ليست هذه قرائتَنا) بمفهومه على ما بيّناه آنفاً من معنى التحريف أو الغرض من الحكم لازمه، فيظهر علمه بذلك ، وسكوت الإمام عليه السلام عن الردّ بالإثبات قرينةٌ واضحة .(وأنّه مِن المَلَك) أي الذي سمع يوفَّق لذلك حتّى يَعرِفَه ، أي يهيّأ له أسباب تلك المعرفة من العصمة وغير ذلك.قال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه:نبّه عليه السلام على أنّ كيفيّة تلك المعرفة إنّما يحتاج إلى علمها من كان نبيّاً أو من يحتمل نبوّته ، وهو لكم مفروغ عنه ؛ لانقطاع النبوّة بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله بقوله: «لقد ختم اللَّه بكتابكم الكتب ، وختم بنبيّكم الأنبياء عليهم السلام»(2).أقول: في بعض النسخ: «ولقد ختم اللَّه» بزيادة الواو، والغرض أهميّة الردّ على الصوفيّة القدريّة، المبنيّة اُصولهم الفاسدة على قواعد الفلاسفة : من إيجاب الفاعل ، وقِدَم العالَم ، وكون الموجودات بأكوانها وشؤوناتها باستعدادات الموادّ وحصول الكمال حتّى النبوّة والرسالة للنفس البشريّة بالكسب من المبادئ العالية بالرياضات الشاقّة بأيّ وجه كان ولأيّ شخص كان، وصيرورة النفوس متساوية في الفضل والعلم بعد الوصول إلى درجة الكمال بالانقطاع عن عالم المادّيات والاتّصال بعالم المجرّدات.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «عليهم السلام» .
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 544 .

ص: 50

فمن مقالات الصوفيّة في كتبهم المعتبرة عندهم : إنّ الوجود البحت بلا شرط مستعدٌّ أزلاً وأبداً بطبعه المقتضي لجميع ما يوجد من الممكنات المحصورة، وبعبارة اُخرى : من الشؤوناتِ المنتظمة في سلسلتَيِ البدوِ والعود، وأنّ الوجود لأكوانه وشؤوناته بمنزلة الهيولى للصور، وفي رتبة البحر لأمواجه ونفّاخاته ، وبأنّ الشريعة وضعت للمسجونين في سجّين المادّيات ، والطريقة للمرتاضين بالرياضات ، والحقيقة للواصلين بعلّيّين المجرّدات، وبَنَوا بهذا قولهم: «نهايةُ الأنبياء بدايةُ الأولياء»،(1) وقولهم: «إذا ظهرتِ الحقائقُ بَطَلتِ الشرائع» ،(2)وقولهم: «القيد كفرٌ ولو كان باللَّه»،(3) وغير ذلك من هذياناتهم عند كونهم مجبورين في التكلّم بها بتسلّط الشيطان على قلوبهم وألسنتهم ، وتخبّطه إيّاهم من المسّ.قال ذلك الرومي في الدفتر الخامس من كتابه : «إنّما تبطل الشرائع عند ظهور الحقائق؛ لأنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والكيمياء للصُّفْر، فأين الصحيح من الدواء والذهب من الكيمياء؟».(4)وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث في باب الفرق بين النبيّ والرسول والمحدّث :جملة القول في تحقيق حصول العلم في قلوب المستعدّين له: أنّ حقائق الأشياء كلّها مسطورة في اللوح المحفوظ ، وإنّما تفيض على قلوبنا من ذلك العالم بواسطة القلم العقلي الكاتب في ألواح نفوسنا، وقلب الإنسان صالح لأن ينتقش فيه العلوم كلّها ، وهو كمرآة مستعدّة لأن يتجلّى فيه حقيقة الحقّ في الاُمور كلّها من اللوح المحفوظ ، وإنّما خلّى عمّا خلّى عنه من المعلوم إمّا لنقصان في ذاته كقلب الصبيّ، أو لكثرة المعاصي، أو

.


1- .نقل بالمعنى. راجع: الفتوحات المكّية، ج 2، ص 52 و 256 و 257؛ فصوص الحكم، ص 62 و 135؛ شرح فصوص الحكم للقيصري، ص 145 - 148.
2- .مثنوى معنوى، ديباجة الدفتر الخامس، ص 726؛ شرح الأسماء الحسنى للسبزواري، ص 262.
3- .نقل بالمعنى. راجع: شرح فصوص الحكم للجندي، ص 461؛ شرح فصوص الحكم للكاشاني، ص 165.
4- .مثنوى معنوى ، ديباجة الدفتر الخامس ، ص 726 .

ص: 51

لعدوله عن جهة الحقيقة المطلوبة لاستيعاب همّه بتهيئة أسباب المعيشة .ثمّ قال:ثمّ إنّ العلوم التي ليست ضروريّة إنّما تحصل في القلب تارةً بالاكتساب بطريق الاستدلال والتعلّم، وتارةً بهجومها على القلب، وهذا قد يكون مع عدم الاطّلاع على السبب ، وهو مشاهدة الملك ، ويسمّى إلهاماً ونفثاً في الروع إن كان نكتاً في القلب ، وحديثُ مَلَك إن كان نقراً في السمع ، ويختصّ بهما الأولياء والأئمّة، وقد يكون مع الاطّلاع على ذلك ويسمّى وحياً ، ويختصّ به الأنبياء والرُّسل. انتهى.(1)أقول : قوله : «مع عدم الاطّلاع على السبب» كأنّ بناؤه على التعبير في كتب الصوفيّة القدريّة عن للاتّصالات التامّة بالمبادئ العالية بالأسباب الكاملة ؛ لوصول النفوس في الاتّصال إلى أعلى درجات الكمال ، و كفي في بطلان مقالاتهم الممنوعة شرعاً - من جهالاتهم المنقولة آنفاً و غيرها ، المسطورة في كتبهم مشروحاً - كونها عارية عن الفائدة إلّا زيادة اللعنة عليهم من أهل ا لشريعة ، فإنّها ليست دواء لهم لتكفيرهم صاحبها بأمر الشارع العاقل عن العدل الحكيم ، ولاحاجة لأهل الحقيقة على ما قرّروا في طريقتهم و شرّعوا من عند أنفسهم إلى دواء ؛ قال اللَّه تعالى في سورة الشورى : «أَمْ لَهُمْ شُرَكَؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَ لَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّ الظَّلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(2) إلّا أن يكون غرضهم من أمثال بياناتهم زيادة اللعنة عليهم لزيادة الرتبة بعقائدهم ، والشيطان ملقّب عندهم برئيس الموحّدين لذلك ، اُولئك عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ، و على من أبي و توقّف في لعنهم إلى يوم الدين ، لعنهم اللَّه ، ثمّ لعنهم اللَّه مادامت السموات والأرضون ، وطوبى للمؤمنين لحجج ربّ العالمين «ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» .(3)

.


1- .الوافي ، ج 2 ، ص 77 ، مع اختلاف يسير.
2- .الشورى (42): 21.
3- .الحديد (57): 21.

ص: 52

الباب الرابع: باب أنّ الحجّة لا تقوم للَّه على خلقه إلّا بإمام

الباب الرابع : بَابُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ السَّوَّادِ(1)، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ، عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَتّى يُعْرَفَ».

هديّة:قيل في بيان العنوان : أي في خصوصيّات الأحكام الخمسة وتعيينها(2) في موضعٍ موضعٍ .في بعض النسخ : «حيّ» مكان «حتّى» .و(يعرف) يحتمل من القراءة وجوهاً: فعلى المعلوم من التفعيل، يعني يعرّف اللَّه أو الإمام الحقّ ، ليميز الخبيث من الطّيّب؛ وعلى ما لم يسمّ فاعله منه أيضاً، يعني الحقّ أو الإمام حسباً ونسباً وطهارة من الرجس؛ وعلى المعلوم من المجرّد على بعض النسخ، أي بالعقل عن اللَّه ، وعلى خلافه منه على أكثرها، أي الحقّ أو الإمام.(3)

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن محسن بن محبوب».
2- .في «الف» : «تعيّنها» .
3- .وللمزيد راجع: شرح المازندراني، ج 5، ص 148؛ الوافي، ج 2، ص 61؛ مرآة العقول، ج 2، ص 293.

ص: 53

ورجّح برهان الفضلاء الأخير، ثمّ قال: والمستتر على الأكثر للَّه سبحانه ، وعلى البعض للإمام.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا:وذلك لأنّ الحجّة للَّه على خلقه إنّما يتمّ بالتعريف ، وإنّما هو يتمّ بإمام بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقوله عليه السلام: «حتّى يعرف» تنبيه على الدليل لما ادّعاه. انتهى.(1)فرجّح المعلوم أو خلافه من التفعيل. ومثل الخبر نصّ في أنّ التكليف لا يكون إلّا بدليل نقليّ ، فنصٌّ في بطلان ثبوته بمجرّد الحسن والقبح العقليّين كما ذهبت إليه البراهمة وكثير من القدريّة.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الاثنينِ، عَنْ الْوَشَّاءِ(2)، قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَتّى يُعْرَفَ».

هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث روي في الكافي عن أَحْمَدَ(3) ، عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنَْبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ : «إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَتّى يُعْرَفَ».

هديّة:بيانه كسابق سابقه.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 544.
2- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
3- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».

ص: 54

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(1)، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ، وَ مَعَ الْخَلْقِ، وَبَعْدَ الْخَلْقِ».

هديّة:حمله الصدوق رحمة اللَّه عليه في أوّل كتاب كمال الدِّين وتمام النِّعمة على آدم والقائم ومن بينهما من الحجج.(2) وفي الحديث - كما سيجي ء في الباب التالي للتّالي - «أنّ آخر من يموت الإمام»، وستعرف في بيان الحديث الرابع من الباب التالي عدمَ المنافاة بين موت الإمام أخيراً وبين ما في الحديث من بقاء الدنيا وطائفة من الناس بعد ذهاب القائم عليه السلام أربعين يوماً، كما في الحديث الأوّل من الباب السادس والسبعين.فلهذه المنافاة ظاهراً وعدم مناسبة ذكره كذا في هذا الباب، قرأ برهان الفضلاء : «قَبَلُ الخلق» بفتحتين و«بَعَدُ الخلق» كذا.و«القَبَل» : الموضع العالي في المقابل، و«البَعَد» : المنزل البعيد، فالأوّل من هو عالٍ ظاهراً للأنظار وإن لم يكن معهم بإجراء حكمه على الجميع، والثاني من هو ظاهر فيهم ومعهم بإجراء حكمه على الجميع، والثالث من هو بعيد غائب عنهم. وقال في وجه التناسب:إنّ ذكره هنا إشارة إلى الجواب عن إيراد المخالفين : أنّه لو صحّ الاضطرار إلى الحجّة لوجب ظهورها. والجواب : أنّ تخلّف الواجب إنّما يلزم على تقدير إطاعة الرؤساء له في ظهوره فيغيب، ولذا يجب ظهوره للوقت في علمه تعالى بوقت وجود الخلّص من شيعته المطيعين الظاهرين بظهوره بإذن اللَّه تعالى.أقول: يكفي لوجه المناسبة دلالة هذا الخبر على كون الحجّة مع الخلق ما دام الخلق، على أنّ بمفهومه دلالة على حاصل مفهوم العنوان؛ يعني وجوب وجود الحجّة في

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- .كمال الدين ، ص 4 .

ص: 55

حكمته تعالى في جميع الأزمنة من أوّل الدنيا إلى آخرها.واحتمل السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه بُعد الحمل - كالصدوق - أن يكون المقصود من الخلق تحقّقَ المعرفة، كما في قوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(1) أي ليعرفون. قال:فإنّ مناط المعرفة والمتأصّل فيها الذي يدور به رحاها إنّما هو الحجّة ، فهو المقصود بالإيجاد أوّلاً ، وأقرب إلى المبدأ الفاعلي، فيكون قبلهم، وإنّما يبقى المعرفة ببقائه فيكون معهم، وإذا مضوا قبل فناء الدنيا يكون بعدهم إبقاءً للمعرفة التي لا ثبات للدنيا إلّا بها.ثمّ احتمل أن يكون المراد أنّ حجّية الحجّة قبل الخلق كما في الميثاق، ومع الخلق كحال التكليف ومقدّماته، وبعدهم وانقضاء مدّة حياتهم الدنيا استبقاءً لمعرفتهم بمعرفته واستمداداً منها.(2)أقول: الأولى على هذا ليكمل البيان والتناسب ، أنّ المعنى أنّ حجّته تعالى بالغةٌ على الخلق، قبل الخلق يوم الميثاق بعد الافتتان بتكليف الأرواح بدخول النيران، ومع الخلق ما داموا في الدنيا ، وبعد الخلق عند محاسبتهم في الآخرة.

.


1- .الذاريات (51): 56.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 545 .

ص: 56

الباب الخامس: باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة

الباب الخامس : بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(1)، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: تَكُونُ الْأَرْضُ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: يَكُونُ إِمَامَانِ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِتٌ».

هديّة:قيل: وليس بشي ء فيه فرق آخر بين النبيّ والوصيّ.(وتكون الأرض) يعني بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله. وتعريف «الأرض» للعهد الذهني، ف «ليس فيها إمام» نعت لها ، أو للجنس أو للعهد الخارجي فحال عنها. و«الصمت» كناية عن عدم القيام بالأمر ، أو المعنى صامتٌ ساكتٌ عن الدعوة والتعريف - كما قيل - فيكون الآخر هو المعرّف الداعي ، وهو الإمام على الصامت كما في السبطين عليهما السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الثلاثَةِ، عَنْ بُزُرْجَ وَ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ (2)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير».
2- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس و سعدان بن مسلم» .

ص: 57

عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَ فِيهَا إِمَامٌ، كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وَ إِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ».

هديّة:الاستثناء منقطع، والواو للابتداء، و«كي» في معنى لام التعليل، و«ما» كافّة يعني لا تخلو الدنيا من احتياجها في بقائها إلى نظام، لكن فيها إمام بضرورة المصالح، ضروريّة وحِكَم شتّى ، منها ردّ المؤمنين به إلى ما هو الحقّ إن زادوا شيئاً في دينهم سهواً أو خطأً في الأعمال أو في العقائد ، والإتمام لهم إن نقصوا ، لقصورهم عن الوصول إليه.واحتمل السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا أن يكون المراد بالمؤمن هنا مطلق المؤمن باللَّه ورسوله ليعمّ تعلّق الردّ والإتمام الهدايةَ أيضاً.(1) وهو كما ترى.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(2)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَ لِلَّهِ فِيهَا الْحُجَّةُ، يُعَرِّفُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ، وَ يَدْعُو النَّاسَ إِلى سَبِيلِ اللَّهِ».

هديّة:(ربيع بن محمّد) بن عُمر - بضمّ العين - ابن حسّان الأصمّ المُسَلِّي . ضبط في الإيضاح كمصلّي على اسم الفاعل من التسلية في النسبة إلى مسلّية بن عامر بن عمر.(3)وقال العلّامة: وقيل: مُسْلِيَة على اسم الفاعل من الإفعال .(4)الاستثناء كما في سابقه منقطع، والواو للابتداء، أي ما خلت الأرض من حجّة لكن فيها الحجّة دائماً ، ليعرّف الحلال والحرام. والمعنى: «لا تخلو»؛ عبّر بالماضي لتحقّق الوقوع.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 546 .
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
3- .إيضاح الاشتباه، ص 183، رقم 277.
4- .خلاصة الأقوال، ص 155.

ص: 58

وقال برهان الفضلاء هنا على خلاف ما قال في سابقه :الاستثناء مفرّغ، والواو للحال، وتعريف الحجّة للعهد الذهني، فالجملة بعدها نعتها ، والإخبار عن المستقبل بلفظ الماضي للدلالة على تحقّق الوقوع.ثمّ قال:يعني لا تزول الأرض عن استقرارها على حال إلّا على حالٍ يكون فيها إمامٌ مفترض الطاعة ، يعرّف جميع الحلال والحرام، ويدعو الناس في قيامه على الأمر.قال:«وما زالت» إشارة إلى قوله تعالى في سورة الفاطر: «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً»(1).و(يَعْرِف) على المعلوم من المجرّد، ويحتمل المعلوم من التفعيل. والأوّل أولى؛ لما لا يخفى من التعريض.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا».

هديّة:يعني هل تبقى مقرّاً للناس؟ فأجاب عليه السلام بقوله: (لا) لمكان زلزلة الساعة عند ذلك ؛ أو «الأرض» عبارة عن الدنيا، ولا خلاف في ذلك عندنا، فلما صحّ بقاء الدنيا وطائفة من الناس بعد القائم عليه السلام أربعين يوماً كما هو المشهور بين الناس أيضاً . فوجه عدم المنافاة أنّ معنى الحديث الآتي في الباب التالي أنّ آخر من يموت قبل قيام الساعة بمقدّماتها من الصيحة والزلزلة وغيرهما من العلامات هو الإمام، أو أنّ آخر من يموت بغير غضب من اللَّه، أو أنّ آخر من يموت من حجج اللَّه تعالى هو القائم عليه السلام.

.


1- .فاطر (35): 41.

ص: 59

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العُبَيْدِي (1)، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام، قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ».

هديّة:أي بغير عالِم بجميع ما يحتاج إليه الناس في دين اللَّه تعالى. وبعبارة اُخرى بغير إمام عاقل عن اللَّه بعصمته .(لم يعرف الحقّ من الباطل) أي فيما اختلفت فيه العقول؛ فبرهان على امتناع خلوّ الأرض من عالم كذا، إذ الخلّو يستلزم انتفاء المعرفة المقصودة من الخلق والإيجاد. وإذا قصد ب «الحقّ» المعبود بالحقّ وب «الباطل» المطاع بالباطل ، فناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الحجّ: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ»(2).والخبر ردّ - كنظائره - على القائلين باستقلال العقل في المعرفة والحكم بالحسن والقبح ، وحصول المعرفة بمجرّد الرياضة كالبراهمة والقدريّة.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الْأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَادِلٍ».

هديّة:يعني من أن يُعذِّب أهلَ الأرض من دون (3) أن تقوم له حجّة عليهم فيما اختلفت فيه عقولُهم. وفي الخبر دلالة على أنّ هذا اللطف إنّما هو مقتضى تلك العظمة

.


1- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى».
2- .الحج (22): 62.
3- .في «الف» : «غير» .

ص: 60

في هذا النظام العظيم - ولا أعلم به من مدبّره الحكيم البتّة - فيجب؛ لئلّا يكون للناس على اللَّه حجّة.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ، عَنْ السّرّاد، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ؛ وَ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السرّاد، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زيد الشّحام (1) وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: «اللَّهُمَّ، إِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلْقِكَ».

هديّة:(لا تخلي) من الإفعال أو التفعيل.(مِن حُجَّة) أي ظاهرٍ حاكمٍ أو صابرٍ أو مستورٍ غائب. والخبر دليل على دوام امتناع الخلوّ. ويشبه أن يكون قوله عليه السلام هذا في خطبة أو دعاء له عليه السلام.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قَالَ: «وَ اللَّهِ، مَا تَرَكَ اللَّهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ آدَمَ عليه السلام إِلَّا وَ فِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدى بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَ هُوَ حُجَّتُهُ عَلى عِبَادِهِ، وَ لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلى عِبَادِهِ».

هديّة:(أرضاً) أي شيئاً من أجزائها المعمورة، وكما أنّ الحجج بشيعتهم من لدن آدم إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى عيسى، ومن

.


1- .السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي اُسامة؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي اُسامة» .
2- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».

ص: 61

عيسى إلى نبيّنا محمّد صلى اللَّه عليه وآله، ومنه إلى القائم عليه السلام سلسلةٌ نورانيّةٌ ، ممتدّة من أوّل الدنيا إلى آخرها وفيها العلماء والمتعلّمون الفاضلون، ففي سلسلة ظَلَمَة الكفر ، الملتئمة من سلاسل ضلالات شتّى ، رؤساء حذقاء ، وطواغيت مهراء في الجهل الشبيه بالعلم بالتمويه أو بالمزج ، كما كأنّه هو شأن رؤساء القدريّة المشهورة بالصوفيّة بالنسبة إلى سائر فِرَق الكفر والضلالة، فلا تغترّ بفضل ابن العربي صاحب الفصوص والفتوحات، وعبد الرزّاق الكاشي ، صاحب النصوص (1) والتأويلات والاصطلاحات ، وأمثالهما من أهل الضلالات والجهالات ، كابن سينا صاحب الشفاء والإشارات، والزمخشري صاحب الكشّاف ، والشيطان أعلم منهم وأفضل من الجهات والأطراف ، يجي ء من كلّ جهة مِن غير أن يُرى ، وينفذ في الهُبَل والصنم ، فيتكلّم بما يهوى وفي شجرة أصحاب الرّسّ ، كما في فرعون ، فيقول : «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى»(2) وفي البسطامي ، فينطق بمقالة الحلّاج، ويدّعي وصوله سبعين مرّة إلى المعراج.وهل يخفى على أحد فضل مكائد اللعين وقوّة تصرّفه في قلوب الغاوين حتّى أنّ القدريّة لقّبوه برئيس الموحِّدين بعد نطق القرآن بلعنه وأنّه رئيس الملحدين «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(3)، وصلّى اللَّه على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله المعصومين خير الأوصياء السابقين.فاسمع وعِ وأنت خبير بأنّ للَّه تعالى فِتَناً وامتحانات في كلّ اُمّة؛ فتارةً بتكلّم السواع وغيره من الأصنام في زمن نوح عليه السلام، وتارةً بفرعون وملكه، فالسامريّ وعجله كالثاني بأوّله، قال اللَّه تعالى: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»(4).

.


1- .الظاهر أنّ مراده «شرح فصوص الحكم».
2- .النازعات (79) : 24 .
3- .البقرة (2): 161.
4- .العنكبوت (29): 1 - 3.

ص: 62

ثمّ أنت خبير بأنّ أفضل المخلوقات نوع البشر، وأفضله زمرة الأنبياء والأوصياء، وأفضلهم خاتَم النبيّين وآله صلى اللَّه عليه وآله، فكتابه أفضل الكتب، وأوصياؤه أفضل الأوصياء، ودينه أفضل الأديان، والامتحان في اُمّته أعظم الامتحانات في سائر الاُمم، وكذا جُلّ الأشياء المنتمية إليه وآله صلى اللَّه عليه وآله، ألا ترى فتنة ارتداد اُمّته يوم قبضه بأجمعهم إلّا فريقاً من المؤمنين، قال اللَّه تعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ حَفِيظٌ»(1) فهل امتحان أعظم من هذا؟ حيث تفرّقت الاُمّة بعد الارتداد ورجوع طائفة منهم على بضع وسبعين فرقة ، إحداها ناجية، والباقية باغية هالكة.فلم يبق للشيطان هَمّ إلّا في إضلال الفرقة الحقّة . وأنّه قطع بالتجربة أنّ من وراء معاصيهم الزيارات الماحية للكبائر ، والتوبة المقبولة في الأوّل والآخر، والشفاعة المضمونة بالنصّ الباهر. وفكّر(2) في أواخر عمره ذلك العمر، ثمّ فكّر ، فوضع التصوّف المبتني على وحدة الوجود في بدوه وعوده وتشكّلاته فيما بينهما ، محفوفاً بالصلاة والصوم وكثرة الذِّكر وحرارة الشوق والوجد والسماع والمكاء والتصدية وتأويل القرآن والحديث والسَّهَر والبكاء والخصاصة والاستكانة والأنين والتأوّه والعزلة والأمانة والدِّيانة والأمثال والأشعار ، وغير ذلك من المحاسن في الأسماع والأنظار ، كالخزف المموّه المرصّع بالدرر واليواقيت وأمثالهما من الجواهر النفيسة والشبيهة بها؛ فنعوذ باللَّه وحججه من الشيطان الرجيم ومكائده، وصلّى اللَّه على حجج اللَّه وملائكته.

الحديث التاسع روى في الكافي عَنْ الاثنين (3)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَ أَنَا وَ اللَّهِ ذلِكَ الْحُجَّةُ».

.


1- .سبأ (34): 19 - 21.
2- .في نسخة «الف» : «ففكّر» .
3- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».

ص: 63

هديّة:«الحسن أبو عليّ بن راشد» من أصحاب الهادي أبي الحسن الثالث عليه السلام، بغداديّ ثقة.(مِن حجّة) أي في زمان ذلك الحجّة، أي في هذا الزمان.

الحديث العاشرروى في الكافي وقال: وبهذا الإسناد، عن أبي حمزة(1)، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ، لَسَاخَتْ».

هديّة:(تَبقَى الأرض) بتقدير حرف الاستفهام.(لَسَاخَت) بالخاء المعجمة ، أي انخسفت بأهلها و غارت غور المنخسف من المكان في الأرض. وقيل: أي خربت كخرابها بانخسافها؛ لأنّ وجود الإمام قوام وجود السماء والأرض وما بينهما.واحتمل برهان الفضلاء «لساحت» بالحاء المهملة، من السياحة، أي لجرت من الأطراف بزلزلة الساعة؛ ساح الماء يسيح سيحاً : جرى على وجه الأرض.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا» . قُلْتُ لَهُ (3): فَإِنَّا نُرْوى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهَا لَا تَبْقى بِغَيْرِ إِمَامٍ إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللَّهُ (4)عَلى أَهْلِ الْأَرْضِ، أَوْ عَلَى الْعِبَادِ؟ فَقَالَ: «لَا، لَا تَبْقى ، إِذاً لَسَاخَتْ».

.


1- .السند في الكافي هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة».
2- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».
3- .في الكافي المطبوع : - «له».
4- .في الكافي المطبوع : + «تعالى».

ص: 64

هديّة:(نُروى) على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد.(فقال: لا) ليس تكذيباً للرواية، بل المعنى : ليس المعنى كما يفهم من ظاهرها من بقاء الأرض مع السخط على أهلها، بل المعنى أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط اللَّه على أهلها بخسفها بهم. والترديد من الراوي.وقد صرّح بهذا الحمل السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه حيث قال: أي ليس المراد بقول أبي عبداللَّه عليه السلام: السخطَ الذي تبقى معه الأرض وأهلها ، بل السخط الذي تصير الأرض به منخسفةً(1).وقرأ برهان الفضلاء : «نُروّى» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، قال: التروية نقلك الحديث إلى غيرك ليحفظه. ثمّ قال: «لا» في «فقال: لا» لتكذيب تلك الرواية وعدم صحّتها، و«لا تبقى» استئناف بياني للتكذيب ، و«إذا لساخت» استئناف بياني للاستئناف السابق. قال: والمعنى أنّها لا تبقى على نظامها حينئذٍ، فحينئذٍ لساخت بزلزلة الساعة.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي هَرَاسَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الْأَرْضِ سَاعَةً، لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِهِ».

هديّة:«أبو هَراسة» بفتح الهاء ، ذكره الشيخ في باب الكنى من أبواب رجال الباقر عليه السلام.(2)و«هَراس» كسحاب : شجر شايك (3) ، الواحدة ب «ها» .(رُفِعَ) يعني لو لم يكن الإمام قوام الأرض ساعة ؛ فلا إشكال بالمعراج كما لا إشكال

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 548 .
2- .رجال الشيخ الطوسي ، باب الكنى ، ص 150 .
3- .أي ذات الشوك .

ص: 65

بكون مدّته أقلّ من ساعة.ماج البحر ، يموج : اضطرب، أو التموّج هنا كناية عن الخسف والتزلزل؛ يعني لخسفت بأهلها بالزلزلة ، كما يموج البحر بأهله بالطوفان .في بعض النسخ : «كَان» مكان (كما).(1)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنِ الاِثْنَيْنِ (2)، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام: هَلْ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: إِنَّا نُرْوى أَنَّهَا لَا تَبْقى إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللَّهُ (3) عَلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ: «لَا تَبْقى ، إِذاً لَسَاخَتْ».

هديّة:قد سبق نظيره ببيانه.

.


1- .في بعض نسخ الكافي: «كما كان».
2- .في الكافي المطبوع : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد» بدل «الاثنين».
3- .في الكافي المطبوع : + «عزّوجلّ» .

ص: 66

الباب السادس: باب أنّه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان، لكان أحدهما الحجّة

الباب السادس : بَابُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا رَجُلَانِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَوأحاديثه كما في الكافي ستّة:(1)

الحديث الأوّل 149.الاحتجاج :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ».هديّة:(لو لم يبقَ) أي مع بقاء التكليف ، والغرض من الفرض تأكيد وجوب وجود الإمام ما دام زمان التكليف .(لكان أحدُهما الحجّةَ) أي من يقوم بالأمر وتقوم به السماء والأرض، وقيل: أي على صاحبه ؛ للحكمة الداعية إلى الأمر بالاجتماع وسدّ باب الاختلاف المؤدّي إلى الفساد، وإنّما يتمّ بحجّية أحدهما ووجوب إطاعة الآخر.(3)

.


1- .أحاديث هذا الباب في الكافي المطبوع خمسة ، والسبب عدم ذكر الحديث الثالث مستقلاً، بل ذكره في ذيل الحديث الثاني .
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
3- .القائل هو الميرزا رفيع الدين النائيني في الحاشية على اُصول الكافي، ص 548.

ص: 67

الحديث الثاني 147.الاُسيديّ ومحمّد بن مبشّر :روى في الكافي عَنْ القمّي، وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ العبيدي، وعَنْ مُحَمَّدبْنِ الحسن،عن سهل، عَنْ العبيدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ:

«لَوْ بَقِيَ اثْنَانِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ عَلى صَاحِبِهِ».هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث 143.على بن محمّد بن جهم :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ ابْنِ الطَيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام؛ مِثْلَهُ.هديّة:هذا الحديث ثابت في الكافي ، وترك في نسخ الشروح التي رأيناها.

الحديث الرابع 141.لقمان عليه السلام ( _ به پسرش ) روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ الْخَشَّابِ (2)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ كَرَّامٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «لَوْ كَانَ النَّاسُ رَجُلَيْنِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْإِمَامَ». وَ قَالَ: «إِنَّ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ الْإِمَامُ؛ لِئَلَّا يَحْتَجَّ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ تعالى (3) أَنَّهُ تَرَكَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ».هديّة:ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(4).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى جميعاً ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن سنان ، عن حمزة بن الطيّار» .
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عمّن ذكره، عن الحسن بن موسى الخشّاب».
3- .في «د» : - «تعالى» . وفي الكافي المطبوع : «عزّوجلّ» .
4- .النساء (4): 165.

ص: 68

و(كَرّام) كشدّاد : واقفيّ، وأبوه عُمر بن عبد الكريم ، بالضمّ .وقد مرّ في بيان الحديث الرابع من الباب السابق رفعُ الإشكال بما هو المشهور فيما بين الناس أيضاً من بقاء طائفة من الناس أربعين يوماً بعد القائم عليه السلام.

الحديث الخامس 138.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ الْبَرْقِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ (1): «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ (2)، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ ، أَوْ الثَّانِي الْحُجَّةَ». الشَّكُّ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ.هديّة:في بعض النسخ : «والشكّ» بالواو . وهو كلام ثقة الإسلام أو كلام العدّة ، كما احتمله برهان الفضلاء. وفي كتاب كمال الدِّين : «الشكّ من محمّد بن سنان»(3). يعني أو قال : مكان «أحدهما»: «الثاني»، ليكون إشارة إلى أنّ موتهما لو ترتّب لكان الذاهب الثاني الحجّةَ.

الحديث السادس 132.عنه عليه السلام ( _ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ ) روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ(4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ، لَكَانَ الْإِمَامُ أَحَدَهُمَا».هديّة:بيانه كنظائره، و«نَهْد» - بالفتح - : قبيلة من اليمن.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول» بدل «عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال» .
2- .في «الف» : «لو بقي اثنان» بدل «لو لم يبق في الأرض إلّا اثنان» .
3- .كمال الدين ، ج 1 ، ص 204 .
4- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».

ص: 69

الباب السابع: باب معرفة الإمام و الردّ إليه

الباب السابع : بَابُ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ وَ الرَّدِّ إِلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة عشر:

الحديث الأوّل 126.امام على عليه السلام :روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَنْ الْوَشَّاءِ(1)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّمَا يَعْبُدُ اللَّهَ مَنْ يَعْرِفُ اللَّهَ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ فَإِنَّمَا يَعْبُدُهُ هكَذَا ضَلَالاً».

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ؟ قَالَ: «تَصْدِيقُ اللَّهِ (2)، وَ تَصْدِيقُ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ مُوَالَاةُ عَلِيٍّ عليه السلام، وَ الِائْتِمَامُ بِهِ وَ بِأَئِمَّةِ الْهُدى عليهم السلام ، وَ الْبَرَاءَةُ إِلَى اللَّهِ 3 مِنْ عَدُوِّهِمْ، هكَذَا يُعْرَفُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ».هديّة:في بعض النسخ: «من لا يَعرِفُه» بالضمير، وضبط برهان الفضلاء كالأكثر.وقال في بيان (الردّ إليه) في العنوان: أي عرض المختَلَفِ فيه عليه ليحكم فيه، لكن حيث لا يكون معلوماً من محكمات الكتاب والسنّة.أقول: لو قيل فيه إنّ العلم بالمحكم المحتمل عندنا إنّما هو بعد العلم بجميع الوجوه

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- .في الكافي المطبوع : + «عزّوجلّ» .

ص: 70

من الناسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ والتفسير والتأويل والمحكم والمتشابه والنصّ والظاهر وغير ذلك، وهو خاصّ بالإمام عليه السلام.قلنا: يكفي دفعاً للحرج ولئلّا يكون للناس على اللَّه حجّة أن يعمل في زمن الغيبة أو تعذّر الوصول إلى العلم بوجه من الحكم ، حيث لا يكون خلافه معلوماً، فالعلم بمحكم - مثلاً - ظنّاً مع عدم العلم بأنّه متشابه يلزمه في زمن الغيبة، لما عرفت أن يكون مناطَ العمل كما هو المشهور وهو المتداول في فقهائنا الإماميّة رضوان اللَّه عليهم، لكن بعد بذل الجُهْد بقدر الوسع مع الفضل الممتاز وخلوص الإيمان .والحديث المشهور - في رخصة بعض الشيعة أن يكون حكماً بينهم بما علّم الإمام عليه السلام من وجوه علاج الاختلاف في زمن عدم إمكان الوصول إليه عليه السلام من دلائل جواز العمل بالظنّ المتآخم من الموصوف بما هو المعتبر في الحكم بالظنّ من الإيمان والفضل الممتاز. وسيجي ء تمام الكلام في بيان الحديث السابع من هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.نعم، يشكل على القول ببطلان العمل بالظنّ.وبرهان الفضلاء كالفاضل الاسترآبادي - صاحب الفوائد المدنية - مصرّ مبالغ في هذا القول حتّى أنّهما التزما في شرح الأحاديث ذِكْرَه ولو بتمحّلات بعيدة للتناسب في المقام.(هكذا ضلالاً) إشارة إلى عبادات المخالفين وبِدَعِهم ، والقدريّة وسيرهم برسومهم المبتدعة ، وطرقهم المخترعة ، وغيرهما من الاثنين والسبعين من هذه الاُمّة.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا: أي إنّما يعبده عبادةً من غير معرفة ضلالاً ؛ لأنّ العبادة لا لمعرفةٍ(1) باللَّه ، لم يكن عبادةً له حقيقةً، ويكون التعبّد به ضلالاً.(2)وقال برهان الفضلاء : «هكذا» إشارة بتغميض العينين إلى العمى. واحتمل «ضُلّالاً» بالضمّ والتشديد، جمع الضّالّ، فالتعدّد باعتبار المعنى، ثمّ احتمل «صَلاَلاً» بالمهملة كسحاب، وهو الماء الآجن.

.


1- .في المصدر: «لا بمعرفة».
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 549 .

ص: 71

(ومُوالاة عليّ عليه السلام) أي التصديق والرِّضا بإمامته وولايته بعد ولاية اللَّه وولاية رسوله صلى اللَّه عليه وآله كما في آية الولاية(1)، وكذا موالاة الأئمّة من ولده وعترة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله «ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ»(2) .(والبراءة إلى اللَّه من عدوّهم) أي المفارقة منهم قلباً ولساناً وإطاعةً ، تقرّباً إلى اللَّه ، ميلاً من باطلهم إلى الحقّ الذي أقامه اللَّه تعالى بلطفه وحججه المعصومين المعروفين حسباً ونسباً .واعتبار معرفة الإمامة فيما لا يتمّ العبادة إلّا به، فلأنّ عدم المعرفة باستناد الحكم إلى اللَّه تعالى يستلزم أن لا يكون العبادةُ عبادةً له تعالى، ولا يصحّ طريق العبادة إلّا بالأخذ عن الحجّة ، لما ثبت بالبراهين القاطعة مفصّلاً.فسَلْ القدريّ القائل بأنّ دعوى مثل الحلّاج والبسطامي والبغدادي حقٌّ ، هل أنت - كما تدّعي - من أهل المعرفة بتصديق اللَّه والنبيّ صلى اللَّه عليه وآله في كلّ ما جاء به وكذا الأئمّة عليهم السلام والتبرّي من أعدائهم، أو من الضالّين والمغضوب عليهم بالتصديق لأعداء اللَّه كما تُصرّ فيه؟ فما أسخفَ تصديقَ القائل بمقالة فرعون مع تصديق الشارع العاقل عن العدل الحكيم المدبّر لمثل هذا النظام العظيم .هل يليق بعظمته سبحانه الأمر بذكره بقول «سبحان اللَّه» ثمّ الأمر بارتداد من هو وليّه والحكمُ بقتله والنصّ بلعنه والإخبار بكونه مخلّداً في النار؟! أم يجوز في حكمته المتقنة إرسالُ الحجج للأنام بذلك الشأن والاهتمام بتلك الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة، ثمّ الأمر ظاهراً في دينه المبين وشرعه المتين بالتبرّي عمّن هو وليّه سرّاً؟! لا واللَّه، لا يليق ، لا يجوز ، سخيفٌ سخيفٌ، وأسخف من أن يُقال سخيف . ألا لعنة اللَّه على القوم الظالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله المعصومين، والحمد للَّه ربّ العالمين «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى»(3).

.


1- .المائدة (5) : 55 .
2- .آل عمران (3): 34.
3- .البقرة (2): 256.

ص: 72

الحديث الثاني 122.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَنْ الوشّاء(1)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِناً حَتّى يَعْرِفَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الْأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ وَ إِمَامَ زَمَانِهِ، وَ يَرُدَّ إِلَيْهِ، وَ يُسَلِّمَ لَهُ». ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ يَعْرِفُ الْآخِرَ وَ هُوَ يَجْهَلُ الْأَوَّلَ؟!».هديّة:(مؤمناً) أي متّصفاً بالإيمان الذي هو مناط النجاة من النار والخلود في الجنّة .(حتّى يَعرِفَ اللَّه) يعني بما عرّفه اللَّه حججه .(ورسولَه والأئمّةَ) أي بما عرّفوا عليهم السلام أنفسهم. وهذا مراد من قال : يعني يعرف اللَّه بالربوبيّة ، والرسول والأئمّة بالرسالة والإمامة.(ويَرُدَّ إليه) بيان لوجه الاحتياج إلى معرفة إمام زمانه التي لا تحصل إلّا بمعرفة النصّ من الإمام السابق عليه، فدلالةٌ على وجوب معرفة كلّهم بوجوب معرفة إمام زمانه. وأمّا وجوب معرفة إمام الزمان لتحقّق الإيمان فبقوله صلى اللَّه عليه وآله: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة».(2)(كيف يَعرِف) استئناف بياني لبيان وجوب معرفة الجميع ، ووجهه أيضاً لأنّ معرفة كلّ لاحقٍ موقوفة على معرفة السابق ونصّه عليه؛ أو تعريض بالقائل بإمامة بعض الأئمّة عليهم السلام دون بعضٍ بالإيماء إلى علّة كفره، فالمعنى كيف يَعرِف إمام زمانه وهو يجهل أمير المؤمنين عليه السلام ، مع قوله بإمامته بعدم تصديقه بأنّه وليّ اللَّه بالنصّ، ووصيّ رسوله بغير الفصل، وأنّه لابدّ للدِّين من مثله في العلم والحكمة والعدل والعصمة إلى يوم القيامة؟

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين، عن معلّى، عن الحسن بن عليّ».
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 376 ، باب من مات و ليس له إمام من أئمّة الهدى ، ح 2 و 3، و في الطبعة الجديدة، ج 2 ، ص 264 - 265، ح 979 و 980 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 252 ، ح 175 ؛ و ج 2 ، ص 303 ، ح 119 ؛ ثواب الأعمال ، ص 205 ، ح 1 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 58 ، ح 214 .

ص: 73

وقال برهان الفضلاء: «كيف يعرف» ردٌّ على من يدّعي معرفة إمام الزمان مع عدم عرضه المختلف فيه عليه ، وعدم توقّفه في العمل بظنّه فيه، وحمل «الآخر» على إمام الزمان، و«الأوّل» على ربوبيّة اللَّه سبحانه. قال: يعني كيف يعرف العامل بظنّه - وهو شَرِكَ غير اللَّه معه في الحكم - إمام زمانه وهو جاهل بربوبيّة ربّ العالمين؟أقول: ما حرّرناه آنفاً في المقام يكفيك لتحقيق المرام، فحمل الظنّ الممنوع في بياناته بتمام الاهتمام على الرأي والقياس في الأحكام ، كما هو دأب عامّة العوام أولى، وقوله تعالى في سورة الحجرات: «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(1) ظاهر في عدم كلّية المنع ، والظنّ بما هو الأحوط حسن.

الحديث الثالث 124.الإمام عليّ عليه السلام ( _ مِن وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ عليه السلام ) روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ السرّاد(2)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: أَخْبِرْنِي عَنْ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ مِنْكُمْ وَاجِبَةٌ عَلى جَمِيعِ الْخَلْقِ؟

فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى (3) بَعَثَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ رَسُولًا وَ حُجَّةً لِلَّهِ عَلى جَمِيعِ خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَ اتَّبَعَهُ، وَ صَدَّقَهُ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ مِنَّا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ (4)، وَ لَمْ يَتَّبِعْهُ وَ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَ يَعْرِفْ (5)حَقَّهُمَا، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْإِمَامِ وَ هُوَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ يَعْرِفُ 6حَقَّهُمَا؟!»

قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ يُصَدِّقُ رَسُولَهُ فِي جَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ؟ أَيَجِبُ عَلى أُولئِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِكُمْ؟ .


1- .الحجرات (49): 12.
2- .في الكافي المطبوع: «عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب».
3- .في الكافي المطبوع : «عزّوجلّ» .
4- .في الكافي المطبوع : «وبرسوله» .
5- .في حاشية «الف» : «ولم يعرف» .

ص: 74

124.الإمام عليّ عليه السلام ( _ مِن وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ عليه السلام ) قَالَ: «نَعَمْ، أَ لَيْسَ هؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ فُلَاناً وَ فُلَاناً؟» قُلْتُ: بَلى، قَالَ: «أَ تَرى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مَعْرِفَةَ هؤُلَاءِ؟ وَ اللَّهِ، مَا أَوْقَعَ ذلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا الشَّيْطَانُ ، لَا وَاللَّهِ، مَا أَلْهَمَ الْمُؤْمِنِينَ حَقَّنَا إِلَّا اللَّهُ (1)».هديّة:(ويَعرِف حقَّهما) في الموضعين على النفي بتقدير «لم» و«لا» عطفاً على المنفي، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - بإثبات أداة النفي فيهما.والغرض في السؤال الأوّل الاستفسار عن حال المخالف بأنّه هل هو مؤمن بتصديق اللَّه ورسوله صلى اللَّه عليه وآله، أم كافر بترك الولاية ، لتركه ضروريّاً من ضروريّات الدِّين؟وحاصل الجواب: أنّه كافر ؛ لأنّ الإيمان إنّما هو تصديق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في كلّ ما جاء به، ومنه الولاية، فيجب لتحقّق الإيمان تحقّق الإيمان بالولاية أيضاً، ومن لم يؤمن بجميع ما جاء من عند اللَّه تعالى فهو كافر ، والكافر لا يجب عليه معرفة الإمام قبل معرفة الرسول ، وبأمره ونصّه بإذن اللَّه بوجوب ولايته تجب معرفته.وقال بعض المعاصرين:في هذا الحديث دلالة على أنّ الكفّار ليسوا مكلّفين بشرائع الإسلام - كما هو الحقّ - خلافاً لما اشتهر بين متأخّري أصحابنا.(2)أقول: ليس معنى قول المتقدّمين : «إلّا أنّ الكفّار ليسوا مكلّفين بشرائع الإسلام» قبل الإسلام، بل هم مكلّفون بالإسلام وشرائعه وإن كان وجوب العمل بعد وجوب الإيمان ، كالإيمان بالرسالة والولاية، وقد عرفت نصّه عليه السلام بوجوب التصديق بكلّ ما جاء من عند اللَّه ومنه الولاية، مع أنّ وجوب معرفة الإمام بعد وجوب معرفة الرسول صلى اللَّه عليه وآله، فنقل المُجمَع عليه بصورة المختَلَف فيه من سوء فهم الناقل.وقال برهان الفضلاء:حاصل الجواب الأوّل أنّ عموم وجوب المعرفة لا يتفاوت في معرفة الإمام والرسالة،

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عزّوجلّ» .
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 82 .

ص: 75

ولعلّ هذا الإجمال يفصّله ما حرّرناه في بيان الجواب والسؤال.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا:هذا الجواب استدلالٌ على وجوب معرفة الإمام على المسلمين دون غيرهم ، بأنّ من لم يؤمن باللَّه ورسوله ولم يصدّق باللَّه ورسوله، لم يكن معرفة الإمام مطلوبة منه؛ لأنّ معرفة الإمام للتعريف وتبيين ما جاء به الرسول لمصدّقه وردّه إليه ، والتسليم والانقياد له ، واجتماعِ كلمة المسلمين وكونهم جماعةً ليظهروا باجتماعهم واتّفاق كلمتهم على غيرهم، فلم تكن مطلوبةً من غيرهم. فلعلّ المراد أنّ معرفة الإمام مطلوبة لا لذاتها ، بل لحفظ الشريعة والاقتداء به فيها، فوجوبها بالحقيقة على المؤمن باللَّه ورسوله؛ فإنّ المطلوب من غير المؤمن أن يؤمن باللَّه ورسوله ، ثمّ إذا أسلم فعليه أن يعرف الإمام ويطيعه. انتهى.(1)فلا يذهب عليك التفاوت في الأقوال بتفاوت تحرير المقال.والغرض في السؤال الثاني تكرار الأوّل ؛ لجمعيّة الخاطر باتّصاف المخالف بالكفر كالكافر، وإن كان مقرّاً بجميع ما أنزل سوى الولاية.وحاصل الجواب : زيادة التثبيت بزيادة التفصيل وبيان سرّ ذلك؛ يعني كما أنّ الإيمان بجميع ما أنزل اللَّه لا يتمّ إلّا بالإيمان بالولاية ، كذلك لا يتمّ إلّا بالتبرّي عن منكرها، وهو جزء الإيمان بالولاية، كما أنّه جزء الإيمان بجميع ما أنزل اللَّه. والسرّ في أنّ المؤمن بجميع ما أنزل اللَّه سوى الموالاة والتبرّي ليس بمؤمن البتّة ، بل كافر قطعاً، «أنّ السعيد سعيد في بطن اُمّه، والشقيّ شقيّ في بطن اُمّه»(2)فالإيمان الذي لا يطابق الإيمان يوم أخذ الميثاق بالولاية والتبرّي إنّما هو من الشيطان ، فكفر وضلالة ، لا إسلام ولا إيمان، والإيمان موهبة أزليّة لا يتغيّر أبداً كما يتغيّر المستودع، مع أنّه جامع لأجزائه

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 551 .
2- .تفسير القمّي ، ج 1، ص 227 ؛ التوحيد ، ص 356 ، باب السعادة والشقاوة ، ح 3 ؛ الزهد ، ص 14 ، باب الأدب والحثّ على الخير ، ح 28 .

ص: 76

وشرائطه في الدنيا من دون تحقّقه في الميثاق، فإسلام ما لم يتغيّر يحلّ به المناكح والمواريث ويحقن الدّم ، ونوره يحيط القلب من خارجه من غير أن يدخل داخله ، لا إيمان يمتنع تغيّره لأزليّته ودخوله داخل القلب، قال اللَّه تعالى: «قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ»(1). وقد مرّ هذا البيان في بيان الحديث الرابع من الباب الأوّل.وقال برهان الفضلاء:حاصل السؤال الثاني استعلام حال المخالفين في تبعيّتهم رؤساءهم المجتهدين الحاكمين بظنّهم، مع التصديق بتعليمهم بجميع ما أنزل اللَّه باعتقادهم. وحاصل الجواب: أنّ تبعيّتهم للحاكمين بالظنّ إنّما هو من الشيطان ، كتبعيّة الحاكمين بالظنّ للشيطان.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا:السؤال الثاني سؤال عن أنّه إذا كان المؤمن مصدّقاً للرسول في جميع ما أنزل اللَّه مفصّلاً ، فأيّ حاجة له إلى الإمام؟ والجواب: إشارة إلى جهة احتياجهم إلى الإمام بعد تصديق الجميع مفصّلاً، وهو أنّ هؤلاء العارفين من أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أضلّهم الشيطان حتّى أطاعوا فلاناً وفلاناً واتّخذوهم إماماً، فانجرّ إلى ما انجرّ إليه من الظلم والطغيان والضلال والعصيان، فالمصدّق للنبيّ في جميع ما أنزل اللَّه ليس يأمن من الشيطان وإضلاله ، فيحتاج إلى الإمام لرفع الأوهام والشُّبه الفاسدة التي يلقيها الشيطان في أذهانهم ويستحسنها نفوسهم على وفق أهويتها الباطلة وأمانيها الفاسدة. انتهى.(2)أقول: محملٌ جيّد نفيس لو لم يكن بناؤه على عدم دخول الإمامة في جميع ما أنزل اللَّه، فلعلّ بناء كلامه على حمله «الجميع» بجميع ما أنزل اللَّه في معرفة الرسول ومعرفة الإمام بعد معرفة الرسول على ما في كلامه المنقول آنفاً. وأنت خبير بما في المبنى عليه أيضاً ، فإنّ بَعديّة معرفة الإمام لا يستلزم عدم دخولها في جميع ما أنزل اللَّه ، وأنّ دخولها فيه ثابت بالإجماع.

.


1- .الحجرات (49): 14.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 552 .

ص: 77

الحديث الرابع 120.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عنه، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ السرّاد(1)، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّمَا يَعْرِفُ اللَّهَ وَ يَعْبُدُهُ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَ عَرَفَ إِمَامَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ؛ وَ مَنْ لَا يَعْرِفِ اللَّهَ تَعَالى وَ يَعْرِفِ (2) الْإِمَامَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا يَعْرِفُ وَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، هكَذَا - وَ اللَّهِ - ضَلَالاً».هديّة:(أهلَ البيت) في الموضعين بنصب المضاف على الاختصاص ، وهو أولى من الجرّ على البدل.و(يَعرِف الإمام) عطف على (يعرف اللَّه) والمنفي مجموع الفعلين من حيث المجموع كما هو التحقيق، وما قيل من احتمال أن يكون «الواو» للحال عن فاعل يعرف بعيدٌ، وعليه فدخول الواو للحال على المضارع المثبت إمّا باعتبار أنّه منفيّ في الحقيقة، أو من قبيل إدخال الواو في قوله تعالى في سورة الصفّ: «لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ»(3) عند مَن قال إنّه : «بتقدير وأنتم قد تعلمون» .(هكذا واللَّه ضلالاً) قد سبق بيانه في بيان الحديث الأوّل.

الحديث الخامس 117.أبو عبيدة الحذّاء :روى في الكافي عَنْ الاثنين (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ ذَرِيحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله، فَقَالَ: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ الْحَسَنُ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ الْحُسَيْنُ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام إِمَاماً، مَنْ أَنْكَرَ ذلِكَ، كَانَ كَمَنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَ مَعْرِفَةَ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله ». .


1- .في الكافي المطبوع: «عنه، أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب».
2- .في الكافي المطبوع : «لايعرف» .
3- .الصفّ (61): 5.
4- .أي «الحسن بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 78

117.أبو عبيدة الحذّاء :ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَعَدْتُهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لي : «إِنَّمَا(1) حَدَّثْتُكَ لِتَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ».هديّة:تأنيث الضمير في «أَعَدْتُها» للمقالة أو الكلمة يُعني .(ثمّ أنت جُعِلتُ فداك) على الاستفهام أو التصديق، فالسكوت عن التصريح رضى أو تقرير. قيل: يمكن أن لا يكون الاُولى من الثلاث، فأربع .في بعض النسخ بزيادة «انّي» قبل «إنّما» لتكون على الخطاب ، ناظر إلى قوله تعالى في سورة المائدة: «فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ»(2)؛ وعلى احتمال التكلّم مع الغير ، إلى قوله عزّ وجلّ في سورة الحديد: «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ»(3)، إذا كان الشهداء هنا عبارة عن الأئمّة عليهم السلام كالصدِّيقين، دون الشيعة.

الحديث السادس 113.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ البرقي، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِينَ حَتّى تَعْرِفُوا ، وَ لَا تَعْرِفُوا حَتّى تُصَدِّقُوا، وَ لَا تُصَدِّقُوا حَتّى تُسَلِّمُوا، أَبْوَاباً أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا، ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ، وَ تَاهُوا تَيْهاً عَظِيْماً(4)؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ وَ الْعُهُودِ، فَمَنْ وَفى لِلَّهِ بِشَرْطِهِ، وَ اسْتَعْمَلَ مَا وَصَفَ فِي عَهْدِهِ، نَالَ مَا(5) عِنْدَهُ، وَ اسْتَكْمَلَ وَعْدَهُ؛ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ الْعِبَادَ بِطُرُقِ الْهُدى، وَ شَرَعَ لَهُمْ فِيهَا الْمَنَارَ، وَ أَخْبَرَهُمْ كَيْفَ يَسْلُكُونَ، فَقَالَ: «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَلِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(6) وَ قَالَ: .


1- .في «الف» والكافي المطبوع : «إنّي إنّما» .
2- .المائدة (5): 53.
3- .الحديد (57): 19.
4- .في الكافي المطبوع : «بعيداً» .
5- .في «الف» : + «وظّف» .
6- .طه (20): 82.

ص: 79

113.امام صادق عليه السلام :«إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(1) فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ، لَقِيَ اللَّهَ مُؤْمِناً بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَاتَ قَوْمٌ، وَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَهْتَدُوا، وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ آمَنُوا ، وَ أَشْرَكُوا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ؛ إِنَّهُ مَنْ أَتَى الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا اهْتَدى؛ وَ مَنْ أَخَذَ فِي غَيْرِهَا سَلَكَ طَرِيقَ الرَّدى؛ وَصَلَ اللَّهُ طَاعَةَ وَلِيِّ أَمْرِهِ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَ طَاعَةَ رَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ، فَمَنْ تَرَكَ طَاعَةَ وُلَاةِ الْأَمْرِ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَ لَا رَسُولَهُ، وَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا نُزِلَ (2) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (3) : «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»، وَ الْتَمِسُوا الْبُيُوتَ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ؛ فَإِنَّهُ أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُمْ «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلوةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصَارُ» إِنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَخْلَصَ الرُّسُلَ لِأَمْرِهِ، ثُمَّ اسْتَخْلَصَهُمْ مُصَدِّقِينَ لذلِكَ (4) فِي نُذُرِهِ، فَقَالَ: «وَ إِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» تَاهَ مَنْ جَهِلَ، وَ اهْتَدى مَنْ أَبْصَرَ وَ عَقَلَ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَرُ وَ لَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ» وَ كَيْفَ يَهْتَدِي مَنْ لَمْ يُبْصِرْ؟! وَ كَيْفَ يُبْصِرُ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ؟! اتَّبِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَ أَقِرُّوا بِمَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ اتَّبِعُوا آثَارَ الْهُدى؛ فَإِنَّهُمْ عَلَامَاتُ الْأَمَانَةِ وَ التُّقى.

وَ اعْلَمُوا: أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ رَجُلٌ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عليه السلام، وَ أَقَرَّ بِمَنْ سِوَاهُ مِنَ الرُّسُلِ لَمْ يُؤْمِنْ؛ اقْتَصُّوا الطَّرِيقَ بِالْتِمَاسِ الْمَنَارِ، وَ الْتَمِسُوا مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ الْآثَارَ؛ تَسْتَكْمِلُوا أَمْرَ دِينِكُمْ، وَ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ».هديّة:«الصالح» : ضدّ الفاسد ؛ من صلح ، كمنع وحسن. والمراد هنا: القابل لدخول الجنّة بالشفاعة وغيرها، كما في قوله تعالى في سورة الرعد وسورة المؤمن: «وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ»(5).

.


1- .المائدة (5): 27.
2- .في الكافي المطبوع : «اُنزل» .
3- .في «د» : - «تعالى» .
4- .في «د» والكافي المطبوع : «بذلك» .
5- .الرعد (13): 23؛ غافر (40): 8.

ص: 80

المضبوط هنا في النسخ: (ولا تعرفوا) بإسقاط النون وكذا «لا تصدّقوا» من التفعيل كتسلّموا. وسيجي ء هذا الحديث في الباب الثالث والعشرين من كتاب الإيمان والكفر، والمضبوط ثمّة فيها : «ولا تعرفوا» وكذا «لا تصدّقون»، فالسهو هنا من كتاب الكافي أوّلاً .(أبواباً أربعةً) نصب على المفعوليّة، فسّرها الفاضل الاسترآبادي بخطّه : بالإيمان باللَّه، وبرسوله وبالذي أنزل، وبولاة الأمر(1). وبرهان الفضلاء : بالتوبة عن الشرك والإيمان بالوحدانيّة، والعمل الصالح، والاهتداء إلى الحجج عليهم السلام ، كما في قوله تعالى في سورة طه: «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى»(2). والسيّد الأجل النائيني ميرزا رفيعا: بما يتعلّق بمعرفة اللَّه، ومعرفة الرسول، ومعرفة ولاة الأمر، ومعرفة أعدائهم بالبراءة منهم .(3)(لا يصلح أوّلها إلّا بآخرها) من المجرّد أو من الإفعال كما في آية سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»(4)، و«أوّلها» على التفسير الثاني (5) - كما صرّح - عبارةٌ عن كلّ واحد من التوبة والإيمان والعمل الصالح، و«آخرها» عن كلّ واحد من الإيمان والعمل الصالح والاهتداء ، و«الثلاثة» عن مجموع التوبة والإيمان والعمل الصالح، وقيل: يعني : الأوّل والثاني والثالث ، وقال المفسّر الثالث (6) : «ضلّ أصحاب الثلاثة» أي الذين يرون الاكتفاء بالثلاثة الاُوَل من الأربعة والغنى عن الرابع؛ أي البراءة عن أعداء الحجج عليهم السلام.(7)و«التيه» بالفتح والكسر ، تاه يتيه تيهاً : تحيّر ضالّاً .

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 140 .
2- .طه (20): 82.
3- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 555 .
4- .الأحزاب (33): 70 و 71.
5- .أي تفسير برهان الفضلاء .
6- .أي الميرزا رفيعا.
7- .الحاشية على اُصول الكافي لرفيع الدين الميرزا رفيعا النائيني ، ص 555 .

ص: 81

في بعض النسخ : «بعيداً» مكان (عظيماً) .(لا يَقبَلُ إلّا العملَ الصالحَ) على المعلوم من باب علم، وقيل: أو على المعلوم من الإفعال.والمضبوط هنا : (الوفاء) وفي كتاب الإيمان والكفر : «بالوفاء» بزيادة الباء و«بشروطه» مكان (بشرطه).في بعض النسخ المعتبرة كما ضبط السيّد حسن القايني : «نال ما وُظِّف عنده» بزيادة «وظّف» على المجهول ، من التوظيف من الوظيفة ، وهي ما عيّن كلّ يوم من طعام أو رزق، وظّفته توظيفاً.(إنّ اللَّه تعالى أخبر العباد بطرق الهدى) إلى قوله: (بما جاء به محمّد صلى اللَّه عليه وآله) استئنافٌ بياني للشروط والعهود.(فيما أمره) أي من المحرّمات على القلب والجوارح ، والأصل التقوى الباطني ، وهو التبرّي من أعداء الدِّين ، وبدونه لا يثمر فرعه حسنة، فويلٌ للمُصالح مع الجميع كالقدريّة لعنهم اللَّه، وقال في سورة المائدة: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ»(1).و«الواو» في (وأشركوا) حاليّة، أو عاطفة بتقدير «قد».(إنّه من أتى البيوت) بكسر الهمزة ، استئناف بيانيّ؛ أو بفتحها، فمفعول «يعلمون» ناظر إلى قوله تعالى في سورة البقرة: «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(2).(وَصَلَ اللَّه) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(3).(والتَمِسُوا) عطفٌ على (خذوا) بعد الاقتباس من سورة الأعراف ، كآية سورة النور بعد العطف ، وهي هكذا: «فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ

.


1- .المائدة (5): 27.
2- .البقرة (2): 189.
3- .النساء (4): 59.

ص: 82

وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ»(1) الآية.قوله تعالى في الأعراف: «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»(2)، فسّر الفاضل الاسترآبادي «الزينة» بخطّه : بالتمسّك بأهل البيت عليهم السلام وبالكيفيّة المسموعة منهم عند كلّ صلاة، قال: وحيّ على خير العمل مفسّر في بعض الروايات بذلك (3). وبرهان الفضلاء وأكثرهم : بلباس التقوى والعلم بالأحكام الإلهيّة مأخوذةً عن المعصوم أو محكماتِ الكتاب والسنّة.أقول: نعم، الزينة : التقوى ، لكن بعد زينة الإيمان؛ وقد عبّر القرآن في سورة الحجرات عن معرفة الإمام ب «الزينة» ، قال اللَّه سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(4). قد عبّر عن الأئمّة الاثنى عشر عليهم السلام ب «الإيمان» بدليل «أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ» على المبالغة ، كعدل للعادل . والإفراد لعدم التفاوت في نور الولاية والعلم وفضل الحكمة والعصمة؛ وعن الإيمان ب «النِّعمة» في مواضع كثيرة ، منها: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»(5)، «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى»(6)، «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(7).وكما أنّ النعمة في نسق القرآن عبارةٌ عن التشيّع ، يعني موالاة الحجّة المعصوم والتبرّي من أعدائه بشروطهما في أيّ زمان كان ، من لدن آدم إلى آخر الزمان، كذلك التعبير فيه عن الأوّل بالكفر، وعن الثاني بالظلم أو الفسق - وهو لغةً الظلم - ، وعن

.


1- .النور (24): 36 - 37.
2- .الأعراف (7): 31.
3- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 140.
4- .الحجرات (49): 7 - 8 .
5- .الفاتحة (1): 7.
6- .المائدة (5): 3.
7- .الضحى (93): 11.

ص: 83

الثالث بالعصيان لما لا يخفى. والتعبير عن الثاني بالفسوق هنا - وهو مفرد وجمع - فلتناظره للطرفين ، وللإشارة إلى كثرة ظلمه وأنّه أكثر ظلماً من صاحبيه، وعن الأوّل بالكفر لوجوه، منها: ظهور طغيان كُفرِه أوّلاً وهو معيار سائر الوجوه، فتدبّر، وكانت مدّة خلافته سنتين، قال اللَّه تعالى في سورة الزمر: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(1)، وفي سورة المائدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ»(2)، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ»(3)، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»(4).ولا تغفل عن نزول «أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ» قبل اشتهار الخلفاء الراشدين فيما بين المخالفين ، بعد انقراض زمانهم. والمشار إليه لاُولئك: الذين عبّر عنهم بالإيمان ، لما عرفت، وليس في الآية ما يصلح أن يكون مشار إليه غيره، فقال في سورة الفاطر: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ»(5) إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول في سورة الحجّ: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ»(6).والمراد ب «المسجد» في قوله: (عند كلّ مسجد) الإمامُ الحقّ، كما فسّرت «المساجد» في قوله تعالى في سورة الجنّ: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ ِ»(7) بالأئمّة عليهم السلام، إذ لا تقبل عبادة بدون ولايتهم وهم مَحالّ سجود العباد وخضوعهم للَّه تبارك وتعالى.(استخلص الرسلَ لأمره): استمحضهم بما لا مزيد عليه بأن جَعَلَهم خالصين من كلّ منافٍ لفضل العصمة اللازمة للحجّية. وهذا ناظر إلى قوله تعالى في سورة ص ، بعد

.


1- .الزمر (39): 8 .
2- .المائدة (5): 44.
3- .المائدة (5): 45.
4- .المائدة (5): 47.
5- .فاطر (35): 24.
6- .الحج (22): 46.
7- .الجن (72): 18.

ص: 84

ذكر داود وسليمان وأيّوب: «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الْأَيْدِى وَالْأَبْصَارِ* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ»(1) إلى قوله: «وَكُلٌّ مِنْ الْأَخْيَارِ»(2).(ثمّ استخلصهم) يعني : ثمّ اصطفاهم؛ هكذا هو المضبوط ، فلا يذهب عليك أنّ الظاهر ثمّ استخصّهم.(مصدِّقين لذلك في نذره). في بعض النسخ : «بذلك» بالمفردة، يعني : حال كون كلّ منهم مصدّقاً بالجميع في سائر منذريه أو في إنذاراته .(لو أنكر رجلٌ عيسى بن مريم) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة البقرة: «لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ»(3).(اقتصّوا): اقتفوا .(والتمسوا من وراء الحجبِ الآثارَ) أي مع امتناع رؤية المدبّر تعالى آثار تدبيره، أو في زمن الغيبة أخبار الإمام وأحاديثه عليه السلام، وتنبيه على وجوب الإيمان بولاية الاثنى عشر ، وبعدم خلوّ الدنيا من الحجّة المعصوم من أوّلها إلى آخرها.

الحديث السابع 110.عنه عليه السلام : روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ صَغِيرٍ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: «أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ؛ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً، وَ جَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً، وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً، وَ جَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ بَاباً نَاطِقاً ، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ وَ جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَنَحْنُ».هديّة:(أن يُجري) على المعلوم من الإفعال، ويحتمل خلافه منه، والمعلوم من المجرّد .

.


1- .ص (38): 45 و 46.
2- .ص (38): 48.
3- .البقرة (2): 285.
4- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد».

ص: 85

(سبباً) أي حكمة محكمة، ومصلحة متقنة.(شرحاً) أي من التنزيل .(علماً) أي معاني معيّنة من التفسير والتأويل ، لا يتجاوز غيرها منهما .(ناطقاً): حجّة معصوماً. وفي آخر الحديث دلالة على أنّهم عليهم السلام سببٌ في إفاضة العلوم من اللَّه تعالى على سائر المعصومين عليهم السلام.وقال الفاضل الاسترآبادي: «الشي ء»: دخول الجنّة ، و«السبب» : الطاعة ، و«الشرح» : الشريعة ، و«العلم» رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ، و«الباب» أئمّة الهدى عليهم السلام.(1)وقال برهان الفضلاء:يعني : «أبى اللَّه أن يُجْري» الأحكام؛ أي أحكام الحلال والحرام إلّا بآيات من القرآن، لتكون كلُّ آية وسيلةً لحكم منها؛ فردٌّ على المخالفين ، لقولهم بأنّه ليس بعض الأحكام في القرآن. «شرحاً» أي من القرآن بمعنى أنّ بعض القرآن يفسّر بعضه؛ فردٌّ على المصوّبة ، لقولهم بأنّ المختَلَف فيه إنّما هو مجمل في القرآن أو شبيه بالمجمل. «علماً» أي جعل ذلك الشرح على نهجٍ يفيد العلم للمؤمن بولاية المعصوم بتعليم المعصوم، فلا يحكم في شي ء أصلاً بمجرّد الظنّ الحاصل له بالاجتهاد؛ فردٌّ على المخطّئة ، لقولهم بامتناع تحصيل العلم في المختلف فيه، وعلى من يحكم بظنّه الحاصل بالاجتهاد.أقول: قد مرَّ الكلام في معنى العمل بالظنّ في أوّل الباب، وأنت خبير بأنّ الحكم في المختلف فيه موافقاً لتعليم الإمام عليه السلام وإن كان حكماً بالعلم - لو لم نَقُلْ إنّه ظنّ متَآخم - لكن العلمَ بثبوت الاختلاف في وجوه التعليم باختلاف مآخذها ومستنداتها ثابتٌ في زمن الغيبة البتّة، فليس بدٌّ للمؤمن الممتاز في فضله من العمل بظنّه ، كما هو دأب الفضلاء الإماميّة.وإنّما قلنا: «لو لم نقل إنّه ظنّ متآخم» لأنّه من المعلوم أنّ العلم القسيم للظنّ لا يختلف بالشدّة والضعف، والفرق بين المسموع في الحضور وفي زمن الغيبة ظاهر،

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 141 .

ص: 86

فالعلم الحاصل في زمن الغيبة من وجوه التعليم مع ثبوت الاختلاف فيها ليس إلّا ظنّاً متآخماً من العلم ، شبيهاً به جدّاً ، كأنّه هو كعلم غير المعصوم بمحكمات الكتاب والسنّة - على ما عرفت في أوّل الباب - فلا يرد أنّ علاج الاختلاف بوجوه التعليم شاملٌ للاختلاف فيها أيضاً، ولا أنّ محكمات الكتاب والسنّة تكفي للحكم بالعلم.نعم، لا شكّ أنّ التوقّف في المختلف فيه إن أمكن ولم يلزم منه حرجٌ أولى وأسلم ، وكون عدمِ التوقّف في الحكم مع عدم تقاعد الحكّام عنه موجباً لعدم ظهور الإمام عليه السلام لا يمنع لزومَ الحرج ، وهو منفيّ بالنصّ عموماً ، من غير فرق بين أن يكون لزومه من جانبهم أو من جانب اللَّه، والمخاطب كلّ أحد بخصوصه، «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(1)، مع أنّ حكمة الغيبة كحكمة تعيين وقت الظهور في علمه تعالى ليست مجرّدَ خوف الإمام وعدمَ إطاعة الرعيّة له عليه السلام، فعموم نفي الحرج باقٍ إلى يوم القيام، كهذه المباحثة إلى ظهور الإمام عليه السلام.

الحديث الثامن 103.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ(2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ دَانَ اللَّه بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ، فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَ هُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ، وَ اللَّهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ، وَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وَ قَطِيعِهَا، فَهَجَمَتْ ذَاهِبَةً وَ جَائِيَةً يَوْمَهَا، فَلَمَّا جَنَّهَا اللَّيْلُ، بَصُرَتْ بِقَطِيعِ غَنَمٍ مَعَ غير(3) رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا، وَبَاتَتْ (4) مَعَهَا فِي مَرْبِضِهَا، فَلَمَّا أَنْ سَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَهُ ، أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا، فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا، فَبَصُرَتْ بِغَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا، فَصَاحَ بِهَا الرَّاعِي: الْحَقِي بِرَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ؛ .


1- .الأنعام (6): 164.
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين».
3- .في الكافي المطبوع : - «غير» .
4- .في الكافي المطبوع : «فباتت» .

ص: 87

103.رسول خدا صلى الله عليه و آله :فَإنّك (1) تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ عَنْ رَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ، فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً نَادَّةً(2) لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلى مَرْعَاهَا أَوْ يَرُدُّهَا، فَبَيْنَا هِيَ كَذلِكَ إِذَا اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا، فَأَكَلَهَا .

وَ كَذلِكَ وَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - ظَاهِرٌ عَادِلٌ، أَصْبَحَ ضَالًّا تَائِهاً، وَ إِنْ مَاتَ عَلى هذِهِ الْحَالَةِ، مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَ نِفَاقٍ.

وَ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وَ أَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، قَدْ ضَلُّوا وَ أَضَلُّوا؛ فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَىْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ»(3)» .هديّة:«جهد نفسه» كمنع: أتعبها ، كأجهدها.«شانئ المرء» : عدوّه ومبغضه.«هجمت» كنصر : اضطربت ، من الهجوم ، وهو الدخول على الشي ء بغتةً، والانهدام دفعة. ضبطه برهان الفضلاء على البناء للفاعل ، بمعنى اضطربت، وقيل: الأنسب على المعنى الأوّل بنائه للمفعول بمعنى المهجوم عليها من جهة الاضطراب ، ولم يُسمع .«جَنَّه» كمدّ : ستره ، كأجنّه، وكذا جنّ عليه وأجنّ عليه ، بمعنى دخل عليه وستره .(مع راعيها) في أكثر النسخ ، وفي بعضها : «مع غير راعيها» أي مع راعٍ غير راعيها.(فلمّا أَنْ ساق) بفتح الهمزة وسكون النون ، زيدت لتأكيد اتّصال الإنكار بالسوق.(حنّت) بتشديد النون كفرّ : اشتاقت. و«الربض» بالتحريك وكمجلس بمعنى.و«الذَّعْر» بفتح الذال المعجمة وسكون العين المهملة : الخوف ، وهو ذَعِر كصعق.(نادّة) : شاردة نافرة .(إذا اغتنم) للمفاجأة ، ويجوز بدون الألف أيضاً للمفاجأة ، كما هو الأكثر بعد «بينا» و«بينما».

.


1- .في الكافي المطبوع : «فأنت» .
2- .في الكافي المطبوع : «تائهة» .
3- .إبراهيم (14): 18.

ص: 88

(ضَيْعتَها) بالفتح ، كضياعها ، بمعنى ضاع يضيع ضيعةً وضياعاً : تلف .(ظاهرٌ) أي حَسَبه ونسبه، وقرئ : «طاهراً» أي من الرجس. وضبط برهان الفضلاء : «ظاهرٌ عادلٌ» بالرفع ، صفةٌ بعد الصفة لاسم «لا» لنفي الجنس ، والخبر : «له» ، والاسم : «الإمام»، والصفة الاُولى : «من اللَّه».(ميتة) بالكسر للنوع ، مفعول مطلق للنوع ومضاف وناظر إلى الحديث المشهور .«يوم عاصف اشتدّت فيه الرّيح» ، فالوصف على المجاز العقلي للمبالغة ، كأنّ تمامه ريحٌ عاصفة.

الحديث التاسع 102.ابو درداء ، ابو اُمامه ، واثلة بن اسقع و انس بن م روى في الكافي عَنْ الاثنين (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ مُقَرِّنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «جَاءَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «وَعَلَى الأَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَاهُمْ»؟ فَقَالَ: نَحْنُ عَلَى الْأَعْرَافِ نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِسِيمَاهُمْ؛ وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - إِلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا؛ وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ؛ فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفْنَاهُ؛ وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وَ أَنْكَرْنَاهُ؛ إِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاء لَعَرَّفَ الْعِبَادَ نَفْسَهُ، وَ لكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَهُ وَ صِرَاطَهُ وَ سَبِيلَهُ وَ الْوَجْهَ الَّذِي يُؤْتى مِنْهُ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْ وَلَايَتِنَا، أَوْ فَضَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا، فَإِنَّهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ، فَلَا سَوَاءٌ مَنِ اعْتَصَمَ النَّاسُ بِهِ، وَ لَا سَوَاءٌ حَيْثُ ذَهَبَ النَّاسُ إِلى عُيُونٍ كَدِرَةٍ يَفْرَغُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَ ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْنَا إِلى عُيُونٍ صَافِيَةٍ تَجْرِي بِأَمْرِ رَبِّهَا، لَا نَفَادَ لَهَا وَ لَا انْقِطَاعَ».هديّة:«عبداللَّه بن الكَوّاء» بالفتح والتشديد والمدّ ، كان رئيساً لجماعة من خوارج النهروان.والآية في سورة الأعراف ، قال اللَّه تبارك و تعالى: «وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ

.


1- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 89

رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ»(1)؛ فسّر هكذا: أي بين أهل الجنّة وأهل النار حجابٌ، أي واسطة وهم الذين لم يحكم اللَّه بَعْدُ بأنّهم من أهل الجنّة أو من أهل النار، وهم سبعة أصناف:الأوّل: أهل خلط العمل الصالح بالعمل السيّئ.والثاني: المُرجون لأمر اللَّه.والثالث: المستضعفون لا يستطيعون حيلة إلى الكفر ، ولا يهتدون سبيلاً إلى الإيمان.والرابع: أصحاب الأعراف ، وهم طائفة من الإماميّة أدركوا صحبة إمام زمانهم ، وهم مبتلون بالمعاصي، فلكثرة ذنوبهم صاروا حجاباً، أي واسطة بذلك المعنى.والخامس: المؤلّفة قلوبهم.والسادس: من يعبد اللَّه على حرف.والسابع: المُعارون .«وأهل خلط العمل الصالح بالعمل السيّئ» فسّر بالذين أكثروا المعصية إلّا أنّ طاعتهم أكثر من معصيتهم، و«المُرجَون لأمر اللَّه» بالمؤخّرين لحكم اللَّه فيهم يوم القيامة من غير تصريح في القرآن بنجاتهم أو عذابهم، و«المستضعفون» بالنساء والولدان على الوصف، و«أصحاب الأعراف» بما ذكر، و«المؤلّفة قلوبهم» بما سيذكر في كتاب الإيمان والكفر مفصّلاً - كتفسير سائر الأصناف - إن شاء اللَّه تعالى، و«من يعبد اللَّه على حرف» بالشاكّين الذين ينتظرون (2) الفرج بأنّه إن حصل آمنوا وإلّا رجعوا، و«المعارون» بالذين استودع اللَّه فيهم الإيمان ، فإن شاء أن يتمّ لهم أتمَّه ، وإن شاء أن يسلبهم إيّاه سلَبهم.

.


1- .الأعراف (7): 46.
2- .في «د» : «ينظرون» .

ص: 90

و(الأعراف) جمع عارف ، كناصر وأنصار، وكما يُطلق في عرفهم عليهم السلام على الشيعة ؛ لمعرفتهم بالإيمان بالولاية، يُطلق على الأئمّة عليهم السلام ؛ لمعرفتهم بالربّ تعالى بما لا مزيد عليه في الخلق، فالأعراف أعمّ مطلقاً من أصحاب الأعراف.والمراد ب «الرجال» في الآية الأئمّة عليهم السلام.(يُعرِّفُنا اللَّهُ) على المعلوم من التفعيل ، دون المجرّد؛ لبُعد الاحتمال .(لعرّف العبادَ نفسَه) أي من دون توسّط المعصوم - كما جرت العادة - لحِكَم ومصالح شتّى.«نكب» عن الطريق كنصر : عَدَل .(فلا سواء من اعتصم) على الاقتصار في الكلام لظهور المراد ؛ أي لا يساوي متمسّك الناس متمسّككم .(ولا سواء) تكرار بالعطف والاقتصار للتأكيد .(يُفرَغ) على المجهول ، أي يصبّ حتّى يفرغ ويفني، فكما فيه إشارةٌ إلى اتّصال شعوب الكفر والضلال بعضها ببعض كنسج العنكبوت ، إشارةٌ إلى انتهاء أمرهم إلى الفناء والهلاك، والجامع لجميع تلك الشعوب طريقةُ القدريّة لعنهم اللَّه.

الحديث العاشر100.عنه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عَنْ الاثنين (1)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الْخَرَّازِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ فَرَاسِخَ، فَيَطْلُبُ لِنَفْسِهِ دَلِيلاً، وَ أَنْتَ بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَجْهَلُ مِنْكَ بِطُرُقِ الْأَرْضِ، فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ دَلِيلاً».هديّة:(الرَّيَّان بن شَبيب) كأمير : خال المعتصم ، ثقةٌ ، سكن قم، ورَوى عنه أهلُها.

.


1- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 91

«طرق السماء» عبارة عن طرق الأحكام الدينيّة النازلة بالوحي من السماء ، أو طرق الجنان ، وهي في السماء .(دليلاً) أي هادياً يكون عندك ثقة قطعاً. والدليل الذي يؤمن معه المستدلّ من دون شكّ منه فيه أصلاً إنّما هو المعصوم، فكما أنّ الغرض هنا التعجّب من حال المستدلّ لسفر الدنيا مع قعوده عن طلب الدليل لسفر الآخرة ، كذلك فيه الإيماء إلى أنّ الدليل الذي تجب إطاعته والمقبول منه - سيّما إذا كان مخبراً عن طرق السماء هادياً إليها - تجب أن تكون ثقته قطعيّة، ولا تجب على أحد إطاعةُ من ليس كذلك ، لا عقلاً ولا سمعاً، حاشا أن يكون المدبّر الحكيم لمثل هذا النظام العظيم قادراً على خلق المعصوم ، فيهمل ويفوّض أمره إلى حكم غيره بالاجتهادات التي ترى (1)والآراء المضادّة لتضادّها في الهوى.

الحديث الحادي عشر96.امام باقر عليه السلام : روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي (2)، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالىَ : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خيراً كَثِيرًا» فَقَالَ: «طَاعَةُ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةُ الْإِمَامِ».هديّة:سيأتي نظير هذا الحديث ببيانه في باب تفسير الكبائر من كتاب الإيمان والكفر.والآية في سورة البقرة(3)، والعطف في تفسيرها من قبيل عطف الجزء الأعظم على كلّه.و(الحكمة) شأن العقل، وشأن العقل الإيمان، وشأن الإيمان معرفة الإمام، فظهر وجه التفسير ، وأنّ مسائل الحكمة في الحقيقة إنّما هي الاُصول الثابتة عند الشيعة ببراهينها القاطعة.

.


1- .في «الف» : «نرى» .
2- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى».
3- .البقرة (2) : 269 .

ص: 92

الحديث الثاني عشر97.رسول اللّه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «هَلْ عَرَفْتَ إِمَامَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: إِي وَ اللَّهِ، قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: «حَسْبُكَ إِذاً».هديّة:يعني هل عرفت أنّ هذا الدِّينَ المنهيَّ عنه التفرّق فيه ، لابدّ له من إمام معصوم مفترض الطاعة قطعاً لقطعيّة ثقته.وقوله: (قبل أَنْ أَخْرُجَ) إشارة إلى أنّ سبب خروجه للزيارة وعرض المطلب - من المختَلَف فيه وغيره - إنّما هو المعرفة.

الحديث الثالث عشر93.ابو اُمامه : روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ بُزُرْجَ ، عَنْ العِجْلِيِ (1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ» فَقَالَ: «مَيْتٌ (2)لَا يَعْرِفُ شَيْئاً» ، وَ«نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ» : «إِمَاماً يُؤْتَمُّ بِهِ»، «كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّلُمَتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا» قَالَ: «الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ».هديّة:الآية في سورة الأنعام.(3)و(المَيْت) بالفتح وسكون الخاتمة : مخفّف «ميّت» بالتشديد ، والأصل «مَيْوِت» على فيعل ، فاُدغم ثمّ يخفّف ، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، قال اللَّه تعالى في سورة

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن بُريد».
2- .في «الف» : «ميتاً» .
3- .الأنعام (6) : 122 .

ص: 93

الفرقان: «لِنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً»(1).(لا يَعرِف شيئاً) أي إماماً. وفي التعبير في التفسير إشارةٌ إلى أنّ الجاهل بإمامه كأنّه لا يعرف شيئاً أصلاً كالجماد ، بعد الإشارة إلى أنّ المرادَ الميّتُ بموت الجهل، وهو الموت حقيقةً، قال اللَّه تعالى في سورة البقرة: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ»(2)، وفي سورة آل عمران: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(3)، وعليه قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ليس من مات فاستراح بميّت، إنّما الميّت ميّت الأحياء».(4)(كمن مَثَلُه) أي شأنه وحاله أنّه في الظلمات.

الحديث الرابع عشر91.حمّاد :روى في الكافي عَنْ الاثنين (5)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَقَالَ عليه السلام: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَ لَا أُخْبِرُكَ، بِقَوْلِ اللَّهِ : «مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَ هُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئذٍ ءَامِنُونَ * وَ مَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(6)؟ قَالَ: بَلى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ: الْحَسَنَةُ: مَعْرِفَةُ الْوَلَايَةِ وَحُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَالسَّيِّئَةُ: إِنْكَارُ الْوَلَايَةِ وَ بُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَةَ»(7). .


1- .الفرقان (25): 49.
2- .البقرة (2): 154.
3- .آل عمران (3): 169 - 170.
4- .الأمالي للطوسى ، ص 310 ، المجلس 11 ، ح 625 ؛ وعنه البحار ، ج 79 ، ص 175 ، ح 13 ، وفيهما عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله .
5- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
6- .النمل (27): 89 - 90.
7- .في الكافي المطبوع : «هذه الآية» .

ص: 94

هديّة:ضبط العلّامة طاب ثراه في إيضاحه : (محمّد بن اُورَمَة) بضمّ الهمزة وإسكان الواو وفتح الراء المهملة(1). وابن داود في رجاله بضمّ الراء(2). ومنهم من ضبط «محمّد بن اُرومة» بضمّ الراء وتقديمها على الواو . وهو قمّي يكنّى «أبا جعفر» ولبيان حاله تفصيل في كتب الرجال (3) .و(الجَدَلي) بالتحريك : في النسبة إلى جَدِيلة اُمّ قبيلة من حمير.و(الولاية) بالفتح والكسر : تولّى الأمر في ليلة القدر ومعرفة الإمام المعصوم المفترض الطاعة.(وحُبُّنا) عطف تفسير.و(أهل) بدل أو منصوب بالاختصاص على الأولى، كما هو دأب برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى .(ثمّ قرأ عليه الآية) له وجوه من الاحتمال. والآية في سورة النمل.

.


1- .إيضاح الاشتباه ، ص 271 ، الرقم 587 .
2- .رجال ابن داود ، ص 499 .
3- .راجع : رجال النجاشي ، ص 329 ، الرقم 891 ؛ رجال ابن داود ، ص 499 ، الرقم 417 ؛ الخلاصة ، ج 1 ، ص 252 ، الرقم 28 .

ص: 95

الباب الثامن: باب فرض طاعة الأئمّة

الباب الثامن : بَابُ فَرْضِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة عشر:

الحديث الأوّل 72.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عَنْ الأربعة(1)، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «ذِرْوَةُ الْأَمْرِ وَ سَنَامُهُ وَ مِفْتَاحُهُ وَ بَابُ الْأَشْيَاءِ وَ رِضَا الرَّحْمنِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا»».هديّة:(الذروة) بالضمّ ويكسر ، واحدة ذرى الشي ء : أعاليه.والمراد ب (الأمر) هنا الدِّين الحقّ.و«السنام» كسحاب : البعير ، ويستعار لأعلى الشي ء ؛ يجوز رفعه، فالعطف تفسيري، و جرّه، فالمعنى وذورة ذروته .في بعض النسخ : «وسنائه» بالهمز مكان الميم، وهو الرِّفعة. و«السَّنا» بالفتح والقصر : ضوء البرق ، ونبت يتداوى به.و(مفتاحه) عطف على الذروة .

.


1- .أي «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز».

ص: 96

(وباب الأشياء) أي الخير كلّه ، على المفتاح عطفاً تفسيريّاً.(ورضا الرحمن) أيضاً يجوز رفعه وجرّه، و«الرضا» بالقصر : مصدر، وبالمدّ : اسم.والمراد ب (الإمام) هنا الحجّه المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى ، نبيّاً أو وصيّاً، بدليل الاستدلال بالآية في سورة النساء(1)، أو المعنى الطاعة للإمام المنصوص منّا أهل البيت من الرسول صلى اللَّه عليه وآله، فالآية استشهاد للنصّ؛ لأنّ المعنى من يطع الرسول في كلّ ما جاء به من عند اللَّه وأهمّه الولاية .(بعد معرفته) أي بأنّه من اللَّه ، لأنّه لابدّ لمثل الدِّين القويم - في مثل النظام العظيم مع انحصار الأعلميّه به في مدبّره - من إمام معصوم مفترض الطاعة لقطعيّة ثقته.وفي التفسير : «وَمَن تَوَلَّى» أي عن إطاعة الإمام فاتركهم «فَمَآ أَرْسَلْنَكَ» لتكون موكّلاً عليهم لإيصالهم إلى طريق الحقّ جبراً ، فإنّا منهم منتقمون.

الحديث الثاني 70.الإمام الصادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ (2)، قَالَ ، أنّي (3) أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ الْحَسَنَ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ الْحُسَيْنَ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ».هديّة:(أنّي أشهد) أي باللَّه، يعني واللَّه. قال الأخفش: قولهم: «أشهدُ بكذا» أي أحلِفُ.(4)والسكوت عن إظهار فرض طاعته عليه السلام للاكتفاء بظهوره.

.


1- .النساء (4) : 80 .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصبّاح» .
3- .في الكافي المطبوع : - «أنّي» .
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 494 (شهد) .

ص: 97

الحديث الثالث 56.البيان و التبيين :روى في الكافي بإسناده عَنْ بَشِيرٍ الْعَطَّارِ(1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، وَ أَنْتُمْ تَأْتَمُّونَ بِمَنْ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِهِ».هديّة:يعني عن دلائل معرفته ظاهرة ، وبراهين فرض طاعته باهرة ، بحيث لا يخفى على مكلّف ، فلا يعذر بجهالته. وذلك إمّا بنصّ الكتاب ، فبآيات محكمات، كآية الولاية(2)وآية عدم نيل الظالمين من عهد الإمامة(3)، وآية التبليغ (4)، وآية التطهير(5)، وآية المباهلة،(6)وآية إطاعة اُولي الأمر،(7) وغيرها من المحكمات الكثيرة ؛ وإمّا بتواتر السنّة ، فبنصوص متواترة متوافرة في كتب المخالفين أيضاً ، وهي أكثر من أن تُحصى؛ وإمّا بحكم العقل ، فلقطعه بوجوب إمام معصوم عاقل عن اللَّه سبحانه ، قطعيّ الوثوق به لأمر الدِّين، المنهيّ عنه التفرّق فيه ، بعد قطعه بأنّ الأعلم بما هو الحقّ - في مثل هذا النظام بهذه الآراء المختلفة المتضادّة فيه - إنّما هو مدبّره العدل الحكيم اللطيف الخبير تعالى شأنه.

الحديث الرابع 58.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ(8)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» قَالَ: «الطَّاعَةُ الْمَفْرُوضَةُ». .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ قال : حدّثنا حمّاد بن عثمان ، عن بشير العطّار» .
2- .المائدة (5) : 55 .
3- .البقرة (2) : 124 .
4- .المائدة (5) : 67 .
5- .الأحزاب (33) : 33 .
6- .آل عمران (3) : 61 .
7- .النساء (4) : 59 .
8- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار» .

ص: 98

هديّة:قال اللَّه تعالى في سورة النساء: «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(1)، فسّر آل «إبراهيم» بذرّيته المعصومين إلى يوم القيامة، وجهة العظم الفضل على جميع الكائنات من جميع الجهات.

الحديث الخامس 53.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْقَمَّاطِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَطَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «أُشْرِكَ بَيْنَ الْأَوْصِيَاءِ وَ الرُّسُلِ فِي الطَّاعَةِ».هديّة:(اُشرك) على ما لم يسمّ فاعله من الإفعال، أو على الأمر منه .(في الطاعة): في افتراضها. والجهة الجامعة اُمور كثيرة ، منها: فضل العصمة والعقل عن اللَّه سبحانه.

الحديث السادس 52.عنه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ الْكِنَانِيِ (2)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، لَنَا الْأَنْفَالُ، وَ لَنَا صَفْوُ الْمَالِ، وَ نَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَ نَحْنُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ»(3)».هديّة:«النَّفَل» بالتحريك : الغنيمة ، والجمع: أنفال، والمراد هنا الغنائم، وما لم يوجف عليه

.


1- .النساء (4): 54.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصبّاح الكناني» .
3- .النساء (4) : 54 .

ص: 99

بخيل ولا ركاب من الأرضين ورؤس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وما يجري مجرى ذلك .و(صفو المال) : ما اختاره الرئيس من الغنيمة قبل القسمة.(ونحن الراسخون في العلم) كما نطق به القرآن في سورة آل عمران (1).(ونحن المحسودون) أي على ما آتانا اللَّه من الفضل والمُلك العظيم، كما نطق به الكتاب في سورة النساء.«وجف» كوعد : اضطرب ، وقلبٌ واجفٌ، والوجيف : ضرب من سير الإبل والخيل، وَجَفَ البعير وأوجفته أنا، قال اللَّه تعالى في سورة الحشر: «فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ»(2) أي ما أعملتم.

الحديث السابع 45.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده بطريقين (3) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(4)، قَالَ: ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَوْلَنَا فِي الْأَوْصِيَاءِ: إِنَّ طَاعَتَهُمْ مُفْتَرَضَةٌ(5): فَقَالَ: «نَعَمْ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» وَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا»».هديّة:(قولنا) إمّا بالرّفع على الابتداء بتقدير الاستفهام، وخبريّةِ «أنّ» بالفتح والتشديد - كما ضبطه برهان الفضلاء - بمعنى هل قولنا فيهم هذا؟ أو بالنصب مفعولاً للذّكر، ف «إنّ» بالكسر.

.


1- .آل عمران (3) : 7 .
2- .الحشر (59): 6.
3- .الظاهر أنّ تعبير المصنّف عن السند هنا «بطريقين» خطأ . راجع : تعليقتنا في ذيل الحديث السادس عشر من هذا الباب .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء» .
5- .في الكافي المطبوع : + «قال» .

ص: 100

والآية الاُولى في سورة النساء(1)، والثانية في المائدة(2).

الحديث الثامن 43.امام على عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العدّة، عَنْ أَحْمَدَ(3)، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ فَارِسِيٌّ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام، فَقَالَ: طَاعَتُكَ مُفْتَرَضَةٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: مِثْلُ طَاعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أمير المؤمنين عليه السلام (4)؟ فَقَالَ : «نَعَمْ».هديّة:يعني أبا الحسن الثاني الرضا عليه السلام، وفي بعض النسخ : «عليّ بن أبي طالب عليه السلام» مكان (أمير المؤمنين عليه السلام).

الحديث التاسع 42.الإمام عليّ عليه السلام :روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ(5)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام : هَلْ يَجْرُونَ فِي الْأَمْرِ وَ الطَّاعَةِ مَجْرىً وَاحِداً؟ قَالَ عليه السلام: «نَعَمْ».هديّة:(يجرون) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من الإفعال .(في الأمر) أي الإمارة في ليلة القدر.(والطاعة) أي الملك العظيم ؛ لما عرفت آنفاً من التفسير.

الحديث العاشر35.امام على عليه السلام :روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الطَّبَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ .


1- .السناء (4) : 59 .
2- .المائدة (5) : 55 .
3- .في الكافي المطبوع : «بهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد» بدل «عن العدّة، عن أحمد» .
4- .في الكافي المطبوع : - «أميرالمؤمنين» .
5- .في الكافي المطبوع : «بهذا الإسناد عن أحمد» بدل «عن أحمد» .

ص: 101

35.امام على عليه السلام :قَائِماً عَلى رَأْسِ الرِّضَا عليه السلام بِخُرَاسَانَ - وَ عِنْدَهُ عِدَّةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ فِيهِمْ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْعَبَّاسِيُّ - فَقَالَ: «يَا إِسْحَاقُ، بَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ النَّاسَ عَبِيدٌ لَنَا، لَا وَ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَا قُلْتُهُ قَطُّ، وَ لَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ آبَائِي قَالَهُ، وَ لَا بَلَغَنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ آبَائِي قَالَهُ، وَ لكِنِّي أَقُولُ: النَّاسُ عَبِيدٌ لَنَا فِي الطَّاعَةِ، مَوَالٍ لَنَا فِي الدِّينِ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».هديّة:«العَبِيد» على فَعِيل : جمع عبد، والمتبادر من مطلقه : الذي يجوز بيعه وعتقه ، ومقيّده بالطاعة : ممتاز.(1)و«الموالي» جمع المولى ، ويُطلق على العبد، والمالك، والصاحب، والقريب - كابن العمّ ونحوه - والعمّ، والابن، وابن الاُخت، والنزيل، والشريك، والمنعِم، والمُنعَم عليه، والناصر، والحليف، والأولى بالتصرّف في الأمر، والوليّ، والمُعتَق، والمُعتِق، والجار، وابن العمّ، والوليّ المحبّ، والصديق، والنصير؛ كلّه في القاموس.(2)

الحديث الحادي عشر31.الإمام زين العابدين عليه السلام _ مِن دُعائِهِ في روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (3)، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «نَحْنُ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، لَا يَسَعُ النَّاسَ إِلَّا مَعْرِفَتُنَا، وَ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِنَا؛ مَنْ عَرَفَنَا كَانَ مُؤْمِناً، وَ مَنْ أَنْكَرَنَا كَانَ كَافِراً، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنَا وَ لَمْ يُنْكِرْنَا كَانَ ضَالّاً حَتّى يَرْجِعَ إِلَى الْهُدَى الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِنَا الْوَاجِبَةِ، فَإِنْ يَمُتْ عَلى ضَلَالَتِهِ يَفْعَلِ اللَّهُ بِهِ مَا يَشَاءُ».هديّة:(فرض اللَّه طاعتَنا) أي بمحكمات الكتاب والسنّة، وقد سبق آنفاً وجه عدم معذوريّة

.


1- .أي المتبادر من العبد المقيّد بالطاعة ، مثل أن يقال : عبد مطيع ، هو عبد ممتاز .
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 401 (ولي) .
3- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم» .

ص: 102

المكلّفين مفصّلاً.والخبر كما أنّه نصٌّ في كُفْر علماء المخالفين بكفر الشرك بالولاية المستلزم لكفر الشرك باللَّه ، نصٌّ في كُفْر عوامهم الذين ليس لهم علم بمحكمات الكتاب والسنّة بكفر الضلالة، فعلماؤهم من المغضوب عليهم، وعوامهم من الضالّين، يفعل اللَّه به ما يشاء، يعني من العذاب المناسب بمرتبته في ضلالته.

الحديث الثاني عشر22.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَفْضَلِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ، قَالَ: «أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - طَاعَةُ اللَّهِ وَ طَاعَةُ رَسُولِهِ وَ طَاعَةُ أُولِي الْأَمْرِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: حُبُّنَا إِيمَانٌ، وَ بُغْضُنَا كُفْرٌ».هديّة:البارز في (سألتُه) للصادق عليه السلام.و(قال) تتمّة مقول قوله عليه السلام ، بياناً له؛ يعني هذه الثلاثة بعد زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله إلى قيام الساعة كالأوّلين في زمنه صلى اللَّه عليه وآله. والمراد بالأمر إمارة ليلة القدر.

الحديث الثالث عشر10.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ(2)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: أَعْرِضُ عَلَيْكَ دِينِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ : «هَاتِ». قَالَ: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ الْحَسَنُ عليه السلام إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن الفضيل» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان ، عن عبداللَّه بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر» .

ص: 103

10.امام على عليه السلام :طَاعَتَهُ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ (1)، ثُمَّ قُلْتُ: أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ: «هذَا دِينُ اللَّهِ وَ دِينُ مَلَائِكَتِهِ».هديّة:(هاتِ) من أسماء الافعال يبنى على الكسر، أي أعطني، وللاثنين في المذكّر والمؤنّث: «هاتيا» ، وللجمع: «هاتوا»، وللمرأة: «هاتي»، وللنساء: «هاتين» كعاتين.(2) قال الخليل: أصل «هاتِ» من أتى يؤتي، فقُلبت الألف هاء.(3)(والإقرار) بالنصب ، أي مع الإقرار ، فالواو بمعنى «مع» ظاهر ؛ أو العطف معنى ، أي وأقرّ.وقال برهان الفضلاء:«أشهد» بالرفع والنصب، و«الإقرار» بالرفع، فإنّ في «أشهد» أن الناصبة مقدّرة ، بقرينة عطف «والإقرار» عليه، فمرفوع محلاً ، خبر عن المبتدأ المحذوف ، والتقدير : «ديني أن أشهد باللَّه» أي شهادتي باللَّه . قال : ويجوز في مثله الرفع والنصب، و في المعطوف عليه كالإقرار هنا الرّفع لا غير، ثمّ قال: والظاهر «قلت: ثمّ أنت».أقول: ظاهر «ثمّ قلت» ظاهر الدلالة على أنّ المراد «ثمّ أنت» ولذا اقتصر.

الحديث الرابع عشر1.ابو خالد كابلى :روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السّرّاد(4)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: «اعْلَمُوا أَنَّ صُحْبَةَ الْعَالِمِ وَ اتِّبَاعَهُ دِينٌ يُدَانُ اللَّهُ بِهِ، وَ طَاعَتَهُ مَكْسَبَةٌ لِلْحَسَنَاتِ، مَمْحَاةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَ ذَخِيرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَ رِفْعَةٌ فِيهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَ جَمِيلٌ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ». .


1- .في «د» : «إليه الأمر» بدل «الأمر إليه» .
2- .في «الف» : «كعاطين» .
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 271 ؛ تاج العروس ، ج 3 ، ص 162 (هيت) .
4- .السند في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب».

ص: 104

هديّة:المراد ب (العالِم) هنا خصوص الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى، ولذا أورده في هذا الباب، دون باب صحبة العلماء من كتاب العقل والجهل.(واتّباعه) عطف تفسيرٍ ، لبيان دخول من لم يدرك من الشيعة صحبة الإمام عليه السلام.(وطاعته) يحتمل الرفع والنصب ، للعطف والاستئناف البياني.(مكسبة) كمرتبة اسم مكان، وكذا (ممحاة) لإفادة الكثرة .(وذخيرة للمؤمنين) يعني كالذهب والفضّة للكافرين.و«الرِّفعة» بالكسر : الشرف.و(جميل) أي ذكرٌ جميل، أو جميل مذكور، أو أعمّ، فيشمل الحسنات الاُخرويّة أيضاً، وقيل: يعني مَلَكٌ اسمه جميل يُحشر معه.

الحديث الخامس عشر1170.عنه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ، بَلِ الْخَلْقُ يُعْرَفُونَ بِاللَّهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ». قُلْتُ: إِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبّاً فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ لِذلِكَ الرَّبِّ رِضًا وَ سَخَطاً، وَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ رِضَاهُ وَ سَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ الْوَحْيُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الرُّسُلَ، فَإِذَا لَقِيَهُمْ عَرَفَ أَنَّهُمُ الْحُجَّةُ(1)، وَ أَنَّ لَهُمُ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ.

فَقُلْتُ لِلنَّاسِ: أَ لَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ هُوَ الْحُجَّةَ مِنَ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ؟ قَالُوا: بَلى، قُلْتُ : فَحِينَ مَضى صلى اللَّه عليه وآله مَنْ كَانَ الْحُجَّةَ؟ قَالُوا: الْقُرْآنُ، فَنَظَرْتُ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا هُوَ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ وَ الْقَدَرِيُّ وَ الزِّنْدِيقُ - الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ حَتّى يَغْلِبَ الرِّجَالَ بِخُصُومَتِهِ - فَعَرَفْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا بِقَيِّمٍ، فَمَا قَالَ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ كَانَ حَقّاً . .


1- .في «الف» : + «من اللَّه على خلقه» .

ص: 105

1170.عنه صلى الله عليه و آله :فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ قَيِّمُ الْقُرْآنِ؟ فَقَالُوا: ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ، وَ عُمَرُ يَعْلَمُ، وَ حُذَيْفَةُ يَعْلَمُ، قُلْتُ: كُلَّهُ؟ قَالُوا: لَا، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَّا عَلِيّاً عليه السلام صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَ إِذَا كَانَ الشَّيْ ءُ بَيْنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: أَنَا أَدْرِي، فَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ قَيِّمَ الْقُرْآنِ، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، وَ كَانَ الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنَّ مَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حَقٌّ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ».

فَقُلْتُ: إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام، لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ أَنَّ الْحُجَّةَ بَعْدَ عَلِيٍّ عليه السلام الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام، وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا تَرَكَ أَبُوهُ وَ جَدُّهُ، وَ أَنَّ الْحُجَّةَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَيْنُ عليهما السلام، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ». فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، وَ قُلْتُ : وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ». فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، وَقُلْتُ: وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ».

قُلْتُ : أَعْطِنِي رَأْسَكَ حَتّى أُقَبِّلَهُ ، فَضَحِكَ.

قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَبَاكَ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا تَرَكَ أَبُوهُ، وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّكَ أَنْتَ الْحُجَّةُ، وَ أَنَّ طَاعَتَكَ مُفْتَرَضَةٌ، فَقَالَ: «كُفَّ رَحِمَكَ اللَّهُ».

قُلْتُ : أَعْطِنِي رَأْسَكَ أُقَبِّلْهُ، فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، فَضَحِكَ، وَ قَالَ: «سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ، فَلَا أُنْكِرُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَداً».هديّة:قد مرَّ هذا الحديث ببيانه في الباب الأوّل ، وذيله المتروك ثَمّة هو من قوله: (فقلت: إنّ عليّاً عليه السلام لم يذهب) إلى آخر الحديث.(كُفَّ) على صيغة الأمر، يعني عن عَرضِك معرفتَك ، فإنّه كمالها لا حقيقة لها سواه؛ أو عن الكلام اليوم لمكان (بعد اليوم).وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى : «كَفُّ» بالفتح والتشديد منوّناً بالرفع، خبراً عن

.

ص: 106

المبتدأ المحذوف، أي هذا كفّ. قال: و«الكفّ» : جمعك ما تحتاج إليه ومِلْأُك الإناء إلى رأسه، والنّعمة. والكلّ مناسب.و(اُقبّله) مجزوم في جواب الأمر، ويجوز نصبه بتقدير الناصب.(فلا اُنكرُك) أي لا أحسبك مُنكَراً أجنبيّاً ؛ لأنّك من خلّص الشيعة . وقيد (الأبد) دلالة على دخول الإيمان داخلَ قلبه ، فطوبى له ، ثمّ طوبى له.

الحديث السادس عشر1167.الإمام العسكريّ عليه السلام :روى في الكافي بإسناده بطريقين (1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(2)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: الْأَوْصِيَاءُ طَاعَتُهُمْ مُفْتَرَضَةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ»(3) وَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالىَ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ»(4)».هديّة:طريقا إسناد هذا الحديث غيرُ طريقي نظيره، وهو الحديث السابع في هذا الباب.«الَّذِينَ يُقِيمُونَ» عطف بيان ، أو بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي هم الّذين.«وَهُمْ رَ كِعُونَ» حالٌ من فاعل «وَيُؤْتُونَ».وقد ورد في بعض الروايات صدور إعطاء الخاتم في الركوع عن جميع

.


1- .الظاهر هنا و كذا عند نقل الحديث السابع من هذا الباب وقوع خطأ في كلام الشارح في تعبيره «بطريقين» ، لأنّ للروايتين في الكافي المطبوع طريق واحد فقط ، اللّهم إلّا أن يراد من «الطريقين» مجموع طريق الحديث السابع و هذا الحديث المنتهيين إلى الحسين بن أبي العلاء ، و لكن هذا لايلائم مع قوله في الشرح بافتراق الطريقين في هذا الحديث مع الطريقين في الحديث السابع ، فتأمّل .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن الحسين بن أبي العلاء» .
3- .النساء (49: 59.
4- .المائدة (5): 55.

ص: 107

الأئمّة عليهم السلام (1)، فعلى هذا لا حاجة إلى ما قيل من أنّه إذا فعل واحد منهم عليهم السلام فعلاً ، جاز أن يُنسب إليهم جملةً ؛ لأنّه فعل المعصوم، وهم من نور واحد.ومن بطون الآية ما ذكر برهان الفضلاء من أنّ الركوع في الآية بمعنى الفقر أيضاً، أو الضعف أيضاً، قال الشاعر:لا تهين الفقير علّك أنتركعَ يوماً والدهر قد رفعه (2)أي وهم مستضعفون بأخذ أعداءِ اللَّه حقَّهم غصباً، قال اللَّه تعالى في سورة القصص: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ»(3). ولتخصيص الأوصاف بالأئمّة عليهم السلام لم يقصد بالإيمان - سواء كان بمعنى التصديق ، أو بمعنى إعطاء الأمان والأمنيّة - إلّا الفرد الأكمل الذي لا أكمل منه، وكذا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، مع الإشارة بأنّها باطلة من أعدائهم ؛ لعدم تحقّق الشروط والأركان وغيرهما من موجبات التقرّب والقبول.

الحديث السابع عشر1161.محمّدبن منصور مرادى:روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى (4) ، قَالَ ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «السَّمْعُ وَ الطَّاعَةُ أَبْوَابُ الْخَيْرِ ، السَّامِعُ الْمُطِيعُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ، وَ السَّامِعُ الْعَاصِي لَا حُجَّةَ لَهُ، وَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ تَمَّتْ حُجَّتُهُ وَ احْتِجَاجُهُ يَوْمَ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالىَ» ثُمَّ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِإِمَمِهِمْ»». .


1- .الكافي ، ج 1 ، ص 288 ، باب ما نصّ اللَّه عزّوجلّ و رسوله على الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً ، ح 3 ؛ و عنه في الوسائل ، ج 9 ، ص 477 ، ح 12534 ، و فيهما هكذا : «فأنزل اللَّه عزّوجلّ فيه هذه الآية و صيّر نعمة اُولاده بنعمته ، فكلّ من بلغ من اُولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه الصفة مثله ، فيتصدّقون و هم راكعون» .
2- .هو من قصيدة للأضبط بن قريع السعدي . راجع : أمالي القالي ، ج 1 ، ص 108 ؛ و شرح شافية ابن الحاجب ، ج 2 ، ص 232 .
3- .القصص (28): 5.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن حمّاد ، عن عبدالأعلى» .

ص: 108

هديّة:أي السامع قول المعصوم ، والمطيع له بعد السماع، والأولى أن يكون من عطف العامّ والخاصّ اهتماماً بالخاصّ، أي (السمع) بالقبول و(الطاعة) في السمع والفعل والتقرير ، وكلّ من الكلّ باب من الخير ، فهما أبواب الخير.ولم يتعرّض لغير السامع ؛ لأنّه ممّن فيهم المشيئة للَّه تعالى، وقد سبق ذكرهم.(تَمَّت حجَّتُه) أي على الأئمّة سمعاً وعقلاً، وقد مرَّ بيانه.(واحتجاجُه) مبتدأ و(يوم يَلقَى اللَّه تعالى) خبره.ومن دلائل وجوب وجود المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى في كلّ قرن من أوّل الدنيا إلى آخرها، هذه الآية في سورة بني إسرائيل (1) ، كالآيات في الباب التالي.

.


1- .الإسراء (17) : 71 .

ص: 109

الباب التاسع: باب في أنّ الأئمّة شهداء اللَّه عزّ و جلّ على خلقه

الباب التاسع : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام شُهَدَاءُ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلى خَلْقِهِ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1153.منهال بن عمرو:روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِ (1)، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِ ّ أُمَّةِ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَآءِ شَهِيدًا» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً، فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ مِنَّا شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ، وَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله شَاهِدٌ عَلَيْنَا».هديّة:«بِشَهِيدٍ» في آية سورة النساء(2) أي عليهم ، بدليل «عَلَى هَؤُلَآءِ» والشهيد على جماعة حجّةٌ عليهم على فرض عدم الامتثال، ولهم على السمع والطاعة.(3)ولا مانع من قصد الاستعلاء أيضاً في المقام ؛ إذ المراد شهادة قطعيِّ الوثوقِ بشهادته، وهو المعصوم لا غير .وقيل: الشهيد - كالرقيب والمهيمن - على المشهود له ، فقد يستعمل بكلمة الاستعلاء، ومنه قوله تعالى: «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيدٌ»(4). والمستفاد من تفسيره عليهم السلام أنّ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد القندي» .
2- .النساء (4) : 41 .
3- .أي و حجةٌ لهم على فرض السمع والطاعة.
4- .المجادلة (58): 6.

ص: 110

المشارَ إليهم ل (هؤلاء) الشهداءُ المتضمّنُ لهم قوله تعالى: «بِشَهِيدٍ».وروى محمّد بن شهرآشوب المازندراني رحمة اللَّه عليه في مناقبه بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: «إنّما أنزل اللَّه: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(1)، قال: ولا يكون شهداء على الناس إلّا الأئمّة والرُّسل، فأمّا الاُمّة فإنّه غير جائز أن يستشهدها اللَّه (2)وفيهم من لا يجوز شهادته في الدنيا على حُزْمة بَقْلٍ».(3)والآية في سورة البقرة.الجوهري : «الحُزْمة» بضمّ المهملة وسكون الزاي : من الحطَب وغيره.

الحديث الثاني 1151.الإمام الحسين عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِ (4)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَكَذ لِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ» فقَالَ: «نَحْنُ الْأُمَّةُ الْوُسْطى، وَ نَحْنُ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ، وَ حُجَجُهُ فِي أَرْضِهِ».

قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالىَ : «مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ هِيمَ»؟ قَالَ: «إِيَّانَا عَنى خَاصَّةً ، «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ» فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ «وَ فِى هَذَا» الْقُرْآنِ «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ»؛ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ، وَ نَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَمَنْ صَدَّقَ، صَدَّقْنَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَ مَنْ كَذَّبَ، كَذَّبْنَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».هديّة:«وَسَطًا» أي عدلاً، أو واسطة بين الرسول وسائر اُمّته صلى اللَّه عليه وآله ؛ إذ ليس المراد إلّا الأئمّة عليهم السلام بنصّ «لِّتَكُونُوا» ونصوص من الأخبار، وقد روى العيّاشي في تفسيره

.


1- .البقرة (2): 143.
2- .في المصدر : + «على الناس» .
3- .المناقب ، ج 4 ، ص 179 ؛ و عنه في البحار ، ج 23 ، ص 351 ، ح 63 .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ، عن عمر بن اُذينة، عن بريد العجلي» .

ص: 111

في تفسير هذه الآية من سورة البقرة(1) بإسناده عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال: «ظننتُ أنّ اللَّه تعالى عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحِّدين، أفترى من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاعٍ من تمرٍ ، يطلب اللَّه شهادتَه يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الاُمم الماضية؟ كلّا لم يعنِ اللَّه مثلَ هذا من خلقه ، يعني الاُمّة التي وجبت لها دعوة إبراهيم: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»(2).(3)والآية الثانية هكذا في سورة الحجّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»(4)، قيل: والتسمية هنا بمعنى رفع اللَّه تعالى ، وتَعْلِيَته إيّاهم عليهم السلام على الناس ، أنسب؛ لمكان الألف واللام، والمناسب لها بمعنى ذكر الاسم «مسلمين» بدون الألف واللام؛ يعني هو تعالى ذكر في كتبه إنّا أئمّة المسلمين، كما أنّ في هذا القرآن قوله: «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ» دليلٌ على ذلك.(فمن صدّق) يعني تصديق إمامتنا في الدنيا يوجب تصديقُنا إيمان المصدِّق في الآخرة.وقرأ برهان الفضلاء: «فمن صَدَق» كنصر «ومن كَذَب» كضرب؛ يعني من صدق في الدنيا أنّه مؤمن بولايتنا في الدنيا ، فله تصديقُنا إيمانَه في الآخرة.وعلى هذا لا حاجة إلى حمل التصديق على الحقيقي المتحقّق بمطابقة القلب واللسان ، فأولى من الأوّل.

.


1- .البقرة (2) : 143 .
2- .آل عمران (3): 110.
3- .تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 63 ، ح 114 ؛ و عنه في البحار ، ج 23 ، ص 350 ، ح 58 .
4- .الحجّ (22): 76 - 78.

ص: 112

الحديث الثالث 1147.الإمام عليّ عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» فَقَالَ: «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الشَّاهِدُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ».هديّة:(الحلّال) بالمهملة : بيّاع الشّيرج ، وهو دُهن السِّمسِم.(2)والمراد ب «أبي الحسن» هو الرِّضا عليه السلام، والآية في سورة هود.(3)«عَلَى بَيِّنَةٍ» أي حجّةٍ قاطعة بالدلالات والمعجزات . وأكبر معجزاته أميرُ المؤمنين عليه السلام وهو القرآن الناطق ، والقرآن وهو أكبر الثقلين إعزازاً، كما أنّه عليه السلام أعظمهما إعجازاً ، وأعلى المعجزاتِ الشاهداتِ على صدق دعواه صلى اللَّه عليه وآله، قال اللَّه تعالى في سورة الرّعد: «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»(4).«مِّنْهُ» أي ممّن كان على بيّنةٍ من ربّه.

الحديث الرابع 1143.عَبدُ اللّه ِ بنُ نُجَيٍّ عَن أبيهِ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(5)، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَكَذلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(6)؟

قَالَ: «نَحْنُ الْأُمَّةُ الْوُسَطى (7)، وَ نَحْنُ شُهَدَاءُ اللَّهِ تَعَالىَ عَلى خَلْقِهِ، وَ حُجَجُهُ فِي أَرْضِهِ». .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن أحمد بن عمر الحلّال .
2- .يقال له بالفارسيّة : كنجد . راجع : لغة دهخدا ، مادّة (سمسم).
3- .هود (11) : 17 .
4- .الرعد (13): 43.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير» .
6- .البقرة (2): 143.
7- .في «الف» والكافي المطبوع : «الوسط» .

ص: 113

1143.عَبدُ اللّه ِ بنُ نُجَيٍّ عَن أبيهِ :قُلْتُ: قَوْلُهُ: «يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَ جَهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ» .

قَالَ: «إِيَّانَا عَنى، وَ نَحْنُ الْمُجْتَبَوْنَ، وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فِي الدِّينِ مِنْ ضَيْقٍ (1)، فَالْحَرَجُ أَشَدُّ مِنَ الضِّيقِ «مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ هِيمَ» : إِيَّانَا عَنى خَاصَّةً(2)«هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمينَ» : اللَّهُ تَعَالىَ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ «مِنْ قَبْلُ» فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ «وَ فِى هَذَا»الْقُرْآنِ «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ»(3) فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ اللَّهِ تَعَالى، وَ نَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَمَنْ صَدَّقَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَّقْنَاهُ، وَ مَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاهُ».هديّة:بيانه كسابق سابقه. وقيل: «الفاء» في (فالحرج) للتفريع ، وضع الدليل موضع المدلول، والتقدير: فلم يجعل اللَّه في الدِّين من حرج؛ لأنّ الحرج أشدّ من الضيق.أقول: لعلّ المراد بيان وجه التعبير عن الضيق بالحرج وأنّه أشدّه، والمنفيّ هو أدناه ، بأنّ أدناه في الدِّين من اللَّه أشدّه .ونصب «مِّلَّةَ» بتقدير «أعني» .(يومَ القيامة صدّقناه) تقديم الظرف للاهتمام الحقيقي المفيد للحصر الادّعائي ، بأنّه كأنّه هو التصديق حقيقةً.

الحديث الخامس 1135.جابر:روى في الكافي بإسناده عَنْ الْيَمَانِيِ (4)، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالىَ طَهَّرَنَا وَ عَصَمَنَا، وَ جَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلى خَلْقِهِ وَ حُجَّتَهُ فِي أَرْضِهِ، وَ جَعَلَنَا .


1- .في الكافي المطبوع : «حرج» .
2- .في الكافي المطبوع : + «و» .
3- .الحجّ (22): 77 - 78.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني» .

ص: 114

1135.جابر:مَعَ الْقُرْآنِ، وَ جَعَلَ الْقُرْآنَ مَعَنَا، لَا نُفَارِقُهُ وَ لَا يُفَارِقُنَا».هديّة:(طَهَّرَنا) ناظر إلى آية التطهير.(وعَصَمَنا) كضرب [ناظر] إلى شواهد العصمة من الآيات ، ك (شهداء) إلى شواهدها منها .(1)(وحجّته) [ناظر] إلى مثل قوله تعالى في سورة البقرة: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(2).و(مع القرآن) [ناظر] إلى دلائلها من الكتاب والسنّة، منها قوله تعالى في سورة يس: «وَكُلَّ شَىْ ءٍ أحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ»(3).وحديث: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب اللَّه وعترتي ، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض».(4) والمنفيّ المؤبّد مفارقة علم الكتاب الخاصّ بهم عليهم السلام.

.


1- .أي «شهداء» ناظر إلى شواهد العصمة من الآيات .
2- .البقرة (2): 30.
3- .يس (36): 12.
4- .لقد جمع العالم المحقّق المتتّبع السيّد مير حامد حسين أسناد هذا الحديث و طرقه في كتاب القيّم «عبقات الأنوار» .

ص: 115

الباب العاشر: باب أنّ الأئمّة هم الهداة

الباب العاشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام هُمُ الْهُدَاةُوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 1135.جابِرٌ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ(1)، عَنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقَالَ : «كُلُّ إِمَامٍ هُوَ(2) هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِمْ».هديّة:قوله في العنوان: (هُم الهُداة) أي الذين ذكرهم اللَّه تعالى في سورة الرعد بقوله: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(3).في بعض النسخ : «للقرآن» مكان (للقرن). و«القرن»: طائفة من الزّمان ويُطلق على أهلها، والمعنى على نسخة «القرآن» أنّ علمه ليس إلّا عندهم عليهم السلام، وأنّ الهادي إليه ، كما أنزل ، إنّما هم عليهم السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد و فضالة بن أيّوب ، عن موسى بن بكر» .
2- .في الكافي المطبوع : - «هو» .
3- .الرعد (13): 7.

ص: 116

الحديث الثاني 1130.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُنْذِرُ ، وَ لِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ عليه السلام، ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ».هديّة:أي (ولكلّ) أهل (زمانٍ مِنّا هادٍ). وتقديم الظرف لإفادة الحصر .(يهديهم) يفيد أنّ المعنى: يهديهم من بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إلى ما جاء به وهدى إليه.وقد يُراد بكلمة التراخي مجرّد العطف على الاستئناف البياني كما هنا بقرينة (من بعده) يعني فالهداة من بعده أوصياؤه عليهم السلام : عليّ عليه السلام ثمّ الحسن عليه السلام ثمّ الحسين عليه السلام إلى قائمهم عليهم السلام. ووجه إفراد أوّلهم بالذِّكر أوّلاً ظاهر ، أو التقدير : (ثمّ) أعلَمْ (الهُداة) كما قال برهان الفضلاء. وقيل: «من بعده» أي أمّا الهادي من بعده.

الحديث الثالث 1222.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدَانَ (2)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ»؟ فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُنْذِرُ، وَ عَلِيٌّ الْهَادِي عليه السلام، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، هَلْ مِنْ هَادٍ الْيَوْمَ؟» قُلْتُ: بَلى جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا زَالَ مِنْكُمْ هَادٍ مِنْ بَعْدِ هَادٍ حَتّى دُفِعَتْ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَوْ كَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلى رَجُلٍ، ثُمَّ مَاتَ ذلِكَ الرَّجُلُ مَاتَتِ الْآيَةُ، مَاتَ الْكِتَابُ، وَ لكِنَّهُ حَيٌّ يَجْرِي فِيمَنْ بَقِيَ كَمَا جَرى فِيمَنْ مَضى». .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجلي» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن سعدان» .

ص: 117

هديّة:يحيى بن القاسم أبو محمّد، يُعرف بأبي بصير الأسدي ، مولاهم كوفي تابعي، مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبداللَّه عليه السلام؛ قال الشيخ في رجاله (1) . وقيل: كان يكنّى «أبا محمّد» في الحضور، و«أبا بصير» في الغيبة.ووقوع (بلى) في جواب الاستفهام المحض مقام «نعم» نادرٌ في كلامهم، ولذا قالت النُّحاة: وقوعها كذا كثير في كلام الرُّواة خلاف القياس (2). وأنت خبير بأنّ الأصل عبارة الكتاب والسنّة المسموعة من المعصوم أو المضبوطة من المتكلّم معه من غير إنكارٍ منه.(ماتت الآية) بمعنى زالت أو ذهبت، جزاءٌ ل (نزلت)، وكذا (مات الكتاب) للشرط الأوّل؛ يعني لو لم يكن في كلّ زمان عالم عاقل عن اللَّه تعالى ، هادٍ إلى آيات القرآن كما اُنزلت ، للزم ذلك ، ولكنّه حجّة إلى يوم القيامة ، فقيّمه أيضاً كذلك.وقيل: يعني «بعض الآيات» وإن كان نزوله في معيّن من السعداء أو الأشقياء يجري في جميع نظرائه من الفريقين .وهو كما ترى ؛ لمكان (على رجل) مكان «في رجل» وانتفاء المناسبة سياقاً والفائدة مقاماً.

الحديث الرابع 1230.امام رضا عليه السلام روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ(3)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُنْذِرُ، وَ عَلِيٌّ عليه السلام الْهَادِي، أَمَا وَ اللَّهِ، مَا ذَهَبَتْ مِنَّا، وَ مَا زَالَتْ فِينَا إِلَى السَّاعَةِ».هديّة:يعني الإمامة من عند اللَّه تعالى، أو الهداية إلى آيات القرآن كما اُنزلت إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .رجال الشيخ الطوسي ، ص 321 ، الرقم 4792 .
2- .راجع : مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 113 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور ، عن عبدالرحيم القصير» .

ص: 118

الباب الحادي عشر: باب أنّ الأئمّة ولاة أمر اللَّه و خزنة علمه

الباب الحادي عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام وُلَاةُ أَمْرِ اللَّهِ وَ خَزَنَةُ عِلْمِهِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل 1138.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده (1) ، عَنْ عَليٍّ، عَنْ عَمِّه قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اللَّهِ، وَ خَزَنَةُ عِلْمِ اللَّهِ، وَ عَيْبَةُ وَحْيِ اللَّهِ».هديّة:«العَيْبَة» بالفتح: ما يجعل فيه الثياب، ومأمن كلّ نفيس، وحرز كلّ عزيز، وموضع السرّ. والسرّ في عرفهم عليهم السلام كلُّ ما يعقِلُ المعصوم عن اللَّه تعالى. وقالت القدريّة لعنهم اللَّه: ما هو باطل شرعاً وحقّ حقيقةً هو سرّ اللَّه ، كدعوى فرعون والبسطامي والحلّاج ونظائرهم من المشايخ الواصلين . هل يكون ما لا أسخف منه من القول عقلاً ، وهو كفر شرعاً ، من الواصل إلى الحقّ؟ لا واللَّه، لا يكون إلّا ممّن يتخبّطه الشيطان من المسّ. نعم، هم الواصلون عند الخَبير لكن إلى جهنّم، وبئس المصير.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الحسن بن موسى ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبدالرحمن بن كثير» .

ص: 119

الحديث الثاني 1138.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ (1)، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «وَ اللَّهِ، إِنَّا لَخُزَّانُ اللَّهِ فِي سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ، لَا عَلى ذَهَبٍ، وَ لَا عَلى فِضَّةٍ ، إِلَّا عَلى عِلْمِهِ».هديّة:(في سمائه وأرضه) يعني قبل الخلق وبعد الخلق، أو في العلم بأحوال السماء والأرض وما بينهما ، أو كناية عن العلم بحقائق جميع الكائنات.وفي التعبير عن المعصوم العاقل عن اللَّه ب «الخازن» - وهو لا يكون إلّا أميناً معتمداً عليه فيما استودع من مال السلطان عنده - إشارةٌ نفيسة .(لا على ذهب) على سبيل المثال، فلا يمنع الشمول لجميع الأعيان الموجودة في السماوات والأرض. والاستثناء منقطع، والمراد علمه الخاصّ لا الخاصّ، أي الخاصّ بأفضل المرسلين صلى اللَّه عليه وآله، لا الخاصّ بذاته تبارك وتعالى.

الحديث الثالث 1240.الإمام الصادق عليه السلام ( _ بَعدَ ذَمِّ بَعضِ الغُلاةِ ) روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ رَفَعَهُ، عَنْ سَدِيرٍ(2)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: «نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ، وَ نَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ اللَّهِ، نَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلى مَنْ دُونَ السَّمَاءِ وَ مَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ».هديّة:لعلّ وجه التعجّب - بدلالة الجواب - اتّصافهم عليهم السلام ظاهراً بعلم الغيب (3)الخاصّ بذاته تعالى أو استجماعهم فضائل البشريّة وكمالات الملكيّة.«ترجم كلامه» : فسّره ، فهو «ترجَمان» بفتح الجيم كزعفَران. وقد تضمّ ، الجوهري:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عليّ بن أسباط ، عن أبيه أسباط ، عن سورة بن كليب» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن موسى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد و محمّد بن خالد البرقي ، عن النضر بن سويد رفعه، عن سدير» .
3- .في «د» : - «الغيب» .

ص: 120

ولك أن تضمّ التاء لضمّتها.(1)(نحن الحجّة البالغة) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: «فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(2)، وفسّر باختصاصها بحكمته تعالى، يعني وجوب وجود عالِم بجميع ما يحتاج إليه الناس ، عاقلاً عن اللَّه سبحانه في كلّ قرن من لدن آدم إلى قيام الساعة.(ومَن فوق الأرض) من عطف الخاصّ على العامّ الشامل للإنس والجنّ ، اهتماماً بشأن الخاصّ، وأنّهم هم الأصل في ذلك.

الحديث الرابع 1143.عبداللّه بن نُجىّ از قول پدرشروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (3)، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - : اسْتِكْمَالُ حُجَّتِي عَلَى الْأَشْقِيَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ تَرْكِ وَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِكَ؛ فَإِنَّ فِيهِمْ سُنَّتَكَ وَ سُنَّةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَ هُمْ خُزَّانِي عَلى عِلْمِي مِنْ بَعْدِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: لَقَدْ أَنْبَأَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ».هديّة:في بعض النسخ : «يا محمّد استكمال حجّتي».وفي بعضها : (ترك) بدون كلمة «من». وقرأ برهان الفضلاء : «مَن ترك» بفتح الميم ، فموصول ، بدل أو عطف بيان للأشقياء، أو خبر مبتدأ محذوف بتقديرهم : «من ترك». واحتمل كسر الميم ف «مِن» الجارّة للسببيّة .و«الولاية» بكسر الواو ويفتح . ووجه تماميّة الحجّة على تارك الولاية ثبوتُها بمحكمات الكتاب والسنّة على ما مرّ مفصّلاً.و«في» في (فيهم) للسببيّة .

.


1- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1928 (رجم) .
2- .الأنعام (6): 149.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 121

والإضافة في (سنّتك) من إضافة المصدر إلى الفاعل على التجوّز ، أو إلى المفعول بتقدير أداة الواسطة للتعدّي، يعني سنّة اللَّه فيك وفيمن قبلك من الأنبياء عليهم السلام.وفي بعض النسخ بزيادة : «قال» بعد (ثمّ قال).

الحديث الخامس 1249.امام سجاد عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ اِبْنِ أَبِي يَعْفُورٍ(1)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ، إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ، مُتَوَحِّدٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، مُتَفَرِّدٌ بِأَمْرِهِ، فَخَلَقَ خَلْقاً فَقَدَّرَهُمْ لِذلِكَ الْأَمْرِ، فَنَحْنُ هُمْ يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ، فَنَحْنُ حُجَجُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَ خُزَّانُهُ عَلى عِلْمِهِ، وَ الْقَائِمُونَ بِذلِكَ».هديّة:(المتوحِّد) على اسم الفاعل من التفعّل للمبالغة، وكذا (المتفرّد) .و(الوَحدانيّة) بفتح الواو نسبة إلى الوحدة ، بزيادة الألف والنون للمبالغة، والتاء لتكون علامةً لإرادة المعنى المصدري.(بأمره) أي بإمارته وحكومته في خلقه.(فقدّرهم) أي عيّنهم بتقدير حكمته ، محصورين عدداً كالنجوم والأبراج، فإشارةٌ إلى بطلان دعوى غيرهم ذلك بالرياضة أو غير ذلك من دون نصّ من معصومٍ على معصوم على ما هو الواجب في حكمة التقدير في مثل هذا النظام العظيم بذلك التدبير .(بذلك) أي بذلك الأمر بأمره تعالى.

الحديث السادس 1147.امام على عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ(2)؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنِ .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن محمّد بن خالد ، عن فضالة بن أيّوب، عن عبد اللَّه بن أبي يعفور» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم بن معاوية» .

ص: 122

1147.امام على عليه السلام:الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ جَمِيعاً، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَعَالىَ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا، وَ صَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَتَنا(1)، وَ جَعَلَنَا خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ، وَ لَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ، وَ بِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللَّهُ، وَ لَوْلَانَا مَا عُبِدَ اللَّهُ».هديّة:(موسى بن القاسم بن معاوية) بن وهب البجلي ، من أصحاب الرضا عليه السلام ، ثقة ثقة ، واضح الحديث، حسن الطريقة .ونسخ الكافي هنا مختلفة؛ ففي بعضها : «عن معاوية» مكان «ابن معاوية».والفاء في (فأحسن) بيانيّة.وفي بعض النسخ : «صُوَرنا» على صيغة الجمع.واللام في : (لنا) سببيّة، أو للانتفاع، أو للاختصاص؛ فعلى الأوّل (نَطَقَت) كضرب ، استعارةٌ من أثمرت، وفي الحديث كما سيجي ء : «وبنا أثمرت الأشجار»، أو بمعنى «تكلّمت» أي وبتوسّط نورنا تكلّمت الشجر مع كليم اللَّه، أو مع غيره أيضاً من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. وعلى الثاني يعني لحصول حجّتنا وغلبتنا بالمعجزات والدلالات .ووجوه المعنى على المعنيين ظاهرة في الاحتمالات الثلاث.و«الشجر» جمع ، والواحدة «شجرة».والباء في (بعبادتنا) سببيّة، أو بمعنى «على» النهجيّة، فوجْه ما عُبِد اللَّه على الأوّل بقاء الدنيا بوجود الحجّة المعصوم، أو عدم صحّة العبادة من غير مفترض الطاعة إلّا بطاعة مفترض الطاعة، أو الوجه الأوّل على الثاني (2)؛ وعلى الثاني أنّ العبادة حقيقةً عبادةُ المعصوم، أو أنّ صحيحها ما كانت على نهج عبادته.والخبر نصٌّ في بطلان غير الشيعة وإن كانت بمجاهداتٍ شاقّة نفسانيّة ورياضاتٍ صَعْبةٍ رَهْبانيّة ، كما هو دأب السالكين من القدريّة.

.


1- .في «الف» ، والكافي المطبوع : «صورنا» .
2- .أي عُبد اللَّه بسبب عبادة المعصوم ؛ لأنّ العبادة حقيقةً عبادةُ المعصوم .

ص: 123

الباب الثاني عشر: باب أنّ الأئمّة خلفاء اللَّه عزّ و جلّ في أرضه و...

الباب الثاني عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام خُلَفَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ (1) فِي أَرْضِهِ وَ أَبْوَابُهُ الَّتِي يُؤْتى مِنْهَا(2)وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1150.يعقوبى ( _ در بيان رحلت فاطمه عليهاالسلام ) روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ(3)، عَنِ الْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ: «الْأَئِمَّةُ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ».هديّة:(الجعفري) إمّا سليمان بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن جعفر الطيّار ، أبو محمّد الطالبي الجعفري ، فأبو الحسن هو الثاني ، يعني الرِّضا عليه السلام؛ وإمّا أبو هاشم الجعفري داود بن القاسم بن إسحاق بن عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب ، فأبو الحسن هو الثالث ، يعني الهادي عليه السلام .والمراد ب (خلفاء اللَّه) على نهج مصداق الخليفة في قوله تعالى في سورة البقرة: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(4) الحججُ المعصومون العاقلون عن اللَّه ، القائمون بأمر اللَّه في خلقه بأمر اللَّه.

.


1- .في «الف» : - «عزّوجلّ» .
2- .في الكافي المطبوع : «منها يؤتى» بدل «يؤتى منها» .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسبن بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي مسعود» .
4- .البقرة (2): 30.

ص: 124

الحديث الثاني 1261.عنه عليه السلام ( _ في خُطبَتِهِ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «الْأَوْصِيَاءُ هُمْ أَبْوَابُ اللَّهِ تعالى الَّتِي يُؤْتى مِنْهَا، وَلَوْلَاهُمْ مَا عُرِفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ بِهِمُ احْتَجَّ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - عَلى خَلْقِهِ».هديّة:لا يخالف أمر «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا»(2) إلّا السارق، ولذا قطعت أيدي المخالفين عن التمسّك بذيل ولاية أئمّتنا عليهم السلام .(ما عرف اللَّه عزّ وجلّ) لأنّهم هم العاقلون عن اللَّه تعالى، وممّا لا شكّ فيه أنّ المعرفة التي يرضى اللَّه بها - مع انحصار الأعلميّة بهذا النظام العظيم في مدبّره - لا تحصل لأحد إلّا بتعريفه تعالى إيّاها، ولذا وجب تكفير القدريّ ومثله من المدّعين حصولها بالرياضة لكلّ أحد من غير العقل عن المعصوم العاقل عن اللَّه بإذن اللَّه ، محصوراً عدده في حكمة اللَّه.

الحديث الثالث 1154.امام باقر عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ (3)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ» قال: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:تتمّة الآية وهي من سورة النور هكذا: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عنه ، عن معلّى ، عن محمّد بن جمهور ، عن سليمان بن سماعة ، عن عبداللَّه بن القاسم ، عن أبي بصير» .
2- .البقرة (2): 189.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبداللَّه بن سنان» .

ص: 125

مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»(1)، وكما فسّر «الفاسقون» بالكافرين ، اُوِّل التمكين لهم بزمان القائم عليه السلام ، كما في رواية الصدوق عن الصادق عليه السلام في كمال الدِّين وتمام النِّعمة (2).قال السيّد المرتضى علم الهدى في كتاب الشافي: إنّها - يعني تتمّة هذه الآية - مأوّلةٌ عند علماء أهل البيت عليهم السلام بزمان المهدي عليه السلام (3) .وهي من حجج أنّ الإمامة من اُصول الدِّين ، مَن لم يؤمن بها كافر قطعاً.

.


1- .النور (2): 55.
2- .كمال الدين ، ص 356 .
3- .الشافي في الإمامة ، ج 4 ، ص 47 .

ص: 126

الباب الثالث عشر: باب أنّ الأئمّة نور اللَّه عزّ و جلّ

الباب الثالث عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام نُورُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل 1266.اَنس:روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابِلِيِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : «فََامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا» فَقَالَ: «يَا أَبَا خَالِدٍ، النُّورُ وَ اللَّهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُمْ وَاللَّهِ نُورُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ، وَ هُمْ وَ اللَّهِ نُورُ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ (2)؛ وَاللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ، لَنُورُ الْإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وَهُمْ وَاللَّهِ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ يَحْجُبُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ، فَتُظْلِمُ (3) قُلُوبُهُمْ؛ وَ اللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ، لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَ يَتَوَلَّانَا حَتّى يُطَهِّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ، وَ لَا يُطَهِّرُ اللَّهُ قَلْبَ عَبْدٍ حَتّى يُسَلِّمَ لَنَا، وَ يَكُونَ سِلْماً لَنَا، فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ، وَ آمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَكْبَرِ».هديّة:«كابِل» ككامِل : مدينة، قاله في القاموس (4).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن مرداس ، قال حدّثنا صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن أبي خالد الكابلي» .
2- .في الكافي المطبوع : «في الأرض» .
3- .في «الف» : «فيظلم» .
4- .راجع: القاموس المحيط، ج 4، ص 44 (كبل).

ص: 127

(المضيئة) أي ذات الضوء تزول ظلمة الأرض. والآية في سورة التغابن (1).في بعض النسخ : «وفي الأرض» والأكثر أنسب بأن يكون ناظراً إلى آية النور في سورة النور(2)، وقد فسّر كما سيجي ء «مَثَلُ نُورِهِ»(3) في الآية بنور الأئمّة عليهم السلام.في بعض النسخ : «أنور من نور الشمس». ووجه الأنوريّة ظاهر من وجه أنوريّة الشمس من القمر، وأيضاً ب (الشمس المضيئة) أي ذات الضوء تزول ظلمة الليل ، وب (نورهم) عليهم السلام ظلمات الكفر وغياهب الضّلالة.«حَجَبَه» كنصر .(فيُظْلِمِ) على المعلوم من الإفعال للصيرورة، أي صار مظلماً ذا ظلمة؛ أو للتعدية والمفعول : (قلوبهم) كما في نظيره الآتي، ويحتمل غير المعلوم من المتعدّي.(ويتولّانا) عطف على المنفي .(حتّى يسلم) يحتمل الإفعال والتفعيل، والإسلام : الانقياد ، و«السِّلم» بالكسر : ضدّ الحرب، بمعنى العدوّ، ومنه قول الزوّار: إنّا سلمٌ لمَن سالمَكَ وحربٌ لمَن حاربك. و«السَّلَم» بالتحريك : الأسير أيضاً، والمعنى هنا على بُعد احتماله، ويكون مقيّداً ب «نا» و«لنا».(سلّمه اللَّه) من التفعيل .(من شديد الحساب) أي من شدائد يومه أو من الدقّة فيه.(وآمنه) من الإفعال . ويطلق المؤمن كثيراً في الكتاب والسنّة على الإمام بهذا المعنى ، ومنه: والمؤمن العائذات الطير.4والأكبر نعت ل «الفَزَع» بالتحريك، وهو الخوف أو شديده، فالأكبر بمعنى الأشدّ.

.


1- .التعابن (64) : 8 .
2- .النور (24) : 35 .
3- .النور (24): 35.

ص: 128

الحديث الثاني 1159.محمّدبن اسماعيل:روى في الكافي وقال: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِْنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائثَ - إِلى قَوْلِهِ - وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» قَالَ: «النُّورُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ (1) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:(في هذا الموضع) أي من سورة الأعراف ، والواسطة قوله تعالى: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ»(2).وعدم الفرق من وجوه : التعبير عن الأنوار بالنور، ومنها : الإشارة إلى أصلهم وأوّلهم من دون الفصل، والتناظر بين القرآن الناطق والصامت.

الحديث الثالث 1275.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْجَارُودِ(3)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: لَقَدْ آتَى اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ خَيْراً كَثِيراً، قَالَ: «وَ مَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ - إِلى قَوْلِهِ - أُوْلَئكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا» قَالَ: فَقَالَ: «قَدْ آتَاكُمُ اللَّهُ كَمَا آتَاهُمْ» ثُمَّ تَلَا: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ ءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ» «يَعْنِي إِماماً تَأْتَمُّونَ بِهِ».هديّة:الواسطة في سورة القصص بين «يُؤْمِنُونَ» و«أُوْلَئكَ» قوله تعالى: «وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عليّ» .
2- .الأعراف (7): 157.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي الجارود» .

ص: 129

قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ»(1)، ثمّ تلا من سورة الحديد.(2)و«الكفل»: الضِّعف والحظّ والنصيب، وفسّر بكفل للإيمان بالرسالة ، وكفل للإيمان بالولاية، وسيجي ء تفسير آخر لهما في باب السابع والمائة.(يعني إماماً) تفسير الإمام عليه السلام.

الحديث الرابع 1164.الإمام الكاظم عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابِلِيِ (3)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «فََامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا»(4) .

فَقَالَ: «يَا أَبَا خَالِدٍ، النُّورُ وَاللَّهِ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام؛ يَا أَبَا خَالِدٍ، لَنُورُ الْإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وَ هُمُ الَّذِينَ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ يَحْجُبُ اللَّهُ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ، فَيُظْلِمُ (5) قُلُوبُهُمْ، وَ يَغْشَاهُمْ بِهَا».هديّة:قد سبق نظيره ببيانه آنفاً.(ويغشاهم) كيرضى : عطف تفسير، والباء في (بها) للتعدية، أي بالظلمة وهي مفهومة من الإظلام . غَشِيَتِ الظّلمةُ فلاناً كعلم؛ وغشّاها فلان فلاناً تغشية، كغشى بها فلان فلاناً.

الحديث الخامس 1284.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ الْهَمْدَانِيِ (6)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ .


1- .القصص (28): 53.
2- .الحديد (57) : 28 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبدالعظيم بن عبداللَّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط و الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن أبي خالد الكابلي» .
4- .التغابن (64): 8.
5- .في الكافي المطبوع : «فتظلم» .
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون ، عن عبداللَّه بن عبدالرحمن الأصمّ ، عن عبداللَّه بن القاسم ، عن صالح بن سهل الهمداني» .

ص: 130

1284.امام صادق عليه السلام:اللَّهِ تَعَالى : «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَ تِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَوةٍ»: «فَاطِمَةُ عليها السلام» «فِيهَا مِصْبَاحٌ»: «الْحَسَنُ عليه السلام» «الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ» : «الْحُسَيْنُ عليه السلام» «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ»: «فَاطِمَةُ عليها السلام كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا» «يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَرَكَةٍ» : «إِبْرَاهِيمُ عليه السلام» «زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ» : «لَا يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ» «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ» : «يَكَادُ الْعِلْمُ يَنْفَجِرُ بِهَا» «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ» : «إِمَامٌ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ» «يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ»: «يَهْدِي اللَّهُ لِلْأَئِمَّةِ عليهم السلام مَنْ يَشَاءُ «وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَلَ لِلنَّاسِ»».

قُلْتُ: «أَوْ كَظُلُمَتٍ»؟ قَالَ: «الْأَوَّلُ وَ صَاحِبُهُ ، «يَغْشَاهُ مَوْجٌ» : الثَّالِثُ «مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ [مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ]ظُلُمَتٌ» الثَّانِي «بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ» : مُعَاوِيَةُ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ فِتَنُ بَنِي أُمَيَّةَ «إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ» الْمُؤْمِنُ فِي ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ «لَمْ يَكَدْ يَرَلهَا وَ مَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا» : إِمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عليها السلام «فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ» : إِمَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وَ قَالَ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَنِهِم» : «أَئِمَّةُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَسْعى بَيْنَ أَيْدَيِ (1) الْمُؤْمِنِينَ وَ بِأَيْمَانِهِمْ حَتّى يُنْزِلُوهُمْ مَنَازِلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ».(2)هديّة:قد فسّر (النور) في أوّل آية النور من سورة النور(3) تارةً بالمنير، واُخرى بالهادي، أي هادي أهلهما، كما سبق في الرابع في الباب السادس عشر في كتاب التوحيد(4). وصريح ما في هذا الباب أنّ الأئمّة عليهم السلام أنوار، فالتقدير : «نور اللَّه نور السماوات والأرض» أو «اللَّه نوره نور السماوات والأرض»، فإنّ تقدير «السلطان نادى بين الناس» : «منادي السلطان

.


1- .في الكافي المطبوع : «يدي» .
2- .في الكافي المطبوع : + «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم البجلي و محمّد بن يحيى ، عن العمركي بن عليّ جميعاً ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام مثله» .
3- .النور (24) : 35 .
4- .الكافي ، ج 1 ، ص 115 ، باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح 4 .

ص: 131

نادى» أو «السلطان مناديه نادي» .«مَثَلُ نُورِهِ» مثل أمير المؤمنين عليه السلام «كَمِشْكَوةٍ» كما أنّ التشبيه دلالة على أنّهما عليهما السلام أصل لسائر المعصومين ، كذلك دلالةٌ على أنْ لا كفوَ لها سواه عليهما السلام.«الْمِصْبَاحُ» خبرٌ ، أي هو المصباح.و«فِى» في «زُجَاجَةٍ» بمعنى «مع»، (الزجاجة) خبرٌ ، أي هو الزجاجة، وفيها إيماء أيضاً إلى أرقّية قلبه عليه السلام في قلوب المظلومين أو إلى كسر قلبه عليه السلام في أصحابه بكربلاء.«دُرِّىٌّ»: ثاقب مضي ء ، نسبة إلى الدّرّ.«يُوقَدُ» على التذكير قراءةُ عاصم في رواية حفص عنه ، و«توقد» على التأنيث قراءته في رواية بكر عنه ، فنائب الفاعل على الأوّل «الكوكب» وعلى الثاني «المشكوة».وفي «المشكوة» دلالة على كثرة مصائبها ؛ لأنّها مِفعال من الشكاية أيضاً للمبالغة، كما صرّحِ برهان الفضلاء وغيره من الفضلاء، كما أنّها اسم الآلة من «الشَّكوة» بالفتح ، وهي ما يهيّأ من جلد الرضيع للّبن، ويكنّى به عن آلة الخير ، وبه سمّيت الكوّة الغير النافذة في جدار البيت المهيّئة للمصباح ب «المشكوة» والجامع خيريّة اللبن والضياء والعلم .«زَيْتُونَةٍ» بدل من الشّجرة بدل البعض من الكلّ، يعني أمير المؤمنين عليه السلام.«يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ»: يكاد المعصومون العاقلون عن اللَّه يظهرون بالعلم من نسلها من دون مساس وازدواج ، كعيسى من مريم عليهما السلام، لكن اللَّه أراد أن يكون نورٌ على نور: إمامٌ منها بعد إمام، فالبارز في «لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ» للكوكب الدرّي ولو لم تمسسه نارُ كوكبٍ آخر كالشمس بنار نوره وحرارة شوقه .«يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ» للأئمّة عليهم السلام واحد بعد واحد.«أَوْ كَظُلُمَتٍ» للتقسيم لا للترديد . وسابق الآية: «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ * [فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا

.

ص: 132

بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (1) * وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ»(2) الآية.وفي الحديث: «إيّاك ومصاحبة الكذّاب ، فإنّه بمنزلة السراب، يُقرِّب لك البعيد ، ويُبعّد لك القريب».(3)و«القيعة» بالكسر : المفازة. و(الظمآن) كعطشان لفظاً ومعنى ، بزيادة الظّمآن في المعنى. و«اللجّيّ» بالتشديدين : في النسبة إلى اللجّة، وهي معظم الماء.قال الزمخشري في كشّافه: «المشكوة» هي الكوّة في الجدار غير النافذة فيه، و«المصباح» سراج ضخم ثاقب، و«الدّرّي» منسوب إلى الدّرّ، أي أبيض متلألأ .(4)«لَمْ يَكَدْ يَرَلهَا» مبالغة في لم يرها؛ أي لم يقرب أن يراها ، فضلاً عن أن يراها، وما أسخف هنا تفسير المخالفين والقدريّة بتمحّلات بعيدة واهية ، بعد بنائهم التفسير على تشبيه اللَّه سبحانه نوره بنور مشكوة دُكْنَة(5) مسودّة من دخّان غليظ كثيف كما ترى.والآية الأخيرة من سورة الحديد(6).وسيجي ء إن شاء اللَّه تعالى مثل الخبر ببيانه عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام.

.


1- .]مابين المعقوفتين أضفناه من المصحف الشريف.
2- .النور (24): 35 - 40.
3- .الكافي ، ج 2 ، ص 376 ، باب مجالسة أهل المعاصي ، ح 7 ؛ و ص 641 ، باب من تكره مجالسته و مرافقته ، ح 7 ؛ و عنه البحار ، ج 71 ، ص 208 ، ح 44 .
4- .الكشّاف ، ج 3 ، ص 241 .
5- .الدُكْنة : لون يضرب إلى الغُبرة بين الحمرة والسواد . راجع : لسان العرب ، ج 13 ، ص 157 (دكن).
6- .الحديد (57) : 12 .

ص: 133

الحديث السادس 1168.في دُعاءِ النُّدبَةِ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «يُرِيدُونَ لِيُطْفُِوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَ هِهِمْ» قَالَ: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِأَفْوَاهِهِمْ».

قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالى : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»؟ قَالَ: «يَقُولُ: وَ اللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ، وَ الْإِمَامَةُ هِيَ النُّورُ، وَ ذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «فََامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا»»، قَالَ: «النُّورُ هُوَ الْإِمَامُ».هديّة:سابق الآية في سورة الصفّ هكذا: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا»(2) الآية.وفي رواية حفص عن عاصم وقراءة الكسائي وابن كثير وحمزة «مُتِمُّ نُورِهِ» على الإضافة وقراءة الباقين : «مُتِمٌّ» بالتنوين ونصب «نوره». ومثل ذلك في تفسيره : (واللَّه متمّ الإمامة) أي في كلّ قرن إلى يوم القيامة.وفي قوله عليه السلام: (النور هو الإمام) في تفسير الآية من سورة التغابن (3) إشارةٌ إلى أنّ تفسير المخالفين «النور» هنا بالقرآن لا يضرّ؛ لأنّ نور القرآن لا يظهر إلّا بنور الإمام عليه السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيداللَّه ، عن محمّد بن الحسين و موسى بن عمر ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل .
2- .الصفّ (61): 7 و 8 .
3- .التغابن (64) : 8 .

ص: 134

الباب الرابع عشر: باب أنّ الأئمّة هم أركان الأرض

الباب الرابع عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام هُمْ أَرْكَانُ الْأَرْضِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1296.اِبنُ الكَوّاءِ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (1)، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «مَا جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام أُخِذَ(2) بِهِ، وَ مَا نَهى عَنْهُ أُنْتَهِىَ عَنْهُ، جَرى لَهُ مِنَ الْفَضْلِ مِثْلُ مَا جَرى لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله الْفَضْلُ عَلى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ، الْمُتَعَقِّبُ عَلَيْهِ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ كَالْمُتَعَقِّبِ عَلَى اللَّهِ وَ عَلى رَسُولِهِ، وَ الرَّادُّ عَلَيْهِ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَابَ اللَّهِ الَّذِي لَا يُؤْتى إِلَّا مِنْهُ، وَ سَبِيلَهُ الَّذِي مَنْ سَلَكَ بِغَيْرِهِ يَهْلَكَ، وَ كَذلِكَ يَجْرِي لِأَئِمَّةِ الْهُدى وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ أَرْكَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، وَ حُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ عَلى مَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ وَ مَنْ تَحْتَ الثَّرى.

وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَثِيراً مَا يَقُولُ: أَنَا قَسِيمُ اللَّهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ أَنَا الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ، وَ أَنَا صَاحِبُ الْعَصَا وَ الْمِيسَمِ، وَ لَقَدْ أَقَرَّتْ لِي جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحُ وَ الرُّسُلُ بِمِثْلِ مَا أَقَرُّوا بِهِ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لَقَدْ حُمِلْتُ عَلى مِثْلِ حَمُولَتِهِ وَ هِيَ حَمُولَةُ الرَّبِّ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً عن محمّد بن سنان» .
2- .في الكافي المطبوع : «آخذ» .

ص: 135

1296.اِبنُ الكَوّاءِ :يُدْعى فَيُكْسى وَأُدْعى فَأُكْسى، وَ يُسْتَنْطَقُ فَأُسْتَنْطَقُ (1)، فَأَنْطِقُ عَلى حَدِّ مَنْطِقِهِ، وَ لَقَدْ أُعْطِيتُ خِصَالاً مَا سَبَقَنِي إِلَيْهَا أَحَدٌ قَبْلِي: عُلِّمْتُ الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا وَ الْأَنْسَابَ وَ فَصْلَ الْخِطَابِ، فَلَمْ يَفُتْنِي مَا سَبَقَنِي، وَ لَمْ يَعْزُبْ عَنِّي مَا غَابَ عَنِّي، أُبَشِّرُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَ أُؤَدِّي عَنْهُ، كُلُّ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ، مَكَّنَنِي فِيهِ بِعِلْمِهِ».(2)هديّة:(أُخِذَ به) على ما لم يسمّ فاعله، وكذا (اُنْتُهِىَ عنه) فإنّ اللازم المتعدّي بالواسطة قد يجهل. ويحتمل «آخذ به» و«أنتَهِى عنه» على المتكلّم .و(المتعقّب) على اسم الفاعل من التفعّل : الطاعن والباحث عن عيب الناس .(في صغيرة) باعتبار الكلمة أو المسألة أو الخصلة أو نحوها.(يهلك) على المعلوم من باب ضرب، أو خلافه من الإفعال. والثاني أنسب لما لا يخفى .(واحداً) نصب بتقدير «أعني» أو بدل من الأئمّة ، وهي في محلّ النصب.(أن تميد) بتقدير «من أن تميد» والتعلّق ب «الأركان» باعتبار اشتمال الأركان على معنى الحفظ كما في قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ»(3)، أي تحفظها من أن تميد. و«الباء» في (بأهلها) بمعنى «مع» . ماد الشي ء - كباع - : تحرّك واضطرب .(على من فوق الأرض) من الجنّ والإنس .(ومن تحت الثرى) دلالة على خلقٍ مِن خَلْق اللَّه ثَمّة ، مكلَّفين بالإيمان بالولاية. وقيل: هذا ناظر إلى قوله تعالى: «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ»(4).

.


1- .في الكافي المطبوع : «وأستنطق» .
2- .في الكافي المطبوع : + «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور العمّي ، عن محمّد بن سنان قال : حدّثنا المفضّل ، قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول ، ثمّ ذكر الحديث الأوّل» .
3- .الأنبياء (21): 31.
4- .الأعراف (7): 156.

ص: 136

و«ما» في (كثيراً ما) زائدة لتأكيد الكثرة .(قسيم اللَّه) فعيل بمعنى الفاعل للمبالغة كالفاروق ، أي قسيمٌ بإذن اللَّه.(وأنا صاحب العصا) فسّر الطبرسي في مجمع البيان «العصا» بعصا موسى ، و«المِيْسَم» بالكسر بخاتم سليمان.(1)وقال برهان الفضلاء: «صاحب العصا» يعني صاحب آلة إعانة الإسلام وتقويته وحفظه، ومن هنا يعبّر عن الاختلاف فيه بشقّ عصا المسلمين، أي توهينها وتضعيفها.و(المِيْسَم) بالكسر : المكواة : ما يكوى به أفخاذ الخيل واُصول آذان أنعام الصدقة وغير ذلك.(ولقد أقرّت) إشارة إلى تفسير قوله تعالى في سورة النجم: «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى»(2)، وقد مرّ في الباب التاسع من كتاب التوحيد .(ولقد حُمِلْتُ) على ما لم يسمّ فاعله ، إمّا على المتكلّم من باب ضرب ، كما ضبطه برهان الفضلاء، فالحمولة بالضمّ بمعنى الأحمال، يعني أثقال منصب الإمامة ؛ يعني ولقد حمل ربّي على مثل ما حمل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من تحمّل مشاقّ منصب الإمامة. وإمّا على المتكلّم من التفعيل، فالحَمولة بالفتح، وهي الإبل التي تحمل ، وكلّ ما احتمل عليه الحيّ من فرس وغيره حمولةٌ، كذا في الصحاح (3).فالبناء على الأوّل على تشبيه المشاقّ بالأثقال، وعلى الثاني على تشبيه الدّولة مثلاً على المطيّة مثلاً.والأوّل أولى لما لا يخفى.والإضافة في (حَمولة الرّب) تفيد التخصيص ، بأنّ تعيين الإمام إنّما هو من عند اللَّه سبحانه .

.


1- .راجع : مجمع البيان ، ج 7 ، ص 366 ، ذيل آية 82 من سورة النمل .
2- .النجم (53): 16.
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1678 (حمل) .

ص: 137

(يدعى فيكسى) أي في الآخرة بحلل الجنّة وتشريف الإمامة ، كما في الدنيا، قال اللَّه تعالى: «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(1).و«الاستنطاق» في الآخرة طلب النطق بالحمد والثناء والشهادة والشفاعة .(وفصل الخطاب) أي المفصول المبيّن أو الفاصل بين الحقّ والباطل ، وهو علم القرآن.(ما سبقني) أي من علم ما مضى .(ما غاب عنّي) أي من علم ما يأتي.(اُبشّر) على المتكلّم المعلوم من التفعيل؛ أي بحسنة الدنيا والآخرة .(واُؤَدِّي) أي بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ما جاء به؛ كلّ ذلك استئناف لبيان أنّ كلّ ذلك إنّما هو بإذن اللَّه تبارك وتعالى.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِ (2)، عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ:دَخَلْتُ أَنَا وَ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَابْتَدَأَنَا، وَقَالَ (3): «يَا سُلَيْمَانَ بْنَ خالِدٍ(4)، مَا جَاءَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُؤْخَذُ بِهِ، وَ مَا نَهى عَنْهُ يُنْتَهى عَنْهُ، جَرى لَهُ مِنَ الْفَضْلِ مَا جَرى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْفَضْلُ عَلى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ، الْمُعَيِّبُ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ كَالْمُعَيِّبِ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ (5) صلى اللَّه عليه وآله، وَ الرَّادُّ عَلَيْهِ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَابَ اللَّهِ الَّذِي

.


1- .الإسراء (17): 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي» .
3- .في الكافي المطبوع : ««فقال» .
4- .في الكافي المطبوع : - «بن خالد» .
5- .في الكافي المطبوع: «رسوله» بدل «رسول اللَّه».

ص: 138

لَا يُؤْتى إِلَّا مِنْهُ، وَ سَبِيلَهُ الَّذِي مَنْ سَلَكَ بِغَيْرِهِ هَلَكَ، وَ بِذلِكَ جَرَتِ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ أَرْكَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، وَ الْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ عَلى مَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ وَ مَنْ تَحْتَ الثَّرى».وَ قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَا قَسِيمُ اللَّهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ أَنَا الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ، وَ أَنَا صَاحِبُ الْعَصَا وَ الْمِيسَمِ، وَ لَقَدْ أَقَرَّتْ لِي جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحُ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّتْ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لَقَدْ حُمِلْتُ عَلى مِثْلِ حَمُولَةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وَ هِيَ حَمُولَةُ الرَّبِّ، وَ إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله يُدْعى فَيُكْسى وَ يُسْتَنْطَقُ، وَ أُدْعى فَأُكْسى وَأُسْتَنْطَقُ، فَأَنْطِقُ عَلى حَدِّ مَنْطِقِهِ، وَ لَقَدْ أُعْطِيتُ خِصَالًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: عُلِّمْتُ عِلْمَ (1) الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا وَ الْأَنْسَابَ وَ فَصْلَ الْخِطَابِ، فَلَمْ يَفُتْنِي مَا سَبَقَنِي، وَ لَمْ يَعْزُبْ عَنِّي مَا غَابَ عَنِّي، أُبَشِّرُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَ أُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، كُلُّ ذلِكَ مَكَّنَنِيَ اللَّهُ فِيهِ بِإِذْنِهِ».

هديّة:بيانه كسابقه الممتاز بتفاوت يسير في الألفاظ.و(المعيب) على اسم الفاعل من الإفعال أو التفعيل، عاب الشي ء وعابه غيره ، يتعدّى ولا يتعدّى، وأعابه، وعليه : نسبه إلى العيب ، كعيّبه وعليه تعييباً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ (2) ، عَنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ الرِّيَاحِيُّ، عَنْ أَبِي الصَّامِتِ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «فَضْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : مَا جَاءَ بِهِ آخُذُ بِهِ، وَ مَا نَهى عَنْهُ أَنْتَهِي عَنْهُ، جَرى لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْفَضْلُ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِ

.


1- .في «الف» : - «علم» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد جميعاً ، عن محمّد بن الحسن ، عن عليّ بن حسّان» .

ص: 139

كَالْمُتَفَضِّلِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ الرَّادُّ عَلَيْهِ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بَابُ اللَّهِ الَّذِي لَا يُؤْتى إِلَّا مِنْهُ، وَ سَبِيلُهُ الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ وَصَلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالىَ ، وَ كَذلِكَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ بَعْدِهِ، وَ جَرى لِلْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ .جَعَلَهُمُ اللَّهُ أَرْكَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، وَ عُمُدَ الْإِسْلَامِ، وَ رَابِطَةً عَلى سَبِيلِ هُدَاهُ، لَا يَهِدِّي (1) هَادٍ إِلَّا بِهُدَاهُمْ، وَ لَا يَضِلُّ خَارِجٌ مِنَ الْهُدى إِلَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَقِّهِمْ، أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلى مَا أَهْبَطَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ عُذُرٍ أَوْ نُذُرٍ، وَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلى مَنْ فِي الْأَرْضِ، يَجْرِي لِآخِرِهِمْ مِنَ اللَّهِ مِثْلُ الَّذِي جَرى لِأَوَّلِهِمْ، وَ لَا يَصِلُ أَحَدٌ إِلى ذلِكَ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالىَ.وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَا قَسِيمُ اللَّهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، لَا يَدْخُلْهُما(2) دَاخِلٌ إِلَّا عَلى حَدِّ قَسْمِي، وَ أَنَا الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ، وَ أَنَا الْإِمَامُ لِمَنْ بَعْدِي، وَ الْمُؤَدِّي عَمَّنْ كَانَ قَبْلِي، لَا يَتَقَدَّمُنِي أَحَدٌ إِلَّا أَحْمَدُ صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنِّي وَ إِيَّاهُ لَعَلى سَبِيلٍ وَاحِدٍ ، إِلَّا أَنَّهُ هُوَ الْمَدْعُوُّ بِاسْمِهِ، وَ لَقَدْ أُعْطِيتُ السِّتَّ: عِلْمَ الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا وَ الْوَصَايَا وَ فَصْلَ الْخِطَابِ، وَ إِنِّي لَصَاحِبُ الْكَرَّاتِ وَ دَوْلَةِ الدُّوَلِ، وَ إِنِّي لَصَاحِبُ الْعَصَا وَ الْمِيسَمِ، وَ الدَّابَّةُ الَّتِي تُكَلِّمُ النَّاسَ».

هديّة:(الرَّباحي)(3) نسبة إلى النسب و«رَباح» بالمفردة كسحاب : اسم جماعة.و«حُلوان» بالضمّ : اسم بلد.(قال: فضّل أمير المؤمنين عليه السلام) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل أو على المصدر - كما قرأ برهان الفضلاء - خبراً عن المحذوف؛ أي هذا .و(المتقدّم) على اسم الفاعل من التفعّل ، ناظر إلى قوله تعالى في سورة الحجرات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(4)، و«لا تقدّموا» في الآية من التفعيل

.


1- .في الكافي المطبوع : «يهتدي» .
2- .في الكافي المطبوع : «لايدخلها» .
3- .في المتن الذي ضبطه المصنف سابقاً: «الرياحي» بالياء.
4- .الحجرات (49): 1.

ص: 140

على القراءة المشهورة، وقرئ بالفتحات من التفعّل بمعنى المتفضّل، أي لا تطلبوا الزيادة والتعدّي عن حدّ الطاعة بالإفراط والتفريط.و«العَمَد» بفتحتين جمع العمود ، وكذا بضمّتين .و(رابطةً) بالنصب عطف على «الأركان»، وهو جمع الرابط بمعنى المرابط في الثغور للجهاد، أو بمعنى الناظم للاُمور؛ أو مفرد بمعنى الواسطة.واحتمال «رابطه» على الإضافة بالضمير الراجع إلى اللَّه أو إلى الإسلام، كما ترى.(اُمناء اللَّه) أي هم اُمناء اللَّه (على ما أَهْبَطَ). يحتمل المعلوم وخلافه .و«العذر» : الحجّة واستمحاء الإساءة . و«النذر» : التخويف .في بعض النسخ : «لا يدخلها» بإفراد الضمير، فإلى كلِّ واحد .(على حدّ قَسْمي) بفتح القاف وسكون السّين، و«القَسْم» بالفتح : مصدر «قسمت الشي ء» كضرب، وبالكسر : الحظّ والنصيب من الخير .(لمن بعدي) من الأئمّة .(عمّن كان قبلي) من الحجج .(المدعوّ باسمه) يعني في نصّ الكتاب بالنبوّة والرسالة، ولا نبيّ بعده.و(الستّ) وصف للخصال والوصايا .(وصايا) الأنبياء عليهم السلام.و(الكرّات) أي في الحروب التي لم تشتدّ قوّة الإسلام إلّا بها، ولم تكسّر فقرات الكفّار إلّا بسيفه ذي الفقار.(ودَولة الدول) بفتح الدال في المفرد وكسرها وضمّها وفتحها في الجمع.قال عيسى بن عمر: الدولة بفتح الدال وضمّها في المال والحرب سواء.(1) وقال عمرو بن العلاء: الدولة بالضمّ : في المال ، وبالفتح: في الحرب.(2) قال اللَّه تعالى في

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1700 (دول).
2- .نفس المصدر السابق .

ص: 141

سورة الحشر : «كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ»(1).وإنّما هو عليه السلام صاحب دولة الدول ؛ لأنّ بدولته عليه السلام اتّصلت دولة الإسلام إلى يوم القيام، أو لأنّ دولته دولة سيّد الكائنات صلى اللَّه عليه وآله ودولته دولة الدول ، فإشارة إلى عدم الفرق في افتراض طاعتهما عليهما السلام.وقال بعض المعاصرين:و«الكرّات»: الرجعات إلى الدنيا ، و«دولة الدول» : غلبة الغلبات، ثمّ قال: وقيل: وكلتاهما عبارة عن الخصلة الخامسة والبواقي عن السادسة، وقيل: العلوم الأربعة عبارة عن الخصلة الاُولى للاشتراك ، وعن الاُولى والثانية لامتياز أوّليها عن الأخيرين بالكلّية والجزئيّة ، فكلتا الخصلتين أي الكرّات والدول عبارة عن الثالثة، انتهى.(2)أقول : قصده من «الرجعات إلى الدنيا» إن كان رجعته عليه السلام في زمان المهدي عليه السلام ، فلا وجه للفظ الجمع إلّا بتأويل أنّ رجعته عليه السلام أصلٌ بالنظر إلى سائر الرجعات الصادرة من غيره عليه السلام، و إن كان بناء على طريقة القدريّة و أهل التناسخ و زنادقة الفلاسفة من القول بالقدم والإيجاب واقتضاء الطبائع أفاعيل الدنيا و النزول والصعود في سلسلتي البدو والعود ، و عود الأدوار بعد عدّة من الأحقاب إلى ما كانت عليه بعينه من الأحوال ، فبشّره بدخوله تحت قول ربّ العالمين «أُوْلَئكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلَئكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ».(3)(والدابّة التي تكلّم الناس) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النمل: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ»(4)، فإمّا مجرور معطوف على «العصا»، أو مرفوع معطوف على «الصاحب».

.


1- .الحشر (59): 7.
2- .الوافي ، ج 13 ، ص 517 .
3- .البقرة (2) : 161 .
4- .النمل (27): 82 .

ص: 142

وقال برهان الفضلاء:وفي بيان «دابّة الأرض» أقوال كثيرة ، فلعلّها ملك يخرجه اللَّه من الأرض على هيئة حسنة عجيبة معجبة قبل ظهور القائم عليه السلام لتبشّر المؤمنين وتُنذر الكافرين.أقول: لعلّ اللَّه خَلَقَ لأمير المؤمنين عليه السلام صوراً مثاليّة متعدّدة ، فلا إشكال في النصوص الظاهرة في أنّ دابّة الأرض أميرُ المؤمنين عليه السلام ، ولا في نصوص حضوره عليه السلام في طور سيناء وسفينة نوح للتكلّم مع الكليم وضرب العفريت القاصد للسفينة ، وحضوره عليه السلام ليلة المعراج في طريقه وعند السدرة ومنتهاها، وليلة الصيام للإفطار في أبيات كثيرة وفي الرفيق الأعلى، ولا في أمثال ذلك.(1)وقد روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «قال رجل لعمّار بن ياسر: يا أبا اليَقْظان آيةٌ في كتاب اللَّه قد أفسَدَتْ قلبي وشكَّكَتْني. قال عمّار: وأيّة آيةٍ هي؟ قال: قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ» فأيّة دابّة هذه؟ قال عمّار: واللَّه ما أجلسُ ولا آكُلُ ولا أشرَبُ حتّى اُرِيَكَها، فجاء عمّار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزُبْداً، فقال: يا أبا اليقظان هَلُمَّ، فجلس عمّار وأقبل يأكُلُ معه، فتعجّب الرجل منه ، فلمّا قام عمّار قال الرجل: سبحان اللَّه ! يا أبا اليقظان حلفْتَ أنّك لا تأكُلُ ولا تشرَبُ ولا تجلِسُ حتّى تُرِيَنيِها؟ قال عمّار: قد أَرَيتُكَها إن كنتَ تعقل».(2)وقرأ العاصم والكسائي وحمزة : «أَنَّ النَّاسَ» بفتح الهمزة، والبواقي من القرّاء بكسرها.«وشكَّكَتْني» أي أقلقَتْ قلبي. وقيل: ولعلّ شكّ الرجل في هيئتها ، هل هي من الهيئات المتعارفة، أو هيئة غريبة غير مأنوسة؟

.


1- .أي: ولا إشكال في أمثال ذلك.
2- .تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 131 ؛ و عنه في البحار ، ج 39 ، ص 242 ، ح 30 .

ص: 143

الباب الخامس عشر: باب نادر جامع في فضل الإمام عليه السلام و صفاته

الباب الخامس عشر : بَابٌ نَادِرٌ جَامِعٌ فِي فَضْلِ الْإِمَامِ عليه السلام وَ صِفَاتِهِ وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده مرفوعاً عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ (1)، قَالَ: كُنَّا مَعَ الرِّضَا عليه السلام بِمَرْوَ، فَاجْتَمَعْنَا فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي بَدْوِ(2) مَقْدَمِنَا، فَأَدَارُوا أَمْرَ الْإِمَامَةِ، وَ ذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلى سَيِّدِي عليه السلام، فَأَعْلَمْتُهُ خَوْضَ النَّاسِ فِيهِ، فَتَبَسَّمَ عليه السلام، ثُمَّ قَالَ:«يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ، جَهِلَ الْقَوْمُ، وَ خُدِعُوا عَنْ آرَائِهِمْ؛ إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى أَكْمَلَ لَهُ الدِّينَ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ، بَيَّنَ فِيهِ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ ، وَ الْحُدُودَ وَ الْأَحْكَامَ ، وَ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كَمَلاً، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَبِ مِن شَىْ ءٍ» وَ أَنْزَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - وَ هِيَ آخِرُ عُمُرِهِ (3) - : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا» وَ أَمْرُ الْإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ، وَ لَمْ يَمْضِ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَ أَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ، وَ تَرَكَهُمْ عَلى قَصْدِ سَبِيلِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أبو محمّد القاسم بن العلاء رحمة اللَّه رفعه عن عبدالعزيز بن مسلم» .
2- .في الكافي المطبوع : «بدء» .
3- .في الكافي المطبوع : + «صلَى اللَّه عليه و آله» .

ص: 144

الْحَقِّ، وَ أَقَامَ لَها(1) عَلِيّاً عليه السلام عَلَماً وَ إِمَاماً، وَ مَا تَرَكَ شَيْئاً تَحْتَاجُ (2) إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا بَيَّنَهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ، فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ، وَ مَنْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ.هَلْ يَعْرِفُونَ قَدْرَ الْإِمَامَةِ وَ مَحَلَّهَا مِنَ الْأُمَّةِ؛ فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ؟ إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً، وَ أَعْظَمُ شَأْناً، وَ أَعْلى مَكَاناً، وَ أَمْنَعُ جَانِباً، وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ .إِنَّ الْإِمَامَةَ خَصَّ اللَّهُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عليه السلام بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَ الْخُلَّةِ مَرْتَبَةً ثَالِثَةً، وَ فَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِهَا، وَ أَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ، فَقَالَ: «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» فَقَالَ الْخَلِيلُ عليه السلام سُرُوراً بِهَا: «وَ مِن ذُرِّيَّتِى» قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ : «لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ» فَأَبْطَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ صَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ.ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالى بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَ الطَّهَارَةِ، فَقَالَ : «وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَ يَعْقُوبَ نَافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنَا صَلِحِينَ * وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ تِ وَ إِقَامَ الصَّلَوةِ وَ إِيتَآءَ الزَّكَوةِ وَ كَانُواْ لَنَا عَبِدِينَ».فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ، يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ قَرْناً فَقَرْناً حَتّى وَرَّثَهَا اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله، فَقَالَ جَلَّ وَ تَعَالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ» فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً، فَقَلَّدَهَا صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام بِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالى - عَلى رَسْمِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ، فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَصْفِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالى: «وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمَنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَبِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ» فَهِيَ فِي وُلْدِ عَلِيٍّ عليه السلام خَاصَّةً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هؤُلَاءِ الْجُهَّالُ؟إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ ، إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ اللَّهِ وَ خِلَافَةُ الرَّسُولِ، وَ مَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مِيرَاثُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهم السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لهم» .
2- .في الكافي المطبوع : «يحتاج» .

ص: 145

إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ، وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ ؛ إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي، وَ فَرْعُهُ السَّامِي؛ بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ، وَ تَوْفِيرُ الْفَيْ ءِ وَ الصَّدَقَاتِ، وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ، وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ.الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ، وَ يُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ، وَ يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ، وَ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَ يَدْعُو إِلى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ.الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ، الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ (1)، وَ هِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ.الْإِمَامُ : الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَ السِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَ النُّورُ السَّاطِعُ، وَ النَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجى، وَ أَجْوَازِ الْبُلْدَانِ وَ الْقِفَارِ، وَ لُجَجِ الْبِحَارِ.الْإِمَامُ : الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَاَ، وَ الدَّالُّ عَلَى الْهُدى، وَ الْمُنْجِي مِنَ الرَّدى.الْإِمَامُ : النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ، الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلى بِهِ (2)، وَ الدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ.الْإِمَامُ : السَّحَابُ الْمَاطِرُ، وَ الْغَيْثُ الْهَاطِلُ، وَ الشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَ السَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَ الْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَ الْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ، وَ الْغَدِيرُ وَ الرَّوْضَةُ.الْإِمَامُ : الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَ الْأَخُ الشَّقِيقُ، وَ الْأُمُ (3) الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَ مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ.الْإِمَامُ : أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَ حُجَّتُهُ عَلى عِبَادِهِ، وَ خَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَ الذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ.الْإِمَامُ : الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَ الْمُبَرَّأُ مِنَ (4) الْعُيُوبِ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَ عِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَ غَيْظُ الْمُنَافِقِينَ، وَ بَوَارُ الْكَافِرِينَ.

.


1- .في حاشية «الف» : «العالم» .
2- .في «الف» : «بها» .
3- .في حاشية «الف» : «والإمام : الأمّ» بدل «والاُمّ» .
4- .في الكافي المطبوع : «عن» .

ص: 146

الْإِمَامُ : وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ وَ لَا اكْتِسَابٍ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ.فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ، أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَ تَاهَتِ الْحُلُومُ، وَ حَارَتِ الْأَلْبَابُ، وَ خَسَأَتِ الْعُيُونُ، وَ تَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَ تَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَ تَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَ حَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ، وَ جَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ، وَ كَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَ عَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ، وَ عَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَ أَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ، وَ كَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْ ءٌ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَ يُغْنِي غِنَائَهُ (1)؟ لَا، كَيْفَ؟ وَ أَنّى؟ وَ هُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ ُ مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ، وَ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هذَا؟ وَ أَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هذَا؟ وَ أَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هذَا؟أَ يَظُنُّونَ (2) أَنَّ ذلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ(3) صلى اللَّه عليه وآله؟ كَذَبَتْهُمْ وَاللَّهِ أَنْفُسُهُمْ، وَ مَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلَ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقاً صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ، رَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ، وَ آرَاءٍ مُضِلَّةٍ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْداً(4) ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ .(5)وَ لَقَدْ رَامُوا صَعْباً، وَ قَالُوا إِفْكاً، وَ ضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً، وَ وَقَعُوا فِي الْحَيْرَةِ إِذْ تَرَكُوا الْإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ، وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ .رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ وَ اخْتِيَارِ رَسُولِه (6) صلى اللَّه عليه وآله وَ أَهْلِ بَيْتِهِ (7) إِلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَ الْقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ:

.


1- .في الكافي المطبوع : «غناه» .
2- .في الكافي المطبوع : «أتظنّون» .
3- .في «الف» : - «محمّد» .
4- .في «الف» : + «وقال الصفواني في حديثه» .
5- .في «الف» : + «ثمّ اجتمعا في الرواية» .
6- .في الكافي المطبوع : «رسول اللَّه» .
7- .في «الف» : - «وأهل بيته» .

ص: 147

«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» مِنْ أَمْرِهِمْ «سُبْحَنَ اللَّهِ وَ تَعَلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» الْآيَةَ، وَ قَالَ: «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَبٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَنٌ عَلَيْنَا بَلِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَ لِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأْتُواْ بِشُرَكَآلِهِمْ إِن كَانُواْ صَدِقِينَ» .وَ قَالَ تَعَالى : «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ» أَمْ «طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ» أَمْ «قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِ ّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأََّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ» أَمْ «قَالُواْ سَمِعْنَا وَ عَصَيْنَا» بَلْ هُوَ «فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ؟!وَ الْإِمَامُ : عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ، وَ دَاعٍ (1) لَا يَنْكُلُ، مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَ الطَّهَارَةِ، وَ النُّسُكِ وَ الزَّهَادَةِ، وَ الْعِلْمِ وَ الْعِبَادَةِ، مَخْصُوصٌ بِدَعْوَةِ الرَّسُولِ (2)، وَ نَسْلِ الْمُطَهَّرَةِ الْبَتُولِ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسَبٍ، وَ لَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ، فِي الْبَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَ الذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ، وَ الْعِتْرَةِ مِنَ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ الرِّضَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، شَرَفُ الْأَشْرَافِ، وَ الْفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ، نَامِي الْعِلْمِ، كَامِلُ الْحِلْمِ، مُضْطَلِعٌ بِالْإِمَامَةِ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ، قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، نَاصِحٌ لِعِبَادِ اللَّهِ، حَافِظٌ لِدِينِ اللَّهِ.إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ عَلَيْهِمُ السلام يُوَفِّقُهُمُ اللَّهُ، وَ يُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَ حِكَمِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ؛ فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ (3) ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : «أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِ ّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّى إِلَّآ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» وَ قَوْلِهِ : «وَمَن يُؤْتَ

.


1- .في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «راعٍ» .
2- .في الكافي المطبوع : + «صلّى اللَّه عليه و آله» .
3- .في الكافي المطبوع : «الزمان» .

ص: 148

الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا» وَ قَوْلِهِ فِي طَالُوتَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَ سِعٌ عَلِيمٌ» وَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» وَ قَالَ فِي الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَ عِتْرَتِهِ وَ ذُرِّيَّتِهِ صلى اللَّه عليه وآله : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا».وَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - لِأُمُورِ عِبَادِهِ، شَرَحَ صَدْرَهُ لِذلِكَ، وَ أَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ، وَ أَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً؛ فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ، وَ لَا تَحَيَّزَ(1) فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ؛ فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ، مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ(2)، قَدْ أَمِنَ مِنَ الْخَطَأِ وَ الزَّلَلِ وَ الْعِثَارِ، يَخُصُّهُ اللَّهُ بِذلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلى عِبَادِهِ، وَ شَاهِدَهُ عَلى خَلْقِهِ، وَ «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلى مِثْلِ هذَا فَيَخْتَارُونَهُ ؟ أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ؟ تَعَدَّوْا - وَ بَيْتِ اللَّهِ - الْحَقَّ، وَ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْهُدى وَ الشِّفَاءُ، فَنَبَذُوهُ وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، فَذَمَّهُمُ اللَّهُ وَ مَقَّتَهُمْ وَ أَتْعَسَهُمْ، فَقَالَ جَلَّ وَ تَعَالى: «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَلهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ» وَ قَالَ: «فَتَعْسًا لَّهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمَلَهُمْ» وَ قَالَ: «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَ عِندَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِ ّ قَلْبٍ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِ (3) وَ آلِهِ، وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً».

هديّة:«المقدَم» كمنصَب ، مصدر ميميّ بمعنى القدوم.

.


1- .في «د» : «لايحيّز» . وفي الكافي المطبوع : «لايحيّر» .
2- .في حاشية «الف» : + «من الخطأ» .
3- .في «الف» : - «النبيّ» . وفي الكافي المطبوع : «النبيّ محمّد» بدل «محمّد النبيّ» .

ص: 149

«خدعه» كمنع . «قبضه» كضرب .«حتّى» في (حتّى أكمل) للاستثناء .(كَمَلاً) بالتحريك بمعنى كاملاً ، نصب على الحال، أو صفة لمنصوب على المصدريّة، أي بياناً كاملاً.«مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىْ ءٍ»(1) في سورة الأنعام.«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(2) الآية في سورة المائدة.و«المعالم» جمع مَعْلَم ، كمنصب ، وهو ما يعلم به الشي ء .و«القصد» الوسط بين الإفراط والتفريط .ليس في بعض النسخ المعتبرة «به» بعد قوله: (فهو كافر).(وأمْنَعُ جانباً) أي أعزّ جهةً أفعل التفضيل مِن منع - كحسُن - مَناعةً ، وفلان في عزّ ومَنَعَة بالتحريك.(والخُلَّة) بالضمّ صفة الخليل .(مرتبة ثالثة) لأنّ المراد بالنبوّة هنا الرسالة بعد النبوّة بدليل ما سبق في باب طبقات الأنبياء والرُّسل والأئمّة عليهم السلام .(أشاد): رفع .في بعض النسخ : «فأبطلت هذه الإمامة» بدل (هذه الآية) وهي في سورة البقرة.(3)«وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ»(4) الآية في سورة الأنبياء.و(الصَّفوة) والمصطفى والمعصوم كلّه بمعنى .(نافلةً): عطيّة ، ويُقال لولد الولد : النافلة أيضاً.و«الإقام» مصدر ، كالإقامة.

.


1- .الأنعام (6) : 38.
2- .المائدة (5): 3.
3- .البقرة (2) : 124 .
4- .الأنعام (6) : 84. الأنبياء (21) : 72.

ص: 150

و«القرن» من الزمان معروف، ومن الناس: أهل زمان واحد .(أولى الناس) أقربهم وأخصّهم ، من الوليّ بمعنى القُرب، وفي التفسير «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ»(1) في سورة آل عمران أنّ أحقّهم بأن يكون مصداقاً لدعاء إبراهيم عليه السلام.و(الرّسم): والأثر والطريقة الحسنة.«لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ»(2) في التفسير أنّ المخاطب بالآيات المذكورة سابقاً في قوله تعالى في سورة الروم: «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا»(3) والمراد الأئمّة عليهم السلام ، كما في باب أنّ الآيات التي ذكرها اللَّه عزّ وجلّ في كتابه هم الأئمّة عليهم السلام .و«الزمام» بالكسر للبعير .و«الاُسّ» : الأصل .و(السامي) : العالي.و(الفي ء) : الغنيمة والخراج.و«الذَّب» بالفتح : الدفع ، ذبّه كمدّ .(بالحكمة والموعظة الحسنة) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ»(4).و«التجليل» بالجيم : تعميم اللباس الجسدَ .و«الساطع»: المرتفع.و«الغياهب»: الظلمة.و(الدُّجى) : ظلمة الليل.و«الجَوْز» بالفتح : وسط الشي ء ومعظمه.و(القِفار) : جمع قَفْر ، وهو الأرض الخالية من الماء والكلاء من المفاوز .

.


1- .آل عمران (3): 68.
2- .الروم (30): 56.
3- .الروم (30): 53.
4- .النحل (16): 125.

ص: 151

و«لجّة الماء» : معظمه.و(الظَمَأ) كالعطش لفظاً ومعنى، أو شدّة العطش في حرّ النهار.و(الرَّدى) بالفتح والقصر : الهلاك.و(اليفاع) كسحاب : المرتفع من الأرض .و(الهاطل) : المطر المتتابع العظيم القطرة.وكثيراً يُطلق (السماء) على السحاب.و(الغزيرة) : الكثيرة .إذا انشقّ شي ء فكلّ واحد من شقّيه شقيق الآخر، وفلانٌ شقيقُ فلانٍ : أخوه.و(الدّاهية) و(النأد) كضلال بمعنى. و«البوار» كالهلاك لفظاً ومعنى .(بل اختصاص من المفضّل الوهّاب) ردٌّ على الصوفيّة القدريّة القائلين بإمكان الوصول إلى مراتب النبوّة والإمامة لكلّ أحد بالرياضة ، وإن كان جوكيّاً.(1) ونِعْمَ ما قال علويٌّ عَينٌ في بلادنا : أنّ الجواكي بتلك الرياضات لم يصلوا لا أقلّ إلى أوّل درجة من مدارج الإسلام، فلعنة اللَّه على الرأي المختَرع في الدِّين ومخترعه.(تاهت الحُلُوم): تحيّرت العقول والأفهام .(خَسَأَت العيون) : كلَّتْ . «خَسِأَ» كعلم ومنع : كَلَّ وبَعُد . و«خَساه» كمنع : أبعده. فيحتمل هنا : «خُسِأَت العيون» على المجهول .«حَصِر» لسانُه - كعلم - : كَلّ.و(الألبّاء) كالأطبّاء : جمع اللّبيب، أي العاقل.و(الاُدباء) كالعلماء : جمع الأديب ، أي المعلّم.(عَيِيَت) كعلم : عجزت.(وأقرّت) أي تلك الجماعة.و«الغَناء» بالفتح والمدّ : النفع .

.


1- .فرقة من المرتاضين بالهند . راجع : لغت نامه دهخدا (جوكى) .

ص: 152

و«حيث» يبنى على الضمّ والكسر أيضاً ، وظرف مكان، والباء بمعنى «في» ويضاف إلى الجملة، ونادراً إلى المفرد أيضاً. وقرأ : «بجنب» مكانه ، بالجيم والنون والمفردة .(مَنَّتْهُم) من التمنية ، تمنّاه ومنّاه غيره : ألقاه إلى تمنّي الأمر.و(الأباطيل) جمع الباطل على غير قياس.و«المُرتَقى» على اسم المفعول : اسم مكان من الارتقاء.(دحضاً): زلقاً.(يؤفكون): يصرفون. (إفكاً): كذباً. «لا ينكل»: لا يضعف. «اضطلع»: قوى. (ملكاً عظيماً) يعني الإمامة والطاعة المفروضة، كما ورد عنهم عليهم السلام.وفي بعض النسخ بعد قوله : (إلّا بُعداً) هكذا : «وقال الصفواني في حديثه: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(1) ثم اجتمعا في الرواية».وهكذا من إلحاقات النُّسّاخ. «ثم اجتمعنا» يعني الصفواني وابن قولويه. كما رواه الصفواني . هو أبو محمّد بن جعفر الكوفي، من تلامذة صاحب الكافي، و ابن قولويه هو شيخ الشيخ المفيد وتلميذ صاحب الكافي، من أعلام تلامذته.والمعنى: أنّ ابن قولويه رحمة اللَّه عليه لم يرو في حديثه عن صاحب الكافي: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ».و«زَيَّنَ لَهُمُ» إلى «مُسْتَبْصِرِينَ» اقتباس من سورة العنكبوت.(2)وفي سورة القصص هكذا: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ [وَتَعَالَى (3) عَمَّا يُشْرِكُونَ»(4) بدون «من الأمر»(5) «وتعالى»(6) فالمنقول مضمون الآية.

.


1- .التوبة (9): 30.
2- .العنكبوت (29) : 38 .
3- .]المصنّف قد ضبط المتن سابقاً بتوسّط «من أمرهم» بين «الخيرة» و «سبحان اللَّه» .
4- .القصص (28): 68.
5- .في «الف» و «د» : - «وتعالى» .
6- .ضبط المصنّف الآية في سورة القصص بدون «و تعالى» و هو سهو منه .

ص: 153

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ» الآية في سورة الأحزاب. (الآية) نصب بتقدير «أعني» يعني أعني مجموع الآية ، ما ذكر وما لم يذكر ، وهو قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً»(1).وكسر الهمزة في «إِنَّ لَكُمْ فِيهِ» باعتبار الاستئناف البياني، وفي «إِنَّ لَكُمْ لَمَا» باعتبار جوابيّة القسم السابق في سورة: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ»(2)، و«ما» في «لَمَا» في الموضعين مصدريّة، و«إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ» متعلّق ب «لَكُمْ»؛ لأنّ البلوغ لا يتعلّق ب «إلى» إلّا على تضمين معنى الوصول.وقال عزّ وجلّ: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(3) في سورة محمّد.(أم طبعَ اللَّه على قلوبهم فهم لا يفقهون) اقتباس إمّا من قوله تعالى في سورة التوبة: «وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ»(4)، أو من قوله تعالى في سورة المنافقين: «فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ»(5).أم (قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) في سورة الأنفال هكذا: «وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا»(6) الآية.(أم قالوا سمعنا وعصينا) اقتباس من قوله تعالى في سورة النساء: «مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا»(7).(بل هو فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذو الفضل العظيم) اقتباس من سورة الجمعة.(8)

.


1- .الأحزاب (33): 36.
2- .القلم (68): 1.
3- .محمّد (47): 24.
4- .التوبة (9): 87.
5- .المنافقون (63): 3.
6- .الأنفال (8): 21.
7- .النساء (4): 46.
8- .الجمعة (62): 4.

ص: 154

في بعض النسخ: «وراعٍ لا ينكُلُ» بالراء مكان الدال، نكل عن العدوّ، كنصر: جَبُنَ.(والنَسْك) بالفتح: الطاعة.(بدعوة الرسول) يعني مراراً في الغدير وغيره، كقوله عليه السلام: «اللّهمَّ والِ مَن والاه» الحديث.(1) وقوله عليه السلام: «ودعا اللَّه أن يعطيني فهمها وحفظها،(2) ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللَّه لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً» الحديث.(3) وقد سبق في كتاب العقل.(لا مَغْمَزَ): لا مطعن.«أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ»(4) الآية في سورة يونس.في سورة البقرة هكذا: «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»(5).(وقوله في طالوت) في البقرة، في النساء هكذا: «وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَىْ ءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»(6) الآية، فنقل بالمعنى.«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ»(7) الآية في سورة النساء.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 293، باب الإشارة النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ح 3؛ و ج 8، ص 27، ح 4؛ الفقيه، ج 1، ص 229، ح 686؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 263، ح 66.
2- .في المصدر بين قوله «وحفظها» وبين «ثم وضع» زيادة.
3- .الكافي، ج 1، ص 64، باب اختلاف الحديث، ح 1؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 162، ح 193؛ كمال الدين، ج 1، ص 284، ح 27؛ وعنه في البحار، ج 36، ص 256، ح 75.
4- .يونس (10): 35.
5- .البقرة (2): 268 - 269.
6- .النساء (4): 113.
7- .النساء (4): 54.

ص: 155

«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ»(1) الآية في سورة القصص.«فَتَعْساً لَهُمْ»(2) الآية في سورة محمّد.«كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ»(3) الآية في سورة المؤمن.و«التّعس»: الهلاك. (أتعسهم): أهلكهم.وقرئ: (قلب متكبّر) على التوصيف والإضافة.

الحديث الثاني 1184.الإمام الصادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عن السّرّاد(4)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي خُطْبَةٍ لَهُ يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَ صِفَاتِهِمْ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَوْضَحَ بِأَئِمَّةِ الْهُدى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا عَنْ دِينِهِ، وَ أَبْلَجَ بِهِمْ عَنْ سَبِيلِ مِنْهَاجِهِ، وَ فَتَحَ (5) بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلْمِهِ؛ فَمَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وَاجِبَ حَقِّ إِمَامِهِ، وَجَدَ طَعْمَ حَلَاوَةِ إِيمَانِهِ، وَ عَلِمَ فَضْلَ طُلَاوَةِ إِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالى نَصَبَ الْإِمَامَ عَلَماً لِخَلْقِهِ، وَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلى أَهْلِ مَوَادِّهِ وَ عَالَمِهِ، وَ أَلْبَسَهُ اللَّهُ تَاجَ الْوَقَارِ، وَ غَشَّاهُ مِنْ نُورِ الْجَبَّارِ، يَمُدُّ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ، لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ مَوَادُّهُ ، وَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِجِهَةِ أَسْبَابِهِ، وَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ؛ فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ مُلْتَبِسَاتِ (6) الدُّجى، وَ مُعَمِّيَاتِ السُّنَنِ، وَ مُشَبِّهَاتِ الْفِتَنِ .

فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالى يَخْتَارُهُمْ لِخَلْقِهِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ عَقِبِ كُلِّ إِمَامٍ يَصْطَفِيهِمْ لِذلِكَ وَ يَجْتَبِيهِمْ، وَ يَرْضى بِهِمْ لِخَلْقِهِ وَ يَرْتَضِيهِمْ، كُلَّمَا مَضى مِنْهُمْ إِمَامٌ، نَصَبَ لِخَلْقِهِ مِنْ عَقِبِهِ إِمَاماً عَلَماً بَيِّناً، وَ هَادِياً نَيِّراً، وَ إِمَاماً قَيِّماً، وَ حُجَّةً عَالِماً، أَئِمَّةً مِنَ اللَّهِ، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ، وَ بِهِ .


1- .القصص (28): 50.
2- .محمّد (47): 8 .
3- .غافر (40): 35.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب».
5- .في حاشية «الف» و «د» : «منح».
6- .في حاشية «الف»: «ملبّسات».

ص: 156

1184.الإمام الصادق عليه السلام :يَعْدِلُونَ، حُجَجُ اللَّهِ وَ دُعَاتُهُ وَ رُعَاتُهُ عَلى خَلْقِهِ، يَدِينُ بِهِمْ (1) الْعِبَادُ، وَ يَسْتَهِلُ (2) بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ، وَ يَنْمُو بِبَرَكَتِهِمُ التِّلَادُ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ حَيَاةً لِلْأَنَامِ، وَ مَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ، وَ مَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ، وَ دَعَائِمَ لِلْإِسْلَامِ، جَرَتْ بِذلِكَ فِيهِمْ مَقَادِيرُ اللَّهِ عَلى مَحْتُومِهَا.

فَالْإِمَامُ هُوَ الْمُنْتَجَبُ الْمُرْتَضى، وَ الْهَادِي الْمُنْتَجى، وَ الْقَائِمُ الْمُرْتَجَى، اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِذلِكَ، وَ اصْطَنَعَهُ عَلى عَيْنِهِ فِي الذَّرِّ حِينَ ذَرَأَهُ، وَ فِي الْبَرِيَّةِ حِينَ بَرَأَهُ ظِلاًّ قَبْلَ خَلْقِ (3) نَسَمَةٍ، عَنْ يَمِينِ عَرْشِهِ، مَحْبُوّاً بِالْحِكْمَةِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ، وَ انْتَجَبَهُ لِطُهْرِهِ؛ بَقِيَّةً مِنْ آدَمَ عليه السلام، وَ خِيَرَةً مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، وَ مُصْطَفىً مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَ سُلَالَةً مِنْ إِسْمَاعِيلَ، وَ صَفْوَةً مِنْ عِتْرَةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، لَمْ يَزَلْ مَرْعِيّاً بِعَيْنِ اللَّهِ يَحْفَظُهُ وَ يَكْلَؤُهُ بِسِتْرِهِ، مَطْرُوداً عَنْهُ حَبَائِلُ إِبْلِيسَ وَ جُنُودِهِ ، مَدْفُوعاً عَنْهُ وُقُوبُ الْغَوَاسِقِ، وَ نُفُوثُ كُلِّ فَاسِقٍ، مَصْرُوفاً عَنْهُ قَوَارِفُ السُّوءِ ، مُبَرَّأً مِنَ الْعَاهَاتِ، مَحْجُوباً عَنِ الْآفَاتِ، مَعْصُوماً مِنَ الْفَوَاحِشِ (4) كُلِّهَا، مَعْرُوفاً بِالْحِلْمِ وَ الْبِرِّ فِي يَفَاعِهِ، مَنْسُوباً إِلَى الْعَفَافِ وَ الْعِلْمِ وَ الْفَضْلِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ، مُسْنَداً إِلَيْهِ أَمْرُ وَالِدِهِ، صَامِتاً عَنِ الْمَنْطِقِ (5) فِي حَيَاتِهِ.

فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ وَالِدِهِ، إِلى أَنِ انْتَهَتْ بِهِ مَقَادِيرُ اللَّهِ إِلى مَشِيئَتِهِ، وَ جَاءَتِ الْإِرَادَةُ مِنَ اللَّهِ فِيهِ إِلى مَحَبَّتِهِ، وَ بَلَغَ مُنْتَهى مُدَّةِ وَالِدِهِ، فَمَضى وَ صَارَ أَمْرُ اللَّهِ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَ قَلَّدَهُ دِينَهُ، وَ جَعَلَهُ الْحُجَّةَ عَلى عِبَادِهِ، وَ قَيِّمَهُ فِي بِلَادِهِ، وَ أَيَّدَهُ بِرُوحِهِ، وَ آتَاهُ عِلْمَهُ، وَ أَنْبَأَهُ فَصْلَ بَيَانِهِ، وَ اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وَ انْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، وَ أَنْبَأَهُ فَضْلَ بَيَانِ عِلْمِهِ، وَ نَصَبَهُ عَلَماً لِخَلْقِهِ، وَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلى أَهْلِ عَالَمِهِ، وَ ضِيَاءً لِأَهْلِ دِينِهِ، وَ الْقَيِّمَ عَلى عِبَادِهِ، رَضِيَ اللَّهُ بِهِ إِمَاماً لَهُمُ، اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وَ اسْتَحْفَظَهُ عِلْمَهُ، وَ اسْتَخْبَأَهُ حِكْمَتَهُ، وَ اسْتَرْعَاهُ لِدِينِهِ،وَ انْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، .


1- .في حاشية «الف»: «بهداهم». وفي حاشية «د» والكافي المطبوع: «بهديهم».
2- .في الكافي المطبوع: «تستهلّ».
3- .في حاشية «الف»: «خلقه».
4- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «معصوماً من الزلّات، مصوناً من الفواحش» بدل «معصوماً من الفواحش».
5- .في حاشية «الف»: «النطق».

ص: 157

1184.الإمام الصادق عليه السلام :وَ أَحْيَا بِهِ مَنَاهِجَ سَبِيلِهِ، وَ فَرَائِضَهُ وَ حُدُودَهُ، فَقَامَ بِالْعَدْلِ عِنْدَ تَحْيِيرِ أَهْلِ الْجَهْلِ ، وَ تَجْبِيرِ(1)أَهْلِ الْجَدَلِ، بِالنُّورِ السَّاطِعِ ، وَ الشِّفَاءِ النَّافِعِ، بِالْحَقِّ الْأَبْلَجِ، وَ الْبَيَانِ اللَّائِحِ مِنْ كُلِّ مَخْرَجٍ، عَلى طَرِيقِ الْمَنْهَجِ، الَّذِي مَضى عَلَيْهِ الصَّادِقُونَ مِنْ آبَائِهِ عليهم السلام، فَلَيْسَ يَجْهَلُ حَقَّ هذَا الْعَالِمِ إِلَّا شَقِيٌّ، وَ لَا يَجْحَدُهُ إِلَّا غَوِيٌّ، وَ لَا يَصُدُّ عَنْهُ إِلَّا جَرِيٌّ عَلَى اللَّهِ».هديّة:في بعض النسخ: «منح» بدل (فتح) أي أعطى بسببهم.(أبلج): أوضح.و«الطلاوة» مثلّثة الطاء: الحسن والقبول.(أهل موادّه) بالتشديد: جمع «المودّ» محلّ المحبّة، أي الطاعات؛ أو جمع «المادّة» أي موادّ رحمته، وهي سماواته وأرضه.(غشّاه) بالتشديد، و«من» للتبعيض.(يمدّ) على المعلوم: ينموا.(عنه): عن الإمام.(أسبابه): أسباب الإمام.(ملتبِسات) بكسر المفردة و«المشبّهات» بفتحها: من التفعيل.في بعض النسخ. «يرتضيهم» مكان (يرضى بهم).(أئمّة) على الرفع، أي هم أئمّة.(بالحقّ) أي بالقرآن، وبالقرآن يظهرون العدالة بين الخلق.(يدين بهم العباد). في بعض النسخ: «يدين بهداهم العباد» فعلى الأوّل أي بوسيلتهم، وعلى الثاني بهدايتهم أو بسيرتهم؛ لاحتمال الضمّ والفتح. و«الهَدْي» بالفتح وسكون الدال: السيرة.(يستهلّ): يتنوّر.

.


1- .في حاشية «ألف»: «تجبّر».

ص: 158

و(التِّلاد) ككتاب: المال القديم، ضدّ الطارف، وهو المستحدث من المال. وقال برهان الفضلاء: هو جمع «تَلَد» بالتحريك كولد، وأصل التاء الواو، أي الأموال والأولاد.و(الظلام) كسحاب.و«دعامة البيت» بكسر الدال: عماده.و(المنتجى) على اسم المفعول: صاحب السرّ، أي المنتجب للانتجاء وحفظ النجوى. و«الاصطناع» افتعال من الصنع.(على عينه) كناية عن كمال الاهتمام في حفظه ورعايته.و«الذرّ»: صغار النمل، كنّى به عن بني آدم حين استخرجوا من صلبه لأخذ الميثاق.(محبوّاً) يهمز ولا يهمز، من الحباء، وهو العطاء.و«الوقوب»: دخول الظلام. و«الغاسق»: الليل المظلم. و«النّفث»: النفخ.و«القرفة»: التّهمة والمجنة.في بعض النسخ: «معصوماً من الزلّات، مصوناً من الفواحش».(في يَفاعه): أوائل سنّه، «أيفع الغلام»: شارف الاحتلام.في بعض النسخ: «عن النطق» مكان (عن المنطق).وقرأ برهان الفضلاء: (إلى أن انتهت به) بالمدّ والتنوين. في بعض النسخ: «إلى حجّته» مكان (إلى محبّته).(انتدبه): اختاره.(واستخبأه) بالمعجمة والمفردة: أودع عنده وأمره بالكتمان.(واسترعاه): اعتنى بشأنه، وفي بعض النسخ: «استدعاه» بالدال.(وتخيير(1) أهل الجدل) أي الآمر أو الخليفة. وفي بعض النسخ: «وتجبّر أهل الجدل» بالجيم والمفردة.(جريّ) يُقرأ بالتشديد، والأصل «جرئ» بالهمز، على فعيل.

.


1- .ضبط المصنّف المتن سابقاً: «تحيير».

ص: 159

الباب السادس عشر: باب أنّ الأئمّة ولاة الأمر و هم الناس المحسودون...

الباب السادس عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام وُلَاةُ الْأَمْرِ وَ هُمُ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1180.امام باقر عليه السلام ( _ در تفسير همين آيه ) روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» فَكَانَ جَوَابُهُ:

««أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَبِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلَآءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلاً» يَقُولُونَ لِأَئِمَّةِ الضَلَالِ (2) وَ الدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ: هؤُلاءِ أَهْدى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ سَبِيلًا «أُوْلَئكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ» يَعْنِي الْإِمَامَةَ وَ الْخِلَافَةَ «فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا» نَحْنُ النَّاسُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ. وَ النَّقِيرُ : النُّقْطَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ النَّوَاةِ «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» نَحْنُ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ عَلى مَا آتَانَا اللَّهُ مِنَ الْإِمَامَةِ دُونَ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» يَقُولُ: جَعَلْنَا مِنْهُمُ الرُّسُلَ وَ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ، فَكَيْفَ يُقِرُّونَ بِهِ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري، عن معلّى بن محمّد، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجلي».
2- .في الكافي المطبوع: «الضلالة».

ص: 160

1180.امام باقر عليه السلام ( _ در تفسير همين آيه ) يُنْكِرُونَهُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله؟! «فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَِايَتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا»».هديّة:(فكان جوابه) يعني قراءة هذه الآية من سورة النساء(1) السابقة على هذه الآية(2)منها أيضاً.(يقولون لأئمّة الضلال) يحتمل فتح اللام للتّأكيد، وكسرها أولى.و«الفاء» في «فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ» عاطفة، و«إذا» من الحروف الناصبة، والكوفيّون يكتبونها بالنون، والبصريّون بالألف؛ لأنّ نونها في الوقف تنقلب بالألف، و«لَّا يُؤْتُونَ» مضارع بمعنى الحال؛ لأنّ الجملة السابقة عليه اسميّة، وبالحاليّة أولى، ولذا إذا لم يعمل عمل النصب - إذ في عملها كذا شرط - يكون المضارع بمعنى المستقبل. نعم، يحتمل أن يكون المضارع هنا بمعنى المستقبل؛ لأنّ عمل «إذ» أن بعد حرف العطف، كالفاء والواو، إنّما هو على سبيل الجواز لا الوجوب.«أصليته ناراً». أدخلته فيها.

الحديث الثاني 1184.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُضَيْلِ (3)، عَنْ أَبِي الحَسَنِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» قَالَ: «نحْنُ المَحْسُودُونَ».هديّة:(محمّد بن الفضيل) يروى عن الكاظم والرضا عليهما السلام.

.


1- .النساء (4): 51.
2- .النساء (4): 59.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 161

الحديث الثالث 1188.عنه عليه السلام ( _ في خُطبَتِةِ يَومَ الجُمُعَةِ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ مُؤْمِنِ الطاقِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ» ؟ فَقَالَ: «النُّبُوَّةَ». قُلْتُ : «الْحِكْمَةَ» ؟ قَالَ : «الْفَهْمَ وَ الْقَضَاءَ». قُلْتُ: «وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا»؟ فَقَالَ: «الطَّاعَةَ».هديّة:الآية في سورة النساء.(2)(والقضاء) يعني الحكم بين العباد بالعدل، بعد الفهم والعقل عن اللَّه سبحانه.(فقال: الطاعة) يعني افتراض طاعة الجميع للإمام المفترض الطاعة.

الحديث الرابع 1189.الإمام الباقر عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَن الكناني (3)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» فَقَالَ: «يَا أَبَا الصَّبَّاحِ، نَحْنُ وَاللَّهِ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ».هديّة:الآية في سورة النساء.(4) والمشهور في كنية (الكناني): أبو الصباح كسحاب، ونقل عن العلّامة - طاب ثراه - أنّه ضبط بصيغة المبالغة. و«الصباح» كسحاب و«الصبح» و«الصبيحة» كلّه بمعنى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن محمّد الأحول، عن حمران بن أعين».
2- .النساء (4): 54.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الصبّاح».
4- .النساء (4): 54.

ص: 162

الحديث الخامس 1191.الإمام الباقر عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عن الْعِجْلِيِ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا»(2)«جَعَلَ مِنْهُمُ الرُّسُلَ وَ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام، فَكَيْفَ يُقِرُّونَ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَ يُنْكِرُونَهُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله؟!» قَالَ: قُلْتُ: «وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا»؟ قَالَ: «الْمُلْكُ الْعَظِيمُ أَنْ جَعَلَ فِيهِمْ أَئِمَّةً مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللَّهَ؛ وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللَّهَ؛ فَهُوَ الْمُلْكُ الْعَظِيمُ».هديّة:هل مُلك بعد مُلك اللَّه تعالى أعظم من ذلك؟ لا واللَّه العظيم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن بريد العجليّ».
2- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 163

الباب السابع عشر: باب أنّ الأئمّة هم العلامات التي ذكرها اللَّه...

الباب السابع عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام هُمُ الْعَلَامَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1191.امام باقر عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِ (1)، عَنْ دَاوُدَ الْجَصَّاصِ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «وَ عَلَمَتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» قَالَ (2) : «النَّجْمُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الْعَلَامَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:«الجصّ» بالكسر ويفتح: ما يُبنى به، و(الجصّاص) الذي يتّخذه.في سورة النحل هكذا: «وَأَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(3)، والتقدير: «من أن تميد» أي تتحرّك وتضطرب، وكما فسّر «النجم» هنا ب «الأصل»، فسّر بأنّه استعارة من الكوكب، وضمير «هم» للعلامات.هل في علامات الربوبيّة للربّ تبارك وتعالى علامة أعظم من الإمام؟ لا واللَّه العظيم، ثمّ هل نعمة أعظم من التشيّع والولاية؟ لا واللَّه العظيم، فلا حاجة إلى ذكر وجه

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أبي داود المسترقّ».
2- .في الكافي المطبوع: «فقال».
3- .النجم (53): 15 و 16.

ص: 164

التعبير عن المعصوم - وهو أعلمُ جميعِ الخلق بالعلامة في نسق القرآن، وكذا عن الإيمان - بالنِّعمة؛ الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

الحديث الثاني 1195.امام صادق عليه السلام: روى في الكافي بإسناده عَنْ أسبَاطِ بنِ سَالِمٍ (1)، قَالَ: سَأَلَ الْهَيْثَمُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - وَ أَنَا عِنْدَهُ - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ عَلَمَتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» فَقَالَ : «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله النَّجْمُ، وَ الْعَلَامَاتُ (2) الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:(الهيثم) هذا ابن عروة أو ابن واقد، كلاهما من رجال الصادق عليه السلام.

الحديث الثالث 1198.رسول اللّه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عن الاثنين (3)، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ عَلَمَتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» قَالَ: «نَحْنُ الْعَلَامَاتُ، وَ النَّجْمُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».هديّة:الحسن بن عليّ الخزّاز - بالمعجمات - يُعرف ب (الوشّاء) له كتاب.وبيان الحديث كنظائره.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أسباط بن سالم».
2- .في الكافي المطبوع: + «هم».
3- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 165

الباب الثامن عشر: باب أنّ الآيات التي ذكرها اللَّه عزّ و جلّ في كتابه هم الأئمّة

الباب الثامن عشر : بَابُ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1201.الإمام الباقر عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ مَا تُغْنِى الْآيَتُ وَ النُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ» قَالَ : « الْآيَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ، وَ النُّذُرُ(2)، الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام (3)».هديّة:يعني (عن قول اللَّه تبارك وتعالى) في سورة يونس.(4)الجوهري: «ما يغني عنك هذا» أي ما يجدي (5) عنك وما ينفعك.(6)و«الإنذار»: الإبلاغ، ولا يكون إلّا في التخويف، والاسم: (النذر)، قال اللَّه تعالى في سورة القمر: «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ»(7).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن هلال، عن اُميّة بن عليّ، عن داود الرقّي».
2- .في الكافي المطبوع: + «هم».
3- .في الكافي المطبوع: «صلواتُ اللَّه عليهم أجمعين» بدل «عليه السلام».
4- .يونس (10): 101.
5- .في المصدر: «يجزي ء».
6- .الصحاح، ج 6، ص 2449 (غنى).
7- .القمر (54): 16، 18، 21، 30.

ص: 166

الحديث الثاني 1205.عَفّانُ البَصرِيُّ عَنِ الإمامِ الصّادِقِ عليه الروى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ (1) رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «كَذَّبُواْ بِآيَتِنَا كُلِّهَا»: «يَعْنِي الْأَوْصِيَاءَ كُلَّهُمْ».هديّة:(في قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة القمر.(2)(الأوصياء كلّهم) يعني أوصياء نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله، وقد سبق في الحديث أنّ أوصياء سائر الأنبياء كانوا أنبياء، وهذا من وجوه الاستثناء في حديث المنزلة: «يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»(3).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (4)، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ الشِّيعَةَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ تَفْسِيرِ هذِهِ الْآيَةِ : «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ»(5)؟ قَالَ: «ذلِكَ إِلَيَّ إِنْ شِئْتُ أَخْبَرْتُهُمْ، وَ إِنْ شِئْتُ لَمْ أُخْبِرْهُمْ» ثُمَّ قَالَ: «لكِنِّي أُخْبِرُكَ بِتَفْسِيرِهَا».قُلْتُ: «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ»؟ قَالَ: فَقَالَ : «هِيَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : مَا لِلَّهِ تَعَالى آيَةٌ(6) أَكْبَرُ مِنِّي، وَ لَا لِلَّهِ مِنْ نَبَأٍ أَعْظَمُ مِنِّي».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني، عن موسى بن محمّد العجلي، عن يونس بن يعقوب».
2- .القمر (54): 42.
3- .الخصال، ج 2، ص 573، أبواب السبعين وما فوقه، ضمن ح 1؛ وعنه في البحار، ج 31، ص 432.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير أو غيره، عن محمّد بن الفضيل».
5- .النبأ (78): 1 - 2.
6- .في الكافي المطبوع: + «هي».

ص: 167

هديّة:قد روى مثله: عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن الرِّضا عليه السلام بزيادة في آخره، وهو قوله عليه السلام: «ولقد عرض فضلي على الاُمم الماضية على اختلاف ألسنتها، فلم تقرّ(1) بفضلي»(2) أي لم تجهل بفضلي.ومن المتّفقات عليها - كما سيجي ء - أنّ الإمام كما يجب على الرعيّة السؤال عنه، لا يجب عليه الجواب، بل ذلك إليه؛ لأنّه أعلم بالمصالح عاقلاً عن اللَّه سبحانه.الجوهري: عمّ الشي ء - كمدّ - عموماً: شمل الجماعة، و«عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ» أصله: «عمّا»، حذفت منه «الألف» في الاستفهام.(3)وقال برهان الفضلاء:«التساؤل» كالتجاوب يشمل السؤال والجواب، ولذا فسّر «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ» بأنّ جميع الخلائق من الأوّلين والآخرين هم مسؤولون يوم القيامة عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.ثمّ قال:و«عَمَّ» إمّا فعل ماض، فالتقدير: «أن يتساءلون» أهملت الناصبة المقدّرة عن العمل. و«عَنِ النَّبَإِ» متعلّق ب «يَتَسَآءَلُونَ» أو كلمةٌ في مقام الاستفهام، وأصلها «عن ما» فاُدغمت النون في الميم، وحذفت الألف بسبب حرف الجرّ، ف «عَمَّ» متعلّق ب «يَتَسَآءَلُونَ» و«عَنِ النَّبَإِ» بعامل محذوف، لا بدل عن «عَمَّ» بناءً على ما قيل: من أنّ في بدل الاستفهام يلزم تكرار الاستفهام، فيلزم «أعن النبأ».في بعض النسخ: «هي أكبر منّي» بزيادة «هي».والاستشهاد لتوضيح أنّ المراد ب «النَّبَإِ» هنا هو الآية، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ في سورة النبأ أيضاً: «وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً»(4) فيمن أنكروا النبأ العظيم.

.


1- .هكذا في المصدر. وفي «الف» و «د»: «تغو».
2- .تفسير القمّي، ج 2، ص 401.
3- .الصحاح، ج 5، ص 1993 (عمم).
4- .النبأ (78): 28.

ص: 168

وقد ذكر محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات في باب «في الأئمّة وأنّ الجنّ تأتيهم»: أنّ اسم أمير المؤمنين - صلوات اللَّه عليه - في التوراة «اليا» وفي الإنجيل «حيدار»(1) بزيادة الألف.(2)

.


1- .في المصدر: «هيدارا».
2- .بصائر الدرجات، ص 98، باب في الأئمّة عليهم السلام و أنّ الجنّ يأتيهم... ، ضمن ح 8 .

ص: 169

الباب التاسع عشر: باب ما فرض اللَّه و رسوله من الكون مع الأئمّة

الباب التاسع عشر : بَابُ مَا فَرَضَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ رَسُولُهُ صلّى اللَّه عليه وآله مِنَ الْكَوْنِ مَعَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل 1207.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي عن الاثنين (1) عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِّ ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ» قَالَ: «إِيَّانَا عَنى».هديّة:(عن قول اللَّه عزّ و جلّ) يعني في سورة التوبة.(2)وفي التفسير: أنّ «الصَّدِقِينَ» يعني الذين صدْقُهم قطعيٌّ لا شكّ فيه بوجه، فالصادقون هم المعصومون.

الحديث الثاني 1209.امام صادق عليه السلام ( _ درباره آيه «بندگانى از خود را كه سخت نيرومندند ) روى في الكافي بإسناده (3) عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ البزنطي، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام،

.


1- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .التوبة (9): 119.
3- .الظاهر انّ تعبير «بإسناده» هنا خطأ؛ لأنّ «محمّد» هو «محمّد بن يحيى» الذي من مشايخ الكليني رحمة اللَّه عليه كما في الحديث الرابع و السادس من هذا الباب، و السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام».

ص: 170

1209.امام صادق عليه السلام ( _ درباره آيه «بندگانى از خود را كه سخت نيرومندند ) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ» قَالَ : «الصَّادِقُونَ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ الصَّدِيقُونَ بِطَاعَتِهِمْ».هديّة:يعني (الصادقون) صنفان؛ الأوّل: (الأئمّة) عليهم السلام، والثاني: (الصدّيقون) يعني أصدقاء الأئمّة عليهم السلام، جمع «صَدِيق» على فعيل، يعني المحبّ؛ صرّح به برهان الفضلاء. والقيد للتخصيص، أي لا مطلق المحبّين لهم عليهم السلام، بل المتلبّسين بالإقرار بفرض طاعتهم. ويحتمل «الصدِّيقون» بكسر الصاد وتشديد الدال، على صيغة المبالغة، أي الصادقون - كما ينبغي - في الإقرار بفرض طاعتهم عليهم السلام، و«الصدِّيق»: الكثير الصدق الذي يطابق قوله فعله.

الحديث الثالث 1213.عنه عليه السلام :روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ ومُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَينِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ بُرُزْجَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْيَا حَيَاةً تُشْبِهُ حَيَاةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَ يَمُوتَ مِيتَةً تُشْبِهُ مِيتَةَ الشُّهَدَاءِ، وَ يَسْكُنَ الْجِنَانَ الَّتِي غَرَسَهَا الرَّحْمنُ، فَلْيَتَوَلَّ عَلِيّاً عليه السلام، وَ لْيُوَالِ وَلِيَّهُ، وَ لْيَقْتَدِ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ عِتْرَتِي ، خُلِقُوا مِنْ طِينَتِي ؛ اللَّهُمَّ ارْزُقْهُمْ فَهْمِي وَ عِلْمِي، وَ وَيْلٌ لِلْمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ أُمَّتِي؛ اللَّهُمَّ لَا تُنِلْهُمْ شَفَاعَتِي».هديّة:«الميتة» بالكسر للنوع، كالرُّكْبة والجَلْسَة.«غرس شجراً» كضرب، و«غرس اللَّه سبحانه»: صنعه.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَيْبٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن سعد بن طريف».
2- .في «الف»: «سويد».

ص: 171

الْفُضَيْلِ، عَنْ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - يَقُولُ: اسْتِكْمَالُ حُجَّتِي عَلَى الْأَشْقِيَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ: مَنْ تَرَكَ وَلَايَةَ عَلِيٍّ، وَ وَالى أَعْدَاءَهُ، وَأَنْكَرَ فَضْلَهُ وَ فَضْلَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ ، فَإِنَّ فَضْلَكَ فَضْلُهُمْ، وَ طَاعَتَكَ طَاعَتُهُمْ، وَحَقَّكَ حَقُّهُمْ، وَ مَعْصِيَتَكَ مَعْصِيَتُهُمْ، وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِكَ، جَرى فِيهِمْ رُوحُكَ ، وَ رُوحُكَ (1) جَرى فِيكَ مِنْ رَبِّكَ، وَ هُمْ عِتْرَتُكَ مِنْ طِينَتِكَ وَ لَحْمِكَ وَ دَمِكَ، وَ قَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالى فِيهِمْ سُنَّتَكَ وَ سُنَّةَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ، وَ هُمْ خُزَّانِي عَلى عِلْمِي مِنْ بَعْدِكَ، حَقٌّ عَلَيَّ لَقَدِ اصْطَفَيْتُهُمْ وَ انْتَجَبْتُهُمْ وَ أَخْلَصْتُهُمْ وَ ارْتَضَيْتُهُمْ، وَنَجَا مَنْ أَحَبَّهُمْ وَ وَالَاهُمْ وَ سَلَّمَ لِفَضْلِهِمْ، وَ لَقَدْ أَتَانِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَ أَحِبَّائِهِمْ وَ الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِمْ».

هديّة:(استكمال حجّتي) خبره (على الأشقياء). و(من ترك) بدل من «الأشقياء».في بعض النسخ: «وروحك ما جرى» بزيادة الموصول.وقرأ برهان الفضلاء: «ولقد آتاني» من الإيتاء، بمعنى الإعطاء، وضبط «المسلّمين» بدون الواو العاطفة.ولا بُعد في إرجاع الضماير الجمع في آخر الحديث إلى (من أحبّهم)، بل هو أولى؛ لما لا يخفى.

الحديث الخامس 1214.اسماعيل جعفى:روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ فَضَالَةَ(2)، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ (3)، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي، وَ يَمُوتَ مِيتَتِي ، وَ يَدْخُلَ جَنَّةَ عَدْنٍ الَّتِي غَرَسَهَا(4) رَبِّي بِيَدِهِ، فَلْيَتَوَلَّ .


1- .في «د» والكافي المطبوع: + «ما».
2- .في الكافي المطبوع: «عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب» بدل «عن الحسين، عن فضالة».
3- .في حاشية «الف»: «مسلم».
4- .في الكافي المطبوع: + «اللَّه».

ص: 172

1214.اسماعيل جعفى:عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَ لْيَتَوَلَّ وَلِيَّهُ، وَلْيُعَادِ عَدُوَّهُ، وَ لْيُسَلِّمْ لِلْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ عِتْرَتِي مِنْ لَحْمِي وَ دَمِي، أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فَهْمِي وَ عِلْمِي، إِلَى اللَّهِ أَشْكُو أَمْرَ أُمَّتِي الْمُنْكِرِينَ لِفَضْلِهِمْ، الْقَاطِعِينَ فِيهِمْ صِلَتِي، وَ ايْمُ اللَّهِ، لَيَقْتُلُنَّ ابْنِي، لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي».هديّة:(أيم) بالفتح: مخفّف« أيمن» جمع «اليمين»، والمعنى كما صرّح به برهان الفضلاء: إيمان اللَّه يميني لتقتلنّ ابني، يعني أبا عبداللَّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام والحسنين عليهما السلام، على قراءة (ابنيّ) بإضافة التثنية إلى ياء المتكلِّم، كما قرأه برهان الفضلاء.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْقَهَّارِ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي، وَ يَمُوتَ مِيتَتِي ، وَ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ الَّتِي وَعَدَنِيهَا رَبِّي، وَ يَتَمَسَّكَ بِقَضِيبٍ غَرَسَهُ رَبِّي بِيَدِهِ، فَلْيَتَوَلَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ أَوْصِيَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُدْخِلُونَكُمْ فِي بَابِ ضَلَالٍ، وَ لَا يُخْرِجُونَكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى، فَلَا تُعَلِّمُوهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَ إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَلَّا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْكِتَابِ حَتّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ هكَذَا - وَ ضَمَّ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - وَ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلى أَيْلَةَ، فِيهِ قُدْحَانُ فِضَّةٍ وَ ذَهَبٍ عَدَدَ النُّجُومِ».

هديّة:«القضيب»: غصن الشجر.و(الحوض) إمّا مجرور ب «على» أو منصوب، على أن يكون مفعولاً، فيقرأ: «عليّ» بالتشديد بإدغام الياءين.و«الاصبع» بكسر الهمزة وفتحها وضمّها، وكسر المفردة وفتحها وضمّها، والمراد منهما هنا: السبّابتان من اليدين.و(صنعاء) بالفتح والمدّ: قصبة اليمن، وقرية بباب دمشق.و(أيلة) بالفتح وسكون الخاتمة وفتح اللام: جبل بين مكّة والمدينة، وبلد بين ينبع

.

ص: 173

ومصر. وضبط برهان الفضلاء: «أبُلَّة» بضمّ الهمزة وضمّ المفردة أيضاً وفتح اللام المشدّدة: مدينة قرب البصرة، معروفة بأنّها جنّة من جنّات الدنيا، ثمّ احتمل: «أيلة» على ما عرفت.ويجمع «القدح» للماء على (قُدْحان) بضمّ القاف وسكون الدال.

الحديث السابع روى في الكافي عن الاثنين (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ الصَّيْقَلِ (2) ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّ الرَّوْحَ وَ الرَّاحَةَ وَ الْفَلْجَ (3) وَ الْعَوْنَ وَ النَّجَاحَ وَ الْبَرَكَةَ وَ الْكَرَامَةَ وَ الْمَغْفِرَةَ وَ الْمُعَافَاةَ وَ الْيُسْرَ(4) وَ الْبُشْرى وَ الرِّضْوَانَ وَ الْقُرْبَ وَ النَّصْرَ وَ التَّمَكُّنَ وَ الرَّجَاءَ وَ الْمَحَبَّةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالى لِمَنْ تَوَلّى عَلِيّاً عليه السلام وَ ائْتَمَّ بِهِ، وَ بَرِئَ مِنْ عَدُوِّهِ، وَ سَلَّمَ لِفَضْلِهِ وَ لِلْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ، حَقّاً عَلَيَّ أَنْ أُدْخِلَهُمْ فِي شَفَاعَتِي، وَ حَقٌّ عَلى رَبِّي - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَنْ يَسْتَجِيبَ لِي فِيهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَتْبَاعِي، وَ مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي».

هديّة:الظاهر: «قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» فضماير المتكلّم للرسول صلى اللَّه عليه وآله، أو كذلك في حكاية الإمام عليه السلام كلام الرسول صلى اللَّه عليه وآله بعينه، أو لا ذا ولا ذا؛ ولا بُعد.وقرأ برهان الفضلاء إنّ (الرُّوح) بالضمّ، يعني ما به الحياة التي لا فناء معها، ثمّ احتمل «الرَّوح» بالفتح وهو النسيم؛ أي الريح الطيّبة. والرحمة والراحة والروح - بالتحريك - : الوسعة، والكلّ مناسب هنا.(والراحة): الخفّة بعد الشدّة.(والفلج) بالجيم محرّكة: الظفر على المطلوب. وفي بعض النسخ: «والفلح»

.


1- .أي: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع: «عن فضالة بن أيّوب، عن الحسن بن زياد» بدل «عن فضالة، عن الصيقل».
3- .في حاشية «الف»: «الفلاح».
4- .في حاشية «د»: «البشر».

ص: 174

بالمهملة، أي النجاة من التعب. وفي بعض آخر: «والفلاح» بزيادة الألف.(والعون) اسم الإعانة، أي من اللَّه بالتوفيق وغير ذلك. ويُطلق على المُعين واحداً أو جماعة.(والنجاح) بالفتح: الوصول إلى النِّعمة المطلوبة.(والبركة): تزايد النِّعمة آناً فآناً، أو يوماً فيوماً.(والكرامة): وصف العزيز والشريف.(والمعافاة) من العفو بمعناه.(واليُسر): سهولة العيش.(والبشرى): بشارة النجاة والثواب.«نصره على عدوّه»: أظفره عليه. (والتمكّن): كمال التقرّب من السلطان.

.

ص: 175

الباب العشرون: باب أنّ أهل الذكر الذين أمر اللَّه الخلق بسؤالهم هم الأئمّة

الباب العشرون : بَابُ أَنَّ أَهْلَ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِسُؤَالِهِمْ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الاثنين، عَنِ الْوَشَّاءِ(1)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» قَالَ: «قَالَ (2)رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : الذِّكْرُ أَنَا ، وَ الْأَئِمَّةُ أَهْلُ الذِّكْرِ».وَ قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «نَحْنُ قَوْمُهُ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».

هديّة:في بعض النسخ: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» بدون تكرار «قال»،(3) فالظرف مقدَّم على متعلّقه؛ يعني «قال» ولا إشكال في صورة التكرار.والآية الاُولى في سورتين: سورة النحل (4) وسورة الأنبياء،(5)والثانية في سورة الزخرف.(6)

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء».
2- .في الكافي المطبوع: - «قال».
3- .كما في الكافي المطبوع.
4- .النحل (16): 43.
5- .الأنبياء (21): 7.
6- .الزخرف (43): 44.

ص: 176

وكما يُطلق «الذكر» على القرآن، يُطلق على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال اللَّه تعالى في سورة الطلاق: «قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً»(1)، وفي سورة العنكبوت: «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»(2)؛ سيجي ء في الحديث في كتاب فضل القرآن: «نحن ذكر اللَّه ونحن أكبر»،(3) والمراد من الذِّكر على جميع إطلاقه ما هو أبين الأسباب لتذكّر ربوبيّة ربّ العالمين، والذكر في آية سورة الزخرف «القرآن»، وسوف يحتمل أن يكون لمحض التأكيد.ف «نحن المسؤولون» يعني عمّا يحتاج إليه الناس من الحلال والحرام، أو للاستقبال البعيد؛ وقد سبق أنّهم عليهم السلام أشهاد على الناس يوم القيامة.

الحديث الثاني 1225.الإمام الهادي عليه السلام ( _ فِي الزِّيارَةِ الجامِعَةِ الَّتي يُزارُ بِهَا ) روى في الكافي عن الاثنين، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ، عَنْ عَمِّهِ (4)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»؟ قَالَ: «الذِّكْرُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله، وَ نَحْنُ أَهْلُهُ الْمَسْؤُولُونَ».

قَالَ: قُلْتُ: قَوْلُهُ: «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ»؟ قَالَ: «إِيَّانَا عَنى، وَ نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الاثنين (5)، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ

.


1- .الطلاق (65): 10 - 11.
2- .العنكبوت (29): 45.
3- .الكافي، ج 2، ص 598، كتاب فضل القرآن، ضمن ح 1؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 4، ص 594، ح 3473.
4- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن اُورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير».
5- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 177

«فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»؟ فَقَالَ: «نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».قُلْتُ: فَأَنْتُمُ الْمَسْؤُولُونَ، وَ نَحْنُ السَّائِلُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ».قُلْتُ: حَقّاً عَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ».قُلْتُ: حَقّاً عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا؟ قَالَ: «لَا، ذَاكَ إِلَيْنَا، إِنْ شِئْنَا فَعَلْنَا، وَ إِنْ شِئْنَا لَمْ نَفْعَلْ، أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى : «هَذَا عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»؟».

هديّة:(حقّاً) - في الموضعين - نُصِب على المصدريّة من عامل مقدّر.(قال: لا) قيل: لعلّ المعنى: لا دائماً، إذ قد يجب الجواب كما قد يجب الإمساك، وبهذا دفع برهان الفضلاء - سلّمه اللَّه تعالى - المنافاة بين هذا الخبر وما مرّ في كتاب العقل من أنّ اللَّه تعالى لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم، حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال.(1)أقول: لا شكّ أنّ معنى أخذ العهد ببذل العلم على العالم - بمعنى الإمام - أخذه ببذله بإذن اللَّه تعالى، فالمعنى: ذاك إلينا، إن شئنا الفعل بإذن اللَّه فعلنا، وإن شئنا الترك كذلك تركنا، ولعلّ في قوله تعالى في سورة ص: «هَذَا عَطَاؤُنَا»(2) إشارة إلى ما قلنا، فلا إشكال. وسيجي ء في الباب الثاني والخمسين أنّ المخاطب هو سليمان عليه السلام، فجرى في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وحكم أوصيائه حكمه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الرابع 1227.امام باقر عليه السلام ( _ در بيان كيفيت خطبه دوم نماز جمعه ) روى في الكافي بإسناده عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ(3)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ (4) : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ»: «فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الذِّكْرُ، وَ .


1- .الكافي، ج 1، ص 41، باب بذل العلم، ح 1؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 100، ح 95.
2- .ص (38): 39.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد».
4- .في حاشية «د»: «تعالى».

ص: 178

1227.امام باقر عليه السلام ( _ در بيان كيفيت خطبه دوم نماز جمعه ) أَهْلُ بَيْتِهِ عليهم السلام الْمَسْئُولُونَ ، وَ هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ».هديّة:قيل: تفسيره عليه السلام - على استقامة متن الخبر - يستقيم هكذا: وأنّ القرآن لذكر للذكر ولقوم الذكر، فإنّ المستفاد من الأخبار الماضية والآتية أنّ الذكر هنا له إطلاقان.وهو كما ترى. وقال بعض المعاصرين: كأنّ في الحديث إسقاطاً أو تبديلاً لإحدى الآيتين بالاُخرى سهواً من الراوي أو الناسخ.(1)أقول: الفاء بيانيّة، لبيان أنّ للذكر في القرآن إطلاقات على ما ذكرناه آنفاً، فلا إسقاط ولا تبديل ولا إشكال، وأحاديث الباب بيّنات عادلات، والتالي أبين.

الحديث الخامس 1231.الإمام الهادي عليه السلام ( _ في زِيارَةِ الإِمامِ المَهدِيِّ عليه السلام ) روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيٍ (2)، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ» قَالَ: «الذِّكْرُ : الْقُرْآنُ، وَ نَحْنُ قَوْمُهُ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».هديّة:الظاهر أنّ ضمير (قومه) للقرآن؛ أي قومه القيّمين له، ويحتمل للرسول صلى اللَّه عليه وآله كما أرجعه برهان الفضلاء؛ يعني المخاطب في الآية بقوله: «وَ لِقَوْمِكَ».

الحديث السادس 1232.امام عسكرى عليه السلام ( _ در درود فرستادن بر ولى امر منتظر عليه السلام ) روى في الكافي بإسناده عَنْ بزرج بِنْ الْحَضْرَمِيِ (3)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَرْدُ أَخُو الْكُمَيْتِ، فَقَالَ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ، اخْتَرْتُ لَكَ سَبْعِينَ مَسْأَلَةً مَا يَحْضُرُنِي (4) .


1- .الوافي، ج 3، ص 528، ذيل ح 1050.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن ربعي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي».
4- .في الكافي المطبوع: «يحضرني».

ص: 179

1232.امام عسكرى عليه السلام ( _ در درود فرستادن بر ولى امر منتظر عليه السلام ) مِنْهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ:

«وَ لَا وَاحِدَةٌ يَا وَرْدُ؟» قَالَ: بَلى ، قَدْ حَضَرَنِي مِنْهَا وَاحِدَةٌ، قَالَ: «وَ مَا هِيَ؟» قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «نَحْنُ». قَالَ: قُلْتُ: عَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا؟ قَالَ : «ذَاكَ إِلَيْنَا».هديّة:احتمل برهان الفضلاء «ما احتزت» بالمهملة والزاي، مكان (اخترت) بالمعجمة والراء. احتازه: جمعه.(قال: ولا واحدة) تعجّباً.(قال: قلت:) يعني الحضرمي.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْعَلَاءِ(1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» أَنَّهُمُ الْيَهُودُ وَ النَّصَارى؟ قَالَ (2) : «إِذاً يَدْعُونَكُمْ إِلى دِينِهِمْ».(3) ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ: «نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».

هديّة:(أنّهم) بالفتح بدل عن أنّ قول اللَّه تعالى.في بعض النسخ: «يدعونهم» أي يدعون السائلين، والمضارع هنا بمعنى الحال، ولذا لم يعمل (إذاً) عمل النصب كما عرفت في الباب السابق على السابق على سابق هذا الباب.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين».
2- .في حاشية «الف»: «فقال».
3- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 180

و(بيده) متعلّق ب (قال) على تضمين معنى «أشار» أو لأنّ «قال» هنا بمعنى أشار. قال ابن الأنباري: «قال» لها معان: منها: أشار.(1)وهذا الخبر ممّا روته العامّة أيضاً بمعناه؛ قد روى الشهرستاني في تفسيره المسمّى بمفاتيح الأسرار عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّ رجلاً سأله، فقال: من عندنا يقولون قوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2): إنّ الذكر هو التوراة، وأهل الذِّكر هم علماء اليهود، فقال عليه السلام: «إذاً واللَّه يدعوننا إلى دينهم، بل نحن واللَّه أهل الذِّكر الذين أمر اللَّه تعالى بردّ المسألة إلينا».(3) قال الشهرستاني: وكذا نقل عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «نحن أهل الذِّكر».(4)

الحديث الثامن 1239.المُفَضَّلُ بنُ عُمَرَ :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : عَلَى الْأَئِمَّةِ مِنَ الْفَرْضِ مَا لَيْسَ عَلى شِيعَتِهِمْ، وَ عَلى شِيعَتِنَا مَا لَيْسَ عَلَيْنَا، أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالى أَنْ يَسْأَلُونَا، قَالَ: «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُونَا، وَ لَيْسَ عَلَيْنَا الْجَوَابُ، إِنْ شِئْنَا أَجَبْنَا، وَ إِنْ شِئْنَا أَمْسَكْنَا».هديّة:(أمرهم اللَّه تعالى) استئنافٌ بياني ل (الفرض) في الفقرة المعطوفة، والجواب عن السؤال في الفرض الخاصّ بهم عليهم السلام أيضاً إليهم؛ لما عرفت آنفاً.

الحديث التاسع روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ البزنطي (5)، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الرِّضَا عليه السلام كِتَاباً، فَكَانَ فِي بَعْضِ مَا كَتَبْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «وَمَا

.


1- .راجع: تاج العروس، ج 15، ص 640 (قول).
2- .النحل (16): 43.
3- .المطبوع منه مجلّدان وهما يتضمّنان تفسير سورة البقرة فقط، ولم نعثر على ما نقل فيهما.
4- .نقل هذان الخبران عن المصدر في الوافي، ج 3، ص 526، ذيل ح 1046؛ والبحار، ج 23، ص 172.
5- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».

ص: 181

كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِ ّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآلِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» فَقَدْ فُرِضَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْأَلَةُ، وَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْكُمُ الْجَوَابُ؟ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَلهُ»».

هديّة:الآية الاُولى في النحل والأنبياء(1)، وقد عرفت؛ والثانية في التوبة،(2) والثالثة في القصص.(3)(فقد فُرِضَت)(ولم يُفْرَضْ) سؤال عن وجه عدم فرض الجواب مع تحقّق فرض السؤال في آية سورة النحل والأنبياء والتوبة.والاستجابة هنا طلب الجواب كما صرّح به برهان الفضلاء، واللام في (لك) للسببيّة، أي بسبب أنّك حجّة.ومذهب صاحب الكشّاف أنّ (أنّما) بالفتح يفيد الحصر ك «إنّما» بالكسر.(4) وخالفه جماعة من النحاة.(5)وقيل: الاستجابة هنا بمعنى تسليم الجواب، ومراده عليه السلام من الجواب بذكر الآية في سورة القصص: أنّ عليكم أن تستجيبوا لنا في كلّ ما نقول لكم، وليس لكم السؤال ب «لِمَ» و«كيف».وقال بعض المعاصرين: «ولم يفرض» استفهام استبعاد، كأنّه استفهم السرّ فيه، فحاصل الجواب: أنّ الأولى بحالكم ألّا نجيبكم إلّا فيما نعلم أنّكم تستجيبونا فيه، فلو كنّا نُجيبكم عن كلّ ما سألتم، فربّما يكون في بعض ما نجيبكم ما لا تستجيبونا فيه، فتكونون من أهل هذه الآية.(6)

.


1- .النحل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
2- .التوبة (9): 122.
3- .القصص (28): 50.
4- .راجع: الكشّاف، ج 3، ص 184.
5- .راجع: مغني اللبيب، ج 1، ص 40.
6- .الوافي، ج 3، ص 530، ذيل ح 1054.

ص: 182

الباب الحادي والعشرون: باب أنّ من وصفه اللَّه تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمّة

الباب الحادي والعشرون : بَابُ أَنَّ مَنْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ بِالْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 1244.الإمام الصادق عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدٍ(1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَبِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّمَا نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ، وَ عَدُوُّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ،(2)وَ شِيعَتُنَا أُولُو الْأَلْبَابِ».هديّة:في بعض النسخ هكذا: «والذين لا يعلمون عدوّنا».والآية في سورة الزمر،(3) والتفسير بيان لما هو العلم البشري حقيقة وما هو الجهل البشري كذلك، فلا منبع للعلم سوى المعصوم، فلا علم إلّا عنده وشيعته، فلو وجد حرف أو أكثر عند غيرهم، فمأخذه منهم البتّة.و«اللبّ»: العقل، ومن دلائل عقل الشيعة امتيازه عن جميع الفرق بإيجابه القول بوجوب وجود المعصوم في حكمة المدبِّر الحكيم لمثل هذا النظام العظيم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري، عن سعد».
2- .في حاشية «الف» و الكافي المطبوع: «والذين لا يعلمون عدوّنا» بدل «وعدوّنا الذين لا يعلمون».
3- .الزمر (39): 9.

ص: 183

الحديث الثاني 1243.كامل تمّار: روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ(1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَبِ» قال : «نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ، وَعَدُوُّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وَ شِيعَتُنَا أُولُو الْأَلْبَابِ».هديّة:بيانه كسابقه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد».

ص: 184

الباب الثاني والعشرون: باب أنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة

الباب الثاني والعشرون : بَابُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1247.الإمام عليّ عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ وَ عِمْرَانَ بْنِ عَلِيٍ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «نَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَ نَحْنُ نَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ».هديّة:أي (في العلم) بجميع القرآن؛ تفسير محكماته وتأويل متشابهاته. ومن الأوّليّات عند اُولي الألباب: أنّ العلم حقّاً بحقيقة الأشياء في مثل هذا النظام بذلك الشأن ليس لأحد - كما هو الحقّ - إلّا لمدبّره وصانعه ومن أخبره صانعُه، وأنّ صانعه العليم الحكيم لا يخبر عبداً من عباده بحقائق الأشياء إلّا أن يكون معصوماً وهو قادر على خلقه، ألا ترى أنّ السيّد لن يرضى في أمره الخطير إلّا أن يأمر به من هو ممتاز في غلمانه بالعقل والأمانة ونحوهما من الفضائل والمكارم.والحديث تفسير لقوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ»(2). وفي تفسير هذه الآية في سورة آل عمران أقوال مختلفة للناس، ولا اختلاف في كلام العاقل عن اللَّه تعالى، وكفى بالخبر التالي حسماً لمادّة الخلاف إن شاء اللَّه تعالى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن أيّوب بن حرّ و عمران بن عليّ».
2- .آل عمران (3): 7.

ص: 185

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ العجلي (1)، عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ» : «فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَفْضَلُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَ التَّأْوِيلِ، وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْوِيلَهُ، وَ أَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ، وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ إِذَا قَالَ الْعَالِمُ فِيهِمْ بِعِلْمٍ، فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِقَوْلِهِ: «يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا» وَ الْقُرْآنُ خَاصٌّ وَ عَامٌّ، وَ مُحْكَمٌ وَ مُتَشَابِهٌ، وَ نَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ، فَالرَّاسِخُونُ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ».

هديّة:قال اللَّه عزّ وجلّ في سورة آل عمران: «هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»(2).الفاء في (فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) بيانيّة، وقد توهّم قوم بناءً على قراءة الوقف في هذه الآية من سورة آل عمران على (إلّا اللَّه) أنّه نظير قوله: «ولا يعلم الغيب إلّا اللَّه» فيدلّ على أنّ الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابهات، فزعموا أنّ هذا الوقف يضرّ القائلين بأنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، ولا يضرّ على فرض صحّته؛ لإقرارهم بأنّ النبيّ عليه السلام كان يخبر عن الغيب بإذن اللَّه، ويعلم تأويل المتشابه بإذن اللَّه، فلا حاجة في دفع شبهتهم إلى الفرق بين «ما» و«لا» بأنّ الأوّل لنفي الحال، والثاني لنفي الحال والاستقبال، ليقال: إنّ الوقف على «إلّا اللَّه» يفيد أنّ تأويل المتشابه إنّما هو من

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن عبد اللَّه بن عليّ، عن إبراهيم، بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن حمّاد، عن بريد بن معاوية».
2- .آل عمران (3): 7 و 8 .

ص: 186

الغيوب حال نزوله، ثمّ الإمام عليه السلام أشار بالقراءة إلى عدم صحّة قراءة الوقف على «إلّا اللَّه» وبالتفسير إلى دفع تلك الشبهة أيضاً، حيث قال: «فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» إلى آخر الحديث.(والذين لا يعلمون تأويلَهُ) يعني الشيعة (إذا قال العالم فيهم) يعني الإمام الذي بين أظهرهم.وفي بعض النسخ: «فيه» مكان «فيهم» أي في القرآن، أو في تأويل المتشابه.(فأجابهم اللَّه) يعني فأجاب اللَّه الشيعة بقوله في القرآن بلسان المعصوم.وقول بعض المعاصرين: يعني أجاب اللَّه الراسخين في العلم من قبل الشيعة بقوله (1)، مآله ببُعد طريقه إلى ما قلنا.(يقولون) يعني الشيعة إذا أجابهم المعصوم، وجوابه جواب اللَّه تعالى. يقولون (كلٌّ من عند ربّنا) يعني كلّ ما جاء به المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى. وقال بعض المعاصرين: يعني كلّ من المحكم والمتشابه.(2)(والقرآن خاصّ) - إلى آخره - استئنافٌ بياني تفسيراً لقوله تعالى: «كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» أي كلّ ما جاء به المعصوم من المذكورات، بدليل قوله: ف «وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ» يعلمونه.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّه (3)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام».

هديّة:يعني أنّ الراسخين في العلم الذين ذكرهم اللَّه في سورة آل عمران إنّما هم الأئمّة الاثنى عشر، فإيماء إلى أنّ أهل القبلة بعد الرسول صلى اللَّه عليه وآله أربعة أقسام: أهل تأويل المتشابهات بالآراء، وتابعوهم أهل الزيغ، والراسخون في العلم، وشيعتهم اُولوا الألباب.

.


1- .الوافي، ج 3، ص 532، ذيل ح 1057.
2- .نفس المصدر.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن اُورومة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير».

ص: 187

الباب الثالث والعشرون: باب أنّ الأئمّة قد اُوتوا العلم و اُثبت في صدورهم

الباب الثالث والعشرون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام قَدْ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ أُثْبِتَ فِي صُدُورِهِمْوأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1255.عنه عليه السلام ( _ لِلمُفَضَّلِ بنِ مَزيدٍ بَعدَ ماذَكَرَ أصحابَ أ ) روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ(1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ فِي هذِهِ الْآيَةِ: «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ.هديّة:(في هذه الآية) في سورة العنكبوت.(2)«بَلْ هُوَ» أي القرآن.(فأومأ) يقرأ بالهمز وبدونها.(إلى صدره) إشارة إلى أنّ قيّم القرآن والعالم بآياته البيّنات عاقلاً عن اللَّه تعالى لا يكون إلّا المعصوم، والواسطة سواه غير معقولة.

الحديث الثاني 1255.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ السّرّاد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِ (3)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار».
2- .العنكبوت (29): 49.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه، عن محمّد بن عليّ، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي».

ص: 188

1255.امام صادق عليه السلام:اللَّهِ تَعَالى : «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث 1257.ابو هاشم جعفرى:روى في الكافي بإسناده عَنْ سَمَاعَةَ(1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي هذِهِ الْآيَةِ : «بَلْ هُوَ ءَايَتٌ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» ثُمَّ قَالَ:(2)«أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا قَالَ: بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ» . قُلْتُ: مَنْ هُمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «مَنْ عَسى أَنْ يَكُونُوا غَيْرَنَا؟!».هديّة:(قال: قال أبو جعفر عليه السلام) يعني قرأ.والظاهر أنّ «ما» في (ما قال) موصولة؛ بدليل القَسَم وضعف احتمال غير القسم، فتفسير للآيات وبيان لمرجع (هو) بأنّ المراد جميع ما بين دفّتي المصحف.(3) وقال بعض المعاصرين موافقاً لما قال برهان الفضلاء: «ما» في «ما قال» نافية؛ يعني ما قال آيات بيّنات بين دفّتي المصحف، بل قال: آيات بيّنات في صدور الذين أُوتوا العلم.(4)(من عسى) استفهام على الإنكار.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ الغنوي، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (5)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام خَاصَّةً».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وعنه، عن محمّد بن عليّ، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة».
2- .في حاشية «الف»: + «أبو جعفر عليه السلام».
3- .والعلّامة المجلسي بعد ذكر هذا الاحتمال قال: «لكنّه بعيد جدّاً». مرآة العقول، ج 2، ص 437.
4- .الوافي، ج 3، ص 534، ذيل ح 1063.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد شعر، عن هارون بن حمزة، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».

ص: 189

هديّة:(خاصّة) تأكيد للنصّ بأنّ علم القرآن خاصّ بالمعصوم.

الحديث الخامس 1260.امام على عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:سألته يعني الكاظم أو الرضا عليهما السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 190

الباب الرابع والعشرون: باب في أنّ من اصطفاه اللَّه من عباده و أورثهم كتابه هم الأئمّة

الباب الرابع والعشرون : بَابٌ فِي أَنَّ مَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ وَ أَوْرَثَهُمْ كِتَابَهُ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 1265.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ (1)، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَ مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَ تِ بِإِذْنِ اللَّهِ» قَالَ : «السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: الْإِمَامُ، وَ الْمُقْتَصِدُ: الْعَارِفُ لِلْإِمَامِ، وَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ».هديّة:(عن قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة الفاطر.(2)«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ» في التفسير: يعني بعد وحيه إليك.«فَمِنْهُمْ» أي من عبادنا، وفي الحديث عن الصادق عليه السلام أنّه قال: الظالم يحوم حول نفسه، والمقتصد يحوم حول قلبه، والسابق يحوم حول ربّه».(3)القاموس: «القصد»: ضدّ الإفراط كالاقتصاد.(4) وفي المثل: المقتصد لا يضلّ؛ يعني

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن عبد المؤمن».
2- .فاطر (35): 32.
3- .معاني الأخبار، ص 104، ح 1؛ وعنه البحار، ج 23، ص 214، ح 2.
4- .القاموس المحيط، ج 1، ص 327 (قصد).

ص: 191

لسلوكه وسط الطريق. وعند العامّة أنّ المصطفين في هذه جميع الاُمّة المرحومة، فعن عمرهم أنّ النبيّ عليه السلام قال: «سابقنا سابق ومقتصدنا ناجٍ وظالمنا مغفور».(1)فنِعْمَ ما قيل:بعد از پيمان دين شكستن (2)مشكل نبود دروغ بستن (3)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ(4)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا»؟ فَقَالَ: «أَيَّ شَيْ ءٍ تَقُولُونَ أَنْتُمْ؟» قُلْتُ : نَقُولُ: إِنَّهَا فِي الْفَاطِمِيِّينَ، قَالَ: «لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ، لَيْسَ يَدْخُلُ فِي هذَا مَنْ أَشَادَ(5) بِسَيْفِهِ، وَ دَعَا النَّاسَ إِلى الضَلَالِ (6)».فَقُلْتُ: فَأَيُّ شَيْ ءٍ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: «الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ لَا يَعْرِفُ حَقَّ الْإِمَامِ، وَ الْمُقْتَصِدُ: الْعَارِفُ بِحَقِّ الْإِمَامِ، وَ السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: الْإِمَامُ».

هديّة:(سليمان بن خالد) أبو الربيع الهلالي، كوفيّ، مولاهم، خرج مع زيد فقطعت إصبعه، ولم يخرج من أصحاب الباقر عليه السلام مع زيد غيره. وفي كتاب سعد: أنّه تاب من مذهب الزيديّة ورجع إلى الحقّ قبل موته، ورضى عنه أبو عبداللَّه عليه السلام بعد سخطه، وتوجّع لموته.7 فسؤاله هذا عند ضلاله.وذهبت الزيديّة أنّ الإمام يفترض طاعته بشروط ثلاثة: أن يكون فاطميّاً، ومجتهداً

.


1- .معاني القرآن للنحّاس، ج 5، ص 457؛ الكشّاف، ج 3، ص 309؛ كنز العمّال، ج 2، ص 485، ح 4561 و 4562، 4563؛ الدرّ المنثور، ج 5، ص 252.
2- .في حاشية «الف»: + «ما».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين، عن معلّى، عن الوشّاء، عن عبد الكريم، عن سليمان بن خالد».
4- .في «د» والمطبوع: «أشار».
5- .في الكافي المطبوع: «خلاف».
6- .رجال ابن داود، ص 459، الرقم 214.

ص: 192

برأيه في الأحكام الشرعيّة، وخارجاً بالسيف. فقوله (في الفاطميّين) يعني كلّ من خرج منهم بالسيف، وكان عالماً بالاجتهاد.و«الإشادة»: رفع الصوت بالشي ء؛ أشاد بذكره: رفع من قدره؛ وبسيفه: رفعه وحرّكه. وقال أبو عمرو: قال العبسي: اشدّت بالشي ء: عرّفته.(1)وفي ذلك تعريض بانتفاء الشجاعة اللازمة للإمام كالتعريض بقوله: (الجالس في بيته).قد ذكر الشهرستاني في الملل والنّحل: أنّ زيداً لمّا خطر بخاطره الخروج على بني اُميّة اشتغل مدّة بالدرس عند واصل بن عطاء، رئيس المعتزلة، ثمّ بالجلوس في بيته للاجتهاد واستنباط الأحكام بالرأي.(2)(ليس حيث تذهب) ردٌّ على معتقد الزيديّة، لا على خروج زيد، وقد ثبت أنّ خروجه كان لرضا آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله، لا لدعوى الناس إلى الضلال والمذموم المنسوبون، لا المنسوب إليه.في بعض النسخ: «إلى ضلالٍ» منكّراً؛ وفي بعض آخر: «إلى خلافٍ».

الحديث الثالث 1268.امام صادق عليه السلام: روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَن الوشاء(3)، عَن أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا» الْآيَةَ ، قَالَ: فَقَالَ: «وُلْدُ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَ السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: الْإِمَامُ، وَ الْمُقْتَصِدُ: الْعَارِفُ بِالْإِمَامِ (4)، وَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ».هديّة:أي الّذين اصطفاهم اللَّه، هم المعصومون من ولد فاطمة عليها السلام بدليل السابق الدالّ على

.


1- .ترتيب إصلاح المنطق، ص 33 (أشاد).
2- .الملل والنحل، ج 1، ص 156 (نقل بالمضمون).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن».
4- .في «د»: - «بالإمام».

ص: 193

أنّهم هم الذين يهدون بالحقّ دون من يدعو الناس بإشادة سيفه إلى الضّلال، فلا منافاة بين الأخبار.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ،(1) عَنْ أَبِي وَلَّادٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُوْلَئكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

هديّة:(عن قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة البقرة.(2)وفي التفسير: أنّ قوله: «أُوْلَئكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» إنّما هو لتسلّي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عن اغتمامه بعدم إيمان أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالقرآن، فالمعنى: أنّه لو لم يؤمن بالقرآن أحد، فيكفي إيمان الأئمّة عليهم السلام به.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- .البقرة (29): 121.

ص: 194

الباب الخامس والعشرون: باب أنّ الأئمّة في كتاب اللَّه إمامان: ...

الباب الخامس والعشرون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ: إِمَامٌ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، وَإِمَامٌ يَدْعُو إِلَى النَّارِوفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 1274.عنه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ السّرّاد(1)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ : «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَمِهِمْ»، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَ لَسْتَ إِمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَ لكِنْ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أَئِمَّةٌ عَلَى النَّاسِ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَقُومُونَ فِي النَّاسِ، فَيُكَذَّبُونَ، وَ يَظْلِمُهُمْ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَ الضَّلَالِ وَ أَشْيَاعُهُمْ، فَمَنْ وَالَاهُمْ وَ اتَّبَعَهُمْ وَ صَدَّقَهُمْ، فَهُوَ مِنِّي وَ مَعِي وَ سَيَلْقَانِي، أَلَا وَ مَنْ ظَلَمَهُمْ وَ كَذَّبَهُمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَ لَا مَعِي، وَ أَنَا مِنْهُ بَرِي ءٌ».هديّة:الآية في سورة بني إسرائيل.(2)(وأشياعهم) بالرفع والعطف على البارز في (يظلمهم) يمنعه تعارف شيعتهم، وأشياع أئمّة الكفر والضلال.

.


1- .في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب».
2- .الإسراء (17): 71.

ص: 195

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: قَالَ: «إِنَّ الْأَئِمَّةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» لَا بِأَمْرِ النَّاسِ، يُقَدِّمُونَ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ أَمْرِهِمْ، وَ حُكْمَ اللَّهِ قَبْلَ حُكْمِهِمْ، قَالَ: «وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» يُقَدِّمُونَ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَمْرِ اللَّهِ، وَ حُكْمَهُمْ قَبْلَ حُكْمِ اللَّهِ ، وَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ».

هديّة:«وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» الآية في سورة الأنبياء.(2)«وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» الآية في سورة القصص.(3)وليس في بعض النسخ: (قال) قبل «وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ».و«الأهواء»: جمع هوى بالقصر، ويجمع «الهواء» بالمدّ على «أهوية».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد».
2- .الأنبياء (21): 73.
3- .القصص (28): 41.

ص: 196

الباب السادس والعشرون: باب أنّ القرآن يهدي للإمام

الباب السادس والعشرون : بَابُ أَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلْإِمَامِ وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 1284.الإمام الصادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ ا للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَلِكُلٍ ّ جَعَلْنَا مَوَ لِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَ لِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَنُكُمْ» قَالَ: «إِنَّمَا عَنى بِذلِكَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام ، بِهِمْ عَقَدَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَيْمَانَكُمْ».هديّة:ليس في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء لهذا الباب عنوان، وفي بعض آخر هكذا: «باب أنّ القرآن يهدي للإمام» فالمعنى إلى الإمام.و(الحسن بن محبوب) من رجال الكاظم والرضا عليهما السلام.والآية في سورة النساء هكذا: «وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيماً* وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيداً»(2).فسّر «ما» في «مَا فَضَّلَ اللَّهُ» بالإمامة، و«الموالي» بأئمّة الهدى وأئمّة الضلال، و«من»

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب».
2- .النساء (4): 32 و 33.

ص: 197

في «ممّا» في الموضعين للسببيّة، و«ما» مصدريّة أو موصولة، إشارة إلى أنّ لدين الوالدين والأقربين مدخلاً في دين المكلّف الضالّ، وإمّا لدِين المكلّف المهتدى. فما عقد به يمينه، أي عهده في الميثاق والإقرار بالربوبيّة من وجوب وجود المعصومين؛ إذ لولاهم لما انعقدت إيمان المهتدين في الميثاق، والتقدير: «عقدت بهم».وقد سبق في الحديث في كتاب التوحيد: «أنّ ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق»(1).و«عقد» كنصر يتعدّى كالتعقيد، ولا يتعدّى كالانعقاد.«فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» من العزّة والاحترام.

الحديث الثاني 1277.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ سَيَابَةَ(2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ» قَالَ: «يَهْدِي إِلَى الْإِمَامِ».هديّة:(في قوله تعالى) في سورة بني إسرائيل.(3)ومعرفة الطريقة التي هي أقوم الطرق، يعني حقّها وصحيحها إنّما هي بمعرفة الإمام المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى؛ أبى اللَّه إلّا أن يكون الواسطة بينه وبين خلقه من لا يتطرّق الشكّ إلى عارفه من قوله.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 133، باب العرش والكرسي، ذيل ح 7؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 326، ح 345.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن موسى بن أكليل النميري، عن العلاء بن سيابة».
3- .الإسراء (17): 9.

ص: 198

الباب السابع والعشرون: باب أنّ النعمة التي ذكرها اللَّه في كتابه الأئمّة

الباب السابع والعشرون : بَابُ أَنَّ النِّعْمَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ (1)، عَنِ الْأَصْبَغِ ، قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «مَا بَالُ أَقْوَامٍ غَيَّرُوا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ عَدَلُوا عَنْ وَصِيِّهِ، لَا يَتَخَوَّفُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ؟» ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَ أَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ» ثُمَّ قَالَ : «نَحْنُ النِّعْمَةُ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلى عِبَادِهِ، وَ بِنَا يَفُوزُ مَنْ فَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

هديّة:(ثمّ تلا هذه الآية) من سورة إبراهيم.(2)وقد سبق مراراً أنّ نسق القرآن كما قد عبّر كثيراً عن التشيّع والولاية ب «النعمة»، كذلك عبّر عن الأوّل ب «الكفر» كما في هذه الآية، وآية سورة الزمر: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(3). كانت مدّة خلافته سنتين، وآية سورة الحجرات: «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن بسطام بن مرّة، عن إسحاق بن حسّان، عن الهيثم بن واقد، عن عليّ بن الحسين العبدي، عن سعد الإسكاف».
2- .إبراهيم (14): 28.
3- .الزمر (39): 8.

ص: 199

الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(1)، وفي سورة المائدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفِرُونَ»(2) ثمّ «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّلِمُونَ»(3) ثمّ «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(4)، والمعتبر عند العامّة الشيخان؛ لإقرارهم بفسق عثمان.و(البوار): الهلاك.

الحديث الثاني 1287.الهَرَوِيُّ :روى في الكافي عن الاثنين (5)، رَفَعَهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَبِأَىِ ّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»(6) : «بِالنَّبِيِّ،(7) أَمْ بِالْوَصِيِّ تُكَذِّبَانِ؟» نَزَلَتْ فِي «الرَّحْمنِ».هديّة:(رفعه) يعني قال الصاحب عليه السلام، فالواسطة من السفراء؛ أو إمام آخر، فالواسطة من غيرهم.والمخاطب الإنس والجنّ.و«الآلاء»: النِّعم، واحدها: «ألا» بالفتح، وقد يُكسر ويُكتب بالياء، مثاله «معا» و«أمعاء»؛ قاله في الصحاح.(8)في بعض النسخ: «أ بالنبيّ» بإظهار همزة الاستفهام.(نزلت في الرّحمن) يعني بهذا الشرح من جبرئيل عليه السلام لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وقرأ برهان الفضلاء: «نُزّلت» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، بمعنى فسّرت، فإنّ التفسير تنزيل اللفظ على المعنى.

.


1- .الحجرات (49): 7 .
2- .المائدة (5): 44.
3- .المائدة (5): 45.
4- .المائدة (5): 47.
5- .أي: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
6- .الرحمن (55): 13.
7- .في الكافي المطبوع: «أ بالنبيّ» بهمزة الاستفهام.
8- .الصحاح، ج 6، ص 2270 (ألا).

ص: 200

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ(1)، عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَزَّازِ، قَالَ: تَلَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام هذِهِ الْآيَةَ : «فَاذْكُرُواْ ءَالآَءَ اللَّهِ» قَالَ: «أَ تَدْرِي مَا آلَاءُ اللَّهِ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «هِيَ أَعْظَمُ نِعَمِ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ، وَ هِيَ وَلَايَتُنَا».

هديّة:(تلا) من سورة الأعراف.(2)(أعظم) إذ لا نجاة إلّا بالمعرفة، ولا معرفة إلّا بالولاية، فهل نعمة أعظم منها؟ لا واللَّه، ولذا عبّر نسق القرآن في مواضع عديدة عن الولاية ب «النِّعمة» وقد عرفت.

الحديث الرابع 1290.حَبَّةُ العُرَنِيُّ :روى في الكافي عن الاثنين (3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا»(4) الْآيَةَ، قَالَ: «عَنى بِهَا قُرَيْشاً قَاطِبَةً، الَّذِينَ عَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ نَصَبُوا لَهُ الْحَرْبَ، وَ جَحَدُوا وَصِيَّةَ وَصِيِّهِ».هديّة:(الذين عادوا) عطف بيان لقريشاً.(قاطبةً) أي الذين عادوا مواجهةً أو نفاقاً.(ونصبوا له الحرب) ولو بإعانة مخفيّة للناصب. (وجحدوا وصيّة وصيّه) ولو بالقلب ولو في زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله.و«قاطبةً» في هذا الخبر ك «أقوام» على الجمع في الخبر الأوّل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن الهيثم بن واقد».
2- .الأعراف (7): 69، 74.
3- .أي: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
4- .إبراهيم (14): 28.

ص: 201

الباب الثامن والعشرون: باب أنّ المتوسّمين الذين ذكرهم اللَّه تعالى في كتابه...

الباب الثامن والعشرون : بَابُ أَنَّ الْمُتَوَسِّمِينَ - الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ - هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وَ السَّبِيلُ فِيهِمْ مُقِيمٌ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1292.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله ( _ به على عليه السلام ) روى في الكافي عَنْ أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عن أَسْبَاطٍ بَيَّاعِ الزُّطِّيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَآيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ» فَقَالَ (1): «نَحْنُ الْمُتَوَسِّمُونَ، وَ السَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ».هديّة:(أسباط) بن سالم الكوفي (بيّاع الزطّي). «الزطّ» بضمّ الزاي وتشديد المهملة أو تخفيفها كما قيل جيل من الهند، والواحد: «زطّيّ» كالزنج والزنجي، والروم والرومي. وقيل: هو معرّب «جت» بفتح الجيم والقياس فتحها في المعرّب أيضاً فمن الشواذّ.(2)والآية في سورة الحجر(3)، والمشار إليه ل (ذلك) القرآن أو قصّة لوط عليه السلام، ومن آياتها

.


1- .في الكافي المطبوع: «قال: فقال» بدل «فقال».
2- .أي فعلى الأخير ضمّ الزاى من الشواذ. راجع: القاموس المحيط، ج 1، ص 902 (زطط).
3- .الحجر (15): 75 - 76.

ص: 202

طلب بعض الأنبياء كلوط ونبيّنا صلى اللَّه عليه وآله من اللَّه تعالى أن يكون المؤذي المقدّر لكلّ مؤمن من يكون تحت تصرّفه كالزوجة.و«التوسّم»: التفرّس، ومعرفة سمة الشي ء أي وسمه وعلامته، وتوسّمت في فلان كذا: عرفت وسمه فيه، واللام للاختصاص.و«المقيم»: الثابت، والمراد هنا الباقي إلى انقراض زمان الدنيا، وقيل: يعني أنّ آيات الفراسة لبسبيل ثابت لا يتخلّف عنه.(والسبيل فينا مقيم) يعني الإمامة لا يخرج منّا أبداً.وفي تفسير عليّ بن إبراهيم: والسبيل طريق الجنّة(1)، يعني يوصل سالكه إليها.وقال برهان الفضلاء بعد إفادته أنّ اللام للاختصاص ليكون إشارة إلى أنّ قوله تعالى بعد هذه الآية بلا فاصلة «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ»(2) إشارة إلى جواب الشيعة برضا لوط عليه السلام بتزويج بناته من الكفّار عن استدلال العامّة على إيمان عمرهم بتزويج عليّ عليه السلام ابنته منه، ثمّ قال: و«السبيل»: الطريق، والمراد هنا قوّة استنباط كلّ شي ء من القرآن. وتقديم الظرف للحصر وارْجِعِ الضمير في «أنّها» إلى الآيات، والباء جعلها للآلة.أقول: الظاهر من قوله عليه السلام: «والسبيل فينا مقيم» إنّ الباء في ب «لِبِسَبِيلٍ» زائدة كما في «وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً»(3)، فلعلّ المعنى: وأنّ إمامة المتوسّمين لسبيل ثابت إلى يوم الدِّين.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ (4)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ، فَقَالَ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ

.


1- .تفسير القمّي، ج 1، ص 376.
2- .الحجر (15): 77.
3- .النساء (4): 79.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن يحيى بن إبراهيم، قال: حدّثني أسباط بن سالم».

ص: 203

لَأَيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ»؟ قَالَ: «نَحْنُ الْمُتَوَسِّمُونَ ، وَ السَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ».

هديّة:بيانه كسابقه.و(هيت) بالكسر اسم بلد على شاطئ الفرات، يُذكّر ويُؤنّث، فينصرف ولا ينصرف. قال الأصمعي: أصلها من «الهُوّة» بالضمّ والتشديد، أي المنخفض في الأرض كالهَوْتَة بالفتح والمثنّأتين من فوق.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَآيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ؛ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ»».

هديّة:«الفِراسة» بالكسر: اسم من التفرّس، وبالفتح: مصدر فَرُسَ كحَسُنَ: حَذِقَ أمر الخيل.(3)(في قول اللَّه تعالى) ثانياً متعلّق بقوله: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله).

الحديث الرابع 1298.حسن بن صهيب: روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ (4)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ» فَقَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام » ، «وَ إِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ» .


1- .راجع: الصحاح، ج 1، ص 271 (هيت).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللَّه».
3- .راجع: الصحاح، ج 3، ص 958 (فرس).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس بن هشام، عن عبد اللَّه بن سليمان».

ص: 204

1298.حسن بن صهيب:قَالَ: «لَا يَخْرُجُ مِنَّا أَبَداً».هديّة:قد عرفت بيانه مفصّلاً.

الحديث الخامس 1302.الإمام الصادق عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ(1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأَيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ» قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُتَوَسِّمَ، وَ أَنَا مِنْ بَعْدِهِ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِي الْمُتَوَسِّمُونَ».هديّة:في بعض النسخ (2) بعد المتوسّمون: «و في نسخة اُخرى: عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيّوب بإسناده، مثله.قال الفاضل الاسترآبادي: ولعلّه من زيادات المفيد رحمه اللَّه تعالى.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيّوب، عن عمرو بن شمر».
2- .كما في الكافي المطبوع.
3- .لم نجده في شرحه على الكافي المسمّى ب شرح اُصول الكافي.

ص: 205

الباب التاسع والعشرون: باب عرض الأعمال على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله و الأئمّة

الباب التاسع والعشرون : بَابُ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَ الْأَئِمَّةِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَعْمَالُ الْعِبَادِ - كُلَّ صَبَاحٍ: أَبْرَارُهَا وَ فُجَّارُهَا، فَاحْذَرُوهَا؛ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى: «اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ»» وَ سَكَتَ.

هديّة:(تُعرض) على ما لم يسمّ فاعله، من باب ضرب.(أعمالُ العباد) رفع على البدل.(كلَّ صباح) نصب على الظرفيّة باعتبار المضاف إليه.(أبرارُها) رفع على البدل من «الأعمال»، ك «الأعمال»، وضميرها للأعمال كضمير (فاحذروها) أي من فجّارها. وإطلاق البرّ والفاجر على العمل على المجاز في النسبة كما في جِدّ جِدّه.قال برهان الفضلاء: والخطاب في «اعملوا» للمؤمنين الذين «خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».

ص: 206

وَآخَرَ سَيِّئاً» فوعدهم اللَّه قبول التوبة في سورة التوبة بقوله تعالى: «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)، ولذا قال: «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ» والسين للاستقبال القريب.وقوله تعالى في سورة التوبة أيضاً: «وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»(2) قرينة بيّنة لذلك؛ قال اللَّه تعالى في سورة التوبة: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(3)، ثمّ قال بعد هذه الآية بفاصلة آيتين: «وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(4).(وسكت) يعنى (5) عن قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ» لحكمة ضرب من التقيّة، أو لغرض آخر، وهو أعلم.وهذا الخبر رواه في الفقيه (6) مرسلاً مقطوعاً، وزاد: «والأئمّة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» وذكر «والمؤمنون» مكان «وسكت» فعطف بيان للأئمّة.

الحديث الثاني 4.هشام بن سالم :روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ 7، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:قد عرفت أنّ الأكثر في إطلاق «المؤمن» على «الإمام» اعتبارُ اشتقاقه من الأمن،

.


1- .التوبة (9): 128.
2- .التوبة (9): 105.
3- .التوبة (9): 102.
4- .في «د»: - «يعني».
5- .الفقيه، ج 1، ص 191، ح 583.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن يعقوب بن شعيب».

ص: 207

يعني المؤمن شيعته من الفزع في الدنيا والآخرة، واعتبار اشتقاقه في ذلك من الإيمان بحسب الفرد الأكمل.

الحديث الثالث 5.يونس بن يعقوب :روى في الكافي بإسناده عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا لَكُمْ تَسُوؤُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله؟» فَقَالَ له (2) رَجُلٌ: كَيْفَ نَسُوؤُهُ؟ فَقَالَ: «أَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَأى فِيهَا مَعْصِيَةً سَاءَهُ ذلِكَ؟ فَلَا تَسُوؤُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ سُرُّوهُ».هديّة:(ساءه) نقيض «سرّه» كمدّ.

الحديث الرابع 7.تصحيح الاعتقاد :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَانٍ الزَّيَّاتِ (3) - وَ كَانَ مَكِيناً عِنْدَ الرِّضَا عليه السلام - قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام: ادْعُ اللَّهَ لِي وَ لِأَهْلِ بَيْتِي، فَقَالَ: «أَ وَ لَسْتُ أَفْعَلُ؟ وَ اللَّهِ، إِنَّ أَعْمَالَكُمْ لَتُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ» . قَالَ: فَاسْتَعْظَمْتُ ذلِكَ، فَقَالَ لِي : «أَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ قُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ»؟» قَالَ: «هُمْ (4) وَاللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».هديّة:(مكيناً) أي ذا مكانة.(قال: هم) يعني هم هو عليه السلام وأولاده الأئمّة عليهم السلام، فاختصار في الكلام لقيام قرينة

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة».
2- .في الكافي المطبوع: - «له».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن عبد اللَّه بن أبان الزيّات».
4- .في الكافي المطبوع: «هو».

ص: 208

في المقام للمرام من السياق وضمير الجمع. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «هو» مكان «هم»، قال: يعني أوّلهم.

الحديث الخامس 8.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ المُسَاوِرٍ(1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ ذَكَرَ هذِهِ الْآيَةَ: «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قَالَ: «هُوَ وَ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».هديّة:المضبوط هنا: (هو) في الجميع، فتعبير عن الجمع بالفرد الأوّل.

الحديث السادس 12.عنه عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَبْرَارَهَا وَ فُجَّارَهَا».هديّة:(أبرارها) على المجاز في النسبة - كما عرفت - إمّا منصوب على بدل للتفصيل من الافعال، أو مرفوع نيابة عن فاعل «تعرض»، أو على بدل التفصيل من مستترها.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللَّه الصامت، عن يحيى بن مساور».

ص: 209

الباب الثلاثون: باب أنّ الطريقة التي حثّ على الاستقامة عليها ولاية عليّ عليه السلام

الباب الثلاثون : [بَابُ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي حُثَّ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهَا وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام](1)وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 14.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى: «وَ أَنْ لَّوِ اسْتَقَمُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَهُم مَّآءً غَدَقًا» قَالَ: «يَعْنِي لَوِ اسْتَقَامُوا عَلى وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهِ عليه السلام، وَ قَبِلُوا طَاعَتَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ وَ نَهْيِهِمْ «لَأَسْقَيْنَهُم مَّآءً غَدَقًا» يَقُولُ: لَأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ الْإِيمَانَ. وَ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْإِيمَانُ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام».هديّة:الآية في سورة الجنّ.(2)و«الغدق»: الماء الكثير، يكنّى به عن العلم الوافر.

الحديث الثاني 17.زرارة :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي أَيُّوبَ (3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام

.


1- .ما بين المعقوفين لم يرد في «الف» و «د» و أضفناه من الكافي المطبوع.
2- .الجنّ (72): 16.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان، عن أبي أيّوب».

ص: 210

17.زرارة :عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَمُواْ» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «اسْتَقَامُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لَا تَحْزَنُواْ وَ أَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ»» .هديّة:(عن قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة فصّلت.(1)(فقال) بيان ببيان تتمّة الآية.

.


1- .فصّلت (41): 30.

ص: 211

الباب الحادي والثلاثون: باب أنّ الأئمّة معدن العلم و شجرة النبوّة و...

الباب الحادي والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ حَمَّادِ، عَنْ رِبْعِيِ (1)، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : «مَا يَنْقِمُ النَّاسُ مِنَّا؛ فَنَحْنُ وَ اللَّهِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ».

هديّة:لعلّ في الحديث إرسالاً، لأنّ ربعي بن عبداللَّه بن الجارود من أصحاب الصادق عليه السلام ولم يكن يدرك زمن عليّ بن الحسين عليهما السلام على المشهور.«نقم الأمر» كضرب وعلم: كرهه وأنكره، وكلمة «ما» للتعجّب. وقال برهان الفضلاء: كلمة «ما» إمّا شرطيّة، فالفعل مجزوم ويكسر لالتقاء الساكنين، أو استفهاميّة على الإنكار، أو نافية.(شجرة النبوّة) يعني أنّ الإمامة شجرة روضة النبوّة، وقيل: يعني أنّ الإمامة شجرة غرسها النبوّة، وقيل: والشجرة إمّا بمعنى الفرع، أو تشبيه لنور الإمام - وهو نور خاتم الأنبياء، المتفرّع منه أنوار الأنبياء والأوصياء - بشجرة ذات أغصان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن غير واحد، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللَّه بن الجارود».

ص: 212

و«المعدن» كمجلس.و«المختلف» بفتح اللام: اسم مكان من الاختلاف، وهو تكرار المجي ء والذهاب يعني في ليالي القدر والجمعة وسائر الأوقات.

الحديث الثاني 21.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ السكوني (1)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام ، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: إِنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ».هديّة:(الرّسالة) بالفتح: مصدر، وبالكسر: اسمه.

الحديث الثالث 25.الإمام عليّ عليه السلام _ لِعَبدِ اللّه ِ بنِ عَبروى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَشَّابِ (2)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا خَيْثَمَةُ، نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَ مَفَاتِيحُ الْحِكْمَةِ، وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ، وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ مَوْضِعُ سِرِّ اللَّهِ؛ وَ نَحْنُ وَدِيعَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَ نَحْنُ حَرَمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ، وَ نَحْنُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَ نَحْنُ عَهْدُ اللَّهِ، فَمَنْ وَفى بِعَهْدِنَا فَقَدْ وَفى بِعَهْدِ اللَّهِ، وَ مَنْ خَفَرَهَا فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ وَ عَهْدَهُ».هديّة:«الخيثم» بالمعجمة والخاتمة والمثلّثة كجعفر: من أسماء الأسد، و«الخثم» بالتحريك: عِرَض الأنف (3)، ثور أخثم وخيثم، فالتاء للنقل أو للمبالغة.(ونحن وديعة اللَّه) ناظر إلى حديث: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن الخشّاب».
3- .لسان العرب، ج 12، ص 165 (خثم).

ص: 213

و«الحرم» بالتحريك: ذو الحرمة بالضمّ؛ أي الذي لا يحلّ انتهاكه بما لا ينبغي.و«الذمّة»: الأمان والضمان والعقد والعهد.«خفره» كضرب ونصر: نقض عهده، كأخفره. قيل: والظاهر «خفرنا» بالنون مكان ضمير التأنيث، فعلى المضبوط، أي الذمّة المفهومة من الفقرة السابقة. الجوهري: «الخفير»: المجير، «خفرته» كضرب: آجرته.(1) وقال برهان الفضلاء: «فمن خفرها» أي حفظها ورعاها.

.


1- .الصحاح، ج 2، ص 648 (خفر).

ص: 214

الباب الثاني والثلاثون: باب أنّ الأئمّة ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم

الباب الثاني والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام وَرَثَةُ الْعِلْمِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً الْعِلْمَ وأحاديثه كما في الكافي سبعة:(1)

الحديث الأوّل 25.امام على عليه السلام ( _ وقتى عبداللّه بن عبّاس را براى گفتمان با خوارج ) روى في الكافي بإسناده عَنْ العجلي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (2)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ عَالِماً، وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ، وَ لَنْ يَهْلِكَ عَالِمٌ إِلَّا بَقِيَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ».هديّة:(يُتوارث) على ما لم يسمّ فاعله.(عالم) أي إمام.قال برهان الفضلاء:ليست «أو» للشكّ ولا لتقسيم الإمام، بل هي لتقسيم زمان بقائه، فإنّ الإمام في مبدأ إمامته يعلم علم السابق ويزداد بعد في ليالي القدر والجمعة مع علم السابق أيضاً بما يزاد لوصيّه كلّياً، وعدم علمه بما يأتي مفصّلاً ليس بنقص.

.


1- .أحاديث هذا الباب في الكافي المطبوع جديداً سبعة، لكن الكافي المطبوع سابقاً ثمانية، والسبب زيادة الحديث السادس من هذا الباب بعينه بعد الحديث الثاني كما أشار إليه العلّامة المجلسي في مرآة العقول، ج 3، ص 12.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم».

ص: 215

وقيل: «أو ما شاء اللَّه» بيان لإمكان الزيادة للنصّ بانتفاء النقصان وهو الغرض، لا للنصّ بإمكان الزيادة كما قيل. وقال بعض المعاصرين:يعني من يعلم مثل علمه أو ما شاء اللَّه من العلم، ثمّ قال: ويحتمل أن يكون «ما شاء اللَّه» كناية عمّا بعد زمان الصاحب عليه السلام؛ يعني أو لم يبق.(1)أقول: لعلّ «أو» هنا بمعنى «بل» كما قيل في قوله تعالى في سورة الصافّات: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»(2) بمعنى: بل يزيدون، واللَّه لا يشكّ؛ فالمعنى: من يعلم علمه بما يحتاج إليه الناس، بل بما شاء اللَّه سوى ما يحتاج إليه الناس؛ فأحاديث تساويهم عليهم السلام في العلم محمولةٌ على العلم بما يحتاج إليه الناس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حريز(3)، عن زرارة والْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام عَالِمَ هذِهِ الْأُمَّةِ، وَ إِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ مِنَّا عَالِمٌ قَطُّ إِلَّا خَلَفَهُ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ عَلِمَ مِثْلَ عِلْمِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(خلفه) كنصر.

الحديث الثالث 27.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ(4)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ فِي عَلِيٍّ عليه السلام سُنَّةَ أَلْفِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ فَذَهَبَ عِلْمُهُ؛ وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ». .


1- .الوافي، ج 3، ص 550، ذيل ح 1092.
2- .الصافّات (37): 147.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن الفضيل بن يسار».

ص: 216

هديّة:«السنّة» هنا بمعنى الطريقة الحسنة، و«السنن»: السير: مكارم الأخلاق والأعمال المرضيّة، وفي التالي للتالي أنّ سنن الأنبياء علمُهم، فالألف كناية عن الجميع كما في قولهم: واحد كألف عالم؛ أي معصوم حجّة.

الحديث الرابع 31.امام زين العابدين عليه السلام ( _ در دعاى «مكارم الأخلاق» ) روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ (1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ فَذَهَبَ عِلْمُهُ».هديّة:نصّ كنظايره في وجوب وجود المعصوم العاقل عن اللَّه سبحانه ما دامت الدنيا بنظامها الذي ينحصر الأعلميّة به في مدبّره العدل الحكيم العليم تعالى شأنه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ (2) رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ (3): «يَمُصُّونَ الثِّمَادَ، وَ يَدَعُونَ النَّهَرَ الْعَظِيمَ». قِيلَ لَهُ : وَ مَا النَّهَرُ الْعَظِيمُ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الْعِلْمُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى جَمَعَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله سُنَنَ الأَوَّلِينَ (4) مِنْ آدَمَ - وَ هَلُمَّ جَرّاً - إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .قِيلَ لَهُ: وَ مَا تِلْكَ السُّنَنُ؟ قَالَ: «عِلْمُ النَّبِيِّينَ بِأَسْرِهِ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَيَّرَ ذلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَعْلَمُ أَمْ بَعْضُ النَّبِيِّينَ؟ فَقَالَ أَبُو

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن أحمد، عن عليّ بن النعمان».
3- .في الكافي المطبوع: + «أبو جعفر عليه السلام».
4- .في الكافي المطبوع: «النبيّين».

ص: 217

جَعْفَرٍ عليه السلام : «اسْمَعُوا مَا يَقُولُ؟! إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ مَسَامِعَ مَنْ يَشَاءُ؛ إِنِّي حَدَّثْتُهُ: أَنَّ اللَّهَ جَمَعَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله عِلْمَ النَّبِيِّينَ، وَ أَنَّهُ جَمَعَ ذلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ هُوَ يَسْأَلُنِي: أَ هُوَ أَعْلَمُ ، أَمْ بَعْضُ النَّبِيِّينَ؟».

هديّة:مصّ الرضيع ثدي اُمّه كعضّ ومدّ، و«الثمد» كَنهْر ونَهَر: الماء القليل الذي لا مادّة له، وكذا الثماد ككتاب.في بعض النسخ: «سنن النبيّين» بدل (سنن الأوّلين).(هلمّ) اسم فعل يبنى على الفتح، أي تعالِ، و(جَرّاً) مفعوله بتضمين «انظر» أي انجرار تلك السلسلة.(اسمعوا) أي افهموا ما تسمعون من هذا السائل، خطاب للحاضرين توبيخاً للسائل على الاستفهام التعجّبي، فإنّ حديثه عليه السلام صريح في أنّ النبيّ وأوصيائه الاثنى عشر أعلم من الأنبياء جميعاً.

الحديث السادس 37.عنه عليه السلام ( _ وقَد سأَلَهُ زَيدُ بنُ صَوحانَ العَبديُّ : أيُّ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِ (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّ الْعِلْمَ يُتَوَارَثُ؛ فَلَا يَمُوتُ عَالِمٌ إِلَّا تَرَكَ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ».هديّة:قد سبق مثله آنفاً.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ(2)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 218

الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ إِلَّا وَ قَدْ وَرَّثَ عِلْمَهُ؛ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَبْقى بِغَيْرِ عَالِمٍ».

هديّة:أي بغير حجّة معصوم.

.

ص: 219

الباب الثالث والثلاثون: باب أنّ الأئمّة ورثوا علم النبيّ و...

الباب الثالث والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام وَرِثُوا عِلْمَ النَّبِيِّ وَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ (1)، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ الرِّضَا عليه السلام: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله كَانَ أَمِينَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ عليه السلام كُنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - وَرَثَتَهُ؛ فَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، عِنْدَنَا عِلْمُ الْبَلَايَا وَالْمَنَايَا، وَ أَنْسَابُ الْعَرَبِ ، وَ مَوْلِدُ الْإِسْلَامِ، وَ إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ، وَ إِنَّ شِيعَتَنَا الْمَكْتُوبُونَ (2) بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، يَرِدُونَ مَوْرِدَنَا، وَ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَنَا، لَيْسَ عَلى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُنَا وَ غَيْرُهُمْ، ونَحْنُ النُّجَبَاءُ والنُّجَاةُ(3)، وَ نَحْنُ أَفْرَاطُ الْأَنْبِيَاءِ، وَ نَحْنُ أَبْنَاءُ الْأَوْصِيَاءِ، وَ نَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ نَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَنَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ نَحْنُ الَّذِينَ شَرَعَ اللَّهُ لَنَا دِينَهُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: «شَرَعَ لَكُم» يَا آلَ مُحَمَّدٍ «مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا» قَدْ وَصَّانَا بِمَا وَصّى بِهِ نُوحاً «وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يَا مُحَمَّدُ«وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى» ، فَقَدْ عَلَّمَنَا وَ بَلَّغَنَا عِلْمَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن عبد اللَّه بن جندب».
2- .في الكافي المطبوع: «لمكتوبون».
3- .في الكافي المطبوع: «نحن النجباء النجاة» بدل «ونحن النجباء والنجاة».

ص: 220

مَا عَلَّمَنَا، وَ اسْتَوْدَعَنَا عِلْمَهُمْ، نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ» يَا آلَ مُحَمَّدٍ «وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ» وَ كُونُوا عَلى جَمَاعَةٍ «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» : مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام إِنَّ «اللَّهُ» يَا مُحَمَّدُ «يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» : مَنْ يُجِيبُكَ إِلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».

هديّة:(جُندب) كمفرد ضرب من الجراد، واسم رجل.و«المولد» كمجلس: مصدر ميميّ، يعني ولادة أهل الإسلام من أوّل الدنيا إلى آخرها.(إذا رأيناه) إشارة إلى أنّ ذلك ليس بعلم الغيب، بل بالعقل عن اللَّه سبحانه بالتفرّس والاستنباط من القرآن وتحديث الملك.وهنا إشكال للتنافي ظاهراً بين ذلك وبين قوله تعالى في سورة التوبة: «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ»(1)، فإذا لا يعلم النبيّ، فالوصيّ بالأولى.ودفعه ظاهر من بيان «إذا رأيناه» وأنّ المنفيّ عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله علم الغيب من عنده.وأجاب برهان الفضلاء أوّلاً بأنّ نزول سورة التوبة إنّما هو قبل إتمام نزول القرآن، وهو بمجموعه تبيان كلّ شي ء للمعصوم، فيمكن التفاوت بين علم الرسول بحسب أوائل البعثة وأواسطها وأواخرها. وثانياً بحمل عدم العلم على عدمه بمقدار النفاق، لا بأصله. والتعبير هنا بلفظ العلم وفي موضع آخر بلفظ المعرفة مؤيّد؛ قال اللَّه سبحانه في سورة محمّد: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ»(2).(المكتوبون) خبر، أو «هم المكتوبون» خبر. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «لمكتوبون» باللام.في بعض النسخ: «النجاة» بدون الواو، جمع الناجي. وقرأ برهان الفضلاء: «النَّجاة» بفتح النون تعبيراً عن الجمع بالمصدر مبالغة بمعنى اسم الفاعل، أي المنجين شيعتهم من النار.

.


1- .التوبة (9): 101.
2- .محمّد (47): 30.

ص: 221

و«الفرط» محرّكة: المتقدّم للماء، والولد الماضي قبل أن يدرك؛ وبالسكون: العلم المستقيم يهتدى به، والجمع فيهما: أفرط وأفراط؛ فعلى الأوّل أي الأولاد على التجريد.(ونحن أبناء الأوصياء) يعني المعصومين. وقرأ برهان الفضلاء بتقديم النون على المفردة، أي أخبارهم وآثارهم بمعنى ما اُخبروا به.(ونحن المخصوصون) أي الممتازون بالإمامة المخصوصة بنا.(شرع اللَّه لنا دينه) اللام هنا بمناسبة أكثر معانيها من السببيّة والنفع وغيرهما أولى من الباء، فقول من قال الظاهر «بنا» مكان «لنا» ليس بذا، وفي سورة الشورى هكذا: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ»(1).(فقد علّمنا وبلّغنا) يعني محمّد صلى اللَّه عليه وآله. (عِلْم ما علّمنا) أي نحن شيعتنا. (واستودعنا علمَهم) يعني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله علمه وعلم سائر اُولي العزم، فضمير المتكلّم في ثالث الأفعال الأربعة للفاعل، وفي البواقي للمفعول. وفي العبارة احتمالات اُخر.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ(2)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ أَوَّلَ وَصِيٍّ كَانَ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ آدَمَ ، وَ مَا مِنْ نَبِيٍّ مَضى إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ. وَ كَانَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِائَةَ أَلْفِ نَبِيٍّ وَ عِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ، مِنْهُمْ خَمْسَةٌ أُولُو الْعَزْمِ: نُوحٌ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ مُوسى، وَ عِيسى، وَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ هِبَةَ اللَّهِ لِمُحَمَّدٍ ، وَ وَرِثَ عِلْمَ الْأَوْصِيَاءِ وَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، أَمَا إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْمُرْسَلِينَ؛ عَلى قَائِمَةِ الْعَرْشِ مَكْتُوبٌ: حَمْزَةُ أَسَدُ اللَّهِ وَ أَسَدُ رَسُولِهِ وَ سَيِّدُ

.


1- .الشورى (42): 13.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرحمن بن كثير».

ص: 222

الشُّهَدَاءِ؛ وَ فِي ذُؤَابَةِ الْعَرْشِ : عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَهذِهِ حُجَّتُنَا عَلى مَنْ أَنْكَرَ حَقَّنَا وَ جَحَدَ مِيرَاثَنَا، وَمَا مَنَعَنَا مِنَ الْكَلَامِ وَ أَمَامَنَا الْيَقِينُ؟ فَأَيُّ حُجَّةٍ تَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ هذَا؟».

هديّة:(ذؤابة) الشي ء بالضمّ والهمز - ويكتب بالواو - : أعلاه.(فهذه حجّتنا) أي هذه الرواية المشروحة المتّفقة عليها حجّةٌ لنا على المخالفين بقبول بعضها كالمكتوب على قائمة العرش وساقه، دون بعض كالمكتوب على ذؤابته وأعلاه.(وما منعنا)؛ قيل استفهاميّة، أي من دعوى حقّنا. (وأمامنا اليقين) فالحاليّة للإيماء إلى أنّ المانع ماذا.وقال برهان الفضلاء: «ما» زايدة للمبالغة في المنع، ومدخولها هو العامل في الحال. و«اليقين»: الموت عند الجميع، والعدل في الحشر عند المؤمنين.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ زُرْعَةَ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(1)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ، وَ إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ سُلَيْمَانَ، وَ إِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ، وَ تِبْيَانَ مَا فِي الْأَلْوَاحِ» .قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ هذَا لَهُوَ الْعِلْمُ.قَالَ: «لَيْسَ هذَا هُوَ الْعِلْمَ؛ إِنَّ الْعِلْمَ: الَّذِي يَحْدُثُ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ، وَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ».

هديّة:(وتبيانَ) بالنصب عطفٌ على المضاف، واحتمال عطفه على المضاف إليه كما ترى.قد روى محمّد بن الحسن الصفّار في كتابه المسمّى ببصائر الدرجات، في باب ما عند الأئمّة عليهم السلام من كتب الأنبياء عليهم السلام بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال: «إنّ يوشع بن

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن عبد اللَّه بن القاسم، عن زرعة بن محمّد، عن المفضّل بن عمر».

ص: 223

نون كان وصيّ موسى بن عمران، وكانت ألواح موسى من زمرّد أخضر، فلمّا غضب موسى ألقى (1) الألواح من يده، فمنها ما تكسر(2)ومنها ما ارتفع، فلمّا ذهب عن موسى الغضب قال يوشع بن نون: عندك (3) تبيان ما في الألواح؟ قال: نعم».(4) الحديث.وسيأتي بيان آخر للحديث في بيان تاليه إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِ (5)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ عِنْدَهُ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «إِنَّ دَاوُدَ وَرِثَ عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَ إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ، وَ إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ سُلَيْمَانَ، وَ إِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنَّ عِنْدَنَا صُحُفَ إِبْرَاهِيمَ وَ أَلْوَاحَ مُوسى».فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: إِنَّ هذَا لَهُوَ الْعِلْمُ.فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَيْسَ هذَا هُوَ الْعِلْمَ، إِنَّمَا الْعِلْمُ مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ يَوْماً بِيَوْمٍ، وَ سَاعَةً بِسَاعَةٍ».

هديّة:لعلّ وجه الأفضليّة لذلك العلم - بعد كونه نعمة متجدّدة وفائدة مكتسبة وعلامة لبقاء لطفه تعالى - أنّ بحدوثه يوماً فيوماً يوجب اعتقادنا فيهم عليهم السلام العبوديّة، مع كونهم كاملين في الإنسانيّة بما لا مزيد عليه، على خلاف اعتقاد الصوفيّة فيهم عليهم السلام، كما يوجب الاعتقاد بأنّ الغيب لا يعلمه إلّا اللَّه، وبأنّ الاتّحاد باطل، وبأنّ التفويض على ما اعتقده المفوّضة باطل.

.


1- .في المصدر: «أخذ».
2- .في المصدر: + «ومنها ما بقي».
3- .في المصدر: «أ عندك».
4- .بصائر الدرجات، ص 141، باب ما يبيّن فيه كيفيّة وصول الألواح إلى آل محمّد... ، ح 6.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب الحدّاد، عن ضريس الكناسي».

ص: 224

وقال برهان الفضلاء:يعني ليس علمنا العظيم منحصراً في ذلك، بل هذا القسم أيضاً من علمنا العظيم وخاصّ بنا بالتفرّس الخاصّ والاستنباط الخاصّ من القرآن.وقال بعض المعاصرين:لعلّ المراد أنّ العلم ليس ما يحصل بالسماع وقراءة الكتب وحفظها، فإنّ ذلك تقليد، وإنّما العلم ما يفيض من اللَّه على قلب المؤمن يوماً فيوماً، فينكشف به من الحقائق ما يطمئنّ به النفس وينشرح له الصدر ويتنوّر به القلب، ويتحقّق به العالم كأنّه ينظر إليه ويشاهده.(1) انتهى كلامه.

الحديث الخامس 48.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (2)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَمْ يُعْطِ الْأَنْبِيَاءَ شَيْئاً إِلَّا وَ قَدْ أَعْطَاهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله». قَالَ: «وَ قَدْ أَعْطى مُحَمَّداً جَمِيعَ مَا أَعْطَى الْأَنْبِيَاءَ، وَ عِنْدَنَا الصُّحُفُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «صُحُفِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى»».

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هِيَ الْأَلْوَاحُ ؟ قَالَ: «نَعَمْ».هديّة:(وعندنا الصحف) يعني وقد أعطانا اللَّه تعالى جميع ما أعطى محمّداً صلى اللَّه عليه وآله إلّا أنّه لا نبيّ بعده.(هي الألواح) يعني هل (3) صحف موسى التي في سورة الأعلى (4) هي الألواح التي في مواضع من القرآن في حكاية موسى عليه السلام؟

.


1- .الوافي، ج 3، ص 554، ذيل ح 1102.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان».
3- .في «د»: - «هل».
4- .الأعلى (87): 19.

ص: 225

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ(1)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ»: مَا الزَّبُورُ؟ وَ مَا الذِّكْرُ؟ قَالَ: «الذِّكْرُ عِنْدَ اللَّهِ، وَ الزَّبُورُ: الَّذِي أُنْزِلَ عَلى دَاوُدَ عليه السلام؛ وَ كُلُّ كِتَابٍ مُنْزَلٍ (2) فَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَ نَحْنُ هُمْ».

هديّة:(عن قول اللَّه تعالى) في سورة الأنبياء.(3)(الذكر عند اللَّه) قيل: يعني الذكر هو اللوح المحفوظ.وقال برهان الفضلاء:المراد هنا ذكر اللَّه تعالى، وهو فعليّ وقوليّ؛ والفعليّ عبارة عن إيجاد السبب الأوّل من أسباب وجود شي ء، وذلك الإيجاد يسمّى ب «المشيّة» أيضاً. والقولي عبارة عن إعلام اللَّه تعالى معصوماً بشي ء. والمراد هنا القسم الأوّل.أقول: يحتمل أن يكون المراد هنا من «الذكر» التوراة، وهي رفعت إلى اللَّه سبحانه. وردّ اليهود في تمسّكهم بالتوراة أهمّ من ردّهم في تشبّثهم بالزبور.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ(4)، عَنْ أَخِيهِ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَخِيهِ (5)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ النَّبِيِّينَ كُلَّهُمْ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ: مِنْ لَدُنْ آدَمَ حَتَّى انْتَهى إِلى نَفْسِهِ؟ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا وَمُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله أَعْلَمُ مِنْهُ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد».
2- .في الكافي المطبوع: «نزل».
3- .الأنبياء (21): 105.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمّد بن حمّاد».
5- .في الكافي المطبوع: «عن أبيه» وكلاهما مجهولان.

ص: 226

قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ»، وَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ يَفْهَمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقْدِرُ عَلى هذِهِ الْمَنَازِلِ؟قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ قَالَ لِلْهُدْهُدِ حِينَ فَقَدَهُ وَ شَكَّ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: «مَا لِىَ لَآ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآلِبِينَ» حِينَ فَقَدَهُ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَنٍ مُّبِينٍ» وَ إِنَّمَا غَضِبَ لِأَنَّهُ كَانَ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ، فَهذَا - وَ هُوَ طَائِرٌ - قَدْ أُعْطِيَ مَا لَمْ يُعْطَ سُلَيْمَانُ، وَ قَدْ كَانَتِ الرِّيحُ وَ النَّمْلُ وَ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ (1) وَ الشَّيَاطِينُ والْمَرَدَةُ(2) لَهُ طَائِعِينَ ، وَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْمَاءَ تَحْتَ الْهَوَاءِ، وَ كَانَ الطَّيْرُ يَعْرِفُهُ، وَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: «وَ لَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى» . وَ قَدْ وَرِثْنَا نَحْنُ هذَا الْقُرْآنَ الَّذِي فِيهِ مَا تُسَيَّرُ بِهِ الْجِبَالُ، وَ تُقَطَّعُ بِهِ الْبُلْدَانُ، وَ تُحْيَا بِهِ الْمَوْتى، وَ نَحْنُ نَعْرِفُ الْمَاءَ تَحْتَ الْهَوَاءِ، وَ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَاتٍ مَا يُرَادُ بِهَا أَمْرٌ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ بِهِ مَعَ مَا قَدْ تَأَذّنَ (3) اللَّهُ مِمَّا دركَتَه (4)الْمَاضُونَ، جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ: «وَ مَا مِنْ غَآلِبَةٍ فِى السَّمَآءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِى كِتَبٍ مُّبِينٍ» ثُمَّ قَالَ: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا» فَنَحْنُ الَّذِينَ اصْطَفَانَا اللَّهُ، وَأَوْرَثَنَا هذَا الَّذِي فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ».

هديّة:(أعلم منه) يعني أنّ جميع ما عندهم من العلوم عنده صلى اللَّه عليه وآله، وليس جميع ما عنده منها عندهم عليهم السلام.(وسليمان بن داود) إمّا عطف على (عيسى بن مريم) بعطف التلفيق، فمنصوب بغير تقدير الاستفهام في (وكان) ويحتمل الرفع على الابتداء، فالكلام للإمام عليه السلام، وإمّا

.


1- .في الكافي المطبوع: «والإنس والجنّ» بدل «والجنّ والإنس».
2- .في الكافي المطبوع: «المردة» بدون الواو.
3- .في «د» و الكافي المطبوع: «يأذن».
4- .في الكافي المطبوع: «كتبه».

ص: 227

معطوف بعطف النسق (1)على عيسى فمنصوب، والكلام للراوي، والاستفهام في «وكان» مقدّر؛ أي «أ وكان»، ف «قال: صدقت» معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.(قال للهدهد) أي للحاجة إلى الهدهد «مَا لِى لَا أَرَى الْهُدْهُدَ» الآية في سورة النمل.(2)في بعض النسخ: «وغضب عليه» بالواو مكان الفاء.و«بِسُلْطَنٍ مُّبِينٍ» أي بحجّة واضحة، وقيل: أي ببرهان مقبول في الاعتذار.في بعض النسخ: «والشياطين المردة» بدون الواو، على الوصف.(وكان الطير يعرفه) قيل: بالاستدلال من هواء فوق الماء إلى الماء الذي تحت الهواء. «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ» الآية في سورة الرعد،(3) قالوا: أي ولو كان في الدنيا قرآن كذلك فهو هذا القرآن، وتقطيع الأرض قطعها بالطّيّ؛ كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم.(4)و«التأذّن» على التفعّل: الإعلام. في بعض النسخ: «ممّا قد كتبه» مكان (ممّا دركته).(جعله اللَّه لنا) أي جميع ما ذكر (في اُمّ الكتاب). قال برهان الفضلاء: يعني محكمات القرآن؛ لقوله تعالى: «آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ»(5). وقيل: يعني فاتحة الكتاب.(إنّ اللَّه يقول: «وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ») الآية في سورة النمل.(6)(ثمّ قال: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا») الآية في سورة الفاطر.(7)(وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كلّ شي ء) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة النحل: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ»(8).

.


1- .النسق: النظم. قال الزبيدي: عطف النسق هو العطف على الأوّل يعني عطف الآخر من الاُمور كالأواسط على الأوّل، و عطف التلفيق هو العطف على غير ما عطف عليه سابقاً (منه سلّمه اللَّه تعالى).
2- .النمل (27): 20.
3- .الرعد (13): 31.
4- .تفسير القمّي، ج 1، ص 365، وتمامه فيه هكذا: «قال: لو كان شي ء من القرآن كذلك لكان هذا».
5- .آل عمران (3): 7.
6- .النمل (27): 75.
7- .فاطر (35): 32.
8- .النحل (16): 89 .

ص: 228

الباب الرابع والثلاثون: باب أنّ الأئمّة عندهم جميع الكتب...

الباب الرابع والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام عِنْدَهُمْ جَمِيعُ الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهَاوفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (1)، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، فِي حَدِيثِ بُرَيْهٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَلَقِيَ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام، فَحَكى لَهُ هِشَامٌ الْحِكَايَةَ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام لِبُرَيْهٍ : «يَا بُرَيْهُ، كَيْفَ عِلْمُكَ بِكِتَابِكَ؟» ، قَالَ: أَنَا بِهِ عَالِمٌ، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ ثِقَتُكَ بِتَأْوِيلِهِ؟» قَالَ: مَا أَوْثَقَنِي بِعِلْمِي فِيهِ! قَالَ: فَابْتَدَأَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِقَراءَةِ(2) الْإِنْجِيلَ ، فَقَالَ بُرَيْهٌ : إِيَّاكَ كُنْتُ أَطْلُبُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ مِثْلَكَ.قَالَ: فَآمَنَ بُرَيْهٌ، وَ حَسُنَ إِيمَانُهُ، وَ آمَنَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ، فَدَخَلَ هِشَامٌ وَ بُرَيْهٌ وَ الْمَرْأَةُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَحَكَى لَهُ هِشَامٌ الْكَلَامَ الَّذِي جَرى بَيْنَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام (3) وَ بُرَيْهٍ،(4) فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : ««ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»».فَقَالَ بُرَيْهٌ: أَنّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِيلُ وَ كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: «هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس».
2- .في الكافي المطبوع: «يقرأ».
3- .في «الف»: - «موسى».
4- .في الكافي المطبوع: «و بين بريه».

ص: 229

نَقْرَؤُهَا كَمَا قَرَؤُوهَا، وَ نَقُولُهَا كَمَا قَالُوا؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَيْ ءٍ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي».

هديّة:(بُرَيه) كصهيب: مصغّر إبراهيم على ما ضبط برهان الفضلاء. وفي بعض النسخ: «بريهة» بزيادة التاء كما ضبط الشهيد الثاني بخطّه. وقرئ: «بُرَيَّة» كاُميّة على أنّها تصغير «البُرَة» بالضمّ والتخفيف، وهي حلقة من صُفْر يجعل في لحم أنف البعير. وذكره الصدوق في كتاب التوحيد في باب الردّ على الذين قالوا إنّ اللَّه ثالث ثلاثة، وضُبط فيه «بُرَيْهَة»(1) كحذيفة، وقصّته مذكورة هناك.(أنا به عالم) يحتمل السببيّة. في بعض النسخ: «يقرأ الإنجيل» مكان (بقراءة الإنجيل).(أو مثلك) ترديد من الراوي، وقال برهان الفضلاء: الهمزة للاستفهام، والواو للعطف، والتقدير: أ أكبر منك يعرف هذه المعرفة؟ أ ومثلك يعرف هذه المعرفة؟(أنّى لكم) أي من أين لكم.والآية في سورة آل عمران هكذا: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(2).

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3)، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَيْنَا بَابَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ نَحْنُ نُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَاهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَوَهَّمْنَا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، ثُمَّ بَكى فَبَكَيْنَا لِبُكَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا الْغُلَامُ، فَأَذِنَ لَنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنا(4):

.


1- .التوحيد، ص 270، باب الردّ على الذين قالوا إنّ اللَّه ثالث ثلاثة...، ضمن الحديث الطويل 1.
2- .آل عمران (3): 33 و 34.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن محمّد بن سنان».
4- .في «د» والكافي المطبوع: «فقلت».

ص: 230

أَصْلَحَكَ اللَّهُ، أَتَيْنَاكَ نُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْكَ، فَسَمِعْنَاكَ تَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَوَهَّمْنَا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، ثُمَّ بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا لِبُكَائِكَ.فَقَالَ: «نَعَمْ، ذَكَرْتُ إِلْيَاسَ النَّبِيَّ عليه السلام ، وَ كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقُلْتُ كَمَا كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ» .ثُمَّ انْدَفَعَ فِيهِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَلَا وَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْنَا قَسّاً وَ لَا جَاثَلِيقاً أَفْصَحَ لَهْجَةً مِنْهُ بِهِ.ثُمَّ فَسَّرَهُ لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ: «كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ أَظْمَأْتُ لَكَ هَوَاجِرِي؟ أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ عَفَّرْتُ لَكَ فِي التُّرَابِ وَجْهِي؟ أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدِ اجْتَنَبْتُ لَكَ الْمَعَاصِيَ؟ أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ أَسْهَرْتُ لَكَ لَيْلِي».قَالَ: فَقَالَ (1) «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ؛ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ» .قَالَ: «فَقَالَ: إِنْ قُلْتَ: لَا أُعَذِّبُكَ ثُمَّ عَذَّبْتَنِي فَمَاذَا؟(2) أَ لَسْتُ عَبْدَكَ وَ أَنْتَ رَبِّي؟» .قَالَ: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ؛ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ؛ فَإِنِّي (3)إِذَا وَعَدْتُ وَعْداً وَفَيْتُ بِهِ».

هديّة:«السرياني» بكسر السين: لغة الإنجيل، كما أنّ العبراني - بالكسر أيضاً - لغة التوراة؛ قاله برهان الفضلاء.في بعض النسخ: «فقلت: أصلحك اللَّه» على المتكلّم وحده.(فقال: نعم) أي أنّه بالسريانيّة.و«القسّ» بالفتح والتشديد، وفي القاموس (4) مثلّثة القاف: رئيس النصارى في العلم ك «القسّيس» بكسر القاف وتشديد المهملة الاُولى، و«جاثليق» فوقه، وهو أعلمهم في بلاد الإسلام.

.


1- .في الكافي المطبوع: - «فقال».
2- .في حاشية «الف» و «د»: «كان ماذا». وفي الكافي المطبوع: «ماذا».
3- .في الكافي المطبوع: «إنّي».
4- .القاموس المحيط، ج 2، ص 240 (قسس).

ص: 231

و«الهاجرة»: نصف النهار عند اشتداد الحرّ.(منه به) أي بالمذكور بالسريانيّة.«ظمأ» كعلم: عطش، كعلم أيضاً؛ وأظمأه غيره وأظمأه الهاجرة؛ كنايةٌ عن صبره على العطش فيها.في بعض النسخ: «كان ماذا» مكان «فماذا» والمعنى عليهما: فلا اعتراض عليك؛ لأنّك الربّ العدل الحكيم الذي لا يُسأل عمّا يفعل بعباده، وهم يُسألون عمّا يعملون.

.

ص: 232

الباب الخامس والثلاثون: باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلّا الأئمّة و...

الباب الخامس والثلاثون : بَابُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَّا الْأَئِمَّةُ عليه السلام وَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ عِلْمَهُ كُلَّهُ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل 58.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ (1)، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «مَا ادَّعى أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَمَا أُنْزِلَ إِلَّا كَذَّابٌ، وَ مَا جَمَعَهُ وَ حَفِظَهُ كَمَا أَنْزَلَهُ (2) اللَّهُ تَعَالى إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام».هديّة:(أحد) يعني غير المعصوم.(كما اُنزل) أي بشرحه لمتنه من جبرئيل عليه السلام، فهذا الخبر لا ينافي بدليل الخبر التالي أيضاً ونحوه ما بيّنّاه سابقاً من معنى التحريف في القرآن لفظاً ومعنىً بالإعراب والقراءة.

الحديث الثاني 62.امام على عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُنَخَّلِ (3)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا يَسْتَطِيعُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام».
2- .في الكافي المطبوع: «نزّله».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخّل».

ص: 233

62.امام على عليه السلام :أَحَدٌ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ ظَاهِرِهِ وَ بَاطِنِهِ غَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ».هديّة:(كلّه) تأكيد القرآن، (ظاهره) بدل «الجميع».وفي الخبر دلالة ظاهرة على عدم وقوع التحريف في آي القرآن وسُوَره، وإن حرّف فيه كلمة أو إعراباً أو قراءة.

الحديث الثالث 66.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ (1)، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ عِلْمِ مَا أُوتِينَا تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَ أَحْكَامَهُ، وَ عِلْمَ تَغْيِيرِ الزَّمَانِ وَ حَدَثَانِهِ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْراً أَسْمَعَهُمْ، وَ لَوْ أَسْمَعَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَوَلّى مُعْرِضاً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ» . ثُمَّ أَمْسَكَ هُنَيْئَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَ لَوْ وَجَدْنَا أَوْعِيَةً أَوْ مُسْتَزَاحاً(2) لَقُلْنَا، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ».هديّة:(إنّ من علم ما اُوتينا) أي من جملة العلم الذي أعطينا. وقرأ برهان الفضلاء: «من علمٍ» بالتنوين، وقال: «ما» مبهمة للتعظيم و«اُوتينا» صفة العلم، والتقدير: «علم تفسير القرآن». وقرأ: «وإحكامه» بكسر الهمزة عطفاً على التفسير.و«الحَدَثان» - بالتحريك (3) - و«الحدث» و«الحادثة» كلّه بمعنى. وقرأ: «وحِدْثانه» على وزن الصّبيان، جمع «حديث» كالجديد لفظاً ومعنىً، ثمّ قرأ: «من لم يُسَمَّع» على المعلوم من التفعيل، قال: والتسميع: عدّ الشخص قابلاً لأن يسمع.(أوعية) أي حفظة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «علّي بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن القاسم بن الربيع، عن عبيد بن عبد اللَّه بن أبي هاشم الصيرفي، عن عمرو بن مصعب».
2- .في الكافي المطبوع: «مستراحا» بالراء المهملة.
3- .في «د»: - «بالتحريك».

ص: 234

(مستزاحاً) بالزاي، من زاح الشي ء زيحاً: بَعُد؛ وأزاحه غيره، أي محلّاً للمخفي البعيد عن الإذاعة. وقرأوا حتّى برهان الفضلاء: «مستراحاً» بالراء المهملة، بمعنى: موضع الاستراحة، قالوا: يعني موضعاً آمناً.(لقلنا): لأظهرنا إمامتنا وفضلنا والاسم الأعظم ونحو ذلك وهو سرّهم عليهم السلام، لا الكفر الذي أظهر الحلّاج ومثله من الصوفيّة زعماً منهم أنّه السرّ الذي كتم سلمان من أبي ذرّ لكونه غير أهله، مع أنّ الملائكة حفظوا دعائه، وذلك مقامه من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.(اُسمعهم) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الأنفال: «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ»(1).وفي (هنيئة) بمعنى قليل من الزمان لغاتٌ ثلاثٌ، كحذيفة بالهمز أو الهاء، وكاُميّة بتشديد الخاتمة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِ (2)، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «وَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ كِتَابَ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلى آخِرِهِ كَأَنَّهُ فِي كَفِّي، فِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ ، وَ خَبَرُ الْأَرْضِ ، وَ خَبَرُ مَا كَانَ، وَ خَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالى : فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ».

هديّة:«التبيان»: البيان الكامل، قال اللَّه تعالى في سورة النحل: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ»(3)، قيل: وإنّما نقلت الآية هنا بالمعنى لتكون إيماء إلى أنّ «تبياناً» في الآية مفعول له، لا حالٌ.

.


1- .الأنفال (8): 23.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللَّه المؤمن».
3- .النمل (16): 89.

ص: 235

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَشَّابِ، عَنْ عَلِيٍ (1)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ(2)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: ««قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»» قَالَ: فَفَرَّجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، فَوَضَعَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَ عِنْدَنَا وَاللَّهِ ، عِلْمُ الْكِتَابِ كُلِّهِ».

هديّة:(قال: قال) أي قرأ هذه الآية من سورة النمل.(3)«الَّذِى» آصف بن برخيا. «عِلْمٌ»: للتقليل. «بِهِ»: بعرش بلقيس. «قَبْلَ» قيل: قبل طرفة واحدة.وقيل: قبل مدّة القدرة على ضبطها، ولا ينافيه اختلافه بالنظر إلى الأشخاص؛ لأنّ المخاطب هو سليمان عليه السلام، فقدرها مضبوط.وهو كما ترى لما لا يخفى.

الحديث السادس 71.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ العجلي (4)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَ ا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَبِ» قَالَ : «إِيَّانَا عَنى، وَ عَلِيٌّ عليه السلام أَوَّلُنَا وَ أَفْضَلُنَا وَ خَيْرُنَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله».هديّة:الآية في سورة الرعد.(5)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشّاب، عن عليّ بن حسّان».
2- .في «الف»: «عن عمّه» بدل «عن عبد الرحمن بن كثير».
3- .النمل (27): 40.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عمّن ذكره جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن بريد بن معاوية».
5- .الرعد (13): 43.

ص: 236

والضمير في (بينكم) لمنكري الرسالة.ولا يعلم جهة أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام من الأئمّة من أولاده سوى اللَّه وحججه؛ لثبوت عدم التفاوت بين الأئمّة عليهم السلام في الإمامة ولوازمها من الصفات الكماليّة من العلم والسخاوة والشجاعة ونحوها، كما ستعرف حديثهم في ذلك في الباب الثامن والخمسين إن شاء اللَّه تعالى.وفضل الاُبوّة عامّ لا كلام فيه، وقد روى سعد بن عبداللَّه في مختصر البصائر بإسناده عن أيّوب بن الحرّ عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلنا له: الأئمّة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال: «نعم، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد».(1) وهو صريح في أنّ للنبيّ والأوّل من أوصيائه عليهم السلام سوى العلوم التي اشترك الجميع فيها علوماً اُخَرَ من علم اللَّه الذي لا يتناهى، وعجائباته لا تُحصى كما للخضر عليه السلام، مع أنّ موسى عليه السلام من اُولي العزم، ومعه العلم بجميع ما يحتاج إليه الناس.

.


1- .بصائر الدرجات، ص 479، باب في الأئمّة أنّ بعضهم من بعض... ، ح 2؛ و عنه في البحار، ج 25، ص 358، ح 9.

ص: 237

الباب السادس والثلاثون: باب ما اُعطي الأئمّة من اسم اللَّه الأعظم

الباب السادس والثلاثون : بَابُ مَا أُعْطِيَ الْأَئِمَّةُ عليه السلام مِنِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ شُرَيْسٍ الْوَابِشِيِ (1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ عَلى ثَلَاثَةٍ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً، وَ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ آصَفَ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، فَتَكَلَّمَ بِهِ ، فَخُسِفَ بِالْأَرْضِ (2) مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَرِيرِ بِلْقِيسَ حَتّى تَنَاوَلَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ عَادَتِ الْأَرْضُ كَمَا كَانَتْ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَ نَحْنُ عِنْدَنَا مِنَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً، وَ حَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالى اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ».

هديّة:(شريس) بتقديم المعجمة مصغّراً (الوابشي) كوفيّ، روى عنهما عليهما السلام. رجل شرس: سيّى ء الخُلق، بيِّن الشراسة. و«وابش» بالمفردة والمعجمة: أبو بطن من همدان.(فخسف بالأرض) على المعلوم من باب ضرب، والباء للتعدية، أي فخسف بوسطها كمن خسف بوسط عود ليصل كلّ من رأسيه إلى الآخر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و غيره، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن الفضيل، قال: أخبرني شريس الوابشي».
2- .في حاشية «د»: «به الأرض».

ص: 238

قال برهان الفضلاء:لا يتوهّم عدم إمكان ذلك مع غفلة خلق كثير يقظان في الوسط؛ لأنّ القدح المملوّ ماءً في يد مخلوق سريع الفعل يكفا بما لا مزيد عليه، فيعاد من غير أن يصبّ منه شي ء، فكيف بقدرة الخالق تعالى.(أسرع من طرفة عين) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة النمل: «قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»(1).في بعض النسخ: «وعندنا نحن».(2)(استأثر به) أي استبدّ به. والاستبداد بالشي ء: التفرّد به.والظاهر من ألفاظ مثل أحاديث الباب كلفظ «التكلّم» أنّ أجزاء الاسم الأعظم مجموع الأسماء بمعنى الألفاظ، والأسماء بمعنى المسمّيات معاً، والمسمّيات هي مقادير نور معرفة الذات وصفاتها التي ليست معرفة كنهها إلّا له تعالى شأنه.وقال برهان الفضلاء: الاسم الأعظم كنه اللَّه سبحانه، فالجزء المتفرّد به بعد اثنين وسبعين لا يتناهى أيضاً كما في سلسلة العدد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ (3)، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لَمْ أَحْفَظ اسْمَهُ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ أُعْطِيَ حَرْفَيْنِ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا، وَ أُعْطِيَ مُوسى أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ، وَ أُعْطِيَ إِبْرَاهِيمُ ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ، وَ أُعْطِيَ نُوحٌ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً، وَ أُعْطِيَ آدَمُ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ حَرْفاً، وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى جَمَعَ ذلِكَ كُلَّهُ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ ثَلَاثَةٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً ، أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله اثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً، وَ حُجِبَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ».

.


1- .النمل (27): 40.
2- .أي بدل: «ونحن عندنا».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد و محمّد بن خالد، عن زكريّا بن عمران القمّي، عن هارون بن الجهم».

ص: 239

هديّة:قيل: النّاسي واحد من الرواة، والظاهر أنّه هارون.قيل: مستبعد أن يكون مع آدم من أحرف الاسم الأعظم أكثر ممّا مع كلّ من هؤلاء اُولي العزم، فأجاب برهان الفضلاء أوّلاً: بأنّ احتياج كلّ واحدٍ من الأنبياء عليهم السلام إلى قدر منه إنّما هو بالنظر إلى زمانه ومصالح اُمّته، فلا استبعاد في أفضليّة صاحب الأقلّ كإبراهيم من صاحب الأكثر كآدم عليهما السلام، وثانياً: بأنّه يمكن أن يكون المعنى أنّه أعطى كلّ من اُولي العزم زيادة على ما اُعطي آدم كذا وكذا، فآدم صاحب الأقلّ وعيسى صاحب سبعة وعشرين وهكذا.

الحديث الثالث 77.لقمان عليه السلامروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِ (1)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ ثَلَاثَةٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً(2)، كَانَ عِنْدَ آصَفَ حَرْفٌ، فَتَكَلَّمَ بِهِ، فَانْخَرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَبَاً، فَتَنَاوَلَ عَرْشَ بِلْقِيسَ حَتّى صَيَّرَهُ إِلى سُلَيْمَانَ، ثُمَّ انْبَسَطَتِ الْأَرْضُ فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ؛ وَ عِنْدَنَا مِنْهُ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً، وَ حَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ اسْتَأْثَرَ(3) بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ».هديّة:في بعض النسخ: «عن أبي الحسن العسكري عليه السلام».قوله: (فانخرقت) بالخاء المعجمة والقاف. وقرئ: «فانحرفت» بالمهملة والفاء، و«فانجرفت» بالجيم والفاء - على ما ضبطه برهان الفضلاء - انجرف الوادي وصار عميقاً بالسيل.في بعض النسخ: «مستأثر به» على اسم المفعول أي ممتاز به، فالظرف نايب الفاعل كما قاله برهان الفضلاء، أو اسم الفاعل أي متفرّد به.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن عليّ بن محمّد النوفلي».
2- .في «الف»: + «إنّما».
3- .في الكافي المطبوع: «مستأثر».

ص: 240

الباب السابع والثلاثون: باب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء

الباب السابع والثلاثون : بَابُ مَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ عليه السلام مِنْ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 83.الإمام عليّ عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَتْ عَصَا مُوسى لِآدَمَ عليه السلام ، فَصَارَتْ إِلى شُعَيْبٍ ، ثُمَّ صَارَتْ إِلى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ، وَ إِنَّهَا لَعِنْدَنَا ، وَ إِنَّ عَهْدِي بِهَا آنِفاً ، وَ هِيَ خَضْرَاءُ كَهَيْئَتِهَا حِينَ انْتُزِعَتْ مِنْ شَجَرَتِهَا ، وَ إِنَّهَا لَتَنْطِقُ إِذَا اسْتُنْطِقَتْ ، أُعِدَّتْ لِقَائِمِنَا عليه السلام يَصْنَعُ بِهَا مَا كَانَ يَصْنَعُ مُوسى عليه السلام، وَ إِنَّهَا لَتُرَوِّعُ وَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ، وَ تَصْنَعُ مَا تُؤْمَرُ بِهِ ، إِنَّهَا - حَيْثُ أَقْبَلَتْ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ - يُفْتَحُ لَهَا شُعْبَتَانِ : إِحْدَاهُمَا فِي الْأَرْضِ ، وَ الْأُخْرى فِي السَّقْفِ ، وَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً ، تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ بِلِسَانِهَا» .هديّة:انتزعه وانتزع هو، يتعدّى ولا يتعدّى، ف (انتزعت) على المعلوم أو المجهول.(لتروّع) على المجهول من الترويع من «الرُّوع» بالضمّ وهو القلب، يعني إلقاء الشي ء في القلب، فالمعنى لَتُلْهَم؛ أو على المعلوم منه من «الرَّوع» كالخوف لفظاً ومعنى، فالمعنى التخوّف.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن منيع بن الحجّاج البصري، عن مجاشع، عن معلّى، عن محمّد بن الفيض».

ص: 241

وقال برهان الفضلاء: ويحتمل من «الرَّوغ» بالفتح والغين المعجمة، وهو الميل من جانب إلى جانب والرجوع من شي ء إلى شي ء.والأنسب اُولى.(تلقف) من باب علم، ناظر إلى آية سورة الأعراف (1)، أي تأخذ تمامه سريعاً، وأيضاً تلقف: تلقم.(ما يأفكون): ما يصنعون، ويأتون به كذباً.في بعض النسخ: «ينتج» مكان (يفتح)، وفي بعض آخر - كما ضبط برهان الفضلاء - «شفتان» مكان (شعبتان).ولعلّ المراد ب «السقف» السماء، وقيل: المراد سقف عمارة فرعون.

الحديث الثاني 81.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ الثُّمَالِيِ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «أَلْوَاحُ مُوسى عليه السلام عِنْدَنَا ، وَ عَصَا مُوسى عِنْدَنَا ، وَ نَحْنُ وَرَثَةُ النَّبِيِّينَ».هديّة:«ثمالة» بالضمّ: حيّ من العرب.والقول بأنّ المراد علم ما في الألواح لا يناسب المقام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيِ (3)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ بِمَكَّةَ وَ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْكُوفَةِ ، نَادى مُنَادِيهِ : أَلَا لَا يَحْمِلْ أَحَدٌ

.


1- .الأعراف (7): 117.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللَّه بن القاسم، عن أبي سعيد الخراساني».

ص: 242

مِنْكُمْ طَعَاماً وَ لَا شَرَاباً ، وَ يَحْمِلُ حَجَرَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام وَ هُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ ، فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا انْبَعَثَتْ (1) عَيْنٌ مِنْهُ ، فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ ، وَ مَنْ كَانَ ظَامِئاً رَوِيَ ؛ فَهُوَ زَادُهُمْ حَتّى يَنْزِلُوا النَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ الْكُوفَةِ».

هديّة:(لا يحمل) على المعلوم، المجزوم بلا الناهية من باب ضرب.و(يحملُ) مرفوع ومستتره للقائم عليه السلام.وحكاية (حجر موسى) في سورة البقرة.(2)و«الوقر» بالكسر: الحِمل بالكسر، وهو ما يحمل، وبالفارسيّة «بار».و«الظامئ» و«الظمآن»: العطشان.(رَوِي) كعلم، وأصل الواو الياء.

الحديث الرابع 87.الإمام عليّ عليه السلام ( _ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَسَدِيِ (3)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ عَتَمَةٍ وَ هُوَ يَقُولُ - هَمْهَمَةً هَمْهَمَةً ، وَ لَيْلَةً مُظْلِمَةً - : خَرَجَ عَلَيْكُمُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ قَمِيصُ آدَمَ ، وَ فِي يَدِهِ خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَ عَصَا مُوسى».هديّة:(ذات) مؤنّث «ذو» أي ساعة ذات ليلة. وقيل: «ذات» في مثل المقام من الزوايد.و«العتمة» محرّكة: الثُّلُث الأوّل من الليل بعد غيبوبة الشفق.و«الهمهمة»: الخفيّ من الكلام. قيل: أوّلهما نصب على الحال أو التميز، والثاني تأكيد، (وليلة مظلمة) حاليّة. وقيل: كلاهما مرفوع بالخبر المكرّر من محذوف، فمقول يقول، أي ما أقول.

.


1- .في الكافي المطبوع: «انبعث».
2- .البقره (2): 60.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسن الأسدي».

ص: 243

وقال برهان الفضلاء: أوّلهما مفعول مطلق وكلام الباقر عليه السلام، والثاني مقول يقول ومرفوع على الخبر من محذوف وكلام أمير المؤمنين عليه السلام، أي ما أقول همهمة وهذه ليلة مظلمة. والخطاب إمّا للأوّل وتابعيه، أو لمعاوية وعسكره وهم نائمون.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «أَ تَدْرِي مَا كَانَ قَمِيصُ يُوسُفَ عليه السلام ؟» . قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا أُوقِدَتْ لَهُ النَّارُ ، أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَلْبَسَهُ إِيَّاهُ ، فَلَمْ يَضُرَّهُ مَعَهُ حَرٌّ وَ لَا بَرْدٌ ، فَلَمَّا حَضَرَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْتُ ، جَعَلَهُ فِي تَمِيمَةٍ وَ عَلَّقَهُ عَلى إِسْحَاقَ ، وَ عَلَّقَهُ إِسْحَاقُ عَلى يَعْقُوبَ ، فَلَمَّا وُلِدَ يُوسُفُ عليه السلام عَلَّقَهُ عَلَيْهِ ، فَكَانَ فِي عَضُدِهِ حَتّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ ، فَلَمَّا أَخْرَجَهُ يُوسُفُ بِمِصْرَ مِنَ التَّمِيمَةِ ، وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَهُ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالى : «إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ»(2) فَهُوَ ذلِكَ الْقَمِيصُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِلى (3) مَنْ صَارَ ذلِكَ الْقَمِيصُ ؟ قَالَ : «إِلى أَهْلِهِ». ثُمَّ قَالَ : «كُلُّ نَبِيٍّ وَرِثَ عِلْماً أَوْ غَيْرَهُ ، فَقَدِ انْتَهى إِلى آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:«التميمة» يُقال لكلّ عَوذة يعلّق على الصبيان، وفي الأصل هي الخرزة التي تعلّق على الإنسان وغيره من الحيوانات.(وهو قوله) أي الذي حكاه القرآن في سورته.(تفنّدون) تنسبوني إلى «الفَنَد» بالتحريك، وهو نقصان العقل من الهَرَم بالتحريك، أي كبر السنّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسن الأسدي».
2- .يوسف (12): 94.
3- .في الكافي المطبوع: «فإلى».

ص: 244

الباب الثامن والثلاثون: باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله و متاعه

الباب الثامن والثلاثون : بَابُ مَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ عليه السلام مِنْ سِلَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله وَ مَتَاعِهِ وأحاديثه كما في الكافي تسعة باعتبار وعشرة بآخر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعِيدٍ السَّمَّانِ (1) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ ، فَقَالَا لَهُ : أَ فِيكُمْ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «لَا».قَالَ : فَقَالَا لَهُ : قَدْ أَخْبَرَنَا عَنْكَ الثِّقَاتُ أَنَّكَ تُفْتِي وَ تُقِرُّ وَ تَقُولُ بِهِ ، وَنُسَمِّيهِمْ لَكَ : فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، وَ هُمْ أَصْحَابُ وَرَعٍ وَ تَشْمِيرٍ ، وَ هُمْ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ . فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَقَالَ : «مَا أَمَرْتُهُمْ بِهذَا». فَلَمَّا رَأَيَا الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ، خَرَجَا .فَقَالَ لِي : «أَ تَعْرِفُ هذَيْنِ ؟» ، قُلْتُ : نَعَمْ ، هُمَا مِنْ أَهْلِ سُوقِنَا ، وَ هُمَا مِنَ الزَّيْدِيَّةِ ، وَ هُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَقَالَ : «كَذَبَا - لَعَنَهُمَا اللَّهُ - وَ اللَّهِ مَا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بِعَيْنَيْهِ ، وَ لَا بِوَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ ، وَ لَا رَآهُ أَبُوهُ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ ، فَمَا عَلَامَةٌ فِي مَقْبِضِهِ ؟ وَ مَا أَثَرٌ فِي مَوْضِعِ مَضْرَبِهِ ؟وَ إِنَّ عِنْدِي لَسَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَ دِرْعَهُ وَ لأَْمَتَهُ وَ مِغْفَرَهُ ، فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ ، فَمَا عَلَامَةٌ فِي دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ وَ إِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السمّان».

ص: 245

الْمَغْلَبَةَ ، وَ إِنَّ عِنْدِي أَلْوَاحَ مُوسى وَ عَصَاهُ ، وَ إِنَّ عِنْدِي لَخَاتَمَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، وَ إِنَّ عِنْدِي الطَّسْتَ الَّذِي كَانَ مُوسى يُقَرِّبُ بِهِ الْقُرْبَانَ ، وَ إِنَّ عِنْدِي الِاسْمَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذَا وَضَعَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُشْرِكِينَ ، لَمْ يَصِلْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ نُشَّابَةٌ ، وَ إِنَّ عِنْدِي لَمِثْلَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ .وَ مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا كَمَثَلِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَيِّ أَهْلِ بَيْتٍ وُجِدَ التَّابُوتُ عَلى أَبْوَابِهِمْ أُوتُوا النُّبُوَّةَ ، وَ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ مِنَّا أُوتِيَ الْإِمَامَةَ ، وَ لَقَدْ لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَخَطَّتْ عَلَى الْأَرْضِ خَطِيطاً ، وَ لَبِسْتُهَا أَنَا ، فَكَانَتْ وَ كَانَتْ ، وَ قَائِمُنَا مَنْ إِذَا لَبِسَهَا مَلَأَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ».

هديّة:(فقال: لا) أي ليس فينا مفترض الطاعة بالمعنى الذي زعمتم من أنّه هو المجتهد برأيه في الأحكام من بني فاطمة إذا كان عنده سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وخرج به.(وتقول) عطف تفسير لتقرّ. (به) أي بما قلنا من وجود إمام كذا فيكم.في بعض النسخ: «فلان وفلان وفلان» ثلاثاً، والمراد عليهما التعدّد والكثرة.و(عبداللَّه) هذا هو ابن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.و«التشمير» رفع الثوب للجدّ في الأمر، يكنّى به عن كثرة العبادة والتقوى. و«المقبض» كمجلس ومنصب، وكذا «المضرب» وهو صدره ما بين الرأس والوسط.و«اللأمة» بالفتح وسكون الهمزة: سرد الرأس. و«المِغفر» كمنبر. و«المغلبة» بالفتح كمشربة: مصدر ميميّ من «غلب» كضرب، واسم إحدى راياته صلى اللَّه عليه وآله.(يقرّب به القربان) أي فيه، على المضارع المعلوم من التفعيل. ويحتمل - كما قال برهان الفضلاء - «يقرب» على المضارع المعلوم من باب علم وحسن والباء للسببيّة.و«القربان» - كسبحان وعمران - مصدر ومفعول مطلق للنوع، واللام للعهد الخارجي، أي كان يصير على هذا الاحتمال متقرّباً إلى اللَّه تعالى بسبب ذلك الطست. والغسل منه ذلك التقرّب المعروف من شأنه. وسيجي ء في الحديث (1) تفسير «بَقِيَّةٌ مِّمَّا

.


1- .الكافي، ج 3، ص 471، باب صلاة الاستخارة، ح 5؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 6، ص 607، ح 5660.

ص: 246

تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَرُونَ»(1) كما في سورة البقرة، بأشياء، منها: الطست الذي كان موسى يقرّب فيه القربان، وقيل: كان يغسل فيه قلوب الأنبياء عليهم السلام.و«النشّابة» بالضمّ والتشديد: واحدة «النشّاب»، وهي السهام العربيّة.(لمثل الذي جاءت به الملائكة) قيل: لعلّه عليه السلام أشار به إلى ما أخبر اللَّه عنه في القرآن بقوله تعالى في سورة البقرة: «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ»(2).وقال برهان الفضلاء وجماعة: المراد ب «مثل ما جاءت به الملائكة» السلاح، وب «ما جاءت به الملائكة» التابوت. وفي بعض النسخ: «التابوت» مكان «لمثل».ونقل أنّ التابوت رفع عنهم بعد موسى عليه السلام مدّة، ثمّ جاءت به الملائكة وهم ينظرون إليه.وفي تفسير عليّ بن إبراهيم عنهم عليهم السلام:أنّ ذلك هو التابوت الذي أنزل اللَّه على موسى، فوضعته فيه اُمّه وألقته في اليمّ، فكان في بني إسرائيل يتبرّكون به، فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوّة، وأودعه يوشع وصيّه، فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفّوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التابوت عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه اللَّه منهم، فلمّا سألوا النبيّ بعث إليهم طالوت ملكاً يقاتل معهم ردَّ اللَّه عليهم التابوت (كما قال اللَّه: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ»، قال: البقيّة: ذرّية الأنبياء)3 وقوله: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ» فإنّ التابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيّبة، لها وجه كوجه الإنسان. قال: حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرّضا عليه السلام أنّه قال: «السّكينة ريح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان». (وكان إذا وضع التابوت بين يدي العدوّ وبين المسلمين يخرج

.


1- .البقرة (2): 248.
2- .ما بين القوسين لم يرد فى المصدر.

ص: 247

منه ريح طيّبة لها وجه كوجه الإنسان)(1) وكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفّار، فإن تقدّم التابوت رجل لا يرجع حتّى يُقتل أو يُغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الإمام، فأوحى اللَّه إلى نبيّهم أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه داود بن آسي وكان آسي راعياً، وكان له عشر بنين أصغرهم داود عليه السلام، فلمّا بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي أن احضُر واحضِر وُلْدَك، فلمّا حضروا دعا واحداً واحداً من ولده، فألبسه الدرع درع موسى عليه السلام، فمنهم من طالت عليه، ومنهم من قصرت عنه، فقال لآسي: هل خلّفت من ولدك أحداً؟ قال: نعم أصغرهم تركته في الغنم راعياً، فبعث ابنه (2) فجاء به، فلمّا دعي أقبل ومعه مقلاع، قال: فناداه ثلاث صخرات في طريقه، فقالت: يا داود خذنا فأخذها في مخلاته، وكان شديد البطش، قويّاً في بدنه شجاعاً، فلمّا صار إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوى عليه.(3)انتهى كلام عليّ بن إبراهيم وروايته عن الرضا عليه السلام.في بعض النسخ: «كانت بنو إسرائيل كذا» بزيادة «كذا».«خطّ عليه» كمدّ: أحدث فيه أثراً وعلامة. و«الخطيط»: تصغير الخطّ.(فكانت وكانت) قيل: يعني كانت قد تصل إلى الأرض وقد لا تصل، وقيل: يعني لم يختلف عليَّ وعلى أبي اختلافاً محسوساً. وقال برهان الفضلاء: يعني فخطّت زيادة على خطّ أبي عليه السلام.وكلمة (إن شاء اللَّه) في مثل المقام للتبرّك إن شاء اللَّه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (4) ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا

.


1- .ما بين القوسين لم يرد فى المصدر.
2- .في المصدر: «يرعاها فبعث إليه ابنه» بدل «راعياً فبعث ابنه».
3- .تفسير القمّي، ج 1، ص 82.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 248

عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «عِنْدِي سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَا أُنَازَعُ فِيهِ».ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ السِّلَاحَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ ، لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ لَكَانَ خَيْرَهُمْ». ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ هذَا الْأَمْرَ يَصِيرُ إِلى مَنْ يُلْوى لَهُ الْحَنَكُ ، فَإِذَا كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ خَرَجَ ، فَيَقُولُ النَّاسُ : مَا هذَا الَّذِي كَانَ ؟! وَ يَضَعُ اللَّهُ لَهُ يَداً عَلى رَأْسِ رَعِيَّتِهِ».

هديّة:(لا اُنازع فيه) على ما لم يسمّ فاعله، أي لأنّه ميراثي من الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.(مدفوع عنه) قيل: يعني لا سبيل ليد إليه بالغصب والسرقة ونحوهما. وقال برهان الفضلاء: أي الشرّ والمحق وهلاك صاحبه.(لو وضع) شرطيّة بيانيّة، لكان على هذا التقدير: شرّ خلق اللَّه خير خلق اللَّه.(من يلوى له الحنك) إمّا على المعلوم من باب علم، أو خلافه من التفعيل.«لوي»: اعوجّ، لوى ولوّاه غيره، قيل: «لوى الحنك» أو «تلويته» كناية عن طول الانتظار لظهوره، وقيل: بل كناية عن انقياد الجميع لسلطانه.أقول: أو عبارة عن تحيّر الجميع في ملاحظة فضله الممتاز، وشرف نسبه إلى آدم وأمارات حجّيّته الظاهرة ودلالات إمامته الباهرة.(ما هذا الذي كان) يعني يتعجّبون من أمره وسيرته وعدله وامتيازه البيّن حسباً ونسباً.واللام في (له يداً) للاختصاص أو السببيّة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي الْمَتَاعِ سَيْفاً وَ دِرْعاً وَ عَنَزَةً وَ رَحْلاً وَ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ ، فَوَرِثَ ذلِكَ كُلَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان».

ص: 249

هديّة:(في المتاع) يعني - كما صرّح به برهان الفضلاء - ما يتمتّع به من أثاث البيت وغيره، ف «في» للظرفيّة أو للسببيّة، فالمعنى: ترك - بعد هبته لأمير المؤمنين عليه السلام طائفة منها - هذه المذكورات ليتمتّع بها في بقيّة الحياة ويرثها بعده صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام.و«العَنَزَة» محرّكة: رمح بين العصا والرمح. و«الرحل»: مركب الناقة.و(الشهباء) تأنيث أشهب، و«الشهبة» في الألوان: البياض الذي غلب على السواد.

الحديث الرابع روى في الكافي عن الاثنين عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ (1)، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : «لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ذَاتَ الْفُضُولِ فَخَطَّتْ ، وَ لَبِسْتُهَا أَنَا فَفَضَلَتْ» .

هديّة:(ذات الفضول) لقب دِرْعٍ من درعيه صلى اللَّه عليه وآله، قيل: لسعته.(ففضلت) على المعلوم من باب علم ونصر، أو على المجهول بصيغة المؤنّث من التفعيل، وقيل: بل عليه بصيغة المتكلّم منه ليطابق الحديث الأوّل.والدرع التي توافقها علامة الإمامة هي غير ذات الفضول، وذات الفضول هي التي لا يملأها من الأئمّة عليهم السلام غير القائم عليه السلام، فلا إشكال بالمنافاة. ويجمع الدرع - وهو قد يذكّر - على أدرع وإدراع ودروع.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (2)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ ذِي الْفَقَارِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنْ أَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : «هَبَطَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ ، وَ كَانَتْ حِلْيَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَ هُوَ عِنْدِي» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه».

ص: 250

هديّة:(الفَقار) كسحاب: جمع «فَقارة»، فالتسمية إمّا لشقّه فَقار ظهر الأعداء، أو لكونه ذا فَقار من فضّة شبه فَقار الظهر.و«حلية السيف» بالكسر وقد يفتح.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ (1)، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، قَالَ : «السِّلَاحُ مَوْضُوعٌ عِنْدَنَا ، مَدْفُوعٌ عَنْهُ ، لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ ، كَانَ (2) خَيْرَهُمْ ، لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ حَيْثُ بَنى بِالثَّقَفِيَّةِ - وَقَدْ كَانَ (3) شُقَّ لَهُ فِي الْجِدَارِ - فَنُجِّدَ الْبَيْتُ ، فَلَمَّا كَانَتْ صَبِيحَةُ عُرْسِهِ رَمى بِبَصَرِهِ، فَرَأى حَذْوَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِسْمَاراً ، فَفَزِعَ لِذلِكَ ، وَ قَالَ لَهَا : تَحَوَّلِي ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ مَوَالِيَّ فِي حَاجَةٍ ، فَكَشَطَهُ ، فَمَا مِنْهَا مِسْمَارٌ إِلَّا وَجَدَهُ مُصَرَّفاً طَرَفُهُ عَنِ السَّيْفِ، وَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْ ءٌ».

هديّة:(بنى بالثّقفيّة): تزوّج بها، وأصله أنّ الرجل كان إذا تزوّج بنى على امرأتها قبّة ليدخل بها فيها، يُقال: بنى بأهله وعلى أهله.(شقّ له) أي الإمام عليه السلام للسلاح، يعني السيف ليخفى في جوف الجدار من الأنظار. في بعض النسخ: «وكان قد شقّ له» بدخول «قد» على «شقّ» دون «كان».(فنجّد) على ما لم يسمّ فاعله. و«التنجيد»: التزيين، أي زيّن للعرس بعد إخفاء السلاح فيه.(حذوه) أي بإزائه بعد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمّد بن حكيم».
2- .في الكافي المطبوع: «لكان».
3- .في الكافي المطبوع: «وكان قد» بدل «وقد كان».

ص: 251

(ففزع لذلك) من باب علم، أي خاف من انكساره بالمسامير أو سرقته.وقال برهان الفضلاء: أي اضطرب شوقاً للنظر إلى كيفيّة الاندفاع؛ لئلّا يقال منافاة بين العلم بالاندفاع والخوف من الانكسار.(فكشطه): كشف عن السيف حجابه من الجصّ والسَّياع (1) ونحوهما، ولعلّ الحاجة هو الاستشهاد بأنّه مدفوع عنه.(مصرّفاً) على اسم المفعول من التفعيل.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حُجْرٍ(2) ، عَنْ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَمَّا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ دُفِعَتْ إِلى أُمِّ سَلَمَةَ صَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ ، فَقَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِيٌّ عليه السلام عِلْمَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ مَا هُنَاكَ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَلَمَّا خَشِيَنَا أَنْ نُغْشَى اسْتَوْدَعَهَا أُمَّ سَلَمَةَ ، ثُمَّ قَبَضَهَا بَعْدَ ذلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام». قَالَ : فَقُلْتُ : نَعَمْ ، ثُمَّ صَارَ إِلى أَبِيكَ ، ثُمَّ انْتَهى إِلَيْكَ ، وَ صَارَ بَعْدَ ذلِكَ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».

هديّة:«حجر بن زايدة» بضمّ المهملة وسكون الجيم: ثقة جليل القدر.(يتحدّث) على المضارع المعلوم من التفعّل، وفي بعض النسخ من التفعيل. و«التحدّث»: نقل الناس الحديثَ فيما بينهم بعضهم عن بعض، و«التحديث» أعمّ، وهو نقل الحديث.وهذه «الصحيفة» غير الكتاب الملفوف والوصيّة الظاهرة اللذين استودعهما الحسين عليه السلام بكربلاء عند ابنته الكبرى فاطمة، وسيجي ء في باب النصّ على عليّ بن

.


1- .«السياع» الطين، أو الطين بالتبن الذي يُطيّن به البيوت. لسان العرب، ج 8، ص 170 (سيع).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن حجر».

ص: 252

الحسين عليهما السلام إن شاء اللَّه تعالى.(وما هناك) لعلّ المشار إليه وعاء السلاح.(نُغشى) على ما لم يسمّ فاعله إمّا على المتكلّم مع الغير أو المؤنّث الغايبة، أي تفوت الصحيفة. «غشيه» كرضي: هجم عليه وأحاطه بالأخذ.(ثمّ صار إلى أبيك) إخبارٌ. (ثمّ انتهى إليك) استفهامٌ. (وصار بعد ذلك إليك) عطفُ تفسيرٍ.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ (1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَمَّا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ دُفِعَ إِلى أُمِّ سَلَمَةَ صَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ ، فَقَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِيٌّ عليه السلام عِلْمَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ مَا هُنَاكَ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحَسَنِ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليهما السلام» . قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ صَارَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى ابْنِهِ ، ثُمَّ انْتَهى إِلَيْكَ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ ، عَنْ أَبَانِ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْوَفَاةُ ، دَعَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ : يَا عَمَّ مُحَمَّدٍ ، تَأْخُذُ تُرَاثَ مُحَمَّدٍ ، وَ تَقْضِي دَيْنَهُ ، وَ تُنْجِزُ عِدَاتِهِ ؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ (3) ، شَيْخٌ كَثِيرُ الْعِيَالِ ، قَلِيلُ الْمَالِ ، مَنْ يُطِيقُكَ وَ أَنْتَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن عمر بن أبان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسين و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي، عن أبان بن عثمان» وفي الطبعة الجديدة من الكافي: «محمّد بن الحسن» بدل «محمّد بن الحسين».
3- .في الكافي المطبوع: + «بأبي أنت و اُمّي».

ص: 253

تُبَارِي الرِّيحَ؟» .قَالَ : «فَأَطْرَقَ صلى اللَّه عليه وآله هُنَيْئَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبَّاسُ ، أَ تَأْخُذُ تُرَاثَ مُحَمَّدٍ ، وَ تُنْجِزُ عِدَاتِهِ وَ تَقْضِي دَيْنَهُ ؟ فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، شَيْخٌ كَثِيرُ الْعِيَالِ ، قَلِيلُ الْمَالِ ، وَ أَنْتَ تُبَارِي الرِّيحَ .قَالَ : أَمَا إِنِّي سَأُعْطِيهَا مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَلِيُّ ، يَا أَخَا مُحَمَّدٍ ، أَتُنْجِزُ عِدَاتِ مُحَمَّدٍ ، وَ تَقْضِي دَيْنَهُ ، وَ تَقْبِضُ تُرَاثَهُ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، ذاكَ عَلَيَّ وَ لِي ، قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حَتّى نَزَعَ خَاتَمَهُ مِنْ إِصْبَعِهِ ، فَقَالَ : تَخَتَّمْ بِهذَا فِي حَيَاتِي ، قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ حِينَ وَضَعْتُهُ فِي إِصْبَعِي ، فَتَمَنَّيْتُ مِنْ جَمِيعِ مَا تَرَكَ الْخَاتَمَ .ثُمَّ صَاحَ : يَا بِلَالُ ، عَلَيَّ بِالْمِغْفَرِ وَ الدِّرْعِ وَ الرَّايَةِ وَ الْقَمِيصِ وَ ذِي الْفَقَارِ وَ السَّحَابِ وَ الْبُرْدِ وَ الْأَبْرَقَةِ وَ الْقَضِيبِ ، قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُهَا قَبْلَ (1) سَاعَتِي تِلْكَ - يَعْنِي الْأَبْرَقَةَ - فَجِي ءَ بِشِقَّةٍ كَادَتْ تَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ، فَإِذَا هِيَ مِنْ أَبْرُقِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَتَانِي بِهَا ، وَ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اجْعَلْهَا فِي حَلْقَةِ الدِّرْعِ ، وَ اسْتَذْفِرْ بِهَا مَكَانَ الْمِنْطَقَةِ .ثُمَّ دَعَا بِزَوْجَيْ نِعَالٍ عَرَبِيَّيْنِ جَمِيعاً : أَحَدُهُمَا مَخْصُوفٌ ، وَ الْآخَرُ غَيْرُ مَخْصُوفٍ ، وَ الْقَمِيصَيْنِ : الْقَمِيصِ الَّذِي أُسْرِيَ بِهِ فِيهِ ، وَ الْقَمِيصِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَالْقَلَانِسِ الثَّلَاثِ : قَلَنْسُوَةِ السَّفَرِ ، وَ قَلَنْسُوَةِ الْعِيدَيْنِ وَ الْجُمَعِ ، وَ قَلَنْسُوَةٍ كَانَ يَلْبَسُهَا وَ يَقْعُدُ مَعَ أَصْحَابِهِ .ثُمَّ قَالَ : يَا بِلَالُ ، عَلَيَّ بِالْبَغْلَتَيْنِ : الشَّهْبَاءِ ، وَ الدُّلْدُلِ ؛ وَ النَّاقَتَيْنِ : الْعَضْبَاءِ ، وَ الْقَصْوَاءِ ؛ وَ الْفَرَسَيْنِ : الْجَنَاحِ - كَانَتْ تُوقَفُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ لِحَوَائِجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَبْعَثُ الرَّجُلَ فِي حَاجَتِهِ ، فَيَرْكَبُهُ فَيَرْكُضُهُ فِي حَاجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ حَيْزُومٍ - وَ هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ : أَقْدِمْ يَا حَيْزُومُ - وَ الْحِمَارِ عُفَيْرٍ ، فَقَالَ : اقْبِضْهَا فِي حَيَاتِي .فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، قَطَعَ خِطَامَهُ ، ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتّى أَتى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا ، فَرَمى بِنَفْسِهِ فِيهَا ، فَكَانَتْ قَبْرَهُ».

.


1- .في الكافي المطبوع: «قبل».

ص: 254

وَ رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ : «إِنَّ ذلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ عليه السلام فِي السَّفِينَةِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ عليه السلام ، فَمَسَحَ عَلى كَفَلِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذلِكَ الْحِمَارَ».

هديّة:«التراث» بالضمّ: الميراث، وأصل التاء الواو.(تبارى الريح): تسابقها، كناية عن علوّ الهمّة ونثر ما في اليد.في بعض النسخ - كما ضبط سيّدي وسندي أمير حسن القايني رحمة اللَّه عليه : «بخفّها» مكان (بحقّها)، قال: قوله «بخفّها» كناية عن غاية اقتداره عليه السلام؛ لأنّ من يأخذ خفّ البعير ويمسكه، له غاية القدرة.(فنظرت) القائل عليّ عليه السلام. قيل: وفي الكلام التفات في حكاية حال.(فتمنّيت) يعني قلت في نفسي: لو لم يكن غير هذا الخاتم لكفاني فخراً به شرفاً وعزّة وبركة.(والقميص) قميص آدم أو يوسف عليهما السلام، أو خاصّ به صلى اللَّه عليه وآله، كلاهما أو أحدهما.(والسحاب) اسم عمامته صلى اللَّه عليه وآله.(والابرقة) بالفتح: واحدة «الأبرق» كالأبلق لفظاً ومعنى. قيل: كأنّها ثوب مستطيل، وهي «الشقّة» بالضمّ والكسر. وفي الكلام تقديم وتأخير، يعني «فجي ء بشقّة، فواللَّه ما رأيتها». وهو عقال أبرق في الخبر الآتي. الجوهري: و«الأبرق»: الحبل الذي فيه لونان، وكلّ شي ء اجتمع فيه سواد وبياض فهو أبرق، «تيس أبرق» و«عنز برقاء».(1)وقيل: «الشّقّة» هي التي تسمّى ب «السبيبة»، والصحيح أنّها هنا ما من شأنه أن يشدّ مكان المنطقة، وكلّ ثوب قسم طولاً، فكلّ نصف منه «شقّة» بالضمّ والكسر.

.


1- .الصحاح، ج 4، ص 1449 (برق).

ص: 255

في بعض النسخ: «غير ساعتي» مكان (قبل ساعتي)و«الاستذفار» هنا: شدّ الوسط بالمنطقة ونحوها. و«العضباء»: الناقة المشقوقة الأذن، (والقصواء) بالقاف والمهملة: المقطوع طرف اُذنها. قالوا: وليس ناقتاه صلى اللَّه عليه وآله كذلك، ولكن لقّبتا بذلك.(الجناح) قيل: كسحاب، سمّي به مبالغة. وقرأ برهان الفضلاء بالتشديد، أي ذا الجناح، بمعنى الناحية؛ لعَدْوِه في النواحي والجوانب، أي من جانب إلى آخر.و«الفرس» يُذكّر ويُؤنّث، ولا يقال للاُنثى «فرسة».(وحيزوم) كجيحون: اسم فرس جبرئيل عليه السلام أيضاً. قال ابن الأثير في نهايته:«أقدم حيزوم» هو أمر بالإقدام، وهو التقدّم في الحرب، و«الإقدام»: الشجاعة، وقد تكسر همزة «أقدم» ويكون أمراً بالتقدّم لا غير، والصحيح الفتح.(1)و«حيزوم» في الأصل: الفرس المشدود حزامه على وسطه تهيئةً للجهاد.(عفير) اسم حماره صلى اللَّه عليه وآله بالفاء بعد المهملة كزبير.(ساعة قُبض) على ما لم يسمّ فاعله ومضاف إليه ل «ساعة» ظرف زمان، منصوب على الظرفيّة، مضاف إلى الجملة؛ قاله برهان الفضلاء. وللتركّب وجه آخر، بل وجهان آخران.و«الخطام» بالمعجمة قبل المهملة، ككتاب: الزمام.و(خطمة) بفتح المعجمة وسكون المهملة: بطن من الأنصار. و«قباء» بالضمّ ويذكّر ويقصر: موضع قرب المدينة المنوّرة؛ قاله في القاموس.(2)والظاهر أنّ (وروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام) كلام صاحب الكافي.وقال برهان الفضلاء: «وروى» كلام أبان بن عثمان المذكور في سند الحديث السابق. وبهذا أحاديث الباب عشرة.

.


1- .النهاية، ج 4، ص 26 (قدم).
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 376 (قبا).

ص: 256

الباب التاسع والثلاثون: باب أنّ مثل سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مثل التابوت في...

الباب التاسع والثلاثون : بَابُ أَنَّ مَثَلَ سِلَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 108.امام على عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ (1) ، عَنْ سَعِيدٍ السَّمَّانِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيُّ أَهْلِ بَيْتٍ وُجِدَ التَّابُوتُ عَلى بَابِهِمْ أُوتُوا النُّبُوَّةَ ، فَمَنْ صَارَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ مِنَّا أُوتِيَ الْإِمَامَةَ» .هديّة:(السلاح) ككتاب، و«السلح» كعنب، و«السلحان» بالضمّ: آلة الحرب أو حديدتها ويؤنّث، والسيف، والقوس بلا وتر، والعصا. و«تسلّح» لبسه؛ قاله في القاموس.(2)(أيّ أهل بيت) أي من بني إسرائيل.

الحديث الثاني روى في الكافي عَن الثَّلاثَةِ(3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السُّكَيْنِ ، عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنْ ابْنِ أَبِي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 229 (سلح).
3- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 257

يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَيْثُمَا دَارَ التَّابُوتُ دَارَ الْمُلْكَ ، فَأَيْنَمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا دَارَ الْعِلْمُ».

هديّة:(الملك) بالضمّ هنا: النبوّة. و(العلم): الإمامة.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام (1) : إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَيْثُمَا دَارَ التَّابُوتُ أُوتُوا النُّبُوَّةَ ، وَ حَيْثُمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا فَثَمَّ الْأَمْرُ». قُلْتُ : فَيَكُونُ السِّلَاحُ مُزَايِلاً لِلْعِلْمِ ؟ قَالَ : «لَا» .

هديّة:يعني هل يوجد السلاح مع غير الإمام؟ وقيل: يعني هل يكتفى بالسلاح حيث لا علم؟ ولعلّ المآل واحد، والبيان الأوّل أولى؛ لبُعد السؤال على الثاني.

الحديث الرابع 115.على بن يقطين :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ البَزَنْطي (2) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا كَمَثَلِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَيْنَمَا دَارَ التَّابُوتُ دَارَ الْمُلْكُ ، وَ أَيْنَمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا دَارَ الْعِلْمُ» .هديّة:قد علم بيانه ببيان نظايره.

.


1- .في الكافي المطبوع: «كان أبو جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر».

ص: 258

الباب الأربعون: باب فيه ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة و...

الباب الأربعون : بَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الصَّحِيفَةِ وَ الْجَفْرِ وَ الْجَامِعَةِ وَ مُصْحَفِ فَاطِمَةَ صلوات اللَّه عليهاوأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي ؟ قَالَ : فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام سِتْراً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ ، فَاطَّلَعَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ(2) ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ شِيعَتَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلَّمَ عَلِيّاً عليه السلام بَاباً يُفْتَحُ لَهُ مِنْهُ أَلْفُ بَابٍ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام أَلْفَ بَابٍ يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ».قَالَ : قُلْتُ : هذَا وَاللَّهِ الْعِلْمُ ، قَالَ : فَنَكَتَ سَاعَةً فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ مَا هُوَ بِذَاكَ».قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَامِعَةَ ، وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَامِعَةُ ؟» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عبد اللَّه بن الحجّال، عن أحمد بن عمر الحلبي».
2- .في «د»: «يا با محمّد» بدون الهمزة، وكذا فيما بعد.

ص: 259

قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا الْجَامِعَةُ ؟ قَالَ : «صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ إِمْلَائِهِ مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَ خَطِّ عَلِيٍّ عليه السلام بِيَمِينِهِ ، فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ ، وَ كُلُّ شَيْ ءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ (1)حَتَّى الْأَرْشُ فِي الْخَدْشِ» . وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «أ تَأْذَنُ (2) لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ؟» .قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّمَا أَنَا لَكَ ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ، قَالَ : فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ ، وَ قَالَ : «حَتّى أَرْشُ هذَا» كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ .قَالَ : قُلْتُ : هذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ».ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ ، وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَفْرُ؟ » قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا الْجَفْرُ ؟ قَالَ : «وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ فِيهِ عِلْمُ النَّبِيِّينَ وَ الْوَصِيِّينَ ، وَ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» .قَالَ : قُلْتُ : إِنَّ هذَا هُوَ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ».ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «وَ إِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ؟» . قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ؟ قَالَ : «مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ».قَالَ : قُلْتُ : هذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ مَا هُوَ بِذَاكَ» .ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «وإِنَ (3) عِنْدَنَا عِلْمَ مَا كَانَ ، وَ عِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا وَ اللَّهِ هُوَ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَيُّ شَيْ ءٍ الْعِلْمُ ؟ قَالَ : «مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ ، الْأَمْرُ(4) بَعْدِ الْأَمْرِ ، وَ الشَّيْ ءُ بَعْدَ الشَّيْ ءِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «الناس إليه» بدل «إليه الناس».
2- .في الكافي المطبوع: «تأذن» بدون الهمزة.
3- .في الكافي المطبوع: «إنّ» بدون الواو.
4- .في الكافي المطبوع: + «من».

ص: 260

هديّة:الظاهر في أحاديث الباب أنّ «الصحيفة» و«الجامعة» شي ءٌ واحد، ولذا عنون صاحب بصائر الدرجات هذا الباب كصاحب الكافي على ما نقلناه (1).ومن وجوه حكمة سكوته عليه السلام مراراً في الأثناء العنايةُ بحفظ الراوي السائلِ وضبطه، وحكايةُ صنايع الإمام عليه السلام من النكت في الأرض ورفع الستر وغير ذلك إنّما هي بواسطة فائدة أو غيره.(ما هو بذاك) أي ليس علمنا منحصراً في هذا، أو ليس علمنا الأعظم هذا، أو معنى آخر. وقد مرّ بيانه مفصّلاً في بيان الرابع من الباب الثالث والثلاثين.و«التاء» في (الجامعة) للنقل وغلبة الإسميّة، أو للتأنيث باعتبار الصحيفة، أو للمبالغة.و«ما» في (ما يدريهم) للاستفهام الإنكاري.ولعلّ المراد ب (ذراع رسول) اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ذراعه المشهور بذراع النبيّ المقدّر بذراع نفسه صلى اللَّه عليه وآله من المرفق إلى رأس الإصبع الوسطى.(من فلق فيه) بكسر الفاء ويفتح وسكون اللام، أي شقّ فيه.(حتّى ارش هذا) قيل كناية عمّا يوجب وجعاً يسيراً بغمز وغيره. ولعلّ كونه عليه السلام شبه المغضب عند ذلك القول أو الفعل إنّما هو على الجاحدين علمهم عليهم السلام.أو المعنى: أنّ غمزه كان شبيهاً بغمز المغضب إيماءً إلى أنّ الغمز من غير غضب كما عند المطايبة - وإن كان موجعاً - لا أرش له. وقد مضى وجه الأفضليّة لأفضل علومهم عليهم السلام في باب أنّه يرث العلم بعضهم من بعض.(من أدم) إمّا بالتحريك: اسم جمع، أو بضمّتين: جمع أديم، والمراد عليهما جنس الأديم، لا التعدّد والكثرة؛ لما سيجي ء من قوله عليه السلام: «جلد ثور».(فيه علم النبيّين). قال برهان الفضلاء: المراد ب «النبيّين»: ذووا شريعة على حدة،

.


1- .الكافي، ج 1، ص 241.

ص: 261

وبعلمهم: كتبهم السماويّة، وبالوصيّين: أوصيائهم من النبيّين، وبالعلماء: النبيّون الذين لم يكونوا أوصياء، وبعلمهم: مثل المواعظ وكلمات الحكمة.(ثلاث مرّات) أي مماثلة ثلاث مرّات، ف «ثلاث» نصب وصفاً للمفعول المطلق المحذوف.(ما يحدث) على المعلوم من باب نصر، أي علم ما يحدث.و(الجفر): البئر الواسعة التي لا تنزف بالنزح.وسيذكر بيان مصحف فاطمة عليها السلام إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «تَظْهَرُ الزَّنَادِقَةُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ ذلِكَ أَنِّي نَظَرْتُ فِي مُصْحَفِ فَاطِمَةَ عليها السلام» .قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله ، دَخَلَ عَلى فَاطِمَةَ عليها السلام مِنْ وَفَاتِهِ مِنَ الْحُزْنِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكاً يُسَلِّي عَنْهَا(2) وَ يُحَدِّثُهَا ، فَشَكَتْ ذلِكَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهَا : إِذَا أَحْسَسْتِ بِذلِكَ وَ سَمِعْتِ الصَّوْتَ ، قُولِي لِي ، فَأَعْلَمَتْهُ بِذلِكَ ، فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ حَتّى أَثْبَتَ مِنْ ذلِكَ مُصْحَفاً». قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْ ءٌ مِنَ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامِ ، وَ لكِنْ فِيهِ عِلْمُ مَا يَكُونُ».

هديّة:المراد ب (الزنادقة) هنا خلفاء بني العبّاس وأتباعهم، وكان ابن المقفّع - كما ذكر محمّد بن محمود السهروردي في كتاب تاريخ الحكماء(3) - أوّلَ من نقل كتب الفلاسفة

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن حمّاد بن عثمان».
2- .في الكافي المطبوع: «غمّها».
3- .لم نعثر على ذلك الكتاب للسهرودي، نعم ذكره القفطي في تاريخ الحكماء، ص 220.

ص: 262

للدوانيقي من اليونانيّة إلى العربيّة؛ ليصرف الناس عن أحاديث الأئمّة عليهم السلام إلى مقالات الزنادقة واُصولهم التي معادن لخرافات ضلالات متكثّرة، وخيالات جهالات متوافرة، منها وأعظمها طريقة الصوفيّة القدريّة. وزمان طغيان الحسن البصري وسفيان الثوري وأمثالهما من الصوفيّة مطابق لهذا التاريخ.(فشكت ذلك) قيل: لعلّها لرعبها عليها السلام عن صوت الملك أوّل الأمر، أو المعنى: فشكت حزنها وتسلية الملك عنها بالتصبير.وقرأ برهان الفضلاء: «فشكّت» بالتشديد، من الشكّ بالفتح بمعنى السّكّ بالمهملة المفتوحة، أي التسوية. قال: يعني لم تقل ذلك إلّا له عليه السلام، ثمّ قرأ: «يسلي» من الافعال و«غمّها» مكان «عنها».و«الإسلاء»: الإنساء، أسليته عن خاطره.وكان الملك هو جبرئيل عليه السلام بدليل مثل الخبر التالي لتالي التالي.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عِنْدِي الْجَفْرَ الْأَبْيَضَ».قَالَ : قُلْتُ : وَأَيُ (2) شَيْ ءٍ فِيهِ ؟ قَالَ : «زَبُورُ دَاوُدَ ، وَ تَوْرَاةُ مُوسى ، وَ إِنْجِيلُ عِيسى ، وَ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ ، وَ الْحَلَالُ وَ الْحَرَامُ ، وَ مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ، مَا أَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ قُرْآناً ، وَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْنَا وَ لَا نَحْتَاجُ إِلى أَحَدٍ ، حَتّى فِيهِ الْجَلْدَةُ وَ نِصْفُ الْجَلْدَةِ ، وَ رُبُعُ الْجَلْدَةِ ، وَ أَرْشُ الْخَدْشِ ؛ وَ عِنْدِي الْجَفْرَ الْأَحْمَرَ».قَالَ : قُلْتُ : وَ أَيُّ شَيْ ءٍ فِي الْجَفْرِ الْأَحْمَرِ ؟ قَالَ : «السِّلَاحُ ، وَ ذلِكَ إِنَّمَا يُفْتَحُ لِلدَّمِ ، يَفْتَحُهُ صَاحِبُ السَّيْفِ لِلْقَتْلِ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء».
2- .في الكافي المطبوع: «فأيّ».

ص: 263

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، أَ يَعْرِفُ (1) هذَا بَنُو الْحَسَنِ ؟ فَقَالَ : «إِي وَ اللَّهِ ، كَمَا يَعْرِفُونَ اللَّيْلَ أَنَّهُ لَيْلٌ ، وَ النَّهَارَ أَنَّهُ نَهَارٌ ، وَ لكِنَّهُمْ يَحْمِلُهُمُ الْحَسَدُ وَ طَلَبُ الدُّنْيَا عَلَى الْجُحُودِ وَ الْإِنْكَارِ ، وَ لَوْ طَلَبُوا الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ» .

هديّة:(الجفر الأبيض) وعاء من جلد الثور، كما في الحديث التالي للتالي، وقيل: من أديم الفرس شبه الصندوق، فلكونه وعاء للعلوم وُصِف بالأبيض، والعلاقة بياض النور.(أنّ فيه) أي في مصحف فاطمة عليها السلام.(وفيه) وكذا (حتّى فيه) أي في الجفر.(والحلال والحرام) عبارة عن الجامعة المعبّر عنها ب «كتاب عليّ عليه السلام»، فلا يرد قول من قال: كأنّ هنا سقط شي ء من القلم؛ لأنّ قوله: «وفيه ما يحتاج الناس إلينا» إلى قوله: «وعندي الجفر الأحمر» من صفات الجامعة، لا مصحف فاطمة عليها السلام، وقد مرّ بيانها.في بعض النسخ: «ما يحتاج الناس إليه» مكان «إلينا».(إنّما يفتح) ناظر إلى وجه الاستعارة.(بالحقّ) أي بالإقرار بفضلنا وحقّنا وافتراض طاعتنا على الجميع.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (2) ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ فِي الْجَفْرِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ لَمَا يَسُوؤُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ الْحَقَّ وَ الْحَقُّ فِيهِ ، فَلْيُخْرِجُوا قَضَايَا عَلِيٍّ وَ فَرَائِضَهُ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ، وَ سَلُوهُمْ عَنِ الْخَالَاتِ وَ الْعَمَّاتِ ، وَ لْيُخْرِجُوا مُصْحَفَ فَاطِمَةَ عليها السلام ؛ فَإِنَّ فِيهِ وَصِيَّةَ فَاطِمَةَ صلوات اللَّه عليها ، وَ مَعَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ إِنَّ اللَّهَ - تَعَالى - يَقُولُ : «(فَأْتُواْ) بِكِتَبٍ مِّن قَبْلِ هَذَآ أَوْ أَثَرَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ»» .

.


1- .في حاشية «الف»: «فيعرف».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس».

ص: 264

هديّة:لعلّ التعريض لبني الحسن عليه السلام، كما قال برهان الفضلاء، قال: ولذا ذكر صاحب الكافي هذا الخبر بعد سابقه.(يذكرونه) أي بأنّه عندهم، (لما يسوؤهم) أي لتكذيبه إيّاهم بإظهار الحقّ؛ لأنّهم كاذبون وهو مكذّبهم بالحقّ.(وسلوهم عن الخالات والعمّات) أي عن علم الفرايض التي علمها كما نزل من دلائل الإمامة.وذكر الآية لعلّه نقل بالمعنى، وفي سورة الأحقاف: «ائتوني»(1) مكان «فأتوا».و«الإثارة» كالسحابة: البقيّة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحذّاء(2) ، قَالَ : سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ ، فَقَالَ : «هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً».قَالَ لَهُ : فَالْجَامِعَةُ ؟ قَالَ : «تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ ، فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ ، وَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَ هِيَ فِيهَا حَتّى أَرْشُ الْخَدْشِ».قَالَ : فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام ؟ قَالَ : فَسَكَتَ طَوِيلاً ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَ عَمَّا لَا تُرِيدُونَ ، إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً ، وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلى أَبِيهَا ، وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَأْتِيهَا ، فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلى أَبِيهَا ، وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا ، وَ يُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ ، وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذلِكَ ، فَهذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام» .

.


1- .الأحقاف (46): 4.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة».

ص: 265

هديّة:(الأديم): الجلد.و(الفالج) بالجيم: الجمل الضخم ذو السنامين.(عمّا تريدون وعمّا لا تريدون) قيل: يعني عمّا نفعه عامّ وعمّا نفعه خاصّ ليس لكم. وقيل: يعني عمّا يصلح للحجّة لكم على الخصم وعمّا ليس كذلك. وقيل: بل كناية في مقام المدح عن بحث شيعتهم عليهم السلام عن حقيقة كلّ أمرٍ يسمعونه أو يبصرونه أو يخطر ببالهم. واحتمال كونه عتاباً، كما ترى.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكْرِ بْنِ كَرِبٍ الصَّيْرَفِيِ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عِنْدَنَا مَا لَا نَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى النَّاسِ ، وَ إِنَّ النَّاسَ لَيَحْتَاجُونَ إِلَيْنَا ، فَإِنَ (2)عِنْدَنَا كِتَاباً بإِمْلَاءِ(3) رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ خَطُّ عَلِيٍّ عليه السلام ، صَحِيفَةً فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ ، وَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَّا بِالْأَمْرِ ، فَنَعْرِفُ إِذَا أَخَذْتُمْ بِهِ ، وَ نَعْرِفُ إِذَا تَرَكْتُمُوهُ».

هديّة:في بعض النسخ: «إملاء» بدون الباء، فنصب أو رفع، أي هو إملاء.(صحيفة) نصب أو رفع.(لتأتونا) يقرأ بطريقين: بحذف نون الجمع والإدغام، وفي بعض النسخ: - كما ضبط برهان الفضلاء - «لتأتون» بدون علامة المتكلّم مع الغير، (بالأمر) أي بولايتنا، وقيل: أي بمسألة، ثمّ قيل: في بيان (نعرف) يعني بعدما نجيبكم فيه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن صالح بن سعيد، عن أحمد بن أبي بشر، عن بكر بن كرب الصيرفي».
2- .في الكافي المطبوع: «وإنّ».
3- .في الكافي المطبوع: «إملاء» بدون الباء.

ص: 266

الحديث السابع 129.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ وَالعجلي وَ زُرَارَةَ(1) : أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَعْيَنَ قَالَ (2) لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ الزَّيْدِيَّةَ وَ الْمُعْتَزِلَةَ قَدْ أَحَاطُوا(3)بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَهَلْ لَهُ سُلْطَانٌ؟ فَقَالَ : «وَ اللَّهِ ، إِنَّ عِنْدِي لَكِتَابَيْنِ فِيهِمَا تَسْمِيَةُ كُلِّ نَبِيٍّ وَ كُلِّ مَلِكٍ يَمْلِكُ الْأَرْضَ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، مَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا» .هديّة:في بعض النسخ: «قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام».محمّد بن عبداللَّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب الملقّب ب «النفس الزكيّة» قد مضى حديث وصفه ودعواه، وأنّ زيد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام تلّمذ مدّةً قبل خروجه وشهادته عند واصل بن عطاء - رئيس المعتزلة - لكسب رتبة الاجتهاد بالرأي، زعماً أنّه من أسباب الإمامة، والزيديّة والمعتزلة متّفقتان في أنّ الحكم من الإمام إنّما هو بالاجتهاد، ومختلفان في اُمور كثيرة، منها القول بإمامة عليّ عليه السلام بلا واسطة وبها.وفي بعض النسخ المعتبرة: «قد أطافوا» مكان «قد أحاطوا».(لكتابين) قال برهان الفضلاء: لعلّهما جزء مصحف فاطمة عليها السلام. وقرأ «كلّ نبي ء» على فعيل بالهمز، بمعنى الطريق الواضح. قال: وهو هنا عبارة عن الإمام، فتنوين السلطان للتنكير يعمّ سلطنة الإمامة والرعيّة. ثمّ احتمل «كلّ نبيّ» بالتشديد، بحذف المضاف، أي كلّ وصيّ نبيّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن فضيل بن يسار و بريد بن معاوية وزرارة».
2- .في حاشية «الف»: + «قلت».
3- .في الكافي المطبوع: «أطافوا».

ص: 267

الحديث الثامن 133.امام حسين عليه السلام ( _ به ابن عباس ) روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ فُضَيْل (2)سُكَّرَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : فَقَالَ : «يَا فُضَيْلُ ، أَ تَدْرِي فِي أَيِّ شَيْ ءٍ كُنْتُ أَنْظُرُ قُبَيْلُ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «كُنْتُ أَنْظُرُ فِي كِتَابِ فَاطِمَةَ عليها السلام لَيْسَ مِنْ مَلِكٍ يَمْلِكُ (3) إِلَّا وَ هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِاسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِيهِ ، وَ مَا وَجَدْتُ لِوُلْدِ الْحَسَنِ فِيهِ شَيْئاً» .هديّة:في بعض النسخ: «يملك الأرض». و(قبيل) مضموم القاف واللام هنا.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع: + «بن».
3- .في الكافي المطبوع: + «الأرض».

ص: 268

الباب الحادي والأربعون: باب في شأن «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» و تفسيرها

الباب الحادي والأربعون : بَابٌ فِي شَأْنِ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَ تَفْسِيرِهَاوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل 139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَهْلٍ؛ وَ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ جَمِيعاً ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، قَالَ عليه السلام : «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: بَيْنَا أَبِي عليه السلام يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إِذَا رَجُلٌ مُعْتَجِرٌ قَدْ قُيِّضَ لَهُ ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ أُسْبُوعَهُ حَتّى أَدْخَلَهُ إِلى دَارٍ جَنْبَ الصَّفَا ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَكُنَّا ثَلَاثَةً ، فَقَالَ : مَرْحَباً بِكَ (1) يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى رَأْسِي ، وَ قَالَ : بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ بَعْدَ آبَائِهِ .

يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، إِنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي ، وَ إِنْ شِئْتَ فَأَخْبَرْتُكَ ، وَ إِنْ شِئْتَ سَلْنِي ، وَ إِنْ شِئْتَ سَأَلْتُكَ ، وَ إِنْ شِئْتَ فَاصْدُقْنِي، وَإِنْ شِئْتَ صَدَقْتُكَ ، قَالَ: كُلَّ ذلِكَ أَشَاءُ.

قَالَ : فَإِيَّاكَ أَنْ يَنْطِقَ لِسَانُكَ عِنْدَ مَسْأَلَتِي بِأَمْرٍ تُضْمِرُ لِي غَيْرَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا يَفْعَلُ ذلِكَ مَنْ فِي قَلْبِهِ عِلْمَانِ يُخَالِفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَإِنَ (2) اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَبى أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ .

قَالَ : هذِهِ مَسْأَلَتِي وَ قَدْ فَسَّرْتَ طَرَفاً مِنْهَا ، أَخْبِرْنِي عَنْ هذَا الْعِلْمِ - الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ - مَنْ يَعْلَمُهُ ؟

.


1- .في الكافي المطبوع: - «بك».
2- .في الكافي المطبوع: «وإِنَّ».

ص: 269

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) قَالَ : أَمَّا جُمْلَةُ الْعِلْمِ ، فَعِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ . وَ أَمَّا مَا لَا بُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْهُ ، فَعِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ .

قَالَ : فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَجِيرَتَهُ ، وَ اسْتَوى جَالِساً ، وَ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ ، وَ قَالَ : هذِهِ أَرَدْتُ ، وَ لَهَا أَتَيْتُ ، زَعَمْتَ أَنَّ عِلْمَ مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ ؛ فَكَيْفَ يَعْلَمُونَهُ ؟

قَالَ : كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَعْلَمُهُ ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَرى ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَبِيّاً وَ هُمْ مُحَدَّثُونَ ؛ وَ أَنَّهُ كَانَ يَفِدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالى ، فَيَسْمَعُ الْوَحْيَ ، وَ هُمْ لَا يَسْمَعُونَ .

فَقَالَ : صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، سَأَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً(1) صَعْبَةً : أَخْبِرْنِي عَنْ هذَا الْعِلْمِ ، مَا لَهُ لَا يَظْهَرُ كَمَا كَانَ يَظْهَرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟

قَالَ : فَضَحِكَ أَبِي عليه السلام ، وَ قَالَ : أَبَى اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَ عَلى عِلْمِهِ إِلَّا مُمْتَحَناً لِلْإِيمَانِ بِهِ ، كَمَا قَضى عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ يَصْبِرَ عَلى أَذى قَوْمِهِ ، وَ لَا يُجَادِلُهُمْ (2)إِلَّا بِأَمْرِهِ ، فَكَمْ مِنِ اكْتِتَامٍ قَدِ اكْتَتَمَ بِهِ حَتّى قِيلَ لَهُ : اصْدَعْ (3) بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَ ايْمُ اللَّهِ أَنْ لَوْ صَدَعَ قَبْلَ ذلِكَ لَكَانَ آمِناً ، وَ لكِنَّهُ إِنَّمَا نَظَرَ فِي الطَّاعَةِ وَ خَافَ الْخِلَافَ ، فَلِذلِكَ كَفَّ ، فَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْنَكَ تَكُونُ مَعَ مَهْدِيِّ هذِهِ الْأُمَّةِ ، وَ الْمَلَائِكَةُ بِسُيُوفِ آلِ دَاوُدَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ تُعَذِّبُ أَرْوَاحَ الْكَفَرَةِ مِنَ الْأَمْوَاتِ ، وَ تُلْحِقُ بِهِمْ أَرْوَاحَ أَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ .

ثُمَّ أَخْرَجَ سَيْفاً ، ثُمَّ قَالَ : هَا ، إِنَّ هذَا مِنْهَا ، قَالَ : فَقَالَ أَبِي : إِي وَ الَّذِي اصْطَفى مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله عَلَى الْبَشَرِ .

قَالَ : فَرَدَّ الرَّجُلُ اعْتِجَارَهُ ، وَ قَالَ : أَنَا إِلْيَاسُ ، مَا سَأَلْتُكَ عَنْ أَمْرِكَ وَ بِي مِنْهُ جَهَالَةٌ ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ هذَا الْحَدِيثُ قُوَّةً لِأَصْحَابِكَ ، وَ سَأُخْبِرُكَ بِآيَةٍ أَنْتَ تَعْرِفُهَا ، إِنْ خَاصَمُوا بِهَا فَلَجُوا .

قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبِي : إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِهَا ، قَالَ : قَدْ شِئْتُ ، قَالَ : إِنَّ شِيعَتَنَا إِنْ قَالُوا لِأَهْلِ الْخِلَافِ لَنَا : إِنَّ اللَّهَ - تَعَالى - يَقُولُ لِرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» إِلى آخِرِهَا .


1- .في الكافي المطبوع: «سآتيك بمسألة» بدل «سأسألك مسألة».
2- .في حاشية «الف» و «د» والكافي المطبوع: «يجاهدهم».
3- .في الكافي المطبوع: «فاصدع».

ص: 270

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) فَهَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَعْلَمُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئاً لَا يَعْلَمُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، أَوْ يَأْتِيهِ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام فِي غَيْرِهَا ؟ فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ : لَا ، فَقُلْ لَهُمْ : فَهَلْ كَانَ لِمَا عَلِمَ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُظْهِرَ ؟ فَيَقُولُونَ : لَا ، فَقُلْ لَهُمْ : فَهَلْ كَانَ فِيمَا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ عِلْمِ اللَّهِ - تَعَالى - اخْتِلَافٌ ؟

فَإِنْ قَالُوا : لَا ، فَقُلْ لَهُمْ : فَمَنْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، فَهَلْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ - فَإِنْ قَالُوا : لَا ، فَقَدْ نَقَضُوا أَوَّلَ كَلَامِهِمْ - فَقُلْ لَهُمْ : «مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» .

فَإِنْ قَالُوا : مَنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ؟ فَقُلْ : مَنْ لَا يَخْتَلِفُ فِي عِلْمِهِ .

فَإِنْ قَالُوا : فَمَنْ هُوَ ذَاكَ ؟ فَقُلْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَاحِبَ ذلِكَ ، فَهَلْ بَلَّغَ أَوْ لَا ؟ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ بَلَّغَ ، فَقُلْ : فَهَلْ مَاتَ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُ عِلْماً لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ؟ فَإِنْ قَالُوا : لَا ، فَقُلْ : إِنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مُؤَيَّدٌ ، وَ لَا يَسْتَخْلِفُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا مَنْ يَحْكُمُ بِحُكْمِهِ ، وَ إِلَّا مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُ إِلَّا النُّبُوَّةَ ، وَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي عِلْمِهِ أَحَداً ، فَقَدْ ضَيَّعَ مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ مِمَّنْ يَكُونُ بَعْدَهُ .

فَإِنْ قَالُوا لَكَ : فَإِنَّ عِلْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَقُلْ : «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» إِلى قَوْلِهِ : «إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» .

فَإِنْ قَالُوا لَكَ : لَا يُرْسِلُ اللَّهُ - تَعَالى - إِلَّا إِلى نَبِيٍّ ، فَقُلْ : هذَا الْأَمْرُ الْحَكِيمُ - الَّذِي يُفْرَقُ فِيهِ - هُوَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ ، أَوْ مِنْ سَمَاءٍ إِلى أَرْضٍ ؟

فَإِنْ قَالُوا : مِنْ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ ، فَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ أَحَدٌ يَرْجِعُ مِنْ طَاعَةٍ إِلى مَعْصِيَةٍ ، فَإِنْ قَالُوا : مِنْ سَمَاءٍ إِلى أَرْضٍ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ أَحْوَجُ الْخَلْقِ إِلى ذلِكَ، فَقُلْ : فَهَلْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ سَيِّدٍ فَيَتَحَاكَمُونَ (1) إِلَيْهِ ؟ فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ هُوَ حَكَمُهُمْ ، فَقُلْ : «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» إِلى قَوْلِهِ «خالِدُونَ» لَعَمْرِي ، مَا فِي الْأَرْضِ وَ لَا فِي السَّمَاءِ وَلِيٌّ لِلَّهِ - تَعَالى - إِلَّا وَ هُوَ مُؤَيَّدٌ ، وَ مَنْ أُيِّدَ لَمْ يُخْطِ ؛ وَ مَا فِي الْأَرْضِ عَدُوٌّ لِلَّهِ .


1- .في الكافي المطبوع: «يتحاكمون» بدون الفاء.

ص: 271

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) - تَعَالى - إِلَّا وَ هُوَ مَخْذُولٌ ، وَ مَنْ خُذِلَ لَمْ يُصِبْ ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ لَا بُدَّ مِنْ تَنْزِيلِهِ مِنَ السَّمَاءِ يَحْكُمُ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ ، كَذلِكَ لَا بُدَّ مِنْ وَالٍ .

فَإِنْ قَالُوا : لَا نَعْرِفُ هذَا ، فَقُلْ (1) : قُولُوا مَا أَحْبَبْتُمْ ، أَبَى اللَّهُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ يَتْرُكَ الْعِبَادَ وَ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِمْ .

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : ثُمَّ وَقَفَ ، فَقَالَ : هَاهُنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بَابٌ غَامِضٌ ، أَ رَأَيْتَ إِنْ قَالُوا : حُجَّةُ اللَّهِ الْقُرْآنُ ؟ قَالَ : إِذَنْ أَقُولَ لَهُمْ : إِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِنَاطِقٍ يَأْمُرُ وَ يَنْهى ، وَ لكِنْ لِلْقُرْآنِ أَهْلٌ يَأْمُرُونَ وَ يَنْهَوْنَ .

وَ أَقُولَ : قَدْ عَرَضَتْ لِبَعْضِ أَهْلِ الْأَرْضِ مُصِيبَةٌ مَا هِيَ فِي السُّنَّةِ وَ الْحُكْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَ لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ ، أَبَى اللَّهُ - لِعِلْمِهِ بِتِلْكَ الْفِتْنَةِ - أَنْ تَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ ، وَ لَيْسَ فِي حُكْمِهِ رَادٌّ لَهَا وَ مُفَرِّجٌ عَنْ أَهْلِهَا .

فَقَالَ : هَاهُنَا تَفْلُجُونَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالى - قَدْ عَلِمَ بِمَا يُصِيبُ الْخَلْقَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ، أَوْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الدِّينِ أَوْ غَيْرِهِ ، فَوَضَعَ الْقُرْآنَ دَلِيلاً .

قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : هَلْ تَدْرِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، دَلِيلُهُ مَا هُوَ ؟

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : نَعَمْ ، فِيهِ جُمَلُ الْحُدُودِ ، وَ تَفْسِيرُهَا عِنْدَ الْحَكَمِ ، فَقَالَ : أَبَى اللَّهُ أَنْ يُصِيبَ عَبْداً بِمُصِيبَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ في (2) مَالِهِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ مَنْ حُكْمُهُ قَاضٍ بِالصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْمُصِيبَةِ .

قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : أَمَّا فِي هذَا الْبَابِ ، فَقَدْ فَلَجْتَهُمْ بِحُجَّةٍ إِلَّا أَنْ يَفْتَرِيَ خَصْمُكُمْ عَلَى اللَّهِ ، فَيَقُولَ : لَيْسَ لِلَّهِ - تَعَالى - حُجَّةٌ .

وَلكِنْ أَخْبِرْنِي عَنْ تَفْسِيرِ «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ» : مِمَّا خُصَّ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام «وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» قَالَ : فِي أَبِي فُلَانٍ وَ أَصْحَابِهِ ، وَاحِدَةٌ مُقَدِّمَةٌ ، وَ وَاحِدَةٌ مُؤَخِّرَةٌ «لا(3) .


1- .في الكافي المطبوع: + «لهم».
2- .في الكافي المطبوع: - «في».
3- .في الكافي المطبوع: «لكيلا».

ص: 272

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ» مِمَّا خُصَّ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام «وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

فَقَالَ الرَّجُلُ : أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَصْحَابُ الْحُكْمِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ ، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ وَ ذَهَبَ (1) ، فَلَمْ أَرَهُ».هديّة:أحاديث هذا الباب - كما في الكافي - كلّها مسندة بسند واحد متّصل إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام.و«المعجر» كمنبر: ثوب تشدّه المرأة على رأسها، ومنه: «رجل معتجر»: ذو ثوب على رأسه لغرض الاختفاء، والمستور بالاعتجار من الوجه والرأس وغير ذلك يسمّى ب «العجيرة» على فعيلة.(قيّض له) على المجهول من التفعيل، أي جي ء به لأجل أبي عليه السلام من حيث لا يحتسب، «قيّض اللَّه فلاناً لفلان»: جاء به وأتاحه له، أي قدّره سبباً لغرض، ومنه قوله تعالى: «وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ»(2).(اُسبوعه): طوافه، و«الاُسبوع»: كلّ شي ء يكون عدده سبعة كالطواف والسعي والأيّام من السبت إلى الجمعة.(يا أبا جعفر) في تقدير: «ثمّ التفت إلى أبي عليه السلام، فقال: يا أبا جعفر».في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «مرحباً بابن رسول اللَّه».(تضمر لي غيره) عبارة عن الفتوى بالرّأي والقياس، فإنّ في ضمير مثل المفتى كذا أنّه إن ظهر خطأه في فتياه أفتى بنقيض ما أفتى به.(هذه مسألتي) يعني كان في قصدي أن أسألك عن الفتوى بالرأي والقياس.

.


1- .في «الف»: «فذهب».
2- .فصّلت (41): 25.

ص: 273

قال برهان الفضلاء:والفتوى بالظنّ أيضاً كالفتوى بالرأي والقياس، بحجّة قوله: «وأنّ اللَّه تعالى أبى أن يكون له علم فيه اختلاف».ثمّ قال:وقولهم: ظنّية الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم - بمعنى أنّ المفتي بظنّه لا يحكم إلّا من علمٍ حاصلٍ له بالظنّ، فالمظنون هو الطريق، والحكم هو المقطوع به - حيلة يغرّون بها أنفسهم.أقول: نعم عند التمكّن من خدمة الإمام عليه السلام، وأمّا في زمن الغيبة وعدم التمكّن من الوصول أو السؤال، فنصوص الرخصة في العمل بحكم الفقيه الممتاز بالفضل والثقة من العصابة في العصابة كثيرةٌ مستفيضة، ستذكر طائفة منها في كتاب القضاء إن شاء اللَّه تعالى، ومنها: قول الصادق عليه السلام في السؤال عن اختلاف العدلين في الحكم: «ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه، ولا يلتفت إلى الآخر».(1)(جملة العلم) يعني كلّه.(تهلّل وجهه): تلألأ سروراً.(وهم محدّثون) على اسم المفعول من التفعيل، أي يحدّثهم الملك وهم لا يرونه.(يفد) من الوفود، وهو الإتيان إلى باب السلطان.(سأسألك مسألة صعبة). في بعض النسخ: «سآتيك بمسألة صعبة».(ما له لا يظهر) أي لا يغلب على الأعداء بالجهاد، كما كان يغلب به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عليهم ومعه الملائكة مسوّمين.(أن يطلع) من الإفعال، والمراد توفيق التصديق بأنّه خاصّ بالإمام.(اصدع بما تؤمر) أي اظهر واحكم بالحقّ جهاراً.(عينك). في بعض النسخ: «أعينك» بصيغة الجمع.

.


1- .الفقيه، ج 3، ص 8، ح 3232؛ التهذيب، ج 6، ص 301، ح 50؛ وسائل الشيعة، ج 27، ص 113، ح 33353.

ص: 274

(بسيوف آل داود) أي بسيوفٍ كسيوفهم في مقاتلة جالوت، أو بها بعينها.(قال) يعني أبا عبداللَّه عليه السلام. (فقال أبي عليه السلام) يعني قال بعد هذا الكلام تأكيداً له.(فلجوا): ظفروا وفازوا بالغلبة على الخصم.(يعلم) من العلم، أي يتعلّم بالوحي والتحديث؛ ليصير ذلك التعلّم الخاصّ سبباً لامتياز تلك الليلة من سائر الليالي.وجملة (أو يأتيه) عبارة عن السؤال عن تحقّق عدم امتيازها.(فإنّهم سيقولون: لا)، نفياً لتحقّق عدم الامتياز كما لتحقّق عدم التعلّم بالتحديث؛ لأنّ الوحي كان دائماً بالاتّفاق، وكذا التحديث في ليالي القدر للامتياز المجمع عليه.(بدّ من أن يظهر) كيمنع، (فيقولون: لا) أي ليس بدّ من أن يظهر في تلك السنة كما في سنة حجّة الوداع.(فقد نقضوا أوّل كلامهم) وهو اعترافهم بأن ليس اختلاف فيما أظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.إلى هنا تمام البرهان، (فقل لهم: ما يعلم تأويله) إلى قوله: (ممّن يكون بعده) برهانٌ آخر، والمفهوم من تقريره عدم وقفه عليه السلام على كلمة الجلالة بعطف «والراسخون» عليها، والغرض يحصل بالوقف أيضاً؛ إذ المتمسّك رسوخ العلم، يعني عدم اختلافه أبداً.(فهل مات) يعني فهل استخلف ومات، أو لا؟ فعلى الأوّل خليفته أعلم الناس مثله قطعاً بالتأييد من اللَّه البتّة، وعلى الثاني فقد ضيّع من في أصلاب الرجال إلى يوم القيامة.(فإن قالوا لك فإنّ علم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) إلى قوله: (من سيّد فيتحاكمون إليه) برهانٌ آخر للاضطرار إلى المعصوم. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «من سيّد يتحاكمون إليه» بلا فاء.والواسطة المطويّة قوله تعالى في سورةالدخان: «إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ

.

ص: 275

حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا»(1).(والروح التي تنزل) عطفٌ على (الملائكة) والمستتر في «تنزل» للجميع كما في القرآن، ف «من سماء إلى سماء» متعلّق على محذوف بدلالة السياق، يعني فهل تنزل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى أرض؟(فإن قالوا: فإنّ الخليفة) إلى قوله: (لم يصب) برهانٌ آخر. والمراد ب «الخليفة» هنا خليفة زمانه عليه السلام من بني اُميّة، أو كلّ من كان خليفة من عند الناس في زمان.والواسطة المطويّة قوله تعالى في سورة البقرة: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(2).(كما أنّ الأمر) برهانٌ آخر عقليّ خامس البراهين.(ثمّ وقف) يعني الباقر عليه السلام. (فقال: هاهنا) يعني الياس عليه السلام والمشار إليه ل «هاهنا» برهانٌ آخر عقليّ.(قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الحديد: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ»(3) فإنّ جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة في القرآن، فعلمه الذين يستنبطون بإذنه تعالى أحوال كلّ سنة من القرآن بالتحديث في ليالي القدر.(دليل ما هو) أي دليل أيّ شي ءٍ هو.والمراد ب (أبي فلان) أبو بكر، فلعلّ التعبير للصادق عليه السلام عند نقل الحديث، فالقائل الباقر عليه السلام.(مقدّمة) أي آية أو فقرة أو قضيّة.

.


1- .الدخان (44): 3 - 5.
2- .البقرة (2): 257.
3- .الحديد (57): 23.

ص: 276

وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي (1):تقرير هذه الحجّة على ما يطابق عبارة الحديث مع مقدّماتها المطويّة أن يُقال: قال اللَّه تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ»(2) على فعل المستقبل الدالّ على التجدّد في الاستقبال، فالمعنى إنّا أنزلنا القرآن في ليلة القدر التي تنزّل الملائكة و الروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر ببيان وتأويلٍ، سنةً فسنةً، فيقال: هل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله طريق إلى العلم الذي يحتاج إليه الاُمّة سوى ما يأتيه من السماء من عند اللَّه تعالى في ليلة القدر أو في غيرها أم لا؟ والأوّل باطل؛ لإجماع الاُمّة على أنّ علمه ليس إلّا من عند اللَّه تعالى؛ لقوله تعالى: «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى»(3)، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: هل يجوز أن لا يظهر هذا العلم الذي يحتاج إليه الاُمّة، أم لابدّ من ظهوره لهم؟ والأوّل باطل؛ لأنّه إنّما يرسل ويوحى إليه ليبلّغ إليهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: هل في ذلك العلم النازل من السماء اختلاف، أم لا؟ والأوّل باطل؛ لأنّه إنّما هو من عند اللَّه سبحانه، قال اللَّه تعالى: «وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»(4)، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالذي يجتهد في الحكم الشرعي بالقياس والرأي، ثمّ رجع عن رأيه زعماً منه أنّه قد أخطأ فيه، [أقول: وكالذي يحكم شرعاً بكفر مثل الرومي والبسطامي والعطّار والشبستري من القدريّة، ثمّ يقول: هو كافر قطعاً لكن

.


1- .إنّ نسبة هذا الكلام إلى صدرا الشيرازي سهو منه؛ فإنّا لم نعثر عليه في مظانّه من كتبه، مضافاً إلى أنّه لم يوفّق لشرح هذه الأبواب من الكافي أصلاً. والعبارة من هنا إلى انتهاء شرح هذا الحديث منقولة بالمضمون عن الوافي، ج 2، ص 38 - 44.
2- .القدر (97): 4.
3- .النجم (53): 4.
4- .النساء (4): 82 .

ص: 277

شرعاً، لا طريقة ولا حقيقة.(1) هل وافق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في حكمه وقوله ذلك، أم خالفه؟ والأوّل باطل؛ لعدم الاختلاف في حكم اللَّه أصلاً، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فمن لم يكن في حكمه اختلاف، فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة اللَّه - بواسطة أو بغير واسطة - [أقول: كالمكاشفة التي يدّعي القدريّة - لعنهم اللَّه - حصولها بالرياضة لا غير.(2) ومن دون أن يعلم تأويل المتشابه - وهو سبب الاختلاف - أم لا؟ والأوّل باطل، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فهل يعلم تأويل المتشابه غير اللَّه والرّاسخين في العلم، الذين ليس في علمهم اختلاف؛ لأنّه من عند اللَّه تعالى أم لا؟ والأوّل باطل؛ لقوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ»3، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فرسول اللَّه الذي من الراسخين في العلم هل ذهب وذهب بعلمه ولم يبلّغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته من بعده، أم بلّغه؟ والأوّل باطل؛ لما فيه من تضييعه من في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فهل خليفته من بعده كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطأ و الاختلاف في العلم، أم هو مؤيّد في الحكم من عند اللَّه تعالى، يحكم بحكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بأن يأتيه الملك ويحدّثه من غير وحي ورؤية، وهو مثله إلّا في النبوّة؟ والأوّل باطل؛ لعدم إغنائه حينئذٍ؛ لأنّ من يجوز عليه الخطأ لا يؤمن عليه الاختلاف ويلزم التضييع، فثبت الثاني.فلابدّ من خليفة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله راسخ في العلم، عالم بتأويل المتشابه، مؤيَّد من عند اللَّه، لا يجوز عليه الخطأ والاختلاف في العلم والحكم، يكون حجّة اللَّه على عباده، وهكذا ما دامت الدنيا؛ وهو المطلوب.(فإن قالوا: لك) إيراد على هذه الحجّة بأنّ علم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لعلّه من القرآن حسب،

.


1- .]ما بين المعقوفتين استطردادٌ من المصنّف بين الكلام.
2- .آل عمران (3): 7.

ص: 278

ليس ممّا يتجدّد في ليلة القدر.وجوابه: أنّ اللَّه تعالى يقول في سورة الدخان: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ»(1)؛ فهذه الآية نصّ في تجدّد الفرق والإرسال في تلك الليلة المباركة بإنزال الملائكة والروح فيها من السماء إلى الأرض دائماً، فلابدّ من وجود مؤيّد من عند اللَّه يرسل إليه الأمر دائماً.(فإن قالوا: لك) إيراد آخر بأنّه يلزم ممّا ذكرتم إرسال الملائكة إلى غيرالنبيّ عليه السلام؟وجوابه: المعارضة بمدلول الآية الذي لا مردَّ له، ولا استبعاد من أن يكون للنبيّ عليه السلام خليفة يقرب مرتبته من مرتبته في التأييد وتحديث الملك وإن لم يكن نبيّاً يوحى إليه ويرى الملك. وقد روى المخالفون أيضاً عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «إنّ في اُمّتي محدّثين»(2) يعني يحدّثهم الملك ويسدّدهم.(فإن قالوا: فإنّ الخليفة هو حَكَمُهم) - بفتح الكاف - يعني هو السيّد المتحاكم إليه، فقل: إذا لم يكن مؤيّداً محفوظاً من الخطأ، فكيف يخرج اللَّه به عباده من الظلمات إلى النور، قال اللَّه تعالى: «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ».(3)(ثمّ وقف) يعني أبا جعفر عليه السلام، (فقال) يعني الرجل.(مصيبة) يعني قضيّة معضلة، ومسألة غامضة، وبليّة مشكلة.(ما هي في السنّة) أي ليس حكمها في السنّة ولا في الحكم الموصوف ولا في القرآن.(أن تظهر) يعني أبى اللَّه أن تظهر تلك الفتنة في الأرض أو في أنفسهم. الأوّل للمال والجسد، والثاني للدِّين؛ قال اللَّه تعالى في سورة الحديد: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى

.


1- .البقرة (2): 257.
2- .الدّخان (44): 4 و 5 .
3- .تمهيد الأوائل للباقلاني، ص 466؛ المستصفى للغزالي، ص 170؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج 14، ص 175؛ تاريخ الإسلام للذهبي، ج 36، ص 111.

ص: 279

الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»(1).(جمل الحدود): مجملاتها، (وتفسيرها عند الحكم) بالفتح، أي الحجّة.(ممّا خصّ به عليّ عليه السلام). قيل: هذا من كلام أبي جعفر عليه السلام يعني قال؛ ففي الكلام حذف.(أبي فلان) يعني الأوّل (وأصحابه): الثاني والثالث وسائر المنافقين.(واحدة مقدّمة) يعني تخصيص عليّ عليه السلام ممّا تقدّم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وفاتكم.(وواحدة مؤخّرة) أي فتنة خلافة الأوّل قد تأخّرت عن ذلك، ف «مقدّمة» يعني منصوصة و«مؤخّرة» يعني غير منصوصة.قيل: هذا الحديث يدلّ على أنّ القرآن اُنزل في ليلة القدر، مع ما ثبت أنّه اُنزل نجوماً في نحوٍ من عشرين سنة،(2) فقيل: إنّه اُنزل إلى السماء الدنيا جملةً في ليلة القدر، ثمّ إلى الأرض في تلك المدّة. وقيل: ابتداء نزوله كان في ليلة القدر. وقيل: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» يعني قرآن هذه السورة في شأن ليلة القدر إنّها خيرٌ من ألف شهر.وقال الأكثرون - كما يستفاد من هذا الحديث - : أنّ معنى إنزاله في ليلة القدر إنزال بيانه: بتفصيل مجمله، وتأويل متشابهه، وتقييد مطلقه، وتخصيص عامّه؛ قال اللَّه تعالى في سورة الدخان: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أي محكم * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ»(3)، وقال سبحانه في سورة البقرة: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»(4)؛ يعني هدىً وفرقاناً في كلّ سنة على التفصيل المذكور، وقال تعالى في سورة القيامة: «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ - أي حين أنزلناه نجوماً - * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ عليك حينئذٍ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ - أي جملته - * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا

.


1- .الحديد (57): 22 و 23.
2- .الوافي، ج 2، ص 41.
3- .الدّخان (44): 2 - 5 .
4- .البقرة (2): 185.

ص: 280

بَيَانَهُ»(1) أي في ليلة القدر بإنزال الملائكة عليك وعلى أهل بيتك من بعدك، ليُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ على التفصيل.وروى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن الصادق عليه السلام: «أنّ القرآن جملة الكتاب، والفرقان المحكم الواجب العمل به».(2) وقال في الفقيه: تكامل نزول القرآن في ليلة القدر.(3)وزيادة البيان في باب «متى نزل القرآن» إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثاني روى في الكافي وقال: وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «بَيْنَا أَبِي عليه السلام جَالِسٌ وَ عِنْدَهُ نَفَرٌ إِذَا اسْتَضْحَكَ حَتَّى اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ دُمُوعاً ، ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَا أَضْحَكَنِي ؟ قَالَ : فَقَالُوا : لَا ، قَالَ : زَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مِنَ «الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» ، فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، تُخْبِرُكَ بِوَلَايَتِهَا لَكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْحُزْنِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» وَ قَدْ دَخَلَ فِي هذَا جَمِيعُ الْأُمَّةِ ، فَاسْتَضْحَكْتُ .ثُمَّ قُلْتُ : صَدَقْتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ تَعَالى هَلْ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالى اخْتِلَافٌ ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا ، فَقُلْتُ : مَا تَرى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلاً أَصَابِعَهُ بِالسَّيْفِ حَتّى سَقَطَتْ ، ثُمَّ ذَهَبَ وَ أَتى رَجُلٌ آخَرُ ، فَأَطَارَ كَفَّهُ ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْكَ وَ أَنْتَ قَاضٍ ، كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ ؟قَالَ : أَقُولُ لِهذَا الْقَاطِعِ : أَعْطِهِ دِيَةَ كَفِّهِ ، وَ أَقُولُ لِهذَا الْمَقْطُوعِ : صَالِحْهُ عَلى مَا شِئْتَ ، وَ ابْعَثْ بِهِ إِلى ذَوَيْ عَدْلٍ .قُلْتُ : جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالى ، وَ نَقَضْتَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ، أَبَى اللَّهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي

.


1- .القيامة (75): 17 - 19.
2- .معاني الأخبار، ص 189، باب معنى القرآن والفرقان، ح 1.
3- .الفقيه، ج 2، ص 99، ذيل ح 1843.

ص: 281

خَلْقِهِ شَيْئاً مِنَ الْحُدُودِ لَيْسَ تَفْسِيرُهُ فِي الْأَرْضِ ؛ اقْطَعْ قَاطِعَ الْكَفِّ أَصْلاً ، ثُمَّ أَعْطِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ ، هكَذَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالى لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا أَمْرُهُ ، إِنْ جَحَدْتَهَا بَعْدَ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَأَدْخَلَكَ اللَّهُ النَّارَ ، كَمَا أَعْمى بَصَرَكَ يَوْمَ جَحَدْتَهَا عَلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، قَالَ : فَلِذلِكَ عَمِيَ بَصَرِي ، قَالَ : وَ مَا عِلْمُكَ بِذلِكَ ؟ فَوَ اللَّهِ ، إِنْ عَمِيَ بَصَرُهُ إِلَّا مِنْ صَفْقَةِ جَنَاحِ الْمَلَكِ ، قَالَ : فَاسْتَضْحَكْتُ ، ثُمَّ تَرَكْتُهُ يَوْمَهُ ذلِكَ لِسَخَافَةِ عَقْلِهِ .ثُمَّ لَقِيتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، مَا تَكَلَّمْتَ بِصِدْقٍ مِثْلِ أَمْسِ ، قَالَ لَكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام : إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ ، وَ إِنَّ لِذلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْتَ : مَنْ هُمْ ؟ فَقَالَ : أَنَا وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ ، فَقُلْتَ : لَا أَرَاهَا كَانَتْ إِلَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَتَبَدّى لَكَ الْمَلَكُ الَّذِي يُحَدِّثُهُ ، فَقَالَ : كَذَبْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ، رَأَتْ عَيْنَايَ الَّذِي حَدَّثَكَ بِهِ عَلِيٌّ - وَ لَمْ تَرَهُ عَيْنَاهُ ، وَ لكِنْ وَعى قَلْبُهُ ، وَ وُقِرَ فِي سَمْعِهِ - ثُمَّ صَفَقَكَ بِجَنَاحِهِ فَعَمِيتَ .قَالَ : فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا اخْتَلَفْنَا فِي شَيْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : فَهَلْ حَكَمَ اللَّهُ فِي حُكْمٍ مِنْ حُكْمِهِ بِأَمْرَيْنِ ؟ قَالَ : لَا ، فَقُلْتُ : هَاهُنَا هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ» .

هديّة:«ضحك» كعلم، وضحكت به ومنه بمعنىً، وتضاحك الرجل واستضحك بمعنىً، والاستضحاك للكثرة أيضاً كالاغريراق. (اغرورقت) افعيعال؛ من الغرق.«قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» ممّا خصّت الشيعة به؛ في سورة فصّلت هكذا: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فِى الْأَخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ»(1)، أي وحّدوا اللَّه، ثمّ استقاموا على طاعة اللَّه ورسوله واُولي الأمر.كان وفاة ابن عبّاس في ثمان وستّين من الهجرة، وتولّد الباقر عليه السلام في سبع وخمسين،

.


1- .فصّلت (41): 30 و 31.

ص: 282

وإمامته عليه السلام بعد وفاة أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام وهو ابن ثمان وثلاثين، فمكالمته عليه السلام مع ابن عبّاس في سنّ الصِّبا قبل سلطنة الإمامة.آية «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» في سورة الأحزاب.(1)(فاستضحكت) أي لإقراره بعد إصراره على الإنكار.(أنشدك اللَّه) على المضارع المعلوم، من باب نصر؛ والنصب بنزع الخافض، أي باللَّه.(صدقت) تصديق لابن عبّاس بإقراره بأنّ هذه الآية تشمل غير الأئمّة عليهم السلام أيضاً وهو شيعتهم، وابن عبّاس ليس منهم؛ فشمول الآية لهم عليهم السلام حقيقةً، ولشيعتهم حكماً.(جاء الاختلاف في حكم اللَّه) لإمكان الحكم بطريق آخر كما ذكره عليه السلام.(ثمّ أعِطهِ دية الأصابع) أي المأخوذ من القاطع الأوّل، كما أفتى عليه الشيخ في نهايته (2) وتبعه عبد العزيز بن نحرير البرّاج من تلامذته (3). ومنع ابن إدريس من القصاص هنا؛ لعدم إمكان الوصول إليه إلّا بقطع الأصابع، وهي غير مستحقّة للقطع، فينتقل إلى الحكومة.(4)وتوقّف العلّامة في المختلف.(5)وقال برهان الفضلاء: وقيل يعني من بيت المال، وقيل: من مال المقتصّ منه، وقيل: من ماله إن كان له مال، وإلّا فمن بيت المال؛ واللَّه أعلم.(فقلت: لا أراها) أي بعد ذلك على المجهول، أي لا أعلمها.(فتبدّى) على الماضي المعلوم من التفعيل.«وَعاه»: حَفِظه.(هل رأيت الملائكة) ناظرٌ إلى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ

.


1- .هذا سهو، بل الآية في الحجرات (49): 10.
2- .النهاية، ج 1، ص 774.
3- .المهذّب، ج 2، ص 477؛ جواهر الفقه، ص 215.
4- .السرائر، ج 3، ص 404.
5- .مختلف الشيعة، ج 9، ص 408.

ص: 283

عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ» الآية، أي على أئمّتهم عليهم السلام لهم، صدّقه تهكّماً.(وأبعثُ به إلى ذوي عدل) أي اُرسِلُه إليهما لتقدير الحكومة.(جاء الاختلاف) قيل: لعدم إمكان الاتّفاق في مثله.(قال: فلذلك عمى بصري). قيل: تصديق وإقرار منه له عليه السلام، فمعنى قوله: (وما علمك بذلك؟) سؤالٌ عن سبب علمه عليه السلام بأنّ ذلك سبب عماه، كأنّه تعجّب من علمه بما هو بمنزلة الغيب. والأولى - لما لا يخفى - حمل الفقرتين كلتيهما على الاستفهام الإنكاري، وحمل (ما تكلّمت بصدقٍ مثل أمس) على ما حُمل عليه قوله عليه السلام: (صدقت يا ابن عبّاس).(فواللَّه) من كلام الصادق عليه السلام، معترض (1).(ولم تر عيناه) من تتمّة كلام المَلَك، والعائد في «عيناه» لعليّ عليه السلام، يعني لم تره عينا عليّ عليه السلام؛ لأنّه ليس بمَلَك ولا نبيّ؛ كذا قيل، لما يأتي في حديث التيمي والعَدَوِيّ في هذا الباب (2) من قوله: «ولما يرى قلب هذا» مكان عينه.(وقر في سمعه) أي ثبت فيه واستقرّ؛ من الوقرة بمعنى النقرة في الصخرة. وفي الحديث: «التعلّم في الصِّغر كالوقرة في الحجر».(3)و(ما اختلفنا في شي ء) ناظر إلى قوله تعالى في سورة الشورى: «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَىْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ»(4)، بأمرين يعني كحكمكم تارة(5) كذا بأمرٍ واُخرى بآخر.

الحديث الثالث روى في الكافي وقال: وَ بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَعَالى فِي لَيْلَةِ

.


1- .في «الف»: - «معترض».
2- .الحديث الخامس من هذا الباب.
3- .لم نجده بهذا اللفظ في الجوامع الروائية لكن نقله في النهاية، ج 5، ص 213؛ وتاج العروس، ج 7، ص 598 (وقر).
4- .الشورى (42): 10.
5- .في «د»: «مرّة».

ص: 284

الْقَدْرِ : «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يَقُولُ : يَنْزِلُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . وَ الْمُحْكَمُ لَيْسَ بِشَيْئَيْنِ ، إِنَّمَا هُوَ شَيْ ءٌ وَاحِدٌ ، فَمَنْ حَكَمَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، فَحُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالى ؛ وَ مَنْ حَكَمَ بِأَمْرٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، فَرَأى أَنَّهُ مُصِيبٌ ، فَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ ؛ إِنَّهُ لَيَنْزِلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلى وَلِيِّ الْأَمْرِ تَفْسِيرُ الْأُمُورِ سَنَةً سَنَةً ، يُؤْمَرُ فِيهَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ بِكَذَا وَ كَذَا ، وَ فِي أَمْرِ النَّاسِ بِكَذَا وَ كَذَا ، وَ إِنَّهُ لَيَحْدُثُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ سِوى ذلِكَ كُلَّ يَوْمٍ عِلْمُ اللَّهِ الْخَاصُّ وَ الْمَكْنُونُ الْعَجِيبُ الْمَخْزُونُ مِثْلُ مَا يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الْأَمْرِ». ثُمَّ قَرَأَ : «وَ لَوْ أَنَّ ما فِى الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» .

هديّة:(يقول: ينزل) تفسير «يفرق» في آية سورة الدخان (1) ب «ينزل» لبيان أنّ المعنى: فيها يفرق جمع من الأحكام التي يحتاج إليها في السنة من مجموع الأحكام التي يحتاج إليها إلى يوم القيامة، فينزل ذلك المفصول عن الجملة إلى وليّ الأمر.(وأنّه ليحدث) يحتمل المعلوم من المجرّد، وخلافه من التفعيل.(لوليّ الأمر) نصٌّ في بطلان الكشف الذي تدّعيه الصوفيّة لكلّ مرتاض ولو كان كافراً، وكفى بهذه الآية من سورة لقمان (2) مبيّناً لمعنى قوله عليه السلام: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله».(3) وهل ما في قلب سلمان هو من عجائب العلوم - كما في قلب صاحب موسى - أو الكفر الذي يدّعيه القدريّ لعنه اللَّه.قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اندمجت على مكنون علمٍ لو بُحتُ به لاضطربتم اضطراب الأرشِيَة في الطَّوِيّ البعيدة».(4) «باح»: ظهر، وسرّه بسرّه: أظهره.

.


1- .الدخان (44): 4.
2- .لقمان (31): 27.
3- .الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ضمن ح 2؛ وعنه في البحار، ج 22، ص 343، ح 53.
4- .نهج البلاغة، ص 52، ذيل الخطبة 5.

ص: 285

الحديث الرابع روى في الكافي وقال: وَ بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَقُولُ : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» صَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ، أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : لَا أَدْرِي .قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : وَ هَلْ تَدْرِي لِمَ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : لِأَنَّهَا تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِ ّ أَمْرٍ وَ إِذَا أَذِنَ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ ، فَقَدْ رَضِيَهُ.«سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» يَقُولُ : يُسَلِّمُ (1) عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، مَلَائِكَتِي وَ رُوحِي بِسَلَامِي مِنْ أَوَّلِ مَا يَهْبِطُونَ إِلى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ كِتَابِهِ : «وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» فِي «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» ، وَ قَالَ فِي بَعْضِ كِتَابِهِ «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» .يَقُولُ فِي الْآيَةِ الْأُولى : إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله حِينَ يَمُوتُ يَقُولُ أَهْلُ الْخِلَافِ لِأَمْرِ اللَّهِ : مَضَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ فَهذِهِ فِتْنَةٌ أَصَابَتْهُمْ خَاصَّةً ، وَ بِهَا ارْتَدُّوا عَلى أَعْقَابِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ قَالُوا : لَمْ تَذْهَبْ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ - تَعَالى - فِيهَا أَمْرٌ ، وَ إِذَا أَقَرُّوا بِالْأَمْرِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ صَاحِبٍ بُدٌّ» .

هديّة:البارز في «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» للقرآن، والمراد أوّله، والمراد ب «ما أَدْراكَ»: لا تدري.«خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يعني خيرٌ للمؤمنين بها من ألف شهر يملك فيها بنو اُميّة الأمر بعدك، ليس لهم فيها ليلة القدر لاختصاصها نفعاً بك وبأهل بيتك عليهم السلام، وإذا أذن اللَّه

.


1- .في الكافي المطبوع: «تسلّم» بالتاء.

ص: 286

بشي ء؛ أي بشي ء من الأمر الحقّ.وقرأ برهان الفضلاء: «أذن» من الإيذان، بمعنى الإعلام؛ لأنّ الإذن الذي من الخصال السبع ليس مطلقه مرضيّاً له تعالى؛ فتعريضٌ بأنّ أمارة أهل الضلال ليست بإعلامه سبحانه.(ثمّ قال في بعض كتابه) في سورة الأنفال: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً»(1) أي خلافاً لأمر اللَّه بإنكار ليلة القدر، فالمراد بالفتنة: ما به الفتنة، يعني ليلة القدر. لا تصيب تلك الفتنة، أي فائدة الإقرار بها «الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ» أي من هذه الاُمّة.(وقال في بعض كتابه) في سورة آل عمران: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ» الآية.(2)

الحديث الخامس 145.الإمام العسكري عليه السلام :روى في الكافي وقال: وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام كَثِيراً مَا يَقُولُ : اجْتَمَعَ التَّيْمِيُّ وَ الْعَدَوِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ يَقْرَأُ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» بِتَخَشُّعٍ وَ بُكَاءٍ، فَيَقُولَانِ : مَا أَشَدَّ رِقَّتَكَ لِهذِهِ السُّورَةِ! فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : لِمَا رَأَتْ عَيْنِي ، وَ وَعى قَلْبِي ، وَ لِمَا يَرى قَلْبُ هذَا مِنْ بَعْدِي .

فَيَقُولَانِ : وَ مَا الَّذِي رَأَيْتَ ؟ وَ مَا الَّذِي يَرى ؟

قَالَ : فَيَكْتُبُ لَهُمَا فِي التُّرَابِ : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ : هَلْ بَقِيَ شَيْ ءٌ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالى : «كُلِّ أَمْرٍ» ؟ فَيَقُولَانِ : لَا ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْلَمَانِ مَنِ الْمُنْزَلُ إِلَيْهِ بِذلِكَ ؟ فَيَقُولَانِ : أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَيَقُولُ : نَعَمْ .

فَيَقُولُ : هَلْ تَكُونُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنْ بَعْدِي ؟ فَيَقُولَانِ : نَعَمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : فَهَلْ يَنْزِلُ ذلِكَ الْأَمْرُ فِيهَا ؟ فَيَقُولَانِ : نَعَمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : إِلى مَنْ؟ فَيَقُولَانِ : لَا نَدْرِي ، فَيَأْخُذُ بِرَأْسِي وَ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تَدْرِيَا فَادْرِيَا ، هُوَ هذَا مِنْ بَعْدِي .

قَالَ : فَإِنْ كَانَا لَيَعْرِفَانِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ شِدَّةِ مَا يُدَاخِلُهُمَا مِنَ الرُّعْبِ» . .


1- .الأنفال (8): 25.
2- .آل عمران (3): 144.

ص: 287

هديّة:رئي في نسخةٍ على خلاف المضبوط في النسخ الجديدة والقديمة: «كثيراً يقول: ما اجتمع» بتقديم «يقول» على «ما»، وكان مكتوب على حاشيتها من غير متصفّح: كأنّ في الكلام تقديماً وتأخيراً من النسّاخ، تقديره: «يقول كثيراً ما اجتمع» أو «كثيراً ما يقول اجتمع»، أو «ما» نافية بتقدير «إلّا» أو استفهام إنكار؛ فلا تلتفت أصلاً إلى أصلها، فضلاً عن توجيهاته التي كما ترى، ف «ما» للإبهام الدالّ على الكثرة بتجاوزها عن صدد العدّ.(ووعى قلبي) أي حفظ.(ولما يرى قلب هذا) يعني من الملائكة وتحديثهم إيّاه.(فيكتب لهما) يحتمل غير المعلوم، كما قرأ برهان الفضلاء، يعني فيكتب بقدرة اللَّه تعالى.(فإن كانا ليعرفان). قيل: «إن» مخفّفة من المثقّلة، وضمير الشأن محذوف بقرينة لام التأكيد، أي فإنّ الشأن أنّهما كانا كذا من الرعب في تلك الليلة.وقرأ برهان الفضلاء: «ليعرفان» على غير المعلوم، وهو أنسب بالشدّة.

الحديث السادس روى في الكافي وقال: وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ ، خَاصِمُوا بِسُورَةِ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» تَفْلُجُوا ، فَوَ اللَّهِ ، إِنَّهَا لَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالى عَلَى الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّهَا لَسَيِّدَةُ دِينِكُمْ ، وَ إِنَّهَا لَغَايَةُ عِلْمِنَا .يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ ، خَاصِمُوا بِ «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ» فَإِنَّهَا لِوُلَاةِ الْأَمْرِ خَاصَّةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى : «وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلّا خَلا فِيها نَذِيرٌ»» .قِيلَ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، نَذِيرُهَا مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ (1) : «صَدَقْتَ ، فَهَلْ كَانَ نَذِيرٌ - وَ هُوَ حَيٌّ - مِنَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «وقال».

ص: 288

الْبَعَثَةِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ ؟» فَقَالَ السَّائِلُ : لَا ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَ رَأَيْتَ بَعِيثَهُ ، أَ لَيْسَ نَذِيرَهُ ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي بِعْثَتِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالى نَذِيرٌ ؟» فَقَالَ : بَلى ، قَالَ : «فَكَذلِكَ لَمْ يَمُتْ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا وَ لَهُ بَعِيثٌ نَذِيرٌ».قَالَ : «فَإِنْ قُلْتُ : لَا ، فَقَدْ ضَيَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ مِنْ أُمَّتِهِ» . قَالَ : وَ مَا يَكْفِيهِمُ الْقُرْآنُ؟ قَالَ : «بَلى ، إِنْ وَجَدُوا لَهُ مُفَسِّراً». قَالَ : وَ مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : «بَلى ، قَدْ فَسَّرَهُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَ فَسَّرَ لِلْأُمَّةِ شَأْنَ ذلِكَ الرَّجُلِ ، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام».قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، كَأَنَّ هذَا أَمْرٌ خَاصٌّ لَا يَحْتَمِلُهُ الْعَامَّةُ ؟ قَالَ : «أَبَى اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا سِرّاً حَتّى يَأْتِيَ إِبَّانُ أَجَلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ دِينُهُ ، كَمَا أَنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَعَ خَدِيجَةَ عليها السلام مُسْتَتِراً حَتّى أُمِرَ بِالْإِعْلَانِ».قَالَ السَّائِلُ : يَنْبَغِي لِصَاحِبِ هذَا الدِّينِ أَنْ يَكْتُمَ ؟ قَالَ : «أَ وَ مَا كَتَمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَوْمَ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى ظَهَرَ أَمْرُهُ ؟» قَالَ : بَلى ، قَالَ : «فَكَذلِكَ أَمْرُنَا حَتّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ».

هديّة:(لسيّدة دينكم) أي لسيّدة حجج دينكم.(لغاية علمنا) في بعض النسخ: «غاية ما علمنا».وقال برهان الفضلاء: «الغاية»: العلامة المرفوعة في العسكر كالراية، وقرأ: «علمنا» بالتحريك، يعني أنّها علامة عالية لديننا، فإنّ العلم يُقال لرأس الجبل أيضاً.و«المعشر» كمنصب: الجماعة، والجمع: المعاشر.(يقول اللَّه تعالى) في سورة الفاطر: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ»(1)استدلال آخر على بطلان إمامة أئمّة الضلالة؛ ليظهر أيضاً أنّ المراد مِن «المنذرين» في سورة الدخان (2)مَن هم.(فهل كان نذير). في بعض النسخ المعتبرة كما ضبط برهان الفضلاء: «فهل كان بدّ».

.


1- .فاطر (35): 24.
2- .الدخان (44): 3.

ص: 289

و«البعثة» بالفتح مصدر، وبالكسر للنوع؛ فعلى المضبوط في الأكثر معنى قوله: «من البعثة» أي من جهة بعثته صلى اللَّه عليه وآله أصحابه إلى أقطار الأرض؛ أو هي بفتحتين، جمع «بعيث» بمعنى المبعوث.(خاصّ) أي سماعه وقبوله بشيعتكم.(إبّان أجله) بكسر الهمزة وتشديد المفردة، أي وقت حلول أجله.

الحديث السابع روى في الكافي وقال: وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَوَّلَ مَا خَلَقَ الدُّنْيَا ؛ وَ لَقَدْ خَلَقَ فِيهَا أَوَّلَ نَبِيٍّ يَكُونُ ، وَ أَوَّلَ وَصِيٍّ يَكُونُ ؛ وَ لَقَدْ قَضى أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةٌ يَهْبِطُ فِيهَا بِتَفْسِيرِ الْأُمُورِ إِلى مِثْلِهَا مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ ؛ مَنْ جَحَدَ ذلِكَ ، فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ تَعَالى عِلْمَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الرُّسُلُ وَ الْمُحَدَّثُونَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ (1) عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِمَا يَأْتِيهِمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَعَ الْحُجَّةِ الَّتِي يَأْتِيهِمْ بِهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام».قُلْتُ : وَ الْمُحَدَّثُونَ أَيْضاً يَأْتِيهِمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ؟قَالَ : «أَمَّا الْأَنْبِيَاءُ وَ الرُّسُلُ فَلَا شَكَّ ، وَ لَا بُدَّ لِمَنْ سِوَاهُمْ - مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ خُلِقَتْ فِيهِ الْأَرْضُ إِلى آخِرِ فَنَاءِ الدُّنْيَا - أَنْ يَكُونَ عَلى أَهْلِ الْأَرْضِ حُجَّةٌ ، يَنْزِلُ ذلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلى مَنْ أَحَبَّ مِنْ عِبَادِهِ .وَ ايْمُ اللَّهِ ، لَقَدْ نَزَلَ الرُّوحُ وَ الْمَلَائِكَةُ بِالْأَمْرِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلى آدَمَ ؛ وَ ايْمُ اللَّهِ ، مَا مَاتَ آدَمُ إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ ، وَ كُلُّ مَنْ بَعْدَ آدَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ أَتَاهُ الْأَمْرُ فِيهَا ، وَ وَضَعَ لِوَصِيِّهِ مِنْ بَعْدِهِ .وَ ايْمُ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُؤْمَرُ فِيمَا يَأْتِيهِ مِنَ الْأَمْرِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ آدَمَ إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله : أَنْ أَوْصِ إِلى فُلَانٍ ، وَ لَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «تكون».

ص: 290

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» إِلى قَوْلِهِ : «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» يَقُولُ : أَسْتَخْلِفُكُمْ لِعِلْمِي وَ دِينِي وَ عِبَادَتِي بَعْدَ نَبِيِّكُمْ كَمَا اسْتَخْلَفَ وُصَاةَ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى يَبْعَثَ النَّبِيَّ الَّذِي يَلِيهِ «يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً» يَقُولُ : يَعْبُدُونَنِي بِإِيمَانٍ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذلِكَ «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ».فَقَدْ مَكَّنَ وُلَاةَ الْأَمْرِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِالْعِلْمِ ، وَ نَحْنُ هُمْ ؛ فَاسْأَلُونَا ، فَإِنْ صَدَقْنَاكُمْ فَأَقِرُّوا ، وَ مَا أَنْتُمْ بِفَاعِلِينَ ؛ أَمَّا عِلْمُنَا فَظَاهِرٌ ؛ وَ أَمَّا إِبَّانُ أَجَلِنَا - الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ الدِّينُ مِنَّا حَتّى لَا يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ - فَإِنَّ لَهُ أَجَلاً مِنْ مَمَرِّ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ إِذَا أَتى ظَهَرَ ، وَ كَانَ الْأَمْرُ وَاحِداً .وَ ايْمُ اللَّهِ ، لَقَدْ قُضِيَ الْأَمْرُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ اخْتِلَافٌ ، وَ لِذلِكَ جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ لِيَشْهَدَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله عَلَيْنَا ، وَ لِنَشْهَدَ عَلى شِيعَتِنَا ، وَ لِتَشْهَدَ شِيعَتُنَا عَلَى النَّاسِ ، أَبَى اللَّهُ - تَعَالى - أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِهِ اخْتِلَافٌ ، أَوْ بَيْنَ أَهْلِ عِلْمِهِ تَنَاقُضٌ».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «فَضْلُ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ بِجُمْلَةِ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» وَ بِتَفْسِيرِهَا عَلى مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْإِيمَانِ بِهَا كَفَضْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْبَهَائِمِ ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَيَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهَا عَنِ الْجَاحِدِينَ لَهَا فِي الدُّنْيَا - لِكَمَالِ عَذَابِ الْآخِرَةِ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْهُمْ - مَا يَدْفَعُ بِالْمُجَاهِدِينَ عَنِ الْقَاعِدِينَ ، وَ لَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي هذَا الزَّمَانِ جِهَاداً إِلَّا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ وَالْجِوَارَ» .قَالَ : وَ قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، لَا تَغْضَبْ عَلَيَّ ، قَالَ : «لِمَا ذَا ؟» قَالَ : لِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ ، قَالَ : «قُلْ». قَالَ : وَ لَا تَغْضَبُ ؟ قَالَ : «وَ لَا أَغْضَبُ» .قَالَ : أَ رَأَيْتَ قَوْلَكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ فِيهَا إِلَى الْأَوْصِيَاءِ : يَأْتُونَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَدْ عَلِمَهُ ، أَوْ يَأْتُونَهُمْ بِأَمْرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَعْلَمُهُ ، وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَاتَ وَ لَيْسَ مِنْ عِلْمِهِ شَيْ ءٌ إِلَّا وَ عَلِيٌّ عليه السلام لَهُ وَاعٍ ؟قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا لِي وَ لَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ ؟ وَ مَنْ أَدْخَلَكَ عَلَيَّ ؟» قَالَ : أَدْخَلَنِي عَلَيْكَ الْقَضَاءُ لِطَلَبِ الدِّينِ .قَالَ : «فَافْهَمْ مَا أَقُولُ لَكَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ ، لَمْ يَهْبِطْ حَتّى أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالى

.

ص: 291

عِلْمَ مَا قَدْ كَانَ وَ مَا سَيَكُونُ ، وَ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِهِ ذلِكَ جُمَلاً يَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَ كَذلِكَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَدْ عَلِمَ جُمَلَ الْعِلْمِ ، وَ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ كَمَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ السَّائِلُ : أَ وَ مَا كَانَ فِي الْجُمَلِ تَفْسِيرٌ ؟قَالَ : «بَلى ، وَ لكِنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي بِالْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالى فِي لَيَالِي الْقَدْرِ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ إِلَى الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام : افْعَلْ كَذَا وَ كَذَا ، لِأَمْرٍ قَدْ كَانُوا عَلِمُوهُ ، أُمِرُوا كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ».قُلْتُ فَسِّرْ لِي هذَا . قَالَ : «لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا حَافِظاً لِجُمْلَةِ الْعِلْمِ وَ تَفْسِيرِهِ».قُلْتُ : فَالَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ عِلْمُ مَا هُوَ ؟قَالَ : «الْأَمْرُ وَ الْيُسْرُ فِيمَا كَانَ قَدْ عَلِمَ».قَالَ السَّائِلُ : فَمَا يَحْدُثُ لَهُمْ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ(1) عِلْمٌ سِوى مَا عَلِمُوا ؟قَالَ : «هذَا مِمَّا أُمِرُوا بِكِتْمَانِهِ ، وَ لَا يَعْلَمُ تَفْسِيرَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالى».قَالَ السَّائِلُ : فَهَلْ يَعْلَمُ الْأَوْصِيَاءُ مَا لَا يَعْلَمُ الْأَنْبِيَاءُ ؟قَالَ : «لَا ، وَ كَيْفَ يَعْلَمُ وَصِيٌّ غَيْرَ عِلْمِ مَا أُوصِيَ إِلَيْهِ؟!» .قَالَ السَّائِلُ : فَهَلْ يَسَعُنَا أَنْ نَقُولَ : إِنَّ أَحَداً مِنَ الْوُصَاةِ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُ الْآخَرُ ؟قَالَ : «لَا ، لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ إِلَّا وَ عِلْمُهُ فِي جَوْفِ وَصِيِّهِ ، وَ إِنَّمَا تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالْحُكْمِ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ».قَالَ السَّائِلُ : وَ مَا كَانُوا عَلِمُوا ذلِكَ الْحُكْمَ ؟قَالَ : «بَلى ، قَدْ عَلِمُوهُ ، وَ لكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِمْضَاءَ شَيْ ءٍ مِنْهُ حَتّى يُؤْمَرُوا فِي لَيَالِي الْقَدْرِ كَيْفَ يَصْنَعُونَ إِلَى السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ».قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، لَا أَسْتَطِيعُ إِنْكَارَ هذَا ؟قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَنْ أَنْكَرَهُ فَلَيْسَ مِنَّا».

.


1- .في «د»: - «القدر».

ص: 292

قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، أَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله هَلْ كَانَ يَأْتِيهِ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ شَيْ ءٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ ؟قَالَ : «لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ هذَا ، أَمَّا عِلْمُ مَا كَانَ وَ مَا سَيَكُونُ ، فَلَيْسَ يَمُوتُ نَبِيٌّ وَ لَا وَصِيٌّ إِلَّا وَ الْوَصِيُّ الَّذِي بَعْدَهُ يَعْلَمُهُ ، أَمَّا هذَا الْعِلْمُ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ أَبى أَنْ يُطْلِعَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ».قَالَ السَّائِلُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، كَيْفَ أَعْرِفُ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَكُونُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ؟قَالَ : «إِذَا أَتى شَهْرُ رَمَضَانَ ، فَاقْرَأْ سُورَةَ الدُّخَانِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَإِذَا أَتَتْ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ ، فَإِنَّكَ نَاظِرٌ إِلى تَصْدِيقِ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ».قَالَ : وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَمَا(1) تَرَوْنَ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالى بِالشَّقَاءِ(2) عَلى أَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنْ أَجْنَادِ الشَّيَاطِينِ وَ أَرْوَاحِهِمْ (3) أَكْثَرُ مِمَّا تَرَوْنَ خَلِيفَةَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَهُ لِلْعَدْلِ وَ الصَّوَابِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ».قِيلَ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، وَ كَيْفَ يَكُونُ شَيْ ءٌ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ؟قَالَ : «كَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالى».قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، إِنِّي لَوْ حَدَّثْتُ بَعْضَ الشِّيعَةِ بِهذَا الْحَدِيثِ لَأَنْكَرُوهُ قَالَ : «كَيْفَ يُنْكِرُونَهُ ؟» قَالَ : يَقُولُونَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَكْثَرُ مِنَ الشَّيَاطِينِ .قَالَ : «صَدَقْتَ ، افْهَمْ عَنِّي مَا أَقُولُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَ لَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَ جَمِيعُ الْجِنِّ وَ الشَّيَاطِينِ يَزُورُ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ (4) ، وَ يَزُورُ إِمَامَ الْهُدى عَدَدُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، حَتّى إِذَا أَتَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَيَهْبِطُ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلى وَلِيِّ الْأَمْرِ ، خَلَقَ اللَّهُ تَعَالى - أَوْ قَالَ : قَيَّضَ اللَّهُ - مِنَ الشَّيَاطِينِ بِعَدَدِهِمْ ، ثُمَّ زَارُوا وَلِيَّ الضَّلَالَةِ ، فَأَتَوْهُ بِالْإِفْكَ وَ الْكَذِبِ حَتّى لَعَلَّهُ يُصْبِحُ

.


1- .في حاشية «الف»: «أما».
2- .في الكافي المطبوع: «للشقاء».
3- .في الكافي المطبوع: «أزواجهم».
4- .في الكافي المطبوع: «تزور أئمّة الضلالة» بدل «يزور أئمّة الضلال».

ص: 293

فَيَقُولُ : رَأَيْتُ كَذَا وَ كَذَا ، فَلَوْ سَأَلَ وَلِيَّ الْأَمْرِ عَنْ ذلِكَ ، لَقَالَ : رَأَيْتَ شَيْطَاناً أَخْبَرَكَ بِكَذَا وَ كَذَا حَتّى يُفَسِّرَ لَهُ تَفْسِيراً ، وَ يُعْلِمَهُ الضَّلَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا .وَ ايْمُ اللَّهِ ، إِنَّ مَنْ صَدَّقَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ لَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَنَا خَاصَّةً ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِعَلِيٍّ عليه السلام حِينَ دَنَا مَوْتُهُ : هذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي ، فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ رَشَدْتُمْ ، وَ لكِنْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِمَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْكِرٌ ، وَ مَنْ آمَنَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ - مِمَّنْ عَلى غَيْرِ رَأْيِنَا - فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ فِي الصِّدْقِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ : إِنَّهَا لَنَا ، وَ مَنْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُنَزِّلَ الْأَمْرَ مَعَ الرُّوحِ وَ الْمَلَائِكَةِ إِلى كَافِرٍ فَاسِقٍ .فَإِنْ قَالَ : إِنَّهُ يُنَزِّلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا ، فَلَيْسَ قَوْلُهُمْ ذلِكَ بِشَيْ ءٍ .وَ إِنْ قَالُوا : إِنَّهُ لَيْسَ يُنَزِّلُ إِلى أَحَدٍ ، فَلَا يَكُونُ أَنْ يُنَزَّلَ شَيْ ءٌ إِلى غَيْرِ شَيْ ءٍ .وَ إِنْ قَالُوا(1) - سَيَقُولُونَ - : لَيْسَ هذَا بِشَيْ ءٍ ، فَقَدْ ضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً» .

هديّة:المراد بأبي جعفر هو الجواد عليه السلام، وبقوله: (لقد خلق) في الموضعين «لقد قدّر»؛ لقوله: (ولقد قضى) فلا إشكال في خلق النبيّ والوصيّ في ليلةٍ واحدة.وقرأ برهان الفضلاء: «أوّل نبيّ تكوّن» على الماضي المعلوم من التفعّل، وجوّز المضارع المعلوم من المجرّد.(من جحد ذلك) يعني وجود عالم بتفسير الاُمور في الأرض عاقلاً عن اللَّه سبحانه.(إلّا أن يكون عليهم حجّة) أي لهم أو في أيديهم، فإنّ عامّة حروف الخفض قد يوضع بعضها موضع بعض.والمتكلّم ب «قلت» في الموضعين - على صيغة المتكلّم - : «الحسن بن العبّاس» المذكور في السند وهو الفاعل ل «قال» في مواضع على ما لا يخفى.(فلا شكّ) أي في إتيان جبرئيل عليه السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع: + «و».

ص: 294

وقيل: لم يتعرّض عليه السلام لجواب السائل بل أعرض عنه إلى غيره، تنبيهاً له على أنّ هذا السؤال غير مهمّ له، وإنّما المهمّ له التصديق بنزول الأمر على الأوصياء؛ ليكون حجّة لهم على أهل الأرض، وأمّا أنّ النازل بالأمر هو جبرئيل أو غيره، فليس العلم به بمهمّ له؛ أو لأنّه عليه السلام لم يرَ المصلحة في إظهار ذلك له؛ لكونه أجنبيّاً، أو لحضور أجنبيّ.ووجهه الثالث ليس بشي ء؛ لما لا يخفى.(ووضع). قد قرأ بالتنوين عوضاً عن المضاف إليه كالأمر. وقرأ برهان الفضلاء على الماضي المعلوم، أي قرّر ذلك الأمر لوصيّه، بمعنى بيّن جميعَه له إجمالاً، على ما فصّل الإمام عليه السلام في هذا الحديث.(وايم اللَّه، إن كان النبيّ) بكسر همزة «إن» وحذف ضمير الشأن، مخفّفة عن المثقّلة، أي أنّه كان كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام.والواسطة الغير المذكورة هنا قوله تعالى في سورة النور: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ»(1).(بإيمان) يحتمل التنوين والإضافة. (لا نبيّ بعد محمّد صلى اللَّه عليه وآله). قيل: يعني نفى الشرك عبارة عن أن لا يعتقدوا النبوّة في الخليفة الظاهر الغالب أمره.(ومن (2) قال غير ذلك) تفسير لقوله تعالى: «وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ».ليشهد محمّد صلى اللَّه عليه وآله، قال اللَّه تعالى في سورة الحجّ: «هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ».(3)(لكمال عذاب الآخرة) أي ليكمل عذاب الآخرة عليهم.(والجوار) بالكسر: المجاورة بالجار، يعني قضاء حقّ المجاورة والصبر على أذى

.


1- .النور (24): 55.
2- .ضبطه سابقاً: «فمن».
3- .الحج (22): 78.

ص: 295

الجار والعشيرة. وقال برهان الفضلاء: المراد ب «الجوار» هنا قرب الإمام للسؤال عن معالم الدِّين.(وقد علمت) يحتمل المتكلّم على البُعد. وقرأ برهان الفضلاء - سلّمه اللَّه تعالى - على الخطاب من التفعيل، أي وقد علّمت شيعتك.(أمروا كيف يعملون فيه). حاصل الجواب عدمُ لزوم تحصيل الحاصل.(قلت: فسّر لي) كلام حسن بن العبّاس، أي الذي قلت في جواب السائل.(الأمر واليسر) يعني سهولة الأمر بالتشخّص والتعيّن وتفصيل الإجمال.(فما يحدث)، نافية أو استفهام.(ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلّا اللَّه تعالى). قرأ برهان الفضلاء: على المعلوم من التفعيل، أي لستُ قادراً على تفهيم مثلك الغبي، بل اللَّه قادر على هذا حسب.(لا أستطيع إنكار هذا؟). قال برهان الفضلاء: على تقدير حرف الاستفهام. وهو كما ترى.(هل كان يأتيه في ليالي القدر) هذه هي المرتبة التاسعة لسؤاله ذلك.(أن يطلع) من باب الإفعال.(إلّا أنفسهم) أي خواصّهم، كما ورد في تفسير «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» في آية المباهلة،(1) ويحتمل أفعل التفضيل أي أفضل شيعتهم.(لما ترون) اللام المفتوحة للتأكيد. وفي بعض النسخ: «أما ترون».(وأرواحهم) قيل: أي عظمائهم؛ لعظم روح كلّ شي ء من سائر أشيائه. وقرأ برهان الفضلاء: «وأزواجهم» بالمعجمتين، أي أمثالهم.(خليفة اللَّه الذي) نصب بنزع الخافض، أي لخليفة اللَّه، فيقول: رأيت كذا وكذا، كقول ابن العربي من الصوفيّة القدريّة في جملة من كتبه: «رقص ورقّصني وصورةُ الفرس»

.


1- .آل عمران (3): 61.

ص: 296

من هذياناته مشهورة.و«التقييض» بالقاف والمعجمة: كالتقدير لفظاً ومعنى. الجوهري: وقيّض اللَّه فلاناً لفلان، أي جاءه به وأتاحه له، ومنه قوله تعالى: «وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ».(1)(فلو سأل) أي وليُّ الضلالة (وليَّ الأمر).(ويعلمه الضلالة) من الإفعال أو التفعيل.(منكر) أي لنا عليها، أي على الضلالة أو أئمّتها.(سيقولون) أي وسيقولون، أو فسيقولون.

.


1- .الصحاح، ج 3، ص 1104 (قيض). والآية في سورة فصّلت (41): 25.

ص: 297

الباب الثاني والأربعون: باب في أنّ الأئمّة يزدادون في ليلة الجمعة

الباب الثاني والأربعون : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَزْدَادُونَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ (1) ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي : «يَا أَبَا يَحْيى ، إِنَّ لَنَا فِي لَيَالِي الْجُمُعَةِ لَشَأْناً مِنَ الشَّأْنِ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا ذَاكَ الشَّأْنُ ؟قَالَ : «يُؤْذَنُ لِأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَوْتى، وَ أَرْوَاحِ الْأَوْصِيَاءِ الْمَوْتى ، وَ رُوحِ الْوَصِيِّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتّى تُوَافِيَ عَرْشَ رَبِّهَا ، فَتَطُوفَ بِهِ أُسْبُوعاً ، وَ تُصَلِّيَ عِنْدَ كُلِّ قَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ تُرَدُّ إِلَى الْأَبْدَانِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا ، فَتُصْبِحُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ قَدْ مُلِئُوا سُرُوراً ، وَ يُصْبِحُ الْوَصِيُّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ وَ قَدْ زِيدَ فِي عِلْمِهِ مِثْلُ جَمِّ الْغَفِيرِ».

هديّة:(الصنعاني) في النسبة إلى «صنعاء» بالفتح والمدّ، بزيادة النون في النسبة على غير قياس، كما قالوا في النسبة إلى «حرّان»: «حَرْناني». وقيل: أو نسبة إلى «صنعان» اسم

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «حدّثني أحمد بن إدريس القمّي ومحمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللَّه بن أيّوب».

ص: 298

رجل من أجداده.(بين ظهرانيكم) تثنية «الظهر» بزيادة الألف والنون المفتوحة للتأكيد. وفي بعض النسخ: «بين أظهركم» جمع «الظهر». والمعنى على كلا الاستعمالين المتداولين واحد، يعني وسطكم.قال ابن الأثير في نهايته: فيه: فأقاموا بين ظهرانيهم، أي بينهم، زيدت ألف ونون مفتوحة للتأكيد، وبمعناه «بين أظهرهم» يستعملان في الإقامة بين القوم.(1)(يعرج) على المضارع الغائب المجهول، و(بها) نائب الفاعل، و«الباء» للتعدية.(حتّى) داخلة على الجملة المستقبلة، ف «توافى» على المضارع الغائبة المعلوم، من المفاعلة، مرفوع تقديراً بأخذ الجملة حاليّة، بإرادة حالة الموافاة، ف «حتّى» حرف ابتداء يستأنف بها الكلام، والمعنى: «حتّى الأرواح هذه حالها»، أو منصوب بتقدير «أن» فحتّى للغاية - وقد مرّ في بيان الحديث الثاني في الباب الأوّل - والفاعل: الأرواح المذكورة، و«الموافاة»: الوصول إلى الشي ء، «وافاه»: أتاه.و«الاُسبوع» بالضمّ، من الأيّام، و«طفت اُسبوعاً» أي سبع مرّات وثلاثة أسابيع.(جمّ الغفير) بفتح الجيم وتشديد الميم، أي المجموع الجمع الكثير، على المضبوط هنا في الجميع، وإلّا فالجمّ الغفير على التوصيف - كما هو المتعارف في المكالمات - معناه: الجمع الكثير.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ يُوسُفَ الْأَبْزَارِيِ (2) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ - وَ كَانَ لَا يُكَنِّينِي قَبْلَ ذلِكَ - : «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ». قَالَ : قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : «إِنَّ لَنَا فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ سُرُوراً». قُلْتُ : زَادَكَ اللَّهُ ، وَ مَا ذَاكَ؟ قَالَ : «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ ، وَافى رَسُولُ

.


1- .النهاية، ج 3، ص 166 (ظهر).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ، عن يوسف الأبزاري».

ص: 299

اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْعَرْشَ ، وَ وَافَى الْأَئِمَّةُ عليهم السلام مَعَهُ ، وَ وَافَيْتُ (1) مَعَهُمْ ، فَلَا تُرَدُّ أَرْوَاحُنَا إِلى أَبْدَانِنَا إِلَّا بِعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ لَأَنْفَدْنَا».

هديّة:«البزر» بفتح المفردة وسكون المعجمة، بزر البقل وغيره، والجمع: أبزار. القاموس: وأبزار كأصحاب أو كغراب: قرية بنيسابور.(2)الجوهري: الأبزار والأبازير: التوابل.(3)وفي بعض النسخ: «الانباري»، و«انبار» بالنون والمفردة: بيت التاجر، وبلدة بالعراق قديمة.(لا يكنّيني) على المعلوم من التفعيل. في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ووافينا معهم» على المتكلّم مع الغير، فالمراد من الأئمّة المعصومون السابقون من الأنبياء والأوصياء ومن نحن أئمّتنا عليهم السلام.(لأنفدنا) من الإفعال بالدال المهملة، على المتكلّم مع الغير، من الماضي المجهول، و«إنفاد المال»: جعله نافداً معدوماً. قال برهان الفضلاء: والمعنى هنا: لانتهى علمنا ونفد أمرنا؛ فإنّ علمهم بما يأتي على الإجمال، ويفصّل يوماً فيوماً وفي ليالي القدر.أقول: أوالمعنى: لكنّا مستغنين عن العلم بحصول جميع العلوم لنا، كما للَّه سبحانه والحديث الثالث والرابع من الباب التالي يؤيّدان؛ لما لا يخفى على الفطن.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِنْقَرِيِ (4) ، عَنْ يُونُسَ أَوِ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا مِنْ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَّا وَ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِيهَا سُرُورٌ» .

.


1- .في «د» والكافي المطبوع: «وافينا».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 371 (بزر).
3- .الصحاح، ج 2، ص 589 (بزر).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن الحسين بن أحمد المنقري».

ص: 300

قُلْتُ : كَيْفَ ذلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟قَالَ : «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ ، وَافى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْعَرْشَ ، وَ وَافَى الْأَئِمَّةُ عليهم السلام ، وَ وَافَيْتُ مَعَهُمْ ، فَمَا أَرْجِعُ إِلَّا بِعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ لَنَفِدَ مَا عِنْدِي» .

هديّة:«منقر» بالقاف كمنبر: أبو حيّ من تميم.ولا اختلاف هنا في النسخ كما في سابقه في «وافيت».

.

ص: 301

الباب الثالث والأربعون: باب لو لا أنّ الأئمّة يزدادون لنفد ما عندهم

الباب الثالث والأربعون : بَابُ لَوْ لَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَزْدَادُونَ لَنَفِدَ مَا عِنْدَهُمْ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «كَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليهما السلام يَقُولُ : لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا» .

هديّة:بيانه ظاهرٌ ببيان الحديث الثاني في سابق هذا الباب.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِ (2) ، عَنْ ذَرِيحٍ الْمُحَارِبِيِّ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا ذَرِيحُ ، لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا» .

هديّة:(ذريح المحاربي) مكبّراً ممدوحٌ، له أصل، و«الذّريح»: الهضاب، قال أبو زيد:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان بن يحيى». وفيه بسند آخر أيضاً هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد محمّد، عن محمّد بن خالد، عن صفوان، عن أبي الحسن مثله».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ».

ص: 302

الأهاضيب واحدها: «الهضاب، وواحد الهضاب: هضب، وهي حلبات القطر.(1)و«محارب» كمصاحب أبو قبيلة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ثَعْلَبَةَ(2) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا». قَالَ : قُلْتُ : تَزْدَادُونَ شَيْئاً لَا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذلِكَ ، عُرِضَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ عَلَى الْأَئِمَّةِ ، ثُمَّ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْنَا» .

هديّة:(إلينا) مكان «إليّ» وجهه ظاهر، أو المراد الأئمّة الباقية من الاثنى عشر.ولا شكّ أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مضى وقد كان عالماً بجميع ما يحتاج إليه الناس، فمعنى (لأنفدنا): لانتهينا في العلم، ولا نهاية لعلمه سبحانه. ومن ضروريّات الدِّين اعتقاد أنّ علم اللَّه تعالى غير متناهٍ بالفعل، ومثل خاتم الأنبياء وسيّدهم صلى اللَّه عليه وآله يستفيد منه إلى يوم القيامة، من غير وصولٍ إلى نهايته ولا نهاية له، فسَل الصوفي وقل: أيّها القدريّ القائل بالبدو والعود والتنزّل والتشكّل في شأنه سبحانه! متى يصل هو إلى هو ويصير العائد عين البدئ؟ فإن أجاب فَالْعنهُ وإن سكت فَالْعنهُ، ثمّ احمد اللَّه على نعمة التشيّع زِنة نعمته، واللَّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العُبَيْدِي، عَنْ يُونُسَ (3)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَيْسَ يَخْرُجُ شَيْ ءٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالى حَتّى يَبْدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ بِأَمِيرِ

.


1- .الصحاح، ج 1، ص 238 (هضب).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن ثعلبة».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن».

ص: 303

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ثُمَّ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ ؛ لِكَيْلَا يَكُونَ آخِرُنَا أَعْلَمَ مِنْ أَوَّلِنَا» .

هديّة:(حتّى يبدأ) على ما لم يسمّ فاعله.(ثمّ بواحد بعد واحد) حتّى ينتهي الأمر إلى صاحب الأمر عليه السلام.

.

ص: 304

الباب الرابع والأربعون: باب أنّ الأئمّة يعلمون جميع العلوم...

الباب الرابع والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَعْلَمُونَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الَّتِي خَرَجَتْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ (1) ، عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالى عِلْمَيْنِ : عِلْماً أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ وَ رُسُلَهُ ، فَمَا أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ فَقَدْ عَلِمْنَاهُ ، وَ عِلْماً اسْتَأْثَرَ بِهِ ؛ فَإِذَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْ ءٍ مِنْهُ عَلِمْنَا(2) ذلِكَ ، وَ عَرَضَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا» .

هديّة:«أظهره على الأمر»: أطلعه عليه.(علمناه) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من التفعيل، وكذا (علمنا ذلك). وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أعلمنا ذلك» على المجهول من الإفعال.«استأثر فلان بالشي ء»: استبدّ به، والاستبداد: التفرّد.«بدا له فيه» كدعا يدعو: ظهر له حكمٌ آخر فيه. وقد سبق تحقيق معنى البداء في شأنه

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن القاسم».
2- .في الكافي المطبوع: «أعلمنا».

ص: 305

تعالى في الحديث التاسع في الباب الرابع والعشرين من كتاب التوحيد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عِلْمَيْنِ : عِلْماً عِنْدَهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ ، وَ عِلْماً نَبَذَهُ إِلى مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ ، فَمَا نَبَذَهُ إِلى مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ ، فَقَدِ انْتَهى إِلَيْنَا» .

هديّة:«نبذ الشي ء» كضرب: ألقاه من يده، والمعنى هنا: أعطاه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ(2) ، عَنْ ضُرَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالى عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ مَبْذُولٌ ، وَ عِلْمٌ مَكْفُوفٌ . فَأَمَّا الْمَبْذُولُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ ءٍ يَعْلَمُهُ (3) الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّسُلُ إِلَّا نَحْنُ نَعْلَمُهُ . وَ أَمَّا الْمَكْفُوفُ ، فَهُوَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالى فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ نَفَذَ» .

هديّة:(ضريس) مصغّراً: ابن عبد الملك بن أعين الشيباني الكناسي، كان يتّجر بالكناسة موضع بالكوفة، وكان تحته بنت حمران، كان خيّراً فاضلاً.ولعلّ (اُمّ الكتاب) هنا عبارة عن اللوح المحفوظ الجامع للعلم المبذول والمكفوف الذي يبذل إذا شاء اللَّه تعالى.قال برهان الفضلاء:«اُمّ الكتاب» عبارة عن كتاب المحو والإثبات الذي ينزل في زمن المهديّ عليه السلام، ويسمّى ب

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير».
3- .في الكافي المطبوع: «تعلمه».

ص: 306

«اللوح المحفوظ»، قال اللَّه تعالى في سورة الرعد: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(1). قال: ويظهر للمهديّ عليه السلام من اللوح المحفوظ - النازل عليه بالتحديث في ليالي قدره عليه السلام دون الوحي - مضامينَ جميع الكتب التي كانت تنزل على الأئمّة عليهم السلام في ليالي القدر.(نفذ) أي جرى، فينتهي من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إلينا.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سُوَيْدٍ الْقَلَّاءِ(2) ، [عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ،(3) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ ، وَ عِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ ، فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ» .

هديّة:(سويد) مصغّراً: ابن مسلم القلّاء، ثقة، من أصحاب الصادق عليه السلام. و«القليّة» كالعطيّة: من الطعام، والجمع: قلايا، وقليت السويق واللحم كرمى فهو مقليّ، وقلوت فهو مقلوّ لغة، والرجل قلّاء.(وعلم علمه) على المعلوم من المجرّد أو التفعيل، وكذا (فما علمه).وقد سبق أخبار اُخر في هذا المعنى في أبواب التوحيد.

.


1- .الرعد (13): 39.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن سويد القلّاء».
3- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.

ص: 307

الباب الخامس والأربعون: باب نادر فيه ذكر الغيب

الباب الخامس والأربعون : بَابٌ نَادِرٌ فِيهِ ذِكْرُ الْغَيْبِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ(1) ، قَالَ : سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ ، فَقَالَ لَهُ : أَ تَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ؟ فَقَالَ : «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ ، وَ يُقْبَضُ عَنَّا فَلَا نَعْلَمُ ، وَ قَالَ : سِرُّ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَسَرَّهُ إِلى جَبْرَئِيلَ ، وَ أَسَرَّهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله إِلى مَنْ شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(معمّر بن خلّاد) على اسم المفعول من التفعيل، من أصحاب الرضا عليه السلام، بغداديّ ثقة.والمراد بأبي الحسن أبو الحسن الثاني الرضا عليه السلام.(إلى من شاء اللَّه) يعني أمير المؤمنين عليه السلام.قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره، في تفسير قوله تعالى في سورة الجنّ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(2): «يعني عليّاً المرتضى من الرسول صلى اللَّه عليه وآله وهو منه» الحديث.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلّاد».
2- .الجنّ (72): 26 - 27.
3- .تفسير القمّي، ج 2، ص 390.

ص: 308

والتنوين للتعظيم، فحقٌّ أنّ اللَّه تبارك وتعالى لا يطّلع على غيبه إلّا من كان معصوماً ممتازاً بيّناً في الحسب، معلوماً في النسب إلى آدم عليه السلام، وأنّ سرّ اللَّه تعالى ليس كما وَهَمَ الصوفيّ القدريّ من الخيال الذي إذا أظهر كان كفراً بحكم شرع الحكيم تعالى، بل أسرار اللَّه سبحانه إنّما هي عجايبات علمه الذي لا يتناهى، وما لا نهاية له لا نهاية لعجائباته أيضاً، وكان مع الخضر عليه السلام منها - كما في سورة الكهف - ما لم يكن لموسى عليه السلام مع كونه من اُولي العزم، وعدم نقصه بحسب ما كان يحتاج إليه من العلوم في أمر النبوّة والرسالة وكونه من اُولي العزم، فلا إشكال بأحاديث الباب التالي للتالي الدالّة على أنّه لا يخفى عليهم - صلوات اللَّه عليه - شي ء، وبمثل حديث: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله [أو ]لكفّره».(1) ولو علم سلمان أيضاً ما في قلب أبي ذرّ لقتله أو لكفّره، أفلم يعلم القدريّ أنّ حمل مثل الحديث على السرّ الذي هو كفر شرعاً إذا أظهر، له مفاسد لا تحصى، كما ذكرنا طائفة منها في بيان أحاديث كتاب العقل، ولا معنى للمنافق سوى أنّه يكتم ما هو كفر شرعاً إذا أظهره، ألا يرى أنّ قتل غير المكلّف قبل أن يعلم موسى عليه السلام حكمته وبعد حكمه بقتل القاتل قصاصاً ليس كفراً بعد العلم بحكمته.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» فَقَالَ (3) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِعِلْمِهِ عَلى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ قَبْلَهُ ، فَابْتَدَعَ السَّمَاوَاتِ وَ

.


1- .الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ح 2؛ وعنه في البحار، ج 2، ص 190، ح 190، والحديث هكذا: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصيرفي».
3- .في الكافي المطبوع: «قال».

ص: 309

الْأَرَضِينَ ، وَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُنَّ سَمَاوَاتٌ وَ لَا أَرَضُونَ ، أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالى : «وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ»؟»فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : أَ رَأَيْتَ قَوْلَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً»؟فَقَالَ لَهُ (1) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : ««إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» وَ كَانَ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله مِمَّنِ ارْتَضَاهُ .وَ أَمَّا قَوْلُهُ : «عالِمُ الْغَيْبِ» فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ - فِيمَا يُقَدِّرُ مِنْ شَيْ ءٍ وَيَقْضِيهِ فِي عِلْمِهِ - قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَ قَبْلَ أَنْ يُفْضِيَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ ؛ فَذلِكَ يَا حُمْرَانُ ، عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ ، إِلَيْهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ ، فَيَقْضِيهِ إِذَا أَرَادَ ، وَ يَبْدُو لَهُ فِيهِ ، فَلَا يُمْضِيهِ ؛ فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - ويَقْضِيهِ وَ يُمْضِيهِ ، فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهى إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ثُمَّ إِلَيْنَا» .

هديّة:«بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» في سورة البقرة والأنعام أيضاً، وهذا الحديث يناسب قوله تعالى في سورة الأنعام: «بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ»(2). و«البديع» بمعنى الفاعل، أو بمعنى المفعول، من باب منع، وعلى الأوّل وصف بحال الموصوف كضارب الرجل، وعلى الثاني وصف بحال متعلّق الموصوف كحسن الوجه، و«البدعة» و«الابتداع»: ابتداء فعل شي ء بلا مادّة سابقة، سواء كان الابتداء بإحداث ذلك الشي ء أو بإحداث مادّته بشرط علم الفاعل بأنّ تلك المادّة إنّما تحدث لذلك الشي ء خاصّة.و«المثال»: الشكل والصورة، والمراد هنا: المادّة القديمة.وقال برهان الفضلاء: والمراد بالمثال هنا الجسم. وفي الحديث - كما سيجي ء في

.


1- .في الكافي المطبوع: - «له».
2- .البقرة (2): 117؛ الأنعام (6): 101.

ص: 310

الحديث السادس في الباب الإحدى والثلاثين والمائة من كتاب الإيمان والكفر - : «أنّ الفحش لو كان مثالاً لكان مثال سوء».(1)وضمير (قبله) للكلّ في (كلّها)، أو للابتداع المفهوم من (فابتدع) و«الفاء» للتفريع، و«الواو» في (ولم يكن) عاطفة، قال اللَّه تعالى في سورة هود: «وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»(2)، فلعلّ غرض الإمام عليه السلام من الاستشهاد أنّه عزّ وجلّ خلق الماء من كتم العدم بلا مادّةٍ مادّةً لجميع الأجسام والجسمانيّات، فابتداع الجميع بعلمه على غير مثال ومادّة قديمة قبلَه، فالماء المخلوق المجعول عذباً واُجاجاً - كما سيذكر حديثه - مادّةٌ حادثةٌ من غير مادّة لا قديمة ولا حادثة لغيره من الجسم والجسماني، قال اللَّه تعالى في سورة الأنبياء: «وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ»(3) فلا تغفل عن الإشكال الوارد هنا بقول برهان الفضلاء: والمراد بالمثال هنا الجسم، وفي الحديث إلى آخر الحديث، قال اللَّه تعالى في سورة الجنّ: «قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَداً* عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً»(4)، وسيذكر في الحديث أنّ المراد بالغيب في هذه الآية وقت ظهور القائم عليه السلام.(فيما يقدّر من شي ء ويقضيه) التقدير بالإجمال، والقضاء بالتفصيل، وفيه البداء بعدُ إلّا أن يُمضى، ولا بداء بعد الإمضاء.(قبل أن يخلقه). قرأ برهان الفضلاء بالقاف على المعلوم من الإفعال، أي يُخلقه ويبليه بالإفضاء والإمضاء.(وقبل أن يفضيه) بالفاء على المعلوم من الإفعال.(فيقضيه إذا أراد) بالقاف، أي يفصّله بعد التقدير والإجمال. وقرأ برهان الفضلاء

.


1- .الكافي، ج 2، ص 324، باب البذاء، ح 6.
2- .هود (11): 7.
3- .الأنبياء (21): 30.
4- .الجنّ (72): 25 - 26.

ص: 311

بالفاء من الإفعال، وكذا في «يقضيه» في قوله: (ويقضيه ويمضيه) وكون الإقضاء والإمضاء هنا بمعنى: يَحكُم بما هو الأولى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ يَحْيَى الْبَزَّازُ وَ دَاوُدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي مَجْلِسِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا وَ هُوَ مُغْضَبٌ ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ ، قَالَ : «يَا عَجَباً لِأَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ ، لاَ يَعْلَمُ (2)الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ؛ لَقَدْ هَمَمْتُ بِضَرْبِ جَارِيَتِي فُلَانَةَ ، فَهَرَبَتْ مِنِّي ، فَمَا عَلِمْتُ فِي أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ هِيَ ؟» .قَالَ سَدِيرٌ : فَلَمَّا أَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَ صَارَ فِي مَنْزِلِهِ ، دَخَلْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ مُيَسِّرٌ ، وَ قُلْنَا لَهُ : جُعِلْنَا فِدَاكَ ، سَمِعْنَاكَ وَ أَنْتَ تَقُولُ كَذَا وَ كَذَا فِي أَمْرِ جَارِيَتِكَ ، وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ عِلْماً كَثِيراً ، وَ لَا نَنْسُبُكَ إِلى عِلْمِ الْغَيْبِ .قَالَ : فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، قَرَأْتَ (3) الْقُرْآنَ ؟» قُلْتُ : بَلى .قَالَ : «فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : «قالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» ؟» قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ قَرَأْتُهُ .قَالَ : «فَهَلْ عَرَفْتَ الرَّجُلَ ؟ وَ هَلْ عَلِمْتَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ ؟» قَالَ : قُلْتُ : أَخْبِرْنِي بِهِ.قَالَ : «قَدْرُ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ ، فَمَا يَكُونُ ذلِكَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ(4) ؟» قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا أَقَلَّ هذَا !فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، مَا أَكْثَرَ هذَا أَنْ يَنْسُبَهُ اللَّهُ تَعَالى إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي أُخْبِرُكَ بِهِ . يَا سَدِيرُ ، فَهَلْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عبّاد بن سليمان، عن محمّد بن سنان».
2- .في الكافي المطبوع: «ما يعلم».
3- .في الكافي المطبوع: «ألم تقرأ» بدل «قرأت».
4- .في الكافي المطبوع: - «والسنّة».

ص: 312

وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَيْضاً : «قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ»؟» . قَالَ : قُلْتُ : قَدْ قَرَأْتُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ .قَالَ : «فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ أَفْهَمُ ، أَمْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ بَعْضُهُ ؟» قُلْتُ : لَا ، بَلْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ ، قَالَ : فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ ، وَ قَالَ : «عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا ، عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا» .

هديّة:(فلمّا أن قام) بفتح الهمزة وتخفيف النون؛ لتأكيد الاتّصال.(يزعمون أنّا نعلم الغيب) يحتمل أن يكون المعنى يدّعون لأنفسهم إنّا كذلك، فالمراد من «الأقوام» أئمّة الضلالة، وأضلّهم مشايخ الصوفيّة القدريّة المدّعين علمَ الغيب بالكشف الحاصل من الرياضة لكلّ مرتاض وإن كان جوكيّاً طاعناً في الكفر لعنهم اللَّه.(لا يعلم الغيب إلّا اللَّه) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النمل: «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ»(1).(وصار في منزله) يعني بيت الخلوة.(وميسّر) على اسم المفعول من التفعيل، وقيل على اسم الفاعل منه: اسم رجل. قال ابن داود في رجاله: ميسّر بن عبد العزيز بضمّ الميم وفتح الخاتمة وكسر السين المهملة، وقيل: بفتح الميم، من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، ممدوح.(2)(ولا ننسبك إلى علم الغيب) يحتمل الإخبار والاستفهام الإنكاري. وقال برهان الفضلاء: مرادهم انّا مع علمنا بعدم اتّصافكم بعلم الغيب نريد أن نعلم مقدار علمكم.في بعض النسخ: «ألم تقرأ القرآن» مكان (قرأت القرآن).(أخبرني به) أي بقدر علم الرجل، وهو آصف بن برخيا وزير سليمان عليه السلام.

.


1- .النمل (27): 63 - 64.
2- .رجال ابن داود، ص 358، الرقم 1594.

ص: 313

و«خضرة البحر» كناية عن عمقه جدّاً، فإنّ عمق الماء الكثير يريه أسود، وكثيراً يطلق الأخضر على الأسود وبالعكس.(أخبرك به) على الغائب، ويحتمل المتكلّم.(أفهم) على أفعل التفضيل، أي أعلم أو أفضل. وذكر برهان الفضلاء أنّ المذكور في حواشي الشيخ محمّد بن الشهيد الثاني «أ فهم» على الاستفهام والفاء وضمير الجمع، والتقدير: «أ فهم أعلم» فلا يحتاج إلى تقدير الاستفهام في (فمن).والتكرار في آخر الحديث مضبوط فللتأكيد، سيّما بالقسم فلتأكيد الاهتمام بالفهم والضبط.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عن الفطحيّة(1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْإِمَامِ : يَعْلَمُ الْغَيْبَ ؟ قَالَ (2) : «لَا ، وَ لكِنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْ ءَ ، أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذلِكَ» .

هديّة:يعني إذا أراد بإذن اللَّه تعالى، سواء كان ممّا يحتاج إليه الناس، أم لا.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن الحسن بن عليّ، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطي».
2- .في الكافي المطبوع: «فقال».

ص: 314

الباب السادس والأربعون: باب أنّ الأئمّة إذا شاؤوا أن يعلموا علّموا

الباب السادس والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام إِذَا شَاؤُوا أَنْ يَعْلَمُوا عُلِّمُواوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ بَدْرِ بْنِ الْوَلِيدِ(1) ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ ، عُلِّمَ» .

هديّة:(إذا شاء) أي بإذن اللَّه تعالى على ما عرفت آنفاً.

الحديث الثاني روى في الكافي (2) بطريق آخر أيضاً عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ ، أُعْلِمَ» .

هديّة:بيانه كسابقه، وقوله عليه السلام: (أعلم) على المجهول من الإفعال مكان «علّم» المحتمل

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و غيره، عن سهل بن زياد، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد».
2- .في «الف»: + «بإسناده».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع».

ص: 315

للمعلوم من المجرّد، وخلافه من التفعيل في سابقه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِ (1) ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمَدَائِنِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئاً ، أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذلِكَ» .

هدية:بيانه كنظايره.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن سعيد المدائني».

ص: 316

الباب السابع والأربعون: باب أنّ الأئمّة يعلمون متى يموتون ، و...

الباب السابع والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَعْلَمُونَ مَتى يَمُوتُونَ ، وَ أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْبَطَلِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَيُّ إِمَامٍ لَا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَ إِلى مَا يَصِيرُ ، فَلَيْسَ ذلِكَ بِحُجَّةٍ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ» .

هديّة:(البطل) بالتحريك وإهمال الطاء: الشجاع.قيل: والإشكال الوارد بعلم أمير المؤمنين عليه السلام مثلاً بذلك ووجوب حفظ النفس ومدافعة الخصم، وقد قال اللَّه تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(2)، يدفع بأنّ الوجوب إنّما هو مع الجهل بالمعيّن، لا مع العلم به، وبما يستفاد من أخبار الباب بأنّ لهم عليهم السلام الخيرة من اللَّه سبحانه في الذهاب في وقت خاصّ والبقاء فيه، وأنّهم عليهم السلام فوّضوا ذلك - بعد تفويض اللَّه تعالى ذلك إليهم - إلى اللَّه تعالى.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سملة بن الخطّاب، عن سليمان بن سماعة و عبد اللَّه بن محمّد، عن عبد اللَّه بن القاسم البطل».
2- .البقرة (2): 195.
3- .راجع: الوافي، ج 3، ص 595.

ص: 317

وقيل: فرق بين إخباره تعالى بالوقت المعيّن الذي له فيه بداء، وبين إخباره بالمحتوم وعلمهم عليهم السلام بسبب ذلك الإخبار، وبهذا لم يجب عليهم المدافعة في بعض الحالات كالصلاة.وهذا الجواب لا يحسم سنخ الإشكال.وقال الفاضل الاسترآبادي:أحاديث هذا الباب صريحة في أنّ المقدّمة المشهورة بين المعتزلة وبين جماعة من أهل الجدل من الشيعة من أنّ حفظ النفس واجب عقلاً غير معقولة ولو خصّصنا بحالة رجاء الخلاص.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ(2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قَطِيعَةِالرَّبِيعِ مِنَ الْعَامَّةِ بِبَغْدَادَ مِمَّنْ كَانَ يُنْقَلُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لِي : قَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ يَقُولُونَ بِفَضْلِهِ مِنْ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ، فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ فِي فَضْلِهِ وَ نُسُكِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَنْ ؟ وَ كَيْفَ رَأَيْتَهُ ؟ قَالَ :جُمِعْنَا أَيَّامَ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنَ الْوُجُوهِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْخَيْرِ ، فَأُدْخِلْنَا عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام ، فَقَالَ لَنَا السِّنْدِيُّ : يَا هؤُلَاءِ ، انْظُرُوا إِلى هذَا الرَّجُلِ هَلْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ ؟ فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَدْ فُعِلَ بِهِ ، وَ يُكْثِرُونَ فِي ذلِكَ ، وَ هذَا مَنْزِلُهُ وَ فِرَاشُهُ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُضَيَّقٍ ، وَ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سُوءاً ، وَ إِنَّمَا يَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَقْدَمَ فَيُنَاظِرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ هذَا هُوَ صَحِيحٌ ، مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ ، فَسَلُوهُ .قَالَ : وَ نَحْنُ لَيْسَ لَنَا هَمٌّ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى الرَّجُلِ وَ إِلى فَضْلِهِ وَ سَمْتِهِ ، فَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام : «أَمَّا مَا ذَكَرَ مِنَ التَّوْسِعَةِ وَ مَا أَشْبَهَهَا ، فَهُوَ عَلى مَا ذَكَرَ ، غَيْرَ أَنِّي أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا النَّفَرُ ، أَنِّي قَدْ سُقِيتُ السَّمَّ فِي سَبْعِ تَمَرَاتٍ ، وَ أَنَا غَداً أَخْضَرُّ ، وَ بَعْدَ غَدٍ أَمُوتُ».

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 150.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محمّد بن بشّار».

ص: 318

قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَضْطَرِبُ ، وَ يَرْتَعِدُ مِثْلَ السَّعَفَةِ .

هديّة:«القطيعة» على فعيلة: اسم لعدّة مواضع ببغداد أقطعها المنصور الدوانيقي اُناساً من أعيان دولته ليعمّروها لأنفسهم، منها قطيعة ربيع بن يونس، وكان من أهلها «إسماعيل بن إبراهيم بن يعمر» من محدِّثي العامّة.(ينقل عنه) أي الحديث لثقته في العامّة، وفي رواية الصدوق رحمة اللَّه عليه: «يقبل قوله». وقال في آخره: قال الحسن: وكان الشيخ من خيار العامّة شيخٌ صدوقٌ مقبول القول ثقة جدّاً، ثقة عند الناس.(1)(من يقولون) يحتمل الخطاب والغيبة، والمراد عليهما: الإماميّة.و«النّسك» مثلّثة النون، بسكون الوسط وبضمّتين: العبادة.(جمعنا) على ما لم يسمّ فاعله. كان السندي والياً على بغداد من عند الرشيد.(ثمانين) حال من ضمير «جمعنا».(قد فعل به) في رواية الصدوق رحمة اللَّه عليه: «قد فعل مكروه في ذلك».(2)(ينتظر به) على المجهول من الافتعال.(أن يقدم) من باب علم، أي لأجل أن يقدم هارون فيناظره في دعوى الإمامة، فالفعلان للفاعل المذكور.وقرأ برهان الفضلاء: «أن يقدم» من الإفعال. قال: و«الإقدام»: الشجاعة، يعني ليجترئ بإظهار دعوى الإمامة ويناظر مع هارون فيها، فيظهر هارون إمامته عليه السلام لمنكرها.و«السمت» بالفتح: سيماء أهل الصلاح.(اخضرّ) بالمعجمتين، أي اصير يضرب لوني إلى الخضرة. وقرأ برهان الفضلاء:

.


1- .الأمالي للصدوق، ص 149، المجلس 29، ح 20.
2- .نفس المصدر. وفي المصدر هكذا: «قد فعل مكروه به».

ص: 319

«أحضر» على المجهول، من الحضور، أي يحضرني الموت.و«السعف» بالتحريك: ورق النخل، والواحدة: سعفة.وروى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب عرض المجالس (1) وكتاب العيون وغيرها قصّة شهادته عليه السلام بالسمّ مفصّلةً.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ(3) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَخِي ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام : «أَنَّهُ أَتى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لَيْلَةً قُبِضَ فِيهَا بِشَرَابٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَتِ ، اشْرَبْ هذَا ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ هذِهِ اللَّيْلَةُ(4) أُقْبَضُ فِيهَا ، وَ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:في بعض النسخ: «أنّ هذه الليلة التي» بزيادة «التي». وضبط برهان الفضلاء بدونها.(اُقبض فيها.) أي باختياري لقاء اللَّه تعالى على حياة الدنيا.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ (5) ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَدْ عَرَفَ قَاتِلَهُ ، وَ اللَّيْلَةَ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا ، وَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ ؛ وَ قَوْلُهُ عليه السلام لَمَّا سَمِعَ صِيَاحَ الْإِوَزِّ فِي الدَّارِ - : «صَوَائِحُ تَتْبَعُهَا نَوَائِحُ» وَ قَوْلُ أُمِّ كُلْثُومٍ : لَوْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ دَاخِلَ الدَّارِ ، وَ أَمَرْتَ غَيْرَكَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ؛ فَأَبى عَلَيْهَا ، وَ كَثُرَ دُخُولُهُ وَ خُرُوجُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ

.


1- .«العرض على المجالس» عنوان كتابه المعروف بالأمالي. الذريعة، ج 15، ص 245، ذيل الرقم 1589.
2- .الأمالي للصدوق، ص 146، المجلس 29، ح 18؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 106، الباب 8، ح 10.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة».
4- .في الكافي المطبوع: + «التي».
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم».

ص: 320

بِلَا سِلَاحٍ ، وَ قَدْ عَرَفَ عليه السلام أَنَّ ابْنَ مُلْجَمٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - قَاتِلُهُ بِالسَّيْفِ ، كَانَ هذَا مِمَّا لَمْ يَجُزْ تَعَرُّضُهُ .فَقَالَ عليه السلام : «ذلِكَ كَانَ ، وَ لكِنَّهُ خُيِّرَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ؛ لِتَمْضِيَ مَقَادِيرُ اللَّهِ تَعَالى».

هديّة:(وقوله) إمّا مرفوع، عطف على مقدّر، فإنّ التقدير: معرفته عليه السلام كذا مع قوله كذا وفلان كذا كان هذا العزم مع هذه المذكورات لم يجز تعرّضه، أو منصوب، عطفاً على «قاتله» كما ذهب إليه برهان الفضلاء وصرّح به، ثمّ قال: كأنّ للتشبيه، لا للشّكّ ولا للظنّ.و(الإوزّ) بالكسر وفتح الواو وتشديد المعجمة: البطّ، ومنه: «القلولاء» ويجمع بالواو والنون: «إوزّون» والواحدة: إوزّة.في بعض النسخ: «ممّا لم يحلّ»، وفي بعض آخر: «ممّا لم يحسن» مكان (ممّا لم يجز).(خيّر) على المجهول من التخيير. وقرأ برهان الفضلاء: «حيّن» بالمهملة والنون أخيراً، على المجهول من التفعيل، وتحيين الشي ء: تأخيره إلى حين آخر، قال: يعني أخّر موته مع كمال اشتياقه إلى شهادته في سبيل اللَّه إلى ذلك الوقت ليجري مقادير اللَّه. وقراءة: «حيّر» بالمهملتين من الحيرة تصحيف سوء للنصوص الآتية، وبه قوى الإشكال المدفوع بما بيّنّاه آنفاً.وقوله عليه السلام: (لتمضي مقادير اللَّه تعالى) لعلّه إشارة إلى تقديره تعالى لشأن أمير المؤمنين عليه السلام بعد تقديره تولّده في جوف الكعبة، وكون عمره عمر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بعينه ثلاث وستّون سنة، ومضيّ عمره من أوّله إلى آخره كما هو أظهر من الشمس في كلّ الأبواب وجميع الأحوال أن يستشهد في خير الموضع من خير الأمكنة وهو موقف الإمامة، في خير الشهور، في خير أيّامها، في خير أوقات تلك الأيّام، في خير الأفعال وهو العبادة، في خيرها وهو الصلاة.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي

.

ص: 321

الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى غَضِبَ عَلَى الشِّيعَةِ ، فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ ، فَوَقَيْتُهُمْ - وَ اللَّهِ - بِنَفْسِي» .

هديّة:(وقيتهم) أي حفظتهم باختياري ذهابي وبقائهم، أو ابتلائي ببلاء الأعداء كالحبس وعافيتهم من ذلك.و(نفسي) مبتدأٌ محذوف الخبر، وكذا (هم)، والتقدير: نفسي مقتولة أو مُبتلاة، أو هم مقتولون أو مبتلون.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْوَشَّاءِ(1) ، عَنْ مُسَافِرٍ : أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ لَهُ : «يَا مُسَافِرُ ، هذِهِ الْقَنَاةُ فِيهَا حِيتَانٌ ؟» قَالَ : نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ : «إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْبَارِحَةَ وَ هُوَ يَقُولُ : يَا عَلِيُّ ، مَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ» .

هديّة:(مسافر) بالفاء: مولى أبي الحسن عليه السلام يكنّى أبا مسلم، ممدوح؛ قاله الكشّي.(2)قيل: كأنّه عليه السلام يعجبه القناة التي كانت في داره بحيتانها في سناباد طوس، فمعنى (ما عندنا خيرٌ لك) أي ممّا عندك ويعجبك من مثل القناة بحيتانها. وقيل: لعلّ المعنى: أنّ حدوث الحيتان فيها بعد أن لم تكن من علامات قرب شهادته عليه السلام بالسمّ. وقيل: يعني هذه الحيتان ستري في موضع قبري عند حفره - كما في حديث أبي الصلت، وقد رواه الصدوق في عيونه أيضاً(3) - والمراد على هذين القولين من قوله: «ما عندنا» إلى آخره:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء».
2- .ذكر الكشّي في ذيل عنوان «في مسافر مولى أبي الحسن عليه السلام» رواية عن مسافر هكذا: «أخبرني مسافر، قال: أمرني أبو الحسن عليه السلام بخراسان، فقال: اِلحق بأبي جعفر فإنّه صاحبك» ولكن لم يمدحه صريحاً. والشيخ أيضاً ذكره في رجاله ويقول: «يكنّى أبا مسلم» ولم يوثّقه. نعم ذكر ابن داود في رجاله بأنّه ممدوح. راجع: رجال الكشّي، ص 506، الرقم 972؛ رجال الطوسي، ص 367، الرقم 5450؛ رجال ابن داود، ص 344، الرقم 1518.
3- .عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 242، ح 1.

ص: 322

الإخبار بقرب اللقاء، أي الباقي خيرٌ من الفاني.و(البارحة): أقرب ليلة مضت.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عليه السلام فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ ، فَأَوْصَانِي بِأَشْيَاءَ فِي غُسْلِهِ وَ فِي كَفْنِهِ وَ فِي دُخُولِ (2) قَبْرَهُ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَةِ(3) ، وَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ اشْتَكَيْتَ أَحْسَنَ مِنْكَ الْيَوْمَ ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْكَ أَثَرَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، أَ مَا سَمِعْتَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يُنَادِي مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ : يَا مُحَمَّدُ ، تَعَالَ ، عَجِّلْ؟» .

هديّة:في بعض النسخ: «وفي دخوله قبره» بإضافة الدخول إلى البارز ونصب «قبره».«اشتكى فلان»: مرض.قيل: لعلّ (الجدار) كناية عن حجاب عالم البرزخ.(تعال) بفتح اللام: أمر من التعالي بمعنى الارتفاع، وتعارف في الأمر بالإتيان. وللمرأة: «تعالي»، وللمرأتين: «تعاليا»، وللنسوة: «تعالين»، بفتح اللام في الجميع، ولا يُقال منه: «تعاليت» على المتكلّم ولا ينهى عنه.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ (4) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - النَّصْرَ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام حَتّى كَانَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ خُيِّرَ النَّصْرَ أَوْ لِقَاءَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة».
2- .في الكافي المطبوع: «دخوله».
3- .في الكافي المطبوع: «أباه».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبد الملك بن أعين».

ص: 323

اللَّهِ ، فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ».

هديّة:قد عرفت وجوه دفع الإشكال في بيان الحديث الأوّل.(أنزل اللَّه - عزّ وجلّ - النصر) يعني بإنزال الملائكة حتّى إذا صاروا متجاوزين عن فلك القمر.(1) قرأ برهان الفضلاء: «خيّر» على المعلوم، أي ثمّ خيّره اللَّه بين الغلبة على الأعداء ومثل تقرّبه بشهادته عليه السلام في سبيل اللَّه.

.


1- .في «الف»: + «أيضاً».

ص: 324

الباب الثامن والأربعون: باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان و ما يكون ، و...

الباب الثامن والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ ، وَ أَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِم شَيْ ءٌ(1) صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ(2) ، عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَمَاعَةً مِنَ الشِّيعَةِ فِي الْحِجْرِ ، فَقَالَ : «عَلَيْنَا عَيْنٌ؟» فَالْتَفَتْنَا يَمْنَةً وَ يَسْرَةً ، فَلَمْ نَرَ أَحَداً ، فَقُلْنَا : لَيْسَ عَلَيْنَا عَيْنٌ ، فَقَالَ : «وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ وَ رَبِّ الْبَنِيَّةِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَوْ كُنْتُ بَيْنَ مُوسى وَ الْخَضِرِ لَأَخْبَرْتُهُمَا أَنِّي أَعْلَمُ مِنْهُمَا ، وَ لَأَنْبَأْتُهُمَا بِمَا لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا ؛ لِأَنَّ مُوسى وَ الْخَضِرَ عليهما السلام أُعْطِيَا عِلْمَ مَا كَانَ ، وَ لَمْ يُعْطَيَا عِلْمَ مَا يَكُونُ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ حَتّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَ قَدْ وَرِثْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وِرَاثَةً» .

هديّة:(جماعة) نصب على الحال من ضمير (كنّا).(عين) أي جاسوس. (يمنة) بالفتح، وكذا (يسرة).و(البنيّة) كالعطيّة: الكعبة. قال برهان الفضلاء: مأخوذة من «البناية» بالفتح

.


1- .في الكافي المطبوع: «الشي ء».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللَّه بن حمّاد».

ص: 325

والتخفيف، بمعنى الشرف.(ولم يعطيا علم ما يكون) أي جميعه، فلا إشكال بعلمهما مثلاً ببعض أحوال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله. والإشكال إنّما هو في حمل برهان الفضلاء: (علينا عين) على الاستفهام، والظاهر سياقاً حمله على الإخبار؛ ليكون تمام الحديث توبيخاً لهم في تفتيشهم بعد الإخبار، ولم يخطر ببالي وجه قريب لحمله؛ فتدبّر، فإنّه لا يرتكب مثله إلّا لوجهٍ وجيه، ولا يبعد أن يكون الباعث: (فلم نرَ أحداً).وفضل وارثي علم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كفضله من القطعيّات بالكتاب والسنّة، وحديث موسى وقطرات الساقطة من منقار الطير على الجهات الستّ فوق البحر عند عوده عن سفر مجمع البحرين مشهور، وقد عرفت الحديث الثالث من الباب الخامس والأربعين وأمثاله أكثر من أن يحصى.

الحديث الثاني روى في الكافي [بإسناده (1) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - مِنْهُمْ : عَبْدُ الْأَعْلى وَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ - إِنَّهُمْ (2) سَمِعُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ ، وَ أَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ ، وَ أَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ ، وَ أَعْلَمُ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ» .قَالَ : ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً ، فَرَأى أَنَّ ذلِكَ كَبُرَ عَلى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ ، فَقَالَ : «عَلِمْتُ ذلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ» .

هديّة:و(لأعلم) يعني بالعلم المبذول، وقد مرّ ذكره في الباب السابق على سابق السابق، فلا إشكال. وأحاديث أكثر الأبواب السابقة بيّنات عادلات لما في هذا الباب، وكفى

.


1- .]أضفنا ما بين المعقوفتين حسب دأب المصنّف في نقل السند. والسند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة».
2- .في الكافي المطبوع: - «إنّهم».

ص: 326

بحظّهم عليهم السلام من أجزاء اسم اللَّه الأعظم أوفر من اُولي العزم شهيداً.(1)و«التبيان» مبالغة في البيان.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (2)، عَنْ البزنطي، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ جَمَاعَةَ بْنِ سَعْدٍ الجُعْفِيِ (3) ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الْمُفَضَّلُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ الْمُفَضَّلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، يَفْرِضُ اللَّهُ تَعَالى طَاعَةَ عَبْدٍ عَلَى الْعِبَادِ وَ يَحْجُبُ عَنْهُ خَبَرَ السَّمَاءِ ؟قَالَ : «لَا ، اللَّهُ أَكْرَمُ وَ أَرْحَمُ وَ أَرْأَفُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ عَلَى الْعِبَادِ ، ثُمَّ يَحْجُبَ عَنْهُ خَبَرَ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَ مَسَاءً» .

هديّة:(جماعة بن سعد الجعفي) بضمّ الجيم. وفي بعض النسخ: «الخثعمي» بالمعجمة المفتوحة قبل المثلّثة الساكنة. وهو وَهْمٌ، صرّح به العلّامة وابن داود وغيرهما في كتبهم.(4) و«جعفي» ككرسي: أبو قبيلة، والنسبة أيضاً كذلك.(خبر السماء) ممّا يحتاج إليه الناس، أو غيره أيضاً. قيل: (صباحاً) لليوم (ومساءً) للّيل، أو «صباحاً» لما يقع مساءً «ومساءً» لما يقع غداً.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ (5) ، عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ - وَ عِنْدَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - : «عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ يَتَوَلَّوْنَا ، وَ يَجْعَلُونَا أَئِمَّةً ، وَ يَصِفُونَ أَنَّ طَاعَتَنَا مُفْتَرَضَةٌ عَلَيْهِمْ كَطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ يَكْسِرُونَ حُجَّتَهُمْ ، وَ يَخْصِمُونَ أَنْفُسَهُمْ

.


1- .راجع: الكافي، ج 1، ص 230، باب ما أعطي الأئمّة عليهم السلام من اسم اللَّه الأعظم، ح 1 و 2 و 3.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل».
3- .في الكافي المطبوع: «الخثعميّ».
4- .الخلاصة، ج 1، ص 211، الرقم 5؛ رجال ابن داود، ج 1، ص 435، الرقم 96؛ رجال ابن الغضائري، ج 1، ص 46.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب».

ص: 327

بِضَعْفِ قُلُوبِهِمْ ، فَيَنْقُصُونَا حَقَّنَا ، وَ يَعِيبُونَ ذلِكَ عَلى مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ بُرْهَانَ حَقِّ مَعْرِفَتِنَا وَ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِنَا ؛ أَ تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالى افْتَرَضَ طَاعَةَ أَوْلِيَائِهِ عَلى عِبَادِهِ ، ثُمَّ يُخْفِي عَنْهُمْ أَخْبَارَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ، وَ يَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ الْعِلْمِ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِمَّا فِيهِ قِوَامُ دِينِهِمْ ؟» .فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام ، وَ خُرُوجِهِمْ وَ قِيَامِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالى ، وَ مَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَ الظَّفَرِ بِهِمْ حَتّى قُتِلُوا وَ غُلِبُوا؟فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا حُمْرَانُ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَ قَضَاهُ ، وَ أَمْضَاهُ ، وَ حَتَمَهُ عَلى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ ، ثُمَّ أَجْرَاهُ ، فَبِتَقَدُّمِ عِلْمٍ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَامَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهم السلام ، وَ بِعِلْمٍ صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا ؛ وَ لَوْ أَنَّهُمْ يَا حُمْرَانُ حَيْثُ نَزَلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالى وَ إِظْهَارِ الطَّوَاغِيتِ عَلَيْهِمْ ، سَأَلُوا اللَّهَ تَعَالى أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ ذلِكَ ، وَ أَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي طَلَبِ إِزَالَةِ مُلْكِ الطَّوَاغِيتِ وَ ذَهَابِ مُلْكِهِمْ ، إِذاً لَأَجَابَهُمْ ، وَ دَفَعَ ذلِكَ عَنْهُمْ ، ثُمَّ كَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الطَّوَاغِيتِ وَ ذَهَابُ مُلْكِهِمْ أَسْرَعَ مِنْ سِلْكِ مَنْظُومٍ انْقَطَعَ فَتَبَدَّدَ ، وَ مَا كَانَ ذلِكَ الَّذِي أَصَابَهُمْ - يَا حُمْرَانُ - لِذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ ، وَ لَا لِعُقُوبَةِ مَعْصِيَةٍ خَالَفُوا اللَّهَ فِيهَا ، وَ لكِنْ لِمَنَازِلَ وَ كَرَامَةٍ مِنَ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغُوهَا ؛ فَلَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ فِيهِمْ عليهم السلام».

هديّة:(يتولّونا ويجعلونا) و(فينقصونا) بنون واحدة مخفّفة للضمير، ونون الرفع محذوفة بالتقاء الساكنين. ويحتمل تشديد النون في «يجعلونا» و«فينقصونا» لضمّ اللام والصاد، فيجوز التقاء الساكين فيهما، دون «يتولّونا» لفتح اللام، كما يجوز في «تأمرونّي» في سورة الزمر(1)، قرأها نافع بنون واحدة مخفّفة، وابن عامر بنونين مخفّفتين: أولاهما بالفتح والثانية بالكسر، وباقي القرّاء السبعة بنون واحدة مشدّدة.(مفترضة) على اسم المفعول، من الافتعال الذي للمبالغة.

.


1- .الزمر (39): 64.

ص: 328

«كسره» كضرب، وشدّد للمبالغة. و«خصمه» كضرب أيضاً.(بضعف قلوبهم) يعني وهن اعتقادهم في فضل الإمام.(حقّنا) أي حقّ فضلنا.(أترون) يحتمل الخطاب والغيبة.(موادّ العلم) من القرآن وتحديث الملك والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام وغير ذلك ممّا مرَّ ذكره.و«القوام» ككتاب: ما يقوم به الشي ء كعماد البيت له.(قيام عليّ بن أبي طالب عليه السلام) لعلّه إشارة إلى وقعة صفّين، فإنّ شهادته عليه السلام كانت بعدها بأقلّ من أيّام الاُسبوع، و«قيام الحسن عليه السلام» إلى خروجه بعسكره إلى ساباط المدائن، و«قيام الحسين عليه السلام» إلى واقعة كربلاء.(وحتمه على سبيل الاختيار). قد سبق بيان مثله ببيان الحديث الأوّل من الباب السابع والأربعين. وقيل: يعني أنّ علمهم عليهم السلام بعد اختيارهم ما فيه رضى للَّه سبحانه متعلّق بالقضاء وفيه البداء، وإن كان علم اللَّه متعلّقاً بما هو المحتوم عنده غير متخلّف عن الإمضاء.(وإظهار الطواغيت) عطف تفسير للأمر.و«التبدّد»: التفرّق.و«الاقتراف»: الاكتساب.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ(1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِمِنى عَنْ خَمْسِمِائَةِ حَرْفٍ مِنَ الْكَلَامِ ، فَأَقْبَلْتُ أَقُولُ : يَقُولُونَ كَذَا وَ كَذَا ، قَالَ : فَيَقُولُ : «قُلْ كَذَا وَ كَذَا». قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا الْحَلَالُ وَ هذَا الْحَرَامُ أَعْلَمُ أَنَّكَ صَاحِبُهُ ، وَ أَنَّكَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ ، وَ هذَا هُوَ الْكَلَامُ ، فَقَالَ (2) : «وَيْسَكَ (3) يَا هِشَامُ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد».
2- .في الكافي المطبوع: + «لي».
3- .في الكافي المطبوع: «ويك».

ص: 329

يَحْتَجُ (1) اللَّهُ تَعَالى عَلى خَلْقِهِ بِحُجَّةٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ كُلُّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟» .

هديّة:يعني خمسمائة مسألة من علم الكلام.(هذا الحلال) وكذا: (وهذا الحرام) يحتمل النصب والرفع، وليس في بعض النسخ «هذا» الثانية، وفي بعض آخر كلمة (ويسك). و«ويس» كويح كلمة تستعمل في مقام رأفة واستملاح للصبيّ؛ قاله في القاموس.(2)وفي بعض النسخ: «لا يحتجّ اللَّه» بلا النافيه، وبدونها على الاستفهام الإنكاري.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (3) ، عَنْ الثُّمَالِىِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ عَالِمٌ جَاهِلاً أَبَداً : عَالِماً بِشَيْ ءٍ ، جَاهِلًا بِشَيْ ءٍ». ثُمَّ قَالَ : «اللَّهُ أَجَلُّ وَ أَعَزُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ يَحْجُبُ عَنْهُ عِلْمَ سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ» ، ثُمَّ قَالَ : «لَا يَحْجُبُ ذلِكَ عَنْهُ» .

هديّة:(عالم) أي معصوم حجّة على عباد اللَّه.(عالماً بشي ء جاهلاً بشي ء) بدل عن (جاهلاً) أو عطف بيان ل «جاهلاً» لئلّا يتوهّم أنّ كلام السابق لغو، كما شرح برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى، وقال:يعني أنّ العالم حقيقة في الناس هو العالم بجميع ما يحتاج إليه الناس، فشي ء عبارة عمّا يحتاج إليه الناس، فلو كان العالم ببعضه دون بعضه عالماً، فكلّ أحدٍ من الناس عالم.

.


1- .في الكافي المطبوع: «لا يحتجّ».
2- .القاموس المحيط، ج 2، ص 258 (ويس).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 330

الباب التاسع والأربعون: باب أنّ اللَّه لم يعلّم نبيّه علماً إلّا...

الباب التاسع والأربعون : بَابُ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَمْ يُعَلِّمْ نَبِيَّهُ عِلْماً إِلَّا أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَهُ فِي الْعِلْمِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَتى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِحْدَاهُمَا ، وَ كَسَرَ الْأُخْرى بِنِصْفَيْنِ ، فَأَكَلَ نِصْفاً ، وَ أَطْعَمَ عَلِيّاً عليه السلام نِصْفاً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَا أَخِي ، هَلْ تَدْرِي مَا هَاتَانِ الرُّمَّانَتَانِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَمَّا الْأُولى فَالنُّبُوَّةُ ، لَيْسَ لَكَ فِيهَا نَصِيبٌ ؛ وَ أَمَّا الْأُخْرى فَالْعِلْمُ ، أَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ».فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، كَيْفَ كَانَ يَكُونُ شَرِيكَهُ فِيهِ ؟ قَالَ : «لَمْ يُعَلِّمِ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله عِلْماً إِلَّا وَ أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ عَلِيّاً صلوات اللَّه عليه».

هديّة:قد عرفت الفرق بين الرسول وبين الإمام بالمعنى الأخصّ بمعاينة الملك وعدمها، فلا حاجة إلى ما قيل، ولا حاجة إلى أن يُقال: قوله عليه السلام: (لا) ليس إخباراً عن عدم العلم؛

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن عبد اللَّه بن سليمان، عن حمران بن أعين».

ص: 331

لكونه شريكه صلى اللَّه عليه وآله فيما علم، بل إظهار الشوق لتكلّمه صلى اللَّه عليه وآله؛ إذ المراد أنّه عليه السلام مثله في العلم بما يحتاج إليه الناس بعد مضيّه صلى اللَّه عليه وآله.(كيف كان يكون شريكه) استفهام تعجّبي من توهّم الشراكة مع النبيّ في العلم بدون النبوّة.

الحديث الثاني روى في الكافي عَن الثلاثة(1)، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِرُمَّانَتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُمَا ، فَأَكَلَ وَاحِدَةً ، وَ كَسَرَ الْأُخْرى بِنِصْفَيْنِ ، فَأَعْطى عَلِيّاً عليه السلام نِصْفَهَا ، فَأَكَلَهَا ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، أَمَّا الرُّمَّانَةُ الْأُولَى الَّتِي أَكَلْتُهَا فَالنُّبُوَّةُ ، لَيْسَ لَكَ فِيهَا شَيْ ءٌ ؛ وَ أَمَّا الْأُخْرى فَهُوَ الْعِلْمُ ، فَأَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ» .

هديّة:(هو) باعتبار الخبر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ(2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِرُمَّانَتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَلَقِيَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَقَالَ : مَا هَاتَانِ الرُّمَّانَتَانِ اللَّتَانِ فِي يَدِكَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا هذِهِ فَالنُّبُوَّةُ ، لَيْسَ لَكَ فِيهَا نَصِيبٌ ، وَ أَمَّا هذِهِ فَالْعِلْمُ ، ثُمَّ فَلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِنِصْفَيْنِ ، فَأَعْطَاهُ نِصْفَهَا ، وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله نِصْفَهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ ، وَ أَنَا شَرِيكُكَ فِيهِ».قَالَ : «فَلَمْ يَعْلَمْ وَ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حَرْفاً مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالى إِلَّا وَ قَدْ عَلَّمَهُ عَلِيّاً عليه السلام ، ثُمَّ انْتَهَى الْعِلْمُ إِلَيْنَا». ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدْرِهِ.

.


1- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن اُذينة».

ص: 332

هديّة:«فلقه» كضرب: شقّه.(ثمّ انتهى العلم إلينا) أي العلم الذي علّم النبيّ صلى اللَّه عليه وآله. قيل: لدفع المخالفة بين هذا الخبر والخبر الأوّل في السؤال عن حال الرمّانتين يحتمل تكرار هذه الحكاية.(ثمّ وضع يده إلى صدره) للإشارة إلى أنّ شريك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ليس منّا أهل البيت إلّا من كان فيه علامات الإمامة من العصمة وعلم الأنساب والمنايا(1)وغير ذلك، كما سيجي ء في بابه إن شاء اللَّه تعالى.

.


1- .في «د»: - «والمنايا».

ص: 333

الباب الخمسون: باب جهات علوم الأئمّة

الباب الخمسون : بَابُ جِهَاتِ عُلُومِ الْأَئِمَّةِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيع (1) ، عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ عَلِيٍّ السَّائِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ مُوسى (2) عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «مَبْلَغُ عِلْمِنَا عَلى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : مَاضٍ ، وَ غَابِرٍ ، وَ حَادِثٍ ؛ فَأَمَّا الْمَاضِي ، فَمُفَسَّرٌ ؛ وَأَمَّا الْغَابِرُ ، فَمَزْبُورٌ ؛ وَ أَمَّا الْحَادِثُ ، فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ وَ هُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا ، وَ لَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:(البزيع) كالظريف بالظاء المعجمة وزناً ومعنى.و«الساية» كالراية: قرية قريبة من المدينة المنوّرة.و(غابر) هنا بمعنى «الآتي»، وفي الخبر الآتي بمعنى الماضي، وهو من لغات الأضداد. قيل: المراد به هنا ما هو مزبور في غير القرآن وب «المفسّر» ما هو مزبور في القرآن.(فمفسّر) يعني لنا، (فمزبور) مكتوب عندنا، (فقذف في القلوب) إلهاماً، (ونقر في الأسماع) بتحديث الملك.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن إسماعيل».
2- .في «الف»: - «موسى».

ص: 334

أقول: لا شكّ أنّ الإمام بالمعنى الأخصّ لا جهة لعلمه من أوّل عمره إلى آخر عمره سوى اللَّه تعالى فبواسطة أو بدونها، والثاني إلهام، والأوّل فبواسطة الحجّة السابق، أوِ الزُّبُر الحقّة من القرآن وغيره - كالجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام أو المَلَك. فالأوّل مسمّى ب «المفسّر» إمّا باعتبار تبيين الحجّة السابق وتفسيره، أو باعتبار تفسير القرآن؛ لشرفه في سائر ما علّمه السابق اللاحق. والثاني مسمّى ب «المزبور» للزّبر، وفيها ما فيه ما يأتي أكثر ممّا مضى وهو مصحف فاطمة عليها السلام. والثالث مسمّى ب «الحادث» لحدوثه بالنقر في الأسماع بالتحديث، ولكون التسمية في الأقسام الثلاثة بالاعتبارات التي عرفت لا ينافيها كون المعلوم في كلّ منها ممّا مضى أو ممّا يأتي، وكذا لا ينافي هذا البيان ما في الحديث الثالث من قوله عليه السلام: «أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا، وأمّا المزبور فما يأتينا».(1) أو أنّ الغابر بمعنى الماضي وكذا للمزبور إطلاقين [على (2)ما عرفت، وأنّ الماضي العلم الحاصل والمزبور ما يحصل في المستقبل سيّما في ليالي الجمعة والقدر.ولبرهان الفضلاء هنا بيان ستعرف حاصله.(وهو أفضل علمنا) قيل: لأنّ لكلّ جديد لذّة.وقال برهان الفضلاء:«الأفضل» هنا إمّا بمعنى الأشكل - كما يظهر من كتاب بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار في باب ما يلهم الإمام ممّا ليس في الكتاب والسنّة من المعضلات - أو بمعنى الألذّ، فإنّ التّاجر سروره من الربح أكثر منه من البضاعة.وقيل: يمكن أن يكون الوجه خلوّ الأوّلين من إلهام اللَّه تعالى وتلاقي الملك بصوته.(ولا نبيّ بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله) إشارة إلى الفرق بين الإلهام والوحي، والأوّل عامّ، والثاني خاصّ بالأنبياء عليهم السلام.وقال بعض المعاصرين: والتحديث عند الأوهام خاصّ بالأنبياء، فلذا قال: «ولا نبيّ

.


1- .الكافي، ج 1، ص 264، باب جهات علوم الأئمّة عليهم السلام، ح 3.
2- .]ما بين المعقوفتين أضفناه حسب السياق.

ص: 335

بعد نبيّنا» والنبيّ يرى ويسمع، والمُحدَّث يسمع ولا يرى.(1)وقال برهان الفضلاء:«ولا نبيّ بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله» للإشارة إلى أنّ القذف وكذا النقر إنّما هو تصوير للمعلومات السابقة، لا إلقاء العلم بقضيّة غير معلومة. وظاهرٌ أنّ استنباط المجهول من المعلوم ليس مختصّاً بالنبيّ، فيلزم بيان الفرق بين هذه المرتبة ومرتبة النبوّة.ثمّ قال:والحاصل أنّ علم الإمام على قسمين: علمه بالمكتوب في القرآن والجامعة وكتاب الوصيّة ومصحف فاطمة وأمثالها، وعلمه بغير ذلك من الحوادث. والثاني: على قسمين: علمه بالحوادث الصادرة قبل حدوث الإمامة بتعليم السابقِ اللاحقَ، وعلمه بالحوادث الصادرة بعد الإمامة يوماً فيوماً.وقريب ممّا قال ما قيل: إنّ البيان الواضح للثلاثة: أنّ الأوّل هو الذي قد حصل له عليه السلام فيما تقدّم من جهة القرآن بتعليم السابق أو الإلهام أو التحديث في ليالي القدر أو أزمنة اُخر قبل الإمامة أو حالتها، سواء كان المعلوم ممّا مضى، أو ممّا يأتي. والثاني ما يحصل له من الزُّبُر غير القرآن في ما يأتي كذلك. والثالث ما يحصل له بالإلهام أو بالتحديث. والتسمية بالاتّفاق ب «المفسّر» و«المزبور» و«الحادث» باعتبار الأهمّ، فتدبّر.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ عِلْمِ عَالِمِكُمْ ، قَالَ : «وِرَاثَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام » .قَالَ : قُلْتُ : إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَ يُنْكَتُ فِي آذَانِكُمْ ؟ قَالَ : «أَوْ ذَاكَ».

.


1- .قال الفيض في الوافي، ج 3، ص 606: «ولمّا كان هذا القول منه عليه السلام يوهم ادعاءه النبوّة، فإنّ الإخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالأنبياء، ردّ ذلك الوهم بقوله: «ولا نبيّ بعد نبيّنا» وذلك لأنّ الفرق بين النبيّ والمحدَّث إنّما هو برؤية الملك وعدم رؤيته، لا السماع منه».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن عليّ بن موسى، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 336

هديّة:«التحدّث» على التفعّل: نقل الحديث فيما بين القوم بعضهم لبعض. و«النكت» كالنصر: خدش الأرض برأس عود ومثله، والمراد هنا الإسماع.(أو ذاك) يعني قد يكون ذاك أيضاً.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : رُوِينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ عِلْمَنَا غَابِرٌ ، وَ مَزْبُورٌ ، وَ نَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ ، وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ».فَقَالَ : «أَمَّا الْغَابِرُ ، فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِنَا ؛ وَ أَمَّا الْمَزْبُورُ ، فَمَا يَأْتِينَا ؛ وَ أَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ ، فَإِلْهَامٌ ؛ وَ أَمَّا النَّقْرُ فِي الْأَسْمَاعِ ، فَأَمْرُ الْمَلَكِ» .

هديّة:(روينا) على المجهول من المجرّد، أي روى لنا بالحذف والإيصال. وقرأ برهان الفضلاء مثله على المجهول من التفعيل، وقال بالفارسيّة: «يعني نقل كرده شده به ما» ثمّ قرأ: «فما تقدّم» على المجهول، من التفعّل، وقال: «التقدّم»: بيان و سفارش پيش از وقت». ثمّ قرأ: «تأتّانا» مكان (يأتينا) وقال: «التّأتّى»: سهولت ووضوحِ راهى. وآن مطاوع «تأتّيه» است كه مصدر باب تفعيل است، به معنى آسان كردن راهى براى كسى. «وتأتّانا» بتقدير «تأتّى لنا» است.(فأمر الملك) أي شأنه وفعله بالتحديث.

.

ص: 337

الباب الحادي والخمسون: باب أنّ الأئمّة لو ستر عليهم لأخبروا...

الباب الحادي والخمسون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام لَوْ سُتِرَ عَلَيْهِمْ لَأَخْبَرُوا كُلَّ امْرِىً بِمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (1)، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَوْ كَانَ لِأَلْسِنَتِكُمْ أَوْكِيَةٌ ، لَحَدَّثْتُ كُلَّ امْرِىً بِمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ».

هديّة:«الأوكية» جمع الوكاء بالكسر والمدّ، وهو رباط القِربة.(كلّ امرى ءٍ) أي منكم بما ينفعه أو يضرّه من الحوادث الآتية.

الحديث الثاني روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَصِيرٍ يَقُولُ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مِنْ أَيْنَ أَصَابَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ عليه السلام مَا أَصَابَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَنَايَاهُمْ وَ بَلَايَاهُمْ ؟قَالَ : فَأَجَابَنِي شِبْهَ الْمُغْضَبِ: «مِمَّنْ ذلِكَ إِلَّا مِنْهُمْ ؟!» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان».
2- .في الكافي المطبوع: «بهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن عبد اللَّه بن مسكان».

ص: 338

قُلْتُ (1) : مَا يَمْنَعُكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟قَالَ : «ذلِكَ بَابٌ أُغْلِقَ إِلَّا أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام فَتَحَ مِنْهُ شَيْئاً يَسِيراً» ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ أُولئِكَ كَانَتْ عَلى أَفْوَاهِهِمْ أَوْكِيَةٌ».

هديّة:«من» في (من أين) للسببيّة، والمراد ب (أصحاب عليّ عليه السلام) هنا مثل رُشَيد الهجري وميثم التمّار وحجر بن عديّ ومحمّد بن أكثم وخالد بن مسعود وغيرهم ممّن أخبرهم عليه السلام بمناياهم وبلاياهم وكيفيّتها ومواضعها كما ضبط في أحاديثها.«هجرة» محرّكة: اسم بلدة باليمن، والنسبة: «هجريّ» و«هاجري» بكسر الجيم، والثاني على غير القياس.و«ميثم» بكسر الميم وفتح المثلّثة، من الوثم وهو الدقّ، و«خفٌّ ميثمٌ»: شديد الوطء كأنّه يثمّ الأرض، أي يدقّها.«حجر بن عدي» بضمّ المهملة وسكون الجيم، قال ابن داود: قال الشيخ: قال الكشّي: هو من عظماء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.(2)(شبه المغضب) نصب في موضع المفعول المطلق، أي فأجابني جواباً شبه المغضب.في بعض النسخ: «ممّن ذلك الأمر منهم». وعلى النسختين استفهامُ إنكارٍ، يعني هل تزعم أنّ قوله تعالى: «مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ»(3)يشمل أصحاب الحسين عليه السلام مثلاً، بل ذلك لرضى منهم على ما سبق بيانه مفصّلاً.وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب العلل: «أنّ أصحاب الحسين عليه السلام كشف عنهم (4) الغطاء

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقلت».
2- .رجال ابن داود، ص 100، الرقم 382.
3- .الشورى (42): 30.
4- .في المصدر: «لهم».

ص: 339

حتّى رأوا منازلهم من الجنّة، فكان الرجل منهم يُقدم القتل ليتبادر(1) إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنّة».(2)(ما يمنعك) أي من الجواب مبيّناً، أو من أن تخبر أصحابك بمناياهم وبلاياهم؟ فأجاب عليه السلام: إنّ أولئك كانوا كاتمين للأسرار، وهؤلاء أكثرهم من أهل الإذاعة، وهو عليه السلام أخبر بذلك نفراً يسيراً، كما ورد في كتب الأخبار.(3)

.


1- .في المصدر: «يقدم على القتل ليبادر» بدل «يقدم القتل ليتبادر».
2- .علل الشرائع، ص 229، باب علّة إقدام أصحاب الحسين عليه السلام على القتل، ح 1.
3- .راجع: الأمالي للصدوق، ص 40، المجلس 10، ح 11؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 250، الباب 25، ح 4؛ بحار الأنوار، ج 47، ص 181، ذيل ح 27.

ص: 340

الباب الثاني والخمسون: باب التفويض إلى رسول اللَّه» صلى اللَّه عليه وآله و إلى الأئمّة فى أمر الدين

الباب الثاني والخمسون : بَابُ التَّفْوِيضِ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله وَ إِلَى الْأَئِمَّةِ عليه السلام فِي أَمْرِ الدِّينِ وأحاديثه كما في الكافي عشرة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ(1) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ النَّحْوِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَدَّبَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله عَلى مَحَبَّتِهِ ، فَقَالَ : «وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» ، وَ قَالَ تَعَالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ»» .ثُمَ (2) قَالَ : «وَ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ فَوَّضَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام وَ أئِمَّتِهِ عليهم السلام (3) ، فَسَلَّمْتُمْ وَ جَحَدَ النَّاسُ ؛ فَوَ اللَّهِ لَنُحِبُّكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِذَا قُلْنَا ، وَ أَنْ تَصْمُتُوا إِذَا صَمَتْنَا ، وَ نَحْنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالى ؛ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِأَحَدٍ خَيْراً فِي خِلَافِ أَمْرِنَا».

هديّة:(أدّب نبيّه صلى اللَّه عليه وآله) على نهج المحبّة وسبيل الرأفة، كما هو دأب المحبّ للحبيب، والوالد المشفق للولد، حتّى انتهى به إلى ما أراد من إتمام نوره ولو كره الكافرون بحيث

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد».
2- .في الكافي المطبوع: «قال: ثمّ قال».
3- .في الكافي المطبوع: «وائتمنه» بدل «وأئمّته عليهم السلام».

ص: 341

صار إلى حال لم يرد أمراً قطّ في الدِّين إلّا كان موافقاً بتقدير اللَّه لأمر اللَّه، فلمّا أكمل له الأدب قال اللَّه تعالى في سورة ن والقلم: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1)، ثمّ فوّض إليه وقال في سورة الحشر: «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»(2) الآية، وفي سورة النساء: «مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»(3).وليس المراد بالتفويض هنا ما يوجب استقلالاً تامّاً وتفرّداً كملاً للمفوَّض إليه في الأمر والحكم كما فهم الجاهلون، وأنّهم عليهم السلام لا يتنفّسون قطّ إلّا بإذن اللَّه تعالى؛ بل المعنى كرامة التشريف لهم بافتراض طاعتهم على الجميع بحيث ينقادونهم في جميع ما أتوا به فيما أتوه إيّاهم من غير اعتراض أو طلب دليل أو ظنّ أنّه ليس من اللَّه.وسيجي ء في الحديث السادس في الباب العاشر والمائة عن الجواد عليه السلام: «أنّ اللَّه تعالى فوّض الاُمور عليهم (4) وهم يحلّون ما يشاؤون ويحرِّمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلّا أن يشاء اللَّه تعالى».(5)في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وائتمنه» من الايتمان، مكان (وأئمّته عليهم السلام).

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكَّارِ بْنِ بَكْرٍ(6) ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَشْيَمَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالى ، فَأَخْبَرَهُ بِهَا ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ ، فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ ، فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْأَوَّلَ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتّى كَأَنَّ

.


1- .القلم (68): 4.
2- .الحشر (59): 7.
3- .النساء (4): 80 .
4- .في المصدر: «اُمورها إليهم» بدل «الاُمور عليهم».
5- .الكافي، ج 1، ص 441، باب مولد النبي صلى اللَّه عليه وآله و وفاته، ح 5؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 439، ح 1196.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن بكّار بن بكر».

ص: 342

قَلْبِي يُشَرَّحُ بِالسَّكَاكِينِ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : تَرَكْتُ أَبَا قَتَادَةَ بِالشَّامِ لَا يُخْطِئُ فِي الْوَاوِ وَ شِبْهِهِ ، وَ جِئْتُ إِلى هذَا يُخْطِئُ هذَا الْخَطَأَ كُلَّهُ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ(1) ، فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ ، فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَنِي وَ أَخْبَرَ صَاحِبِي ، فَسَكَنَتْ نَفْسِي ، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذلِكَ مِنْهُ تَقِيَّةٌ .(2)ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ (3) : «يَا ابْنَ أَشْيَمَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَوَّضَ إِلى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام ، فَقَالَ : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكَ بِغَيْرِ حِسابٍ»، وَ فَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» فَمَا فَوَّضَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا».

هديّة:(يشرّح) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل للمبالغة.و«أبو قتادة»: تابعيّ من علماء العامّة اسمه «تميم بن نذير» بضمّ النون.(كلّه) نصب تأكيداً (لهذا).(ما أخبرني). قيل: لمّا كان الجواب موافقاً لما عنده نسبه إليه.وقال بعض المعاصرين: كأنّه كان شريكاً للسائل الأوّل في الاستماع والتوجّه، فنسبه إلى نفسه.(4)وقال برهان الفضلاء: «ما أخبرني» باعتبار السماع من قبل، فقرأ: «صاحبيّ» على التثنية و«بقيّة» بالمفردة مكان (تقيّة) بالمثنّاة من فوق، قال: يعني فعلمت أنّ خلاف ما أخبر به الأوّل بقيّة من علمه عليه السلام؛ لأنّ تكرار الخطأ في مسألة واحدة في مجلس واحد لا يكون من مثله إلّا لوجهٍ وجيه.

.


1- .في «الف»: «آخر عليه» بدل «عليه آخر».
2- .في الكافي المطبوع: + «قال».
3- .في الكافي المطبوع: + «لي».
4- .الوافي، ج 3، ص 618، ذيل ح 1196.

ص: 343

(فقال: «هَذَا عَطَاؤُنَا») الآية في سورة ص.(1) وفسّر (فامنن) بإذن اللَّه (أو امسك) بإذن اللَّه على ما عرفت آنفاً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ثَعْلَبَةَ(2) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام يَقُولَانِ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ». ثُمَّ تَلَيَا(3) هذِهِ الْآيَةَ : «ما(4) آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» .

هديّة:(كيف طاعتهم) أي لمفترض الطاعة، وهذا بيّنة عادلة لما بيّناه آنفاً من معنى التفويض هنا، وهذا مراد من قال: أي كيف طاعتهم بأمر اللَّه تعالى لعبد من بني نوعهم، فيكشف عن إخلاصهم في طاعتهم للَّه سبحانه.

الحديث الرابع روى في الكافي عَن الثلاثة، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ(5) ، عَنْ الفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَدَّبَ نَبِيَّهُ ، فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ ، فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الْأَدَبَ ، قَالَ : «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَ الْأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ ، فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «ما(6) آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً ، مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ ، لَا يَزِلُّ وَ لَا يُخْطِئُ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ ، فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللَّهِ .

.


1- .ص (38): 39.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن ثعلبة».
3- .في الكافي المطبوع: «تلا».
4- .في «الف»: «وما».
5- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة».
6- .في «الف»: «وما».

ص: 344

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ ، فَأَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، وَ إِلَى الْمَغْرِبِ رَكْعَةً ، فَصَارَتْ عَدِيلَ الْفَرِيضَةِ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهُنَّ إِلَّا فِي السَّفَرِ ، وَ أَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي الْمَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَ الْحَضَرِ ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ كُلَّهُ ، فَصَارَتِ الْفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ(1) رَكْعَةً .ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله النَّوَافِلَ أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِينَ رَكْعَةً مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ ، وَ الْفَرِيضَةُ وَ النَّافِلَةُ إِحْدى وَ خَمْسُونَ رَكْعَةً ، مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ جَالِساً تُعَدَّانِ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الْوَتْرِ .وَ فَرَضَ اللَّهُ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَوْمَ شَعْبَانَ وَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ ، فَأَجَازَ اللَّهُ تَعَالى لَهُ ذلِكَ .وَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالى الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا ، وَ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ .وَ عَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَشْيَاءَ وَ كَرَّهَهَا ، لَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ ، إِنَّمَا نَهى عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وَ كَرَاهَةٍ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا ، فَصَارَ الْأَخْذُ بِرُخَصِهِ وَاجِباً عَلَى الْعِبَادِ كَوُجُوبِ مَا يَأْخُذُونَ بِنَهْيِهِ وَ عَزَائِمِهِ ، وَ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ ، وَ لَا فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ فَرْضٍ لَازِمٍ ، فَكَثِيرُ الْمُسْكِرِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ ، لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ ، وَ لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأَحَدٍ تَقْصِيرَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَمَّهُمَا إِلى مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالى ، بَلْ أَلْزَمَهُمْ ذلِكَ إِلْزَاماً وَاجِباً ، لَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي شَيْ ءٍ مِنْ ذلِكَ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ ، وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ شَيْئاً(2) لَمْ يُرَخِّصْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَوَافَقَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَمْرَ اللَّهِ تَعَالى ، وَ نَهْيُهُ نَهْيَ اللَّهِ تَعَالى ، وَ وَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ التَّسْلِيمُ لَهُ كَالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَعَالى» .

.


1- .في «الف» و «د»: «سبعة عشر» بدل «سبع عشرة». والصحيح ما أثبتناه. قال الشيخ البهائي في الصمديّة، ص 313: «وتقول: ثلاثة عشر رجلاً إلى تسعة عشر رجلاً في المذكّر وثلاث عشرة امرأة إلى تسع عشرة امرأة في المؤنّث».
2- .في الكافي المطبوع: + «ما». وفي حاشية «الف»: «يرخّص ما لم يرخّصه» بدل «يرخّص شيئاً لم يرخّصه».

ص: 345

هديّة:(قيس الماصر) من المتكلِّمين، تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين عليهما السلام وصَحِبَ الباقر والصادق عليهما السلام.«سُسْتُ الرعيّةَ سياسة»: ملكتُ أمرهم. قال الفرّاء: فلان مجرّب قد ساس وسيس، أي أمر واُمر عليه.(1)والآية الاُولى في سورة نون (2)، والثانية في سورة الحشر(3)، ولتكرار البيان بقرب العهد فوائد.(فتأدّب) يحتمل المصدر، وقرأ برهان الفضلاء على صيغة الأمر، وقال: يعني فلا تكن من المتجاوزين عن الحدّ بالعمل بالظنّ والرأي.(فصارت) أي الضميمة (عديل الفريضة) في عدم جواز الترك؛ فقوله: (لا يجوز) استئنافٌ بيانيٌّ.(فأجاز اللَّه له ذلك) يعني ما أضاف إلى الركعتين بأمره الموافق لأمر اللَّه وإذنه، بدلالة آخر الحديث الدالّ على أنّ إطاعته صلى اللَّه عليه وآله فيما أمر ونهى إطاعة اللَّه تعالى. وكذا الكلام في الفقرات الآتية.(مكان الوتر) بمعنى أنّه لو منع مانع من الوتر تكون هذه الركعة الوتيرة وهي زائدة على الخمسين مكانه بحسب ثواب الآخرة والمنافع المترتّبة على الوتر في الدنيا في كلّ شهر من الأشهر الباقية وهي عشرة.عاف الطعام أو الشراب يعافه - كيخافه - عيفاً بالفتح، وعيافاً بالكسر: كرهه فلم يشربه، فهو عائف. ولم يذكروا «أعافه» ولا «الإعافة» ولا «المعيف» ولكن على المضبوط في كتب الحديث يظهر أنّ «عافه» و«أعافه» بمعنىً. وفرّق برهان

.


1- .الصحاح، ج 3، ص 938 (سوس).
2- .القلم (68): 4.
3- .الحشر (59): 7.

ص: 346

الفضلاء بينهما، وكفى بقوله سنداً. قال في شرحه بالفارسي: «العيف» بالفتح: مصدر باب علم وضرب: ناخوش آمدن كسى را چيزى، و«الإعافة»: ناخوش شمردن چيزى را نزد كسى.ثمّ قرأ: «وكرّهها» بالتشديد، يعني إلى الاُمّة؛ إذ «التكريه» لا يستعمل إلّا متعدّياً ب «إلى»، قال اللَّه تعالى في سورة الحجرات: «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(1).(فصار الأخذ برخصه واجباً) على صيغة الجمع. واحتمال «برخصة» على التنكير - كما قيل - ليس بشي ء. والمعنى: فوجب عدم عدّ المكروه حراماً؛ لأنّه ليس نهياً محضاً، بل مركّب من نهي ورخصة.(وعزائمه) أي لوازمه وواجباته من الأشربة.قال برهان الفضلاء: حال من «الكثير» بمعنى كثرة عدد أنواع المسكر من الأشربة، نظراً إلى عدد أنواعه من الجامد، فصريح في حرمة قليله وكثيره.وقال بعض المعاصرين:وفحوى «فكثير المسكر من الأشربة» يدلّ على عدم حرمة القليل منها، وتخصيص تحريم القليل بالخمر خاصّة. وفيه إشكال لما يأتي في كتاب المعايش ممّا ينافيه.(2)أقول: كفى بالإجماع حجّة، والمجمع عليه - لنصوص تأتي في كتاب المعايش وغيره - تحريم القليل أيضاً من كلّ مسكر مايع، فمن قال يحتمل إسقاط «وقليله» أو «ويسير المسكر» مكان «وكثير المسكر»، فأقرّ بالعجز عن تطبيقه ما عليه الإجماع.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ زُرَارَةَ(3) : أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام يَقُولَانِ : «إِنَّ اللَّهَ

.


1- .الحجرات (49): 7.
2- .الوافي، ج 3، ص 617، ذيل ح 1195.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة».

ص: 347

- تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَمْرَ خَلْقِهِ ؛ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ»، ثُمَّ تَلَيَا(1) هذِهِ الْآيَةَ : «وما(2) آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» .

هديّة:بيانه كالحديث الثالث، والفرق بينهما إنّما هو في الرّواة عن زرارة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ(3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَدَّبَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا انْتَهى بِهِ إِلى مَا أَرَادَ ، قَالَ لَهُ : «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ، فَفَوَّضَ إِلَيْهِ دِينَهُ ، فَقَالَ : «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَرَضَ الْفَرَائِضَ ، وَ لَمْ يَقْسِمْ لِلْجَدِّ شَيْئاً ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَطْعَمَهُ السُّدُسَ ، فَأَجَازَ اللَّهُ تَعَالى لَهُ ذلِكَ ؛ وَ ذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكَ بِغَيْرِ حِسابٍ»» .

هديّة:بيانه بيِّن فيما سبق.(للجدّ شيئاً) مع الاخوة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (4) ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دِيَةَ الْعَيْنِ وَ دِيَةَ النَّفْسِ ، وَ حَرَّمَ النَّبِيذَ وَ كُلَّ مُسْكِرٍ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ جَاءَ فِيهِ شَيْ ءٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، لِيُعْلَمَ مَنْ يُطِيعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَعْصِيهِ» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «تلا».
2- .في الكافي المطبوع: «ما» بدون الواو.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 348

هديّة:(وضع): قرّر وأثبت.(من غير أن يكون جاء فيه شي ء) أي وحي، وقد مرّ أنّ إلهام الحجّة من دون الوحي بتوسّط الملك لا يكون إلّا بإذن اللَّه، فلا إشكال فيما عرفت من معنى التفويض.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ(1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : وَجَدْتُ فِي نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ (2) ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَا وَ اللَّهِ ، مَا فَوَّضَ اللَّهُ إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا إِلَى الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله وَ إِلَى الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ» ، وَ هِيَ جَارِيَةٌ فِي الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام».

هديّة:في بعض النسخ: «إلى رسول اللَّه» مكان (إلى الرّسول).والظاهر من الاستشهاد بأمر اللَّه تعالى نبيّه صلى اللَّه عليه وآله بالحكم بين الناس في آية سورة النساء(3) ثمّ القول بأنّها جارية في الأوصياء، أنّ تفويض اللَّه تعالى إلى الأئمّة عليهم السلام إنّما هو في الحكم بما أراهم اللَّه - عزّ وجلّ - فيما ثبت حكمه من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله عندهم بالكتاب والسنّة. والفرق أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله يضع بإذن اللَّه تعالى بالإلهام من دون وحي، وهم يحكمون فيما وضع من قبل بما أراهم اللَّه عزّ وجلّ، فإنّ حلال محمّدٍ حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة، وقوله عليه السلام في الحديث التالي: «فما فوّض اللَّه إلى رسوله صلى اللَّه عليه وآله فقد فوّضه إلينا» مؤيّد، وهذا مراد من قال: يعني لا واللَّه، ما افترض اللَّه طاعة أحدٍ من خلقه في أمر الدِّين في هذه الاُمّة إلّا طاعة الرسول وأوصيائه المعصومين صلوات اللَّه عليهم.

.


1- .في الكافي المطبوع: + «بن يحيى».
2- .في «الف»: - «عن عبد اللَّه بن سنان».
3- .النساء (4): 105.

ص: 349

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَدَّبَ رَسُولَهُ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى قَوَّمَهُ عَلى مَا أَرَادَ ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ تَعَالى : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» فَمَا فَوَّضَ اللَّهُ تَعَالى إِلى رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا».

هديّة:بيانه كنظايره.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ الشَّحَّامِ (2) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكَ بِغَيْرِ حِسابٍ» قَالَ : «أَعْطى سُلَيْمَانَ مُلْكاً عَظِيماً ، ثُمَّ جَرَتْ هذِهِ الْآيَةُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَا شَاءَ مَنْ شَاءَ ، وَ يَمْنَعَ مَنْ شَاءَ ، وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَفْضَلَ مَا(3)أَعْطى سُلَيْمَانَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»».

هديّة:في بعض النسخ: بتقديم (من شاء) على (ما شاء)، و«ممّا أعطى» مكان (ما أعطى).وقد سبق أنّ «الملك العظيم» هو الطاعة المفترضة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن زياد، عن محمّد بن الحسن الميثمي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن الحسين بن عبد الرّحمن، عن صندل الخيّاط، عن زيد الشحّام».
3- .في الكافي المطبوع: «ممّا».

ص: 350

الباب الثالث والخمسون: باب في أنّ الأئمّة بمن يشبّهون ممّن مضى و...

الباب الثالث والخمسون : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام بِمَنْ يُشَبَّهُونَ مِمَّنْ مَضى وَ كَرَاهِيَةِ الْقَوْلِ فِيهِمْ بِالنُّبُوَّةِوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا مَوْضِعُ الْعُلَمَاءِ ؟ قَالَ : «مِثْلُ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَ صَاحِبِ سُلَيْمَانَ ، وَصَاحِبِ مُوسى عليهم السلام» .

هديّة:(بمن يشبّهون) في العنوان على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، والباء في «بمن» تمنع أن يكون على المعلوم من الإفعال؛ صرّح به برهان الفضلاء أيضاً.قال في القاموس: أشبهه: ماثله، وشبّهه إيّاه، وبه تشبيهاً: مثَّله.(2)والمراد ب (العلماء): الأئمّة عليهم السلام، وب (صاحب سليمان): آصف بن برخيا، وب (صاحب موسى): يوشع بن نون، لم يكن صاحب السدّ اسكندر ذو القرنين نبيّاً - كما سيذكر - بل كان وصيّاً لنبيّ من الأنبياء عليهم السلام وعالماً بما علّم به نبيّه، وكذا «صاحب سليمان» آصف بن برخيا و«صاحب موسى» يوشع بن نون.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن حمران بن أعين».
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 286 (شبه).

ص: 351

قيل: ويمكن أن يكون المراد ب «صاحب موسى» الخضر عليه السلام، فقيل: نعم، إذا احتُمِل - كما قيل - كون الخضر عليه السلام وصيّاً لا نبيّاً، والظاهر من النصوص أنّه خلاف المشهور من الإجماع على كونه نبيّاً.وقيل: يعني مثل ذي القرنين في تسلّط قائمهم عليهم السلام على مشارق الأرض ومغاربها، أو كون أوّلهم مثله في الضرب على القرنين، ومثل صاحب سليمان في كون كلّ واحدٍ منهم وزيراً للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله وصاحب الملك العظيم المفسّر بافتراض الطاعة واحداً بعد واحدٍ، ومثل صاحب موسى في كونهم عليهم السلام أوصياء النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، أو مثلهم في كونهم عالمين عاقلين عن اللَّه سبحانه من دون النبوّة كما في الخبر التالي. وروى عليّ بن إبراهيم في تفسير سورة الكهف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن ذي القرنين أنبيّاً كان، أم ملَكاً؟ فقال: «لا نبيّاً ولا مَلَكاً، عبدٌ أحبَّ اللَّه فأحبّه اللَّه، ونصح للَّه فنصح له، فبعثه إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء اللَّه أن يغيب، ثمّ بعثه اللَّه الثانية، فضربوه على قرنه الأيسر، فغاب عنهم ما شاء اللَّه،(1) فمكّن اللَّه له في الأرض، وفيكم مثله» يعني نفسه؛ الحديث.(2)قال صاحب القاموس وهو من العامّة:وذو القرنين: اسكندر الرومي؛ لأنّه لمّا دعاهم إلى اللَّه تعالى، ضربوه على قَرنه فمات، فأحياه اللَّه، ثمّ دعاهم، فضربوه على قرنه الآخر فمات، ثمّ أحياه اللَّه. أو لأنّه بلغ قُطْرَي الأرض، أو لضَفيرَتَين له، والمُنذِرُ بن ماء السماء لضَفيرتين كانتا في قرنَيْ رأسه، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام لقوله صلى اللَّه عليه وآله: «إنَّ لك في الجنّة بيتاً - ويروى: كنزاً - وأنّك لذو قَرنَيْها، أي ذو طَرَفَي الجنّة ومَلِكها الأعظم، تَسلُك مُلْك جميع الجنّة، كما سلك ذو القرنين جميع الأرض»، أو ذو قرني الاُمّة، فاُضمرت وإن لم يتقدّم ذكرها، أو ذو جَبَلَيْها للحسن والحسين عليهما السلام، أو ذو شجّتين في قرني رأسه: إحداهما من عمرو بن عبدودّ، والثانية من

.


1- .في المصدر: + «ثمّ بعثه ثالثة».
2- .تفسير القمّي، ج 2، ص 40، مع اختلاف يسير.

ص: 352

ابن ملجم لعنه اللَّه، وهذا أصحّ، انتهى.(1)أقول: نعم، إلّا أنّ الأصحّ في ذي القرنين أنّ صاحب السدّ هو غير «ابن فيلقوس الرومي» المعاصر لداراب من ملوك العجم، والاشتراك إنّما هو في الاسم واللقب.و«الودّ» بالضمّ والتشديد، ويفتح: اسم صنم من أصنام قريش.

الحديث الثاني روى في الكافي عن الثلاثة(2)، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّمَا الْوُقُوفُ عَلَيْنَا فِي الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ ، فَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَا» .

هديّة:قيل: يعني الوقوف على طاعتنا من غير تجاوز إلى طاعة غيرنا.وقيل: في الحلال والحرام، يعني في إثبات علمنا وراثةً من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.أقول: - بدلالة ما سبق آنفاً - يعني الوقوف على مبلغ علمنا وعقلنا عن اللَّه سبحانه بافتراضه طاعتنا في الإخبار بكلّ ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من حلاله الحلال إلى يوم القيامة وحرامه الحرام إلى يوم القيامة، فأمّا التفويض إلينا بوضع الحلال والحرام كما إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله فلا؛ بل فوّض إلينا العطاء والإمساك في ذلك الإخبار.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ(3) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى خَتَمَ بِنَبِيِّكُمُ النَّبِيِّينَ ؛ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ أَبَداً ، وَ خَتَمَ بِكِتَابِكُمُ الْكُتُبَ ؛ فَلَا كِتَابَ بَعْدَهُ أَبَداً ، وَ أَنْزَلَ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ خَلْقَكُمْ ، وَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ، وَ نَبَأَ

.


1- .القاموس المحيط، ج 4، ص 258 (قرن).
2- .أي «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى الأشعري، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن أيّوب بن الحرّ».

ص: 353

مَا قَبْلَكُمْ ، وَ فَضْلَ (1) مَا بَيْنَكُمْ ، وَ خَبَرَ مَا بَعْدَكُمْ ، وَ أَمْرَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ ، وَ مَا أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ» .

هديّة:(وخلْقكم) بسكون اللام، نصب عطفاً على «التبيان»، أو مجرور عطفاً على (كلّ شي ء) وكذا في الفقرات التالية.وفيه ردّ على القول بأكثر اُصول الفلسفة كإيجاب الصانع وقِدَم العالم وحدوث الأكوان بمقتضى الطبائع القديمة، وغير ذلك من الخيالات المخالفة لما أخبر به الحجّة العاقل عن اللَّه الأعلم بديهة بما صنع.والقول بعدم المنافاة بين القِدَم والاختيار - للقول بالإيجاب الخاصّ بعد القول بامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة - مجرّدُ قولٍ لا حقيقة له كما صرّح به برهان الفضلاء أيضاً.(وفضل ما بينكم) بالمعجمة، يعني علم الإمام عليه السلام، فإشارة إلى وجوب وجود قيّم معصوم عاقل عن اللَّه تعالى للقرآن؛ لما مرّ مراراً مفصّلاً.وقرأ برهان الفضلاء بالمهملة فقال: يعني ومحاكمة ما بين نوع الإنسان من القضايا عقلاً عن اللَّه تعالى؛ لثبوت الاختلاف بدونه، والاختلاف في أحكام دين اللَّه ممتنع.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ(2) ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ مُحَدَّثاً» ، فَقُلْتُ : فَتَقُولُ : نَبِيٌّ ؟ قَالَ : فَحَرَّكَ بِيَدِهِ هكَذَا ، ثُمَّ قَالَ : «أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ ، أَوْ كَصَاحِبِ مُوسى ، أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ ، أَ وَ مَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ؟!» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «فصل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 354

هديّة:(فحرّك بيده هكذا) يعني فبالغ في الإنكار بتحريك اليد على ما هو المتعارف في مقام الإنكار.(أو كصاحب سليمان) يعني بل كصاحب سليمان، قال صاحب الصحاح أيضاً:وقد يكون «أو» بمعنى «بل» في توسّع الكلام، قال الشاعر:بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح يريد: بل أنت، وقوله تعالى: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»(1)؛ بمعنى: بل يزيدون، ويقال: [معناه:(2) إلى مائة ألف عند اللَّه تعالى (3) أو يزيدون عند الناس؛ لأنّ اللَّه تعالى لا يشكّ، انتهى.(4)وقال برهان الفضلاء:«أو كصاحب» عطف على مقدّر؛ بمعنى أنّه أقول إنّه نبيّ أو كصاحب سليمان، فإشارة إلى أنّ التحديث لا يستلزم النبوّة، بل مستلزم للقدر المشترك بين النبوّة والولاية وإن كان انتفاء النبوّة في الأئمّة من المعلومات.ثمّ قال:وإنّما لم يعطف «كصاحب موسى» وكذا «كذي القرنين» بالواو - كما في الحديث الأوّل - ليكون إشارة إلى توارد الحالات الثلاث على أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّه عليه السلام كان في عهد الرسول صلى اللَّه عليه وآله وزيره كآصف، وفي زمن الأوّل والثاني والثالث معتزلاً خمولاً كيوشع صاحب موسى، ثمّ كذي القرنين.(أوما بلغكم) بهمزة الاستفهام، والواو العاطفة على مقدّر مثل «خفى» و«غفلتم».

.


1- .الصافّات (37): 147.
2- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
3- .في المصدر: «عند الناس» بدل «عند اللَّه تعالى».
4- .الصحاح، ج 6، ص 2275 (أو).

ص: 355

الحديث الخامس روى في الكافي عن الثلاثة، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ العجلي (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام ، قَالَ : قُلْتُ (2) : مَا مَنْزِلَتُكُمْ ؟ وَ مَنْ تُشْبِهُونَ مِمَّنْ مَضى ؟ قَالَ : «صَاحِبُ مُوسى وَ ذُو الْقَرْنَيْنِ كَانَا عَالِمَيْنِ ، وَلَمْ يَكُونَا نَبِيَّيْنِ» .

هديّة:(تشبهون) على المعلوم من الإفعال، أشبهه: صار شبيهاً به.(صاحب): مبتدأ و(كانا) خبره.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَدِيرٍ(3) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ قَوْماً يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ ، يَتْلُونَ عَلَيْنَا بِذلِكَ قُرْآناً «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ» ؟فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ شَعْرِي مِنْ هؤُلَاءِ بَرِي ءٌ(4) ، وَ بَرِئَ اللَّهُ (5) مِنْهُمْ ، مَا هؤُلَاءِ عَلى دِينِي ، وَ لَا عَلى دِينِ آبَائِي ؛ وَ اللَّهِ ، لَا يَجْمَعُنِي اللَّهُ وَ إِيَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ».قَالَ : قُلْتُ : وَ عِنْدَنَا قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ رُسُلٌ ، يَقْرَؤُونَ عَلَيْنَا بِذلِكَ قُرْآناً: «يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّى بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» ؟فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي مِنْ هؤُلَاءِ بَرِي ءٌ6 ، وَ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ رَسُولُهُ ، مَا هؤُلَاءِ عَلى دِينِي ، وَ لَا عَلى دِينِ آبَائِي ؛ وَ اللَّهِ ، لَا يَجْمَعُنِي اللَّهُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن بريد بن معاوية».
2- .في الكافي المطبوع: + «له».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقيّ، عن أبي طالب، عن سدير».
4- .في الكافي المطبوع: «براء».
5- .في الكافي المطبوع: + «ورسوله».

ص: 356

وَ إِيَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ».قَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَنْتُمْ ؟قَالَ : «نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ ، نَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ (1) اللَّهِ ، نَحْنُ قَوْمٌ مَعْصُومُونَ ، أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِنَا ، وَ نَهى عَنْ مَعْصِيَتِنَا ، نَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلى مَنْ دُونَ السَّمَاءِ وَ فَوْقَ الْأَرْضِ» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة الزخرف،(2) والثانية في سورة المؤمنون.(3)يا أخي هل رأيت أو سمعت قائلاً بإلهيّتهم عليهم السلام سوى الغلاة والصوفيّة القدريّة، فويلٌ، ثمّ ويلٌ لمن تبرّأ منه الإمام بذلك المبالغة والاهتمام، وقد عرفت مراراً أنّ أفضح ضروب الكفر وأفحش صنوف الضلالة والزندقة هو القول باتّحاد الخالق ومعيّته مع مخلوقه في الذات وتغايرهما بالاعتبار، ثمّ الاستشهاد والاستناد بمثل قوله تعالى: «إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ مُحِيطٌ»(4)، وقوله عزّ وجلّ: «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ»(5)، ثمّ التمثيل بالبحر وأمواجه، والمشكوة وشبكاته وغير ذلك من مزخرفاتهم، ولا يخفى لطف ذكره عليه السلام طائفة من علامات المخلوقيّة من الجوارح والأجسام في هذا المقام.(نحن خزّان علم اللَّه) يعني بأمر اللَّه بما شاء اللَّه من علمه الذي لا يتناهى.(نحنُ تراجمة وحي اللَّه) دلالة على الفرق بين الوحي والإلهام، ومن شواهد الفرق على ما بيّناه آنفاً بين تفويض النبيّ وتفويض الإمام.(على من دون السماء وفوق الأرض) دلالة على افتراض طاعتهم عليهم السلام على الجنّ والإنس.

.


1- .في الكافي المطبوع: «أمر».
2- .الزخرف (43): 84.
3- .المؤمنون (23): 51.
4- .فصّلت (41): 54.
5- .الحديد (57): 4.

ص: 357

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ البصري، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «الْأَئِمَّةُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ ، وَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَأَمَّا مَا خَلَا ذلِكَ ، فَهُمْ (2)بِمَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:مثله تفصيل لحديث المنزلة، ومثله من حديث الاشتراك في العلم وسائر الصفات الكماليّة اللازمة للإمامة بمعنى الأعمّ، وإشارة إلى أنّ جميع ما عدّ من خواصّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إنّما هو بالنظر إلى غير أوصيائه سوى تينك الخصلتين.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد اللَّه بن بحر، عن ابن مسكان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه، عن محمّد بن مسلم».
2- .في الكافي المطبوع: + «فيه».

ص: 358

الباب الرابع والخمسون: باب أنّ الأئمّة محدّثون مفهّمون

الباب الرابع والخمسون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام مُحَدَّثُونَ مُفَهَّمُونَ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عمّن ذكره، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ(1) ، قَالَ : أَرْسَلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى زُرَارَةَ : أَنْ يُعْلِمَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ : «أَنَّ أَوْصِيَاءَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مُحَدَّثُونَ» .

هديّة:(محدّثون مفهّمون) في العنوان «التحديث» تفعيل، بمعنى ذكر الحديث للغير، أو تذكير الحديث له، كما قال برهان الفضلاء، والمراد هنا تحديث المَلَك للإمام. و«التفهيم» هنا أعمّ من التحديث؛ لمكان الإلهام وروح القدس.«أن» في (أن يعلم) مفسّرة، و«يعلم» على الغائب المعلوم من الإفعال أو من التفعيل. وقرأ برهان الفضلاء على الغائب المعلوم من ماضي التفعّل بقرينة المفهوم من الحديث التالي أنّ «الحَكَم» وهو من علماء الزيديّة، تعلّم ذلك من عليّ بن الحسين عليهما السلام، فإن مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن و«الحَكَم» فاعل، ثمّ احتمل الغائب المعلوم من مضارع المجرّد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن القاسم بن محمّد، عن عبيد بن زرارة» من دون «عمّن ذكره».

ص: 359

وتحديث الملك كما هو المستفاد من بعض الأخبار ليس من خاصّة المعصوم؛ لمكان سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه وسفراء صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه.إنّما قلنا لمكان الإلهام وروح القدس؛ لمكان تعدّد جهة علم الإمام، منها: الإلهام، وهو جهة من جهات علومهم عليهم السلام كما سبق، وقد روى سعد بن عبداللَّه في كتاب مختصر البصائر بإسناده، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: «إنّ الأوصياء محدّثون، يحدّثهم روح القدس ولا يرونه». الحديث.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادِ بْنِ سُوقَةَ(2) ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَوْماً ، فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، هَلْ تَدْرِي الْآيَةَ الَّتِي كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَعْرِفُ قَاتِلَهُ بِهَا ، وَ يَعْرِفُ بِهَا الْأُمُورَ الْعِظَامَ الَّتِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهَا النَّاسَ ؟» .قَالَ الْحَكَمُ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : قَدْ وَقَعْتُ عَلى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، أَعْلَمُ بِذلِكَ تِلْكَ الْأُمُورَ الْعِظَامَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ ، لَا أَعْلَمُ ، قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ : الْآيَةُ تُخْبِرُنِي بِهَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ؟قَالَ : «هُوَ وَ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لَا نَبِىٍّ (وَ لَا مُحَدَّثٍ)» وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مُحَدَّثاً».فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ - يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ ، كَانَ أَخَا عَلِيٍّ لِأُمِّهِ - : سُبْحَانَ اللَّهِ! مُحَدَّثاً ؟ كَأَنَّهُ يُنْكِرُ ذلِكَ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُمِّكَ بَعْدُ قَدْ كَانَ يَعْرِفُ ذلِكَ».قَالَ : فَلَمَّا قَالَ ذلِكَ سَكَتَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : «هِيَ الَّتِي هَلَكَ فِيهَا أَبُوالْخَطَّابِ ، فَلَمْ يَدْرِ مَا تَأْوِيلُ الْمُحَدَّثِ وَ النَّبِيِّ» .

.


1- .مختصر البصائر، ص 63، ح 3.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة».

ص: 360

هديّة:في توجيه هذا الحديث لتناسب فقراته أقوالٌ.(قد وقعت) على المتكلّم، من الوقوع. وقرأ برهان الفضلاء: «قد وقفت» من الوقوف، بمعنى الاطّلاع على علم، أي علم عظيم تخبرني، بتقدير الاستفهام. ويحتمل أن يكون بمعنى الأمر، والخبريّة بمعنى الإنشائيّة كثيرة.و(هو واللَّه قول اللَّه تعالى) أي مطلوب السائل، أو التذكير باعتبار الخبر، والآية في سورة الحجّ.(1) وقد سبق أنّ قوله: «ولا محدّث» إمّا في قراءة أهل البيت عليهم السلام، أو ذكر الآية بشرحها، كما شرح جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.قال برهان الفضلاء:«زياد بن سوقة» بضمّ السين المهملة، من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، و«أبو الخطّاب محمّد بن مقلاص» أدرك الصادق عليه السلام ولم يدرك الباقر عليه السلام، فالقائل لقوله: «فقال له رجل» زياد بن سوقة، أي فقال للحَكَم رجل في مجلس الباقر عليه السلام، بناءً على حكاية الحَكَم هذا الحديث في مجلسه عليه السلام بدلالة نظير هذا الخبر، وسيذكر إن شاء اللَّه تعالى، والمراد ب «عليّ» عليّ بن الحسين عليهما السلام، وضمير «لاُمّه» للرجل، وهو أخ رضاعي له عليه السلام، والمشار إليه ل «ذلك» في الموضعين: صدور حديث الحَكَم عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال: و«بعد» مبنيّ على الضمّ، بحذف المضاف إليه، والتقدير: بعد صدور الحديث الذي نقله الحكم.ثمّ قرأ: «يعرف» على المضارع الغائب المعلوم من التفعيل، قال: وقائل «فقال هي التي» زياد بن سوقة حكايةَ زمان الصادق عليه السلام، والفاعل المستتر في «فقال» للرجل أو للحكم.قال السيّد الباقر الشهير بداماد:«أخا عليّ» يعني عليّ بن الحسين عليهما السلام، وكانت له اُمّ رضاعيّ هي جارية الحسين عليه السلام،

.


1- .الحجّ (22): 52.

ص: 361

وله ابن يُقال له: «عبداللَّه بن زيد». و«أبو الخطّاب» هو محمّد بن مقلاص الأسدي الكوفي، كان غالياً.(1)وذكر الشهرستاني في الملل والنحل: أنّ أبا الخطّاب قال أوّلاً بنبوّة الأئمّة عليهم السلام، ثمّ بإلهيّتهم صلوات اللَّه عليهم.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ(3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «الْأَئِمَّةُ عُلَمَاءُ صَادِقُونَ، مُفَهَّمُونَ ، مُحَدَّثُونَ» .

هديّة:يحتمل (أبا الحسن) الأوّل والثاني عليهما السلام.(علماء) يعني بما شاء اللَّه ممّا يحتاج إليه الناس وغيره عاقلين عن اللَّه تعالى.وفسّر قوله تعالى في سورة التوبة: «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(4)بالمعصومين.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (5) ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : ذُكِرَ الْمُحَدَّثُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «إِنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ ، وَ لَا يَرَى الشَّخْصَ» . فَقُلْتُ لَهُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ (6)، كَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَلَامُ الْمَلَكِ ؟ قَالَ : «إِنَّهُ يُعْطَى السَّكِينَةَ وَ الْوَقَارَ حَتّى يَعْلَمَ أَنَّهُ كَلَامُ مَلَكٍ» .

.


1- .لم نعثر عليه في مظانّه.
2- .الملل والنحل، ج 1، ص 180.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد».
4- .التوبة (9): 119.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس».
6- .في الكافي المطبوع: «جعلت فداك» بدل «أصلحك اللَّه».

ص: 362

هديّة:في بعض النسخ: «جعلت فداك» مكان (أصلحك اللَّه).(يعطى السكينة والوقار) يعني السكينة التي تكون مع يقين المعصوم، فلا سبيل هنا لصوت الشيطان ووسوسته. ولعلّ هذا مراد من قال: كنّى بالسكينة والوقار عن سكون النفس وطمأنينة القلب اللذين يدلّان على أنّ المنكشف هو الحقّ والصواب.(حتّى يعلم) يحتمل الرفع والنصب؛ لما مرّ من أنّ «حتّى» قد يكون حرف ابتداء يستأنف بها الكلام بعدها، فإن أدخلتها على المستقبل نصبته بإضمار «أن»، وإن أردت حال الفعل رفعت، تقول: سرتُ إلى مكّة حتّى أدخلها، فالمعنى في صورة الرفع: وهذا زمان دخولي.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1) ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ مُحَدَّثاً». فَخَرَجْتُ إِلى أَصْحَابِي ، فَقُلْتُ : جِئْتُكُمْ بِعَجِيبَةٍ ، فَقَالُوا : وَ مَا هِيَ ؟ فَقُلْتُ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام مُحَدَّثاً» . فَقَالُوا : مَا صَنَعْتَ شَيْئاً ، أَلَّا سَأَلْتَهُ : مَنْ كَانَ يُحَدِّثُهُ؟فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي حَدَّثْتُ أَصْحَابِي بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالُوا : مَا صَنَعْتَ شَيْئاً ، أَلَّا سَأَلْتَهُ : مَنْ كَانَ يُحَدِّثُهُ ؟ فَقَالَ لِي : «يُحَدِّثُهُ مَلَكٌ». قُلْتُ : تَقُولُ : إِنَّهُ نَبِيٌّ ؟ قَالَ : فَحَرَّكَ يَدَهُ هكَذَا : «أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ ، أَوْ كَصَاحِبِ مُوسى ، أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ ؛ أَوَ مَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ قَالَ : وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ؟!» .

هديّة:بيانه كالحديث الرابع من الباب السابق على هذا الباب.(ما صنعت) على النّفي، و(ألّا) للتخضيض، و(مَن) استفهاميّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران بن أعين».

ص: 363

الباب الخامس والخمسون: باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمّة

الباب الخامس والخمسون : بَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَرْوَاحِ الَّتِي فِي الْأَئِمَّةِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ الْيَمَانِيِ (1) ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى خَلَقَ الْخَلْقَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ * وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ * وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ »(2) .فَالسَّابِقُونَ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خَاصَّةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ ، جَعَلَ فِيهِمْ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ : أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُدُسِ ، فَبِهِ عَرَفُوا الْأَشْيَاءَ ؛ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْإِيمَانِ ، فَبِهِ خَافُوا اللَّهَ تَعَالى ؛ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُوَّةِ ، فَبِهِ قَدَرُوا عَلى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالى ؛ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ ، فَبِهِ اشْتَهَوْا طَاعَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ كَرِهُوا مَعْصِيَتَهُ ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِهِ يَذْهَبُ النَّاسُ وَ يَجِيئُونَ .وَ جَعَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ - أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ - رُوحَ الْإِيمَانِ ، فَبِهِ خَافُوا اللَّهَ تَعَالى ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني».
2- .الواقعة (56): 7 - 11.

ص: 364

رُوحَ الْقُوَّةِ ، فَبِهِ قَدَرُوا عَلى طَاعَةِ اللَّهِ ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الشَّهْوَةِ ، فَبِهِ اشْتَهَوْا طَاعَةَ اللَّهِ ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِهِ يَذْهَبُ النَّاسُ وَ يَجِيئُونَ».

هديّة:(وخاصّة اللَّه من خلقه) يعني الأوصياء المعصومين المصطفين للرُّسُل والأنبياء بدلالة التالي، وأمّا بناءً على أنّ روح القدس نوع خاصّ من الأرواح، تحته أفراد متفاوتة في الفضل وأفضلها خاصّ بنبيّنا وأوصيائه عليهم السلام بدلالة الحديث الرابع من الباب التالي، فالمراد أعمّ منهم؛ ليشمل الممتاز بالتحديث والتفهيم من دون العصمة الخاصّة بالنبيّ والوصيّ كسلمان الفارسي وذي القرنين وهو لا نبيّ ولا وصيّ - وقد مرّ ذكره - وسفراء زمن الغيبة القصرى للصاحب عليه السلام.و«القدس» كعُمُر وعُمْر، و«الروح» يذكّر ويُؤنّث. و«روح القدس» الذي لا يكون إلّا مع المعصوم، أثره الطهارة من الرجس في جميع عمره.والألف واللام في (الأشياء) للاستغراق العرفي، أي ما يحتاج إليه، أو للعهد الخارجي، أي التي علّمها خاصّ بالمعصوم.و(المدرج) كالمصدر، إمّا مصدر ميميّ بمعنى الحركة الإراديّة، أو اسم مكان بمعنى طريق الحركة، من درج دروجاً: إذا مشى.في التفسير: أنّ «مَآ أَصْحَبُ الْمَيْمَنَةِ » في سورة الواقعة إشارة إلى تفاوت مراتب المؤمنين في الجنّة، و«مَآ أَصْحَبُ الْمَشْئمَةِ» إلى تفاوت دركات غيرهم في النار.في بعض النسخ في الموضعين: «فبه قووا على طاعة اللَّه» مكان (فبه قدروا على طاعة اللَّه). والواو قبل واو الجمع عند بعضهم يضمّ ويفتح، قال: فإن قوي عليه، يجي ء من البابين كبقي، والأفصح فيهما كرضى كما في القرآن: «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(1).ذكر بعض المعاصرين بناءً على طريقته أنّه إنّما خلقهم ثلاثة أصناف لأنّ اُصول

.


1- .الرحمن (55): 27.

ص: 365

العوالم ثلاثة؛ عالم الجبروت وهو عالم العقل المجرّد عن المادّة والصورة، وعالم الملكوت وهو عالم المثال والخيال المجرّد عن المادّة دون الصورة، وعالم الملك وهو عالم الشهادة المحسوس المادّي. فأصحاب الأوّل السابقون وفيهم روح القدس، وأصحاب الثاني أصحاب الميمنة وفيهم روح الإيمان، وأصحاب الثالث أصحاب المشئمة وفيهم روح المدرج، انتهى.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُنْخُلِ (2) ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ الْعَالِمِ ، فَقَالَ لِي : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ : رُوحَ الْقُدُسِ ، وَ رُوحَ الْإِيمَانِ ، وَ رُوحَ الْحَيَاةِ ، وَ رُوحَ الْقُوَّةِ ، وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ ، فَبِرُوحِ الْقُدُسِ يَا جَابِرُ ، عَرَفُوا مَا تَحْتَ الْعَرْشِ إِلى مَا تَحْتَ الثَّرى».ثُمَّ قَالَ : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ هذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَرْوَاحٌ يُصِيبُهَا الْحَدَثَانُ إِلَّا رُوحَ الْقُدُسِ ؛ فَإِنَّهَا لَا تَلْهُو وَ لَا تَلْعَبُ» .

هديّة:«نخلت الدّقيق»: غربلته، و«النُّخالة»: ما يخرج منه، و(المنخل) بضمّ الميم وسكون النون وضمّ الخاء: ما ينخل به، وهو أحد ما جاء من الأدوات على مُفعُل كمُدْهُن ومُكْحُل لآلة الدهن والكحل.ومنخل بن جميل الأسدي بيّاع الجواري من رجال الصادق والكاظم عليهما السلام. قال النجاشي: إنّه ضعيف، فاسد الرواية.(3) وقال الكشّي: هو متّهم بالغلوّ.(4)وقال الغضائري:

.


1- .الوافي، ج 3، ص 627، ح 1214، مع اختلاف يسير.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن موسى بن عمر، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخّل».
3- .رجال النجاشي، ص 421، الرقم 1127.
4- .رجال الكشّي، ص 368، الرقم 686.

ص: 366

أضاف إليه الغلاة أحاديث كثيرة.(1)(روح القدس) يحتمل النصب والرفع.(وروح الحياة) هو روح المدرج، وقد سبق أنّ العرش قد يُطلق على علمه تعالى، والمعنى: عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ممّا يحتاج إليه، عقلاً عن اللَّه سبحانه بما شاء من علمه الذي لا يتناهى.و(الحدثان) بالتحريك: مفرد، كالحدث والحادثة، وبكسر الحاء وسكون الدال: جمع الحادثة.وضبط برهان الفضلاء على الأخير.(إلّا روح القدس) استثناء منقطع.(لا تلهو ولا تلعب) يعني روح القدس الذي خاصّ بالمعصوم، والمعصوم لا يُطلق في عرفهم عليهم السلام إلّا على النبيّ والوصيّ.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ الْإِمَامِ بِمَا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَ هُوَ فِي بَيْتِهِ مُرْخًى عَلَيْهِ سِتْرُهُ ، فَقَالَ : «يَا مُفَضَّلُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى جَعَلَ فِي النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ : رُوحَ الْحَيَاةِ ، فَبِهِ دَبَّ وَ دَرَجَ ؛ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ ، فَبِهِ نَهَضَ وَ جَاهَدَ ؛ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ ، فَبِهِ أَكَلَ وَ شَرِبَ وَ أَتَى النِّسَاءَ مِنَ الْحَلَالِ ؛ وَ رُوحَ الْإِيمَانِ ، فَبِهِ آمَنَ وَ عَدَلَ ؛ وَ رُوحَ الْقُدُسِ ، فَبِهِ حَمَلَ النُّبُوَّةَ ؛ فَإِذَا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله انْتَقَلَ رُوحُ الْقُدُسِ ، فَصَارَ إِلَى الْإِمَامِ ، وَ رُوحُ الْقُدُسِ لَا يَنَامُ وَ لَا يَغْفُلُ وَ لَا يَلْهُو وَ لَا يَزْهُو ، وَ الْأَرْبَعَةُ

.


1- .نسب هذا الكلام إلى الغضائري في رجال ابن داود، ص 520، الرقم 501. وأما في رجال ابن الغضائري يكون هكذا: «منخل بن جميل بيّاع الجواري، يروى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن عليهما السلام، كوفيّ، ضعيف، في مذهبه غلوّ». رجال ابن الغضائري، ج 1، ص 89، الرقم 121.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إدريس، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر».

ص: 367

الْأَرْوَاحِ تَنَامُ وَ تَغْفُلُ وَ تَزْهُو وَ تَلْهُو ، وَ رُوحُ الْقُدُسِ كَانَ يَرى بِهِ» .

هديّة:(مرخى) على اسم المفعول، من الإفعال، خبر بعد الخبر، أو حال عن فاعل متعلَّقِ (في بيته).(بما في أقطار الأرض) يعني ممّا دون العرش إلى ما تحت الثرى، كما مرَّ آنفاً.و«الزهو» بالفتح: التكبّر والباطل والكذب، وعدّ الشي ء خفيفاً: زهاه كغزا، وعليه، وفيه. والمعنى على الأوّل: لا يترك طاعته تعالى تكبّراً، وعلى الثاني والثالث: لا يجي ء بهما، وعلى الرابع: لا يستخفّ بعبادة اللَّه سبحانه، أو بما قدّر وقضى وأمضى، أو بالمؤمنين من عباده.(كان يرى به) على ما لم يسمّ فاعله، أي جميع ما في أقطار الأرض ممّا دون العرش إلى ما تحت الثرى.

.

ص: 368

الباب السادس والخمسون: باب الروح التي يسدّد اللَّه تعالى بها الأئمّة

الباب السادس والخمسون : بَابُ الرُّوحِ الَّتِي يُسَدِّدُ اللَّهُ تَعَالى بِهَا الْأَئِمَّةَ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ الْكِنَانِيِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ» قَالَ : «خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ عليهما السلام ، كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يُخْبِرُهُ وَ يُسَدِّدُهُ ، وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام مِنْ بَعْدِهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:إفراد هذا الباب بعنوانه عن سابقه دليل المغايرة بين «الروح» الذي من أمر الربّ تعالى و«روح القدس» بالعموم والخصوص، وسيذكر أنّ الأوّل منذ نزل ما صعد، وأنّه لم يكن مع أحدٍ ممّن مضى من المعصومين غير نبيّنا وأئمّتنا عليهم السلام، فالتي هي أعظم من الملائكة لها أفراد، يدلّ عليه ما مرّ في الحديث من نزول الروح والملائكة بالأمر في ليالي القدر على آدم وسائر الأنبياء عليهم السلام، ومن فضل نبيّنا وأوصيائه صلى اللَّه عليه وآله على سائر الأنبياء والأوصياء وفاقاً من الاُمّة، وما سيذكر من اختصاص هذه الروح بأفضل حجج اللَّه سبحانه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن أبي الصبّاح الكنانيّ».

ص: 369

والآية في سورة الشورى.(1) وفسّر «الكتاب» فيها - كما ذكر برهان الفضلاء أيضاً - بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله؛ لقوله: «أنا مدينة العلم»،(2) و«الإيمان» بأمير المؤمنين عليه السلام؛ لقوله تعالى في سورة الحجرات: «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(3)، وأيضاً في التفسير عنهم عليهم السلام: «ما الكتاب» يعني القرآن وهو صامت و«لا الإيمان» يعني الأئمّة عليهم السلام، و«الإمام» هو القرآن الناطق.ومن نتائج أفكار الفاضل الدواني:خورشيدِ جهان نبى بُوَد، ماه ولىّ اسلام محمّد است وايمانست علي گر بيّنه اى بر اين سخن مى طلبى بنگر كه زبيّناتِ اسماست على 4

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ(4) ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ : سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ - وَ أَنَا حَاضِرٌ - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا» ، فَقَالَ : «مُنْذُ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى ذلِكَ الرُّوحَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله مَا صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ ، وَ إِنَّهُ لَفِينَا» .

.


1- .الشورى (42): 52.
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 66، ح 298؛ وعنه في البحار، ج 40، ص 201، ح 4.
3- .الحجرات (49): 7.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط».

ص: 370

هديّة:(هيت) بالكسر: اسم بلد على شاطئ الفرات.و(أسباط بن سالم) روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام، فالبارز في (سأله) محتمل.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى» ، قَالَ : «خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ عليهما السلام ، كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ ، وَ هُوَ مِنَ الْمَلَكُوتِ» .

هديّة:الآية في سورة بني إسرائيل.(2)و(الملكوت) من المُلك بالضمّ للمبالغة، كالرهبوت من الرهبة. والألف واللام في (الروح) للعهد الخارجي - كما ذكره برهان الفضلاء - أي الخاصّ بنبيّنا وأئمّتنا صلوات اللَّه عليهم.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ الْخَزَّازِ(3) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» قَالَ : «خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ عليهما السلام ، لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضى غَيْرِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ يُسَدِّدُهُمْ ، فَلَيْسَ (4) كُلُّ مَا طُلِبَ وُجِدَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان».
2- .الإسراء (17): 85.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز».
4- .في الكافي المطبوع: «وليس».

ص: 371

هديّة:في بعض النسخ: «وليس» بالواو مكان الفاء، والمعنى: أنّه لا ينزل إلّا في ليالي القدر وفي بعض الأحيان بإذن اللَّه تعالى، أو أنّه لا يوجد في غير المعصوم في هذا الدين.وصرّح برهان الفضلاء باستقامة كلا الاحتمالين، وقال في الأخير:يعني أنّه ليس منوطاً باختيار الرعيّة - كما ذهب إليه الصوفيّ القائل بالكشف بصفاء الباطن بالرياضة - وبالاشتراك في الاسم أو التفاوت في الأفراد على التشكيك، وكذا بالاتّفاق على كون نبيّنا وأوصيائه صلى اللَّه عليه وآله أفضل الأنبياء وأوصيائهم، وبنصوص مثل هذا الباب في اختصاص الروح الذي من أمر الربّ تعالى.قد مرَّ آنفاً الإشارة إلى دفع المنافاة بين هذا الاختصاص وبين ما سبق في الباب الحادي والأربعون من نزول الروح والملائكة بالأمر في ليالي القدر على حجج اللَّه تعالى من لدن آدم عليه السلام إلى محمّد صلى اللَّه عليه وآله وإلى آخر الدنيا.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، عَنْ الثمالي ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْعِلْمِ : أَ هُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُهُ الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ ، أَمْ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ تَقْرَؤُونَهُ فَتَعْلَمُونَ مِنْهُ ؟قَالَ : «الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذلِكَ وَ أَوْجَبُ ؛ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ» ؟» .ثُمَّ قَالَ : «أَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكُمْ فِي هذِهِ الْآيَةِ ؟ أَ يُقِرُّونَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَ لَا الْإِيمَانُ ؟» .فَقُلْتُ : لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا يَقُولُونَ .فَقَالَ : «بَلى ، قَدْ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَ لَا الْإِيمَانُ حَتّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالى الرُّوحَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 372

الَّتِي ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ ، فَلَمَّا أَوْحَاهَا إِلَيْهِ عَلَّمَ بِهَا الْعِلْمَ وَ الْفَهْمَ ، وَ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي يُعْطِيهَا اللَّهُ تَعَالى مَنْ شَاءَ ، فَإِذَا أَعْطَاهَا عَبْداً عَلَّمَهُ الْفَهْمَ» .

هديّة:الألف واللام في (الأمر) للعهد الخارجي؛ للإشارة في قوله تعالى في سورة الشورى إلى: «رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا»(1).(أعظم) إشارة إلى أنّ التنوين في (روحاً) للتعظيم، والإضافة في (أمرنا) للاستغراق، و«الوجوب»: الثبوت والاستمرار، يعني أعظم وأثبت.قال برهان الفضلاء في قوله: (العلم والفهم): «العلم» عبارة عن الكتاب، وهو الرسول صلى اللَّه عليه وآله؛ لقوله: «أنا مدينة العلم»، و«الفهم» عبارة عن الإيمان، وهو أمير المؤمنين عليه السلام.(من شاء) من حججه المعصومين.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(2) ، عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ، قَالَ : أَتى رَجُلٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ الرُّوحِ أَ لَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «جَبْرَئِيلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحُ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ» فَكَرَّرَ ذلِكَ عَلَى الرَّجُلِ .فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ قُلْتَ عَظِيماً مِنَ الْقَوْلِ ، مَا أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ .فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّكَ ضَالٌّ ، تَرْوِي عَنْ أَهْلِ الضَّلَالِ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ (3)» وَ الرُّوحُ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ» .

.


1- .الشورى (42): 52.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن الحسين بن أبي العلاء».
3- .في الكافي المطبوع: - «من أمره على من يشاء من عباده».

ص: 373

هديّة:(يسألُه عن الروح) أي المذكور في سورة القدر والشورى وبني إسرائيل والنحل.(1)(فقال له) أي الرجل لأمير المؤمنين عليه السلام.(لقد قلت عظيماً من القول) أي مخالفاً لعظماء المفسّرين من العامّة.(تروى) يحتمل المعلوم من المجرّد، وخلافه منه. وقرأ برهان الفضلاء على المجهول من التفعيل؛ لما مرّ مراراً في بيان مثله، وقال: المراد ب «الأمر» في قوله تعالى في سورة النحل: «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ»(2) إيجاد الروح التي أوحاها اللَّه تعالى إلى نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ إلى أئمّتنا عليهم السلام واحداً بعد واحد إلى آخر الدنيا.

.


1- .القدر (97): 4؛ الشورى (42): 52؛ الإسراء (17): 85؛ النحل (16): 2.
2- .النحل (16): 1.

ص: 374

الباب السابع والخمسون: باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي قبله...

الباب السابع والخمسون : بَابُ وَقْتِ مَا يَعْلَمُ الْإِمَامُ جَمِيعَ عِلْمِ الْإِمَامِ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً السَّلَامُ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ(1) ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَتى يَعْرِفُ الْأَخِيرُ مَا عِنْدَ الْأَوَّلِ؟ قَالَ : «فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقى مِنْ رُوحِهِ» .

هديّة:حديث حضور الجواد عليه السلام بطيّ الأرض من المدينة المنوّرة في طوس في آخر دقيقة أبيه عليهما السلام وكسبه علمه مشهور، قد رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام وغيره (2)، قل للصوفي القدري هل ترى للرياضة والجهد هنا مدخلاً؟قال بعض المعاصرين:يحتمل أن يكون الضمير في «روحه» عائداً إلى الأخير ويكون الوجه فيه: أنّ ما عند الأوّل هو نهاية الكمال الممكن في حقّهم عليهم السلام، فإذا بلغه الأخير كمل أمره فيقبض، انتهى.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن أسباط».
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 242، ح 1؛ والأمالي للصدوق، ص 661، ح 17؛ وعنهما في البحار، ج 49، ص 300، ح 10.
3- .الوافي، ج 3، ص 661، ذيل ح 1261.

ص: 375

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ (1) ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ وَ جَمَاعَةٍ مَعَهُ ، قَالُوا : سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «يَعْرِفُ الَّذِي بَعْدَ الْإِمَامِ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقى مِنْ رُوحِهِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «ما كان قبله» مكان (من كان قبله).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ(2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : الْإِمَامُ مَتى يَعْرِفُ إِمَامَتَهُ ، وَ يَنْتَهِي الْأَمْرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ : «فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقى (3) مِنْ حَيَاةِ الْأَوَّلِ» .

هديّة:(وينتهي) عطف على (يعرف).وليس في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : (تبقى).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن الحكم بن مسكين».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يعقوب بن يزيد».
3- .في الكافي المطبوع: - «تبقى».

ص: 376

الباب الثامن والخمسون: باب في أنّ الأئمّة في العلم و الشجاعة و الطاعة سواء

الباب الثامن والخمسون : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام فِي الْعِلْمِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ الطَّاعَةِ سَوَاءٌوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَشَّابِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (1) ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَىْ ءٍ»» ، قَالَ : «الَّذِينَ آمَنُوا : النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ وَ ذُرِّيَّتُهُ : الْأَئِمَّةُ وَ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام ، أَلْحَقْنَا بِهِمْ ، وَ لَمْ نَنْقُصْ ذُرِّيَّتَهُمُ الْحُجَّةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله فِي عَلِيٍّ عليه السلام وَ حُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَ طَاعَتُهُمْ وَاحِدَةٌ» .

هديّة:الآية في سورة الطّور(2)«وَ ما أَلَتْناهُمْ»: وما نقصناهم، «ألته» كضرب وعلم: نقص حقّه، فقوله: (ولم ننقص ذرّيتهم الحجّة) على المتكلّم مع الغير بيانٌ لذلك وتفسير للعمل بما كانوا يحتجّون به على الناس، من النصّ عليهم، والعلم الممتاز، والعمل الصالح كذلك، وسائر صفات الكمال وفضائل الأعمال.(قال: الّذين آمنوا) يعني قال الإمام عليه السلام؛ هكذا في تفسيرها. وفي تفسير عليّ بن

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .الطور (52): 21.

ص: 377

إبراهيم: «والذرّية» مكان (وذرّيته) وهو أولى (1).(والأوصياء) عطف تفسير للخبر، يعني الأئمّة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ النَّهْدِيِ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي : «نَحْنُ فِي الْعِلْمِ وَ الشَّجَاعَةِ سَوَاءٌ ، وَ فِي الْعَطَاء(3) عَلى قَدْرِ مَا نُؤْمَرُ» .

هديّة:«نهد» بفتح النون: قبيلة من اليمن؛ «فرس نهد»: ضخمٌ جسيمٌ مشرفٌ، «رجل نهد»: كريم، «ينهد» أي ينهض إلى معالي الاُمور، و«النهود»: النهوض.(والشجاعة) يضمّ ويفتح.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وفي العطايا» على الجمع، وبيّن أنّ آثار أمر واحد قد يختلف بالكثرة والقلّة، كمَلَكة السخاء في الأئمّة عليهم السلام، ومنع غير المستحقّ ليس انتفاؤه، وقد ورد في الدعاء: «يا كريماً في إعطائه ومنعه».(4)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (5)، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : نَحْنُ فِي الْأَمْرِ وَ الْفَهْمِ وَ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ نَجْرِي مَجْرًى وَاحِداً . فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَلَهُمَا فَضْلُهُمَا» .

.


1- .تفسير القمّي، ج 2، ص 332.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن داود النهدي».
3- .في الكافي المطبوع: «العطايا».
4- .لم نعثر عليه، نعم ورد مضمونه وما يدلّ عليه في الأخبار. راجع: الخصال، ج 1، ص 43، ح 36؛ التوحيد، ص 373، الباب 60، ح 16؛ كشف الغمّة، ج 2، ص 289.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان».

ص: 378

هديّة:على نسخة «قال» - كما هو المضبوط في النسخ المعتبرة - يعني قال صلى اللَّه عليه وآله: الأئمّة من أهل بيتي كذا، فأمّا أنا وعليّ، فلنا فضلنا، يعنى فلنا فضل عليهم من جهات اُخر غير ما ذكر من الأمر، يعني افتراض الطاعة عموماً.(والفهم) يعني العقل عن اللَّه سبحانه بواسطة أو بغيرها على ما مرّ.(والحلال والحرام) يعني علمها.وقد روى سعد بن عبداللَّه في مختصر البصائر بإسناده، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، وعمّن رواه عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: قلنا له: الأئمّة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال: «نعم، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد».(1)وهو صريح في أنّ للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله وللأوّل من أوصيائه، سوى العلم الذي اشترك الجميع فيه، علومٌ من علم اللَّه الذي لا يتناهى ولا يتناهى عجائباته أيضاً، كما للخضر وموسى، مع كونه من اُولي العزم.وقرأ برهان الفضلاء: «فآل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» بالفاء، وإضافة «الآل» مكان «قال» بالقاف، وقال: «فآل» بالفاء: مبتدأ، وبالقاف تصحيف، و«نحن» خبر، و«في الأمر» متعلّق ب «نحن»، ثمّ قال: ويجوز أن يكون «نحن»(2) عطفَ بيان للآل، وجملة «في الأمر» خبراً.ولا بأس به لولا «الفاء».

.


1- .مختصر البصائر، ص 73، ح 21.
2- .في «د»: - «نحن».

ص: 379

الباب التاسع والخمسون: باب أنّ الإمام يعرف الإمام الذي من بعده، و...

الباب التاسع والخمسون : بَابُ أَنَّ الْإِمَامَ عليه السلام يَعْرِفُ الْإِمَامَ الَّذِي (1) مِنْ بَعْدِهِ ، وَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الْأَمَنَتِ إِلَى أَهْلِهَا» فِيهِمْ عليه السلام نَزَلَتْ وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى بإسناده عَنْ الْعِجْلِيِ (2) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلَى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» .فقَالَ (3) : «إِيَّانَا عَنى ، أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَوَّلُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ الْكُتُبَ وَ الْعِلْمَ وَ السِّلَاحَ «وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ ؛ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» إِيَّانَا عَنى خَاصَّةً ؛ أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا «فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي أَمْرٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» كَذَا نَزَلَتْ ، وَ كَيْفَ يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ تَعَالى بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ ، وَ يُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ ؟! إِنَّمَا قِيلَ ذلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»».

.


1- .في الكافي المطبوع: + «يكون».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجليّ».
3- .في الكافي المطبوع: «قال».

ص: 380

هديّة:(عن قول اللَّه تعالى) في سورة النساء.(1)(الأوّل) يشمل النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أيضاً وإن كان وصفاً للإمام.(بالعدل الذي في أيديكم) أي بالعدالة التي تلزم العصمة التي تلزم الإمامة التي من عند اللَّه سبحانه.(كذا نزلت) أي بشرحها من جبرئيل للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله. وقرأ برهان الفضلاء هنا وفي نظائره: «نزّلت» على المجهول، من التفعيل، قال: يعني كذا فسّرت وشرحت لمّا نزلت، فسّرها جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله؛ إذ المراد تنزيل اللفظ على المعنى.وفي سورة النساء أيضاً بعد قوله تعالى: «وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» هكذا: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(2)، فسّر المخالفون هكذا: فإن تنازعتم أنتم وأولوا الأمر منكم في شي ء من اُمور الدِّين فارجعوا فيه إلى الكتاب، فردّه عليه السلام بقوله: (وكيف).

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ الْوَشَّاءِ(3) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ(4) إِلى مَنْ بَعْدَهُ ، وَ لَا يَخُصَّ بِهَا غَيْرَهُ ، وَ لَا يَزْوِيَهَا عَنْهُ» .

هديّة:(قال: هم) أي المخاطبين بضمير الجمع.(الإمامة) أي أسباب الإمامة.و(الأمانات) كما مرّ من الكتب والعلم والسلاح.

.


1- .النساء (4): 58.
2- .النساء (4): 59.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
4- .في الكافي المطبوع: «الأمانة».

ص: 381

(ولا يخصّ) يحتمل الرفع والنصب، والغرض عليهما: النهي عن تأديتها في حياته إلى غير المعصوم المنصوص؛ لئلّا يطمع في الإمامة إلّا أن يعلمه أنّ هذه أمانة عندك لفلان. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «الأمانة» بالنون، مكان (الإمامة). وإنّما استثناه لئلّا يلزم الاحتياج إلى تجشّم دفع الإشكال بتأدية الحسين عليه السلام الوصيّة أمانةً إلى ابنته فاطمة عليها السلام؛ لتؤدّى عند الحاجة إلى صاحبها.(1)(ولا يزويها) بالمعجمة، كرَوَى بالمهملة، أي لا يمنعها عنه، أي عمّن بعده.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (2)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام يُؤَدِّي الْإِمَامُ إِلَى الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَ لَا يَخُصُّ بِهَا غَيْرَهُ ، وَ لَا يَزْوِيهَا عَنْهُ».

هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ (3) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» قَالَ : «أَمَرَ اللَّهُ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ كُلَّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ» .

.


1- .إشارة إلى ما ورد في الكافي، ج 1، ص 290، باب ما نصّ اللَّه عزّ و جلّ ورسوله على الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً، ضمن ح 6، وفيه هكذا: «ثمّ إنّ حسيناً حضره الذي حضره، فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام، فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن ابن أبي يعفور، عن المعلّى بن خنيس».

ص: 382

هديّة:(الإمام الأوّل) أي الحجّة السابق، فيشمل النبيّ وأوصيائه إلّا قائمهم عليهم السلام.(كلّ شي ء عنده) من أسباب الإمامة بالمعنى الأعمّ، وقد مرّ بيان ما عند الأئمّة عليهم السلام من ميراث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا يَمُوتُ الْإِمَامُ حَتّى يَعْلَمَ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ ، فَيُوصِيَ (2)» .

هديّة:(الإمام) يعني الحجّة الذي يشمله وصف الأوّليّة.(حتّى يعلم) على احتمال المجرّد المعلوم، والإفعال والتفعيل المعلومين أو خلافهما، يحتمل الرفع والنصب؛ لمكان (حتّى) وقد سبق بيان حالها.و(مَن) استفهاميّة، ويمكن أن تكون موصولة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ يَعْرِفُ الْإِمَامَ الَّذِي مِنْ بَعْدِهِ ، فَيُوصِي إِلَيْهِ» .

هديّة:(يعرف) على المعلوم، من باب ضرب، ويحتمل التفعيل، المعلوم وخلافه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن عبد اللَّه بن أبي يعفور».
2- .في الكافي المطبوع: + «إليه».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عثمان، عن المعلّى بن خنيس». وفي الطبعة الجديدة من الكافي: «عن معلّى أبي عثمان» بدل «عن ابن أبي عثمان».

ص: 383

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا مَاتَ عَالِمٌ حَتّى يُعْلِمَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - إِلى مَنْ يُوصِي» .

هديّة:(عالم) يعني إمام عاقل عن اللَّه عزّ وجلّ.(يعلمه) من الإفعال أو التفعيل.(مَن) استفهاميّة، ولا يحتمل هنا أن يكون موصولة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي عبد اللَّه البرقي، عن فضالة بن أيّوب، عن سليمان بن خالد».

ص: 384

الباب الستّون: باب أنّ الإمامة عهْد من اللَّه عزّ و جلّ معهود من واحدٍ إلى واحد

الباب الستّون : بَابُ أَنَّ الْإِمَامَةَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَعْهُودٌ مِنْ وَاحِدٍ إِلى وَاحِدٍ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الاثنين عَنْ الْوَشَّاءِ(1) ، عَنْ عُمَر بْنِ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَذَكَرُوا الْأَوْصِيَاءَ ، وَ ذَكَرْتُ إِسْمَاعِيلَ ، فَقَالَ : «لَا وَ اللَّهِ ، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، مَا ذَاكَ إِلَيْنَا ، وَ مَا هُوَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، يُنَزِّلُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ» .

هديّة:قد سبق أنّه بدا للَّه سبحانه في إمامة إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهما السلام.نزّلهم تنزيلاً: جعل كلّ واحدٍ منهم في مرتبته.(واحداً) إمّا مفعول أو بدل تفصيل عن المفعول المحذوف يعني «الأوصياء».ومثل الخبر ردّ على الصوفيّة القدريّة، وهم مصرّحون في كتبهم بإمكان كسب مراتب النبوّة والإمامة بالرياضة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده بطريقين عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عمرو بن أشعث» وبسند آخر أيضاً هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن منهال، عن عمرو بن الأشعث».

ص: 385

يَقُولُ : «أَ تَرَوْنَ الْمُوصِيَ مِنَّا يُوصِي إِلى مَنْ يُرِيدُ ؟ لَا وَ اللَّهِ ، وَ لكِنْ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله لِرَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلى صَاحِبِهِ» .

هديّة:أي الملقّب بين الناس ب «صاحب الأمر» و«صاحب الزمان»، أو إلى صاحبه الظاهر بالسيف، أو إلى صاحبه في كلّ زمان. صرّح باحتمال الأخير برهان الفضلاء أيضاً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ عَمَّارٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَةَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - مَعْهُودٌ لِرِجَالٍ مُسَمَّيْنَ ، لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْوِيَهَا عَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ .إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَوْحى إِلى دَاوُدَ عليه السلام : أَنِ اتَّخِذْ وَصِيّاً مِنْ أَهْلِكَ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنْ لَا أَبْعَثَ نَبِيّاً إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ مِنْ أَهْلِهِ ، وَ كَانَ لِدَاوُدَ عليه السلام أَوْلَادٌ عِدَّةٌ ، وَ فِيهِمْ غُلَامٌ كَانَتْ أُمُّهُ عِنْدَ دَاوُدَ عليه السلام ، وَ كَانَ لَهَا مُحِبّاً ، فَدَخَلَ دَاوُدُ عليه السلام عَلَيْهَا حِينَ أَتَاهُ الْوَحْيُ ، فَقَالَ لَهَا : إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَوْحى إِلَيَّ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّخِذَ وَصِيّاً مِنْ أَهْلِي ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : فَلْيَكُنِ ابْنِي ، قَالَ : ذَاكَ أُرِيدُ ، وَ كَانَ السَّابِقُ فِي عِلْمِ اللَّهِ الْمَحْتُومِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ .فَأَوْحَى اللَّهُ إِلى دَاوُدَ عليه السلام : أَنْ لَا تَعْجَلْ دُونَ أَنْ يَأْتِيَكَ أَمْرِي ، فَلَمْ يَلْبَثْ دَاوُدُ عليه السلام أَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي الْغَنَمِ وَ الْكَرْمِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلى دَاوُدَ عليه السلام : أَنِ اجْمَعْ وُلْدَكَ ، فَمَنْ قَضى بِهذِهِ الْقَضِيَّةِ وَأَصَابَ ، فَهُوَ وَصِيُّكَ مِنْ بَعْدِكَ .فَجَمَعَ دَاوُدُ عليه السلام وُلْدَهُ ، فَلَمَّا أَنْ قَصَّ الْخَصْمَانِ ، قَالَ سُلَيْمَانُ عليه السلام : يَا صَاحِبَ الْكَرْمِ ، مَتى دَخَلَتْ غَنَمُ هذَا الرَّجُلِ كَرْمَكَ ؟ قَالَ : دَخَلَتْ (2)لَيْلًا ، قَالَ : قَدْ قَضَيْتُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ الْغَنَمِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن محمّد بن سليمان، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية بن عمّار».
2- .في الكافي المطبوع: «دخلته».

ص: 386

بِأَوْلَادِ غَنَمِكَ وَ أَصْوَافِهَا فِي عَامِكَ هذَا .ثُمَّ قَالَ لَهُ دَاوُدُ عليه السلام: فَكَيْفَ لَمْ تَقْضِ بِرِقَابِ الْغَنَمِ ، وَ قَدْ قَوَّمَ ذلِكَ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ كَانَ ثَمَنُ الْكَرْمِ قِيمَةَ الْغَنَمِ؟فَقَالَ سُلَيْمَانُ : إِنَّ الْكَرْمَ لَمْ يُجْتَثَّ مِنْ أَصْلِهِ ، وَ إِنَّمَا أُكِلَ حِمْلُهُ وَ هُوَ عَائِدٌ فِي قَابِلٍ .فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلى دَاوُدَ عليه السلام : إِنَّ الْقَضَاءَ فِي هذِهِ الْقَضِيَّةِ مَا قَضى سُلَيْمَانُ بِهِ ؛ يَا دَاوُدُ ، أَرَدْتَ أَمْراً وَ أَرَدْنَا أَمْراً غَيْرَهُ .فَدَخَلَ دَاوُدُ عَلَى امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ : أَرَدْنَا أَمْراً وَ أَرَادَ اللَّهُ أَمْراً غَيْرَهُ ، وَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالى ، فَقَدْ رَضِينَا بِأَمْرِ اللَّهِ وَ سَلَّمْنَا ذلك (1) ؛ وَ كَذلِكَ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَعَدَّوْا بِهذَا الْأَمْرِ ، فَيُجَاوِزُونَ صَاحِبَهُ إِلى غَيْرِهِ» .

هديّة:«يزويها عنه»: يمنعها ويبعدها.(كانت اُمّه عند داود عليه السلام) يعني كانت اُمّ ابنه ذلك في الحياة.(أن لا تعجل) من التفعيل، أو من باب علم.(دون أن يأتيك) استثناء.و«أن» المفتوحة المخفّفة في (أن ورد) و(أن قصّ) زائدةٌ للفوريّة، وفي (أن اجمع) مفسّرة.(فكيف لم تقض) استعلامٌ لحكمه، هل هو بالعلم أو اتّفاقاً.قال برهان الفضلاء: المراد هنا ب «علماء بني إسرائيل» أهل الخبرة منهم.و«الجثّ»بفتح الجيم و و تشديد المثلّثة: انتزاع الشجر من أصله، وكذا «الاجتثاث» على الافتعال.و«الحمل» بالكسر: ما يحمله الشجر من الثمرة.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع: - «ذلك».
2- .في «د»: - «منهم والجثّ» إلى هنا.

ص: 387

في بعض النسخ: «فيتجاوزون» على التفاعل، مكان (فيجاوزون) على المفاعلة.قال في الكافي:قَالَ الْكُلَيْنِيُّ رحمة اللَّه عليه : مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْغَنَمَ لَوْ دَخَلَتِ الْكَرْمَ نَهَاراً ، لَمْ يَكُنْ عَلى صَاحِبِ الْغَنَمِ شَيْ ءٌ ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يُسَرِّحَ غَنَمَهُ بِالنَّهَارِ تَرْعَى ، وَ عَلى صَاحِبِ الْكَرْمِ حِفْظُهُ ، وَ عَلى صَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَرْبِطَ غَنَمَهُ لَيْلًا ، وَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَنْ يَنَامَ فِي بَيْتِهِ، انتهى .أقول (1): لعلّ (قال الكليني) من زيادات بعض تلامذته كالصفواني.و(الحديث الأوّل) إمّا عبارة عن كلام سليمان عليه السلام أوّلاً، وهو قوله عليه السلام: (يا صاحب الكرم، متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟)، أو عبارة عمّا قبل (وكذلك الأوصياء)، وهما حديثان نقلاً وإنشاءً.سرح وسرّحته كمنع، يتعدّى ولا يتعدّى، وسرّحته تسريحاً فلعلّ للمبالغة.وربطه كضرب. وسيجي ء تمام البيان في كتاب المعيشة إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «أَ تَرَوْنَ أَنَّ الْمُوصِيَ مِنَّا يُوصِي إِلى مَنْ يُرِيدُ ؟ لَا وَ اللَّهِ ، وَ لكِنَّهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلى رَجُلٍ فَرَجُلٍ» حَتّى انْتَهى إِلى نَفْسِهِ .

هديّة:قيل: يعني حتّى قال: إليّ، وقيل: يعني فسمّاهم بعد قوله: (إلى رجل فرجل) حتّى انتهى إلى نفسه. وقال بعض المعاصرين: يعني إلى نفس الموصي.(3)

.


1- .في «الف»: - «أقول».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير وجميل، عن عمرو بن مصعب».
3- .الوافي، ج 2، ص 258، ذيل ح 735.

ص: 388

الباب الحادي والستّون: باب أنّ الأئمّة لم يفعلوا شيئاً و لا يفعلون إلّا...

الباب الحادي والستّون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئاً وَ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ أَمْرٍ مِنْهُ لَا يَتَجَاوَزُونَهُ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْوَصِيَّةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله كِتَاباً لَمْ يَنْزِلْ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله كِتَابٌ مَخْتُومٌ إِلَّا الْوَصِيَّةُ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ وَصِيَّتُكَ فِي أُمَّتِكَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِكَ عليهم السلام ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَيُّ أَهْلِ بَيْتِي يَا جَبْرَئِيلُ ؟ قَالَ : نَجِيبُ اللَّهِ مِنْهُمْ وَ ذُرِّيَّتُهُ ، لِيَرِثَكَ عِلْمَ النُّبُوَّةِ كَمَا وَرِثَهُ إِبْرَاهِيمُ ، وَ مِيرَاثُهُ لِعَلِيٍّ وَ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ صُلْبِهِ».قَالَ : «وَ كَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِيمُ» قَالَ : «فَفَتَحَ عَلِيٌّ عليه السلام الْخَاتَمَ الْأَوَّلَ ، وَ مَضى لِمَا فِيهَا ؛ ثُمَّ فَتَحَ الْحَسَنُ عليه السلام الْخَاتَمَ الثَّانِيَ ، وَ مَضى لِمَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْحَسَنُ عليه السلام وَ مَضى، فَتَحَ الْحُسَيْنُ عليه السلام الْخَاتَمَ الثَّالِثَ ، فَوَجَدَ فِيهَا : أَنْ قَاتِلْ فَاقْتُلْ وَتُقْتَلُ ، وَ اخْرُجْ بِأَقْوَامٍ لِلشَّهَادَةِ ، لَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ» قَالَ : «فَفَعَلَ عليه السلام ؛ فَلَمَّا مَضى دَفَعَهَا إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام قَبْلَ ذلِكَ ، فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الرَّابِعَ ، فَوَجَدَ فِيهَا : أَنِ اصْمُتْ وَ أَطْرِقْ لَمَّا حُجِبَ الْعِلْمُ ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَ مَضى ، دَفَعَهَا إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الْخَامِسَ ، فَوَجَدَ فِيهَا : أَنْ فَسِّرْ كِتَابَ اللَّهِ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن الحسين بن عليّ، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة، عن معاذ بن كثير».

ص: 389

وَ صَدِّقْ أَبَاكَ ، وَ وَرِّثِ ابْنَكَ ، وَ اصْطَنِعِ الْأُمَّةَ ، وَ قُمْ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالى ، وَ قُلِ الْحَقَّ فِي الْخَوْفِ وَ الْأَمْنِ ، وَ لَا تَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ؛ فَفَعَلَ ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ».قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَنْتَ هُوَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «مَا بِي (1) إِلَّا أَنْ تَذْهَبَ يَا مُعَاذُ(2) ، فَتَرْوِيَ عَلَيَّ».قَالَ : فَقُلْتُ : أَسْأَلُ اللَّهَ - الَّذِي رَزَقَكَ مِنْ آبَائِكَ هذِهِ الْمَنْزِلَةَ - أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ مِثْلَهَا قَبْلَ الْمَمَاتِ ، قَالَ: «قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذلِكَ يَا مُعَاذُ»، قَالَ : فَقُلْتُ : فَمَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «هذَا الرَّاقِدُ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَ هُوَ رَاقِدٌ .

هديّة:(لم ينزل) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من الإفعال.(أيّ أهل بيتي) يحتمل الجرّ والنصب والرفع بتقدير «عند» أو مثل «تعني» أو مثل «مرادك» مبتدأً أو خبراً، وكذا (نجيب اللَّه منهم وذرّيّته) على تلك الوجوه.«نجيب اللَّه» من النجابة بالفتح، أي صفوته ومصطفاه، و«النجيب»: الكريم الحسيب، والمراد هنا أمير المؤمنين عليه السلام، وهو من ألقابه الغالبة، وقد يُطلق على الحجّة المعصوم المنصوص، الممتاز حسباً، المبيّن نسباً عند الجميع إلى آدم عليه السلام، وهو في هذه الاُمّة أمير المؤمنين عليه السلام وأحد عشر من ولده، يعني قال: نجيب اللَّه وذرّيّته من أهل بيتك؛ ليرثك علم النبوّة كما ورّثه إبراهيم عليه السلام، أي ليرث النجيب من أهل بيتك وذرّيته علمَك كما ورّث إبراهيم، فترثه. وقرأ برهان الفضلاء: «ليرثك» على الجزم بلام الأمر.(وذرّيّتك من صلبه) للعطف، أو للابتداء.«صمت» كنصر.(وأطرق) من الإفعال. (لمّا حجب العلم) للتوقيت. وقرأ برهان الفضلاء: «لما» بالكسر والتخفيف على المصدريّة، أي لكون العلم محجوباً عن الناس.

.


1- .في «د»: «لي».
2- .في «الف»: - «يا معاذ».

ص: 390

(واصطنع الاُمّة) أي كُن مربّيهم ومعلّمهم وأحسن إليهم. و«اصطناع المعروف»: الإحسان، وهو افتعال من الصُّنع.(ما بي). قال برهان الفضلاء: أَيُّ بأسٍ في الإظهار لك ما هو الحقّ سوى مخافة الاشتهار. وحاصل المعنى: نعم ولكن لا تُذِع.والقول بزيادة كلمة الاستثناء ليس بشي ء؛ أمّا لفظاً فلعدم التعارف بينهم، وأمّا معنىً فلرعايته عليه السلام التقيّة بتذكيرها للسائل، وأمره بترك الإذاعة حذراً من اُمور مكروهة غير القتل.أقول: لعلّ «إلّا» هنا بمعنى الواو. وقال الجوهري: وقد يكون «إلّا» بمنزلة الواو في العطف كقول الشاعر:وأرى لها داراً بأغدرةالسيدان لم يدرس لها رسم وإلّا رماداً هامداً دفعت عنه الرياح خوالد سحم (1)يريد: أرى لها داراً ورماداً، فالمعنى ما بي بأس في إظهاري ما هو الحقّ وفي إذاعتك إيّاه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِ (2) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْزَلَ عَلى نَبِيِّهِ كِتَاباً قَبْلَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ وَصِيَّتُكَ إِلَى النُّجَبَةِ مِنْ أَهْلِكَ ، قَالَ : وَ مَا النُّجَبَةُ يَا جَبْرَئِيلُ ؟ فَقَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ وُلْدُهُ عليهم السلام .وَ كَانَ عَلَى الْكِتَابِ خَوَاتِيمُ مِنْ ذَهَبٍ ، فَدَفَعَهُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَفُكَّ خَاتَماً مِنْهُ ، وَ يَعْمَلَ بِمَا فِيهِ ، فَفَكَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَاتَماً ، وَ عَمِلَ بِمَا فِيهِ .

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 2545 (ألا).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكندي، عن محمّد بن أحمد بن عبيد اللَّه العمري».

ص: 391

ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، وَ عَمِلَ بِمَا فِيهِ .(1)ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : أَنِ اخْرُجْ بِقَوْمٍ إِلَى الشَّهَادَةِ ؛ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ ، وَ اشْرِ نَفْسَكَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَفَعَلَ .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : أَنْ أَطْرِقْ وَاصْمُتْ ، وَ الْزَمْ مَنْزِلَكَ ، وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ، فَفَعَلَ .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى (2) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَفَكَ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : حَدِّثِ النَّاسَ وَ أَفْتِهِمْ ، وَ لَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ ؛ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ (3) .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : حَدِّثِ النَّاسَ ، وَ أَفْتِهِمْ ، وَ انْشُرْ عُلُومَ أَهْلِ بَيْتِكَ ، وَ صَدِّقْ آبَاءَكَ الصَّالِحِينَ ، وَ لَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّهَ وَ أَنْتَ فِي حِرْزٍ وَ أَمَانٍ ، فَفَعَلَ .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ مُوسى عليه السلام ، وَ كَذلِكَ يَدْفَعُهُ مُوسى إِلَى الَّذِي بَعْدَهُ ، ثُمَّ كَذلِكَ أبداً(4) إِلى قِيَامِ الْمَهْدِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ» .

هديّة:(النُّجبة) بضمّ النون وفتح الجيم: مبالغة في «النجيب»، كما في الصحاح وغيره. (5)ولم يسمع «نجبة» بالفتحات في جمع النجيب، وقرئ: «إلى النخبة» بسكون الخاء المعجمة، أي المنتخب بالعصمة. وقد بيّن معنى النجيب آنفاً.«شراه» كرمى: باعه أيضاً، وهو من الأضداد.و(اليقين): الموت.(وأنت) حاليّة، فتدلّ على وجوب التقيّة؛ لدوام عدم خوفه عليه السلام إلّا من اللَّه؛ أو عاطفة،

.


1- .في «د»: - «ثمّ دفعه إلى» إلى هنا.
2- .في الكافي المطبوع: + «ابنه».
3- .في الكافي المطبوع: + «ففعل».
4- .في الكافي المطبوع: - «أبدا».
5- .راجع: الصحاح، ج 1، ص 222؛ النهاية، ج 5، ص 17 (نجب).

ص: 392

فتدلّ على جواز تركها، وقد قيل: إنّ تقيّتهم عليهم السلام لم تكن على الوجوب دائماً، بل كانت كثيراً، اتّقاءاً من اُمور مكروهة، كالخفّة بكلام ركيك وغير ذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لَهُ حُمْرَانُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَرَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام وَ خُرُوجِهِمْ وَ قِيَامِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ ، وَ مَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَ الظَّفَرِ بِهِمْ حَتّى قُتِلُوا وَ غُلِبُوا ؟فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا حُمْرَانُ ، إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَضَاهُ وَ أَمْضَاهُ وَ حَتَمَهُ ، ثُمَّ أَجْرَاهُ ؛ فَبِتَقَدُّمِ عِلْمِ ذلِكَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَامَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهم السلام ، وَ بِعِلْمٍ صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا» .

هديّة:(ضريس) مصغّراً: ابن عبد الملك بن أعين الشيباني، كان يتّجر بالكناسة، وكان تحته بنت حمران، خيّر فاضل.في بعض النسخ: «كان قدّر» بدون كلمة «قد»، و«علم بذلك» بزيادة المفردة. وقد سبق تخيير اللَّه تعالى إيّاهم عليهم السلام، واختيارهم لقاء اللَّه سبحانه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ(2) أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام ، قَالَ : «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَ لَيْسَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَاتِبَ الْوَصِيَّةِ ، وَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُمْلِي عَلَيْهِ ، وَ جَبْرَئِيلُ وَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عليهم السلام شُهُوداً(3) ؟» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الكناني».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحارث بن جعفر، عن عليّ بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى بن المستفاد».
3- .في الكافي المطبوع: «شهودٌ».

ص: 393

قَالَ : «فَأَطْرَقَ طَوِيلاً ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ ، وَ لكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْأَمْرُ نَزَلَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كِتَاباً مُسَجَّلاً ، نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، مُرْ بِإِخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ ؛ لِيَقْبِضَهَا مِنَّا ، وَ تُشْهِدَنَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْهِ ، ضَامِناً لَهَا - يَعْنِي عَلِيّاً عليه السلام - فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَا خَلَا عَلِيّاً عليه السلام ، وَ فَاطِمَةُ عليها السلام فِيمَا بَيْنَ السِّتْرِ وَ الْبَابِ .فَقَالَ جَبْرَئِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ : هذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ ، وَ شَرَطْتُ عَلَيْكَ ، وَ شَهِدْتُ بِهِ عَلَيْكَ ، وَ أَشْهَدْتُ بِهِ عَلَيْكَ مَلَائِكَتِي ، وَ كَفى بِي يَا مُحَمَّدُ شَهِيداً .قَالَ : فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، وَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، رَبِّي هُوَ السَّلَامُ ، وَ مِنْهُ السَّلَامُ ، وَ إِلَيْهِ يَعُودُ السَّلَامُ ، صَدَقَ عَزَّ وَ جَلَّ وَبَرَّ ، هَاتِ الْكِتَابَ ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَقَالَ (1) لَهُ : اقْرَأْهُ ، فَقَرَأَهُ حَرْفاً حَرْفاً ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، هذَا عَهْدُ رَبِّي - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - إِلَيَّ ، وَ شَرْطُهُ عَلَيَّ وَ أَمَانَتُهُ ، وَ قَدْ بَلَّغْتُ وَ نَصَحْتُ وَ أَدَّيْتُ .فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : وَ أَنَا أَشْهَدُ لَكَ - بِأَبِي وَ أُمِّي أَنْتَ - بِالْبَلَاغِ وَ النَّصِيحَةِ وَ الصِّدْقِ (2)عَلى مَا قُلْتَ ، وَ يَشْهَدُ لَكَ بِهِ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : وَ أَنَا لَكُمَا عَلى ذلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَا عَلِيُّ ، أَخَذْتَ وَصِيَّتِي وَ عَرَفْتَهَا وَ ضَمِنْتَ لِلَّهِ وَ لِيَ الْوَفَاءَ بِمَا فِيهَا ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام :(3) بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي عَلَيَّ ضَمَانُهَا ، وَ عَلَى اللَّهِ عَوْنِي وَ تَوْفِيقِي عَلى أَدَائِهَا .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَا عَلِيُّ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشْهِدَ عَلَيْكَ بِمُوَافَاتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : نَعَمْ، أَشْهِدْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ الْآنَ ، وَ هُمَا حَاضِرَانِ ، مَعَهُمَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لِأُشْهِدَهُمْ عَلَيْكَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، لِيَشْهَدُوا ، وَ أَنَا

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقال».
2- .في الكافي المطبوع: «التصديق».
3- .في الكافي المطبوع: + «نعم».

ص: 394

- بِأَبِي (1) وَ أُمِّي - أُشْهِدُهُمْ ، فَأَشْهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .وَ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله بِأمْرِ(2) جَبْرَئِيلَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْ قَالَ لَهُ : يَا عَلِيُّ ، تَفِي بِمَا فِيهَا ؛ مِنْ مُوَالَاةِ مَنْ وَالَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ الْبَرَاءَةِ وَ الْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ الْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ عَلَى الصَّبْرِ مِنْكَ ، وَ عَلى كَظْمِ الْغَيْظِ ، وَ عَلى ذَهَابِ حَقِّكَ وَ غَصْبِ خُمُسِكَ وَ انْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ؟فَقَالَ : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ .فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَقَدْ سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ عليه السلام يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله : يَا مُحَمَّدُ ، عَرِّفْهُ أَنَّهُ يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ ، وَ هِيَ حُرْمَةُ اللَّهِ وَ حُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ عَلى أَنْ تُخْضَبَ لِحْيَتُهُ مِنْ رَأْسِهِ بِدَمٍ عَبِيطٍ .قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : فَصَعِقْتُ حِينَ فَهِمْتُ الْكَلِمَةَ مِنَ الْأَمِينِ جَبْرَئِيلَ عليه السلام حَتّى سَقَطْتُ عَلى وَجْهِي ، وَ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَبِلْتُ وَ رَضِيتُ وَ إِنِ انْتَهَكَتِ الْحُرْمَةُ ، وَ عُطِّلَتِ السُّنَنُ ، وَ مُزِّقَ الْكِتَابُ ، وَ هُدِّمَتِ الْكَعْبَةُ ، وَ خُضِبَتْ لِحْيَتِي مِنْ رَأْسِي بِدَمٍ عَبِيطٍ صَابِراً مُحْتَسِباً أَبَداً حَتّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ .ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عليهم السلام ، وَ أَعْلَمَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْلَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللَّه عليه ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِ ، فَخُتِمَتِ الْوَصِيَّةُ بِخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ ، وَ دُفِعَتْ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».فَقُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَ لَا تَذْكُرُ مَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ ؟ فَقَالَ : «سُنَنُ اللَّهِ وَ سُنَنُ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله».فَقُلْتُ : أَ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ تَوَثُّبُهُمْ وَ خِلَافُهُمْ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ؟فَقَالَ : «نَعَمْ وَ اللَّهِ ، شَيْئاً وشَيْئاً ، وَ حَرْفاً وحَرْفاً(3) ، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّا نَحْنُ

.


1- .في الكافي المطبوع: + «أنت».
2- .في الكافي المطبوع: «أمر».
3- .في الكافي المطبوع: «شيئاً شيئاً، و حرفاً حرفاً» بدون الواو.

ص: 395

نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ» وَ اللَّهِ ، لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةَ عليها السلام : أَ لَيْسَ قَدْ فَهِمْتُمَا مَا تَقَدَّمْتُ بِهِ إِلَيْكُمَا وَ قَبِلْتُمَاهُ ؟ فَقَالَا : بَلى ، وَ صَبَرْنَا عَلى مَا سَاءَنَا وَ غَاظَنَا» .وَفِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ زِيَادَةٌ .

هديّة:أمليت الكتاب، أمليه، وأمللته، أملّه: لغتان جيّدتان، جاء بهما القرآن، واستمليته الكتاب: سألته أن يمليه عليَّ.قال برهان الفضلاء: وحاصل السؤال طلب التوفيق بين نزولها من السماء وكتابتها في الأرض والإشهاد بها فيها، أو غرض السائل غرض حمران في سابق هذا الخبر، وهو الاستعلام من علمهم عليهم السلام بما سئل عنه، أو المعنى كما قيل: أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام متعيّناً بأنّه وصيّ الرسول صلى اللَّه عليه وآله بلا فصل، وهو غالب كلّ غالب، فأجاب عليه السلام بقوله: «قد كان ما قلت» إلى آخره.(قد كان ما قلت) من الإملاء والكتابة والإشهاد بعد نزول الأمر. و«الكتاب» و«التسجيل» أحكام الوثيقة بالخطوط والخواتيم والقيود الموضحة.(والصدق على ما قلت) في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «والتصديق على ما قلت»، قال: أي وبقبولك الحكم الإلهي على النهج الذي صرّحت به.(للَّه ولي) على العطف.و«الموافاة»: الإتيان بأداء حقّ بتمامه، يعني بإتيانك إليَّ بها يوم القيامة كما أدّيتك إيّاها في الدنيا.(لأشهدهم عليك) بكسر اللام، واحتمال الفتح للتأكيد كما ترى.(ليشهدوا) بكسر اللام للأمر.(تفي بما فيها) يعني هل تضمن وفائك بكذا وكذا.

.

ص: 396

ولا يتوهّم زيادة (والبراءة) في فقرته، بل التكرار للتأكيد، اهتمام في الردّ على الصوفيّة والقدريّة، ومن مخترعات خيالاتهم الفاسدة أنّ كمال العارف في الصلح مع الكلّ، وأكملهم لا يصبر على اللعن والطعن.و(النّسمة) بالتحريك: الإنسان.وهذه الفقرات من قوله: «فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبّة» إلى قوله: «ثمّ دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» أوردت في الأثناء من حديث آخر تقريباً.(وعلى أن تخضب) أي ونبّهه على كذا، بتقدير «على» بعد (عرّفه)، بعد تضمينه معنى نبّهه.و«العبيط» على فعيل: الطّريّ.و«التمزيق»: التخريق.«هدمه» كضرب، فانهدم، وشدّد للكثرة.(حتّى أقدم) من القدوم، أي حتّى أقدم عليك من سفري.(لم تمسّه النار) أو لم تمسسه النار، بفكّ الإدغام: وصف الذّهب.و«التوثّب»: الاستيلاء على شي ء ظلماً.في بعض النسخ: «شيئاً شيئاً» بدون الواو، وكذا «وحرفاً حرفاً».فسّر «في إمام مبين» في سورة يس (1) بأمير المؤمنين عليه السلام، وهو القرآن الناطق، و«كتابٌ مبين» في سورة الأنعام في قوله تعالى: «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ»(2)بالقرآن المجيد، وهو الكلام الصامت الناطق بقيّمه الناطق العاقل (3) عن اللَّه سبحانه.(وفي نسخة الصفواني زيادة) من زيادات النسّاخ كالمفيد رحمة اللَّه عليه في الأكثر، والصفواني من تلامذة ثقة الإسلام قدّس سره.

.


1- .يس (36): 12.
2- .الأنعام (6): 59.
3- .في «د»: - «العاقل».

ص: 397

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ(1) ، عَنْ حَرِيزٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا أَقَلَّ بَقَاءَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَ أَقْرَبَ آجَالَكُمْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْكُمْ!فَقَالَ : «إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا صَحِيفَةً ، فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي مُدَّتِهِ ، فَإِذَا انْقَضى مَا فِيهَا مِمَّا أُمِرَ بِهِ ، عَلِمَ (2) أَنَّ أَجَلَهُ قَدْ حَضَرَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله يَنْعى إِلَيْهِ نَفْسَهُ ، وَ أَخْبَرَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام قَرَأَ صَحِيفَتَهُ الَّتِي أُعْطِيَهَا ، وَ فُسِّرَ لَهُ مَا يَأْتِي بِنَعْيٍ ، وَ بَقِيَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَمْ تُقْضَ ، فَخَرَجَ لِلْقِتَالِ .وَ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الَّتِي بَقِيَتْ : أَنَّ الْمَلَائِكَةَ سَأَلَتِ اللَّهَ فِي نُصْرَتِهِ ، فَأَذِنَ لَهَا ، فَمَكَثَتْ (3)تَسْتَعِدُّ لِلْقِتَالِ ، وَ تَتَأَهَّبُ لِذلِكَ حَتّى قُتِلَ ، فَنَزَلَتْ وَ قَدِ انْقَطَعَتْ مُدَّتُهُ وَقُتِلَ عليه السلام ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : يَا رَبِّ ، أَذِنْتَ لَنَا فِي الِانْحِدَارِ ، وَ أَذِنْتَ لَنَافِي نُصْرَتِهِ ، فَانْحَدَرْنَا وَ قَدْ قَبَضْتَهُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ : أَنِ الْزَمُوا قَبْرَهُ حَتّى تَرَوْهُ وَ قَدْ خَرَجَ ، فَانْصُرُوهُ وَ ابْكُوا عَلَيْهِ وَ عَلى مَا فَاتَكُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ ؛ فَإِنَّكُمْ قَدْ خُصِّصْتُمْ بِنُصْرَتِهِ وَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ ، فَبَكَتِ الْمَلَائِكَةُ تَعَزِّياً وَ حُزْناً عَلى مَا فَاتَهُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ ، فَإِذَا خَرَجَ يَكُونُونَ أَنْصَارَهُ» .

هديّة:(بعضها) نصب على البدل من (آجالكم).(وإنّ الحسين عليه السلام) بمنزلة الاستثناء، والهمزة مكسورة.والباء في (بنعي) بمعنى «مع».(وكانت) تامّة، أي وحدثت، والحاصل أنّ علم سائر الأئمّة بالأجل لم يكن من تلك

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن أبي عبد اللَّه البزّاز».
2- .في حاشية «الف» و «د» والكافي المطبوع: «عرف».
3- .في الكافي المطبوع: «ومكثت».

ص: 398

الصحيفة، بل من وجه آخر.«تأهّب» من التفعّل: استعدّ.و(الانحدار): النزول، أي في النزول من السماء.(حتّى تروه) بتقدير أن، (وقد خرج) حاليّة، يعني في الرجعة في زمن القائم عليه السلام.(وابكوا) عطف على (إلزموا) لا على (فانصروه).وقد روى الحسن بن سليمان الحلّي بإسناده عن أحمد بن عقبة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، أنّه سئل عن الرجعة أحقٌّ هي؟ قال: «نعم»، فقيل: من أوّل من يخرج؟ قال: «الحسين عليه السلام يخرج على أثر القائم عليه السلام»، قلت: ومعه الناس كلّهم؟ قال: «لا، بل كما ذكره اللَّه في كتابه: «يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً»(1) قومٌ بعد قوم»(2).وأيضاً بإسناده، عنه عليه السلام، قال: «يبعث الحسين عليه السلام في أصحابه الّذين قُتلوا معه، ومعه سبعين نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم عليه السلام خاتمه، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه وإبلاغه حفرته».(3)وبإسناده، عن المعلّى بن خنيس، قال: قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: «أوّل من يرجع إلى الدنيا الحسين بن عليّ عليهما السلام، فيملك حتّى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر».(4) وقد ذكر في معناها أخباراً كثيرة.وروى أنّ أبا الصّباح الكناني سئل أبا جعفر عليه السلام عن الرجعة، فقال له: «تلك القدرة ولا ينكرها إلّا القدريّة، لا تنكرها تلك القدرة، لا تنكرها».(5)قوله عليه السلام: «إلّا القدريّة» يعني الصوفيّة، فإنّ بناء طريقتهم المبتدعة على القول بوحدة

.


1- .النبأ (78): 18.
2- .مختصر البصائر، ص 181، ح 39.
3- .مختصر البصائر، ص 181، ح 40، مع اختلاف يسير.
4- .مختصر البصائر، ص 107، ح 4، مع اختلاف يسير.
5- .مختصر البصائر، ص 117، ح 18.

ص: 399

الوجود، وهو المأوّل عند متأخّريهم بوحدة الموجود وإيجاب الموجد، وقِدَم العالم، واقتضاء الطبائع القديمة المستعدّة لما ظهر في الوجود عارضاً عليه، من الأكوان والشؤونات والنزلات والتشكّلات في سلسلتي البدو والعود باعتقادهم الفاسد.والقائل بها ليس بدّ له من إنكار مطلق البعث والنشور، واليومُ الآخر عندهم - كما صرّحوا به في كتبهم - عبارة عن عود نظام العالم بمقتضى طبيعة الوجود في كلّ أربعين ألف سنة أو في كلّ ستّ وثلاثين ألف سنة بعد انطباق المنطقتين إلى النظام الذي كان عليه بعينه في جميع الأحوال والأوضاع.وقد عرفت مراراً أنّ كفرهم كفر ممزوج من ضلالات شتّى، ومن كفرهم طريق كنسج العنكبوت إلى كلّ صنف من صنوف الكفر؛ كفر الفلاسفة والدهريّة والتناسخيّة والعامّة بصنوفهم وغيرها من ضروب الكفرة وكفر مقالاتهم الخادعة للجهلاء بالرياضة وصفرة الألوان وقراءة القرآن وذكر الأحاديث والأمثال وإنشاد الأشعار والجوع والصمت والسهر والعزلة، وغير ذلك من أفاعيلهم العنديّة كوسخ الحديد المرصّع بالجواهر واليواقيت والذهب، وهذا الترصيع إنّما هو من تدقيقات أفكار إبليس اللعين في أواخر عمره الطويل كي يضلّ بمثله الفرقة الناجية؛ لعلمه بأنّ الشفاعة من وراء ذنوبهم، وأنّهم لا يخدعون في الاعتقاد بعقيدة من عقائد الاثنين والسبعين الهالكة من الثلاث والسبعين الذين إحداها ناجية؛ والسلام على مَن اتّبع الهُدى.

.

ص: 400

الباب الثاني والستّون: باب الاُمور التي توجب حجّة الإمام

الباب الثاني والستّون : بَابُ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ حُجَّةَ الْإِمَامِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَن البزنطي (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : إِذَا مَاتَ الْإِمَامُ بِمَ يُعْرَفُ (2) الَّذِي بَعْدَهُ ؟ فَقَالَ : «لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ : مِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ وُلْدِ أَبِيهِ ، وَ يَكُونَ فِيهِ الْفَضْلُ وَ الْوَصِيَّةُ ، وَ يَقْدَمَ الرَّكْبُ ، فَيَقُولَ : إِلى مَنْ أَوْصى فُلَانٌ ؟ فَيُقَالَ : إِلى فُلَانٍ ؛ وَ السِّلَاحُ فِينَا بِمَنْزِلَةِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، تَكُونُ الْإِمَامَةُ مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا كَانَ» .

هديّة:في العنوان: (توجب حجّة الإمام عليه السلام) أي تثبت حقّيّة دعواه الإمامة.في بعض النسخ: «بِمَ يُعرف الإمام الذي».(يكون أكبر ولد أبيه) يعني بعد الحسنين عليهما السلام بشرط أن لا تكون به عاهة، وسيذكر هذا الشرط، فلا يرد ادّعاء الأفطح الإمامة.قال المفيد في إرشاده:وكان «عبداللَّه بن جعفر» أكبر إخوته بعد إسماعيل، ولم يكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من وُلْده في الإكرام، وكان متّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد، ويُقال: إنّه يخالط

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر».
2- .في «الف»: + «إمام».

ص: 401

الحشويّة، ويميل إلى مذهب المرجئة.(1)و«الحشويّة»: طائفة من الأشاعرة يقولون نحن أهل السنّة، ويقدّمون الأحاديث الموضوعة على محكمات القرآن، و«المرجئة»: المؤخّرون إمامة أمير المؤمنين عليه السلام في أحد وجوه تسميتهم بذلك، فأعمّ من الأشاعرة والمعتزلة وسائر فرق العامّة، وقد سبق ذكر وجوه التسمية.و«الفطح» محرّكة: عرض الرّأس، وعرض أرنبة الأنف، واعوجاج في الرجلين يمشي به بعرضهما، و«الفطحيّة» بالفتحتين: رهط عبداللَّه الأفطح من ولد الصادق عليه السلام.(ويكون فيه الفضل) يحتمل النصب والرفع، وكذا (يقدم) و(فيقول)؛ إذ الواو عاطفة أو ابتدائيّة، يعني الفضل الممتاز والعلم بجميع ما يحتاج إليه الناس والعصمة الظاهرة والحسب المبين كالنسب المعلوم إلى آدم عليه السلام بحيث لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في حسبه ولا نسبه إلّا أن يرجع الناس طعنه عليه.(ويقدم الركب) أي المدينة، كما صرّح به في الخبر الآتي، قيل: هو جمع «الراكب» كالركبان، وقيل: بل اسم جمع. وسيجي ء ذكر الوصيّة الظاهرة وغيرها إن شاء اللَّه تعالى.و«سلاح الحرب» ككتاب:(2) سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كان بعده صلى اللَّه عليه وآله علامة(3) الإمامة حيثما كان، كالصندوق في بني إسرائيل علامةً للنبوّة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَن الغنوي ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى (4) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : الْمُتَوَثِّبُ عَلى هذَا الْأَمْرِ ، الْمُدَّعِي لَهُ ، مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ ؟

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 210.
2- .في «الف»: + «والمراد».
3- .في «د»: - «علامة».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد شَعَرٍ، عن هارون بن حمزة، عن عبد الأعلى».

ص: 402

قَالَ : «يُسْأَلُ عَنِ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ» . قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : «ثَلَاثَةٌ مِنَ الْحُجَّةِ لَمْ تَجْتَمِعْ (1) فِي أَحَدٍ إِلَّا كَانَ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ : أَنْ يَكُونَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَ يَكُونَ عِنْدَهُ السِّلَاحُ ، وَ يَكُونَ صَاحِبَ الْوَصِيَّةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي إِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ سَأَلْتَ عَنْهَا الْعَامَّةَ وَ الصِّبْيَانَ : إِلى مَنْ أَوْصى فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ : إِلى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» .

هديّة:(عن الحلال والحرام) كناية عن العلم بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم من المسائل والأحكام وغير ذلك، لكن بشاهد من القرآن، فلا ينافي ما في الحديث التالي لتالي التالي من أنّ المسائل ليس فيها حجّة؛ إذ المعنى - كما سيذكر - أنّ علم المسائل من دون العلم بدلائلها وشواهدها من القرآن لو طلبتا ليس حجّة الإمامة.فقول بعض المعاصرين: إنّما كان السؤال عن الحلال والحرام حجّة على المدّعي المتكلّف إذا عجز عن الجواب لا مطلقاً، وقد وقع التصريح بعدم حجّيته في حديث آخر كما يأتي،(2) كما ترى.(أولى الناس بمن كان قبله). قال المفيد رحمة اللَّه عليه: أي بإكرامه وتربيته ومحبّته له؛ صرّح به برهان الفضلاء أيضاً، ووجه العدول عن المتبادر ظاهر.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الثلاثة(3)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قِيلَ لَهُ : بِأَيِّ شَيْ ءٍ يُعْرَفُ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «بِالْوَصِيَّةِ الظَّاهِرَةِ ، وَ بِالْفَضْلِ ؛ إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَطْعُنَ عَلَيْهِ فِي فَمٍ وَ لَا بَطْنٍ وَ لَا فَرْجٍ ؛ فَيُقَالَ : كَذَّابٌ ، وَ يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ ، وَ مَا أَشْبَهَ هذَا» .

.


1- .في «الف»: «يجتمع».
2- .الوافي، ج 2، ص 131، ذيل ح 597.
3- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 403

هديّة:يعني من المذامّ والمطاعن حسباً ونسباً على ما سبق آنفاً.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا عَلَامَةُ الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ : «طَهَارَةُ الْوِلَادَةِ ، وَ حُسْنُ الْمَنْشَاَ ، وَ لَا يَلْهُو ، وَ لَا يَلْعَبُ» .

هديّة:(طهارة الولادة) يعني في نسبه المعلوم إلى آدم عليه السلام.(وحسن المنشأ) تعبير عن عدم الطعن عليه صدقاً من أحد بوجه من الوجوه في وقتٍ من أوقات عمره، بنقص أو عيب أو عاهة ينفي الاستواء خلقة أوّلاً. و«حسن المنشأ» بالفارسيّة: «خوب بر آمدن»، وبعبارة اُخرى: «خوب بزرگ شدن».(ولا يلهو و لا يلعب) يعني في عمره أصلاً، أو بعد دعوى الإمامة، فعبارة عن العصمة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ(2) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّلَالَةِ عَلى صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ ، فَقَالَ : «الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ : الْكِبَرُ ، وَ الْفَضْلُ ، وَ الْوَصِيَّةُ ، إِذَا قَدِمَ الرَّكْبُ الْمَدِينَةَ فَقَالُوا : إِلى مَنْ أَوْصى فُلَانٌ ؟ قِيلَ : إِلى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، وَ دُورُوا مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا دَارَ ؛ فَأَمَّا الْمَسَائِلُ ، فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ» .

هديّة:(الكبر) أي كونه أكبر ولد أبيه بعد الحسنين عليهما السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أحمد بن عمر».

ص: 404

(والفضل) قد فصّل آنفاً. (والوصيّة) أي الظاهرة لبيانه.وقد عرفت آنفاً في بيان رفع المنافاة أنّ معنى (فأمّا المسائل، فليس فيها حجّة) أنّ علمها من دون العلم بدلائلها وشواهدها من القرآن لو طلبتا ليس (1) حجّة الإمامة، فالقول بأنّ وجه الجمع جواز التقيّة في الأحكام ليس بوجه.وقال برهان الفضلاء لدفع المنافاة: المراد بقوله: «فأمّا المسائل» هي المسائل المشهورة بين الناس التي ليست من مسائل الحلال والحرام في شرعنا، فلا منافاة، وهو أيضاً كما ترى.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ بِهِ عَاهَةٌ» .

هديّة:يعني آفة في الجسد ينفي الاستواء الجبلّي أوّلاً، وقد عرفت آنفاً فائدة الشرط.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(3) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ، بِمَ يُعْرَفُ الْإِمَامُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «بِخِصَالٍ: أَمَّا أَوَّلُهَا ، فَإِنَّهُ بِشَيْ ءٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَبِيهِ فِيهِ وَبِأِشَارَةٍ إِلَيْهِ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً ؛ وَ يُسْأَلُ فَيُجِيبُ ؛ وَ إِنْ سُكِتَ عَنْهُ ابْتَدَأَ ؛ وَ يُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ ؛ وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِكُلِّ لِسَانٍ».ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أُعْطِيكَ عَلَامَةً قَبْلَ أَنْ تَقُومَ» فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ ، فَكَلَّمَهُ الْخُرَاسَانِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَأَجَابَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِالْفَارِسِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُ

.


1- .في «د»: - «ليس».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي بصير».

ص: 405

الْخُرَاسَانِيُّ : وَ اللَّهِ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - مَا مَنَعَنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ بِالْخُرَاسَانِيَّةِ غَيْرُ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُهَا ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! إِذَا كُنْتُ لَا أُحْسِنُ أُجِيبُكَ ، فَمَا فَضْلِي عَلَيْكَ ؟» .ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْفى عَلَيْهِ كَلَامُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، وَ لَا طَيْرٍ ، وَ لَا بَهِيمَةٍ ، وَ لَا شَيْ ءٍ فِيهِ الرُّوحُ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ هذِهِ الْخِصَالُ فِيهِ ، فَلَيْسَ هُوَ بِإِمَامٍ» .

هديّة:(وإن سكت عنه) فيما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم.(ويخبر بما في غد) يعني بعلمه بإذن اللَّه تعالى من جهات علمه المذكورة فيما سبق من الإلهام والتحديث والزبر الحقّة وإخبار المعصوم السابق، ولا يعلم أحدٌ الغيبَ سوى اللَّه تعالى إلّا بإذنه، ولن يأذن في حكمته في هذا النظام العظيم إلّا لمن اصطفاه بالعصمة للحجّة.وقال برهان الفضلاء: يعني بالاستنباط من القرآن بالعلم التفصيلي الحاصل له في ليالي القدر، فذِكْر جهةٍ من الجهات على التمثيل، فلا يدلّ على الانحصار.(أعطيك علامة) تنوينها للتعظيم، وهي متضمّنة لعلامتين.

.

ص: 406

الباب الثالث والستّون: باب ثبات الإمامة في الأعقاب ، و أنّها لا تعود في أخ و...

الباب الثالث والستّون : بَابُ ثَبَاتِ الْإِمَامَةِ فِي الْأَعْقَابِ ، وَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ فِي أَخٍ وَ لَا عَمٍّ وَ لَا غَيْرِهِمَا مِنَ الْقَرَابَاتِ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَعُودُ الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام أَبَداً ، إِنَّمَا جَرَتْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» فَلَا يَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلَّا فِي الْأَعْقَابِ وَ أَعْقَابِ الْأَعْقَابِ» .

هديّة:(ثوير) بالمثلّثة مصغّراً.«وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» في سورة الأنفال هكذا: «وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ»(2) الآية، وفي سورة الأحزاب هكذا: «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ»(3)الآية، فسّر «الأَوْلى» بالأولى بالإمامة، بمعنى الإمارة للمسلمين بأمر اللَّه سبحانه وكتاب

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس».
2- .الأنفال (8): 75.
3- .الأحزاب (33): 6.

ص: 407

اللَّه باللوح المحفوظ، وهو المسمّى ب «الاسم الأكبر».(إلّا في الأعقاب) أي الأولاد، وأولاد الأولاد. والتكرار إيماء إلى التجاوز عن أقلّ مراتب الجمع.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : «أَبَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَخَوَيْنِ ، بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام» .

هديّة:يعني الإمامة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ (2) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ : أَ تَكُونُ الْإِمَامَةُ فِي عَمٍّ أَوْ خَالٍ ؟ فَقَالَ : «لَا» ، فَقُلْتُ : فَفِي أَخٍ ؟ قَالَ : «لَا»، قُلْتُ : فَفِي مَنْ ؟ قَالَ : «فِي وَلَدِي» وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ لَا وَلَدَ لَهُ .

هديّة:يعني لا بعد الحسنين عليهما السلام. و«الولد» بالضمّ: مفرد وجمع، وكذا «الولد» بفتحتين، إلّا أنّ أكثر استعمال الأوّل في الثاني، والثاني في الأوّل، فالأولى في (ولدي) بالضمّ، وفي (لا ولد له) بالفتح.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «لَا تَجْتَمِعُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن حمّاد بن عيسى».

ص: 408

الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ، إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَعْقَابِ وَ أَعْقَابِ الْأَعْقَابِ» .

هديّة:بيانه كنظايره.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1) بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَ لَا أَرَانِي اللَّهُ - فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِهِ مُوسى (2). قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسى حَدَثٌ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ». قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِوَلَدِهِ حَدَثٌ ، وَ تَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَ ابْناً صَغِيراً ، فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ ، ثُمَّ وَاحِداً فَوَاحِداً».وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : «ثُمَّ هكَذَا أَبَداً» .

هديّة:(وفي نسخة الصفواني ثمّ هكذا أبداً) ليس من كلام صاحب الكافي كما يتوهّم، بل من زيادات النسّاخ كالمفيد في الأكثر، وكان الصفواني من تلامذة ثقة الإسلام، نسبةً إلى صفوان بن يحيى الكوفي، ويكنّى الصفواني: أبا محمّد، واسم أبيه: جعفر، فلعلّ نسخته من النسخ التي شرّفت بنظر المصنّف قدّس سرّه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن عيسى بن عبد اللَّه».
2- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 409

الباب الرابع والستّون: باب ما نصّ اللَّه عزّ و جلّ و رسوله على الأئمّة...

الباب الرابع والستّون : بَابُ مَا نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولُهُ صلّى اللَّه عليه وآله عَلَى الْأَئِمَّةِ عليه السلام وَاحِداً فَوَاحِداًوأحاديثه كما في أكثر نسخ الكافي ستّة عشر، وعلى بعضها وفيه عنوان آخر بعد سبعة منها، فأحاديثه سبعة، وأحاديث تاليه تسعة، وننقل إن شاء اللَّه تعالى كما في بعضها:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده بثلاثة طرق عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قَالَ (2): فَقَالَ : «نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام».فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : فَمَا لَهُ لَمْ يُسَمِّ عَلِيّاً وَ أَهْلَ بَيْتِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ؟قَالَ : فَقَالَ : «قُولُوا لَهُمْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله نَزَلَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ، وَ لَمْ يُسَمِّ اللَّهُ لَهُمْ ثَلَاثاً وَ لَا أَرْبَعاً حَتّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ ؛ وَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَ لَمْ يُسَمِّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَمٌ حَتّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ ؛ وَ نَزَلَ الْحَجُّ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الكلبيّ، عن أيّوب بن الحرّ وعمران بن عليّ الحلبيّ، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع: - «قال».

ص: 410

فَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ (1) : طُوفُوا أُسْبُوعاً حَتّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ ؛ وَ نَزَلَتْ «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وَ نَزَلَتْ (2) فِي عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي عَلِيٍّ عليه السلام : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ؛ وَ قَالَ عليه السلام : أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَيْتِي ؛ فَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتّى يُورِدَهُمَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، فَأَعْطَانِي ذلِكَ ؛ وَ قَالَ عليه السلام : لَا تُعَلِّمُوهُمْ ؛ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ ، وَ قَالَ عليه السلام : إِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى ، وَ لَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي بَابِ ضَلَالَةٍ ، فَلَوْ سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ لَادَّعَاهَا آلُ فُلَانٍ وَ آلُ فُلَانٍ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْزَلَ (3) فِي كِتَابِهِ ، تَصْدِيقاً لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فَكَانَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ فَاطِمَةُ عليهم السلام ، فَأَدْخَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله تَحْتَ الْكِسَاءِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ، إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَهْلاً وَ ثَقَلاً ، وَ هؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَ ثَقَلِي ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : أَ لَسْتُ مِنْ أَهْلِكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ إِلى خَيْرٍ ، وَ لَكِنَّ هؤُلَاءِ أَهْلِي وَ ثَقَلِي .فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ ؛ لِكَثْرَةِ مَا بَلَّغَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِقَامَتِهِ لِلنَّاسِ ، وَ أَخْذِهِ بِيَدِهِ .فَلَمَّا مَضى عَلِيٌّ عليه السلام ، لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ عَلِيٌّ عليه السلام - وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ - أَنْ يُدْخِلَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ لَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍّ وَ لَا وَاحِداً مِنْ وُلْدِهِ ، إِذاً لَقَالَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام : إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَنْزَلَ فِينَا كَمَا أَنْزَلَ فِيكَ ، وَأَمَرَ4بِطَاعَتِنَا كَمَا أَمَرَ بِطَاعَتِكَ ، وَ بَلَّغَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَمَا بَلَّغَ فِيكَ ، وَ أَذْهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ كَمَا أَذْهَبَهُ عَنْكَ .فَلَمَّا مَضى عَلِيٌّ عليه السلام ، كَانَ الْحَسَنُ عليه السلام أَوْلى بِهَا ؛ لِكِبَرِهِ .فَلَمَّا تُوُفِّيَ ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُدْخِلَ وُلْدَهُ ، وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذلِكَ ، وَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ :

.


1- .في «الف» - «لهم».
2- .في «الف»: - «ونزلت».
3- .في الكافي المطبوع: «أنزله».

ص: 411

«وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» فَيَجْعَلَهَا فِي وُلْدِهِ ، إِذاً لَقَالَ الْحُسَيْنُ عليه السلام : أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِي كَمَا أَمَرَ بِطَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ أَبِيكَ ، وَ بَلَّغَ فِيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَمَا بَلَّغَ فِيكَ وَ فِي أَبِيكَ ، وَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي الرِّجْسَ كَمَا أَذْهَبَ عَنْكَ وَ عَنْ أَبِيكَ .فَلَمَّا صَارَتْ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ هُوَ يَدَّعِي عَلى أَخِيهِ وَ عَلى أَبِيهِ لَوْ أَرَادَا أَنْ يَصْرِفَا الْأَمْرَ عَنْهُ ، وَ لَمْ يَكُونَا لِيَفْعَلَا ؛ ثُمَّ صَارَتْ حِينَ أَفْضَتْ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَجَرى تَأْوِيلُ هذِهِ الْآيَةِ : «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيًّ عليهما السلام». وَ قَالَ : «الرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ ، وَ اللَّهِ لَا نَشُكُّ فِي رَبِّنَا أَبَداً» .

هديّة:في العنوان كلمة: «ما» في (ما نصّ اللَّه) مصدريّة، و(واحداً) حال من (الأئمّة).(فقال: قولوا) أي في جوابهم على سبيل النقض الإجمالي.(ونزلت: «أَطِيعُوا اللَّهَ») الآية في سورة النساء.(1)(وقال عليه السلام: أوصيكم بكتاب اللَّه وأهل بيتي) وفي بعض ألفاظ الخطبة النبويّة في غدير خمّ: «القرآن يعرّفكم أنّ الأئمّة من ولد عليّ وولدي،(2) وعرّفتكم أنّهم منّي ومنه؛ لأنّه منّي وأنا منه، حيث يقول اللَّه عزّ وجلّ: «وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ»(3)، وقلت: لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهم».(4)و«عليّ» في (عليّ الحوض) قرأ على طريقين: على الجارّ، فالحوض مجرور، وعلى الجارّ والمجرور، فالحوض منصوب.

.


1- .النساء (4): 59.
2- .في المصدر: «من بعده ولده» بدل «من ولد عليّ وولدي».
3- .الزخرف (43): 28.
4- .الاحتجاج، ج 1، ص 65؛ وعنه في البحار، ج 37، ص 215، ح 86.

ص: 412

(فلم يبيّن من أهل بيته) قيل: يحتمل كسر الميم، أي فلم يكشف عنهم بالتصريح بهم.و(الكساء) بالكسر والمدّ: واحد «الأكسية»، وأصله «كساوٌ» بالواو؛ لأنّه من «كسوت» إلّا أنّ الواو لمّا جاءت بعد الألف همزت.و«الثقل» بالتحريك: متاع المسافر وحشمه، وسيجي ء في الحديث أنّ أهل بيت كلّ نبيّ أوصياءه.(ولكن هؤلاء أهلي وثقلي) هذا الاستدراك دلالة على أنّ الجميع إلى خيرٍ، وأنّ المراد بأهل البيت في آية التطهير في سورة الأحزاب: المعصومون من قرابات النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، وهم آل الرسول صلى اللَّه عليه وآله لا غيرهم من القرابات وغيرهم، ولذا لا فرق بين قولنا: اللّهُمَّ صلِّ على محمّد وآله، واللّهُمَّ صلِّ على محمّد وأهل بيته، كما ورد عنهم عليهم السلام في أحاديثهم المضبوطة والأدعية المنقولة. وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار بإسناده، عن عبداللَّه بن ميسرة، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّا نقول: اللّهُمَّ صلِّ على محمّد وأهل بيته، فيقول قومٌ: نحنُ آل محمّد، فقال: «إنّما آل محمّد من حرّم اللَّه عزّ وجلّ على محمّد صلى اللَّه عليه وآله نكاحه».(1)ومن الأحاديث الموضوعة من طرق العامّة: «آلي اُمّتي».(2) ونِعْم ما قيل: إنّه على تقدير صحّته دلالة على أنّ المؤمن بالرسول وما جاء به والمطيع له - كما أمر اللَّه تعالى - إنّما هو المعصوم من اُمّته.(واللَّه عزّ وجلّ يقول: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ») الآية في سورتين الأنفال والأحزاب.(3)

.


1- .معاني الأخبار، ص 93، باب معنى الآل والأهل والعترة والاُمّة، ح 1.
2- .لم نعثر عليه، نعم نقله علماء أهل العراق و خراسان عند مناظرتهم مع الإمام الرضا عليه السلام مع التقديم والتأخير في اللفظ. راجع: الأمالي للصدوق، ص 523، المجلس 79، ح 1؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 228، الباب 23، ح 1؛ تحف العقول، ص 426؛ بشارة المصطفى، ص 350، ضمن ح 43؛ ينابيع المودّة، ج 1، ص 133، ضمن ح 12.
3- .الأنفال (8): 75؛ الأحزاب (33): 6.

ص: 413

فقيل: «واللَّه عزّ وجلّ يقول» جملة معترضة، يعني لو أَدخل وُلدَه لكان وجهه أنّ اللَّه تعالى يقول: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» والولد أولى في الرحم من الأخ، وذلك بقرينة (فجرى تأويل هذه الآية) فيما بعد، وقيل: حاليّة من ضمير (ليفعل) كما صرّح به برهان الفضلاء. والمآل واحد.(فيجعلها) نصب عطف على «ليفعل»، واللام مكسورة في «ليفعل» بقرينة «ليفعلا» الآتية. وقيل: للتعليل، ولام التعليل تكون بمعنى «كي». وغلط، بل للجحود.قال الجوهري: ومن اللامات لام الجحود بعد«ما كان» و«لم يكن» ولا يصحب إلّا النفي كقوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ»، أي لأن يعذّبهم، انتهى.(1)(لم يكن أحد من أهل بيته) أي الحسن والحسين عليهما السلام.«أفضى إليه»: صار واصلاً إليه، وأفضاه غيره إليه، يتعدّى ولا يتعدّى.(فجرى تأويل هذه الآية) يعني المراد باُولي الأرحام في الآية: المعصومون من قراباته صلى اللَّه عليه وآله بعد الحسين عليه السلام.(ثمّ صارت) من الأفعال التامّة، أي انتقلت إلى الأعقاب، وأعقاب الأعقاب.(واللَّه لا نشكّ في ربّنا أبداً) بيان لوجه من وجوه الفرق بين المعصوم وغيره بانتفاء الرجس والشكّ عن المعصوم من أوّل عمره إلى آخر عمره، وعدم خلوّ غيره عنه ولو لحظة في مدّة عمره، والموجب للشكّ هو الرجس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (2) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ رَوْحٍ الْقَصِيرِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «النَّبِىُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ

.


1- .الصحاح، ج 5، ص 2036 (لوم).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن ابن مسكان».

ص: 414

أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» فِيمَنْ نَزَلَتْ ؟قَالَ (1) : «نَزَلَتْ فِي الْإِمْرَةِ ، إِنَّ هذِهِ الْآيَةَ جَرَتْ فِي وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ بَعْدِهِ ، فَنَحْنُ أَوْلى بِالْأَمْرِ وَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ».قُلْتُ : فَلِوَلَدِ جَعْفَرٍ(2) فِيهَا نَصِيبٌ ؟ فقَالَ (3) : «لَا». قُلْتُ : فَلِوُلْدِ الْعَبَّاسِ فِيهَا نَصِيبٌ ؟ فَقَالَ : «لَا» ، فَعَدَدْتُ عَلَيْهِ بُطُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، كُلَّ ذلِكَ يَقُولُ : «لَا».قَالَ : وَ نَسِيتُ وُلْدَ الْحَسَنِ عليه السلام ، فَدَخَلْتُ بَعْدَ ذلِكَ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ لِوُلْدِ الْحَسَنِ عليه السلام فِيهَا نَصِيبٌ ؟ فَقَالَ : «لَا وَ اللَّهِ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ ، مَا لِمُحَمَّدِيٍّ فِيهَا نَصِيبٌ غَيْرَنَا» .

هديّة:تمام الآية في سورة الأحزاب: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهَجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَآلِكُم مَّعْرُوفًا».4 قال برهان الفضلاء: أي إحساناً بالتقيّة والاعتزال؛ لمحافظة أوليائكم، أي شيعتكم في زمن دولة الباطل.و(الإمرة) بالكسر: الإمارة، والمراد هنا: الإمامة وصايةً عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.والقول بأنّ إمارة الشيعة وسلطنته في زمن الغيبة بعدله وحفظه بيضة الإسلام والسعي فيه على حسب المقدور والطاقة إمارة حسنة، حسنٌ. والقول بأنّ كفّ الأيدي يوجب ظهور الإمام عليه السلام مع العلم بأنّ زمان الظهور موقّت في علم اللَّه سبحانه، لا ينحسم إعضاله إلّا في زمن الظهور.وقرأ برهان الفضلاء: «في الأمَرَة» بالتحريك: جمع أمر، قال: وهذا أنسب هنا من «الإمرة» بالكسر، بمعنى الإمارة. ثمّ قال: «ما لمحمّديّ» أي لأحد من المنسوبين إليه صلى اللَّه عليه وآله نسباً أو سبباً بعد الحسين عليه السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقال».
2- .في الكافي المطبوع: «فولد جعفر لهم» بدل «فلولد جعفر».
3- .الأحزاب (33): 6.

ص: 415

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسى (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تعالى : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» قَالَ : «إِنَّمَا يَعْنِي أَوْلى بِكُمْ ، أَيْ أَحَقُّ بِكُمْ وَ بِأُمُورِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (2) وَ أَمْوَالِكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ، وَ الَّذِينَ آمَنُوا : يَعْنِي عَلِيّاً وَ أَوْلَادَهُ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فَقَالَ : «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلواتُ اللَّه عَلَيه فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَ قَدْ صَلّى رَكْعَتَيْنِ وَ هُوَ رَاكِعٌ ، وَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ ، وَ كَانَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله كَسَاهُ إِيَّاهَا ، وَ كَانَ النَّجَاشِيُّ أَهْدَاهَا لَهُ ، فَجَاءَ سَائِلٌ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، تَصَدَّقْ عَلى مِسْكِينٍ ، فَطَرَحَ الْحُلَّةَ إِلَيْهِ ، وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ : أَنِ احْمِلْهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فِيهِ هذِهِ الْآيَةَ ، وَ صَيَّرَ نِعْمَةَ أَوْلَادِهِ بِنِعْمَتِهِ ، فَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَبْلَغَ الْإِمَامَةِ يَكُونُ بِهذِهِ النِّعْمَةِ مِثْلَهُ ، فَيَتَصَدَّقُونَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ ، وَ السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ الْأَئِمَّةَ مِنْ أَوْلَادِهِ يَكُونُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» .

هديّة:المضبوط - كما قال برهان الفضلاء: (إنّما يعني)، فقيل: والظاهر: «يعني إنّما»، وقيل: بل المضبوط أولى؛ لأنّه أظهر في بيان الحصر، وهو المراد الأهمّ هنا.و«الحلّة» بالضمّ: من ثياب التجمّل.(وصيّر) على المعلوم من التفعيل، من الأفعال التامّة، أي أحضر.والباء في (بنعمته) للسببيّة.والمشهور التصدّق بالخاتم في الركوع كما في قوله تعالى في سورة المائدة، وورد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن عيسى».
2- .في الكافي المطبوع: «وأنفسكم» بدل «من أنفسكم».

ص: 416

به أخبار، منها: ما روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب عرض المجالس بإسناده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية، قال: «إنّ رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبداللَّه بن سلام وأسد وثعلبة وابن أمين (1) وابن صوريا، فأتوا النبيّ صلى اللَّه عليه وآله فقالوا: يا نبيّ اللَّه إنّ موسى عليه السلام أوصى إلى يوشع بن نون، فمَن وصيّك يارسول اللَّه ومَن وليّنا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قوموا»، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: «يا سائل أما أعطاك أحدٌ شيئاً؟» قال: نعم، هذا الخاتم، قال: «مَن أعطاكه؟» قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يُصلّي، قال: «على أيّ حالٍ أعطاك؟» قال: كان راكعاً، فكبّر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وكبّر أهل المسجد، فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «عليّ بن أبي طالب وليّكم بعدي»، قالوا: رضينا باللَّه ربّاً(3)، وبمحمّد نبيّاً، وبعليّ بن أبي طالب وليّاً، فأنزل اللَّه تعالى: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ»(4)، فروى عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: واللَّه لقد تصدّقتُ بأربعين خاتماً وأنا راكع؛ لينزل فيَّ ما نزل في عليّ بن أبي طالب، فما نزل».(5)فلا يخفى عدم المنافاة بين إعطاء الحلّة وإعطاء الخاتم في صلاة واحدة في ركوعها سائلاً واحداً.وقال برهان الفضلاء:الظاهر من الأخبار تكرار التصدّق في حال الركوع من صلاتين وهل صاحب الزمان - صلوات اللَّه عليه - سئل في ركوعه وتصدّق كآبائه عليهم السلام، أو يسأل عند الظهور ويتصدّق؟ العلم عند اللَّه وحججه عليهم السلام.

.


1- .في المصدر: «ابن يامين».
2- .المائدة (5): 55.
3- .في المصدر: + «وبالإسلام ديناً».
4- .المائدة (5): 56.
5- .الأمالي للصدوق، ص 124، المجلس 26، ح 4.

ص: 417

الحديث الرابع روى في الكافي عن الثلاثة(1)، عَن ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ وَ الْفُضَيْلِ وَ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَالْعِجْلِي وَ أَبِي الْجَارُودِ جَمِيعاً ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَمَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - رَسُولَهُ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وَ فَرَضَ وَلَايَةَ أُولِي الْأَمْرِ ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا هِيَ ؟ فَأَمَرَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله أَنْ يُفَسِّرَ لَهُمُ الْوَلَايَةَ كَمَا فَسَّرَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَ الزَّكَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الْحَجَّ ، فَلَمَّا أَتَاهُ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ ، ضَاقَ بِذلِكَ صَدْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ تَخَوَّفَ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ دِينِهِمْ وَ أَنْ يُكَذِّبُوهُ ، فَضَاقَ صَدْرُهُ ، وَ رَاجَعَ رَبَّهُ تَعَالى ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فَصَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَقَامَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ ، فَنَادَى : الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، وَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».قَالَ عُمَرُ بْنُ أُذَيْنَةَ : قَالُوا جَمِيعاً غَيْرَ أَبِي الْجَارُودِ : وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ تَنْزِلُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْأُخْرى ، وَ كَانَتِ الْوَلَايَةُ آخِرَ الْفَرَائِضِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا»» .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى : لَا أُنْزِلُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ هذِهِ فَرِيضَةً ، قَدْ أَكْمَلْتُ لَكُمُ الْفَرَائِضَ» .

هديّة:(بولاية عليّ عليه السلام) أي بإظهار وجوب ولايته بآية الولاية في سورة المائدة.(ضاق بذلك). قيل: لعلّ وجهه انتظاره صلى اللَّه عليه وآله نزول آية مصرّحة في ذلك بالاسم والنسب؛ لئلّا يقع الاختلاف، ونِعمَ ما قيل: لو لم يكن قوله تعالى في آية الولاية: «والّذين آمنوا» خاصّاً، لم يبق من المؤمنين مولّى عليه مشاراً إليه بضماير الجمع للخطاب، فأوحى اللَّه إليه: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» الآية في سورة المائدة.

.


1- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 418

«صدعت الشي ء» كمنع: أظهرته وبيّنته، و«صدعت بالحقّ»، إذا تكلّمت به جهاراً، قال اللَّه تعالى: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ»(1). قال الفرّاء: أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك.(2)(الصلاة جامعة) نصب على الإغراء، و«جامعة» على الحاليّة، أي الزموا الصلاة حال كونها في جماعة؛ ليستمعوا ما أنزل اللَّه تعالى في عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه، وهو قوله تعالى في المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(3) الآية.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ(4) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : حَدِّثْنِي عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : «وَيْحَكَ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَخْوَفَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ اللَّهُ ، بَلِ افْتَرَضَهُ كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَ الزَّكَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الْحَجَّ» .

هديّة:بيانه بيِّن. في القاموس:«ويح» كزيد، وويحاً له: كلمة رحمة، ورفعه على الابتداء، ونصبه بإضمار فعلٍ، وويح زيد، وويحه، نصبهما به أيضاً، وويحما زيد بمعناه، أو أصله: «وي»، فوصلت بحاء مرّة، وبلام مرّة، وبسين مرّة، وبياء مرّة.(5)

الحديث السادس .


1- .الحجر (15): 94.
2- .الصحاح، ج 3، ص 1242 (صدع).
3- .المائدة (5): 3.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة».
5- .القاموس المحيط، ج 1، ص 256 (ويح).

ص: 419

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «فَرَضَ اللَّهُ تَعَالى عَلَى الْعِبَادِ خَمْساً ، أَخَذُوا أَرْبَعاً ، وَ تَرَكُوا وَاحِدَةً».قُلْتُ : أَ تُسَمِّيهِنَّ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟فَقَالَ : «الصَّلَاةُ ، وَ كَانَ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يُصَلُّونَ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْهُمْ بِمَوَاقِيتِ صَلَاتِهِمْ .ثُمَّ نَزَلَتِ الزَّكَاةُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْهُمْ مِنْ زَكَاتِهِمْ مَا أَخْبَرْتَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ .ثُمَّ نَزَلَ الصَّوْمُ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذَا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ ، بَعَثَ إِلى مَا حَوْلَهُ مِنَ الْقُرى ، فَصَامُوا ذلِكَ الْيَوْمَ ، فَنَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَ شَوَّالٍ .ثُمَّ نَزَلَ الْحَجُّ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : أَخْبِرْهُمْ مِنْ حَجِّهِمْ مَا أَخْبَرْتَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَ زَكَاتِهِمْ وَ صَوْمِهِمْ .ثُمَّ نَزَلَتِ الْوَلَايَةُ ، وَ إِنَّمَا أَتَاهُ ذلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» وَ كَانَ كَمَالُ الدِّينِ بِوَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، فَقَالَ عِنْدَ ذلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أُمَّتِي حَدِيثُو(1) عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ ، وَ مَتى أَخْبَرْتُهُمْ بِهذَا فِي ابْنِ عَمِّي ، يَقُولُ قَائِلٌ ، وَ يَقُولُ قَائِلٌ - فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ لِسَانِي - فَأَتَتْنِي عَزِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ بَتْلَةٌ أَوْعَدَنِي إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ أَنْ يُعَذِّبَنِي ، فَنَزَلَتْ : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلِي إِلَّا وَ قَدْ عَمَّرَهُ اللَّهُ تَعَالى ، ثُمَّ دَعَاهُ فَأَجَابَهُ ، فَأَوْشَكَ أَنْ أُدْعى فَأُجِيبَ ، وَ أَنَا مَسْؤُولٌ وَ أَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ ؛ فَمَا ذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟

.


1- .هكذا في حاشية «ألف» والمطبوع. وفي «ألف» و «د»: «حديث».

ص: 420

فَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ ، وَ نَصَحْتَ ، وَ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ ؛ فَجَزَاكَ اللَّهُ أَفْضَلَ جَزَاءِ الْمُرْسَلِينَ .فَقَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، هذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي ؛ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ».قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «كَانَ وَاللَّهِ أَمِينَ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ وَ غَيْبِهِ وَ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ .ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَه (1) ، فَدَعَا عَلِيّاً عليه السلام ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَئْتَمِنَكَ عَلى مَا ائْتَمَنَنِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْبِهِ وَ عِلْمِهِ وَ خَلْقِهِ وَ دِينِهِ (2) الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يُشْرِكْ وَاللَّهِ فِيهَا - يَا زِيَادُ - أَحَداً مِنَ الْخَلْقِ .ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، فَدَعَا وُلْدَهُ - وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ذَكَراً - فَقَالَ لَهُمْ : يَا بَنِيَّ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - قَدْ أَبى إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ فِيَّ سُنَّةً مِنْ يَعْقُوبَ ، وَ إِنَّ يَعْقُوبَ دَعَا وُلْدَهُ - وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ذَكَراً - فَأَخْبَرَهُمْ بِصَاحِبِهِمْ ، أَلَا وَ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِصَاحِبِكُمْ ، أَلَا إِنَّ هذَيْنِ ابْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ، فَاسْمَعُوا لَهُمَا ، وَ أَطِيعُوا ، وَ وَازِرُوهُمَا ؛ فَإِنِّي قَدِ ائْتَمَنْتُهُمَا بِمَا(3) ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ (4) رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِمَا(5)ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ مِنْ غَيْبِهِ ، وَ مِنْ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام مَا أَوْجَبَ لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فَضْلٌ عَلى صَاحِبِهِ إِلَّا بِكِبَرِهِ ، وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام كَانَ إِذَا حَضَرَ الْحَسَنُ عليه السلام لَمْ يَنْطِقْ فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ حَتّى يَقُومَ .ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ عليه السلام حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، فَسَلَّمَ ذلِكَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام .ثُمَّ إِنَّ حُسَيْناً عليه السلام حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، فَدَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَدَفَعَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «حضر».
2- .في الكافي المطبوع: «و من خلقه ومن دينه» بدل «وخلقه و دينه».
3- .في الكافي المطبوع: «بما» بدل «على ما».
4- .في «د»: - «عليه».
5- .في الكافي المطبوع: «بما».

ص: 421

إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً ، وَ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً - وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام مَبْطُوناً لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِمَا بِهِ - فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ صَارَ وَاللَّهِ ذلِكَ الْكِتَابُ إِلَيْنَا» .

هديّة:(بين شعبان وشوّال). قال السيّد السند أمير حسن القائني طاب ثراه: يعني الشهر الذي بينهما لم يكن اسمه رمضان، فلمّا أمره اللَّه تعالى بصومه سمّاه شهر رمضان، ورمضان اسمٌ من أسماء اللَّه تعالى.إنّما لم يذكر الجهاد على حدة لاندراجها في الولاية.و«المواقيت»: جمع الموقوت، أي الأوقات المعيّنة والمعيّنات الموقّتة، فيعمّ، يدلّ عليه قوله عليه السلام: (فقال يا محمّد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم). و«ما» في «ما أخبرتهم» مصدريّة، فالمفعول المطلق للنوع.وجملة (أنزل اللَّه عزّ وجلّ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ») الآية في المائدة(1)معترضة.ولا يتوهّم نزول الولاية والآية في يومٍ واحد، فإنّ الولاية نزلت بعرفة في حجّة الوداع سنة عشر الهجريّة، والآية نزلت بعد التعيين في غدير خمّ، وللصلاة قوله تعالى في سورة المزمّل (2): «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ»، وللزكاة «وَآتُوا الزَّكَاةَ»، وللصوم قوله تعالى في سورة البقرة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»(3)الآية، وللحجّ قوله تعالى في سورة آل عمران: «وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»(4).في بعض النسخ: «حديثو عهد» بالجمع.(يقول قائل ويقول قائل) بحذف المفعول فيهما.

.


1- .المائدة (5): 3.
2- .المزمّل (73): 20.
3- .البقرة (2): 183.
4- .آل عمران (3): 97.

ص: 422

(فقلت في نفسي) إلى (يعذّبني) معترضة؛ لبيان سابقها ولاحقها، فالفاء بيانيّة بتقدير القول، أي فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: قلت(عزيمة من اللَّه) أي فجاءتني آية حتم محكمة. و«العزيمة» هي الجدّ في الأمر، والإحكام، والمحكم، والتعويذ، والفريضة.(بتلة) بتقديم المفردة، أي قطعاً البتّه.(أحداً من الخلق) أي بهواه، أو يعني لا بهواه ولا غيره.و(زياد) اسم أبي الجارود بن المنذر ينسب إليه الجاروديّة من الزيديّة.و«الموازرة»: المعاونة، ومنه: الوزير، بمعنى المُعين.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «على ما ائتمتني» مكان (بما ائتمني)، و«ممّا ائتمنه اللَّه» بالميمين، مكان (بما ائتمنه اللَّه).(إذا حضر الحسن عليه السلام) يحتمل الرفع والنصب.(كتاباً ملفوفاً) فيه كلّ ما يحتاج إليه الناس - كما سيأتي في باب النصّ على عليّ بن الحسين عليهما السلام - وقد مرَّ بيان «الوصيّة الظاهرة».(لا يرون إلّا أنّه لما به) أي لا يظنّون إلّا أنّه يستعدّ لما نزل به من المرض؛ للرحلة من دار الفناء.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَبَّاحٍ الْأَزْرَقِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُخْتَارِيَّةِ لَقِيَنِي ، فَزَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ إِمَامٌ ؟فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : «أَ فَلَا قُلْتَ لَهُ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ ، مَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ .قَالَ : «أَ فَلَا قُلْتَ لَهُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَوْصى إِلى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام ، فَلَمَّا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن صبّاح الأزرق».

ص: 423

مَضى عَلِيٌّ عليه السلام ، أَوْصى إِلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، وَ لَوْ ذَهَبَ يَزْوِيهَا عَنْهُمَا ، لَقَالَا لَهُ : نَحْنُ وَصِيَّانِ مِثْلُكَ وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذلِكَ .وَ أَوْصَى الْحَسَنُ إِلَى الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، وَ لَوْ ذَهَبَ يَزْوِيهَا عَنْهُ ، لَقَالَ : أَنَا وَصِيٌّ مِثْلُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنْ أَبِي عليه السلام، وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذلِكَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتَبِ اللَّهِ» هِيَ فِينَا وَ فِي أَبْنَائِنَا» .

هديّة:(المختاريّة) في النسبة إلى مختار بن أبي عبيدة الثقفي، وهو ممّن قال بإمامة محمّد بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام المشتهر ب «ابن الحنفيّة»، وكانت اُمّه من بني الحنفيّة، وكان رجلاً من عبيد مختار بن أبي عبيدة، اسمه كيسان، والكيسانيّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن الحنفيّة نسبةً إليه، وكانوا رهطه.(أفلا قلت) الأوّل، أي أفلا تكلّمت للحجّة عليه. و«الزّوى» بالزّاي، كالمنع والدفع لفظاً ومعنى.(هي فينا) أي هذه الآية - وهي في سورتين: سورة الأنفال وسورة الأحزاب (1) - في ولد الحسين عليه السلام، وقيل: أي بعد الحسين عليه السلام. والمآل واحد.

.


1- .الأنفال (8): 75؛ الأحزاب (33): 6.

ص: 424

الباب الخامس والستّون: باب الإشارة و النصّ على أمير المؤمنين عليهما السلام

الباب الخامس والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عن بزرج، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْجَهْمِ الْهِلَالِيِ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «لَمَّا نَزَلَتْ وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ كَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : سَلِّمُوا عَلى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَكَانَ مِمَّا أَكَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَا زَيْدُ ، قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَهُمَا : قُومَا فَسَلِّمَا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَا : أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ .فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» يَعْنِي بِهِ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَهُمَا ، وَ قَوْلَهُمَا : أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ؟ «وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ (أَئِمَّةٌ هِيَ أَزْكَى مِنْ أَئِمَّتِكُمْ)»».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَئِمَّةٌ ؟ قَالَ : «إِي وَ اللَّهِ أَئِمَّةٌ» قُلْتُ : فَإِنَّا نَقْرَأُ «أَرْبى» فَقَالَ : «مَا أَرْبى؟ - وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ فَطَرَحَهَا - «إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ» يَعْنِي بِعَلِيٍّ عليه السلام «وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن زيد بن الجهم الهلالي».

ص: 425

الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ» يَوْمَ الْقِيَامَةِ «عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها» يَعْنِي بَعْدَ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي عَلِيٍّ عليه السلام «وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» يَعْنِي بِهِ عَلِيّاً عليه السلام «وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ»» .

هديّة:ليس هذا العنوان في أكثر النسخ بين الحديث السابع والثامن من الباب الرابع والستّون، ونحن نقلناه كما في بعضها، فعلى هذا أبواب كتاب الحجّة أزيد ممّا ذكر بواحد، وأحاديثه كما في الكافي على ما نقلناه تسعة.و(الإشارة) إذا تعدّى ب «على» فبمعنى الأمر بالشي ء، وإذا تعدّى ب «إلى» فبمعنى الإيماء، فلا مخلص إلّا بجعل. (والنص) عطفُ تفسيرٍ لها. والقول بحذف المتعلّق لقرينة بيّنة، كما ترى.(فكان ممّا) جواب (لمّا) ولا يذكر الفاء في جواب «لمّا» إلّا مع كثرة التراخي، وهنا قريب منها.(فأنزل اللَّه عزّ وجلّ) يعني آيات من سورة النحل، أوّلها قوله تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا»(1) الآية.(يعني به) أي بالكفيل، بمعنى الرديف، أخذاً من الكفل. والرديف يركب الكفل، أي يعني بالكفيل ردافة قولهما (قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله).«أَنْكاثاً»: جمع نكث بالكسر، وهو أن ينقض أخلاق الأكسية لتغزل ثانية، وكانت امرأة حمقاء من قريش تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار، ثمّ تأمرهنّ أن ينقضن ما غزلن، ولا يزال كذلك دأبها، وكان اسمها «ريطة بنت عمرو» وكانت تسمّى «خرقاء مكّة» ضرب اللَّه بها مثلاً لِناقضي البيعة والعهد واليمين بعد الإحكام والتوكيد في إمرة

.


1- .النحل (16): 91 - 94.

ص: 426

عليّ بن أبي طالب - صلوات اللَّه عليه - للمؤمنين دخلاً دغلاً وخيانة وخديعة.(إي واللَّه أئمّة). الجوهري: إي بالكسر: كلمة تتقدّم القسَم، معناها بلى؛ تقول: إي وربّي، وإي واللَّه.(1)قيل: يستفاد من هذا الخبر وغيره أنّها قراءة أهل البيت عليهم السلام يعني قراءة «أزكى» مكان (أربى)، و«أئمّة» مكان (اُمّة) أي لا تنقضوا البيعة والعهد لأجل أن يكون قوم أزكى من قوم، وأئمّة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأوصياء من عند اللَّه أعلى من أئمّتكم في نظر هواكم.وقيل: كأنّه عليه السلام أراد بقوله: «ما أربى» وتعجّبه وطرح يده أنّ «أربى» هاهنا ليس معناه إلّا «أزكى»، و«الاُمّة» ليس معناها إلّا «الأئمّة» خاصّة، على ما شرحه جبرئيل عليه السلام لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في القرآن هكذا: «وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(2)، فقوله: (يوم القيامة) من كلام الإمام، للتفسير المنصوص من آبائه عليهم السلام من جبرئيل عليه السلام.والتنوين في (فتزلّ قدم) للتكثير.(بما صددتم): بما منعتم الناس من الهدى. قال سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه: تهلك هذه الاُمّة بنقض مواثيقها.(3)(يعني به) أي بسبيل اللَّه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ الثُّمَالِيِ (4) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «لَمَّا أَنْ قَضى مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله نُبُوَّتَهُ ، وَ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ ، أَوْحَى اللَّهُ - عزَّ وَ جَلَّ - إِلَيْهِ : أَنْ يَا مُحَمَّدُ ، قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ ، وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ؛ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَ

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 227 (أيا).
2- .النحل (16): 93.
3- .مجمع البيان، ج 6، ص 590.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، وأحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي».

ص: 427

الْإِيْمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ، عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ وَالِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ، كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ ذُرِّيَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ».

هديّة:لعلّ المراد بالعلم الذي عنده صلى اللَّه عليه وآله هو الذي به فضّل له على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام على ما سيذكر في هديّة الحديث التالي إن شاء اللَّه تعالى.والمراد ب (الإيمان) هنا أيضاً نور الولاية، قال اللَّه تعالى في سورة الحجرات: «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(1)؛ يعني الفلان والفلان وفلان، وب (الاسم الأكبر) الكتاب الذي يعلم به علم كلّ شي ء ممّا يحتاج إليه - كما فسّر به فى خبر عبد الحميد الآتي - وب (ميراث العلم) العصمة أو علم الكتاب أو علم الأنبياء واُولي (2) العزم منهم، وب (آثار علم النبوّة) علم الشرائع والأحكام والجفر الأبيض والجفر الأحمر ونحوهما من الصحف، والعلم عند اللَّه والنبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده بطرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَوْصى مُوسى عليه السلام إِلى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَ أَوْصى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلى وَلَدِ هَارُونَ ، وَ لَمْ يُوصِ إِلى وَلَدِهِ ، وَ لَا إِلى وَلَدِ مُوسى ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَهُ الْخِيَرَةُ ، يَخْتَارُ مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ يَشَاءُ ، وَ بَشَّرَ مُوسى وَ يُوشَعُ بِالْمَسِيحِ عليهم السلام .فَلَمَّا أَنْ بَعَثَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - الْمَسِيحَ ، قَالَ الْمَسِيحُ لَهُمْ : إِنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي نَبِيٌّ

.


1- .الحجرات (49): 7.
2- .في «الف»: «واولوا». وفي «د»: «أو اولي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسين و غيره، عن سهل، عن محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن يحيى و محمّد بن الحسين جميعاً، عن محمّد بن سنان».

ص: 428

اسْمُهُ أَحْمَدُ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام ، يَجِي ءُ بِتَصْدِيقِي وَ تَصْدِيقِكُمْ ، وَ عُذْرِي وَ عُذْرِكُمْ ، وَ جَرَتْ مِنْ بَعْدِهِ فِي الْحَوَارِيِّينَ فِي الْمُسْتَحْفَظِينَ .وَ إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالى الْمُسْتَحْفَظِينَ ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتُحْفِظُوا الِاسْمَ الْأَكْبَرَ ، وَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْ ءٍ الَّذِي كَانَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ»«وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ» الْكِتَابُ : الِاسْمُ الْأَكْبَرُ ، وَ إِنَّمَا عُرِفَ - مِمَّا يُدْعَى الْكِتَابَ - التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِيلُ وَ الْفُرْقَانُ ، فِيهَا كِتَابُ نُوحٍ عليه السلام ، وَ فِيهَا كِتَابُ صَالِحٍ وَ شُعَيْبٍ وَ إِبْرَاهِيمَ عليهم السلام ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ هذا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى» فَأَيْنَ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ ؟ إِنَّمَا صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ الِاسْمُ الْأَكْبَرُ(1) ، وَ صُحُفُ مُوسَى الِاسْمُ الْأَكْبَرُ .فَلَمْ تَزَلِ الْوَصِيَّةُ فِي عَالِمٍ بَعْدَ عَالِمٍ حَتّى دَفَعُوهَا إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، أَسْلَمَ لَهُ الْعَقِبُ مِنَ الْمُسْتَحْفَظِينَ ، وَ كَذَّبَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَ دَعَا إِلَى اللَّهِ تَعَالى ، وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ .ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِ (2) : أَنْ أَعْلِنْ فَضْلَ وَصِيِّكَ ، فَقَالَ : رَبِ (3) ، إِنَّ الْعَرَبَ قَوْمٌ جُفَاةٌ ، لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كِتَابٌ ، وَ لَمْ يُبْعَثْ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ ، وَ لَا يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَ لَا شَرَفَهُمْ ، وَ لَا يُؤْمِنُونَ بِي إِنْ أَنَا أَخْبَرْتُهُمْ بِفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِي ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ» وَ «قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ».فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِ وَصِيِّهِ ذِكْراً ، فَوَقَعَ النِّفَاقُ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ذلِكَ وَ مَا يَقُولُونَ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : يَا مُحَمَّدُ ، «وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ» ، «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» لكِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُمْ .وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَتَأَلَّفُهُمْ ، وَ يَسْتَعِينُ بِبَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ ، وَ لَا يَزَالُ يُخْرِجُ لَهُمْ شَيْئاً فِي

.


1- .في «د»: - «الإسم الأكبر».
2- .في الكافي المطبوع: «عليه».
3- .في «د»: - «ربّ».

ص: 429

فَضْلِ وَصِيِّهِ حَتّى نَزَلَتْ هذِهِ السُّورَةُ ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ حِينَ أُعْلِمَ بِمَوْتِهِ وَ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالى : «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» يَقُولُ : فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ عَلَمَكَ ، وَ أَعْلِنْ وَصِيَّكَ ، فَأَعْلِمْهُمْ فَضْلَهُ عَلَانِيَةً ، فَقَالَ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .ثُمَّ قَالَ : لَأَبْعَثَنَّ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ ، يُعَرِّضُ بِمَنْ رَجَعَ ، يُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ يُجَبِّنُونَهُ .وَ قَالَ صلى اللَّه عليه وآله : عَلِيٌّ سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ .وَ قَالَ : عَلِيٌّ عَمُودُ الدِّينِ .وَ قَالَ : هذَا هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَلَى الْحَقِّ بَعْدِي .وَ قَالَ : الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ أَيْنَمَا مَالَ .وَ قَالَ : إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقْلَيْنِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا : كِتَابَ اللَّهِ ، وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ؛ أَيُّهَا النَّاسُ (1) ، اسْمَعُوا وَ قَدْ بَلَّغْتُ ، إِنَّكُمْ سَتَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، فَأَسْأَلُكُمْ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الثَّقَلَيْنِ (2) ، كِتَابُ اللَّهِ وَ أَهْلُ بَيْتِي ، فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَهْلِكُوا ، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ .فَوَقَعَتِ الْحُجَّةُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ بِالْكِتَابِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ النَّاسُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي فَضْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ بِالْكَلَامِ ، وَ يُبَيِّنُ لَهُمْ بِالْقُرْآنِ : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» وَ قَالَ تَعَالى : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» .فَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام ، وَ كَانَ حَقُّهُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ ، وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ ، وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ ، وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى» ثُمَّ قَالَ : «وَ إِذَا (الْمَوَدَّةُ) سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» يَقُولُ : أَسْأَلُكُمْ عَنِ الْمَوَدَّةِ - الَّتِي أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ فَضْلَهَا - مَوَدَّةِ الْقُرْبى بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلْتُمُوهُمْ .

.


1- .في الكافي المطبوع: «وأهل بيتي عترتي؛ أيّها الناس» بدل «وعترتي أهل بيتي؛ يا أيّها الناس».
2- .في الكافي المطبوع: + «والثقلان».

ص: 430

وَ قَالَ تَعَالى : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» قَالَ : الْكِتَابُ : الذِّكْرُ ، وَ أَهْلُهُ : آلُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالى بِسُؤَالِهِمْ ، وَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِسُؤَالِ الْجُهَّالِ ، وَ سَمَّى اللَّهُ تَعَالى الْقُرْآنَ ذِكْراً ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ».وَ قَالَ تَعَالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وَ قَالَ تَعَالى : «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» فَرَدَّ الْأَمْرَ - أَمْرَ النَّاسِ - إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ وَ بِالرَّدِّ إِلَيْهِمْ .فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» فَنَادَى النَّاسَ ؛ فَاجْتَمَعُوا ، وَ أَمَرَ بِسَمُرَاتٍ ؛ فَقُمَّ شَوْكُهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ صلى اللَّه عليه وآله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ وَلِيُّكُمْ وَ أَوْلى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ؟ فَقَالُوا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ، فَقَالَ : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.فَوَقَعَتْ حَسَكَةُ النِّفَاقِ فِي قُلُوبِ الْقَوْمِ ، وَ قَالُوا : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى هذَا عَلى مُحَمَّدٍ قَطُّ ، وَ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَ بِضَبْعِ ابْنِ عَمِّهِ .فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، أَتَتْهُ الْأَنْصَارُ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا ، وَ شَرَّفَنَا بِكَ وَ بِنُزُولِكَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ، فَقَدْ فَرَّحَ اللَّهُ صَدِيقَنَا ، وَ كَبَتَ عَدُوَّنَا ، وَ قَدْ يَأْتِيكَ وُفُودٌ ، فَلَا تَجِدُ مَا تُعْطِيهِمْ ، فَيَشْمَتُ بِكَ الْعَدُوُّ ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ أَمْوَالِنَا حَتّى إِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ وَفْدُ مَكَّةَ ، وَجَدْتَ مَا تُعْطِيهِمْ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلَيْهِمْ شَيْئاً ، وَ كَانَ يَنْتَظِرُ مَا يَأْتِيهِ مِنْ رَبِّهِ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، وَ قَالَ : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى»، وَلَمْ يَقْبَلْ أَمْوَالَهُمْ .فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هذَا عَلى مُحَمَّدٍ ، وَ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَ بِضَبْعِ ابْنِ عَمِّهِ ، وَ يُحَمِّلُ عَلَيْنَا أَهْلَ بَيْتِهِ ، يَقُولُ أَمْسِ : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، وَ الْيَوْمَ : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً

.

ص: 431

إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى» ، ثُمَّ نَزَلَ (1) عَلَيْهِ آيَةُ الْخُمُسِ ، فَقَالُوا : يُرِيدُ أَنْ نُعْطِيَهُمْ (2) أَمْوَالَنَا وَ فَيْئَنَا .ثُمَّ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ ، وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ، فَاجْعَلِ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ عِنْدَ عَلِيٍ (3)عليه السلام ؛ فَإِنِّي لَمْ أَتْرُكِ الْأَرْضَ إِلَّا وَ لِيَ فِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ (4)بِهِ طَاعَتِي ، وَ يُعْرَفُ (5) بِهِ وَلَايَتِي ، وَ يَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ يُولَدُ بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلى خُرُوجِ النَّبِيِّ الْآخَرِ ، قَالَ : فَأَوْصى إِلَيْهِ بِالِاسْمِ الْأَكْبَرِ وَ مِيرَاثِ الْعِلْمِ وَ آثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ ، وَ أَوْصى إِلَيْهِ بِأَلْفِ كَلِمَةٍ وَ أَلْفِ بَابٍ ، يَفْتَحُ كُلُّ كَلِمَةٍ وَ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَ أَلْفَ بَابٍ» .

هديّة:في بعض التفاسير: أنّ «اسمه أحمد» تأويله أنّ علامته أحمد(6) وأفضل، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين وأوصياؤه أفضل الأوصياء، وهو صلى اللَّه عليه وآله نبيّ الرحمة، واُمّته الاُمّة المرحومة، وكتابه أفضل الكتب السماويّة باشتماله على آيات بيّنات معجزات، جامعةٍ لكلّ رطبٍ ويابس، فالفتنة أيضاً في دينه صلى اللَّه عليه وآله أعظم وأشدّ قطعاً، وقد ارتدّت الاُمّة يوم الرحلة جميعاً إلّا قليلاً من المؤمنين، ثمّ صار طائفة من المرتدّين راجعين، قال اللَّه تعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»7، فسّر «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ» أي على الأبالسة يوم صعود الأوّل على المنبر وإجبار الثاني وغيره من الطواغيت الناس على البيعة، والنبيّ لم يُجهَّز، ولم يُصلَّ عليه بعد. «ظَنَّهُ»: بظنّه ترتّب الآثار على إظهار المنافقين نفاقهم بالغمز والهمز والنجوى بعد التهنية والتسليم

.


1- .في حاشية «الف»: «نزلت».
2- .في الكافي المطبوع: «يعطيهم».
3- .في «الف»: + «بن أبي طالب».
4- .في الكافي المطبوع: «تعرف».
5- .في «د»: - «تأويله أنّ علامته أحمد».
6- .سبأ (34): 20.

ص: 432

يوم غدير خمّ، و«فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» بسلمان وأبي ذرّ ومقداد، ثمّ بعد ذلك الامتحان العظيم سعى إبليس لعنه اللَّه وجدَّ حتّى افترقت الاُمّة على بضع وسبعين فرقة، إحداها ناجية والباقية هالكة، فانحصر سعي اللعين وجدّه في التفكّر في إضلال الناجية، كما كان سعيه منحصراً بعد الطوفان في غرق سفينة نوح عليه السلام، وحديث ذلك الجنّ المقطوع عضده من كتفه بضربة أمير المؤمنين عليه السلام، وحكايته قصّته يوم الطوفان عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مشهور،(1) فتفكّر اللعين وتعمّق في إضلال العصابة الناجية بذلك التفكّر في أواخر ذلك العمر، فجدّ وسعى وشاور أبالسته، مع علمه بأنّ الشيعة لا يتهوّد ولا يتنصّر ولا يتمجّس ولا يغترّ بسهولة بفرقة من الفرق الهالكة، وأنّ معصيتهم - وإن كانت كثيرةً عظيمةً - من ورائها التوبة والشفاعات والزيارات، فانتهى، فكره ذلك الفكر إلى وضع طريقة التصوّف المحفوفة بالأذكار والعبادات والتزهّد والرياضات والأحاديث والآيات والأمثال والأشعار والحكايات، وغير ذلك من الفنون والصناعات، فنعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم وخدعه وغروره، اللّهمَّ ثبّتنا على الصراط المستقيم.(عذري) أي حجّتي.(وجرت) أي الوصيّة.و«الحواري» من التحوير، بمعنى التبييض، فقيل: إنّهم كانوا قصّارين يبيّضون الثياب وينقّونها. وقيل: بل لكونهم قصّارين لثياب سراير الخلائق من ذمائم الصفات. وقال الأزهري: هم خُلْصانُ الأنبياء، وتأويله الذين خلّصوا ونقّوا من كلّ عيب.(2)وتسميتهم ب (المستحفظين) على اسم المفعول - كما ضبط برهان الفضلاء أيضاً - ناظر إلى قوله تعالى في وصف التوراة في سورة المائدة: «فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ»(3). «استحفظته»: سألته أن يحفظه.

.


1- .لم نعثر عليه.
2- .نقل بالمعنى. راجع: تهذيب اللغة، ج 5، ص 229 (حور).
3- .المائدة (5): 44.

ص: 433

ولم يسمع «استحفظه» بمعنى «حفظه». وعبّر أمير المؤمنين عليه السلام عن نور المعرفة الكاملة والعلم بصاحب الاسم الأكبر تارةً ب «العالم الأكبر» واُخرى ب «الكتاب المبين»، قال عليه السلام:دوائك فيك وما تشعروداؤك منك وما تُبصرُ(1)وتزعمُ (2) أنّك جرمٌ صغيروفيك انطوى العالم الأكبروأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر(3)وهل عالمٌ أكبر بعد عالَمِ نور الولاية من نور الإيمان الكامل بالولاية، قال اللَّه تعالى: «أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»(4)، وذكره عليه السلام آية: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ»(5) نقلاً بالشرح والمعنى، ففي سورة المؤمن: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ»(6) والباقي لا يوافق، وفي سورة الحديد: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ»(7).(وإنّما عرف ممّا يدعى الكتاب) أي بالكتاب، يعني وإنّما المعروف فيما بين الناس ممّا يسمّى بالكتاب هو هذه الثلاثة، مع أنّ كثيراً من الأنبياء كان معهم كتب سوى هذه، منها: كتاب فلان، ومنها: كتاب فلان.والكلام ردّ على من زعم أنّ المراد من المستحفظين لكتاب اللَّه أحبار اليهود الحافظون للتوراة، فبيّن عليه السلام أنّ المراد بكتاب اللَّه الاسم الأكبر مع الأنبياء والأوصياء الذي يعرفون به ما يعرفون، وليس هو إلّا نور العصمة، أو نورٌ معها، أو عليها، نورٌ على نور.

.


1- .في المصدر: «تنظر».
2- .في المصدر: «تحسب».
3- .ديوان الإمام عليّ عليه السلام، ص 178.
4- .المجادلة (58): 22.
5- .الرعد (13): 38 .
6- .غافر (40): 78 .
7- .الحديد (57): 25.

ص: 434

(فأخبر اللَّه عزّ وجلّ) يعني في سورة الأعلى: «إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى»(1) الآية. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ صحف إبراهيم كانت عشرين صحيفة، وصحف إدريس ثلاثين، وصحف شيث خمسين»،(2) يعني ما يتلى من الاسم الأكبر على الناس. وعن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه: أنّه قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «اقرأ يا أبا ذرّ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى»(3)»،(4)يعني فيها أمثال هذه الكلمات من الحِكَم والمواعظ.«وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ» الآية في سورة النحل وسورة الحجر.(5)«وَقُلْ سَلَامٌ» في الزخرف.(6)«لَا يُكَذِّبُونَكَ» يعني بل يكذّبون اللَّه في الحقيقة، أو المعنى: لا يكذّبونك بقلوبهم وإن كانوا يجحدونك بألسنتهم، كذا في الكشّاف أيضاً،(7) نظير قوله تعالى في سورة النمل: «جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ»(8).وقيل: يعني لا يكذّبونك ولا يجحدونك، ولكنّهم يجحدون بآيات اللَّه، وذلك أنّه صلى اللَّه عليه وآله كان ملقّباً عند الجاحدين أيضاً ب «الأمين» وكان أبوجهل يقول: ما نكذّبك وأنّك عندنا لمصدّق، وإنّما نكذّب ما جئتنا به.(9)

.


1- .الأعلى (87): 18.
2- .إرشاد القلوب، ج 2، ص 416؛ وعنه في البحار، ج 26، ص 221، ح 47.
3- .الأعلى (87): 14 - 19.
4- .الخصال، ج 2، ص 523، أبواب العشرين، ح 13؛ معاني الأخبار، ص 332، ح 1؛ وعنهما في البحار، ج 12، ص 71، ح 14.
5- .النحل (16): 127؛ الحجر (15): 88؛ وكذلك في سورة النمل 027): 70.
6- .الزخرف (43): 89 .
7- .الكشّاف، ج 2، ص 14.
8- .النمل (27): 14.
9- .نسب هذا القول إلى ابن عباس. راجع: الكشّاف، ج 2، ص 14.

ص: 435

وروى ثقة الإسلام في الروضة بإسناده، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أنّه قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام هذه الآية، فقال: «بلى واللَّه، لقد كذّبوه أشدّ التكذيب، ولكنّها مخفّفة «فإنّهم لا يكذبونك»: لا يأتون بباطل يكذّبون به حقّك».(1)وهذا التفسير موافق لما فسّرها عليه السلام به هنا بقوله: (لكنّهم يجحدون بغير حجّة لهم) نقلت آية سورة الأنعام (2) بالمعنى وأوّلها في سورة الحجر(3) أيضاً.«أكذبه»: وجده كاذباً، وأظهر كذبه بحجّة.والمراد ب (هذه السورة) سورة ألم نشرح، وفي بعض النسخ: «هذه الآية» مكان «هذه السورة»، يعني آية «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ».قيل: الظاهر من أحاديث أئمّتنا عليهم السلام قراءة «فَانصَبْ» بكسر الصاد، يعني فإذا فرغت من حجّة الوداع فانصب علمك عليّاً عليه السلام، واعلن فضله.أقول: لا حاجة للغرض إلى كسر الصاد، بل المقصود على القراءتين - كما يستفاد من أخبارهم عليهم السلام - أمرٌ واحد، فإنّ المعنى على فتح الصاد من «النَّصب» بمعنى التّعب: فإذا فرغت فاتعب بالرجوع عن سفرك من منزل الغدير الذي سافرت عنه؛ لما علمت بتعليم جبرئيل عليه السلام وأمره إيّاك بالرجوع والنزول في الذي ارتحلت عنه، وكانت مسافة الرجوع ستّة أميال في أربعين ألفاً من الناس. أو المعنى: فاتعب برفع علمك ونصبه على يديك، أو فاتعب بالصبر على إظهار المنافقين نفاقهم بالغمز والهمز والنجوى عند الإعلان، فتبادرهم بالتهنئة والتسليم قولهم ما قالوا جهاراً رئاءً، ثمّ قولهم ما قالوا تخافتاً نفاقاً، وصاحب الكشّاف بعد قطعه بنصب الصاد من النّصب بمعنى التّعب على معنى إذا فرغت من عبادة عقّب نفسك باُخرى واتعبها بالاشتغال بعد الاشتغال، قال:ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنّه قرأ فانصب بكسر الصاد، أي فانصب عليّاً

.


1- .الكافي، ج 8، ص 200، ح 241، وفي الطبعة الجديدة، ج 15، ص 467، ح 15057.
2- .الأنعام (6): 33.
3- .الحجر (15): 97.

ص: 436

للإمامة، - ثمّ قال - : ولو صحّ هذا للرافضي لصحّ للناصبي أن يقرأه هكذا ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض عليّ وعداوته.أقول: لا يخلو قطّ قلب من قال بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام في الرابعة من بغضه وعداوته؛ لامتناع اجتماع الضدّين، فإنّ حبّه عليه السلام موالاة الحقّ، وحبّ الثاني موالاة الباطل، «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ».(1)(فأعلمهم فضله) على الأمر، وقرئ على الإخبار.(ثلاث مرّات) على النصب قيدٌ للمفعول، أو على الرفع خبرٌ عن المبتدأ المحذوف، والتقدير: هذا القول ثلاث مرّات.وفرّق برهان الفضلاء بين الحالتين قال: على الاُولى يعني في مجلس واحد يوم الغدير، وعلى الثانية يعني مرّة في أوائل النبوّة ومرّة في أواسطها ومرّة اُخرى في أواخرها يوم الغدير. فعلى هذا، الاُولى أولى؛ لما يأتي هنا، ولتضمّنها التأكيد بقولها في كلّ مرّة ثلاث مرّات.(يعرّض) على المعلوم من التفعيل، بيان لقوله: (لأبعثنّ) إلى آخره؛ يعني قوله هذا تعريض منه صلى اللَّه عليه وآله بالأوّل والثاني، وقد فرّا يوم خيبر من مرحب وهما على جمع كثير - ومرحب رجلٌ واحد - بعد تخويفهما أصحابهما من مرحب وبالعكس، فهما بعكس من يحبّ اللَّه ورسوله ويحبّه اللَّه ورسوله.(هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحقّ بعدي) تعريضٌ ببطلان جهاد الأوّل والثاني في زَمَنهما. وكلمة «هو» ليست في بعض النسخ، وثبوتها أولى. في بعض النسخ: «إنّي تاركٌ فيكم أمرين» مكان (الثقلين)، وزيادة «والثقلان» بعد «في الثقلين».(اسمعوا قد بلّغت) على المعلوم المتكلّم من التفعيل.وقرأ برهان الفضلاء على ما لم يسمّ فاعله، قال: «على الحوض» جارّ ومجرور، أو الياء للمتكلّم.

.


1- .الأحزاب (33): 4.

ص: 437

(ويبيّن لهم) أي لنفع أهل بيته عليهم السلام أو للمنافقين حجّةً عليهم، فاللام صلةٌ للتبيين لا للانتفاع.آية التطهير في الأحزاب،(1) والخمس في الأنفال.(2)«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» في بني إسرائيل.(3)«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» في الشورى.(4)«وَإِذَا (الْمَوَدَّةُ» في التكوير.(5)«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» في النحل والأنبياء.(6) (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) في النحل.(7)«لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ» في الزخرف.(8)و«القربى» و«القرابة» بمعنى، والمراد في كلام اللَّه تعالى وكلام المعصوم في الأغلب من ذي القربى وأهل البيت بحجّة الحجّة إنّما هو المتّصف بالعصمة، قالت اُمّ سلمة: ألستُ من أهل البيت؟ فقال صلى اللَّه عليه وآله: «إنّك على خير».(9) وقد سبق نصّ كثير في هذا المعنى، فلا منافاة بين ما قلناه وبين مثل قول سليم بن قيس في حديثه في الباب التالي، قال: شهدت وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إليه ابنه الحسن عليه السلام وأشهدَ على وصيّته الحسين عليه السلام ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، الحديث.(10)«وإذا المودّة سُئلت» بالتشديد، من الوداد؛ هكذا في قراءة أهل البيت عليهم السلام، ونسب في مجمع البيان إلى ابن عبّاس أيضاً.(11)

.


1- .الأحزاب (23): 33.
2- .الأنفال (8): 41.
3- .الإسراء (17): 26.
4- .الشورى (42): 23.
5- .التكوير (81): 8 .
6- .النحل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
7- .النحل (16): 44 .
8- .الزخرف (43): 44.
9- .الأمالي للطوسي، ص 263، المجلس 10، ح 20؛ وعنه في البحار، ج 35، ص 208، ح 7.
10- .الكافي، ج 1، ص 297، باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ عليهما السلام، ح 1.
11- .مجمع البيان، ج 10، ص 671.

ص: 438

والألف واللام في (اُولي الأمر) للاستغراق في المواضع كلّها، وكلمة «من» في (منكم) و(منهم) للابتداء، والظرف حال أو صفة ل «لأمر» أي جميع الاُمور الصادرة منكم أو منهم. وفي سورة النساء: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِى اْلأَمْرِ مِنْهُمْ»(1) فهنا نقل بالمعنى.آية التبليغ في المائدة.(2)و«سمرة» بفتح السين المهملة وضمّ الميم: ضرب من الشجر، يكنّى اُمّ غيلان.(فقمّ) على المجهول، أي اُزيل ونقي شوكهنّ؛ ليقمّ بها من تحتهنّ شوكُهنّ التي كانت في الأرض وسائر القمامة تحتهنّ تهيئةً للمجلس عند النزول.(حسكة النفاق) بالمهملتين المفتوحتين: عداوته وحقده وضغينته.و«الضبع» بالضاد المعجمة المفتوحة وسكون المفردة قبل المهملة: العضد.(بين ظهرانينا) بفتح نون التثنية، يزاد الألف والنون للتأكيد، مع أنّ الأصل من المزيدات، يُقال: بين ظهرنا وبين ظهرانينا وبين أظهرنا، والمراد في الجميع: بيننا.«كبت اللَّه عدوّنا» بتقديم المفردة كضرب، ولا يشدّد: صرعه وأخزاه، وردّه بغيظه.«يشمت» من باب علم، من الشماتة.(ويحمّل علينا أهل بيته) على المعلوم من التفعيل، أي يسلّطهم علينا.و«الفي ء»: الغنيمة والخراج.«فتح اللَّه» كسأل، وشدّد للكثرة.(بألف كلمة وألف باب)، قيل: يعني بقواعد كلّية واُصول عامّة، فقد روى الصفّار بإسناده في بصائر الدرجات عن موسى بن بكر، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: الرجل يُغمى عليه اليوم واليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، كم يقضى من صلاته؟ فقال: «ألا اُخبرك

.


1- .النساء (4): 83 .
2- .المائدة (5): 67.

ص: 439

بما ينتظم به هذا وأشباهه»، فقال: «كلّ ما غلب اللَّه عليه من أمر، فاللَّه أعذر لعبده». وزاد فيه غيره قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «وهذا من الأبواب التي يَفتح كلٌّ منها ألفَ باب».(1)

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ مُعَمَّرٍ الْعَطَّارِ(2) ، عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَبِطَرِيقٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِي، عَنْ بَشِيرِ الْكَنَاسِي، عَنْ أبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام،(3) قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ : ادْعُوا لِي خَلِيلِي ، فَأَرْسَلَتَا إِلى أَبَوَيْهِمَا ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَعْرَضَ عَنْهُمَا ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُوا لِي خَلِيلِي ، فَأُرْسِلَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَكَبَّ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ ، فَلَمَّا خَرَجَ لَقِيَاهُ، فَقَالَا لَهُ : مَا حَدَّثَكَ خَلِيلُكَ ؟ فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَلْفَ بَابٍ ، يَفْتَحُ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ» .

هديّة:(يحيى بن معمر) ضبط كمنصب، كما ضبط: «معمّر بن خلّاد» كمشدّد.(أكبّ عليه) أي أقبل عليه جدّاً كأنّه أكبّ بوجهه على صدره.الجوهري:أكبّ فلان على الأمر يفعله وانكبّ بمعنى. وكبّه لوجهه: صرعه، فأكبّ هو على وجهه، وهذا من النوادر أن يقال: أَفَعَلْتُ أنا وفعلتُ غيري، يُقال: كبّ اللَّه عدوّي، ولا يقال: أكبّ.(4)(فأرسلتا) عايشة وحفصة.(أعرض عنهما) أي بوجهه.

.


1- .بصائر الدرجات، ص 302، باب في ذكر الأبواب التي علّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام، ح 16.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وصالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن يحيى بن معمّر العطّار».
3- .لم يرد هذا الطريق الأخير في هذا الموضع من الكافي المطبوع، ولكنّ الكليني ذكر هذه الرواية بالطريق الأخير مع زيادة في أوّله في الكافي، ج 8، ص 147، ح 123.
4- .الصحاح، ج 1، ص 208، (كبب).

ص: 440

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام أَلْفَ حَرْفٍ ، كُلُّ حَرْفٍ يَفْتَحُ أَلْفَ حَرْفٍ» .

هديّة:(يفتح) من باب سأل، ويشدّد للكثرة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَحِيفَةٌ صَغِيرَةٌ». فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَيُّ شَيْ ءٍ كَانَ فِي تِلْكَ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ : «هِيَ الْأَحْرُفُ الَّتِي يَفْتَحُ كُلُّ حَرْفٍ أَلْفَ حَرْفٍ». قَالَ أَبُو بَصِيرٍ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «فَمَا خَرَجَ مِنْهَا حَرْفَانِ حَتَّى السَّاعَةِ» .

هديّة:«ذؤابة كلّ شي ء» بالضمّ: أعلاه، وأصلها بالهمز قُلبت واواً؛ لأنّهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين في ذوائب.ولا منافاة بين هذا الخبر وخبر يونس بن رباط الآتي؛(3) لأنّ البابين بابٌ باعتبار، ولا بينه وبين حديث صحيفة الذؤابة(4)التي فيها ثلاث كلمات؛ لإمكان تعدّد الصحيفة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
3- .الحديث التاسع من هذا الباب.
4- .الكافي، ج 7، ص 274، باب آخر منه [القتل]، ح 4.

ص: 441

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ، عَنْ البَزَنْطِي ، عَنْ فُضَيْلٍ سُكَّرَةَ(1)، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هَلْ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغَسَّلُ بِهِ الْمَيِّتُ حَدٌّ مَحْدُودٌ ؟قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : إِذَا أَنَا مِتُّ فَاسْتَقِ سِتَّ قِرَبٍ مِنْ مَاءِ بِئْرِ غَرْسٍ ، فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي وَ حَنِّطْنِي ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ غُسْلِي وَ كَفْنِي ، فَخُذْ بِجَوَامِعِ كَفَنِي وَ أَجْلِسْنِي ، ثُمَّ سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ ، فَوَ اللَّهِ ، لَا تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْ ءٍ إِلَّا أَجَبْتُكَ فِيهِ» .

هديّة:رواه الشيخ أيضاً في التهذيب عن سهل، عن البزنطي، عن فضيل سكّرة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام.(2)(إذا أنا متّ) بضمّ الميم ويكسر، والمضارع يموت ويمات أيضاً.و«القربة» بكسر القاف وسكون المهملة: ما يستقى به، وجمع الكثرة: «قرب» بالكسر قبل الفتحة، وجمع القلّة: «قربات» بالكسرة قبل السكون أو الفتحة مكانه.و(غرس): اسم بئر في المدينة المنوّرة عند مسجد قبا، و«قبا» بالضمّ يمدّ ويقصر، ويذكّر ويؤنّث، وفي الحديث: «غرس عين من عيون الجنّة».(3)و«الجوامع»: جمع جامعة بمعنى المجتمع، يعني مواضع اجتماع أطراف الجوانب. قيل: لعلّ الأمر بأخذها لئلّا ينكشف عن جسده صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ (4) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَ رَسُولَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين جميعاً، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود؛ والحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود».
2- .التهذيب، ج 1، ص 435، ح 42.
3- .الطبقات الكبرى، ج 1، ص 504، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن ابن أبي سعيد، عن أبان بن تغلب».

ص: 442

اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمَوْتُ ، دَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِذَا أَنَا مِتُّ فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي ، ثُمَّ أَقْعِدْنِي ، وَ سَلْنِي ، وَ اكْتُبْ» .

هديّة:(فأدخل رأسه) لعلّ المعنى قدّم رأسه للمكالمة مناجاةً، أو أخذ برأسه وقرّبه إليه لذلك، أو أدخل رأسه على الثوب كما قيل.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِ (1) ، عَنْ يُونُسَ بْنِ رِبَاطٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَ كَامِلٌ التَّمَّارُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ كَامِلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، حَدِيثٌ رَوَاهُ فُلَانٌ ؟ فَقَالَ : «اذْكُرْهُ». فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله حَدَّثَ عَلِيّاً عليه السلام بِأَلْفِ بَابٍ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، كُلُّ بَابٍ يَفْتَحُ أَلْفَ بَابٍ ، فَذلِكَ أَلْفُ أَلْفِ بَابٍ ؟ فَقَالَ : «لَقَدْ كَانَ ذلِكَ».قُلْتُ (2) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَظَهَرَ ذلِكَ لِشِيعَتِكُمْ وَ مَوَالِيكُمْ؟ فَقَالَ : «يَا كَامِلُ ، بَابٌ أَوْ بَابَانِ».فَقُلْتُ (3) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَا يُرْوى مِنْ فَضْلِكُمْ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ بَابٍ إِلَّا بَابٌ أَوْ بَابَانِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «وَ مَا عَسَيْتُمْ أَنْ تَرْوُوا مِنْ فَضْلِنَا ، مَا تَرْوُونَ مِنْ فَضْلِنَا إِلَّا أَلِفاً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ» .

هديّة:قيل: الظاهر «قال» مكان «قلت» في (قلت: جعلت فداك، فظهر) ولا مانع من الاحتمالين.والقائل في (فقلت: جعلت فداك فما يروى) يونس، وقائل «قال» في (قال: فقال) شباب الصيرفي.(فما يروى) على ما لم يسمّ فاعله على الغيبة أو المتكلّم مع الغير.و(أن ترووا) على المعلوم أو خلافه، ومعنى الترديد: (باب) باعتبار (أو بابان) باعتبار

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي».
2- .في «الف»: «قال: قلت» بدل «قلت».
3- .في الكافي المطبوع: + «له».

ص: 443

آخر؛ إذ لا يشكّ الإمام، واحتمال الترديد من الراوي يمنعه الترديد المستثنى.(وما عسيتم) استفهام إنكاريّ.و(ما تروون) كأن ترووا ومنفيّ.(إلّا ألفاً غير معطوفة)يعني إلّا حرفاً واحداً ناقصاً، وعدم عطفها كنايةٌ عن نقصانها، فإنّ الألف تُكتب بالكوفيّ مايلاً طرفها، فبدون ميل طرفها تكون ناقصة. واختيار الألف لكونها أخفّ الحروف رسماً.وقال برهان الفضلاء: الألف في رسم الهندسة علامة الواحد؛ إذا لم يكن قبلها شي ء لا صفر ولا غيره، فالمعنى إلّا ألفاً غير مربوطة بما قبلها.وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمة اللَّه عليه:الظاهر أنّ المراد ب «الألف» العدد المعبّر عنه بالباب، أي ألفاً غير معطوفة عليها بألف آخر، والألف - كما قال الجوهري - مذكّر، فالتأنيث باعتبار الأبواب، وكلّ باب من الألف ألف باب.

.

ص: 444

الباب السادس والستّون: باب الإشارة و النصّ على الحسن بن عليّ عليهما السلام

الباب السادس والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة أو ستّة باعتبار آخر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (1)، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ وَصِيَّةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام حِينَ أَوْصى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ أَشْهَدَ عَلى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ مُحَمَّداً ، وَ جَمِيعَ وُلْدِهِ ، وَ رُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ ، وَ أَهْلَ بَيْتِهِ ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَ السِّلَاحَ ، وَ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام : «يَا بُنَيَّ ، أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ ، وَ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَ سِلَاحِي ، كَمَا أَوْصى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَدَفَعَ إِلَيَّ كُتُبَهُ وَسِلَاحَهُ ، وَ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ» . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهَا إِلى ابْنِكَ هذَا» . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : «وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ أَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنِّي السَّلَامَ» .

هديّة:(أن تدفعها) في المواضع، أي الوصيّة، وعلى التثنية(2) - كما في بعض النسخ - أي الكتاب والسّلاح.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني و عمر بن اُذينة، عن أبان».
2- .أي أن تدفعهما.

ص: 445

«اقرئه السلام» على الإفعال، و«اقرأ عليه السلام» على المجرّد كسأل.

الحديث الثاني روى في الكافي عَن الثلاثة،(1) عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام : ادْنُ مِنِّي حَتّى أُسِرَّ إِلَيْكَ مَا أَسَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَيَّ ، وَ أَئْتَمِنَكَ عَلى مَا ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ ، فَفَعَلَ» .

هديّة:(على ما ائتمنني عليه) من الوصيّة، (ففعل) على ما لم يسمّ فاعله أولى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِ (2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ وَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ(3) وَ زَيْدٌ الْيَمَامِيُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام حِينَ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ كُتُبَهُ وَ الْوَصِيَّةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ الْحَسَنُ عليه السلام دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ .وَفِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ عَلِيّاً - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - حِينَ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ كُتُبَهُ وَ الْوَصِيَّةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ الْحَسَنُ عليه السلام دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ» .

هديّة:حديث واحد، وباعتبار آخر حديثان.(4)و(الأجلح) بالجيم، ثمّ المهملة بعد اللام: بيّن الجلح بالتحريك، وهو انحسار الشعر

.


1- .يعني «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي».
3- .في حاشية «د»: «زيد».
4- .في الكافي المطبوع: «حديثان».

ص: 446

عن جانبي الرأس.و«الحوشب» بالمهملة والشين المعجمة: كثعلب لفظاً ومعنى. و«الأرنب» و«العجل» و«الضّامر» و«المنتفخ الجنبين» ضدّ. وفي رجال الشيخ: شهر بن عبداللَّه بن حوشب.(1)(وفي نسخة الصفواني) من زيادات النسّاخ، والصفواني من تلامذة ثقة الإسلام قدّس سرّه.و«الواو» في (والوصيّة) للعطف، يعني: ووصيّة الرسول صلى اللَّه عليه وآله، أو بمعنى «مع»، أي مع وصيّته عليه السلام إليها لدفعها الكتب إلى الحسن عليه السلام، ولا يتوهّم التنافي بين هذا الخبر وخبر سليم بن قيس في أوّل الباب؛ لما لا يخفى من وجوه وجيهة واضحة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ(2) ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَوْصى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ أَشْهَدَ عَلى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ مُحَمَّداً ، وَ جَمِيعَ وُلْدِهِ ، وَ رُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ ، وَ أَهْلَ بَيْتِهِ ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَ السِّلَاحَ ، ثُمَّ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام : يَا بُنَيَّ ، أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ ، وَ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَ سِلَاحِي ، كَمَا أَوْصى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ دَفَعَ إِلَيَّ كُتُبَهُ وَ سِلَاحَهُ ، وَ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهُ إِلى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ عليه السلام .ثُمَّ أَقْبَلَ عَلى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَ قَالَ : أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَى ابْنِكَ هذَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : يَا بُنَيَّ ، وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ أَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنِّي السَّلَامَ .ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، أَنْتَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وَ وَلِيُّ الدَّمِ ، فَإِنْ عَفَوْتَ فَلَكَ ، وَ إِنْ قَتَلْتَ فَضَرْبَةٌ مَكَانَ ضَرْبَةٍ ، وَ لَا تَأْثَمْ» .

.


1- .رجال الطوسي، ص 68، الرقم 624.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمرو بن شمر».

ص: 447

هديّة:(أن تدفعه) أي المدفوع إليك.قال برهان الفضلاء: «فضربة مكان ضربة» نهيٌ عن القصاص بأنواع مختلفة من السياسة والمَثُلات لقتلٍ بدونها، أي فالقصاص كذا، أو فاضرب ضربة، فجاز الرفع والنصب.(ولا تأثم) أي بالتعدّي، و«أثم» كعلم.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِيِ (1) رَفَعَهُ ، قَالَ : لَمَّا ضُرِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، حَفَّ بِهِ الْعُوَّادُ ، وَ قِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَوْصِ ، فَقَالَ : «اثْنُوا لِي الوِسَادَةَ» ، ثُمَّ قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ (2) قَدْرَهُ، مُتَّبِعِينَ أَمْرَهُ، وَ أَحْمَدُهُ كَمَا أَحَبَّ ، وَ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ كَمَا انْتَسَبَ ؛ أَيُّهَا النَّاسُ ، كُلُّ امْرِىً لَاقٍ فِي فِرَارِهِ مَا مِنْهُ يَفِرُّ ، وَ الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ إِلَيْهِ ، وَ الْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ ، كَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الْأَمْرِ ، فَأَبَى اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - إِلَّا إِخْفَاءَهُ ، هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَكْنُونٌ .(3)أَمَّا وَصِيَّتِي ، فَأَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ تَعَالى شَيْئاً ، وَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ ، أَقِيمُوا هذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ ، وَ أَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ ، وَ خَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا ، حُمِّلَ كُلُّ امْرِىً مَجْهُودَهُ ، وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ ، رَبٌّ رَحِيمٌ ، وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ ، وَ دِينٌ قَوِيمٌ .أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ ، وَ الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ ، وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ ، إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ ، فَذَاكَ الْمُرَادُ ، وَ إِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ ، فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ ، وَ ذَرى رِيَاحٍ ، وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامَةٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفِّقُهَا ، وَ عَفَا فِي الْأَرْضِ مَحَطُّهَا .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن الحسن الحسني رفعه؛ ومحمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري».
2- .في الكافي المطبوع: + «حق».
3- .في «الف»: + «مخزون».

ص: 448

وَ إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً ، وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً ، سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَكَةٍ ، وَ كَاظِمَةً بَعْدَ نُطْقٍ ؛ لِيَعِظَكُمْ هُدُوئِي (1) ، وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِي ، وَ سُكُونُ أَطْرَافِي ؛ فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لَكُمْ مِنَ النَّاطِقِ الْبَلِيغِ .وَدَّعْتُكُمْ وَدَاعَ مَرْصِّدٍ لِلتَّلَاقِي ، غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي ، وَ يَكْشِفُ اللَّهُ تَعَالى عَنْ سَرَائِرِي ، وَ تَعْرِفُونِّي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي ، وَ قِيَامِي غَيَرَ(2)مَقَامِي .إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي ، وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي ؛ الْعَفْوُ(3) لِي قُرْبَةٌ ، وَ لَكُمْ حَسَنَةٌ ، فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا ، أَ لَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ؟فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً ، أَوْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلى شِقْوَةٍ ؛ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ لَا يَقْصُرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - رَغْبَةٌ ، أَوْ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَقِمَةٌ ، فَإِنَّمَا نَحْنُ لَهُ وَ بِهِ». ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، ضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ ، وَ لَا تَأْثَمْ» .

هديّة:(حفّ به) كفرّ: أطاف به، وأحاط حوله، واستدار عليه.(إثنوا لي الوسادة) من الثني: كالعطف لفظاً ومعنى، من باب رمى. في بعض النسخ: «وسادة» بدون التعريف، قيل: يعني ليرتفع فأتكلّم حسناً، وأرى الحاضرين جميعاً. و«الوسادة» مثلّثة الواو: المخدّة.(قدره) قرئ بالإضافة إلى الضمير، نصب على الخافض، المراد: أي على حسب قدره، وكما هو أهله.(متّبعين) على اسم الفاعل، من الإفعال أو الافتعال، حالٌ من «نحمده» في الضمن. وقرأ برهان الفضلاء: «قدرة متّبعين أمره» بإضافة «القدرة» إلى «متّبعين» نصباً على

.


1- .في الكافي المطبوع: «هدوّي».
2- .في الكافي المطبوع: «قيام غيري» بدل «قيامي غير».
3- .في الكافي المطبوع: «وإن أعف، فالعفو» بدل «العفو».

ص: 449

الظرفيّة للزمان، كرأيته حلب ناقة، أي مقدار حلب ناقة من الزمان، قال: يعني الحمد للَّه مقدار حمد هؤلاء من الزمان.و«المساق» بفتح الميم: مصدر ميميّ، أو اسم مكان كالمجرى. و(النفس): الروح.«وافاه»: أتاه قطعاً. في بعض النسخ: «كم» مكان (كما) فخبرية للتكثير.(كما انتسب) أي به في سورة التوحيد، وهي المسمّاة بنسبة الربّ.(لاق في فراره) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الجمعة: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»(1).(اطّردت الأيّام) قرئ على المتكلّم، أي أتيتها وجزتها. وقرأ برهان الفضلاء: على التأنيث الغائب المعلوم، ورفع «الأيّام»، يعني: تعاقبت الأيّام هذا الأمر. قيل: يعني عن تعيين وقت الموت، وقيل: كأنّه إشارة إلى أمر الخلافة، وسرّ عدم استقامتها كما ينبغي. وهو كما ترى.وقال برهان الفضلاء: «هذا الأمر» أي فساد أهل الزيغ باتّباعهم شبهات أئمّة الضلالة. و«مكنونه» عبارة عن سرّ القضاء والقدر فيه.(فأبى اللَّه - جلّ ذكره - إلّا إخفائه) عن غيره، فذاك من العلم الخاصّ به تعالى.(ومحمّداً صلى اللَّه عليه وآله) قيل: أي وأوصيكم محمّداً صلى اللَّه عليه وآله. وقال برهان الفضلاء: عطف على (شيئاً). وقيل: أي شيئاً في أمره تعالى، وفي أمر محمّد صلى اللَّه عليه وآله.(هذين العمودين) يعني الحسنين عليهما السلام، وهما عمودا دينكم. واحتمال التوحيد والنبوّة - كما ذكره بعض المعاصرين (2) - لا بأس به.(وأوقدوا هذين المصباحين) أي لظلمات الفتن في طريق دينكم. وفي بعض النسخ: «وارفدوا» بالراء والفاء، من الإفعال أيضاً، و«الإرفاد»: الإعطاء والإعانة، أي انصروا.

.


1- .الجمعة (62): 8 .
2- .الوافي، ج 2، ص 334.

ص: 450

(وخلاكم ذمّ) قرئ «خلاكم» بالتخفيف، و«ذمّ» بكسر المعجمة، يعني: مضى لكم ذمّة وعهد.(ما لم تشردوا) من باب نصر، أي ما لم تنفروا عن الدِّين. وقرأ برهان الفضلاء: «خلّاكم» بالتشديد، من التخلية، و«ذمّ» بالفتح، و«ما لم تشرّدوا» من التفعيل، قال: يعني ترككم مذمّة عظيمة أو كثيرة ما لم تفرّقوا في الدين بالآراء الباطلة.(حمّل) على المجهول من التفعيل، وكذا (وخفّف).(ربّ رحيم) أي لكم ربّ رحيم، أو ربّكم ربٌّ رحيم وهكذا. واحتمال المعلوم في الفعلين ف «رَبّ» فاعل بعيدٌ.و«العبرة» بالكسر: اسم من الاعتبار، واحتمال الفتح بمعنى سبب دمعتكم كما ترى.و(الوطأة) بالفتح وسكون الطاء والهمز: موضع القدم، والفعل على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من الإفعال، يعني: أن تثبتوا لي السلامة من الموت، وتتيقّنوا بها، وترون خلاصي منه. (تدحض) كمنع: تزلق.و«الأفياء»: جمع الفي ء، بمعنى الظلّ.(وذرى رياح): محالّ ذروها.(متلفّقها): مضمون بعضها إلى بعض.(عفا): انمحى واندرس.(محطّها): موضع ظلّها. وقرأ برهان الفضلاء: «مخطّها» بكسر الميم وفتح المعجمة، من الخطّ، بمعنى الوسم.(جاوركم بدني). وجه التخصيص ظاهر، ومن كلامه عليه السلام في إخوانه الذين تأوّه شوقاً إلى لقائهم: «كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلّقةٌ بالملأ الأعلى».(1)و«الخلاء» بالفتح والمدّ، ويقرأ بالتحريك: الخالي.

.


1- .نهج البلاغة، ص 497، الحكمة 150.

ص: 451

(كاظمة) أي ساكنة صامتة.(هدوئي) بالهمز: كسكوني بالنون لفظاً ومعنى.(خفوت إطراقي) بالقاف: جمع طرق بالكسر، بمعنى القوّة، أي سكون قواي، وقيل: بالفاء جمع طرف بالفتح، وهو العين. (وسكون أطرافي) أي أعضائي.(مرصّد) إمّا من التفعيل، رصد كنصر: راقب، وشدّد للمبالغة؛ أو من التفعّل كالمزّمّل والمدّثّر، يعني المترصّد المرتقب.(وتعرفونّي) بتشديد النون، أي في القيامة حين قسمتي الجنّة والنار.(العفو لي قربة). في بعض النسخ: «إن أعف، فالعفو لي قربة، ولكم حسنة»، فالمعنى: عفوكم أو عفوي لصبركم على عفوي مع قدرتي على الانتقام من قاتلي.(فاعفوا واصفحوا) قيل: يعني عمّن حمل قاتلي على قتلي؛ بدلالة ما سيذكر من كلامه عليه السلام في نهج البلاغة، ولئلّا يناقض قوله عليه السلام: «ضربة مكان ضربة». وقيل: بل المعنى إن لم تعف فضربة، واحتمال الأمر بالعفو عمّن يجني عليهم بمثل ما جُني عليه لا بأس به.ومن كلامه عليه السلام في نهج البلاغة يوصي به الحسنين عليهما السلام: «يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: قُتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلُنَّ إلّا قاتلي، انظروا إذا أنا مُتّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربةً بضربةٍ، لا يُمثَّل الرّجل، فإنّي سمعتُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقول: إيّاكم والمُثلة، ولو بالكلب العقور».(1) قوله عليه السلام: «ألا لا تقتلنّ» خطاب على الجمع، أو للحسن عليه السلام.(فيا لها حسرة) حذف المنادى، و«حسرة» نصب على التميز من الضمير المبهم في «لها».و(أن يكون) خبر للمبتدأ المحذوف، يعني هي أن يكون.(2)

.


1- .نهج البلاغة، ص 422، الكتاب 47.
2- .ضبط المصنّف سابقاً: «أو تحلّ» بالتاء.

ص: 452

(أو يحلّ) عطف على «يقصر» لا على «لا يقصر». والمضمون ناظر إلى قوله تعالى في سورة فاطر: «أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ»(1).

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَقِيلِيِّ رَفَعُهُ (3) ، قَالَ : لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ لعنه اللَّه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ لِلْحَسَنِ عليه السلام : «يَا بُنَيَّ ، إِذَا أَنَا مِتُّ ، فَاقْتُلِ ابْنَ مُلْجَمٍ لعنه اللَّه ، وَ احْفِرْ لَهُ فِي الْكُنَاسَةِ - وَ وَصَفَ الْعَقِيلِيُّ الْمَوْضِعَ : عَلى بَابِ طَاقِ الْمَحَامِلِ ، مَوْضِعُ الشُّوَّاءِ وَ الرُّؤَّاسِ - ثُمَّ ارْمِ بِهِ فِيهِ ؛ فَإِنَّهُ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ» .

هديّة:«حفر الأرض» كضرب.و(الكناسة) بالضمّ: كالقمامة لفظاً ومعنى، وموضع في ظهر الكوفة.و(الشّواء) على الجمع كفسّاق، وكذا (الرّؤّاس): البايعون للشّواء - بالكسر والمدّ: اللّحم المشوي - والرؤوس المطبوخة، الواحد فيهما بالفتح.

.


1- .فاطر (35): 37.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن، فتعبير المصنّف ب «بإسناده» سهو.
3- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 453

الباب السابع والستّون: باب الإشارة و النصّ على الحسين بن عليّ عليهما السلام

الباب السابع والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا حَضَرَتْ (2) الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام الْوَفَاةُ ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : يَا أَخِي ، إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا : إِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ، ثُمَّ وَجِّهْنِي إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً ، ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلى أُمِّي ، ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالْبَقِيعِ ، وَ اعْلَمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنْ عَائِشَةَ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ وَ النَّاسُ ضَيْمَهَا(3) وَ عَدَاوَتَهَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَدَاوَتَهَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ .فَلَمَّا قُبِضَ الْحَسَنُ عليه السلام وَ وُضِعَ عَلَى السَّرِيرِ ، ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِ إِلى مُصَلّى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ عَلَى الْجَنَائِزِ - فَصَلّى عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، وَ حُمِلَ وَ أُدْخِلَ (4) الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، قال الكليني وعدّة من أصحابنا، عن ابن زياد، عن محمّد بن مسلم الديلمي، عن هارون بن الجهم». والعلامة المجلسي يقول في تعليقته على هذا السند: بأن «قال الكليني» من كلام تلامذته وهو في هذا الموضع غريب. ولعل بكر أيضاً روى عن ابن جهم أو عن ابن سليمان، و احتمال إرسال الأوّل كما قيل بعيد، وابن زياد هو سهل. مرآة العقول، ج 3، ص 304.
2- .في الكافي المطبوع: «حضر».
3- .في الكافي المطبوع: «صنيعها».
4- .في الكافي المطبوع: + «إلى».

ص: 454

أُوقِفَ عَلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ذَهَبَ ذُو الْعَيْنَيْنِ إِلى عَائِشَةَ ، فَقَالَ لَهَا : إِنَّهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا بِالْحَسَنِ لِيَدْفِنُوهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (1)صلى اللَّه عليه وآله ، فَخَرَجَتْ - مُبَادِرَةً - عَلى بَغْلٍ بِسَرْجٍ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ رَكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ سَرْجاً ، فَقَالَتْ : نَحُّوا ابْنَكُمْ عَنْ بَيْتِي ؛ فَإِنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِي بَيْتِي ، وَ يُهْتَكُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حِجَابُهُ .فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ عليه السلام : قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وَ أَبُوكِ حِجَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَدْخَلْتِ (2) عَلى بَيْتِهِ مَنْ لَا يُحِبُّ قُرْبَهُ ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى سَائِلُكِ عَنْ ذلِكِ يَا عَائِشَةُ» .

هديّة:«دفنه» كضرب ونصر، «فادّفن» على الافتعال، و«اندفن» بمعنى.و«الضيم» بالفتح: الظلم والضرر. وفي بعض النسخ: «من بغضها» مكان (من ضيمها)، وفي بعض آخر: «من صنيعها».(ثمّ انطلقوا). قرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: «ثمّ» بفتح المثلّثة: اسم إشارة، أي في المكان الذي كان فيه، قال: يعني لمّا تمّ التجهيز.و«العوينة»: تصغير العين، وكذا «العيينة»، وذو العيينتين أو العوينتين تثنية، ويكنّى بذي العوينة وكذا بذي العوينتين عن الجاسوس.قال الجوهري: العين: حاسّة الرؤية وفلان وفلان، والجاسوس. والتصغير: عيينة. ومنه قيل: ذو العيينتين للجاسوس. ثمّ قال: ولا تقل ذو العوينتين (3).والأصل ما ضبط في كتب الأخبار، وأين من فضل أهل الأخبار فضل مثل الجوهري.قال برهان الفضلاء: كون الأصل بالياء لا يمنع صحّة التصغير بالواو والياء؛ لضمّة العين.

.


1- .في الكافي المطبوع: «النبيّ» بدل «رسول اللَّه».
2- .في الكافي المطبوع: + «عليه».
3- .الصحاح، ج 6، ص 2172 (عين).

ص: 455

(فخرجت مبادرة) مع كونها مأمورة بالقعود في بيتها بقوله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب: «وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ»(1)، ومنهيّة عن ركوب السرج بقوله صلى اللَّه عليه وآله: لعن اللَّه الفروج على السروج.(2) وهو بظاهره مطلق من الركوب على القصد المباح وغيره.وفي قولها: «ابنكم» تعريضٌ منها بأنّه عليه السلام ليس ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.(فإنّه لا يُدفن) نهيٌ على المجهول، وكذا (يهتك) بالعطف.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (3)، عَنْ الدَّيْلَمِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام الْوَفَاةُ ، قَالَ : يَا قَنْبَرُ ، انْظُرْ هَلْ تَرى مِنْ وَرَاءِ بَابِكَ مُؤْمِناً مِنْ غَيْرِ آلِ مُحَمَّدٍ ؟ فَقَالَ : اللَّهُ تَعَالى وَ رَسُولُهُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، قَالَ : ادْعُ لِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ : هَلْ حَدَثَ إِلَّا خَيْرٌ ؟ قُلْتُ : أَجِبْ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَعَجَّلَ عَلى شِسْعِ نَعْلِهِ ، فَلَمْ يُسَوِّهِ ، وَ خَرَجَ مَعِي يَعْدُو .فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، سَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام (4) : اجْلِسْ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ يَغِيبُ عَنْ سَمَاعِ كَلَامٍ يَحْيَا بِهِ الْأَمْوَاتُ ، وَ يَمُوتُ بِهِ الْأَحْيَاءُ ، كُونُوا أَوْعِيَةَ الْعِلْمِ وَ مَصَابِيحَ الْهُدى ؛ فَإِنَّ ضَوْءَ النَّهَارِ بَعْضُهُ أَضْوَأُ مِنْ بَعْضٍ .أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - جَعَلَ وُلْدَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَئِمَّةً ، وَ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ، وَ آتى دَاوُدَ عليه السلام زَبُوراً ، وَ قَدْ عَلِمْتَ بِمَا اسْتَأْثَرَ بِهِ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْحَسَدَ ، وَ إِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْكَافِرِينَ ، فَقَالَ اللَّهُ

.


1- .الأحزاب (33): 33.
2- .المنقول في كتب الخاصة عن أمير المؤمنين هكذا: «لا تحملوا الفروج على السروج فتهيّجوهن للفجور». الكافي، ج 5، ص 516، باب في تأديب النساء، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 468، ح 4226. وماذكره المصنّف عن النبيّ، فهو في كتب العامّة، منها: المبسوط للسرخسي، ج 6، ص 89؛ وبدائع الصنائع للكاشاني، ج 3، ص 143.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد».
4- .في الكافي المطبوع: + «بن عليّ».

ص: 456

تَعَالى : «كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ تَعَالى لِلشَّيْطَانِ عَلَيْكَ سُلْطَاناً .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، أَ لَا أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ فِيكَ ؟ قَالَ : بَلى ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُولُ يَوْمَ الْبَصْرَةِ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبَرَّنِي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، فَلْيَبَرَّ مُحَمَّداً وَلَدِي .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَكَ وَ أَنْتَ نُطْفَةٌ فِي ظَهْرِ أَبِيكَ ، لَأَخْبَرْتُكَ .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام بَعْدَ وَفَاةِ نَفْسِي وَ مُفَارَقَةِ رُوحِي جِسْمِي إِمَامٌ مِنْ بَعْدِي ، وَ عِنْدَ اللَّهِ - جَلَّ اسْمُهُ - فِي الْكِتَابِ وِرَاثَةً عَنِ (1) النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله أَضَافَهَا اللَّهُ تَعَالى لَهُ (2) فِي وِرَاثَةِ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ عليها السلام ، فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ خِيَرَةُ خَلْقِهِ ، فَاصْطَفى مِنْكُمْ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، وَ اخْتَارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً عليهما السلام ، وَ اخْتَارَنِي عَلِيٌّ عليه السلام بِالْإِمَامَةِ ، وَ اخْتَرْتُ أَنَا الْحُسَيْنَ عليه السلام ؟فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام : أَنْتَ إِمَامٌ ، وَ أَنْتَ وَسِيلَتِي إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؛ وَ اللَّهِ ، لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي ذَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ مِنْكَ هذَا الْكَلَامَ ، أَلَا وَ إِنَّ فِي رَأْسِي كَلَاماً لَا تَنْزِفُهُ الدِّلَاءُ ، وَ لَا تُغَيِّرُهُ نَغْمَةُ الرِّيَاحِ ، كَالْكِتَابِ الْمُعْجَمِ ، فِي الرَّقِّ الْمُنْهَمِ (3) ، أَهُمُّ بِإِبْدَائِهِ ، فَأَجِدُنِي سُبِقْتُ إِلَيْهِ ، سَبَقَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ أَوْ مَا خَلَتْ (4) بِهِ الرُّسُلُ ، وَ إِنَّهُ لَكَلَامٌ يَكِلُّ بِهِ لِسَانُ النَّاطِقِ وَ يَدُ الْكَاتِبِ حَتّى لَا يَجِدَ قَلَماً ، وَ يُؤْتى (5) بِالْقِرْطَاسِ حُمَماً ، فَلَا(6) يَبْلُغُ فَضْلَكَ ، وَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُحْسِنِينَ ، وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ :الْحُسَيْنُ عليه السلام أَعْلَمُنَا عِلْماً ، وَ أَثْقَلُنَا حِلْماً ، وَ أَقْرَبُنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله رَحِماً ، كَانَ فَقِيهاً قَبْلَ أَنْ

.


1- .في الكافي المطبوع: «من».
2- .في «الف»: - «له».
3- .في الكافي المطبوع: «المنمنم».
4- .في الكافي المطبوع: «جاءت».
5- .في الكافي المطبوع: «يؤتوا».
6- .في الكافي المطبوع: «ولا».

ص: 457

يُخْلَقَ ، وَ قَرَأَ الْوَحْيَ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ ، وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي أَحَدٍ غَيْرَ مُحَمَّدٍ(1) خَيْراً ، مَا اصْطَفى مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا اخْتَارَ اللَّهُ مُحَمَّداً ، وَ اخْتَارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً ، وَ اخْتَارَكَ عَلِيٌّ إِمَاماً ، وَ اخْتَرْتَ الْحُسَيْنَ ، سَلَّمْنَا وَ رَضِينَا ؛ مَنْ هَوَ بِغَيْرِهِ يَرْضَى ؟ وَ مَنْ كُنَّا نَسْلَمُ بِهِ مِنْ مُشْكِلَاتِ أَمْرِنَا؟» .

هديّة:هذا الحديث بتمامه دلالة على أنّ منازعة محمّد بن عليّ في الإمامة مع عليّ بن الحسين عليهما السلام ثمّ رضاه بجعلهما الحجر الأسود حكماً بينهما - كما سبق ذكره - إنّما هي لمصلحة، لا لادّعاء منه جهلاً، فلعلّها بأمر أمير المؤمنين عليه السلام ووصيّته بذلك؛ لمصالح وحِكَم شتّى، منها: خلاصه من إصرار الناس بإمامته مع آبائه أيضاً جهاراً.وفي بعض النسخ: «لمّا حضر» بلا علامة التأنيث، وكلاهما جائز.(من وراء بابك) تعبير عن مثل «غيرك» تكريماً لقنبر، سواء كان بمعنى أنّ بابنا بابك، أو بمعنى أنّك بوّابنا، يعني لآمره في غرضٍ. والاستفهام إنكاريّ، فالمعنى: لمّا ليس أحد هنا غيرك فآمرك. ومعنى قول قنبر لبّيك، فأمر.(فأتيته) على تقدير: قال فأتيته.والفاء في (فلم يسوّه) بيانيّة، يفسّر قوله: (فعجّل على شسع نعله). وفي بعض النسخ: «عن» مكان «على». والمعنى عليهما تأكيدُ التعجيل.و«الشسع» بكسر المعجمة وسكون المهملة الاُولى: واحد شسوع النعل التي تشدّ إلى زمامها.(عن سماع كلام). في بعض النسخ: «عن أن يسمع كلاماً».(يُحيى به الأموات ويموت به الأحياء).قال برهان الفضلاء: يعني يُحيى به القلوب الميّتة بقبوله، ويموت به القلوب الحيّة بعدم قبوله.

.


1- .في الكافي المطبوع: - «غير محمّد».

ص: 458

وقال بعض المعاصرين: أي أموات الجهل، وأحياء اللذّات الدنيويّة.(1)أقول: يحتمل أن يكون المعنى يُحيى به السُّنَن الحقّة المتروكة، ويموت به البِدَع المتداولة. أو المراد من الأموات الآباء المهتدون المنسيّ ذكرهم، ومن الأحياء الأدعياء الضالّون الدائر كلامهم.(كونوا) خطابٌ إلى أولاد أمير المؤمنين عليه السلام.(أضوء من بعض) يعني لا تستنكفوا وإن كنتم علماء، وفوق كلّ ذي علمٍ عليم.(ولم يجعل اللَّه للشيطان عليك سلطاناً)، جملةٌ دعائية، أو إخبارٌ عن الماضي، وأعطى عليه السلام يوم البصرة العَلَمَ ابنه محمّداً.قيل: ذكر يوم البصرة هنا إشارة إلى مشاركة سائر المؤمنين مع ابن الحنفيّة في الثبات والحملة؛ لئلّا يتوهّم عصمته وإمامته من قوله عليه السلام: (مَن أحبّ أن يبرّني)، من البرّ بالكسر، بمعنى الامتثال والإطاعة. «برّه» كعلم وضرب: أطاعه.وقرأ برهان الفضلاء: «أن يُبرّني» من باب الإفعال، من البرّ بالكسر أيضاً، بمعنى الإحسان.(لو شئت) يحتمل المخاطب والمتكلّم، والمعنى (أن أخبرك) بأحوالك من الأوّل إلى الآخر.والبارز في (أضافها) للوراثة، والجملة نعتٌ لها، أو استئنافٌ بياني.(في رأسي كلاماً) أي من فضائلك ومناقبك.(لا تنزفه) كضرب، أي لا تفنيه بالنزح لكثرته.(ولا تغيّره) لثباته وعذوبته (نغمة الرياح) بالفتح وسكون المعجمة، أي صوتها.وضبط برهان الفضلاء بالقاف المكسورة، بمعنى النقيمة، على فعيلة، أي المكروهة. قال: حذفت الياء تخفيفاً.

.


1- .الوافي، ج 2، ص 339، ذيل ح 798.

ص: 459

و(المعجم) من الإفعال والتفعيل، بمعنى أي المنقوط. وقد يراد المعرب؛ لئلّا يشتبه. وهو المراد بقول من قال: «كالكتاب المعجم» من التعجيم، بمعنى إزالةُ العجم بالنقط.و(المنهم): الممتلي من النهمة، بمعنى بلوغ الهمّة في الشي ء؛ كذا قيل. وفي بعض النسخ: «المنمّم»، أي الملتفّ المجتمع. وضبط برهان الفضلاء: «المنمنم» كالمدحرج، أي المذهّب والمزيّن بالذهب.(سُبقت إليه) على ما لم يسمّ فاعله، والظاهر على المتكلّم، ويحتمل الخطاب. فالمعنى على الظاهر: أنت وأخوك سبقتماني إليه سبق القرآن، وفيه تبيان كلّ شي ء.(أو ما خلت). «أو» هنا بمعنى «بل» أي ما مضت. وفي بعض النسخ: «جاءت» مكان «خلت». أو المعنى عليهما - أي على المتكلّم والخطاب (1) - أنّ مناقب الرسول صلى اللَّه عليه وآله ثابتة في جميع الكتب وعند جميع الأنبياء عليهم السلام.و«الحمم» كصرد: الفحم.(2)(نسلم به) كعلم، من السلامة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا احْتُضِرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : يَا أَخِي ، إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا ، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ، ثُمَّ وَجِّهْنِي إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً ، ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلى أُمِّي فَاطِمَةَ عليها السلام ، ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالْبَقِيعِ ، وَ اعْلَمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنَ الْحُمَيْرَاءِ مَا يَعْلَمُ النَّاسُ مِنْ صَنِيعِهَا وَ عَدَاوَتِهَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَدَاوَتِهَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ .

.


1- .في «الف»: - «أي على المتكلّم والخطاب».
2- .الحُمَم: الرماد والفحم وكلّ ما احترق النار. لسان العرب، ج 12، ص 157 (حمم).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد، عن سهل».

ص: 460

فَلَمَّا قُبِضَ الْحَسَنُ عليه السلام ، وُضِعَ عَلى سَرِيرِهِ ، وَانْطَلَقُوا بِهِ إِلى مُصَلّى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ عَلَى الْجَنَائِزِ - فَصَلّى عَلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، فَلَمَّا أَنْ صَلّى عَلَيْهِ ، حُمِلَ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ ، فَلَمَّا أُوقِفَ عَلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، بَلَغَ عَائِشَةَ(1) الْخَبَرُ ، وَ قِيلَ لَهَا : إِنَّهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لِيُدْفَنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَخَرَجَتْ - مُبَادِرَةً - عَلى بَغْلٍ بِسَرْجٍ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ رَكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ سَرْجاً ، فَوَقَفَتْ وَ قَالَتْ : نَحُّوا ابْنَكُمْ عَنْ بَيْتِي ؛ فَإِنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِيهِ شَيْ ءٌ ، وَ لَا يُهْتَكُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حِجَابُهُ .فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام: قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وَ أَبُوكِ حِجَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَدْخَلْتِ بَيْتَهُ مَنْ لَا يُحِبُّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قُرْبَهُ ، وَ إِنَّ اللَّهَ سَائِلُكِ عَنْ ذلِكِ يَا عَائِشَةُ ؛ إِنَّ أَخِي أَمَرَنِي أَنْ أُقَرِّبَهُ مِنْ أَبِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِيُحْدِثَ بِهِ عَهْداً .وَ أَعْلَمُ (2) أَنَّ أَخِي أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ، وَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ مِنْ أَنْ يَهْتِكَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله سِتْرَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» وَ قَدْ أَدْخَلْتِ أَنْتِ بَيْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الرِّجَالَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ» وَ لَعَمْرِي لَقَدْ ضَرَبْتِ أَنْتِ لِأَبِيكِ وَ فَارُوقِهِ عِنْدَ أُذُنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمَعَاوِلَ ، وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» وَ لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْخَلَ أَبُوكِ وَ فَارُوقُهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِقُرْبِهِمَا مِنْهُ الْأَذى ، وَ مَا رَعَيَا مِنْ حَقِّهِ مَا أَمَرَهُمَا اللَّهُ بِهِ عَلى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْوَاتاً مَا حَرَّمَ مِنْهُمْ أَحْيَاءً ؛ وَ تَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ ، لَوْ كَانَ هذَا الَّذِي كَرِهْتِيهِ - مِنْ دَفْنِ الْحَسَنِ عليه السلام عِنْدَ أَبِيهِ صلى اللَّه عليه وآله - جَائِزاً فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ اللَّهِ ، لَعَلِمْتِ أَنَّهُ سَيُدْفَنُ وَ إِنْ رَغِمَ مَعْطِسُكِ».قَالَ : «ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، يَوْماً عَلى بَغْلٍ ، وَ يَوْماً عَلى جَمَلٍ ، فَمَا

.


1- .في «الف»: «العائشة».
2- .في الكافي المطبوع: «اعلمي».

ص: 461

تَمْلِكِينَ نَفْسَكِ ، وَ لَا تَمْلِكِينَ الْأَرْضَ عَدَاوَةً لِبَنِي هَاشِمٍ .قَالَ : «فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَتْ : يَا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ ، هؤُلَاءِ الْفَوَاطِمُ يَتَكَلَّمُونَ ، فَمَا كَلَامُكَ ؟ فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ عليه السلام : وَ أَنّى تُبْعِدِينَ مُحَمَّداً مِنَ الْفَوَاطِمِ ، فَوَ اللَّهِ ، لَقَدْ وَلَدَتْهُ ثَلَاثُ فَوَاطِمَ : فَاطِمَةُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حِجْرِ بْنِ عَبْدِ مُعِيصِ بْنِ عَامِرٍ».قَالَ : «فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : نَحُّوا ابْنَكُمْ ، وَ اذْهَبُوا بِهِ ؛ فَإِنَّكُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ».قَالَ : «فَمَضَى الْحُسَيْنُ عليه السلام إِلى قَبْرِ أُمِّهِ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ ، فَدَفَنَهُ بِالْبَقِيعِ» .

هديّة:بيان طائفةٍ من فقراته كما سبق آنفاً.و«حميراء» لقب عائشة بنت أبي بكر، تصغير «حمراء» مؤنّث «أحمر». يُقال: وطأةٌ حمراء، أي جديدة، ووطأةٌ دهماء، أي دارسة. وسمّي بالأحمر والحمراء والحميراء وحُمران.والوطأة بالهمز كصدمة: رسم القدم على الأرض.(أقرّبه) على المتكلّم، من التفعيل.(من أبيه) إبطالٌ لقولها (ابنكم).في بعض النسخ: «واعلمي» على الأمر الحاضرة مكان (وأعلم) على المتكلّم.(لأنّ اللَّه تعالى يقول)؛ يجوز بفتح اللام للتأكيد، وكسر الهمزة. واجتماع التي للتأكيد قليل في باب «أنّ» وشايع في باب «قد»، كتأخير اللام في باب إنّ، وتسمّى اللام المؤخّرة في باب إنّ. بالمزحلَقة بالزاي والمهملة واللام والقاف، كالمدحرجة على اسم المفعول لفظاً ومعنى.وفي ذكره عليه السلام آية بيوت النبيّ في سورة الأحزاب إبطال لقولها: (بيتي)، وليس للزوجة التي ليس لها ولد نصيب من الأرض في ميراث زوجها، مع أنّ لها على الفرض تسعاً من الثُّمن مُشاعاً، فلا وجه لتصرّفها بدون إذن سائر الورثة أصلاً.

.

ص: 462

نِعْمَ ما قال ابن عبّاس فيها في هذا المعنى:تجمّلت تبغّلت فإن عشت تفيّلت لك التُّسع من الثُّمن ففي الكلّ تطمّعت (1)وآية «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ» في سورة الحجرات.(2)و(المعاول): جمع المعول كمنبر.وآية «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ» في سورة الحجرات.(3)(إنّ اللَّه حرّم على المؤمنين) إمّا بالكسر، استئنافٌ بياني لما سبق؛ أو بالفتح، عطفٌ بيان ل (ما أمرهما اللَّه به).والياء في (كرهتيه) حصلت من إشباع الكسرة.«رغم أنفه» كنصر وضرب وحسن: لصق بالتراب، ويطاوع للإرغام. ورغم الأنف كنايةٌ عن الذلّة والهوان. و«الرغام» كسحاب: التراب.و«المعطس» كمجلس ومنصب: الأنف.و(فاطمة بنت عمران) زوجة عبد المطّلب اُمّ أبي طالب وعبداللَّه وزبير.(وفاطمة بنت أسد) اُمّ أمير المؤمنين عليهما السلام.و(رواحة) بلا نقطة كسحابة.و(حجر) بإهمال الأوّل والجيم، كعمر وعمرو.(معيص) على اسم الفاعل من الإفعال.و«البقيع»: الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروبٍ شتّى، ومنه البقيع بالمدينة المنوّرة. «الأرومة» كالضرورة والحموضة: أصل الشجرة، والجمع «أروم» كذلك.

.


1- .راجع: الخرائج والجرائح، ج 1، ص 242؛ والاحتجاج، ج 2، ص 378.
2- .الحجرات (49): 2.
3- .الحجرات (49): 3.

ص: 463

الباب الثامن والستّون: باب الإشارة و النصّ على عليّ بن الحسين عليه السلام

الباب الثامن والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة أو ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ بزرج ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ(1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحُسَيْنَ (2) عليه السلام لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، دَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً ، وَ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً ، وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام مَبْطُوناً مَعَهُمْ لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِمَا بِهِ ، فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ صَارَ وَ اللَّهِ ذلِكَ الْكِتَابُ إِلَيْنَا يَا زِيَادُ».قَالَ : قُلْتُ : مَا فِي ذلِكَ الْكِتَابِ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ؟قَالَ : «فِيهِ وَ اللَّهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلى أَنْ تَفْنَى الدُّنْيَا ؛ وَ اللَّهِ ، إِنَّ فِيهِ الْحُدُودَ حَتّى أَنَّ فِيهِ أَرْشَ الْخَدْشِ» .

هديّة:قد سبق مثل هذا الحديث بأدنى تفاوت ببيانه في باب ما نصّ اللَّه ورسوله على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس».
2- .في الكافي المطبوع: + «بن عليّ».

ص: 464

الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً.(1)و«الكتاب الملفوف» كأنّه المسمّى بالجامعة، أو عبارة عن الملفوف من عدّة كتبٍ في لفافة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ (2) ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَ الْحُسَيْنَ عليه السلام مَا حَضَرَهُ ، دَفَعَ وَصِيَّتَهُ إِلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ ظَاهِرَةً فِي كِتَابٍ مُدْرَجٍ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مَا كَانَ ، دَفَعَتْ ذلِكَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام».قُلْتُ لَهُ : فَمَا فِيهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟فَقَالَ : «مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا إِلى أَنْ تَفْنى» .

هديّة:(في كتاب مدرج). قد يجي ء «في» بمعنى «مع»، كما قيل في قوله تعالى: «ادْخُلِى فِى عِبَادِى»(3) أي مع عبادي، فالمعنى مع كتاب مدرج، أي ملفوف من الإفعال والتفعيل بمعنىً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ الْحَضْرَمِيِ (4) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام لَمَّا سَارَ(5) إِلَى الْعِرَاقِ ، اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْكُتُبَ وَ الْوَصِيَّةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ» .

.


1- .الكافي، ج 1، ص 291، باب ما نصّ اللَّه عزّ و جلّ و رسوله على الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً، ح 6؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 14، ح 764.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان».
3- .الفجر (89): 29.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي».
5- .في الكافي المطبوع: «صار».

ص: 465

الحديث الثالث وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : عَلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الشَّيْبَانِيِّ ، قَالَ : وَ اللَّهِ ، إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ عِنْدَهُ وُلْدُهُ إِذْ جَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَخَلَا بِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَخْبَرَنِي أَنِّي سَأُدْرِكُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقَالُ لَهُ : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يُكَنّى أَبَا جَعْفَرٍ ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ .قَالَ : وَ مَضى جَابِرٌ ، وَ رَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَجَلَسَ مَعَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ إِخْوَتِهِ ، فَلَمَّا صَلَّى الْمَغْرِبَ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَيَّ شَيْ ءٍ قَالَ لَكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ؟» فَقَالَ : «قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : إِنَّكَ سَتُدْرِكُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِيَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، يُكَنّى أَبَا جَعْفَرٍ ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ».فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : «هَنِيئاً لَكَ - يَا بُنَيَّ - مَا خَصَّكَ اللَّهُ بِهِ مِنْ رَسُولِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ بَيْتِكَ ، لَا تُطْلِعْ إِخْوَتَكَ عَلى هذَا ، فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ، كَمَا كَادَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ عليه السلام» .

هديّة:(وفي نسخة الصفواني) من زيادات بعض النسّاخ، يعني ليس حديث فُليح - وهو الحديث الرابع في هذا الباب - في نسخ الكافي إلّا في نسخة الصفواني من تلامذة ثقة الإسلام.وهو لا يناسب هذا الباب كما يناسب تاليه، وينافي أيضاً الحديث الثالث في باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام.ووجه التوفيق بين مثل الحديث الأوّل والثالث تعدّد الكتاب كتاب الوصيّة الظاهرة ومغايرته للكتاب الملفوف المسمّى بالجامعة، أو المشتمل على عدّة صحف على ما مرّ بيانه.و(فليح) مصغّراً بالفاء وإهمال الأخير: ابن أبي بكر، وفي رجال الشيخ: ابن بكير

.

ص: 466

مصغّراً: الشيباني بالفتح، من أصحاب عليّ بن الحسين عليه السلام.(1)كَنَيْتُه وكَنَوْتُه كنيةً وبكنيةٍ، كأكَنْيتُه وكنَّيتُه من الإفعال والتفعيل.(هنيئاً) نصب على الخبر بتقدير «كان»، والجملة دعائيّة، والاسم مؤخّر وهو الموصول هنا.والمراد ب (أهل بيتك) هنا الذُّكران من أولاده عليه السلام، وهم أحد عشر: محمّد، زيد، عمر، عبداللَّه، حسن، حسين، حسين الأصغر، عبد الرحمن، سليمان، محمّد الأصغر، عليّ بن عليّ بن الحسين عليهما السلام.(لا تطلع) على الإفعال، ويشعر بوجه كتمان جابر أيضاً عن إخوته عليه السلام.

.


1- .رجال الطوسي، ص 119، الرقم 1207، والمضبوط فيه: «فليح بن أبي بكر الشيباني» ولكن ذكر في الهامش عن نسخة منه: «فليح بن بكير الشيباني».

ص: 467

الباب التاسع والستّون: باب الإشارة و النصّ على أبي جعفر عليه السلام

الباب التاسع والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ(1) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام الْوَفَاةُ قَبْلَ ذلِكَ ، أَخْرَجَ سَفَطاً أَوْ صُنْدُوقاً عِنْدَهُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، احْمِلْ هذَا الصُّنْدُوقَ» . قَالَ : «فَحَمَلَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ، جَاءَ إِخْوَتُهُ يَدَّعُونَ فِي الصُّنْدُوقِ ، فَقَالُوا : أَعْطِنَا نَصِيبَنَا فِي الصُّنْدُوقِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ ، مَا لَكُمْ فِيهِ شَيْ ءٌ، وَ لَوْ كَانَ لَكُمْ فِيهِ شَيْ ءٌ مَا دَفَعَهُ، إِلَيَّ وَ كَانَ فِي الصُّنْدُوقِ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ كُتُبُهُ ».

هديّة:المراد البتّة ب (أبي جعفر) هو الباقر عليه السلام؛ لأنّ إبراهيم بن أبي البلاد الكوفي الثقة روى عن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام، ولم يدرك زمن أبي جعفر الثاني عليه السلام، ففاعل «قال» في (قال لمّا حضر) هو إسماعيل، فالقول بأنّ الظاهر «جاء إخوتي» و«فقلت: واللَّه ما لكم فيه شي ء» كما ترى.و«السفط» محرّكة كالجوالق أو كالقفّة، والجمع أسفاط.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي القاسم الكوفي، عن محمّد بن سهل، عن إبراهيم بن أبي البلاد».

ص: 468

كما ليس في لغة العرب «فعليل» بالفتح، ليس «فعلول» بالفتح أيضاً، فمثل «منديل» بالكسر، ومثل «صندوق» بالضمّ.(فحمل بين أربعة) على ما لم يسمّ فاعله من باب ضرب، أي باتّفاقهم بقبض كلّ واحدٍ منهم بجانب منه. ويحتمل المعلوم، أي في حضور أربعة نفر، قيل: الظاهر «من الصندوق» في الموضعين، أي بعضه في الأوّل، قيل: لا، ولا وجه، والمضبوط «في».

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1) ، عَنْ (2) عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : الْتَفَتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلى وُلْدِهِ - وَ هُوَ فِي الْمَوْتِ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ - ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، هذَا الصُّنْدُوقُ اذْهَبْ بِهِ إِلى بَيْتِكَ» ، قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دِينَارٌ وَ لَا دِرْهَمٌ ، وَ لكِنَّهُ (3) كَانَ مَمْلُوءاً عِلْماً» .

هديّة:(في الموت) في حاله.قيل: «أمّا إنّه» إلى آخره من كلام الإمام عليه السلام. وقال برهان الفضلاء: بل كلام الراوي.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ (4) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ بِصَدَقَةِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللَّه».
2- .هكذا في الكافي المطبوع. وفي «الف» و «د»: «بن» بدل «عن». وهو سهو؛ فإنّ محمّد بن عبد اللَّه، هو محمّد بن عبد اللَّه بن زرارة، توسّط بين محمّد بن الحسين و بين عيسى بن عبد اللَّه. راجع: معجم رجال الحديث، ج 16، ص 431.
3- .في الكافي المطبوع: «لكن».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن، عن سهل، عن محمّد بن عيسى، عن فضالة بن أيّوب».

ص: 469

عَلِيٍّ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ ، وَ إِنَّ ابْنَ حَزْمٍ بَعَثَ إِلى زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ - وَ كَانَ أَكْبَرَهُمْ - فَسَأَلَهُ الصَّدَقَةَ ، فَقَالَ زَيْدٌ : إِنَّ الْوَالِيَ كَانَ بَعْدَ عَلِيٍّ الْحَسَنَ ، وَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَيْنَ ، وَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ، وَ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَابْعَثْ إِلَيْهِ ؛ فَبَعَثَ ابْنُ حَزْمٍ إِلى أَبِي ، فَأَرْسَلَنِي أَبِي بِالْكِتَابِ إِلَيْهِ حَتّى دَفَعْتُهُ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ» .فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا : يَعْرِفُ هذَا وُلْدُ الْحَسَنِ عليه السلام ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، كَمَا يَعْرِفُونَ أَنَّ هذَا لَيْلٌ ، وَ لكِنْ غَلَبَهُمُ (1) الْحَسَدُ ، وَ لَوْ طَلَبُوا الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ، وَ لكِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا» .

هديّة:لعلّ غرض عمر بن عبد العزيز - وكان من خلفاء بني اُميّة - إحقاق الحقّ على تقدير تصرّف الغير في الموقوفات، وكان ابن حزم - بالمهملة كالجزم بالجيم - واليه على المدينة المنوّرة.(وكان أكبرهم) أي أكبر أولاد عليّ بن أبي طالب عليه السلام سنّاً.(فسأله الصّدقة) أي كتابها كما في قوله: (بصدقة عليّ) أي بما وقف وحبس من أمواله.(إنّ الوالي) أي على الصدقات بالكتاب، أي كتاب الصّدقات.(فقال له) يعني للصادق عليه السلام أو للباقر عليه السلام، (بعضنا) من الحاضرين عنده بالليل ظاهراً.(كما يعرفون) يحتمل الغيبة والخطاب.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «يحملهم» مكان (غلبهم)، أي يرفعهم من مكانهم، فيستنكفوا أن يطيعوا المفترض الطاعة، أو المعنى يحثّهم على الإنكار وعدم الطاعة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو(2) ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا

.


1- .في الكافي المطبوع: «ولكنّهم يحملهم» بدل «ولكن غلبهم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو».

ص: 470

عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : «بَعَثَ ابْنُ حَزْمٍ إِلى زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي عليه السلام» .

هديّة:(مثله) أي مثل ما ذكر الحسين بن أبي العلاء في سابقه.

.

ص: 471

الباب السبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام

الباب السبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ ، عَنْ الْكِنَانِيِ (1) ، قَالَ : نَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَمْشِي ، فَقَالَ : «تَرى هذَا ؟ هذَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»» .

هديّة:تمام الآية في سورة القصص: «وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ»(2).فسّروا عليهم السلام «استضعفوا» بالمستضعفين بغصب حقّهم، والمستحقرين بالظلم، والتمكين بعد ظهور قائمهم عليهم السلام. وتأويل «فرعون وهامان» هنا الأوّل والثاني.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(3) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح الكناني».
2- .القصص (28): 6.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير».

ص: 472

قَالَ : «لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي عليه السلام الْوَفَاةُ ، قَالَ : يَا جَعْفَرُ ، أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً ، قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ اللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ وَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي الْمِصْرِ ، فَلَا يَسْأَلُ أَحَداً» .

هديّة:قيل (جعلت فداك) كلام الراوي.والواو في (والرجل) للحال.واللام في (المصر) للجنس، يعني لأتركنّهم على حالٍ يكون الرجل منهم في مصر، فلا يسأل أحداً لغناه علماً. وقال برهان الفضلاء: بل كلام الإمام عليه السلام، يعني واللَّه لأدعنّهم على هذه الحالة لغناه مالاً أو علماً أيضاً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُثَنّى (1) ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوَلَدُ يَعْرِفُ فِيهِ شِبْهَ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ وَ شَمَائِلِهِ ، وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنِ ابْنِي هذَا شِبْهَ خَلْقِي وَ خُلُقِي وَ شَمَائِلِي» يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام .

هديّة:يعني من زيادة سعادة السعيد، فإنّ ذلك للشقيّ زيادة في شقاوته. والولد سرّ أبيه غالباً.(يعرف) على المعلوم من باب ضرب.(خَلقه) أي شكله، (خُلقه) أي مكارمه، و«الشمال» ككتاب: خلاف اليمين والخلق أيضاً، والجمع: «شمائل»، على غير قياس، والقياس: «أشمُل» كأذرُع إلّا أنّه شاذّ مقبول، قال اللَّه تعالى في سورة النحل: «عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً للَّهِ ِ»(2).وقال برهان الفضلاء: «وشمائله» جمع «شمال» ككتاب، بمعنى الخُلُق، والمراد هنا كيفيّة الحركات والسكنات عند النطق والسكوت، وسائر الحركات والسكنات.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنّي».
2- .النحل (16): 48.

ص: 473

الحديث الرابع والخامس والسادس روى في الكافي بإسناده بِطُرُقٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَن طَاهِرٍ ؛ عَنْ يونس بن يعقوب، عن طاهر؛ عن عليّ بن الحكم، عن طاهر(1)، قَالَ : كُنْتُ قَاعِداً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَأَقْبَلَ جَعْفَرٌ عليه السلام ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هذَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» أَوْ «أَخْيَر» .

هديّة:الترديد من عليّ بن الحكم؛ لأنّه ليس في آخر الحديث في الإسنادين الأوّلين، يعني: «أو قال عليه السلام: أخير البريّة»، وهذا الخبر في الكافي أخبارٌ ثلاثةٌ، فأخبار الباب ثمانية، وأنت خبير بأنّ العبرة بكلام أصحاب الحديث أكثر، فقول الجوهري: «تقول: فلانة خير الناس، فلا تقل: خيرة، وفلان خير الناس، فلا تقل أخير، لا يثنّى ولا يُجمع؛ لأنّه في معنى أفعل»(2) ضعيف السند.قال برهان الفضلاء: و«أخير» موافق لكلام جُلّ أهل العراق، يعني معظمهم وأكثرهم.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ (3) ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «هذَا وَ اللَّهِ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ».قَالَ عَنْبَسَةُ : فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذلِكَ ، فَقَالَ : «صَدَقَ جَابِرٌ» . ثُمَّ قَالَ : «لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ إِمَامٍ هُوَ الْقَائِمَ بَعْدَ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن طاهر؛ أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن يونس بن يعقوب، عن طاهر؛ أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ عن فضيل بن عثمان، عن طاهر».
2- .الصحاح، ج 2، ص 652 (خير).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم».

ص: 474

هديّة:يستفاد من آخر الحديث وجه تخصيص الصاحب عليه السلام باسم القائم؛ إذ لا قائم بعده.(ترون) أي تظنّون.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ (1)، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَبِي عليه السلام اسْتَوْدَعَنِي مَا هُنَاكَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالَ : ادْعُ لِي شُهُوداً ، فَدَعَوْتُ لَهُ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ نَافِعٌ مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَقَالَ : اكْتُبْ : هذَا مَا أَوْصى بِهِ يَعْقُوبُ بَنِيهِ : «يا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»، وَ أَوْصى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي بُرْدِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ ، وَ أَنْ يُعَمِّمَهُ بِعِمَامَتِهِ ، وَ أَنْ يُرَبِّعَ قَبْرَهُ ، وَ يَرْفَعَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، وَ أَنْ يَحُلَّ عَنْهُ أَطْمَارَهُ عِنْدَ دَفْنِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِلشُّهُودِ : انْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ .فَقُلْتُ لَهُ (2) : يَا أَبَتِ مَا كَانَ فِي هذَا بِأَنْ يُشْهَدَ(3) عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ كَرِهْتُ أَنْ تُغْلَبَ ، وَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُوصَ إِلَيْهِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لَكَ الْحُجَّةُ» .

هديّة:(ما هناك) من علم صدره والكتاب والسلاح، يعني قبل الوصيّة الظاهرة لحكمةٍ.(نافع) بن سرجس - بالجيم المكسورة وفتح المهملة الاُولى - الديلمي، مولى عبداللَّه بن عمر من المشاهير في محدّثي المخالفين.والمراد ب «الأطمار» الخَرْق الصغار التي يربط بها الكفن من جنس الكفن، وقيل: «أطماره»: أثوابه البالية، جمع طمر بالكسر، أي الثوب الخلق، فالضمير إمّا للوصيّ أو

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن».
2- .في الكافي المطبوع: + «بعد ما انصرفوا».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «تشهد».

ص: 475

للموصيّ، والمراد عُقَدُ أكفانه المبتذلة من قبل باللبس. وسوّى برهان الفضلاء بين الاحتمالين.الجوهري:قولهم: «يا أبت افعل» يجعلون علامة التأنيث عوضاً عن ياء الإضافة، كقولهم في الاُمّ يا اُمّه، وتقف عليها بالهاء إلّا في القرآن، فإنّك تقف عليها بالتاء [اتّباعاً(1) للكتاب. وقد يقف بعض العرب على هاء التأنيث بالتاء، فيقولون: يا طلحت.(2)(بأن يشهد) على المجهول الغائب من الإفعال أو المعلوم المخاطب منه.(لم يوص) على المعلوم أو خلافه. (أن يكون لك الحجّة) ناقصة أو تامّة.

.


1- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
2- .الصحاح، ج 6، ص 2260 (أبا).

ص: 476

الباب الحادي والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام

الباب الحادي والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي الْحَسَنِ مُوسى بَنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَّاءِ(1) ، عَنِ الْفَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : خُذْ بِيَدِي مِنَ النَّارِ ، مَنْ لَنَا بَعْدَكَ ؟ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ - فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ ، فَتَمَسَّكوا(2) بِهِ» .

هديّة:(القلّاء) بالتشديد فعّال، من القليّة من الطعام كالعطيّة، قليت السويق واللحم، وقلوت أيضاً، فهو مقليّ كمرميّ، ومقلوّ كمدعوّ، وجمع القلّية: قلايا، والبايع: قلّاء.في بعض النسخ المعتبرة: «فتمسّك به» على الإفراد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ الْخَرَّازِ(3) ، عَنْ ثُبَيْتٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللَّه القلاّء».
2- .في الكافي المطبوع: + «فتمسّك».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب الخرّاز».

ص: 477

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَسْأَلُ اللَّهَ - الَّذِي رَزَقَ أَبَاكَ مِنْكَ هذِهِ الْمَنْزِلَةَ - أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ قَبْلَ الْمَمَاتِ مِثْلَهَا ، فَقَالَ : «قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذلِكَ».قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟فَأَشَارَ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ عليه السلام وَ هُوَ رَاقِدٌ ، فَقَالَ : «هذَا الرَّاقِدُ» وَ هُوَ غُلَامٌ .

هديّة:(ثبيت) بضمّ المثلّثة.يعني أسأل اللَّه الذي رزق أباك مثله في الإمامة أن يرزقك مثلك فيها مثله. و«الرُّقاد» بالضمّ: النوم، والفعل كنصر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبي عَلِيٍّ الْأَرَّجَانِيُّ الْفَارِسِيُّ ، عَنْ البجلي (1) ، قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمنِ فِي السَّنَةِ الَّتِي أُخِذَ فِيهَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَاضِي عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هذَا الرَّجُلَ قَدْ صَارَ فِي يَدِ هذَا ، وَ مَا يُدْرى (2) إِلى مَا يَصِيرُ ؟ فَهَلْ بَلَغَكَ عَنْهُ فِي أَحَدٍ مِنْ وُلْدِهِ شَيْ ءٌ ؟فَقَالَ لِي : مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَسْأَلُنِي عَنْ هذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ دَخَلْتُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام فِي مَنْزِلِهِ ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ كَذَا مِنْ (3) دَارِهِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ وَ هُوَ يَدْعُو ، وَ عَلى يَمِينِهِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام يُؤَمِّنُ عَلى دُعَائِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، قَدْ عَرَفْتَ انْقِطَاعِي إِلَيْكَ وَ خِدْمَتِي لَكَ ، فَمَنْ وَلِيُّ النَّاسِ بَعْدَكَ ؟ فَقَالَ : «إِنَّ مُوسى قَدْ لَبِسَ الدِّرْعَ وَ سَاوى عَلَيْهِ». فَقُلْتُ لَهُ : لَا أَحْتَاجُ بَعْدَ هذَا إِلى شَيْ ءٍ .

هديّة:«أرّجان» بالمهملة المشدّدة المفتوحة بين فتحة الهمزة وفتحة الجيم: معرّب أردكان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد قال: حدّثني أبو عليّ الأرّجانيّ الفارسيّ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج».
2- .في الكافي المطبوع: «ندري».
3- .في الكافي المطبوع: «في».

ص: 478

و(عبد الرحمن) بن الحجّاج البجلي، مولاهم، كوفيّ، بيّاع السابري، سكن بغداد، ورمي بالكيسانيّة، بقي بعد أبي الحسن عليه السلام ورجع إلى الحقّ، ولقى الرضا عليه السلام، ثقة ثقة، شهد له الصادق عليه السلام بالجنّة.(ما يدرى) يحتمل الغائب المجهول والمتكلّم مع الغير.في بعض النسخ: «في داره» مكان (من داره).(ما ظننت) يعني لمّا لم أظنّ حاجتي إلى هذه المسألة لم أسأل عنها، لكن عندي ما يكفيك، فقد ثبت أنّ من علامات الإمام أن يُساويَ عليه درعُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كما لداود عليه السلام في محاربة طالوت عليه السلام وجالوت.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسى الصَّيْقَلِ (1) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَدَخَلَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام - وَهُوَ غُلَامٌ - فَقَالَ : «اسْتَوْصِ بِهِ ، وَ ضَعْ أَمْرَهُ عِنْدَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِكَ» .

هديّة:يعني فقال عليه السلام للمفضّل: (استوص به) ولدك وأهلك وأصحابك ممّن تثق به.والأمر الثاني استئناف بيانيّ.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِ (2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي يَوْماً ، فَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِلى مَنْ نَفْزَعُ وَ يَفْزَعُ النَّاسُ بَعْدَكَ ؟فَقَالَ : «إِلى صَاحِبِ الثَّوْبَيْنِ الْأَصْفَرَيْنِ وَ الْغَدِيرَتَيْنِ - يَعْنِي الذُّؤَابَتَيْنِ - وَ هُوَ الطَّالِعُ عَلَيْكَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن موسى الصيقل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن يعقوب بن جعفر الجعفريّ».

ص: 479

مِنْ هذَا الْبَابِ ، يَفْتَحُ الْبَابَيْنِ جَمِيعاً بِيَدِهِ (1)» ، فَمَا لَبِثْنَا أَنْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا كَفَّانِ آخِذَةً بِالْبَابَيْنِ ، فَفَتَحَهُمَا ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام.

هديّة:«الفزع» محرّكة: الخوف، «فزعت إليه» كعلم: لجأت إليه من الفزع، فأغاثني.و«الغديرة» بالمعجمة المفتوحة قبل المهملة المكسورة.و«الذؤابة» بالضمّ والهمز، قال في المصباح المنير: الخُصلة من الشعر ذؤابةٌ إذا كانت مرسلة، وعقيصةٌ إذا كانت مَلْويّة.(2)في بعض النسخ: «يفتح الباب بيديه جميعاً». و«أن» بالفتح والتخفيف لتأكيد السرعة.وقرئ (آخذة) على فاعلة، حالاً عن التثنية باعتبار الإفراد بالاجتماع. وقرأ برهان الفضلاء: «أخذة» على المصدر بتاء الوحدة، فمفعول له ل «طلعت»، ثمّ قال: ويحتمل أن يكون المصدر بمعنى الفاعل، فحال عن الكفّين، والإفراد لأنّه مصدر.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ التَمِيمِي، عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لَهُ مَنْصُورُ بْنُ حَازِمٍ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، إِنَّ الْأَنْفُسَ يُغْدى عَلَيْهَا وَ يُرَاحُ ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ فَمَنْ ؟فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِذَا كَانَ ذلِكَ فَهُوَ صَاحِبُكُمْ» وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى مَنْكِبِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام الْأَيْمَنِ - فِيمَا أَعْلَمُ - وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ خُمَاسِيٌّ ، وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ جَالِسٌ مَعَنَا .

هديّة:(يُغدى عليها ويراح) على المجهول، يعني أنّها بمعرض الحَدثان ومنزل النقلان، والموت ليس بمعزل عن الإنسان.

.


1- .في الكافي المطبوع: «بيده جميعاً» بدل «جميعاً بيده».
2- .المصباح المنير، ج 2، ص 211 (ذاب).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن صفوان الجمّال».

ص: 480

(فيما أعلم) إظهار لعلمه بذلك، نفياً لشكّه، بل ظنّه. وقيل: «فيما أعلم» يستعمل كثيراً في معنى فيما أظنّ.(خماسيّ) يعني قامته خمسة أشبار، فإذا بلغ ستّة أشبار فهو رجل، ولا يُقال سداسيّ ولا سباعيّ، والخماسيّ قد يُطلق - كما صرّح به برهان الفضلاء - أيضاً على ابن خمس سنين أيضاً. و(عبداللَّه) هو الأفطح، تنسب إليه الفطحيّة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ التميمي، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ :قُلْتُ لَهُ : إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَ لَا أَرَانِي اللَّهُ ذلِكَ - فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِهِ مُوسى .قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسى حَدَثٌ ، فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ».قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِوَلَدِهِ حَدَثٌ ، وَ تَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَ ابْناً صَغِيراً ، فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ» ، ثُمَّ قَالَ : «هكَذَا أَبَداً».قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَعْرِفْهُ وَ لَا أَعْرِفْ مَوْضِعَهُ ؟ قَالَ : «تَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَلّى مَنْ بَقِيَ مِنْ حُجَجِكَ مِنْ وُلْدِ الْإِمَامِ الْمَاضِي ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُجْزِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(عيسى بن عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب) ثقة، له كتاب، ذكره الشيخ في رجاله في رجال الصادق عليه السلام،(2) وقد سبق نصوص بمضمون هذا النصّ ببيانها.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَّاءِ(3) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عيسى بن عبد اللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب».
2- .رجال الطوسي، ص 257، الرقم 552.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللَّه القلّاء».

ص: 481

اللَّهِ عليه السلام أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ ، فَقَالَ : «هذَا الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ فِينَا مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلى شِيعَتِنَا مِنْهُ» ثُمَّ قَالَ لِي : «لَا تَجْفُوا إِسْمَاعِيلَ».

هديّة:الخبر هو (المولود) بصلته.(فينا) أي في أولادنا.(أعظم بركة) من جهاتٍ، كما يظهر من النصوص، منها: رضاه عليه السلام بالحبس مرّتين مدّة مديدة لمصالح تعود إلى الشيعة إلى قيام القائم عليه السلام.(لا تجفوا) من الجفاء، وهو يُمدّ ويقصر: خلاف البرّ؛ فإمّا عن المجرّد كدعا، أو الإفعال، جفاه وأجفاه أيضاً: أتعبه. فقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه: أي لا تُتعبوه بذكر هذا عنده لعدم بقائه إلى زمان إمامته.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه (1): أي لا تذكروه بالسوء، بل عظّموه واعرفوا حقّه من دون أن تأخذوه صاحبكم، فإخبار عن اختلاف الناس فيه فيما بعد.وكان إسماعيل - على ما رواه الصدوق وغيره (2) - ممّن بدا للَّه في إمامته، تُنسب إليه الإسماعيليّة.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ الْمِيثَمِيِ (3) ، عَنْ فَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي أَمْرِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام حِينَ (4) قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «هُوَ صَاحِبُكَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ ، فَقُمْ إِلَيْهِ ، فَأَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ» . فَقُمْتُ حَتّى قَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَ يَدَهُ ، وَ دَعَوْتُ اللَّهَ لَهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا إِنَّهُ لَمْ

.


1- .إنّ ما نقل عن ميرزا رفيعا لم نجده في شرحه على الكافي الموجد لدينا؛ لأنّه تمّ عند أوائل أبواب كتاب الحجّة.
2- .التوحيد، ص 336، باب البداء، ح 10؛ كمال الدين، ج 1، ص 69؛ تصحيح الاعتقاد، ص 66.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن الحسين، عن أحمد بن الحسن الميثمي».
4- .في الكافي المطبوع: «حتّى».

ص: 482

يُؤْذَنْ لَنَا فِي أَوَّلَ مِنْكَ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأُخْبِرُ بِهِ أَحَداً ؟ قَالَ (1) : «نَعَمْ ، أَهْلَكَ وَ وُلْدَكَ» . وَ كَانَ مَعِي أَهْلِي وَ وُلْدِي وَ رُفَقَائِي ، وَ كَانَ يُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ مِنْ رُفَقَائِي ؛ فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُمْ حَمِدُوا اللَّهَ تَعَالى .وَ قَالَ يُونُسُ : لَا وَ اللَّهِ حَتّى أَسْمَعَ ذلِكَ مِنْهُ ، وَ كَانَتْ بِهِ عَجَلَةٌ ، فَخَرَجَ فَأتْبَعْتُهُ ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ لَهُ - وَ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ - : «يَا يُونُسُ ، الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لَكَ فَيْضٌ». قَالَ : فَقَالَ : سَمِعْتُ وَ أَطَعْتُ ، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «خُذْهُ إِلَيْكَ يَا فَيْضُ» .

هديّة:في بعض النسخ المعتبرة: «حتّى قال له» مكان (حين قال له).(فقمت) بتقدير القول، يعني: قال: فقمت.(في أوّل منك) على معنى أفعل التفضيل، أي أسبق منك، فأنت أوّل من أخبرناه بذلك.(وكان معي) أي في سفر مكّة. «حمدتُ اللَّه» كعلم، والتحميد للكثرة والمبالغة.(لا واللَّه) أي لا أكتفي واللَّه. و«العجلة» بالتحريك: خلاف البطؤ، يعني كان يونس ممّن يعجّل في الاُمور أو في تحقيق هذا الأمر.(فأتبعته) من الإفعال.(خذه) يعني اذهبا معاً، أو لأنّه ثقة دون يونس، قال الغضائري: «يونس بن ظبيان» كوفيّ، كذّاب،(2) وضّاع للحديث.(3)وقال النجاشي: مولى، ضعيفٌ جدّاً، لا يُلتفت إلى روايته، كلّ كتبه تخليط.(4) وقال الكشّي: متّهمٌ غالٍ.(5)وروي أنّ الكاظم عليه السلام لعنه ألفَ لعنةٍ يتبعها ألف لعنة كلّ لعنة منها، يبلغ قعر جهنّم.(6)

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقال».
2- .في المصدر: «غال».
3- .رجال الغضائري، ص 448، الرقم 1210.
4- .رجال النجاشي، ص 448، الرقم 1210.
5- .رجال الكشّي، ص 363، الرقم 672.
6- .رجال الكشّي، ص 364، الرقم 673.

ص: 483

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ فُضَيْلٍ ، عَنْ طَاهِرٍ(1) ، قَالَ : كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَلُومُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَ يُعَاتِبُهُ ، وَ يَعِظُهُ ، وَ يَقُولُ : «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ أَخِيكَ ، فَوَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَعْرِفُ النُّورَ فِي وَجْهِهِ ؟» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لِمَ ؟ أَ لَيْسَ أَبِي وَ أَبُوهُ وَاحِداً ، وَ أُمِّي وَ أُمُّهُ وَاحِدَةً؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّهُ مِنْ نَفْسِي وَ أَنْتَ ابْنِي» .

هديّة:(ظاهر) هذا كأنّه مولى أبي عبداللَّه عليه السلام، و(عبد اللَّه) هو الملقّب بالأفطح، قالت الفَطَحيّة عمّار الساباطي وأصحابه ومن تبعهم بإمامته. قال برهان الفضلاء: لمّا كان المشهور في الناس أيضاً أنّ الإمامة إنّما هي في بني فاطمة، وكانت اُمّ عبد اللَّه الأفطح غير اُمّ الكاظم عليه السلام، فمراده ب «اُمّي واُمّه» فاطمة عليها السلام.قال الفاضل الاسترآبادي:والأولى «وأصلي وأصله» مكان «واُمّي واُمّه» لمغايرة اُمّ موسى عليه السلام واُمّ عبداللَّه. وفي كتاب ربيع الشيعة لابن طاووس رضي اللَّه عنه: «وأصلي وأصله واحداً» مكان «واُمّي واُمّه واحدة».(2)ومعنى (إنّه من نفسي وأنت ابني) أنّه ولدي الروحاني، وأنت ولدي الجسماني.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3) ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ هُوَ وَاقِفٌ عَلى رَأْسِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام وَهُوَ فِي الْمَهْدِ ، فَجَعَلَ يُسَارُّهُ طَوِيلًا ، فَجَلَسْتُ حَتّى فَرَغَ ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : «ادْنُ مِنْ مَوْلَاكَ ، فَسَلِّمْ» ، فَدَنَوْتُ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن فضيل، عن طاهر، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 158.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن محمّد بن سنان».

ص: 484

فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ، ثُمَّ قَالَ لِيَ : «اذْهَبْ ، فَغَيِّرِ اسْمَ ابْنَتِكَ الَّتِي سَمَّيْتَهَا أَمْسِ ؛ فَإِنَّهُ اسْمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ» ، وَ كَانَ وُلِدَتْ لِيَ ابْنَةٌ سَمَّيْتُهَا بِالْحُمَيْرَاءِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «انْتَهِ إِلى أَمْرِهِ تُرْشَدْ» ، فَغَيَّرْتُ اسْمَهَا .

هديّة:(يسارّه) يُناجيه.و«حميراء» في تصغير حمراء مؤنّث أحمر: لقب عائشة بنت أبي بكر، وقد ذكر وجهه في بيان الحديث الثالث من الباب السادس والستّون.(ترشد) على المعلوم من باب نصر وعلم، أو على خلافه من الإفعال.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : دَعَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَوْماً وَ نَحْنُ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَنَا : «عَلَيْكُمْ بِهذَا ؛ فَهُوَ وَ اللَّهِ صَاحِبُكُمْ بَعْدِي» .

هديّة:(ونحن عنده) أي جماعة من أصحابنا، فإنّ سليمان بن خالد أبو الربيع الهلالي رجع إلى الحقّ بعد خروجه مع زيد، وقطع إصبعه في الحرب. في كتاب سعد أنّه تاب من ذلك ورجع إلى الحقّ قبل موته، ورضي عنه أبو عبداللَّه عليه السلام بعد سخطه وتوجّح لموته.(2)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ زِرْبِيٍ (3) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ النَّحْوِيِّ ، قَالَ : بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ هُوَ جَالِسٌ عَلى كُرْسِيٍّ ، وَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ ، وَ فِي يَدِهِ كِتَابٌ ، قَالَ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَمى بِالْكِتَابِ إِلَيَّ وَ هُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ لِي : هذَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن ابن مسكان».
2- .راجع: رجال ابن داود، ص 248، الرقم 221؛ وجامع الرواة، ج 1، ص 377.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل أو غيره، عن محمّد بن الوليد، عن يونس، عن داود بن زربيّ».

ص: 485

كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُنَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَدْ مَاتَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - ثَلَاثاً - وَ أَيْنَ مِثْلُ جَعْفَرٍ ؟ثُمَّ قَالَ لِيَ : اكْتُبْ ، قَالَ : فَكَتَبْتُ صَدْرَ الْكِتَابِ ، ثُمَّ قَالَ : اكْتُبْ : إِنْ كَانَ أَوْصى إِلى رَجُلٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ ، فَقَدِّمْهُ فَاضْرِبْ (1) عُنُقَهُ ، قَالَ : فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْجَوَابُ ، أَنَّهُ قَدْ أَوْصى إِلى خَمْسَةٍ ، وَاحِدُهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، وَ عَبْدُ اللَّهِ ، وَ مُوسى ، وَ حُمَيْدَةُ .

هديّة:(زربي) بكسر المعجمة ويضمّ وسكون المهملة، واحد الزرابيّ، أي النمارق والبسط. (محمّد بن سليمان) والي المدينة.(حميدة) مكبّرة، كما ضبط برهان الفضلاء، وقيل: مصغّرة، وهي حميدة البربريّة اُمّ موسى بن جعفر عليهما السلام.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ(2) نَحْواً مِنْ هذَا ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَوْصى إِلى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، وَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَ مُوسى ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَمَوْلًى لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : لَيْسَ إِلى قَتْلِ هؤُلَاءِ سَبِيلٌ .

هديّة:يعني: عن النضر بن سويد، عن أبي أيّوب النحوي، وهو فاعل (قال) قبل (فقال).

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ (3) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ ، فَقَالَ : «إِنَّ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ لَا يَلْهُو وَ لَا يَلْعَبُ» وَ أَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام وَ هُوَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «واضرب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عليّ بن الحسن، عن صفوان الجمّال».

ص: 486

صَغِيرٌ ، وَ مَعَهُ عَنَاقٌ مَكِّيَّةٌ وَ هُوَ يَقُولُ لَهَا : «اسْجُدِي لِرَبِّكَ» فَأَخَذَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ ضَمَّهُ إِلَيْهِ ، وَ قَالَ : «بِأَبِي وَ أُمِّي مَنْ لَا يَلْهُو وَ لَا يَلْعَبُ» .

هديّة:(عناق) كسحاب: الاُنثى من ولد المعز.قال برهان الفضلاء: «بأبي واُمّي» هنا بتقدير «يفدى» على ما لم يسمّ فاعله جملة دعائيّة، أي لأجل أبي واُمّي، فكما لا حاجة إلى هذا لا بأس به.

الحديث السادس عشر روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ عُمَرَ الرُّمَّانِيِّ ، عَنْ فَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : إِنِّي لَعِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ أَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام - وَ هُوَ غُلَامٌ - فَالْتَزَمْتُهُ وَ قَبَّلْتُهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنْتُمُ السَّفِينَةُ ، وَهذَا مَلَّاحُهَا» قَالَ : فَحَجَجْتُ مِنْ قَابِلٍ ، وَ مَعِي أَلْفَا دِينَارٍ ، فَبَعَثْتُ بِأَلْفٍ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ أَلْفٍ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يَا فَيْضُ ، عَدَلْتَهُ بِي ؟» قُلْتُ : إِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ لِقَوْلِكَ ، فَقَالَ : «أَمَا وَاللَّهِ مَا أَنَا فَعَلْتُ ذلِكَ ، بَلِ اللَّهُ تَعَالى فَعَلَهُ بِهِ» .

هديّة:«الالتزام»: الاعتناق.(عدلته بي) كضرب، و«عادلته» من المفاعلة بمعنى. وقيل: أو من التعديل، بمعنى التسوية.(ذلك) أي كونه عديلي ومثلي، أو إمامته، أو كونه ملّاحاً؛ وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين، الحمد للَّه ربّ العالمين.

.

ص: 487

الباب الثاني والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي الحسن الرضا عليه السلام

الباب الثاني والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ السّرّاد، عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ (1) ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ : كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ جَالِساً ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ عَلِيٌّ ، فَقَالَ لِي : «يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ ، هذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي ، أَمَا إِنِّي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي» فَضَرَبَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ ، كَيْفَ قُلْتَ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ : سَمِعْتُ - وَ اللَّهِ - مِنْهُ كَمَا قُلْتُ ، فَقَالَ هِشَامٌ : أَخْبَرَكَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ .

هديّة:«الرّضى» بالكسر والقصر: مصدر، وبالمدّ: اسم.في بعض النسخ: «فقال لي له» بزيادة «له»، أي لفضل ابنه.«نحله» كمنع: أعطاه، والنحلة بالكسر: العطيّة من غير أن يؤخذ عوضٌ، كالنحلي بالضمّ والقصر.(فضرب) تعجّباً، أو تأسّفاً وتحزّناً للنعي.و«الراحة»: بطن الكفّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصحّاف».

ص: 488

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ (1) ، عَنْ نُعَيْمٍ الْقَابُوسِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ ابْنِي عَلِيّاً أَكْبَرُ وُلْدِي ، وَ أَبَرُّهُمْ عِنْدِي ، وَ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ ، وَ هُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي الْجَفْرِ ، وَ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ» .

هديّة:(الجفر) لغةً: البئر الواسعة، لا ينزف ماؤها بالنزح، وفي عرفهم عليهم السلام - كما قيل - : اسم لوعاء كتبهم وسلاحهم، منه الأبيض والأحمر والجامعة، صرّح به برهان الفضلاء أيضاً. وقيل: بل اسم للكتب الثلاثة: الجفر الأبيض، والجفر الأحمر، والجفر الجامعة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ الْقَصْرِيِّ جَمِيعاً ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي قَدْ كَبِرَ سِنِّي ، فَخُذْ بِيَدِي مِنَ النَّارِ . قَالَ : فَأَشَارَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:«قصر»: عَلَمٌ لسبعة وسبعين موضعاً، وقرية، وحصن، وقصر بهرام جور من حَجَرٍ واحد قرب همذان. و(الرقّي) بالكسر والتشديد: نسبة إلى رقّة، قرية على شاطئ الفرات، وبلدة بقوهستان، ويظهر من الجوهري والقاموس (3) أنّها بالفتح، والنسبة بالكسر البتّة، والتغيير فيها شائع.و(كبر) كحسن: عظم، وكعلم: السنّ، والسنّ يؤنّث ويُذكّر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي».
3- .راجع: الصحاح، ج 4، ص 1483؛ القاموس المحيط، ج 3، ص 236 (رقق).

ص: 489

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام : أَ لَا تَدُلُّنِي إِلى مَنْ آخُذُ عَنْهُ دِينِي ؟ فَقَالَ : «هذَا ابْنِي عَلِيٌّ ؛ إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي ، فَأَدْخَلَنِي إِلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «قَالَ إِنِّى جاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى إِذَا قَالَ قَوْلًا وَفى بِهِ» .

هديّة:(ديني) أي من بعدك.(وفى به) أي ما دامت الأرض، يعني يمتنع خلوّ الدنيا - ما دام نظامها - عن إمامٍ معصوم عاقل عن اللَّه - تبارك وتعالى - لِيَلِي الأمر والصلاح، ويدفع الفساد وسفك الدماء بغير حقّ؛ بدليل تتمّة الآية في سورة البقرة: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ»(2)، فسّر بأنّ المعنى: أتجعل كذا، فيجب جعل خليفة من عند اللَّه لدفع الفساد، وإصلاح ذات البين، وإعلام ما يحتاجون إليه في أمر المعاش والمعاد.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده (3) عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرٍو(4) ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام : إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَ دَقَّ عَظْمِي ، وَ إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ عليه السلام ، فَأَخْبَرَنِي بِكَ ، فَأَخْبِرْنِي (5)؟ فَقَالَ : «هذَا أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن الحسن، عن ابن أبي عمير».
2- .البقرة (2): 30.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤيّ، عن يحيى بن عمرو».
4- .هكذا في الكافي المطبوع. وفي «الف» و «د»: «عمر» وهو سهو؛ لأنّ داود الرقّي من مشايخ يحيى بن عمرو بن خليفة الزيّات، وأمّا يحيى بن عمر بن كليع يروي عن إسحاق بن عمّار الصيرفي.
5- .في الكافي المطبوع: + «من بعدك».

ص: 490

هديّة:قد مرّ نظيره ببيانه.«دقّ الشي ء» كفرّ: صار دقيقاً، وأدقّه غيره، وكذا دقّقه تدقيقاً.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ الْقَنْدِيِ (1) - وَ كَانَ مِنَ الْوَاقِفَةِ - قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ عِنْدَهُ ابْنُهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «يَا زِيَادُ ، هذَا ابْنِي فُلَانٌ ، كِتَابُهُ كِتَابِي ، وَ كَلَامُهُ كَلَامِي ، وَ رَسُولُهُ رَسُولِي ، وَ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ» .

هديّة:(القندي) بالفتح: نسبة إلى أحد الأجداد.(وكان من الواقفة) في الكافي من كلام ثقة الإسلام، «جماعة واقفة» على الوصف، و«واقفيّة» على الوصف والنسبة: وقفوا على أبي الحسن الأوّل عليه السلام.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْمَخْزُومِيُّ - وَ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ : بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، فَجَمَعَنَا ، ثُمَّ قَالَ لَنَا : «أَ تَدْرُونَ لِمَ دَعَوْتُكُمْ ؟» فَقُلْنَا : لَا ، فَقَالَ : «اشْهَدُوا أَنَّ ابْنِي هذَا وَصِيِّي ، وَالْقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي ، مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ ، فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ ابْنِي هذَا ؛ وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ ، فَلْيُنْجِزْهَا مِنْهُ ؛ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي ، فَلَا يَلْقَنِي إِلَّا بِكِتَابِهِ» .

هديّة:«مخزوم» بالمعجمتين: أبو حيّ من قريش.غرض الرّاوي إبطال مذهب الواقفة، حيث قالوا بأنّه عليه السلام لم يوصِ كذا إلى أحدٍ وهو

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن زياد بن مروان القندي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 491

حيّ، ولذا لم يصرّح باسم ابنه الرضا عليهما السلام، فاكتفى بالوضوح، قيل: كأنّ تلك الوصيّة كانت عند خروجه عليه السلام إلى بغداد بأمر هارون.(فلا يُلقني) أي في الحبس إلّا بكتابه؛ لأنّه أعلم بالتقيّة وحفظ الشيعة.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ جَمِيعاً ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ (2) أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ فِي الْحَبْسِ : «عَهْدِي إِلى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ، وَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ، وَ فُلَانٌ لَا تُنِلْهُ شَيْئاً حَتّى أَلْقَاكَ ، أَوْ يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ الْمَوْتَ» .

هديّة:في بعض النسخ: «خرج» مكان (خرجت)، وكلاهما جائز، و«أولادي» مكان (ولدي).وكأنّ المراد ب (فلان) عبّاس بن موسى، وسيجي ء ذكره في هذا الباب في مشاجرته مع الرضا عليه السلام في الميراث، وخطاب النهي للوصيّ يعني الرضا عليه السلام.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ(3) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِالْبَصْرَةِ أَلْوَاحٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا بِالْعَرْضِ : «عَهْدِي إِلى أَكْبَرِ وُلْدِي : يُعْطى فُلَانٌ كَذَا ، وَ فُلَانٌ كَذَا ، وَ فُلَانٌ كَذَا ، وَ فُلَانٌ لَا يُعْطى حَتّى أَجِي ءَ أَوْ يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ الْمَوْتَ ؛ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ».
2- .في الكافي المطبوع: «من».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ الحكم، عن عبد اللَّه بن المغيرة».

ص: 492

هديّة:كان عليه السلام محبوساً حيناً بالبصرة، ثمّ اُرسل ببغداد، فسمّ بها في الحبس.قال برهان الفضلاء: «بالعرض» يعني كان طول السطور بطول الألواح من عِظَم ككتف الشاة أو ساجٍ أو نحوهما.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُحْرِزٍ(1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ مِنَ الْحَبْسِ : «أَنَّ فُلَاناً ابْنِي سَيِّدُ وُلْدِي ، وَ قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي» .

هديّة:تكرار الكلام بتعدّد المقام دليل الاهتمام بالمرام، فلا يتوهّم المنافاة بينه وبين الحديث الأوّل.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ (2) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَ لَا أَلْقَاكَ ، فَأَخْبِرْنِي مَنِ الْإِمَامُ الْعَدْلُ (3) بَعْدَكَ ؟ فَقَالَ : «ابْنِي فُلَانٌ» يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام .

هديّة:الجوهري: حدث شي ء، أي وقع. القاموس: ويضمّ داله.(4)ليس في بعض النسخ (العدل)، فلعلّه أسقط كاتبه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن ابن محرز».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي عليّ الخزّاز، عن داود بن سليمان».
3- .في الكافي المطبوع: - «العدل».
4- .الصحاح، ج 1، ص 287؛ القاموس المحيط، ج 1، ص 164 (قدم). وفي القاموس هكذا: «وتضمّ داله إذا ذكر مع قدم».

ص: 493

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ (1) ، عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ عليه السلام : مَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، ذَهَبَ النَّاسُ يَمِيناً وَ شِمَالًا ، وَ قُلْتُ فِيكَ أَنَا وَ أَصْحَابِي ؛ فَأَخْبِرْنِي مَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ وُلْدِكَ ؟ فَقَالَ : «ابْنِي فُلَانٌ» .

هديّة:في بعض النسخ بزيادة: «يعني أبا الحسن عليه السلام»، ويكفي (ابني فلان) للردّ على الواقفة، كما مرَّ آنفاً.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ الْأَشْعَثِ (2) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زَرْبِيٍّ ، قَالَ : جِئْتُ إِلى أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بِمَالٍ ، فَأَخَذَ بَعْضَهُ وَ تَرَكَ بَعْضَهُ ، فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، لِأَيِّ شَيْ ءٍ تَرَكْتَهُ عِنْدِي ؟ قَالَ : «إِنَّ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ». فَلَمَّا جَاءَنَا نَعْيُهُ ، بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ابْنُهُ (3) ، فَسَأَلَنِي ذلِكَ الْمَالَ ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ .

هديّة:في بعض النسخ: «فأخذه» بالضمير البارز، فنصب «البعض» على بدل البعض.و«النعي» كالرمي: خبر الموت.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْحَكَمِ الْأَرْمَنِيِ (4) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ الزَّيْدِيِّ ؛ قَالَ أَبُو الْحَكَمِ : وَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن سعيد بن أبي الجهم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن الضحّاك بن الأشعث».
3- .في «الف»: - «ابنه».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي الحكم الأرمني».

ص: 494

بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ الْجَرْمِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ نَحْنُ نُرِيدُ الْعُمْرَةَ - فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هَلْ تُثْبِتُ هذَا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، فَهَلْ تُثْبِتُهُ أَنْتَ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، إِنِّي أَنَا وَ أَبِي لَقِينَاكَ هَاهُنَا وَ أَنْتَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ مَعَهُ إِخْوَتُكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَئِمَّةٌ مُطَهَّرُونَ ، وَ الْمَوْتُ لَا يَعْرى مِنْهُ أَحَدٌ ، فَأَحْدِثْ إِلَيَّ شَيْئاً أُحَدِّثْ بِهِ مَنْ يَخْلُفُنِي مِنْ بَعْدِي ؛ فَلَا يَضِلُّ .قَالَ : «نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، هؤُلَاءِ وُلْدِي ، وَ هذَا سَيِّدُهُمْ - وَ أَشَارَ إِلَيْكَ - وَ قَدْ عُلِّمَ الْحُكْمَ وَ الْفَهْمَ وَ السَّخَاءَ وَ الْمَعْرِفَةَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ ، وَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَ دُنْيَاهُمْ ، وَ فِيهِ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَ حُسْنُ الْجَوَابِ ، وَ هُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ فِيهِ أُخْرى خَيْرٌ مِنْ هذَا كُلِّهِ» .فَقَالَ لَهُ أَبِي : وَ مَا هِيَ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ؟قَالَ عليه السلام : «يُخْرِجُ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - مِنْهُ غَوْثَ هذِهِ الْأُمَّةِ وَ غِيَاثَهَا ، وَ عَلَمَهَا وَ نُورَهَا ، وَ فَضْلَهَا وَ حِكْمَتَهَا(1) ، خَيْرُ مَوْلُودٍ ، وَ خَيْرُ نَاشِىً يَحْقُنُ اللَّهُ تَعَالى بِهِ الدِّمَاءَ ، وَ يُصْلِحُ بِهِ ذَاتَ الْبَيْنِ ، وَ يَلُمُّ بِهِ الشَّعْثَ ، وَ يَشْعَبُ بِهِ الصَّدْعَ ، وَ يَكْسُو بِهِ الْعَارِيَ ، وَ يُشْبِعُ بِهِ الْجَائِعَ ، وَ يُؤْمِنُ بِهِ الْخَائِفَ ، وَ يُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْقَطْرَ ، وَ يَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ ، خَيْرُ كَهْلٍ ، وَ خَيْرُ نَاشِىً ، قَوْلُهُ حُكْمٌ ، وَ صَمْتُهُ عِلْمٌ ، يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، وَ يَسُودُ عَشِيرَتَهُ مِنْ قَبْلِ أَوَانِ حُلُمِهِ».فَقَالَ لَهُ أَبِي : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، وَ هَلْ وُلِدَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، وَ مَرَّتْ بِهِ سِنُونَ».قَالَ يَزِيدُ : فَجَاءَنَا مَنْ لَمْ نَسْتَطِعْ مَعَهُ كَلَاماً ، قَالَ يَزِيدُ : فَقُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : فَأَخْبِرْنِي أَنْتَ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُوكَ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «نَعَمْ ، إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ فِي زَمَانٍ لَيْسَ هذَا زَمَانَهُ».فَقُلْتُ لَهُ : فَمَنْ يَرْضى مِنْكَ بِهذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، قَالَ : فَضَحِكَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ضَحِكاً شَدِيداً ، ثُمَّ قَالَ : «أُخْبِرُكَ يَا أَبَا عُمَارَةَ ، فَإِنِّي (2) خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي ، فَأَوْصَيْتُ إِلَى ابْنِي

.


1- .في «الف»: «حكمها».
2- .في الكافي المطبوع: «إنّي».

ص: 495

فُلَانٍ ، وَ أَشْرَكْتُ مَعَهُ بَنِيَّ فِي الظَّاهِرِ ، وَ أَوْصَيْتُهُ فِي الْبَاطِنِ ، فَأَفْرَدْتُهُ وَحْدَهُ ، وَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُهُ فِي الْقَاسِمِ ابْنِي ؛ لِحُبِّي إِيَّاهُ وَ رَأْفَتِي عَلَيْهِ ، وَ لكِنْ ذلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ، وَ لَقَدْ جَاءَنِي بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله (1) ، ثُمَّ أَرَانِيهِ ، وَ أَرَانِي مَنْ يَكُونُ مَعَهُ ؛ وَ كَذلِكَ لَا يُوصى إِلى أَحَدٍ مِنَّا حَتّى يَأْتِيَ بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ جَدِّي عَلِيٌّ عليه السلام ، وَ رَأَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَاتَماً وَ سَيْفاً وَ عَصًا وَ كِتَاباً وَ عِمَامَةً ، فَقُلْتُ : مَا هذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ لِي : أَمَّا الْعِمَامَةُ ، فَسُلْطَانُ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا السَّيْفُ ، فَعِزُّ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا الْكِتَابُ ، فَنُورُ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا الْعَصَا ، فَقُوَّةُ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا الْخَاتَمُ ، فَجَامِعُ هذِهِ الْأُمُورِ .ثُمَّ قَالَ لِي : وَ الْأَمْرُ قَدْ خَرَجَ مِنْكَ إِلى غَيْرِكَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرِنِيهِ أَيُّهُمْ هُوَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَا رَأَيْتُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَحَداً أَجْزَعَ عَلى فِرَاقِ هذَا الْأَمْرِ مِنْكَ ، وَ لَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ بِالْمَحَبَّةِ ، لَكَانَ إِسْمَاعِيلُ أَحَبَّ إِلى أَبِيكَ مِنْكَ ، وَ لكِنْ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ».ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «وَ رَأَيْتُ وُلْدِي جَمِيعاً : الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَ الْأَمْوَاتَ ، فَقَالَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : هذَا سَيِّدُهُمْ - وَ أَشَارَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ عليه السلام - فَهُوَ مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ ، وَ اللَّهُ مَعَ الْمُحْسِنِينَ».قَالَ يَزِيدُ : ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «يَا يَزِيدُ ، إِنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ ، فَلَا تُخْبِرْ بِهَا إِلَّا عَاقِلًا ، أَوْ عَبْداً تَعْرِفُهُ صَادِقاً ، وَ إِنْ سُئِلْتَ عَنِ الشَّهَادَةِ ، فَاشْهَدْ بِهَا ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»(2) وَ قَالَ لَنَا أَيْضاً : «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ»(3)» .قَالَ : فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «فَأَقْبَلْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْتُ : قَدْ جَمَعْتَهُمْ لِي - بِأَبِي وَ أُمِّي - فَأَيُّهُمْ هُوَ ؟ فَقَالَ : هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ، وَ يَسْمَعُ بِفَهْمِهِ ، وَ يَنْطِقُ بِحِكْمَتِهِ ، يُصِيبُ فَلَا يُخْطِئُ ، وَ يَعْلَمُ فَلَا يَجْهَلُ ، مُعَلَّماً حُكْماً وَ عِلْماً ، هُوَ هذَا - وَ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ ابْنِي - ثُمَّ

.


1- .في «الف»: + «وجدّي عليّ عليه السلام».
2- .النساء (4): 58.
3- .البقرة (2): 140.

ص: 496

قَالَ : مَا أَقَلَّ مُقَامَكَ مَعَهُ! فَإِذَا رَجَعْتَ مِنْ سَفَرِكَ ، فَأَوْصِ ، وَ أَصْلِحْ أَمْرَكَ ، وَ افْرُغْ مِمَّا أَرَدْتَ ؛ فَإِنَّكَ مُنْتَقِلٌ عَنْهُمْ ، وَ مُجَاوِرٌ غَيْرَهُمْ ، فَإِذَا أَرَدْتَ فَادْعُ عَلِيّاً فَلْيُغَسِّلْكَ وَ لْيُكَفِّنْكَ ؛ فَإِنَّهُ طُهْرٌ لَكَ ، وَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا ذلِكَ ، وَ ذلِكَ سُنَّةٌ قَدْ مَضَتْ ؛ فَاضْطَجِعْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَ صُفَّ إِخْوَتَهُ خَلْفَهُ وَ عُمُومَتَهُ ، وَ مُرْهُ فَلْيُكَبِّرْ عَلَيْكَ تِسْعاً ؛ فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَقَامَتْ وَصِيَّتُهُ ، وَ وَلِيَكَ وَ أَنْتَ حَيٌّ ، ثُمَّ اجْمَعْ لَهُ وُلْدَكَ مَنْ تَعُدُّهُمْ (1) ، فَأَشْهِدْ عَلَيْهِمْ ، وَ أَشْهِدِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً».قَالَ يَزِيدُ : ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «إِنِّي أُؤْخَذُ فِي هذِهِ السَّنَةِ ، وَ الْأَمْرُ هُوَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ ، سَمِيِّ عَلِيٍّ وَ عَلِيٍّ : فَأَمَّا عَلِيٌّ الْأَوَّلُ ، فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَ أَمَّا الْآخِرُ ، فَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، أُعْطِيَ فَهْمَ الْأَوَّلِ وَ حِلْمَهُ وَ نَصْرَهُ وَ وُدَّهُ وَ دِينَهُ وَ مِحْنَتَهُ وَ مِحْنَةَ الْآخِرِ ، وَ صَبْرَهُ عَلى مَا أَنْكَرَهُ (2) ، وَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ هَارُونَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ».ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا يَزِيدُ ، وَ إِذَا مَرَرْتَ بِهذَا الْمَوْضِعِ ، وَ لَقِيتَهُ - وَ سَتَلْقَاهُ - فَبَشِّرْهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامٌ أَمِينٌ مَأْمُونٌ مُبَارَكٌ ، وَ سَيُعْلِمُكَ أَنَّكَ قَدْ لَقِيتَنِي ، فَأَخْبِرْهُ عِنْدَ ذلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا هذَا الْغُلَامُ جَارِيَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ جَارِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ، فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُبَلِّغَهَا مِنِّي السَّلَامَ ، فَافْعَلْ».قَالَ يَزِيدُ : فَلَقِيتُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلِيّاً عليه السلام ، فَبَدَأَنِي ، فَقَالَ لِي : «يَا يَزِيدُ ، مَا تَقُولُ فِي الْعُمْرَةِ؟» فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، ذلِكَ إِلَيْكَ ، وَ مَا عِنْدِي نَفَقَةٌ ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا كُنَّا نُكَلِّفُكَ وَ لَا نَكْفِيكَ» فَخَرَجْنَا حَتّى انْتَهَيْنَا إِلى ذلِكَ الْمَوْضِعِ ، فَابْتَدَأَنِي ، فَقَالَ : «يَا يَزِيدُ ، إِنَّ هذَا الْمَوْضِعَ كَثِيراً مَا لَقِيتَ فِيهِ جِيرَتَكَ وَ عُمُومَتَكَ» قُلْتُ : نَعَمْ ، ثُمَّ قَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لِي : «أَمَّا الْجَارِيَةُ ، فَلَمْ تَجِئْ بَعْدُ ، فَإِذَا جَاءَتْ بَلَّغْتُهَا مِنْهُ السَّلَامَ» فَانْطَلَقْنَا إِلى مَكَّةَ ، فَاشْتَرَاهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتّى حَمَلَتْ ، فَوَلَدَتْ ذلِكَ الْغُلَامَ .قَالَ يَزِيدُ : وَ كَانَ إِخْوَةُ عَلِيٍّ يَرْجُونَ أَنْ يَرِثُوهُ ، فَعَادُونِي إِخْوَتُهُ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ ، فَقَالَ لَهُمْ

.


1- .في الكافي المطبوع: «من بعدهم».
2- .في الكافي المطبوع: «يكره».

ص: 497

إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ : وَ اللَّهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَ إِنَّهُ لَيَقْعُدُ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بِالْمَجْلِسِ الَّذِي لَا أَجْلِسُ فِيهِ أَنَا .

هديّة:(يزيد بن سليط) بضمّ السين المهملة، وقيل: بفتحتها: من أصحاب الكاظم عليه السلام ذكره جماعة منهم: ابن داود في الموثّقين (1)، والعلّامة في خلاصته في المجروحين (2)، يكنّى أبا عمارة، وأبوه سليط أبا عبداللَّه، وكان من أولاد زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام.و(عمارة) بالفتح والتخفيف: التاج، وبالضمّ: آلات العمارة بالكسر، و«جرم» بفتح الجيم وسكون المهملة: بطنان، أحدهما في قضاعة، والآخر في طيّ.(لا يعرى) كعلم: لا يخلوا.(يخلفني) كنصر.(وقد علّم الحكم) أي فيما اختلف فيه الناس، أو لحكمة.(اُخرى) أي خصلة اُخرى.(هل تثبت) من الإفعال والتفعيل بمعنى، يعني هل تعرفه حقّ المعرفة؟وأثبته وثبّته تثبيتاً: ضبطه وحفظه.«الغوث» بالفتح، و«الغياث» بالكسر، الأوّل اسم من الاستغاثة، والثاني اسم من الإغاثة. والمراد منهما المستغاث والمغيث، استغاثني فلان فأغثته. صارت الواو في الغياث ياء لكسرة ما قبلها. أو المراد المستغيث والمغيث مبالغة، كأنّه يستغيث عن المظلوم ويغيثه أيضاً، كما صرّح به برهان الفضلاء.و«الناشي» يقرأ بالهمز وبدونها: من تجاوز عن حدّ الصبا.(ذات البين) لعلّها مطلق، وقيل: عبارة عن الخصومة بين العلويّين وبني العبّاس.«لمّه» كمدّ: جمعه. و«الشعث» بالتحريك ويسكّن: تفرّق الحال.

.


1- .رجال ابن داود، ص 378، رقم 1692.
2- .خلاصة الأقوال، ص 265.

ص: 498

(يلمّ به الشعث): يجمع به تفرّق الاُمور. (ويشعب به الصّدع) كمنع كذلك.و(القطر): المطر.(قوله حكم) بضمّ الحاء، أي حكمة.(ويسود) كيقول، أي يصير سيّدهم.(حلمه) أي قبل زمان بلوغه.(ولقد جاءني بخبره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) في المنام أو بالتمثّل في اليقظة كتمثّله صلى اللَّه عليه وآله لأبي بكر حين إنكاره الحقّ (1)، والقصّة مشهورة.(أجزع) أي لأجل القاسم ابنك، ف «هو منّي» محتمل.(بها) أي بالوصيّة أو بالقصّة أو بالمذكورات.(فإذا أردت) على ما لم يسمّ فاعله.(فإنّه طهر لك) قيل: أي تغسيله إيّاك طهرٌ لك من غير حاجة إلى غسل آخر بعد موتك. وهو كما ترى؛ لحديث تغسيله عليه السلام إيّاه عليه السلام بعد الموت بحضوره بطيّ الأرض.(وذلك سنّة قد مضت) فإنّ المعصوم لا يغسّله ولا يكفّنه إلّا المعصوم. وبظهور حكمة التكرار بالعلانيّة والسرّ يتلائم الأخبار.(وصفّ إخوته خلفه) قيل: جملة اسميّة حاليّة. وقرأ برهان الفضلاء: «وصفّ» على الأمر، صفّ القوم كمدّ، وصففتهم أنا فاصطفّوا، يتعدّى ولا يتعدّى، وذلك لأجل إمامته في الصلاة وتقدّمه عليهم.(فليكبّر عليك تسعاً) قيل: هو الواجب في الصلاة على الإمام، وقيل: بل مستحبّ في الإمام وغيره.

.


1- .والقصّة كما ورد في الحديث أنّه جرى فيما بين عليّ عليه السلام وأبي بكر كلامٌ حين احتجّ عليه وطالبه بحقّه، فأنكر دعواه وقال: ما أعرف لك حقّاً فيما أنا فيه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أترضى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بيني وبينك، فراجع أبو بكر وقال: أين رسول اللَّه وكيف لي به، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيده وجاء به إلى مسجد قبا، فرأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله هناك جالساً حقيقةً لا مجازاً، فقال له: يا أبا بكر! ارجع إلى ربّك وردّ الحقّ إلى أهله، الحديث (منه سلّمه اللَّه تعالى).

ص: 499

(فإنّه قد استقامت وصيّته) تعليلٌ لجواز الأفعال المذكورة لكونه معصوماً.(ووليك) كحسب، أي صار متولّياً لاُمورك.(من تعدّهم) من تعتني بشأنهم من الذين تعدّهم في عِداد الموقّرين.في بعض النسخ: «ما يكره» بدل (ما أنكره).(فإن قدرت) أي فأَخبِرْه وقل له: إن قدرت.و«ما» في (كثيراً ما لقيت) مبهمة لمبالغة الكثرة.(بلّغتها) على الخطاب المتكلّم.(فعادوني) أي لإخباري بالجارية وأمرها.(ليقعد) يعني يزيد، والغرض منعهم من عداوته ولومهم بها بإظهار قربه عند أبيهم أبي إبراهيم عليه السلام.

الحديث الخامس عشر روى في الكافي بهذا الإسناد عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ ، قَالَ : لَمَّا أَوْصى أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، أَشْهَدَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيَّ ، وَ إِسْحَاقَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيَّ ، وَ إِسْحَاقَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ جَعْفَرَ بْنَ صَالِحٍ ، وَ مُعَاوِيَةَ الْجَعْفَرِيَّ ، وَ يَحْيَى بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ سَعْدَ بْنَ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيَّ ، وَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيَّ ، وَ يَزِيدَ بْنَ سَلِيطٍ الْأَنْصَارِيَّ ، وَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيَّ - وَ هُوَ كَاتِبُ الْوَصِيَّةِ الْأُولى - أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ «يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (1) ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَ أَنَّ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ ، وَ أَنَّ الْوَعْدَ حَقٌّ ، وَ أَنَّ الْحِسَابَ حَقٌّ ، وَ الْقَضَاءَ حَقٌّ ، وَ أَنَّ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَقٌّ ، وَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله حَقٌّ ، وَ أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ حَقٌّ ، عَلى ذلِكَ أَحْيَا ، وَ عَلَيْهِ أَمُوتُ ، وَ عَلَيْهِ أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى».وَ أَشْهَدَهُمْ أَنَّ «هذِهِ وَصِيَّتِي بِخَطِّي ، وَ قَدْ نَسَخْتُ وَصِيَّةَ جَدِّي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: + «وحده لا شريك له».

ص: 500

طَالِبٍ صَلَواتُ اللَّهِ وَ سَلامُهُ عَلَيْهِ ، وَ وَصِيَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام قَبْلَ ذلِكَ نَسَخْتُهَا حَرْفاً بِحَرْفٍ ، وَ وَصِيَّةَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام عَلى مِثْلِ ذلِكَ ، وَ إِنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ إِلى عَلِيٍّ ، وَ بَنِيَّ بَعْدُ مَعَهُ إِنْ شَاءَ وَ آنَسَ مِنْهُمْ رُشْداً وَ أَحَبَّ أَنْ يُقِرَّهُمْ ، فَذَاكَ لَهُ ، وَ إِنْ كَرِهَهُمْ وَ أَحَبَّ أَنْ يُخْرِجَهُمْ ، فَذَاكَ لَهُ ، وَ لَا أَمْرَ لَهُمْ مَعَهُ .وَ أَوْصَيْتُ إِلَيْهِ بِصَدَقَاتِي وَ أَمْوَالِي وَ مَوَالِيَّ وَ صِبْيَانِيَ الَّذِينَ خَلَّفْتُ وَ وُلْدِي ، إِلى إِبْرَاهِيمَ وَ الْعَبَّاسِ وَ قَاسِمٍ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ أَحْمَدَ وَ أُمِّ أَحْمَدَ ، وَ إِلى عَلِيٍّ أَمْرُ نِسَائِي دُونَهُمْ ، وَ ثُلُثُ صَدَقَةِ أَبِي وَ ثُلُثِي ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَرى ، وَ يَجْعَلُ فِيهِ مَا يَجْعَلُ ذُو الْمَالِ فِي مَالِهِ ، إِنْ أَحَبَّ يُغَيِّرَ بَعْضَ مَا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي فَذَاكَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ ذلِكَ فَهُوَ إِلَيْهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَفْعَلُ ذُو الْمَالِ فِي مَالِهِ،(1)فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَهَبَ أَوْ يَنْحَلَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلى مَنْ سَمَّيْتُ لَهُ وَ عَلى غَيْرِ مَنْ سَمَّيْتُ ، فَذَاكَ لَهُ .وَ هُوَ أَنَا فِي وَصِيَّتِي فِي مَالِي وَ فِي أَهْلِي وَ وُلْدِي ، وَ إِنْ رَأَى (2) أَنْ يُقِرَّ إِخْوَتَهُ - الَّذِينَ سَمَّيْتُهُمْ فِي صدر(3) كِتَابِي هذَا - أَقَرَّهُمْ ؛ وَ إِنْ كَرِهَ ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ غَيْرَ مُثَرَّبٍ عَلَيْهِ وَ لَا مَرْدُودٍ ؛ فَإِنْ آنَسَ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي فَارَقْتُهُمْ عَلَيْهِ ، فَأَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُمْ فِي وَلَايَةٍ ، فَذَاكَ لَهُ ؛ وَ إِنْ أَرَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ أُخْتَهُ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ أَمْرِهِ ، فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِمَنَاكِحِ قَوْمِهِ .وَ أَيُّ سُلْطَانٍ أَوْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ كَفَّهُ عَنْ شَيْ ءٍ ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ شَيْ ءٍ - مِمَّا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي هذَا - أَوْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْتُ ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ بَرِي ءٌ ، وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْهُ بَراَءٌ ، وَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ غَضَبُهُ ، وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ وَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ السَّلَاطِينِ أَنْ يَكُفَّهُ عَنْ شَيْ ءٍ ، وَ لَيْسَ لِي عِنْدَهُ تَبِعَةٌ وَ لَا تِبَاعَةٌ ، وَ لَا لِأَحَدٍ مِنْ وُلْدِي وَلَهُ (4) قِبَلِي مَالٌ ؛ وَهُوَ(5) مُصَدَّقٌ فِيمَا ذَكَرَ ، فَإِنْ أَقَلَّ ، فَهُوَ أَعْلَمُ ؛ وَ إِنْ أَكْثَرَ ،

.


1- .في الكافي المطبوع: - «إن أحبّ يغيّر» إلى قوله: «ذو المال في ماله».
2- .في الكافي المطبوع: «يرى».
3- .في الكافي المطبوع: - «صدر».
4- .في الكافي المطبوع: «له» بدون الواو.
5- .في الكافي المطبوع: «فهو».

ص: 501

فَهُوَ الصَّادِقُ كَذلِكَ .وَإِنَّمَا أَرَدْتُ بِإِدْخَالِ الَّذِينَ أَدْخَلْتُهُمْ مَعَهُ مِنْ وُلْدِي التَّنْوِيهَ بِأَسْمَائِهِمْ ، وَ التَّشْرِيفَ لَهُمْ ؛ وَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي مَنْ أَقَامَتْ مِنْهُنَّ فِي مَنْزِلِهَا وَ حِجَابِهَا ، فَلَهَا مَا كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا فِي حَيَاتِي إِنْ رَأى ذلِكَ ، وَ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُنَّ إِلى زَوْجٍ ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلى مَحْوَايَ إِلَّا أَنْ يَرى عَلِيٌّ غَيْرَ ذلِكَ ، وَ بَنَاتِي بِمِثْلِ ذلِكَ ، وَ لَا يُزَوِّجُ بَنَاتِي أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِهِنَّ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ وَ لَا سُلْطَانٌ وَ لَا عَمٌّ إِلَّا بِرَأْيِهِ وَ مَشُورَتِهِ ، فَإِنْ فَعَلُوا غَيْرَ ذلِكَ ، فَقَدْ خَالَفُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ جَاهَدُوهُ فِي مُلْكِهِ ، وَ هُوَ أَعْرَفُ بِمَنَاكِحِ قَوْمِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ زَوَّجَ ، وَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ .وَقَدْ أَوْصَيْتُهُنَّ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي هذَا ، وَ جَعَلْتُ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلَيْهِنَّ شَهِيداً ، وَ هُوَ وَ أُمُّ أَحْمَدَ ؛ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْشِفَ وَصِيَّتِي وَ لَا يَنْشُرَهَا وَ هُوَ مِنْهَا عَلى غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ وَ سَمَّيْتُ ؛ فَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهِ ، وَ مَنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ ، وَ مَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ .وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ سُلْطَانٍ وَ لَا(1) غَيْرِهِ أَنْ يَفُضَّ كِتَابِي هذَا الَّذِي خَتَمْتُ عَلَيْهِ الْأَسْفَلَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ غَضَبُهُ ، وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ وَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ جَمَاعَةِ الْمُرْسَلِينَ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ ، وَ عَلى مَنْ فَضَّ كِتَابِي هذَا . وَ كَتَبَ وَ خَتَمَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَ الشُّهُودُ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ».قَالَ أَبُو الْحَكَمِ : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ آدَمَ الْجَعْفَرِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو عِمْرَانَ الطَّلْحِيُّ قَاضِيَ الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا مَضى مُوسى عليه السلام قَدَّمَهُ إِخْوَتُهُ إِلَى الطَّلْحِيِّ الْقَاضِي ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسى : أَصْلَحَكَ اللَّهُ وَ أَمْتَعَ بِكَ ، إِنَّ فِي أَسْفَلِ هذَا الْكِتَابِ كَنْزاً وَ جَوْهَراً ، وَ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجِبَهُ وَ يَأْخُذَهُ دُونَنَا ، وَ لَمْ يَدَعْ أَبُونَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَيْئاً إِلَّا أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ ، وَ تَرَكَنَا عَالَةً ، وَ لَوْ لَا أَنِّي أَكُفُّ نَفْسِي ، لَأَخْبَرْتُكَ بِشَيْ ءٍ عَلى رُؤُوسِ الْمَلَاَ ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فَقَالَ : إِذاً وَاللَّهِ ، تُخْبِرَ بِمَا لَا نَقْبَلُهُ مِنْكَ وَ لَا نُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَكُونُ عِنْدَنَا مَلُوماً

.


1- .في «الف»: - «لا».

ص: 502

مَدْحُوراً ؛ نَعْرِفُكَ بِالْكَذِبِ صَغِيراً وَ كَبِيراً ، وَ كَانَ أَبُوكَ أَعْرَفَ بِكَ لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ ، وَ إِنْ كَانَ أَبُوكَ لَعَارِفاً بِكَ فِي الظَّاهِرِ وَ الْبَاطِنِ ، وَ مَا كَانَ لِيَأْمَنَكَ عَلى تَمْرَتَيْنِ .ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ عَمُّهُ ، فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ لَسَفِيهٌ ضَعِيفٌ أَحْمَقُ ، اجْمَعْ هذَا مَعَ مَا كَانَ بِالْأَمْسِ مِنْكَ ، وَ أَعَانَهُ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ .فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْقَاضِي لِعَلِيٍّ عليه السلام : قُمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، حَسْبِي مَا لَعَنَنِي أَبُوكَ الْيَوْمَ ، وَ قَدْ وَسَّعَ لَكَ أَبُوكَ ، وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا أَحَدٌ أَعْرَفَ بِالْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِ ، وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا كَانَ أَبُوكَ عِنْدَنَا بِمُسْتَخَفٍّ فِي عَقْلِهِ ، وَ لَا ضَعِيفٍ فِي رَأْيِهِ .فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلْقَاضِي : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، فُضَّ الْخَاتَمَ وَ اقْرَأْ مَا تَحْتَهُ ، فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ : لَا أَفُضُّهُ ، حَسْبِي مَا لَعَنَنِي أَبُوكَ مُنْذُ الْيَوْمِ ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : فَأَنَا أَفُضُّهُ ، فَقَالَ : ذَلِكَ (1) إِلَيْكَ ، فَفَضَّ الْعَبَّاسُ الْخَاتَمَ ، فَإِذَا فِيهِ إِخْرَاجُهُمْ وَ إِقْرَارُ عَلِيٍّ عليه السلام لَهَا وَحْدَهُ ، وَ إِدْخَالُهُ إِيَّاهُمْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام إِنْ أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا ، وَ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ حَدِّ الصَّدَقَةِ وَ غَيْرِهَا ، وَ كَانَ فَتْحُهُ عَلَيْهِمْ بَلَاءً وَ فَضِيحَةً وَ ذِلَّةً ، وَ لِعَلِيٍّ عليه السلام خِيَرَةً .وَ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ الَّتِي فَضَّ الْعَبَّاسُ تَحْتَ الْخَاتَمِ : هؤُلَاءِ الشُّهُودُ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَ جَعْفَرُ بْنُ صَالِحٍ ، وَ سَعِيدُ بْنُ عِمْرَانَ ؛ وَ أَبْرَزُوا وَجْهَ أُمِّ أَحْمَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَ ادَّعَوْا أَنَّهَا لَيْسَتْ إِيَّاهَا حَتّى كَشَفُوا عَنْهَا وَ عَرَفُوهَا ، فَقَالَتْ عِنْدَ ذلِكَ : قَدْ وَاللَّهِ ، قَالَ سَيِّدِي هذَا : إِنَّكِ سَتُؤْخَذِينَ جَبْراً ، وَ تُخْرَجِينَ إِلَى الْمَجَالِسِ ؛ فَزَجَرَهَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَ قَالَ : اسْكُتِي ؛ فَإِنَّ النِّسَاءَ إِلَى الضَّعْفِ ، مَا أَظُنُّهُ قَالَ مِنْ هذَا شَيْئاً .ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاسِ ، فَقَالَ : «يَا أَخِي ، إِنِّي أَعْلَمُ (2) إِنَّمَا حَمَلَكُمْ عَلى هذَا(3) الْغَرَائِمُ وَ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْكُمْ ، فَانْطَلِقْ يَا سَعِيدُ ، فَتَعَيَّنْ لِي مَا عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ اقْضِ عَنْهُمْ ، وَ اقْبِضْ زَكَاةَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «ذاك».
2- .في الكافي المطبوع: + «أنّه».
3- .في الكافي المطبوع: «هذه».

ص: 503

حُقُوقِهِمْ وَخُذْ لَهُمْ البَرَاءَةَ،(1) لَا وَ اللَّهِ ، لَا أَدَعُ مُؤَاسَاتَكُمْ وَ بِرَّكُمْ مَا مَشَيْتُ عَلَى الْأَرْضِ ، فَقُولُوا مَا شِئْتُمْ».فَقَالَ الْعَبَّاسُ : مَا تُعْطِينَا إِلَّا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِنَا ، و مَا لَنَا عِنْدَكَ أَكْثَرُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام (2) : «قُولُوا مَا شِئْتُمْ ، فَالْعِرْضُ عِرْضُكُمْ ، فَإِنْ تُحْسِنُوا فَذَاكَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَ إِنْ تُسِيئُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ؛ وَ اللَّهِ ، إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ مَا لِي يَوْمِي هذَا وَلَدٌ وَ لَا وَارِثٌ غَيْرُكُمْ ، وَ لَئِنْ حَبَسْتُ شَيْئاً مِمَّا تَظُنُّونَ ، أَوِ ادَّخَرْتُهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ لَكُمْ ، وَ مَرْجِعُهُ إِلَيْكُمْ ، وَ اللَّهِ ، مَا مَلَكْتُ مُنْذُ مَضى أَبُوكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَيْئاً إِلَّا وَ قَدْ سَيَّبْتُهُ (3) حَيْثُ رَأَيْتُمْ».فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، مَا هُوَ كَذلِكَ ، وَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ مِنْ رَأْيٍ عَلَيْنَا ، وَ لكِنْ حَسَدُ أَبِينَا لَنَا وَ إِرَادَتُهُ مَا أَرَادَ مِمَّا لَا يُسَوِّغُهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ، وَ لَا إِيَّاكَ ، وَ إِنَّكَ لَتَعْرِفُ أَنِّي أَعْرِفُ صَفْوَانَ بْنَ يَحْيى بَيَّاعَ السَّابِرِيِّ بِالْكُوفَةِ ، وَ لَئِنْ سَلِمْتُ لَأُغَصِّصَنَّهُ بِرِيقِهِ وَ أَنْتَ مَعَهُ .فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، أَمَّا إِنِّي يَا إِخْوَتِي ، فَحَرِيصٌ عَلى مَسَرَّتِكُمْ ، اللَّهُ يَعْلَمُ ؛ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ صَلَاحَهُمْ ، وَ أَنِّي بَارٌّ بِهِمْ ، وَاصِلٌ لَهُمْ ، رَفِيقٌ عَلَيْهِمْ ، أُعْنى بِأُمُورِهِمْ لَيْلًا وَ نَهَاراً ، فَاجْزِنِي بِهِ خَيْراً ، وَ إِنْ كُنْتُ عَلى غَيْرِ ذلِكَ ، فَأَنْتَ (4) عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، فَاجْزِنِي بِهِ مَا أَنَا أَهْلُهُ ، إِنْ كَانَ شَرّاً فَشَرّاً ، وَ إِنْ كَانَ خَيْراً فَخَيْراً ؛ اللَّهُمَّ أَصْلِحْهُمْ ، وَ أَصْلِحْ لَهُمْ ، وَ اخْسَأْ عَنَّا وَ عَنْهُمُ الشَّيْطَانَ ، وَ أَعِنْهُمْ عَلى طَاعَتِكَ ، وَ وَفِّقْهُمْ لِرُشْدِكَ ؛ أَمَّا أَنَا يَا أَخِي ، فَحَرِيصٌ عَلى مَسَرَّتِكُمْ ، جَاهِدٌ عَلى صَلَاحِكُمْ ، وَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ».فَقَالَ الْعَبَّاسُ : مَا أَعْرَفَنِي بِلِسَانِكَ! وَ لَيْسَ لِمِسْحَاتِكَ عِنْدِي طِينٌ . فَافْتَرَقَ الْقَوْمُ عَلى هذَا ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ .

.


1- .في الكافي المطبوع: - «اقبض زكاة» إلى هنا.
2- .في الكافي المطبوع: - «عليّ عليه السلام».
3- .في «الف»: «شتّته».
4- .في «الف»: «وأنت».

ص: 504

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ومحمّد بن جعد بن سعد الأسلمي» بفتح الجيم مكان (جعفر).(وهو كاتب الوصيّة الاُولى) يعني أبا إبراهيم عليه السلام كان هو كاتب الوصيّة الاُولى أي المتعلّقة بالإيمان، من قوله: (أشهدهم) إلى قوله: (ووصيّة جعفر بن محمّد عليهما السلام، على مثل ذلك) يعني بلا تفاوت في المعني دون طائفة من الألفاظ، وكان كاتب البقيّة غيره عليه السلام صرّح به برهان الفضلاء.و(الجعفريّ) نسبة إلى جعفر الطيّار.(أشهدهم) أي هؤلاء العشرة نفراً.(وقد نسخت وصيّة جدّي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه و سلامه عليه) يعني بلا تفاوت في الألفاظ أيضاً فيما يتعلّق بالإيمان، وهو الوصيّة الاُولى، ولا تفاوت في وصيّة أهل البيت عليهم السلام المتعلّقة بالإيمان بحسب المضمون أصلاً.(وبنيّ بعد). قيل: أي بعد عليّ في المنزلة. (معه) أي مشاركين معه في الوصيّة بالشروط الآتية. وقال برهان الفضلاء: يعني وبنيّ موقوفون مع اختياره في كونهم أوصياء لي مثله. واحتمال «يعدّ» على المضارع المجهول، أي وبنيّ يعدّ كلّ منهم وصيّاً أو غير وصيّ مع اختيار عليّ عليه السلام كما ترى.«آنسته»: أبصرته، ومنه رشداً: عَلِمتُه.(ولا أمر لهم معه) مستقلّاً لو يخالفونه.(وولدي). قيل: يعني أوصيت إليه مع ولدي، أو وإلى ولدي. (إلى إبراهيم) بدل من «ولدي». وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: «وإلى» في «وإلى إبراهيم» بمعنى حتّى.(واُمّ أحمد) عطف على ضمير «إليه»، فيؤيّد ما ذهب إليه الكوفيّون من أنّ العطف على الضمير المجرور من دون إعادة الجارّ جائز.(ويجعل فيه): يصنع فيه.

.

ص: 505

ليس في بعض النسخ من قوله: (إن أحبّ أن يغيّر) إلى قوله: (في ماله) وكونه ساقطاً فيه من قلم النسّاخ أشبه من كونه زائداً.(ينحل) كمنع، أي يعطي، والنحلة أخصّ من الهبة، وهي إعطاء من غير توقّع عوضٍ.و«التثريب»: اللوم والتعيير.(غير الذي فارقتهم عليه) يدلّ على مساءة حالهم في زمنه عليه السلام.(براء) كسحاب: مصدر في الأصل، أي برئ. (تبعة) ككلمة. (ولا تباعة) ككتابة، قيل: أي ما يتبع المال من نوائب الحقوق، من تبعت الرجل بحقّي. وقال برهان الفضلاء: «تبعة» أي طلب حقّ لجناية وذنب. و«لا تباعة» أي ولا شكاية من وجه فيما ذكر من مقداره.(كذلك) أي هو كذلك، أو كذلك هو.و(التنويه): الرفع، أي لاشتهار أسمائهم بالحسن والخير فيما بين الناس وحصول الشرف لهم فيهم.(يجرى) بالجيم على المجهول من الإفعال.و«المحوى» كرمى: المنزل المحصور، و«المحوّى» كمعلّى: جماعة البيوت المتباينة المتدانية، من الحواية بمعنى الإحاطة. وقرأ برهان الفضلاء: «محوّ» أي بضمّ الميم وتشديد الواو كمعلّى: اسم المكان من التفعيل، حوّيته: جعلته محاطاً بمحيط.(وهو وأمّ أحمد) قيل معطوفان على اسم الجلالة، يعني وجعلت اللَّه وهما شهوداً. وقال برهان الفضلاء: يعني وهما شريكان في اختيار فتحها، قال: أو المعنى كما في الفارسيّة: «وجان» أو «وجان فلاني».(أن يفضّ) أي يكسر ختمه فيفتحه، فضّه كمدّ. وقرأ برهان الفضلاء: «أن يفضّ» من الإفضاض للتعريض، كقولهم أباع البعير، أي أن يجعله في معرض الفضّ بالعزم أو بعدم منع الغير من ذلك أو بأيّ وجهٍ كان.(وعلى من فضّ كتابي) يعني له عليه السلام فضّه دون غيره. وقرأ برهان الفضلاء على العطف والجارّ.

.

ص: 506

(الطلحي) بالفتحتين ويسكن اللام: نسبةً إلى طلحة، وقيل: «الطلح» بالفتح: موضع بين بدر والمدينة.(ألجأه إليه) بالجيم، أي أعطاه جميعاً. وقرأ برهان الفضلاء بالخاء المعجمة، واحتمل المهملة من الإلخاء والإلحاء، أي الإعطاء بغير حقّ، والإلقام بغير حقّ، ثمّ قرأ: «أليّة» كعطيّة، بمعنى التقصير والخطأ في الأمر، فنصب على أنّه مفعول له.(عالة) أي محتاجين.(مدحوراً): مطروداً.و«تلبيب الثوب»: جُرُبّانه.(1)(أجمع) قيل: تأكيد، وقيل: أمر من جمع كمنع. وقال برهان الفضلاء: مصدر على الاستفهام الإنكاري، أي أمجموع هذا؟(مع ما كان بالأمس منك) من الاُمور الشنيعة.(قم يا أبا الحسن حسبي ما لعنني أبوك) أي بقوله، أو لأنّه حالَ بينه وبين أمره وهو أوقفه عليه السلام للمرافعة، فحالَ بينه وبين اختياره. وقال بعض المعاصرين: لمّا رأى القاضي في أعلى الكتاب أنّه لعن من فضّه خاف على نفسه أن يلجئوه إلى الفضّ.(2)(فزجرها إسحاق بن جعفر) للتقيّة، فإنّ العلم بالغيب بإذن اللَّه تعالى من أمارات الإمامة.(إلى الضعف) يعني ضعف الرأي.(إنّما حملكم) يحتمل كسرة الهمزة فالمفعول محذوف، أي أعلم حالكم.(فتعيّن) من العينَة بالكسر، وهو اسم لتجارة مركّبة من عقدين، مثل أن يشترى نسيئة ويُباع نقداً بأقلّ ممّا يشترى به، عيّنه فتعيّن: باعه نسيئة بكذا فتقبّل ليبيع نقداً بكذا، فالبايع معيّن من التفعيل، والمتقبّل متعيّن من التفعّل.

.


1- .الجُرُبّان» بالضمّ وتشديد الباء: جيب القميص، والألف والنون زائدتان. النهاية، ج 1، ص 253 (جرب).
2- .الوافي، ج 2، ص 372، ذيل ح 845.

ص: 507

في بعض النسخ بعد قوله: (ثمّ أقض عنهم): «واقبض زكاة حقوقهم، وخذ لهم البراءة».(1)(وقد سيّبته) بالمهملة والمفردة من التفعيل، من السيب بالفتح، بمعنى العطاء، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «شتّته» من التشتيت، بمعنى التفريق.كان (صفوان بن يحيى) وكيلاً للرضا عليه السلام. و(السابري) بضمّ المفردة: ضرب من الثياب الرقاق، في النسبة إلى سابور قرية بفارس.(لأغصّصنّه بريقه) من التفعيل، أي بأخذ الأموال من يده بعد الإثبات بحجّة البيّنة أو الحلف المُلجِأة لكما إلى أداء الحقوق.(أعني باُمورهم) على افعل التفضيل، أي أهمّ بها. وقال برهان الفضلاء: «أعنى» من العناية، فإمّا على المجهول من عنى كضرب، أو على المعلوم من عني كعلم، عناه: جعله ذا اهتمام في كذا، عنى هو كعلم: صار ذا اهتمام في أمر كذا.«جزاه» كرمى.(فخيراً) نصب بفعل مقدّر، أي فأجزني خيراً.و«المسحاة» بالفارسيّة: بيل.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ (2) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدَمَ الْعِرَاقَ بِسَنَةٍ وَ عَلِيٌّ ابْنُهُ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هذِهِ السَّنَةِ حَرَكَةٌ ، فَلَا تَجْزَعْ لِذلِكَ».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا يَكُونُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؛ فَقَدْ أَقْلَقَنِي مَا ذَكَرْتَ ؟ فَقَالَ : «أَصِيرُ إِلَى الطَّاغِيَةِ ، أَمَا

.


1- .ذكر المصنّف سابقاً هذه الزيادة في المتن.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عليّ وعبيد اللَّه بن المرزبان، عن ابن سنان».

ص: 508

إِنَّهُ لَا يَبْدَأُنِي مِنْهُ سُوءٌ وَ مِنَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ (1)».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا يَكُونُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ، وَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «مَنْ ظَلَمَ ابْنِي هذَا حَقَّهُ ، وَ جَحَدَهُ (2) إِمَامَتَهُ مِنْ بَعْدِي ، كَانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَقَّهُ ، وَ جَحَدَهُ إِمَامَتَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ : قُلْتُ : وَ اللَّهِ ، لَئِنْ مَدَّ اللَّهُ لِي فِي الْعُمُرِ ، لَأُسَلِّمَنَّ لَهُ حَقَّهُ ، وَ لَأُقِرَّنَّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ ، قَالَ : «صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ، يَمُدُّ اللَّهُ فِي عُمُرِكَ ، وَ تُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ ، وَ تُقِرُّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَ إِمَامَةِ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَنْ ذَاكَ ؟ قَالَ : «مُحَمَّدٌ ابْنُهُ». قَالَ : قُلْتُ لَهُ : الرِّضَا وَ التَّسْلِيمُ .

هديّة:(أصير) من الأفعال الناقصة، أي أنتقل.والتاء في (الطاغية) للمبالغة، يعني الهادي، وهو أخو هارون، وهما ابنا مهدي بن منصور الدوانيقي من بني العبّاس.وقرأ برهان الفضلاء: «لا يبدأ بي» على المجهول من الإبداء، كالإظهار لفظاً ومعنىً، أي لا يظهر بشخصي أو بسببي.وليس في إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه الواو في (ومن الذي يكون بعده). والمعنى على النسختين: بل من الذي يكون بعد الهادي، يعني هارون أخاه.(من ظلم ابني هذا حقّه) منهم الواقفة بعد المأمون ومن تبعه وقبلهم.(له الرضا والتسليم) أي لمحمّد وإمامته عليه السلام.

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 252، وفيه هكذا: «أما إنّه لا ينداني منه سوء ولا من الذي يكون من بعده».
2- .في الكافي المطبوع: «جحد».

ص: 509

الباب الثالث والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي جعفر الثاني عليه السلام

الباب الثالث والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام جَالِساً ، فَلَمَّا نَهَضُوا قَالَ لَهُمُ : «الْقَوْا أَبَا جَعْفَرٍ ، فَسَلِّمُوا عَلَيْهِ وَ أَحْدِثُوا بِهِ عَهْداً» فَلَمَّا نَهَضَ الْقَوْمُ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُفَضَّلَ ؛ إِنَّمَا كَانَ يَقْنَعُ (2) بِدُونِ هذَا» .

هديّة:(فلمّا نهضوا) بتقدير القول، أي قال فلمّا نهضوا، أي القوم.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى - : «أنّه» مكان (إنّما)، «ليقنع» مكان (يقنع).(بدون هذا) أي هذا الإيماء. قيل: لعلّ ذلك لمعرفته من أحاديثهم عليهم السلام بأمارات الإمامة وخصائصها، ولعلّ المفضّل هو ذلك الجالس.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد».
2- .في الكافي المطبوع: «إنّه كان ليقنع» بدل «إنّما كان يقنع».

ص: 510

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ(1) ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام - وَ ذُكِّرَ شَيْئاً - فَقَالَ : «مَا حَاجَتُكُمْ (2) إِلى ذلِكَ ؟ هذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي ، وَ صَيَّرْتُهُ مَكَانِي».وَ قَالَ : «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا الْقُذَّةَ بِالْقُذَّةِ» .

هديّة:(وذُكّر) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل.(شيئاً) أي من أمر الإمامة وما يتعلّق به، كأنّهم استفهموا هل يرث الإمام بعد الحسن والحسين عليهما السلام غير ولده إذا فقد؟و(القذّة) بضمّ القاف وتشديد المعجمة: ريش السهم، نصب بنزع الخافض، أي كالقذّة، يعني أشباه وأمثال كشباهة رياش السهم. قال ابن الأثير في نهايته: يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان.(3)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِيهِ (4) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، فَنَاظَرَنِي فِي أَشْيَاءَ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا أَبَا عَلِيٍّ ، ارْتَفَعَ الشَّكُ ، مَا لِأَبِي عليه السلام غَيْرِي» .

هديّة:(في أشياء) أي من أمر الإمامة، كالمناظرة في آية اُولي الأرحام في سورة الأحزاب،(5) وهي نصّ بالنصّ في أنّها بعد الحسين عليه السلام إنّما هي في الأعقاب.(ارتفع الشكّ) أي في إمامتي لثبوت الإمامة بعد الحسين عليه السلام في الأولاد، وليس لأبي عليه السلام ولد غيري، يعني وصيّ وخليفة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد».
2- .في «د»: «صاحبكم».
3- .النهاية، ج 4، ص 28 (قذذ).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه محمّد بن عيسى».
5- .الأحزاب (33): 6.

ص: 511

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيى (1) ، عَنْ مَالِكَ بْنِ أَشْيَمَ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَشَّارٍ ، قَالَ : كَتَبَ ابْنُ قِيَامَا إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام كِتَاباً يَقُولُ فِيهِ : كَيْفَ تَكُونُ إِمَاماً وَ لَيْسَ لَكَ وَلَدٌ ؟! فَأَجَابَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام شِبْهَ الْمُغْضَبِ - : «وَ مَا عَلَّمَكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِي وَلَدٌ ؟ وَ اللَّهِ ، لَا تَمْضِي الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتّى يَرْزُقَنِيَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَلَداً ذَكَراً يَفْرُقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ» .

هديّة:(قياما) بالكسر، وكذا «قواماً» من الأسماء المستعملة في العجميّة، والحسين بن قياما من الواقفة.ولعلّ السؤال بالكتاب في المجلس؛ لمكان: (فأجابه أبو الحسن عليه السلام شبه المُغضب).وغرض السائل الواقفي - القائل بأنّ المهدي هو الكاظم عليه السلام وهو حيّ غائب - أنّك لا تدّعي أنّك مهديّ، فكيف تكون إماماً وقد ثبت بالنصّ والإجماع أنّ الإمام يلزم أن يكون له ولد في حياته صامت إلّا أن يكون مهديّ هذه الاُمّة.(يفرّق به بين الحقّ والباطل) على المعلوم من باب نصر، أو خلافه منه، أو من التفعيل. والأخير على الوجهين أولى؛ لإفادة المبالغة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي (2)، قَالَ : قَالَ لِيَ ابْنُ النَّجَاشِيِّ : مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَ صَاحِبِكَ ؛ فَأَشْتَهِي أَنْ تَسْأَلَهُ حَتّى أَعْلَمَ ؟ فَدَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا عليه السلام ، فَأَخْبَرْتُهُ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «الْإِمَامُ ابْنِي». ثُمَّ قَالَ : «هَلْ يَتَجَرِئُ (3)أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ : ابْنِي وَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ؟» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن يحيى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ، عن معاوية بن حكيم، عن ابن أبي نصر».
3- .في حاشية «الف» و «د» والكافي المطبوع: «يتجرّأ».

ص: 512

هديّة:«جرّأته على كذا» من التفعيل، فاجترأ وتجرّأ أيضاً من الافتعال والتفعيل.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ(1) ، قَالَ : ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام شَيْئاً بَعْدَ مَا وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «مَا حَاجَتُكُمْ إِلى ذلِكَ ؟ هذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي ، وَ صَيَّرْتُهُ فِي مَكَانِي» .

هديّة:بيانه كالحديث الثاني.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ (2) ، عَنِ ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسى عليهما السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : أَ يَكُونُ إِمَامَانِ ؟ قَالَ : «لَا ، إِلَّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِتٌ». فَقُلْتُ لَهُ : هُوَ ذَا أَنْتَ ، لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ - وَ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام بَعْدُ - فَقَالَ لِي : «وَ اللَّهِ ، لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِهِ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ ، وَ يَمْحَقُ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ». فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ كَانَ ابْنُ قِيَامَا وَاقِفِيّاً .

هديّة:بيانه كالحديث الرابع، وكان كلام ثقة الإسلام أو أحد من رواة السند.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ (3) ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام جَالِساً ، فَدَعَا بِابْنِهِ وَ هُوَ صَغِيرٌ ، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِي ، فَقَالَ لِي : «جَرِّدْهُ ، وَ انْزِعْ قَمِيصَهُ». فَنَزَعْتُهُ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن معمّر بن خلّاد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد، عن محمّد بن عليّ».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن الجهم».

ص: 513

فَقَالَ لِيَ : «انْظُرْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا فِي أَحَدِ كَتِفَيْهِ شَبِيهٌ بِالْخَاتَمِ ، دَاخِلٌ فِي اللَّحْمِ ، ثُمَّ قَالَ : «أَ تَرى هذَا ؟ كَانَ مِثْلُهُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَبِي عليه السلام» .

هديّة:لا بأس باحتمال أن يكون المراد بالأب هنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؛ لاشتهار ذلك فيه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي يَحْيَى الصَّنْعَانِيِ (1) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَجِي ءَ بِابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ صَغِيرٌ ، فَقَالَ : «هذَا(2) الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلى شِيعَتِنَا مِنْهُ» .

هديّة:«صنعاء» بالفتح والمدّ: اسم قصبة اليمن، زيدت النون في النسبة على غير قياس، كما في «حرناني» في النسبة إلى حرّان.قيل: كان من جملة بركته عليه السلام خلاص الشيعة من طعن الواقفة وغيرهم من المعاندين أنّ الإمام لابدّ له من صامت في حياته.أقول: قد جعلت من جملة أورادي في أيّامي: «إنّي اليوم - وهو يوم السبت مثلاً - في حفظ حصن القرآن، والغد في حفظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ في حفظ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه، ثمّ فاطمة عليها السلام، ثمّ الأئمّة عليهم السلام إلى صاحب هذا العصر والزمان صلوات اللَّه عليه، ثمّ في حفظ قنبر أمير المؤمنين عليه السلام» وكان يعود هذا الورد في كلّ ستّة عشر يوماً، فواللَّه في كلّ يوم الجواد عليه السلام أبى اللَّه إلّا أن يوسّع في رزقي ونفقتي، ويوفّق لي في الإنفاق والسخاء، وهكذا في كلّ الخمسة(3) عشر، كلّ يوم سنح أمر مناسب بيّن لخصلة مشهورة

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه، عن محمّد بن عليّ، عن أبي يحيى الصنعاني».
2- .في «د»: + «هو».
3- .في «د»: «الأربعة».

ص: 514

من خصال صاحبه، وكان ذلك وأنا ابن عشرين إلى الآن وعمري داخل في العشر السادس، ويتجاوز إن شاء اللَّه تعالى - كما دعوت في المستجار والمشاهد المقدّسة واستُجيب حقّاً - عن المائة ببركتهم عليهم السلام.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ ابن عيسى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَكُنْتَ تَقُولُ : «يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلَاماً» فَقَدْ وَهَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، فَأَقَرَّ عُيُونَنَا ، فَلَا أَرَانَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَكَ ، فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ ، فَإِلى مَنْ ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ ؟ فَقَالَ : «وَ مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذلِكَ ، فَقَدْ قَامَ عِيسى عليه السلام بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ» .

هديّة:أي لا يضرّ سِنُّه حجّيتَه مع الصمت، وأمّا الحجّة الناطق فلا يكون بعد الحسنين عليهما السلام في أقلّ من خمس سنين، كما في حديث زياد بن أبي الحلال، وفي آخره: «ولا يكون لسواهما في أقلّ من خمس سنين»(2) فلا إشكال.وكان الجواد عليه السلام حجّةً ناطقاً بعد الخمس، وهو ابن ستّ سنين في قولٍ، وابن سبع سنين بزيادة خمسة أشهر على الأصحّ، كما يستفاد من الأخبار في أبواب التاريخ، وهو المشهور. وقيل: بعد الستّ، وهو ابن سبع سنين.والمراد من التمثيل بعيسى عليه السلام أنّ اللَّه تعالى حكى عنه في سورة مريم أنّه قال: «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ»(3)، يعني علم التوراة وجميع الأحكام، فإذا كان كذلك في أوائل الولادة، ففي ثلاث سنين بطريق أولى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن صفوان بن يحيى».
2- .الفقيه، ج 4، ص 237، ح 5566؛ وعنه في وسائل الشيعة، ج 19، ص 376، ح 24796.
3- .مريم (19): 30.

ص: 515

وفي حديث يزيد الكناسي أنّ عيسى عليه السلام كان حجّة صامتاً حتّى بلغ سبع سنين، وحجّة على الخصوص قبل ذلك، وناطقاً على العموم بعد ذلك.(1)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ(2) ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ ابْنِي فِي لِسَانِهِ ثِقْلٌ ، فَأَنَا أَبْعَثُ بِهِ إِلَيْكَ غَداً تَمْسَحُ عَلى رَأْسِهِ وَ تَدْعُو لَهُ ؛ فَإِنَّهُ مَوْلَاكَ ، فَقَالَ عليه السلام : «هُوَ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ ؛ فَابْعَثْ بِهِ غَداً إِلَيْهِ» .

هديّة:نصّ في المقصود وإخبار ببقاء الابن، وكونه مسطوراً باسمه في صحيفة أسماء الشيعة، وأنّ الحجّة الصامت لا يخلو عن دلائل الإمامة.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمَّارٍ(3) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ جَالِساً بِالْمَدِينَةِ ، وَ كُنْتُ أَقَمْتُ عِنْدَهُ سِنِيِنَ (4) أَكْتُبُ عَنْهُ مَا يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ - يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام - إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا عليهما السلام الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ بِلَا حِذَاءٍ وَ رِدَاءٍ(5) ، فَقَبَّلَ يَدَهُ ، وَ عَظَّمَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا عَمِّ ، اجْلِسْ رَحِمَكَ اللَّهُ» . فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، كَيْفَ أَجْلِسُ وَ أَنْتَ قَائِمٌ ؟!فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ إِلى مَجْلِسِهِ ، جَعَلَ أَصْحَابُهُ يُوَبِّخُونَهُ ، وَ يَقُولُونَ : أَنْتَ عَمُّ أَبِيهِ وَ أَنْتَ تَفْعَلُ بِهِ هذَا الْفِعْلَ ؟ فَقَالَ : اسْكُتُوا ، إِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالى - وَ قَبَضَ عَلى لِحْيَتِهِ - لَمْ يُؤَهِّلْ هذِهِ

.


1- .الكافي، ج 1، ص 382، باب حالات الأئمّة في السنّ، ح 1.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن محمّد بن خلّاد الصيقل، عن محمّد بن الحسن بن عمّار».
4- .في الكافي المطبوع: «سنتين».
5- .في الكافي المطبوع: «ولا رداء».

ص: 516

الشَّيْبَةَ ، وَ أَهَّلَ هذَا الْفَتى ، فَوَضَعَهُ (1) حَيْثُ وَضَعَهُ ، أُنْكِرُ فَضْلَهُ؟ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّا تَقُولُونَ ، بَلْ أَنَا لَهُ عَبْدٌ .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «سنتين» على التثنية مكان (سنين) على الجمع.(ما يسمع) أي ما كان يسمع. وقرأ برهان الفضلاء: «يسمّع» على المعلوم من التفعيل، أي يسمّع تلامذته ما سمع من أخيه عليه السلام.(وقبض على لحيته) معترضة. و(الشيبة) بالفتح: بياض الشعر، والمراد هنا الشعر الأبيض، المراد به صاحبه.(أنكر) بتقدير حرف الاستفهام.والبارز في (وضعه) للأمر.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَيْرَانِيِ (2) ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِخُرَاسَانَ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : يَا سَيِّدِي ، إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلى مَنْ ؟ قَالَ : «إِلى أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِي» فَكَأَنَّ الْقَائِلَ اسْتَصْغَرَ سِنَّ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - بَعَثَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عليها السلام رَسُولاً نَبِيّاً ، صَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ، فِي أَصْغَرَ مِنَ السِّنِّ الَّذِي فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام» .

هديّة:(الخيراني) نسبة إلى أبيه: خيران الخادم القزويني الزاكاني القراطيسي نسبة إلى القراطيس التي كتب نسخة الرسالة فيها، وسيذكر في الباب التالي إن شاء اللَّه تعالى.(رسولاً نبيّاً) أي صاحب الرسالة بعد النبوّة، وقد ورد كما في حديث يزيد الكناسي

.


1- .في الكافي المطبوع: «و وضعه».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن الخيراني».

ص: 517

أنّ عيسى عليه السلام كان حجّة صامتاً حتّى بلغ سبع سنين، فصار رسولاً وهو ابن سبع سنين،(1) وهذا الخبر من شواهد ما هو الأصحّ في سنّ إمامة الجواد عليه السلام من كونه عليه السلام حجّة وهو ابن سبع سنين بزيادة خمسة، وقد ذكر آنفاً.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِ، والْقَاسَانِيِّ جَمِيعاً ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ المِصْرِي (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، لَقَدْ نَصَرَ اللَّهُ تَعَالى أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : إِي وَ اللَّهِ ، جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَقَدْ بَغى عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ : إِي وَ اللَّهِ ، وَ نَحْنُ عُمُومَتُهُ بَغَيْنَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَيْفَ صَنَعْتُمْ ، فَإِنِّي لَمْ أَحْضُرْكُمْ ؟ قَالَ : قَالَ (3) لَهُ إِخْوَتُهُ وَ نَحْنُ أَيْضاً : مَا كَانَ فِينَا إِمَامٌ قَطُّ حَائِلَ اللَّوْنِ ، فَقَالَ لَهُمُ الرِّضَا عليه السلام : «هُوَ ابْنِي». قَالُوا : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَدْ قَضى بِالْقَافَةِ ، فَبَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ الْقَافَةُ ، قَالَ : «ابْعَثُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِمْ ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا ، وَ لَا تُعْلِمُوهُمْ لِمَا دَعَوْتُمُوهُمْ ، وَ لْتَكُونُوا فِي بُيُوتِكُمْ».فَلَمَّا جَاؤُوا أَقْعَدُونَا فِي الْبُسْتَانِ ، وَ اصْطَفَّ عُمُومَتُهُ وَ إِخْوَتُهُ وَ أَخَوَاتُهُ ، وَ أَخَذُوا الرِّضَا عليه السلام وَ أَلْبَسُوهُ جُبَّةَ صُوفٍ وَ قَلَنْسُوَةً مِنْهَا ، وَ وَضَعُوا عَلى عُنُقِهِ مِسْحَاةً ، وَ قَالُوا لَهُ : ادْخُلِ الْبُسْتَانَ كَأَنَّكَ تَعْمَلُ فِيهِ ، ثُمَّ جَاؤُوا بِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالُوا : أَلْحِقُوا هذَا الْغُلَامَ بِأَبِيهِ ، فَقَالُوا : لَيْسَ لَهُ هَاهُنَا أَبٌ ، وَ لكِنَّ هذَا عَمُّ أَبِيهِ (4) ، وَ هذَا عَمُّ أَبِيهِ ، وَ هذَا عَمُّهُ ، وَ هذِهِ عَمَّتُهُ ، وَ إِنْ يَكُنْ أَبٌ لَهُ هَاهُنَا(5) ، فَهُوَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ ؛ فَإِنَّ قَدَمَيْهِ وَ قَدَمَيْهِ وَاحِدَةٌ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالُوا : هذَا أَبُوهُ .

.


1- .الكافي، ج 1، ص 382، باب حالات الأئمّة عليهم السلام في السنّ، ح 1.
2- .في الكافي المطبوع: «الصيرفي». ولم نعرف الرجل.
3- .في «د»: «فقال».
4- .في «د»: - «وهذا عمّ أبيه».
5- .في الكافي المطبوع: «هاهنا أب» بدل «أب هاهنا».

ص: 518

قَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ : فَقُمْتُ فَمَصَصْتُ رِيقَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَبَكَى الرِّضَا عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : «يَا عَمِّ ، أَ لَمْ تَسْمَعْ أَبِي عليه السلام وَ هُوَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَأَتِي (1) ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ ، ابْنُ النُّوبِيَّةِ الطَّيِّبَةِ الْفَمِ ، الْمُنْتَجَبَةِ الرَّحِمِ ، وَيْلَهُمْ لَعَنَ اللَّهُ الْأُعَيْبِسَ وَ ذُرِّيَّتَهُ صَاحِبَ الْفِتْنَةِ ، وَ يَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وَ شُهُوراً وَ أَيَّاماً ، يَسُومُهُمْ خَسْفاً ، وَ يَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصْبَرَةً ، وَ هُوَ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ ، الْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ وَ جَدِّهِ ، صَاحِبُ الْغَيْبَةِ ، يُقَالُ : مَاتَ أَوْ هَلَكَ ، أَيَّ وَادٍ سَلَكَ ، أَ فَيَكُونُ هذَا يَا عَمِّ إِلَّا مِنِّي ؟» . فَقُلْتُ : صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ .

هديّة:(بغى عليه) كرمى: ظَلَمَه.«الحائل»: المتغيّر اللون، وللذي لونه يميل إلى الخضرة، ويعني هنا أنّ لونه غير لون آبائه عليهم السلام، قيل: فكأنّ لون أبي جعفر عليه السلام كان شديد الخضرة؛ لمكان اُمّه وهي نوبيّة من الحبش، بضمّ النون وكسر المفردة.و«القافة»: جمع القائف، وهو الذي يحكم بالنسب من الآثار والأشباه. قال ابن الأثير: القائف الذي يتبع ويعرف شبه الرّجل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة، فلان يقوف الأثر، ويقتافه قيافة، مثل قفا الأثر واقتفاه.(2)والحكم بعلم القيافة حجّة عند الشافعيّة، وسيذكر وجه قضائه صلى اللَّه عليه وآله بذلك في إلحاق اُسامة بن زيد بأبيه.قرأ برهان الفضلاء: «فإنّ قدمته»، و«قدمته» واحدة على المصدر كالجلسة بالكسر للنوع، يعني نوعاً من القدوم والتخطّي.(يأتي ابن خيرة الإماء) يعني المهدي صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه وكانت اُمّه بنت قيصر بلا واسطة واُمّ أبي جعفر عليه السلام نوبيّة من نسل مارية القطبيّة جارية رسول

.


1- .في الكافي المطبوع: «بأبي».
2- .النهاية، ج 4، ص 121 (قوف).

ص: 519

اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فانتسب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله القائم عليه السلام إلى جدّته اُمّ أبي جعفر الثاني عليه السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «بأبي» على التفدية مكان «يأتي»، وأحسن. وهو لما ضبط في إرشاد المفيد(1) مطابق.(منتجبة) على اسم المفعول من الافتعال، ويُقال: امرأة منتجبة على اسم الفاعل من الإفعال. ومنجاب كمحراب: تلد النجباء.والضمير في (ويلهم) لبني العبّاس. وقرأ برهان الفضلاء: «ويُلْهَمُ لعن اللَّه الأعبس وذرّيّته صاحب الفتنة ويقتلهم على المضارع المجهول من الإلهام، والواو للابتداء، وذكر نسخة: «الأعيبس» على التصغير، ونسخة: «يقتلهم» بدون الواو الابتدائيّة. وقال:والمراد إمّا العبّاس أو عبداللَّه ابنه - وزنادقة العبّاسيّة من نسله - أو المعتمد من بني العبّاس، والغيبة الصغرى في زمانه، ثمّ: «قال صاحب الفتنة» على الرفع مفعول «يلهم» مقام الفاعل، قال: يعني يلهم صاحب الفتنة البيّنة مثل هلاكو بتعليم علماء زمانه كالمحقّق الطوسي نصير الملّة والدِّين قدّس سرّه أنّ الأعبس وذرّيته ملعونون، وكان استيصال بني العبّاس وانقراض دولتهم في دولة هلاكو وطغيانه، ثمّ قال: «ويقتلهم» عطف على «يلهم»، أي ويقتل ذلك المفتّن ذرّية الأعبس حتّى يستأصلهم ويلزمهم الخسف والذلّة، ويسقيهم كأس الهلاك مملوّة «مصبرة» على اسم المفعول من الإصبار، أصبر فلان الكأس: ملأها إلى رأسها، وأصبار الجام على الجمع: جوانبها. وقتل المستعصم بأمر هلاكو بعد شدّ حبلٍ على خصيته وجرّه على الأرض في تحت أقدام الأتراك ذليلاً مدحوراً جدّاً، وهو أخير خلفاء العبّاسيّة، قال: والواو في «وهو الطريد» - أي ابن خيرة الإماء - حاليّة، وعاملها «يسومهم» و«يسقيهم». و«الموتور» أي المظلوم جدّاً بسبب حقدهم مع أبيه وجدّه.وقال بعض المعاصرين:و«الأعيبس» تصغير الأعبس، يعني المهدي العبّاسي، قال: وقيل: كناية عن العبّاس لاشتراكهما في معنى كثرة العبوس، والمستتر والبارز في تقتلهم بالفوقانيّة للذرّية

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 275.

ص: 520

والنجباء، أو المستتر لابن خيرة الإماء والبارز للذرّية فبالتحتانيّة فإشارة إلى ما يكون بعد ظهوره عليه السلام. «يسومهم خسفاً» يكلّفهم نقيصة أو ذهاباً في الأرض، وبالجملة كناية عن الإبادة والهلاك.(1)وقرئ مصبرة على اسم الفاعل من الإفعال، أي مهلكة.(وهو الطريد) أي ابن خيرة الإماء. وفي كشف الغمّة: إنّ ابن خيرة الإماء النوبيّة الجواد عليه السلام، والطريد صاحب الزمان عليه السلام.(2) وقال الفاضل الاسترآبادي: ومقتضى الأصل أنّ المراد بكليهما صاحب الأمر عليه السلام.(3)(الموتور بأبيه وجدّه) أي المجعول وتراً بلا أب وجدّ، (صاحب الغيبة) يعني مرّتين صغرى وكبرى، واللَّه أعلم وهو علّام الغيوب.

.


1- .الوافي، ج 2، ص 380، ذيل ح 864.
2- .لم نعثر عليه.
3- .المذكور في الحاشية على اُصول الكافي، ص 159 هكذا: «قوله: بأبي ابن خيرة الإماء، أي الجواد عليه السلام».

ص: 521

الباب الرابع والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي الحسن الثّالث الهادي عليه السلام

الباب الرابع والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ الهَادِي عليه السلام وفيه حديثان كما في الكافي، وعلى نسخة الصفواني ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى بَغْدَادَ فِي الدَّفْعَةِ الْأُولى مِنْ خَرْجَتَيْهِ ، قُلْتُ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ فِي هذَا الْوَجْهِ ، فَإِلى مَنِ الْأَمْرُ بَعْدَكَ ؟ فَكَرَّ بِوَجْهِهِ إِلَيَّ ضَاحِكاً ، وَ قَالَ : «لَيْسَ الْغَيْبَةُ حَيْثُ ظَنَنْتَ فِي هذِهِ السَّنَةِ».فَلَمَّا أُخْرِجَ بِهِ الثَّانِيَةَ إِلَى الْمُعْتَصِمِ ، صِرْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَنْتَ خَارِجٌ ، فَإِلى مَنْ هذَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ ؟ فَبَكى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «عِنْدَ هذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ ، الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِي إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ» .

هديّة:«كرّ» كفرّ: عطف.والباء في (به) للتقوية، فتدلّ على العنف والتعدّي.واسم (المعتصم) بكسر الصاد محمّد، وكنيته أبو إسحاق، صار خليفة بعد أخيه المأمون بلا واسطة، وهو غير محمّد الملقّب بالأمين من زبيدة امرأة هارون.(اخضلّت) بالمعجمتين: ابتلّت.

.

ص: 522

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْخَيْرَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ يَلْزَمُ بَابَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام لِلْخِدْمَةِ الَّتِي كَانَ وُكِّلَ بِهَا ، وَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى يَجِي ءُ فِي السَّحَرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِيَعْرِفَ خَبَرَ عِلَّةِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ كَانَ الرَّسُولُ - الَّذِي يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ بَيْنَ أَبِي - إِذَا حَضَرَ ، قَامَ أَحْمَدُ وَ خَلَا بِهِ أَبِي ، فَخَرَجَ (1)ذَاتَ لَيْلَةٍ ، وَ قَامَ أَحْمَدُ عَنِ الْمَجْلِسِ وَ خَلَا أَبِي بِالرَّسُولِ ، وَ اسْتَدَارَ أَحْمَدُ ، فَوَقَفَ حَيْثُ يَسْمَعُ الْكَلَامَ ، فَقَالَ الرَّسُولُ لِأَبِي : إِنَّ مَوْلَاكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ لَكَ : «إِنِّي مَاضٍ وَ الْأَمْرُ صَائِرٌ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ ، وَ لَهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَبِي عليه السلام» ثُمَّ مَضَى الرَّسُولُ وَ رَجَعَ أَحْمَدُ إِلى مَوْضِعِهِ ، وَ قَالَ لِأَبِي : مَا الَّذِي قَدْ قَالَ لَكَ ؟ قَالَ : خَيْراً . قَالَ : قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَ فَلِمَ تَكْتُمُهُ ؟ وَ أَعَادَ مَا سَمِعَ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا فَعَلْتَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى يَقُولُ : «وَ لا تَجَسَّسُوا» فَاحْفَظِ الشَّهَادَةَ ، لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ إِلَيْهَا يَوْماً مَا ، وَ إِيَّاكَ أَنْ تُظْهِرَهَا إِلى وَقْتِهَا .فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبِي ، كَتَبَ نُسْخَةَ الرِّسَالَةِ فِي عَشْرِ رِقَاعٍ ، وَ خَتَمَهَا ، وَ دَفَعَهَا إِلى عَشْرَةٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِصَابَةِ ، وَ قَالَ : إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ أُطَالِبَكُمْ بِهَا ، فَافْتَحُوهَا ، وَ اعْمَلُوا بِمَا فِيهَا ، فَلَمَّا مَضى أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، ذَكَرَ أَبِي أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتّى قَطَعَ عَلى يَدَيْهِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ إِنْسَانٍ ، وَ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْعِصَابَةِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ يَتَفَاوَضُونَ هذَا الْأَمْرَ ، فَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ إِلى أَبِي يُعْلِمُهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَهُ ، وَ أَنَّهُ لَوْ لَا مَخَافَةُ الشُّهْرَةِ ، لَصَارَ مَعَهُمْ إِلَيْهِ ، وَ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ ، فَرَكِبَ أَبِي وَ صَارَ إِلَيْهِ ، فَوَجَدَ الْقَوْمَ مُجْتَمِعِينَ عِنْدَهُ ، فَقَالُوا لِأَبِي : مَا تَقُولُ فِي هذَا الْأَمْرِ ؟ فَقَالَ أَبِي لِمَنْ عِنْدَهُ الرِّقَاعُ : أَحْضِرُوا الرِّقَاعَ ، فَأَحْضَرُوهَا ، فَقَالَ لَهُمْ : هذَا مَا أُمِرْتُ بِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِي هذَا الْأَمْرِ شَاهِدٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ أَتَاكُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِهِ ، هذَا أَبُو جَعْفَرٍ الْأَشْعَرِيُّ يَشْهَدُ لِي بِسَمَاعِ هذِهِ الرِّسَالَةِ ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عِنْدَهُ ، فَأَنْكَرَ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ هذَا شَيْئاً ، فَدَعَاهُ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «فخرجت».

ص: 523

إِلَى الْمُبَاهَلَةِ ، فَقَالَ : لَمَّا حَقَّقَ عَلَيْهِ ، قَالَ : قَدْ سَمِعْتُ ذلِكَ ، وَ هذِهِ مَكْرُمَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ ، لَا لِرَجُلٍ مِنَ الْعَجَمِ ، فَلَمْ يَبْرَحِ الْقَوْمُ حَتّى قَالُوا بِالْحَقِّ جَمِيعاً .

الحديث الثالث وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : أبي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ العبيدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَاسِطِيِ (1) : سَمِعَ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ - مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ - يَحْكِي أَنَّهُ أَشْهَدَهُ عَلى هذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمَنْسُوخَةِ :شَهِدَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَات اللَّهِ عَلَيهِمْ أَشْهَدَهُ أَنَّهُ أَوْصى إِلى عَلِيٍّ ابْنِهِ بِنَفْسِهِ وَ أَخَوَاتِهِ ، وَ جَعَلَ أَمْرَ مُوسى - إِذَا بَلَغَ - إِلَيْهِ ، وَ جَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُسَاوِرِ قَائِماً عَلى تَرِكَتِهِ مِنَ الضِّيَاعِ وَ الْأَمْوَالِ وَ النَّفَقَاتِ وَ الرَّقِيقِ وَغَيْرِ ذلِكَ إِلى أَنْ يَبْلُغَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، صَيَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَاوِرِ ذلِكَ (2) إِلَيْهِ ، يَقُومُ بِأَمْرِ نَفْسِهِ وَ أَخَوَاتِهِ ، وَ يُصَيِّرُ أَمْرَ مُوسى إِلَيْهِ ، يَقُومُ لِنَفْسِهِ بَعْدَهُمَا عَلى شَرْطِ أَبِيهِمَا فِي صَدَقَاتِهِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا ، وَ ذلِكَ يَوْمُ الْأَحَدِ لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ ، وَ كَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ .وَ شَهِدَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهم السلام وَ هُوَ الْجَوَّانِيُّ - عَلى مِثْلِ شَهَادَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فِي صَدْرِ هذَا الْكِتَابِ (3) ، وَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ بِيَدِهِ . وَ شَهِدَ نَصْرٌ الْخَادِمُ ، وَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ بِيَدِهِ .

هديّة:(الخيراني) بفتح المعجمة وسكون الخاتمة: نسبة إلى أبيه خيران الخادم القزويني

.


1- .في الكافي المطبوع: + «إنّه».
2- .في الكافي المطبوع: + «اليوم».
3- .في «د»: + «وكتب في صدر هذا الكتاب».

ص: 524

الزاكاني القراطيسي، و«زاكان» بالمعجمة: محلّة بقزوين، وبالمهملة: قرية من قرى قزوين، و«القراطيس»: جمع القرطاس والقراطيسي - كما صرّح به برهان الفضلاء - : نسبة إلى القراطيس التي كتب نسخة الرسالة فيها على ما هو المذكور في هذا الحديث.في إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه (1): «كنت ألزم» مكان (كان يلزم)، وضمير «كان» و«يلزم» لأبيه.(ليعرف) على المعلوم من باب ضرب، أو على المصدر من التفعّل.و(العصابة) بالكسر: الجماعة، ولا يستعملها أصحابنا إلّا في الجماعة الإماميّة.(حتّى قطع على يديه) يعني لم يخرج نعش أبي جعفر الثاني عليه السلام من منزله حتّى قطع بإمامة عليّ بن محمّد عليهما السلام على يدي أبيه، يعني بسببه وإخباره نحو من أربعمائة نفر من العصابة.(يتفاوضون): يتكلّمون. قال ابن الأثير في نهايته: المفاوضة: المساواة والمشاركة، مفاعلة من التفويض وكذا التفاوض؛ لأنّ كلّ واحد من الشريكين يفوّض ما عنده إلى صاحبه.(2)(وهذه مكرمة) أي الشهادة بذلك الأمر.(لا لرجل من العجم) يعني خيران الخادم القزويني، ولعلّ إنكار أحمد أوّلاً وهو عظيم القدر جدّاً إنّما هو لمصلحة، كما نقل في تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ شمعون أنكر نبوّة عيسى عليه السلام ظاهراً وعارض مع رسله ليتّضح حقّيتها حقّ الاتّضاح.(3)(وفي نسخة الصفواني) من زيادات المفيد رحمة اللَّه عليه أو غيره.(وأبي محمّد بن جعفر الكوفي) عطف بيان للصفواني من تلامذة ثقة الإسلام طاب ثراه.(المنسوخة): المكتوبة، يعني هنا.

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 298.
2- .النهاية، ج 3، ص 479 (فوض).
3- .تفسير القمّي، ج 1، ص 103.

ص: 525

والبارز في (بنفسه) لعليّ عليه السلام.(أمر موسى) ابنه الملقّب بالمبرقع المدفون بقمّ، خلّف عليه السلام ابنين وثلاث بنات: عليّ الهادي عليه السلام وموسى المبرقع وفاطمة واُمامة وحكيمة.وضبط برهان الفضلاء: «المشاور» بالمعجمة مكان (المساور) بغيرها.(صيّر) أي أرجع وسلّم ما عنده إلى عليّ عليه السلام.(ويصير أمر موسى إليه، يقوم لنفسه بعد) أي بأمر نفسه بعد البلوغ (هما على شرط أبيهما) يعني عليّ وموسى.الجوهري: اُمامة بالضمّ: اسم امرأة.(1)و«جوّان» بالجيم ككتّان: قرية من قرى المدينة المنوّرة.

.


1- .الصحاح، ج 5، ص 1866 (أمم).

ص: 526

الباب الخامس والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي محمّد عليه السلام

الباب الخامس والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ الْيَسَارٍ الْقَنْبَرِيِ (1) ، قَالَ : أَوْصى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَ أَشْهَدَنِي عَلى ذلِكَ وَ جَمَاعَةً مِنَ الْمَوَالِي .

هديّة:أي من الشيعة، وقيل من الخدمة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ النَّوْفَلِيِ (2) ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي صَحْنِ دَارِهِ ، فَمَرَّ بِنَا مُحَمَّدٌ ابْنُهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا صَاحِبُنَا بَعْدَكَ؟ فَقَالَ : «لَا ، صَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ عليه السلام».

هديّة:كنّى محمّد ابنه عليه السلام أبا جعفر، وهو أكبر أولاده عليه السلام، فمضى قبل أبيه عليه السلام وكان منتظراً

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن بشّار بن أحمد البصري، عن عليّ بن عمر النوفلي».

ص: 527

للإمامة صالحاً لها ومرجوّاً عند الأصحاب، فبدا للَّه سبحانه في إمامته، كما في إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيِ (1) ، قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «صَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيَّ». قَالَ : وَ لَمْ نَعْرِفْ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام قَبْلَ ذلِكَ ، قَالَ : فَخَرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَصَلّى عَلَيْهِ .

هديّة:(قبل ذلك) أي قبل القول أو قبل مضيّه عليه السلام.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كُنْتُ حَاضِراً أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ (3) : «بُنَيَّ ، أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً ؛ فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً» .

هديّة:في بعض النسخ: «يا بُنيّ» بذكر حرف النداء.(أمراً) يعني جعلك إماماً بعدي بلا شكّ وريبة من العصابة بمضيّ أخيك أبي جعفر، بدا للَّه سبحانه فيك بعده كما في إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهما السلام وهو أكبر أولاده عليه السلام.

الحديث الخامس .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه، عن بشّار بن أحمد، عن عبد اللَّه بن محمّد الأصفهاني».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وعنه، عن موسى بن جعفر بن وهب».
3- .في «د» والكافي المطبوع: + «يا».

ص: 528

كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَجَاءَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، فَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَ حَوْلَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام قَائِمٌ فِي نَاحِيَةٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ أَبِي جَعْفَرٍ ، الْتَفَتَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، أَحْدِثْ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - شُكْراً ؛ فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء وشرح - : «عند أبي جعفر محمّد بن عليّ» بدون (مضيّ) فالمعنى عند وفاته أو جنازته أو مضيّه أو نحو ذلك.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ(1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ - فَإِلى مَنْ ؟ قَالَ : «عَهْدِي إِلَى الْأَكْبَرِ مِنْ وَلَدَيَّ» .

هديّة:كان هذا السؤال بعد مضيّ أبي جعفر؛ لما عرفت آنفاً.قال برهان الفضلاء: «ولديّ» على التثنية مضافة، واحتمل الجمع.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْإِسْبَارِقِينِيِ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الْعَطَّارِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام وَ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُهُ فِي الْأَحْيَاءِ ، وَ أَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَنْ أَخُصُّ مِنْ وُلْدِكَ ؟ فَقَالَ : «لَا تَخُصُّوا أَحَداً حَتّى يَخْرُجَ إِلَيْكُمْ أَمْرِي».قَالَ : فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بَعْدُ : فِيمَنْ يَكُونُ هذَا الْأَمْرُ ؟ قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيَّ : «فِي الْكَبِيرِ مِنْ وُلْدِي». قَالَ : وَ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام أَكْبَرَ مِنْ جَعْفَرٍ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد القلانسي، عن عليّ بن الحسين بن عمرو، عن عليّ بن مهزيار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الإسبارقيني». وفي «الف»: «الإستارقيني» بدل «الاسبارقيني».

ص: 529

هديّة:(من أخصّ) على المتكلّم أو أفعل التفضيل، وهذا السؤال أيضاً بعد مضيّ أبي جعفر.(من ولدي) على الجمع بقرينة «من ولدك». وقرأ برهان الفضلاء على التثنية، واحتمل الجمع في المواضع كلّها.و(جعفر) هذا هو الشهير بالكذّاب، ادّعى الإمامة، وروي فيه عن الصاحب عليه السلام: «أنّ مثلنا ومثل عمّي جعفر مثل يوسف واخوته»(1)، وفيه أنّ شفاعتهم عليهم السلام مرجوّة له إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ وَ غَيْرِهِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَفْطَسُ : أَنَّهُمْ حَضَرُوا - يَوْمَ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ - بَابَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يُعَزُّونَهُ ، وَ قَدْ بُسِطَ لَهُ فِي صَحْنِ دَارِهِ وَ النَّاسُ جُلُوسٌ حَوْلَهُ - فَقَالُوا : قَدَّرْنَا أَنْ يَكُونَ حَوْلَهُ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَ بَنِي هَاشِمٍ وَ قُرَيْشٍ مِائَةٌ وَ خَمْسُونَ رَجُلاً سِوى مَوَالِيهِ وَ سَائِرِ النَّاسِ - إِذْ نَظَرَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام قَدْ جَاءَ مَشْقُوقَ الْجَيْبِ حَتّى قَامَ عَنْ يَمِينِهِ ، وَ نَحْنُ لَا نَعْرِفُهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بَعْدَ سَاعَةٍ ، فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، أَحْدِثْ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - شُكْراً ؛ فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً». فَبَكَى الْفَتى ، وَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالى ، وَ اسْتَرْجَعَ ، وَ قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ تَمَامَ النِّعْمَةِ عَلَيْنَا(2) ، وَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». فَسَأَلْنَا عَنْهُ ، فَقِيلَ : هذَا الْحَسَنُ ابْنُهُ - وَ قَدَّرْنَا لَهُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْجَحَ - فَيَوْمَئِذٍ عَرَفْنَاهُ ، وَ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ ، وَ أَقَامَهُ مَقَامَهُ .

هديّة:(أن يكون) بالرفع، فإنّ «أن» مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن.

.


1- .إنّ ما ورد في التوقيع هكذا: «وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف». كمال الدين، ج 2، ص 483، ح 4؛ الغيبة للطوسي، ص 290. وأمّا ما ذكره المصنّف لم نعثر عليه.
2- .في الكافي المطبوع: «تمام نعمة لنا فيك» بدل «تمام النعمة علينا».

ص: 530

و«الفطس» محرّكة: انبساط قصبة الأنف، والرجل أفطس.(فقالوا) معترضة.(إذ نظر) ظرف ل (حضروا).(واسترجع) قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، (وقال: الحمد للَّه ربّ العالمين) ليس عطف تفسير، بل استرجع مرّتين وحمد كذلك لأجل أخيه وأبيه بالوقوع والنعي وإمامته بعد.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وأنا أسأل اللَّه تمام نعمه لنا فيك» مكان (وأنا أسأل اللَّه تمام النعمة علينا). وضبط المفيد رحمة اللَّه عليه في إرشاده: «وإيّاه أسأل تمام النعمة علينا وإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون».(1)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دَرْيَابَ (2) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ ، فَعَزَّيْتُهُ عَنْهُ - وَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام جَالِسٌ - فَبَكى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - قَدْ جَعَلَ فِيكَ خَلَفاً مِنْهُ ؛ فَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالى» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء وشرح - : «فأقبل عليه» مكان (فأقبل إليه) أي خلفاً وهو القائم عليه السلام من أجل مضيّ أخيك أبي جعفر. وقيل: المراد بالخلف عدم اشتباه القوم في إمامته من أجل مضيّ أكبر أولاد أبيه عليه السلام.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِ (3) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 317.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى بن درياب».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن أبي هاشم الجعفري».

ص: 531

أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بَعْدَ مَا مَضَى ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَ إِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ : كَأَنَّهُمَا - أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا مُحَمَّدٍ - فِي هذَا الْوَقْتِ كَأَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام وَ إِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، وَ إِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا ؛ إِذْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرْجَا بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ .فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ ، فَقَالَ : «نَعَمْ يَا بَا(1)هَاشِمٍ ، بَدَا لِلَّهِ فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ ، كَمَا بَدَا لِلَّهِ فِي مُوسى عليه السلام بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ ، وَ هُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَ إِنْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ ، وَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ، عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَ مَعَهُ آلَةُ الْإِمَامَةِ» .

هديّة:فكر كنصر، وأفكر، وفكّر تفكيراً، وتفكّر: كلّه بمعنى.و(المرجا) على اسم المفعول من الإرجاء بمعنى التأخير، يقرأ بالهمزة وبدونها.قال برهان الفضلاء: يعني إذ كان أبو محمّد عليه السلام هو المؤخّر للإمامة ليكون أكبر الأولاد بعد مضيّ أكبرهم.وقال بعض المعاصرين: «المرجا»، أي المرجوّ للإمامة.(2)أخذه من الترجية.الجوهري: والرجاء من الأمل ممدود، يُقال: رجوت فلاناً رجواً ورجاءً ورجاوةً وترجّيته ورجّيته كلّه بمعنى، انتهى.(3) يعني رجوته مثلاً متعدّ، ورجوت منه مثلاً لازم.وهنا إشكال واضح، وهو: أنّ المستفاد من النصوص كحديث لوح جابر وغيره أنّ كلّ واحدٍ من الاثنى عشر عليهم السلام كان عالِماً بكلّ واحدٍ منهم باسمه وخصوصه ووصفه، وقد ثبت - كما سبق - أنّ البداء يشمل معلوم المعصوم أيضاً، مع أنّه لا يكون إلّا عاقلاً عن اللَّه عزّ وجلّ.والجواب بما رضى به برهان الفضلاء، بأنّ المجهول إنّما هو خصوصيّة وقت

.


1- .في الكافي المطبوع: «أبا».
2- .الوافي، ج 2، ص 388، ذيل ح 874.
3- .الصحاح، ج 6، ص 2352 (رجا).

ص: 532

الحدوث لآلة الإمامة وأسبابها، كما ترى؛ بل الأولى أن يُقال: إنّما البداء هنا بالنظر إلى علم غير المعصوم من أصل ثابت كأكبريّة السنّ، وعلم المعصوم حيناً بما فيه البداء لا ينافي ثبوت البداء شاملاً لمعلوم المعصوم أيضاً.وقد سبق ذكر آلة الإمامة وأسبابها من العلامات والسلاح والكتب (1)وسائر الأمارات. وقال برهان الفضلاء: المراد بآلة الإمامة هنا كونه عليه السلام أكبر الأولاد بلا عاهة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دَرْيَابَ (2) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَهْفَكِيِّ ، قَالَ :كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي أَنْصَحُ آلِ مُحَمَّدٍ غَرِيزَةً ، وَ أَوْثَقُهُمْ حُجَّةً ، وَ هُوَ الْأَكْبَرُ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ الْخَلَفُ ، وَ إِلَيْهِ يَنْتَهِي عُرَى الْإِمَامَةِ وَ أَحْكَامُهَا ، فَمَا كُنْتَ سَائِلِي ، فَسَلْهُ عَنْهُ ؛ فَعِنْدَهُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ» .

هديّة:«الغريزة»: الطبيعة.(من ولدي) يحتمل الجمع والتثنية، كما فيما سبق.(وإليه ينتهي) قيل: أي إلى صلبه، وقال برهان الفضلاء: أي عرى إمامتي، يعني معتمدات أماراتها وأسبابها.(وأحكامها) يحتمل الجمع والمصدر.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ(3) ، عَنْ شَاهَوَيْهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّابِ ، قَالَ :كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام فِي كِتَابٍ : «أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنِ الْخَلَفِ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَ قَلِقْتَ

.


1- .في «د»: - «والكتب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى بن درياب».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد».

ص: 533

لِذلِكَ ، فَلَا تَغْتَمَّ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَا يُضِلُّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ، وَ صَاحِبُكَ بَعْدِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي ، وَ عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، يُقَدِّمُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(1) ، وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ(2)«ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها» قَدْ(3) كَتَبْتُ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَ قِنَاعٌ لِذِي عَقْلٍ يَقْظَانَ» .

هديّة:(قلقت) كضرب: اضطربت.(فإنّ اللَّه عزّ وجلّ لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم) ناظر إلى آية سورة التوبة. فسّر «بعد إذ هداهم» بإمام مضى، لكن يبيّن لهم إماماً آخر ليتّقون بمعرفته أيضاً من النار ومن ولاية الأعداء والطواغيت. و«النسخ»: النقل والتغييب أيضاً، ومن الأوّل مناسخات المواريث. و«الإنساء»: الترك والإماتة أيضاً. وفي التفسير: «ما ننسخ من آية»: ما نغيّب من إمام نأتِ بزمان خير من زمان ظهوره، فدلالة على أفضليّة الإيمان زمن الغيبة، أو ننسها أو نمتها نأت بمثلها، فالنشر على ترتيب اللّف و«ما» جزائيّة كما في «ما تفعل أفعل»، وتفسير «أو ننسها» بتركها - كما في بعض كتب التفاسير - لا يضرّ بما ذكر.والباء في (بما فيه) للتقوية.و«القناع» بالفتح: كالقناعة، وبالكسر: طبق الهديّة والسلاح الذي يدفع به الخصم، وجمع القنع بالكسر وهو الطبق الذي فيه الرطب، ورجّح برهان الفضلاء «القناع» هنا بالكسر.و«اليقظان»: الخبير.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ (4) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «الْخَلَفُ

.


1- .في الكافي المطبوع: «ما يشاء اللَّه» بدل «اللَّه ما يشاء».
2- .في الكافي المطبوع: + «اللَّه».
3- .في «د»: - «قد».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عمّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم».

ص: 534

مِنْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ ؟» فَقُلْتُ : وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ؟ فَقَالَ : «إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» . فَقُلْتُ : فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ ؟ فَقَالَ : «قُولُوا : الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:سيجي ء أنّ الأحوط عموم النهي عن ذكره عليه السلام باسمه من غير تخصيصه بزمان دون زمان، فقيل: كان خاصّاً بزمن غيبة الصغرى، وقيل: بزمان التقيّة مطلقاً، والنصّ على التعليل بمدافعة أهل الكتاب وردّ احتجاجهم يؤيّد ما يدلّ عليه بعض النصوص صريحاً أيضاً من عموم النهي عن التصريح بالاسم.

.

ص: 535

الباب السادس والسبعون: باب الإشارة و النصّ إلى صاحب الدَّار

الباب السادس والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ إِلى صَاحِبِ الدَّارِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بِلَالٍ (1) ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام قَبْلَ مُضِيِّهِ بِسَنَتَيْنِ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ قَبْلِ مُضِيِّهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ .

هديّة:المضبوط في أكثر النسخ في عنوان هذا الباب «إلى» مكان «علي» كما في الأبواب السابقة، ولعلّ وجهه أنّ مناسبة الإشارة هنا أكثر.والمراد ب (الدار) داره عليه السلام في العسكر بسرّ من رأى، وقيل: أي دار الدنيا لقيامها بوجود القائم عليه السلام. ومثل قوله عليه السلام في الحديث الآتي: «ما تصنع في داري»(2) دلالة الأوّل.(محمّد بن عليّ بن بلال) ثقة على الأقوى، وتوقّف بعضهم في قبول روايته لما قال الشيخ في كتاب الغيبة إنّه من المذمومين.(3)(خرج إليّ) أي توقيع بخطّه عليه السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن بلال».
2- .الكافي، ج 1، ص 332، باب في تسمية من رآه عليه السلام، ح 11.
3- .الغيبة للطوسي، ص 400.

ص: 536

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ (1) ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام : جَلَالَتُكَ تَمْنَعُنِي مِنْ مَسْأَلَتِكَ ، فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ ؟ فَقَالَ : «سَلْ». قُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، هَلْ لَكَ وَلَدٌ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ». فَقُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ ، فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ ؟ قَالَ : «بِالْمَدِينَةِ» .

هديّة:قيل: يعني مدينة الرسول صلى اللَّه عليه وآله. وسيذكر أنّ مقام القائم عليه السلام في غيبته الصغرى بالمدينة المنوّرة ولا سبيل لأحد إلى مقامه عليه السلام في الكبرى؛ صرّح بذلك الفاضل الاسترآبادي رحمة اللَّه عليه. وقال برهان الفضلاء: يعني بهذه المدينة بمعنى المصر، وهي مدينة سامرّا؛ لمكان مكان كثير من سفرائه عليه السلام في غيبة الصغرى فيها لقضاء حوائج العصابة بأمره وخطّه عليه السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكْفُوفِ (2) ، عَنْ عَمْرٍو الْأَهْوَازِيِّ ، قَالَ : أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنَهُ عليهما السلام ، وَ قَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:«الأهواز»: سبع كورٍ بين البصرة وفارس، لكلّ كورةٍ منها اسم يجمعهنّ الأهواز، لا واحد له.ليس كلمة (من) في بعض النسخ.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمْدَانَ الْقَلَانِسِيِ (3) ، قَالَ : قُلْتُ لِلْعَمْرِيِّ : قَدْ مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ؟ فَقَالَ لِي :قَدْ مَضى ، وَ لكِنْ قَدْ خَلَّفَ فِيكُمْ مَنْ رَقَبَتُهُ مِثْلُ هذِهِ ، وَ أَشَارَ بِيَدِهِ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي».

ص: 537

هديّة:«العمري» بالفتح، يكتب في النسبة بالواو وبدونها، والثاني أكثر والأوّل أولى، عثمان بن سعيد العمري يكنّى أبا عمرو السمّان، ويُقال له: الزيّات الأسدي، من أصحاب الجواد عليه السلام خدمه وله إحدى عشر سنة، ثقة جليل القدر، وكيل أبي محمّد عليه السلام؛ قاله العلّامة في خلاصته (1). وقال ابن داود كذلك إلّا قال: خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشر سنة.(2) وقال برهان الفضلاء: هو وكيل الصاحب عليه السلام وأوّل سفرائه الأربعة، وسيذكرون في الباب التالي وكيل أبيه عليهما السلام. وقيل: كان بوّاباً لأبيه وجدّه عليهم السلام، ثقة لهما، عظيم القدر في العصابة.(خلّف فيكم) من التفعيل ومن باب نصر بمعنى.قيل: «رقبته» كناية عن قامته عليه السلام، و«أشار بيده» أي إلى ارتفاع قامته برفع يده فوق رأسه جالساً. وقال برهان الفضلاء: أشار إلى رعونة رقبته عليه السلام مدحاً.

الحديث الخامس روى في الكافي عن الاثنين (3)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيَ (4) عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام حِينَ قُتِلَ الزُّبَيْرِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ : «هذَا جَزَاءُ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أَوْلِيَائِهِ ، يَزْعُمُ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي ، وَ لَيْسَ لِي عَقِبٌ ، فَكَيْفَ رَأى قُدْرَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ؟» .وَ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ سَمَّاهُ «م ح م د» فِي سَنَةِ سِتٍّ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ .

هديّة:ليس في بعض النسخ «إليَّ» في (خرج إليّ).و(الزبيري) هو المهتدي من خلفاء بني العبّاس، وزبير اسم المعتزّ منهم، خلع نفسه

.


1- .رجال العلّامة، ص 126، الرقم 971.
2- .رجال ابن داود، ص 233، الرقم 2.
3- .يعني «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد».
4- .في الكافي المطبوع: - «إليّ».

ص: 538

من الخلافة وأقام المهتدي مقامه فنسب إليه.«اجترى» من الجرأة، يقرأ بالهمز وبدونها.(وولد له) كلام الراوي.«سمّاه كذا» أي موافقاً لاسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والباقر والجواد عليهما السلام كاسم أبيه عليهما السلام لاسم أمير المؤمنين والسجّاد والرضا عليهم السلام، وسيجي ء مثله في باب مولد الصاحب عليه السلام.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ (2) عَبْدِ قَيْسٍ ، عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ سَمَّاهُ ، قَالَ : أَتَيْتُ سَامَرَّاءَ ، وَ لَزِمْتُ بَابَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَدَعَانِي ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْتُ ، فَقَالَ : «مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ ؟» قَالَ : قُلْتُ : رَغْبَةٌ فِي خِدْمَتِكَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «فَالْزَمِ الْبَابَ».قَالَ : فَكُنْتُ فِي الدَّارِ مَعَ الْخَدَمِ ، ثُمَّ صِرْتُ أَشْتَرِي لَهُمُ الْحَوَائِجَ مِنَ السُّوقِ ، وَ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ إِذَا كَانَ فِي الدَارِ رِجَالٌ ، قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً وَ هُوَ فِي دَارِ الرِّجَالِ ، فَسَمِعْتُ حَرَكَةً فِي الْبَيْتِ ، فَنَادَانِي : «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ» فَلَمْ أَجْسُرْ أَنْ أَدْخُلَ وَ لَا أَخْرُجَ ، فَخَرَجَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ مَعَهَا شَيْ ءٌ مُغَطًّى ، ثُمَّ نَادَانِيَ : «ادْخُلْ» فَدَخَلْتُ ، وَ نَادَى الْجَارِيَةَ ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهَا : «اكْشِفِي عَمَّا مَعَكَ» فَكَشَفَتْ عَنْ غُلَامٍ أَبْيَضَ، حَسَنِ اللَّوْنِ ، حَسَنِ الْوَجْهِ ، وَ كَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ ، فَإِذَا شَعْرٌ نَابِتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلى سُرَّتِهِ ، أَخْضَرُ ، لَيْسَ بِأَسْوَدَ ، فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ» ثُمَّ أَمَرَهَا فَحَمَلَتْهُ ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذلِكَ حَتّى مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام .

هديّة:أورد هذا الخبر في الكافي مرّة اُخرى في باب مولد الصاحب عليه السلام على اختلاف في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن الحسين ومحمّد ابني عليّ بن إبراهيم».
2- .في الكافي المطبوع: «من».

ص: 539

بعض ألفاظه وذكر الحسن مكان الحسين وفيه زيادات أيضاً.(1)(فارس) بكسر الراء: بلاد الفرس ينصرف ولا ينصرف، يذكّر ويؤنّث البلد والبلدة.(سامرّا) بفتح الميم وتشديد الراء والقصر: مخفّف سرّ من رأى.في بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «في دار الرجال» في الأوّل أيضاً. «جسر» كنصر: اجترأ.ليس في بعض النسخ: «حسن اللون».و«اللّبّة» بالفتح والتشديد: موضع القلادة من الصدر.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 514، باب مولد الصاحب عليه السلام، ح 2؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 646، ح 1358.

ص: 540

الباب السابع والسبعون: باب في تسمية من رآه عليه السلام

الباب السابع والسبعون : بَابٌ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ رَآهُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي خمسة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِ (1) ، قَالَ : اجْتَمَعْتُ أَنَا وَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْخَلَفِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا عَمْرٍو ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْ ءٍ(2) وَ مَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ اعْتِقَادِي وَ دِينِي أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَ (3) الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ رُفِعَتِ الْحُجَّةُ ، وَ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً؛ فَأُولئِكَ أَشْرَارٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ هُمُ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ ، وَ لكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَزْدَادَ يَقِيناً ، وَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام سَأَلَ رَبَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتى ؟ قَالَ : «أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى»(4) .وَ قَدْ أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ وَ قُلْتُ : مَنْ أُعَامِلُ ؟ أَوْ عَمَّنْ آخُذُ ؟ وَ قَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ ؟ فَقَالَ لَهُ : «الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي ؛ فَمَا أَدّى إِلَيْكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يُؤَدِّي ، وَ مَا قَالَ لَكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يَقُولُ ؛ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ ؛ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن عبد اللَّه و محمّد بن يحيى جميعاً، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري».
2- .في «د»: - «عن شي ء».
3- .في الكافي المطبوع: + «يوم».
4- .البقرة (2): 260.

ص: 541

وَ أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام عَنْ مِثْلِ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ : «الْعَمْرِيُّ وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ ؛ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ ، وَ مَا قَالَا لَكَ ، فَعَنِّي يَقُولَانِ ؛ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا ؛ فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ».فَهذَا قَوْلُ إِمَامَيْنِ قَدْ مَضَيَا(1) فِيكَ ؛ قَالَ : فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وَ بَكى ، ثُمَّ قَالَ : سَلْ حَاجَتَكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ رَأَيْتَ الْخَلَفَ مِنْ بَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ؟ فَقَالَ : إِي وَ اللَّهِ، وَ رَقَبَتُهُ مِثْلُ ذَا ، وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ .فَقُلْتُ لَهُ : فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ لِي : هَاتِ ، قُلْتُ : فَالِاسْمُ ؟ قَالَ : مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذلِكَ ، وَ لَا أَقُولُ هذَا مِنْ عِنْدِي ؛ فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَ لَا أُحَرِّمَ ، وَ لكِنَّهُ (2) عَنْهُ عليه السلام ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ مَضى وَ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً ، وَ قَسَّمَ مِيرَاثَهُ ، وَ أَخَذَهُ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ، وَ هُوَ ذَا عِيَالُهُ يَجُولُونَ لَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ ، أَوْ يُنِيلَهُمْ شَيْئاً ، وَ إِذَا وَقَعَ الِاسْمُ وَقَعَ الطَّلَبُ ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَ أَمْسِكُوا عَنْ ذلِكَ .قَالَ (3) الْكُلَيْنِيُّ : وَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - ذَهَبَ عَنِّي اسْمُهُ - أَنَّ أَبَا عَمْرٍو سُئِلَ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مِثْلِ هذَا ، فَأَجَابَ بِمِثْلِ هذَا .

هديّة:كان أوّل سفراء الأربعة الممتازين في القدر والمنزلة عن سائر سفرائه عليه السلام أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري، ثمّ ابنه أبا جعفر محمّد بن عثمان، ثمّ أبا القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، ثمّ أبا الحسن عليّ بن محمّد السمري.«الحسين بن روح» بضمّ الراء وقيل بالفتح، و«نوبخت» بضمّ النون وفتح المفردة وسكون المعجمة ثمّ المثنّاة من فوق، وقيل: بضمّ المفردة أيضاً، معرّب.و«السمري» بفتح المهملة وضمّ الميم، نسبة إلى أحد الأجداد، و«سمرة»: شجر

.


1- .في «د»: «مضينا».
2- .في الكافي المطبوع: «لكن».
3- .في «د»: + «أبو جعفر».

ص: 542

الطلح، سمّيت بها جماعة، منهم: سمرة بن جندب صاحب النخلة العريّة التي أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بقلعها ليضرب رأس صاحبها، وقصّته مشهورة،(1)وقيل: بكسرتين وتشديد الميم، كما ضبط في الإيضاح،(2) وقيل: بالفتحتين والتخفيف، نسبة إلى السمر وهو المسامرة بالليل، وقيل: بتشديد الراء، مخفّف سامريّ نسبة إلى سامرّا.«غمزني»: نخسني بالإصبع، أو أشار إليّ بالعين والحاجب.(بأربعين يوماً) قد سبق في الباب السادس وجه عدم المنافاة بين مثله ومثل حديث: «آخِر من يموت الإمام» بمثل: آخِر من يموت مؤمناً هو الإمام.(فأُولئك أشرار من خلق اللَّه) يحتمل كسر الميم، وفتحها أولى، لما لا يخفى.(أو عمّن آخذ) الشكّ من أبي علي.(ورقبته مثل ذا) قد عرفت بيانه في الباب السابق.في بعض النسخ المعتبرة: «بيديه» على التثنية.(من لا حقّ له فيه) يعني عمّه جعفر الشهير بالكذّاب.(وهو ذا) للشأن.والمراد بالعيال الخدم ونحوهم.ليس في بعض النسخ: (قال الكليني) إلى آخره، فإمّا كلام ثقة الإسلام أو من زيادات تلامذته كالصفواني.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام (3)- وَ كَانَ أَسَنَّ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِالْعِرَاقِ - فَقَالَ : رَأَيْتُهُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ وَ هُوَ غُلَامٌ عليه السلام .

.


1- .الكافي، ج 5، ص 292، باب الضرار، ح 2؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 10، ص 476، ح 9317.
2- .إيضاح الاشتباه، ص 221، رقم 401.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر».

ص: 543

هديّة:يعني مرّتين، مرّة هناك ومرّة هناك، واحتمال بين مكّة والمدينة كما ترى.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ(1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عن مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هِيَ عَمَّةُ أَبِيهِ - أَنَّهَا رَأَتْهُ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ وَ بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(حكيمة) مكبّرة بالكاف: ابنة الجواد عليه السلام، وقد سبق أنّه عليه السلام خلّف ابنين: عليّ الهادي عليه السلام وموسى المبرقع المدفون بقمّ، وثلاث بنات: فاطمة واُمامة وحكيمة.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ حَمْدَانَ الْقَلَانِسِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِلْعَمْرِيِّ : قَدْ مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ؟ فَقَالَ : قَدْ مَضى ، وَ لكِنْ قَدْ خَلَّفَ فِيكُمْ مَنْ رَقَبَتُهُ مِثْلُ هذَا ، وَ أَشَارَ بِيَدِهِ .

هديّة:قد سبق نظيره ببيانه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ فَتْحٍ مَوْلَى الزُّرَارِيِ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُطَهَّرٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ ، وَ وَصَفَ لَهُ قَدَّهُ .

هديّة:«القدّ» له معان، منها: القامة، واحتمل برهان الفضلاء من قدّ المسافر المفازة كمدّ قدّاً، قال: فالمعنى: ووصف الصاحب عليه السلام له كيفيّة سيره، قال: وهذا أنسب بقوله: (له) مكان «لي».

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن فتح مولى الزراريّ».

ص: 544

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ (1) ، عَنْ خَادِمٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْتُ وَاقِفَةً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى الصَّفَا ، فَجَاءَ عليه السلام حَتّى وَقَفَ عَلى إِبْرَاهِيمَ ، وَ قَبَضَ عَلى كِتَابِ مَنَاسِكِهِ ، وَ حَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ .

هديّة:«الخادم»: واحد الخدم، غلاماً كان أو جارية؛ قاله الجوهري أيضاً.(2)و(عبدة) بالتحريك: من أسمائهم، وهو لغة القوّة، ويقرأ بسكون المفردة والتاء للمبالغة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ : أَنَّهُ رَآهُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَ النَّاسُ يَتَجَاذَبُونَ عَلَيْهِ ، وَ هُوَ يَقُولُ : «مَا بِهذَا أُمِرُوا» .

هديّة:(عليه) أي على الحجر.(ما بهذا) أي بالتجاذب والتدافع في الازدحام عند الحجر للملامسة والاستلام والتقبيل.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ (4) ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْتُهُ عليه السلام بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام (5) حِينَ أَيْفَعَ ، وَ قَبَّلْتُ يَدَهُ (6) وَ رَأْسَهُ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن شاذان بن نعيم».
2- .الصحاح، ج 5، ص 1909 (خدم).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن أبي عليّ أحمد بن إبراهيم بن إدريس».
5- .في «د»: + «الحسن».
6- .في الكافي المطبوع: «يديه».

ص: 545

هديّة:(أيفع) من باب الافعال بالفاء بعد الخاتمة، أي ارتفع، وراهق العشرين فهو يافع لا موفع، وهو من النوادر.في بعض النسخ: «يديه» على التثنية.

الحديث التاسع روى في الكافي وقال: عَنْهُ (1) عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ وَ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ، عَنِ الْقَنْبَرِيِّ - رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ قَنْبَرٍ الْكَبِيرِ - مَوْلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : جَرى حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَذَمَّهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : فَلَيْسَ غَيْرُهُ ، فَهَلْ رَأَيْتَهُ ؟ فَقَالَ : لَمْ أَرَهُ ، وَ لكِنْ رَآهُ غَيْرِي ، قُلْتُ : وَ مَنْ رَآهُ ؟ قَالَ : قَدْ رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ ، وَ لَهُ حَدِيثٌ .

هديّة:(وأحمد بن النضر) عطف على ضمير (عنه) يعني عليّ بن محمّد.(ومولى) عطف بيان ل (قنبر الكبير) كان للرضا عليه السلام قنبران في غلمانه كبير وصغير.والبارز في (قلت) كالمستتر في (قال) لكلّ واحد من عليّ وأحمد، وهكذا في التتمّة.(فليس غيره) أي وارث غيره ويحتمل رفع «غيره» على حذف الخبر، وضمير «غيره» لجعفر وهو الشهير بالكذّاب.قيل: الحديث التالي للتالي لعلّه أحد حديثي رؤية جعفر إيّاه عليه السلام مرّتين.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَجْنَانِيِ (2) ، أَنَّهُ أَخْبَرَنِي عَمَّنْ رَآهُ (3) : خَرَجَ مِنَ الدَّارِ

.


1- .في الكافي المطبوع: «عن عليّ».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الوجناني». وفي الكافي المطبوع جديداً: «الوجنائي» بدل «الوجناني». وأبو محمّد هذا هو الحسن بن محمّد بن الوجناء أبو محمّد النصيبي. راجع: رجال النجاشي، ص 346، الرقم 935؛ كمال الدين، ص 443، ح 17؛ الغيبة للطوسي، ص 248 و 259.
3- .في الكافي المطبوع: + «أنّه».

ص: 546

قَبْلَ الْحَادِثِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَ هُوَ يَقُولُ : «اللَّهُمَّ ، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ لَوْ لَا الطَّرْدُ». أَوْ كَلَامٌ هذَا نَحْوُهُ .

هديّة:«الوجنان» بالفتح والجيم الساكنة ونونين: الدقّاق، والياء للنسبة.و(الحادث): وفات أبي محمّد عليه السلام، قيل: فخرج، يعني فخرج وذهب وغاب، وقيل: كان الحادث تفحّص السلطان عنه عليه السلام كما سيجي ء حديثه - والأخذ في الغيبة الصغرى،(1) يعني سامرّا أو الدار، والثاني أولى، أو صدر كلام مستأنف.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَيْسٍ (2) ، عَنْ بَعْضِ جَلَاوِزَةِ السَّوَادِ ، قَالَ : شَاهَدْتُ سِيمَاء آنِفاً بِسُرَّ مَنْ رَأى وَ قَدْ كَسَرَ بَابَ الدَّارِ ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ وَ بِيَدِهِ طَبَرْزِينٌ ، فَقَالَ لَهُ : «مَا تَصْنَعُ فِي دَارِي ؟» . فَقَالَ سِيمَاء : إِنَّ جَعْفَراً زَعَمَ أَنَّ أَبَاكَ مَضى وَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ(3) ، فَإِنْ كَانَتْ دَارَكَ ، فَقَدِ انْصَرَفْتُ عَنْكَ ، فَخَرَجَ عَنِ الدَّارِ .قَالَ عَلِيُّ بْنُ قَيْسٍ : فَخَرَجَ عَلَيْنَا خَادِمٌ مِنْ خَدَمِ الدَّارِ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هذَا الْخَبَرِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ حَدَّثَكَ بِهذَا ؟ فَقُلْتُ لَهُ : حَدَّثَنِي بَعْضُ جَلَاوِزَةِ السَّوَادِ ، فَقَالَ لِي : لَا يَكَادُ يَخْفى عَلَى النَّاسِ شَيْ ءٌ .

هديّة:في بعض النسخ: «وله ولد»، وفي آخر: «ولا ولد له» مكان (وليس له ولد).و«الجلواز» بكسر الجيم وسكون اللام: الشرطي وأمين القاضي و(السواد): القرى.و(سيماء): اسم رجل من أتباع السلطان.

.


1- .في «الف»: + «إنّها».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن عليّ بن قيس».
3- .في الكافي المطبوع: «ولا ولد له» بدل «وليس له ولد».

ص: 547

(وقد كسر باب الدار) قيل: كأنّه باتّفاق جعفر.و(طبرزين) معرّب.(حدّثني بعض جلاوزة السواد) أي بعض اُمناء القاضي على السواد.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكْفُوفِ (1) ، عَنْ عَمْرٍو الْأَهْوَازِيِّ ، قَالَ :أَرَانِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، وَ قَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ» .

هديّة:قد سبق بمضمونه في الباب السابق.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ(2) عليهما السلام ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ ظَرِيفٍ الْخَادِمِ أَنَّهُ رَآهُ عليه السلام.

هديّة:(ظريف) بإعجام أوّله، مكبّر، كما ضبط برهان الفضلاء، وقيل: بإهمال أوّله، مكبّر أو مصغّر، خادم أبي محمّد عليه السلام، وحديث رؤيته في كشف الغمّة مفصّل.(3)

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ الْعِجْلِيِ (4) ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ سَمَّاهُ :أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام أَرَاهُ إِيَّاهُ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللَّه بن موسى بن جعفر».
3- .كشف الغمّة، ج 2، ص 499.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد و الحسن ابني عليّ بن إبراهيم أنّهما حدّثاه في سنة تسع و سبعين و مائتين عن محمّد بن عبد الرحمن العبدي، عن ضوء بن عليّ العجلي».

ص: 548

هديّة:قد سبق في الباب السابق بمضمونه.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ(1) ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ ، قَالَ : كُنْتُ حَاجّاً مَعَ رَفِيقٍ لِي ، فَوَافَيْنَا(2) الْمَوْقِفِ ، فَإِذَا شَابٌّ قَاعِدٌ ، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَ رِدَاءٌ ، وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلٌ صَفْرَاءُ - قَوَّمْتُ الْإِزَارَ وَ الرِّدَاءَ بِمِائَةٍ وَ خَمْسِينَ دِينَاراً - وَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ؛ فَدَنَا مِنَّا سَائِلٌ ، فَرَدَدْنَاهُ ، فَدَنَا مِنَ الشَّابِّ ، فَسَأَلَهُ ، فَحَمَلَ شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَ نَاوَلَهُ ، فَدَعَا لَهُ السَّائِلُ ، وَ اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ وَ أَطَالَ ، فَقَامَ الشَّابُّ وَ غَابَ عَنَّا .فَدَنَوْنَا مِنَ السَّائِلِ ، فَقُلْنَا لَهُ : وَيْحَكَ ، مَا أَعْطَاكَ ؟ فَأَرَانَا حَصَاةَ ذَهَبٍ مُضَرَّسَةً - قَدَّرْنَاهَا عِشْرِينَ مِثْقَالاً - فَقُلْتُ لِصَاحِبِي : مَوْلَانَا عِنْدَنَا وَ نَحْنُ لَا نَدْرِي .ثُمَّ ذَهَبْنَا فِي طَلَبِهِ ، فَدُرْنَا الْمَوْقِفَ كُلَّهُ ، فَلَمْ (3) نَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَسَأَلْنَا مَنْ كَانَ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالُوا : شَابٌّ عَلَوِيٌّ يَحُجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَاشِياً .

هديّة:«وافاه»: أتاه ووصل إليه.قال برهان الفضلاء: «وليس عليه» أي على كلّ واحد من الإزار والرداء. وهو كما ترى، وكأنّ ردّ السائل حال بينهما وبين الوصول إلى المراد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي أحمد بن راشد».
2- .في الكافي المطبوع: + «إلى».
3- .في «د»: «و لم».

ص: 549

الباب الثامن والسبعون: باب في النهي عن الاسم

الباب الثامن والسبعون : بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاسْمِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيَّ عليه السلام يَقُولُ : «الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ؟» . فَقُلْتُ : وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» .فَقُلْتُ : فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ ؟ فَقَالَ : «قُولُوا : الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:قد أورد هذا الحديث في الكافي في باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد عليه السلام (2)، وفي هذا الباب.(إنّكم لا ترون شخصه) عامّ، وقد خصّ بالأشخاص والأزمان، أو الحكم أكثريّ أو مقيّد بالغيبة الكبرى بقيد المعرفة حين الرؤية، فلا إشكال، وقد ذكرنا في آخر الباب الرابع والسبعون خلافهم في عموم النهي عن الاسم، وأنّ الأحوط عمومه إلى أوان

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عمّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري».
2- .الكافي، ج 1، ص 328، باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد عليه السلام، ح 13؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 121، ح 862.

ص: 550

الظهور، ويؤيّده ما في بيان التالي.(قولوا: الحجّة من آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله) يعني ونحو ذلك.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيِ (1) ، قَالَ : سَأَلَنِي أَصْحَابُنَا بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام : أَنْ أَسْأَلَ عَنِ الِاسْمِ وَ الْمَكَانِ ، فَخَرَجَ الْجَوَابُ : «إِنْ دَلَلْتُهُمْ عَلَى الِاسْمِ أَذَاعُوهُ ، وَ إِنْ عَرَّفْتُهُمْ (2) الْمَكَانَ دَلُّوا عَلَيْهِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «أن أسأله» بالبارز، والمسؤول عن النسختين: الصاحب عليه السلام، وسائله: أحد سفرائه عليه السلام.(دللتهم) على الخطاب أو المتكلّم، وكذا (عرّفتهم) على التفعيل. في بعض النسخ: «وإن عرفوا المكان» على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من التفعيل.(أذاعوه) يعني فيصير تلك الشهرة فتنة وآفة من السلطان ومن تبعه على الخدم والعيال والشيعة، ولذا قيل: المستفاد من ظاهر التعليل تخصيص النهي عن الاسم بذلك الزمان، لكنّ الصدوق رحمة اللَّه عليه روى في كتاب الغيبة ما يدلّ على استمرار الحكم إلى زمان الظهور، فقد روى بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «سأل عمر أمير المؤمنين عليه السلام عن المهديّ، فقال: يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهديّ ما اسمه؟ قال: أمّا اسمه فلا، إنّ حبيبي وخليلي عَهِد إليَّ أن لا اُحدّث باسمه حتّى يبعثه اللَّه عزّ وجلّ وهو ممّا استودع اللَّه ورسوله في علمه».(3) «وهو ممّا» كلام الباقر عليه السلام. «في علمه» أي في علم وجهه وحكمته.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي عبد اللَّه الصالحي».
2- .في الكافي المطبوع: «عرفوا».
3- .كمال الدين، ج 2، ص 648، ح 3.

ص: 551

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ (1) ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ - وَ سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام - فَقَالَ : «لَا يُرى جِسْمُهُ ، وَ لَا يُسَمَّى اسْمُهُ» .

هديّة:بيانه كنظايره.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ لَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ إِلَّا كَافِرٌ» .

هديّة:قال برهان الفضلاء:لا خصوصيّة لهذا الحديث بهذا الباب إلّا بتكلّف، فانّ المخالفين دأبهم تسمية أئمّتنا عليهم السلام بالاسم من دون كنية أو لقب، وذلك استخفاف وكفر بالولاية، يقول المخالف: قال جعفر كذا، ويقول المؤمن: قال أبو عبداللَّه عليه السلام أو الصادق عليه السلام أو أبو عبداللَّه الصادق عليه السلام أو أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام؛ كما يقول المنافق: قال محمّد، ويقول المؤمن: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، انتهى.أقول: لا تكلّف فيما اختاره ثقة الإسلام قدّس سرّه، فإنّ الأرجح حمل الخبر على الخصوص لذكرهم عليهم السلام أسماءهم كثيراً في أحاديثهم سيّما اسم أمير المؤمنين عليه السلام، على أنّ في بعض الأدعية عنهم عليهم السلام ذكر الصاحب عليه السلام باسمه، فحمل الكافر أيضاً هنا بالشبيه بالكافر في عدم الامتثال في زمن التقيّة أو الغيبة الصغرى أولى، كما يقال: لا يجترئ على هذا الأمر إلّا أسد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن جعفر بن محمّد، عن ابن فضّال».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب».

ص: 552

ويؤيّد ما ذكرنا ما قد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب الغيبة بإسناده، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللَّه عنه قال: سمعت أبا عليّ بن همّام العمري قدّس سرّه يقول: خرج توقيع بخطّه عليه السلام نعرفه: «من سمّاني باسمي في مجمع الناس، فعليه لعنة اللَّه».(1)وأيضاً بإسناده، عن عليّ بن عاصم الكوفي، قال: خرج في توقيعات صاحب الزمان عليه السلام: «ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس».(2)ولا يذهب عليك التنافي بين حمل مثل هذين الحديثين على النهي عن الاسم في الغيبة الصغرى وبين الاحتياط بحمل النهي على العموم والاستمرار إلى زمان الظهور.

.


1- .كمال الدين، ج 2، ص 483، ح 3.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 482، ح 1.

ص: 553

الباب التاسع والسبعون: باب نادر في حال الغيبة

الباب التاسع والسبعون : بَابٌ نَادِرٌ فِي حَالِ الْغَيْبَةِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعِبَادُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ أَرْضى مَا يَكُونُ عَنْهُمْ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَ لَمْ يَعْلَمُوا مَكَانَهُ ، وَ هُمْ فِي ذلِكَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ (2)حُجَّةُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ لَا مِيثَاقُهُ ، فَعِنْدَ ذلِكَ (3)فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ صَبَاحاً وَ مَسَاءً ؛ فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ غَضَبُ اللَّهِ عَلى أَعْدَائِهِ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّتَهُ ، وَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ . وَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَا يَرْتَابُونَ (4) ، وَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَرْتَابُونَ مَا غَيَّبَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَ لَا يَكُونُ ذلِكَ إِلَّا عَلى رَأْسِ شِرَارِ النَّاسِ» .

هديّة:(أقرب) رفع على الابتداء مضافاً إلى (ما) وهي مصدريّة، ومدخولها تامّة فاعله (العباد)، و(من) صلة «الأقرب» ليست تفصيليّة، وهكذا جملة المعطوف على «الأقرب». و«إذ» ظرفٌ خبراً للمبتدأ مضافاً إلى الجملة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عمّن حدّثه، عن المفضّل».
2- .في الكافي المطبوع: «تبطل».
3- .في الكافي المطبوع: «فعندها» بدل «فعند ذلك».
4- .في «د»: - «ولو علم أنّهم يرتابون».

ص: 554

في بعض النسخ: «فعندها» بدل «فعند ذلك».(1)قال برهان الفضلاء:والمراد بالعلم في «يعلمون» العمل بما علم من أنّ الحكم بالظنّ في زمن الغيبة في المختلف فيه خطأ، قال: «ولا ميثاقه» ناظر إلى قوله تعالى في سورة الأعراف: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ»(2).وقد عرفت مراراً أنّ حمل الظنّ الممنوع في كلامه - سلّمه اللَّه - على الرأي والقياس - الممنوعين عندنا وفاقاً - أولى.والفاء في «فعندها»(3) للتفريع، وفي (فإنّ) بيانيّة، فإنّ شدّة الكفر من كفّار زمان دلالة على قوّة الإيمان من مؤمنيه.(فإنّ أشدّ ما يكون) ك «أقرب ما يكون»، في بعض النسخ: «وإنّ أشدّ ما يكون» بالواو.(طرفة عين) قيد لنفي الارتياب، ولا خلاف في فضل الإيمان في غيبة الإمام عليه السلام، وقوله تعالى: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»(4) مفسّر بذلك.والأخبار المناسبة لأخبار الباب كثيرة في كتاب كمال الدِّين وتمام النِّعمة، منها: ما رواه الصدوق رحمة اللَّه عليه بإسناده عن أبي الحسن عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: «أفضل أعمال اُمّتي انتظار فرج اللَّه»(5). وبإسناده عن الرضا عليه السلام قال: «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَانتَظِرُوا إِنِّى مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ»(6) فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجي ء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم».(7)

.


1- .في «د»: - «في بعض النسخ: فعندها بدل فعند ذلك».
2- .الأعراف (7): 169.
3- .ضبطه المصنّف سابقاً: «فعند ذلك».
4- .البقرة (2): 3.
5- .كمال الدين، ج 2، ص 644، ح 3.
6- .الأعراف (7): 71.
7- .كمال الدين، ج 2، ص 645، ح 5.

ص: 555

قوله عليه السلام: «على اليأس» يعني على الإشراف على اليأس، ولعلّ كونهم أصبر لأنّهم أطول عمراً.وفي كشف الغمّة عن عليّ بن الحسين عليهما السلام: «من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه اللَّه أجر ألف شهيد من شهداء بدرٍ واُحد».(1)وعنه عليه السلام: «طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، اُولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّةً ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، هم واللَّه معنا في درجتنا يوم القيامة».(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِ (3) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَيُّمَا أَفْضَلُ : الْعِبَادَةُ فِي السِّرِّ مَعَ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، أَوِ الْعِبَادَةُ فِي ظُهُورِ الْحَقِ (4) وَ دَوْلَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الظَّاهِرِ ؟فَقَالَ : «يَا عَمَّارُ ، الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ وَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ ، وَ كَذلِكَ وَ اللَّهِ عِبَادَتُكُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، وَ تَخَوُّفُكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وَ حَالِ الْهُدْنَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ - عَزَّ ذِكْرُهُ - فِي ظُهُورِ الْحَقِّ مَعَ الإِمَامِ (5) الْحَقِّ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ ، وَ لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ مَعَ الْخَوْفِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ مِثْلَ الْعِبَادَةِ وَ الْأَمْنِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ .وَ اعْلَمُوا : أَنَّ مَنْ صَلّى مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ مُسْتَتِراً بِهَا مِنْ عَدُوِّهِ فِي

.


1- .كشف الغمّة، ج 2، ص 522.
2- .كشف الغمّة، ج 2، ص 524.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن مرداس، عن صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي».
4- .في «الف»: «ظهوره» بدل «ظهور الحقّ».
5- .في الكافي المطبوع: «إمام».

ص: 556

وَقْتِهَا ، فَأَتَمَّهَا(1) ، كَتَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ خَمْسِينَ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ ؛ وَ مَنْ صَلّى مِنْكُمْ صَلَاةً فَرِيضَةً وَحْدَهُ مُسْتَتِراً بِهَا مِنْ عَدُوِّهِ فِي وَقْتِهَا ، فَأَتَمَّهَا ، كَتَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِينَ صَلَاةً فَرِيضَةً وَحْدَانِيَّةً ؛ وَ مَنْ صَلّى مِنْكُمْ صَلَاةً نَافِلَةً لِوَقْتِهَا ، فَأَتَمَّهَا ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ نَوَافِلَ ؛ وَ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ حَسَنَةً ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِشْرِينَ حَسَنَةً ، وَ يُضَاعِفُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِ مِنْكُمْ - إِذَا أَحْسَنَ أَعْمَالَهُ ، وَ دَانَ بِالتَّقِيَّةِ عَلى دِينِهِ وَ إِمَامِهِ وَ نَفْسِهِ ، وَ أَمْسَكَ مِنْ لِسَانِهِ - أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - كَرِيمٌ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ وَ اللَّهِ ، رَغَّبْتَنِي فِي الْعَمَلِ ، وَ حَثَثْتَنِي عَلَيْهِ ، وَ لكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ كَيْفَ صِرْنَا نَحْنُ الْيَوْمَ أَفْضَلَ أَعْمَالًا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الظَّاهِرِ مِنْكُمْ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ ، وَ نَحْنُ عَلى دِينٍ وَاحِدٍ؟فَقَالَ : «إِنَّكُمْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَ إِلَى الصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ ، وَ إِلى كُلِّ خَيْرٍ وَ فِقْهٍ ، وَ إِلى عِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - سِرّاً مِنْ عَدُوِّكُمْ مَعَ إِمَامِكُمُ الْمُسْتَتِرِ ، المُطِيعِينَ (2) لَهُ ، صَابِرِينَ مَعَهُ ، مُنْتَظِرِينَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ ، خَائِفِينَ عَلى إِمَامِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ مِنَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ ، تَنْظُرُونَ إِلى حَقِّ إِمَامِكُمْ وَ حُقُوقِكُمْ فِي أَيْدِي الظَّلَمَةِ قَدْ مَنَعُوكُمْ ذلِكَ ، وَ اضْطَرُّوكُمْ إِلى حَرْثِ الدُّنْيَا وَ طَلَبِ الْمَعَاشِ مَعَ الصَّبْرِ عَلى دِينِكُمْ وَ عِبَادَتِكُمْ وَ طَاعَةِ إِمَامِكُمْ وَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوِّكُمْ ، فَبِذَلِكَ ضَاعَفَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَكُمُ الْأَعْمَالَ ؛ فَهَنِيئاً لَكُمْ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَا نَرى إِذاً أَنْ نَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ عليه السلام ، وَ يَظْهَرَ(3)الْحَقُّ ، وَ نَحْنُ الْيَوْمَ فِي إِمَامَتِكَ وَ طَاعَتِكَ أَفْضَلُ أَعْمَالاً مِنْ أَصْحَابِ دَوْلَةِ الْحَقِّ وَ الْعَدْلِ .فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! أَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْحَقَّ وَ الْعَدْلَ فِي الْبِلَادِ ، وَ يَجْمَعَ

.


1- .في «د»: «و أتمّها».
2- .في الكافي المطبوع: «مطيعين».
3- .في «ألف»: «تظهر».

ص: 557

اللَّهُ الْكَلِمَةَ ، وَ يُؤَلِّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ فِي أَرْضِهِ ، وَ يُقَامَ (1) حُدُودُهُ فِي خَلْقِهِ ، وَ يَرُدَّ اللَّهُ الْحَقَّ إِلى أَهْلِهِ ، فَيَظْهَرَ حَتّى لَا يُسْتَخْفى بِشَيْ ءٍ مِنَ الْحَقِّ ، مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ ؟ أَمَا وَ اللَّهِ يَا عَمَّارُ ، لَا يَمُوتُ مِنْكُمْ مَيِّتٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا إِلَّا كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ كَثِيرٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ ؛ فَأَبْشِرُوا» .

هديّة:(الهدنة) بالضمّ: المصالحة مع الأعداء، والمراد هنا بحال الهدنة زمان ترك أهل الحقّ طلب حقّهم من غاصبيه تقيّةً.«الوحداني» بفتح الواو: نسبة إلى الوحدة بمعنى الانفراد، ويزاد الألف والنون للمبالغة، والتاء في (الوحدانيّة) مصدريّة ليفيد معنى المصدر.قال برهان الفضلاء: المراد بالسبق في قوله: «إنّكم سبقتموهم»، السبق باعتبار المرتبة دون الزمان، قال: «فهنيئاً» نصب بفعل محذوف، والتقدير: فاغتنموا هنيئاً، أي عيشاً هنيئاً.أقول: بل المراد السبق باعتبار الزمان، و«هنيئاً» نصب على أنّه مفعول مطلق لفعل محذوف في جملة دعائيّة، هنؤ الطعام كحسن يهنؤ هناءة بالفتح والمدّ، أي صار هنيئاً.و«ما» في (فما نرى) قيل: نافية وقيل استفهاميّة. وقرأ برهان الفضلاء «ترى» على الخطاب من الإفعال، قال: والمراد هنا الإراءة شيئاً عين القلب، كما في حالة مدح شي ء عند أحد.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ (2) ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ فِي خُطْبَةٍ

.


1- .في الكافي المطبوع: «تقام».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة، عن هشام و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم».

ص: 558

لَهُ : «اللَّهُمَّ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ كُلُّهُ، وَ لَا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ، وَ أَنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلْقِكَ - ظَاهِرٍ لَيْسَ بِالْمُطَاعِ ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ - كَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ ، وَ لَا يَضِلَّ أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ بَلْ أَيْنَ هُمْ ؟ وَ كَمْ ؟ أُولئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً ، وَ الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ - قَدْراً ، الْمُتَّبِعُونَ لِقَادَةِ الدِّينِ ، الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ ، الَّذِينَ يَتَأَدَّبُونَ بِآدَابِهِمْ ، وَ يَنْهَجُونَ نَهْجَهُمْ ؛ فَعِنْدَ ذلِكَ يَهْجُمُ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ ، فَتَسْتَجِيبُ أَرْوَاحُهُمْ لِقَادَةِ الْعِلْمِ ، وَ يَسْتَلِينُونَ مِنْ حَدِيثِهِمْ مَا اسْتَوْعَرَ عَلى غَيْرِهِمْ ، وَيَأْنَسُونَ بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُمْ (1)الْمُكَذِّبُونَ، وَ أَبَاهُ الْمُسْرِفُونَ، أُولئِكَ أَتْبَاعُ الْعُلَمَاءِ، صَحِبُوا أَهْلَ الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - وَ أَوْلِيَائِهِ ، وَ دَانُوا بِالتَّقِيَّةِ عَنْ دِينِهِمْ ، وَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَأَرْوَاحُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَلاَ(2) الْأَعْلى ، فَعُلَمَاؤُهُمْ وَ أَتْبَاعُهُمْ خُرْسٌ ، صُمْتٌ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، يَنْتَظِرُونَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ ، وَ سَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ، وَ يَمْحَقُ الْبَاطِلَ ، هَاه ، هَاه (3)؛ طُوبى لَهُمْ عَلى صَبْرِهِمْ عَلى دِينِهِمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ ، وَ يَا شَوْقَاهْ إِلى رُؤْيَتِهِمْ فِي حَالِ ظُهُورِ دَوْلَتِهِمْ ، وَ سَيَجْمَعُنَا اللَّهُ وَ إِيَّاهُمْ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَ أَزْوَاجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ» .

هديّة:(يأرز) - بتقديم المهملة كنصر وضرب - في حجره أو في بيته: يختفي بحيث ينضمّ بعضه إلى بعض للاختفاء.قال ابن الأثير في نهايته: وفيه: «أنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحيّة إلى حجرها» أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.(4)(موادّه): جمع مادّة، أي أُصوله ومأخذه، ومنها: محكمات الكتاب والسنّة.(لا تخلى) من الإفعال أو التفعيل.

.


1- .في الكافي المطبوع: «منه».
2- .في الكافي المطبوع: «بالمحلّ».
3- .في الكافي المطبوع: «ها ها».
4- .النهاية، ج 1، ص 37 «أرز».

ص: 559

(مغمور): مستور، وفي بعض النسخ: «مغمود» بالدال، أي مختفي، كالسيف في غمده. في بعض النسخ: «حجّتك» مكان (حججك) على الجمع.و«القادة»: السّادة.«نهج» كمنع: سلك طريقاً واضحاً.(يهجم بهم العلم) كنصر: يرد عليهم من حيث لا يحتسبون.«يستجيب»: يطيع.«استلانه»: عدّه ليّناً.(ما استوعر) على المجهول: ما استصعب.(بطاعة اللَّه تبارك وتعالى) نصٌّ في أنّ المصاحبة مع غير المؤمن تقيّةً طاعةٌ مرضيّة مقبولة.(عن دينهم) أي ذابّين عنه أو الظرف صلة التقيّة.في بعض النسخ: «بالمحلّ الأعلى». و«الملأ»: الجماعة، ويطلق على المجمع أيضاً، والمراد خِدْمة الإمام عليه السلام وقربه.وقال بعض المعاصرين: يعني متوجّهة إلى مشاهدة جمال حضرة الربوبيّة،(1) فلو كان يتمّ الكلام بنحو قولنا: جمال اللَّه جمال حججه عليهم السلام.في بعض النسخ: «منتظرون» بالميم.(هاه هاه) بهاء السكت، ساكنة أو مفتوحة، و«هاها» بدونها، يُقال إظهاراً للشوق والتكرار تأكيد. و«ها» لها مقامات تكون للتنبيه، واسماً للفعل بمعنى خذ، وغير ذلك ممّا فصّل في كتب العربيّة.(ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم) ناظر إلى آية سورة المؤمن.(2)

.


1- .الوافي، ج 2، ص 411، ذيل ح 913.
2- .غافر (40): 8.

ص: 560

الباب الثمانون: باب في الغيبة

الباب الثمانون : بَابٌ فِي الْغَيْبَةِوأحاديثه كما في الكافي إحدى وثلاثون:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ خَالِدٍ(1) ، عَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جُلُوساً ، فَقَالَ لَنَا : «إِنَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِلْقَتَادِ - ثُمَّ قَالَ هكَذَا بِيَدِهِ - فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ الْقَتَادِ بِيَدِهِ ؟»ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيّاً ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدٌ ، وَ لْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ».

هديّة:«الجلوس»: جمع جالس.(لصاحب هذا الأمر) أي لصاحبه في ظهوره بظهور دولة الحقّ ونوبتها.(ثمّ قال) أي أشار، وهذا أحد معاني «قال»، يعني ثمّ أشار بيده بجذبها من فوقٍ إلى سفلٍ.و(القتاد) كسحاب: شجر شوكه صلب كالاٍبرة، و«الخرط»: انتزاع الورق باليد بمجموعها اجتذاباً، و«خرط القتاد» و«خارط القتاد»: يضرب مثلاً لكلّ أمرٍ صعب، ومن ارتكب له.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، والحسن بن محمّد جميعاً، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن صالح بن خالد».

ص: 561

(مليّاً) أي ساعة طويلة أو زماناً طويلاً.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ ، لَا يُزِيلَنَّكُمْ (2)عَنْهَا أَحَدٌ ؛ يَا بُنَيَّ ، إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتّى يَرْجِعَ عَنْ هذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - امْتَحَنَ بِهَا خَلْقَهُ ، لَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَ أَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هذَا ، لَاتَّبَعُوهُ».قَالَ : فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، مَنِ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ؟ فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هذَا ، وَ أَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ ، وَ لكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ» .

هديّة:قيل: الظاهر زيادة «عن أبيه» بعد (موسى بن جعفر)، وعلى المضبوط من دون إسقاطٍ، ف (يا بنيّ) إمّا على التصغير، فخطاب للأخ باسم الابن، أو على الجمع بقرينة ضماير الجمع فيما يأتي، ولا مانع من وحدة السائل وتعدّد المخاطب بالجواب.(اللَّه) نصب بتقدير «اتّقوا» أو ما يفيد معناه ممّا يفيد التحذير، والتكرار تأكيد.في بعض النسخ: «من غيبة» بدون الضمير، (حتّى يرجع) يحتمل الرفع والنصب.(أصحّ من هذا) أي من الإسلام الذي من أركانه (3) وجوب وجود المعصوم لدين اللَّه ما دامت الدنيا.(آباؤكم) إلى إبراهيم عليه السلام، بل إلى آدم عليه السلام.(أحلامكم) أي حواصلكم، جمع الحلم بالكسر، وهو العقل والأناة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن جعفر».
2- .في الكافي المطبوع: «لا يزيلكم».
3- .في «الف»: + «معرفة».

ص: 562

(عن هذا) أي عن وصف شأنه بطول غيبته للامتحان بسرّ حكمته.والاستدراك كناية عن تحقّق الوقوع والحثّ على الاعتقاد بذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَاوِرِ(1) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِيَّاكُمْ وَ التَّنْوِيهَ ، أَمَا وَ اللَّهِ لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ ، وَ لَتُمَحَّصُنَّ حَتّى يُقَالَ : مَاتَ ؟ قُتِلَ ؟ هَلَكَ ؟ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ ؟ وَ لَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ لَتُكْفَؤُنَّ كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ ، فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُ ، وَ كَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ ، وَ أَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ ، وَ لَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ» .قَالَ : فَبَكَيْتُ ، ثُمَّ قُلْتُ : فَكَيْفَ يَصْنَعُ (2) ؟ قَالَ : فَنَظَرَ إِلى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ ، فَقَالَ : «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، تَرى هذِهِ الشَّمْسَ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «وَ اللَّهِ ، لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هذِهِ الشَّمْسِ» .

هديّة:نوّه باسمه تنويهاً: رفع ذكره وشهّره.(ليغيبنّ) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من التفعيل .والثاني أولى؛ لوجوه ظاهرة للفطن.(سنيناً) بالتنوين كما هو المضبوط، قال: المكوّدي في شرحه على ألفيّة ابن مالك: قد يستعمل باب سنين استعمال «حين»،(3) فلزم فيه الياء ويعرب بالحركات الثلاث في النون ولا يحذف النون للإضافة، ومنه قوله صلى اللَّه عليه وآله: «اللّهمَّ اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف»(4) في إحدى الروايتين.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نجران، عن محمّد بن المساور».
2- .في الكافي المطبوع: «نصنع».
3- .راجع شرح ابن عقيل، ج 1، ص 62.
4- .الخرائج والجرائح، ص 116؛ قرب الإسناد، ص 126.

ص: 563

وقرأ برهان الفضلاء: «سنيناً» بفتح السين من السنّ بالفتح أيضاً، قال: يُقال: سنّ الإبل كمدّ ساقه بسرعة، فالسنين فعيل بمعنى المفعول، أي مطروداً بطرد الأعداء له عليه السلام.و«التمحيص»: الابتلاء والاختبار. وقرأ برهان الفضلاء على الغائب المعلوم من باب منع، من المحص وهو عَدْو الغزال، والمراد الفرار من الأعداء، والنون على القراءتين للتأكيد.«دمعت عينه» كمنع.«تكفأ» على المجهول من الإفعال، أي تقلب، يعني أنتم أو المؤمنون تقلبون كما تقلب السفينة في الأمواج، والمراد شدّة الاضطراب.و«الرايات المشتبهات»: من أعلام ظهور القائم عليه السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «مشتبهة» بفتح المفردة، على اسم المكان وكونها محالّ الاشتباه؛ لادّعائهم ظاهراً خلاف ما في قلوبهم، كادّعاء بعض الصوفيّة القدريّة التشيّع؛ فالمراد بها صاحبها.(أيّ من أيّ) يعني لا يدرى أيّ من الحقّ وأيّ من الباطل.وفي إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنى عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه».(1)(لا يدرى) على المجهول، (أيّ) مبتدأ، لا نائب الفاعل لمنع الاستفهام من أعمال أفعال القلوب.(فكيف يصنع) على الغائب المجهول أو المتكلّم مع الغير.(أبين من هذه الشمس) أي لكلّ مبصر، فالعدوان من خبث الولادة، فإنّ عداوة الحرباء - بالكسر والمدّ - للشمس ليست لإنكارها نورانيّتها، بل ناشئة من طينتها.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ فَضَالَةَ(2) ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 372.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب».

ص: 564

يَقُولُ : «إِنَّ فِي صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ شَبَهاً مِنْ يُوسُفَ عليه السلام». قَالَ : قُلْتُ لَهُ : كَأَنَّكَ تَذْكُرُ حَيَاتَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ ؟قَالَ : فَقَالَ لِي : «وَ مَا تُنْكِرُ(1) مِنْ ذلِكَ هذِهِ الْأُمَّةُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ ؟! إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ ، تَاجَرُوا يُوسُفَ وَ بَايَعُوهُ وَ خَاطَبُوهُ وَ هُمْ إِخْوَتُهُ وَ هُوَ أَخُوهُمْ ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ حَتّى قَالَ : أَنَا يُوسُفُ وَ هذَا أَخِي ، فَمَا تُنْكِرُ هذِهِ الْأُمَّةُ الْمَلْعُونَةُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِحُجَّتِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ ؟إِنَّ يُوسُفَ عليه السلام كَانَ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ ، وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ وَالِدِهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ لَقَدَرَ عَلى ذلِكَ ، لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ عليه السلام وَ وُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلى مِصْرَ ، فَمَا تُنْكِرُ هذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِحُجَّتِهِ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ أَنْ يَمْشِيَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَ يَطَأَ بُسُطَهُمْ ، حَتّى يَأْذَنَ اللَّهُ فِي ذلِكَ (2) كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ عليه السلام : «قَالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ»(3) .

هديّة:(حياته أو غيبته) الشكّ من فضالة أو الراوي عنه. وقرأ برهان الفضلاء: «حبوته» بالمفردة، أي العطاء من غير عوض، قال: والمراد هنا السلطنة مستقلّاً.(وما تنكر من ذلك) أي من غيبته في حياته على الاستفهام التعجّبي.و«السبط» بالكسر: ولد الولد، ف (أولاد الأنبياء) عطف بيان. وقال برهان الفضلاء: و«الأسباط» هنا جمع سبط بالتحريك، وهو كالصنو، أي الأغصان من أصلٍ واحد. وفي النهاية الأثيريّة: «السبط»: ولد الولد والاُمّة، والأسباط في أولاد إسحاق بمنزلة القبائل في أولاد إسماعيل.(4)

.


1- .في الكافي المطبوع: «ينكر».
2- .في الكافي المطبوع: + «له».
3- .يوسف (12): 90.
4- .النهاية، ج 2، ص 334 (سبط).

ص: 565

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ(1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ» . قَالَ : قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : «يَخَافُ» وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، وَ هُوَ الْمُنْتَظَرُ ، وَ هُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِهِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَاتَ أَبُوهُ بِلَا خَلَفٍ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : حَمْلٌ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسَنَتَيْنِ ؛ وَ هُوَ الْمُنْتَظَرُ ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ ، فَعِنْدَ ذلِكَ يَرْتَابُ الْمُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْ ءٍ أَعْمَلُ ؟قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، إِذَا أَدْرَكْتَ ذلِكَ الزَّمَانَ ، فَادْعُ بِهذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».ثُمَّ قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ غُلَامٍ بِالْمَدِينَةِ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَ لَيْسَ يَقْتُلُهُ جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ ؟ قَالَ : «لَا ، وَ لكِنْ يَقْتُلُهُ جَيْشُ آلِ بَنِي فُلَانٍ ، يَجِي ءُ حَتّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ ، فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ فَيَقْتُلُهُ ، فَإِذَا قَتَلَهُ بَغْياً وَ عُدْوَاناً وَ ظُلْماً ، لَا يُمْهَلُونَ ؛ فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَقُّعُ الْفَرَجِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(يخاف) أي من القتل.(وأومأ بيده إلى بطنه) قيل: يعني إلى جسده، وقال برهان الفضلاء: يعني إلى أنّ عدوّه من صلبي، وهو جعفر الكذّاب، وهو منشأ الفساد الموجب أوّلاً للغيبة، وسيجي ء تفسيره بقوله: «يعني القتل»(2) ولا مانع من الجمع.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد اللَّه بن موسى، عن عبد اللَّه بن بكير».
2- .الحديث 9 من هذا الباب.

ص: 566

(حمل) أي مات أبوه وهو حمل، ويحتمل «حمل» على ما لم يسمّ فاعله من باب ضرب، والمعنى واحد؛ صرّح به برهان الفضلاء وقال: إذ المصدر أيضاً هنا بمعنى المفعول.(وهو المنتظر، غير أنّ اللَّه عزّ وجلّ) من كلام القائل الأخير، وهو حقّ عند جماعة من العصابة، وستعرف الاختلاف في أبواب التاريخ في سنّه عليه السلام عند مضيّ أبيه عليهما السلام، وهذا الحديث لا يقيم حجّة لهم؛ لما لا يخفى.ليس في بعض النسخ بعد (المبطلون يا زرارة) إلى قوله: (أيّ شي ء أعمل).(ضللت): كعلم، على لغة أهل العالية في الماضي، وكضرب، على لغة أهل نجد، قال الجوهري: وهي الفصيحة، قال اللَّه تعالى: «قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي»(1)، وأهل العالية يكسرون اللام في الماضي ويفتحون الضاد في المضارع.(2)«سفيان»: مثلّثة السين. ويستفاد من قوله عليه السلام في حديث الروضة بعد حديث يأجوج: «فيبتدر الحسنى إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكّة فيقتلونه»(3) أن يكون الغلام من بني الحسين، ويكون «بنو فلان» عبارة عن بني الحسن، و«الآل» يقال للعالي أيضاً؛ لأنّه يقال للأرفع من أعضاء الإبل أيضاً، قال: بني فلان يعني سيّدهم في زمانه، فالحسني قاتل بالمدينة مقتول بمكّة. قال برهان الفضلاء:والسفياني نسبة إلى سفيان، وهو اسم مشترك بين جماعة، منهم سفيان الثوري من الصوفيّة القدريّة، وفي الحديث: أنّ اسم السفياني عثمان، والمشهور أنّه من بني اُميّة.(توقّع الفرج) يحتمل الأمر والمصدر. وفي إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه بسند متّصل قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «ليس بين قيام القائم وبين قتل النفس الزكيّة أكثر من خمسة عشر ليلة».(4)

.


1- .سبأ (34): 50.
2- .لم نعثر عليه ولكن انظر: لسان العرب، ج 11، ص 390 (ضلل).
3- .الكافي، ج 8، ص 225، ح 285؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 15، ص 515، ح 15101.
4- .الإرشاد، ج 2، ص 374.

ص: 567

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ(1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «يَفْقِدُ النَّاسُ إِمَامَهُمْ ، يَشْهَدُ الْمَوْسِمَ ، فَيَرَاهُمْ ، وَ لَا يَرَوْنَهُ» .

هديّة:الموقف في موسم الحجّ. قال برهان الفضلاء: يعني في غيبته الصغرى؛ للحديث الآتي وفيه: «أنّ للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه».(2)أقول: يعني في الكبرى؛ لما ثبت من رؤيته في الصغرى، ولحديث إسحاق بن عمّار الآتي في هذا الباب.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ(3) ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَوَجَدْتُهُ مُتَفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا لِي أَرَاكَ مُتَفَكِّراً تَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ ؟ أَ رَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا ؟فَقَالَ : «لَا وَ اللَّهِ ، مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَ لَا فِي الدُّنْيَا يَوْماً قَطُّ ، وَ لكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ مِنْ ظَهْرِي، يَكُونُ مِنْ ظَهْرِ(4) الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي ، هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً(5) ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، يَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَ حَيْرَةٌ ، يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ ، وَ يَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللَّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة».
2- .الحديث 12 من هذا الباب.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن عبد اللَّه بن محمّد بن خالد، قال: حدّثني منذر بن محمّد بن قابوس، عن منصور بن السندي، عن أبي داود المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة».
4- .في الكافي المطبوع: «في مولود يكون من ظهري» بدل «في مولود من ظهري يكون من ظهر».
5- .في الكافي المطبوع: «عدلاً و قسطاً» بدل «قسطاً و عدلاً».

ص: 568

فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ كَمْ تَكُونُ الْحَيْرَةُ وَ الْغَيْبَةُ ؟ قَالَ : «سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ» .فَقُلْتُ : وَ إِنَّ هذَا لَكَائِنٌ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ ، كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ ، وَ أَنّى لَكَ بِهذَا الْأَمْرِ يَا أَصْبَغُ ، أُولئِكَ خِيَارُ هذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ خِيَارِ أَبْرَارِ هذِهِ الْعِتْرَةِ».فَقُلْتُ : ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ ؟ فَقَالَ : «ثُمَّ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ؛ فَإِنَّ لَهُ بَدَاءَاتٍ وَ إِرَادَاتٍ ، وَ غَايَاتٍ وَ نِهَايَاتٍ» .

هديّة:نكت في الأرض - كنصر - بإصبعه أو برأس عود: ضرب فأثّر فيها.ليس في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : (من ظهري). قال: «من ظهر الحادي عشر من ولدي» بتقدير «من ظهري»، و«الحادي عشر»: مبتدأ، و«من ولدي»؛ حال أو صفة «الحادي عشر»، ثمّ احتمل إضافة «الظهر» إلى «الحادي عشر»، أي الإمام الحادي عشر، وكون «من ولدي» صفة للمولود، ومتعلّقاً بالمهدي. والواو في (وحيرة) بمعنى «مع»، والحيرة إنّما هي من الرعيّة. وجملة (يضلّ) صفة للحيرة، ولعلّ الستّ مدّة الغيبة عن الجميع في مبدأ الصغرى. يحتمل أن يكون الواو في (والغيبة) بمعنى «مع» فيقرأ بالنصب، فالمراد السؤال عن مدّة الحيرة لا مدّة الغيبة؛ صرّح به برهان الفضلاء وقال: ولذا عكس الترتيب الأوّل، فلو كانت الواو للعطف، فالسؤال عن مدّة المجموع من حيث المجموع، والمعنى واحد، والترديد لتقسيم المؤمنين باعتبار الحيرة، أو الشكّ من الراوي.(كما أنّه مخلوق) يعني كأنّه مخلوق بالفعل، أو المعنى :كما لا شكّ عند كونه مخلوقاً لا شكّ قبل ذلك أيضاً.(قال: ستّة أيّام) قال الفاضل الاسترآبادي:يعني آحاد مدّة الغيبة، فالظهور في السابع وهو الفرد؛ ليوافق الأحاديث الدالّة على أنّ الظهور في فرد من السنين، سواء كان من آحاد العشرات والمئات والاُلوف، والمراد ما

.

ص: 569

قدّر للغيبة القصرى وأنّى لك بهذا الأمر، يعني معرفة مرتبة شأنهم، انتهى.(1)وقال بعض المعاصرين:وإنّما حدّ الحيرة والغيبة بالستّ مع أنّ الأمر زاد على الستمائة لدخول البداء في أفعال اللَّه سبحانه كما أشار إليه عليه السلام بقوله: «يفعل اللَّه ما يشاء» يدلّ على ذلك رواية الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ وقّت هذا الأمر في السبعين، فلمّا قتل الحسين عليه السلام أخّره إلى أربعين ومائة» الحديث.(بداءات) يعني بداءة بعد بداءة غيرها، وكذا «الإرادات» و«الغايات»، انتهى.ليس «بداءات» جمع بداءة، بل جمع بداء، والتاء في بداءة لا معنى لها إلّا أن تكون للوحدة، والمصدر «بداء» بالفتح والمدّ، ولم يسمع بداءة، والجمع المؤنّث إذا كان مع المدّ على ثلاثة أقسام: إمّا همزته أصليّة، فيجب إبقاء الهمزة كقراءات، أو زائدة، فيجب قلبها بالواو كصحراوات، وإمّا منقلبة عن الواو والياء، فجائز إبقاء الهمزة كبداءات وقلبها بالواو كبداوات.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ(2) ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّمَا نَحْنُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ ، حَتّى إِذَا أَشَرْتُمْ بِأَصَابِعِكُمْ وَ مِلْتُمْ بِأَعْنَاقِكُمْ ، غَيَّبَ اللَّهُ عَنْكُمْ نَجْمَكُمْ ، فَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمْ يُعْرَفْ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ ، فَإِذَا طَلَعَ نَجْمُكُمْ فَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ» .

هديّة:قد يطلق النجوم على البروج الاثنى عشر - كما هنا - تعبيراً عن صاحب العلامة بها.(حتّى إذا أشرتم بأصابعكم) أي إلى إمامكم، وكذا (وملتم بأعناقكم) أي إلى إمامكم، فكناية عن ظهور دلائل الحقّيّة وشيوعها بتواتر الطلوع بذلك الامتياز حسباً ونسباً.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 160 مع اختلاف.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير».

ص: 570

وقال برهان الفضلاء: يعني حتّى إذا جعلتم إمامكم مشاراً إليه بالأصابع، وملتم بأعناقكم من ظلم الظَّلمة والطواغيت.(فاستوت) أي استولت، كما مرّ من تفسير استوى باستولى، والمراد بنو العبّاس، وقيل: يعني في عدم كونهم إماماً.(فلم يعرف أيّ من أيّ)، قال الفاضل الاسترآبادي: فإنّ أهل الخلاف والزيديّة يقولون هو محمّد بن عبداللَّه، ثمّ اختلفوا في أنّه هو حسنيّ أو حسينيّ.(1)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ(2) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلْقَائِمِ عليه السلام غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ». قال:(3)قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : «إِنَّهُ يَخَافُ» وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ ، يَعْنِي الْقَتْلَ .

هديّة:التفسير من زرارة أو الراوي عنه.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(4) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَةٌ ، فَلَا تُنْكِرُوهَا» .

هديّة:أي فلا تكونوا كالمعترض على الشيعة بأنّ غيبة الإمام تعطيل اللطف، واستمرار اللطف واجب عندكم، وتوقيع الصاحب عليه السلام في جواب مثل الشبهة - بأنّ ضوء النهار من

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 161.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن ابن بكير».
3- .في الكافي المطبوع: - «قال».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 571

الشمس وإن كان يوم غيم، وللَّه سبحانه في ذلك حِكَم ومصالح، وهو لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون - مشهور.(1)

الحديث الحادي عشر روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَبَّادٍ الْأَنْمَاطِيِ (2) ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ أُنَاسٌ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذلِكَ غَيْرِي ، فَقَالَ : «أَمَا وَ اللَّهِ لَيَغِيبَنَّ عَنْكُمْ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ، وَ لَيَخْمِلَنَّ حَتّى يُقَالَ : مَاتَ ؟ هَلَكَ ؟ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ ؟! وَ لَتُكْفَؤُنَّ كَمَا تُكْفَأُ السَّفِينَةُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ ، لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُ ، وَ كَتَبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ ، وَ أَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ ، وَ لَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ».قَالَ : فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ : «مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟» . فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَيْفَ لَا أَبْكِي وَ أَنْتَ تَقُولُ : «اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ ؟!» قَالَ : وَ فِي مَجْلِسِهِ كَوَّةٌ تَدْخُلُ مِنهَا(3) الشَّمْسُ ، فَقَالَ : «أَ بَيِّنَةٌ هذِهِ ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «أَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هذِهِ الشَّمْسِ» .

هديّة:بيان أكثر فقراته كما في هديّة الحديث الثالث.(أراد بذلك غيري) قيل: أي بالخطاب بقوله: (أما واللَّه). وقال برهان الفضلاء: إشارة إلى المذكور سابقاً المطويّ هنا، وهو قوله عليه السلام في الحديث الثالث: «إيّاكم والتنويه»، قال: يعني ثمّ ظهر أنّ قصده عموم الخطاب.و«الخمول»: الخفاء، خمل كنصر.و«الكوّة» بالفتح والتشديد: ثقب البيت، وبالضمّ لغة.

.


1- .كمال الدين، ج 2، ص 483؛ الاحتجاج، ج 2، ص 469؛ وعنه في البحار، ج 53، ص 180، ح 10.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن إبراهيم بن خلف بن عبّاد الأنماطي».
3- .في الكافي المطبوع: «فيها».

ص: 572

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ(1) ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لِلْقَائِمِ عليه السلام غَيْبَتَانِ ، يَشْهَدُ فِي إِحْدَاهُمَا الْمَوَاسِمَ ، يَرَى النَّاسَ ، وَ لَا يَرَوْنَهُ» .

هديّة:(يرى الناس) حال من فاعل (يشهد).(غيبتان): صغرى وكبرى.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ(2) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام تَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلَامِ ، وَ حُفِظَ عَنْهُ ، وَ خَطَبَ بِهِ عَلى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ : «اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ حُجَجٍ فِي أَرْضِكَ ، حُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ عَلى خَلْقِكَ ، يَهْدُونَهُمْ إِلى دِينِكَ ، وَ يُعَلِّمُونَهُمْ عِلْمَكَ ، كَيْلَا يَتَفَرَّقَ أَتْبَاعُ أَوْلِيَائِكَ ، ظَاهِرٍ غَيْرِ مُطَاعٍ ، أَوْ مُكْتَتَمٍ يُتَرَقَّبُ ، إِنْ غَابَ عَنِ النَّاسِ شَخْصُهُمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ ، فَلَمْ يَغِبْ عَنْهُمْ قَدِيمُ مَبْثُوثِ عِلْمِهِمْ ، وَ آدَابُهُمْ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مُثْبَتَةٌ ، فَهُمْ بِهَا عَامِلُونَ».وَ يَقُولُ عليه السلام فِي هذِهِ الْخُطْبَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : «فِيمَنْ هَذَى (3) ؟ وَ لِهذَا يَأْرِزُ الْعِلْمُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَمَلَةٌ يَحْفَظُونَهُ ، وَ يَرْوُونَهُ كَمَا يَسْمَعُونَهُ (4) مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَ يَصْدُقُونَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ؛ اللَّهُمَّ فَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ كُلُّهُ ، وَ لَا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ ، وَ إِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلْقِكَ ، ظَاهِرٍ لَيْسَ بِالْمُطَاعِ ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ ؛ كَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ ، وَ لَا يَضِلَّ أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسن بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللَّه بن بكير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد و محمّد بن يحيى و غيره، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي حمزة».
3- .في الكافي المطبوع: «هذا».
4- .في الكافي المطبوع: «سمعوه».

ص: 573

إِذْ هَدَيْتَهُمْ ، بَلْ أَيْنَ هُمْ ؟ وَ كَمْ هُمْ ؟ أُولئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً ، الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً» .

هديّة:بيان أكثر فقراته كما في هديّة الحديث الآخر من الباب السابق.في بعض النسخ: «أتباع اُولئك» مكان (أتباع أوليائك)، وفي بعض آخر: «أتباع نبيّك».و(المبثوث): المنتشر.و(آدابهم) رفع على الابتداء، والواو ابتدائيّة.(فيمن هذى) في ذمّ من شأنه الهذيان في معارف الدِّين كالصوفيّة القدريّة المصرّحين بحقّية شرع الحكيم المكفّر لمن قال بمقالة مثل الحلّاج والرومي والبسطامي، ثمّ بحقّية تلك المقالة وكون صاحبها من أولياء اللَّه، بل من القطرات المتّصلة ببحرها صائرة عينها، وأمثال هذا الهذيان كثير في كتب محقّقيهم الواصلة لكن إلى جهنّم وبئس المصير.في بعض النسخ: «كما سمعوه» على الماضي.صدق عليه في القول كنصر.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(1) ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ» قَالَ : «إِذَا غَابَ عَنْكُمْ إِمَامٌ (2) ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ جَدِيدٍ؟» .

هديّة:الميم في (معين) في آية سورة الملك (3) إن كانت أصليّة، فبمعنى الجديد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم بن معاوية البجليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع: «إمامكم».
3- .الملك (67): 30.

ص: 574

والمستأنف، وإن كانت زائدة، فبمعنى المبصر والمرئي؛ قاله برهان الفضلاء. وقال الجوهري: ماء معين، أي جارٍ، ثمّ قال: يُقال هو مفعول من عنت الماء إذا استنبطته.(1)

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ (2) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِكُمْ غَيْبَةٌ ، فَلَا تُنْكِرُوهَا» .

هديّة:بيانه كمثله وهو الحديث العاشر.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ ، وَ لَا بُدَّ لَهُ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ عُزْلَةٍ ، وَ نِعْمَ الْمَنْزِلُ طَيْبَةُ ، وَ مَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ» .

هديّة:«العزلة» بالضمّ، و«الطيبة» بالفتح وسكون الخاتمة: اسم المدينة الطيّبة المنوّرة.و«الثلاثون» كما قال برهان الفضلاء، هم النطسة، ثلاثون من خواصّ العصابة يكونون أبداً في خدمته عليه السلام في حوالى المدينة من جانب مكّة، إذا مات أحدهم يقام مقامه آخر مثله في مرتبته. ويذكر معنى النطسة في هديّة التالي بمزيد بيان للمقام.وقال الفاضل الاسترآبادي رحمة اللَّه عليه في بيان آخر الحديث: يعني كان طيبة منزله عليه السلام، وكان يستأنس بثلاثين رجلاً من أوليائه، ويحتمل أن يكون هذا في الغيبة الصغرى.(4)

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 2205 (معن).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
4- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 161.

ص: 575

وقال بعض المعاصرين: كأنّه إشارة إلى الغيبة القصرى إذ في الطولى لا سبيل للشيعة إليه، ثمّ قال: يعني إذا اعتزل عليه السلام فيها ومعه ثلاثون من شيعته، فلا وحشة.(1)

الحديث السابع عشرروى في الكافي بهذا الإسناد عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا وَقَعَتِ الْبَطْشَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ ، فَيَأْرِزُ الْعِلْمُ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا ، وَ اخْتَلَفَتِ الشِّيعَةُ ، وَ سَمّى بَعْضُهُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ ، وَ تَفَلَ بَعْضُهُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا عِنْدَ ذلِكَ مِنْ خَيْرٍ ، فَقَالَ لِي : «الْخَيْرُ كُلُّهُ عِنْدَ ذلِكَ» ثَلَاثاً .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «إذا وقعت النطسة» بالنون والمهملتين، جمع ناطس وهو الجاسوس، ومن له حظّ وافر من البصيرة في الاُمور، وهم ثلاثون من خواصّ الشيعة يكونون في خدمة الصاحب عليه السلام في غيبته بإذن اللَّه تعالى، ومقامهم فيما بين الحرمين قرب المدينة، وقيل: داخل المدينة، وقيل: في الروحا بالضمّ والقصر فيما بين المسجدين، إذا مات واحد منهم يقام مثله من العصابة مقامه بإذن اللَّه تعالى. وقول الصوفيّة القدريّة برجال الغيب وأنّهم أربعون من المرتاضين الواصلين مأخوذٌ من مثله، ألا ترى كلّ مدّع لحقّية بدعة يدّعي وليس باطله إلّا مخلوطاً بشي ء ظاهراً من الحقّ.وضبط بعض المعاصرين «البطشة» كما هو الأكثر، وقال: «البطشة»: السطوة والأخذ بالعنف، فكأنّها إشارة إلى واقعة قبل غيبته الكبرى، وقيل: بل إلى التي لم تقع بعد، وهي من علامات الظهور.وقال برهان الفضلاء: وضبط مولانا محمّد أمين الاسترآبادي «البطشة» بالمفردة والشين المعجمة، وقال: كأنّه إشارة إلى خسف السفياني، وهو تصحيف سيّما بناء

.


1- .الوافي، ج 2، ص 415، ذيل ح 925.

ص: 576

على حمله إيّاها على واقعة السفياني ونحوها من العلامات المقارنة للظهور؛ لعدم تناسبه لتتمّة الحديث.(ما عند ذلك) استفهاميّة، فمن للتبعيض، أو نافية، فمن زائدة، وإنّما يكون الخير كلّه في غيبة الإمام لتضاعف الحسنات فيها وفضل الإيمان بالغيب فشرّيّتها للمرتابين وخيريّتها للمؤمنين الصابرين المنتظرين فرجهم بإذن اللَّه سبحانه.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى (1) ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ؛ إِنَّهُ يَخَافُ» وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ ، يَعْنِي الْقَتْلَ .

هديّة:بيانه كالحديث التاسع.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَن السرّاد(2)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لِلْقَائِمِ عليه السلام غَيْبَتَانِ : إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ ، وَ الْأُخْرى طَوِيلَةٌ ؛ الْغَيْبَةُ الْأُولى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِهِ ، وَ الْأُخْرى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيهِ» .

هديّة:لعلّ المراد ب «خاصّة شيعته» سفراؤه، وب «الموالي» الذين يخدمونه في بلدته الغائبة عن الأنظار كالنطسة فيما بين الحرمين وهم ثلاثون، فإنّ المشهور أنّ الشيعة ليس لهم سبيل إليه عليه السلام في الغيبة الطولى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «و بهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عيسى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار».

ص: 577

وكان له عليه السلام في الغيبة القصرى سفراء يخرج إلى الشيعة بأيديهم توقيعات، ومعظم السفراء أربعة، وكان أوّلهم الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، فلمّا حضره ما حضره أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ، فلمّا حضرت وفاة السمري سئل أن يوصي، فقال: للَّه أمر هو بالغه، فالغيبة الكبرى هي التي وقعت بعد مضيّ السمري، وقد روي أنّه خرج توقيع منه صلوات اللَّه عليه إلى السمري في سنة كان يموت فيها: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم عليّ بن محمّد السّمري أعظم اللَّه أجر إخوانك فيك. فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلّا بإذن اللَّه عزّ وجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمَن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر؛ ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم».(1)

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ عَمِّهِ (2)، عَنْ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَانِ : إِحْدَاهُمَا يَرْجِعُ مِنْهَا إِلى أَهْلِهِ ، وَ الْأُخْرى يُقَالُ : هَلَكَ ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ».قُلْتُ : كَيْفَ نَصْنَعُ إِذَا كَانَ كَذلِكَ ؟ قَالَ : «إِذَا ادَّعَاهَا مُدَّعٍ ، فَاسْأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ يُجِيبُ فِيهَا مِثْلَهُ» .

هديّة:(يرجع) أي في بعض الأحيان، وجملة (يجيب) صفة ل «لأشياء».

.


1- .الغيبة للطوسي، ص 395؛ كمال الدين، ج 2، ص 516، ح 44.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و أحمد بن إدريس، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير».

ص: 578

(مثله) أي مثل صاحب الأمر؛ يعني عن التي لا يجيب فيها إلّا الحجّة المعصوم الخاصّ به علم القرآن الجامع لكلّ رطبٍ ويابس والأنساب والمنايا والعلم بمستندات كلّ قول وحكم شرعيّ من القرآن، وغير ذلك من خصائص الإمام العاقل عن اللَّه جلّ ذكره. وقيل: «مثله» أي مثل الذي أجاب في كلّ ما يسأل عنه وأرى دليله (1) مطابقاً لما ثبت من المعصومين الماضين من اُصول المذهب.

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ شُعَيْبٍ (2) ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ؟ فَقَالَ : «لَا». فَقُلْتُ : فَوَلَدُكَ ؟ فَقَالَ : «لَا» . فَقُلْتُ : فَوَلَدُ وَلَدِكَ هُوَ ؟ قَالَ : «لَا». فَقُلْتُ : فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ ؟ فَقَالَ : «لَا». قُلْتُ : مَنْ هُوَ ؟قَالَ : «الَّذِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بُعِثَ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ» .

هديّة:الجوهري: «الفترة» بالفتح: ما بين الرسولين من رسل اللَّه عزّ وجلّ.(3) والتفسير بما بين الحجّتين من حجج اللَّه - عزّ وجلّ - لما يستفاد من كلام أهل الأخبار أولى.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (4) ، عَنْ أُمِّ هَانِىً ، قَالَتْ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ» قَالَتْ : فَقَالَ (5) :

.


1- .في «ألف»: + «من القرآن».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن جعفر بن القاسم، عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن الوليد بن عقبة، عن الحارث بن زياد، عن شعيب».
3- .الصحاح، ج 2، ص 777 (فتر).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسن بن أبي الربيع، عن محمّد بن إسحاق».
5- .في «ألف»: + «الخنّس».

ص: 579

«إِمَامٌ يَخْنِسُ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ ، ثُمَّ يَظْهَرُ كَالشِّهَابِ ، تُوقَدُ(1)فِي اللَّيْلَةِ(2) الظَّلْمَاءِ ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ زَمَانَهُ قَرَّتْ عَيْنُكِ» .

هديّة:(اُمّ هاني) كنية بنت أبي طالب، وكنية امرأة من الأنصار تروي عن الباقر عليه السلام عن هذه الآية في سورة التكوير.(3)و«لا» في «فَلا أُقْسِمُ» قيل: زائدة، وقيل - كما ذهب إليه برهان الفضلاء - : نافية تنفي مضمون جملة مقدّرة، أي ليس الأمر كما ذهبتم إليه، وأنتم لا تقولون بوجوب وجود المعصوم لمثل (4) هذا النظام. وبعبارة اُخرى ليس الأمر كما ذهبت إليه آراء من لم يقل بوجوب وجود المعصوم لدين اللَّه إلى يوم الدِّين.و(الخنّس): مفرد كسكّر، من الخنوس بمعنى الانتهاء، أي إلى إمام آخر وجمع، فالتفسير لفرد من الافراد. و(الجوار) مصدر بمعنى الفاعل مبالغة تعبير عن نهاية التقرّب. وكذا (الكنّس) مفرد من الكنوس بمعنى الاختفاء، خنس كنصر وضرب، كنس كضرب: اختفى.(ثمّ يظهر) أي بعد غيبته الكبرى. قال برهان الفضلاء: «ثمّ» ليس للتراخي في الزمان، بل للتعجّب، قال: يعني ثمّ يظهر في عين غيبته على عيون قلوب المؤمنين بالبراهين الدالّة على وجوب وجوده، كالنار الظاهرة في الليلة الظلماء. ولا يخفى لطف تشبيه زمن الغيبة بالليل المظلم، ثمّ قال: و«زمانه» أي زمان غيبته لفضله على ما مرّ، أو زمان ظهوره عليه السلام. ومضيّ أبو محمّد عليه السلام في زمن المعتمد العبّاسي سنة ستّين ومائتين.وفي بعض كتب تفاسير الناس: «الخنّس»: الكواكب التي تدخل في المغيب (5)، وفي بعض

.


1- .في الكافي المطبوع: «يتوقّد».
2- .في «د»: «ظلمة».
3- .التكوير (18): 15.
4- .في «د»: «لمناسبة».
5- .تفسير القرطبي، ج 19، ص 237؛ فتح القدير، ج 5، ص 390.

ص: 580

آخر: «الكنّس»: الكواكب الخمسة المسمّاة بالمتحيّرة؛ لغيبوبتها ودخولها في المغيب.(1)

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ(2) ، عَنْ أُمِّ هَانِىً ، قَالَتْ : لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هذِهِ الْآيَةِ : «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ» قَالَ : «الْخُنَّسُ إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنْ عِلْمِهِ عِنْدَ النَّاسِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذلِكَ ، قَرَّتْ عَيْنُكِ» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أتيت» مكان (لقيت)، و«زمانه» مكان (ذلك).(إمام يخنس) أي يصير آخر الأئمّة في زمانه.(من علمه) أي من معرفته.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ النخعي ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا رُفِعَ عَلَمُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ» .

هديّة:(علمكم) بالتحريك: أمامكم.والأمر بتوقّع الفرج من تحت القدم مبالغة في الحثّ على رجاء الفرج، وإيماءٌ إلى تحقّق وقوعه كأنّه قد وقع. وقرأ برهان الفضلاء: «علمكم» بالكسر، بمعنى عالمكم، ثمّ قال: يعني فتوقّعوا الفرج متطأطأً ساكتاً من الحكم بالظنّ في المسائل المشكلة، واحتمل «علمكم» بفتحتين.

.


1- .راجع: تفسير الرازي، ج 31، ص 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة».

ص: 581

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي عن العدّة، عَنْ سَعْدِ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام (1) : إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ ، وَ أَنْ يَسُوقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ بِغَيْرِ سَيْفٍ ؛ فَقَدْ بُويِعَ لَكَ وَ ضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ بِاسْمِكَ .فَقَالَ : «مَا مِنَّا أَحَدٌ اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ الْكُتُبُ ، وَ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ، وَ سُئِلَ عَنِ الْمَسَائِلِ ، وَ حُمِلَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلى فِرَاشِهِ ، حَتّى يَبْعَثَ اللَّهُ لِهذَا الْأَمْرِ غُلَاماً مِنَّا ، خَفِيَّ الْوِلَادَةِ وَ الْمَنْشَاَ ، غَيْرَ خَفِيٍّ فِي نَسَبِهِ» .

هديّة:(بويع لك) أي بأمر المأمون لولاية العهد والقصّة مشهورة.«اغتاله»: أهلكه وأخذه الغول من حيث لا يشعر، قال ابن الأثير: قتل فلان غيلة بالكسر، أي في خفية واغتيال، وهو أن ينخدع ويُقتل في موضع لا يراه أحد، والغيلة: فعلة من الاغتيال.(2)قيل: المراد من الاغتيال هنا الإهلاك بالسيف، ومن الموت الإماتة بالسمّ، واحتمال كون الترديد من الراوي وَهْمٌ.و(المنشأ) كالملجأ: مكان النشو والنماء.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ هِلَالٍ الْكِنْدِيِ (3) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ شِيعَتَكَ بِالْعِرَاقِ كَثِيرَةٌ ، وَ اللَّهِ مَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مِثْلُكَ ، فَكَيْفَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أيّوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام».
2- .النهاية، ج 3، ص 403 (غيل).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد و غيره، عن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس بن عامر، عن موسى بن هلال الكندي».

ص: 582

لَا تَخْرُجُ ؟! قَالَ : فَقَالَ : «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَطَاءٍ ، قَدْ أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكى ، إِي وَ اللَّهِ ، مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ».قَالَ : قُلْتُ لَهُ : فَمَنْ صَاحِبُنَا ؟ قَالَ : «انْظُرُوا مَنْ عَمِيَ عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، فَذَاكَ صَاحِبُكُمْ ؛ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ، وَ يُمْضَغُ بِالْأَلْسُنِ إِلَّا مَاتَ غَيْظاً ، أَوْ رَغِمَ أَنْفُهُ» .

هديّة:«كندة» بالكسر: أبو حيّ من اليمن.(عبداللَّه بن عطاء) ممدوح، روى عن الباقر والصادق عليهما السلام.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «كثير وواللَّه» بنقص التاء وزيادة الواو.و(قد أخذت): قد شرعت.و(النوكي) بالفتح والقصر: الحمقى، جمع أنوك، كأحمق لفظاً ومعنىً، أي تسمع وتقبل أقوالهم.(ما أنا بصاحبكم) أي الذي يخرج بالسيف، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.«عمى عليه» كعلم: خفى، ويحتمل بالمعجمة مجهولاً.(ويمضغ بالألسن) على ما لم يسمّ فاعله، أي يلقى بالأفواه.(غيظاً) أي ظلماً وعداوة، (أو رغم أنفه) أي ذلّة.قيل: والمراد من الأوّل السيف، ومن الثاني السمّ، أو الترديد من الراوي.

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يَقُومُ الْقَائِمُ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ عَهْدٌ وَ لَا عَقْدٌ وَ لَا بَيْعَةٌ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير».

ص: 583

هديّة:(عهد) أي عقد هدنةٍ ومصالحةٍ عجزاً عن المقاومة. قال برهان الفضلاء: المراد غيبته عليه السلام في المدّة المقدّرة عن الجميع.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَطَّارِ(1) ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ المَنْصُورِي (2) ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : إِذَا أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ لَا أَرى إِمَاماً أَئْتَمُّ بِهِ ، مَا أَصْنَعُ ؟قَالَ : «فَأَحِبَّ مَنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ (3) ، وَ أَبْغِضْ مَنْ كُنْتَ تُبْغِضُهُ (4) حَتّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ» .

هديّة:نصّ في أنّ الإيمان ليس لحفظه وسلامته شي ء أفضل من الحبّ في اللَّه والبغض للَّه، سيّما للصوفي القدريّ المصالح مع كلّ شي ء.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي بإسناده عن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمّدٍ(5) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عِيسى ، عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَا بُدَّ لِلْغُلَامِ مِنْ غَيْبَةٍ» . قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : «يَخَافُ - وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ - وَ هُوَ الْمُنْتَظَرُ ، وَ هُوَ الَّذِي يَشُكُّ النَّاسُ فِي وِلَادَتِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : حَمْلٌ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَاتَ أَبُوهُ وَ لَمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن عليّ العطّار».
2- .في الكافي المطبوع: «المنصور».
3- .في الكافي المطبوع: «تحبّ».
4- .في الكافي المطبوع: «تبغض».
5- .في الكافي المطبوع: «أحمد». ثمّ إنّه نقل الكليني هذه الرواية مباشرة عن الحسين بن محمّد، فزيادة «بإسناده»سهو من المصنّف.

ص: 584

يُخَلِّفْ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ عليه السلام بِسَنَتَيْنِ».قَالَ زُرَارَةُ(1) : وَ مَا تَأْمُرُنِي لَوْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ الزَّمَانَ ؟قَالَ : «ادْعُ اللَّهَ بِهذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ ، لَمْ أَعْرِفْكَ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَبِيَّكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَبِيَّكَ ، لَمْ أَعْرِفْهُ قَطُّ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ، ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».

هديّة:بيانه كنظيره، وهو الحديث الخامس.

الحديث الثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ (2) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَإِذا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ» قَالَ : «إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُظَفَّراً مُسْتَتِراً ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ ذِكْرُهُ - إِظْهَارَ أَمْرِهِ ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً ، فَظَهَرَ ، فَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالى» .

هديّة:اُريد ب (الناقور) في آية سورة المدّثر(3) على تفسيره عليه السلام، محلّ النكت الشديد، ولا ينافي هذا التأويل تفسير «نقر الناقور» كما في كتب التفاسير بالنفخ في الصور.(فظهر) أي بإذن اللَّه تعالى.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (4) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو

.


1- .في الكافي المطبوع: + «فقلت».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن حسّان، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللَّه بن القاسم».
3- .المدثّر (74): 8.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللَّه».

ص: 585

جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِذَا غَضِبَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - عَلى خَلْقِهِ ، نَحَّانَا عَنْ جِوَارِهِمْ» .

هديّة:يعني الجواد عليه السلام.(على خلقه) يعني إذا عجّل في الغضب على شرار خلقه.والحديث دلالة على أنّ الشرار في غيبة الإمام عليه السلام شرٌّ منهم في ظهوره عليه السلام، كما أنّ المؤمن في الغيبة، له فضل على المؤمن في الظهور.واطلب أحاديث الغيبة بما لا مزيد عليها لطالبها في كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة؛منها: ما روى الصدوق رحمة اللَّه عليه بإسناده عن محمّد بن معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيّوب بن نوح ومحمّد بن عثمان العمري رضي اللَّه عنه، قالوا: عرض إلينا أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام ابنه عليه السلام ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً، فقال: «هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا بعدي، فتهلكوا في أديانكم، أما أنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا»، قالوا: فخرجنا فعنده، فما مضت إلّا أيّام قلائل حتّى مضى أبو محمّد عليه السلام.(1)ومنها: ما روى بإسناده عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، قال: «في القائم منّا سنن من الأنبياء عليهم السلام؛ سنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من أيّوب، وسنّة من محمّد صلى اللَّه عليه وآله؛ فأمّا من نوح فطول العمر، وأمّا من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأمّا من موسى فالخوف والغيبة، وأمّا من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأمّا من أيّوب فالفرج بعد البلوى، وأمّا من محمّد صلى اللَّه عليه وآله فالخروج بالسيف»، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «وسنّة من يوسف عليه السلام، قال: وأمّا سنّة من يوسف فالستر يجعل اللَّه بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه، وأمّا سنّة من محمّد صلى اللَّه عليه وآله فيهتدى بهداه ويسير بسيرته».(2)وبإسناده عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ للقائم منّا غيبة

.


1- .كمال الدين، ج 2، ص 435، ح 2.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 350، ح 46.

ص: 586

يطول أمدها»، فقلت له: ولِمَ ذلك يابن رسول اللَّه؟ قال: «لأنّ اللَّه عزّ وجلّ أبى إلّا أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، وأنّه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال اللَّه تعالى: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ»(1) أي سنن من كان قبلكم».(2)وبإسناده عن عبداللَّه بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل»، فقلت له: ولِمَ جعلت فداك؟ قال: «لأمرٍ لا يؤذن لنا في كشفه لكم». قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: «وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللَّه عزّ وجلّ؛ إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلّا وقت افتراقهما، يا ابن الفضل! إنّ هذا الأمر من أمر اللَّه عزّ وجلّ، وسرٌّ من سرّ اللَّه، وغيبٌ من غيب اللَّه، ومتى علمنا أنّه تبارك وتعالى حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا».(3)وبإسناده عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أو قال له رجل: أصلحك اللَّه ألم يكن عليّ عليه السلام قويّاً في دين اللَّه؟ قال: «بلى»، قال: وكيف ظهر عليه القوم، وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك؟ قال: «آية في كتاب اللَّه عزّ وجلّ منعته»، قال: قلت: وأيّة آيةٍ هي؟ قال: «قوله تعالى: «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً»(4) وأنّه كان للَّه عزّ وجلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، ولم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتّى يخرج الودايع، فلمّا خرج الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتّى يظهر ودائع اللَّه عزّ وجلّ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فيقتلهم».(5)

.


1- .الانشقاق (84): 19.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 480، ح 6.
3- .كمال الدين، ج 2، ص 481، ح 11.
4- .الفتح (48): 25.
5- .كمال الدين، ج 2، ص 641.

ص: 587

وبإسناده عن إسحاق بن يعقوب في التوقيع الذي ورد إليه عن مولانا صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه: «وأمّا علّة ما وقع من الغيبة، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1) أنّه لم يكن أحد من آبائي عليهم السلام إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وأنّي لأخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي، وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب، وإنّي لامّان أهل الأرض كما أنّ النجوم أمّان لأهل السماء، فاغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى».(2)قوله عليه السلام: «غيّبتها» تأنيثها لفاعلها.الجوهري: «السحابة» يجمع على السحاب والسحب والسحائب.(3)و«الأمّان» كرمّان: الأمين.

.


1- .المائدة (5): 101.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 483، ح 4.
3- .الصحاح، ج 1، ص 146 (سحب).

ص: 588

. .

ص: 589

فهرس المطالب .

ص: 590

. .

ص: 591

. .

ص: 592

. .

المجلد 4

اشاره

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

تتمّة كتاب الحجّة

اشاره

تتمّة كتاب الحجّة

.

ص: 6

. .

ص: 7

باب ما يفصل به بين دعوى المحق و المبطل في أمر الإمامة

الباب الحادي والثمانون : بَابُ مَا يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ دَعْوَى الْمُحِقِّ وَ الْمُبْطِلِ فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِوأحاديثه كما في الكافي تسعة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَنْ السرّاد،(1) عَنْ سَلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ؛ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلٍ؛ والقُمِّي (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ جَمِيعاً ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ(3) ، عَنْ سَلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : وَ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ - عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «بَعَثَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رَجُلاً مِنْ عَبْدِالْقَيْسِ - يُقَالُ لَهُ: خِدَاشٌ - إِلى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ قَالَا لَهُ : إِنَّا نَبْعَثُكَ إِلى رَجُلٍ طَالَ مَا كُنَّا نَعْرِفُهُ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ بِالسِّحْرِ وَ الْكِهَانَةِ ، وَ أَنْتَ أَوْثَقُ مَنْ بِحَضْرَتِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مِنْ أَنْ تُمْنَعَ (4) مِنْ ذلِكَ ، وَ أَنْ تُحَاجَّهُ لَنَا حَتّى تَفْقَهَ (5) عَلى أَمْرٍ مَعْلُومٍ ، وَ اعْلَمْ أَنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ دَعْوًى ، فَلَا يَكْسِرَنَّكَ ذلِكَ عَنْهُ ؛ وَ مِنَ الْأَبْوَابِ الَّتِي يَخْدَعُ النَّاسَ بِهَا الطَّعَامُ وَ الشَّرَابُ وَ الْعَسَلُ وَ الدُّهْنُ ، وَ أَنْ يُخَالِيَ الرَّجُلَ ؛ فَلَا تَأْكُلْ لَهُ طَعَاماً ، وَ لَا تَشْرَبْ لَهُ شَرَاباً ، وَ لَا تَمَسَّ لَهُ عَسَلاً وَ لَا دُهْناً ، وَ لَا تَخْلُ مَعَهُ ، وَ احْذَرْ هذَا كُلَّهُ مِنْهُ ، وَ انْطَلِقْ عَلى بَرَكَةِ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ ، فَاقْرَأْ آيَةَ السُّخْرَةِ ، وَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سلام بن عبد اللَّه».
2- .في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد؛ وأبي عليّ الأشعري» بدل «سهل؛ و القمّي».
3- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن أسباط» بدل «ابن أسباط».
4- .في الكافي المطبوع: «تمتنع».
5- .في الكافي المطبوع: «تقفه».

ص: 8

كَيْدِهِ وَ كَيْدِ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ ، فَلَا تُمَكِّنْهُ مِنْ بَصَرِكَ كُلِّهِ ، وَ لَا تَسْتَأْنِسْ بِهِ .ثُمَّ قُلْ لَهُ : إِنَّ أَخَوَيْكَ فِي الدِّينِ ، وَ ابْنَيْ عَمِّكَ فِي الْقَرَابَةِ يُنَاشِدَانِكَ الْقَطِيعَةَ ، وَ يَقُولَانِ لَكَ : أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّا تَرَكْنَا النَّاسَ لَكَ ، وَ خَالَفْنَا عَشَائِرَنَا فِيكَ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا نِلْتَ أَدْنى مَنَالٍ ، ضَيَّعْتَ حُرْمَتَنَا ، وَ قَطَعْتَ رَجَاءَنَا ، ثُمَّ قَدْ رَأَيْتَ أَفْعَالَنَا فِيكَ ، وَ قُدْرَتَنَا عَلَى النَّأْيِ عَنْكَ ، وَ سَعَةِ الْبِلَادِ دُونَكَ ، وَ أَنَّ مَنْ كَانَ يَصْرِفُكَ عَنَّا وَ عَنْ صِلَتِنَا ، كَانَ أَقَلَّ لَكَ نَفْعاً ، وَ أَضْعَفَ عَنْكَ دَفْعاً مِنَّا ، وَ قَدْ وَضَحَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ ، وَ قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ انْتِهَاكٌ لَنَا ، وَ دُعَاءٌ عَلَيْنَا ، فَمَا الَّذِي يَحْمِلُكَ عَلى ذلِكَ ؟ فَقَدْ كُنَّا نَرى أَنَّكَ أَشْجَعُ فُرْسَانِ الْعَرَبِ ، أَ تَتَّخِذُ اللَّعْنَ لَنَا دِيناً ، وَ تَرى أَنَّ ذلِكَ يَكْسِرُنَا عَنْكَ ؟فَلَمَّا أَتى خِدَاشٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، صَنَعَ مَا أَمَرَاهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عليه السلام وَ هُوَ يُنَاجِي نَفْسَهُ - ضَحِكَ وَ قَالَ : «هَاهُنَا يَا أَخَا عَبْدِ قَيْسٍ» وَأَشَارَ لَهُ إِلى مَجْلِسٍ قَرِيبٍ مِنْهُ؛ فَقَالَ : مَا أَوْسَعَ الْمَكَانَ! أُرِيدُ أَنْ أُؤَدِّيَ إِلَيْكَ رِسَالَةً ، قَالَ : «بَلْ تَطْعَمُ وَ تَشْرَبُ وَ تَحُلُّ ثِيَابَكَ وَ تَدَّهِنُ ، ثُمَّ تُؤَدِّي رِسَالَتَكَ ، قُمْ يَا قَنْبَرُ ، فَأَنْزِلْهُ » .قَالَ : مَا بِي إِلى شَيْ ءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ حَاجَةٌ ، قَالَ : «فَأَخْلُو بِكَ؟» قَالَ : كُلُّ سِرٍّ لِي عَلَانِيَةٌ ، قَالَ : «فَأَنْشُدُكَ» بِاللَّهِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ، الْحَائِلِ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ قَلْبِكَ ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ، أَ تَقَدَّمَ إِلَيْكَ الزُّبَيْرُ بِمَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ؟» قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : «لَوْ كَتَمْتَ بَعْدَ مَا سَأَلْتُكَ ، مَا ارْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ؛ فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ ، هَلْ عَلَّمَكَ كَلَاماً تَقُولُهُ إِذَا أَتَيْتَنِي ؟» قَالَ : نَعَمْ اللَّهُمَ (1) ، قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «آيَةَ السُّخْرَةِ» ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : «فَاقْرَأْهَا» ، فَقَرَأَهَا ، وَ جَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام يُكَرِّرُهَا ، وَ يُرَدِّدُهَا ، وَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ إِذَا أَخْطَأَ ، حَتّى إِذَا قَرَأَهَا سَبْعِينَ مَرَّةً ، قَالَ الرَّجُلُ : مَا يَرى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرَهُ بِتَرَدُّدِهَا(2) سَبْعِينَ مَرَّةً ؟ قَالَ (3) لَهُ : «أَ تَجِدُ قَلْبَكَ اطْمَأَنَّ ؟» قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ .

.


1- .في الكافي المطبوع: «اللّهمّ نَعّم»
2- .في «الف»: «بترديدها».
3- .في الكافي المطبوع: + «ثمّ قال».

ص: 9

قَالَ : «فَمَا قَالَا لَكَ ؟» فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : «قُلْ لَهُمَا : كَفى بِمَنْطِقِكُمَا حُجَّةً عَلَيْكُمَا ، وَ لكِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، زَعَمْتُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ ، وَ ابْنَا عَمِّي فِي النَّسَبِ ؛ فَأَمَّا النَّسَبُ ، فَلَا أُنْكِرُهُ ، وَ إِنْ كَانَ النَّسَبُ مَقْطُوعاً إِلَّا مَا وَصَلَهُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ .وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا : إِنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ ، فَإِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ ، فَقَدْ فَارَقْتُمَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ عَصَيْتُمَا أَمْرَهُ بِأَفْعَالِكُمَا فِي أَخِيكُمَا فِي الدِّينِ ، وَ إِلَّا فَقَدْ كَذَبْتُمَا وَ افْتَرَيْتُمَا بِادِّعَائِكُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ .وَ أَمَّا مُفَارَقَتُكُمَا النَّاسَ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، فَإِنْ كُنْتُمَا فَارَقْتُمَاهُمْ بِحَقٍّ ، فَقَدْ نَقَضْتُمَا ذلِكَ الْحَقَّ بِفِرَاقِكُمَا إِيَّايَ أَخِيراً ، وَ إِنْ فَارَقْتُمَاهُمْ بِبَاطِلٍ ، فَقَدْ وَقَعَ إِثْمُ ذلِكَ الْبَاطِلِ عَلَيْكُمَا مَعَ الْحَدَثِ الَّذِي أَحْدَثْتُمَا ، مَعَ أَنَّ صِفَتَكُمَا بِمُفَارَقَتِكُمَا النَّاسَ لَمْ يَكُنْ (1)إِلَّا لِطَمَعِ الدُّنْيَا زَعَمْتُمَا ، وَ ذلِكَ قَوْلُكُمَا : «فَقَطَعْتَ رَجَاءَنَا» لَا تَعِيبَانِ بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ دِينِي شَيْئاً .وَ أَمَّا الَّذِي صَرَفَنِي عَنْ صِلَتِكُمَا ، فَالَّذِي صَرَفَكُمَا عَنِ الْحَقِّ ، وَ حَمَلَكُمَا عَلى خَلْعِهِ مِنْ رِقَابِكُمَا ، كَمَا يَخْلَعُ الْحَرُونُ لِجَامَهُ ، وَ هُوَ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، فَلَا تَقُولَا : أَقَلُّ نَفْعاً وَ أَضْعَفُ دَفْعاً ؛ فَتَسْتَحِقَّا إِثْمَ (2) الشِّرْكِ مَعَ النِّفَاقِ .وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا : إِنِّي أَشْجَعُ فُرْسَانِ الْعَرَبِ ، وَ هَرَبُكُمَا مِنْ لَعْنِي وَ دُعَائِي ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ مَوْقِفٍ عَمَلاً إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ ، وَ مَاجَتْ لُبُودُ الْخَيْلِ ، وَ مَلَأَ سَحَرَاكُمَا أَجْوَافَكُمَا ، فَثَمَّ يَكْفِينِيَ اللَّهُ بِكَمَالِ الْقَلْبِ ؛ وَ أَمَّا إِذَا أَبَيْتُمَا بِأَنِّي أَدْعُو اللَّهَ ، فَلَا تَجْزَعَا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْكُمَا رَجُلٌ سَاحِرٌ مِنْ قَوْمٍ سَحَرَةٍ زَعَمْتُمَا ، اللَّهُمَّ أَقْعِصِ الزُّبَيْرَ بِشَرِّ قِتْلَةٍ ، وَ اسْفِكَ دَمَهُ عَلى ضَلَالَةٍ ، وَ عَرِّفْ طَلْحَةَ الْمَذَلَّةَ ، وَ ادَّخِرْ لَهُمَا فِي الْآخِرَةِ شَرّاً مِنْ ذلِكَ إِنْ كَانَا ظَلَمَانِي ، وَ افْتَرَيَا عَلَيَّ ، وَ كَتَمَا شَهَادَتَهُمَا ، وَ عَصَيَاكَ وَ عَصَيَا رَسُولَكَ فِيَّ ، قُلْ : آمِينَ» ، قَالَ خِدَاشٌ : آمِينَ!ثُمَّ قَالَ خِدَاشٌ لِنَفْسِهِ : وَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُ لِحْيَةً قَطُّ أَبْيَنَ خَطَأً مِنْكَ ، حَامِلَ حُجَّةٍ يَنْقُضُ بَعْضُهَا

.


1- .في الكافي المطبوع: «لم تكن».
2- .في الكافي المطبوع: «اسم».

ص: 10

بَعْضاً ، لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُمَا(1) مِسَاكاً ، أَنَا أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمَا .قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا ، وَ أَعْلِمْهُمَا مَا قُلْتُ» .قَالَ : لَا وَ اللَّهِ حَتّى تَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّنِي إِلَيْكَ عَاجِلاً ، وَ أَنْ يُوَفِّقَنِي لِرِضَاهُ فِيكَ ؛ فَفَعَلَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ انْصَرَفَ وَ قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ» .

هديّة:(بعث طلحة والزبير) يعني بعد تصرّفهما البصرة بإخراجهما عامل أمير المؤمنين عليه السلام منها وإفراطهما في الوقاحة بأفعال اُخر.و(خداش) بالمعجمة، ثمّ المهملة، ضبطه برهان الفضلاء ككتاب، كما في الصحاح (2)، وهو خداش بن زهير، وفي القاموس: وككتّان: ابن سلامة أو أبي سلامة صحابيّ، وابن زهير وابن حميد وابن بشر شعراء(3)، ويمكن الجمع بتصحيف الكتاب الكتان في القاموس، فكتب النون مكان الباء.و(الكهانة) بالفتح.(من أنفسنا) بيان ل (من بحضرتنا)، أي من أهلنا وأصحابنا من جهة منعك نفسك من الغرور بسحره. وقرأ برهان الفضلاء: «منّ أنفسنا» بضمّ الميم والنون المشدّدة، مرفوعاً بالابتداء مضافاً، جمع «منّة» بالضمّ والتشديد بمعنى القوّة، قال: يعني ومنّ أنفسنا وتأييداتها إنّما هي من جهة امتناعك من الغرور بسحره وكهانته، فضبط مكان (تمنع) «تمتنع».(تحاجّه): تخاصمه.(تفقه) أي تفهم، فقه - كعلم - : فهم وصار واقفاً.وفي بعض النسخ «تقفه» بتقديم القاف على الفاء، من الوقف بمعنى الإيقاف، أي

.


1- .في الكافي المطبوع: «لها».
2- .الصحاح، ج 3، ص 1003 (خدش).
3- .القاموس المحيط، ج 2، ص 271 (خدش)، وضبط فيه: ككتاب.

ص: 11

تقيمه على الإقرار بإمامتنا وعدوله عن دعوى إمامته.في بعض النسخ: «ومن الأبواب» مكان (وعن الأبواب) فعلى الابتداء، دون العطف؛ف (الطعام) على العطف مجرور على البدل، أو مرفوع على الخبر.(وأن يخالي) ضبط برهان الفضلاء بفتح الهمزة والمضارع، والأولى كسر الهمزة والماضي، و«التخالي»: تفاعل من الخلوة بقرينة «ولا تخل»، خلوت إليه: إذا اجتمعت معه في خلوة. ويحتمل «ولا تحلّ» بالمهملة، أي ثيابك؛ أو نهى عن الانبساط كنايةً.و(السُّخرة) بضمّ السين المهملة وسكون الخاء المعجمة اسم المصدر، والمعنى جعل الشي ء مسخّراً منقاداً وصيرورته كذا، ومنه آية السُّخرة، قوله عزّ وجلّ في سورة الأعراف: «إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»(1).وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: «من بات بأرضِ قفرٍ، فقرأ هذه الآية «إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ - إلى قوله - تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين» الحديث.(2)وسيجي ء في باب فضل القرآن إن شاء اللَّه تعالى.(يناشدانك القطيعة). المناشدة: طلب الشي ء باليمين، يعني يقسمان عليك بقطيعة الرحم وعظم أمرها، بيان النسب: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة.طلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة، زبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب بن مرّة.

.


1- .الأعراف (7): 54.
2- .الكافى، ج 2، ص 625، باب فضل القرآن، ح 21. وفي الطبعة الجديدة ، ج 4 ، ص 654 ، ح 3565 ؛ الفقيه ، ج 4 ، ص 371 ، ح 5763 ؛ الجعفريات ، ص 84.

ص: 12

(قد رأيت أفعالنا فيك) يعني عند إخراجهما عامله عليه السلام من البصرة وسائر أنواع الوقاحة بالنهب والغارة، إظهاراً للكفر والعداوة.(وهو يناجي نفسه)؛ لعلّه بقراءة آية السخرة.(فأنزله) على الأمر من الإفعال، قيل: يعني فهيّأ له النزل بالضمّ، وهو ما يهيّأ للضيف. وقال برهان الفضلاء: أي فأنزله المنزل الذي أعدّ للضيف.نشدت فلاناً كنصر، إذا قلت له: نشدتك اللَّه، أي سألتك باللَّه.(خائنة الأعين) مسارقة النظر إلى ما لا يحلّ، يعني خيانة الأعين. ويُقال: رجلٌ خائن وخائنة، والتاء للمبالغة، كعلّامة ونسّابة.(ما ارتدّ إليك طرفك) كنايةٌ عن الموت فجأةً.(فما قالا لك) على الاستخبار، أي فأيّ شي ءٍ قالا لك.(فأخبره) يعني خداش عليّاً عليه السلام بما قالا له.(مع أنّ صفتكما). في بعض النسخ: «صفقتكما»، أي بيعتكما.و(الحرون) بالفتح: غير المنقاد، والذي يقف إذا اشتدّ به الجري.(وهو اللَّه ربّي) أي والذي صرفني عن صلتكما هو اللَّه ربّي.(إثم الشرك) في بعض النسخ: «اسم الشرك» وهو أولى.و(الأسنّة): جمع سنان.(ماجت): اضطربت، ويجمع اللّبد بالكسر للسّرج على (لبود).و«السّحر» بالفتح والضمّ والتحريك: الرية، وملأهما أجوافهما: انتفاخها من الخوف.و«الاقعاص» بالقاف والمهملتين: القتل.و(المضلّة): مصدر ميميّ من الضلال، وفي بعض النسخ: «المذلّة» بالذال المعجمة.والعرب كثيراً ما يعبّرون عن الرجل باللّحية.(حامل حجّة) أي أنت .و«المساك» كسحاب: ما يتمسّك به، وما له مساك ككتاب، أي خير يرجع إليه.

.

ص: 13

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده، عَنْ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ(1) ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَوْمَ النَّهْرَوَانِ ، فَبَيْنَا عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام جَالِسٌ إِذْ جَاءَ فَارِسٌ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَلِيُّ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : «وَ عَلَيْكَ السَّلَامُ ، مَا لَكَ - ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ - لَمْ تُسَلِّمْ عَلَيَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ؟» .قَالَ بَلى سَأُخْبِرُكَ عَنْ ذلِكَ ، كُنْتُ إِذْ كُنْتَ عَلَى الْحَقِّ بِصِفِّينَ ، فَلَمَّا حَكَّمْتَ الْحَكَمَيْنِ ، بَرِئْتُ مِنْكَ ، وَ سَمَّيْتُكَ مُشْرِكاً ، فَأَصْبَحْتُ لَا أَدْرِي إِلى أَيْنَ أَصْرِفُ وَلَايَتِي ، وَ اللَّهِ لَأَنْ أَعْرِفَ هُدَاكَ مِنْ ضَلَالَتِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا .فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، قِفْ مِنِّي قَرِيباً أُرِيَكَ عَلَامَاتِ الْهُدى مِنْ عَلَامَاتِ الضَّلَالَةِ».فَوَقَفَ الرَّجُلُ قَرِيباً مِنْهُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَقْبَلَ فَارِسٌ يَرْكُضُ حَتّى أَتى عَلِيّاً عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ (2) : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَبْشِرْ بِالْفَتْحِ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ، قَدْ وَ اللَّهِ قُتِلَ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ ، فَقَالَ لَهُ : «مِنْ دُونِ النَّهَرِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ ؟» قَالَ: بَلْ مِنْ دُونِهِ ، فَقَالَ : «كَذَبْتَ ، وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَا يَعْبُرُونَ أَبَداً حَتّى يُقْتَلُوا».فَقَالَ الرَّجُلُ : فَازْدَدْتُ فِيهِ بَصِيرَةً ، فَجَاءَ آخَرُ يَرْكُضُ عَلى فَرَسٍ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ (3) مِثْلَ ذلِكَ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِثْلَ الَّذِي رَدَّ عَلى صَاحِبِهِ .قَالَ الرَّجُلُ الشَّاكُّ : وَ هَمَمْتُ (4) أَنْ أَحْمِلَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَأَفْلَقَ هَامَتَهُ بِالسَّيْفِ ، ثُمَّ جَاءَ فَارِسَانِ يَرْكُضَانِ قَدْ أَعْرَقَا فَرَسَيْهِمَا ، فَقَالَا : أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَبْشِرْ بِالْفَتْحِ ، قَدْ وَ اللَّهِ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد؛ وأبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن حسّان جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن حرّاج بن عبد اللَّه، عن رافع بن سلمة».
2- .في الكافي المطبوع: - «له».
3- .في «د»: - «فقال له».
4- .في «الف»: «فهممت».

ص: 14

قُتِلَ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «أَ مِنْ خَلْفِ النَّهَرِ أَوْ مِنْ دُونِهِ ؟» قَالَا : لَا ، بَلْ مِنْ خَلْفِهِ ؛ إِنَّهُمْ لَمَّا اقْتَحَمُوا خَيْلَهُمُ النَّهْرَوَانَ ، وَ ضَرَبَ الْمَاءُ لَبَّاتِ خُيُولِهِمْ ، رَجَعُوا فَأُصِيبُوا ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «صَدَقْتُمَا» فَنَزَلَ الرَّجُلُ عَنْ فَرَسِهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ بِرِجْلِهِ فَقَبَّلَهُمَا ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «هذِهِ لَكَ آيَةٌ» .

هديّة:(ثكلتك): كناية عن فقدتك.و«الإمرة» بالكسر: الإمارة.و«صفّين» كسجّين: موضع قرب الرقّة(1) بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى بين عليّ عليه السلام ومعاوية غرّة شهر صفر سنة سبع و ثلاثين، ومن ثمّ احترز الناس من السفر في صفر، قاله في القاموس.(2)(فلمّا حكّمت الحكمين) من التحكيم، أي رضيت بجعلك عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري حاكمين.توهّم الخوارج من مثل قوله تعالى: «إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا للَّهِ ِ»(3) أنّ الرضا بحكم غير اللَّه والرسول شرك، ولم يتفطّنوا(4) للفرق بين معنيي الرِّضا بحكم غير اللَّه، فإنّ الرضا بحكم غير اللَّه موافقاً لحكم اللَّه مرضيّ، كما في تحكيمه صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام بينه وبين الأعرابي المدّعي للناقة وثمنها أيضاً، ولا منافاة بين هذا التحكيم وبين امتناع كون أحد حاكماً على النبيّ، والإمام والرضا بحكم غير اللَّه مخالفاً لحكم اللَّه شرك بلا شكّ، إلّا أن يكون الغرض إلزام الخصم بما اعتقده، كرضا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بحكم القافة في إلحاق

.


1- .في حاشية «الف» : الرقّة بالكسر والتشديد: قرية على شاطى ء الفرات، ينسب إليها داود الرقّي من رجال الصادق عليه السلام (منه سلّمه اللَّه تعالى).
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 242 (صفن).
3- .الأنعام (6): 57 .
4- .في حاشية «الف» : فطنه به وإليه وله، كفرح ونصر وكرم فطناً مثلّثة الفاء، وبالتحريك. والاسم: الفطنة بالكسر (منه سلّمة اللَّه تعالى).

ص: 15

اُسامة بن زيد بأبيه. (إلى أين أصرف ولايتي) أي لعلمي بانحصار أمثال فضائلك فيك.(قف منّي قريباً). لعلّ تقريبه لتبعيد وسوسة قرينة لينظر علامات الهدى فارغاً قلبه عن وسوسة الشكّ.«فلقه» كضرب: شقّه، (هامته) بالتخفيف: الرأس أو رأس الرأس.و«الاقتحام»: الدخول في الشي ء بتكلّف.و«اللبّة» بفتح اللام وتشديد المفردة: المنحر كمنصب، وموضع القلادة من الصّدر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِ (1) ، عَنْ حَبَابَةَ الْوَالِبِيَّةِ ، قَالَتْ : رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي شُرْطَةِ الْخَمِيسِ وَ مَعَهُ دِرَّةٌ ، لَه (2)سَبَابَتَانِ ، يَضْرِبُ بِهَا بَيَّاعِي الْجِرِّيِّ وَ الْمَارْمَاهِي وَ الزِّمَّارِ ، وَ يَقُولُ لَهُمْ : «يَا بَيَّاعِي مُسُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ جُنْدِ بَنِي مَرْوَانَ» .فَقَامَ إِلَيْهِ فُرَاتُ بْنُ أَحْنَفَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ مَا جُنْدُ بَنِي مَرْوَانَ ؟ قَالَتْ (3) : فَقَالَ لَهُ : «أَقْوَامٌ حَلَقُوا اللِّحى ، وَ فَتَلُوا الشَّوَارِبَ ، فَمُسِخُوا».فَلَمْ أَرَ نَاطِقاً أَحْسَنَ نُطْقاً مِنْهُ ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَقْفُو أَثَرَهُ حَتّى قَعَدَ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا دَلَالَةُ الْإِمَامِ (4) يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟قَالَتْ : فَقَالَ : «ائْتِينِي بِتِلْكَ الْحَصَاةِ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَصَاةٍ ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا بِخَاتَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا حَبَابَةُ إِذَا ادَّعى مُدَّعٍ الْإِمَامَةَ ، فَقَدَرَ أَنْ يَطْبَعَ كَمَا رَأَيْتِ ، فَاعْلَمِي أَنَّهُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمد، عن أبي عليّ محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أحمد بن يحيى المعروف بكرد، عن محمّد بن خداهيّ، عن عبد اللَّه بن أيّوب، عن عبد اللَّه بن هاشم، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي».
2- .في الكافي المطبوع: «لها».
3- .في «د»: «قال».
4- .في الكافي المطبوع: «الإمامة».

ص: 16

إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ ؛ وَ الْإِمَامُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْ ءٌ يُرِيدُهُ».قَالَتْ : ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتّى قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَجِئْتُ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ فِي مَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ ، فَقَالَ : «يَا حَبَابَةُ الْوَالِبِيَّةُ» فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا مَوْلَايَ ، فَقَالَ : «هَاتِي مَا مَعَكِ» . قَالَتْ : فَأَعْطَيْتُهُ فَطَبَعَ فِيهَا كَمَا طَبَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام .قَالَتْ : ثُمَّ أَتَيْتُ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ هُوَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَرَّبَ وَ رَحَّبَ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «إِنَّ فِي الدَّلَالَةِ دَلِيلاً عَلى مَا تُرِيدِينَ ، أَ فَتُرِيدِينَ دَلَالَةَ الْإِمَامِ (1) ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا سَيِّدِي ، فَقَالَ : «هَاتِي مَا مَعَكِ» فَنَاوَلْتُهُ الْحَصَاةَ فَطَبَعَ لِي فِيهَا .قَالَتْ : ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ قَدْ بَلَغَ بِيَ الْكِبَرُ إِلى أَنْ أُرْعِشْتُ - وَ أَنَا أَعُدُّ يَوْمَئِذٍ مِائَةً وَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَرَأَيْتُهُ رَاكِعاً وَ سَاجِداً وَ مَشْغُولاً بِالْعِبَادَةِ ، فَيَئِسْتُ مِنَ الدَّلَالَةِ ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِالسَّبَّابَةِ ، فَعَادَ إِلَيَّ شَبَابِي ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، كَمْ مَضى مِنَ الدُّنْيَا؟ وَ كَمْ مِنْهَا(2)بَقِيَ ؟ فَقَالَ : «أَمَّا مَا مَضى ، فَنَعَمْ ؛ وَ أَمَّا مَا بَقِيَ، فَلَا». قَالَتْ : ثُمَّ قَالَ لِي : «هَاتِي مَا مَعَكِ» فَأَعْطَيْتُهُ الْحَصَاةَ فَطَبَعَ (3) فِيهَا .ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا ؛ ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا ؛ ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا ؛ ثُمَّ أَتَيْتُ الرِّضَا عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا .وَ عَاشَتْ حَبَابَةُ بَعْدَ ذلِكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ عَلى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ .

هديّة:(حبابة) كفلانة وقيل بعض المعاصرين: بالتشديد كسبّابة.(4)و«والبة» بالمفردة كقافلة: اسم موضع قرب اليمن؛ قاله برهان الفضلاء موافقاً للقاموس.(5) وقال في

.


1- .في الكافي المطبوع: «الإمامة».
2- .في الكافي المطبوع: - «منها».
3- .في الكافي المطبوع: + «لي».
4- .الوافي، ج 2، ص 144، ذيل ح 614.
5- .اُنظر: القاموس المحيط، ج 1، ص 137 (ولب).

ص: 17

الصحاح: والبة اسم رجل.(1)و«الشرطة» بالضمّ: خدم الوالي، الواحد: شرطي كتركي. و(الخميس): الجيش؛ لانعقاده من الميمنة والميسرة والمقدّمة والقلب والجناح.و«الدرّة» بالكسر والتشديد: التي يضرب بها المجرم.و«السبابة» بالتخفيف كسحابة: الشّقة.و«الجرّي» بالكسر والتشديد كالذمّي: الذي اشتهر بطول الأنف من الحيتان.و(الزّمّار) بكسر الزاي وتشديد الميم: ضرب من السمك.و«المسوخ» بضمّتين: جمع مسخ ككلب بمعنى الممسوخ.(فمسخوا)؛ على غير المعلوم. وضبط برهان الفضلاء على المعلوم، أي غيّروا صورهم بذلك، فصاروا كالمسوخ.و«الإثْر» بالكسر والأَثَر بالتحريك بمعنى، وللأخير معنى آخر أي بقيّة رسم الشي ء.و«الرحبة» بالفتح: الفضاء الوسيع.في بعض النسخ: «ما دلالة الإمامة» بدل (ما دلالة الإمام).(لا يعزب) بالزاي كحسن: لا يغيب. (فقرّب): وأدناني من مجلسه، (ورحّب): وسّع لي في المكان، أو قال مرحباً. والثاني أكثر.(دليلاً على ما تريدين). قال برهان الفضلاء: على نهجيّة، لا صلة؛ لقوله «دليلاً»؛ قال: يعني أنّ في جملة «دلالة الإمامة» وهي كثيرة عندنا لدليلاً على النهج الذي تريدينه.في بعض النسخ: «مشغولاً» بدون الواو.(كم مضى من الدنيا) قيل لعلّ السؤال عن عمر نفسها، وقيل: بل عن عمر الدنيا؛ إظهاراً لاغتمامها من جهة يوم الحساب.(فنعم) أي لنا(2) سبيل إلى معرفته.

.


1- .الصحاح، ج 1، ص 235 (ولب).
2- .في «د»: «لا».

ص: 18

(وعاشت) إلى آخر الحديث، كلام عبد الكريم.و(محمّد بن هشام) هو الخثعمي.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيِ (1) ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام (2) ، فَاسْتُؤْذِنَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَيْهِ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَبْلٌ طَوِيلٌ جَسِيمٌ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْوَلَايَةِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ ، وَ أَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ ، فَجَلَسَ مُلَاصِقاً لِي (3) ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هذَا ؟فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام : «هذَا مِنْ وُلْدِ الْأَعْرَابِيَّةِ صَاحِبَةِ الْحَصَاةِ الَّتِي طَبَعَ آبَائِي عليهم السلام فِيهَا بِخَوَاتِيمِهِمْ فَانْطَبَعَتْ ، وَ قَدْ جَاءَ بِهَا مَعَهُ يُرِيدُ أَنْ أَطْبَعَ فِيهَا».ثُمَّ قَالَ : «هَاتِهَا» فَأَخْرَجَ حَصَاةً وَ فِي جَانِبٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ أَمْلَسُ ، فَأَخَذَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، ثُمَّ أَخْرَجَ خَاتَمَهُ ، فَطَبَعَ فِيهَا ، فَانْطَبَعَ ، فَكَأَنِّي أَرى نَقْشَ خَاتَمِهِ السَّاعَةَ : «الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ» .فَقُلْتُ لِلْيَمَانِيِّ : رَأَيْتَهُ قَبْلَ هذَا قَطُّ ؟ قَالَ : لَا وَ اللَّهِ ، وَ إِنِّي لَمُنْذُ دَهْرٍ حَرِيصٌ عَلى رُؤْيَتِهِ حَتّى كَأَنِّي (4)السَّاعَةَ أَتَانِي شَابٌّ - لَسْتُ أَرَاهُ - فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ .ثُمَّ نَهَضَ الْيَمَانِيُّ وَ هُوَ يَقُولُ : رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّ حَقَّكَ لَوَاجِبٌ كَوُجُوبِ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ مَضى فَلَمْ أَرَهُ بَعْدَ ذلِكَ .قَالَ إِسْحَاقُ : قَالَ أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ : وَ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ ، فَقَالَ : اسْمِي مِهْجَعُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ سِمْعَانَ بْنِ غَانِمِ بْنِ أُمِّ غَانِمٍ ، وَ هِيَ الْأَعْرَابِيَّةُ الْيَمَانِيَّةُ ، صَاحِبَةُ الْحَصَاةِ الَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ السِّبْطُ إِلى وَقْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن أبي عبد اللَّه وعليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد النخعي».
2- .في «د»: + «الحسن العسكري».
3- .في «الف»: «بي».
4- .في الكافي المطبوع: «كان».

ص: 19

هديّة:(رجل عَبْل) كضخم لفظاً ومعنى، بالمهملة المفتوحة قبل المفردة الساكنة. فلان عبل الذراعين، أي ضخمهما، وفرس عبل القوائم. وقرأ برهان الفضلاء: «عبل» كصعق، وقال: أي أبيض اللون، الجوهري كما ذكرنا،(1) والقاموس كما ذكره.(2)(فسلّم عليه بالولاية) فقال: السلام عليك يا وليّ اللَّه.(ليت شعري) بكسر الشين، أي ليتني علمت؛ قاله في الصحاح.(3)(حتّى كأنّي الساعة)؛ أتى بصورة الظنّ مع تيقّنه ذلك إظهاراً لتعجّبه وحيرته من طيّه تلك المسافة من اليمن إلى سامراء بطيّ الأرض. وضبط برهان الفضلاء: «حتّى كان» بالألف وتخفيف النون من الأفعال التامّة.و(مهجع) بالجيم كمنبر، أي كثير الأكل والنوم، و(الصلت) بالفتح: الجبين الواضح، و(عقبة) بالضمّ، بمعنى النوبة، و(سمعان) كعمران.و(السبط): ولد الولد، يعني وسبط الرسول صلى اللَّه عليه وآله واحداً بعد واحد.(إلى وقت أبي الحسن) يعني الثاني عليه السلام؛ للخبر السابق. وقال برهان الفضلاء: يعني الثالث عليه السلام.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده، عَن السرّاد،(4) عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحذّاء، وَ زُرَارَةَ جَمِيعاً ، والأربعة عن زرارة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، أَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فَخَلَا بِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي ، قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دَفَعَ الْوَصِيَّةَ وَ الْإِمَامَةَ مِنْ بَعْدِهِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ثُمَّ إِلَى الْحَسَنِ ، ثُمَّ إِلَى الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ قَدْ

.


1- .الصحاح، ج 5، ص 175 (عبل).
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 11 (عبل).
3- .الصحاح، ج 2، ص 698 (شعر).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب».

ص: 20

قُتِلَ أَبُوكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَ صَلّى عَلى رُوحِهِ - وَ لَمْ يُوصِ ، وَ أَنَا عَمُّكَ وَ صِنْوُ أَبِيكَ ، وَ وِلَادَتِي مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام ؛ فِي سِنِّي وَ قُدْمَتِي (1) أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ فِي حَدَاثَتِكَ ، فَلَا تُنَازِعْنِي فِي الْوَصِيَّةِ وَ الْإِمَامَةِ ، وَ لَا تُحَاجَّنِي .فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : يَا عَمِّ ، اتَّقِ اللَّهَ ، وَ لَا تَدَّعِ مَا لَيْسَ لَكَ بِحَقٍّ «إِنِّى أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ» إِنَّ أَبِي يَا عَمِّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - أَوْصى إِلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَ عَهِدَ إِلَيَّ فِي ذلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِسَاعَةٍ ، وَ هذَا سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عِنْدِي ، فَلَا تَتَعَرَّضْ لِهذَا ؛ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ نَقْصَ الْعُمُرِ وَ تَشَتُّتَ الْحَالِ ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - جَعَلَ الْوَصِيَّةَ وَ الْإِمَامَةَ فِي عَقِبِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ ذلِكَ ، فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتّى نَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ (2) ، وَ نَسْأَلَهُ عَنْ ذلِكَ».قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ كَانَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا بِمَكَّةَ ، فَانْطَلَقَا حَتّى (3) أَتَيَا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ : ابْدَأْ أَنْتَ فَابْتَهِلْ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ سَلْهُ أَنْ يُنْطِقَ لَكَ الْحَجَرَ ، ثُمَّ سَلْ ؛ فَابْتَهَلَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ(4)فِي الدُّعَاءِ ، وَ سَأَلَ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - ، ثُمَّ دَعَا الْحَجَرَ ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : يَا عَمِّ ، لَوْ كُنْتَ وَصِيّاً وَ إِمَاماً ، لَأَجَابَكَ .(5)قَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : فَادْعُ اللَّهَ أَنْتَ يَا ابْنَ أَخِي ، وَ سَلْهُ ، فَدَعَا اللَّهَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بِمَا أَرَادَ ، ثُمَّ قَالَ : أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مِيثَاقَ الْأَنْبِيَاءِ وَ مِيثَاقَ الْأَوْصِيَاءِ وَ مِيثَاقَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ لَمَّا أَخْبَرْتَنَا مَنِ الْوَصِيُّ وَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْحُسَيْنِ عليه السلام (6) ؟» قَالَ : «فَتَحَرَّكَ الْحَجَرُ حَتّى كَادَ أَنْ يَزُولَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «قديمي».
2- .في الكافي المطبوع: «عليه».
3- .في «د»: + «إذا».
4- .في الكافي المطبوع: - «بن الحنفيّة».
5- .في الكافي المطبوع: - «الحجر».
6- .في الكافي المطبوع: + «بن عليّ».

ص: 21

مِنْ (1) مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ أَنْطَقَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْوَصِيَّةَ وَ الْإِمَامَةَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ (2) ابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَكَ (3)» .قَالَ : «فَانْصَرَفَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ هُوَ يَتَوَلّى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام» .

هديّة:لعلّ منازعة ابن الحنفيّة رضي اللَّه عنه في الأمر كانت بأمر أمير المؤمنين عليه السلام لمصالح وحِكَم ككفّ عوام الناس أو أشقيائهم أنفسهم عن قولهم بإمامته مع كمال اهتمامه في الإباء عنها جهاراً، وكظهور دلالة الإمامة لاطمينان طائفة من القلوب بعد الواقعة الهائلة، وكتشرّف جماعة بتشريف الإيمان بتلك المعجزة، وقبوله تكليف التحاكم إلى الحجر سريعاً بلا مضائقة ومعاسرة منه فيما ادّعاه مؤيّد.وقول برهان الفضلاء - : إنّ الاعتذار بأنّ تلك المعارضة إنّما كانت منه ليظهر الحقّ للناس لا وجه له، بدلالة ارتكابه لها في الخلوة أيضاً - لا يمنع ما قلناه لابتنائه بكونه مأموراً من حكيم واجب طاعته في كلّ ما أمر على الوجه الذي أمر.في بعض النسخ: «صلّى اللَّه على روحه» بدون الواو و«رضى اللَّه عنه» قبلها.و«الصنو» بالكسر: الأخ الشقيق،(4) إذا خرج نخلتان أو أكثر من أصل واحد صنو، والاثنتان: صنوان، بكسر النون، والجمع: صنوانٌ بالتنوين. وفي الحديث: «عمّ الرجل صنو أبيه».(5)و«في» في (وفي سنّي) سببيّة، و«القدمة» بالضمّ: السبقة في الأمر، كحضوره مراراً في خدمة أمير المؤمنين - صلوات اللَّه عليه - في غزواته. وضبط برهان الفضلاء - كما في بعض النسخ - : «وقديمي» على فعيل. وقد روى أنّ ابن الحنفيّة سئل عن كثرة

.


1- .في الكافي المطبوع: «عن».
2- .في الكافي المطبوع: + « عليهما السلام إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و».
3- .في الكافي المطبوع: - «لك».
4- .في «د»: «الشفيق».
5- .الأمالي للطوسي، ص 273، المجلس 10، ح 518، عن النبي صلى اللَّه عليه وآله؛ وعنه في البحار، ج 22، ص 286، ح 54.

ص: 22

حضوره بأمر أبيه عليه السلام في الحروب دون السبطين عليهما السلام، فقال: إنّهما عليهما السلام، بمنزلة العينين من أبي عليه السلام وأنا بمنزلة اليد، وباليد يحافظ العينان.«استشهد فلان»، على ما لم يسمّ فاعله: صار شهيداً.و«التشتّت»: التفرّق. وفي نسخة برهان الفضلاء على التفعيل، قال: يعني تشتيت اللَّه عزّ وجلّ في الآخرة أو في الدنيا بالفقر أو بالعجز عن الجواب عند دعوى الإمامة. و«الابتهال». التضرّع.(لمّا أخبرتنا) بفتح اللام وتشديد الميم، يعني أسألك أن لا تفعل شيئاً إلّا أن تخبرنا، أو ما أسألك إلّا إخبارك كذا.

الحديث السادس روى في الكافي عن الاثنين،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ سَمَاعَةِ عَنْ الْكَلْبِيِّ النَّسَّابَةِ(2) ، قَالَ : دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ وَ لَسْتُ أَعْرِفُ شَيْئاً مِنْ هذَا الْأَمْرِ ، فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَالِمِ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ، فَقَالُوا : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ .فَأَتَيْتُ مَنْزِلَهُ ، فَاسْتَأْذَنْتُ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ رَجُلٌ ظَنَنْتُ أَنَّهُ غُلَامٌ لَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : اسْتَأْذِنْ لِي عَلى مَوْلَاكَ ، فَدَخَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ لِيَ : ادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ ، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ مُعْتَكِفٍ شَدِيدِ الِاجْتِهَادِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ : أَنَا الْكَلْبِيُّ النَّسَّابَةُ ، فَقَالَ : مَا حَاجَتُكَ ؟ فَقُلْتُ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ : أَ مَرَرْتَ بِابْنِي مُحَمَّدٍ ؟ قُلْتُ : بَدَأْتُ بِكَ ، فَقَالَ : سَلْ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ ، فَقَالَ : تَبِينُ بِرَأْسِ الْجَوْزَاءِ ، وَ الْبَاقِي وِزْرٌ عَلَيْهِ وَ عُقُوبَةٌ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَاحِدَةٌ ، فَقُلْتُ : فَمَا تَقُولُ أَيُّهَا الشَّيْخُ (3) فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؟ فَقَالَ : قَدْ مَسَحَ قَوْمٌ صَالِحُونَ ، وَ نَحْنُ - أَهْلَ الْبَيْتِ - لَا نَمْسَحُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي :

.


1- .يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «... عن محمّد بن عليّ، قال: أخبرني سماعة بن مهران، قال، أخبرني الكلبيّ النسّابة».
3- .في الكافي المطبوع: «ما يقول الشيخ» بدل «فما تقول أيّها الشيخ».

ص: 23

ثِنْتَانِ ، فَقُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي أَكْلِ الْجِرِّيِّ ؟ أَ حَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ ؟ فَقَالَ : حَلَالٌ ، إِلَّا أَنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - نَعَافُهُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ثَلَاثٌ ، فَقُلْتُ : فَمَا تَقُولُ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ ؟ فَقَالَ : حَلَالٌ ، إِلَّا أَنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - لَا نَشْرَبُهُ ، فَقُمْتُ ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَ أَنَا أَقُولُ : هذِهِ الْعِصَابَةُ تَكْذِبُ عَلى أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ .فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَنَظَرْتُ إِلى جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : مَنْ أَعْلَمُ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ؟ فَقَالُوا : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ، فَقُلْتُ : قَدْ أَتَيْتُهُ ، فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئاً ، فَرَفَعَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : ائْتِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ؛ فَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ، فَلَامَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ - فَقُلْتُ : إِنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنْ إِرْشَادِي إِلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْحَسَدُ - فَقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ ، إِيَّاهُ أَرَدْتُ .فَمَضَيْتُ حَتّى صِرْتُ إِلى مَنْزِلِهِ ، فَقَرَعْتُ الْبَابَ ، فَخَرَجَ غُلَامٌ لَهُ ، فَقَالَ : ادْخُلْ يَا أَخَا كَلْبٍ ؛ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ أَدْهَشَنِي ، فَدَخَلْتُ وَ أَنَا مُضْطَرِبٌ ، وَ نَظَرْتُ فَإِذَا شَيْخٌ عَلى مُصَلًّى بِلَا مِرْفَقَةٍ وَ لَا بَرْذَعَةٍ(1) ، فَابْتَدَأَنِي بَعْدَ أَنْ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : «مَنْ أَنْتَ ؟» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! غُلَامُهُ يَقُولُ لِي بِالْبَابِ : «ادْخُلْ يَا أَخَا كَلْبٍ» وَ يَسْأَلُنِي الْمَوْلى : «مَنْ أَنْتَ ؟» فَقُلْتُ لَهُ : أَنَا الْكَلْبِيُّ النَّسَّابَةُ ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى جَبْهَتِهِ ، وَ قَالَ : «كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ ، وَ ضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً ، وَ خَسِرُوا خُسْرَاناً مُبِيناً ؛ يَا أَخَا كَلْبٍ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ : «وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً» أَفَتَنْسِبُهَا أَنْتَ ؟» فَقُلْتُ : لَا ، جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ لِي : «أَفَتَنْسِبُ نَفْسَكَ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، حَتَّى ارْتَفَعْتُ ، فَقَالَ لِي : «قِفْ ؛ لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وَيْحَكَ ، أَ تَدْرِي مَنْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، قَالَ : «إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ بْنُ فُلَانٍ الرَّاعِي الْكُرْدِيِّ إِنَّمَا كَانَ فُلَانٌ الرَّاعِي الْكُرْدِيُّ عَلى جَبَلِ آلِ فُلَانٍ ، فَنَزَلَ إِلى فُلَانَةَ امْرَأَةِ فُلَانٍ مِنْ جَبَلِهِ الَّذِي كَانَ يَرْعى غَنَمَهُ عَلَيْهِ ، فَأَطْعَمَهَا شَيْئاً وَ غَشِيَهَا ، فَوَلَدَتْ فُلَاناً ، وَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانَةَ وَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «بردعة».

ص: 24

ثُمَّ قَالَ : «أَ تَعْرِفُ هذِهِ الْأَسَامِيَ ؟» قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكُفَّ عَنْ هذَا فَعَلْتَ ، فَقَالَ : «إِنَّمَا قُلْتَ فَقُلْتُ». فَقُلْتُ : إِنِّي لَا أَعُودُ ، قَالَ : «لَا نَعُودُ إِذاً ، وَ سَلْ (1) عَمَّا جِئْتَ لَهُ».فَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ ، فَقَالَ : «وَيْحَكَ ، أَ مَا تَقْرَأُ سُورَةَ الطَّلَاقِ ؟» قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «فَاقْرَأْ»، فَقَرَأْتُ : «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ» قَالَ : «أَ تَرى هَاهُنَا نُجُومَ السَّمَاءِ؟» قُلْتُ : لَا .قُلْتُ : فَرَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً ؟ قَالَ : «يُرَدُّ(2) إِلى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله». ثُمَّ قَالَ : «لَا طَلَاقَ إِلَّا عَلى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ بِشَاهِدَيْنِ مَقْبُولَيْنِ». فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَاحِدَةٌ .ثُمَّ قَالَ : «سَلْ» ، قُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَتَبَسَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَ رَدَّ اللَّهُ كُلَّ شَيْ ءٍ إِلى شَيْئِهِ ، وَ رَدَّ الْجِلْدَ إِلَى الْغَنَمِ ، فَتَرى أَصْحَابَ الْمَسْحِ أَيْنَ يَذْهَبُ وُضُوؤُهُمْ ؟» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ثِنْتَانِ .ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «سَلْ» ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ أَكْلِ الْجِرِّيِّ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - مَسَخَ طَائِفَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؛ فَمَا أَخَذَ مِنْهُمْ بَحْراً ، فَهُوَ الْجِرِّيُّ وَ الزِّمَّارُ وَ الْمَارْمَاهِي وَ مَا سِوى ذلِكَ ؛ وَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ بَرّاً ، فَالْقِرَدَةُ وَ الْخَنَازِيرُ وَ الْوَبْرُ وَ الْوَرَلُ وَ مَا سِوى ذلِكَ». فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ثَلَاثٌ .ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، وَقَالَ : «سَلْ وَ قُمْ» فَقُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي النَّبِيذِ ؟ فَقَالَ : «حَلَالٌ». فَقُلْتُ : إِنَّا نَنْبِذُ فَنَطْرَحُ فِيهِ الْعَكَرَ وَ مَا سِوى ذلِكَ (3) ؟ فَقَالَ : «شُهْ شُهْ ، تِلْكَ الْخَمْرَةُ الْمُنْتِنَةُ». فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَيَّ نَبِيذٍ تَعْنِي ؟ فَقَالَ : «إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ شَكَوْا إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله تَغَيُّرَ(4) الْمَاءِ وَ فَسَادَ طَبَائِعِهِمْ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْبِذُوا ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْمُرُ خَادِمَهُ أَنْ يَنْبِذَ لَهُ ، فَيَعْمِدُ إِلى كَفٍّ مِنَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «سل».
2- .في الكافي المطبوع: «تردّ».
3- .في الكافي المطبوع: + «ونشربه».
4- .في الكافي المطبوع: «تغيير».

ص: 25

التَّمْرِ ، فَيَقْذِفُ بِهِ فِي الشَّنِّ ، فَمِنْهُ شُرْبُهُ ، وَ مِنْهُ طَهُورُهُ».فَقُلْتُ : وَ كَمْ كَانَ عَدَدُ التَّمْرِ الَّذِي (1) فِي الْكَفِّ ؟ فَقَالَ : «مَا حَمَلَ الْكَفُّ». فَقُلْتُ : وَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ ؟ فَقَالَ : «رُبَّمَا كَانَتْ وَاحِدَةً ، وَ رُبَّمَا كَانَتْ ثِنْتَيْنِ».فَقُلْتُ : وَ كَمْ كَانَ يَسَعُ الشَّنُّ ؟ فَقَالَ : «مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ إِلى مَا فَوْقَ ذلِكَ». فَقُلْتُ : بِالْأَرْطَالِ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ ، أَرْطَالٌ بِمِكْيَالِ الْعِرَاقِ».قَالَ سَمَاعَةُ : قَالَ الْكَلْبِيُّ : ثُمَّ غَضَ (2) عليه السلام ، وَ قُمْتُ ، وَخَرَجْتُ (3) وَ أَنَا أَضْرِبُ بِيَدِي عَلَى الْأُخْرى ، وَ أَنَا أَقُولُ : إِنْ كَانَ شَيْ ءٌ فَهذَا . فَلَمْ يَزَلِ الْكَلْبِيُّ يَدِينُ اللَّهَ بِحُبِّ أَهْلِ (4) هذَا الْبَيْتِ حَتّى مَاتَ .

هديّة:سيذكر طائفة من هذا الخبر في كتاب المطاعم والمشارب بسند آخر أيضاً عن سماعة.(5)«كلب»: أبو قبيلة، والتاء في (النسّابة) لتأكيد المبالغة كالعلّامة.و(عبداللَّه بن الحسن) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، يلقّب ابنه محمّد بالنفس الزكيّة مدّعياً الإمامة لنفسه، خرج وقتل، وسيجي ء قصّته.(بشيخ معتكف) أي معتزل، فالمراد الاعتكاف اللغويّ.(برأس الجوزاء) بالمدّ أي بعدد النجوم التي يُقال لها: رأس الجوزاء، قصد أنّه يقع ثلاث طلقات؛ لأنّ كلّ رأس من رأس الجوزاء متوهّمة من ثلاثة كواكب من صغارها على شكل مثلّث صغير.

.


1- .في الكافي المطبوع: + «كان».
2- .في الكافي المطبوع: «نهض».
3- .في الكافي المطبوع: «فخرجت».
4- .في الكافي المطبوع: «آل».
5- .اُنظر: الكافي، ج 6، ص 221، باب آخر منه (صيد السمك)، ح 12؛ وص 416، باب النبيذ، ح 3.

ص: 26

(والباقي وزر عليه) يعني لارتكابه البدعة في الصيغة المشروعة على زعم المخالفين، وهي أنت طالق ثلاثاً.(واحدة) أي علامة واحدة لجهله.و(النبيذ) فعيل بمعنى المفعول، من باب نصر، وهو الماء الذي يطرح فيه شي ء، إمّا لأجل أن يصير مسكراً، فالمطروح فيه إمّا تمر أو زبيب أو عسل أو شعير أو حنطة أو دخن أو غير ذلك، يغلي فيصير خمراً مسكراً، ويسمّى بالفقّاع أيضاً على وزن الرمّان. وإمّا لأجل إصلاح ملوحة الماء وتغيّره، وهو النبيذ الحلال، كما وصف في آخر الحديث.(نعافه): نكرهه.في بعض النسخ: «فعلمت أنّ القوم» مكان (فقلت).و«المرفقة»: المخدّة بكسر الميم فيهما. و«البردعة» بإهمال الدال المفتوحة وإعجامها، وفتح المفردة: البلاس، أي بلا برذعة تحت مصلّاه.و(العادلون باللَّه): المشركون باللَّه، يعني لكسبهم مشكلات العلوم من غير الحجّة المعصوم.و(الكردي): نسبة إلى كرد، طائفة معروفة.(واحدة) أي علامة واحدة لعلمه.(والوبر): دويبة كالسنّور.(والورل) محرّكة: دابّة كالضّبّ، أو العظيم من أشكال الوزغ طويل الذنب صغير الرأس.و(العكر) محرّكة: الدرديّ من كلّ شي ء، والمراد هنا دردي النبيذ بمعنى الخمر.(شُه شُهْ) بالضمّ: كلمة تقبيح.و(الشنّ) بالفتح والتشديد: القربة.في بعض النسخ: «ثمّ نهض» مكان (ثمّ غضّ).

.

ص: 27

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده، عَنْ أَبِي يَحْيى الْوَاسِطِيِ (1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ : كُنَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَا وَ صَاحِبُ الطَّاقِ ، وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ أَنَا وَ صَاحِبُ الطَّاقِ ، وَ النَّاسُ عِنْدَهُ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ بِهِ عَاهَةٌ». فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَسْأَلُهُ عَمَّا كُنَّا نَسْأَلُ عَنْهُ أَبَاهُ عليه السلام ، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الزَّكَاةِ فِي كَمْ تَجِبُ ؟ فَقَالَ : فِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ ، فَقُلْنَا : فِي مِائَةٍ ؟ فَقَالَ : دِرْهَمَانِ وَ نِصْفٌ ، فَقُلْنَا : وَ اللَّهِ مَا تَقُولُ الْمُرْجِئَةُ هذَا ، قَالَ : فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ الْمُرْجِئَةُ .قَالَ : فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ضُلَّالاً لَا نَدْرِي إِلى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ أَنَا وَ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ ، فَقَعَدْنَا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ بَاكِينَ حَيَارى لَا نَدْرِي إِلى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ ، وَ لَا مَنْ نَقْصِدُ ، نَقُولُ : إِلَى الْمُرْجِئَةِ ؟ إِلَى الْقَدَرِيَّةِ ؟ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ ؟ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ ؟ إِلَى الْخَوَارِجِ ؟فَنَحْنُ كَذلِكَ إِذْ رَأَيْتُ رَجُلاً شَيْخاً لَا أَعْرِفُهُ ، يُومِئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عَيْناً مِنْ عُيُونِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ جَوَاسِيسُ يَنْظُرُونَ إِلى مَنِ اتَّفَقَتْ شِيعَةُ جَعْفَرٍ عليه السلام عَلَيْهِ ، فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ، فَقُلْتُ لِلْأَحْوَلِ : تَنَحَّ ؛ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلى نَفْسِي وَ عَلَيْكَ ، وَ إِنَّمَا يُرِيدُنِي لَا يُرِيدُكَ ، فَتَنَحَّ عَنِّي لَا تَهْلِكَ ، وَ تُعِينَ عَلى نَفْسِكَ ، فَتَنَحّى غَيْرَ بَعِيدٍ ، وَ تَبِعْتُ الشَّيْخَ - وَ ذلِكَ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ - فَمَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ ، وَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَى الْمَوْتِ حَتّى وَرَدَ بِي عَلى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، ثُمَّ خَلَّانِي وَ مَضى .فَإِذَا خَادِمٌ بِالْبَابِ ، فَقَالَ لِيَ : ادْخُلْ رَحِمَكَ اللَّهُ ، فَدَخَلْتُ ، فَإِذَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، فَقَالَ لِيَ - ابْتِدَاءً مِنْهُ - : «لَا إِلَى الْمُرْجِئَةِ ، وَ لَا إِلَى الْقَدَرِيَّةِ ، وَ لَا إِلَى الزَّيْدِيَّةِ ، وَ لَا إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ ، وَ لَا إِلَى الْخَوَارِجِ ، إِلَيَّ إِلَيَّ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي».

ص: 28

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَضى أَبُوكَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ: مَضى مَوْتاً ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ : فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ ؟ فَقَالَ : «إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ ، هَدَاكَ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ؟ قَالَ : «يُرِيدُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَا يُعْبَدَ اللَّهُ» . قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ ؟ قَالَ : «إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ ، هَدَاكَ». قَالَ : قُلْتُّ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَنْتَ هُوَ ؟ قَالَ : «لَا ، مَا أَقُولُ ذلِكَ». قَالَ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَمْ أُصِبْ طَرِيقَ الْمَسْأَلَةِ .ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، عَلَيْكَ إِمَامٌ ؟ قَالَ : «لَا» . فَدَاخَلَنِي شَيْ ءٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ إِعْظَاماً لَهُ وَ هَيْبَةً أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحُلُّ بِي مِنْ أَبِيهِ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ .ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَسْأَلُكَ كَمَا كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَاكَ؟ فَقَالَ : «سَلْ ؛ تُخْبَرْ ، وَ لَا تُذِعْ فَإِنْ أَذَعْتَ ، فَهُوَ الذَّبْحُ» : فَسَأَلْتُهُ ، فَإِذَا هُوَ بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ .قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، شِيعَتُكَ وَ شِيعَةُ أَبِيكَ ضُلَّالٌ ، فَأُلْقِي إِلَيْهِمْ وَ أَدْعُوهُمْ (1) إِلَيْكَ ، فَقَدْ أَخَذْتَ عَلَيَّ الْكِتْمَانَ ؟ قَالَ : «مَنْ آنَسْتَ مِنْهُ رُشْداً فَأَلْقِ إِلَيْهِ ، وَ خُذْ عَلَيْهِ الْكِتْمَانَ ، فَإِنْ أَذَاعُوا فَهُوَ الذَّبْحُ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ .قَالَ (2) : فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْأَحْوَلَ ، فَقَالَ لِي : مَا وَرَاءَكَ ؟ قُلْتُ : الْهُدى ، فَحَدَّثْتُهُ بِالْقِصَّةِ ، قَالَ : ثُمَّ لَقِينَا الْفُضَيْلَ وَ أَبَا بَصِيرٍ ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ ، وَ سَمِعَا كَلَامَهُ ، وَ سَاءَلَاهُ ، وَ قَطَعَا عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ .ثُمَّ لَقِينَا النَّاسَ أَفْوَاجاً ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَطَعَ إِلَّا طَائِفَةَ عَمَّارٍ وَ أَصْحَابَهُ ، وَ بَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَدْخُلُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ ، قَالَ : مَا حَالَ النَّاسَ ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّ هِشَاماً صَدَّ عَنْكَ النَّاسَ . قَالَ هِشَامٌ : فَأَقْعَدَ لِي بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ لِيَضْرِبُونِي .

هديّة:(صاحب الطاق): مؤمن الطّاق.

.


1- .في حاشية «الف»: «فألق إليهم وادعهم» بدل «فألقي إليهم وأدعوهم».
2- .في «الف»: - «قال».

ص: 29

و(عبد اللَّه بن جعفر) هو الملقّب بالأفطح، ينسب إليه الفطحيّة، كان أكبر إخوته بعد أبيه، لكن كان به عاهة في رجليه، قيل: وفي أنفه أيضاً. وقد سبق بيانه.(واللَّه ما تقول المرجئة هذا) أي وجوب الزكاة في أقلّ من مأتي درهم، يعني أنت أجهل من المخالفين المؤخّرين خلافة أمير المؤمنين عليه السلام عن خلافة أئمّتهم. ويحتمل أن يكون كلمة «ما» في الأخير موصولة، فإقرار بعدم علمه ببعض الأحكام المعلوم لهم.و(المرجئة) من الإرجاء بمعنى التأخير، فقيل: لتأخيرهم الإمام الحقّ، وقيل: لتأخيرهم الأعمال عن الإيمان، فإنّهم يقولون إنّ الإيمان هو مجرّد العلم بجميع ما جاء به النبيّ عليه السلام وليس عمل من الأعمال داخلاً فيه، سواء كان من أعمال القلب كالتصديق، أو من أعمال الجوارح كالصلاة، ويقولون: لا تفاوت بين أفراد الإيمان بالقوّة والضعف، مصرّحين بعدم الفرق بين إيمان أفسق الفسّاق وإيمان جبرئيل عليه السلام.(1)و(القدريّة). قيل: هم المفوّضة من المعتزلة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قدرهم وتدبيرهم، بمعنى كونهم قادرين مختارين بالاستقلال. وقيل: بل هم الأشاعرة؛ لإنكارهم استقلال العبد في فعله أصلاً بنسبتهم ذلك إلى قدرة اللَّه سبحانه بدون مدخليّة العبد فيه بوجه. والأصحّ أنّ القدريّة هم الصوفيّة؛ لتضييقهم على أنفسهم بالرياضات الشاقّة المبتدعة المحرّمة، من القدر بمعنى الضيق.ومن معاني «العين»: الجاسوس.(لا ينزف) أي لا ينفد ماؤه بالنزح.في بعض النسخ: «فألق إليهم وادعهم».(وساءلاه) من المسائلة للكثرة.(إلّا طائفة عمّار) يعني عمّار بن موسى الساباطي وأصحابه القائلين أوّلاً بإمامة الأفطح. وروي أنّ عبداللَّه عاش بعد أبيه أبي عبداللَّه عليه السلام سبعين يوماً، فرجع أكثر الفطحيّة

.


1- .راجع الملل والنحل للشهرستاني ، ج 1 ، ص 161 - 162.

ص: 30

كعمّار وغيره، فقالوا بإمامة أبي الحسن الأوّل عليه السلام ووقفوا عليه.(1) وروى الكشّي - رحمه اللَّه - في عمّار الساباطي بإسناده، عن الكاظم عليه السلام أنّه قال: «إنّي استوهبت عمّار الساباطي من ربّي» فوهبه له.(2)

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ هَاشِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَانٍ الْوَاقِفِيِّ ،(3) قَالَ : كَانَ لِيَ ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ : الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَ كَانَ زَاهِداً ، وَ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ ، وَ كَانَ يَتَّقِيهِ السُّلْطَانُ ؛ لِجِدِّهِ فِي الدِّينِ وَ اجْتِهَادِهِ ، وَ رُبَّمَا اسْتَقْبَلَ السُّلْطَانَ بِكَلَامٍ صَعْبٍ يَعِظُهُ ، وَ يَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَ يَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَ كَانَ السُّلْطَانُ يَحْتَمِلُهُ ؛ لِصَلَاحِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ (4) هذِهِ حَالَتَهُ حَتّى كَانَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام - وَ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ - فَرَآهُ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : «يَا أَبَا عَلِيٍّ ، مَا أَحَبَّ إِلَيَّ مَا أَنْتَ فِيهِ وَ أَسَرَّنِي ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَتْ لَكَ مَعْرِفَةٌ ، فَاطْلُبِ الْمَعْرِفَةَ» .قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا الْمَعْرِفَةُ ؟ قَالَ : «اذْهَبْ فَتَفَقَّهْ ، وَ اطْلُبِ الْحَدِيثَ». قَالَ : عَمَّنْ ؟ قَالَ : «عَنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ اعْرِضْ عَلَيَّ الْحَدِيثَ». قَالَ فَذَهَبَ ، فَكَتَبَ ، ثُمَّ جَاءَهُ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَأَسْقَطَهُ كُلَّهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : «اذْهَبْ فَاعْرِفِ الْمَعْرِفَةَ».وَ كَانَ الرَّجُلُ مَعْنِيّاً بِدِينِهِ ، قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَصَّدُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام حَتّى خَرَجَ إِلى ضَيْعَةٍ لَهُ ، فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي أَحْتَجُّ عَلَيْكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ، فَدُلَّنِي عَلَى الْمَعْرِفَةِ ، قَالَ : فَأَخْبَرَهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ مَا كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الرَّجُلَيْنِ فَقَبِلَ مِنْهُ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : فَمَنْ كَانَ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ؟ قَالَ : «الْحَسَنُ عليه السلام ثُمَّ الْحُسَيْنُ عليه السلام». حَتَّى انْتَهى إِلى نَفْسِهِ ، ثُمَّ سَكَتَ .

.


1- .رجال الكشّي، ص 254، الرقم 472.
2- .رجال الكشّي، ص 406، الرقم 763.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد، عن محمّد بن فلان الواقفي».
4- .في الكافي المطبوع: «فلم تزل».

ص: 31

قَالَ : فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَنْ هُوَ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : «إِنْ أَخْبَرْتُكَ ، تَقْبَلُ ؟» قَالَ : بَلى جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «أَنَا هُوَ». قَالَ : فَشَيْ ءٌ أَسْتَدِلُّ بِهِ ؟ قَالَ : «اذْهَبْ إِلى تِلْكَ الشَّجَرَةِ - وَ أَشَارَ إِلى أُمِّ غَيْلَانَ - فَقُلْ لَهَا : يَقُولُ لَكَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ : أَقْبِلِي».قَالَ : فَأَتَيْتُهَا ، فَرَأَيْتُهَا وَ اللَّهِ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدّاً حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهَا ، فَرَجَعَتْ ، قَالَ : فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ لَزِمَ الصَّمْتَ وَ الْعِبَادَةَ ، فَكَانَ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(معنيّاً بدينه) قيل اسم مفعول من العناية، يعني ذا عناية من اللَّه تعالى بدينه. قال برهان الفضلاء: أي ملقى في الاهتمام بدينه. والأولى أي مقصوداً مشاراً إليه للأنظار بسبب دينه حتّى أنّ السلطان لا يسخط عليه في تكلّمه بكلام صعب يعظه، بل دائماً يحتمله، أي يتحمّل عنه ذلك.و«الضيعة» بالفتح: واحدة الضّياع.(ثمّ لزم الصمت) يعني التقيّة، فإنّ الصمت بلا ضرورة شرعيّة من طلوع يوم إلى غروبه، وهو المسمّى بصمت الوصال حرام شرعاً، خلافاً للصوفيّة القدريّة.(أحد) لعلّ المعنى: أحد من المخالفين أو مع المخالفين؛ لمكانه من السلطان واهتمامه في التقيّة والحذر عن الإذاعة.(تخدّ الأرض) كمدّ: تشقّها.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ قَاضِيَ سَامَرَّاءَ - بَعْدَ مَا جَهَدْتُ بِهِ وَ نَاظَرْتُهُ وَ حَاوَرْتُهُ وَ وَاصَلْتُهُ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ عُلُومِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله - فَقَالَ : بَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ دَخَلْتُ أَطُوفُ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن الطيّب، عن عبد الوهاب بن منصور».

ص: 32

فَرَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الرِّضَا عليهما السلام يَطُوفُ بِهِ ، فَنَاظَرْتُهُ فِي مَسَائِلَ عِنْدِي ، فَأَخْرَجَهَا إِلَيَّ ، فَقُلْتُ لَهُ (1) : وَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ مَسْأَلَةً ، وَ إِنِّي وَ اللَّهِ ، لَأَسْتَحْيِي مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ لِي : «أَنَا أُخْبِرُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي ، تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِمَامِ». فَقُلْتُ : هُوَ وَ اللَّهِ هذَا ، فَقَالَ : «أَنَا هُوَ» . فَقُلْتُ : عَلَامَةً ؟ فَكَانَ فِي يَدِهِ عَصًا ، فَنَطَقَتْ ، وَ قَالَتْ : إِنَّ مَوْلَايَ إِمَامُ هذَا الزَّمَانِ وَ هُوَ الْحُجَّةُ .

هديّة:«الأكثم» بالمثلّثة، أي واسع البطن.و(سامرّاء) بفتح الميم وكسرها: مخفّف «سرّ من رأى».و(يحيى بن أكثم) معروف فيما بين المخالفين بالعلّامة.(جهدت به) كمنع: امتحنته في مقدار علمه بفضل أئمّتنا عليهم السلام. و«المناظرة»: المباحثة. «تحاوروا»: تراجعوا في الكلام. وقرأ برهان الفضلاء بالجيم، من المجاورة بمعنى المصاحبة. و«المواصلة»: المحابّة.(فقلت: علامة) أي هذه دلالة، أو المعنى تلزم لقولك دلالة. ودلالات إمامتهم عليهم السلام أكثر من أن يحصى.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(2) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وَ أَنَا يَوْمَئِذٍ وَاقِفٌ ، وَ قَدْ كَانَ أَبِي سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ سَبْعِ مَسَائِلَ ، فَأَجَابَهُ فِي سِتٍّ وَ أَمْسَكَ عَنِ السَّابِعَةِ - فَقُلْتُ : وَ اللَّهِ ، لَأَسْأَلَنَّهُ عَمَّا سَأَلَ أَبِي أَبَاهُ ، فَإِنْ أَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ ، كَانَتْ دَلَالَةً ، فَسَأَلْتُهُ ، فَأَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ أَبِي (3) فِي الْمَسَائِلِ السِّتِّ ، فَلَمْ يَزِدْ فِي الْجَوَابِ وَاواً وَ لَا يَاءً ، وَ أَمْسَكَ عَنِ السَّابِعَةِ .وَ قَدْ كَانَ أَبِي قَالَ لِأَبِيهِ : إِنِّي أَحْتَجُّ عَلَيْكَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ زَعَمْتَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ

.


1- .في «الف»: - «له».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد أو غيره، عن عليّ بن الحكم».
3- .في «الف» : «لأبي».

ص: 33

إِمَاماً ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى عُنُقِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : «نَعَمِ احْتَجَّ عَلَيَّ بِذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ إِثْمٍ ، فَهُوَ فِي رَقَبَتِي».فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ شِيعَتِنَا يُبْتَلى بِبَلِيَّةٍ أَوْ يَشْتَكِي ، فَيَصْبِرُ عَلى ذلِكَ ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ أَلْفِ شَهِيدٍ» .فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَ اللَّهِ ، مَا كَانَ لِهذَا ذِكْرٌ ، فَلَمَّا مَضَيْتُ وَ كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، خَرَجَ بِي عِرْقُ الْمَدِينِيِّ ، فَلَقِيتُ مِنْهُ شِدَّةً .فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ ، حَجَجْتُ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ قَدْ بَقِيَ مِنْ وَجَعِي بَقِيَّةٌ ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ (1) لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، عَوِّذْ رِجْلِي - وَ بَسَطْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - فَقَالَ لِي : «لَيْسَ عَلى رِجْلِكَ هذِهِ بَأْسٌ ، وَ لكِنْ أَرِنِي رِجْلَكَ الصَّحِيحَةَ». فَبَسَطْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَعَوَّذَهَا ، فَلَمَّا خَرَجْتُ ، لَمْ أَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتّى خَرَجَ بِيَ الْعِرْقُ ، وَ كَانَ وَجَعُهُ يَسِيراً .

هديّة:(واقف) أي على إمامة أبيه عليهما السلام. واعتقاد الواقفة أنّ موسى بن جعفر عليهما السلام حيّ غائب، وهو القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، لمثل ما روي عن الصادق عليه السلام: إنّ من ولده من هو كذلك.(2) فحمله جماعة على الولد بلا واسطة.(بمثل جواب أبيه لأبي) في بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أبي» بدون اللام. قيل: ولعلّ السابعة سؤال عن وقت ظهور القائم عليه السلام. ولعلّ المراد من قوله: «وقد كان أبي قال لأبيه» إنّي أحتجّ إظهار إصراره في الوقف لحمله الولد في حديث أبي عبداللَّه عليه السلام على الولد بلا واسطة كسائر الواقفة.(يبتلى) على المجهول.(يشتكي) على المعلوم، من الاشتكاء وهو حالة المرض.

.


1- .في الكافي المطبوع: «وقلت».
2- .اُنظر: الكافي، ج 1، ص 341، باب في الغيبة، ح 21؛ كمال الدين، ج 1، ص 287، ح 4؛ و ج 2، ص 332، باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام من النصّ على القائم.

ص: 34

والإضافة في (عرق المديني) لاميّة؛ قاله برهان الفضلاء، وهو يخرج كثيراً في رِجْل الإنسان شبيهاً بالعرق، فيلفّ كلّما يخرج حتّى ينقطع بنفسه، ولو قطع قبل ذلك صار ذا رؤوس، فيخرج كلّ رأس منه من موضع آخر ويُقال له بالفارسيّة : «رشته».و«مدين» على فعيل، بمعنى المديون، دنت الرّجل: أقرضته، فهو مدين ومديون، والمدين يكون ذليلاً لكثرة أنينه من الوجع، فسمّيت تلك العلّة بالعرق المديني، أي العرق المنسوب إلى المدين نسبة الشخص إلى الجنس، كما يُقال: شخص الإنساني.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ،(1) عَنِ ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ - وَ كَانَ مِنَ الْوَاقِفَةِ - قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عليهما السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : يَكُونُ إِمَامَانِ ؟ قَالَ : «لَا ، إِلَّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِتٌ» .فَقُلْتُ لَهُ : هُوَ ذَا أَنْتَ ، لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ - وَ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام بَعْدُ - فَقَالَ لِي : «وَ اللَّهِ ، لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِهِ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ ، وَ يَمْحَقُ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ». فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام .فَقِيلَ لِابْنِ قِيَامَا : أَ لَا تُقْنِعُكَ هذِهِ الْآيَةُ ؟ فَقَالَ : أَمَا وَ اللَّهِ ، إِنَّهَا لَآيَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَ لكِنْ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي ابْنِهِ؟

هديّة:قد سبق مضمونه في الباب الثاني والسبعين.(2)والمراد ب (ما قال أبو عبداللَّه عليه السلام في ابنه) إمّا قوله عليه السلام: «أنّ موسى قد لبس الدّرع وساوى عليه»، وقد بيّن في الحديث الثالث من الباب السبعين (3)، وإمّا ما رواه الكشّي في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ».
2- .الكافي، ج 1، ص 321، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني عليه السلام، ح 7.
3- .الكافي، ج 1، ص 308، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى عليه السلام، ح 3.

ص: 35

ترجمة يحيى بن القاسم، أنّه قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «منّا ثمانية محدّثون، سابعهم القائم».(1) وقال برهان الفضلاء:هذه الرواية - على تقدير صحّتها - كانت في حياة الكاظم عليه السلام، فالمعنى أنّ مِن زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله إلى الكاظم عليه السلام وجد ثمانية من المحدّثين، سابعهم وهو الصادق عليه السلام قائم بالأمر اليوم.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنِ الْوَشَّاءِ ، قَالَ : أَتَيْتُ خُرَاسَانَ وَ أَنَا وَاقِفٌ ، فَحَمَلْتُ مَعِي مَتَاعاً ، وَ كَانَ مَعِي ثَوْبٌ وَشِيٌّ فِي بَعْضِ الرِّزَمِ ، وَ لَمْ أَشْعُرْ بِهِ ، وَ لَمْ أَعْرِفْ مَكَانَهُ ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْوَ ، وَ نَزَلْتُ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهَا ، لَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَ رَجُلٌ مَدَنِيٌّ مِنْ بَعْضِ مُوَلَّدِيهَا ، فَقَالَ لِي : إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ لَكَ (3) : «ابْعَثْ إِلَيَّ الثَّوْبَ الْوَشِيَّ الَّذِي عِنْدَكَ». قَالَ : فَقُلْتُ : وَ مَنْ أَخْبَرَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام بِقُدُومِي وَ أَنَا قَدِمْتُ آنِفاً ؟ وَ مَا عِنْدِي ثَوْبٌ وَشِيٌّ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، وَ عَادَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : يَقُولُ لَكَ : «بَلى هُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا ، وَ رِزْمَتُهُ كَذَا وَ كَذَا». فَطَلَبْتُهُ حَيْثُ قَالَ ، فَوَجَدْتُهُ فِي أَسْفَلِ الرِّزْمَةِ ، فَبَعَثْتُ بِهِ إِلَيْهِ .

هديّة:«الوشيّ»: معتلّ الفاء واللام من باب ضرب: نقش الثوب، و«الوشّاء» بالمدّ: نقّاشه، والوشيّ فعيل بمعنى المفعول.و«الرِّزمة» بتقديم المهملة المكسورة: ما شدّ في ثوب واحد. الجوهري: «الرّزمة»: الكارة من الثياب.(4)والفتح لغة، والجمع رُزُم، كارم والكارة: ما يحمل على الظهر من الثياب، وتكوير

.


1- .رجال الكشّي، ص 474، الرقم 901.
2- .يعنى: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
3- .فى «د»: - «لك».
4- .الصحاح، ج 5، ص 1931 (رزم).

ص: 36

المتاع: جمعه وشدّه، ورزّم الثياب ترزيماً: شدّها.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ،(1) قَالَ : كُنْتُ وَاقِفاً ، وَ حَجَجْتُ عَلى تِلْكَ الْحَالِ ، فَلَمَّا صِرْتُ بِمَكَّةَ ، خَلَجَ فِي صَدْرِي شَيْ ءٌ ، فَتَعَلَّقْتُ بِالْمُلْتَزَمِ ، ثُمَّ قُلْتُ : اللَّهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ طَلِبَتِي وَ إِرَادَتِي ، فَأَرْشِدْنِي إِلى خَيْرِ الْأَدْيَانِ .فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ آتِيَ الرِّضَا عليه السلام ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ، فَوَقَفْتُ بِبَابِهِ ، وَ قُلْتُ لِلْغُلَامِ : قُلْ لِمَوْلَاكَ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْبَابِ ، قَالَ : فَسَمِعْتُ نِدَاءَهُ وَ هُوَ يَقُولُ : «ادْخُلْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغِيرَةِ ، ادْخُلْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغِيرَةِ». فَدَخَلْتُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ ، قَالَ لِي : «قَدْ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَكَ ، وَ هَدَاكَ لِدِينِهِ». فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ ، وَ أَمِينُهُ عَلى خَلْقِهِ .

هديّة:(الملتزم) بفتح الزاي: موضع من الكعبة قرب الركن اليماني تجاه الباب. و«الطلبة» بكسر اللام: ما طلبته من شي ء.ووجه تكرار ندائه عليه السلام ظاهر.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُلَيْلٍ يَقُولُ بِعَبْدِ اللَّهِ ، فَصَارَ إِلَى الْعَسْكَرِ ، فَرَجَعَ عَنْ ذلِكَ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ سَبَبِ رُجُوعِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي عَرَّضْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ (3)عَنْ ذلِكَ ، فَوَافَقَنِي فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ ، فَمَالَ نَحْوِي حَتّى إِذَا حَاذَانِي أَقْبَلَ نَحْوِي بِشَيْ ءٍ مِنْ فِيهِ ، فَوَقَعَ عَلى صَدْرِي ، فَأَخَذْتُهُ فَإِذَا هُوَ رَقٌّ فِيهِ مَكْتُوبٌ : «مَا كَانَ هُنَالِكَ ، وَ لَا كَذلِكَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «ابن فضّال ، عن عبد اللَّه بن المغيرة».
2- .يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
3- .في الكافي المطبوع: «أن أسأله».

ص: 37

هديّة:(هليل) كصغير: تصغير هلال.و«التعريض»: البسط، والمراد بسط العزم أو الشخص للسؤال.(بعبد اللَّه) أي بإمامة عبد اللَّه الأفطح.و(العسكر): محلّة بسرّ من رأى.ولعلّ المراد ب (أبي الحسن) هو الهادي عليه السلام.و«الرّقّ» بالفتح ويكسر: ما يعدّ من جلد الظبي للكتابة.في بعض النسخ: «هناك» مكان (هنالك).قال برهان الفضلاء: يعني ما كان عبد اللَّه في مرتبة الإمامة، ولا مثل مرتبة الإمامة، يعني ولا في مرتبة قريبة من مرتبة الإمامة.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا - ذَكَرَ اسْمَهُ - قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا(1) مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (2) بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُوسى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالُوا : «جَاءَتْ أُمُّ أَسْلَمَ (3)إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله - وَ هُوَ فِي مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ - فَسَأَلَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَتْ : خَرَجَ فِي بَعْضِ الْحَوَائِجِ وَ السَّاعَةَ يَجِي ءُ ، فَانْتَظَرَتْهُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ حَتّى جَاءَ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَتْ أُمُّ أَسْلَمَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ قَرَأْتُ الْكُتُبَ ، وَ عَلِمْتُ كُلَّ نَبِيٍّ وَ وَصِيٍّ ، فَمُوسى كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فِي حَيَاتِهِ ، وَ وَصِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَ كَذلِكَ عِيسى ، فَمَنْ وَصِيُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ لَهَا : يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، وَصِيِّي فِي حَيَاتِي وَ بَعْدَ مَمَاتِي وَاحِدٌ .ثُمَّ قَالَ لَهَا : يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، مَنْ فَعَلَ فِعْلِي ، فَهُوَ وَصِيِّي .

.


1- .في الكافي المطبوع: «أخبرنا».
2- .في الكافي المطبوع: + «بن عبيداللَّه».
3- .في الكافي المطبوع: + «يوماً».

ص: 38

ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى حَصَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فَفَرَكَهَا بِإِصْبَعِهِ ، فَجَعَلَهَا شِبْهَ الدَّقِيقِ ، ثُمَّ عَجَنَهَا ، ثُمَّ طَبَعَهَا بِخَاتَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ فَعَلَ فِعْلِي هذَا ، فَهُوَ وَصِيِّي فِي حَيَاتِي وَ بَعْدَ مَمَاتِي.فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَأَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي، أَنْتَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا أُمَّ أَسْلَمَ .ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى حَصَاةٍ ، فَفَرَكَهَا ، فَجَعَلَهَا كَهَيْئَةِ الدَّقِيقِ ، ثُمَّ عَجَنَهَا ، وَ خَتَمَهَا بِخَاتَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، مَنْ فَعَلَ فِعْلِي هذَا ، فَهُوَ وَصِيِّي.فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ عليه السلام وَ هُوَ غُلَامٌ - فَقُلْتُ لَهُ : يَا سَيِّدِي ، أَنْتَ وَصِيُّ أَبِيكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ ، وَ أَخَذَ حَصَاةً ، فَفَعَلَ بِهَا كَفِعْلِهِمَا .فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَأَتَيْتُ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ إِنِّي لَمُسْتَصْغِرَةٌ لِسِنِّهِ - فَقُلْتُ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَنْتَ وَصِيُّ أَخِيكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، ائْتِينِي بِحَصَاةٍ. ثُمَّ فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ عليهم السلام .فَعَمَّرَتْ أُمُّ أَسْلَمَ حَتّى لَحِقَتْ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي مُنْصَرَفِهِ ، فَسَأَلَتْهُ : أَنْتَ وَصِيُّ أَبِيكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . ثُمَّ فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ» .

هديّة:(وصيّ في حياته) يعني هارون، (ووصيّ بعد موته) يعني يوشع بن نون.(فخرجت من عنده) أوّلاً إلى قوله: (فعمّرت) على المجهول من التفعيل، ليس على نسق الفقرات السابقة، بل حكاية كلام اُمّ أسلم بتقدير القول، فلا تغفل.(لمستصغره) بالتاء أو بالضمير.والضمير في (منصرفه) لعليّ بن الحسين عليهما السلام، (فسألته) أي اُمّ أسلم عليّ بن الحسين عليهما السلام.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجَارُودِ ،(1) عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرِ بْنِ دَابٍ ، عَمَّنْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن الجارود».

ص: 39

حَدَّثَهُ (1) : أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ دَخَلَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، وَ مَعَهُ كُتُبٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَدْعُونَهُ فِيهَا إِلى أَنْفُسِهِمْ ، وَ يُخْبِرُونَهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ ، وَ يَأْمُرُونَهُ بِالْخُرُوجِ .فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هذِهِ الْكُتُبُ ابْتِدَاءٌ مِنْهُمْ ، أَوْ جَوَابُ مَا كَتَبْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ وَ دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ ؟» فَقَالَ : بَلِ ابْتِدَاءٌ مِنَ الْقَوْمِ ؛ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِّنَا وَ بِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لِمَا يَجِدُونَهُ (2) فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - مِنْ وُجُوبِ مَوَدَّتِنَا وَ فَرْضِ طَاعَتِنَا ، وَ لِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الضِّيقِ وَ الضَّنْكِ وَ الْبَلَاءِ .فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ الطَّاعَةَ مَفْرُوضَةٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَسُنَّةٌ أَمْضَاهَا فِي الْأَوَّلِينَ ، وَ كَذلِكَ يُجْرِيهَا فِي الْآخِرِينَ ، وَ الطَّاعَةُ لِوَاحِدٍ مِنَّا ، وَ الْمَوَدَّةُ لِلْجَمِيعِ ، وَ أَمْرُ اللَّهِ يَجْرِي لِأَوْلِيَائِهِ بِحُكْمٍ مَوْصُولٍ ، وَ قَضَاءٍ مَفْصُولٍ ، وَ حَتْمٍ مَقْضِيٍّ ، وَ قَدَرٍ مَقْدُورٍ ، وَ أَجَلٍ مُسَمًّى لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ ، فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ، فَلَا تَعْجَلْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ ، وَ لَا تَسْبِقَنَّ اللَّهَ ؛ فَتُعْجِزَكَ الْبَلِيَّةُ فَتَصْرَعَكَ».قَالَ : فَغَضِبَ زَيْدٌ عِنْدَ ذلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : لَيْسَ الْإِمَامُ مِنَّا مَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ ، وَ أَرْخى سِتْرَهُ ، وَ ثَبَّطَ عَنِ الْجِهَادِ ، وَ لكِنَّ الْإِمَامَ مِنَّا مَنْ مَنَعَ حَوْزَتَهُ ، وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَ دَفَعَ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَ ذَبَّ عَنْ حَرِيمِهِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هَلْ تَعْرِفُ يَا أَخِي مِنْ نَفْسِكَ شَيْئاً مِمَّا نَسَبْتَهَا إِلَيْهِ ؛ فَتَجِي ءَ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، أَوْ حُجَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، أَوْ تَضْرِبَ بِهِ مَثَلًا ؟ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَحَلَّ حَلَالاً ، وَ حَرَّمَ حَرَاماً ، وَ فَرَضَ فَرَائِضَ ، وَ ضَرَبَ أَمْثَالاً ، وَ سَنَّ سُنَناً ، وَ لَمْ يَجْعَلِ الْإِمَامَ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ فِي شُبْهَةٍ فِيمَا فَرَضَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ أَنْ يَسْبِقَهُ بِأَمْرٍ قَبْلَ مَحَلِّهِ ، أَوْ يُجَاهِدَ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ ؛ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فِي الصَّيْدِ : «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» أَفَقَتْلُ الصَّيْدِ أَعْظَمُ ، أَمْ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ؟

.


1- .في الكافي المطبوع: + «عن أبي جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع: «يجدون».

ص: 40

وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مَحَلاًّ ، وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ» فَجَعَلَ الشُّهُورَ عِدَّةً مَعْلُومَةً ، فَجَعَلَ مِنْهَا أَرْبَعَةً حُرُماً ، وَ قَالَ : «فَسِيحُوا فِى الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللَّهِ» .ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» فَجَعَلَ لِذلِكَ مَحَلاًّ ، وَ قَالَ : «وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ» فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مَحَلّاً ، وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً .فَإِنْ كُنْتَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ ، وَ يَقِينٍ مِنْ أَمْرِكَ ، وَ تِبْيَانٍ مِنْ شَأْنِكَ ، فَشَأْنَكَ ، وَ إِلَّا فَلَا تَرُومَنَّ أَمْراً أَنْتَ مِنْهُ فِي شَكٍّ وَ شُبْهَةٍ ، وَ لَا تَتَعَاطَ زَوَالَ مُلْكٍ لَمْ يَنْقَضِ أُكُلُهُ ، وَ لَمْ يَنْقَطِعْ مَدَاهُ ، وَ لَمْ يَبْلُغِ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، فَلَوْ قَدْ بَلَغَ مَدَاهُ ، وَ انْقَطَعَ أُكُلُهُ ، وَ بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، لَانْقَطَعَ الْفَصْلُ ، وَ تَتَابَعَ النِّظَامُ ، وَ لَأَعْقَبَ اللَّهُ فِي التَّابِعِ وَ الْمَتْبُوعِ الذُّلَّ وَ الصَّغَارَ .أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ إِمَامٍ ضَلَّ عَنْ وَقْتِهِ ، فَكَانَ التَّابِعُ فِيهِ أَعْلَمَ مِنَ الْمَتْبُوعِ ، أَ تُرِيدُ يَا أَخِي أَنْ تُحْيِيَ مِلَّةَ قَوْمٍ قَدْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَ عَصَوْا رَسُولَهُ ، وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ، وَ ادَّعَوُا الْخِلَافَةَ بِلَا بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ وَ لَا عَهْدٍ مِنْ رَسُولِهِ ؟ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا أَخِي أَنْ تَكُونَ غَداً الْمَصْلُوبَ بِالْكُنَاسَةِ».ثُمَّ ارْفَضَّتْ عَيْنَاهُ ، وَ سَالَتْ دُمُوعُهُ ، ثُمَّ قَالَ : «اللَّهُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مَنْ هَتَكَ سِتْرَنَا ، وَ جَحَدَنَا حَقَّنَا ، وَ أَفْشى سِرَّنَا ، وَ نَسَبَنَا إِلى غَيْرِ جَدِّنَا ، وَ قَالَ فِينَا مَا لَمْ نَقُلْهُ فِي أَنْفُسِنَا» .

هديّة:(الضّنك) بفتح المعجمة: شدّة الضّيق.(بحكم موصول): متّصل وارد لواحد بعد واحد.(مفصول): غير مشتبه.ووصف القدر بالمقدور للمبالغة.(لا يستخفنّك): لا يحملنّك على الخفّة(1) في العقل والقلق في الخاطر.

.


1- .في «د»: - «على الخفّة».

ص: 41

(إنّهم لن يغنوا عنك من اللَّه شيئاً). أي لن يقدروا على إيصالهم فائدة إليك بالدفع عنك من عذاب اللَّه شيئاً. و«العجل» بالتحريك، وكذا «العجلة»: خلاف البطؤ، وقد عجل كعلم وتعجّل بمعنى، ومن التفعيل يتعدّى ولا يتعدّى.«صرعه» كمنع: أسقطه بالغلبة عليه.(ثبط عن الجهاد) كعلم : شغل عنه، وثبّط غيره عنه تثبيطاً.(ممّا نسبتها إليه) من خصائص الإمامة.(أو تضرب به مثلاً) بأنّ اللَّه تعالى جعل في الأيّام الخالية مثلك المعرّى عن خصائص الإمامة إماماً.(أن يسبقه) بتقدير: من أن يسبقه، كما في قوله تعالى في سورة الأنبياء: «وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ»(1) فمتعلّق بقوله: (ولم يجعل)، باعتبار اشتماله على المنع، فحاصل المعنى - على ما صرّح به برهان الفضلاء - أنّه ممنوع من كذا ومن كذا، فاللفظ على التعداد والمعنى على العطف.وآية «لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ»(2) في المائدة.(أفقتل الصيد أعظم) ناظرٌ إلى آية: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»(3) في سورة بني إسرائيل.وآية: «لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ»(4) في المائدة. و«الشعائر» إمّا جمع «شعار» بالكسر، يعني علامات الإسلام، أو جمع «شعير» على فعيل بمعنى المفعول، أي المعلومات للخلق حرمتها كمكّة وحرمها، والصفا والمروة ونحو ذلك.وآية: «فَسِيحُوا فِى الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»(5) في سورة التوبة؛ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم.

.


1- .الأنبياء (21): 31.
2- .المائدة (5): 95 .
3- .الإسراء (17): 70.
4- .المائدة (5): 2.
5- .التوبة (9): 2.

ص: 42

وكذا آية: «فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ»(1)، وآية: «وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ»(2) في سورة البقرة.(فشأنك) أي فالزم شأنك وفعلك المراد لك.«رامه»: قصده.و«التعاطي»: التناول.(زوال ملك) يعني ملك بني اُميّة.(أكله) بالضمّ وبالضمّتين: رزقه أو حظّه من الدنيا.(مداه): غايته، (لانقطع الفصل) بين دولة الحقّ وصاحبها، أو بينها وبين دولة الباطل، كما قيل. وقرأ برهان الفضلاء بالمعجمة، أي ما بقى أو فضل دنياهم.(في التابع والمتبوع) من أهل الباطل.و(الكناسة) بالضمّ والتخفيف: موضع بالكوفة.(غدا) يعني في زمن إمامة الصادق عليه السلام.(ارفضّت) بتشديد المعجمة: رشّت وترشّحت.(اللَّه بيننا) أي حكم بيننا؛ تعريضٌ لمن عادى زيداً.(سرّنا) أي إمامتنا عند السلطان.(إلى غير جدّنا) قال برهان الفضلاء: أي إلى غير مرتبة عظمتنا. وسيأتي أخبار في علوّ شأن زيد، وأنّه وأصحابه الجاهدين معه يدخلون الجنّة بغير حساب، وأنّه إنّما كان يطلب الأمر لرضا آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله وأنّه كان يعرف حجّة زمانه وكان مصدّقاً به صلوات اللَّه عليه.

الحديث السابع عشرروى في الكافي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَنْجَوَيْهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْأَرْمَنِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : أَتَيْنَا خَدِيجَةَ

.


1- .التوبة (9): 5.
2- .البقرة (2): 235.

ص: 43

- بِنْتَ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - نُعَزِّيهَا بِابْنِ بِنْتِهَا ، فَوَجَدْنَا عِنْدَهَا مُوسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَإِذَا هِيَ فِي نَاحِيَةٍ قَرِيباً مِنَ النِّسَاءِ ، فَعَزَّيْنَاهُمْ ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ لِابْنَةِ أَبِي يَشْكُرَ الرَّاثِيَةِ : قُولِي ، فَقَالَتْ :اُعْدُدْ رَسُولَ اللَّهِ وَ اعْدُدْ بَعْدَهُ أَسَدَ الْإِلهِ وَ ثَالِثاً عَبَّاسَاوَ اعْدُدْ عَلِيَّ الْخَيْرِ وَ اعْدُدْ جَعْفَراًوَ اعْدُدْ عَقِيلاً بَعْدَهُ الرُّؤّسَا(1) .فَقَالَ : أَحْسَنْتِ وَ أَطْرَبْتِنِي ، زِيدِينِي ، فَانْدَفَعَتْ تَقُولُ :وَ مِنَّا إِمَامُ الْمُتَّقِينَ مُحَمَّدٌوَ حَمْزَةُ مِنَّا وَ الْمُهَذَّبُ جَعْفَرُوَ مِنَّا عَلِيٌّ صِهْرُهُ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ فَارِسُهُ ذَاكَ الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُفَأَقَمْنَا عِنْدَهَا(2) حَتّى كَادَ اللَّيْلُ أَنْ يَجِي ءَ .ثُمَّ قَالَتْ خَدِيجَةُ : سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ يَقُولُ : «إِنَّمَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَأْتَمِ إِلَى النَّوْحِ لِتَسِيلَ دَمْعَتُهَا ، وَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَقُولَ هُجْراً ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ ، فَلَا تُؤْذِي الْمَلَائِكَةَ بِالنَّوْحِ».ثُمَّ خَرَجْنَا ، فَغَدَوْنَا إِلَيْهَا غُدْوَةً ، فَتَذَاكَرْنَا عِنْدَهَا اخْتِزَالَ مَنْزِلِهَا مِنْ دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، فَقَالَتْ (3) : هذِهِ دَارٌ تُسَمّى دَارَ السَّرِقَةِ ، فَقَالَتْ : هذَا مَا اصْطَفى مَهْدِيُّنَا - يَعْنِي (4) مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ تُمَازِحُهُ بِذلِكَ - فَقَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَ اللَّهِ ، لَأُخْبِرَنَّكُمْ بِالْعَجَبِ :رَأَيْتُ أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا أَخَذَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَ أَجْمَعَ عَلى لِقَاءِ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : لَا أَجِدُ هذَا الْأَمْرَ يَسْتَقِيمُ إِلَّا أَنْ أَلْقى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَانْطَلَقَ - وَ هُوَ مُتَّكٍ عَلَيَّ - فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتّى أَتَيْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَلَقِينَاهُ خَارِجاً يُرِيدُ الْمَسْجِدَ ، فَاسْتَوْقَفَهُ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «الروّاسا».
2- .في «الف»: «عنده».
3- .في حاشية «ألف و د» والكافي المطبوع: «فقال».
4- .في الكافي المطبوع: «تعني».

ص: 44

وَ كَلَّمَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَيْسَ هذَا مَوْضِعَ ذلِكَ ، نَلْتَقِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَرَجَعَ أَبِي مَسْرُوراً .ثُمَّ أَقَامَ حَتّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَوْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ ، انْطَلَقْنَا حَتّى أَتَيْنَاهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبِي وَ أَنَا مَعَهُ ، فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ فِيمَا يَقُولُ : قَدْ عَلِمْتَ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - أَنَّ السِّنَّ لِي عَلَيْكَ ، وَ أَنَّ فِي قَوْمِكَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - قَدْ قَدَّمَ لَكَ فَضْلاً لَيْسَ هُوَ لِأَحَدٍ مِنْ قَوْمِكَ ، وَ قَدْ جِئْتُكَ مُعْتَمِداً لِمَا أَعْلَمُ مِنْ بِرِّكَ ، وَ أَعْلَمُ - فَدَيْتُكَ - أَنَّكَ إِذَا أَجَبْتَنِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِّي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ ، وَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيَّ اثْنَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَ لَا غَيْرِهِمْ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّكَ تَجِدُ غَيْرِي أَطْوَعَ لَكَ مِنِّي ، وَ لَا حَاجَةَ لَكَ فِيَّ ؛ فَوَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أُرِيدُ الْبَادِيَةَ أَوْ أَهُمُّ بِهَا ، فَأَثْقُلُ عَنْهَا ، وَ أُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا أُدْرِكُهُ إِلَّا بَعْدَ كَدٍّ وَ تَعَبٍ وَ مَشَقَّةٍ عَلى نَفْسِي ؛ فَاطْلُبْ غَيْرِي ، وَ سَلْهُ ذلِكَ ، وَ لَا تُعْلِمْهُمْ أَنَّكَ جِئْتَنِي» .فَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ مَادُّونَ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ ، وَ إِنْ أَجَبْتَنِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِّي أَحَدٌ ، وَ لَكَ أَنْ لَا تُكَلَّفَ قِتَالاً وَ لَا مَكْرُوهاً.قَالَ : وَ هَجَمَ عَلَيْنَا نَاسٌ فَدَخَلُوا ، وَ قَطَعُوا كَلَامَنَا ، فَقَالَ أَبِي : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا تَقُولُ ؟ فَقَالَ : «نَلْتَقِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَقَالَ : أَ لَيْسَ عَلى مَا أُحِبُّ ؟ فَقَالَ : «عَلى مَا نُحِبُ (1) - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ إِصْلَاحِكَ».ثُمَّ انْصَرَفَ حَتّى جَاءَ الْبَيْتَ ، فَبَعَثَ رَسُولاً إِلى مُحَمَّدٍ فِي جَبَلٍ بِجُهَيْنَةَ - يُقَالُ لَهُ : الْأَشْقَرُ - عَلى لَيْلَتَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَبَشَّرَهُ ، وَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ لَهُ بِوَجْهِ حَاجَتِهِ وَ مَا طَلَبَ .ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَوُقِّفْنَا بِالْبَابِ - وَ لَمْ نَكُنْ نُحْجَبُ إِذَا جِئْنَا - فَأَبْطَأَ الرَّسُولُ ، ثُمَّ أَذِنَ لَنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، فَجَلَسْنَا(2) فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ ، وَ دَنَا أَبِي إِلَيْهِ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ عُدْتُ إِلَيْكَ رَاجِياً ، مُؤَمِّلاً ، قَدِ انْبَسَطَ رَجَائِي وَ أَمَلِي ، وَ رَجَوْتُ الدَّرْكَ لِحَاجَتِي .

.


1- .في الكافي المطبوع: «تحبّ».
2- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «فجلست».

ص: 45

فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا ابْنَ عَمِّ ، إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِهذَا الْأَمْرِ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ ، وَ إِنِّي لَخَائِفٌ عَلَيْكَ أَنْ يَكْسِبَكَ شَرّاً».فَجَرَى الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا حَتّى أَفْضى إِلى مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ ، وَ كَانَ مِنْ قَوْلِهِ : بِأَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ الْحُسَيْنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْحَسَنِ ؟فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «رَحِمَ اللَّهُ الْحَسَنَ وَ رَحِمَ الْحُسَيْنَ ، وَ كَيْفَ ذَكَرْتَ هذَا ؟!» قَالَ : لِأَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ - إِذَا عَدَلَ - أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الْأَسَنِّ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ .فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمَّا أَنْ أَوْحى إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَوْحى إِلَيْهِ بِمَا شَاءَ ، وَ لَمْ يُؤَامِرْ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ ، وَ أَمَرَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام بِمَا شَاءَ ، فَفَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَ لَسْنَا نَقُولُ فِيهِ إِلَّا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ تَبْجِيلِهِ وَ تَصْدِيقِهِ ، فَلَوْ كَانَ أَمَرَ الْحُسَيْنَ عليه السلام أَنْ يُصَيِّرَهَا فِي الْسِّنِ (1) ، أَوْ يَنْقُلَهَا فِي وُلْدِهِمَا - يَعْنِي الْوَصِيَّةَ - لَفَعَلَ ذلِكَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، وَ مَا هُوَ بِالْمُتَّهَمِ عِنْدَنَا فِي الذَّخِيرَةِ لِنَفْسِهِ ، وَ لَقَدْ وَلّى وَ تَرَكَ ذلِكَ ، وَ لكِنَّهُ مَضى لِمَا أُمِرَ بِهِ ، وَ هُوَ جَدُّكَ وَ عَمُّكَ ؛ فَإِنْ قُلْتَ خَيْراً ، فَمَا أَوْلَاكَ بِهِ ، وَ إِنْ قُلْتَ هُجْراً ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَطِعْنِي يَا ابْنَ عَمِّ ، وَ اسْمَعْ كَلَامِي ، فَوَ اللَّهِ - الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - لَا آلُوكَ نُصْحاً وَ حِرْصاً ، فَكَيْفَ وَ لَا أَرَاكَ تَفْعَلُ ، وَ مَا لِأَمْرِ اللَّهِ مِنْ مَرَدٍّ» .فَسُرَّ أَبِي عِنْدَ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «وَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْأَحْوَلُ الْأَكْشَفُ ، الْأَخْضَرُ الْمَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ عِنْدَ بَطْنِ مَسِيلِهَا».فَقَالَ أَبِي : لَيْسَ هُوَ ذَاكَ (2) ، وَ اللَّهِ ، لَيُحَارِبَنَّ بِالْيَوْمِ يَوْماً ، وَ بِالسَّاعَةِ سَاعَةً ، وَ بِالسَّنَةِ سَنَةً ، وَ لَيَقُومَنَّ بِثَأْرِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ جَمِيعاً .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، مَا أَخْوَفَنِي أَنْ يَكُونَ هذَا الْبَيْتُ يَلْحَقُ صَاحِبَنَا :[.........................................]مَنَّتْكَ نَفْسُكَ فِي الْخَلَاءِ ضَلَالاً

.


1- .في الكافي المطبوع: «الأسنّ».
2- .في الكافي المطبوع: «ذلك».

ص: 46

لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ ، وَ لَا يَبْلُغُ عَمَلُهُ الطَّائِفَ إِذَا أَحْفَلَ - يَعْنِي إِذَا جَهَدَ(1) نَفْسَهُ - وَ مَا لِلْأَمْرِ مِنْ بُدٍّ أَنْ يَقَعَ ، فَاتَّقِ اللَّهَ ، وَ ارْحَمْ نَفْسَكَ وَ بَنِي أَبِيكَ ؛ فَوَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَرَاهُ أَشْأَمَ سَلْحَةٍ أَخْرَجَتْهَا أَصْلَابُ الرِّجَالِ إِلى أَرْحَامِ النِّسَاءِ ؛ وَ اللَّهِ ، إِنَّهُ الْمَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ بَيْنَ دُورِهَا ؛ وَ اللَّهِ ، لَكَأَنِّي بِهِ صَرِيعاً ، مَسْلُوباً بِزَّتَهُ ، بَيْنَ رِجْلَيْهِ لَبِنَةٌ ، وَ لَا يَنْفَعُ هذَا الْغُلَامَ مَا يَسْمَعُ - قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : يَعْنِينِي - وَ لَيَخْرُجَنَّ مَعَهُ فَيُهْزَمُ وَ يُقْتَلُ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ يَمْضِي ، فَيَخْرُجُ مَعَهُ رَايَةٌ أُخْرى ، فَيُقْتَلُ كَبْشُهَا ، وَ يُهْزَمُ (2) جَيْشُهَا ، فَإِنْ أَطَاعَنِي ، فَلْيَطْلُبِ الْأَمَانَ عِنْدَ ذلِكَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ حَتّى يَأْتِيَهُ اللَّهُ بِالْفَرَجِ .وَ لَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ هذَا(3) الْأَمْرَ لَا يَتِمُّ ، وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ وَ نَعْلَمُ (4)أَنَّ ابْنَكَ الْأَحْوَلُ الْأَخْضَرُ الْأَكْشَفُ الْمَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ بَيْنَ دُورِهَا عِنْدَ بَطْنِ مَسِيلِهَا» .فَقَامَ أَبِي وَ هُوَ يَقُولُ : بَلْ يُغْنِي اللَّهُ عَنْكَ ؛ وَ لَتَعُودَنَّ ، أَوْ لَيَفِي ءَ(5) اللَّهُ بِكَ وَ بِغَيْرِكَ ، وَ مَا أَرَدْتَ بِهذَا إِلَّا امْتِنَاعَ غَيْرِكَ ، وَ أَنْ يَكُونَ (6) ذَرِيعَتَهُمْ إِلى ذلِكَ .فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «اللَّهُ يَعْلَمُ مَا أُرِيدُ إِلَّا نُصْحَكَ وَ رُشْدَكَ ، وَ مَا عَلَيَّ إِلَّا الْجَهْدُ».فَقَامَ أَبِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُغْضَباً ، فَلَحِقَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : «أُخْبِرُكَ أَنِّي سَمِعْتُ عَمَّكَ - وَ هُوَ خَالُكَ - يَذْكُرُ أَنَّكَ وَ بَنِي أَبِيكَ سَتُقْتَلُونَ ، فَإِنْ أَطَعْتَنِي وَ رَأَيْتَ أَنْ تَدْفَعَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَافْعَلْ ؛ وَوَاللَّهِ (7) - الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهَادَةِ ، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ عَلى خَلْقِهِ - لَوَدِدْتُ أَنِّي فَدَيْتُكَ بِوُلْدِي ، وَ بِأَحَبِّهِمْ إِلَيَّ ، وَ بِأَحَبِّ أَهْلِ بَيْتِي إِلَيَّ ، وَ مَا يَعْدِلُكَ عِنْدِي شَيْ ءٌ ، فَلَا تَرى أَنِّي غَشَشْتُكَ». فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ مُغْضَباً أَسِفاً .

.


1- .في الكافي المطبوع: «أجهد».
2- .في حاشية «الف» وفي الكافي المطبوع: «يتفرّق».
3- .في «د»: «إنّ بهذا» بدل «بأنّ هذا».
4- .في «د»: «تعلم».
5- .في الكافي المطبوع : «وليقي».
6- .في الكافي المطبوع: «تكون».
7- .في الكافي المطبوع: «فو اللَّه».

ص: 47

قَالَ : فَمَا أَقَمْنَا بَعْدَ ذلِكَ إِلَّا قَلِيلًا - عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ نَحْوَهَا - حَتّى قَدِمَتْ رُسُلُ أَبِي جَعْفَرٍ ، فَأَخَذُوا أَبِي وَ عُمُومَتِي : سُلَيْمَانَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ حَسَنَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ دَاوُدَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ عَلِيَّ بْنَ حَسَنٍ ، وَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ بْنِ حَسَنٍ ، وَ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَسَنٍ ، وَ حَسَنَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ حَسَنٍ ، وَ طَبَاطَبَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الحَسَنِ (1) ، وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ .قَالَ : فَصُفِدُوا فِي الْحَدِيدِ ، ثُمَّ حُمِلُوا فِي مَحَامِلَ أَعْرَاءً لَا وِطَاءَ فِيهَا ، وَ وُقِّفُوا فِي المُصَلَّى (2) لِكَيْ يَشْتِمَهُمُ النَّاسُ .قَالَ : فَكَفَّ النَّاسُ عَنْهُمْ ، وَ رَقُّوا لَهُمْ لِلْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا ، ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِمْ حَتّى وُقِّفُوا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيُّ : فَحَدَّثَتْنَا خَدِيجَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ : أَنَّهُمْ لَمَّا أُوقِفُوا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ - الْبَابِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : بَابُ جَبْرَئِيلَ - أَطْلَعَ عَلَيْهِمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - وَ عَامَّةُ رِدَائِهِ مَطْرُوحٌ بِالْأَرْضِ - ثُمَّ أَطْلَعَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : «لَعَنَكُمُ اللَّهُ يَا مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ - ثَلَاثاً - مَا عَلى هذَا عَاهَدْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لَا بَايَعْتُمُوهُ ، أَمَا وَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ حَرِيصاً ، وَ لَكِنِّي غُلِبْتُ ، وَ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ مَدْفَعٌ».ثُمَّ قَامَ وَ أَخَذَ إِحْدى نَعْلَيْهِ ، فَأَدْخَلَهَا رِجْلَهُ ، وَ الْأُخْرى فِي يَدِهِ ، وَ عَامَّةُ رِدَائِهِ يَجُرُّهُ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ ، فَحُمَّ عِشْرِينَ لَيْلَةً لَمْ يَزَلْ يَبْكِي فِيهَا اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ حَتّى خِفْنَا عَلَيْهِ . فَهَذَا حَدِيثُ خَدِيجَةَ .قَالَ الْجَعْفَرِيُّ : وَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ : أَنَّهُ لَمَّا طُلِعَ بِالْقَوْمِ فِي الْمَحَامِلِ ، قَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مِنَ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ أَهْوى إِلَى الْمَحْمِلِ الَّذِي فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ يُرِيدُ كَلَامَهُ ، فَمُنِعَ أَشَدَّ الْمَنْعِ ، وَ أَهْوى إِلَيْهِ الْحَرَسِيُّ ، فَدَفَعَهُ ، وَ قَالَ : تَنَحَّ عَنْ هذَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيكَ وَ يَكْفِي غَيْرَكَ ، ثُمَّ دُخِلَ بِهِمُ الزُّقَاقَ ، وَ رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِلى مَنْزِلِهِ ، فَلَمْ يُبْلَغْ

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «بالمصلّى».

ص: 48

بِهِمُ الْبَقِيعَ حَتَّى ابْتُلِيَ الْحَرَسِيُّ بَلَاءً شَدِيداً ، رَمَحَتْهُ نَاقَتُهُ ، فَدَقَّتْ وَرِكَهُ ، فَمَاتَ فِيهَا ، وَ مُضِيَ بِالْقَوْمِ .فَأَقَمْنَا بَعْدَ ذلِكَ حِيناً ، ثُمَّ أُتِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (1) ، فَأُخْبِرَ أَنَّ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ قُتِلُوا - قَتَلَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ - إِلَّا حَسَنَ بْنَ جَعْفَرٍ وَ طَبَاطَبَا وَ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ وَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ وَ دَاوُدَ بْنَ الحَسَنِ (2) وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ .قَالَ : فَظَهَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ ذلِكَ ، وَ دَعَا النَّاسَ لِبَيْعَتِهِ .قَالَ : فَكُنْتُ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ بَايَعُوهُ ، وَ اسْتَوْسَقَ (3) النَّاسَ لِبَيْعَتِهِ ، وَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ قُرَشِيٌّ وَ لَا أَنْصَارِيٌّ وَ لَا عَرَبِيٌّ .قَالَ : وَ شَاوَرَ عِيسَى بْنَ زَيْدٍ - وَ كَانَ مِنْ ثِقَاتِهِ وَ كَانَ عَلى شُرَطِهِ - فَشَاوَرَهُ فِي الْبِعْثَةِ إِلى وُجُوهِ قَوْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : إِنْ دَعَوْتَهُمْ دُعَاءً يَسِيراً ، لَمْ يُجِيبُوكَ ، أَوْ تَغْلُظَ عَلَيْهِمْ ، فَخَلِّنِي وَ إِيَّاهُمْ ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : امْضِ إِلى مَنْ أَرَدْتَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ : ابْعَثْ إِلى رَئِيسِهِمْ وَ كَبِيرِهِمْ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليهما السلام - فَإِنَّكَ إِذَا غَلُظْتَ (4) عَلَيْهِ ، عَلِمُوا جَمِيعاً أَنَّكَ سَتُمِرُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي أَمْرَرْتَ عَلَيْهَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، مَا لَبِثْنَا إِذْ5 أُتِيَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام حَتّى أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : أَسْلِمْ ؛ تَسْلَمْ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَ حَدَثَتْ نُبُوَّةٌ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؟».فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : لَا ، وَ لكِنْ بَايِعْ ؛ تَأْمَنْ عَلى نَفْسِكَ وَ مَالِكَ وَ وُلْدِكَ ، وَ لَا تُكَلَّفَنَّ حَرْباً .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَا فِيَّ حَرْبٌ وَ لَا قِتَالٌ ، وَ لَقَدْ تَقَدَّمْتُ إِلى أَبِيكَ ، وَ حَذَّرْتُهُ الَّذِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في الكافي المطبوع : «استوثق».
3- .في الكافي المطبوع: «اُغلظت».
4- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «أن».

ص: 49

حَاقَ بِهِ ، وَ لكِنْ لَا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، يَا ابْنَ أَخِي ، عَلَيْكَ بِالشَّبَابِ ، وَ دَعْ عَنْكَ الشُّيُوخَ».فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : مَا أَقْرَبَ مَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ فِي السِّنِّ!فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنِّي لَمْ أُعَادِكَ (1) ، وَ لَمْ أَجِئْ لِأَتَقَدَّمَ عَلَيْكَ فِي الَّذِي أَنْتَ فِيهِ».فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : لَا وَ اللَّهِ ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُبَايِعَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَا فِيَّ يَا ابْنَ أَخِي طَلَبٌ وَ لَا هَرَبٌ (2) ، وَ إِنِّي لَأُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى الْبَادِيَةِ ، فَيَصُدُّنِي ذلِكَ ، وَ يَثْقُلُ عَلَيَّ حَتّى يُكَلِّمَنِي (3) فِي ذلِكَ الْأَهْلُ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَ لَا يَمْنَعُنِي مِنْهُ إِلَّا الضَّعْفُ ، وَ اللَّهِ وَ الرَّحِمِ أَنْ تُدْبِرَ عَنَّا ، وَ نَشْقى بِكَ».فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، قَدْ وَ اللَّهِ مَاتَ أَبُو الدَّوَانِيقِ يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «وَ مَا تَصْنَعُ بِي وَ قَدْ مَاتَ ؟».قَالَ : أُرِيدُ الْجَمَالَ بِكَ .قَالَ : «مَا إِلى مَا تُرِيدُ سَبِيلٌ ، لَا وَ اللَّهِ ، مَا مَاتَ أَبُو الدَّوَانِيقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَاتَ مَوْتَ النَّوْمِ» .قَالَ : وَ اللَّهِ ، لَتُبَايِعُنِي طَائِعاً أَوْ مُكْرَهاً(4) ، وَ لَا تُحْمَدُ فِي بَيْعَتِكَ ، فَأَبى عَلَيْهِ إِبَاءً شَدِيداً ، فَأَمَرَ(5) بِهِ إِلَى الْحَبْسِ .فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : أَمَا إِنْ طَرَحْنَاهُ فِي السِّجْنِ - وَ قَدْ خَرِبَ السِّجْنُ ، وَ لَيْسَ الْيَوْمَ عَلَيْهِ (6) غَلَقٌ - خِفْنَا أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ ، فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : «لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، أَ وَ تُرَاكَ تَسْجُنُنِي ؟».قَالَ : نَعَمْ ، وَ الَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله بِالنُّبُوَّةِ لَأُسْجِنَنَّكَ ، وَ لَأُشَدِّدَنَّ عَلَيْكَ ، فَقَالَ عِيسَى بْنُ

.


1- .في الكافي المطبوع: «لم أعازّك».
2- .في الكافي المطبوع: «حرب».
3- .في الكافي المطبوع: «تكلمني».
4- .في «د»: «مكروها».
5- .في الكافي المطبوع: «وأمر».
6- .في الكافي المطبوع: «عليه اليوم» بدل «اليوم عليه».

ص: 50

زَيْدٍ : احْبِسُوهُ فِي الْمَخْبَاَ - وَ ذلِكَ (1) دَارُ رَبْطَةَ(2) الْيَوْمَ - فَقَالَ (3) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّي سَأَقُولُ ، ثُمَّ أُصَدَّقُ».فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : لَوْ تَكَلَّمْتَ لَكَسَرْتُ فَمَكَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَكْشَفُ يَا أَزْرَقُ ، لَكَأَنِّي بِكَ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ جُحْراً تَدْخُلُ فِيهِ ، وَ مَا أَنْتَ فِي الْمَذْكُورِينَ عِنْدَ اللِّقَاءِ ، وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ - إِذَا صُفِّقَ خَلْفَكَ - طِرْتَ مِثْلَ الْهَيْقِ النَّافِرِ». فَنَفَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ بِانْتِهَارٍ : احْبِسْهُ ، وَ شَدِّدْ عَلَيْهِ ، وَ اغْلُظْ عَلَيْهِ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَ خَارِجاً مِنْ سُدَّةِ أَشْجَعَ إِلى بَطْنِ الْوَادِي ، وَ قَدْ حَمَلَ عَلَيْكَ فَارِسٌ مُعْلِمٌ ، فِي يَدِهِ طِرَادَةٌ ، نِصْفُهَا أَبْيَضُ ، وَ نِصْفُهَا أَسْوَدُ ، عَلى فَرَسٍ كُمَيْتٍ أَقْرَحَ ، فَطَعَنَكَ ، فَلَمْ يَصْنَعْ فِيكَ شَيْئاً ، وَ ضَرَبْتَ خَيْشُومَ فَرَسِهِ ، فَطَرَحْتَهُ ، وَ حَمَلَ عَلَيْكَ آخَرُ خَارِجٌ مِنْ زُقَاقِ آلِ أَبِي عَمَّارٍ الدِّئَلِيِّينَ (4) ، عَلَيْهِ غَدِيرَتَانِ مَضْفُورَتَانِ ، قَدْ(5) خَرَجَتَا مِنْ تَحْتِ بَيْضَتِهِ كَثِيرُ شَعْرِ الشَّارِبَيْنِ ، فَهُوَ وَ اللَّهِ صَاحِبُكَ ، فَلَا رَحِمَ اللَّهُ رِمَّتَهُ» .فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، حَسِبْتَ فَأَخْطَأْتَ . وَ قَامَ إِلَيْهِ السُّرَاقِيُّ بْنُ سَلْخِ الْحُوتِ ، فَدَفَعَ فِي ظَهْرِهِ حَتّى أُدْخِلَ السِّجْنَ ، وَ اصْطُفِيَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ ، وَ مَا كَانَ لِقَوْمِهِ مِمَّنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ مُحَمَّدٍ .قَالَ : فَطُلِعَ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ ، قَدْ ذَهَبَتْ إِحْدى عَيْنَيْهِ ، وَ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ وَ هُوَ يُحْمَلُ حَمْلًا ، فَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْعَةِ ،فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ ، وَ أَنَا إِلى بِرِّكَ وَ عَوْنِكَ أَحْوَجُ .فَقَالَ لَهُ : لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُبَايِعَ .

.


1- .في «الف»: «ذاك».
2- .في الكافي المطبوع: «ريطة».
3- .في الكافي المطبوع: + «له».
4- .في الكافي المطبوع: «الدؤليّين».
5- .في الكافي المطبوع: «و قد».

ص: 51

فَقَالَ لَهُ : وَ أَيَّ شَيْ ءٍ تَنْتَفِعُ ؛ بِبَيْعَتِي ؛ وَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأُضَيِّقُ عَلَيْكَ مَكَانَ اسْمِ رَجُلٍ إِنْ كَتَبْتَهُ .قَال : لَا بُدَّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ . وَ أَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ .فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : ادْعُ لِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَلَعَلَّنَا نُبَايِعُ جَمِيعاً .قَالَ : فَدَعَا جَعْفَراً عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُبَيِّنَ لَكَ (1) فَافْعَلْ ، لَعَلَّ اللَّهَ يَكُفُّهُ عَنَّا .قَالَ : «قَدْ أَجْمَعْتُ أَلَّا أُكَلِّمَهُ ، فَلْيَرَ فِيَّ رَأْيَهُ!» .فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَذْكُرُ يَوْماً أَتَيْتُ أَبَاكَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ عَلَيَّ حُلَّتَانِ صَفْرَاوَانِ ، فَأَدَامَ النَّظَرَ إِلَيَّ ، فَبَكى ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ لِي : «يُبْكِينِي أَنَّكَ تُقْتَلُ عِنْدَ(2) كِبَرِ سِنِّكَ ضَيَاعاً ، لَا يَنْتَطِحُ فِي دَمِكَ عَنْزَانِ». قَالَ : فَقُلْتُ : مَتى ذَاكَ ؟ قَالَ : «إِذَا دُعِيتَ إِلَى الْبَاطِلِ فَأَبَيْتَهُ ؛ وَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْأَحْوَلِ مَشُومِ قَوْمِهِ يَنْتَمِي مِنْ آلِ الْحَسَنِ عَلى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَدْعُو إِلى نَفْسِهِ قَدْ تَسَمّى بِغَيْرِ اسْمِهِ ، فَأَحْدِثْ عَهْدَكَ ، وَ اكْتُبْ وَصِيَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ مَقْتُولٌ فِي يَوْمِكَ أَوْ مِنْ غَدٍ»!؟فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «نَعَمْ ، وَ هذَا - وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ - لَا يَصُومُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا أَقَلَّهُ ، فَأَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، وَ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَنَا فِيكَ ، وَ أَحْسَنَ الْخِلَافَةَ عَلى مَنْ خَلَّفْتَ ، وَ «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»».قَالَ : ثُمَّ احْتُمِلَ إِسْمَاعِيلُ ، وَ رُدَّ جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام إِلَى الْحَبْسِ . قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، مَا أَمْسَيْنَا حَتّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَنُو أَخِيهِ : بَنُو مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، فَتَوَطَّؤُوهُ حَتّى قَتَلُوهُ ، وَ بَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، فَخَلّى سَبِيلَهُ .قَالَ : وَ أَقَمْنَا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى اسْتَهْلَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَبَلَغَنَا خُرُوجُ عِيسَى بْنِ مُوسى يُرِيدُ الْمَدِينَةَ .قَالَ : فَتَقَدَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلى مُقَدِّمَتِهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ كَانَ عَلى

.


1- .في الكافي المطبوع: «له».
2- .في «الف»: «في».

ص: 52

مُقَدِّمَةِ عِيسَى بْنِ مُوسى : وُلْدُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَ قَاسِمٌ ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَ عَلِيٌّ وَ إِبْرَاهِيمُ بَنُو الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ ، فَهُزِمَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، وَ قَدِمَ عِيسَى بْنُ مُوسَى الْمَدِينَةَ ، وَ صَارَ الْقِتَالُ بِالْمَدِينَةِ ، فَنَزَلَ بِذُبَابٍ ، وَ دَخَلَتْ عَلَيْنَا الْمُسَوِّدَةُ مِنْ خَلْفِنَا ، وَ خَرَجَ مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى بَلَغَ السُّوقَ ، فَأَوْصَلَهُمْ ، وَ مَضى ، ثُمَّ تَبِعَهُمْ حَتَّى انْتَهى إِلى مَسْجِدِ الْخَوَّامِينَ ، فَنَظَرَ إِلى مَا هُنَاكَ فَضَاءٍ لَيْسَ فِيهِ مُسَوِّدٌ وَ لَا مُبَيِّضٌ ، فَاسْتَقْدَمَ حَتَّى انْتَهى إِلى شِعْبِ فَزَارَةَ ، ثُمَّ دَخَلَ هُذَيْلَ ، ثُمَّ مَضى إِلى أَشْجَعَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْفَارِسُ - الَّذِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - مِنْ خَلْفِهِ مِنْ سِكَّةِ هُذَيْلَ ، فَطَعَنَهُ ، فَلَمْ يَصْنَعْ فِيهِ شَيْئاً ، وَ حَمَلَ عَلَى الْفَارِسِ ، فَضَرَبَ خَيْشُومَ فَرَسِهِ (1) ، فَطَعَنَهُ الْفَارِسُ ، فَأَنْفَذَهُ فِي الدِّرْعِ ، وَ انْثَنى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ ، فَضَرَبَهُ ، فَأَثْخَنَهُ ، وَ خَرَجَ عَلَيْهِ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ - وَ هُوَ مُدْبِرٌ عَلَى الْفَارِسِ يَضْرِبُهُ - مِنْ زُقَاقِ الْعَمَّارِيِّينَ ، فَطَعَنَهُ طَعْنَةً أَنْفَذَ السِّنَانَ فِيهِ ، فَكُسِرَ الرُّمْحُ ، وَ حَمَلَ عَلى حُمَيْدٍ ، فَطَعَنَهُ حُمَيْدٌ بِزُجِّ الرُّمْحِ ، فَصَرَعَهُ ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ ، فَضَرَبَهُ حَتّى أَثْخَنَهُ وَ قَتَلَهُ ، وَ أَخَذَ رَأْسَهُ ، وَ دَخَلَ الْجُنْدُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَ أُخِذَتِ الْمَدِينَةُ ، وَ أُجْلِينَا هَرَباً فِي الْبِلَادِ .قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : فَانْطَلَقْتُ حَتّى لَحِقْتُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَوَجَدْتُ عِيسَى بْنَ زَيْدٍ مُكْمَناً عِنْدَهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِسُوءِ تَدْبِيرِهِ ، وَ خَرَجْنَا مَعَهُ حَتّى أُصِيبَ (2) ثُمَّ مَضَيْنَا(3) مَعَ ابْنِ أَخِي الْأَشْتَرِ : عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (4) حَتّى أُصِيبَ بِالسِّنْدِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ شَرِيداً طَرِيداً تَضِيقُ عَلَيَّ الْبِلَادُ .فَلَمَّا ضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ ، وَ اشْتَدَّ(5) الْخَوْفُ ، ذَكَرْتُ مَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَجِئْتُ إِلَى الْمَهْدِيِّ - وَ قَدْ حَجَّ وَ هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَمَا شَعَرَ إِلَّا وَ أَنِّي قَدْ قُمْتُ مِنْ تَحْتِ

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في الكافي المطبوع: + «بالسيف».
3- .في الكافي المطبوع: + «رحمه اللَّه».
4- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «مضيت».
5- .في الكافي المطبوع: + «بي».

ص: 53

الْمِنْبَرِ - فَقُلْتُ : لِيَ الْأَمَانُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ أَدُلُّكَ عَلى نَصِيحَةٍ لَكَ عِنْدِي ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، مَا هِيَ ؟ قُلْتُ : أَدُلُّكَ عَلى مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (1) ، فَقَالَ لِي : نَعَمْ ، لَكَ الْأَمَانُ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ ، فَأَخَذْتُ مِنْهُ عُهُوداً وَ مَوَاثِيقَ ، وَ وَثَّقْتُ لِنَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ : أَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ لِي : إِذاً تُكْرَمَ وَ تُحْبى ، فَقُلْتُ لَهُ : أَقْطِعْنِي إِلى بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِكَ يَقُومُ بِأَمْرِي عِنْدَكَ ، فَقَالَ لِيَ : انْظُرْ(2) مَنْ أَرَدْتَ ، فَقُلْتُ : عَمَّكَ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ ، فَقُلْتُ : وَ لكِنْ لِي فِيكَ الْحَاجَةُ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا قَبِلْتَنِي ، فَقَبِلَنِي شَاءَ أَوْ أَبى .وَ قَالَ لِيَ الْمَهْدِيُّ : مَنْ يَعْرِفُكَ ؟ - وَ حَوْلَهُ أَصْحَابُنَا أَوْ أَكْثَرُهُمْ - فَقُلْتُ : هذَا الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ يَعْرِفُنِي ، وَ هذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ يَعْرِفُنِي ، وَ هذَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ يَعْرِفُنِي ، فَقَالُوا : نَعَمْ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَأَنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَنَّا .ثُمَّ قُلْتُ لِلْمَهْدِيِّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهذَا الْمَقَامِ أَبُو هذَا الرَّجُلِ - وَ أَشَرْتُ إِلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام - قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَ كَذَبْتُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام كَذِبَةً ، فَقُلْتُ لَهُ : وَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ السَّلَامَ ، وَ قَالَ : إِنَّهُ إِمَامُ عَدْلٍ وَ سَخَاءٍ .قَالَ فَأَمَرَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام بِخَمْسَةِ آلَافِ دِينَارٍ، فَأَمَرَ لِي مِنْهَا مُوسَى بِأَلْفَيْ دِينَارٍ ، وَ وَصَلَ عَامَّةَ أَصْحَابِهِ وَ وَصَلَنِي ، فَأَحْسَنَ صِلَتِي ، فَحَيْثُ مَا ذُكِرَ وُلْدُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَقُولُوا : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ مَلَائِكَتُهُ وَ حَمَلَةُ عَرْشِهِ وَ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ ، وَ خُصُّوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِأَطْيَبِ ذلِكَ ، وَ جَزى مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَنِّي خَيْراً ، فَأَنَا وَاللَّهِ مَوْلَاهُمْ بَعْدَ اللَّهِ .

هديّة:(موسى بن عبداللَّه بن الحسن) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، هو أخو محمّد

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في الكافي المطبوع: + «إلى».

ص: 54

وإبراهيم المذكورين في حديث الصحيفة(1) الكاملة.(قريباً من النساء) أي من البيوت المعدّة للنساء.(أسد الإله): حمزة بن عبد المطّلب.(عليّ الخير) بالإضافة، أي منسوباً بكلّ خير. و«الرؤّس»: جمع رائس، كركّع وراكع، فنصب على البدل من المذكورين، وقال برهان الفضلاء: على المفعوليّة، والتقدير أعدد بعده قوّاد الدين يعني الأئمّة عليهم السلام.(فاندفعت): أخذت.(صهره) ختنه، أي زوج ابنته.(فارسه): صاحب كلّ فتح له في غزواته.و(المأتم) بالهمز كمجمع: المجمع في مصيبة الموت.و(النّوح) بالفتح: مصدر ويطلق كثيراً بمعنى المرأة النائحة.(لتسيل) من المجرّد أو من الإفعال.(هجراً) بالضمّ: ما لا ينبغي وما لا طائل تحته.(اختزال منزلها): انقطاعه.(فقالت: هذه دار). في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فقال».(يعني) موسى بن عبداللَّه.و(السرقة) إمّا ككلمة: اسم المصدر، أو كطلبة: جمع السارق.(فقالت: هذا ما اصطفى) أي فقالت في جواب مطايبة موسى، فالأنسب كما لا يخفى ما ضبط برهان الفضلاء. كان محمّد بن عبداللَّه بن الحسن عند خروجه بدعوى أنّه مهديّ هذه الاُمّة غصب دار جعفر بن محمّد عليهما السلام، وأعطاها خديجة بنت عمر بن عليّ بن الحسين عليهما السلام ثمّ أعطى أو أعار الصادق عليه السلام بعد زوال الغصب، والغاصب طائفة من تلك الدار إلى خديجة، فتلك الطائفة المختزلة عنها كانت سكناها والاصطفاء اختيار

.


1- .في «د»: «الحديث للصحيفة».

ص: 55

السلطان صفو المال من الغنيمة لنفسه.قال برهان الفضلاء: «رأيت» أي رأيته، في محلّ الجرّ صفة للعجب وهو نكرة حكماً، فإنّ لامه للعهد الذهني، و«أبي» مبتدأ، والخبر جملة «لمّا أخذ» بتمامه.(وأجمع على لقاء أصحابه) أي وعزم على لقائهم لدعوته إيّاهم إلى البيعة لابنه محمّد أخي .(متّكٍ) يكتب بالياء والهمز وبدونهما.(واعلم) مفعوله (أنّك) بتوسّط (فديتك)، أي فديتك بنفسي تقديرٌ مطّردٌ.(أو أهمّ بها) ترديدٌ من الراوي، (فأثقل عنها) من باب حسن.(قال: على ما نحبّ) على المتكلّم مع الغير، واحتمال الخطاب كما ترى.«ظفرت بعدوّي» كعلم.(فوقّفنا) على المجهول من التفعيل.في بعض النسخ: «فجلست في ناحية الحجرة» مكان (فجلسنا).(أفضى) أي وصل، (إلى ما لم يكن يريد) أي إلى الغلظة التي لم يكن أبي يريدها لمصلحة حاجته. ويحتمل المتكلّم مع الغير في الفعلين.(أحقّ بها) أي بالإمامة.(إذا عدل) على المعلوم إمّا من العدول، أي عن طلب الدنيا إلى طلب الآخرة، أو من العدل. (وما هو بالمتّهم عندنا) قرينة الثاني، وصرّح برهان الفضلاء بالأوّل.(ولقد ولّى): أدبر عن الدنيا، وقرأ برهان الفضلاء: «ولي» كعلم، ولكنّه استدراك لنفي التهمة.(فما أولاك به) أي بقول الخير فيه، ألا يألوا، أي قصّر، يعني لا أقصّر في نصحك وفي الحرص عليه.(ولا أراك تفعل) أي تسمع قولي، وتعمل بموعظتي.ردّه عنه كمدّ ردّاً أو مردّاً: صرفه.

.

ص: 56

(الأكشف): الذي تنبت له شعيرات في قصاص ناصيته دائرةً لا يكاد يسترسل، والعرب يتشأّم به، و«الأكشف» أيضاً مَن هرب مِن الصفّ، فانكشف مكانه فيه.و(الأخضر) ربّما يقال للأسود.و«السّدّة» بالفتح: للسيل يهيّأ من الأحجار والصاروج، وبالضمّ: باب الدار.(أشجع): أبو قبيلة.(ليحاربنّ) أي أعداؤنا. وفي بعض النسخ: - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ليجازينّ» بالجيم والزاي.و«الثأر» بالفتح والهمز: طلب الدّم.والبيت للأخطل، قال:انعق بضأنك يا جرير فإنّمامنّتك نفسك في الخلاء ضلالاقيل: لعلّ المراد ب (الطائف) الجبل الطائف بالمدينة المنوّرة أو دور المدينة أو اسم قرية قربها.و«الاحفال» بالفاء بعد المهملة: الجدّ في الأمر، والتفسير لموسى.(جَهِد) كمنع: جَدَّ، ودابّته: بلغ جهدها، أي طاقتها، فيتعدّى ولا يتعدّى، ولا يُقال: أجهدها على الإفعال ويُقال: أجهد الطعام، أي اشتهاها، وأجهد الشيبُ: كثُر وأسرع والحقّ ظهرَ ووضح وفي الأمر احتاط.(1)و«السلحة» بالفتح: النجو، يعني أشأم فضلة، وقرأ برهان الفضلاء: «سلحة» بالضمّ كهمزة، يعني ولد الحجل، قد يتشأَّم به العرب.(بين دورها) بالضمّ: جمع الدار. وقرأ برهان الفضلاء: «بين دورها» بالفتح، وبعض السدّة لها دور وانعطاف.(صريعاً): ساقطاً على الأرض مغلوباً.

.


1- .في «الف»: - «جهد كمنع» - إلى قوله - «وفي الأمر احتاط».

ص: 57

و«البزّة»: بالفتح والتشديد: اللّباس، (بين رجليه لبنة) ككلمة: كناية عن ستر عورته بها.(وليخرجنّ معه) أي مع محمّد بن عبداللَّه بن الحسن أخيه موسى.و«كبش القوم»: رئيسهم.(ولتعودنّ) يعني إلينا اضطراراً.(أو ليفي اللَّه بك وبغيرك)، فَاءَ: رجع، فاء به: أرجعه، وقرئ: «ليقي اللَّه» بالقاف، أي يحفظ اللَّه إيّانا بك وبغيرك من عساكرنا.(عمّك) وهو خالك، يعني الباقر عليه السلام.(بالتي هي أحسن) أي خصلة الصبر وعدم الخروج.(لوددت) كعلم.(فديتك) كرمى.(فصفدوا) على المجهول من باب ضرب، أي قيّدوا.(أعرّاء) كأطبّاء: جمع عرى، وقرأ برهان الفضلاء: «اعراء» على إفعال، جمع عراء كسحاب: مكان منكشف لا حجاب له من الشمس. (لا وطاء فيها) بالكسر والمدّ: لا ستر عليها.(يشتمهم)، من الشتم. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «يشمتهم» من الشماتة.(ثمّ أطلع) من الإفعال، أي رأسه، أو من الافتعال، أي جاء.(إن كنت حريصاً) مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن.(لمّا طلع) على المجهول من المجرّد، والباء للتعدية، أي اخرجوا في المحامل من منازلهم.و(الحرسي) بفتحتين: نسبة إلى حرس جمع حارس، يعني وقصد إيذاء عبداللَّه بن الحسن الحرسيّ الذي على المحامل.(سيكفيك) سيقلّب رأسك فيهلك؛ من الإكفاء، «أكفاه»: قلّب رأسه موضع رجله.

.

ص: 58

(دخل) على ما لم يسمّ فاعله، والباء للتعدية.(رمحته): ضربته برجله.(واستوسق الناس): استجمعهم. وفي بعضٍ: «واستوثق» بالمثلّثة، أي طلب الوثيقة منهم بعد مجيئه من الأشقر.(على شرطه) كصرد، أي حفظة عسكره.(أو تغلظ) أي إلّا أن تغلظ.(امض): أمر من المجرّد، أو من الإفعال.و(الطريق): يذكّر ويؤنّث.(أسلم) من الإسلام بمعنى الانقياد.(ولا قتال) يحتمل بالفتح كسحاب بمعنى القوّة.(حاق به): أحاط به.(بالشباب) كسحاب: جمع شابّ، واسم مصدر أيضاً.(لم أعادك) من المعاداة. وفي بعض النسخ: «لم أغازك» من الغزاء بمعنى المحاربة. وضبط برهان الفضلاء بالمهملة والزاي، من المعازّة: امتحان القوّة من الجانبين.(واللَّه والرحم) للقسم، أي أحذّرك باللَّه وبالرحم التي بيني وبينك، أو اُذكّرك.(أن تدبر عنّا) من الإدبار أي تهلك وتُقتل.(ونشقى بك) أي يلحقنا التعب والأذى بسببك، يعني تقع في التعب والعناء بسبب مبايعتك.و(المخبأ): البيت في داخل الأرض.(دار ربطة) قيل: أي ربطة الخيل. وقال برهان الفضلاء: «ربطة» ككلمة، أي محكمة.(ثمّ أصدق) بتخفيف الدال وتشديدها: صدق الحديث وصدقه الحديث كنصر فيهما.(جحراً) بضمّ الجيم والمهملة الساكنة وهو الهوامّ.

.

ص: 59

(عند اللقاء)، أي لقاء العدوّ، أي من المذكورين بالشجاعة في الحروب.و«التصفيق»: ضرب إحدى اليدين بالاُخرى.و(الهيق) بفتح الهاء وسكون الخاتمة والقاف: الذكر من النعامة. و(النافر): الهارب. و«التنفير»: الزّجر والغلظة.و«الانتهار» بالراء المهملة: الزبر والخشونة.و«الطرادة» بالكسر: رمح قصير.و«الأقرح»: الفرس الذي في وجهه ما دون الغرّة.و«الدئل» بكسر الدال المهملة وفتح الهمزة: أبو قبيلة. وقيل: بضمّ الدال، وقيل: بفتحتين.و«الغديرة» بالمعجمة، ثمّ المهملة قبل الخاتمة: الذّؤابة. و«المضفورة» بالمعجمة قبل الفاء: المنسوجة.و«الرمّة» بالكسر والتشديد: العظام البالية.(حسبت) من الحساب، أو من الحسبان، أي من النجوم أو من القرآن أو من الجفر.و(السراقي) بالضمّ: عَلَمُ رجلٍ، و(سلخ الحوت) بالمعجمة: لقب أبيه، أي جلد السمك. وقيل: بالمهملة، أي نَجْوُه. وضبط برهان الفضلاء بالمعجمة.(فطلع بإسماعيل) على غير المعلوم: جي ء به.(أن تبين لك) أي تظهر البيعة لنفعك، أو ما سيكون من أمره. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «له» مكان «لك».(لا ينتطح في دمك عنزان) كنايةٌ عن عدم وقوع التخاصم في طلب دمه. و«الانتطاح»: الإصابة بالقرن.(ينتمي) من الانتماء، أي الانتساب، أي يعلو ويرتقي، وقرئ: «يتمنّى»، أي السلطنة.(بغير اسمه) يعني المهدي.(في يومك) أي هذا اليوم.(حتّى دخل عليه) أي على إسماعيل.

.

ص: 60

(بذباب) بضمّ المعجمة: جبل بالمدينة.(المسوّدة) قيل: على اسم الفاعل من التفعيل، وقيل: على اسم الفاعل من الأسواد، هم الذين يلبسون السود من الثياب، يعني جماعة بني العبّاس.(فأوصلهم) أي أصحابه بعسكره.و«الخوّام» كعطّار، من الخامة بمعنى الفجل.و(فزارة) و(هذيل) و(أشجع): قبائل.و«السكّة» بالكسر والتشديد: من الطرق المنسدّ.(وانثنى): انعطف راكباً عليه وهو راجل.(أثخنه): بالغ الجراحة فيه وأتمّ أمره.و«الزجّ» بالضمّ والتشديد: حديدة في أسفل الرمح.(وأجلينا): تركنا بلادنا. و«الشريد»: كالطّريد لفظاً ومعنى.(تحبى): من الحباء بمعنى العطاء.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(1) قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُفَضَّلِ : مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْتُولُ بِفَخٍّ ، وَ احْتَوى عَلَى الْمَدِينَةِ ، دَعَا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام عَلَى الْبَيْعَةِ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : «يَا ابْنَ عَمِّ ، لَا تُكَلِّفْنِي مَا كَلَّفَ ابْنُ عَمِّكَ عَمَّكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَيَخْرُجَ مِنِّي مَا لَا أُرِيدُ ، كَمَا خَرَجَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ».فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ : إِنَّمَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ أَمْراً ، فَإِنْ أَرَدْتَهُ دَخَلْتَ فِيهِ ، وَ إِنْ كَرِهْتَهُ لَمْ أَحْمِلْكَ عَلَيْهِ ، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . ثُمَّ وَدَّعَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام حِينَ وَدَّعَهُ : «يَا ابْنَ عَمِّ ، إِنَّكَ مَقْتُولٌ ، فَأَجِدَّ الضِّرَابَ ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ فُسَّاقٌ يُظْهِرُونَ إِيمَاناً ، وَ يُسِرُّونَ شِرْكاً ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد عن عبد اللَّه بن جعفر بن إبراهيم الجعفري».

ص: 61

«إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» أَحْتَسِبُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عُصْبَةٍ». ثُمَّ خَرَجَ الْحُسَيْنُ ، وَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ ، قُتِلُوا كُلُّهُمْ كَمَا قَالَ عليه السلام .

هديّة:في خلافة الهادي العبّاسي بعد وفاة أبيه المهدي في مكّة خرج الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب الملقّب بالنفس الزكيّة كخروج زيد رضاء لآل محمّد صلى اللَّه عليه وآله سنة تسع وستّين ومائة، فخرج في جماعة من الزيديّة وكثير من العلويّين من المدينة يريد فتح مكّة، فلمّا انتهوا إلى فخّ - بفتح الفاء وتشديد المعجمة، وهو اسم بئر على فرسخ من مكّة من طريق التنعيم - أدركهم المسودّة وكان كبشهم عمّ المهدي، فأرسل إلى الحسين، وأظهر إعطاءه الأمان له ولجنده مكراً؛ ليغلب عليهم بتركهم القتال وكونهم مأمونين عنهم، فلم يقبل الحسين وأراد القتال وأجاد المحاربة حتّى قتل رحمة اللَّه عليه، فحمل رأسه ورؤوس كثير من العلويّين إلى الهادي وبقي أجسادهم ثلاثة أيّام غير مدفونة.وفي الحديث عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنّه قال: «لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشدّ وأفجع من فخّ».(1)(فأجدّ الضراب) أمرٌ من الجودة. و«الضراب»: كالقتال لفظاً ومعنى.(أحتسبكم): أطلب الأجر في مصيبتكم.(من عصبة) بالتحريك، قيل: العصبة يُقال لقوم الرجل الذين يتعصّبون له، و«من» بيان لضمير المفعول البارز في «أحتسبكم». الجوهري: عصبة الرجل: بنوه وقرابته لأبيه، وإنّما سمّوا عصبة لأنّهم عصبوا به، أي أحاطوا به، فالأب طرف والابن طرف، والعمّ جانب والأخ جانب، والجمع: العصبات.(2) و«العصبة» بالضمّ من الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين.

.


1- .بحار الأنوار، ج 48، ص 165، ذيل ح 6، وفيه هكذا: «لم يكن لنا بعد الطفّ مصرع أعظم من فخّ».
2- .الصحاح، ج 1، ص 182 (عصب).

ص: 62

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بهذا الإسناد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : كَتَبَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ إِلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَ بِهَا أُوصِيكَ ؛ فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ ، وَ وَصِيَّتُهُ فِي الْآخِرِينَ ، خَبَّرَنِي مَنْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعْوَانِ اللَّهِ عَلى دِينِهِ وَ نَشْرِ طَاعَتِهِ بِمَا كَانَ مِنْ مَحَبَّتِكَ (1) مَعَ خِذْلَانِكَ ، وَ قَدْ شَاوَرْتُ فِي الدَّعْوَةِ لِلرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وَ قَدِ احْتَجَبْتَهَا وَ احْتَجَبَهَا أَبُوكَ مِنْ قَبْلِكَ ، وَ قَدِيماً ادَّعَيْتُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ ، وَ بَسَطْتُمْ آمَالَكُمْ إِلى مَا لَمْ يُعْطِكُمُ اللَّهُ ، فَاسْتَهْوَيْتُمْ وَ أَضْلَلْتُمْ ، وَ أَنَا مُحَذِّرُكَ مَا حَذَّرَكَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ .فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام : «مِنْ مُوسَى بْنِ (2)عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرٍ ، وَ عَلِيٍّ مُشْتَرِكَيْنِ فِي التَّذَلُّلِ لِلَّهِ وَ طَاعَتِهِ ، إِلى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (3) : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُحَذِّرُكَ اللَّهَ وَ نَفْسِي ، وَ أُعْلِمُكَ أَلِيمَ عَذَابِهِ وَ شَدِيدَ عِقَابِهِ وَ تَكَامُلَ نَقِمَاتِهِ ، وَ أُوصِيكَ وَ نَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ؛ فَإِنَّهَا زَيْنُ الْكَلَامِ وَ تَثْبِيتُ النِّعَمِ ، أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ أَنِّي مُدَّعٍ وَ أَبِي مِنْ قَبْلُ ، وَ مَا سَمِعْتَ ذلِكَ مِنِّي وَ«سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَ يُسْأَلُونَ»(4)وَ لَمْ يَدَعْ حِرْصُ الدُّنْيَا وَ مَطَالِبُهَا لِأَهْلِهَا مَطْلَباً لآِخِرَتِهِمْ حَتّى يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ مَطْلَبَ آخِرَتِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ ، وَ ذَكَرْتَ أَنِّي ثَبَّطْتُ النَّاسَ عَنْكَ لِرَغْبَتِي فِيمَا فِي (5) يَدَيْكَ ، وَ مَا مَنَعَنِي مِنْ مَدْخَلِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ - لَوْ كُنْتُ رَاغِباً - ضَعْفٌ عَنْ سُنَّةٍ ، وَ لَا قِلَّةُ بَصِيرَةٍ بِحُجَّةٍ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - خَلَقَ النَّاسَ أَمْشَاجاً وَ غَرَائِبَ وَ غَرَائِزَ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ حَرْفَيْنِ أَسْأَلُكَ عَنْهُمَا : مَا الْعَتْرَفُ فِي بَدَنِكَ؟ وَ مَا الصَّهْلَجُ فِي الْإِنْسَانِ ؟ ثُمَّ اكْتُبْ إِلَيَّ بِخَبَرِ ذلِكَ ، وَ أَنَا مُتَقَدِّمٌ إِلَيْكَ ، أُحَذِّرُكَ مَعْصِيَةَ الْخَلِيفَةِ ، وَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «تحنّنك».
2- .في الكافي المطبوع: + «أبي».
3- .في الكافي المطبوع: «حسن».
4- .الزخرف (43) : 19.
5- .في «د»: - «في».

ص: 63

أَحُثُّكَ عَلى بِرِّهِ وَ طَاعَتِهِ ، وَ أَنْ تَطْلُبَ لِنَفْسِكَ أَمَاناً قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَكَ الْأَظْفَارُ ، وَ يَلْزَمَكَ الْخِنَاقُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ؛ فَتَرَوَّحَ إِلَى النَّفَسِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَ لَا تَجِدَهُ حَتّى يَمُنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ بِمَنِّهِ وَ فَضْلِهِ وَ رِقَّةِ الْخَلِيفَةِ - أَبْقَاهُ اللَّهُ - فَيُؤْمِنَكَ وَ يَرْحَمَكَ ، وَ يَحْفَظَ فِيكَ أَرْحَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله «وَ السَّلَامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى * إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى»(1)».قَالَ الْجَعْفَرِيُّ : فَبَلَغَنِي أَنَّ كِتَابَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام وَقَعَ فِي يَدَيْ هَارُونَ ، فَلَمَّا قَرَأَهُ ، قَالَ : النَّاسُ يُحَمِّلُونِي عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ هُوَ بَرِي ءٌ مِمَّا يُرْمَى بِهِ .

هديّة:(يحيى بن عبداللَّه بن الحسن) المعروف بصاحب الديلم، خرج بعد خروج الحسين الملقّب بالنفس الزكيّة المقتول بفخّ، وخروج أخويه محمّد وإبراهيم المذكورين في حديث الصحيفة الكاملة السجّادية.(فإنّه وصيّة اللَّه في الأوّلين ووصيّته في الآخرين) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة النساء: «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ»(2).(من أعوان اللَّه) مراد ممّن قال بإمامته.في بعض النسخ: «من تحنّنك»، أي من اشتياقك إلى الإمامة، وفي الأكثر: «من محبّتك» أي للإمامة.(مع خذلانك) بالكسر، أي إيّانا أو مع أنّك مخذول ممنوع منها بفقدان أسبابها، (وقد شاورت) يعني الناس في دعوتهم لمن يرتضيه آل محمّد منهم.(وقد احتجبتها) يعني احتجبت عن مشاورتي ولم تحضرها.(فاستهويتم وأضللتم)، قيل: يعني ذهبتم بأهواء الناس وأضللتموهم. وقرأ برهان الفضلاء: «وقد شاورت» على الخطاب، أي شاورت فيها سرّاً ولم تجترئ على إعلانها، كما لم يجتري عليه أبوك من قبل، ولكلٍّ من القرائتين مؤيّد، ولعلّ للثاني أكثر.

.


1- .طه (20) : 47 - 48.
2- .النساء (4): 131.

ص: 64

(ما حذّرك اللَّه من نفسه) ناظرٌ إلى قوله عزّ وجلّ في سورة آل عمران: «وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ»(1).(عبد اللَّه جعفر) قبل التصريح بالاسم كنّى عنه بالعبوديّة لما لا يخفى. وليس في بعض النسخ المعتبرة «عبداللَّه». و(عليّ) عطف على (موسى)، قيل: كأنّه عليه السلام أشرك أخاه عليّ بن جعفر معه في المكاتبة؛ ليصرف بذلك عنه ما يصرف عن نفسه من الدعوى. وقال برهان الفضلاء: بل المراد أبو الحسن الرضا عليه السلام؛ ليشير إلى أنّه وصيّه بعده.في بعض النسخ: «وتكامل نعمائه» مكان (وتكامل نقماته) يعني زوالها بكمالها؛ لقوله بعد: (وتثبيت النعم). و«التثبيت»: المنع والتعويق.(فيما في يديك) يعني دعوى الإمامة، أو تعريض لعدم ظفره بالمراد.(وما منعني) نافية.(أمشاجاً): أخلاطاً شتّى.(وغرائز): طبايع مختلفة.قيل: والظاهر أنّ (العترف) و(الصهلج) كليهما على وزن عنبر، وقيل: على وزن قنفذ، وقيل: على وزن زبرج. قال برهان الفضلاء: لم نجدهما في كتب اللغة، ويحتمل قريباً أن يكون «العترف» علامة في عضو من أعضاء الإنسان، كتفه أو رأسه أو غيرهما، دالّة على الشقوة والشّامة.و«الصهلج» علامة دالّة على السعادة والميمنة، كالشامة المغمورة في اللحم في كتف النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام شبيهة بنقش الخاتم، وقد روي أنّها رُئيت في كتف الكاظم عليه السلام، وكانت من دلائل إمامة الأئمّة عليهم السلام. وفي الحديث عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «أوَّه لفراخ محمّدٍ من خليفةٍ يُستخلَف عِتريفٍ مُترفٍ».(2). «أوَّه» مثلّثة الهاء: كلمة التأسّف، «من» بيانيّة، «يستخلف» على المجهول، أي بأمر الناس.

.


1- .آل عمران (3): 28.
2- .كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 75، ح 17؛ بشارة المصطفى، ص 202؛ إرشاد القلوب، ج 2، ص 314.

ص: 65

قال في القاموس: «العتريف» كزنبيل وعصفور: الخبيث الجري ء الماضي الغاشم المتغشّم.(1) بالغين المعجمة فيهما من «الغشم» بالفتح: الظّلم والشجاعة والتهوّر، أي الظالم المُتكلّف في دعوى الشجاعة.و(الخناق) بالكسر: الحبل يخنق به، وبالضمّ: موضعه من العنق، وعلّة الخناق أيضاً كغراب.(فتروّح) قيل: بحذف إحدى التائين، أي تطلب الراحة بالتنفّس. وقرأ برهان الفضلاء: «تروح» من المجرّد كتصون، أي تذهب إلى طلبها.(يحمّلوني) من التفعيل أو الإفعال.وكتب بعد هذا الحديث في بعض نسخ الكافي هكذا: تَمَّ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الكافي - بحمد اللَّه وعونه - ، وَ يَتْلُوهُ - بِمَشِيَّةِ اللَّهِ وَ عَوْنِهِ - الْجُزْءُ الثَّالِثُ ، وَهُوَ بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّوْقِيتِ . وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.أقول: هذا من تصرّف نسّاخ الكافي، والكافي ثلاثون كتاباً، كتاب الحجّة ثالثها، وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.

.


1- .القاموس المحيط، ج 3، ص 171 (العتريف).

ص: 66

باب كراهية التوقيت

الباب الثاني والثمانون : بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّوْقِيتِ وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَنْ الثُّمَالِيِّ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «يَا ثَابِتُ ، إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - قَدْ كَانَ وَقَّتَ هذَا الْأَمْرَ فِي السَّبْعِينَ ، فَلَمَّا أَنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلى أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَأَخَّرَهُ إِلى أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ، فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ الْحَدِيثَ فَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السَّرِّ ،(2) وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَعْدَ ذلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا ، وَ «يَمْحُو اللَّهُ مَيَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»».قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : فَحَدَّثْتُ بِذلِكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «قَدْ كَانَ كَذلِكَ» .

هديّة:في بعض النسخ: «قناع السّتر» بالتاء، وهو بالفتح مصدر «ستره»، وبالكسر آلته، أي الغطاء. و«القناع» بالكسر: الحجاب، وقناع المرأة أوسع من المقنعة.في بعض النسخ: «ذلك» مكان (كذلك).والشيخ ذكر في كتاب الغيبة هذا الحديث هكذا: عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي».
2- .في الكافي المطبوع : «الستر».

ص: 67

لأبي جعفر عليه السلام: إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول : «إلى السبعين بلاء» وكان يقول : «بعد البلاء رخاء» وقد مضت سبعون ولم نرَ رخاء؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: «يا ثابت إنّ اللَّه تبارك وتعالى» الحديث.(1) وروى أيضاً في كتاب الغيبة عن عثمان النوا قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «كان هذا الأمر فيّ، فأخّره اللَّه، ويفعل اللَّه بعد في ذرّيتي ما يشاء».(2)و«الكراهية» بتخفيف الخاتمة: ضدّ العناية.قال برهان الفضلاء:والمراد: نهى اللَّه عزّ وجلّ عن تعيين وقت الظهور، وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام والعصابة في رخاء مّا في السبعين من الهجرة؛ لعدم استقلال الخلافة من عبداللَّه بن الزبير في مكّة ومروان بن الحكم في الشام؛ فتنوين التنكير في «رخاء» للتقليل. وكذا كان الصادق عليه السلام والعصابة في رخاء ما في الأربعين والمائة؛ لعدم استقلال الخلافة من المنصور الدوانيقي في أوائل خلافته، وكان واقعة كربلاء في إحدى وستّين، ومضى الباقر عليه السلام في أربع عشر ومائة، والصادق عليه السلام في ثمان وأربعين ومائة، فهذا الحديث قبل أربعين ومائة.قوله عليه السلام: (فحدّثناكم فأذعتم) الحديث، ليس المراد فحدّثناكم بالتوقيت، بل بأشياء اُخر ممّا يجب التقيّة فيها.(ولم يجعل اللَّه له بعد ذلك وقتاً عندنا) يعني لم يعلّم لنا العلم بتعيين الوقت في الجملة أيضاً، كعلمنا قبل ذلك بأنّه لولا يكون قتل الحسين عليه السلام لكان هذا الأمر في السبعين. وقيل: قوله: «في السبعين» أي من الهجرة النبويّة أو الغيبة المهدويّة، وكان طلب الحسين عليه السلام حقّه بحوالي السبعين من الهجرة، واستشراف ظهور أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما بعد أربعين ومائة بقليل.(3)

.


1- .الغيبة ، ص 428 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 218 ، ح 69.
2- .الغيبة ، ص 428.
3- .الوافي ، ج 2 ، ص 427 ، ذيل ح 934.

ص: 68

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ(1) ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِهْزَمٌ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَخْبِرْنِي عَنْ هذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَنْتَظِرُهُ مَتى هُوَ؟فَقَالَ : «يَا مِهْزَمُ ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، وَ هَلَكَ الْمُسْتَعْجِلُونَ ، وَ نَجَا الْمُسَلِّمُونَ» .

هديّة:(مهزم) بالمعجمة كمنبر: الأسدي، ذكره الشيخ في رجاله في رجال الصادق عليه السلام.(2)(ونجا المسلِّمون) بالتشديد، يعني المصدّقين الراضين بالقضاء، والصابرون في البأساء.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام ، فَقَالَ : «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نُوَقِّتُ» .

هديّة:يعني في أمر إلّا فيما أذِنَ اللَّه لنا في الإخبار عنه.

الحديث الرابع روى في الكافي وقَالَ أحمد بإسناده قال : قَالَ أبو عبد اللَّه عليه السلام (4) : «أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ وَقْتَ الْمُوَقِّتِينَ» .

هديّة:ردّ كنظايره على حكم أهل التنجيم ومدّعي المكاشفة لغير المعصوم العاقل عن اللَّه

.


1- .في الكافي المطبوع: «بن يحيى».
2- .رجال الشيخ الطوسي ، ص 147 ، رقم 1615.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
4- .في الكافي المطبوع: - «أبو عبد اللَّه عليه السلام».

ص: 69

تعالى، ونحوهما، يعني إنّما يصدر عنه تعالى «كُن» لَمَّا أراد في وقت لا يظنّون ظهوره في ذلك الوقت.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ الاثنين،(1) عَنْ الوشّاء، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : لِهذَا الْأَمْرِ وَقْتٌ ؟ فَقَالَ : «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ؛ إِنَّ مُوسى عليه السلام لَمَّا خَرَجَ وَافِداً إِلى رَبِّهِ ، وَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ يَوْماً ، فَلَمَّا زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الثَّلَاثِينَ عَشْراً ، قَالَ قَوْمُهُ : قَدْ أَخْلَفَنَا مُوسى ، فَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا ؛ فَإِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الْحَدِيثَ فَجَاءَ عَلى مَا حَدَّثْنَاكُمْ (2) ، فَقُولُوا : صَدَقَ اللَّهُ ؛ وَ إِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الْحَدِيثَ فَجَاءَ عَلى خِلَافِ مَا حَدَّثْنَاكُمْ (3) ، فَقُولُوا : صَدَقَ اللَّهُ ؛ تُؤْجَرُوا مَرَّتَيْنِ» .

هديّة:يعني الوقّاتون من غير الحجج المعصومين.(أنّ موسى) بتمامه استئنافٌ بيانيّ.قرأ برهان الفضلاء: «صدّق اللَّه» في الأوّل بالتشديد، وفي الثاني بالتخفيف، ففي الأوّل يعني فعل كما أخبر مع إمكان أن لا يفعل، كما أخبر لثبوت البداء، وفي الثاني صدق اللَّه في قوله عزّ وجلّ: لا يعلم الغيب إلّا اللَّه.(4) وقال: «مرّتين»، يعني بالإيمان بالغيب، والإيمان بأئمّة الهدى.أقول: أو المعنى: مرّةً بالقبول عند السماع من المعصوم، ومرّة بعدم الشكّ والإنكار عند ظهور الخلاف. وقريب منه ما قيل: وذلك لامتناع الكذب على المعصوم وثبوت البداء في أفعاله تعالى، ولذا يؤجرون مرّتين.

.


1- .يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع: + «به».
3- .في «د» والكافي المطبوع: + «به».
4- .الإشارة إلى آية 65 من سورة النمل (27): «قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلّا اللَّه».

ص: 70

وبوجوب عصمة الحجّة وكونه معيّناً منصوصاً محصوراً في كلّ اُمّة من لدن آدم إلى المهدي - صلوات اللَّه عليهما - يندفع كلّ ما خطر بالبال من الإشكال في هذا المقام ونظائره.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ السَّيَّارِيِّ ، عَنِ ابْنِ يَقْطِينٍ ،(1) عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «الشِّيعَةُ تُرَبّى بِالْأَمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَةٍ».قَالَ : وَ قَالَ يَقْطِينٌ لِابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ : مَا بَالُنَا قِيلَ لَنَا فَكَانَ ، وَ قِيلَ لَكُمْ فَلَمْ يَكُنْ ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : إِنَّ الَّذِي قِيلَ لَنَا وَ لَكُمْ كَانَ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ أَمْرَكُمْ حَضَرَ ، فَأُعْطِيتُمْ مَحْضَهُ ، فَكَانَ كَمَا قِيلَ لَكُمْ ، وَ أَنَّ أَمْرَنَا لَمْ يَحْضُرْ ، فَعُلِّلْنَا بِالْأَمَانِيِّ ، فَلَوْ قِيلَ لَنَا : إِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِلى مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ، لَقَسَتِ الْقُلُوبُ ، وَ لَرَجَعَ عَامَّةُ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَ لكِنْ قَالُوا : مَا أَسْرَعَهُ! وَ مَا أَقْرَبَهُ! ؛ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِ النَّاسِ ، وَ تَقْرِيباً لِلْفَرَجِ .

هديّة:قرئ: «تربّى» بالمفردة من التربية، أي ينتظرون دولة الحقّ، ويسرّون برجاء الفرج بوعده عن قريبٍ. وقرأ برهان الفضلاء: «ترنّى» بالنون على المجهول من الترنية، أي تسرّون بالأماني التي يتوقّعون حصولها بمواعيد الفرج عن قريب؛ للجزم بتحقّق الوقوع. رَنَا إليه يرنُوا رُنُوّاً: أدام النظر، وأرناه غيره كرنّاه ترنيةً.و«الاُمنيّة» بالضمّ وكسر النون وتشديد الياء: اسم من التمنّي، والجمع: أمانيّ.(منذ مأتي سنة) أي من بعدها، وهي سنة إشخاص الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان، وطلب المأمون الرضى من الرضا عليه السلام بقبول ولاية العهد وتحرّك أمانيّ الشيعة عند ذلك بظهور الأمر. وقيل: يعني تسرّ الشيعة مِأَتَي سنة قبل قيام القائم عليه السلام بسلطنة رجال منهم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن السيّاري ، عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه عليّ بن يقطين».

ص: 71

(قيل لنا) يعني تعيين الوقت خصوصاً أو تقريباً لدولة بني العبّاس.(وقيل لكم) يعني كذلك لدولة آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله.(فعلّلنا) بالمهملة على المجهول من باب مدّ أو فرّ أو التفعيل. «علّه»: سقاه شربة، بعد شربة وكذا علّله تعليلاً.في بعض النسخ ليست كلمة الاستثناء بعد (لا يكون).وقال الفاضل الاسترآبادي: «لنا» و«لكم» كناية عن مخاطب ببعض الأخبار، وآخر بآخر.و(من مخرج واحد) أي من أهل العصمة عليهم السلام.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ،(1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْزَمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : ذَكَرْنَا عِنْدَهُ مُلُوكَ آلِ فُلَانٍ ، فَقَالَ : «إِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ مِنِ اسْتِعْجَالِهِمْ لِهذَا الْأَمْرِ ؛ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ ؛ إِنَّ لِهذَا الْأَمْرِ غَايَةً يَنْتَهِي إِلَيْهَا ، فَلَوْ قَدْ بَلَغُوهَا لَمْ يَسْتَقْدِمُوا سَاعَةً ، وَ لَمْ يَسْتَأْخِرُوا» .

هديّة:(فلان) يعني العبّاس بن عبد المطّلب.(فلو قد بلغوها) أي الغاية التي قضيت حتماً.وقال برهان الفضلاء: «إنّ لهذا الأمر غاية» يعني لفناء دولة الأعداء، فتعليل - كما في سابقه - تأميلاً بزوالها بقوله: «فلو قد بلغوها».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن الحسن بن عليّ».

ص: 72

باب التّمحيص و الامتحان

الباب الثالث والثمانون : بَابُ التَّمْحِيصِ وَ الِامْتِحَانِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَنْ السَّرَّادِ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ (1) وَ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - صلوات اللَّه عليه - لَمَّا بُويِعَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ خَطَبَ بِخُطْبَةٍ - ذَكَرَهَا - يَقُولُ فِيهَا : أَلَا إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً ، وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً حَتّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ ، وَ أَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ، وَ لَيَسْبِقَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا قَدْ(2) قَصَّرُوا ، وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا ؛ وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً ، وَ لَا كَذَبْتُ كَذِبَةً ، وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَ هذَا الْيَوْمِ» .

هديّة:في العنوان (التمحيص): الابتلاء والاختبار؛ قاله في الصحاح.(3)ومحصت الذهب بالنار من باب منع والتفعيل: إذا خلصته ممّا يشوبه.و«المقتل» هنا مصدر ميميّ أو اسم الزمان، ويجمع على «المقاتل» إذا كان اسم الزمان أو المكان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السرّاج».
2- .في «د» والكافي المطبوع: - «قد».
3- .الصحاح، ج 3، ص 1056 (محص).

ص: 73

(إنّ بليّتكم قد عادت) يعني صرتم بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أهل جاهليّة حيارى في أمر دينكم ، كما كنتم حين بعث نبيّكم صلى اللَّه عليه وآله. وكما انتهت الحيرة الاُولى إلى الهداية، كذلك الحيرة الثانية.و«البلبلة»: اختلاط الألسن وتفريق الآراء وشدّة الهمّ والوسواس واضطراب البال، بلبله فتبلبل.و«الغربلة»: نخل الدقيق ونحوه. وإنّما يغربلون ليميز اللَّه الخبيث من الطيّب. وقيل: «الغربلة» هنا مستعار لالتقاط آحادهم بالقتل والأذى كما فعلوا بكثير من الصحابة والتابعين.(حتّى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم) قيل: أشار به إلى ما يفعله بنو اُميّة بهم من خَلْط بعضهم ببعض، ورفع أرذالهم وحطّ أكابرهم كما يفعل بالقِدْر سائطها، الجوهري: و«السوط» أيضاً بالفتح: خلط الشي ء بالشي ء بعضه ببعض (1) ساطه كصان.(وليسبقنّ سبّاقون كانوا قد قصّروا) يعني أوّلاً، وهم العجم. وفي الحديث التالي: أنّ أكثر عسكري المهدي عليه السلام من العجم، والمؤمن به من العرب قليل.(وليقصرنّ سبّاقون كانوا سبقوا) يعني العرب. وقيل: «قد قصّروا» يعني الذين كان حقّهم السبق، فتأخّروا ظلماً. «وليقصرنّ سبّاقون» لم يكن من حقّهم السبق.و«الوشمة» بالمعجمة: الكلمة، يعني ما كتم النبيّ صلى اللَّه عليه وآله عنّي كلمة. وقرأ برهان الفضلاء بالمهملة، وقال: التاء للوحدة، يعني واحدة من سلطنة السلاطين إلى قيام القائم عليه السلام. قال: و«الوسم» يُقال للغلبة بالسلطة أيضاً.وقال بعض المعاصرين: أراد أنّه لم يكتم كلمة ممّا أخبره به صلى اللَّه عليه وآله وتعيّن عليه تبليغه.(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(3) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «وَيْلٌ

.


1- .الصحاح، ج 3، ص 1135 (سوط).
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 432 ، ذيل ح 943.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد ، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبي المغراء ، عن ابن أبي يعفور».

ص: 74

لِطُغَاةِ الْعَرَبِ مِنْ أَمْرٍ قَدِ اقْتَرَبَ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَمْ مَعَ الْقَائِمِ عليه السلام مِنَ الْعَرَبِ ؟ قَالَ : «نَفَرٌ يَسِيرٌ».قُلْتُ : وَ اللَّهِ ، إِنَّ مَنْ يَصِفُ هذَا الْأَمْرَ مِنْهُمْ لَكَثِيرٌ . قَالَ : «لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا ، وَ يُمَيَّزُوا ، وَ يُغَرْبَلُوا ، وَ يُسْتَخْرَجَ فِي الْغِرْبَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ» .

هديّة:«الطغاة»: جمع الطاغي.وفي ذكر العرب إيماء إلى أنّ قاتلهم من عسكر المهدي عليه السلام إنّما هو العجم.(قد اقترب) تعليلٌ من العلل بالتحريك على ما ذكر في أواخر الباب السابق.(يصف) أي يعرف كما ينبغي.و«التمحيص»: الاختبار. وقد عرفت آنفاً أنّ معناه في الأصل جعل الشي ء خالصاً ممّا لا يناسبه.و(الغربال) بالكسر: معروف. قال برهان الفضلاء: يعني ويستخرج من الإيمان كثيرون، باقون في الغربال كالنخالة.أقول: أي من الغربال كما من أرض كربلاء يوم القيامة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْقَلِ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا مَنْصُورُ ، إِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَا يَأْتِيكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ ؛ وَ لَا وَ اللَّهِ ، حَتّى تُمَيَّزُوا ؛ وَ لَا وَ اللَّهِ ، حَتّى تُمَحَّصُوا ؛ وَ لَا وَ اللَّهِ ، حَتّى يَشْقى مَنْ يَشْقى ، وَ يَسْعَدَ مَنْ يَسْعَدُ» .

هديّة:أيس عدوّي كسمع، أياساً بالفتح: قنط. وكذا «يئس» بتقديم الياء. والمراد هنا الإشراف على القنوط.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الصيرفي ، عن جعفر بن محمّد الصيقل».

ص: 75

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : ««الم * أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ»». ثُمَّ قَالَ لِي : «مَا الْفِتْنَةُ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، الَّذِي (2) عِنْدَنَا الْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ ، فَقَالَ : «يُفْتَنُونَ كَمَا يُفْتَنُ الذَّهَبُ». ثُمَّ قَالَ : «يُخْلَصُونَ كَمَا يُخْلَصُ الذَّهَبُ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثاني الرضا عليه السلام.ومن بطون (الم) هنا أنّ «الألف» إشارة إلى فتنة أبي بكر في عام أوّل بعدما مضى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، و«اللام» إلى فتنة معاوية في الثلاثين بعد ذلك و«الميم» إلى فتنة ولاية العهد ليزيد عن معاوية عليهما اللّعنة في الأربعين بعد ذلك.(الفتنة في الدِّين) إمّا خبر أو عطف بيان.خلص الشي ء كنصر: صار خالصاً، وأخلصته أنا وكذا خلّصته تخليصاً فتخلّص.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صَالِحٍ (3) رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ حَدِيثَكُمْ هذَا لَتَشْمَئِزُّ مِنْهُ قُلُوبُ الرِّجَالِ ، فَمَنْ أَقَرَّ بِهِ فَزِيدُوهُ ؛ وَ مَنْ أَنْكَرَهُ فَذَرُوهُ ؛ إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ (4)أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَ وَلِيجَةٍ ، حَتّى يَسْقُطَ فِيهَا مَنْ يَشُقُّ الشَّعْرَ بِشَعْرَتَيْنِ ، حَتّى لَا يَبْقى (5) إِلَّا نَحْنُ وَ شِيعَتُنَا» .

هديّة:«الاشمئزاز»: التنفّر والتجافي.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد».
2- .في «الف» : «التي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن سليمان بن صالح».
4- .في «الف» : «عن».
5- .في «الف» + : «فيها».

ص: 76

(يسقط) أي عن درجة الإيمان.وبطانة الرجل - بكسر المفردة - ووليجته: خاصّته وأولى بتصرّفه ومولاه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ الْحَارِثُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جُلُوساً وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَسْمَعُ كَلَامَنَا ، فَقَالَ لَنَا : «فِي أَيِّ شَيْ ءٍ أَنْتُمْ ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى تُغَرْبَلُوا ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى تُمَحَّصُوا ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى تُمَيَّزُوا ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى يَشْقى مَنْ يَشْقى ، وَ يَسْعَدَ مَنْ يَسْعَدُ» .

هديّة:كأنّ كلامهم في دولة الحقّ وقرب ظهورها.(ففي أيّ شي ء أنتم) على الاستفهام الإنكاري.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن منصور الصيقل».

ص: 77

باب أنّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّر

الباب الرابع والثمانون : بَابُ أَنَّهُ مَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ لَمْ يَضُرَّهُ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ الأربعة،(1) عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «اعْرِفْ إِمَامَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَهُ ، لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ» .

هديّة:يعني ظهور القائم عليه السلام، ولا ضرر مع سلامة الدِّين، بل الخير كلّه معها.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(2)قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ».فَقَالَ : «يَا فُضَيْلُ ، اعْرِفْ إِمَامَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ إِمَامَكَ ، لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ وَ مَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ قَاعِداً

.


1- .يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمّد بن مروان ، عن الفضيل بن يسار».

ص: 78

فِي عَسْكَرِهِ ؛ لَا ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَعَدَ تَحْتَ لِوَائِهِ».قَالَ : وَ قَالَ : بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(اُناس): لغة في «ناس». والآية في سورة بني إسرائيل.(1)(قال: وقال) يعني قال الفضيل بن يسار: وقال أبو عبداللَّه عليه السلام: بعض أصحاب القائم عليه السلام بمنزلة من استشهد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. واحتمال قال الراوي عن الفضيل: وقال بعض أصحاب الفضيل: إنّ الفضيل روى هكذا، يعني قال: قال عليه السلام: لا، بل بمنزلة من استشهد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، كما ترى. وكذا احتمال بعض أصحاب أبي عبداللَّه عليه السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَتَى الْفَرَجُ ؟فَقَالَ : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، وَ أَنْتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ، مَنْ عَرَفَ هذَا الْأَمْرَ ، فَقَدْ فُرِّجَ عَنْهُ ؛ لِانْتِظَارِهِ» .

هديّة:(فرّج) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، يعني الغمّ الذي أعظم الغموم، وهو الغمّ حقيقةً ، وأيّ فرج أعظم من سلامة الدِّين وثواب انتظار ظهور دولة الحقّ.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ ،(3) قَالَ : سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ أَنَا أَسْمَعُ ، فَقَالَ : تَرَانِي أُدْرِكُ الْقَائِمَ عليه السلام ؟فَقَالَ : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، أَ لَسْتَ تَعْرِفُ إِمَامَكَ ؟» فَقَالَ : إِي وَ اللَّهِ ، وَ أَنْتَ هُوَ - وَ تَنَاوَلَ يَدَهُ -

.


1- .الإسراء (17) : 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد رفعه ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن إسماعيل بن محمّد الخزاعي».

ص: 79

فَقَالَ : «وَ اللَّهِ ، مَا تُبَالِي يَا أَبَا بَصِيرٍ أَلَّا تَكُونَ مُحْتَبِياً بِسَيْفِكَ فِي ظِلِّ رِوَاقِ الْقَائِمِ عليه السلام» .

هديّة:وتناول أبو بصير يد الإمام عليه السلام. والاحتباء بالمهملة والمدّ: جمع الظهر والساقين بعمامة ونحوها. والمحتبي بسيفه: المتقلّد به.و(رواق) ككتاب وغلام: سقف في مقدّم البيت وضرب من الفسطاط. الجوهري: الأرواق: الفساطيط.(1)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ الفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(2) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ ؛ وَ مَنْ مَاتَ وَ هُوَ عَارِفٌ لِإِمَامِهِ ، لَمْ يَضُرَّهُ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ وَ مَنْ مَاتَ وَ هُوَ عَارِفٌ لِإِمَامِهِ ، كَانَ كَمَنْ هُوَ مَعَ الْقَائِمِ عليه السلام فِي فُسْطَاطِهِ» .

هديّة:«الميتة» بالكسر للنوع. (ميتة جاهليّة) بالإضافة.قيل : «وهو عارف لإمامه» أي بعلامة العصمة، وأنّ الإمام الحقّ لا يكون إلّا معصوماً.أقول: الأولى: وهو عارف لإمامه كما هو حقّه عند الإماميّة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ ،(3)عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «مَا ضَرَّ مَنْ مَاتَ مُنْتَظِراً لِأَمْرِنَا أَلَّا يَمُوتَ فِي وَسَطِ فُسْطَاطِ الْمَهْدِيِّ أَوْ عَسْكَرِهِ» .

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1485 (روق).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النعمان ، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل بن يسار».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن عليّ العلوي ، عن سهل بن جمهور ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني ، عن الحسن بن الحسين العرني ، عن عليّ بن هاشم».

ص: 80

هديّة:(ألّا يموت) فاعل (ما ضرّ) أي عدم موته. والترديد يحتمل أن يكون من الراوي.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ ،(1) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «اعْرِفِ الْعَلَامَةَ ؛ فَإِذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» فَمَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ ، كَانَ كَمَنْ كَانَ (2) فِي فُسْطَاطِ الْمُنْتَظَرِ عليه السلام» .

هديّة:في نسخة الشهيد الثاني الشيخ زين الدِّين العاملي - عامله اللَّه بلطفه - : «اعرف الغلام» يعني المهدي عليه السلام، وفي بعض النسخ : «المهدي كان المنتظر»، وفي بعض آخر : «فسطاطه» بالإضمار. والمراد بالعلامة هنا - على نسختها - أبين علامات الربوبيّة، وهو الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى، وقد ورد عنهم عليهم السلام في قوله عزّ وجلّ: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(3) أنّ العلامات هم الأئمّة عليهم السلام والنجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.(4)وهذا مراد من قال في وجه التعبير عن الإمام بالعلامة أنّه علامة حقّية الدين بعلامة العصمة الواجبة له.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «علي بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن عمر بن أبان».
2- .في «د» : - «كان».
3- .النحل (16): 16.
4- .راجع : الكافي ، ج 1 ، ص 206 ، باب أنّ الأئمّة هم العلامات التي ذكر اللَّه عزّوجلّ في كتابه ، ح 1و 2و 3.

ص: 81

باب من ادّعى الإمامة و ليس لها بأهل ، و من جحد الأئمّة أو بعضهم...

الباب الخامس والثمانون : بَابُ مَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ وَ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ ، وَ مَنْ جَحَدَ الْأَئِمَّةَ أَوْ بَعْضَهُمْ ، وَ مَنْ أَثْبَتَ الْإِمَامَةَ لِمَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ وأحاديثه كما في الكافي اثني عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي سَلَّامٍ ،(1) عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ (2) : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ»؟ قَالَ : «مَنْ قَالَ : إِنِّي إِمَامٌ وَ لَيْسَ بِإِمَامٍ» .قَالَ : قُلْتُ : وَ إِنْ كَانَ عَلَوِيّاً ؟ قَالَ : «وَ إِنْ كَانَ عَلَوِيّاً» .قُلْتُ : وَ إِنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صلوات للَّه عليه ؟ قَالَ : «وَ إِنْ كَانَ» .

هديّة:الآية في سورة الزمر.(3)تكرار السؤال مبالغة في التعجّب.ولعلّ المراد في الجواب إلّا من نشفّع فيه، وقد ورد عن الصاحب عليه السلام في عمّه جعفر

.


1- .السند في غ الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي سلّام».
2- .في الكافي المطبوع : + «له».
3- .الزمر (39) : 60.

ص: 82

الملقّب بالكذّاب أنّ سبيله سبيل إخوة يوسف عليه السلام.(1) وظاهر أنّ الخروج لرضا آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله لا يستلزم دعوى الإمامة، فلا إشكال بزيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام وهو مرضيّ عند أئمّتنا عليهم السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ ،(2) عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ وَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، فَهُوَ كَافِرٌ» .

هديّة:ليست الإمامة إلّا من عند اللَّه كالنبوّة، خلافاً للصوفيّة القدريّة القائلين بأنّ النبوّة والإمامة كسبيّتان. ولا بُعد في تخصيص الموصول في مثل الحديث بغير العلويّين، فلا إشكال بمثل جعفر الكذّاب المرتجى له الشفاعة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ،(3) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ «وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ» ؟ قَالَ : «كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَ لَيْسَ بِإِمَامٍ».قُلْتُ : وَ إِنْ كَانَ فَاطِمِيّاً عَلَوِيّاً ؟ قَالَ : «وَ إِنْ كَانَ فَاطِمِيّاً عَلَوِيّاً» .

هديّة:(زعم): ادّعى. وقد سبق نظير الخبر ببيانه.

.


1- .كمال الدين ، ج 2 ، ص 483 ، باب 45 ، ح 4 ؛ الغيبة للطوسي ، ص 290 ؛ الاحتجاج للطبرسي ، ج 2 ، ص 469 ؛ الخرائج والجرائح ، ج 3 ، ص 1113 ؛ أعلام الورى ، ص 453.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان».
3- .السند في غ الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن ، عن الحسين بن المختار».

ص: 83

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده بطريقين عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : مَنِ ادَّعى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ لَهُ ، وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً» .

هديّة:نصّ في كفر غير الإماميّ.(لهما) أي للمدّعي والجاحد، وبيان رفع الإشكال كما مرَّ آنفاً.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيى أَخِي أُدَيْمٍ ،(2) عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَا يَدَّعِيهِ غَيْرُ صَاحِبِهِ إِلَّا بَتَرَ اللَّهُ عُمُرَهُ» .

هديّة:«البتر» - بتقديم المفردة - بترت الشي ء كنصر بتراً: قطعته قبل الإتمام؛ وشدّد للمبالغة، ومنه:الأبتر للمقطوع الذنب والذي لا عقب له، وكلّ أمر انقطع من الخير أثره. وقراءة : «بتّر اللَّه عمره» - بتقديم المثنّاة الفوقانيّة - من التبار بمعنى الهلاك، تصحيف تبّره تتبيراً : كسّره وأهلكه؛ قال اللَّه تعالى: «إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ»(3) أي مكسّر مهلك.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(4) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء ، عن داود الحمّار ، عن ابن أبي يعفور». فقول المصنّف في السند. بطريقينً سهو منه.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان ، عن يحيى أخي أديم».
3- .الأعراف (7): 139.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان».

ص: 84

قَالَ : «مَنْ أَشْرَكَ مَعَ إِمَامٍ - إِمَامَتُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - مَنْ لَيْسَتْ إِمَامَتُهُ مِنَ اللَّهِ ، كَانَ مُشْرِكاً بِاللَّهِ» .

هديّة:جماعة من المخالفين يقولون: كان أمير المؤمنين عليه السلام في زمن الثلاثة أيضاً كالثلاثة، وكان تدبير المملكة معهم، والاُمور الشرعيّة معه، وكذلك جمع من بني العبّاس كهارون ومأمون كانوا قائلين في وجه الناس: إنّ الخلافة عن الرسول صلى اللَّه عليه وآله مشتركة بيننا وبين بني أبي طالب، لنا السيف وتدبير المملكة، ولهم العلم والفتوى في الاُمور الشرعيّة.(من ليست) مفعول الشرك.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ بُزُرْجَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : رَجُلٌ قَالَ لِيَ : اعْرِفِ الْآخِرَ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَ لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَعْرِفَ الْأَوَّلَ ؟قَالَ : فَقَالَ : «لَعَنَ اللَّهُ هذَا ؛ فَإِنِّي أُبْغِضُهُ ، وَ لَا أَعْرِفُهُ ، وَ هَلْ عُرِفَ الْآخِرُ إِلَّا بِالْأَوَّلِ؟» .

هديّة:وذلك لأنّ الآخر لا يكون إلّا وصيّ الأوّل بأمر اللَّه سبحانه.(ولا أعرفه) يعني ليس اسمه في صحيفة أسماء شيعتنا.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ،(2) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ الشَّيْخَ عليه السلام عَنِ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ الْأَحْيَاءِ ، فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَمْوَاتَ» .

هديّة:«عبداللَّه بن مسكان»: أبو محمّد فقيه معظّم، من الستّة الذين أجمعت العصابة على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن محمّد بن مسلم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن صفوان».

ص: 85

تصديقهم وثقتهم؛ ذكره الكشّي في رجال الصادق عليه السلام،(1) والنجاشي في رجال الكاظم عليه السلام،(2) وقال ابن داود: وقيل: هو من رجال الباقر والصادق عليهما السلام ولم يثبت، مات في أيّام أبي الحسن الأوّل عليه السلام.(3) والمعنى: من اعتقد خلوّ زمان من المعصوم العاقل عن اللَّه ، فقد أنكر حجج اللَّه جميعاً، وهو إنكار لتقدير العزيز العليم وتدبير الحكيم الخبير في مثل هذا النظام العظيم المنحصر علمه في مدبّره قطعاً.وقال بعض المعاصرين: يعني إذا أدرك غير واحد من الاثني عشر.(4) وهو كما ترى.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(5) قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .قَالَ : فَقَالَ : «هَلْ رَأَيْتَ أَحَداً زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالزِّنى وَ شُرْبِ الْخَمْرِ ، أَوْ شَيْ ءٍ مِنْ هذِهِ الْمَحَارِمِ ؟» فَقُلْتُ : لَا .فَقَالَ : «مَا هذِهِ الْفَاحِشَةُ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهَا؟» قُلْتُ : اللَّهُ أَعْلَمُ وَ وَلِيُّهُ ، فَقَالَ : «فَإِنَّ هذَا فِي أَئِمَّةِ الْجَوْرِ ، ادَّعَوْا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِالِائْتِمَامِ بِقَوْمٍ لَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ بِالِائْتِمَامِ بِهِمْ ، فَرَدَّ اللَّهُ ذلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ ، وَ سَمّى ذلِكَ مِنْهُمْ فَاحِشَةً» .

هديّةالآية في سورة الأعراف.(6)

.


1- .رجال الكشّي ، ص 382 ، الرقم 716.
2- .رجال النجاشي ، ص 214 ، الرقم 559.
3- .رجال ابن داود ، ص 213 ، الرقم 888 ، وفيه هكذا : «وقيل : عن ق ولم يثبت، مات في أيّام أبي الحسن عليه السلام قبل الحادثة» ، ويكون القاف رمزاً عن الصادق عليه السلام، فنقل المصنّف غير صحيح.
4- .لم نعثر عليه.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمّد بن منصور».
6- .الأعراف (7) : 28.

ص: 86

و «الزنى» يمدّ ويقصّر.(ادّعوا) يعني تابعي أئمّة الجور ، ومن تابعي أئمّة الظلم معظم مشايخ الصوفيّة القدريّة كالبصري والثوري وابن العربي وصاحب التأويلات والرومي والبسطامي. وقد وقعت مشاجرة في عصرنا بين أثنين وحال الرومي، فاضطّرا إلى التفأّل بالقرآن ، فجاءت هذه الآية ، فأخذ مادح الرومي في لعنه وهدى.وذكر لي بعض أصحابنا من أهل النجف أنّه ناظر في سفره إلى مكّة جماعة من رفقة الطريق ، وكانوا من الصوفيّة القدريّة عند زيارتهم بالشام مقبرة ابن العربي ، فانتهى كلامهم إلى التفأّل في بيان حاله بالقرآن الذي على صندوقة ، فجاء قوله عزّوجلّ في سورة التوبة : «إنَّما الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»(1) الآية. ومن كلام ذلك اللعين. رقّص ورقّصني.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(2) قَالَ : سَأَلْتُ عَبْداً صَالِحاً عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ»(3) قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ ، فَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ وَ الْبَاطِنُ مِنْ ذلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ ، وَ جَمِيعُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ وَ الْبَاطِنُ مِنْ ذلِكَ أَئِمَّةُ الْحَقِّ» .

هديّة:(أئمّة الجور) يعني ولايتهم والايتمام بهم والأخذ منهم علمهم وأدبهم، والعلم المأخوذ عن المعصوم العاقل عن اللَّه هو الطعام الحلال الباطني، والطعام الحرام الباطني ما هو المأخوذ من أئمّة الضلال والطغيان الآخذين مقالاتهم من وساوس الشيطان.

.


1- .التوبة (9) : 28.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمّد بن منصور».
3- .الأعراف (7) : 33.

ص: 87

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ»(2)؟قَالَ : «هُمْ وَ اللَّهِ ، أَوْلِيَاءُ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ، فَلِذلِكَ قَالَ : «وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ * وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ»».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هُمْ - وَ اللَّهِ يَا جَابِرُ - أَئِمَّةُ الظُّلْمِ (3) وَ أَشْيَاعُهُمْ» .

هديّة:«الكرّ»: الرجوع، والواحدة: الكرّة. والكرّة: المرّة أيضاً من الرجوع أو غيره، كرّ كفرّ : رجع وكرّه غيره؛ يتعدّى ولا يتعدّى.و«من» في (من دون اللَّه) للظرفيّة، و«دون» بمعنى القدّام. والآيات في سورة البقرة.(4)

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ ،(5) عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن ثابت».
2- .في الكافي المطبوع : - «والذين آمنوا أشدّ حباً للَّه».
3- .في الكافي المطبوع : «الظلمة».
4- .البقرة (2) : 165 - 167.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أبي داود المسترقّ ، عن عليّ بن ميمون».

ص: 88

اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ ، وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : مَنِ ادَّعى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ لَهُ ، وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً» .

هديّة:بيانه كالحديث الرابع.

.

ص: 89

باب فيمن دان اللَّه عزّ و جلّ بغير إمام من اللَّه جلّ جلاله

الباب السادس والثمانون : بَابٌ فِيمَنْ دَانَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام (1) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ» قَالَ : «يَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ رَأْيَهُ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدى» .

هديّة:الآية في سورة القصص،(2) ردٌّ على جميع طوائف الكفر والضلال، وأرداهم الصوفيّة القدريّة الآخذين طريقتهم عن مردة الشياطين الموسوسين في صدور المتّبعين لهم بالرأي واتّباع الهوى المردي، ويقين أن لا يقين في دلالة أحد على أمر مختلف فيه في مثل هذا النظام العظيم إلّا بقول المعصوم العاقل عن مدبّره العليم الحكيم.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ، عَنِ الْعَلَاءِ ،(3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن عليه السلام».
2- .القصص (28) : 50.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين».

ص: 90

جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «كُلُّ مَنْ دَانَ اللَّهَ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ ، فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَ هُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ ، وَ اللَّهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ ، وَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وَ قَطِيعِهَا ، فَهَجَمَتْ ذَاهِبَةً وَ جَائِيَةً يَوْمَهَا ، فَلَمَّا جَنَّهَا اللَّيْلُ ، بَصُرَتْ بِقَطِيعٍ مَعَ غَيْرِ رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا ، فَبَاتَتْ مَعَهَا فِي رَبَضَتِهَا ، فَلَمَّا أَنْ سَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَهُ ، أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا ، فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا ، فَبَصُرَتْ بِغَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا ، فَصَاحَ بِهَا الرَّاعِي : الْحَقِي بِرَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ ؛ فَإِنَّكِ تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ عَنْ رَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ ، فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً نَادَّةً ، لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلى مَرْعَاهَا ، أَوْ يَرُدُّهَا ، فَبَيْنَا هِيَ كَذلِكَ إِذَا اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا ، فَأَكَلَهَا .وَ كَذلِكَ - وَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ - مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وَ عَزَّ - ظَاهِراً عَادِلاً ، أَصْبَحَ ضَالاًّ تَائِهاً ، وَ إِنْ مَاتَ عَلى هذِهِ الْحَالِ ، مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَ نِفَاقٍ .وَ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ ، أَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وَ أَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ ، قَدْ ضَلُّوا وَ أَضَلُّوا ، فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَىْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ»» .

هديّة:بيانه كالحديث الثامن في الباب السابع.«جهد نفسه» كمنع، و«أجهدها» بمعنى.«شانئ المرء»: عدوّه ومبغضه. «هجمت»: اضطربت. «جنّه»: ستره.(مع غير راعيها) أي مع راع غير راعيها. في بعض النسخ : «من» بدل «مع».(حنّت): اشتاقت.و«الرّبض» محرّكة، و«المربض» كمجلس بمعنى.(ذعرة): «خائفة».(نادّة): شاردة نافرة.(ضيعتها): ضياعها، ضاع الشي ء يضيع ضيعة وضياعاً - بالفتح فيهما - : هلك وتلف.

.

ص: 91

(ظاهراً) حسبه ونسبه. وقرئ : «طاهراً» أي من الرجس، وفسّر بالشكّ وقد سبق.(مات ميتة كفر ونفاق) ناظرٌ إلى حديث النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة».(1)(يوم عاصف): اشتدّت فيه الريح، في سورة إبراهيم هكذا: «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ»(2) الآية.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَن السرّاد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ ،(3) عَنْ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(4) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنِّي أُخَالِطُ النَّاسَ ، فَيَكْثُرُ عَجَبِي مِنْ أَقْوَامٍ لَا يَتَوَلَّوْنَكُمْ ، وَ يَتَوَلَّوْنَ فُلَاناً وَ فُلَاناً ، لَهُمْ أَمَانَةٌ وَ صِدْقٌ وَ وَفَاءٌ ، وَ أَقْوَامٍ يَتَوَلَّوْنَكُمْ ، لَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَمَانَةُ وَ لَا الْوَفَاءُ وَ الصِّدْقُ ؟قَالَ : فَاسْتَوى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَالِساً ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ كَالْغَضْبَانِ ، ثُمَّ قَالَ : «لَا دِينَ لِمَنْ دَانَ اللَّهَ بِوَلَايَةِ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ ، وَ لَا عَتَبَ عَلى مَنْ دَانَ اللَّهَ (5) بِوَلَايَةِ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ».قُلْتُ : لَا دِينَ لِأُولئِكَ ، وَ لَا عَتَبَ عَلى هؤُلَاءِ ؟!قَالَ : «نَعَمْ ، لَا دِينَ لِأُولئِكَ ، وَ لَا عَتَبَ عَلى هؤُلَاءِ» ثُمَّ قَالَ : «أَ لَا تَسْمَعُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» يَعْنِي ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ إِلى نُورِ التَّوْبَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ ؛ لِوَلَايَتِهِمْ كُلَّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ ، وَ قَالَ : «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ

.


1- .راجع : الكافي ، ج 1 ، ص 376 ، باب من مات وليس له إمام من أئمّة الهدى...، ح 1 - 3. وفي الطبعة الجديدة ، ج 2، ص 264 ، ح 978 - 980.
2- .إبراهيم (14): 18.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي».
4- .في الكافي المطبوع : «عبد اللَّه بن أبي يعفور».
5- .في الكافي المطبوع : - «اللَّه».

ص: 92

الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ» إِنَّمَا عَنى بِهذَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلى نُورِ الْإِسْلَامِ ، فَلَمَّا أَنْ تَوَلَّوْا كُلَّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ خَرَجُوا بِوَلَايَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ نُورِ الْإِسْلَامِ إِلى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ النَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ «فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»» .

هديّة:«العتب» بالتحريك: الأمر الكريه، والشدّة والعقوبة والعتاب. وقيل: الظاهر - كما في بعض النسخ - : «ولا عطب» بالطاء المهملة في المواضع كلّها، أي لا هلاك.أقول: أو الظاهر بدليل نصوص كثيرة مستفيضة ما هو في الأكثر، إذ المراد لا عتاب عليهم بالخطأ في الدِّين وإن عوقبوا بالمعصية في الدنيا أو عقبات البرزخ، فالمنقوطة أنسب، والنصوص الآتية شواهد.هل الآيتان تمام آية الكرسي؟ قيل: لا، وهو الصحيح ،(1) وقيل: نعم.والخبر نصّ في كفر غير الإماميّ.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَبِيبٍ السِّجِسْتَانِيِّ ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : لَأُعَذِّبَنَّ كُلَّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً ؛ وَ لَأَعْفُوَنَّ عَنْ كُلِّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَنْفُسِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً» .

هديّة:في بعض النسخ : «نقيّة» بالنون، مكان التاء.والعدالة والاتّصاف بالتقوى الظاهريّ متلازمان ظاهراً.

.


1- .في «د» : - «وهو الصحيح».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني».

ص: 93

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده، عَنْ صَفْوَانَ ،(1) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً ؛ وَ إِنَّ اللَّهَ لَيَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً» .

هديّة:بيانه كسابقه.و(يستحيى): استفعال من الحياء. قال الأخفش: «استحيى» بياء واحدة لغة بني تميم ، وبيائين لغة أهل الحجاز، وهو الأصل.(3) وقرئ بهما قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»(4).(أن يعذّب) أي بالنار؛ إذ النار حرام على الشيعة. وادّعى الصدوق في اعتقاداته الإجماع عليه،(5) فاستحياؤه تعالى يوجب على لطفه توفيق التوبة وعذاب العاصي من الشيعة - كما ورد في النصّ - إنّما هو في الدنيا بالفقر والمرض وغير ذلك من الآلام، وفي عقبات البرزخ في حجب مانعة من اطّلاع الملائكة عليه؛ فطوبى لنا ثمّ طوبى لنا، وويلٌ فويلٌ لأعدائنا؛ والحمد للَّه، وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن صفوان».
2- .في الكافي المطبوع : + «عن عبد اللَّه بن سنان».
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2324 (حيا).
4- .البقرة (2): 26.
5- .راجع : الاعتقادات ، ص 58 ، باب الاعتقاد في المسألة والقبر.

ص: 94

باب من مات و ليس له إمام من أئمّة الهدى هو من الباب الأوّل

الباب السابع والثمانون : بَابُ مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدى َ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(1) قَالَ : ابْتَدَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (2) ، وَ قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ (3) إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ».فَقُلْتُ : قَالَ ذلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَقَالَ : «إِي وَ اللَّهِ قَدْ قَالَ». قُلْتُ : فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:(وهو من الباب الأوّل) في العنوان اُسوةً بثقة الإسلام، والمراد بيان كثرة التناسب بين أحاديث البابين.و«الميتة» بالكسر للنوع، و(ميتة جاهليّة) على الإضافة، واحتمال التوصيف لا مانع له.كثير من الصوفيّة القدريّة في عصرنا يدّعون أنّ دينهم - وهو الكفر - الذي هم عليه

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن اُذينة ، عن الفضيل بن يسار».
2- .في الكافي المطبوع : + «يوماً».
3- .في الكافي المطبوع : «عليه».

ص: 95

مأخوذٌ من الإمام، فيلزمهم أن يقولوا ويقولون إنّ معنى قول الإمام إنّ القائل بكلمة الكفر كفرعون والحلّاج والبسطامي والرومي وغيرهم من رؤسائهم وطواغيتهم مرتدّ نجس واجب القتل مخلّد في النار إنّه وليّ اللَّه عارف كامل واصل، نعم واصل لكن إلى جهنّم وبئس المصير، ليس واللَّه العظيم مذهب أسخف من مذهبهم، ولا كفر أفحش من كفرهم، اُولئك عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(1) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ». قَالَ : فَقُلْتُ : مِيتَةُ كُفْرٍ؟ قَالَ : «مِيتَةُ ضَلَالٍ». قُلْتُ : فَمَنْ مَاتَ الْيَوْمَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:«الضالّ» كما يستفاد من أحاديثهم عليهم السلام هو الكافر من هذه الاُمّة، والكافر أعمّ من غير طالب طريق الإسلام ومن طالبٍ يطلبه فيضلّ. وهذا مراد برهان الفضلاء في بيانه أنّ الضالَّ كفرُه غير صريح، والكافر أعمّ.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ : جَاهِلِيَّةً جَهْلَاءَ ، أَوْ جَاهِلِيَّةً لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ ؟ قَالَ : «جَاهِلِيَّةَ كُفْرٍ وَ نِفَاقٍ وَ ضَلَالٍ» .

هديّة:(لا يعرف إمامه)، في بعض النسخ : «ولم يعرف إمامه».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، قال : حدّثني عبد الكريم بن عمرو ، عن ابن أبي يعفور».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 96

الجوهري: قولهم: كان ذلك في الجاهليّة الجهلاء - بالفتح والمدّ - هو توكيد للأوّل ، كليلة ليلاء ويوم أيوم.(1)(جاهليّة كفر) عبارةٌ عن نفي إسلام الكافر من هذه الاُمّة أصلاً، أي من كان ممّن لا إمام له من اللَّه، وكذا «جاهليّة نفاق» مع الإشارة إلى أنّ دعواهم الإسلام لا ينفعهم أصلاً، وكذا «جاهليّة ضلال» مع الإشارة إلى الفرق بين الكافر والضالّ. وقال برهان الفضلاء: «جاهليّة كفر» لمن لا إمام له من اللَّه أيّ من كان، و«جاهليّة نفاق» للصوفيّة المدّعين للتشيّع، و«جاهليّة ضلال» للمخالفين.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ ، عَنْ مَالِكَ بْنِ عَامِرٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ عَنْ صَادِقٍ ، أَلْزَمَهُ اللَّهُ أَلْبَتَّةَ إِلَى الْعَنَاءِ ، وَ مَنِ ادَّعى سَمَاعاً مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ ، فَهُوَ مُشْرِكٌ ، وَ ذلِكَ الْبَابُ الْمَأْمُونُ عَلى سِرِّ اللَّهِ الْمَكْنُونِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «التّيه» بالكسر بمعنى الحيرة مكان (البتّة) بمعنى قطعاً، ويقدّر بالتضمين على التقديرين ما يتعدّى بإلى كالوصول في الأوّل والموصل في الثاني.(ومن ادّعى سماعاً) أي سماع أحاديث الدِّين. وقال بعض المعاصرين: أي وجدان سماع.(2) وقال برهان الفضلاء:في هذا الحديث بيان أربعة أصناف من هذه الاُمّة: الأوّل والثاني: مشايخ الصوفيّة والمجتهدون من المخالفين. والثالث والرابع: توابع مشايخ الصوفيّة والمقلّدون من العامّة.و(العناء) بالفتح والمدّ: التعب والمشقّة، ففي الدنيا من جملته الرياضة المخترعة

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1664 (جهل).
2- .لم نعثر عليه.

ص: 97

في طريقة التصوّف، وفي الآخرة تعبها مخلّداً، لقوله عليه السلام: (ألزمه اللَّه). وقرأ برهان الفضلاء : «آلَى العناء» على أفعل التفضيل من الألآء بهمزتين ككتاب وسحاب: شجر مُرّ خُضْرتُه معجبة. واحتمل «إلى» من الحروف الجارّة.(وذلك الباب المأمون) إمّا مبتدأ وخبر موصوف، أي هو المعصوم، فإنّه المأمون قطعاً في دين اللَّه وأسرار حكمه، أو الخبر «المأمون» أي هو من يكون كذا قطعاً، ولا قطع في غير المعصوم.

.

ص: 98

باب فيمن عرف الحقّ من أهل البيت و من أنكر

الباب الثامن والثمانون : بَابٌ فِيمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَ مَنْ أَنْكَرَوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(1) عَنْ الجَعْفَري ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ عُبَيْدِ(2) اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهم السلام وَ امْرَأَتَهُ وَ بَنِيهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . ثُمَّ قَالَ : «مَنْ عَرَفَ هذَا الْأَمْرَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام ، لَمْ يَكُنْ كَالنَّاسِ» .

هديّة:(من أهل البيت) في العنوان يعني من ذرّية الرسول صلى اللَّه عليه وآله.(عليّ بن عبيد اللَّه) مصغّراً ابن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، يكنّى أبا الحسن، كان الرِّضا عليه السلام يسمّيه الزوج الصالح؛ لأنّ زوجته كانت بنت عبد اللَّه بن الحسين الأصغر، روى عن الكاظم والرضا عليهما السلام وكان أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في زمانه واختصّ بهما عليهما السلام، ثقة ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة، لم يكن كالناس، قالوا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم».
2- .في الكافي المطبوع : «عبد اللَّه» بدل «عبيد اللَّه».

ص: 99

وذلك لاجتماع التشيّع (1) والسيادة، وكثرة نفع اقرارهم في هداية غيرهم ومن ثَمَّ ما يوجب الثواب يوجب لهم الثوابين؛ صرّح بذلك برهان الفضلاء أيضاً، والأحاديث الآتية شواهد.وقال بعض المعاصرين:وذلك لأنّ أسباب البغض والحسد في ذوي القربى أكثر وأحكم وأشدّ، فمن نفى عن نفسه ذلك منهم، فقد أكمل القوّة والفتوّة. انتهى.(2)لا وجه لوجهه ؛ لعدم الفائدة في نفي البعض بدون التشيّع ، على أنّ قصده - كما هو دأبه - الإيماء إلى أنّ كمال الإنسان عند الصوفيّة إنّما هو بالرياضة ، وإن كانت ممنوعة شرعاً ، وإن كان المرتاض كافراً جوكيّاً.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَن الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ ،(3) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَمَّنْ عَانَدَكَ ، وَ لَمْ يَعْرِفْ حَقَّكَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عليها السلام، هُوَ وَ سَائِرُ النَّاسِ سَوَاءٌ فِي الْعِقَابِ ؟قَالَ (4) : «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَقُولُ : عَلَيْهِمْ ضِعْفَا الْعَذَابِ (5)» .

هديّة:«الضِّعف»: المثل، ووجه المثلين القرابة وكثرة ضرر إنكارهم في ضلال غيرهم.في بعض النسخ: «ضعفا العقاب».

.


1- .في «د» : «وذلك للتشيّع» بدل «قالو وذلك لاجتماع التشيّع».
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 125 ، ذيل ح 589.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، قال : حدّثني الوشّاء ، قال : حدّثنا أحمد بن عمر بن حلّال».
4- .في الكافي المطبوع : «فقال».
5- .في الكافي المطبوع : «العقاب».

ص: 100

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيِّ، عَنْ البصري (1) قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : الْمُنْكِرُ لِهذَا الْأَمْرِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ ؟ فَقَالَ لِي : «لَا تَقُلِ : الْمُنْكِرُ ، وَ لكِنْ قُلِ : الْجَاحِدُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ(2)».قَالَ أَبُو الْحَسَنِ : فَتَفَكَّرْتُ فِيهِ ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ : «فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»(3) .

هديّة:«عبد الرّحمن بن أبي عبد اللَّه البصري» يكنّى أبا الحسن.(لا تقل: المنكر) وذلك لأنّ الإنكار قد يُطلق على عدم المعرفة صورةً كما في سورة يوسف.و«الجحد» جحد الحقّ، لا غير. واكتفى السائل عن سماع الجواب بما سمع، بما فهم من أنّ أمرهم يحال على مشيّة اللَّه فيهم، كما سيذكر في حديث البنتين: إحداهما زوجة الزارع والاُخرى زوجة الفخّار.(4) وفي توقيعات صاحب الزمان عليه السلام: «أنّ مثلنا ومثل عمّه جعفر كمثل يوسف وإخوته»(5). أو أنّه سمع الجواب كما في الحديثين السابق وتاليه، ولم يذكر هنا لأنّ غرضه بيان الفرق بين الإنكار والجحد.وقال بعض المعاصرين:الجحد: الإنكار مع العلم، والإنكار يقابل المعرفة. ولمّا كانت بنو هاشم عالمين

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن راشد ، قال : حدّثنا عليّ بن إسماعيل الميثمي ، قال ، حدّثني ربعيّ بن عبد اللَّه ، قال : قال لي عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع : - «سواء».
3- .يوسف (12) : 58.
4- .الكافي ، ج 8 ، ص 84 ، ح 45 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 15 ، ص 212 ، ح 14860.
5- .مرّ تخريجه في شرح الحديث الأوّل من باب من ادّعى الإمامة و ليس له بأهل.

ص: 101

بأمرهم عليهم السلام ما ناسب إطلاق الإنكار على فعلهم، بل كان إطلاق الجحد عليه أوفق. وإنّما اكتفى عليه السلام في جواب السائل بهذا الاعتراض؛ لأنّ السائل نفسه اكتفى به وبفهم جوابه بنفسه عن إعادة السؤال ثانياً، فاغتنم عليه السلام الفرصة بالسكوت عنه. انتهى.(1)وجهه الأوّل ليس بوجه ، والثاني مجمل مهمل.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي ،(2) قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام ، قُلْتُ لَهُ : الْجَاحِدُ مِنْكُمْ وَ مِنْ غَيْرِكُمْ سَوَاءٌ ؟فَقَالَ : «الْجَاحِدُ مِنَّا لَهُ ذَنْبَانِ ، وَ الْمُحْسِنُ لَهُ حَسَنَتَانِ» .

هديّة:قد عرفت آنفاً وجه المثلين من الثواب والعقاب.و«الذنب» هنا عبارة عن الكفر.

.


1- .الوافي ، ج 2 ، ص 126 ، ذيل ح 591.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصير».

ص: 102

باب ما يجب على الناس عند مضيّ الإمام

الباب التاسع والثمانون : بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ مُضِيِّ الْإِمَامِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِذَا حَدَثَ عَلَى الْإِمَامِ حَدَثٌ ، كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ ؟قَالَ : «أَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»» قَالَ : «هُمْ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ ، وَ هؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ» .

هديّة:(نفر): ذهب؛ قاله ابن الأثير أيضاً في نهايته.(2)(أصحابهم) أي أصحابهم الطالبين للإمام الظاهر نسبه إلى آدم، والطاهر حسبه من الرِّجس، والبيّن كونه أعلم الناس بالقرآن ووصيّاً بالوصيّة الظاهرة في البلد.والآية في سورة التوبة.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن يعقوب بن شعيب».
2- .النهاية ، ج 5 ، ص 92 (نفر).
3- .التوبة (9) : 122.

ص: 103

والإشكال الوارد بطلب صاحب الزمان في الغيبة الطّولى يندفع بالعمل بما عليه إجماع العصابة، والتوقّف بما هو الأحوط في غيره.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادٍ ،(1) عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» فَقَالَ : «الْحَقُّ وَ اللَّهِ».قُلْتُ : فَإِنَّ إِمَاماً هَلَكَ وَ رَجُلٌ بِخُرَاسَانَ لَا يَعْلَمُ مَنْ وَصِيُّهُ لَمْ يَسَعْهُ ذلِكَ ؟ قَالَ : «لَا يَسَعُهُ ؛ إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا هَلَكَ ، وَقَعَتْ حُجَّةُ وَصِيِّهِ عَلى مَنْ هُوَ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ ، وَ حَقَّ النَّفْرُ عَلى مَنْ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إِذَا بَلَغَهُمْ ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ : «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»».قُلْتُ : فَنَفَرَ قَوْمٌ ، فَهَلَكَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ ، فَيَعْلَمَ ؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَ عَزَّ - يَقُولُ : «وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ»».قُلْتُ : فَبَلَغَ الْبَلَدَ بَعْضُهُمْ ، فَوَجَدَكَ مُغْلَقاً عَلَيْكَ بَابُكَ ، وَ مُرْخًى عَلَيْكَ سِتْرُكَ لَا تَدْعُوهُمْ إِلى نَفْسِكَ ، وَ لَا يَكُونُ مَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَيْكَ ، فَبِمَا يَعْرِفُونَ ذلِكَ ؟ قَالَ : «بِكِتَابِ اللَّهِ الْمُنْزَلِ».قُلْتُ : فَبِقَوْلِ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ ، كَيْفَ ؟ قَالَ : «أَرَاكَ قَدْ تَكَلَّمْتَ فِي هذَا قَبْلَ الْيَوْمِ». قُلْتُ : أَجَلْ ، قَالَ : «فَذَكِّرْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ مَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ عليهما السلام ، وَ مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ عَلِيّاً عليه السلام ، وَ مَا قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنْ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ ، وَ نَصْبِهِ إِيَّاهُ ، وَ مَا يُصِيبُهُمْ ، وَ إِقْرَارِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بِذلِكَ ، وَ وَصِيَّتِهِ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ تَسْلِيمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام لَهُ ؛ يَقوُلُ اللَّهُ : «النَّبِىُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ»(2)» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : حدّثنا حمّاد».
2- .الأحزاب (33) : 6.

ص: 104

قُلْتُ : فَإِنَّ النَّاسَ تَكَلَّمُوا فِي أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ يَقُولُونَ : كَيْفَ تَخَطَّتْ مِنْ وُلْدِ أَبِيهِ مَنْ لَهُ مِثْلُ قَرَابَتِهِ وَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ ، وَ قَصُرَتْ عَمَّنْ هُوَ أَقْصَرُ(1) مِنْهُ ؟فَقَالَ : «يُعْرَفُ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ بِثَلَاثِ خِصَالٍ لَا يَكُونُ (2) فِي غَيْرِهِ : هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِالَّذِي قَبْلَهُ وَ هُوَ وَصِيُّهُ ، وَ عِنْدَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ وَصِيَّتُهُ ، وَ ذلِكَ عِنْدِي لَا أُنَازَعُ فِيهِ».قُلْتُ : إِنَّ ذلِكَ مَسْتُورٌ مَخَافَةَ السُّلْطَانِ ؟قَالَ : «لَا يَكُونُ فِي سِتْرٍ إِلَّا وَ لَهُ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ ؛ إِنَّ أَبِي عليه السلام اسْتَوْدَعَنِي مَا هُنَاكَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالَ : ادْعُ لِي شُهُوداً ، فَدَعَوْتُ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ نَافِعٌ مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : اكْتُبْ : هذَا مَا أَوْصى بِهِ يَعْقُوبُ بَنِيهِ : «يا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» ، وَ أَوْصى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى ابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي بُرْدِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمَعَ ، وَ أَنْ يُعَمِّمَهُ بِعِمَامَتِهِ ، وَ أَنْ يُرَبِّعَ قَبْرَهُ ، وَ يَرْفَعَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، ثُمَّ يُخَلِّيَ عَنْهُ» ، فَقَالَ : «اطْوُوهُ» . ثُمَّ قَالَ لِلشُّهُودِ : «انْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ» .فَقُلْتُ بَعْدَ مَا انْصَرَفُوا : «مَا كَانَ فِي هذَا يَا أَبَتِ ، أَنْ يُشْهِدَ(3) عَلَيْهِ ؟»فَقَالَ : «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ تُغْلَبَ ، وَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُوصَ ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُجَّةٌ ، فَهُوَ الَّذِي إِذَا قَدِمَ الرَّجُلُ الْبَلَدَ ، قَالَ : مَنْ وَصِيُّ فُلَانٍ ؟ قِيلَ : فُلَانٌ» . قُلْتُ : فَإِنْ أَشْرَكَ فِي الْوَصِيَّةِ ؟ قَالَ : «تَسْأَلُونَهُ ؛ فَإِنَّهُ سَيُبَيِّنُ لَكُمْ» .

هديّة:(الحقّ واللَّه) يعني هذا الحديث.(لم يسعه ذلك) على الاستفهام، يعني أليس هو معذوراً في عدم معرفته الإمام.(حجّة وصيّه)، في بعض النسخ: «حجّة وصيّته» أي الوصيّة الظاهرة لأهل البلد.(وحقّ النّفر) أي وجب.

.


1- .في الكافي المطبوع : «أصغر».
2- .في الكافي المطبوع : «تكون».
3- .في الكافي المطبوع : «تشهد».

ص: 105

وآية: «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ» في سورة النساء.(1)(ولا يكون من يدلّهم عليك) بفتح الميم وفعل المضارع من الدلالة، وقرئ : «من يدٍ لهم عليك» بكسر الميم، ظروف ثلاثة، كناية عن عدم الوصول.«فبما» أو «فبم» بمعنى.«فبقول اللَّه» على المصدر أو «فيقول اللَّه» على الفعل.(أراك قد تكلّمت في هذا) أي مع المخالف أو مع المؤالف في الاستدلال على الإمامة من الكتاب والسنّة.(قبل اليوم) في زمن الإمام السابق.(فذكّر) على الأمر من التذكير، أي نفسك. وقيل: الظاهر. «فاذكر» على الأمر من المجرّد، وقراءته على الماضي المعلوم لا يستقيم سياقاً، سيّما لقوله : «يقول اللَّه».(تخطّت) يعني تجاوزت الإمامة ممّن له مثله (من ولد أبيه).(وقصرت) يعني لم تنل إلى من هو أقصر سنّاً، وفي بعض النسخ: «أصغر» مكان (أقصر).(هو أولى الناس بالذي قبله) أي باعتبار كونه أعلم الناس بالقرآن والسنّة مثله، (وهو وصيّه) يعني سرّاً وعلانيّةً، بحيث يعلم المؤالف والمخالف أنّه وصيّه عند الموت، وصاحب الوصيّة الظاهرة لأهل البلد، وإن لم يعرفوه جميعاً بالإمامة. قيل: وهذا هو المراد بقوله: «وله حجّة ظاهرة».في بعض النسخ : «إلى ابنه جعفر بن محمّد»، قيل: والظاهر «إلى جعفر بن محمّد» أو «إلى ابنه جعفر».(حجّة) يحتمل الرفع والنصب.و(سيبيّن) المعلوم وخلافه. وقد سبق مضمون طائفة من هذا الخبر في الحديث الثامن في الباب التاسع والستّين.

.


1- .النساء (4): 100.

ص: 106

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ العجلي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، بَلَغَنَا شَكْوَاكَ وَ أَشْفَقْنَا ، فَلَوْ أَعْلَمْتَنَا أَوْ عَلَّمْنَا(2) مَنْ ؟ فَقَالَ : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ عَالِماً ، وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ ، فَلَا يَهْلِكُ عَالِمٌ إِلَّا بَقِيَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ».قُلْتُ : أَ فَيَسَعُ النَّاسَ إِذَا مَاتَ الْعَالِمُ أَلَّا يَعْرِفُوا الَّذِي بَعْدَهُ؟ فَقَالَ : «أَمَّا أَهْلُ هذِهِ الْبَلْدَةِ ، فَلَا - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - وَ أَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الْبُلْدَانِ ، فَبِقَدْرِ مَسِيرِهِمْ ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : «وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»».قَالَ : قُلْتُ : أَ رَأَيْتَ مَنْ مَاتَ فِي ذلِكَ ؟ فَقَالَ : «هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ، ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».قَالَ : قُلْتُ : فَإِذَا قَدِمُوا بِأَيِّ شَيْ ءٍ يَعْرِفُونَ صَاحِبَهُمْ ؟ قَالَ : «يُعْطَى السَّكِينَةَ وَ الْوَقَارَ وَالْهَيْبَةَ» .

هديّة:(شكواك) أي صيرورتك عليلاً. و«الشكوى» بالقصر: الوجع والمرض.«أشفق عليه»: خاف ومنه حذر. وقال ابن دريد: شفقت كضرب وأشفقت بمعنى: وأنكره أهل اللغة.في بعض النسخ: «أو علّمتنا» على الترديد بين الإفعال والتفعيل، كالترديد بين المجرّد والمزيد على الأكثر: أو المعنى على الأكثر، أو لو علمنا بطريق آخر، قال: يعطى اقتصار على طائفة من الدلالات المقارنة بالنسب والحسب الظاهرين، ووجه الاقتصار

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بريد بن معاوية ، عن محمّد بن مسلم».
2- .في الكافي المطبوع : «علّمتنا».

ص: 107

يفهم من مثل قوله تعالى: «وَاللَّهُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1). وفي مثل الخبر أنّه لا يجب على الإمام التبليغ كما يجب على النبيّ عليه السلام، بل على الرعيّة - بعد تبليغ النبيّ - السعي إلى الإمام. فمثله كمثل العَلَم المنصوب للعسكر ليس عليه النداء، ومثل الكعبة علماً للحجّ ليس عليها أن ترفع صوتها بقول: «هلمّوا إلى الحجّ» ولم يُعلمْه بالاسم ونحوه، خوفاً من الإذاعة أو لأمرٍ آخر.

.


1- .البقرة (2): 213.

ص: 108

باب في أنّ الإمام متى يعلم أنّ الأمر قد صار إليه

الباب التسعون : بَابٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ مَتى يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ صَارَ إِلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ،(1) عَنْ أَبِي جَرِيرٍ الْقُمِّيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ عَرَفْتَ انْقِطَاعِي إِلى أَبِيكَ ، ثُمَّ إِلَيْكَ ، ثُمَّ قُلْتُ (2) لَهُ: - وَ حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ حَقِّ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ - بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنِّي مَا تُخْبِرُنِي بِهِ إِلى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، وَ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِيهِ : أَ حَيٌّ هُوَ أَوْ مَيِّتٌ ؟ فَقَالَ : «قَدْ وَ اللَّهِ مَاتَ».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ شِيعَتَكَ يَرْوُونَ أَنَّ فِيهِ سُنَّةَ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ ؟ قَالَ : «قَدْ وَ اللَّهِ - الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ - هَلَكَ» .قُلْتُ : هَلَكَ (3) هَلَاكَ غَيْبَةٍ ، أَوْ هَلَاكَ مَوْتٍ ؟ قَالَ : «هَلَاكَ مَوْتٍ». فَقُلْتُ : لَعَلَّكَ مِنِّي فِي تَقِيَّةٍ ؟ فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ!» . قُلْتُ : فَأَوْصى إِلَيْكَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» . قُلْتُ : فَأَشْرَكَ مَعَكَ (4) أَحَداً ؟ قَالَ : «لَا». قُلْتُ : فَعَلَيْكَ مِنْ إِخْوَتِكَ إِمَامٌ ؟ قَالَ : «لَا». قُلْتُ : فَأَنْتَ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى».
2- .في الكافي المطبوع : «حلفت».
3- .في الكافي المطبوع : - «هلك».
4- .فى حاشية النسخة : + «فيها».

ص: 109

هديّة:(متى يعلم) في العنوان يعني أعند موت السابق أو عند وصول الخبر.(لأبي الحسن عليه السلام) يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام.(بأنّه) متعلّق بالحلف، والضمير الشّأن.وقيل: إيراد ثقة الإسلام هذا الخبر في هذا الباب لعلّه باعتبار كون هذا السؤال قبل تواتر خبر الموت، بعد مجي ء سعيد الخادم المذكور في التالي للتالي.(سنّة أربعة أنبياء) لعلّ المراد حياة إدريس وعيسى والخضر وإلياس عليهم السلام.وقال برهان الفضلاء:«يروون أنّ فيه» أي في أبيك، «سنّة أربعة أنبياء» يعني يغيب مثل يوسف عليه السلام، ثمّ يظهر للسلطنة، والرواية على فرض صحّته وعدم إنكاره عليه السلام من أمارة الصحّة في القائم عليه السلام، يعني المهدي، وكلّ إمام هو القائم في زمانه.وقال بعض المعاصرين: يعني إحداها الغيبة.(1) ولم يذكر البواقي وما قلناه أنسب سياقاً.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ رَجُلاً عَنَّى (3)أَخَاكَ إِبْرَاهِيمَ ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَبَاكَ عليه السلام فِي الْحَيَاةِ ، وَ أَنَّكَ تَعْلَمُ مِنْ ذلِكَ مَا لا نَعْلَمُ (4) ؟فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! يَمُوتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ لَا يَمُوتُ مُوسى؟! قَدْ وَ اللَّهِ مَضى كَمَا مَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمْ يَزَلْ مُنْذُ قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله - هَلُمَّ جَرّاً - يَمُنُّ بِهذَا الدِّينِ عَلى أَوْلَادِ الْأَعَاجِمِ ، وَ يَصْرِفُهُ عَنْ قَرَابَةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله هَلُمَّ جَرّاً - فَيُعْطِي هؤُلَاءِ ، وَ يَمْنَعُ هؤُلَاءِ ، لَقَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ فِي هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ أَلْفَ دِينَارٍ بَعْدَ أَنْ أَشْفى عَلى طَلَاقِ

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 674 ، ذيل ح 1279.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط».
3- .في الكافي المطبوع : «عنى» بدون التشديد».
4- .في الكافي المطبوع : «يعلم» بدل «لا نعلم».

ص: 110

نِسَائِهِ وَ عِتْقِ مَمَالِيكِهِ ، وَ لكِنْ قَدْ سَمِعْتُ مَا لَقِيَ يُوسُفُ مِنْ إِخْوَتِهِ» .

هديّة:(رجلاً) يعني من الواقفة، أو المراد العبّاس أخيه عليه السلام وقد مرّ ذكره.(عنّى أخاك) على التفعلة، أي أوقعه في العناء والتعب بتلبيسه الأمر عليه في إمامة أخيه ووفات أبيه. وفي بعض النسخ : «غرّ أخاك» من الغرور، أي خدعه. وهو أوضح.(وإنّك) بكسر الهمزة حاليّة، والمراد تحقيق الحال.(ما لا نعلم) على المتكلّم مع الغير أو الغائب.(هلمّ) من أسماء الأفعال، و(جرّاً) نصب على المفعوليّة، أي ايت وانظر انجراره إلى آخره.قيل: «ويصرفه عن قرابة نبيّه» إشارة إلى أنّ القائل بغير ما هو الحقّ كالوقف خارج عن الدِّين. وقال برهان الفضلاء: إشارة إلى مدح سعيد الخادم القزويني ومثله، وذمّ أخيه ومثله، وإيمان سلمان ومثله.وقيل: في هذا الحديث دلالة على فضل العجم على العرب.وروى عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء: «وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ»(1) عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لو نزّل القرآن على العجم ما آمنت به العرب، وقد نزّل على العرب فآمنت به العجم».(2)وفي كتاب الغيبة للشيخ رحمة اللَّه عليه بإسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «اتّق العرب، فإنّ لهم جبر سوء، أما أنّه لم يخرج مع القائم عليه السلام منهم واحد».(3)ومن طريق العامّة عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «لو كان الدِّين بالثريّا لنالته رجال من فارس».(4)وفي رواية اُخرى: لمّا نزل قوله تعالى: «وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ»(5)، قيل: مَن هم

.


1- .الشعراء (26): 198 - 199.
2- .تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 124 ؛ وعنه في البحار ، ج 9 ، ص 228 ، ح 116.
3- .الغيبة للطوسي ، ص 476 ؛ وعنه في البحار ، ج 52 ، ص 333 ، ح 62 ، وفيها ورد : «خبر سوء» بدل «جبر سوء».
4- .جامع البيان للطبري ، ج 26 ، ص 86 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 60 ، ح 3314.
5- .الجمعة (62): 3.

ص: 111

يا رسول اللَّه؟ فلم يجب حتّى سُئل ثلاثاً، ثمّ وضع يده على كتف سلمان وقال: «لو كان الإيمان عند الثريّا لناله رجالٌ أو رجلٌ من هؤلاء».(1)(قضيت عنه) الظاهر عن إبراهيم، وقيل: عن العبّاس من إخوته عليه السلام، وقيل: عن الرجل الواقفي.(أشفى): أشرف. والقصد من الطلاق والعتق أن لا يختم الغرماءُ بيوتَ نسائه، ولا يأخذوا مماليكه.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنِ الْوَشَّاءِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنَّهُمْ رَوَوْا عَنْكَ فِي مَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَكَ (3) : عَلِمْتَ ذلِكَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ ؟فَقَالَ : «جَاءَ سَعِيدٌ بَعْدَ مَا عَلِمْتُ بِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ».قَالَ : وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «طَلَّقْتُ أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ إِسْحَاقَ فِي رَجَبٍ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِيَوْمٍ». قُلْتُ : طَلَّقْتَهَا وَ قَدْ عَلِمْتَ بِمَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ : قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْكَ سَعِيدٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:المراد بأبي الحسن الأوّل أبو الحسن الثاني، وبالثاني الأوّل.(رجلاً) يعني من الواقفة معترضاً عليك بأنّ علمك ذلك إنّما هو بقول سعيد، فيلزم خلوّ الدنيا في الفاصلة بين علمك ومضيّه عن المعصوم، والجاهل بإمامة نفسه ليس بإمام، وأيضاً العلم بسبب إخبار سعيد الخادم الوالي وأهل المدينة ليس معتبراً في علم الإمامة، وسعيد الخادم هو الناعي من بغداد إلى المدينة.

.


1- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 417 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 192 ، وفيهما مع اختلاف يسير.
2- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
3- .في «د» : + «إنّك».

ص: 112

قال بعض المعاصرين في كتابه:واُمّ فروة من أزواج أبي الحسن الأوّل عليه السلام، وقد مضى أنّه عليه السلام فوّض أمر نسائه أيضاً إلى الرضا عليه السلام، فلعلّه كان وكيلاً في طلاقها من قبل أبيه عليهما السلام، وجواز طلاقها بعد موت الموكّل إنّما هو لكون أحكام الشريعة جارية على ظاهر الأمر دون باطنه، وكان الموت لم يتحقّق بعد للناس ظاهراً، قال: وأورد هنا إشكال بأنّ الفائدة في الطلاق الذي يجي ء بعده الكاشف عن عدم صحّته ماذا؟ فيجيب بأنّ أمرهم عليهم السلام أرفع من أن يناله عقولنا، فلعلّه لمصلحة لا نعلمها. انتهى.(1)أقول: ليس ببعيد أن يكون معنى قوله عليه السلام: (طلّقتها) على هذه النسخة: أمرتها بعدّة الوفاة، واللَّه أعلم.وقرأ برهان الفضلاء : «طلّعت» من التطليع بمعنى الإخبار والإعلام على وجه أكمل، ثمّ قال:وسعيد هو سعيد بن حاتم القزويني الخادم، وقد مرَّ ذكره في حديث يزيد بن سليط في باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا عليه السلام، وإسحاق هو إسحاق بن جعفر بن محمّد عليه السلام، ومضى موسى بن جعفر عليهما السلام في سادس رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة. انتهى.لو كان في أزواج الكاظم عليه السلام مَن اسمه أو كنيته اُمّ فروة وكان إسحاق شخص آخر، فثلاثة: اُمّ فروة بنت جعفر بن محمّد عليهما السلام، واُمّ فروة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام، واُمّ فروة هذه على ما ذكره بعض المعاصرين أيضاً.وقال المفيد في إرشاده: «وكان لأبي عبداللَّه عليه السلام عشرة أولاد: إسماعيل وعبداللَّه واُمّ فروة» إلى آخره.(2) ثمّ ذكر في بنات موسى عليه السلام بعد ذكر البنين: خديجة واُمّ فروة وأسماء إلى ثمان عشر من البنات.(3)

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 663 ، ذيل ح 1265.
2- .الإرشاد ، ج 2 ، ص 209.
3- .الإرشاد ، ج 2 ، ص 244 ، وفيه هكذا : «وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً واُنثى... وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ورقيّة وحكيمة واُمّ أبيها ورقية الصغرى ، وكلثم واُمّ جعفر ولبابة وزينب وخديجة وعليّة وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة واُم سلمة وميمونة واُمّ كلثوم لأمّهات الأولاد».

ص: 113

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ،(1) عَنْ صَفْوَانَ ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِمَامِ ، مَتى يَعْلَمُ أَنَّهُ إِمَامٌ ، حِينَ يَبْلُغُهُ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ مَضى ، أَوْ حِينَ يَمْضِي ، مِثْلَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قُبِضَ بِبَغْدَادَ وَ أَنْتَ هَاهُنَا ؟قَالَ : «يَعْلَمُ ذلِكَ حِينَ يَمْضِي صَاحِبُهُ». قُلْتُ : بِأَيِّ شَيْ ءٍ ؟ قَالَ : «يُلْهِمُهُ اللَّهُ تعالى» .

هديّة:قال برهان الفضلاء: «مثل» مرفوعٌ، خبرٌ عن مبتدأ محذوف، أي موضع سؤالي هاهنا ، يعني في المدينة المنوّرة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الشَّهْبَانِيِّ ،(2) عَنْ هَارُونَ بْنِ الْفَضْلِ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، مَضى أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام». فَقِيلَ لَهُ : وَ كَيْفَ عَرَفْتَ ؟ قَالَ : «لِأَنَّهُ تَدَاخَلَنِي ذِلَّةٌ لِلَّهِ عَزَّوَجَلَّ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام، وأبا جعفر الثاني الجواد عليه السلام، كان الهادي عليه السلام في المدينة حين مضى الجواد عليه السلام في بغداد.(لأنّه تداخلني ذلّة للَّه عزّ وجلّ لم أكن أعرفها) نصٌّ في أنّ نهاية كمال العبد بكمال العبوديّة، لا بدعوى الربوبيّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي الفضل الشهباني».

ص: 114

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بِن مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُسَاوِرٍ ،(1) قَالَ : أَمَرَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام - حِينَ أُخْرِجَ بِهِ - أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام أَنْ يَنَامَ عَلى بَابِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَبَداً مَا كَانَ حَيّاً إِلى أَنْ يَأْتِيَهُ خَبَرُهُ ، قَالَ : فَكُنَّا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ نَفْرُشُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي الدِّهْلِيزِ ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيَنَامُ ، فَإِذَا أَصْبَحَ انْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ ، قَالَ : فَمَكَثَ عَلى هذِهِ الْحَالِ أَرْبَعَ سِنِينَ ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي ، أَبْطَأَ عَنَّا وَ فُرِشَ لَهُ ، فَلَمْ يَأْتِ كَمَا كَانَ يَأْتِي ، فَاسْتَوْحَشَ الْعِيَالُ وَ ذُعِرُوا ، وَ دَخَلَنَا أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ إِبْطَائِهِ .فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، أَتَى الدَّارَ ، وَ دَخَلَ إِلَى الْعِيَالِ ، وَ قَصَدَ إِلى أُمِّ أَحْمَدَ ، فَقَالَ لَهَا : «هَاتِي الَّذِي (2)أَوْدَعَكِ أَبِي» . فَصَرَخَتْ ، وَ لَطَمَتْ وَجْهَهَا ، وَ شَقَّتْ جَيْبَهَا ، وَ قَالَتْ : مَاتَ وَ اللَّهِ سَيِّدِي ، فَكَفَّهَا ، وَ قَالَ لَهَا : «لَا تَكَلَّمِي بِشَيْ ءٍ ، وَ لَا تُظْهِرِيهِ حَتّى يَجِي ءَ الْخَبَرُ إِلَى الْوَالِي» .فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ سَفَطاً ، وَ أَلْفَيْ دِينَارٍ ، أَوْ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ ، فَدَفَعَتْ ذلِكَ أَجْمَعَ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَ قَالَتْ : إِنَّهُ قَالَ لِي فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَهُ - وَ كَانَتْ أَثِيرَةً عِنْدَهُ - : «احْتَفِظِي بِهذِهِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَكِ ، لَا تُطْلِعِي عَلَيْهَا أَحَداً حَتّى أَمُوتَ ، فَإِذَا مَضَيْتُ ، فَمَنْ أَتَاكِ مِنْ وُلْدِي فَطَلَبَهَا مِنْكِ ، فَادْفَعِيهَا إِلَيْهِ ، وَ اعْلَمِي أَنِّي قَدْ مِتُّ» . وَ قَدْ جَاءَتْنِي (3) وَ اللَّهِ عَلَامَةُ سَيِّدِي .فَقَبَضَ ذلِكَ مِنْهَا ، وَ أَمَرَهُمْ بِالْإِمْسَاكِ جَمِيعاً إِلى أَنْ وَرَدَ الْخَبَرُ ، وَ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعُدْ لِشَيْ ءٍ مِنَ الْمَبِيتِ ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ، فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا أَيَّاماً يَسِيرَةً حَتّى جَاءَتِ الْخَرِيطَةُ بِنَعْيِهِ ، فَعَدَدْنَا الْأَيَّامَ ، وَ تَفَقَّدْنَا الْوَقْتَ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام مَا فَعَلَ مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنِ الْمَبِيتِ وَ قَبْضِهِ لِمَا قَبَضَ .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «مسافر» بالفاء بدل الواو.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن مسافر».
2- .في الكافي المطبوع : «هات التي» بدل «هاتي الذي».
3- .في الكافي المطبوع : «جاءني».

ص: 115

. .

ص: 116

باب حالات الأئمّة في السنّ

الباب الحادي والتسعون : بَابُ حَالَاتِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام فِي السِّنِ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أبي خالد الْكُنَاسِيِّ ،(1) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : أَ كَانَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - حِينَ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ - حُجَّةَ اللَّهِ عَلى أَهْلِ زَمَانِهِ ؟فَقَالَ : «كَانَ يَوْمَئِذٍ نَبِيّاً حُجَّةً لِلَّهِ (2) غَيْرَ مُرْسَلٍ ؛ أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ حِينَ قَالَ : «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتانِىَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِى نَبِيًّا * وَ جَعَلَنِى مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِى بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا»(3)» .قُلْتُ : فَكَانَ يَوْمَئِذٍ حُجَّةً لِلَّهِ عَلى زَكَرِيَّا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَ هُوَ فِي الْمَهْدِ ؟فَقَالَ : «كَانَ عِيسى فِي تِلْكَ الْحَالِ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِمَرْيَمَ حِينَ تَكَلَّمَ ، فَعَبَّرَ عَنْهَا ، وَ كَانَ نَبِيّاً حُجَّةً عَلى مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ ، ثُمَّ صَمَتَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتّى مَضَتْ لَهُ سَنَتَانِ ، وَ كَانَ زَكَرِيَّا الْحُجَّةَ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلَى النَّاسِ بَعْدَ صَمْتِ عِيسى بِسَنَتَيْنِ ، ثُمَّ مَاتَ زَكَرِيَّا ، فَوَرِثَهُ ابْنُهُ يَحْيَى الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ هُوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ ؛ أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن يزيد الكناسي».
2- .في الكافي المطبوع : «حجةَ اللَّهِ».
3- .مريم (19) : 30 - 31.

ص: 117

«يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»(1) .فَلَمَّا بَلَغَ عِيسى عليه السلام سَبْعَ سِنِينَ ، تَكَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَ الرِّسَالَةِ حِينَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِ ، فَكَانَ عِيسَى الْحُجَّةَ عَلى يَحْيى وَ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَ لَيْسَ تَبْقَى الْأَرْضُ - يَا أَبَا خَالِدٍ - يَوْماً وَاحِداً بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ مُنْذُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عليه السلام ، وَ أَسْكَنَهُ الْأَرْضَ».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام حُجَّةً مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ عَلى هذِهِ الْأُمَّةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟فَقَالَ : «نَعَمْ ، يَوْمَ أَقَامَهُ لِلنَّاسِ ، وَ نَصَبَهُ عَلَماً ، وَ دَعَاهُمْ إِلى وَلَايَتِهِ ، وَ أَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ».قُلْتُ : فَكَانَتْ (2) طَاعَةُ عَلِيٍّ عليه السلام وَاجِبَةً عَلَى النَّاسِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ؟فَقَالَ : «نَعَمْ ، وَ لكِنَّهُ صَمَتَ ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَتِ الطَّاعَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى أُمَّتِهِ وَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَتِ الطَّاعَةُ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ لِعَلِيٍّ عليه السلام بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام حَكِيماً عَلِيماً(3)» .

هديّة:في التفسير: (إنّي عبد اللَّه) في سورة مريم، يعني لا ابن اللَّه كقول النصارى فيه، واليهود في عزير، ولا عين اللَّه، كقول الصوفيّة القدريّة في كلّ موجود.(وأسكنه الأرض) يؤيّد ما في الحديث أنّ خطبة آدم عليه السلام كانت قبل قيامه حجّة في الأرض.(ولكنّه صمت) كنايةٌ عن عدم القيام بالأمر.(بقوّة) في آية سورة مريم فسّر بِعلْمٍ من اللَّه، لا برأي من عندك.(حكيماً عليماً) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الزخرف: «وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»(4)، في التفسير عنهم عليهم السلام: «وأنّه - أي الصراط المستقيم في سورة فاتحة الكتاب -

.


1- .مريم (19) : 12.
2- .في الكافي المطبوع : «وكانت».
3- .في الكافي المطبوع : «عالماً».
4- .الزخرف (43): 4.

ص: 118

عندنا عليّ بن أبي طالب».و«الحكيم» دلالة على أنّ المراد بعليّ في الآية الشخص المسمّى بعليّ، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى - : «حليماً عالماً»، قال: يعني عاقلاً غير متجاوز عن أدبه في خدمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالتكلّم معه والقيام بالأمر في حياته صلى اللَّه عليه وآله.قد تكرّرت في أبواب الكافي طائفة من أحاديث هذا الباب بمضمونها.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَكُنْتَ تَقُولُ : «يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلَاماً» فَقَدْ وَهَبَهُ (2) اللَّهُ لَكَ ، فَأَقَرَّ(3) عُيُونُنَا ، فَلَا أَرَانَا اللَّهُ يَوْمَكَ ، فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلى مَنْ ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ .فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ ؟! فَقَالَ (4) : «وَ مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذلِكَ (5) ؛ فَقَدْ(6) قَامَ عِيسى عليه السلام بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ» .

هديّة:يعني لا يضرّ سنُّه حجّيتَه مع الصمت. وأمّا الحجّة الناطق، فلا يكون بعد الحسنين عليهما السلام في أقلّ من خمس سنين، كما مضى في حديث زياد بن أبي الحلال في باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ عليهما السلام، فلا إشكال. وكان الجواد عليه السلام حجّة ناطقاً بعد الخمس، وهو ابن ستّ سنين على قولٍ ، وابن سبع سنين بزيادة خمسة أشهر على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى».
2- .في الكافي المطبوع : «وهب».
3- .في الكافي المطبوع : «فقرّ».
4- .في الكافي المطبوع : «قال».
5- .في الكافي المطبوع : + «شي ء».
6- .في الكافي المطبوع : «قد».

ص: 119

الأشهر، كما يستفاد من الأخبار الآتية في أبواب التاريخ، ومن الحديث السادس من الباب. وقيل: بعد الستّ وهو ابن سبع سنين.والمراد بالتمثيل بعيسى عليه السلام أنّ اللَّه تعالى حكى عنه في سورة مريم أنّه قال: «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ»(1) يعني علم التوراة وجميع الأحكام، فإذا كان كذلك في أوائل الولادة ، ففي سنّ ثلاث سنين بطريقٍ أولى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفٍ ،(2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي حَدَاثَةِ سِنِّكَ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَوْحى إِلى دَاوُدَ عليه السلام أَنْ يَسْتَخْلِفَ سُلَيْمَانَ وَ هُوَ صَبِيٌّ يَرْعَى الْغَنَمَ ، فَأَنْكَرَ ذلِكَ عُبَّادُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ عُلَمَاؤُهُمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ إِلى دَاوُدَ عليه السلام أَنْ خُذْ عِصَا(3)الْمُتَكَلِّمِينَ وَ عَصَا سُلَيْمَانَ ، وَ اجْعَلْهُمَا(4) فِي بَيْتٍ ، وَ اخْتِمْ عَلَيْهَا(5) بِخَوَاتِيمِ الْقَوْمِ ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، فَمَنْ كَانَتْ عَصَاهُ قَدْ أَوْرَقَتْ وَ أَثْمَرَتْ ، فَهُوَ الْخَلِيفَةُ ، فَأَخْبَرَهُمْ دَاوُدُ عليه السلام ، فَقَالُوا : قَدْ رَضِينَا وَ سَلَّمْنَا» .

هديّة:إجماله لاشتهاره، و«الحداثة» بالفتح.

الحديث الرابع .


1- .مريم (19): 30.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف».
3- .فى الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً ببعض النسخ : «عِصِيّ» وهو الأنسب.
4- .في «الف» : - «واجعلهما». وفي الكافي المطبوع : «واجعلها».
5- .في «الف» : «عليه».

ص: 120

دَخَلْتُ (1) - وَ مَعِي غُلَامٌ يَقُودُنِي خُمَاسِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ - فَقَالَ لِي : «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا احْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ سِنِّهِ - أَوْ قَالَ - سَيَأْتِي (2) عَلَيْكُمْ زَمَانٌ ، به يحتجّ عليكم (3) بِمِثْلِ سِنِّهِ؟(4)» .

هديّة:(خماسيّ) أي ابن خمس سنين، وأيضاً «خماسيّ» أي قامته خمسة أشبار، وقد مرّ.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ ،(5) عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، قَالَ : سَأَلْتُهُ - يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام - عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الْإِمَامِ ، فَقُلْتُ : يَكُونُ الْإِمَامُ (6)أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ ، وَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ».فَقَالَ سَهْلٌ : فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَهْزِيَارَ بِهذَا فِي سَنَةِ إِحْدى وَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ .

هديّة:يعني الجواد عليه السلام.(وأقلّ من خمس سنين) يعني حجّة صامتاً، فلا إشكال على ما عرفت آنفاً.

الحديث السادس روى في الكافي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْخَيْرَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِخُرَاسَانَ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : يَا سَيِّدِي ، إِنْ كَانَ كَوْنٌ ، فَإِلى مَنْ ؟ قَالَ : «إِلى أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِي». فَكَأَنَّ الْقَائِلَ اسْتَصْغَرَ سِنَّ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «إليه».
2- .في الكافي المطبوع : «سيلي».
3- .في الكافي المطبوع : - «زمانٌ به يحتجّ عليكم».
4- .في «الف»: - «أو قال - إلى قوله - بمثل سنّة».
5- .السند في الكافي المطبوع يبتدأ ب «سهل بن زياد» ولكنّه معلّق على سابقه ، ويروي عن سهل بن زياد ، عليّ بن محمّد وغيره.
6- .في الكافي المطبوع : + «ابن».

ص: 121

وَ تَعَالى - بَعَثَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عليهما السلام رَسُولًا نَبِيّاً ، صَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ، فِي أَصْغَرَ مِنَ السِّنِّ الَّذِي فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام» .

هديّة:(رسولاً نبيّاً) أي صاحب الرسالة بعد النبوّة. وقد مرّ أنّ عيسى عليه السلام صار رسولاً وهو ابن سبع سنين، وأنّه كان حجّة صامتاً حتّى بلغ سبع سنين، وحجّة على الخصوص قبل ذلك، وناطقاً على العموم بعد ذلك. وهذا الحديث شاهد للقول الأشهر في حجّية الجواد عليه السلام ناطقاً،(1) وقد عرفت آنفاً.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ(2) ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ قَدْ خَرَجَ عَلَيَّ - فَأَخَذْتُ النَّظَرَ إِلَيْهِ ، وَ جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلى رَأْسِهِ وَ رِجْلَيْهِ ، لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِنَا بِمِصْرَ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ حَتّى قَعَدَ ، فَقَالَ : «يَا عَلِيُّ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى احْتَجَّ فِي الْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي النُّبُوَّةِ ، فَقَالَ : «وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ؛ «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ»؛ «وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ(3) وَ هُوَ صَبِيٌّ ، وَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَاهَا وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً» .

هديّة:(وقد خرج عليّ). لعلّ المعنى: وقد خرج من خيمته قاصداً لقائي. وقال برهان الفضلاء: يعني من بيته عند وصولي إلى بابه قاصداً لقائه. و(حتّى قعد) مؤيّداً لما قلنا.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : يَا سَيِّدِي ، إِنَّ النَّاسَ يُنْكِرُونَ عَلَيْكَ حَدَاثَةَ سِنِّكَ ، فَقَالَ : «وَ مَا يُنْكِرُونَ مِنْ ذلِكَ؟ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ؟ لَقَدْ

.


1- .في «د» : - «ناطقاً».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط».
3- .في «الف» : «الحكم».

ص: 122

قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «قُلْ هذِهِ سَبِيلِى أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى» فَوَاللَّهِ مَا تَبِعَهُ إِلَّا عَلِيٌّ عليه السلام وَ لَهُ تِسْعُ سِنِينَ ، وَ أَنَا ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ» .

هديّة:قال الغضائري: عليّ بن حسّان الواسطي ثقة ثقة(1).(وما ينكرون) على الموصول، أو الاستفهام التعجّبي.(من ذلك) أي من جملة ما ينكرونه عليهما قول اللَّه عزّ وجلّ في سورة يوسف.(2)في بعض النسخ : «سبع سنين» مكان (تسع سنين) في الموضعين، وفي بعضٍ آخر في الأخير، فالمراد سنّ الصّبا قبل البلوغ. وقال برهان الفضلاء:لعلّ في هذا الحديث سهواً من نسّاخ الكافي؛ لمنافاته مع ما يجي ء في أبواب التاريخ أنّ عليّاً عليه السلام كان في مبدأ البعثة ابن عشر سنين، وأنّ الجواد عليه السلام قام حجّة ناطقاً وهو متجاوز عن سبع سنين.أقول: يمكن التوجيه من دون الحمل على السهو بناءً على نسخة التسع في الموضعين أو في الأوّل، ومن له تسع كامل داخلاً في العشر لا يبعد أن يُقال: إنّه ابن عشر سنين، مع ما عرفت من حمل السبع في الأخير على سنّ الصبا قبل البلوغ.

.


1- .رجال ابن الغضائري ، ج 1 ، ص 77 ، الرقم 89.
2- .يوسف (12) : 108.

ص: 123

باب أنّ الإمام لا يغسله إلّا إمام من الأئمّة

الباب الثاني والتسعون : بَابُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَغْسِلُهُ إِلَّا إِمَامٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الاثنين،(1) عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ أَوْ غَيْرِهِ ، عَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ يُحَاجُّونَّا يَقُولُونَ : إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَغْسِلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «مَا يُدْرِيهِمْ مَنْ غَسَلَهُ ؟ فَمَا قُلْتَ لَهُمْ؟» قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ (2) : إِنْ قَالَ مَوْلَايَ : إِنَّهُ غَسَلَهُ تَحْتَ عَرْشِ رَبِّي ، فَقَدْ صَدَقَ ، وَ إِنْ قَالَ : غَسَلَهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ ، فَقَدْ صَدَقَ . قَالَ : «لَا هكَذَا(3)» .فَقُلْتُ : فَمَا أَقُولُ لَهُمْ ؟ قَالَ : «قُلْ لَهُمْ : إِنِّي غَسَلْتُهُ». فَقُلْتُ : أَقُولُ لَهُمْ : إِنَّكَ غَسَلْتَهُ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:(إنّهم يحاجّونا) يعني الواقفيّة، وتقرير إيرادهم على الإماميّة أنّ الثابت عندكم أنّ الإمام لا يغسّله إلّا الإمام، فلو لم يكن أبو الحسن عليه السلام حيّاً فمن غسّله وهو في بغداد والرّضا إمامكم في المدينة؟

.


1- .يعني «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : + «قلت لهم».
3- .في الكافي المطبوع : + «قال».

ص: 124

قيل: قوله: «أقول لهم: أنا غسّلته» يعني بدون ذكر المكان، «قال: نعم» يعني قُل: إمامي غسّله بدون ذكر المكان.ليس في عدّة نسخ معتبرة - منها نسخة برهان الفضلاء - : (لا هكذا) بين (قال) و(فقلت).و(قال ) حاصل جواب الإمام عليه السلام أنّه قُل: غسّله إمامي في المدينة في حياته قبل أن أشخص إلى العراق، كما مرّ في باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فإنّه كاف للجواب. وقيل: يعني قل لهم: مولاي غسّله بطيّ الأرض، كما هو الحقّ.و«التّخم» بالفتح: منتهى كلّ قرية أو أرض، والجمع: تخوم، كفلس وفلوس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ،(1) عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنِ الْإِمَامِ يَغْسِلُهُ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «سُنَّةُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام» .

هديّة:في بعض النسخ بزيادة «ما تدرون من حضر» بين (قال) و(سنّة موسى بن عمران عليه السلام).حاصل السؤال: أنّ هذا حقّ أم لا؟. وحاصل الجواب: أنّ يوشع بن نون حضر بطيّ الأرض البادية بإذن اللَّه، فغسّل موسى عليه السلام. وقال برهان الفضلاء: حاصل الجواب: أنّ ذلك حقّ وكان في شريعة موسى ولم ينسخ بعد. قال: أو المراد أنّ جبرئيل عليه السلام غسّل أبي عليه السلام كما غسّل موسى عليه السلام. وقال بعض المعاصرين: يظهر من هذا الخبر أنّ يوشع غسّل موسى في حياته.(2) فلعلّ الرضا عليه السلام غسّل أباه عليه السلام في حياته.أقول: والذي ظهر لي من الأخبار أنّ الرضا عليه السلام غسّل أباه عليهما السلام مرّة في حياته كما مرّ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 666 ، ذيل الحديث 1270.

ص: 125

واُخرى بعد مماته بحضوره بطيّ الأرض، وكذا يوشع غسّل موسى بحضوره التّيه بطيّ الأرض وقد كان أوصى إليه من قبل.وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب عرض المجالس بإسناده عن محمّد بن عمارة، عن أبيه قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: أخبرني بوفاة موسى بن عمران، فقال له: «إنّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدّته وانقطع أكله أتاه ملك الموت، فقال له: السلام عليك يا كليم اللَّه، فقال موسى: وعليك السلام، مَن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال: ما الذي جاء بك؟ قال: جئت لأقبض روحك، فقال له موسى عليه السلام: من أين تقبض روحي؟ قال: من فمك، قال له موسى: كيف وقد كلّمت به ربّي جلّ جلاله؟ قال: فمن يديك، قال: كيف وقد حملت بهما التوراة؟ قال: فمن رجليك، قال: كيف وقد وطئت بهما إلى طور سيناء؟ قال: فمن عينيك، قال: كيف ولم تزل إلى ربّي بالرجاء ممدودة؟ قال: فمن اُذنيك، قال: كيف وقد سمعت بهما كلام ربّي جلّ وعزّ؟ قال: فأوحى اللَّه إلى ملك الموت أن لا يقبض روحه حتّى يكون هو الذي يريد ذلك، وخرج ملك الموت، فمكث موسى عليه السلام ما شاء اللَّه أن يمكث بعد ذلك، ودعى يوشع بن نون، فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره، وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر، وغاب موسى عن قومه، فمرَّ في غيبته برجل يحفر قبراً، فقال له: ألا أعينك على حفر هذا القبر، فقال له الرجل: بلى، فأعانه حتّى حفر القبر وسوّى اللّحد، ثمّ اضطجع فيه موسى بن عمران لينظر كيف هو ، فكشف له عن الغطاء، فرأى مكانه من الجنّة، فقال: ياربّ اقبضني إليك، فقبض ملك الموت روحه مكانه، ودفنه في القبر وسوّى عليه التراب، وكان الذي يحفر القبر ملك في صورة بشر وكان ذلك في التيه، فصاح صائحٌ من السماء: مات موسى بن عمران كليم اللَّه فَأَيُ (1) نفسٍ لا تموت».(2)

.


1- .في «د» : «وأيّ».
2- .الأمالي للصدوق ، ص 232 ، المجلس 41 ، ح 2.

ص: 126

قوله عليه السلام: «لمّا أتاه أجله» أي المعلّق، دون المسمّى المحتوم.«ودفنه في القبر» لعلّ المعنى بدليل قوله : «ودعى يوشع بن نون، فأوصى إليه» أنّه دفنه مع يوشع بعد حضوره بطيّ الأرض وتغسيله إيّاه.«وأمره بكتمان أمره» أي أمر يوشع عند افتراق الاُمّة بعد موسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، كافتراق النصارى بعد عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين فرقة: وهذه الاُمّة على ثلاث وسبعين فرقة إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، وأسوأهم كفراً الصوفيّة القدريّة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ،(1) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ طَلْحَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَغْسِلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ ؟ فَقَالَ : «أَ مَا تَدْرُونَ مَنْ حَضَرَ ؟ لَعَلَّهُ قَدْ حَضَرَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ غَابَ عَنْهُ ، الَّذِينَ حَضَرُوا يُوسُفَ فِي الْجُبِّ حِينَ غَابَ عَنْهُ أَبَوَاهُ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ» .

هديّة:(من حضر) على المعلوم أو خلافه، فإنّ «حضر» كنصر وعلم، يتعدّى ولا يتعدّى؛ قاله في القاموس.(2) وضمير (لعلّه) للشأن أو للمفهوم من السياق، يعني الكاظم عليه السلام، كالبارز في (حضره).(ممّن غاب عنه) أي من هو خيرٌ من الملائكة الذين حضروا يوسف عليه السلام في الجبّ.وقال برهان الفضلاء:يعني أما تدرون معنى «من حضر» على ما لم يسمّ فاعله بمعنى من احتضر، فإنّ المعنى حضور ملائكة الرحمة عنده إذا كان مؤمناً وملائكة العذاب إذا كان كافراً، فلعلّه حضره خير ممّن غاب عنه من الفريقين، وخيرهما ملائكة الرحمة الذين حضروا يوسف عليه السلام في الجبّ، ثمّ قال لهم: غسّلوه مرّة اُخرى بعد تغسيله في حياته عليه السلام في المدينة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور».
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 10 (حضر).

ص: 127

وقال بعض المعاصرين: يظهر من هذا الحديث أنّ غاسله عليه السلام كان جبرئيل مع الملائكة؛ لما ورد أنّه الذي حضر يوسف في الجبّ، ثمّ قال: ولا ينافي هذا الخبرُ الخبرَ السابق؛ لإمكان وقوع الغسل مرّتين في الحياة وبعد الممات.(1)أقول: الظاهر ما قلناه آنفاً من أنّ «الذين» وصف ل «من» في «ممّن»، و«خير» إشارة إلى نفسه عليه السلام، يعني لعلّه قد حضره من هو خيرٌ من الملائكة الذين حضروا يوسف عليه السلام في الجبّ، والنصوص بما عرفت شهادتها لنا أظهر.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 666 ، ذيل الحديث 1269.

ص: 128

باب مواليد الأئمّة

الباب الثالث والتسعون : بَابُ مَوَالِيدِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده بطريقين عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(1) قَالَ : حَجَجْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ابْنُهُ مُوسى عليه السلام ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْأَبْوَاءَ ، وَضَعَ لَنَا الْغَدَاءَ ، وَ كَانَ إِذَا وَضَعَ الطَّعَامَ لِأَصْحَابِهِ أَكْثَرَ وَ أَطَابَ ، قَالَ : فَبَيْنَا نَحْنُ نَأْكُلُ إِذْ أَتَاهُ رَسُولُ حَمِيدَةَ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ حَمِيدَةَ تَقُولُ : قَدْ أَنْكَرْتُ نَفْسِي ، وَ قَدْ وَجَدْتُ مَا كُنْتُ أَجِدُ إِذَا حَضَرَتْ وِلَادَتِي ، وَ قَدْ أَمَرْتَنِي أَنْ لَا أَسْبِقَكَ (2) بِابْنِكَ هذَا ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَانْطَلَقَ مَعَ الرَّسُولِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : سَرَّكَ اللَّهُ ، وَ جَعَلَنَا فِدَاكَ ، فَمَا أَنْتَ صَنَعْتَ مِنْ حَمِيدَةَ ؟ قَالَ : «سَلَّمَهَا اللَّهُ ، وَ قَدْ وَهَبَ لِي غُلَاماً وَ هُوَ خَيْرُ مَنْ بَرَأَ اللَّهُ فِي خَلْقِهِ ، وَ لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي حَمِيدَةُ عَنْهُ بِأَمْرٍ ظَنَّتْ أَنِّي لَا أَعْرِفُهُ ، وَ لَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهَا».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَا(3) الَّذِي أَخْبَرَتْكَ بِهِ حَمِيدَةُ عَنْهُ؟ قَالَ : «ذَكَرَتْ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ بَطْنِهَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن عبد اللَّه بن إسحاق العلولي ، عن محمّد بن زيد الزاري ، عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير» ؛ وبسند آخر في ذيل الحديث هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن الحسن ، عن المختار بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع : «أستبقك».
3- .في الكافي المطبوع : «و ما».

ص: 129

- حِينَ سَقَطَ - وَاضِعاً يَدَيْهِ (1) عَلَى الْأَرْضِ ، رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَخْبَرْتُهَا أَنَّ ذلِكَ أَمَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَمَارَةُ الْوَصِيِّ مِنْ بَعْدِهِ».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا هذَا مِنْ أَمَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمَارَةِ الْوَصِيِّ مِنْ بَعْدِهِ ؟ فَقَالَ لِي : «إِنَّهُ لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِجَدِّي ، أَتى آتٍ جَدَّ أَبِي بِكَأْسٍ فِيهِ شَرْبَةٌ أَرَقُّ مِنَ الْمَاءِ ، وَ أَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ، وَ أَحْلى مِنَ الشَّهْدِ ، وَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ ، وَ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، فَسَقَاهُ إِيَّاهُ ، وَ أَمَرَهُ بِالْجِمَاعِ ، فَقَامَ ، فَجَامَعَ ، فَعُلِقَ بِجَدِّي .وَ لَمَّا أَنْ كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِأَبِي ، أَتى آتٍ جَدِّي ، فَسَقَاهُ كَمَا سَقى جَدَّ أَبِي ، وَ أَمَرَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَمَرَهُ ، فَقَامَ ، فَجَامَعَ ، فَعُلِقَ بِأَبِي .وَ لَمَّا أَنْ كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِي ، أَتى آتٍ أَبِي ، فَسَقَاهُ بِمَا سَقَاهُمْ ، وَ أَمَرَهُ بِالَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ ، فَقَامَ ، فَجَامَعَ ، فَعُلِقَ بِي .وَ لَمَّا أَنْ كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِابْنِي ،(2) أَتَانِي آتٍ كَمَا أَتَاهُمْ ، فَفَعَلَ بِي كَمَا فَعَلَ بِهِمْ ، فَقُمْتُ بِعِلْمِ اللَّهِ ، وَ إِنِّي مَسْرُورٌ بِمَا يَهَبُ اللَّهُ لِي ، فَجَامَعْتُ ، فَعُلِقَ بِابْنِي هذَا الْمَوْلُودِ ، فَدُونَكُمْ ، فَهُوَ - وَ اللَّهِ - صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي ؛ إِنَّ نُطْفَةَ الْإِمَامِ مِمَّا أَخْبَرْتُكَ ، وَ إِذَا سَكَنَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ أُنْشِئَ فِيهَا الرُّوحُ ، بَعَثَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - مَلَكاً ، يُقَالُ لَهُ : حَيَوَانُ ، فَكَتَبَ عَلى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» وَ إِذَا وَقَعَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ، وَقَعَ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَمَّا وَضْعُهُ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، فَإِنَّهُ يَقْبِضُ كُلَّ عِلْمٍ لِلَّهِ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَ أَمَّا رَفْعُهُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِنَّ مُنَادِياً يُنَادِي بِهِ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْعِزَّةِ مِنَ الْأُفُقِ الْأَعْلى بِاسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِيهِ يَقُولُ : يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ ، اثْبُتْ تُثْبَتْ ، فَلِعَظِيمٍ مَا خَلَقْتُكَ ، أَنْتَ صَفْوَتِي مِنْ خَلْقِي ، وَ مَوْضِعُ سِرِّي ، وَ عَيْبَةُ عِلْمِي ، وَ أَمِينِي عَلى وَحْيِي ، وَ

.


1- .في الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً بأكثر النسخ : «يده». واُريد بها الجنس.
2- .في «الف» : + «هنا».

ص: 130

خَلِيفَتِي فِي أَرْضِي ، لَكَ وَ لِمَنْ تَوَلَّاكَ أَوْجَبْتُ رَحْمَتِي ، وَ مَنَحْتُ جِنَانِي ، وَ أَحْلَلْتُ جِوَارِي ، ثُمَّ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي ، لَأَصْلِيَنَّ مَنْ عَادَاكَ أَشَدَّ عَذَابِي وَ إِنْ وَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي دُنْيَايَ مِنْ سَعَةِ رِزْقِي .فَإِذَا انْقَضَى الصَّوْتُ - صَوْتُ الْمُنَادِي - أَجَابَهُ هُوَ ، وَاضِعاً يَدَيْهِ ، رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، يَقُولُ : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»».قَالَ : «فَإِذَا قَالَهُ (1) ذلِكَ ، أَعْطَاهُ اللَّهُ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ وَ الْعِلْمَ الْآخِرَ ، وَ اسْتَحَقَّ زِيَارَةَ الرُّوحِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، الرُّوحُ لَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ؟ قَالَ : «الرُّوحُ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ ؛ إِنَّ جَبْرَئِيلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَ إِنَّ الرُّوحَ هُوَ خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ؛ أَ لَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ»(2)؟» .

هديّة:(الأبواء) بالفتح والمدّ والمفردة الساكنة بينهما: موضع في طريق مكّة.و(الغداء) بفتح المعجمة قبل المهملة ممدود، وهو طعام الضّحى.في بعض النسخ : «إذ» مكان «إذا» في (إذا أتاه). الجوهري: وأمّا «إذ»، فهي لما مضى من الزمان، وقد تكون للمفاجأة مثل «إذا»، ولا يليها إلّا الفعل الواجب وذلك قولك: بينما أناكذا إذ جاء زيد.(3)«أنكر نفسه»: وجد تغيّر حالٍ فيها.(علق) على ما لم يسمّ فاعله من باب نَصَرَ.(بجدّي): بعليّ بن الحسين عليهما السلام. ويحتمل اسم الجنس الشامل للإمام الأوّل والثالث

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال».
2- .القدر (97) : 4.
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2543 (إذا).

ص: 131

أيضاً. ويؤيّده ضمير الجمع في (سقاهم) و(أمرهم) في فقرة: (ولمّا أن كانت الليلة التي) الآتية في الثالثة؛ فظهر وجه القول بأنّ الظاهر فيها: «سقاهما» و«أمرهما».(أرقّ): ألطف.واستعمال (أبيض) في أفعل التفضيل من النوادر.(فسقاه إيّاه) يعني جدّ أبي، وعلى قراءة : «أباه» يعني أبا أبي. وهو كما ترى.و«أن» في (لمّا أن) بالفتح وسكون النون: زائدة.وضمير الجمع في (سقاهم) و(أمرهم) ثالثة باعتبار إرادة الاثنين وأمثالهما.(دونكم): من أسماء الأفعال، والمفعول محذوف؛ أي الزموا إيّاه واحفظوا ما سمعتم.و(أنشئ) على المجهول من الإفعال.و(حيوان) بالتحريك. قال برهان الفضلاء: المراد هنا الباعث لحياة الخلائق.«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» الآية في سورة الأنعام.(1)و«البطنان» بالضم: جمع الباطن.(أثبت تثبت). الأوّل إمّا من الثبوت أو الإثبات أو التثبيت، والثاني إمّا من الثاني أو من الثالث. والمعنى على أحد التقادير: أثبت نفسك على الصراط المستقيم تثبت غيرك عليه. وقرأ برهان الفضلاء: «أثبت» على الأمر من المجرّد، و«تثبت» على المجهول من الإفعال خطاباً.و«الأصلاء»: إدخال الشي ء على النار، فعلى التجريد.«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» الآية في سورة آل عمران.(2)(العلم الأوّل) الذي أوحي إلي الأوّلين، و(الآخر) الذي أوحى إلى نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله من علم اللَّه الغير المتناهي، وبهذا نصّ عليه السلام من قبل بقوله في هذا الحديث: (كلّ علمٍ للَّهِ ِ أنزله من السماء إلى الأرض).

.


1- .الأنعام (6): 115.
2- .آل عمران (3): 18.

ص: 132

(زيارة الروح) من إضافة المصدر إلى الفاعل. وفي بعض النسخ : «زيادة الروح» بالدال. وهو تصحيف.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - إِذَا أَحَبَّ أَنْ يَخْلُقَ الْإِمَامَ ، أَمَرَ مَلَكاً ، فَأَخَذَ شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَيَسْقِيهَا أَبَاهُ ، فَمِنْ ذلِكَ يَخْلُقُ الْإِمَامَ ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَ لَيْلَةً فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ ، ثُمَّ يَسْمَعُ بَعْدَ ذلِكَ الْكَلَامَ ، فَإِذَا وُلِدَ ، بَعَثَ ذلِكَ الْمَلَكَ ، فَيَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» فَإِذَا مَضَى الْإِمَامُ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ ، رُفِعَ لِهذَا مَنَارٌ مِنْ نُورٍ يَنْظُرُ بِهِ إِلى أَعْمَالِ الْخَلَائِقِ ؛ فَبِهذَا يَحْتَجُّ اللَّهُ عَلى خَلْقِهِ» .

هديّة:(من ماء تحت العرش) يحتمل الإضافة.في بعض النسخ : «له» بدل (لهذا). والمراد ب (الخلائق) الذين في البلاد وإن كانوا غائبين بدليل الأخبار الآتية. (فبهذا) أي بمثل هذا الخلق من خلائقه.وأحاديث الباب ردّ على الصوفيّة القدريّة المصرّحين في كتبهم بأنّ البشر لا يمكن وصوله في عوده إلى درجة الكمال في بدوه إلّا بالكسب بالرياضات الشاقّة ، وعدم السماع في الأربعين يوماً إنّما هو لحجابٍ عليه من اللَّه لحكمةٍ في علم اللَّه.وقال بعض المعاصرين:وإنّما لم يسمع الصوت قبل كمال الأربعين ليلة؛ لأنّه بعد في مقام البنات لم يلجه روح الحياة، ثمّ قال: ولعلّ الماء إشارة إلى أنّ مادّة الغذاء الذي يكون منه النطفة، ثمّ قال: ومنار النور عبارة عن حدسه وفراسته.(2)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد اللَّه بن القاسم».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 687 ، ذيل ح 1291.

ص: 133

أقول: قوله الأوّل ليس بشي ء، فإنّ إيلاج الروح إنّما هو بعد أربعة أشهر، وقد مرّ في الخبر السابق. وكذا قوله الثاني؛ لما مرّ من أنّه ماء أرقّ من الماء، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن. وقوله الثالث بعيد جدّاً ، فكأنه رأى أنّ الحسين عليه السلام لم يكن له حدس وفراسة قبل مضيّ الحسن عليه السلام. وله مفاسد اُخر ظاهرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.وفي الخبر الآتي أنّ ذلك النور ملك موكّل بكلّ بلدة.وقال برهان الفضلاء: المراد بالمنار أي محلّ النور هو القرآن، فرفعه عبارة عن رفع الحجاب عن علم القرآن له عليه السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَن بزرج ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَ عَزَّ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْإِمَامَ مِنَ الْإِمَامِ بَعَثَ مَلَكاً ، فَأَخَذَ شَرْبَةً مِنْ (2)تَحْتِ الْعَرْشِ ، ثُمَّ أَوْقَفَهَا(3) أَوْ دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ فَشَرِبَهَا ، فَيَمْكُثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْماً لَا يَسْمَعُ الْكَلَامَ ، ثُمَّ يَسْمَعُ الْكَلَامَ بَعْدَ ذلِكَ ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ ، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ ذلِكَ الْمَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الشَّرْبَةَ ، فَكَتَبَ عَلى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ» فَإِذَا قَامَ بِهذَا الْأَمْرِ ، رَفَعَ اللَّهُ لَهُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَنَاراً يَنْظُرُ بِهِ إِلى أَعْمَالِ الْعِبَادِ» .

هديّة:فيه دلالة على أنّ أبا طالب كان من الأوصياء كما ورد في النصوص.(أوقفها) أي عنده ليتناولها. والشكّ من الراوي.ولا مانع من الكتابة بين العينين والعضد الأيمن أيضاً، أو بين الكتفين أيضاً؛ فلا منافاة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن حديد ، عن منصور بن يونس ، عن يونس بن ظبيان».
2- .في الكافي المطبوع : + «ماء».
3- .في الكافي المطبوع : «أوقعها».

ص: 134

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ الْإِمَامَ لَيَسْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، فَإِذَا وُلِدَ خُطَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» فَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ عَمُوداً مِنْ نُورٍ يُبْصِرُ بِهِ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ» .

هديّة:(ليسمع في بطن اُمّه) أي بعد الأربعين يوماً.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(2)قَالَ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي عليه السلام يَقُولُ : «الْأَوْصِيَاءُ إِذَا حَمَلَتْ بِهِمْ أُمَّهَاتُهُمْ ، أَصَابَهَا فَتْرَةٌ شِبْهُ الْغَشْيَةِ ، فَأَقَامَتْ فِي ذلِكَ يَوْمَهَا(3) إِنْ كَانَ نَهَاراً ، أَوْ لَيْلَتَهَا إِنْ كَانَ لَيْلًا ، ثُمَّ تَرى فِي مَنَامِهَا رَجُلًا يُبَشِّرُهَا بِغُلَامٍ عَلِيمٍ حَلِيمٍ ، فَتَفْرَحُ لِذلِكَ ، ثُمَّ تَنْتَبِهُ مِنْ نَوْمِهَا ، فَتَسْمَعُ مِنْ جَانِبِهَا الْأَيْمَنِ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ صَوْتاً يَقُولُ : حَمَلْتِ بِخَيْرٍ ، وَ تَصِيرِينَ إِلى خَيْرٍ ، وَ جِئْتِ بِخَيْرٍ ، أَبْشِرِي بِغُلَامٍ حَلِيمٍ عَلِيمٍ ، وَ تَجِدُ خِفَّةً فِي بَدَنِهَا ، ثُمَّ تَجِدُ(4) بَعْدَ ذلِكَ اتِّسَاعاً مِنْ جَنْبَيْهَا وَ بَطْنِهَا ، فَإِذَا كَانَ لِتِسْعٍ مِنْ شَهْرِهَا ، سَمِعَتْ فِي الْبَيْتِ حِسّاً شَدِيداً ، فَإِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِدُ فِيهَا ، ظَهَرَ لَهَا فِي الْبَيْتِ نُورٌ تَرَاهُ ، لَا يَرَاهُ غَيْرُهَا إِلَّا أَبُوهُ ، فَإِذَا وَلَدَتْهُ ، وَلَدَتْهُ قَاعِداً ، وَ تَفَسَّحَتْ (5) لَهُ حَتّى

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الربيع بن محمّد المسليّ ، عن محمّد بن مروان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن ابن مسعود ، عن عبد اللَّه بن إبراهيم الجعفريّ».
3- .في الكافي المطبوع : + «ذلك».
4- .في الكافي المطبوع : «لم تجد».
5- .في الكافي المطبوع : «تفتّحت».

ص: 135

يَخْرُجَ مُتَرَبِّعاً ، ثُمَّ يَسْتَدِيرُ بَعْدَ وُقُوعِهِ إِلَى الْأَرْضِ ، فَلَا يُخْطِئُ الْقِبْلَةَ حَتَّى (1) كَانَتْ بِوَجْهِهِ ، ثُمَّ يَعْطِسُ ثَلَاثاً ، يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ بِالتَّحْمِيدِ ، وَ يَقَعُ مَسْرُوراً ، مَخْتُوناً ، وَ رَبَاعِيَتَاهُ مِنْ فَوْقٍ وَأَسْفَلَ وَ نَابَاهُ وَ ضَاحِكَاهُ ، وَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِثْلُ سَبِيكَةِ الذَّهَبِ نُورٌ ، وَ يُقِيمُ يَوْمَهُ وَ لَيْلَتَهُ تَسِيلُ يَدَاهُ ذَهَباً ، وَ كَذلِكَ الْأَنْبِيَاءُ إِذَا وُلِدُوا ، وَ إِنَّمَا الْأَوْصِيَاءُ أَعْلَاقٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ» .

هديّة:(عليم حليم) ضبط أوّلاً بتقديم ذي العين، وثانياً بتقديم ذي الحاء.في بعض النسخ : «لم تجد بعد ذلك امتناعاً» مكان (ثمّ تجد بعد ذلك اتّساعاً). وهو كما ترى. ومجي ء «لم» بمعنى «لا» شاذّ، لكن غير ممنوع.و«الحسّ»: يُطلق على الصوت، وصوت الحركة، والحركة.و«التفسّح»: الاتّساع.(متربّعاً): على اسم الفاعل من التفعّل، أي غير منكوس، مجتمع الرّجلين.وقرئ : «يستدبر» بالمفردة مكان (يستدير) بالخاتمة وهو تصحيف سوء، صرّح به برهان الفضلاء، وقال: صحّف وأخطأ.(فلا يخطئ القبلة) على الإفعال، أي فلا يتجاوز.في بعض النسخ : «حيث كانت» مكان (حتّى كانت).«عطس» كضرب.و«المسرور»: المقطوع سرّته.و«رَباعيته» بالتخفيف كثمانية.(من فوقٍ) خبرٌ، و(أسفل) عطفٌ عليه، و(ناباه) مبتدأ آخر، أي وناباه وضاحكاه من فوقٍ وأسفل.وسيلان الذهب عن يديه لعلّه للتصدّق على فقراء الشيعة في أوّل وروده قبل كلّ

.


1- .في الكافي المطبوع : «حيث».

ص: 136

فعلٍ بيده. وقال بعض المعاصرين: لعلّه كناية عن إضاءتهما ولَمَعَانِهما وبَريقهما.(1)والصوفيّة لابتناء أكثر مقالاتهم على اُصول الفلاسفة المنكرين لجسميّة الملائكة ، لو لم يقولوا بسيلان الذهب من يد المعصوم بإذن من هو على كلّ شي ء قدير، فلا تعجب.و«الاعلاق»: جمع علقة، والمراد السلالة. وقال برهان الفضلاء: و«الاعلاق»: جمع علق بالتحريك، أي النفيس الذي يعقد عليه القلب.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ،(2) قَالَ : رَوى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ : «لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الْإِمَامِ ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْمَعُ الْكَلَامَ وَ هُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ ، كَتَبَ الْمَلَكُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» فَإِذَا قَامَ بِالْأَمْرِ ، رُفِعَ لَهُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَنَارٌ يَنْظُرُ مِنْهُ إِلى أَعْمَالِ الْعِبَادِ» .

هديّة:(إنّه قال) يعني الصادق عليه السلام؛ صرّح به برهان الفضلاء.(لا تتكلّموا في الإمام) يعني في عظم شأنه وقدر معرفته، وشأنه أرفع من أن تناله عقول الرعيّة وهو صفوة اللَّه عزّ وجلّ.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العُبَيْدي ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ ابْنُ فَضَّالٍ جُلُوساً إِذْ أَقْبَلَ يُونُسُ ، فَقَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْعَمُودِ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «يَا يُونُسُ ، مَا تَرَاهُ ؟ أَ تَرَاهُ عَمُوداً مِنْ حَدِيدٍ يُرْفَعُ لِصَاحِبِكَ؟» .قَالَ : قُلْتُ : مَا أَدْرِي ، قَالَ : «لكِنَّهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِكُلِّ بَلْدَةٍ ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَعْمَالَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ».

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 690 ، ذيل ح 1296.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد ، عن جميل بن درّاج».

ص: 137

قَالَ : فَقَامَ ابْنُ فَضَّالٍ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَ قَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ (1) أَبَا مُحَمَّدٍ ، لَا تَزَالُ تَجِي ءُ بِالْحَدِيثِ الْحَقِّ الَّذِي يُفَرِّجُ اللَّهُ بِهِ عَنَّا.

هديّة:(جلوساً): جمع جالس، واستعماله في اثنين مستقيم، وفي الحديث - كما سيجي ء في أبواب الحيض - : «سنّ لها الأقراء وأدناه حيضتان».(2) ويحتمل أن يكون هنا للإيماء إلى حضور غيرهما معهما.وفي بعض النسخ - كما ضبط بعض المعاصرين - : «بالحديث الذي يفرّج اللَّه به الحقّ عنّا»، فقال في بيانه: ضمّن «التفريج» معنى التحقيق، تقديره: يفرّج اللَّه به عنّا بتحقيقه الحقّ بالحديث. وقيل: والأولى على هذه النسخة أن يُقال: يعني يكشف اللَّه به ما يحجب الحقّ عنّا.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لِلْإِمَامِ عَشْرُ عَلَامَاتٍ : يُولَدُ مُطَهَّراً مَخْتُوناً ؛ وَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَعَ عَلى رَاحَتَيْهِ ، رَافِعاً صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ؛ وَ لَا يُجْنِبُ ؛ وَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ ؛ وَ لَا يَتَثَاءَبُ وَ لَا يَتَمَطّى ؛ وَ يَرى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرى مِنْ أَمَامِهِ ؛ وَنَجْوُهُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ ؛ وَ الْأَرْضُ مُوَكَّلَةٌ بِسَتْرِهِ وَ ابْتِلَاعِهِ ؛ وَ إِذَا لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، كَانَتْ عَلَيْهِ وَفْقاً ، وَ إِذَا لَبِسَهَا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ - طَوِيلِهِمْ وَ قَصِيرِهِمْ - زَادَتْ عَلَيْهِ شِبْراً ؛ وَ هُوَ مُحَدَّثٌ إِلى أَنْ تَنْقَضِيَ أَيَّامُهُ» .

هديّة:(مطهّراً) من الأخباث، أو المراد أنّه معصوم من حين الولادة. وقال برهان الفضلاء:

.


1- .في الكافي المطبوع : + «يا».
2- .الكافي، ج 3 ، ص 88 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 1 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 5 ، ص 248 ، ح 4180.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن حريز ، عن زرارة».

ص: 138

يعني لا يجي ء معه الذي يجي ء مع سائر الأطفال، ويسقط بقطع السرّة، يُقال له بالفارسيّة: «جُفت».أقول: عدم العطف في «مطهّراً مختوناً» دليل الاتّحاد في التعداد.و«التثأّب» بالفم، و«التمطّي» باليدين. الجوهري: تثاءَبت على تفاعلت، ولا تقل: تثاوبت بالواو.(1)(ولا يجنب) أي ولا يحتلم.والمراد هنا من «الدرع» غير ذات الفضول، وقد مرّ بيانه في الحديث الثالث في الباب السبعين.(2)

.


1- .الصحاح ، ج 1 ، ص 92 (ثأب).
2- .أي باب ما عند الأئمة من سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله و متاعه.

ص: 139

باب خلق أبدان الأئمّة و أرواحهم و قلوبهم

الباب الرابع والتسعون : بَابُ خَلْقِ أَبْدَانِ الْأَئِمَّةِ وَ أَرْوَاحِهِمْ وَ قُلُوبِهِمْ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ عِلِّيِّينَ ، وَ خَلَقَ أَرْوَاحَنَا مِنْ فَوْقِ ذلِكَ ، وَ خَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ عِلِّيِّينَ ، وَ خَلَقَ أَجْسَادَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ الْقَرَابَةُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ ، وَ قُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَيْنَا» .

هديّة:(خلقنا) يعني الأئمّة عليهم السلام، أو المعصومين في هذا الدِّين.قال الأزهري في التصريح إنّ العليّين اسم لأعالي الجنّة.(2)وقال برهان الفضلاء: هي مواضع في الفلك السابع لأرواح المؤمنين، والواحد : «عِلّيّ» بالكسر والتشديدين، فعيل للمبالغة في العالي، ويقال للغرفة: علّيّة.(القرابة) بالرفع، أي حصلت القرابة أو ثبتت، أو الخبر محذوف، أي ثابتة.و«الحنين» على فعيل: الشوق وتوقان النفس، حنّ إليه كفرّ، وحنين الناقة: صوتها.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي».
2- .اُنظر : النهاية ، ج 3 ، ص 293 (علي).

ص: 140

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عِمْرَانَ بْنِ إِسْحَاقَ الزَّعْفَرَانِيِّ ،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ ، ثُمَّ صَوَّرَ خَلْقَنَا مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ، فَأَسْكَنَ ذلِكَ النُّورَ فِيهِ ، فَكُنَّا نَحْنُ خَلْقاً وَ بَشَراً نُورَانِيِّينَ ، لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِي مِثْلِ الَّذِي خَلَقَنَا مِنْهُ نَصِيباً ، وَ خَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ طِينَتِنَا ، وَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ أَسْفَلَ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ ، وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِأَحَدٍ فِي مِثْلِ الَّذِي خَلَقَهُمْ مِنْهُ نَصِيباً إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ ، وَ لِذلِكَ صِرْنَا نَحْنُ وَ هُمُ النَّاسَ ، وَ صَارَ سَائِرُ النَّاسِ هَمَجاً لِلنَّارِ وَ إِلَى النَّارِ» .

هديّة:(وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا) لعلّ المراد طينة أبدانهم المثاليّة المخلوقة قبل أجسادهم الجسمانيّة. وقد ذكرت فيما سبق أنّ ظنّي أنّ أفاعيل أمير المؤمنين عليه السلام قبل تولّده - كما وردت به النصوص المستفيضة - إنّما هي ببدنه المثالي، وأنّ إفطاره عليه السلام في ليلة واحدةٍ في عدّة مواضعَ بتعدّد ذلك البدن وكشف الغطاء عنها.و«الهمج» محرّكة: ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الدوابّ. قيل: والتشبيه لازدحامهم وهجومهم دفعة على كلّ ناعق وسقوطهم دفعة في النار. وقرأ برهان الفضلاء : «همجاً» بضمّتين، جمع هامج، بمعنى المتروك الساقط عن درجة الاعتبار.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ رَفَعَهُ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ (3) : «إِنَّ لِلَّهِ نَهَراً دُونَ عَرْشِهِ ، وَ دُونَ النَّهَرِ الَّذِي دُونَ عَرْشِهِ نُورٌ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن شعيب ، عن عمران بن إسحاق الزعفراني».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن حسّان ؛ ومحمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب وغيره ، عن عليّ بن الحسّان ، عن عليّ بن عطيّة».
3- .في الكافي المطبوع : + «أمير المؤمنين عليه السلام».

ص: 141

نَوَّرَهُ ؛ وَ إِنَّ فِي حَافَتَيِ النَّهَرِ رُوحَيْنِ مَخْلُوقَيْنِ : رُوحُ الْقُدُسِ ، وَ رُوحٌ مِنْ أَمْرِهِ ؛ وَ إِنَّ لِلَّهِ عَشْرَ طِينَاتٍ : خَمْسَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَرْضِ» ، فَفَسَّرَ الْجِنَانَ ، وَ فَسَّرَ الْأَرْضَ .ثُمَّ قَالَ : «مَا مِنْ نَبِيٍّ وَ لَا مَلَكٍ مِنْ بَعْدِهِ جَبَلَهُ إِلَّا نَفَخَ فِيهِ مِنْ إِحْدَى الرُّوحَيْنِ ، وَ جَعَلَ النَّبِيَّ مِنْ إِحْدَى الطِّينَتَيْنِ» .قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام : مَا الْجَبْلُ؟قَالَ (1) : «الْخَلْقُ غَيْرَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - خَلَقَنَا مِنَ الْعَشْرِ طِينَاتٍ ، وَ نَفَخَ فِينَا مِنَ الرُّوحَيْنِ جَمِيعاً ، فَأَطْيِبْ بِهَا طِيباً» .وَ رَوى غَيْرُهُ عَنْ أَبِي الصَّامِتِ ، قَالَ : طِينُ الْجِنَانِ : جَنَّةُ عَدْنٍ ، وَ جَنَّةُ الْمَأْوى ، وَ النَّعِيمِ ، وَ الْفِرْدَوْسُ ، وَ الْخُلْدُ ؛ وَ طِينُ الْأَرْضِ : مَكَّةُ ، وَ الْمَدِينَةُ ، وَ الْكُوفَةُ ، وَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَ الْحَائِرُ .

هديّة:(نورٌ نوّره) خبر موصوف بجملة فعلها على المعلوم من التفعيل، ودلالة على جعل البسيط. وأرجع برهان الفضلاء البارز إلى (النهر)، أي صيّره مضيئاً. وقرأ بعض المعاصرين : «نور نوره» بإضافة النور إلى النور، فقال:كأنّه شبّه العلم وهو مادّة حياة الروح بالنهر، وهو مادّة حياة الجسم، فعبّر عن علم المعصوم بالنور، وعن علم شيعته بنور النور؛ لأنّه من شعاعه، وكما أنّ حافّتي النهر يحفظان الماء ويحيطان به ليجري إلى مستقرّه، كذلك الروحان يحفظان العلم ويحيطان به ليجري به إلى مستقرّه. انتهى.(2)و«الحافة» بالتخفيف: جانب الوادي والنهر. وضبط برهان الفضلاء بتشديد الفاء، ولم يوقف على مأخذه.واللام في (للَّه) للاختصاص شرفاً.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقال».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 686 ، ذيل ح 1290.

ص: 142

(ففسّر) كلام عليّ بن رئاب، والمستتر لأمير المؤمنين عليه السلام كما في (قال).(ما من نبيّ ولا ملك) الظاهر ملك بفتحتين. وقرأ برهان الفضلاء: «ملك» بكسر اللام، قال: يعني ولا إمام وقد مرَّ تفسير «الملك العظيم» في قوله تعالى: «آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً»(1) بالإمامة وافتراض الطاعة. ثمّ قال: والبارز في «جبله» - على المعلوم من باب نصر وضرب للملك أي خلقه اللَّه.(إلّا نفخ فيه من إحدى الروحين) يعني روح القدس، والروح من أمره وقد مرّ فرقهما بالاشتراك والاختصاص، ولم يذكر الملك بعد.(وجعل النبيّ) إشارةٌ إلى أنّ أوصياء غير نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله كانوا أنبياء أيضاً.والمراد ب (إحدى الطينتين) طينة الجنّة إن كان المراد بالجعل خلق أرواح الأنبياء، وطينة الأرض إن كان المراد به خلق أبدانهم.(قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام - إلى قوله : - طيباً) كلامُ عليّ بن رئاب.(ما الجَبْل) على المصدر.(فأطيب بها طيباً) على صيغة فعل التعجّب للمبالغة في الطيّب، كما قرأ برهان الفضلاء على الأمر من الإفعال، وقال: «أطيب» على صيغة الأمر من باب الإفعال، صيغة للتعجّب بها، أي بروح أهل البيت عليهم السلام، «طيباً» نصب على المفعول المطلق للنوع.(وروى غيره) قيل: كلام ثقة الإسلام أو ابن عطيّة، وقال برهان الفضلاء: هو كلام عليّ بن عطيّة، والبارز لعليّ بن رئاب وأبو الصامت الحلواني من رجال الباقر والصادق عليهما السلام.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ،(2) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلى عِلِّيِّينَ ، وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا ، وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ؛

.


1- .النساء (4) : 54.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن أبي جعفر الثمالي».

ص: 143

فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «كَلّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِى عِلِّيِّينَ * وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» .«وَ خَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّينٍ ، وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ ، وَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ؛ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «كَلّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِى سِجِّين * وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبينَ» .

هديّة:الآيتان في سورة المطفّفين.(1)و(كتاب الأبرار) فسّر بصحائف أعمالهم، ومن الاعتقادات اللازمة في الدِّين الإيمان بتطاير الكتب المحسوسة بحاسّة العين يوم القيامة، قال اللَّه تعالى في سورة التكوير: «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ»(2) وقال سبحانه في سورة بني إسرائيل: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً»(3)، وقال بعض المعاصرين:الأفاعيل المتكرّرة والاعتقادات الراسخة في النفوس هي بمنزلة النقوش الكتابيّة في الألواح، وهذه الألواح النفسيّة يُقال لها: صحائف الأعمال، ثمّ قال: فقد أوتي كتابه بيمينه، يعني من جانبه الأقوى الروحاني. وفقد اُوتي كتابه بشماله، يعني من جانبه الأضعف الجسماني.(4)

.


1- .المطفّفين (83) : 7 - 10.
2- .التكوير (81): 10.
3- .الإسراء (17): 13.
4- .الوافي ، ج 4 ، ص 30 ، ذيل ح 1647.

ص: 144

باب التّسليم و فضل المسلّمين

الباب الخامس والتسعون : بَابُ التَّسْلِيمِ وَ فَضْلِ الْمُسَلِّمِينَ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ،(1) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنِّي تَرَكْتُ مَوَالِيَكَ مُخْتَلِفِينَ ، يَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ؟قَالَ : فَقَالَ : «وَ مَا أَنْتَ وَ ذَاكَ ، إِنَّمَا كُلِّفَ النَّاسُ ثَلَاثَةً : مَعْرِفَةَ الْأَئِمَّةِ ، وَ التَّسْلِيمَ لَهُمْ فِيمَا وَرَدَ عَنْهُمْ (2) ، وَ الرَّدَّ إِلَيْهِمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» .

هديّة:(التسليم) في العنوان، يعني باب بيان التسليم - المأمور به في قوله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب: «وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً»(3)، وقوله فيها أيضاً: «وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(4)، وفي سورة النساء: «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(5) أنّه أيّ شي ء.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن سنان».
2- .في الكافي المطبوع : «عليهم».
3- .الأحزاب (33): 22.
4- .الأحزاب (33): 56.
5- .النساء (4): 65.

ص: 145

(مختلفين) أي في المسائل الاُصوليّة والكلاميّة منتهين في المجادلة إلى تبرّأ بعضهم من بعض.(وما أنت وذاك) أي لا يصلح لك ولهم ذلك؛ لأنّكم مكلّفون ثلاثة، فكلمة «أنت» من قبيل خطاب العام، يعني لا يصلح لكم يا معشر الشيعة المناظرات على المجادلات في الدِّين، بل عليكم سؤال أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون. «عليهم» كما في بعض النسخ، أي على الناس.و(لهم) و(إليهم) للأئمّة عليهم السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ البَزَنْطِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(1) عَنْ الْكَاهِلِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَوْ أَنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ، وَ آتَوُا الزَّكَاةَ ، وَ حَجُّوا الْبَيْتَ ، وَ صَامُوا شَهْرَ رَمَضَانَ ، ثُمَّ قَالُوا لِشَيْ ءٍ صَنَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَلَّا صَنَعَ خِلَافَ الَّذِي صَنَعَ ، أَوْ وَجَدُوا ذلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ ، لَكَانُوا بِذلِكَ مُشْرِكِينَ». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «عَلَيْكُمْ بِالتَّسْلِيمِ» .

هديّة:الآية في سورة النساء. و«تحكيم الحاكم»: جعله حكماً.(فيما شجر بينهم): فيما تنازعوا فيه، «شجر الأمر بينهم» على المعلوم: إذا اختلفوا فيه.(حرجاً): ضيقاً.(ويسلّموا تسليماً) في القيامة، ولن ينفعهم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 146

(عليكم بالتسليم) قبل أن تسلّموا في القيامة ولن ينفعكم. وسيجي ء في هذا الباب حديث تفسير هذه الآية إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ،(1) عَنْ الشَّحَّامِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ عِنْدَنَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ : كُلَيْبٌ ، فَلَا يَجِي ءُ عَنْكُمْ شَيْ ءٌ إِلَّا قَالَ : أَنَا أُسَلِّمُ ؛ فَسَمَّيْنَاهُ «كُلَيْبَ تَسْلِيمٍ» ، قَالَ : فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : «أَ تَدْرُونَ مَا التَّسْلِيمُ ؟» فَسَكَتْنَا ، فَقَالَ : «هُوَ وَ اللَّهِ الْإِخْبَاتُ ، قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ»» .

هديّة:(كليب): بضمّ الكاف وفتح اللام.(فترحّم عليه) قال: رحمه اللَّه.و(الإخبات) لغةً: التواضع والخشوع، وفي عرفهم عليهم السلام: تسليم قول المعصوم؛ لأنّه العاقل عن اللَّه سبحانه. ويظهر من ذكره عليه السلام هذه الآية من سورة هود للإستشهاد أنّ «وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ»(2) عطفُ تفسيرٍ للإيمان والعمل الصالح، وأنّ «المخبتين» في قوله تعالى: «وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ»(3) بمعنى المسلّمين لما جاء به الحجّةُ المعصوم.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْوَشَّاءِ ،(4) عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ : عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً» قَالَ : «الِاقْتِرَافُ : التَّسْلِيمُ لَنَا ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار».
2- .هود (11): 23.
3- .الحج (22): 34.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء».

ص: 147

الصِّدْقُ عَلَيْنَا ، وَ أَلَّا يَكْذِبَ عَلَيْنَا» .

هديّة:الآية في سورة الشورى.(1)و«الاقتراف» لغةً: الاكتساب، والتنوين في (حسنة) للتعظيم.و«كذب عليه» كضرب: افترى، ولعلّ إطلاق الاقتراف على تسليم المعصوم إطلاق اسم السبب على المسبّب؛ إذ لا حسنة بدون التسليم.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ ،(2) عَنْ كَامِلٍ التَّمَّارِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : ««قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» أَ تَدْرِي مَنْ هُمْ؟» . قُلْتُ : أَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالَ : ««قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» : الْمُسَلِّمُونَ ؛ إِنَّ الْمُسَلِّمِينَ هُمُ النُّجَبَاءُ ، فَالْمُؤْمِنُ غَرِيبٌ ، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ» .

هديّة:(هم النُّجباء) إفادتان، فإنّ النجباء بين الناس خيرهم وقليلون فيهم، فالفاء للتفريع. قال الفرزدق:وللناس فيما يعشقون مذاهب ولي مذهبٌ فردٌ أعيش به وحدي (3)إلّا أنّ في البضع والسبعين من هذه الاُمّة الناجيةُ واحدةٌ، وهذا مضبوط في جميع الاُمم من لدن آدم عليه السلام، وقد حقّ عدم خلوّ الدنيا من مذهب الحقّ آناً واحداً.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ رَبِيعٍ الْمُسَلِّي (4) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ

.


1- .الشورى (42) : 23.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن منصور بن يونس، عن بشير الدهان».
3- .لم نعثر عليه في ديوانه.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا ، عن الخشّاب ، عن العبّاس بن عامر ، عن ربيع المسلّي».

ص: 148

اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْإِيمَانَ كُلَّهُ ، فَلْيَقُلِ : الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا وَ أَعْلَنُوا ،(1) وَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ ، وَ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي» .

هديّة:ربيع بن محمّد بن عمر - بضمّ العين - ابن حسّان الأصمّ المسلّي كمصلّي نسبة إلى مسلّية بن عامر بن عمرو - بفتح العين - ابن علة، بضمّ [العين (2) المهملة و[فتح (3) اللام المخفّفة؛ قاله في الإيضاح،(4) ثمّ قال: وقيل: مسلية على اسم الفاعل من الإفعال.في بعض النسخ - كما ضبط بعض المعاصرين - : «فليقبل القول» بالمفردة من القبول،(5)وقال: «قول آل محمّد» بدل من «القول منّي في جميع الأشياء»، ثمّ قال: وفي الكلام حذف وهو على تقدير القول، أي قائلاً قبلت قولهم فيما أسرّوا إلى آخره، وهو كما ترى.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ الثلاثة،(6) عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ أَوْ العِجْلِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «لَقَدْ خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي كِتَابِهِ». قَالَ : قُلْتُ : فِي أَيِّ مَوْضِعٍ ؟ قَالَ : «فِي قَوْلِهِ : «وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً * فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» فِيمَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ : لَئِنْ أَمَاتَ اللَّهُ مُحَمَّداً أَلَّا يَرُدُّوا هذَا الْأَمْرَ فِي بَنِي هَاشِمٍ «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ» عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَتْلِ أَوِ الْعَفْوِ «وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»7» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «ما أعلنوا».
2- .]ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- .إيضاح الاشتباه ، ص 183 ، الرقم 277.
4- .الوافي ، ج 2 ، ص 112 ، ذيل ح 572.
5- .يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
6- .النساء (4) : 64 - 65.

ص: 149

هديّة:(فيما تعاقدوا): فيما تحالفوا على أصنامهم في جوف الكعبة وفي خلواتهم، وهم خمسة: الأوّل، والثاني، وأبو عبيدة، وعبد الرّحمن بن عوف، وسالم مولى حذيفة.(واستغفر لهم الرسول) نصٌّ شاهد للنصّ في أنّ خطاب اللَّه في الآية إنّما هو لأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيْمَنَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ»(1) إِلى آخِرِ الْآيَةِ ، قَالَ : «هُمُ الْمُسَلِّمُونَ لآِلِ مُحَمَّدٍ ، الَّذِينَ إِذَا سَمِعُوا.الْحَدِيثَ ، لَمْ يَزِيدُوا فِيهِ ، وَ لَمْ يَنْقُصُوا مِنْهُ ، جَاؤُوا بِهِ كَمَا سَمِعُوهُ»

هديّة:يعني الزيادة والنقصان بحيث يختلف المعنى. وقد مضى في أبواب العلم كما هو المستفاد من أخبارهم عليهم السلام رخصُتهم فيهما لو لم يخلّا بالمعنى.

.


1- .الزمر (39) : 18.

ص: 150

باب أنّ الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام...

الباب السادس والتسعون : بَابُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ مَا يَقْضُونَ مَنَاسِكَهُمْ أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ مَعَالِمِ دِينِهِمْ وَ يُعْلِمُونَهُ وَلَايَتَهُمْ وَ مَوَدَّتَهُمْ لَهُ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الثلاثة،(1) عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : «هكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ، ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا ، فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ وَ مَوَدَّتَهُمْ ، وَ يَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ» ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الْآيَةَ : «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ»(2) .

هديّة:في العنوان : «ما» في (بعدما يقضون) مصدريّة.(فيسألونه) عطفٌ على (يأتوا)، وفي الفعل المضارع بتقدير «أن» يجوز الإعمال والإهمال كتسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، وكذا (ويعلمونه) على الافعال.(هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة) يعني بدون طاعة مَن طاعتُه واجبةٌ على الجميع من اللَّه سبحانه.

.


1- .يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
2- .إبراهيم (14) : 37.

ص: 151

و(ثمّ ينفروا) ناظر إلى آية سورة التوبة: «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ»(1) الآية، ثمّ قرأ هذه الآية من سورة إبراهيم.قال برهان الفضلاء: لا يطلق الفؤاد إلّا في الإنسان، فإشارة إلى أنّ غير شيعتهم عليهم السلام نسناس، لا ناس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ النُّعْمَانِ ،(2) عَنْ الحَذَّاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ رَأَى النَّاسَ بِمَكَّةَ وَ مَا يَعْمَلُونَ - قَالَ : فَقَالَ : «فِعَالٌ كَفِعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، أَمَا وَ اللَّهِ ، مَا أُمِرُوا بِهذَا ، وَ مَا أُمِرُوا إِلَّا أَنْ يَقْضُوا تَفَثَهُمْ ، وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ، فَيَمُرُّوا بِنَا ، وَيُخْبِرُونَا(3)بِوَلَايَتِهِمْ ، وَ يَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ» .

هديّة:«التفث» محرّكة: الشعث، وقضاؤه: إذهابه وإذهاب مطلق الوسخ، وما كان من نحو قصّ الأظفار والشارب وحلق العانة، وغير ذلك من المناسك، وسيأتي في الحديث في كتاب الحجّ أنّ تأويل قضا التفث لقاء الإمام،(4) فإنّ به التطهير الباطني الذي هو الأصل للتطهير الظاهري على الوجه المأمور به شرعاً، وكلامه عليه السلام ناظر إلى آية سورة الحجّ: «ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ»(5).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ خَالِدِ بْنِ عَمَّارٍ ،(6) عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ هُوَ

.


1- .التوبة (9): 122.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط ، عن داود بن النعمان».
3- .في الكافي المطبوع : «فيخبرونا».
4- .الكافي ، ج 4 ، ص 549 ، باب إتباع الحجّ بالزيارة ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 9 ، ص 247 ، ح 8097.
5- .الحج (22): 29.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال جميعاً ، عن أبي جميلة ، عن خالد بن عمّار».

ص: 152

دَاخِلٌ وَ أَنَا خَارِجٌ ، وَ أَخَذَ بِيَدِي ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ ، فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَأْتُوا هذِهِ الْأَحْجَارَ ، فَيَطُوفُوا بِهَا ، ثُمَّ يَأْتُونَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ لَنَا ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» - ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ - إِلى وَلَايَتِنَا».ثُمَّ قَالَ : «يَا سَدِيرُ ، أفَأُرِيكَ الصَّادِّينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ ؟» . ثُمَّ نَظَرَ إِلى أَبِي حَنِيفَةَ وَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ وَ هُمْ حَلَقٌ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : «هؤُلَاءِ الصَّادُّونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِلَا هُدًى مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى وَ لَا كِتَابٍ مُبِينٍ ، إِنَّ هؤُلَاءِ الْأَخَابِثَ لَوْ جَلَسُوا فِي بُيُوتِهِمْ ، فَجَالَ النَّاسُ ، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَداً يُخْبِرُهُمْ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى يَأْتُونَا ، فَنُخْبِرَهُمْ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:(وهو داخل) على مسجد الحرام.(وهو قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة طه.(1)في بعض النسخ - كما ضبط بعض المعاصرين - : «ولايتنا» بدون كلمة «إلى»، فعلى الأكثر يعني بسببها، أو إلى ما هو الحقّ وهو ولايتنا، وعلى البعض يعني وهي، أي الهداية ولايتنا. وقال بعض المعاصرين: الظاهر: «وقال ولايتنا»، فسقط «قال» من قلم الناسخ.(إلى أبي حنيفة) أي إليه بجماعته، (وسفيان الثوري) الذي من مشاهير ذلك الزمان بجماعته، وكان رئيساً من رؤساء الصوفيّة القدريّة.(وهم حلق) بفتحتين: جمع الحلقة للباب ومن القوم وغير ذلك على غير قياس؛ قاله الجوهري.(2) وقال الأصمعي: جمع الحلقة، «حلق» بكسر الحاء وفتح اللام كبدرة وبدر وقصعة وقصع. وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء «حلقة» في الواحد

.


1- .طه (20) : 82.
2- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1462 (حلق).

ص: 153

بالتحريك، وفي الجمع حلق وحلقات.(1) و«هم» إمّا لجماعة الحلقتين بأجمعهما، أو التعبير بالجمع لكثرة صنوفهما أو للحاضرين في المسجد الحرام. والأوّل أنسب بقوله: (هؤلاء).«جال» من الجولان بالجيم.

.


1- .نفس المصدر.

ص: 154

باب أنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم

الباب السابع والتسعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بُيُوتَهُمْ وَ تَطَأُ بُسُطَهُمْ وَ تَأْتِيهِمْ بِالْأَخْبَارِوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ،(1) عَنْ مِسْمَعٍ كِرْدِينٍ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ لَا أَزِيدُ عَلى أَكْلَةٍ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ ، فَرُبَّمَا اسْتَأْذَنْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ أَجِدُ الْمَائِدَةَ قَدْ رُفِعَتْ ، لَعَلِّي لَا أَرَاهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - فَإِذَا دَخَلْتُ دَعَا بِهَا ، فَأَصَبْتُ مَعَهُ مِنَ الطَّعَامِ ، وَ لَا أَتَأَذّى بِذلِكَ ، وَ إِذَا عَقَّبْتُ بِالطَّعَامِ عِنْدَ غَيْرِهِ ، لَمْ أَقْدِرْ عَلى أَنْ أَقِرَّ ، وَ لَمْ أَنَمْ مِنَ النَّفْخَةِ ، فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَيْهِ ، وَ أَخْبَرْتُهُ بِأَنِّي إِذَا أَكَلْتُ عِنْدَهُ لَمْ أَتَأَذَّ بِهِ ، فَقَالَ : «يَا أَبَا سَيَّارٍ ، إِنَّكَ تَأْكُلُ طَعَامَ قَوْمٍ صَالِحِينَ ، تُصَافِحُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلى فُرُشِهِمْ».قَالَ : قُلْتُ : وَ يَظْهَرُونَ لَكُمْ ؟ قَالَ : فَمَسَحَ يَدَهُ عَلى بَعْضِ صِبْيَانِهِ ، فَقَالَ : «هُمْ أَلْطَفُ بِصِبْيَانِنَا مِنَّا بِهِمْ» .

هديّة:قيل: لعلّ منظوره عليه السلام في صنيعه ذلك شيئان: طلب الفاصلة بين أكلتي الراوي لدفع التضرّر بالتعاقب، وطلب العزّة للضيف. وقال برهان الفضلاء: «وأجد» حاليّة، يعني

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان».

ص: 155

والحال أنّي أتعمّد الاستيذان بعد رفع المائدة في ظنّي لئلّا أتضرّر.وأنت خبير بأنّ المنظور الثاني بعلم الإمام بعدم التضرّر أصلاً يمنع الأوّل. وقيل: يعني وكنت أظنّ بإبطائي في الدخول بعد الاستيذان أنّ المائدة قد رفعت، فلست أراها (هم ألطف بصبياننا) يعني لا يظهرون ولا يخفون.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «يَا حُسَيْنُ - وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى مَسَاوِرَ فِي الْبَيْتِ - مَسَاوِرُ طَالَ مَا اتَّكَتْ عَلَيْهَا الْمَلَائِكَةُ ، وَ رُبَّمَا الْتَقَطْنَا مِنْ زَغَبِهَا» .

هديّة:«المسورة» بكسر الميم: الوسادة من الجلد.و«الزغب» بالمعجمتين المفتوحتين: شعيرات صفر تكون في الفراخ، ويطلق على فتات الشعر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ الْأَحْمَسِيِّ ،(2) عَنْ الثُّمَالِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَاحْتُبِسْتُ فِي الدَّارِ سَاعَةً ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْبَيْتَ - وَ هُوَ يَلْتَقِطُ شَيْئاً ، تَلْتَقِطُهُ أَيُّ شَيْ ءٍ هُوَ ؟ فَقَالَ : «فَضْلَةٌ مِنْ زَغَبِ الْمَلَائِكَةِ ، نَجْمَعُهُ إِذَا خَلَّوْنَا ، فَنَجْعَلُهُ (3) سُبْحاً(4)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن القاسم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، قال : حدّثني مالك بن عطيّة الأحمسي».
3- .في الكافي المطبوع : «نجعله».
4- .في الكافي المطبوع : «سيحا».

ص: 156

لِأَوْلَادِنَا».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ إِنَّهُمْ لَيَأْتُونَكُمْ ؟ فَقَالَ : «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، إِنَّهُمْ لَيُزَاحِمُونَّا عَلى تُكَأَتِنَا» .

هديّة:قرئ : «إذا خلونا» بالتشديد، من التخلية بمعنى الترك، يعني إذا تركونا وانصرفوا عنّا. وقرأ برهان الفضلاء بالتخفيف بهذا المعنى أيضاً.و«السبح» بالضمّ، والواحد سبحة: ما يسبّح به من الخرزات، فلعلّ المراد جعله منظوماً في خيط كالسبحة للذكر أو للعوذة بمنزلة التميمة للصبيان. وقرأ برهان الفضلاء: «سبحا» بالفتح، قال: وهو الفراغة والسكون والنوم، قال: والكلّ هنا مناسب.و«التّكأة» بالضمّ والهمزة كهمزة: ما يتّكأ عليه من الوسادة وغيرها. وفي بعض النسخ : «على تكأتنا» على الجمع.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ ،(1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «مَا مِنْ مَلَكٍ يُهْبِطُهُ اللَّهُ فِي أَمْرٍ مَا يُهْبِطُهُ إِلَّا بَدَأَ بِالْإِمَامِ ، فَعَرَضَ ذلِكَ عَلَيْهِ ، وَ إِنَّ مُخْتَلَفَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - إِلى صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ» .

هديّة:يعني كلّ ملك يهبطه اللَّه في أمر من الاُمور لا يهبطه إلّا كذا. وقرأ برهان الفضلاء بإضافة «الأمر» إلى «ما»، قال: والتقدير: ما يهبطه له.(فعرض) أي على التحديث.(إلى صاحب هذا أمر) يعني إمام الزمان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن أسلم».

ص: 157

باب أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم و يتوجّهون في أمورهم

الباب الثامن والتسعون : بَابُ أَنَّ الْجِنَّ يَأْتِيهِمْ فَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ مَعَالِمِ دِينِهِمْ وَ يَتَوَجَّهُونَ فِي أُمُورِهِمْ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسَاوِرٍ ،(1) عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فِي بَعْضِ مَا أَتَيْتُهُ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : «لَا تَعْجَلْ» حَتّى حَمِئَتِ (2) الشَّمْسُ عَلَيَّ ، وَ جَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ الْأَفْيَاءَ ، فَمَا لَبِثْتُ (3) أَنْ خَرَجَ عَلَيَّ قَوْمٌ كَأَنَّهُمُ الْجَرَادُ الصُّفْرُ ، عَلَيْهِمُ الْبُتُوتُ قَدِ انْتَهَكَتْهُمُ الْعِبَادَةُ ، قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، لَأَنْسَانِي مَا كُنْتُ فِيهِ مِنْ حُسْنِ هَيْئَةِ الْقَوْمِ .فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ لِي : «أَرَانِي قَدْ شَقَقْتُ عَلَيْهِ (4)». قُلْتُ : أَجَلْ وَ اللَّهِ ، لَقَدْ أَنْسَانِي مَا كُنْتُ فِيهِ قَوْمٌ مَرُّوا بِي لَمْ أَرَ قَوْماً أَحْسَنَ هَيْئَةً مِنْهُمْ فِي زِيِّ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، كَأَنَّ أَلْوَانَهُمُ الْجَرَادُ الصُّفْرُ قَدِ انْتَهَكَتْهُمُ الْعِبَادَةُ فَقَالَ : «يَا سَعْدُ ، رَأَيْتَهُمْ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «أُولئِكَ إِخْوَانُكَ مِنَ الْجِنِّ». قَالَ : فَقُلْتُ : يَأْتُونَكَ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، يَأْتُونَّا يَسْأَلُونَّا عَنْ مَعَالِمِ دِينِهِمْ وَ حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ ، عن يحيى بن مساور».
2- .في الكافي المطبوع : «حميت».
3- .في الكافي المطبوع : «لبث».
4- .في الكافي المطبوع : «عليك».

ص: 158

هديّة:يعني كلّما استأذنت في ذلك الإتيان.(يقول: لا تعجل).(حمئت الشمس) كعلم: اشتدّ حرّها.في بعض النسخ: «فما لبث» على الغائب.و«البتّ» بتقديم المفردة المفتوحة وتشديد المثنّاة من فوق: الطيلسان من خزّ، ونحوه من النفائس.(انتهكتهم): هزلتهم.(ما كنت فيه) من مشقّة الحرّ والانتظار، ف (من) لبيان الفاعل، يعني ملاحظة حُسن هيأتهم، أو المفعول محذوف كمشقّتي وانتظاري، ف «ما» فاعل، و«من» بيانه.(أراني): أجدني.(شققت عليه) كمدّ، يعني عليك، كما يُقال في الخطاب بزيد: فعلت كذا على زيد. «شقّ عليه»: أوقعه في المشقّة.(أجل): كلمة تصديقٍ.(في زيّ رجل واحد) أي كانوا على شكلٍ واحد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ،(1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ ابْنِ جَبَلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : كُنَّا بِبَابِهِ ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا قَوْمٌ أَشْبَاهُ الزُّطِّ ، عَلَيْهِمْ أُزُرٌ وَ أَكْسِيَةٌ ، فَسَأَلْتُ (2)أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْهُمْ ، فَقَالَ : «هؤُلَاءِ إِخْوَانُكُمْ مِنَ الْجِنِّ» .

هديّة:(الزطّ) بالضمّ والتشديد: جيل من الناس في بلاد الهند، الواحد: زطّيّ كالزنج

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن حسّان».
2- .في الكافي المطبوع : «فسألنا».

ص: 159

والزنجي، والروم والرومي.ويجمع «الإزار» على «اُزُر» بضمّتين و«الكساء» على «أكسية».في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «عنهم» مكان (عنه) بمعنى عن ذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام أُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رِحَالُ إِبِلٍ عَلَى الْبَابِ مَصْفُوفَةٌ ، وَ إِذَا الْأَصْوَاتُ قَدِ ارْتَفَعَتْ ، ثُمَّ خَرَجَ قَوْمٌ مُعْتَمِّينَ بِالْعَمَائِمِ يُشْبِهُونَ الزُّطَّ ، قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَبْطَأَ إِذْنُكَ عَلَيَّ الْيَوْمَ ، وَ رَأَيْتُ قَوْماً خَرَجُوا عَلَيَّ مُعْتَمِّينَ بِالْعَمَائِمِ فَأَنْكَرْتُهُمْ ؟ فَقَالَ : «أَ وَ تَدْرِي مَنْ أُولئِكَ يَا سَعْدُ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا ،(2) فَقَالَ : «أُولئِكَ إِخْوَانُكُمْ مِنَ الْجِنِّ يَأْتُونَّا ، فَيَسْأَلُونَّا عَنْ حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ وَ مَعَالِمِ دِينِهِمْ» .

هديّة:«الراحلة»: الإبل المعدّة للركوب، والجمع: رحال ورحائل.(معتمّين) نصب على الحال. وفي بعض النسخ : «معتمّون» بالرفع على الوصف، كما ضبط برهان الفضلاء.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ ،(3) عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ، قَالَ : أَوْصَانِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام بِحَوَائِجَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ ، فَخَرَجْتُ ، فَبَيْنَا أَنَا بَيْنَ فَجِّ الرَّوْحَاءِ عَلى رَاحِلَتِي إِذَا إِنْسَانٌ يُلْوِي بِثَوْبِهِ ، قَالَ : فَمِلْتُ إِلَيْهِ ، وَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ عَطْشَانُ ، فَنَاوَلْتُهُ الْإِدَاوَةَ ، فَقَالَ لِي : لَا حَاجَةَ لِي بِهَا ، وَ نَاوَلَنِي كِتَاباً طِينُهُ رَطْبٌ ، قَالَ : فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ إِذَا خَاتَمُ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ الكوفي ، عن ابن فضّال».
2- .في الكافي المطبوع : + «قال».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد».

ص: 160

مَتى عَهْدُكَ بِصَاحِبِ الْكِتَابِ ؟ قَالَ : السَّاعَةَ ، وَ إِذَا فِي الْكِتَابِ أَشْيَاءُ يَأْمُرُنِي بِهَا ، ثُمَّ الْتَفَتُّ ، فَإِذَا لَيْسَ عِنْدِي أَحَدٌ .قَالَ : ثُمَّ قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَلَقِيتُهُ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رَجُلٌ أَتَانِي بِكِتَابِكَ وَ طِينُهُ رَطْبٌ ؟ فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، إِنَّ لَنَا خُدَّاماً(1) مِنَ الْجِنِّ ، فَإِذَا أَرَدْنَا السُّرْعَةَ ، بَعَثْنَاهُمْ» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى : قَالَ : «إِنَّ لَنَا أَتْبَاعاً مِنَ الْجِنِّ ، كَمَا أَنَّ لَنَا أَتْبَاعاً مِنَ الْإِنْسِ ، فَإِذَا أَرَدْنَا أَمْراً بَعَثْنَاهُمْ» .

هديّة:كأنّه كان عليه السلام بمكّة. و«الفجّ»: الطريق الواسع بين الجبلين.و(الروحاء) بالفتح والمدّ - كما ضبط برهان الفضلاء - ، وقيل: بالضمّ والقصر: موضع بين الحرمين.(يلوى بثوبه) من لويت الحبل كرمى: فتلتُه، وشدّد للمبالغة، كلوّوا رؤوسهم. والباء في «بثوبه» للتقوية، يعني يدوّر ذيل ثوبه أو كمّه كما يفعل من بعيد من له حاجة؛ ليشعر من يريد لها.والمراد ب «طين الكتاب» ما يختم به من صمغ وغيره.في بعض النسخ : «خدماً» بفتحتين مكان (خدّاماً) والجميع جمع.(وفي رواية اُخرى) كلامُ ثقة الإسلام.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْرَشٍ ،(2) عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ مُوسى ، قَالَتْ : رَأَيْتُ الرِّضَا عليه السلام وَاقِفاً عَلى بَابِ بَيْتِ الْحَطَبِ وَ هُوَ يُنَاجِي وَ لَسْتُ أَرى أَحَداً ، فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «خدماً».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عمّن ذكره ، عن محمّد بن جحرش».

ص: 161

بِمَنْ (1) تُنَاجِي ؟ فَقَالَ : «هذَا عَامِرٌ الزَّهْرَانِيُ (2)أَتَانِي يَسْأَلُنِي ، وَ يَشْكُو إِلَيَّ». فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ كَلَامَهُ ، فَقَالَ لِي : «إِنَّكِ إِنْ سَمِعْتِ كَلَامَهُ (3) حُمِمْتِ سَنَةً». فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ ، فَقَالَ لِيَ : «اسْمَعِي» فَاسْتَمَعْتُ ، فَسَمِعْتُ شِبْهَ الصَّفِيرِ ، وَ رَكِبَتْنِي الْحُمّى ، فَحُمِمْتُ سَنَةً .

هديّة:(عامر): اسم للحيّة التي تكون في البيوت، قيل: يُقال لها عامر لطول عمرها، وقيل: بل من العِمران وعامر البيوت على التّفأل.في بعض النسخ : «لمن» باللام مكان (بمن) بالمفردة.و«زهران» بالفتح، وزُهرة وزَهْرَة كهَمْزَة وهُمَزَة وزُهَير: أسماء، وزهراء بالفتح والمدّ: بلدة في المغرب، والنسبة بزيادة النون، كصنعاني في صنعاء قصبة اليمن.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(4) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ أَقْبَلَ ثُعْبَانٌ مِنْ نَاحِيَةِ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ، فَهَمَّ النَّاسُ أَنْ يَقْتُلُوهُ ، فَأَرْسَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَنْ كُفُّوا ، فَكَفُّوا ، وَ أَقْبَلَ الثُّعْبَانُ يَنْسَابُ حَتَّى انْتَهى إِلَى الْمِنْبَرِ ، فَتَطَاوَلَ ، فَسَلَّمَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَأَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَيْهِ أَنْ يَقِفَ حَتّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ .وَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ خَلِيفَتِكَ عَلَى الْجِنِّ ، وَ إِنَّ أَبِي مَاتَ ، وَ أَوْصَانِي أَنْ آتِيَكَ ، فَأَسْتَطْلِعَ رَأْيَكَ ، وَ قَدْ أَتَيْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «لمن».
2- .في الكافي المطبوع : «الزهرائي».
3- .في الكافي المطبوع : «به» بدل «كلامه».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن إبراهيم بن أيّوب، عن عمرو بن شمر».

ص: 162

فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ ؟ وَ مَا تَرى؟فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَ أَنْ تَنْصَرِفَ ، فَتَقُومَ مَقَامَ أَبِيكَ فِي الْجِنِّ ؛ فَإِنَّكَ خَلِيفَتِي عَلَيْهِمْ» .فَوَدَّعَ عَمْرٌو أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ انْصَرَفَ ، فَهُوَ خَلِيفَتُهُ عَلَى الْجِنِّ. فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَيَأْتِيكَ عَمْرٌو ؟ وَ ذَاكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:انساب فلانٌ نحوَكم: رجع، والانسياب: ضربٌ من الجَرْي، منه مشي الحيّة.(إلى المنبر) ، منبر مسجد الكوفة، وباب الثعبان فيه مشهور.(فتطاول) أي انتصب.(خليفتك) بالجرّ.(فودّع) من التوديع. فآخر الحديث سؤال عن افتراض طاعتهم عليهم السلام على الجنّ كما على الإنس.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ،(1) عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ مُزَامِلًا لِجَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ، فَلَمَّا أَنْ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ ، دَخَلَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَوَدَّعَهُ وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ هُوَ مَسْرُورٌ ، حَتّى وَرَدْنَا الْأُخَيْرِجَةَ - أَوَّلَ مَنْزِلٍ نَعْدِلُ مِنْ فَيْدَ إِلَى الْمَدِينَةِ - يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَصَلَّيْنَا الزَّوَالَ ، فَلَمَّا نَهَضَ بِنَا الْبَعِيرُ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ طُوَالٍ ، آدَمَ ، مَعَهُ كِتَابٌ ، فَنَاوَلَهُ جَابِراً ، فَتَنَاوَلَهُ ، وَقَبَّلَهُ (2) وَ وَضَعَهُ عَلى عَيْنَيْهِ ، وَ إِذَا هُوَ «مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِلى جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ» وَ عَلَيْهِ طِينٌ أَسْوَدُ ، رَطْبٌ ، فَقَالَ لَهُ : مَتى عَهْدُكَ بِسَيِّدِي ؟ فَقَالَ : السَّاعَةَ ، فَقَالَ لَهُ :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن محمّد بن اُورمة ، عن أحمد بن النضر».
2- .في الكافي المطبوع : «وقبّله».

ص: 163

أقَبْلَ (1) الصَّلَاةِ ، أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : بَعْدَ الصَّلَاةِ ، قَالَ : فَفَكَّ الْخَاتَمَ ، وَ أَقْبَلَ يَقْرَؤُهُ وَ يَقْبِضُ وَجْهَهُ حَتّى أَتى عَلى آخِرِهِ ، ثُمَّ أَمْسَكَ الْكِتَابَ ، فَمَا رَأَيْتُهُ ضَاحِكاً وَ لَا مَسْرُوراً حَتّى وَافَى الْكُوفَةَ .فَلَمَّا وَافَيْنَا الْكُوفَةَ لَيْلًا بِتُّ لَيْلَتِي ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُهُ إِعْظَاماً لَهُ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ خَرَجَ عَلَيَّ وَ فِي عُنُقِهِ كِعَابٌ قَدْ عَلَّقَهَا ، وَ قَدْ رَكِبَ قَصَبَةً وَ هُوَ يَقُولُ : أَجِدُ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ أَمِيراً غَيْرَ مَأْمُورٍ ، وَ أَبْيَاتاً مِنْ نَحْوِ هذَا ، فَنَظَرَ فِي وَجْهِي ، وَ نَظَرْتُ فِي وَجْهِهِ ، فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً ، وَ لَمْ أَقُلْ لَهُ ، وَ أَقْبَلْتُ أَبْكِي لِمَا رَأَيْتُهُ ، وَ اجْتَمَعَ عَلَيَّ وَ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ وَ النَّاسُ ، وَ جَاءَ حَتّى دَخَلَ الرَّحَبَةَ ، وَ أَقْبَلَ يَدُورُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَ النَّاسُ يَقُولُونَ : جُنَّ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ، جُنَّ جَابِرُ(2) .فَوَ اللَّهِ، مَا مَضَتِ الْأَيَّامُ حَتّى وَرَدَ كِتَابُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلى وَالِيهِ : أَنِ انْظُرْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ : جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ، وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ . فَالْتَفَتَ إِلى جُلَسَائِهِ ، قَالَ (3) لَهُمْ : مَنْ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ ؟ فَقَالُوا(4) : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، كَانَ رَجُلًا ، لَهُ فَضْلٌ وَ عِلْمٌ (5) وَ حَدِيثٌ ، وَ حَجَّ ، فَجُنَّ وَ هُوَ ذَا فِي الرَّحَبَةِ مَعَ الصِّبْيَانِ عَلىَ الْقَصَبِ يَلْعَبُ مَعَهُمْ .قَالَ : فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ مَعَ الصِّبْيَانِ يَلْعَبُ عَلَى الْقَصَبِ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِنْ قَتْلِهِ . قَالَ : وَ لَمْ تَمْضِ الْأَيَّامُ حَتّى دَخَلَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ الْكُوفَةَ ، وَ صَنَعَ مَا كَانَ يَقُولُ جَابِرٌ .

هديّة:«الزميل» كأمير: الرديف على الهَودج.و(الأخيرجَة) و(فيد): موضعان، قال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى:

.


1- .في الكافي المطبوع : «قبل» بدون الهمزة.
2- .في الكافي المطبوع : - «جابر».
3- .في الكافي المطبوع : «فقال».
4- .في الكافي المطبوع : «قالوا».
5- .في الكافي المطبوع : «علم وفضل» بدل «فضل وعلم».

ص: 164

«الأخيرجة» تصغير الأخرجة - بفتح الهمزة والراء أيضاً، وتاء التأنيث - : بئر في سفح جبل في خارج منزل بين المدينة والكوفة. ثمّ قال: و«أوّل» مرفوع بتقدير: وهو أوّل منزل يعدل بُعده من المدينة بُعد الفيد منها. و«الفيد» بفتح الفاء وسكون الخاتمة: منزل بين مكّة والمدينة، فجملة «أوّل منزل يعدل من فيد إلى المدينة» معترضة.وقال بعض المعاصرين - بعد ضبطه الأخرجة مكبّرة - : يعني أنّ المسافة بين الأخرجة وبين المدينة كالمسافة بين فيد والمدينة.(1)و«الطوال» كغراب: الطويل، فإذا أفرط في الطول يُقال: طوّال كرمّان، فمحتمل هنا. و«الطويل» يجمع على طوال كرجال.ويمكن أن يكون أسوديّة الطين كناية عن شدّة رطوبته.وكان (منصور بن جمهور) من قوّاد عبداللَّه بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب، صار والي الكوفة من قبل عبد اللَّه بعد خروجه على بني اُميّة وغلبته عليهم وقتل كثيرين منهم.وقرأ برهان الفضلاء : «أجد» على الأمر، من الجودة بحذف المفعول، يعني أجد يا منصور بن جمهور المحاربة حال كونك أميراً في الكوفة غير مأمور من قبل بني اُميّة. ثمّ قال: ولعلّ الابن من زيادة الكتّاب؛ لإخلاله بالوزن.(لما رأيته) يحتمل كسر اللام، وفتحها بتشديد الميم.و«رحَبَة الدار» محرّكة ويسكن: ساحتها.وليس في بعض النسخ: (جنّ جابر) بعد قوله: (جنّ جابر بن يزيد).(ما كان يقول جابر) أي في الأبيات.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 642 ، ذيل ح 1234.

ص: 165

باب في الأئمّة أنّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود و آل داود

الباب التاسع والتسعون : بَابٌ فِي الْأَئِمَّةِ عليهم السلام أَنَّهُمْ إِذَا ظَهَرَ أَمْرُهُمْ حَكَمُوا بِحُكْمِ دَاوُدَ وَ آلِ دَاوُدَ وَ لَا يَسْأَلُونَ الْبَيِّنَةَ(1)وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ الثَلَاثَة،(2) عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ فَضْلٍ الْأَعْوَرِ ، عَنْ الْحَذَّاءِ ، قَالَ : كُنَّا زَمَانَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام حِينَ قُبِضَ نَتَرَدَّدُ كَالْغَنَمِ لَا رَاعِيَ لَهَا ، فَلَقِينَا سَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ ، فَقَالَ لِي : يَا بَا عُبَيْدَةَ(3) ، مَنْ إِمَامُكَ ؟ فَقُلْتُ : أَئِمَّتِي آلُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ ، أَ مَا سَمِعْتُ أَنَا وَ أَنْتَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»؟ فَقُلْتُ : بَلى لَعَمْرِي ، وَ قَدْ كَانَ قَبْلَ ذلِكَ بِثَلَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا ، دَخَلْنَا عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَرَزَقَ اللَّهُ الْمَعْرِفَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ سَالِماً قَالَ لِي كَذَا وَ كَذَا .قَالَ : فَقَالَ : «يَا بَا عُبَيْدَةَ ، إِنَّهُ لَا يَمُوتُ مِنَّا مَيِّتٌ حَتّى يُخَلِّفَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْمَلُ بِمِثْلِ عَمَلِهِ ، وَ يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ ، وَ يَدْعُو إِلى مَا دَعَا إِلَيْهِ . يَا بَا عُبَيْدَةَ ، إِنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ مَا أُعْطِيَ دَاوُدَ أَنْ أُعْطِيَ سُلَيْمَانَ». ثُمَّ قَالَ : «يَا بَا عُبَيْدَةَ ، إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام حَكَمَ بِحُكْمِ دَاوُدَ وَ سُلَيْمَانَ ، لَا يَسْأَلُ بَيِّنَةً» .

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عليهم السلام والرحمة والرضوان».
2- .يعني : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- .في الكافي المطبوع : «يا أبا عبيدة» و كذا فيما بعد.

ص: 166

هديّة:قيل: «دخلنا» كلام مستأنف، ويحتمل إسقاط كلمةٍ عن صدره مثل «فلمّا».وقال برهان الفضلاء: «وقد كان» إلى قوله : «المعرفة» ليس في تحت المكالمة مع سالم، بل ذكره أبو عبيدة في مجلس الرواية، ففاعل «كان» إمّا ضمير الشأن المستتر فيه ، أو «دخلنا» بتقدير «أن» المصدرية.وقال الفاضل الاسترآبادي: المناسب «ثمّ دخلنا» أو «فدخلنا».(1)(بثلاث) أي بثلاث سنين.(لم يمنع) على المعلوم، أو خلافه كما ضبط برهان الفضلاء. والمآل واحد، سواء كانت كلمة (ما) مصدريّة أو موصولة. قيل: والمراد حكم القائم عليه السلام دائماً بحكم داود وآل داود، يعني سليمان مرّة أو مراراً لم يسأل داود عليه السلام بيّنة في قضيّة النعجة وسليمان عليه السلام في نفش الغنم، كما مرّ في الحديث الثالث في الباب الستّين.(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) عَنْ أَبَانٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنِّي ، يَحْكُمُ بِحُكُومَةِ آلِ دَاوُدَ ، وَ لَا يَسْأَلُ بَيِّنَةً ، يُعْطِي كُلَّ نَفْسٍ حَقَّهَا» .

هديّة:(رجلٌ منّي) يعني قائمهم عليهم السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ،(4) عَنْ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :

.


1- .نقل عنه في مرآة العقول ، ج 4 ، ص 299.
2- .أي باب أنّ الإمامة عهد من اللَّه عَزّ و جلّ معهود من واحد إلى واحد.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم».

ص: 167

بِمَا تَحْكُمُونَ إِذَا حَكَمْتُمْ ؟ قَالَ : «بِحُكْمِ اللَّهِ وَ حُكْمِ دَاوُدَ عليه السلام ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْنَا الشَّيْ ءُ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَنَا ، تَلَقَّانَا بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ» .

هديّة:(إذا حكمتم): إذا ظهر أمركم وصار إليكم الحكم.والباء في (به) للتعدية، يعني على نهج التحديث.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عِمْرَانِ بْنِ أَعْيَنَ ،(1) عَنْ جُعَيْدٍ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ : بِأَيِّ حُكْمٍ تَحْكُمُونَ ؟ قَالَ : «بِحُكْمِ (2) آلِ دَاوُدَ ، فَإِنْ أَعْيَانَا شَيْ ءٌ ، تَلَقَّانَا بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ» .

هديّة:(جعيد) مصغّراً: همدانيّ من اليمن كوفيّ؛ ذكره الشيخ في رجاله في رجال عليّ بن الحسين عليهما السلام.«أعياه»: أعجزه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ،(3) عَنْ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا مَنْزِلَةُ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ؟ قَالَ : «كَمَنْزِلَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَ كَمَنْزِلَةِ يُوشَعَ ، وَ كَمَنْزِلَةِ آصَفَ صَاحِبِ سُلَيْمَانَ».قَالَ : قُلْتُ :(4) فَبِمَا تَحْكُمُونَ ؟ قَالَ : «بِحُكْمِ اللَّهِ ، وَ حُكْمِ آلِ دَاوُدَ ، وَ حُكْمِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي عن عمران بن أعين».
2- .في الكافي المطبوع : «حكم».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه، عن محمّد بن عليّ عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم».
4- .في الكافي المطبوع : - «قلت».

ص: 168

وَ يَتَلَقَّانَا بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ» .

هديّة:بيانه كالحديث الأوّل في الباب الثالث والخمسين.(1)

.


1- .أي باب في أنّ الأئمّة بمن يشبهون ممّن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوّة.

ص: 169

باب أنّ مستقى العلم من بيت آل محمّد

الباب المائة : بَابُ أَنَّ مُسْتَقَى الْعِلْمِ مِنْ بَيْتِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد،(1) قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبُ الدَّيْلَمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليهما السلام يَقُولُ - وَ عِنْدَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ - : «عَجَباً لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا عِلْمَهُمْ كُلَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَعَلِمُوا(2) بِهِ وَ اهْتَدَوْا ، وَ يَرَوْنَ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ لَمْ يَأْخُذُوا عِلْمَهُ ، وَ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ ذُرِّيَّتُهُ ، فِي مَنَازِلِنَا نَزَلَ الْوَحْيُ ، وَ مِنْ عِنْدِنَا خَرَجَ الْعِلْمُ إِلَيْهِمْ ، أَ فَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا وَ اهْتَدَوْا ، وَ جَهِلْنَا نَحْنُ وَ ضَلَلْنَا ؟! إِنَّ هذَا لَمُحَالٌ» .

هديّة:استقيت من البئر، واستقيت في القِربة، والموضع: مستقى. وقال برهان الفضلاء في شرح العنوان : «المستقى» مصدر ميميّ من الافتعال، قال: طلب الماء الكافي للعطشان.في بعض النسخ: «فعملوا به» مكان (فعلموا به)، والأكثر أنسب سياقاً.«ضلّ» كضرب وعلم لغتان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- .في الكافي المطبوع : «فعملوا».

ص: 170

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ،(1) قَالَ : لَقِيَ رَجُلٌ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام بِالثَّعْلَبِيَّةِ - وَ هُوَ يُرِيدُ كَرْبَلَاءَ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام : «مِنْ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ ؟» قَالَ : مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، قَالَ : «أَمَا وَ اللَّهِ ، يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ ، لَوْ لَقِيتُكَ بِالْمَدِينَةِ ، لَأَرَيْتُكَ أَثَرَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام مِنْ دَارِنَا وَ نُزُولِهِ بِالْوَحْيِ عَلى جَدِّي ، يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ ، أَ فَمُسْتَقَى النَّاسِ الْعِلْمَ مِنْ عِنْدِنَا ، فَعَلِمُوا ، وَ جَهِلْنَا ؟! هذَا مَا لَا يَكُونُ» .

هديّة:(ونزوله) بالرفع على الابتداء، والجملة حاليّة أو استئنافيّة لبيان الحصر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد اللَّه بن حمّاد ، عن صبّاح المزني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الحكم بن عتيبة».

ص: 171

باب أنّه ليس شي ء من الحقّ في أيدي الناس إلّا ما خرج من عند الأئمّة

الباب الحادي والمائة : بَابُ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ مِنَ الْحَقِّ فِي أَيْدِي (1) النَّاسِ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَ أَنَّ كُلَّ شَيْ ءٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ عِنْدِهِمْ فَهُوَ بَاطِلٌ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَقٌّ وَ لَا صَوَابٌ ، وَ لَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَقْضِي بِقَضَاءٍ حَقٍّ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَ إِذَا تَشَعَّبَتْ بِهِمُ الْأُمُورُ ، كَانَ الْخَطَأُ مِنْهُمْ ، وَ الصَّوَابُ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وليس أحد» مكان و(لا أحد). والاستثناء من كلّ واحد من الحقّ والصواب في الجملة الاُولى، ومن القضاء الحقّ في الثانية.و«التشعّب»: التفرّق، يعني إذا التبست عليهم الاُمور. والباء في (بهم) للتعدية، وضمير الجمع للصحابة أو للاُمّة، ف (من عليّ عليه السلام) يعني من الحجّة المعصوم.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان».

ص: 172

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي،(1) عَنْ مُثَنًّى ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ ، فَلَا تَسْأَلُونِّي عَنْ شَيْ ءٍ إِلَّا نَبَّأْتُكُمْ بِهِ».قَالَ : «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ عِنْدَهُ عِلْمُ إِلَّا شَيْ ءٌ(2) خَرَجَ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَلْيَذْهَبِ النَّاسُ حَيْثُ شَاؤُوا ؛ فَوَ اللَّهِ ، لَيْسَ الْأَمْرُ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلى بَيْتِهِ .

هديّة:في بعض النسخ : «علم شي ء إلّا خرج».(ليس الأمر) أي العلم الحقّ الذي لا يكون مستقاه ومخرجه إلّا صدر الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه سبحانه. وهذا مراد برهان الفضلاء من قوله: أي أمر الإسلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ،(3) عَنْ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لِسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ : «شَرِّقَا وَ غَرِّبَا ، فَلَا تَجِدَانِ عِلْماً صَحِيحاً إِلَّا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ» .

هديّة:(سلمة) و(الحكم) هذان بتريّان من الزيديّة مذمومان جدّاً.قال الكشّي: قال عليّ بن الحسن: حدّثني العبّاس بن عامر وجعفر بن محمّد، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّ الحكم بن عتيبة وسلمة وكثير النّوا وأبا المقدام والتمّار - يعني سالماً - أضلّوا كثيراً ممّن ضلّ من هؤلاء،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ، عن مثنّى».
2- .في الكافي المطبوع : «شي ء إلّا» بدل «إلّا شي ء».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء ، عن ثعلبة بن ميمون».

ص: 173

وأنّهم ممّن قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ»»(1).شرّق تشريقاً: قصد جانب الشرق وسعى إليه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَلَّى بْنِ عُثْمَانَ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ لِي عليه السلام : «إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ : «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ» فَلْيُشَرِّقِ الْحَكَمُ وَ لْيُغَرِّبْ ، أَمَا وَ اللَّهِ ، لَا يُصِيبُ الْعِلْمَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَزَلَ عَلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام» .

هديّة:قد علم بيانه، والآية في سورة البقرة.(3)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ ،(4) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنى : تَجُوزُ ؟ فَقَالَ : «لَا». فَقُلْتُ : إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يَزْعُمُ أَنَّهَا تَجُوزُ ، فَقَالَ : «اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ ذَنْبَهُ ، مَا قَالَ اللَّهُ لِلْحَكَمِ : «إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ» فَلْيَذْهَبِ الْحَكَمُ يَمِيناً وَ شِمَالًا ، فَوَ اللَّهِ لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَزَلَ عَلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام» .

هديّة:«ما» في (ما قال) نافية، لا على الاستفهام الإنكاري كما يتوهّم.

.


1- .رجال الكشّي ، ص 241 ، الرقم 439.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن معلّى بن عثمان».
3- .البقرة (2): 8 .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان بن عثمان».

ص: 174

والآية في سورة الزخرف.(1)وفسّر «الذكر» هنا بالعلم، و«القوم» بأهل البيت عليهم السلام.(إلّا من أهل بيت) يعني إلّا من حجّة معصوم عاقل عن اللَّه سبحانه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَلَّامِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيِّ ،(2) قَالَ : بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَابِدُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَ ابْنُ شُرَيْحٍ فَقِيهُ أَهْلِ مَكَّةَ - وَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مَيْمُونٌ الْقَدَّاحُ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام - فَسَأَلَهُ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فِي كَمْ ثَوْبٍ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَقَالَ (3) : «فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ : ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ ، وَ ثَوْبٍ حِبَرَةٍ ، وَ كَانَ فِي الْبُرْدِ قِلَّةٌ» .فَكَأَنَّمَا ازْوَرَّ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ نَخْلَةَ مَرْيَمَ إِنَّمَا كَانَتْ عَجْوَةً ، وَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ ، فَمَا نَبَتَ مِنْ أَصْلِهَا كَانَ عَجْوَةً ، وَ مَا كَانَ مِنْ لُقَاطٍ فَهُوَ لَوْنٌ» .فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ، قَالَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ لِابْنِ شُرَيْحٍ : وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هذَا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام؟ فَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ : هذَا الْغُلَامُ يُخْبِرُكَ ؛ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ - يَعْنِي مَيْمُونٌ - فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ مَيْمُونٌ : أَ مَا تَعْلَمُ مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ : لَا وَ اللَّهِ ، قَالَ : إِنَّهُ ضَرَبَ لَكَ مَثَلَ نَفْسِهِ ، فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ وَلَدٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ عِلْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عِنْدَهُمْ ، فَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِمْ ، فَهُوَ صَوَابٌ ، وَ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِمْ ، فَهُوَ لُقَاطٌ .

هديّة:«صحار» بلا نقطة كغراب: اسم قصبة عمان أيضاً كغراب، والنسبة: صحاري.و«الحبرة» كعنبة: ضرب من البرد اليماني، وهو أنفَسُ ضروب البرد، يُقال: ثوب

.


1- .الزخرف (43) : 44.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن الحسين بن الحسن بن يزيد ، عن بدرٍ ، عن أبيه ، قال : حدّثني سلّام أبو عليّ الخراساني ، عن سلّام بن سعيد المخزومي».
3- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 175

حبرة ، و(ثوب حبرة) على الوصف والإضافة.(قلّة): كان يومئذٍ عزيزاً.(ازورّ): عدل وأبى وانحرف؛ من الإزورار بالزاي والمهملتين.و«العجوة» بالفتح: أجودُ تمرٍ بالمدينة، وفي الحديث: «العجوة من الجنّة»؛ قاله ابن الأثير.(1)و«اللقاط» كغراب: ما كان ساقطاً ممّا لا قيمة له. و«اللون»: أردأ التمر. وقرأ برهان الفضلاء «لقاط» كسحاب، على المصدر، بمعنى التقاط النواة للغرس. وقال: والمراد باللّون هنا ما أصله ردي ء، ولونه شبيه بالجيّد، ثمّ قال: و«ميمون» هنا لفظ عجميّ باعتبار ملاحظة شباهته بالقِرد، فلا ينصرف.(وعلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) نصب للعطف، ويحتمل الرفع، فالجملة حاليّة.

.


1- .النهاية ، ج 3 ، ص 188 (عجو).

ص: 176

باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب

الباب الثاني والمائة : بَابٌ فِيمَا جَاءَ أَنَّ حَدِيثَهُمْ عليهم السلام صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ حَدِيثَ آلِ مُحَمَّدٍ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ ، لَا يُؤْمِنُ بِهِ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ ، فَمَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَدِيثِ آلِ مُحَمَّدٍ فَلَانَتْ لَهُ قُلُوبُكُمْ وَ عَرَفْتُمُوهُ ، فَاقْبَلُوهُ ؛ وَ مَا اشْمَأَزَّتْ مِنْهُ قُلُوبُكُمْ وَ أَنْكَرْتُمُوهُ ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى الْعَالِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ إِنَّمَا الْهَالِكُ أَنْ يُحَدَّثَ أَحَدُكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنْهُ لَا يَحْتَمِلُهُ ، فَيَقُولَ : وَ اللَّهِ مَا كَانَ هذَا ، وَ اللَّهِ مَا كَانَ هذَا ؛ وَ الْإِنْكَارُ هُوَ الْكُفْرُ» .

هديّة:(مستصعب) على اسم الفاعل للمبالغة، استصعب الشي ء عليه - على المعلوم - : صار صعباً جدّاً. والمراد بدليل الحديث الرابع والخامس أنّ احتمالَ حديث الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه من دون إظهاره إلى أهله من أهل الحقّ صعبٌ جدّاً، وذلك

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان».

ص: 177

لطغيان حرارة الشوق بالاهتداء إلى الحقّ، كالمحتاج الواجد كنزاً لا يفنى.(فما ورد) كلام الباقر عليه السلام أو كلام الرسول صلى اللَّه عليه وآله.(اشمأزّت): كرهت ونفرت.(فردّوه) ناظرٌ إلى قوله تعالى: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(1)، وقوله عزّ وجلّ: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِى اْلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(2).

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ القمّي، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسى ، عَنْ الْاثْنَيْنِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «ذُكِرَتِ التَّقِيَّةُ يَوْماً عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَقَالَ : وَاللَّهِ ، لَوْ عَلِمَ أَبُو ذَرٍّ مَا فِي قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ - وَ لَقَدْ آخى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بَيْنَهُمَا - فَمَا ظَنُّكُمْ بِسَائِرِ الْخَلْقِ ؟ إِنَّ عِلْمَ الْعُلَمَاءِ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ ، لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَوْ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ».فَقَالَ : «وَ إِنَّمَا صَارَ سَلْمَانُ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ امْرُؤٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَلِذلِكَ نَسَبْتُهُ إِلَى الْعُلَمَاءِ» .

هديّة:(ذكرت) على المتكلّم وحده أو المجهول. و(التقيّة): ضدّ الإذاعة، يعني بين قوم من الفرق الهالكة إذا ظنّ ضررهم. وسيجي ء في باب الإذاعة عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ، ولكن قتلنا قتل عمد».(4) قال الكشّي في رجاله: وفي رواية اُخرى : «لكفّره» مكان «لقتله».(5) وفي حديث آخر: «لو علم سلمان ما في قلب أبي ذرّ لقتله أو لكفّره».

.


1- .النساء (4): 59.
2- .النساء (4): 83 .
3- .أي «هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة».
4- .الكافي ، ج 2 ، ص 370 ، باب الإذاعة ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 4 ، ص 112 ، ح 2809.
5- .رجال الكشّي ، ص 17 ، ح 40 ، وفيه كما في الكافي: «لقتله».

ص: 178

فلا يذهب عليك كما فهم الصوفيّ القدريّ من هذا الحديث وجعله أصلاً صريحاً في مذهبه أنّ ما في قلب سلمان أو أبي ذرّ إنّما هو الكفر الذي إذا نطق به أحد كالحلّاج وفرعون والبسطامي والرومي لوجب قتله شرعاً؛ لارتداده بحكم اللَّه سبحانه، هل ترى الحكيم العدل العظيم بذلك الحكمة والعدالة والعظمة تعالى شأنه أن يأمر رسوله بذلك الشأن والعظمة الظاهرة بتلك الآيات والمعجزات الباهرة بتكفير مثل الحلّاج وقتله، والحكم بأنّه نحس نجس مخلّد في النار وكان هو في السرّ وليّاً من أوليائه أو قطرة واصلة من بحره إلى بحره أو هو هو.فهل ترى أسخف في الفرق الهالكة من طريقة الصوفيّة القدريّة، فلا تغترّ بمصائدهم ولا تنخدع بمكائدهم، فإنّها من تدقيقات صنايع إبليس في أواخر عمره كي يخدع الفرقة الناجية بباطلٍ محفوفٍ أوّلاً بالقرآن والحديث والأمثال والأشعار والصوم والصلاة والسهر والرياضة ومعظم مكارم الأخلاق، مع علمه بأنّهم لا يميلون بسعيه إلى مذهب من مذاهب البضع والسبعين، وأنّ من وراء ذنوبهم الشفاعات، فوضع التصوّف المنتهي طريقه إلى أفحش صنوف الكفر.أيّها القدريّ، إنّما المنافق من أخفى الكفر وأظهر الإيمان، فما ظنّك بمثل سلمان وهو محدّث كالإمام وله خصوصيّة ممتازة بأهل البيت عليهم السلام، أظهرتم أنتم أسراركم من وحدة الوجود والموجود والتنزّلات والتشكّلات في سلسلتي البدو والعود باصطلاحكم لكلّ خفّاف وعلّاف، فلِمَ لم يظهر سلمان سرّه لأخيه أبي ذرّ الذي تتذاكر الملائكة ما أملاه من الدعاء المشهور في السماء، هل خفّافكم أوسع حوصلة من أبي ذرّ، أو سلمان نافَقَ مع أخيه، أو هما - رضي اللَّه عنهما - من المنافقين بكتمان الكفر وإظهار الإيمان، أو عَلِمَ الإمام ما في قلب سلمان ممّا هو كفرٌ شرعاً لو نطق به، فلم يحكم بنفاقه، أو تقرّون بكفركم وكُفر من قال بمقالتكم.فلِمَ غفلتم عن حكاية موسى والخضر عليهما السلام في سورة الكهف مع أنّ موسى من اُولي العزم وعالم بما يحتاج إليه الناس غير محتاج فيه إلى مثل صاحبه، ولم تفهموا أنّ سرّ اللَّه

.

ص: 179

سبحانه محال أن يكون ممّا هو كُفر في شرعه، وأنّ السرّ الذي أظهرتم لكلّ قلندر وفَهِمَه كلُّ من سمع لا يكون هو سرّ اللَّه، وأنّ العارف بأسرار اللَّه لا يكون إلّا المعصومون المحصورون المعيّنون عدداً الممتازون حسباً ونسباً من لدن آدم إلى القائم عليهما السلام، وأنّ سلمان كان معه علمٌ من العلوم دون أبي ذرّ بذلك الشأن، كما للخضر عليه السلام دون موسى عليه السلام من اُولي العزم، أليس حقّاً حكْم موسى قبل المعرفة بوجهِ قتلِ الطفل بقتل قاتله؟ أليس عِلْم اللَّه لا نهاية له؟ أليس لما لا نهاية له لا نهاية لعجائباته؟ أليس لو اُعطي ممّا لا يتناهى كلّ ذرّة من ذرّات العالم ما لا يحصى كان الجميع مالك قطرة من البحر الذي لا ساحل له متحيّراً في عجائباته ومتولّهاً في غرائباته؟ أليس سرّكم ذائعاً شائعاً في الأسواق؟سبحان اللَّه هل بقي سرٌّ أعظم من سرّكم المسموع المفهوم لكلّ أحد من الناس، فتدّعون أنّ عندنا سرّاً أو أسراراً، سبحان اللَّه هو اللَّه الذي لا إله إلّا هو، دَبَّرَ قبل تدبير الخواطر وأحكم، ومَكَرَ قبل مكر الماكرين وأبرم، وبمقتضى عظمته جلّت عظمته أخبر بتوسّط المعصوم، وهو الذي لا يشكّ في إخباره بضروريّات الدِّين بحيث يكون اعتقاد الجميع بها على السواء كالشمس بالنظر إلى جميع الأنظار.سمعتم في سنّ الصبا من آبائكم ومعلّميكم أنّ جهنّم مثلاً وهدة وسيعة عظيمة مملوّة من نار كذا وحيّات كذا وعقارب كذا، فويلٌ للذي لم يعتقد في أراذل العمر كما تصوّره واعتقد به في سنّ الصبا أيّ من كان، وهكذا في جميع ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من المغيبات كنكير ومنكر وتسوية الأرض بالزلزلة للحشر والنشر الجسماني وانشقاق السماء وطيّها والميزان والصراط وتطائر الكتب وتجسيم الأعمال، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً، واللَّه العظيم لن يسمع في سلطان عظمته تَعالى إخبار عباده بضروريّات دينه إلّا هكذا.فهل عرفت سرّ الاهتمام في القرآن بكون ذكر الإيمان باللَّه قريناً لذكر الإيمان باليوم الآخر على ما أخبر به المعصوم العاقل هو في البشر عن اللَّه تبارك وتعالى، فتعوّذ باللَّه من عدوّك المبين المخفي الطامع بقوّة وساوسه في الأنبياء عليهم السلام.

.

ص: 180

وقال بعض المعاصرين في كتابه في بيان هذا الحديث: ونعمّا قيل: لمّا رأيت الحديدة الحامية تتشبّه بالنار فتفعل فعلها، فلا تتعجّب من نفسٍ استشرقت بنور اللَّه واستضاءت واستنارت فأطاعها الأكوان. انتهى.(1)من معظم براهين الشيعة على حقّيّة أنّهم هم الفرقة الناجية من البضع والسبعين وامتيازِهم بتلك الحقّيّة قولُهم بوجوب وجود المعصوم في هذا النظام العظيم من أوّله إلى آخره، وأنّ إطاعة الأكوان لا يكون لأحد إلّا بإذن اللَّه ولا يأذن في ذلك في حكمته إلّا للمعصوم المحصورِ عددُه من لدن آدم إلى القائم عليه السلام، هل رأيت أحداً من الشيعة يقول بإمكان الوصول إلى تلك المرتبة لكلّ أحدٍ من الجواكي وغيرهم بالرياضة؟ والشيعة لا تتعجّب من الحقّ، بل تتعجّب من صرف العمر تسعين سنة في ملاحظة أحاديث الأئمّة عليهم السلام، ثمّ التكلّم في بياناتها بما هو مكروه ممنوع - وهلّم جرّاً - عند شيعتهم بالكتاب والسنّة ، يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، والحمدُ للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْبَرْقِيِّ ،(2) عَنِ ابْنِ فضّال، أَوْ غَيْرِهِ، رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ حَدِيثَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ ، لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا صُدُورٌ مُنِيرَةٌ ، أَوْ قُلُوبٌ سَلِيمَةٌ ، أَوْ أَخْلَاقٌ حَسَنَةٌ ؛ إِنَّ اللَّهَ تعالى أَخَذَ مِنْ شِيعَتِنَا الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ عَلى بَنِي آدَمَ «أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ» فَمَنْ وَفى لَنَا ، وَفَى اللَّهُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؛ وَ مَنْ أَبْغَضَنَا وَ لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْنَا حَقَّنَا ، فَفِي النَّارِ خَالِداً مُخَلَّداً» .

هديّة:قال برهان الفضلاء: «حديثنا» عبارة عن السرّ الذي ينقل ثانياً في الحديث الخامس في هذا الباب.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 644 ، ذيل ح 1236.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن البرقي».

ص: 181

قيل: الظاهر أنّ تعدّد الترديد من الإمام عليه السلام، فإشارة إلى تفاوت مراتب الشيعة. وقيل: بل الظاهر أنّ الترديد من الراوي.والمراد من «الأخلاق الحسنة» صاحبها.(أخذ من شيعتنا الميثاق) يعني بولايتنا كما أخذ من الجميع بالربوبيّة، وحاصل المعنى أنّ الشيعة أقرّوا بولايتنا يوم الميثاق، دون غيرهم.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا مَعْنى قَوْلِ الصَّادِقِ عليه السلام : «حَدِيثُنَا لَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَ لَا مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ»؟فَجَاءَ الْجَوَابُ : «إِنَ (2) مَعْنى قَوْلِ الصَّادِقِ عليه السلام : - أَيْ لَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ وَ لَا نَبِيٌّ وَ لَا مُؤْمِنٌ - أَنَّ الْمَلَكَ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتّى يُخْرِجَهُ إِلى مَلَكٍ غَيْرِهِ ، وَ النَّبِيُّ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتّى يُخْرِجَهُ إِلى نَبِيٍّ غَيْرِهِ ، وَ الْمُؤْمِنُ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتّى يُخْرِجَهُ إِلى مُؤْمِنٍ غَيْرِهِ ، فَهذَا مَعْنى قَوْلِ جَدِّي عليه السلام» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام.ولعلّ الباعث على السؤال المنافاة ظاهراً بين المسؤول عنه هاهنا واُخبار هذا الباب.(أنّ معنى) بكسر الهمزة، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «إنّما» مكان «إنّ».(أي) بيان ل (القول).(أنّ الملك) بفتح الهمزة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و غيره ، عن محمّد بن أحمد».
2- .في الكافي المطبوع : «إنّما».

ص: 182

قال برهان الفضلاء: وحاصل الجواب: أنّ عدم الاحتمال هنا متعلّق بترك الإظهار، وفي الأخبار السابقة بتصديق المستصعب من حديثهم عليهم السلام.أقول: ومحصول حاصل الجواب - كما بيّناه في بيان الحديث الأوّل - : أنّ عدم الاحتمال في الجميع متعلّق بأمر واحد، وهو طغيان حرارة الشوق بالاهتداء إلى ما هو الحقّ اليقين والصراط المستقيم، كالمحتاج الواجد كنزاً لا يفنى؛ على أنّه يدفع المنافاة أيضاً - كما يظهر من الخبر التالي - أنّ المراد بالعلم والسرّ هنا أجزاء الاسم الأعظم المخصوصة بهم عليهم السلام، فالمعنى لا يحتمله على فرض الاحتمال وعدم القول بالاختصاص إلّا أن يخرجه.وفي الأخبار السابقة علم اُصول التشيّع المعلوم من المعصوم حسب، من القول بوجوب وجود المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى لهذا النظام العظيم دائماً، ووجوب طاعته على من سواه، وكونه أفضلهم حسباً ونسباً، وكونه مخصوصاً بالنصّ، محصوراً عدده، معيّناً زمانه، وأمثال ذلك من اُصول التشيّع.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ وَ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا بَا مُحَمَّدٍ ،(2) إِنَّ عِنْدَنَا - وَ اللَّهِ - سِرّاً مِنْ سِرِّ اللَّهِ ، وَ عِلْماً مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ، وَ اللَّهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَ لَا مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ ، وَ اللَّهِ مَا كَلَّفَ اللَّهُ ذلِكَ أَحَداً غَيْرَنَا ، وَ لَا اسْتَعْبَدَ بِذلِكَ أَحَداً غَيْرَنَا ، وَ إِنَّ عِنْدَنَا سِرّاً مِنْ سِرِّ اللَّهِ ، وَ عِلْماً مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ، أَمَرَنَا اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ ، فَبَلَّغْنَا عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - مَا أَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُ مَوْضِعاً وَ لَا أَهْلًا وَ لَا حَمَالَةً يَحْتَمِلُونَهُ ، حَتّى خَلَقَ اللَّهُ لِذلِكَ أَقْوَاماً خُلِقُوا مِنْ طِينَةٍ خُلِقَ مِنْهَا مُحَمَّدٌ وَ آلُهُ وَ ذُرِّيَّتُهُ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مِنْ نُورٍ خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ ذُرِّيَّتَهُ ، وَ صَنَعَهُمْ بِفَضْلِ صُنْعِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين ، عن منصور بن العبّاس ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن مسكان».
2- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد».

ص: 183

رَحْمَتِهِ الَّتِي صَنَعَ مِنْهَا مُحَمَّداً وَ ذُرِّيَّتَهُ ، فَبَلَّغْنَا عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ ، فَقَبِلُوهُ وَ احْتَمَلُوا ذلِكَ ، فَبَلَغَهُمْ ذلِكَ عَنَّا ، فَقَبِلُوهُ وَ احْتَمَلُوهُ ، وَ بَلَغَهُمْ ذِكْرُنَا ، فَمَالَتْ قُلُوبُهُمْ إِلى مَعْرِفَتِنَا وَ حَدِيثِنَا ، فَلَوْ لَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ هذَا لَمَا كَانُوا كَذلِكَ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، مَا احْتَمَلُوهُ» .ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَقْوَاماً لِجَهَنَّمَ وَ النَّارِ ، فَأَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَهُمْ كَمَا بَلَّغْنَاهُمْ ، فَاشْمَأَزُّوا(1) مِنْ ذلِكَ ، وَ نَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَ رَدُّوهُ عَلَيْنَا وَ لَمْ يَحْتَمِلُوهُ ، وَ كَذَّبُوا بِهِ ، وَ قَالُوا : سَاحِرٌ كَذَّابٌ ؛ فَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ، وَ أَنْسَاهُمْ ذلِكَ ، ثُمَّ أَطْلَقَ اللَّهُ لِسَانَهُمْ بِبَعْضِ الْحَقِّ ، فَهُمْ يَنْطِقُونَ بِهِ وَ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ ؛ لِيَكُونَ ذلِكَ دَفْعاً عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَ أَهْلِ طَاعَتِهِ ؛ وَ لَوْ لَا ذلِكَ مَا عُبِدَ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ ، فَأَمَرَنَا بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَ السَّتْرِ وَ الْكِتْمَانِ ، فَاكْتُمُوا عَمَّنْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْكَفِّ عَنْهُ ، وَ اسْتُرُوا عَمَّنْ أَمَرَ اللَّهُ بِالسَّتْرِ وَ الْكِتْمَانِ عَنْهُ» .قَالَ : ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ وَ بَكى ، وَ قَالَ : «اللَّهُمَّ ، إِنَّ هؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، فَاجْعَلْ مَحْيَانَا مَحْيَاهُمْ ، وَ مَمَاتَنَا مَمَاتَهُمْ ، وَ لَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً لَكَ ؛ فَتُفْجِعَنَا بِهِمْ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أَفْجَعْتَنَا بِهِمْ لَمْ تُعْبَدْ أَبَداً فِي أَرْضِكَ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً» .

هديّة:الفاء في (فلم نجد) بيانيّة.و«الحمالة» كسحابة: الدابّة يحمّلها قوم، وما تتحمّله عن القوم من الدية والغرامة. وقرأ برهان الفضلاء بالتشديد ، قال : على صيغة المبالغة، والتأنيث باعتبار الجماعة.(ونفرت قلوبهم) عطفُ تفسيرٍ لاشمأزّوا.و«الشرذمة»: الجماعة.و«الإفجاع»: الإيجاع.قل للصوفيّ القدريّ: فهل سرّ هنا مع الإمام سوى أجزاء الاسم الأعظم الخاصّ بهم عليهم السلام والإمامة والأمر بطاعة الإمام وعلم اُصول التشيّع وخصائصه على ما مرّ آنفاً؟

.


1- .في الكافي المطبوع : «و اشمأزّوا».

ص: 184

ألم تسمع قوله عليه السلام: (واللَّه ما كلّف اللَّه ذلك أحداً غيرنا) وقوله فقرة فقرة إلى آخر الحديث، سيّما قوله عليه السلام: (ثمّ أطلق اللَّه لسانهم ببعض الحقّ)؟ أليس المراد قطعاً قول غيرالناصب من الفرق الباطلة بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله ومناقبه، كالمدّعين للتشيّع من الصوفيّة القدريّة، وهم كثير في عصرنا هذا. قال بعض المعاصرين:وهذا مثل طائفة من أهل الخلاف الناطقين ببعض الأسرار الإلهيّة، المنكرين لفضل أهل البيت، الجاهلين لعلومهم ورتبتهم، وربما يوجد فيهم من يظنّ بنفسه أنّه خيرٌ منهم وأعلم وأكمل. انتهى.(1)

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 647 ، ذيل ح 1229.

ص: 185

باب ما أمر النبيّ بالنصيحة لأئمّة المسلمين و اللزوم لجماعتهم ، و من هم؟

الباب الثالث والمائة : بَابُ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله بِالنَّصِيحَةِ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَ اللُّزُومِ لِجَمَاعَتِهِمْ ، وَ مَنْ هُمْ؟وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ البزنطي، عَنْ أَبَانِ، عَنِ ابن أبي يعفور، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَطَبَ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ، فَقَالَ : نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي ، فَوَعَاهَا وَ حَفِظَهَا ، وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ ، وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَ يَسْعى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ».وَ رَوَاهُ أَيْضاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبَانٍ ،(1) عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، مِثْلَهُ . وَ زَادَ فِيهِ «وَ هُمْ

.


1- .في الطبعة الجديدة من الكافي ، ج 2 ، ص 337 ، ح 1058 مستنداً ببعض النسخ : - «عن أبان» ، والظاهر زيادة «عن أبان» فإنّا لم نجد رواية حمّاد بن عثمان عن أبان ، - و هو ابن عثمان - في غير هذا المورد. يؤيّد ذلك أنّ الخبر رواه الصدوق في الأمالي ، ص 287 ، المجلس 56 ، ح 3 والخصال ، ص 149 ، ح 182 ، بسنديه عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللَّه بن أبي يعفور ، أضف إلى ذلك ما ورد في الأسناد من رواية حمّاد بن عثمان عن عبد اللَّه بن أبي يعفور مباشرةً ؛ وأنّ طريق الشيخ الصدوق إلى عبد اللَّه بن أبي يعفور ينتهي إلى حمّاد بن عثمان. راجع : الفقيه ، ج 4 ، ص 427 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 6 ، ص 406 و 412.

ص: 186

يَدٌ عَلى مَنْ سِوَاهُمْ» وَ ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ خَطَبَه (1) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ .

هديّة:(الخيف) بالفتح: ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سمّي «مسجد الخيف».قرئ «نصر اللَّه» من النصرة، و«نضّر اللَّه» بالمعجمة من التفعيل، والأكثر الثاني. نضر وجهه ونضر اللَّه وجهه، يتعدّى ولا يتعدّى، ونضّره تنضيراً كأنضره إنظاراً.(فربّ حامل فقه) دلالة على بطلان العمل بالرأي والقياس، وأنّ الحاكم في الناس إنّما هو العاقل عن اللَّه ومن حَكم بحُكمه.و(قلب امرى ءٍ مسلم) نصّ في كفر غير الإمامي.(لا يغلّ) على المعلوم، من الغلول أو الاغلال، والفاعل «قلب امرى ءٍ مسلم»، أي لا يخون، غلّ من المغنم غلولاً كمدّ: خان، وأغلّ إغلالاً مثله.فسّر (إخلاص العمل للَّه) بالإتيان على العمل من الفعل والترك على الوجه المأمور به، وخير العمل - كما ورد في النصّ - تولّي من افترض اللَّه طاعته بالكتاب والسنّة، والتبرّي عمّن خالفه وعدلَ عن طريقه، والنصيحة لأئمّة المسلمين بقبول وجوب طاعتهم عن اللَّه سبحانه وطلب رضاهم، واللزوم لجماعة الأئمّة بالإقرار بإمامة جميع الاثنى عشر، فإنّ دعوتهم غيرهم بالإقرار بافتراض طاعتهم عامّة كطاعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وقال برهان الفضلاء: أو المراد جماعة الشيعة.و«الذمّة» بالكسر، و«الذمام» بالفتح والتخفيف: العهد والأمان والضمان والحرمة والحقّ، وسمّي أهل الذمّة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم.قال ابن الأثير في نهايته: ومنه في الحديث: «ويسعى بذمّتهم أدناهم» إذا أعطى واحدٌ من عسكر المسلمين العدوَّ أماناً جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن

.


1- .في الكافي المطبوع : «خطب».

ص: 187

يخفروه، ولا أن ينقضوا عليه عهده.(1)و(أئمّة المسلمين): الأئمّة الاثنى عشر المعصومون.(ورواه أيضاً) كلام صاحب الكافي، يعني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حمّاد إلى آخره.(وهم يدٌ على من سواهم)، قال ابن الأثير: أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل، بل يعاون بعضهم بعضاً على جميع الأديان والملل، كأنّه جعل أيديهم يداً واحدة، وفعلهم فعلاً واحداً.(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ،(3) عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، قَالَ : قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : اذْهَبْ بِنَا إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَيْهِ ، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ رَكِبَ دَابَّتَهُ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ : يَا بَا عَبْدِ اللَّهِ (4) ، حَدِّثْنَا بِحَدِيثِ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ، قَالَ : «دَعْنِي حَتّى أَذْهَبَ فِي حَاجَتِي ؛ فَإِنِّي قَدْ رَكِبْتُ ، فَإِذَا جِئْتُ حَدَّثْتُكَ».فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا حَدَّثْتَنِي ، قَالَ : فَنَزَلَ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ : مُنَ (5) لِي بِدَوَاةٍ وَ قِرْطَاسٍ حَتّى أُثْبِتَهُ ، فَدَعَا بِهِ ، ثُمَّ قَالَ : «اكْتُبْ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، خُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ :نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ، وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَ اللُّزُومُ

.


1- .النهاية ، ج 2 ، ص 168 (ذمم).
2- .النهاية ، ج 5 ، ص 293 (يد).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحكم بن مسكين».
4- .في الكافي المطبوع : «يا أبا عبد اللَّه».
5- .في الكافي المطبوع : «مُرْ».

ص: 188

لِجَمَاعَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ ، الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَ هُمْ يَدٌ عَلى مَنْ سِوَاهُمْ ، يَسْعى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» .فَكَتَبَهُ سُفْيَانُ ، ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَيْهِ ، وَ رَكِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ جِئْتُ أَنَا وَ سُفْيَانُ .فَلَمَّا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، قَالَ لِي : كَمَا أَنْتَ حَتّى أَنْظُرَ فِي هذَا الْحَدِيثِ ، فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ وَ اللَّهِ أَلْزَمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام رَقَبَتَكَ شَيْئاً لَا يَذْهَبُ مِنْ رَقَبَتِكَ أَبَداً فَقَالَ : وَ أَيُّ شَيْ ءٍ ذلِكَ ؟ فَقُلْتُ (1) : ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : «إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ» قَدْ عَرَفْنَاهُ ، وَ «النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ» مَنْ هؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْنَا نَصِيحَتُهُمْ؟ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ، وَ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا ، وَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ ؟! وَ قَوْلُهُ : «وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ» فَأَيُّ الْجَمَاعَةِ ؟ مُرْجِئٌ يَقُولُ : مَنْ لَمْ يُصَلِّ ، وَ لَمْ يَصُمْ ، وَ لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ جَنَابَةٍ ، وَ هَدَمَ الْكَعْبَةَ ، وَ نَكَحَ أُمَّهُ ، فَهُوَ عَلى إِيمَانِ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ ، أَوْ قَدَرِيٌّ يَقُولُ : لَا يَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَ يَكُونُ مَا شَاءَ إِبْلِيسُ ، أَوْ حَرُورِيٌّ يَتَبَرَّأُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ يَشْهَدُ(2) عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ ، أَوْ جَهْمِيٌّ يَقُولُ : إِنَّمَا هِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ ، لَيْسَ الْإِيمَانُ شَيْئاً(3) غَيْرُهَا ؟!قَالَ : وَيْحَكَ ، وَ أَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُونَ ؟ فَقُلْتُ : يَقُولُونَ : إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَاللَّهِ الْإِمَامُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا نَصِيحَتُهُ ؛ وَ لُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ أَهْلُ بَيْتِهِ . قَالَ : فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَخَرَّقَهُ ، ثُمَّ قَالَ : لَا تُخْبِرْ بِهَا أَحَداً .

هديّة:«سفيان» مثلّثة السّين، و«ثور» بالفتح: أبو قبيلة من مضر، رهط. (سفيان الثوري) من مشايخ الصوفيّة القدريّة.(لمّا حدّثتني) بتشديد الميم، أي لا أسألك إلّا تحديثك.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «له».
2- .في الكافي المطبوع : «شهد».
3- .في الكافي المطبوع : «شي ء».

ص: 189

قال في القاموس:«لمّا» يكون بمعنى «لم» الجازمة و«حين» و«إلّا»، يقال: سألتك لمّا فعلت، أي لم أسألك إلّا فعلك كذا، ومنه: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ»(1)، «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ»(2)، قال: وإنكار الجوهري كونه بمعنى «إلّا» غير جيّد.(3)و«الدواة» بالفتح: ما يُكتب منه.(معاوية بن أبي سفيان) يعني هل هم أمثالهم على الإنكار؟والمرجى ء يقول: إنّ الإيمان لا يضرّ معه معصية أصلاً، وأنّه هو مجرّد التصديق بما جاء به النبيّ عليه السلام، ولذا لا تفاوت بين إيمان مثل جبرئيل وأفسق الفسّاق، إلّا أنّ قوله الأوّل - بمعنى عدم خلود المؤمن في النار - حقٌّ، بل الحقّ كما ذكر الصدوق رحمة اللَّه عليه في بيان عقائده في كتاب الاعتقادات: أنّ النار حرام على الشيعة، وإنّما عقوباتهم المكفِّرة لذنوبهم في الدنيا بأنواع الأذى والمكروهات وفي عقبات البرزخ.(4)والقدريّ يقول بالتفويض، بمعنى أنّه قد يغلب مقدرة الخلق على مقدرة اللَّه سبحانه، وبأنّ ذاتَ إبليس وذاتَ الملك والإنس وكلَّ شي ءٍ شي ءٌ واحدٌ، وإنّما الفرق بالأوصاف الاعتباريّة من الأكوان والشؤونات؛ فقيل: وجه التسمية إنكار القدر، أو قوله بثبوت الأقدار والمنازل والأشكال لذات واجب الوجود في سلسلتي بدوه وعوده. وقد مرّ أنّ الأصحّ فيه تضييقه على نفسه بالرياضات الشاقّة. وسفيان الثوري بعد الحسن البصري من سلف الصوفيّة القدريّة.و«الحروري» بالفتح وضمّ المهملة الأُولى: نسبة إلى قرية بالكوفة كانت مجتمع

.


1- .الطارق (86): 4.
2- .يس (36): 32.
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 177 (لم).
4- .لم نعثر عليه ، والموجود في مظانّه هكذا : «وأشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجام ، ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من الذنّوب التي لم تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت». الاعتقادات ، ص 58 ، باب الاعتقاد في المسألة في القبر.

ص: 190

الخوارج في بَدو النّصب، تسمّى ب «الحروراء» بالمدّ.و«الجهمي»: أصحاب جهم بن صفوان الترمذي معاصر مروان الحمار، آخر خلفاء بني اُميّة، كان يقول لرهطه: الإيمان هو مجرّد العلم بوجود الصانع، سواء كان هو الربّ أو الرسول. والجهميّة صنف من صنوف الصوفيّة وشعوبُ الكفر والضلالة كعكّاشة العنكبوت، منشعب بعضها عن بعض.في بعض النسخ : «ولزوم جماعتهم وأهل بيته» بواو العطف.و«خرّق الثوب» كنصر وضرب، وشدّد للكثرة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادٍ ،(1) عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ العجلي ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَا نَظَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - إِلى وَلِيٍّ لَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ بِالطَّاعَةِ لِإِمَامِهِ وَ النَّصِيحَةِ إِلَّا كَانَ مَعَنَا فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلى» .

هديّة:جهد دابّته كمنع، وأجهدها أيضاً: إذا حمل عليها فوق طاقتها، ونفسه: أتعبها، وفي الأمر: جَدَّ فيه وبالغ.(والنصيحة) عطفٌ على الطاعة.و(الرفيق) واحدٌ وجمعٌ كالصّديق، قال اللَّه تعالى: «وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً»(2)، و«الرفيق الأعلى»: الجنّة، و«الملأ الأعلى» مجتمع الملائكة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ،(3) عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى».
2- .النساء (4): 69.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال».

ص: 191

اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ قِيدَ شِبْرٍ ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» .

هديّة:(جماعة المسلمين) على حذف المضاف كالطريق والإمام. وفيه ردّ على اعتزال المرتاض من الصوفيّة.و«القيد» بالكسر: المقدار.

الحديث الخامس روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَ نَكَثَ صَفْقَةَ الْإِمَامِ ، جَاءَ إِلَى اللَّهِ تعالى أَجْذَمَ» .

هديّة:«النكث»: النقض، و«الصفقة»: البيعة، وصفقة العباد مع الإمام يوم الميثاق أن لا يبتدعوا ويخترعوا في الدِّين، كالعبادات العنديّة في طريقة التصوّف. و«الأجذم»: المقطوع اليد أو الذاهب الأنامل، يعني منقطعاً محروماً من التمسّك بالعروة الوثقى التي يمتنع النجاة بدون الاعتصام بكلتا اليدين بها؛ الحمد للَّه ربّ العالمين.

.

ص: 192

باب ما يجب من حقّ الإمام على الرّعيّة

الباب الرابع والمائة : بَابُ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَ حَقِّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْإِمَامِ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية أو تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(1) عَنْ الثُمَالِي ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا حَقُّ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ ؟ قَالَ : «حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَ يُطِيعُوهُ (2)» . قُلْتُ : فَمَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : «يَقْسِمَ (3) بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، وَيَعْدِلَ فِي الرَّعِيَّةِ ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ فِي النَّاسِ ، فَلَا يُبَالِي مَنْ أَخَذَ هَاهُنَا وَ هَاهُنَا» .مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام مِثْلَهُ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : «هكَذَا وَ هكَذَا وَ هكَذَا وَ هكَذَا» يَعْنِي (4) بَيْنَ يَدَيْهِ وَ خَلْفِهِ ، وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن حمّاد بن عثمان».
2- .في الكافي المطبوع : «يطيعوا».
3- .في الكافي المطبوع : «أن يقسم».
4- .في الكافي المطبوع : + «من».

ص: 193

هديّة:(عن أبي جعفر عليه السلام مثله) إلى قوله: (وعن شماله) كلام صاحب الكافي، وبهذا صارت أحاديث الباب تسعة.(ذلك) أي قيامه بالعدل، فلا يبالي الإمام من اغترار الناس بالمذاهب المختلفة؛ لعودهم بالآخرة إليه لظهور الحقّ والعدل. ومضمون الإشارة في الروايتين واحد، وسيجي ء بيان قسمة الغنائم ونحوها بالسويّة مفصّلاً إن شاء اللَّه تعالى.كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يعطي الشريف والوضيع سواء، على عدد الرؤوس، فغَيَّر بعده صلى اللَّه عليه وآله مَن غَيَّر، معلّلاً بأنّه كيف يسوّى الوضيع بالشريف، فجدّد أمير المؤمنين عليه السلام تلك السُّنّة أيضاً، وقام فيها على سيرته صلى اللَّه عليه وآله، فشنّعوا عليه، فاعتذر بأنّ الشرف إنّما هو بحسب الدِّين ، ولا شَرَفَ أعلى من الإسلام، فالشريف بحسب الدِّين، والتقوى يعطى أجره في الآخرة على حسب التقوى وسائر الأعمال الصالحة، والمحتاج في الدنيا سواء كان وضيعاً نسباً أو شريفاً محتاجٌ.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللَّه عليه : لَا تَخْتَانُوا وُلَاتَكُمْ ، وَ لَا تَغُشُّوا هُدَاتَكُمْ ،(2) وَ لَا تَصَدَّعُوا عَنْ حَبْلِكُمْ ؛ فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، وَ عَلى هذَا فَلْيَكُنْ تَأْسِيسُ أُمُورِكُمْ ، وَ الْزَمُوا هذِهِ الطَّرِيقَةَ ؛ فَإِنَّكُمْ لَوْ عَايَنْتُمْ مَا عَايَنَ مَنْ قَدْ مَاتَ مِنْكُمْ مِمَّنْ خَالَفَ مَا قَدْ تُدْعَوْنَ إِلَيْهِ ، لَبَدَرْتُمْ وَ خَرَجْتُمْ ، وَ لَسَمِعْتُمْ ، وَ لكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا ، وَ قَرِيباً مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ» .

هديّة:«غشّه» كمدّ: خانه، وهو خلاف نَصَحَه، كاستغشّه، خلاف استنصحه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى العطّار ، عن بعض أصحابنا ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة».
2- .في الكافي المطبوع : + «و لا تجهلوا أَئِمَّتَكُمْ».

ص: 194

ما صدعك عن كذا كمنع: ما صرفك، والصدع: الشقّ، والتصديع: التفريق، (لا تصدّعوا) : لا تفرّقوا، بحذف إحدى التائين، (عن حبلكم) المتين وعروتكم الوثقى. وقد «فشل» كعلم فشلاً بالتحريك: ضعف وجبن، (فتفشلوا): فتضعفوا وتكسلوا وتجبنوا، و«الفشل» كالنجم: الرجل الضعيف الجبان، والجمع: أفشال. (وتذهب ريحكم) أي قوّتكم ونصرتكم ودولتكم وحياتكم.(ما قد تدعون إليه) على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد. (لبدرتم): لأسرعتم إلى ما تدعون إليه (وخرجتم) ممّا ذهبتم اليه، أو إلى ما تدعون إليه. قال الفاضل الاسترآبادي بالأوّل،(1)وبرهان الفضلاء «إلى الجهاد»، والسيّد النائيني ميرزا رفيعا بالثاني.(2)(ولسمعتم) سماع إجابة وطاعة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ،(3) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «نُعِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله نَفْسُهُ وَ هُوَ صَحِيحٌ لَيْسَ بِهِ وَجَعٌ» قَالَ : «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ» قَالَ : «فَنَادى صلى اللَّه عليه وآله : الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، وَ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارَ بِالسِّلَاحِ ، وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله الْمِنْبَرَ ، فَنَعى إِلَيْهِمْ نَفْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أُذَكِّرُ اللَّهَ الْوَالِيَ مِنْ بَعْدِي عَلى أُمَّتِي إِلَّا تَرَحَّمَ (4) عَلى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَجَلَّ كَبِيرَهُمْ ، وَرَحِمَ ضَعِيفَهُمْ ، وَ وَقَّرَ عَالِمَهُمْ ، وَ لَمْ يُضِرَّ بِهِمْ ؛ فَيُذِلَّهُمْ ، وَ لَمْ يُفْقِرْهُمْ ؛ فَيُكْفِرَهُمْ ، وَ لَمْ يُغْلِقْ بَابَهُ دُونَهُمْ ؛ فَيَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ ، وَلَمْ يَخْبِزْهُمْ فِي بُعُوثِهِمْ ؛ فَيَقْطَعَ نَسْلَ أُمَّتِي ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ بَلَّغْتُ وَ نَصَحْتُ ، فَاشْهَدُوا».وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «هذَا آخِرُ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى مِنْبَرِهِ» .

.


1- .لم نعثر عليه.
2- .لم نعثر عليه فيما هو المطبوع منه ، وهو إلى صفحة 218 من المجلّد الأول من الكافي من الطبعة القديمة.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عبد الرحمن بن حمّار و غيره ، عن حنان بن سدير الصيرفي».
4- .في الكافي المطبوع : «يرحم».

ص: 195

هديّة:(الصلاة جامعة) نصب على الإغراء، أي الزموا الصلاة.قيل: لعلّ الأمر بالسلاح تمهيد لتجهيز جيش اُسامة.(اذكّر اللَّه) من التذكير، أي استحلفه به تعالى.(إلّا ترحّم) استثناء من مقدّر، فعلى المثبت مثل: اذكّره في كلّ ما يصنع أنّ الأمر إليه إلّا في الترحّم كذا، فإنّه لا يجوز له تركه، وعلى المنفي مثل: ولا اذكّره إلّا فيما أذكره.«أفقره»: جعله فقيراً بترك الإعطاء، ونسخة: «ولم يفرّقهم» من التفريق، كما ترى.(فيكفرهم) على الإفعال، وقد قال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «كاد الفقر أن يكون كفراً».(1)«خبزه» بالمعجمة والمفردة والزّاي كضرب: ساقه سوقاً شديداً. (في بعوثهم) يعني في إفراط البعث إلى الجهاد وقرئ «يجبرهم» بالجيم من الإجبار. وقرأ برهان الفضلاء: «ولم يجتزّهم» من الاجتزاز بالجيم والمعجمتين، بمعنى القطع من الأصل، قال: أي لم يستأصلهم بسبب كثرة بعوثهم إلى الجهاد. الجوهري : «البعوث»: جمع البعث، والبعوث: الجيوش.(2)

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(3) عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : جَاءَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَسَلٌ وَ تِينٌ مِنْ هَمْذَانَ وَ حُلْوَانَ ، فَأَمَرَ الْعُرَفَاءَ أَنْ يَأْتُوا بِالْيَتَامى ، فَأَمْكَنَهُمْ مِنْ رُؤُوسِ الْأَزْقَاقِ يَلْعَقُونَهَا وَ هُوَ يَقْسِمُهَا لِلنَّاسِ قَدَحاً قَدَحاً ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا لَهُمْ يَلْعَقُونَهَا ؟ فَقَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ أَبُو الْيَتَامى ، وَ إِنَّمَا أَلْعَقْتُهُمْ

.


1- .الكافي ، ج 2 ، ص 307 ، باب الحسد ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 3 ، ص 748 ، ح 2549 ؛ الخصال ، ص 11 ، ح 40 ؛ الأمالي للصدوق ، ص 295 ، المجلس 49 ، ح 6 ؛ مسند الشهاب ، ج 1 ، ص 342 ، ح 586 ؛ الجامع الصغير للسيوطي ، ج 2 ، ص 266 ، ح 6199 ؛ تفسير الرازي ، ج 16 ، ص 108.
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 274 (بعث).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن عليّ و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم».

ص: 196

هذَا بِرِعَايَةِ الْآبَاءِ» .

هديّة:(همذان) هنا بالمعجمة وفتح الميم: بلد معروف. (وحلوان) بالضمّ وسكون اللام: موضع من بلاد الكرد.و«الزقّ» بالكسر والتشديد: السقاء بالكسر والمدّ، وجمع القلّة: أزقاق، والكثير: زقاق ككتاب وغراب، «لعقه» كعلم: لحسه، لحس القصعة كعلم أيضاً.و«العريف» على فعيل: رئيس المحلّة.(برعاية الآباء) قيل: يعني نيابةً عنهم، وقيل: يعني بطريق رعايتهم أطفالهم ، وقرأ برهان الفضلاء : «الاباء» بالكسر والمدّ ،(1) مصدر أو اسم المصدر ، قال في شرحه بالفارسيّة : «يعني پدري».

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ الْمِنْقَرِيِّ ،(2)عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : أَنَا أَوْلى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ، وَ عَلِيٌّ أَوْلى بِهِ مِنْ بَعْدِي».فَقِيلَ لَهُ : مَا مَعْنى ذلِكَ ؟ فَقَالَ : «قَوْلُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً ، فَعَلَيَّ ؛ وَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ، فَالرَّجُلُ لَيْسَتْ لَهُ عَلى نَفْسِهِ وِلَايَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، وَ لَيْسَ لَهُ عَلى عِيَالِهِ أَمْرٌ وَ لَا نَهْيٌ إِذَا لَمْ يُجْرِ عَلَيْهِمُ النَّفَقَةَ ، وَ النَّبِيُّ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ بَعْدَهُمَا عليهما السلام أَلْزَمَهُمْ هذَا ، فَمِنْ هُنَاكَ صَارُوا أَوْلى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَ مَا كَانَ سَبَبُ إِسْلَامِ عَامَّةِ الْيَهُودِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ هذَا الْقَوْلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَإِنَّهُمْ (3) أَمِنُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ عَلى عِيَالَاتِهِمْ» .

.


1- .الصحيح أن يكون «الأباء» بالفتح والمدّ ، قال المجلسي : «و ربّما يقرأ «الأباء» بالفتح والمدّ : الأبوّة ، وفي القاموس : «الأبا» لغة في الأب». مرآة العقول ، ج 4 ، ص 340.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً، عن القاسم بن محمّد الأصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقريّ».
3- .في الكافي المطبوع : «و إنّهم».

ص: 197

هديّة:«الضياع» بالفتح: العِيال بالكسر، وبالكسر: جمع الضايع، و«الضيعة» بالفتح، يعني المزرعة.قال سيبويه: «الولاية» بالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم،(1) وقال غيره: مصدر بهما.(ألزمهم هذا) أي ألزمهم اللَّه هذا، أو ألزم كلّ واحدٍ منهم على أنفسهم هذا، على الحذف والإيصال. وقال برهان الفضلاء: «ألزمهم» على الماضي المعلوم من باب الإفعال، والمستتر لكلّ واحد من «النبيّ» و«أمير المؤمنين» و«من بعدهما عليهم السلام»، والبارز للمؤمنين الذين عبارة عن مجموع الرجل والعيال أو للخلائق.(أمنوا) على المعلوم من باب علم.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ ،(2) عَنْ صَبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَوْ مُسْلِمٍ مَاتَ وَ تَرَكَ دَيْناً لَمْ يَكُنْ فِي فَسَادٍ وَ لَا إِسْرَافٍ ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ ، فَعَلَيْهِ إِثْمُ ذلِكَ ؛ إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - يَقُولُ : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ» الْآيَةَ ، فَهُوَ مِنَ الْغَارِمِينَ ، وَ لَهُ سَهْمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ ، فَإِنْ حَبَسَهُ فَإِثْمُهُ عَلَيْهِ» .

هديّة:(فإن لم يقضه) بيانٌ للوجوب، وكذا (فإن حبسه).الآية في سورة التوبة،(3)(الآية) يعني إلى آخرها، قال برهان الفضلاء: نصب بتقدير «أعني».

.


1- .نقل عنه الجوهري في الصحاح ، ج 6 ، ص 2530 (ولي).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان».
3- .التوبة (9) : 60.

ص: 198

في بعض النسخ : «فهو إثم عليه» مكان (فإثمه عليه).

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانٍ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : لَا تَصْلُحُ الْإِمَامَةُ إِلَّا لِرَجُلٍ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ : وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ ، وَ حِلْمٌ يَمْلِكُ بِهِ غَضَبَهُ ، وَ حُسْنُ الْوِلَايَةِ عَلى مَنْ يَلِي، حَتّى يَكُونَ لَهُمْ كَالْوَالِدِ الرَّحِيمِ» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى : «حَتّى يَكُونَ لِلرَّعِيَّةِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ» .

هديّة:«حجزه» كنصر: منعه.«ولي عليه» كعلم: صار والياً عليه.(وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ،(2) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ طَبَرِسْتَانَ - يُقَالُ لَهُ : مُحَمَّدٌ - قَالَ : قَالَ مُعَاوِيَةُ : وَ لَقِيتُ الطَّبَرِيَّ مُحَمَّداً بَعْدَ ذلِكَ ، فَأَخْبَرَنِي ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسى عليهما السلام يَقُولُ : «الْمُغْرَمُ إِذَا تَدَيَّنَ أَوِ اسْتَدَانَ فِي حَقٍّ - الْوَهْمُ مِنْ مُعَاوِيَةَ - أُجِّلَ سَنَةً ، فَإِنِ اتَّسَعَ ، وَ إِلَّا قَضى عَنْهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ» .

هديّة:(المغرم) كمفلس: مَن عليه الدَّيْن.(تديّن) على المعلوم من التَفعّل، أي استقرض وصار عليه دين كاستدان، ويجي ء تديّن من الديانة أيضاً، فهو متديّن ذو ديانة. والحديث بيان لمثل الحديث الخامس.و(الوهم) هنا بمعنى الشكّ، والبيان من ثقة الإسلام أو سهل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن حنان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد».

ص: 199

باب أنّ الأرض كلّها للإمام

الباب الخامس والمائة : بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْإِمَامِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ،(1) عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام : «إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» أَنَا وَ أَهْلُ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا اللَّهُ الْأَرْضَ ، وَ نَحْنُ الْمُتَّقُونَ ، وَ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا ، فَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَلْيَعْمُرْهَا وَ لْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، وَ لَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا ؛ فَإِنْ تَرَكَهَا أَوْ أَخْرَبَهَا وَ أَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا ، يُؤَدِّي خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، وَ لَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا حَتّى يَظْهَرَ الْقَائِمُ عليه السلام مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِالسَّيْفِ ، فَيَحْوِيَهَا وَ يَمْنَعَهَا وَ يُخْرِجَهُمْ مِنْهَا ، كَمَا حَوَاهَا رَسُولُ اللَّهِ وَ مَنَعَهَا ، إِلَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا ؛ فَإِنَّهُ يُقَاطِعُهُمْ عَلى مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَ يَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ» .

هديّة:(كتاب عليّ عليه السلام) عبارة عن الجامعة، وقد مرّ ذكرها في الباب الأربعين.(2) والآية في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم».
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 238 ، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام.

ص: 200

سورة الأعراف.(1)و«الخراج» كسحاب وغراب: ما يأخذ السلطان من مال الأرض ومنالها وجزية أهل الذمّة ونحو ذلك.و«المقاطعة» من أقطعته قطيعة على كذا، أي طائفة من أرض الخراج.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(2) عَمَّنْ رَوَاهُ ، قَالَ: «الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا لِلَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - وَ لِرَسُولِهِ وَ لَنَا ، فَمَنْ غَلَبَ عَلى شَيْ ءٍ مِنْهَا ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ ، وَ لْيُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى ، وَ لْيَبَرَّ إِخْوَانَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلِكَ ، فَاللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ نَحْنُ بُرَآءُ مِنْهُ» .

هديّة:(عمّن رواه) أي عن الإمام الذي قال.(وليؤدّ حقّ اللَّه) إشارةٌ إلى الخمس ونحوه.(وليبرّ) من باب عضّ إلى الزكاة ونحوها.(فإن لم يفعل ذلك) أي إنكاراً أو إقراراً من دون أن يتوب.يُقال: «أنا براء منه» بالفتح والمدّ، و«نحن براء منه» أيضاً لا يثنّى ولا يجمع؛ لأنّه مصدر في الأصل، فإذا قلت: «أنا بري ء منه» على فعيل، ثنّيت وجمعت وأنّثت، وقلت في الجمع: نحن منه براء، كفقيه وفقهاء، و«براء» أيضاً مثل كريم وكرام، و«أبراء» كشريف وأشراف، و«أبرياء» كنصيب وأنصباء، وبريئون وهي بريئة، وهما بريئان وبريئتان، وهنّ بريئات وبرايا، ويُقال: رجلٌ برئ وبراء، كعجيب وعجاب.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ ،(3) قَالَ : رَأَيْتُ مِسْمَعاً بِالْمَدِينَةِ - وَ قَدْ كَانَ حَمَلَ

.


1- .الأعراف (7) : 128.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، قال: أخبرني أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد».

ص: 201

إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام تِلْكَ السَّنَةَ مَالًا ، فَرَدَّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - فَقُلْتُ لَهُ : لِمَ رَدَّ عَلَيْكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام الْمَالَ الَّذِي حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ ؟قَالَ : فَقَالَ لِي : إِنِّي قُلْتُ لَهُ - حِينَ حَمَلْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ - : إِنِّي كُنْتُ وُلِّيتُ الْبَحْرَيْنَ الْغَوْصَ ، فَأَصَبْتُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَ قَدْ جِئْتُكَ بِخُمُسِهَا بِثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَحْبِسَهَا عَنْكَ ، وَ أَنْ أَعْرِضَ لَهَا وَ هِيَ حَقُّكَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فِي أَمْوَالِنَا .فَقَالَ : «أَ وَ مَا لَنَا مِنَ الْأَرْضِ وَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا الْخُمُسُ ؟ يَا بَا سَيَّارٍ ، إِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَنَا ؛ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ لَنَا».فَقُلْتُ لَهُ : وَ أَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ الْمَالَ كُلَّهُ ، فَقَالَ : «يَا بَا سَيَّارٍ ، قَدْ طَيَّبْنَاهُ لَكَ ، وَ أَحْلَلْنَاكَ مِنْهُ ، فَضُمَّ إِلَيْكَ مَالَكَ ، وَ كُلُّ مَا فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا مِنَ الْأَرْضِ فَهُمْ فِيهِ مُحَلَّلُونَ حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا عليه السلام ، فَيُحِبِّيَهُمْ (1) طَسْقَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَ يَتْرُكَ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَ أَمَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي غَيْرِهِمْ ، فَإِنَّ كَسْبَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا ، فَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مِنْ أَيْدِيهِمْ ، وَ يُخْرِجَهُمْ صَغَرَةً».قَالَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ : فَقَالَ لِي أَبُو سَيَّارٍ : مَا أَرى أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الضِّيَاعِ وَ لَا مِمَّنْ يَلِي الْأَعْمَالَ يَأْكُلُ حَلَالًا غَيْرِي إِلَّا مَنْ طَيَّبُوا لَهُ ذلِكَ .

هديّة:(عمر بن يزيد) أبو الأسود بيّاع السابري، مولى ثقيف، كوفيّ ثقة جليل، أحد من كان يَفِد في كلّ سنة، وأثنى عليه الصادق عليه السلام شفاهاً.(2)و«مسمع» كمنبر: ابن مالك، وقيل: ابن عبد الملك أبو سيّار، الملقّب بكردين - بكسر الكاف وسكون الراء - شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها، روى عن الباقر عليه السلام رواية يسيرة وعن الصادق عليه السلام وأكثر واختصّ به.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فيَجْبِيهم».
2- .راجع : الخلاصة ، ص 119.

ص: 202

(وإن أعرض لها) من باب علم وضرب، أي أتعرّض، يُقال: عرض له ، أي أخذ عليه طريقه.(فيحبّيهم) من الحبوة: العطاء من غير عوض، من الإفعال أو التفعيل، والثاني أكثر. و«الحبوة» مثلّثة الحاء.و«الطّسق» بالفتح: اُجرة أرض الخراج.(إلّا من طيّبوا له ذلك) يعني الفرقة الإماميّة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَ مَا عَلَى الْإِمَامِ زَكَاةٌ ؟ فَقَالَ : «أَحَلْتَ يَا بَا مُحَمَّدٍ ،(2) أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ لِلْإِمَامِ يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ ، وَ يَدْفَعُهَا إِلى مَنْ يَشَاءُ ، جَائِزٌ لَهُ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى . إِنَّ الْإِمَامَ يَا بَا مُحَمَّدٍ ، لَا يَبِيتُ لَيْلَةً أَبَداً وَ لِلَّهِ فِي عُنُقِهِ حَقٌّ يَسْأَلُهُ عَنْهُ» .

هديّة:سيجي ء إن شاء اللَّه تعالى في الحديث الرابع في الباب الثامن والعشرين والمائة أنّه ليس على مال الإمام خمس وزكاة؛(3) لأنّ جميع المستحقّين عياله تجب نفقتهم عليه، وأنّ الفاضل من الخمس والزكاة له والنقصان عليه، فلا يبقى مستحقّ بلا قوت السنة على ما شرع اللَّه عزّ وجلّ.(أحلت): أتيت بأمرٍ محال.(أبداً) يعني قطّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن أبي عبد اللَّه الرازي ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد» في الموردين.
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 538 ، باب الفي ء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده و ما يجب فيه ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 2 ، ص 714.

ص: 203

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ مُصْعَبٍ ،(1)عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، أَوِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا لَكُمْ مِنْ هذِهِ الْأَرْضِ ؟ فَتَبَسَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - بَعَثَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرِقَ بِإِبْهَامِهِ ثَمَانِيَةَ أَنْهَارٍ فِي الْأَرْضِ : مِنْهَا سَيْحَانُ ، وَ جَيْحَانُ - وَ هُوَ نَهَرُ بَلْخَ - وَ الْخشوع - وَ هُوَ نَهَرُ الشَّاشِ - وَ مِهْرَانُ - وَ هُوَ نَهَرُ الْهِنْدِ - وَ نِيلُ مِصْرَ ، وَ دِجْلَةُ ، وَ الْفُرَاتُ ، فَمَا سَقَتْ أَوِ اسْتَقَتْ فَهُوَ لَنَا ، وَ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِشِيعَتِنَا ، وَ لَيْسَ لِعَدُوِّنَا مِنْهُ شَيْ ءٌ إِلَّا مَا غَصَبَ عَلَيْهِ ، وَ إِنَّ وَلِيَّنَا لَفِي أَوْسَعَ مَا(2) بَيْنَ ذِهْ إِلى ذِهْ» يَعْنِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : ««قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَياةِ الدُّنْيا» الْمَغْصُوبِينَ عَلَيْهَا «خالِصَةً» لَهُمْ «يَوْمَ الْقِيامَةِ»: بِلَا غَصْبٍ» .

هديّة:(فتبسّم) لإتيانه في السؤال بكلمة التبعيض.وذكر الثمانية للاكتفاء بما هو العمدة من المياه على وجه الأرض، وكذا ذكر السبعة من الثمانية كما اكتفى في الحديث الثامن بذكر الخمسة، والمراد جميع المياه حتّى الأمطار والآبار وجميع الأرض وما يخرج منها.و(سيحان): نهر في بلاد المغرب، كجيحان في بلاد المشرق. وقال برهان الفضلاء: ويمكن أن يكون «سيحان» تثنية السيح بالفتح، وهو الماء الجاري على وجه الأرض، واسم لثلاثة أنهار باليمامة يصير اثنان منها واحداً، فالمعدود ثمانية.وقيل : (جيحان) معرّب «جهان».و(الخشوع) على فعول: مبالغة في الخاشع.و(الشاش) بالمعجمتين كعاج: بلد من بلاد الروس، يُنسب إليه القوس الشاشي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عبد اللَّه بن أحمد ، عن عليّ بن النعمان ، عن صالح بن حمزة ، عن أبان بن مصعب».
2- .في الكافي المطبوع : «فيما».

ص: 204

معرّب «چاچي». ولعلّ نهر الشاش هو المشهور في العجم «باتل» بالمثنّاة من فوق على وزن ساحل في الإقليم السابع. و(مهران) بكسر الميم: هو المشتهر في الهند ب «كنك» يتيمّن به الهنود.(فما سقت) للبيان، يعني فما سقت تلك الأنهار، أي بنفسها بلا تعمّل، (أو استقت) أي بتعمّل.قال برهان الفضلاء: الاستثناء في «إلّا ما غصب» منقطع، فمن قبيل ما أحسن زيد إلّا ما أساء، لا من قبيل ما جاء القوم إلّا حماراً. (غصب) على المعلوم من باب ضرب، والمفعول محذوف، والتقدير: إلّا ما غصب شيعتنا عليه.والإضافة في (أوسع ما بين) كما في زيد أفضل البلد، أو كما في زيد أفضل الناس، و(ذه) بكسرتين بإشباع الثانية، من أسماء الإشارة للتأنيث.والآية في سورة الأعراف.(1)وذكر (المغصوبين عليها) على الوصف للمؤمنين.و(لهم) و(بلا غصب) للتفسير.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّيَّانِ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رُوِيَ لَنَا أَنْ لَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا الْخُمُسُ ؟ فَجَاءَ الْجَوَابُ : «إِنَّ الدُّنْيَا وَ مَا عَلَيْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام. والمراد أنّ الدنيا وما فيها ميراث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ووصيّه، وورثتهما ذرّيتهما المعصومون.

.


1- .الأعراف (7) : 32.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى».

ص: 205

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ ، وَ أَقْطَعَهُ الدُّنْيَا قَطِيعَةً ، فَمَا كَانَ لآِدَمَ عليه السلام ، فَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَهُوَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام».

هديّة:الظاهر أنّ (فما كان) إلى آخر الحديث كلامُ الباقر عليه السلام .

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ،(2) عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام كَرى بِرِجْلِهِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ - وَ لِسَانُ الْمَاءِ يَتْبَعُهُ - : الْفُرَاتَ ، وَ دِجْلَةَ ، وَ نِيلَ مِصْرَ ، وَ مِهْرَانَ ، وَ نَهَرَ بَلْخَ ، فَمَا سَقَتْ أَوْ سُقِيَ مِنْهَا فَلِلْإِمَامِ ، وَ الْبَحْرُ الْمُطِيفُ بِالدُّنْيَا» .

هديّة:(كرى) على المعلوم كعلم: حفر وأحدث.(والبحر المطيف بالدنيا) يعني بل المحيط بها بالمحاط به للإمام.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنِ السَّرِيِّ بْنِ الرَّبِيعِ ،(3) قَالَ : لَمْ يَكُنِ ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ يَعْدِلُ بِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ شَيْئاً ، وَ كَانَ لَا يُغِبُّ إِتْيَانَهُ ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهُ وَ خَالَفَهُ ، وَ كَانَ سَبَبُ ذلِكَ أَنَّ أَبَا مَالِكَ الْحَضْرَمِيَّ كَانَ أَحَدَ رِجَالِ هِشَامٍ (4) وَقَعَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ مُلَاحَاةٌ فِي شَيْ ءٍ مِنَ الْإِمَامَةِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ : الدُّنْيَا كُلُّهَا لِلْإِمَامِ عَلى جِهَةِ الْمِلْكِ ، وَ إِنَّهُ أَوْلى بِهَا مِنَ الَّذِينَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد رفعه عن عمرو بن شمر».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن أبي عمير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن السريّ بن الربيع».
4- .في الكافي المطبوع : + «و».

ص: 206

هِيَ فِي أَيْدِيهِمْ . وَ قَالَ أَبُو مَالِكٍ : كَذلِكَ أَمْلَاكُ النَّاسِ لَهُمْ إِلَّا مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ لِلْإِمَامِ مِنَ الْفَيْ ءِ وَ الْخُمُسِ وَ الْمَغْنَمِ ، فَذلِكَ لَهُ ، وَ ذلِكَ أَيْضاً قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لِلْإِمَامِ أَيْنَ يَضَعُهُ ، وَ كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ ، فَتَرَاضَيَا بِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، وَ صَارَا إِلَيْهِ ، فَحَكَمَ هِشَامٌ لِأَبِي مَالِكٍ عَلَى ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، فَغَضِبَ ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ ، وَ هَجَرَ هِشَاماً بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(السريّ) كالسخيّ لفظاً ومعنى.(بهشام بن الحكم) أي بصحبته. «غبّه» كمدّ، و«أغبّه» بمعنى، يعني لم يكن أن يأتيه يوماً ويوماً لا، بل كان يأتيه كلّ يوم.و«الملاحاة» بالمهملة: المنازعة.و(الملك) مثلّثة الميم: المالكيّة، وبكسرها: ما للمالك أيضاً، وبضمّها: السلطنة أيضاً.(كذاك) مفعول (قال)، والمشار إليه ما ذكر بعد.والمراد ب (الفي ء) هنا ما عاد إلى الإمام ممّا في أيدي الكفّار بلا خيل ولا ركاب. قال برهان الفضلاء: والمراد بالخمس كلّه، وإشارة إلى أنّ عدم تكرار اللام في (واليتامى والمساكين وابن السبيل) في آية الخمس للإشعار بأنّهم ليسوا مستحقّين لبعض الخمس أيضاً على الاشتراك، بل على الإمام أن يجري عليهم نفقتهم من ماله، ولذا لو لم يَفِ نصف الخمس لقوت سنتهم، فعلى الإمام إنفاقهم تماماً من ماله، ولو فضل فالفاضل للإمام. (لهم) أي للناس.قال: والمراد ب (المغنم) هنا الأنفال إلّا ما حكم اللَّه به للإمام كالفي ء في آية سورة الحشر: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ»(1)، والخمس في آية سورة الأنفال: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ ِ

.


1- .الحشر (59): 7.

ص: 207

خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»(1)، والأنفال في آية: «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للَّهِ ِ وَالرَّسُولِ»(2).ولعلّ ابن أبي عمير غضب ظنّاً منه أنّ هشاماً حكم عمداً لرجل من رجاله، وظنُّه لا يقدح في عدالة هشام لسهوه.

.


1- .الأنفال (8): 41.
2- .الأنفال (8): 1.

ص: 208

باب سيرة الإمام في نفسه و في المطعم و الملبس إذا ولي الأمر

الباب السادس والمائة : بَابُ سِيرَةِ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ وَ فِي الْمَطْعَمِ وَ الْمَلْبَسِ إِذَا وَلِيَ الْأَمْرَوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ حَمَّادٍ(1) ، عَنْ حُمَيْدٍ وَ جَابِرٍ الْعَبْدِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي إِمَاماً لِخَلْقِهِ ، فَفَوَّضَ (2) عَلَيَّ التَّقْدِيرَ فِي نَفْسِي وَ مَطْعَمِي وَ مَشْرَبِي وَ مَلْبَسِي كَضُعَفَاءِ النَّاسِ ؛ كَيْ يَقْتَدِيَ الْفَقِيرُ بِفَقْرِي ، وَ لَا يُطْغِيَ الْغَنِيَّ غِنَاهُ» .

هديّة:(ففوّض عليّ) يعني فأذِنَ لي بقرينة (كضعفاء الناس)، وتناسب أجزاء الكلام سياقاً، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ففرض» من الفرض بمعنى الوجوب.و(التقدير) هنا لعلّه بمعنى التضيّق من القدر بمعنى الضيق؛ قال اللَّه تعالى: «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(3)، يعني في نفسي بالتّعب، أو في سلوك نفسي مع رعيّتي، وفي مطعمي ومشربي وملبسي بالتقليل والتخفيف، أو بمعنى التدبير في قدر السلوك والمذكورات، والجواب جواب عن إيراد الصوفيّة القدريّة على الإماميّة في حال أمير المؤمنين عليه السلام مع الغفلة عن الكتاب والسنّة وحال سائر الأئمّة بعد أمير المؤمنين عليه السلام في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب، عن حمّاد».
2- .في الكافي المطبوع : «ففرض».
3- .الرعد (13): 26.

ص: 209

المذكورات، وعدّهم الفقر في جنود الكفر، والفرق بين الفقر المأذون فيه وغير المأذون فيه؛ قال اللَّه تعالى في سورة الأعراف: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ»(1) الآية.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (2) ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَوْماً : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، ذَكَرْتُ آلَ فُلَانٍ وَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ هذَا إِلَيْكُمْ لَعِشْنَا مَعَكُمْ .فَقَالَ : «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا مُعَلّى ، أَمَا وَ اللَّهِ أَنْ لَوْ كَانَ ذَاكَ ، مَا كَانَ إِلَّا سِيَاسَةَ اللَّيْلِ ، وَ سِيَاحَةَ النَّهَارِ ، وَ لُبْسَ الْخَشِنِ ، وَ أَكْلَ الْجَشِبِ ، فَزُوِيَ ذلِكَ عَنَّا ، فَهَلْ رَأَيْتَ ظُلَامَةً قَطُّ صَيَّرَهَا اللَّهُ نِعْمَةً إِلَّا هذِهِ؟» .

هديّة:(آل فلان) يعني بني العبّاس.(هذا) أي الأمر.و«أن» في (أن لو كان) بفتح الهمزة وسكون النون زائدة لربط جواب القسم بالقسم.و(الجشب) بالجيم والمعجمة كصعق: الغليظ أو بلا أدام، يعني على سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في أيّام ظهور سلطنته للباعث السابق في السابق، لا على قصد الرياضة والرهبانيّة لتكميل النفس واتّصالها إلى المبادي العالية وانعكاس العلوم عنها فيها، كما هو دأب الصوفي والجوكي، وتمثيل الصوفيّ في كشف الجوكي بأنّه انعكاس في الماء النجس من أمثال الشيطان لابتنائه على المزج بين عقايد الفلاسفة والاعتقادات الحقّة ولاستلزامه وصول الجوكي بنجاسته إلى مرتبة المعراج وكشف خصوصيّات المعراج وحالاتها له.(فزوى) على المجهول، أي منع.

.


1- .الأعراف (7): 32.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 210

و«الظلامة» بالضمّ وتخفيف اللام: ما تطلبه عند الظالم، وهو اسم ما أخذ منك كالظليمة على فعيلة، والمظلمة بالميم المفتوحة وكسر اللام.قيل : «فهل رأيت» تعجّبٌ منه عليه السلام في صيرورة الظلم عليهم نعمة لهم. وقال برهان الفضلاء: يعني فهل رأيت ظلماً على المظلوم صيّره اللَّه نعمة عليه إلّا ظلم أعدائنا علينا، قال: بمعنى أنّ نعمتنا هذه أفضل نِعَم جميع الخلق.أقول: ولعلّ المعنى إلّا نِعَم أعدائنا التي هي حقّنا.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ ؛(1) وَالعِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ ، وَ غَيْرِهِمَا، بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ : فِي احْتِجَاجِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلى عَاصِمِ بْنِ زِيَادٍ حِينَ لَبِسَ الْعَبَاءَ ، وَ تَرَكَ الْمُلَاءَ ، وَ شَكَاهُ أَخُوهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَدْ غَمَّ أَهْلَهُ ، وَ أَحْزَنَ وُلْدَهُ بِذلِكَ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «عَلَيَّ بِعَاصِمِ بْنِ زِيَادٍ». فَجِي ءَ بِهِ ، فَلَمَّا رَآهُ عَبَسَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ لَهُ : «أَ مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ أَهْلِكَ ؟ أَ مَا رَحِمْتَ وُلْدَكَ ؟ أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَ هُوَ يَكْرَهُ أَخْذَكَ مِنْهَا ؟ أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذلِكَ ، أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ : «وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ * فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ» ؟ أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ» إِلى قَوْلِهِ «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ» ؟ فَبِاللَّهِ ، لَابْتِذَالُ نِعَمِ اللَّهِ بِالْفَعَالِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنِ ابْتِذَالِهَا بِالْمَقَالِ ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»».فَقَالَ عَاصِمٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَعَلى مَا اقْتَصَرْتَ فِي مَطْعَمِكَ عَلَى الْجُشُوبَةِ ، وَ فِي مَلْبَسِكَ عَلَى الْخُشُونَةِ ؟ فَقَالَ : «وَيْحَكَ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ». فَأَلْقى عَاصِمُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبَاءَ ، وَ لَبِسَ الْمُلَاءَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد».

ص: 211

هديّة:(وغيرهما) بالجرّ، عطفٌ على كلّ واحد من (صالح) و(أحمد). والضمير لهما.(حين) ظرف للاحتجاج مضاف إلى جملة (لبس) إلى (ولدك). ومضمون الاحتجاج قوله عليه السلام: (أترى اللَّه) إلى آخره، وإشارة إلى الآيات، منها: قوله تعالى في المائدة: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ»(1)، وقوله عزّ وجلّ في الأعراف: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ»(2) الآية.و(الملاء) بالضمّ والمدّ والتخفيف: جمع ملاءة كذلك بعلامة الوحدة: الناعم الليّن من الأثواب.«عليَّ به» من أسماء الأفعال، يعني جي ء أو جيئوا به.(يلتقيان) فسّر بشطّ العرب وعمان.(لا يبغيان) أي لا يغلب أحدهما على الآخر.(فباللَّه) قرئ بباء القسم. وقرأ برهان الفضلاء بحرف النداء، يعني فيا قوم تفكّروا أو افهموا للَّه سبحانه.و«ابتذال النعم بالفعال»: صرفها في مصارفها متوسّعاً، و«بالمقال»: إظهار الغنى بها باللسان، وهو شكرها. وقال برهان الفضلاء: و«ابتذالها بالمقال» عبارة عن مذمّتها ومنع الناس منها.«فعلى ما» و«فعلى م» بمعنى.(يقدّروا أنفسهم): يقيسوها، أو المعنى أن يضيّقوا على أنفسهم في المطعم والملبس بحسب حال ضعفة الناس.و«التبيّغ» بالمفردة والغين المعجمة: الهيجان والغلبة وشدّة الهلاك والباء للتعدية، أي كيلا يهلك الفقر الفقير.

.


1- .المائدة (5): 4.
2- .الأعراف (7): 32.

ص: 212

أيّها الصوفيّ المدّعي للتشيّع مع الارتياض الممنوع شرعاً مَن ترك أكل اللحم عمداً ولبس الدكن البالي من الثياب قصداً، اسمع هذا الحديث وتدبّر يرشدك إلى أنّ التصوّف لا يجتمع مع التشيّع قطّ، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام كما سيذكر في كتاب المعيشة - في حديث منع الصادق عليه السلام سفيان الثوري من طريقته، وهو من سلف مشايخ الصوفيّة القدريّة: «إنّما الزهد هو الاجتناب عن الحرام دون الحلال».(1) وفي الحديث عنهم عليهم السلام: «من لم يأكل اللحم عمداً ثلاثة أيّام فإيمانه ضعيف، فإذا مضى كذلك أربعين يوماً فأذّنوا في اُذنه»،(2)يعني ليخرج عن جسده ويفرّ الشيطان النافذ فيه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَزَّازِ ،(3) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، قَالَ : حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، ذَكَرْتَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - كَانَ يَلْبَسُ الْخَشِنَ ، يَلْبَسُ الْقَمِيصَ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَ مَا أَشْبَهَ ذلِكَ ، وَ نَرى عَلَيْكَ اللِّبَاسَ الْجَدِيدَ .فَقَالَ لَهُ : «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ يَلْبَسُ ذلِكَ فِي زَمَانٍ لَا يُنْكَرُ(4) عليه السلام ، وَ لَوْ لَبِسَ مِثْلَ ذلِكَ الْيَوْمَ شُهِرَ بِهِ ، فَخَيْرُ لِبَاسِ كُلِّ زَمَانٍ لِبَاسُ أَهْلِهِ، غَيْرَ أَنَّ قَائِمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ عليهم السلام إِذَا قَامَ ، لَبِسَ ثِيَابَ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ سَارَ بِسِيرَةِ عَلِيٍّ عليه السلام» .

.


1- .إنّ حديث سفيان الثوري ذكر في الكافي ، ج 5 ، ص 65 ، باب دخول الصوفيّة على أبي عبد اللَّه عليه السلام واحتجاجهم عليه فيما ينهون الناس عنه من طلب الرزق ، ح 1 ، ولكن هذه العبارة أو قريب منها ليست موجودة فيه ، بل لم نعثر عليه أيضاً في مظانّه من سائر كتب الحديث وما وجدنا عليه عن أمير المؤمنين عليه السلام هكذا: «الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كلّ نعمة والورع عن كلّ ما حرّم اللَّه عزّوجلّ». الكافي ج 5 ، ص 71 ، باب معنى الزهد ، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 9 ، ص 522 ، ح 8355.
2- .ما وجدناه هكذا : «من ترك اللحم أربعين يوماً ساء خلقه ، ومن ساء خلقه فأذّنوا في أذنه». الكافي ، ج 6 ، ص 309 ، ح 1 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 12 ، ص 419 ، ح 11771.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن أبيه ، محمّد بن يحيى الخزّاز».
4- .في الكافي المطبوع : + «عليه».

ص: 213

هديّة:(في زمان لا ينكر) قيل: إمّا في زمان الرسول صلى اللَّه عليه وآله، فتبعاً له، وهو صلى اللَّه عليه وآله سلطانٌ مأمور بالتقدير في نفسه كضعفة الأُمّة، كما عرفت ممّا مرَّ آنفاً؛ وإمّا في زمان الثلاثة، فللتقيّة وقلّة المؤونة أيضاً؛ وإمّا في زمان إياب الأمر إليه عليه السلام، فلمّا مرَّ في الحديث الثالث.(شهر به) يعني للمخالفة مع زيّ الخليفة.

.

ص: 214

باب نادر

الباب السابع والمائة : بَابٌ نَادِرٌوأحاديثه كما في الكافي أربعة أو خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ ،(1) قَالَ : عَطَسَ يَوْماً وَ أَنَا عِنْدَهُ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا يُقَالُ لِلْإِمَامِ إِذَا عَطَسَ ؟ قَالَ : «يَقُولُونَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ» .

هديّة:(أيّوب بن نوح) صحب الرضا والجواد عليهما السلام، وصار وكيلاً أيضاً للعسكريّين عليهما السلام.في بعض النسخ : «ما يقولون» بدل (ما يقال).(عطس) كضرب، يعني الإمام عليه السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّينَوَرِيُّ ،(2) عَنْ عُمَرَ بْنِ زَاهِرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام : يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ (3) : «ذَاكَ اسْمٌ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن أيّوب بن نوح».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن جعفر بن محمّد، قال : حدّثني إسحاق بن إبراهيم الدينوري».
3- .في الكافي المطبوع : + «لا».

ص: 215

سَمَّى اللَّهُ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، لَمْ يُتَّسَمْ (1) بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ ، وَ لَا يَتَسَمّى بِهِ بَعْدَهُ إِلَّا كَافِرٌ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَيْفَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : «يَقُولُونَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ». ثُمَّ قَرَأَ : «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .

هديّة:الآية في سورة هود(2)، وفسّرت ببقيّة خلفاء اللَّه تبارك وتعالى.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الاثنين،(3) عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام : لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : «لِأَنَّهُ يَمِيرُهُمْ الْعِلْمَ ؛ أَ مَا سَمِعْتَ كِتَابَ اللَّهِ: «وَ نَمِيرُ أَهْلَنا»(4)؟» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى ، قَالَ : «لِأَنَّ مِيرَةَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِنْدِهِ يَمِيرُهُمُ الْعِلْمَ» .

هديّة:(لِمَ سمّي أمير المؤمنين) يعني دون سائر الأئمّة عليهم السلام. وقيل: لعلّ وجه السؤال تحقيق ما سمع نقلاً عنهم عليهم السلام في وجه التسمية.و«المير» بكسر الميم وسكون الياء: الطعام يمتاره الإنسان لأهله وعياله، أي يجلبه وينقله. والتاء في «الميرة» للتأنيث باعتبار الأطعمة أو الأغذية؛ صرّح به برهان الفضلاء. وقد مار أهله يميرهم ميراً بالفتح، وامتار أهله أيضاً، أي نقل المير لأهله فهو ماير، والجمع: مُيّار، ككاتب وكتّاب، وميّارة أيضاً كسيّارة، يُقال: نحن ننتظر سيّارنا وميّارتنا أيضاً. قال برهان الفضلاء:وهنا احتمالات: الأوّل: أن يكون أصل الأمير «يمير»، فإنّ الكلمة التي تكون في الأصل

.


1- .في الكافي المطبوع : «لم يسمّ».
2- .هود (11) : 86.
3- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
4- .يوسف (12) : 65.

ص: 216

فعلاً قد ينقلب هاؤها همزة، كالأزلي في النسبة إلى لم يزل، والأزنى في النسبة إلى ذي يزن، فالمراد بالأمير الماير كتغلب اسم بإرادة معنى الغالب.والثاني: أن يكون أصله «مير» فزيدت الهمزة على المصدر المستعمل في معنى اسم الفاعل وكسرت الميم للياء.والثالث: أن يكون بين الأمير والمير مصدرين الاشتقاق الكبير، وهو الموافقة في أكثر الحروف كالختم والكتم. قال الزمخشري في كشّافه في تفسير قوله تعالى: «خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ»(1): إنّ الختم والكتم أخوان، فالمراعى هو التناسب في المعنى كما سمّيت حياة الروح بغذاء العلم «تامورا» على تفعول بفتح التاء الزائدة، واشتقاقه من الأمر للمبالغة.الرابع: أن يكون المقصود بيان وجه الاختصاص ببيان أنّه عليه السلام إنّما هو الباعث لحياة الأرواح بغذاء العلم المنقول من مدينة العلم.وقيل: لعلّ المعنى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا كان مايراً لجميع المؤمنين سمّى اللَّه أمير المؤمنين؛ فإنّ الأمير له الأمر على جميع رعيّته؛ فالاستشهاد بآية سورة يوسف لبيان (يميرهم العلم) لا لمأخذ الاشتقاق.(وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام، وبهذا أحاديث الباب خمسة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْقَزَّازِ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : «اللَّهُ سَمَّاهُ ، وَ هكَذَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ»(3) وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولِي ، وَ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ» .

.


1- .البقرة (2): 7 .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الربيع القزّاز».
3- .الأعراف (7) : 172.

ص: 217

هديّة:يعني وهكذا شرح جبرئيل عليه السلام هذه الآية من سورة الأعراف للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله عند نزوله بها ، كما شرح قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(1) بقوله : «في عليّ». وقد سبق بيان معنى التحريف في القرآن مفصّلاً.وقال بعض المعاصرين: إنّما كان الإشهاد بالنبوّة والإمامة منزلاً في كتاب اللَّه مع الإشهاد بالربوبيّة؛ لأنّهما مندرجتان في الربوبيّة؛ إذ هما من ضروراتها اللازمة.(2)

.


1- .المائدة (5): 67 .
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 668 ، ذيل ح 1271.

ص: 218

باب فيه نكت و نتف من التّنزيل في الولاية

الباب الثامن والمائة : بَابٌ فِيهِ نُكَتٌ وَ نُتَفٌ مِنَ التَّنْزِيلِ فِي الْوَلَايَةِوأحاديثه كما في الكافي اثنان وتسعون:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ ،(1) عَنْ سَالِمٍ الْحَنَّاطِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» قَالَ : «هِيَ الْوَلَايَةُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:«النكت» كصرد: جمع «النكتة» بالضمّ، وكذا «النتف» جمع النتفة، يعني علامات وآثار من التنزيل في الولاية.والآية في سورة الشعراء.(2) فسّر عليه السلام الأمر وهو المرجع بالإمامة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ،(3) عَنْ رَجُلٍ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا ، عن حنان بن سدير».
2- .الشعراء (26) : 193 - 195.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمّار».

ص: 219

أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا» قَالَ : «هِيَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة الأحزاب.(1)وفسّر الإنسان - كما سيذكر حديثه - بالأوّل ومن يحذو حذوه من الجاهلين الظالمين. وقال بعض المعاصرين: إنّما أبوا من حملها وأشفقوا منها لعدم قابليّتهم لها.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ الْخَشَّابِ ،(3) عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عمّه ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ» قَالَ : «بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الْوَلَايَةِ ، وَ لَمْ يَخْلِطُوهَا بِوَلَايَةِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، فَهُوَ الْمُلَبِّسُ بِالظُّلْمِ» .

هديّة:الآية في سورة الأنعام.(4)«خلط» كنصر.(فهو) أي الإيمان المخلوط كذلك، (الملبّس) على اسم المفعول من التفعيل، أي المخلوط. واحتمل برهان الفضلاء على اسم المفعول من الإفعال، بمعنى المستور بالظلم، «لبسه به» كضرب: خلطه به، ولبس الثوب كعلم، وألبسه غيره.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ الصَّحَّافِ ،(5) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ

.


1- .الأحزاب (33) : 72.
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 883 ، ذيل ح 1513.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الحسن بن موسى الخشّاب».
4- .الأنعام (6) : 89.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن الحسين بن نعيم الصحّاف».

ص: 220

عَزَّ وَ جَلَّ : فَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَ مِنْكُمْ كافِرٌ، فَقَالَ : «عَرَفَ اللَّهُ إِيمَانَهُمْ بِوَلَايَتِنَا ، وَ كُفْرَهُمْ بِهَا يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي صُلْبِ آدَمَ عليه السلام وَ هُمْ ذَرٌّ» .

هديّة:في سورة التغابن هكذا: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ»(1)، والمضبوط هنا في نسخ الكافي على خلاف المضبوط في الحديث الرابع والسبعين في هذا الباب تقديم «المؤمن»، فإمّا نقل بالمعنى أو سهو من النسّاخ.قرأ برهان الفضلاء «عرّف اللَّه» بالتشديد، وقال في شرحه بالفارسيّة: «يعني بويانيد».و(في صلب آدم) ظرف «عرف» على القرائتين، والمراد ظرف وجود الأرواح قبل الأبدان، أو كرّر التكليف.و«الذرّ»: صغار النمل، واحدها: ذرّة. وقد سبق نظير الحديث ببيانه في كتاب التوحيد.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(2) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ»«الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَلَايَتِنَا» .

هديّة:عن أبي الحسن الأوّل أو الثاني عليهما السلام.في سورة الدهر،(3) أي العهد الذي أخذ عليهم من ولايتنا يوم الميثاق.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيٍّ ،(4) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ لَوْ

.


1- .التغابن (64): 2.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل».
3- .الإنسان (76) : 7.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد اللَّه».

ص: 221

أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ» قَالَ : «الْوَلَايَةُ» .

هديّة:الآية في سورة المائدة.(1)وتفسير (ما أنزل) بالإمامة إشارةٌ إلى أنّ الغرض الأصلي من تنزيل القرآن هو معرفة الإمام وتسليم الإمامة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ زُرَارَةَ ،(2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

هديّة:(القربى): تأنيث «الأقرب» للتفضيل، والتأنيث باعتبار القرابة. و(في) ظرف للمودّة ، أو للتعليل وقد مرّ في الحديث العاشر من الباب الرابع والستّين.(3)والآية في سورة الشورى.(4)

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عن الاثنين،(5) عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ : «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ»«فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ «فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً» هكَذَا نَزَلَتْ» .

.


1- .المائدة (5) : 66.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنّى، عن زرارة».
3- .أي «باب الإشارة والنّصّ على أمير المؤمنين عليه السلام».
4- .الشورى (42) : 23.
5- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 222

هديّة:الآية في سورة الأحزاب.(1)(هكذا نزلت) على المعلوم من باب ضرب، يعني بشرحها من جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله. وقرأ برهان الفضلاء على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل بإرادة تنزيل اللفظ على معناه.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ،(2) رَفَعَهُ إِلَيْهِمْ عليهم السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : ««وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ» فِي عَلِيٍّ وَ الْأَئِمَّةِ «كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا»» .

هديّة:الآية في سورة الأحزاب،(3) وفسّرت بتفسيرها آية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ»(4)بعدها في سورتها.قال برهان الفضلاء: «فبرّأه اللَّه» بيان التنزيل، لا بيان التعيير، واتّهموا موسى بعبادة العجل بدعواهم أنّ هذا إلهكم وإله موسى كتهمة أمير المؤمنين عليه السلام ببيعة الأوّل وتبرئة اللَّه تعالى إيّاهم عليهم السلام في آياتٍ، منها: آية سورة النجم وآية التطهير وغير ذلك.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الاثنين،(5) عَنِ السَّيَّارِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُداىَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى» قَالَ : «مَنْ قَالَ بِالْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، وَ

.


1- .الأحزاب (33) : 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن النضر ، عن محمّد بن مروان».
3- .الأحزاب (33) : 53.
4- .الأحزاب (33): 69.
5- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 223

اتَّبَعَ أَمْرَهُمْ ، وَ لَمْ يَجُزْ طَاعَتَهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة طه.(1)جازه وعنه بمعنىً كتجاوز.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(2) رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ * وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ * وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ»(3) قَالَ : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ مَا وَلَدَ مِنَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام».

هديّة:كلمة «لا» في (لا أقسم) زائدة لتأكيد القسم، وقيل: يعني لا أقسم بشي ء كقسمي بهذا البلد، يعني المدينة المنوّرة، وقيل: مكّة المعظّمة، وسورة البلد مكّية. واُجيب بأنّه لا يقدح؛ إذ المراد وأنت تحلّ كما أنّ المراد وما يلد.(ووالد) عطف على (البلد)، والتنكير للتفخيم، والتنوين للتعظيم.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ(4) وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» قَالَ : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

.


1- .طه (20) : 123.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه».
3- .البلد (90) : 1 - 3.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة».

ص: 224

هديّة:الآية في سورة الأنفال.(1)وسيبيّن هذا الحديث في الباب الثامن والعشرين والمائة إن شاء اللَّه تعالى.(2)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام» .

هديّة:الآية في سورة الأعراف.(4) ووجه التعبير عن الأئمّة عليهم السلام بالاُمّة ظاهر.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عن عَمِّه، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (5) فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «هُوَ الَّذِى أنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ» قَالَ : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام». «وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» قَالَ : «فُلَانٌ وَ فُلَانٌ». «فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ» : «أَصْحَابُهُمْ وَ أَهْلُ وَلَايَتِهِمْ». «فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ» : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(6) وقد مرّ الكلام فيها في الحديث الثاني في الباب

.


1- .الأنفال (8) : 41.
2- .أي «باب الفي ء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن عبد اللَّه بن سنان».
4- .الأعراف (7) : 181.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
6- .آل عمران (3) : 7.

ص: 225

الثامن والعشرين.(1)و(اُخر) إمّا مبتدأ معدول من الآخر، أو معطوف على الآيات.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الميثمي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» : «يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِينَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام لَمْ يَتَّخِذُوا الْوَلَائِجَ مِنْ دُونِهِمْ» .

هديّة:الآية في سورة التوبة.(3)و«وليجة الرجل»: بطانته وخاصّته ومعتمده ووليّ أمره.(لم يتّخذوا الولائج) أي الذين جاهدوا منكم من دونهم، أي من دون اللَّه ورسوله والأئمّة المعبّر عنهم بالمؤمنين من الإيمان، فوجهه ظاهر؛ أو من الأمان؛ لإعطائهم شيعتهم الأمان من الهلاك.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(4) عَنِ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها» قُلْتُ : مَا السَّلْمُ ؟ قَالَ : «الدُّخُولُ فِي أَمْرِنَا» .

.


1- .أي «باب أنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة عليهم السلام».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن مثنّى، عن عبد اللَّه بن عجلان».
3- .التوبة (9) : 16 .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن صفوان، عن ابن مسكان».

ص: 226

هديّة:الآية في سورة الأنفال.(1)و«السلم»: الإسلام، «جنح» كمنع: مال. وتأنيث الضمير باعتبار المسالمة والمعاهدة.وفي لفظ (الدخول) إشارةٌ إلى قوله تعالى في البقرة: «ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً»(2)على قراءة الفتح.

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ زُرَارَةَ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، أَ وَ لَمْ تَرْكَبْ هذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فِي أَمْرِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ؟» .

هديّة:الآية في سورة الانشقاق.(4)و«الطبق»: كناية عمّا يستر به الشي ء، أو ما يستر بالشي ء؛ فالمراد حالة الكفر الناشئ من كُفرٍ سابق أو النفاق كذلك، ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض.و(عن طبق) وصف ل (طبقا).

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عثمان ،(5) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا

.


1- .الأنفال (8) : 61.
2- .البقرة (2): 208.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن زرارة».
4- .الانشقاق (84) : 19.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن حمّاد بن عيسى».

ص: 227

الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلُهُ تَعَالى : «وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» قَالَ : «إِمَامٌ إِلى إِمَامٍ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الأوّل أو الثاني عليهم السلام.والآية في سورة القصص،(1) فسرّت بوصّلنا للمؤمنين أو للنّاس كلمةَ اللَّه إلى كلمةِ اللَّه، أو المصدر بمعنى الفاعل كما في سورة مريم: «ذَلِكَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْتَرُونَ»(2).والحديث دلالة على دلالة الكتاب على امتناع خلوّ الدنيا عن المعصوم.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مؤمن الطاق، عَنْ سَلَّامٍ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا» قَالَ : «إِنَّمَا عَنى بِذلِكَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عليهم السلام ، وَ جَرَتْ بَعْدَهُمْ فِي الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، ثُمَّ رَجَعَ (4) الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ فِي النَّاسِ ، فَقَالَ : «فَإِنْ آمَنُوا» يَعْنِي النَّاسَ ، «بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ» يَعْنِي عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام «فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِى شِقاقٍ» » .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(5) يعني أنّ الخطاب في قوله: (قولوا) إنّما هو أوّلاً لعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ لسائر الأئمّة عليهم السلام، وثانياً للناس، وفي (آمنتم) للمخاطبين بالخطاب الأوّل أوّلاً ومن جرى فيه بعدهم.

.


1- .القصص (28) : 51.
2- .مريم (19): 34.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن النعمان ، عن سلّام».
4- .في الكافي المطبوع : «يرجع».
5- .البقرة (2) : 136 و 137.

ص: 228

و«الشقاق»: العداوة والكفر والنفاق.

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِىُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ مَنِ اتَّبَعَهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(2)وفسّر «الأولى» بالأقرب الذي يرث إسلامه.(اتّبعوه) يعني في الاُمم السابقة.

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ،(3) عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ أُوحِىَ إِلَىَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ» ؟ قَالَ : «مَنْ بَلَغَ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، فَهُوَ يُنْذِرُ بِالْقُرْآنِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:الآية في سورة الأنعام: «قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ» الآية.(4)وفي تفسيره عليه السلام إشارة إلى أنّ (ومن بلغ) عطفٌ على المستتر في (أنذركم) لا على البارز فيها، وأنّ الكامل الهادي إلى الحقّ إنّما هو الحجّة المعصوم، المحصور عدده في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن مثنّى ، عن عبد اللَّه بن عجلان».
2- .آل عمران (3) : 68.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن اُذينة».
4- .الأنعام (6): 19.

ص: 229

تقديره تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(1) لا من يخالفه في رسم الدِّين وطريقته، وإن بلغ بالرياضة حيث يطير من جبل إلى جبل كالجوكي الخفيف الطائر بطيران الشيطان النافذ فيه وقوّة جناحه.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ المُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِىَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قَالَ : «عَهِدْنَا إِلَيْهِ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام ، فَتَرَكَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ أَنَّهُمْ هكَذَا ، وَ إِنَّمَا سُمِّيَ أُولُو الْعَزْمِ أُوْلِي الْعَزْمِ إِنَّهُ (3) عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَ الْمَهْدِيِّ وَ سِيرَتِهِ ، وَ أَجْمَعَ عَزْمُهُمْ عَلى أَنَّ ذلِكَ كَذلِكَ ، وَ الْإِقْرَارِ بِهِ» .

هديّة:الآية في سورة طه.(4)وتعدية العهد هنا بكلمة «إلى» على تضمين معنى الإعلام والإيحاء. قال برهان الفضلاء: ليس المضاف إليه المقدّر لكلمة (قبل) «هذا الزمان»؛ لدلالة (عهدنا) على الماضي على هذا، فيصير زائداً، بل هو تلقّي الكلمات وقبول التوبة كما في سورة البقرة: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(5). وفسّرت «الكلمات» بالتشفّع باسم نبيّنا وآله صلى اللَّه عليه وآله وحرمتهم أنّهم هكذا، يعني أفضل الأنبياء والأوصياء. وفي بعض كتب التفاسير: أنّ أُولي العزم أقرّوا بولايتهم وفضلهم عليهم السلام بلا تأمّل وتوقّف، وغيرهم من الأنبياء بعد تأمّل مّا وأكثر آدم عليه السلام.

.


1- .النساء (4): 165.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، عن مفضّل بن صالح».
3- .في الكافي المطبوع : «لأنّه».
4- .طه (20) : 115.
5- .البقرة (2): 37.

ص: 230

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ» : «كَلِمَاتٍ فِي مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ «فَنَسِىَ»، هكَذَا وَ اللَّهِ أُنْزِلَتْ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:يعني اُنزلت بهذا الشرح من جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ،(2) عَنِ الثُّمَالِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَوْحَى اللَّهُ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «فَاسْتَمْسِكَ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» قَالَ : إِنَّكَ عَلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ ، وَ عَلِيٌّ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ» .

هديّة:الآية في سورة الزخرف،(3) وفيها: «وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»(4) فسّر بأنّ «الصراط المستقيم» المذكور في فاتحة الكتاب هو عند اللَّه عزّ وجلّ عليٌّ حكيم، وأمّا عند غيره فكن من كان. و«حكيم» دلالة على أنّ المراد الشخص المسمّى بعليّ.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُنَخَّلٍ ،(5) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن عبيد اللَّه، عن محمّد بن عيسى القمّي ، عن محمّد بن سليمان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن خالد بن مادٍّ ، عن محمّد بن الفضل». وفي الطبعة الجديدة من الكافي : «محمّد بن الفضيل».
3- .الزخرف (43) : 43.
4- .الزخرف (43): 4.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخل».

ص: 231

بِهذِهِ الْآيَةِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله (1) : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ» فِي عَلِيٍّ عليه السلام «بَغْياً»» .

هديّة:منخل بن جميل الأسدي بيّاع الجواهر؛ ضبطه في الإيضاح (2)على اسم المفعول من التفعيل وغيره بسكون النون بين ضمّتين كمدهن ومكحل.والآية في سورة البقرة.(3)(اشتروا به أنفسهم) أي من نار جهنّم بزعمهم أنّ عدم إطاعتهم لما أنزل اللَّه في عليّ عليه السلام سبب نجاتهم.و«البغي»: الظلم والتجاوز عن الطريق.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَابِرٍ ،(4) قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله هكَذَا : «وَ إِنْ كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» فِي عَلِيٍّ عليه السلام «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ»» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(5)(هكذا) يعني بشرحها من جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.وضمير (مثله) للقرآن، يعني فإنّ إتيانكم دليل على أنّ إخباره من عنده كعجزكم على أنّها من عند اللَّه.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «هكذا».
2- .إيضاح الاشتباه ، ص 301 ، الرقم 707.
3- .البقرة (2) : 90.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخّل، عن جابر».
5- .البقرة (2) : 23.

ص: 232

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُنَخَّلٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا» فِي عَلِيٍّ «نُوراً مُبِيناً»».

هديّة:الآية في سورة النساء.(2)(هكذا) يعني بهذا الشرح والتفسير.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَابِرٍ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : ««وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ» فِي عَلِيٍّ «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ»» .

هديّة:الآية في سورة النساء.(4)(في عليّ) شرح جبرئيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يدلّ عليه قوله تعالى في الآية السابقة: «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ»(5). وقد مرّ في الحديث السابع في الباب الرابع والسبعين (6)أنّ المخاطب في (يحكّموك) أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ،(7) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «يا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخّل».
2- .النساء (4) : 174.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي طالب ، عن يونس بن بكّار ، عن أبيه ، عن جابر».
4- .النساء (4) : 66.
5- .النساء (4): 65.
6- .أي «باب التسليم وفضل المسلمين».
7- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن مثنّى الحنّاط ، عن عبد اللَّه بن عجلان».

ص: 233

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» قَالَ : «فِي وَلَايَتِنَا» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(1)فسّر (في السّلم) بفي ولايتنا، فنصّ في أنّه لا إسلام لمن لا ولاية له.

الحديث الثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ : «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا» ؟ قَالَ : «وَلَايَتَهُمْ». «وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى»؟ قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام . «إِنَّ هذا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى» ».

هديّة:الآية في سورة الأعلى.(3)و(الآخرة) في تقدير : «قلت: والآخرة»، و(إنّ هذا) في تقدير : «قال: إنّ هذا».وفي بعض النسخ : «ولاية شبوية» مكان (ولايتهم).قال برهان الفضلاء:وفيه احتمالات على أن يكون الولاية مضافاً:الأوّل: فتح الشين المعجمة وسكون المفردة وكسر الواو وياء النسبة وتاء التأنيث، في النسبة إلى «شبو» بفتح الشين وسكون المفردة، بمعنى قيام الدابّة على رجليها مع رفعها اليدين جدّاً، أو في النسبة إلى «شبوة» بمعنى العقرب.الثاني: فتح المفردة أيضاً في النسبة إلى «شباة» بفتح الشين والمفردة والألف وتاء الوحدة بمعنى ولد العقرب.

.


1- .البقرة (2) : 208.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إدريس ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر».
3- .الأعلى (87) : 16 - 19.

ص: 234

الثالث: فتح الشين المعجمة وضمّ النون وسكون الواو وكسر الهمزة وياء النسبة، في النسبة إلى «شنوءة» بمعنى التكبّر أو المتكبّر.الرابع: ضمّ الشين أيضاً، في النسبة إلى «شنوء» بمعنى العداوة.قال: والتأنيث في هذه الاحتمالات الأربعة باعتبار الموصوف وهو جماعة. ويمكن أن لا يكون الولاية مضافاً، فتأنيث «شبوية» باعتبار الولاية الموصوفة، فالاحتمالات ثمانية، والمعنى في الجميع واحد، وقطع جماعة على «شَبَويّة» نسبة إلى «شبوة» كعقرب لفظاً ومعنى.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُنَخَّلٍ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : ««أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ» مُحَمَّدٌ «بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ» بِمُوَالَاةِ عَلِيٍّ «اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً» مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ «كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ»» .

هديّة:الآية في سورة البقرة: «أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ»(2).

الحديث الثاني والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) عَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ»«بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» يَا مُحَمَّدُ مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ ؛ هكَذَا فِي الْكِتَابِ مَخْطُوطَةٌ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن حسّان ، عن محمّد بن عليّ ، عن عمّار بن مروان ، عن منخّل».
2- .البقرة (2): 87 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إدريس ، عن محمّد بن سنان».

ص: 235

هديّة:الآية في سورة الشورى.(1)قال برهان الفضلاء: «هكذا في الكتاب مخطوطة» أي في الجامعة بخطّ أمير المؤمنين عليه السلام وإملاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الثالث والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ» فَقَالَ : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، دُعِيَ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ عليهم السلام ، فَيُنْصَبُونَ لِلنَّاسِ ، فَإِذَا رَأَتْهُمْ شِيعَتُهُمْ قَالُوا : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْ لَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» يَعْنِي هَدَانَا اللَّهُ فِي وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الأعراف (3) يعني (هدانا اللَّه) تفسيرٌ لقوله: «هَدانا لِهذا».(في ولاية) أي في قبول ولايتهم عليهم السلام.

الحديث الرابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ، عَنْ عمّه، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ» قَالَ : «النَّبَأُ الْعَظِيمُ : الْوَلَايَةُ». وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ» قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:قد سبق بيان صدر الحديث ببيان الحديث الثالث في الباب الثامن عشر.(4)

.


1- .الشورى (42) : 13.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن هلال ، عن أبيه ، عن أبي السفاتج».
3- .الأعراف (7) : 43.
4- .أي «باب أنّ الآيات التي ذكرها اللَّه عزّ و جلّ في كتابه هم الأئمّة عليهم السلام».

ص: 236

والآية الثانية في سورة الكهف.(1)الجوهري : «هنالك» للتبعيد، واللام المكسورة زائدة، والكاف للخطاب، تفتح للمذكّر وتكسر للمؤنّث.(2)في التفسير: أي حين لا يجد المشركون بالولاية وليّاً ولا نصيراً، فالولاية الحقّ لأمير المؤمنين عليه السلام وهو للَّه عزّ وجلّ.و واو (الولاية) تكسر وتُفتح.

الحديث الخامس والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» قَالَ : «هِيَ الْوَلَايَةُ» .

هديّة:الآية في سورة الروم.(4)و(هي) للإقامة المفهومه، أو للدِّين؛ فالتأنيث باعتبار الخبر.

الحديث السادس والثلاثون روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَمَدَانِيِّ ،(5) يَرْفَعُهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ» قَالَ : «الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الأنبياء.(6) وبالميزان العدل يعرف الأقدار، كما أنّ بالأنبياء والأوصياء.

.


1- .الكهف (18) : 44.
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2561 (هنا).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».
4- .الروم (30) : 30.
5- .في الكافي المطبوع : «الهمذاني».
6- .الأنبياء (21) : 47.

ص: 237

ولا تخلو الدنيا عنهم ما دام التكليف يعرف يوم القيامة عند انبساط كفّتي الميزان المجسّم المنصوب أقدار الناس بحسب الأعمال المعروضة عليهم كلّ صباح ومساء في الدنيا.

الحديث السابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ،(1)قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ» قَالَ : «قَالُوا : أَوْ بَدِّلْ عَلِيّاً عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة يونس: «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ»(2).فسّر «آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ» في الولاية.«لِقَاءَنَا»: لقاء وليّنا ورحمتنا.في إرجاع الضمير إلى عليّ عليه السلام والمرجع القرآن - إشارةٌ إلى أنّه عليه السلام القرآن الناطق وقيّم القرآن.

الحديث الثامن والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ هذِهِ الْآيَةِ : «ما سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» قَالَ : «عَنى بِهَا لَمْ نَكُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فِيهِمْ : «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» أَ مَا تَرَى النَّاسَ يُسَمُّونَ الَّذِي يَلِي السَّابِقَ فِي الْحَلْبَةِ مُصَلِّي ، فَذلِكَ الَّذِي عَنى ؛

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن سنان ، عن مفضّل بن عمر».
2- .يونس (10): 15.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن القمّي ، عن إدريس بن عبد اللَّه».

ص: 238

حَيْثُ قَالَ: «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» : لَمْ نَكُ مِنْ أَتْبَاعِ السَّابِقِينَ» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة المدّثر،(1) والثانية في سورة الواقعة.(2)و(الحلبة) بسكون اللام بين الحاء المهملة والمفردة المفتوحتين: خيل تجمع للسباق من كلّ أوب، والمصلّي منها: التالي للسابق، صلّى الفرس تصلية: جاء مصلّياً، وهو الذي يتلوا السابق؛ لأنّ رأسه عند صلاه، و«الصلا» بالفتح والقصر والتخفيف: ما عن يمين الذنب وشماله، وهما صلوان. قال أبو الغوث: أوّل الحلبة السابق، ثمّ المصلّي ، ثمّ المسلّي، ثمّ التالي، ثمّ العاطف، ثمّ المرتاح، ثمّ المؤمّل، ثمّ الخطّي، ثمّ اللطيم، ثمّ السكيت، وهو الفسكل كزبرج يجي ء في الحلبة آخر الخيل، ويسمّى ب «القاشور» أيضاً، والتالي لتالي السابق هو «المسلّي» بالسين المهملة على اسم الفاعل من باب التفعيل كأنّه يسلّي صاحبها للتقدّم في الجملة، وتاليه هو «التالي» يتلوه في التسلية المذكورة، وتالي التالي هو «العاطف»، أي على صاحبه، وتاليه «المرتاح» من الارتياح بمعنى النشاط، ونشاطه لعدم التأخّر عن أربعة في عقبه، ثمّ «المؤمّل»، أي المرجّى صاحبه بتقدّمه على ثلاثة، وتاليه «الخطّي» على فعيل، أي ذا خطوة بالنظر إلى اثنتين في عقبه، ثمّ «اللطيم» لأنّه ممدوح من جهة ومذموم من اُخرى، الجوهري: و«اللطيم» من الخيل الذي أحد شقّي وجهه أبيض، يُقال: لطم الفرس على ما لم يسمّ فاعله، فهو لطيم.(3)و«السكيت» ككميت: مصغّر السكّيت بالكسر والتشديد كشرّير، وساكوت للمبالغة فيهما للساكت آخر ما يجي ء في الخيل في الحلبة من العشر المعدودات، وقد يشدّد فيقال: السكيت وهو القاشور ومعناه الشوم، سنة قاشورة، أي مجدبة.و«الفسكل» أيضاً رجل فسكل: رذل دنيّ، وما جاء بعد ذلك لا يعتدّ به.

.


1- .المدّثر (74) : 42 - 43.
2- .الواقعة (56) : 10 - 11.
3- .الصحاح ، ج 5 ، ص 203 (لطم).

ص: 239

الحديث التاسع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ،(1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً» يَقُولُ : «لَأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ الْإِيمَانَ ، وَ الطَّرِيقَةُ هِيَ وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الجنّ.(2)و«الغدق»: الماء الكثير.ومضمون هذا الخبر كالحديث الأوّل في الباب الثلاثين ببيانه.(3)

الحديث الأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «اسْتَقَامُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»».

هديّة:«استقام عليه»: استقرّ.والآية في سورة فصّلت.(5)وذكرت في الحديث الثاني في الباب الثلاثين ببيانه.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسنيي ، عن موسى بن محمّد، عن يونس بن يعقوب».
2- .الجنّ (72) : 16.
3- .أي «باب أنّ الطريقة التي حثّ على الاستقامة عليها ولاية عليّ عليه السلام».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن فضالة بن أيّوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم».
5- .فصّلت (41) : 30.
6- .أي «باب أن الطريقة التي حثّ على الإستقامة عليها ولاية عليّ عليه السلام».

ص: 240

الحديث الحادي والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ» فَقَالَ : «إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، هِيَ الْوَاحِدَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ»» .

هديّة:الآية في سورة السبأ،(2) يعني خصلة واحدة(3) متفرّدة، ممتازة بتفرّدها.

الحديث الثاني والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (4) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً»، «لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، وَ كَفَرُوا حَيْثُ عُرِضَتْ عَلَيْهِمُ الْوَلَايَةُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ آمَنُوا بِالْبَيْعَةِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ثُمَّ كَفَرُوا حَيْثُ مَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمْ يَقِرُّوا بِالْبَيْعَةِ ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً بِأَخْذِهِمْ مَنْ بَايَعَهُ بِالْبَيْعَةِ لَهُمْ ، فَهؤُلَاءِ لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْ ءٌ» .

هديّة:في قول اللَّه عزّ وجلّ في مضمون آية سورة النساء(5) وآية سورة آل عمران.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن محمّد بن الفضيل».
2- .سبأ (34) : 46.
3- .في «د» : - «واحدة».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة وعليّ بن عبد اللَّه ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام» ، فالاسناد إلى إدريس بعد المراجعة إلى سائر نسخ الكافي سهو من الكاتب أو المصنّف.
5- .النساء (4) : 137. والآية هكذا : «إنّ الذين آمنو ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن اللَّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً».
6- .قوله تعالى : «لن تقبل توبتهم» جزء من الآية 90 من سورة آل عمران (3) : والآية هكذا : «إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ اُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ».

ص: 241

(آمنوا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله) يعني ظاهر النصوص مستفيضة.(ثمّ كفروا) أظهروا كفرهم ونفاقهم؛ وهكذا في التتمّة.وتأكيد نفي قبول التوبة بالتأبيد إشارةٌ إلى نفي إيمانهم أصلاً دائماً، وارتدادهم ظاهراً مراراً، وكنايةٌ عن لزوم هلاكهم ودخولهم في النار.والبارز في (من بايعه) لأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه.

الحديث الثالث والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى» : «فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، ارْتَدُّوا عَنِ الْإِيمَانِ فِي تَرْكِ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : قَوْلُهُ تَعَالى : «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الْأَمْرِ» ؟ قَالَ : «نَزَلَتْ وَ اللَّهِ فِيهِمَا وَ فِي أَتْبَاعِهِمَا ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالى - الَّذِي نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله : «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ» فِي عَلِيٍّ «سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الْأَمْرِ»». قَالَ : «دَعَوْا بَنِي أُمَيَّةَ إِلى مِيثَاقِهِمْ أَلَّا يُصَيِّرُوا الْأَمْرَ فِينَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لَا يُعْطُونَا مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً ، وَ قَالُوا : إِنْ أَعْطَيْنَاهُمْ إِيَّاهُ لَمْ يَحْتَاجُوا إِلى شَيْ ءٍ ، وَ لَمْ يُبَالُوا ألَّا يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِمْ ، فَقَالُوا : سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ الَّذِي دَعَوْتُمُونَا إِلَيْهِ وَ هُوَ الْخُمُسُ أَلَّا نُعْطِيَهُمْ مِنْهُ شَيْئاً .وَ قَوْلُهُ : «كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ» وَ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ مَا افْتَرَضَ عَلى خَلْقِهِ مِنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ كَانَ مَعَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ كَانَ كَاتِبَهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ»» الْآيَةَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام» والمراد منه السند السابق عليه و هو ما ذكرناه في التعليقة في السند السابق ، فالمراد من «عن عليّ، عن عمّه» عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».

ص: 242

هديّة:الآية في سورة محمّد.(1)و«الارتداد على الأدبار» عبارةٌ عن ذهابهم القهقرى إلى جهنّم للارتداد، ووجههم إلى المسلمين بإظهار الإسلام نفاقاً.قال برهان الفضلاء:«فلان وفلان وفلان» هنا عبارة عن عثمان وأبي سفيان ومعاوية، وهم من بني اُميّة ؛ لرواية ذكرها عليّ بن إبراهيم في تفسير الآية السابقة على أنّ الذين ارتدّوا في سورة محمّد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن الخطّاب: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ»(2) وهي نزلت في بني اُميّة.(3)ثمّ قال: ثمّ لا يخفى أنّ حدوث هذا النوع من الارتداد في عثمان لا ينافي نوعاً آخر من ارتداده سابقاً، فلا ينافي ما يجي ء في كتاب الإيمان والكفر في الحديث الثاني في باب الضلال، باب الحادي والسبعين والمائة في بيان : «وقد زوّج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فلاناً» بأنّ نفاقه كان معلوماً عند ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإنّ نفاقه ذلك نوع آخر من النفاق، وكذا الكلام في النفاق المذكور في بيان : «إلّا أنّه يأتيه عن يمينه، ثمّ يأتيه عن يساره» ويجي ء في كتاب الجنائز في الحديث من باب النوادر.(4)وضمير (فيها) للأوّل والثاني.والسين في (سنطيعكم) لمحض التأكيد أو للاستقبال القريب.و«في» في (في بعض الأمر) للسببيّة. و«قال» في (قال دعوا) كلام الراوي، والقائل الإمام عليه السلام.(وقوله: كرهوا) عطف على (قول اللَّه عزّ وجلّ).والواو في (والذي) حاليّة.

.


1- .محمّد (47) : 25 - 26.
2- .محمّد (47): 22.
3- .تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 308.
4- .الكافي ، ج 3 ، ص 252 ، باب النوادر ، ح 8.

ص: 243

(فأنزل اللَّه) في سورة الزخرف، والآية هكذا: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ* أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»(1)، و«إبرام الأمر»: إحكامه.

الحديث الرابع والأربعون روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِيهِمْ ؛ حَيْثُ دَخَلُوا الْكَعْبَةَ ، فَتَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلى كُفْرِهِمْ وَ جُحُودِهِمْ بِمَا أُنْزِلَ (2) فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَأَلْحَدُوا فِي الْبَيْتِ بِظُلْمِهِمُ الرَّسُولَ وَ وَلِيَّهُ ؛ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» .

هديّة:الآية في سورة الحجّ: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»(3).والباء في (بما أنزل) وفي (بإلحاد) للتقوية إشارة إلى جدّهم في تعاهدهم وتعاقدهم على كفرهم بذلك في جوف الكعبة في حجّة الوداع. وفي بعض النسخ : «بما نزّل» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل مكان «أنزل» كذلك من الإفعال.والباء في (بظلم) للسببيّة.(فبُعداً للقوم الظالمين) اقتباس من سورة المؤمنون.(4)

الحديث الخامس والأربعون روى في الكافي بإسناده ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(5) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي

.


1- .الزخرف (43): 79 - 80 .
2- .في الكافي المطبوع : «نزّل».
3- .الحج (22): 25.
4- .المؤمنون (23) : 41 ، والآية هكذا : «فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظّالِمينَ».
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».

ص: 244

قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ» : «يَا مَعْشَرَ الْمُكَذِّبِينَ حَيْثُ أَنْبَأْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ «مَنْ هُوَ فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ» كَذَا أُنْزِلَتْ».وَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا» فَقَالَ : «إِنْ تَلْوُوا الْأَمْرَ وَ تُعْرِضُوا عَمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً»».وَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» «بِتَرْكِهِمْ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «عَذاباً شَدِيداً» فِي الدُّنْيَا «وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى كانُوا يَعْمَلُونَ»» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة الملك.(1)(يا معشر المكذّبين) بيانُ المخاطبين في (فستعلمون).(كذا أنزلت) أي بهذا الشرح.والآية الثانية في سورة النساء.(2) و(فقال) كلام الراوي.وفي (تلووا) قراءتان سكون: اللام بواوين، من الليّ بمعنى الفتل والطيّ، يعني النقل من موضعه؛ وضمّ اللام بواو واحدة، من الولاية بمعنى الإمارة.والآية الثالثة في سورة فصّلت.(3)(ولنجزينّهم) في الآخرة؛ للتناظر والسياق.

الحديث السادس والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ،(4) عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ

.


1- .الملك (67) : 29.
2- .النساء (4) : 135.
3- .فصّلت (41) : 27.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن منصور ، عن إبراهيم بن عبد الحميد».

ص: 245

اللَّهِ عليه السلام : ««ذلِكُمْ (1) بِأَنَّهُ إِذا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَهُ» وَ أَهْلُ الْوَلَايَةِ «كَفَرْتُمْ»» .

هديّة:في سورة المؤمن هكذا : «ذلِكُمْ بِأَنَّهُ»(2) والمضبوط في نسخ الكافي : «ذلك»، فقيل لعلّه قراءتهم عليهم السلام.(وأهل الولاية) عطفٌ، يعني الأئمّة عليهم السلام. وقال برهان الفضلاء: والواو في «وأهل» لعطف التفسير، و«أهل» على الماضي المجهول من باب التفعيل، ونائب الفاعل المستتر الراجع إلى اللَّه، و«التأهيل»: عدّ الشي ء أهلاً ومستحقّاً لشي ء، و«الولاية»: مفعول ثانٍ لأهّل. قال: يعني ذلك الغضب والخلود في النار إنّما هو بسبب ترك توحيده بالإشراك في ولايته، وهي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من ولده عليهم السلام، كما مرّ في بيان آية سورة الكهف «هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ للَّهِ ِ الْحَقِّ»(3) في الحديث الرابع والثلاثين من هذا الباب.

الحديث السابع والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(4) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» قَالَ (5) : «هكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:الآية في سورة المعارج.(6) والباء في (بعذاب) للتقوية، يعني جدّ في سؤال العذاب وطلبه على أن لو كان إنكاره الولاية الحقّ على غير حقّ.

.


1- .هكذا في القرآن وفي كلتا النسختين : «ذلك».
2- .غافر (40) : 12.
3- .الكهف (18): 44.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن سليمان».
5- .في الكافي المطبوع : «ثمّ قال» بدل «قال».
6- .المعارج (70) : 1 - 2.

ص: 246

(هكذا واللَّه نزل بها) أي بها مشروحة على ما عرفت مراراً.

الحديث الثامن والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَيْفٍ ،(1) عَنْ أَخِيهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ»(2) «فِي أَمْرِ الْوَلَايَةِ» «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ» قَالَ : «مَنْ أُفِكَ عَنِ الْوَلَايَةِ ، أُفِكَ عَنِ الْجَنَّةِ» .

هديّة:الآية في سورة والذاريات.(3)قال برهان الفضلاء : «في أمر الولاية» متعلّق بقوله : «يؤفك عنه» قدّم لإفادة الحصر. و«الإفك» بالكسر: الكذب، وبالفتح: مصدر قولك: أفكه كضرب: لفته عن الشي ء وصرفه، قال اللَّه تعالى: «قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»(4).(عن الجنّة) تعبير عن الملزوم باللازم، أي عن الخلاص والنجاة؛ فنصّ في خلود المخالفين في النار.

الحديث التاسع والأربعون روى في الكافي عَنْ الاثنين،(5) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عَنْ يُونُسَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ» : «يَعْنِي بِقَوْلِهِ : «فَكُّ رَقَبَةٍ» وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ؛ فَإِنَّ ذلِكَ فَكُّ رَقَبَةٍ» .

هديّة:في سورة البلد هكذا: «أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد ين يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن سيف».
2- .في الكافي المطبوع : + «قال».
3- .الذّاريات (51) : 8.
4- .يونس (10) : 78.
5- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 247

اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ»(1).فسّر (له) بذلك المنافق، وأنّ الواو في (وهديناه) حاليّة بمعنى «قد» وأنّ (النجدين) معرفة الإمام الحقّ ومعرفة الإمام الباطل.و«اقتحم»: رمى نفسه في أمر بلا تأمّل. و(العقبة): المرقى الصعب من الجبال.(فإنّ ذلك فكّ رقبة) يعني لا تفكّ رقبة من النار إلّا بذلك، أي بالاقتحام فيما صعب على المنافقين دخوله.وقال برهان الفضلاء: يمكن أن يكون الواو في «وهديناه» عاطفة على «ألم نجعل» وهو استفهام إنكار بمعنى جعلنا، و«لا» النافية إذا دخلت على الماضي يجب تكرارها إذا كانت في جملة خبرية، وقيل: إذا لم تكن في جملة دعائيّة؛ لأنّها في معنى الاستقبال ؛ فلا تكرار على كلّ تقدير في «لا» في «فلا اقتحم»؛ لأنّها جملة إنشائيّة دعائيّة، فإنّ وجوب ولاية أمير المؤمنين عليه السلام إنّما هو بعد هذه الآية. وللآية تفسير آخر لبطن من بطونها، أوّلها يجي ء في كتاب الصدقة في باب فضل الصدقة إن شاء اللَّه تعالى.(2)

الحديث الخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ يونس (3) قال: أخبرني من رفعه إلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» قَالَ : «بِوَلَايَةِ(4) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة يونس.(5)

.


1- .البلد (90): 8 - 13.
2- .الكافي ، ج 4 ، ص 4 ، باب فضل الصدقة ، ح 10 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 7 ، ص 213 ، ح 6009.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام» والمراد منه : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن يونس».
4- .في الكافي المطبوع : «ولاية».
5- .يونس (10) : 2.

ص: 248

(بولاية) بيانٌ لمتعلّق (آمنوا). وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ولاية أمير المؤمنين عليه السلام» بدون الباء، قال: و«قدم صدق» عبارة عن الإمام الحقّ، فإنّ القدم يقال لمن له مرتبة عالية في الخصال الحسنة ومكارم الأخلاق، والمعنى: هو - أي تحقّق الإمام - الحقّ لهم؛ تحقّق ولاية أمير المؤمنين عليه السلام لهم.

الحديث الحادي والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا»(2)«بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ»» .

هديّة:الآية في سورة الحجّ.(3)(قطّعت) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل للكثرة؛ كثرة المشركين بالولاية، أو كثرة العذاب.

الحديث الثاني والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عمّه،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ»(5) قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:قد مرّ ببيانه في الحديث الرابع والثلاثين في هذا الباب.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة».
2- .وفي الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً ببعض النسخ : + «قال».
3- .الحجّ (22) : 19.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».
5- .الكهف (18) : 44.

ص: 249

الحديث الثالث والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (1) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً» قَالَ : «صَبَغَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَلَايَةِ فِي الْمِيثَاقِ» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(2) وفسّرت «الصبغة» بالزينة.(ومن أحسن من اللَّه صبغة) أي تزييناً بنور الإيمان بالولاية، وهو السعادة الأزليّة ونور العقل.ولقوله عليه السلام: (بالولاية في الميثاق) باعتبار المتعلّق إفادتان.

الحديث الرابع والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ،(3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «رَبِّ اغْفِرْ لِى وَ لِوالِدَىَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً» : «يَعْنِي الْوَلَايَةَ ، مَنْ دَخَلَ فِي الْوَلَايَةِ ، دَخَلَ فِي بَيْتِ الْأَنْبِيَاءِ» .وَ قَوْلِهِ : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» : «يَعْنِي الْأَئِمَّةَ وَ وَلَايَتَهُمْ ، مَنْ دَخَلَ فِيهَا ، دَخَلَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة نوح (4).(يعني الولاية، من دخل في الولاية) بيانٌ ل (بيتي)، يعني أراد بالبيت بيت الولاية الذي من دخله دخل بيت الأنبياء.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .البقرة (2) : 138.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن المفضّل بن صالح».
4- .نوح (71) : 28.

ص: 250

والآية الثانية في سورة الأحزاب.(1)(الأئمّة) مطهّرون من مطلق الرجس، وشيعتهم من رجس الكفر والضلال، ولذا فسّر هنا أهل البيت بمن دخل في بيت النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في الولاية أصالة وهم الأئمّة عليهم السلام، أو تبعاً وهم شيعتهم.

الحديث الخامس والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(2) عَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» ؟ قَالَ : «بِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ هؤُلَاءِ مِنْ دُنْيَاهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة يونس.(3)والباء في (بفضل اللَّه) متعلّق بسابقها، وهو قوله تعالى: «قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»(4)، والفاء في (فبذلك) للتفريع، والمشار إليه لذلك كلّ واحد من الفضل والرحمة، والفاء في (فليفرحوا) زائدة للتأكيد، ومرجع (هو) المشار إليه لذلك (بفضل اللَّه وبرحمته).و(بولاية محمّد وآل محمّد) لفّ ونشر على الترتيب، يعني لفّ ونشر على ترتيب اللفّ، ففضل اللَّه هو ولاية محمّد صلى اللَّه عليه وآله، ورحمته هو ولاية آله صلى اللَّه عليه وآله. وقد روى في قوله تعالى في سورة النساء: «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً»(5)، إنّ

.


1- .الأحزاب (33) : 33.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز ، عن محمّد بن الفضيل».
3- .يونس (10) : 58.
4- .يونس (10): 57 .
5- .النساء (4): 83 .

ص: 251

المعنى بفضل اللَّه هو النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، وبرحمته عليّ عليه السلام .(1)

الحديث السادس والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ الشَّحَّامِ ،(2) قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ نَحْنُ فِي الطَّرِيقِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ - : «اقْرَأْ ؛ فَإِنَّهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ قُرْآناً» فَقَرَأْتُ : «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِى مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ»(3) فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِي يَرْحَمُ اللَّهُ ، وَ نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ ، لكِنَّا نُغْنِي عَنْهُمْ» .

هديّة:يعني فقرات سورة الدخان حتّى قرأت هذه الآية.(فإنّها ليلة الجمعة) معترضة بين الجملة ومفعولها.(لكنّا) على المتكلّم مع الغير، واللام للتأكيد عنهم، أي عن شيعتنا.وقال برهان الفضلاء: «لكنّا» إشارة إلى أنّ الاستثناء منقطع، فضمير «ميقاتهم» للمشركين.وقال في شرحه بالفارسيّة: وليكن ما دفع ضرر مى كنيم از شيعه خود.

الحديث السابع والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ سَالِمٍ ،(4) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا نَزَلَتْ «وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : هِيَ أُذُنُكَ يَا عَلِيُّ» .

هديّة:الآية في سورة الحاقّة: «إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِى الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً

.


1- .تفسر القمّي ، ج 1 ، ص 145.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط ، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن زيد الشحّام».
3- .الدخان (44) : 40 - 42.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه، عن يحيى بن سالم».

ص: 252

وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(1) فسّر بمكّنّاكم في السفينة لنجعلها لكم تذكرة بحديث : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجى، ومن تخلّف غرق».(2)و«عاه»: حفظه، فلعلّ المعنى خطاب الجمع هي الاُذن المنسوبة إليك، وهي آذان الشيعة الإماميّة.

الحديث الثامن والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(3) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله هكَذَا : «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «قَوْلًا غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ»» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(4)(هكذا) يعني بهذا الشرح.و«الرجز»: العذاب.و«الفسق» في الأصل الظلم.قيل: والمراد أنّ ظالمي حقّ آل محمّد عليهم السلام كاليهود الذين هذه الآية نزلت فيهم.وهو كما ترى؛ إذ لا عالم بنسق القرآن وشأن نزوله وجميع خصاله سوى المعصوم العاقل عن اللَّه عزّ وجلّ.

.


1- .الحاقة (69): 12.
2- .حديث مشهور بين الفريقين ، على سبيل المثال راجع : بصائر الدرجات ، ص 297 ، ح 4 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 27 ، ح 10 ؛ الغيبة للنعماني ، ص 44 ؛ رجال الكشّي ، ص 26 ، ح 52 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 349 ، المجلس 12 ، ح 61 ؛ الاحتجاج ، ج 2 ، ص 380 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 5 ، ص 355 ، وج 6 ، ص 85 ؛ المعجم الصغير ، ج 1 ، ص 139.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه، عن محمّد بن الفضيل».
4- .البقرة (2) : 59.

ص: 253

الحديث التاسع والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : إِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» ثُمَّ قَالَ : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ» فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ «فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَ إِنْ تَكْفُرُوا» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِى السَّماواتِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ»» .

هديّة:(هكذا) أي بهذا الشرح.في سورة النساء هكذا : «إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا»(2).(ثمّ قال) كلام الإمام عليه السلام.«فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِى السَّماواتِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ» فسّر: فإلى أين تفرّون من غضبه، وبمن تلجأون من عذابه؟!

الحديث الستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ ،(3) عَنْ بَكَّارٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «هكَذَا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ» فِي عَلِيٍّ «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ»» .

هديّة:قد سبق مضمونه في الحديث الثامن والعشرين في هذا الباب.

الحديث الحادي والستّون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ،(4) عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني ، عن محمّد بن الفضيل».
2- .النساء (4) : 168.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه، عن عبد العظيم».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد ، عن عبد العظيم ، عن ابن اُذينة».

ص: 254

«وَ أُوحِىَ إِلَىَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ»(1) ؟ قَالَ : «مَنْ بَلَغَ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ يُنْذِرُ بِالْقُرْآنِ ، كَمَا يُنْذِرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:قد ذكر ببيانه في الحديث الحادي والعشرين من هذا الباب.

الحديث الثاني والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ ،(2)عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ ، قَالَ : قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» فَقَالَ : «لَيْسَ هكَذَا هِيَ ، إِنَّمَا هِيَ : «وَ الْمَأْمُونُونَ» فَنَحْنُ الْمَأْمُونُونَ» .

هديّة:الآية في سورة التوبة.(3)والسين في (فسيرى اللَّه) للتأكيد. قيل: قراءة أهل البيت عليهم السلام «والمأمونون» كما صرّح به عليه السلام. وقال برهان الفضلاء: لمّا كان مراد القاري سؤاله عن رؤية المؤمنين أعمال غيرهم أنّها هل هي في الدنيا أو في الآخرة، فقال عليه السلام: ليس المؤمنون هنا بالمعنى الأعمّ ، بل بمعنى الأئمّة المأمونين المؤمنين، بمعنى المعطين الأمان للشيعة من الهلاك.

الحديث الثالث والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ ،(4)عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «هذَا صِرَاطُ عَلِيٍّ مُسْتَقِيمٌ» .

هديّة:الآية في سورة الحجر،(5) يعني قرأ عليه السلام بإضافة «الصراط» إلي «علي» علماً. قال برهان

.


1- .الأنعام (6) : 19.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد، عن عبد العظيم».
3- .التوبة (9) : 105.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد ، عن عبد العظيم».
5- .الحجر (15) : 41.

ص: 255

الفضلاء: يمكن أن يكون قراءة غير مشهورة، ويمكن أن يكون بياناً لمعنى القراءة المشهورة.

الحديث الرابع والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : «فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «إِلّا كُفُوراً»» قَالَ : «وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : «وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ» فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ «فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ» آلَ مُحَمَّدٍ «ناراً»» .

هديّة:الآية الاُولى في السورتين: بني إسرائيل، والفرقان.(2)قال برهان الفضلاء: «بولاية عليّ» متعلّق بالكفور، وهو الإنكار أو شديده؛ يعني لم يفعلوا بعد التبليغ إلّا إنكار ولاية عليّ عليه السلام.والآية الثانية في سورة الكهف.(3)والمعنى بهكذا في الموضعين: بهذا الشرح للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الخامس والستّون روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ الْمُحَمَّدَينِ،(4) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» قَالَ : «هُمُ الْأَوْصِيَاءُ».

هديّة:عن أبي الحسن الأوّل أو الثاني عليهما السلام.والآية في سورة الجنّ،(5) يعني أنّ طاعة اللَّه إنّما هي بطاعة الأوصياء، وهم المواضع

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد ، عن عبد العظيم ، عن محمّد بن الفضيل».
2- .الإسراء (17) : 89 ؛ الفرقان (25) : 50.
3- .الكهف (18) : 29.
4- .يعني : «محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن الفضيل».
5- .الجنّ (72) : 18.

ص: 256

المقرّرة للعبادة، فلا تطيعوا غيرهم فتشركوا باللَّه.

الحديث السادس والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ مؤمن الطاق ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «قُلْ هذِهِ سَبِيلِى أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى»(2) قَالَ : «ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام».

هديّة:قد سبق مضمونه في الحديث الثامن في الباب التسعين.(3)

الحديث السابع والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ سَالِمٍ الْحَنَّاطِ ،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «آلُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة والذاريات في حكاية لوط عليه السلام.(5)قال برهان الفضلاء:«من» في «من المؤمنين» للتبعيض، وفي «من المسلمين» للاختصاص، بقرينة التغيير في مدخولهما، يعني غير بيت من المسلمين ليهتدي الناس بهداهم إلى ما هو الحقّ من

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الأحول ، عن سلّام بن المستنير».
2- .يوسف (12) : 108.
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 384 ، باب حالات الأئمّة في السّنّ ، ح 8.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنان ، عن سالم الحنّاط».
5- .الذاريات (51) : 35 - 36.

ص: 257

الأديان. قال: ونظير ذلك البيت في هذه الاُمّة آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله ؛ إذ ليس في الأرض هُداة غيرهم عليهم السلام.وقال بعض المعاصرين: يعني أنّ الناجين من قوم لوط المخرجين معه من القرية لئلّا يصيبهم العذاب النازل هم آل محمّد؛ لقوله صلى اللَّه عليه وآله: «كلّ تقيّ ونقيّ آلي».(1)

الحديث الثامن والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ ،(2) عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ قِيلَ هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» قَالَ : «هذِهِ نَزَلَتْ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا ، يَرَوْنَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي أَغْبَطِ الْأَمَاكِنِ لَهُمْ فَيُسِي ءُ وُجُوهَهُمْ ، وَ يُقَالُ لَهُمْ : «هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» الَّذِي انْتَحَلْتُمِ اسْمَهُ» .

هديّة:الآية في سورة الملك.(3)وضمير الجمع في (رأوه) لمن يمشي مكبّاً على وجهه، وضمير المفرد لمن يمشي سويّاً على صراطٍ مستقيم.و«الزلفة»: القربة.(سيئت): قبّحت بالعبوس، من ساءه؛ يتعدّى ولا يتعدّى، ولذا صرّح برهان الفضلاء بضبط «فيسيّئ وجوههم» على المضارع المعلوم من التفعيل، قال: أو من الإفعال.والمراد ب (أصحابه) فلان وفلان وفلان تعريضاً.و«الغبطة»: حسن الحال والمسرّة.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 896 ، ذيل ح 1555.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن إسماعيل بن سهل ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي السفاتج».
3- .الملك (12) : 108.

ص: 258

و«الانتحال»: ادّعاء الرجل ما ليس له، «انتحله»: ادّعى لنفسه ما لغيره كلقب أمير المؤمنين، وهو الذي سمّى اللَّه به عليّاً عليه السلام حسب.

الحديث التاسع والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عن عمّه،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ» قَالَ : «النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة البروج.(2)والواوان للقسم.شهد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّ عليّاً أمير المؤمنين من اللَّه تعالى، وهذه الشهادة من قبيل الشهادة في قوله تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ»(3) الآية.

الحديث السبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ ،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» قَالَ : «الْمُؤَذِّنُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:(الحلّال) بالمهملة: بيّاع الشيرج، وهو دهن السمسم؛ يعني سألت الرضا عليه السلام عن قوله تعالى في سورة الأعراف.(5)(بينهم) أي بين أصحاب الجنّة وأصحاب النار.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».
2- .البروج (85) : 3.
3- .آل عمران (3): 18.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عمر الحلّال».
5- .الأعراف (7) : 44.

ص: 259

الحديث الحادي والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عن عمّه،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ» قَالَ : «ذَاكَ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُبَيْدَةُ وَ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ عَمَّارٌ هُدُوا إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام». وَ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ» «يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ» : الْأَوَّلَ وَ الثَّانِيَ وَ الثَّالِثَ» .

هديّة:(عبيدة) بن الزبير بن عبد المطّلب، وقيل: ابن الحارث بن عبد المطّلب، قُتل يوم بدر رضي اللَّه عنه.والآية الاُولى في سورة الحجّ.(2)و(الحميد) بمعنى المحمود؛ يعني إلى صراط اللَّه المحمود في فعاله.والآية الثانية في سورة الحجرات (3). وقد سبق ذكرها ببيانها في عدّة مواضع.

الحديث الثاني والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ،(4) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «ائْتُونِى بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» قَالَ : «عَنى بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِيلَ ، وَأما أَثَارَةُ العِلْمِ (5) فَإِنَّمَا عَنى بِذلِكَ عِلْمَ أَوْصِيَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الأحقاف.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».
2- .الحجّ (22) : 24.
3- .الحجرات (49) : 7.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح».
5- .في الكافي المطبوع : «وأثارة من علم» بدل «وأمّا أثارة العلم».
6- .الأحقاف (46) : 4.

ص: 260

«الأثارة» وكذا «الأثرة» بفتحتين: البقيّة.

الحديث الثالث والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا رَأى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله تَيْماً وَ عَدِيّاً وَ بَنِي أُمَيَّةَ يَرْكَبُونَ مِنْبَرَهُ ، أَفْزَعَهُ ،(2) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى قُرْآناً يَتَأَسّى بِهِ «وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ أَبى» ثُمَّ أَوْحى إِلَيْهِ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي أَمَرْتُ فَلَمْ أُطَعْ، فَلَا تَجْزَعْ أَنْتَ إِذَا أَمَرْتَ فَلَا تُطَاعْ (3) فِي وَصِيِّكَ» .

هديّة:لفظة (أبى) ثابتة في البقرة وطه،(4) وأمّا في بني إسرائيل فهكذا: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً»(5).«تيم» و«عديّ» قبيلتان من قريش؛ الاُولى رهط الأوّل، والثانية رهط الثاني؛ والمراد منهما ومن بني اُميّة الأوّل والثاني والثالث.(أفزعه): أخافه من الفزع محرّكة بمعنى الخوف. وفي بعض النسخ المعتبرة: «أفظعه» بالعظيم؛ الجوهري: أفظع الرجل على ما لم يسمّ فاعله، أي نزل به أمرٌ عظيم. أفظعه الأمر: اشتدّت عليه فظاعته.(6)(يتأسّى به): يأنس ويتسلّى.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فلم تطع» مكان (فلا تطاع).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عمّن أخبره ، عن عليّ بن جعفر».
2- .في الكافي المطبوع : «أفظعه».
3- .في الكافي المطبوع : «فلم تطع».
4- .البقرة (2) : 34 ؛ طه (20) : 116.
5- .الإسراء (17): 60 - 61.
6- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1259 (فظع).

ص: 261

الحديث الرابع والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ،(1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ»(2) فَقَالَ : «عَرَفَ اللَّهُ إِيمَانَهُمْ بِمُوَالَاتِنَا وَ كُفْرَهُمْ بِهَا يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ وَ هُمْ ذَرٌّ فِي صُلْبِ آدَمَ».وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» فَقَالَ : «أَمَا وَ اللَّهِ مَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَ مَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا إِلَّا فِي تَرْكِ وَلَايَتِنَا وَ جُحُودِ حَقِّنَا ، وَ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الدُّنْيَا حَتّى أَلْزَمَ رِقَابَ هذِهِ الْأُمَّةِ حَقَّنَا ، وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» .

هديّة:قد سبق حديث السؤال الأوّل ببيانه في الحديث الرابع في هذا الباب.والآية الثانية في سورة التغابن.(3)والآية في آخر الحديث اقتباس من سورة البقرة وسورة النور.(4)

الحديث الخامس والسبعون روى في الكافي بإسناده بطريقين، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ،(5) عَنْ أَخِيهِ مُوسى عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ» قَالَ : «الْبِئْرُ الْمُعَطَّلَةُ : الْإِمَامُ الصَّامِتُ ، وَ الْقَصْرُ الْمَشِيدُ : الْإِمَامُ النَّاطِقُ» .

هديّة:الآية في سورة الحجّ.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- .التغابن (64) : 2.
3- .التغابن (64) : 12.
4- .البقرة (2) : 213 ؛ النور (24) : 46.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن و على بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن عليّ بن جعفر» و أيضاً «محمّد بن يحى ، عن العمركي ، عن عليّ بن جعفر».
6- .الحجّ (22) : 45.

ص: 262

كما أنّ الماء سبب حياة الأبدان كذلك علم الإمام الناطق سبب حياة الأرواح.

الحديث السادس والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ بُهْلُولٍ ،(1) عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ لَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» قَالَ : «يَعْنِي أنْ أَشْرَكَ (2) فِي الْوَلَايَةِ غَيْرَهُ . «بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ بِالطَّاعَةِ ، وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ أَنْ عَضَدْتُكَ بِأَخِيكَ وَ ابْنِ عَمِّكَ» .

هديّة:الآية في سورة الزمر.(3)(قال: يعني أن أشرك)، أي المخاطب بقوله: (لئن أشركت). (في الولاية) يعني في طاعة مفترض الطاعة الذي وجب في حكمته تعالى وجوده في كلّ زمان من لدن آدم إلى زمان صاحب الزمان عليهما السلام.(بالطاعة) يعني بطاعة من افترضت طاعته.

الحديث السابع والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسى ،(4) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عليهم السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها» قَالَ : «لَمَّا نَزَلَتْ «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ» اجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا تَقُولُونَ فِي هذِهِ الْآيَةِ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنْ كَفَرْنَا بِهذِهِ الْآيَةِ ، نَكْفُرُ بِسَائِرِهَا ؛ وَ إِنْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحكم بن بهلول».
2- .في الكافي المطبوع : «إن أشركت» بدل «أن أشرك».
3- .الزمر (39) : 65.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي ، قال : حدّثني أبي عن أحمد بن عيسى».

ص: 263

آمَنَّا ، فَإِنَّ هذَا ذُلٌّ حِينَ تَسَلِّطَ(1) عَلَيْنَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالُوا : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّداً صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ ، وَ لكِنَ (2) نَتَوَلَّاهُ ، وَ لَا نُطِيعُ عَلِيّاً فِيمَا أَمَرَنَا» . قَالَ : «فَنَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها» يَعْرِفُونَ: يَعْنِي وَلَايَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام «وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ» بِالْوَلَايَةِ» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة النحل،(3) والثانية آية الولاية في المائدة.(4)قال برهان الفضلاء: ظاهر هذا الحديث أنّ سورة النحل بأجمعها أو ببعضها مدنيّة إلّا أن يقرأ: «فنزّلت» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، بمعنى فسّرت من التفسير بمعنى تنزيل اللفظ على معناه.

الحديث الثامن والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مؤمن الطاق، عَنْ سَلَّامٍ ،(5) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام (6) : «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» قَالَ : «هُمُ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ مَخَافَةِ عَدُوِّهِمْ» .

هديّة:الآية في سورة الفرقان: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً»(7).و«الهون» بالفتح مصدر يصحّ للمفرد والجمع، يعني سهلاً محتاطين في نظر الأعداء.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يسلّط».
2- .في الكافي المطبوع : «لكنّا».
3- .النحل (16) : 83.
4- .المائدة (5) : 55.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن النعمان ، عن سلّام».
6- .في الكافي المطبوع : + «عن قوله تعالى».
7- .الفرقان (25): 63 .

ص: 264

الحديث التاسع والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ،(1) عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ : أَنَّهُ سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ (2) : «أَنِ اشْكُرْ لِى وَ لِوالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ» فَقَالَ : «الْوَالِدَانِ - اللَّذَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا الشُّكْرَ - هُمَا اللَّذَانِ وَلَدَا الْعِلْمَ ، وَوَرِثَا الْحُكْمَ ، وَ أُمِرَ النَّاسُ بِطَاعَتِهِمَا ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ : «إِلَىَّ الْمَصِيرُ» فَمَصِيرُ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالى ، وَ الدَّلِيلُ عَلى ذلِكَ الْوَالِدَانِ .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى ابْنِ حَنْتَمَةَ وَ صَاحِبِهِ ، فَقَالَ فِي الْخَاصِّ وَ الْعَامِّ : «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِى» تَقُولَ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَ تَعْدِلَ عَمَّنْ أُمِرْتَ بِطَاعَتِهِ «فَلَا تُطِعْهُمَا» وَ لَا تَسْمَعْ قَوْلَهُمَا .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ : «وَ صاحِبْهُما فِى الدُّنْيا مَعْرُوفاً» يَقُولُ : عَرِّفِ النَّاسَ فَضْلَهُمَا ، وَ ادْعُ إِلى سَبِيلِهِمَا ، وَ ذلِكَ قَوْلُهُ : «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ» فَقَالَ : إِلَى اللَّهِ ثُمَّ إِلَيْنَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَعْصُوا الْوَالِدَيْنِ ؛ فَإِنَّ رِضَاهُمَا رِضَى اللَّهِ ، وَ سَخَطَهُمَا سَخَطُ اللَّهِ» .

هديّة:في سورة لقمان هكذا: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(3).فسّر «وَهْناً عَلى وَهْنٍ» بذات وهن على ذات وهن الأوّل على الثاني، وعامين بمدّة زمان طغيان الأوّل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن بسطام بن مرّة ، عن إسحاق بن حسّان ، عن الهيثم بن واقد ، عن عليّ بن الحسين العبيدي ، عن سعد الإسكاف».
2- .في الكافي المطبوع : «عن قوله تعالى».
3- .لقمان (31): 14 - 15 .

ص: 265

قوله: (ولَدَا العلم) من المجرّد، (وورّثا الحكم) أي الحكمة من التوريث. قيل: الوالدان هنا النبيّ والوصيّ؛ للحديث الثامن الآتي في الباب الرابع والعشرين والمائة، وفيه: «ورسول اللَّه وعليّ هما الوالدان».(1)وقال برهان الفضلاء: الوالدان هنا عبارة عن محكمات القرآن والإمام، نبيّاً كان أو وصيّاً، فالكتاب بمنزلة الاُمّ للعلم كاُمّ الكتاب للكتاب. والدليل على ذلك، أي على طريق المصير إلى اللَّه سبحانه.و(ابن حنتمة) بفتح المهملة وسكون النون وفتح المثنّاة من فوق قبل الميم، هو الثاني، و«حنتمة» اسم اُمّه. القاموس: حنتمة بنت ذي الرمحين، اُمّ عمر بن الخطّاب ، وليست باُخت أبي جهل كما وهموا، بل بنت عمّه.(2) وقد صحّ في بيان نسبته أنّها كانت اُمّه واُخته وعمّته وخالته.وقال برهان الفضلاء:والمرفوع في «جاهداك» لباعث الوهنين في محكمات القرآن في زمان الأوّل وزمان الثاني، ثمّ قال: وظاهر الحديث الآتي في باب برّ الوالدين في كتاب الإيمان والكفر دلالة على أنّ «إن» في «وإن جاهداك» وصليّة، لا شرطيّة، وأنّ الفاء في «فلا تطعهما» للتفريع ليست جزائيّة، وتوهّم المفسّرون من المخالفين أنّ «إن» شرطية والفاء جزائية، فغفلوا عن أنّ مفهوم الشرط يوهم جواز الإشراك إن كانت الدعوة على الملائمة دون المجاهدة، قال: «تقول في الوصية» على الخطاب والنصب تفسيراً ل «أن تشرك بي»، يعني أن تتصرّف وتغيّر فيها، و«يقول» في «يقول عرّف الناس» على الغيبة، يعني يقول اللَّه تبارك وتعالى.

الحديث الثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ،(3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ

.


1- .أي «باب ما جاء في الإثني عشر و النصّ عليهم عليهم السلام».
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 102 (حنتم).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف ، عن أبيه ، عن عمرو بن حريث».

ص: 266

تَعَالى : «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِى السَّماءِ» قَالَ : فَقَالَ : «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَصْلُهَا ، وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَرْعُهَا ، وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أَغْصَانُهَا ، وَ عِلْمُ الْأَئِمَّةِ ثَمَرُهَا ،(1) وَ شِيعَتُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَرَقُهَا ، هَلْ فِيهَا فَضْلٌ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ ، قَالَ : «وَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُولَدُ ، فَتُورَقُ وَرَقَةٌ فِيهَا ، وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَمُوتُ ، فَتَسْقُطُ وَرَقَةٌ مِنْهَا» .

هديّة:الآية في سورة إبراهيم: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ * تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ»(2). فسّرت كلمة اللَّه بالإمام الحقّ.في بعض النسخ : «قال: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: أنا أصلها» بزيادة «أنا»، فقوله: (وأمير المؤمنين عليه السلام) كلام الإمام، والأنسب على هذا «فقال: قال».(فرعها) أي جسدها، وهو فرع الأصل، كما أنّ الغصن فرع الجسد.(هل فيها فضل) يعني هل بقي شي ء في الشجرة غير ما ذكر.وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «شوب» مكان (فضل) يعني هل في هذه الكلمات شكّ وشبهة أو شائبة من الشكّ والشبهة أو خلط من غيرهم.(فتورق) على ما لم يسمّ فاعله من باب ضرب، أو الإفعال، أو التفعيل، و(ورقة) نائب الفاعل.

الحديث الحادي والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ ،(3) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى (4) : «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» «يَعْنِي فِي الْمِيثَاقِ». «أَوْ

.


1- .في الكافي المطبوع : «ثمرتها».
2- .إبراهيم (14): 24 - 25.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد اللَّه بن محمّد اليماني ، عن منيع بن الحجّاج ، عن يونس».
4- .في الكافي المطبوع : «في قول اللَّه عز و جل».

ص: 267

كَسَبَتْ فِى إِيمانِها خَيْراً» قَالَ : «الْإِقْرَارُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَاصَّةً ، قَالَ : لَا يَنْفَعُ إِيمَانُهَا لِأَنَّهَا سُلِبَتْ» .

هديّة:الآية في سورة الأنعام: «يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْراً»(1). فسّر «بعض الآيات» بالقائم عليه السلام، والترديد للتخيير في التكلّم، يعني أنّ المعطوف والمعطوف عليه متلازمان، فبأيّهما شئت تكلّم في بيان المرام، ولا يخفى لطف قوله عليه السلام: (لأنّها سلبت) مكان «لأنّه سلب عنها».

الحديث الثاني والثمانون روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ عَنْ يُونُسَ ، عَنْ صَبَّاحٍ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (2) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ» قَالَ : «إِذَا جَحَدَ إِمَامَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»» .

هديّة:في بعض النسخ : «عن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السلام».الآية في سورة البقرة.(3)والتعبير عن الكفر بإحاطة الخطيئة للتلازم.

الحديث الثالث والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(4) عَنْ الْحَذَّاءِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، وَ قَوْلِ النَّاسِ ، فَقَالَ - وَ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ» - : «يَا بَا عُبَيْدَةَ ،(5) النَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي إِصَابَةِ الْقَوْلِ ، وَ كُلُّهُمْ هَالِكٌ».

.


1- .الأنعام (6): 158.
2- .في الكافي المطبوع : «عن أحدهما عليهما السلام» بدل «عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
3- .البقرة (2) : 81.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان».
5- .في الكافي المطبوع : «يا أبا عبيدة».

ص: 268

قَالَ : قُلْتُ : قَوْلُهُ : «إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ»؟ قَالَ : «هُمْ شِيعَتُنَا ، وَ لِرَحْمَتِهِ خَلَقَهُمْ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ : «وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ» يَقُولُ : لِطَاعَةِ الْإِمَامِ ؛ الرَّحْمَةُ الَّتِي يَقُولُ : «وَ رَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ» يَقُولُ : عِلْمُ الْإِمَامِ ، وَسِعَ (1) عِلْمُهُ - الَّذِي هُوَ مِنْ عِلْمِهِ - كُلَّ شَيْ ءٍ هُمْ شِيعَتُنَا ، ثُمَّ قَالَ : «فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» يَعْنِي وَلَايَةَ غَيْرِ الْإِمَامِ وَ طَاعَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : «يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ» يَعْنِي النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْوَصِيَّ وَ الْقَائِمَ «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ» إِذَا قَامَ «وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ» وَ الْمُنْكَرُ مَنْ أَنْكَرَ فَضْلَ الْإِمَامِ وَ جَحَدَهُ «وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ» : أَخْذَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِهِ «وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» وَ الْخَبَائِثُ قَوْلُ مَنْ خَالَفَ «وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ» وَ هِيَ الذُّنُوبُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَتِهِمْ فَضْلَ الْإِمَامِ «وَ الْأَغْلالَ الَّتِى كانَتْ عَلَيْهِمْ» وَ الْأَغْلَالُ مَا كَانُوا يَقُولُونَ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِهِ مِنْ تَرْكِ فَضْلِ الْإِمَامِ ، فَلَمَّا عَرَفُوا فَضْلَ الْإِمَامِ وَضَعَ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ؛ وَ الْإِصْرُ : الذَّنْبُ ، وَ هِيَ الْآصَارُ .ثُمَّ نَسَبَهُمْ ، فَقَالَ : «فَالَّذِينَ (2) آمَنُوا» يَعْنِي بِاالنّبِيّ صلّى اللَّه عَليْه و آله (3)«وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ» وَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ وَ الأئمَّةُ عليهم السلام (4)«أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» يَعْنِي الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الْجِبْتَ وَ الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ؛ وَ الْجِبْتُ وَ الطَّاغُوتُ : فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، وَ الْعِبَادَةُ : طَاعَةُ النَّاسِ لَهُمْ .ثُمَّ قَالَ : «أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ» ثُمَّ جَزَاهُمْ ، فَقَالَ : «لَهُمُ الْبُشْرى فِى الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِى الْآخِرَةِ» وَ الْإِمَامُ يُبَشِّرُهُمْ بِقِيَامِ الْقَائِمِ عليه السلام ،(5) وَ بِقَتْلِ أَعْدَائِهِمْ ، وَ بِالنَّجَاةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَ الْوُرُودِ عَلى مُحَمَّدٍ(6) وَآلِهِ الصَّادِقِينَ عَلَى الْحَوْضِ» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «و وسع».
2- .هكذا في القرآن، و في «الف» و «د»: «الذين» بدون الفاء.
3- .في الكافي المطبوع : «بالإمام» بدل «بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله».
4- .في الكافي المطبوع : - «و هو أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام».
5- .في الكافي المطبوع : + «و بظهوره».
6- .في الكافي المطبوع : + «صلّى اللَّه عليه».

ص: 269

هديّة:(قول الناس) يعني اختلافهم في مسألة استطاعة العبد بالاستقلال في الأفعال على أقوال شتّى، أو المراد بالناس القدريّة الذين قالوا: إنّ العبد قادر بالاستقلال على المكلّف به، وأنّ الكافر قادر على الإيمان وتعلّق مشيّة اللَّه تعالى بإيمانه ومشيّة الشيطان بكفره، فقد لا يؤثّر مشيّة اللَّه ويؤثّر مشيّة الشيطان، وأمثال قوله تعالى «لا رادّ لمشيّته» و«يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ»(1) ردٌّ عليهم.(فقال :) يعني الإمام عليه السلام، (وتلا) حاليّة، فالتقدير: وقد تلا هذه الآية من سورة هود، وهي هكذا: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(2).(يقول) في المواضع الثلاثة على الغيبة، يعني يقول اللَّه تعالى، واللام في (لطاعة) مكسورة، ويحتمل الفتح. و(الرحمة) على الأوّل بالجرّ نعت الإمام، وعلى الثاني خبرٌ، ويحتمل أن يكون بدلاً عن «رحمته» في (لرحمته)، في سورة الأعراف هكذا: «قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»(3).قوله عليه السلام: (يقول: علم الإمام، وسع علمه الذي هو من علمه كلّ شي ء هم شيعتنا)، «علمه الذي» بدل عن «علم الإمام»، «هو من علمه» أي من علم اللَّه تعالى، «هم شيعتنا» يعني كلّ شي ء عبارة عن ذنوب شيعتنا، وضمير الجمع باعتبار الخبر، أو للإشارة إلى أنّ

.


1- .إبراهيم (14): 27.
2- .هود (11): 118 و 119.
3- .الأعراف (7): 156 - 157.

ص: 270

كلّ شي ء عبارة عن الشيعة بذنوبهم.وقرأ برهان الفضلاء : «يقول: علّم الإمام» على الماضي المعلوم من التفعيل، وضبط «ووسع» بزيادة الواو، كما في بعض النسخ المعتبرة، وقال:اللام في «لطاعة» بالكسر، و«الامام» بالجرّ للإضافة، و«الرحمة» نعت ل «لإمام»، قال: وهذه الفقرة لتفسير «لذلك خلقهم»، وقوله، «التي» بتقدير «التي» يقول فيها، وهذه الفقرة استشهاد للتفسير المذكور، وأيضاً ضبط «هو سعتنا» بمعنى وسعتنا مكان (هم شيعتنا)، و«بم قال» بالمفردة مكان (ثمّ قال) بالمثلّثة، وقال: يعني يقول اللَّه خلقهم لطاعة الإمام الذي هو الرحمة التي يقول اللَّه في شأنها: «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ»، يقول اللَّه علّم اللَّه الإمام، ووسع علم الإمام الذي من علم اللَّه تعالى كلّ شي ء في السماوات والأرض، وكلّ أمر وحُكْم من أوّل الدنيا إلى آخرها وذلك المذكور من الوسع وسع علمنا بأيّ سبب، قال اللَّه تعالى متّصلاً بالسابق «فسأكتبها» يعني البتّة، فالسين للتأكيد. انتهى.(للذين يتّقون) يعني للذين لهم التبرّي من ولاية أئمّة الضلالة، ولا فائدة للتقوى الظاهري بدون التقوى الباطني.(والمنكر من أنكر فضل الإمام) يحتمل كسر الكاف، والمراد بالإمام الحجّة المعصوم، نبيّاً كان أو وصيّاً.(والاغلال ما كانوا يقولون) لأنّ أقوالهم حبستهم عن الاهتداء إلى الحقّ.و«الإصار» ككتاب: حبل صغير يشدّ به أسفل الخباء، وبالذنب يشدّ رِجْل المذنب عن المشي إلى طريق الحقّ، وهو طاعة المفترض الطاعة.(وعزّروه) أي وعظّموه ظاهراً وباطناً. وقيل: يعني عدّوه عظيماً في قلوبهم وخواطرهم.(يعني الذين اجتنبوا) إلى قوله: (وأسلموا له) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الزمر: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ»(1)، وضمير

.


1- .الزمر (39): 17.

ص: 271

التأنيث باعتبار الجماعة، ولذا قال عليه السلام: (والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان) الأوّل والثاني والثالث وأتباعهم من أئمّة الضلالة.(ثمّ جزاهم) أي أظهر جزاءهم ومكافأتهم، أو ثمّ بشّرهم بمكافأة حسن العقائد والأعمال. وقرأ برهان الفضلاء بالحاء المهملة والتشديد، قال: التحرية جعل الشي ء حريّاً بشي ء.(فقال):«لَهُمْ الْبُشْرَى فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ» يعني في سورة يونس.(1)(على الحوض) أي في شاطئ الكوثر.

الحديث الرابع والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ ،(2) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَ : «الَّذِينَ اتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ ، وَ هُمْ - وَ اللَّهِ يَا عَمَّارُ - دَرَجَاتُ الْمُؤْمِنِينَ (3) ، وَ بِوَلَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ إِيَّانَا يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ، وَ يَرْفَعُ اللَّهُ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ الْعُلى» .

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(4)(باء) أي رجع عن طاعة الإمام بغضب كثير عظيم.

الحديث الخامس والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ ،(5) عَنْ عَمَّارٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي

.


1- .يونس (10): 64.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمّار الساباطي».
3- .في الكافي المطبوع : «درجات للمؤمنين» بدل «درجات المؤمنين».
4- .آل عمران (3) : 163.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و غيره ، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي».

ص: 272

قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» «وَلَايَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ - وَ اُوْمَاً(1)بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ - فَمَنْ لَمْ يَتَوَلَّنَا لَمْ يَرْفَعِ اللَّهُ لَهُ عَمَلًا» .

هديّة:الآية في سورة الفاطر.(2)(عملاً) يعني وإن كان قول لا إله إلّا اللَّه.

الحديث السادس والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(3) عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ» قَالَ : «الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام» ، «وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ» قَالَ : «إِمَاماً(4)تَأْتَمُّونَ بِهِ» .

هديّة:الآية في سورة الحديد: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ»(5)، قد مرّ لها تفسير آخر في الحديث الثالث في الباب الثالث عشر.(6)

الحديث السابع والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ،(7) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ الْجَوْهَرِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ» قَالَ : «مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أهوى».
2- .فاطر (35) : 10.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان».
4- .في الكافي المطبوع : «إمام».
5- .الحديد (57): 28.
6- .أي: «باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللَّه عزَّ و جلّ».
7- .روي الكليني هذا الحديث مباشرة عن عليّ بن إبراهيم الذي هو من مشايخه فالتعبير ب «بإسناده» سهو.

ص: 273

«قُلْ إِى وَ رَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ»» .

هديّة:الآية في سورة يونس.(1)و«الاستنباء»: الاستفسار. وضمير الجمع للمنافقين.(بمعجزين): بغالبين على الحقّ، «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ»(2). وقيل: يعني بل المعجزة مع الرسول صلى اللَّه عليه وآله فيما قال في عليّ عليه السلام.

الحديث الثامن والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَوْلُهُ : «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ» ؟ فَقَالَ : «مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِوَلَايَتِنَا فَقَدْ جَازَ الْعَقَبَةَ ، وَ نَحْنُ تِلْكَ الْعَقَبَةُ الَّتِي مَنِ اقْتَحَمَهَا نَجَا».قَالَ : فَسَكَتَ ، فَقَالَ لِي : «فَهَلَّا أُفِيدُكَ حَرْفاً خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا ؟» قُلْتُ : بَلى جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «قَوْلُهُ : «فَكُّ رَقَبَةٍ»». ثُمَّ قَالَ : «النَّاسُ كُلُّهُمْ عَبِيدُ النَّارِغَيْرَكَ وَ أَصْحَابِكَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ فَكَّ رِقَابَكُمْ مِنَ النَّارِ بِوَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ» .

هديّة:الآية في سورة البلد،(4) وقد ذكرت في الحديث التاسع والأربعين في هذا الباب.

الحديث التاسع والثمانون روى في الكافي عَنْ الثلاثة،(5) عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ

.


1- .يونس (10) : 53.
2- .يوسف (12): 21.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه ، عن أبان بن تغلب».
4- .البلد (90) : 11.
5- .يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».

ص: 274

أَوْفُوا بِعَهْدِى» قَالَ : «بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام»، «أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» : «أُوفِ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(1)(بعهدكم) أي في الميثاق أو عامّ.

الحديث التسعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا» قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دَعَا قُرَيْشاً إِلى وَلَايَتِنَا ، فَنَفَرُوا وَ أَنْكَرُوا ، فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا - الَّذِينَ أَقَرُّوا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ - : «أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا» ؛ تَعْيِيراً مِنْهُمْ . فَقَالَ اللَّهُ رَدّاً عَلَيْهِمْ : «وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ» مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ «هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً»» .قُلْتُ : قَوْلُهُ : «مَنْ كانَ فِى الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا»؟ قَالَ : «كُلُّهُمْ كَانُوا فِي الضَّلَالَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ لَا بِوَلَايَتِنَا ، فَكَانُوا ضَالِّينَ مُضِلِّينَ ، فَيَمُدُّ لَهُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ وَ طُغْيَانِهِمْ حَتّى يَمُوتُوا ، فَيُصَيِّرُهُمُ اللَّهُ شَرّاً مَكَاناً وَ أَضْعَفَ جُنْداً».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السَّاعَةَ * فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً» ؟ قَالَ : «أَمَّا قَوْلُهُ : «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ» فَهُوَ خُرُوجُ الْقَائِمِ عليه السلام وَ هُوَ السَّاعَةُ ، فَسَيَعْلَمُونَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَلى يَدَيْ قَائِمِهِ ، فَذلِكَ قَوْلُهُ : «مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً» يَعْنِي عِنْدَ الْقَائِمِ «وَ أَضْعَفُ جُنْداً»».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً» ؟ قَالَ : «يَزِيدُهُمْ ذلِكَ الْيَوْمَ هُدًى عَلى هُدًى بِاتِّبَاعِهِمُ الْقَائِمَ عليه السلام حَيْثُ لَا يَجْحَدُونَهُ وَ لَا يُنْكِرُونَهُ» .

.


1- .البقرة (2) : 40.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».

ص: 275

قُلْتُ : قَوْلُهُ : «لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» ؟ قَالَ : «إِلَّا مَنْ دَانَ اللَّهَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام مِنْ بَعْدِهِ ، فَهُوَ الْعَهْدُ عِنْدَ اللَّهِ».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» ؟ قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هِيَ الْوُدُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ» .قُلْتُ : «فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا»؟ قَالَ : «إِنَّمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلى لِسَانِهِ حِينَ أَقَامَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلَماً ، فَبَشَّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ أَنْذَرَ بِهِ الْكَافِرِينَ ، وَ هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لُدّاً أَيْ كُفَّاراً» .قَالَ : وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ» قَالَ : «لِتُنْذِرَ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَنْتَ فِيهِمْ كَمَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، فَهُمْ غَافِلُونَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنْ وَعِيدِهِ «لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ» مِمَّنْ لَا يُقِرُّونَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» بِوَلَايَةِ(1) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام ، فَلَمَّا لَمْ يُقِرُّوا ، كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ : «إِنَّا جَعَلْنا فِى أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِىَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ» فِي نَارِ جَهَنَّمَ».ثُمَّ قَالَ : ««وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» عُقُوبَةً مِنْهُ لَهُمْ ؛ حَيْثُ أَنْكَرُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ؛ هذَا فِي الدُّنْيَا ، وَ فِي الْآخِرَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مُقْمَحُونَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، «وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» بِاللَّهِ وَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ مَنْ بَعْدَهُ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ» يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «وَ خَشِىَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ» يَا مُحَمَّدُ «بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ»» .

هديّة:الآيات في هذا الحديث في سورة مريم إلى قوله: «وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً»(2)، ثمّ في سورة يس إلى قوله: «بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ»(3)، قيل: «من» في (من قريش) للتبعيض، وقال برهان

.


1- .في الكافي المطبوع : «بإمامة».
2- .مريم (19): 97.
3- .يس (36): 11.

ص: 276

الفضلاء: للسببيّة.(الذين أقرّوا) بدل أو عطف بيان.والفاء في (فقال اللَّه) للتفريع.و«الندى» على فعيل بمعنى النادي مجلس القوم ما داموا فيه.و«الأثاث»: المتاع ومتاع البيت، و«الرِئ»: المرأى والمنظر.و(كلّهم) في مكان «أكثرهم» للمبالغة في قلّة المستثنى بعد «إلّا» بعد في قوله: «إِلَّا مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً»(1).قال برهان الفضلاء: «الساعة» يقال للإبل لا راعي لها، فالمراد من لا أحد له مَن القريب والمعاون.(مقمحون): رافعون رؤوسهم لثقل الأغلال غاضّون أبصارهم.

الحديث الحادي والتسعون روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(2) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ» قَالَ : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِأَفْوَاهِهِمْ».قُلْتُ : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»؟ قَالَ : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ لِلْإِمَامَةِ(3) ؛ لِقَوْلِهِ : «الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنْزَلْنا» فَالنُّورُ هُوَ الْإِمَامُ».قُلْتُ : «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ»؟ قَالَ : «هُوَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ بِالْوَلَايَةِ لِوَصِيِّهِ ، وَ الْوَلَايَةُ هِيَ دِينُ الْحَقِّ».قُلْتُ : «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»؟ قَالَ : «يُظْهِرُهُ عَلى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ عليه السلام».

.


1- .مريم (19): 87.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل».
3- .في الكافي المطبوع : «الإمامة».

ص: 277

قَالَ : «يَقُولُ اللَّهُ : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»: وَلَايَةِ الْقَائِمِ عليه السلام «وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، أَمَّا هذَا الْحَرْفُ فَتَنْزِيلٌ ؛ وَ أَمَّا غَيْرُهُ فَتَأْوِيلٌ» .قُلْتُ : «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا» ؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى سَمّى مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ رَسُولَهُ فِي وَلَايَةِ وَصِيِّهِ مُنَافِقِينَ ، وَ جَعَلَ مَنْ جَحَدَ وَصِيَّهُ إِمَامَتَهُ كَمَنْ جَحَدَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنْزَلَ بِذلِكَ قُرْآناً ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، «إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ» بِوَلَايَةِ وَصِيِّكَ «قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «لَكاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وَ السَّبِيلُ هُوَ الْوَصِيُّ «إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا» بِرِسَالَتِكَ وَكَفَرُوا بِوَلَايَةِ وَصِيِّكَ فَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ» .قُلْتُ : مَا مَعْنى «لَا يَفْقَهُونَ»؟ قَالَ : «يَقُولُ : لَا يَقُولُونَ (1) بِنُبُوَّتِكَ».قُلْتُ : «وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ»؟ قَالَ : «وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام يَسْتَغْفِرْ لَكُمُ النَّبِيُّ مِنْ ذُنُوبِكُمْ «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ» عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ» عَلَيْهِ .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ مِنَ اللَّهِ بِمَعْرِفَتِهِ بِهِمْ ، فَقَالَ : «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» يَقُولُ : الظَّالِمِينَ لِوَصِيِّكَ» .قُلْتُ : «أَ فَمَنْ يَمْشِى مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلاً(2) مَنْ حَادَ عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام كَمَنْ يَمْشِي عَلى وَجْهِهِ لَا يَهْتَدِي لِأَمْرِهِ ، وَ جَعَلَ مَنْ تَبِعَهُ سَوِيّاً عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».

.


1- .في الكافي المطبوع : «لا يعقلون».
2- .في الكافي المطبوع : «مثل».

ص: 278

قَالَ : قُلْتُ : قَوْلُهُ : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» ؟ قَالَ : «يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالى فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ (1) : «وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ» ؟ قَالَ : «قَالُوا : إِنَّ مُحَمَّداً كَذِبَ (2) عَلى رَبِّهِ ، وَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهذَا فِي عَلِيٍّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذلِكَ قُرْآناً ، فَقَالَ : إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ عليه السلام «تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا» مُحَمَّدٌ «بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ» .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ ، فَقَالَ : إِنَّ الوَلَايَةَ(3)«لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ» لِلْعَالَمِينَ «وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ» وَ إِنَّ عَلِيّاً «لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ» وَ إِنَّ وَلَايَتَهُ «لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ (4) بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» يَقُولُ : اشْكُرْ رَبَّكَ الْعَظِيمَ الَّذِي أَعْطَاكَ هذَا الْفَضْلَ» .قُلْتُ : قَوْلُهُ : «لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ»؟ قَالَ : «الْهُدَى : الْوَلَايَةُ ، آمَنَّا بِمَوْلَانَا ، فَمَنْ آمَنَ بِوَلَايَةِ مَوْلَاهُ «فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً»».قُلْتُ : تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «لَا ، تَأْوِيلٌ».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً»؟ قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دَعَا النَّاسَ إِلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَاجْتَمَعَتْ (5) قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ، أَعْفِنَا مِنْ هذَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : هذَا إِلَى اللَّهِ لَيْسَ إِلَيَّ ، فَاتَّهَمُوهُ وَ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى : «قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً * قُلْ إِنِّى لَنْ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ» إِنْ عَصَيْتُهُ «أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلَاغاً مِنَ اللَّهِ وَ رِسَالَاتِهِ» فِي عَلِيٍّ عليه السلام» .قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ». ثُمَّ قَالَ تَوْكِيداً : ««وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ» فِي وَلَايَةِ

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال : قلت» بدل «قلت».
2- .في الكافي المطبوع : «كذّاب».
3- .في الكافي المطبوع : «ولاية عليّ».
4- .في الكافي المطبوع : + «يا محمّد».
5- .في الكافي المطبوع : + «إليه».

ص: 279

عَلِيٍّ عليه السلام «فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً»».قُلْتُ : «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً»؟ «يَعْنِي بِذلِكَ الْقَائِمَ عليه السلام وَ أَنْصَارَهُ».قُلْتُ : «وَ اصْبِرْ(1) عَلى ما يَقُولُونَ»؟ قَالَ : «يَقُولُونَ فِيكَ : «وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا * وَ ذَرْنِى» يَا مُحَمَّدُ «وَ الْمُكَذِّبِينَ» بِوَصِيِّكَ «أُولِى النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلًا»».قُلْتُ : إِنَّ هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ : «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» ؟ قَالَ : «يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ وَصِيَّهُ حَقٌّ» .قُلْتُ : «وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً»؟ قَالَ : «يَزْدَادُونَ (2) بِوَلَايَةِ الْوَصِيِّ إِيمَاناً».قُلْتُ : «وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قَالَ : «بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ : مَا هذَا الِارْتِيَابُ ؟ قَالَ : «يَعْنِي بِذلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ ، فَقَالَ : وَ لَا يَرْتَابُونَ فِي الْوَلَايَةِ» .قُلْتُ : «وَ ما هِىَ إِلّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ : «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ» ؟ قَالَ : «الْوَلَايَةُ».قُلْتُ : «لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» ؟ قَالَ : «مَنْ تَقَدَّمَ إِلى وَلَايَتِنَا ، أُخِّرَ عَنْ سَقَرَ ، وَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنَّا ، تَقَدَّمَ إِلى سَقَرَ».«إِلّا أَصْحابَ الْيَمِينِ»؟ «هُمْ (3) وَ اللَّهِ شِيعَتُنَا».قُلْتُ : «لَمْ نَكَ مِنَ الْمُصَلِّينَ» ؟ قَالَ : «إِنَّا لَمْ نَتَوَلَّ وَصِيَّ مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ» .قُلْتُ : «فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ» ؟ قَالَ : «عَنِ الْوَلَايَةِ(4)».

.


1- .هكذا في القرآن و المطبوع وفي «الف» و «د» : «فاصبر».
2- .في الكافي المطبوع : «و يزدادون».
3- .في الكافي المطبوع : «قال : هم» بدل «هم».
4- .في الكافي المطبوع : + «معرضين».

ص: 280

قُلْتُ : «كَلّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ» ؟ قَالَ : «الْوَلَايَةُ».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» ؟ قَالَ : «يُوفُونَ لِلَّهِ بِالنَّذْرِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ مِنْ وَلَايَتِنَا».قُلْتُ : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا» ؟ قَالَ : «بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ تَنْزِيلًا».قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، ذَا تَأْوِيلٌ».قُلْتُ : «إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ»؟ قَالَ : «الْوَلَايَةُ».قُلْتُ : «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِى رَحْمَتِهِ» ؟ قَالَ : «فِي وَلَايَتِنَا. قَالَ : «وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» أَ لَا تَرى أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : «وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»»؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَعَزُّ وَ أَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُظْلَمَ أَوْ يَنْسُبَ نَفْسَهُ إِلى ظُلْمٍ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ خَلَطَنَا بِنَفْسِهِ ، فَجَعَلَ ظُلْمَنَا ظُلْمَهُ ، وَ وَلَايَتَنَا وَلَايَتَهُ ، ثُمَّ أَنْزَلَ بِذلِكَ قُرْآناً عَلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»» .قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ : «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»؟ قَالَ : «يَقُولُ : وَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ يَا مُحَمَّدُ ، بِمَا أَوْحَيْتُ إِلَيْكَ مِنْ وَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ».قلت :(1)«أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ»؟ قَالَ : «الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ فِي طَاعَةِ الْأَوْصِيَاءِ».«كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ» ؟ قَالَ : «مَنْ أَجْرَمَ إِلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ رَكِبَ مِنْ وَصِيِّهِ مَا رَكِبَ».قُلْتُ : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ» ؟ قَالَ : «نعم ،(2) نَحْنُ - وَ اللَّهِ - وَ شِيعَتُنَا ، لَيْسَ عَلى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرُنَا ، وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْهَا بُرَآءُ».قُلْتُ : «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ» الْآيَةَ ؟ قَالَ : «نَحْنُ - وَ اللَّهِ -

.


1- .في «د» و الكافي المطبوع : - «قلت».
2- .في الكافي المطبوع : - «نعم».

ص: 281

الْمَأْذُونُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ الْقَائِلُونَ صَوَاباً».قُلْتُ : مَا تَقُولُونَ إِذَا تَكَلَّمْتُمْ ؟ قَالَ : «نُمَجِّدُ رَبَّنَا ، وَ نُصَلِّي عَلى نَبِيِّنَا ، وَ نَشْفَعُ شِيعَتَنَا(1) ، وَ لَا يَرُدُّنَا(2)رَبُّنَا».قُلْتُ : «كَلّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ»؟ قَالَ : «هُمُ الَّذِينَ فَجَرُوا فِي حَقِّ الْأَئِمَّةِ ، وَ اعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ».قُلْتُ : «ثُمَّ يُقَالُ هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ»؟ قَالَ : «يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:(قال سألته عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ») الآية في سورة الصفّ.(3)(قلت: «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»(4)) يعني ما تفسيره وفيه قراءتان: نصب «نوره» ف «متمّ» بالتنوين، وجرّه بالإضافة.(لقوله تعالى: الذين آمنوا باللَّه ورسوله والنور الذي أنزلنا) نقل بالمعنى، فإنّ في سورة التغابن «فآمنوا» مكان «الذين آمنوا»،(5) وفي سورة النور: «ثمّ لم يرتابوا»(6) مكان «والنور الذي أنزلنا». قال برهان الفضلاء: إنّما نقل عليه السلام بالمعنى إشارة إلى أنّ الآيتين بمعنى.(قلت: «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ»7) إلى قوله: (وأمّا غيره فتأويل)

.


1- .في الكافي المطبوع : «لشيعتنا».
2- .في الكافي المطبوع : «فلا يردّنا».
3- .الصفّ (61): 8 .
4- .التغابن (64) : 8 ، والآية هكذا : «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذى أنْزَلْنا وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبيرٌ».
5- .النور (24) : 62 ، والآية هكذا : «إنَّما الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إذا كانُوا مَعَهُ عَلى أمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ». فمراد المصنف الآية 15 من سورة الحجرات (49) : «إنَّما الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا».
6- .التوبة (9): 33.

ص: 282

الآية في سورة الفتح،(1) فسّر دين الحقّ بالإضافة بدين اللَّه، قيل: قلت: هذا تنزيل يعني تنزيل من اللَّه في الإمام في هذا الدِّين وتأويل من اللَّه في الحجج في الأديان السالفة أو بالعكس.(أمّا هذا الحرف) أي الذي قلته، والتذكير باعتبار القول، (فتنزيل) يعني في الحجّة في هذا الدِّين ذو تأويل للحجج السالفة.(وامّا غيره فتأويل) يعني تنزيل في السلف ذو تأويل في الآخرين.وقال برهان الفضلاء:«التنزيل» بيان المعنى المستعمل فيه اللفظ و«الحرف» بيان معنى اللفظ، و«التأويل» بيان إشارة تكون مقصودة للمتكلّم وخارجة عن المستعمل فيه اللفظ غير منافية له، فقوله: «أمّا هذا الحرف» يعني هذا البيان الذي هو بيان المعنى المستعمل فيه اللفظ، و«أمّا غيره» فبيان المعنى الخارج من المستعمل فيه اللفظ غير مناف له.(قلت: ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا) إلى قوله: (يقول الظالمين لوصيّك) الآيات في سورة المنافقين.(2)(أيمانهم) بفتح الهمزة أي اتّخذوا ما يحلفون به جُنّة من النار، أو من العذاب في الدنيا عن المؤمنين، أو من فضيحة شهرتهم بين الناس بالنفاق.قال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه في مجمع البيان: وفي الشواذّ قراءة الحسن «إيمانهم» بكسر الهمزة.(3)والمعنى في القراءتين واحد، يعني الحسن البصري من الصوفيّة القدريّة.والباء في (بنبوّتك) للتقوية، في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «لا يعقلون بنبوّتك» مكان (لا يقولون بنبوّتك) يعني على النسختين، لعدم صحّة الإقرار بالنبوّة بدون الإقرار بالإمامة. و«الفسق» لغةً الظلم.

.


1- .الفتح (48) : 48 ؛ وكذلك الآية مذكورة في التوبة (9) : 33 ؛ والصفّ (61) : 9.
2- .المنافقون (63) : 3.
3- .مجمع البيان ، ج 10 ، ص 438.

ص: 283

(قلت: «أ فَمَنْ يَمْشى مُكِبّاً عَلى وَجْهِهِ») إلى قوله: (والصراط المستقيم: أمير المؤمنين عليه السلام) والآية في سورة الملك.(1) «أهدى» أفعل التفضيل للمهتدي على اسم الفاعل يقال: «هداه اللَّه فاهتدى. قيل: وقع بيني وبين رجل من المخالفين كلام في ظلم الثاني ونفاقه وخصاله الاُخر من مكارمه الذميمة، فقال الرجل: ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين، فأين في الكتاب ما اشتهر بينكم من قصّة الأفلح مولى الثاني، فقرأت: أفمن يمشي مكبّاً على وجهه إلى آخر الآية.(حادَ): مالَ.(قال: قلت: قوله: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ») إلى قوله: (أعطاك هذا الفضل) الآيات وبعضها نقل بالمعنى في سورة الحاقّة.(2)(كذب على ربّه) على الماضي المعلوم. وفي بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «كذّاب على ربّه» على صيغة المبالغة، قال: وكذّاب اسم شاعر في العرب كان مشهوراً بالإفراط في المبالغة في الأشعار، فاستعير هنا للمفرط في المبالغة في فضل وصيّه كالحاتم للجواد.و«التقوّل»: تكلّف القول. و(الأقاويل): جمع الأقوال جمع القول، فللمبالغة في الكثرة، (لأخذنا منه) أي الرسالة، (باليمين) أي بقوّتنا وقدرتنا، و(الوتين): العرق التي علّق عليها القلب إذا قطعت مات صاحبه.(للعالمين) عطفُ بيانٍ للمتّقين، فعلى فتح اللام إشارةٌ إلى أنّ غير أهل التبرّي بالنظر إلى أهل التبرّي فيما سوى اللَّه كأنّه معدوم، وعلى كسر اللام - كما ضبط برهان الفضلاء - وجهه ظاهر.(وأنّ عليّاً) بيانٌ لمرجع الضمير في «وَ إنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرينَ».(3)

.


1- .الملك (67) : 22.
2- .الحاقة (69): 40 .
3- .الحاقة (69) : 50.

ص: 284

(قلت: قوله: لمّا سمعنا الهدى) إلى قوله: (القائم وأنصاره) الآيات وبعضها نقل بالمعنى في سورة الجنّ.(1)و«البخس»: النقص، و«الرهق»: الضلالة.و«الرشد»: الهدى.«أعفاه»: جعله معافاً.و«الملتحد»: الملجأ والمعتمد.(قلت:)«لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» إلى قوله: (قلت «كَلّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ»، قال: الولاية)، الآيات في سورة المدّثر ، سوى «كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ» وهي في سورة عبس،(2) وفي سورة المدّثر «إنّه» مكان «إنّها».(3) قال برهان الفضلاء: فلعلّ ذكرها هنا لطلب التفسير لكلتيهما، ففي الجواب إشارة إلى أنّ المعنى فيهما واحد، والمرجع (4)الولاية وصاحب الولاية.«وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ» فسّر «الذين اُوتوا الكتاب» بالأئمّة عليهم السلام و«الكتاب» بالقرآن.«لَإِحْدَى الْكُبَرِ» أي العظائم التي للَّه سبحانه فيها عظائم من الحِكم. (من أن يُظلم) على ما لم وأن ينسب، أي من أن يظلم على المعلوم.(قلت: قوله: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ») إلى قوله: «وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» الآيات في سورة الدهر(5) سوى آية «وَ ما ظَلَمُونا» إلى آخرها، وهي في سورة البقرة وسورة الأعراف (6)للمظلوميّة، وسوى آية «وَ ما ظَلَمْناهُمْ» إلى آخرها، وهي في سورة النحل (7) للظالميّة.

.


1- .الجنّ (72) : 13 و 21.
2- .عبس (80): 11.
3- .المدّثر (74) : 54.
4- .في «د» : + «واحد».
5- .الإنسان (76) : 7.
6- .البقرة 02) : 57 ؛ الأعراف (7) : 160.
7- .النحل (16) : 118.

ص: 285

(نعم، ذا تأويل) بإضافة «ذا» إلى «تأويل»، ونصب «ذا» كما قال برهان الفضلاء على الحاليّة من «هذا»، والتقدير : «نعم هذا تنزيل ذا تأويل»، وفي كتاب تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : «لا تأويل»(1) مكان «ذا تأويل»، والحديث هناك منقول أيضاً عن ثقة الإسلام طاب ثراه.(قلت:)«وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» إلى قوله: (وسائر الناس منها براء) الآيات في سورة المرسلات.(2)«أَ لَمْ نُهْلِكِ» في تقدير : «قلت: ألم نهلك».(قلت:)«إِنَّ الْمُتَّقِينَ» يعني آية «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى ظِلَالٍ وَعُيُونٍ»(3).(قلت:)«يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَا يَتَكَلَّمُونَ» الآية في سورة النبأ،(4) فسّر الروح هنا بالأنبياء والأوصياء عليهم السلام.(قلت: «كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ») الآية والتي بعدها في سورة المطفّفين.(5) والحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

الحديث الثاني والتسعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ،(6) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» قَالَ : «يَعْنِي بِهِ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى» ؟ قَالَ : «يَعْنِي أَعْمَى الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ ، أَعْمَى الْقَلْبِ

.


1- .تأويل الآيات ، ص 705.
2- .المرسلات (77) 40.
3- .المرسلات (77): 41.
4- .النبأ (78): 38.
5- .المطففين (83): 7 .
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسين بن عبد الرحمن ، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 286

فِي الدُّنْيَا ، عَنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قَالَ : «وَ هُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ : «لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها»» . قَالَ : «الْآيَاتُ : الْأَئِمَّةُ عليهم السلام ، فَنَسِيتَها «وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى» يَعْنِي تَرَكْتَهَا ، وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ ، كَمَا تَرَكْتَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام ، فَلَمْ تُطِعْ أَمْرَهُمْ ، وَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُمْ».قُلْتُ : «وَ كَذلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى»؟ قَالَ : «يَعْنِي مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام غَيْرَهُ ، وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ ، وَ تَرَكَ الْأَئِمَّةَ مُعَانَدَةً ، فَلَمْ يَتَّبِعْ آثَارَهُمْ ، وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمْ».قُلْتُ : «اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ»؟ قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : «مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ»؟ قَالَ : «مَعْرِفَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام».«نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ» ؟ قَالَ : «نَزِيدُهُ مِنْهَا».قَالَ : «يُسْتَوْفَى نَصِيبُهُ مِنْ دَوْلَتِهِمْ».«وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»؟ قَالَ : «لَيْسَ لَهُ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ مَعَ الْقَائِمِ عليه السلام نَصِيبٌ» .

هديّة:الآيات في سورة طه،(1) وآية «اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ» وما ذكرت بعدها في سورة الشورى.(2)(ضنكاً) أي ضيقاً وغير مهنّئ، قيل: لعلّ حشرهم في القيامة أعمى خاصّ ببعضهم.وقال برهان الفضلاء: يعني بعد تمام الحساب، حساب الناس يوم الحساب، وإغباطهم بما ينظرون من منازل أهل الولاية، وأفضل أنواع لطفه تعالى إرسال الرُّسُل وبعث الحجج.(نستوفي)(3) على المتكلّم مع الغير، أو الغائب على ما لم يسمّ فاعله.

.


1- .طه (20) : 124.
2- .الشورى (42) : 19 - 20.
3- .ضبطه في المتن سابقاً «يستوفى» على الغائب.

ص: 287

باب فيه نتف و جوامع من الرّواية في الولاية

الباب التاسع والمائة : بَابٌ فِيهِ نُتَفٌ وَ جَوَامِعُ مِنَ الرِّوَايَةِ فِي الْوَلَايَةِوأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ،(1) عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ - وَ هُمْ ذَرٌّ - يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ ، وَ الْإِقْرَارَ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِالنُّبُوَّةِ» .

هديّة:(والإقرار) عطف على «الولاية». وبيانه كنظايره، وقد سبقت في عدّة مواضع.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ ،(2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَريِّ ،(3)عَنْ أَبِي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة».
3- .في الكافي المطبوع جديداً مستنداً ببعض النسخ : «الجعفي». وقد روى صالح بن عقبة عن عبد اللَّه بن محمّد الجعفي في بعض الأسناد. والجعفي هو المذكور في كتب الرجال. راجع : رجال البرقي ، ص 10 ؛ رجال الطوسي ، ص 118 ، رقم 1198 ، و ص 139 ، رقم 1473 ، وص 231 ، رقم 3133 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 10 ، ص 497. ثمّ إنّ الخبر يأتي في الكافي (ج 2 ، ص 10 ، باب آخر منه ، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديد ، ج 3 ، ص 28 ، ح 1461) بنفس الإسناد عن صالح بن عقبة، عن عبد اللَّه بن محمّد الجعفي. وورد الخبر في بصائر الدرجات ، ص 80 ، ح 1 ؛ و علل الشرائع ، ص 118 ، ح 3 ؛ و تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 126 ، ح 37 ، وفي الجميع : «عبد اللَّه بن محمّد الجعفي».

ص: 288

جَعْفَرٍ عليه السلام ؛ وَ عَنْ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَخَلَقَ مَا أَحَبَّ مِمَّا أَحَبَّ ، وَ كَانَ مَا أَحَبَّ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ ، وَ خَلَقَ مَنْ (1) أَبْغَضَ مِمَّا أَبْغَضَ ، وَ كَانَ مَا أَبْغَضَ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ النَّارِ ، ثُمَّ بَعَثَهُمْ فِي الظِّلَالِ».فَقُلْتُ : وَ أَيُّ شَيْ ءٍ الظِّلَالُ ؟قَالَ : «أَ لَمْ تَرَ إِلى ظِلِّكَ فِي الشَّمْسِ شَيْ ءٌ ، وَ لَيْسَ بِشَيْ ءٍ ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمُ النَّبِيِّينَ يَدْعُوهُمْ (2) إِلَى الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ : «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالنَّبِيِّينَ ، فَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ ، وَ أَنْكَرَ بَعْضٌ (3) ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلى وَلَايَتِنَا ، فَأَقَرَّ بِهَا(4) مَنْ أَحَبَّ ، وَ أَنْكَرَهَا مَنْ أَبْغَضَ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ : «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوابِما كَذَّبُوا(5) مِنْ قَبْلُ»» . ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «كَانَ التَّكْذِيبُ ثَمَّ» .

هديّة:بيان العنوان: يعني فيه لطائف الآثار والعلامات وجوامع للأنبياء والملائكة والمؤمنين من روايات أهل البيت في ولايتهم عليهم السلام.قيل: «الظلّ» هنا وفي نظائره عبارة عن عالم المجرّدات، والعلاقة التجرّد عن كثافة المادّة، وهو مع ابتنائه على اُصول الفلاسفة ليس بشي ء.

.


1- .في الكافي المطبوع : «ما».
2- .في الكافي المطبوع : «يدعونهم».
3- .في الكافي المطبوع : «بعضهم».
4- .في الكافي المطبوع : + «و اللَّه».
5- .في الكافي المطبوع : + «به» وعليه تكون مطابقاً لسورة يونس (10) : 74 ، وأمّا بدون «به» كما في «الف» و «د» تكون مطابقاً لسورة الأعراف (7) : 101.

ص: 289

وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه:«الظلّ» هنا وفي نظائره اُستعير لاُنموذج شي ء ليس بشي ء، بمعنى لا يعتدّ به؛ لأنّه مجرّدُ نموذجٍ ليس بعد بمنشأ للآثار ومبدأ لأحكام الثواب والعقاب. قال: ونظيره تسميتهم الوجود الذهني بالوجود الظلّي.(بعث اللَّه فيهم النبيّين يدعوهم) أي يدعوهم اللَّه بواسطة النبيّين عليهم السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «البيّنين» على تثنية البيّن كسيّد، قال: يعني أظهر لهم طريقي الخير والشرّ؛ قال اللَّه تعالى في سورة البلد: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»(1)، قال: وفاعل «يدعوهم» البعث المفهوم من بعث اللَّه.وآية: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ» في سورة الزخرف،(2) والأخيرة في سورة الأعراف.(3)وسيذكر هذا الحديث بتفاوت قليل في الباب الثالث في كتاب الإيمان والكفر إن شاء اللَّه تعالى.(4)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ،(5) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «وَلَايَتُنَا وَلَايَةُ اللَّهِ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌ (6) قَطُّ إِلَّا بِهَا» .

هديّة:يعني اتّصافنا بأنّنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم اتّصافه تعالى بذلك.(لم يبعث) للمبتدأ أو للخبر، والكلّ مستقيم. ولعلّ المراد الأوّل لمثل التالي.

.


1- .البلد (90): 10.
2- .الزخرف (43): 87 .
3- .الأعراف (7) : 101.
4- .الكافي ، ج 2 ، ص 10 ، باب آخر منه، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 3 ، ص 28 ، ح 1461.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف ، عن العبّاس بن عامر ، عن أحمد بن رزق الغمشانيّ ، عن محمّد بن عبد الرحمن».
6- .في الكافي المطبوع : «نبيّا».

ص: 290

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «مَا مِنْ نَبِيٍّ جَاءَ قَطُّ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ حَقِّنَا ، وَ تَفْضِيلِنَا عَلى مَنْ سِوَانَا» .

هديّة:(وتفضيلنا) إمّا عطفٌ على (حقّنا) بعطف التفسير، أو على «المعرفة»، ففاعل التفضيل على الأوّل هو اللَّه تعالى، وعلى الثاني الاُمّة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ الْكِنَانِيِّ ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «وَ اللَّهِ ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَسَبْعِينَ صَفّاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ يُحْصُونَ عَدَدَ كُلِّ صِنْفٍ (3)مِنْهُمْ ، مَا أَحْصَوْهُمْ ، وَ إِنَّهُمْ لَيَدِينُونَ بِوَلَايَتِنَا» .

هديّة:قيل: (لسبعين) كنايةٌ عن الجميع. وقال برهان الفضلاء : «الكلّ» في «كلّهم» كلّ المجموعي، لا الافرادي. والمراد من «السبعين» الملائكة الذين ذكرهم إنّما هو الصلاة على النبيّ وآله صلى اللَّه عليه وآله، وهو المعنى بقوله: «ليدينون بولايتنا» أي ليطيعون اللَّه بها، «دانه»: أطاعه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(4) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : «وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام مَكْتُوبَةٌ فِي جَمِيعِ صُحُفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِلَّا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ وَصِيَّةِ عَلِيٍّ عليه السلام» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد الأعلى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصبّاح الكناني».
3- .في الكافي المطبوع : «صف».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 291

هديّة:قيل: الظاهر «ولم» مكان (ولن).أقول: والأولى كما ضبط، والمعنى: ولن يبعث اللَّه من أوّل الدنيا إلى آخرها.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - نَصَبَ عَلِيّاً عليه السلام عَلَماً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ ؛ فَمَنْ عَرَفَهُ ، كَانَ مُؤْمِناً ؛ وَ مَنْ أَنْكَرَهُ ، كَانَ كَافِراً ؛ وَ مَنْ جَهِلَهُ ، كَانَ ضَالًّا ؛ وَ مَنْ نَصَبَ مَعَهُ شَيْئاً ، كَانَ مُشْرِكاً ؛ وَ مَنْ جَاءَ بِوَلَايَتِهِ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

هديّة:(فمن عرفه) بأنّه عليه السلام صدر الأئمّة الاثني عشر المعصومين من آل طه ويس.(ومن جهله) ولم يعلم أنّه عليه السلام مفترض الطاعة عن اللَّه ورسوله، أو اعتقد أنّه أفضل هذه الاُمّة بعد الرسول بوصوله إلى درجة الكمال بالرياضة والاكتساب.(ومن نصب معه شيئاً) كما كان يقول بنو العبّاس: السيف ونظام الملك معنا، والفتاوى في الاُمور الشرعيّة لولد أبي طالب.(ومن جاء بولايته): بمعرفته على ما ذكر أوّلاً.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ،(2) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام بَابٌ فَتَحَهُ اللَّهُ ؛ فَمَنْ دَخَلَهُ ، كَانَ مُؤْمِناً ؛ وَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ ، كَانَ كَافِراً ؛ وَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ ، كَانَ فِي الطَّبَقَةِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : لِي فِيهِمُ الْمَشِيَّةُ(3)».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثنا يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن عبد اللَّه بن سنان».
3- .في الكافي المطبوع : «المشيئة».

ص: 292

هديّة:(ومن لم يدخل فيه) بالمعرفة الواجبة، (ولم يخرج منه) بالإنكار الحرام، فمن المستضعفين (فيهم المشيّة). و(الطبقة) عبارة عن الطائفة.وقال برهان الفضلاء: يعني ومن لم يدخل فيه بمعرفته بأنّ معرفته عليه السلام واجبة؛ لأنّها مصداق لمعرفة اللَّه تعالى، ولم يخرج منه بالإنكار أصلاً، فمعرفته مجرّد تصديق الإمامة مجرّداً عن الكيفيّة المذكورة.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ،(1) عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ لَنَا - وَ هُمْ ذَرٌّ - يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِالنُّبُوَّةِ ، وَ عَرَضَ اللَّهُ - جَلَّ وَ عَزَّ - عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله أُمَّتَهُ فِي الطِّينِ وَ هُمْ أَظِلَّةٌ ، وَ خَلَقَهُمْ مِنَ الطِّينَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا آدَمُ ، وَ خَلَقَ اللَّهُ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا قَبْلَ أَبْدَانِهِمْ بِأَلْفَيْ عَامٍ ، وَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِ ، وَ عَرَّفَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ عَرَّفَهُمْ عَلِيّاً عليه السلام ، وَ نَحْنُ نَعْرِفُهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» .

هديّة:(وعرضهم عليه) يعني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أو على آدم، كما قال برهان الفضلاء.(وعرّفهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) يعني عرّفهم للرسول صلى اللَّه عليه وآله أو عرّف لهم الرسول صلى اللَّه عليه وآله، وكذا (وعرّفهم عليّاً عليه السلام). ولعلّ الثاني أولى.(ونحن نعرفهم في لحن القول) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة محمّد: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ»(2). الجوهري: قوله تعالى: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ» أي في فحواه ومعناه.(3) وقيل: يعني في طرز القول أوّلاً في الميثاق؛ واللَّه أعلم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب».
2- .محمّد (47): 30.
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2194 (لحن).

ص: 293

باب في معرفتهم أولياءهم و التّفويض إليهم

الباب العاشر والمائة : بَابٌ فِي مَعْرِفَتِهِمْ عليهم السلام أَوْلِيَاءَهُمْ وَ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِمْ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة أو أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام - وَ هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَنَا وَ اللَّهِ أُحِبُّكَ وَ أَتَوَلَّاكَ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : كَذَبْتَ ، قَالَ : بَلى وَ اللَّهِ ، إِنِّي أُحِبُّكَ وَ أَتَوَلَّاكَ ،(2) فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : كَذَبْتَ ، مَا أَنْتَ كَمَا قُلْتَ ؛ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَيْ عَامٍ ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْنَا الْمُحِبَّ لَنَا ، فَوَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُ رُوحَكَ فِيمَنْ عُرِضَ ، فَأَيْنَ كُنْتَ ، فَسَكَتَ الرَّجُلُ عِنْدَ ذلِكَ ، وَ لَمْ يُرَاجِعْهُ» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «كَانَ فِي النَّارِ» .

هديّة:في العنوان: (والتفويض إليهم) يعني كما يجي ء في الحديث السادس في الباب التالي في الجواب على أنحاء شتّى عن سؤال الخلق والسكوت بإذن اللَّه تعالى؛ لمعرفته عن اللَّه بكيفيّة الجواب، وسيفصّل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل».
2- .في الكافي المطبوع : + «فكرر ثلاثاً».

ص: 294

(إنّ رجلاً) يعني من المنافقين.(وأتولّاك) يعني وأقرّ بولايتك إنّك إمامٌ مفترض الطاعة.(وفي رواية اُخرى) كلامُ ثقةِ الإسلام.قوله عليه السلام: (في النار) توبيخٌ على التمليح، يعني كان في أهل النار الذين لم يقرّوا بولايتنا في الميثاق.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ - إِذَا رَأَيْنَاهُ - بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ» .

هديّة:يعني بالإيمان الأزلي وخير العاقبة، والنفاق الأزلي وسرّ العاقبة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِمَامِ : فَوَّضَ اللَّهُ إِلَيْهِ كَمَا فَوَّضَ إِلى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ». وَ ذلِكَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَأَجَابَهُ فِيهَا ، وَ سَأَلَهُ آخَرُ عَنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ، فَأَجَابَهُ بِغَيْرِ جَوَابِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ آخَرُ ، فَأَجَابَهُ بِغَيْرِ جَوَابِ الْأَوَّلَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : ««هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ (أَعْطِ)(3) بِغَيْرِ حِسابٍ» وَ هكَذَا هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قَالَ : قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، فَحِينَ أَجَابَهُمْ بِهذَا الْجَوَابِ يَعْرِفُهُمُ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ!

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمّار بن مروان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد اللَّه بن سليمان».
3- .كذا في «د» و حاشية «الف» ، وفي «الف» والقرآن : «أمسك».

ص: 295

أَ مَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ : «إِنَّ فِى ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ «وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ» لَا يَخْرُجُ مِنَّا(1) أَبَداً».ثُمَّ قَالَ لِي : «نَعَمْ ، إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَبْصَرَ إِلَى الرَّجُلِ ، عَرَفَهُ وَ عَرَفَ لَوْنَهُ ، وَ إِنْ سَمِعَ كَلَامَهُ مِنْ خَلْفِ حَائِطٍ ، عَرَفَهُ وَ عَرَفَ مَا هُوَ ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : «وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِى ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ» وَ هُمُ الْعُلَمَاءُ ، فَلَيْسَ يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ امْرِى ءٍ(2)يَنْطِقُ بِهِ إِلَّا عَرَفَهُ نَاجٍ أَوْ هَالِكٌ ، فَلِذلِكَ يُجِيبُهُمْ بِالَّذِي يُجِيبُهُمْ» .

هديّة:(فوّض اللَّه إليه) في الجواب عن المسائل بالتنزيل والتأويل والتقيّة والسكوت وغير ذلك من الأنحاء.(وذلك أنّ رجلاً) معترضةٌ بين سابقها.وقوله: (ثمّ قال: هذا عطاؤنا) يعني وكان الباعث لسؤالي عنه عليه السلام مشاهدتي رجلاً كذا وكذا، «ثمّ قال :» يعني تلا هذه الآية من سورة ص بمضمونها، فقرأ مكان «أوْ أمْسِكْ»(أو اعط).(وهكذا هي في قراءة عليّ عليه السلام) يعني بهذا المعنى قرأها عليّ عليه السلام.قال برهان الفضلاء: يعني وهكذا فسّرت هذه الآية عند قراءة عليّ عليه السلام إيّاها على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ليكتب بخطّه في الجامعة.قيل: في وجه تفسير الإمساك بالإعطاء إنّه إشارة إلى أنّه ليس المراد مطلق الإمساك، بل عن بعضٍ والإعطاء لبعض. وقيل: للإشارة إلى أنّ الإعطاء للمؤمن نعمة له، ولغيره ليس كذلك؛ فإمساك بغير حساب.(أما تسمع اللَّه يقول) في سورة الحجر.(3) و«التوسّم»: التفرّس.

.


1- .في الكافي المطبوع : «منها».
2- .في الكافي المطبوع : «من الأمر».
3- .الحجر (15) : 75.

ص: 296

(لا يخرج منّا أبداً) بيانٌ ل (مقيم).(وعرف لونه) قيل: يعني صبغة اللَّه هو، أو صبغة الشيطان.والآية الأخيرة في سورة الروم.(1)في بعض النسخ : «من المرء»، وفي بعض آخر : «من الأمر»، وفي آخر : «من أمر» مكان (من امرئ).

.


1- .الروم (30) : 22.

ص: 297

باب مولد النبيّ و وفاته

الباب الحادي عشر والمائةأَبْوَابُ التَّارِيخِ بَابُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ وَفَاتِهِ وأحاديثه كما في الكافي بما رواه مصنّفه على نهج نقل التاريخ أحد وأربعون، أو اثنان وأربعون:

الحديث الأوّل (1)روى في الكافي على نهج نقل التاريخ، وقال: وُلِدَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي عَامِ الْفِيلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ الزَّوَالِ .وَ رُوِيَ أَيْضاً عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً .وَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطى ، وَ كَانَتْ فِي مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَ وَلَدَتْهُ فِي شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ فِي دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فِي الزَّاوِيَةِ الْقُصْوى عَنْ يَسَارِكَ وَ أَنْتَ دَاخِلُ الدَّارِ ، وَ قَدْ أَخْرَجَتِ الْخَيْزُرَانُ ذلِكَ الْبَيْتَ ، فَصَيَّرَتْهُ مَسْجِداً يُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ .وَ بَقِيَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَ مَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ قُبِضَ عليه السلام لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً .وَ تُوُفِّيَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَخْوَالِهِ وَ هُوَ ابْنُ شَهْرَيْنِ .

.


1- .لا يخفى أنّ ما ذكر على نهج التاريخ من كلام ثقة الإسلام الكليني ، وليس نصّ الحديث ولم ينقله عن الأئمّة عليهم السلام.

ص: 298

وَ مَاتَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَ هُوَ صلى اللَّه عليه وآله ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ .وَ مَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله نَحْوُ ثَمَانِ سِنِينَ .وَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ وَ هُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً ، فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ صلى اللَّه عليه وآله : الْقَاسِمُ ، وَ رُقَيَّةُ ، وَ زَيْنَبُ ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ ؛ وَ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ الْمَبْعَثِ : الطَّيِّبُ ، وَ الطَّاهِرُ ، وَ فَاطِمَةُ صَلوات اللَّه عليها .وَ رُوِيَ أَيْضاً : أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ لَهُ بَعْدَ الْمَبْعَثِ إِلَّا فَاطِمَةُ عليها السلام ، وَ أَنَّ الطَّيِّبَ وَ الطَّاهِرَ وُلِدَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ .وَ مَاتَتْ خَدِيجَةُ عليها السلام حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الشِّعْبِ ، وَ كَانَ ذلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ .وَ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِسَنَةٍ ، فَلَمَّا فَقَدَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله شَنَأَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ ، وَ دَخَلَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ ، وَ شَكَا ذلِكَ إِلى جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِ : اخْرُجْ مِنَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ؛ فَلَيْسَ لَكَ بِمَكَّةَ نَاصِرٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ ، وَ أَمَرَهُ عليه السلام بِالْهِجْرَةِ .

هديّة:اللام في (لاثنتي عشرة) بمعنى «عند».لا خلاف في أنّه صلى اللَّه عليه وآله ولد بمكّة في زمن انوشيروان كسرى عام الفيل، وأمّا ما ذكره ثقة الإسلام من أنّه صلى اللَّه عليه وآله ولد لاثنتا عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل في عام الفيل فهو ما عليه العامّة وأكثر أهل مكّة والمدينة وهو خلاف ما صحّ عند أصحابنا. والمشهور عندنا، بل ما عليه جميع أصحابنا عدا ثقة الإسلام أنّه صلى اللَّه عليه وآله ولد بمكّة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل، وروي أيضاً في الموضعين كلام ثقة الإسلام.والمشهور في وجه تسمية أيّام التشريق بمعنى ثلاثة أيّام بعد يوم النحر أنّ لحوم الأضاحيّ تشرّق فيها، أي تقدّد في الشمس. تشريق الشمس اللحم: تقديدها إيّاه. وقيل: «التشريق»: الذهاب من الفي ء إلى الشمس، يعني من البلد إلى الصحراء، ولذا سمّي مسجد الخيف بمنى ب «المشرّق» على اسم المفعول من التفعيل.

.

ص: 299

فالمراد هنا بأيّام التشريق إن كان تلك الأيّام من ذي الحجّة، فمدّة حمله صلى اللَّه عليه وآله ثلاثة أشهر أو خمسة عشر شهراً، فقيل فيه: إنّه لم يعدّ من خصائصه صلى اللَّه عليه وآله. واُجيب بعدم النصّ في حصر أيّام التشريق فيما هو المتعارف من أنّها ثلاثة. وعدم الذِّكر ليس بدليل الانحصار، فلعلّها كانت قد تطلق على ما قبل النفر ثلاثة كانت أو أكثر. وإن كانت أيّاماً اُخر في غير الموسم كأيّام إصحارهم من خوف أبرهة صاحب الفيل، أو لأجل النُّسُك وعبادتهم في منى، أو لغرض آخر، كقيام سوق في غير الموسم فلا إشكال.وقيل: بل المراد الثلاثة من غير ذي الحجّة في حجّ المشركين، فإنّهم كانوا يحجّون في غير ذي الحجّة أيضاً، كما قال اللَّه تعالى في سورة التوبة: «إِنَّمَا النَّسِى ءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ»(1)و«النسي ء» : فعيل بمعنى المفعول من نساه: أخّره، فقيل بعد ذلك من مثل عبد اللَّه بن عبد المطّلب وإن كان تقيّة أو لضرورة اُخرى سيّما في سنة علوق الحمل بمثله صلى اللَّه عليه وآله.و«الشِّعب» بالكسر: الطريق في الجبل والفضاء فيما بين الجبلين والمنزل بينهما، وبالفتح: القبيلة العظيمة، والصَّدْع (2) في الشي ء جبلاً كان أو غيره، وكان صلى اللَّه عليه وآله محفوظاً عن المشركين مدّة في شعب أبي طالب عنده في إقامته في شعبه.و(الخيزران) بفتح المعجمة وسكون الياء وضمّ الزاي وفتح الراء: القصب، و«الخيزرانة»: سكّان السفينة، وكان اسم اُمّ المهدي العبّاسي زوجة المنصور الدوانيقي «خيزران»، قاله برهان الفضلاء أيضاً. وقال بعض المعاصرين: «الخيزران» اسم جارية الخليفة.(3)(أخرجت) أي وضعته عن سائر البيوت، وفتحت بابه إلى خارجها للزوّار.(ثمّ قبض عليه السلام لاثنتا عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل)؛ الكلام هنا كما في تاريخ الولادة ، والمشهور عند أصحابنا أنّه صلى اللَّه عليه وآله قبض يوم الاثنين، الثامن والعشرين من صفر.

.


1- .التوبة (9): 37.
2- .الصَّدْع : الشقّ في الشي ء الصُّلْب. كتاب العين ، ج 1 ، ص 291 (صدع).
3- .الوافي ، ج 3 ، ص 723، ذيل ح 1335.

ص: 300

(لويّ بن غالب) بضمّ اللام وفتح اللام وتشديد الخاتمة: تصغير «اللّويّ» على فعيل بمعنى الفاعل أو المفعول، لويت الحبل: فتلته، ورأسه: عطفته.و«البضع» بالكسر في العدد: ما بين العقدين. الجوهري وبعض العرب يفتح الباء، قال: وهو ما بين الثلاث إلى التسع، ثمّ قال: تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلاً وبضع عشرة امرأة، فإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، لا تقول: بضع وعشرون،(1) وأنت خبير بأنّ أهل الأخبار من العرف أعرف بلغتهم.وإنّما لم يذكر إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله هنا لأنّ المراد ذكر من ولد في مكّة من خديجة، وولد إبراهيم من مارية القبطيّة.«سام المقام بكذا» كعلم: ملّه. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «شنا المقام» كمنع، أي أبغضه.وروى الشيخ في التهذيب أيضاً على نهج نقل التاريخ، وقال:كنيته صلى اللَّه عليه وآله أبو القاسم، ولد بمكّة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل، وصدع بالرسالة في يوم السابع والعشرين من رجب، وله صلى اللَّه عليه وآله أربعون سنة، وقبض بالمدينة مسموماً يوم الاثنين لليلتين من صفر سنة عشر من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستّين سنة، واُمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لويّ بن غالب، وقبره بالمدينة في حجرته التي توفّي فيها، وكان قد أسكنها في حياته عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة. فلمّا قبض النبيّ صلى اللَّه عليه وآله اختلف أهل بيته ومن حضر من أصحابه في الموضع الذي ينبغي أن يُدفن فيه، فقال بعضهم: يُدفن بالبقيع، وقال آخرون : يُدفن في صحن المسجد، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ اللَّه تعالى لم يقبض نبيّه إلّا في أطهر البقاع، فينبغي أن يُدفن في البقعة التي قبض فيها»، فاتّفقت الجماعة على قوله عليه السلام، ودُفن في حجرته على ما ذكرناه.(2)قوله: «وصدع بالرسالة»، أي وأظهرها، صدعت الشي ء وبالشي ء كمنع: أظهرته، قال

.


1- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1186 (بضع).
2- .تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 2.

ص: 301

الفرّاء في قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(1) أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك.(2)وروى سعد بن عبداللَّه في مختصر البصائر بإسناده عن الجوهري، عن عليّ، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «سمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يوم خيبر فتكلّم اللحم، فقال: يارسول اللَّه إنّي مسموم، فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله عند موته: اليوم قطعت مطاي الأكلة التي أكلتها بخيبر، وما من نبيّ ولا وصيّ إلّا مات شهيداً».(3)قيل في دفع الإشكال في هذا الحديث: لعلّه صلى اللَّه عليه وآله قد اُوحي إليه بعد تكلّم اللحم أنّك ميّت وأنّهم ميّتون، ولابدّ لك من الموت والشهادة فكُلْه، وهو لا يضرّك اليوم وكنت الذي اختار الشهادة عند تخييرك بين البقاء والذهاب شهيداً. «قطعه»: كمنع، وشدّد للكثرة، و«المطا» بالفتح والقصر: الظهر، والظاهر أنّ «وما من نبيّ ولا وصيّ» كلام أبي عبداللَّه عليه السلام .

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ أَخِي حَمَّادٍ الْكَاتِبِ ،(4) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله سَيِّدَ وُلْدِ آدَمَ؟ فَقَالَ : «كَانَ وَ اللَّهِ سَيِّدَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ ؛ وَ مَا بَرَأَ اللَّهُ بَرِيَّةً خَيْرٌ(5)مِنْ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:لا يخفى مناسبة أحاديث هذا الباب ولو بالتفاوت لما ذكر ثقة الإسلام في العنوان كما نقلناه.

.


1- .الحجر (15): 94.
2- .حكى عنه في الصحاح ، ج 3 ، ص 1242 (صدع).
3- .مختصر بصائر الدرجات ، ص 15.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال ، عن عبد اللَّه بن محمّد بن ابن أخي حمّاد الكاتب».
5- .في الكافي المطبوع : «خيراً».

ص: 302

(وما برأ اللَّه) ابتدائيّة، ولا يبعد أن يكون عاطفة ف (بريّة) رفع، والجملة استفهاميّة. «برأه» : خلقه ومنه الباري تعالى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَجَّالِ ،(1) عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : مَا بَرَأَ اللَّهُ نَسَمَةً خَيْراً مِنْ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:(خيراً) يحتمل الرفع - كما في بعض النسخ - على الخبر من المحذوف.قيل لي: أيّة آية في القرآن تدلّ على أنّه صلى اللَّه عليه وآله سيّد الكائنات؟ قلت: لا شكّ أنّ وصفه صلى اللَّه عليه وآله بأنّه رحمةً للعالمين وبأنّه خاتم النبيّين إنّما هو في مقام المدح والتفضيل، وأفضل الأنبياء والمرسلين سيّد الكائنات قطعاً.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ،(2) عَنْ مُرَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ عَلِيّاً نُوراً - يَعْنِي رُوحاً بِلَا بَدَنٍ - قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَ أَرْضِي وَ عَرْشِي وَ بَحْرِي ، فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِي وَ تُمَجِّدُنِي ، ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا ، فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً ، فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِي وَ تُقَدِّسُنِي وَ تُهَلِّلُنِي ، ثُمَّ قَسَمْتُهَا ثِنْتَيْنِ ، وَ قَسَمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ ، فَصَارَتْ أَرْبَعَةً : مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ ، وَ عَلِيٌّ وَاحِدٌ ، وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ اثْنَانِ ؛ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ ابْتَدَأَهَا رُوحاً بِلَا بَدَنٍ ، ثُمَّ مَسَحَنَا بِيَمِينِهِ ، فَأَفْضى نُورَهُ فِينَا» .

هديّة:(يعني روحاً بلا بدن)، الظاهر أنّه كلام الإمام عليه السلام وتفسير النور، ولا يلزم منه أن يكون روح الكفّار من جنس النور بخلق أرواحهم قبل أبدانهم، يظهر من أحاديثهم عليهم السلام أنّ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبد اللَّه، عن محمّد بن عيسى و محمّد بن عبد اللَّه، عن عليّ بن حديد».

ص: 303

خلق الأرواح سعداء أو أشقياء قبل خلق الأبدان المثاليّة - المعبّر عنها بالأظلّة - المخلوقة قبل الأبدان الجسمانيّة.وقال برهان الفضلاء بعد قوله:إنّ هذا الحديث صريح في عدم تجرّد النفس الناطقة «ويعني روحاً بلا بدن» كلام الصادق عليه السلام وليس بتفسير النور، وإلّا لزم أن يكون روح الكفّار أيضاً نوراً؛ لأنّ أرواحهم أيضاً مخلوقة قبل أبدانهم، والمعنى بالنور هنا مصداق ربوبيّة ربّ العالمين. قال: ونصبه على الحاليّة عن المفعول الأوّل ل «خلقتك».و«العرش» عبارة عن العلم الموحى إلى الأنبياء عليهم السلام، و«البحر» عن الماء الكثير الذي منه كلّ شي ء حيّ، خلقت منه الأجرام العلويّة والسفليّة. و«التهليل»: قول: لا إله إلّا اللَّه، و«التمجيد»: قول: اللَّه أكبر، و«التقديس»: قول: سبحان اللَّه، وهو المبالغة في التسبيح.(ثمّ قسمتها) من باب ضرب أو التفعيل، وقد يفرّق بين القسم والتقسيم بأنّ الأوّل قد يخصّ، فيقال للتخصيص على ما ينبغي؛ قسمه كذا: أعطى حصّته المخصوصة به.قال برهان الفضلاء:«فصارت» إلى آخر الحديث، أو «ثمّ خلق» كلام الإمام عليه السلام، ثمّ قال : «ثمّ قسمتها ثنتين» بمعنى فصل كلّ منهما عن الاُخرى، وكانتا واحدة بالمزج جدّاً كفصل الماءين الممزوجين عن موضع الاتّصال وهو السطح الوهميّ فيهما وإن كانا مخلوطين جدّاً، دلالة بيّنة على عدم تجرّد النفس الناطقة وإمكان إعادة المعدوم بعينه، خلافاً للفلاسفة؛ فإنّ ذينك الماءين بعد الفصل يعود وجود كلّ منهما بشخصه بديهة.(ثمّ خلق اللَّه فاطمة من نور ابتدأها روحاً بلا بدن) يعني: ليس نورها من تقسيم تلك الأرواح الأربعة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد، عن الحسين ، عن محمّد بن عبد اللَّه، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 304

يَقُولُ : «أَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً ، وَ نَفَخْتُ فِيكَ مِنْ رُوحِي كَرَامَةً مِنِّي ، أَكْرَمْتُكَ بِهَا حِينَ أَوْجَبْتُ لَكَ الطَّاعَةَ عَلى خَلْقِي جَمِيعاً ، فَمَنْ أَطَاعَكَ ، فَقَدْ أَطَاعَنِي ، وَ مَنْ عَصَاكَ فَقَدْ عَصَانِي ، وَ أَوْجَبْتُ ذلِكَ فِي عَلِيٍّ وَ فِي نَسْلِهِ مَنْ (1)اخْتَصَصْتُهُ مِنْهُمْ لِنَفْسِي» .

هديّة:الإضافة في (روحي) تسمّى بإضافة التخصيص والتشريف والتكريم، كما في سمائي وأرضي وعرشي وجنّتي وناري. قال برهان الفضلاء: ليس المراد بالروح هنا التي ذكرت في الحديث السابق، فإنّها هناك بمعنى النفس الناطقة وهنا الروح التي ذكرت في الباب الخامس والخمسين، والسادس والخمسين.و(كرامة) إمّا مفعول به ل (نفخت) ، ف «من» من الجارّة للتبعيض، أو مفعول له، ف «من» اسم بمعنى البعض، والمفعول به «من روحي».

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، فَأَجْرَيْتُ اخْتِلَافَ الشِّيعَةِ ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمْ يَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِيَّتِهِ ، ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ ، فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ، ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ ، فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا ، وَ أَجْرى طَاعَتَهُمْ عَلَيْهَا ، وَ فَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيْهِمْ ، فَهُمْ يُحِلُّونَ مَا يَشَاؤُونَ ، وَ يُحَرِّمُونَ مَا يَشَاؤُونَ ، وَ لَنْ يَشَاؤُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى».ثُمَّ قَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ الدِّيَانَةُ الَّتِي مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مُحِقَ ، وَ مَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ ؛ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «ممّن».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد، عن أبي الفضل عبد اللَّه بن إدريس».

ص: 305

هديّة:(اختلاف الشيعة) أي في الفتاوى والأحكام استناداً إلى اخبارهم عليهم السلام.(ألف دهر) قيل: ألف سنة، ولعلّ المراد المدّة المديدة والسنون الكثيرة.(فهم يحلّون) أي حقيقة أو تقيّة؛ لعلمهم بأحوال الخلائق عن اللَّه تعالى.(هذه) أي طاعتنا المفترضة هي العبادة التي (من تقدّمها مرق) يعني بالرأي والقياس من دون إذن من اللَّه وحججه عليهم السلام خرج من الدِّين، (ومن تخلّف [عنها(1) محق) على ما لم يسمّ فاعله.و«الممحوق»: المضمحلّ والهالك.(يا محمّد) يعني ابن سنان.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : بِأَيِّ شَيْ ءٍ سَبَقْتَ الْأَنْبِيَاءَ وَ أَنْتَ بُعِثْتَ آخِرَهُمْ وَ خَاتَمَهُمْ ؟قَالَ : إِنِّي كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِرَبِّي ، وَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ «وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى»(3) ، فَكُنْتُ أَنَا(4) أَوَّلَ نَبِيٍّ قَالَ : بَلى ، فَسَبَقْتُهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ» .

هديّة:(حين أخذ اللَّه ميثاق النبيّين) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ»(5)، وفي سورة الأحزاب: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ»(6).

.


1- .]ما بين المعقوفين أضفناه من متن الحديث.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل».
3- .الأعراف (7) : 172.
4- .في «د» : - «أنا».
5- .آل عمران (3): 81 .
6- .الأحزاب (33): 7 .

ص: 306

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : كَيْفَ كُنْتُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي الْأَظِلَّةِ؟ فَقَالَ : «يَا مُفَضَّلُ ، كُنَّا عِنْدَ رَبِّنَا - لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرُنَا - فِي ظُلَّةٍ خَضْرَاءَ ، نُسَبِّحُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُهَلِّلُهُ وَ نُمَجِّدُهُ ، وَ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَا ذِي رُوحٍ غَيْرُنَا حَتّى بَدَا لَهُ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ ، فَخَلَقَ مَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ غَيْرِهِمْ ، ثُمَّ أَنْهى عِلْمَ ذلِكَ إِلَيْنَا» .

هديّة:(في ظلّة)، التاء للوحدة. (خضراء) كنايةٌ عن كمال السرور والانبساط بنور الإيمان الكامل وشوق الأذكار وتفرّج الأنوار.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ،(2) عَنْ سِنَانِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (3) قَالَ : «إِنَّا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتٍ نَوَّهَ اللَّهُ بِأَسْمَائِنَا ، إِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ أَمَرَ مُنَادِياً ، فَنَادى (4) : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ - ثَلَاثاً - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ - ثَلَاثاً - أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً - ثَلَاثاً - » .

هديّة:نوّه باسمه تنويهاً: رفع ذكره، يعني أعطا أسماءنا الرفعة قبل كلّ شي ء.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(5) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ(6) بْنِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن حمّاد ، عن المفضّل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد ، قال : سمعت يونس بن يعقوب».
3- .في الكافي المطبوع : + «يقول».
4- .في «د» : «ينادى».
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد اللَّه الصغير ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفري».
6- .في الكافي المطبوع جديداً : «عن محمّد» بدل «بن محمّد» مستنداً على بعض النسخ المخطوطة للكافي ، وللمزيد راجع الكافي المطبوع جديداً ، ج 2 ، ص 442 ، ح 1200.

ص: 307

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ كَانَ إِذْ لَا كَانَ ، فَخَلَقَ الْكَانَ وَ الْمَكَانَ ، وخَلَقَ الْأَنْوَارَ،(1) وَ خَلَقَ نُورَ الْأَنْوَارِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ ، وَ أَجْرى فِيهِ مِنْ نُورِهِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ ، وَ هُوَ النُّورُ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً عليه السلام ، فَلَمْ يَزَالَا نُورَيْنِ أَوَّلَيْنِ إِذْ لَا شَيْ ءَ كُوِّنَ قَبْلَهُمَا ، فَلَمْ يَزَالَا يَجْرِيَانِ طَاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ فِي الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى افْتَرَقَا فِي أَطْهَرِ طَاهِرَيْنِ : فِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي طَالِبٍ عليهما السلام» .

هديّة:(إذ لا كان) يعني شي ء ممّا سوى اللَّه، أو كان كناية عن وجود الممكنات. وقال برهان الفضلاء: «الكان» بفتح الكاف وسكون الهمزة مصدر «كَاِن» كعلم، بمعنى اجتمع وانعقد واشتدّ، قال: يعني إذ لا حدوث لموجود والمكان محلّ الوجود الإمكاني. وقرأ (في أطهر طاهرين) على أفعل التفضيل بلا نقطة، وقرأ غيره «في أظهر» على الجمع بنقطةٍ باعتبار التعدّد. وفي بعض النسخ : «في ظهرين» على التثنية بنقطة.والبارز في (أجرى فيه) قيل: ل (نور الأنوار)، كما قال برهان الفضلاء، وقال: يعني جعله مصداقاً لربوبيّته تعالى، وقيل: ل (المكان).(يجريان) على ما لم يسمّ فاعله أولى.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ ،(2) عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ اللَّهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِينَ ، فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ».قُلْتُ : وَ مَا الْأَشْبَاحُ ؟ قَالَ : «ظِلُّ النُّورِ ، أَبْدَانٌ نُورَانِيَّةٌ بِلَا أَرْوَاحٍ ، وَ كَانَ مُؤَيَّداً بِرُوحٍ

.


1- .في الكافي المطبوع : - «وخلق الأنوار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين ، عن محمّد بن عبد اللَّه ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل».

ص: 308

وَاحِدَةٍ ، وَ هِيَ رُوحُ الْقُدُسِ ، فَبِهِ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَ عِتْرَتُهُ ، وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ حُلَمَاءَ ، عُلَمَاءَ ، بَرَرَةً ، أَصْفِيَاءَ ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ السُّجُودِ وَ التَّسْبِيحِ وَ التَّهْلِيلِ ، وَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ ، وَ يَحُجُّونَ وَ يَصُومُونَ» .

هديّة:(أوّل) نصب على أنّه ظرف زمان، والمراد الزمان الذي قبل حدوث الإمامة، والعامل «خلق» في (خلق محمّداً)، و(ما) مصدريّة، و(الهداة) المفعول ثانٍ ل «خلق».و«الظلّ» قد يُطلق على الشخص. والباعث على السؤال اشتراك الشبح بين معانٍ: النموذج، والشخص، وما له طول وعرض. ف (أبدان نورانيّة) يعني أبدان مثاليّة لهم عليهم السلام. وقد عرفت آنفاً أنّ خلق عالم الأرواح قبل خلق عالم المثال وهو عالم الأظلّة المخلوق قبل عالم الأجسام، وأنّ التعبير بالنور إنّما هو عن الروح السعيد، دون الروح الشقيّ.وقال برهان الفضلاء: المراد من الروح في «بلا أرواح» الروح المخصوصة بالنبيّ وآله صلى اللَّه عليه وآله المعبّر عنها بروحٍ من أمرنا، كما ذكرت في الباب السادس والخمسين، وذكر في الباب الخامس والخمسين أنّ روح القدس مشتركة بين جميع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، وقيل: في «بلا أرواح» فإنّ تلك الأبدان هي الأرواح.(ولذلك خلقهم حلماء علماء، بررة، أصفياء) إلى آخره دلالة صريحة على أنّهم عليهم السلام معصومون من أوّل العمر إلى آخره. «حُلماء» يعني عاقلين عن اللَّه تعالى، «علماء» بعلم اللَّه عزّ وجلّ.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَارِثٍ ،(1) عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ثَلَاثَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي أَحَدٍ غَيْرِهِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ فَيْ ءٌ ، وَ كَانَ لَا يَمُرُّ فِي طَرِيقٍ فَيُمَرُّ فِيهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِيهِ ؛ لِطِيبِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و غيره ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن مالك بن إسماعيل النهدي ، عن عبد السلام بن حارث».

ص: 309

عَرْفِهِ ، وَ كَانَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَ لَا بِشَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ» .

هديّة:(في أحد) يعني في أحد غير المعصومين في هذه الاُمّة، فلا ينافي في الأخبار السابقة في اتّصاف الأئمّة عليهم السلام بأكثر خصائص النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من هذه الثلاثة وغيرها.و«غير» نصب على الاستثناء، أو مجرور على النعت للنكرة، و«غير» لا يكسب التعريف بالإضافة قطّ.(فيمرّ فيه) على ما لم يسمّ فاعله.و«العرف» بالفتح: الريح الطيّبة.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، انْتَهى بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلى مَكَانٍ ، فَخَلّى عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا جَبْرَئِيلُ ، أَتُخَلِّينِي عَلى هذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ : امْضِهْ ؛ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ وَطِئْتَ مَكَاناً مَا وَطِئَهُ بَشَرٌ ، وَ مَا مَشى فِيهِ بَشَرٌ قَبْلَكَ» .

هديّة:خلّاه تخلية، وكذا خلّى عنه على المعلوم أيضاً، وطئه كعلم.والهاء في (أمضه) للسكت.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الْجَوْهَرِيِّ ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ أَنَا حَاضِرٌ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَمْ عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ (3) : «مَرَّتَيْنِ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري».
3- .في الكافي المطبوع : «فقال».

ص: 310

فَأَوْقَفَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مَوْقِفاً ، فَقَالَ لَهُ : مَكَانَكَ يَا مُحَمَّدُ ، فَلَقَدْ وَقَفْتَ مَوْقِفاً مَا وَقَفَهُ مَلَكٌ قَطُّ وَ لَا نَبِيٌّ ؛ إِنَّ رَبَّكَ يُصَلِّي ، فَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَ كَيْفَ يُصَلِّي ؟ قَالَ : يَقُولُ : سُبُّوحٌ ، قُدُّوسٌ ، أَنَا رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ ، سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي . فَقَالَ : اللَّهُمَّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ». قَالَ : «وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ : «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى»» .فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا «قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» ؟ قَالَ : «مَا بَيْنَ سِيَتِهَا إِلى رَأْسِهَا». قَالَ (1) : «فَكَانَ (2) بَيْنَهُمَا حِجَابٌ يَتَلَأْلَأُ يَخْفِقُ (3) - وَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَ قَدْ قَالَ : زَبَرْجَدٌ - فَنَظَرَ فِي مِثْلِ سَمِّ الْإِبْرَةِ إِلى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ نُورِ الْعَظَمَةِ ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ : لَبَّيْكَ رَبِّي ، قَالَ : مَنْ لِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ،(4) وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ».قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لِأَبِي بَصِيرٍ : «يَا بَا مُحَمَّدٍ(5) ، وَ اللَّهِ ، مَا جَاءَتْ وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الْأَرْضِ ، وَ لكِنْ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ مُشَافَهَةً» .

هديّة:(مكانك) أي الزم مكانك.(وكيف يصلّي) إمّا بمعنى ما معنى يصلّي، أو سؤال عن كيفيّة صلاته تعالى، أو مجرّد تعجّب، يعني كيف يصلّي وهو معبود لا معبود سواه؟(قال: يقول) كذا، يعني يرحم عباده بتمجيده وتقديسه عن خطرات الأوهام والأفهام، وحياطة العقول والأحلام، وتحقّق ربوبيّته لما سواه، وسبق رحمته غضبه وشمولها أزله وأبده.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقال».
2- .في الكافي المطبوع : «فكان».
3- .في الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً بكثير من النسخ : «بخفقٍ».
4- .في الكافي المطبوع : + «و سيد المرسلين».
5- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد».

ص: 311

والصلاة من اللَّه: رحمته. وقال برهان الفضلاء:«يصلّي» هنا من الصلاة - بالفتح وسكون اللام - بمعنى جعل الشي ء متّصلاً بشي ء، يعني الوصيّ بالنبيّ، فيصلّي بمعنى يجعل لك وصيّاً ويعيّنه، قال: ف «قال يقول» ليس جواباً عن السؤال، بل الجواب ما هو المفهوم من قوله «من لاُمّتك»، فالمراد - قبل الجواب الذي سيفهم - بيانُ أنّ الصلاة هنا ليست بمعنى العبادة وهو سبّوح قدّوس ربٌّ لما سواه، بل بمعنى الرحمة رحمته سبقت غضبه، ف «عفوك عفوك» نصبا بتقدير «أسأل»، أو رفعا على الابتداء امّا اعتذار عن السؤال عن معنى يصلّي، أو عن التعجيل في السؤال عن كيفيّة تعيين الوصيّ ليعلم أنّه أمير المؤمنين عليه السلام مطابقاً لمراده أو غيره.(أنا) مبتدأ، خبره (سبّوح)، و(قدّوس) خبر بعد الخبر، وعلى مذهب الأخفش والكوفيّين «سبّوح» مبتدأ، و«أنا» فاعل «راج»، «أنا» في تأويل «أرجو أنا ربّ الملائكة والروح».قرأ برهان الفضلاء: «ربّ الملائكة» بالنصب على الاختصاص، وقال: «رحمتي» يعني خلقي الحجّة المعصوم لخلقي.والمستتر في (وكان) للوصيّ المفهوم من «يصلّي»، يعني وكان عليه السلام في النسبة إليه صلى اللَّه عليه وآله والقُرب كنسبة مقدار طرفي القوس في عدم التفاوت في القدر والقُرب بالاتّصال، أو أقرب من ذلك القرب.و«القاب»: المقدار، وسية القوس على وزن الدية: ما عطف من طرفيها. في بعض النسخ: «إلى رأسهما» على ضمير التثنية، والمآل واحد، يعني رأسي القوس أو رأسي طرفيها.قيل: فسّر الإمام عليه السلام مقدار القوسين بمقدار طرفي القوس الواحدة الحلقة كأنّه جعل كلّاً منهما قوساً على حِدة.وبعض المعاصرين قائلون بسلسلتي البدو والعود. قال:وفي التعبير عن كمال القرب بهذه العبارة إشارة لطيفة إلى أنّ السائر بهذا السير نزل في اللَّه وصعد إلى اللَّه، وأنّ الحركة الصعوديّة كانت انعطافيّة، وأنّها لم يقع على نفس المسافة

.

ص: 312

النزوليّة، فسيره كان من اللَّه وإلى اللَّه وفي اللَّه وباللَّه ومع اللَّه، انتهى.(1)أقول: واللَّه الذي بكلّ شي ءٍ محيط بعلمه أنّ حركة كلّ ذرّة من ذرّات العالم سير من اللَّه.خفق قلبه كضرب: اضطرب، وخفقان البرق: لمعانه.(زبرجد) بالرفع على البدل من «الحجاب» على الفرض، أو مجرور كخاتم فضّة؛ فلعلّ الزبرجد كناية عن الخضرة. وقال برهان الفضلاء: لعلّ الحجاب كان قصراً من زبرجد.و(الإبرة) بالكسر وسكون المفردة: مسلّة الحديد، وسمّها بالفتح والتشديد: ثقبها.قد سبق بيان (قائد الغرّ المحجّلين) مراراً.(من الأرض) أي من أهل الأرض.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : صِفْ لِي نَبِيَّ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَبْيَضَ ، مُشْرَبَ حُمْرَةٍ ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ ، شَثْنَ الْأَطْرَافِ ، كَأَنَّ الذَّهَبَ أُفْرِغَ عَلى بَرَاثِنِهِ ، عَظِيمَ مُشَاشَةِ الْمَنْكِبَيْنِ ، إِذَا الْتَفَتَ يَلْتَفِتُ جَمِيعاً مِنْ شِدَّةِ اسْتِرْسَالِهِ ، سُرْبُهُ (3) سَائِلَةٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلى سُرَّتِهِ كَأَنَّهَا وَسَطُ الْفِضَّةِ الْمُصَفَّاةِ ، وَ كَأَنَّ عُنُقَهُ إِلى كَاهِلِهِ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ ، يَكَادُ أَنْفُهُ إِذَا شَرِبَ أَنْ يَرِدَ الْمَاءَ ، وَ إِذَا مَشى تَكَفَّأَ كَأَنَّهُ يَنْزِلُ فِي صَبَبٍ ، لَمْ يُرَ مِثْلُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَبْلَهُ وَ لَا بَعْدَهُ» .

هديّة:(مشرب حمرة) على الإضافة، واسم المفعول من الافعال والتفعيل، أي مشوب بياضه بالحمرة، وقرئ : «مشرب بالحمرة» على الرفع بالمدح، أو بتقدير «هو». وفي

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 716 ، ذيل ح 1331.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف ، عن عمرو بن شمر».
3- .في الكافي المطبوع : «سُرَبتُه».

ص: 313

بعض النسخ : «مشرباً بالحمرة» بالنصب. وضبط برهان الفضلاء على الأوّل، وهو الأكثر.(أدعج العينين): أسودهما مع سعة؛ من الدعج محرّكة، وهو سواد العين في سعتها.(شثن الأطراف) بفتح المعجمة وسكون المثلّثة كالضخم لفظاً ومعنى: خشنها وغليظها، وهو مدح الرجال، كالنعومة للنساء.و«البرثن» بضمّ المفردة وسكون المهملة وضمّ المثلّثة: كفّ الأسد بأظافيره.(أفرغ على براثنه) أي صبّ على كفّه مع الأصابع.«المشاش» بالضمّ والمعجمتين كعجاب: العظم الممكن المضغ، وعظم الكتف.و«الاسترسال»: إظهار هيئة المتواضع في المشي، استرسل إليه: انبسط واستأنس وتأنّى في المشي ولم يعجل. و«السرب» بالضمّ، جمع السربة: شَعر وسط الصدر إلى البطن، كالمسربة بالفتح وضمّ الرّاء؛ قاله في القاموس.(1)وقال ابن الأثير في نهايته: وفي الحديث في صفته عليه السلام «أنّه كان ذا مسربة»، والمسربة بضمّ الراء: ما دقّ من شعر الصدر سائلاً إلى الجوف.(2)وقرئ : «سابلة» بالمفردة، أي ممتدّة. وقرأ برهان الفضلاء وضبط : «من شدّة استرساء له سربة سائلة» قال: «الاسترساء» بالهمز على الاستفعال: تمكين البدن.و«اللبّة» بالفتح وتشديد المفردة: المنحران.(يرد الماء) من الورود؛ لكونه بحيث يستر المنخرين، واختفائهما أحسن من ظهورهما.(تكفّأ) بالهمز على الماضي المعلوم من التفعّل: تمايل إلى القدّام.(في صبب) بالتحريك في انحدار من الأرض. وقريب من معنى هذا الحديث ما روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن أبي هالة التميمي في وصفه صلى اللَّه عليه وآله.(3)

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 81 (سرب).
2- .النهاية ، ج 2 ، ص 356 (سرب).
3- .معاني الأخبار ، ص 79 ، ح 1.

ص: 314

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ،(1) عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : إِنَّ اللَّهَ مَثَّلَ لِي أُمَّتِي فِي الطِّينِ ، وَ عَلَّمَنِي أَسْمَاءَهُمْ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ، فَمَرَّ بِي أَصْحَابُ الرَّايَاتِ ، فَاسْتَغْفَرْتُ لِعَلِيٍّ وَ شِيعَتِهِ ، إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ خَصْلَةً ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَ مَا هِيَ ؟ قَالَ : الْمَغْفِرَةُ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ، وَ أَنْ لَا يُغَادِرَ مِنْهُمْ صَغِيرَةً وَ لَا كَبِيرَةً ، وَ لَهُمْ يُبَدِّلُ (2) السَّيِّئَاتُ حَسَنَاتٍ» .

هديّة:«التمثيل»: التصوير.والمراد ب (الرايات) ذو الرايات بالحقّ أو بالباطل.وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب الخصال: إنّ الرايات خمس: أمير المؤمنين عليه السلام، وأبي الأعور السلمي، وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان.(3)وقال برهان الفضلاء - بعد نقل رواية الخصال بناءً على ما التزمه من ردّ الاجتهاد بالرأي (4)والعمل بالظنّ - :صحّ الرايات بالهمزة أيضاً، جمع الرأي بمعنى الظنّ. ثمّ قال: «لمن آمن منهم» إشارةٌ إلى أنّ الشيعة على قسمين: الإماميّة المؤمنين بربوبيّة ربّ العالمين، بمعنى أنّهم مؤمنون بأنّ ولاية الإمام مصداق لربوبيّة ربّ العالمين، فلا يختلفون ولا يعملون بالظنون؛ وغيرهم من فِرَقَ الشيعة القائلون بجواز الاجتهاد في المسائل والأحكام كالزيديّة ونحوهم.أقول: (لمن آمن منهم) يعني بولاية الاثنى عشر المعصومين، العاقلين عن اللَّه، الممتازين حسباً ونسباً من آل أبي طالب، وثبت على إيمانه بولايتهم وبما جاؤوا به من عند اللَّه تبارك وتعالى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال».
2- .في الكافي المطبوع : «تبدّل».
3- .الخصال ، ج 2 ، ص 575 ، ح 1 ، ضمن رواية طويلة فيها سبعون منقبة لأمير المؤمنين عليه السلام لم يشركه فيها أحد من الأئمّة ، والمصنّف نقله بالمضمون، فراجع.
4- .في «د» : - «بالرأي».

ص: 315

و«الغدر»: ترك الوفاء، والمغادرة: الترك؛ قاله الجوهري.(1)(ولم يبدّل) على الغائب المعلوم من التفعيل، أي اللَّه تعالى؛ أو على التأنيث منه على ما لم يسمّ فاعله.

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَيْفٍ ،(2) عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ،(4)ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ الْيُمْنى قَابِضاً عَلى كَفِّهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَ تَدْرُونَ - أَيُّهَا النَّاسُ مَا فِي كَفِّي ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ : فِيهَا أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ أَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَ قَبَائِلِهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ الشِّمَالَ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَ تَدْرُونَ مَا فِي كَفِّي ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ : أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَ أَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَ قَبَائِلِهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .ثُمَّ قَالَ : حَكَمَ اللَّهُ وَ عَدَلَ ، حَكَمَ اللَّهُ وَ عَدَلَ ،(5) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» .

هديّة:(فيها أسماء أهل الجنّة) عبارةٌ عن العلم بأصحاب اليمين، وكذا فيها (أسماء أهل النار) عن العلم بأصحاب الشمال.(حكم اللَّه وعدل) على التكرار جملةٌ فعليّة ، أو كذلك في المعطوف عليه والمعطوف على الاسميّة. وقرأ برهان الفضلاء على الثاني.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ ،(6) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي خُطْبَةٍ

.


1- .الصحاح ، ج 2 ، ص 766 (غدر).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن سيف».
3- .في «د» : «ذكرهم».
4- .في الكافي المطبوع : + «الناس».
5- .في الكافي المطبوع : + «حكم اللَّه و عدل».
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن غالب».

ص: 316

لَهُ خَاصَّةً يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَ صِفَاتِهِمْ : «فَلَمْ يَمْنَعْ رَبَّنَا - لِحِلْمِهِ وَ أَنَاتِهِ وَ عَطْفِهِ - مَا كَانَ مِنْ عَظِيمِ جُرْمِهِمْ وَ قَبِيحِ أَفْعَالِهِمْ أَنِ انْتَجَبَ لَهُمْ أَحَبَّ أَنْبِيَائِهِ إِلَيْهِ ، وَ أَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فِي حَوْمَةِ الْعِزِّ مَوْلِدُهُ ، وَ فِي دَوْمَةِ الْكَرَمِ مَحْتِدُهُ ، غَيْرَ مَشُوبٍ حَسَبُهُ ، وَ لَا مَمْزُوجٍ نَسَبُهُ ، وَ لَا مَجْهُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ صِفَتُهُ ، بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فِي كُتُبِهَا ، وَ نَطَقَتْ بِهِ الْعُلَمَاءُ بِنَعْتِهَا ، وَ تَأَمَّلَتْهُ الْحُكَمَاءُ بِوَصْفِهَا ، مُهَذَّبٌ لَا يُدَانى ، هَاشِمِيٌّ لَا يُوَازى ، أَبْطَحِيٌّ لَا يُسَامى ، شِيمَتُهُ الْحَيَاءُ ، وَ طَبِيعَتُهُ السَّخَاءُ ، مَجْبُولٌ عَلى أَوْقَارِ النُّبُوَّةِ وَ أَخْلَاقِهَا ، مَطْبُوعٌ عَلى أَوْصَافِ الرِّسَالَةِ وَ أَحْلَامِهَا ، إِلى أَنِ انْتَهَتْ بِهِ أَسْبَابُ مَقَادِيرِ اللَّهِ إِلى أَوْقَاتِهَا ، وَ جَرى بِأَمْرِ اللَّهِ الْقَضَاءُ فِيهِ إِلى نِهَايَاتِهَا ، أَدَّاهُ مَحْتُومُ قَضَاءِ اللَّهِ إِلى غَايَاتِهَا ، تَبَشَّرَ بِهِ كُلُّ أُمَّةٍ مَنْ بَعْدَهَا ، وَ تَدَفَّعَهُ (1)كُلُّ أَبٍ إِلى أَبٍ مِنْ ظَهْرٍ إِلى ظَهْرٍ ، لَمْ يَخْلِطْهُ فِي عُنْصُرِهِ سِفَاحٌ ، وَ لَمْ يُنَجِّسْهُ فِي وِلَادَتِهِ نِكَاحٌ ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلى أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ ، وَ أَكْرَمِ سِبْطٍ ، وَ أَمْنَعِ رَهْطٍ ، وَ أَكْلَاَ حَمْلٍ ، وَ أَوْدَعِ حِجْرٍ ، اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَ ارْتَضَاهُ وَاجْتَبَاهُ ، وَ آتَاهُ مِنَ الْعِلْمِ مَفَاتِيحَهُ ، وَ مِنَ الْحُكْمِ يَنَابِيعَهُ ، ابْتَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ ، وَ رَبِيعاً لِلْبِلَادِ ، وَ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ ، فِيهِ الْبَيَانُ وَ التِّبْيَانُ «قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» ، قَدْ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ ، وَ نَهَجَهُ بِعِلْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَ دِينٍ قَدْ أَوْضَحَهُ ، وَ فَرَائِضَ قَدْ أَوْجَبَهَا ، وَ حُدُودٍ حَدَّهَا لِلنَّاسِ وَ بَيَّنَهَا ، وَ أُمُورٍ قَدْ كَشَفَهَا لِخَلْقِهِ وَ أَعْلَنَهَا ، فِيهَا دَلَالَةٌ إِلَى النَّجَاةِ ، وَ مَعَالِمُ تَدْعُو إِلى هُدَاهُ ، فَبَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَ صَدَعَ بِمَا أُمِرَ ، وَ أَدّى مَا حُمِّلَ مِنْ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ ، وَ صَبَرَ لِرَبِّهِ ، وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ، وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ ، وَ دَعَاهُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَ حَثَّهُمْ عَلَى الذِّكْرِ ، وَ دَلَّهُمْ عَلى سَبِيلِ الْهُدى ، بِمَنَاهِجَ وَ دَوَاعٍ أَسَّسَ لِلْعِبَادِ أَسَاسَهَا ، وَ مَنَازِلٍ (2) رَفَعَ لَهُمْ أَعْلَامَهَا، كَيْلَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ ، وَ كَانَ بِهِمْ رَؤُوفاً رَحِيماً» .

هديّة:(خاصّة) يعني من أمالي نفسه عليه السلام غير منقولة من أجداده عليهم السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يدفعه».
2- .في الكافي المطبوع : «منار».

ص: 317

(فلم يمنع) على المعلوم، والموصول فاعله.(أن انتجب) بالجيم مصدريّة، والتقدير : «من أن انتجب».«حومة الشي ء» بلا نقطة: معظمه، و«دومته»: أصله.و«المحتد» كمجلس: المسكن.(بشّرت) على المعلوم من التفعيل، أو خلافه منه.(لا يداني) على ما لم يسمّ فاعله، أي لا يدانيه أحد، وكذا (لا يوازى) بالمعجمة، وقرئ بالمهملة.و«المساماة»: العلوّ والارتفاع، أي لا يطلب الرفعة عليه.و«الشيمة» بكسر المعجمة: الطبيعة، ويهمز.و«الوقر» بالكسر: الحمل الثقيل، بالكسر أيضاً، والجمع: أوقار.(مطبوع): مختوم ختم به.و«الحلم»: العقل، يعني عقول الرسالة.و«المقادير»: جمع المقدور، بمعنى المقدّر والمدبّر. قيل: محتوم قضاء اللَّه يعني الموت، والبارز في (أدّاه) له صلى اللَّه عليه وآله.(تبشّر) على الماضي المعلوم من التفعّل للمبالغة والتأكيد، وكذا «تدفّع».في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «من طهر إلى طهر» بالضمّ بلا نقطة، على المصدر بمعنى الفاعل، قال: والمراد الاُمّ الطاهرة.و«السبط» بالكسر: ولد الولد. (وأمنع رهط): أعزّهم، (وأكلأ حمل): أحفظه.وقد يكنّى ب «الحجر» عن الأصل. وفي الحديث: «تزوّجوا في الحجر الصالح، فإنّ العرق دسّاس»(1)، أي مختفي، يُقال: فلان من حجر صدق وسنخ صدق.و(الحُكم) بالضمّ: الحِكمة بالكسر.(نهجه) كمنع: أبانه وأوضحه، وأنهج الطريق من الإفعال للصيرورة.

.


1- .مكارم الأخلاق ، ص 197.

ص: 318

«صدع به» كمنع: أظهره.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «منائر» مكان (منازل) جمع منار، وعلى هذه المراد ب (أعلامها): أبنيتها.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ ،(1) عَنْ دُرُسْتَ : أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ عليه السلام : أَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَحْجُوجاً بِأَبِي طَالِبٍ ؟ فَقَالَ : «لَا ، وَ لكِنَّهُ كَانَ مُسْتَوْدَعاً لِلْوَصَايَا ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ : قُلْتُ : فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا عَلى أَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِهِ ؟ فَقَالَ : «لَوْ كَانَ مَحْجُوجاً بِهِ ، مَا دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصِيَّةَ».قَالَ : فَقُلْتُ : فَمَا كَانَ حَالُ أَبِي طَالِبٍ ؟ قَالَ : «أَقَرَّ بِالنَّبِيِّ وَ بِمَا جَاءَ بِهِ ، وَ دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا ، وَ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ» .

هديّة:المراد ب «الوصايا» هنا ميراث الأنبياء من الكتب وغيرها، كالجفر الأبيض، وعصا موسى، وخاتم سليمان.(كان مستودعاً) يعني بإيداع حجّة معصوم من أوصياء عيسى عليه السلام وهو بردة كما في حديث مقاتل بن سليمان عن الصادق عليه السلام، رواه في الفقيه أيضاً في باب الوصيّة من لدن آدم عليه السلام.(2)(على أنّه محجوج به) يعني مع أنّ أبا طالب محجوج والنبيّ صلى اللَّه عليه وآله حجّة عليه، فقال بناءً على أنّ الوصيّة تلزمها أن تدفعها الحجّة إلى الحجّة بواسطة، كاُمّ سلمة وفاطمة بنت الحسين عليه السلام، أو بغير واسطة لو كان أبو طالب محجوباً به صلى اللَّه عليه وآله ما دفع إليه الوصيّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبد اللَّه ، عن جماعة من أصحابنا ، عن أحمد بن هلال، عن أميّة بن عليّ القيسيّ».
2- .الفقيه ، ج 4 ، ص 174 ، ح 5402.

ص: 319

وقال بعض المعاصرين: وذلك لأنّ الوصيّة إنّما ينتقل ممّن له التقدّم.(1)وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى:«ولكنّه كان مستودعاً للوصايا» يعني بإيداع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إيّاها عنده قبل البعثة، فدفعها إليه عند الإشراف على البعثة، ثمّ قال: ومعنى «على أنّه محجوج به» على أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله محجوج بأبي طالب ظنّاً من السائل أنّ من كان عنده وصيّة الأنبياء، فبمجرّد ذلك يصير حجّة حاكماً وإن كانت عنده عاريّة، فقال الإمام عليه السلام ما قال، يعني لو كان يصير النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بمجرّد دفع أبي طالب الوصيّة إليه محجوجاً بأبي طالب، ما دفع النبيّ صلى اللَّه عليه وآله الوصيّة قبل البعثة إلى أبي طالب وديعة. قال: وحاصله أنّ صيرورة الرجل مستودعاً للوصيّة لا ينافي كونه محجوجاً محكوماً بمن أودعه عنده، كما أنّ الحسين عليه السلام أودعها عند اُمّ سلمة.أقول: لا ينحلّ هذا الحديث كما ينبغي إلّا بأن يُقال: لعلّ من خصائص خاتم الأنبياء صلى اللَّه عليه وآله أنّه مستثنى من كليّة ما ثبت عند الإماميّة أنّ كلّ أحد من لدن آدم عليه السلام إلى شهادة القائم - صلوات اللَّه عليه - إمّا حجّة معصوم، أو محجوج معصوم، أو غيره؛ فكان صلى اللَّه عليه وآله قبل البعثة غير محجوج بمن دفع إليه الوصيّة من أوصياء عيسى عليه السلام بواسطة أبي طالب أو بوسائط وكان هو بردة كان بعد رفع الوصيّة إلى الواسطة حجّة ناطقاً حيّاً غائباً كالمهدي عليه السلام إلى زمان البعثة، وكان غيره من الوسائط حجّة صامتاً مستودعاً للوصيّة. وقد ثبت عندنا أنّ سلمان وعبد المطّلب وأبا طالب كلّهم من الأوصياء. وفي حديث مقاتل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا ، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريّا، ودفعها زكريّا إلى عيسى بن مريم، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمّون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا، وأوصى يحيى بن زكريّا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة، ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ودفعها إليّ بردة وأنا أدفعها إليك يا عليّ»، الحديث.(2)

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 702 ، ذيل ح 1311.
2- .الفقيه ، ج 4 ، ص 176 ، ح 5402 ؛ الأمالي للصدوق ، ص 402 ، المجلس 63 ، ح 3 ؛ كمال الدين، ج 1 ، ص 22 ، باب 22 ، ح 1.

ص: 320

«ودفعها إليّ بردة» يعني بواسطة الأوصياء المستودعين الصّامتين عن الحكم؛ واللَّه أعلم بالصواب، ومنه يرجى الثواب.

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ،(1) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، بَاتَ آلُ مُحَمَّدٍ عليهم السلام بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ حَتّى ظَنُّوا أَنْ لَا سَمَاءَ تُظِلُّهُمْ ؛ وَ لَا أَرْضَ تُقِلُّهُمْ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَتَرَ الْأَقْرَبِينَ وَ الْأَبْعَدِينَ فِي اللَّهِ .فَبَيْنَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ آتٍ - لَا يَرَوْنَهُ وَ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ - فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ ، وَ نَجَاةً مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ ، وَ دَرَكاً لِمَا فَاتَ : «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلّا مَتاعُ الْغُرُورِ» إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَكُمْ وَ فَضَّلَكُمْ وَ طَهَّرَكُمْ ، وَ جَعَلَكُمْ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ ، وَ اسْتَوْدَعَكُمْ عِلْمَهُ ، وَ أَوْرَثَكُمْ كِتَابَهُ ، وَ جَعَلَكُمْ تَابُوتَ عِلْمِهِ وَ عَصَا عِزِّهِ ، وَ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ نُورِهِ ، وَ عَصَمَكُمْ مِنَ الزَّلَلِ ، وَ آمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ ، فَتَعَزَّوْا بِعَزَاءِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْزِعْ مِنْكُمْ رَحْمَتَهُ ،(2) فَأَنْتُمْ أَهْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - الَّذِينَ بِهِمْ تَمَّتِ النِّعْمَةُ ، وَ اجْتَمَعَتِ الْفُرْقَةُ ، وَ ائْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ ، وَ أَنْتُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ؛ فَمَنْ تَوَلَّاكُمْ فَازَ ؛ وَ مَنْ ظَلَمَ حَقَّكُمْ زَهَقَ ؛ مَوَدَّتُكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ فِي كِتَابِهِ عَلى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ اللَّهُ عَلى نَصْرِكُمْ - إِذَا يَشَاءُ - قَدِيرٌ ؛ فَاصْبِرُوا لِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ ؛ فَإِنَّهَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ ، قَدْ قَبِلَكُمُ اللَّهُ مِنْ نَبِيِّهِ وَدِيعَةً ، وَ اسْتَوْدَعَكُمْ أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ (3) ، فَمَنْ أَدّى أَمَانَتَهُ ، آتَاهُ اللَّهُ صِدْقَهُ ، فَأَنْتُمُ الْأَمَانَةُ الْمُسْتَوْدَعَةُ ، وَ لَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْوَاجِبَةُ وَ الطَّاعَةُ الْمَفْرُوضَةُ ، وَ قَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ قَدْ أَكْمَلَ لَكُمُ الدِّينَ ، وَ بَيَّنَ لَكُمْ سَبِيلَ الْمَخْرَجِ ، فَلَمْ يَتْرُكْ لِجَاهِلٍ حُجَّةً ، فَمَنْ جَهِلَ أَوْ تَجَاهَلَ أَوْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن منصور بن العبّاس، عن عليّ بن أسباط».
2- .في الكافي المطبوع : + «ولن يزيل عنكم نعمته».
3- .في الكافي المطبوع : + «في الأرض».

ص: 321

أَنْكَرَ أَوْ نَسِيَ أَوْ تَنَاسى ، فَعَلَى اللَّهِ حِسَابُكُمْ (1) ، وَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حَوَائِجِكُمْ ، وَ أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ».فَسَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : مِمَّنْ أَتَاهُمُ التَّعْزِيَةُ ؟ فَقَالَ : «مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى» .

هديّة:(بأطول ليلة) لحزن أعظم مصيبة، (حتّى ظنّوا) على المعلوم ، مبالغة في كثرة الحزن وعظم المصيبة، يعني حتّى كأنّ نظام العالم رأى عليهم مفرّقاً مشتّتاً. وقرأ برهان الفضلاء : «حتّى ظنّوا» على ما لم يسمّ فاعله، قال: يعني أوهمت خواطر الناس.«أظلّه»: ألقى ظلّه عليه، «أقلّه»: أطاق حمله وثقله.و«الوتر» بفتح الواو وكسرها: الفرد والدخل والحقد، ومصدرُ وتره كوعد، فعلى قراءته على غير الفعل، يعني أنّه صلى اللَّه عليه وآله كان متفرّداً وحيداً ممتازاً لا نظير له عند الصديق والعدوّ في ظهور أنّ حبّه في اللَّه وبغضه في اللَّه، فوالى في اللَّه الأبعدين، وعادى في اللَّه الأقربين. وعلى قراءته على الفعل - كما ضبط برهان الفضلاء - يعني أغاظهم وأسخطهم على نفسه وأهله، وجعلهم ذوي حقد وضغينة عليهم في طلب رضاء اللَّه.(أهل البيت) نصب على الاختصاص أو النداء.(ورحمة اللَّه) عطف على (السّلام). واحتمل برهان الفضلاء نصبها عطفاً على «أهل البيت».و«العزاء» بالفتح والمدّ: الصبر على المصيبة، والتعزية: التصبير عليها.و«الهلك» وكذا «الهلكة»: مصدر هلك كضرب، والهلكة محرّكة: الهلاك، و(دركاً لما فات) لمّا كان موهماً عدم مناسبته للمقام لانتفاء التدارك لمثل الفوت، فاتبع به ما يفيد حِكماً شتّى ووجوهاً لما سنح من أمر القضاء، منها أنّ اللّقاء في دار السلام والبقاء بذاك الشأن تدارك لذلك قطعاً.

.


1- .في الكافي المطبوع : «حسابكم».

ص: 322

(كلّ نفس ذائقة الموت) ناظرٌ إلى آية سورة آل عمران.(1)و(الغرور) مصدر، وجمع الغارّ أيضاً.(وطهّركم) ناظرٌ إلى آية التطهير في سورة الأحزاب: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(2).وتابوت العلم وصندوقه وعيبته متقاربة المعنى.(وعصا عزّه) ناظرٌ إلى آية سورة المنافقين: «وَللَّهِ ِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»(3).(وضرب لكم مثلاً) ناظرٌ إلى آية النور في سورة النور: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ»(4) الآية، وذكرت بتفسيرها في الباب الثالث عشر.(وآمنكم من الفتن) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة البقرة: «وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ»(5).(فتعزّوا بعزاء اللَّه) أي تصبّروا على التفعّل للمبالغة، وناظرٌ إلى قوله عزّ وجلّ في سورة آل عمران: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(6).(مودّتكم من اللَّه واجبة) ناظرٌ إلى قوله عزّ وجلّ في سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى»(7).(ثمّ اللَّه على نصركم إذا يشاء قدير) إشارة إلى قيام القائم عليه السلام.(قد قبلكم اللَّه) من باب علم.(آتاه اللَّه صدقه) أعطاه اللَّه أجر وفائه.

.


1- .آل عمران (3) : 185.
2- .الأحزاب (33): 33.
3- .المنافقون (63): 8 .
4- .النور (24): 35.
5- .البقرة (2): 217.
6- .آل عمران (3): 200.
7- .الشورى (42): 23.

ص: 323

(والطاعة المفروضة) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1).(وقد أكمل لكم الدِّين) ناظر إلى قوله عزّ وجلّ في سورة المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(2)الآية.قال برهان الفضلاء: والترديدات في «فمن جهل» للتخيير في المكالمة.ولعلّ الآتي هو الخضر أو الياس عليهما السلام بدلالة روايات اُخر في هذا المضمون.

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(3) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذَا رُئِيَ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، رُئِيَ لَهُ نُورٌ كَأَنَّهُ شِقَّةُ قَمَرٍ» .

هديّة:«الشُّقّة» بالضمّ: من الثياب، يعني كأنّه قماش القمر. و«الشِّقة» بالكسر: القطعة من شي ء واحدة «الشقّ»: نصف الشي ء وحصّته منه. والمراد في التعارف من التشبيه بشقّة قمر التشبيه بالقمر ليلة البدر. وقيل: شبّهه صلى اللَّه عليه وآله بالبدر لأنّ القمر كرويّ، يعني لأنّ المضي ء منه دائماً إنّما هو نصفه.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(4) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قال: «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلَى

.


1- .النساء (4): 59.
2- .المائدة (5): 3.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد اللَّه، عن أبي عبد اللَّه الحسين الصغير ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفريّ».

ص: 324

النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ : إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ النَّارَ عَلى صُلْبٍ أَنْزَلَكَ ، وَ بَطْنٍ حَمَلَكَ ، وَ حِجْرٍ كَفَلَكَ ؛ فَالصُّلْبُ صُلْبُ أَبِيهِ (1)عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَ الْبَطْنُ الَّذِي حَمَلَكَ فَآمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ ، وَ أَمَّا حِجْرٌ كَفَلَكَ ، فَحِجْرُ أَبِي طَالِبٍ» .وَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ فَضَّالٍ : «وَ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ» .

هديّة:«أقرأه السلام» من الإفعال، وقرأ عليه السلام كمنع.(فالصلب صلب أبيه) كلامُ الإمام عليه السلام، ف (حملك) و(كفلك) بعده على الحكاية، والمراد ذكر المتعدّ به على رغم من تكلّم في هؤلاء، لا الحصر؛ فإنّ ذلك إلى آدم عليه السلام، والفاء في (فالصلب) للبيان، وفي (فآمنة) للجزاء، والتقدير : «وأمّا البطن الذي حملك».و«كفله» كنصر وبالتشديد بمعنى.(وفي رواية ابن فضّال) كلامُ ثقةِ الإسلام، يعني فحجر أبي طالب وحجر اُمّ عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه.

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ،(2) عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يُحْشَرُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ ، عَلَيْهِ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَ هَيْبَةُ الْمُلُوكِ» .

هديّة:«السّيما» بالقصر: العلامة كالسّيمة بالكسر، وحسن المنظر؛ قال اللَّه تعالى: «سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»(3).قال برهان الفضلاء: «اُمّة وحده» أي جنساً خاصّاً من أجناس البشر ممتازاً عن سائر

.


1- .في الكافي المطبوع : «أبيك».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج».
3- .الفتح (48): 29.

ص: 325

أجناسه، يعني صنفاً خاصّاً.قيل: «عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك»، يعني معها في الدنيا والآخرة.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ ،(1) عَنْ مُقَرِّنٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْبَدَاءِ ، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ ، عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلُوكِ وَ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ» .

هديّة:(مقرّن) ضبطه في الإيضاح على اسم الفاعل من التفعيل.(2)يعني أوّل من قال بعد ظهور خاتم الأنبياء صلى اللَّه عليه وآله بالولادة. وقال برهان الفضلاء:لمّا كان البداء لغة التأسّف على الفعل، وكان إطلاقه في أفعاله تعالى - ولو بمعنى ظهور حكم آخر بعد حكم ومحو حكم وإثبات آخر كما قال اللَّه تَعَالى: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(3) - من الاُمور العظيمة المحتاجة إلى الجرأة والإقدام، فاجترأ عبد المطّلب وصدر هذا الإطلاق منه عند الخوف على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله واضطرابه له كما في الحديث التالي، والخائف المضطرّ معذور، فاستعاروا بعده كما استعار هو عند الاضطرار ، ثمّ جرى بعده وشاع؛ فلا منافاة بين مثل هذا الحديث والذي يدلّ على أنّه لم يبعث نبيّ إلّا وهو قائل بالبداء، وقد سبق.ومن براهين عقل الإيمان على ثبوت البداء في أفعاله تعالى بالمعنى المذكور أمره تعالى بالدعاء والتصدّق، فلو كانت الاُمور مقدّرات أزليّة بحيث لا يتخلّف تحقّقها كما زعمت اليهود وزنادقة الفلاسفة لما كانت فائدة لذلك الأمر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن ا براهيم ، عن أبيه ، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ ، عن الهيثم بن واقد».
2- .إيضاح الإشتباه ، ص 304 ، الرقم 719.
3- .الرعد (13): 39.

ص: 326

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ،(1) عَنْ البجلي، ومُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ جَمِيعاً ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يُبْعَثُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أُمَّةً وَحْدَهُ ، عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلُوكِ وَ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْبَدَاءِ».قَالَ : «وَ كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَرْسَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلى رِعَائِهِ فِي الإِبِلِ (2) قَدْ نَدَّتْ لَهُ ، يَجْمَعَهَا(3) ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ ، وَ جَعَلَ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَ تُهْلِكُ آلَكَ ؟ إِنْ تَفْعَلْ ، فَأْمُرْ مَا بَدَا لَكَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِالْإِبِلِ وَ قَدْ وَجَّهَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي كُلِّ طَرِيقٍ وَ فِي كُلِّ شِعْبٍ فِي طَلَبِهِ ، وَ جَعَلَ يَصِيحُ : يَا رَبِّ ، أَ تُهْلِكُ آلَكَ ؟ إِنْ تَفْعَلْ فَأْمُرْ مَا بَدَا لَكَ ، وَ لَمَّا رَأى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ ، وَ قَالَ : يَا بُنَيَّ ، لَا وَجَّهْتُكَ بَعْدَ هذَا فِي شَيْ ءٍ ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُغْتَالَ فَتُقْتَلَ» .

هديّة:«الرعاء» بكسر الراء وتضمّ ممدود: جمع الراعي كالرعاة بالضمّ؛ قاله الجوهري (4) أيضاً ، قال اللَّه تعالى: «حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ»(5)، في بعض النسخ: «رعاته» على الثاني، و«في إبل» مكان (في الإبل)، و«فجمعها» مكان (يجمعها) بتقدير «أن».(قد ندّت) بالتشديد من الندّ بالفتح بمعنى الشرد والنفور، ندّ البعير كفرّ: إذا شرد ونفر، وقرئ بالتخفيف من الندو بالفتح ، أو الندى كذلك بمعنى تفرّق الشي ء وخروج الإبل من مرعاها. وقرئ: «ألك» على الاستفهام التعجّبي لما ثبت عنده أنّه سيصير نبيّاً يملك المشارق والمغارب، و«أن تفعل» بفتح الهمز مكان آلك بمعنى أهْلُك، يعني آل

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب».
2- .في الكافي المطبوع : «رعاته في إبل» بدل «رعائه في الإبل».
3- .في الكافي المطبوع : «فجمعها».
4- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2358 (رعى).
5- .القصص (28): 23.

ص: 327

بيتك الحرام كما ضبطه برهان الفضلاء، ولطفه ظاهر مسجّع، قال : «الآل» بمعنى المحبّ جدّاً.(فأمر) على الأمر من الأمر، أي «إن» بكسر الهمزة، وقرئ : «فأمر»، أي فأمر عظيم ما بدا لك من أمر إهلاكه، وقرئ أيضاً : «فأمر ما» يعني أمر ما من الاُمور بدا لك من الإهلاك.«إغتاله» : أخذه من حيث لم يدرِ، وخدعه ليقتله بغتةً.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ،(1) عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمَّا أَنْ وَجَّهَ صَاحِبُ الْحَبَشَةِ بِالْخَيْلِ - وَ مَعَهُمُ الْفِيلُ - لِهَدْمِ (2) الْبَيْتِ ، مَرُّوا بِإِبِلٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَسَاقُوهَا ، فَبَلَغَ ذلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، فَأَتى صَاحِبَ الْحَبَشَةِ ، فَدَخَلَ الْآذِنُ ، فَقَالَ : هذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ ، قَالَ : وَ مَا يَشَاءُ ؟ قَالَ التَّرْجُمَانُ : جَاءَ فِي إِبِلٍ لَهُ سَاقُوهَا يَسْأَلُكَ رَدَّهَا ، فَقَالَ مَلِكُ الْحَبَشَةِ لِأَصْحَابِهِ : هذَا رَئِيسُ قَوْمٍ وَ زَعِيمُهُمْ جِئْتُ إِلى بَيْتِهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ لِأَهْدِمَهُ وَ هُوَ يَسْأَلُنِي إِطْلَاقَ إِبِلِهِ! أَمَا لَوْ سَأَلَنِيَ الْإِمْسَاكَ عَنْ هَدْمِهِ لَفَعَلْتُ ، رُدُّوا عَلَيْهِ إِبِلَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِتَرْجُمَانِهِ : مَا قَالَ (3) الْمَلِكُ ؟ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ ، وَ لِهذَا الْبَيْتِ رَبٌّ يَمْنَعُهُ ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ (4)إِبِلُهُ ، وَ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَحْوَ مَنْزِلِهِ ، فَمَرَّ بِالْفِيلِ فِي مُنْصَرَفِهِ ، فَقَالَ لِلْفِيلِ : يَا مَحْمُودُ ، فَحَرَّكَ الْفِيلُ رَأْسَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَ تَدْرِي لِمَ جَاؤُوا بِكَ ؟ فَقَالَ الْفِيلُ بِرَأْسِهِ : لَا ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : جَاؤُوا بِكَ لِهَدْمِ (5) بَيْتِ رَبِّكَ ، أَ فَتُرَاكَ فَاعِلَ ذلِكَ ؟

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران».
2- .في الكافي المطبوع : «ليهدم».
3- .في الكافي المطبوع : + «لك».
4- .في الكافي المطبوع : «إليه».
5- .في الكافي المطبوع : «لتهدم».

ص: 328

فَقَالَ بِرَأْسِهِ : لَا ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلى مَنْزِلِهِ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ، غَدَوْا بِهِ لِدُخُولِ الْحَرَمِ ، فَأَبى وَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِبَعْضِ مَوَالِيهِ عِنْدَ ذلِكَ : اعْلُ الْجَبَلَ ، فَانْظُرْ تَرى شَيْئاً ؟ فَصَعِدَ(1) فَقَالَ : أَرى سَوَاداً مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ ، فَقَالَ لَهُ : يُصِيبُهُ بَصَرُكَ أَجْمَعَ ؟ فَقَالَ لَهُ : لَا ، وَ لَأَوْشَكَ أَنْ يُصِيبَ ، فَلَمَّا أَنْ قَرُبَ ، قَالَ : هُوَ طَيْرٌ كَثِيرٌ وَ لَا أَعْرِفُهُ ، يَحْمِلُ كُلُّ طَيْرٍ فِي مِنْقَارِهِ حَصَاةً مِثْلَ حَصَاةِ الْخَذْفِ ، أَوْ دُونَ حَصَاةِ الْخَذْفِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : وَ رَبِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا يُرِيدُ(2) إِلَّا الْقَوْمَ حَتّى لَمَّا صَارُوا(3) فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ أَجْمَعَ ، أَلْقَتِ الْحَصَا(4) ، فَوَقَعَتْ كُلُّ حَصَاةٍ عَلى هَامَةِ رَجُلٍ ، فَخَرَجَتْ مِنْ دُبُرِهِ ، فَقَتَلَتْهُ ، فَمَا انْفَتَلَ (5) مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ يُخْبِرُ النَّاسَ [فَأَخْبَرَهُمْ (6) ، فَلَمَّا أَنْ أَخْبَرَهُمْ ، أَلْقَتْ عَلَيْهِ حَصَاةً فَقَتَلَتْهُ» .

هديّة:في بعض النسخ: «ليهدم بيت ربّك» مكان (لهدم بيت ربّك)، و«لتهدم» بعده مكان (لهدم)، و«صار» مكان (صاروا)، و«انفلت» مكان (انفتل). و«الإنفلات»: الفرار والهزيمة ، و«الانفتال»: الانصراف. والظاهر «ألقيت» على المجهول مكان (ألقت) على المعلوم، وإفراد الضماير للطير باعتبار الجنس، وجمعها باعتبار الجماعة.و(الآذن) من له الإذن في طلب الإذن لمن طلبه.و(الترجمان) فيه لغات ثلاث: فتح الأوّل والجيم، وضمّها وفتح الأوّل وضمّ الجيم، و«في» في (جاء في إبل له) للسببيّة.و«زعيم القوم»: سيّدهم.(يمنعه): يحفظه.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «فصعد».
2- .في الكافي المطبوع : «ما تريد».
3- .في الكافي المطبوع : «صارت».
4- .في الكافي المطبوع : «الحصاة».
5- .في الكافي المطبوع : «انفلت».
6- .]ما بين المعقوفين أضفناه من كلام الشارح في آخر شرح هذا الحديث.

ص: 329

و«المنصرف»: مصدر ميميّ أو اسم مكان.(فقال الفيل) أي أشار، وهذا أحد معاني «قال».(اجمع) رفع أو نصب تأكيد الفاعل أو المفعول.و(الخذف) بفتح المعجمة الاُولى وسكون الثانية والفاء: الرمي بحصاة أو نواة تُؤخذ بين السبّابتين يرمى بها.و«الهامة» بالتخفيف: الرأس، أو اُمّه، أو رأس الرأس.ليس في بعض النسخ (فأخبرهم).

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي، عَنْ رِفَاعَةَ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يُفْرَشُ لَهُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَا يُفْرَشُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ ، وَ كَانَ لَهُ وُلْدٌ يَقُومُونَ عَلى رَأْسِهِ ، فَيَمْنَعُونَ مَنْ دَنَا مِنْهُ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ طِفْلٌ يَدْرُجُ - حَتّى جَلَسَ عَلى فَخِذَيْهِ ، فَأَهْوى بَعْضُهُمْ إِلَيْهِ لِيُنَحِّيَهُ ،(2) فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : دَعِ ابْنِي ؛ فَإِنَّ الْمَلَكَ قَدْ أَتَاهُ» .

هديّة:«الفناء» بالكسر والمدّ: ما امتدّ من جوانب الدار.(يدرج) على المعلوم من باب نصر: يمشي، يعني كان كان طفلاً حديثَ المشي.(قد أتاه) قيل: من الإيتاء لا بمعنى الإعطاء، بل المتعدّي من أتى بمعنى جاء ، يعني لم يأت إليّ بنفسه، بل الملك أتى به. والظاهر أنّه من الإتيان، فلعلّه أشار بإتيان الملك إليه إلى مثل حديث فقدان ظئره حليمة إيّاه صلى اللَّه عليه وآله.(3)وإخبار الأحبار والقسيسين إيّاها بعد الاستخبار عن اسمه صلى اللَّه عليه وآله بأنّ الملك قد ذهب

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن رفاعة».
2- .في الكافي المطبوع : + «عنه».
3- .المناقب ، ج 1 ، ص 34 ؛ وعنه في البحار ، ج 15 ، ص 333 ، ح 3.

ص: 330

به ، وسيبعث نبيّاً يملك المشارق والمغارب، وهو خاتم الأنبياء الموعود في الكتب السماويّة جميعاً.وقرأ برهان الفضلاء: «أتّاه» بالتشديد، وقال: «التأتية» تخلية المرء بينه وبين سبيله الذي أراده، وفلان أتّى الماء: سهّل سبيله ليجري إلى ما يريد، ثمّ احتمل «أتاه» من باب ضرب، وقال: فالماضي لتحقّق الوقوع في المستقبل أو للوقوع، فإنّه صلى اللَّه عليه وآله نبوّته قبل رسالته، فلعلّه نبيّ في ذلك الوقت.وروي من طرق العامّة عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قد فرّج سقف بيتي وأنا بمكّة، فنزل جبرئيل عليه السلام ففرّج صدري، ثمّ غسّله من ماء زمزم، ثمّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثمّ أطبقه، ثمّ أخذ بيدي فعرج بنا إلى السماء».(1)

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ دُرُسْتَ،(2) عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله ، مَكَثَ أَيَّاماً لَيْسَ لَهُ لَبَنٌ ، فَأَلْقَاهُ أَبُو طَالِبٍ عَلى ثَدْيِ نَفْسِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ لَبَناً ، فَرَضَعَ مِنْهُ أَيَّاماً حَتّى وَقَعَ أَبُو طَالِبٍ عَلى حَلِيمَةَ السَّعِيدِيَّةِ(3) ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا» .

هديّة:(فرضع منه) على المعلوم من باب ضرب وعلم.و(حليمة) مكبّرة كسعيديّة بكسر العين: قبيلة من اليمن، وبرود السعيديّة مشهورة. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «السعديّة» بسكون العين: نسبةً إلى أحد

.


1- .صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 107 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 102 ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 122 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 140 ، ح 314.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن عليّ بن المعلّى، عن أخيه محمّد، عن درست بن أبي منصور».
3- .في الكافي المطبوع : «السّعديّة».

ص: 331

السعود، قبائل ذكرها الجوهري (1) وغيره مفصّلة.وهنا إشكال بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على أنّها بنت أخيه من الرضاعة.فقيل: لعلّ ذلك قبل حكم الرضاع، فينشر الحرمة إلّا فيما قد سلف، وليس بشي ء.وقيل: لعلّ دفعه صلى اللَّه عليه وآله إلى حليمة بعد الانفصال عن اللبن.وفيه: أنّه خلاف الظاهر، ويأباه «أيّاماً».وقيل: كأنّ هنا إسقاط، مثل «فوقف، فأشرف» فقرئ : «حتّى وَقِع» كعلم، يُقال: وقع فلان: اشتكى لحم قَدَمِه من غلظ الأرض والحجارة.وقال برهان الفضلاء: يحتمل أن يكون المراد بثدي نفسه ثدي زوجته فاطمة بنت أسد. ولا يشكل على هذا بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ؛ لأنّ المجمع عليه هو تحريم الاُمّ من الرضاعة والاُخت من الرضاعة.وأيضاً روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار في معنى قول الصادق عليه السلام: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان مجبوراً» أنّ من شروط نشر الحرمة بالرضاع أن يكون بالاستيجار ونحوه، انتهى.(2)وفيه: أنّ الاحتمال المذكور يمنعه: (فأنزل اللَّه فيه لبناً).أقول: يرد الإشكال لو لم يمكن تخلّف كونه صلى اللَّه عليه وآله ابناً رضاعيّاً لأبي طالب عن كون ظئره اُمّاً رضاعيّاً له، فلعلّها أرضعته لا من لبن هذا الفحل.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي عن الثلاثة،(3) عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مَثَلَ أَبِي طَالِبٍ مَثَلُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، أَسَرُّوا الْإِيمَانَ وَ أَظْهَرُوا الشِّرْكَ ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ» .

.


1- .الصحاح ، ج 2 ، ص 487 (سعد).
2- .معاني الأخبار ، ص 214 ، ح 1.
3- .يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».

ص: 332

هديّة:(مثل أصحاب الكهف) يحتمل الرفع، والنصب على نزع الخافض وإن كان مزيداً.(مرّتين): مرّة للإيمان، واُخرى للتقيّة. وإنّما أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ليكون أقدر على إعانة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أيضاً.

الحديث الثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ ،(1) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ عليه السلام ، قَالَ : قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ كَافِراً ؟ فَقَالَ : «كَذَبُوا ؛ كَيْفَ يَكُونُ كَافِراً وَ هُوَ يَقُولُ :أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّداًنَبِيّاً كَمُوسى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ؟!» .وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : «كَيْفَ يَكُونُ أَبُو طَالِبٍ كَافِراً وَ هُوَ يَقُولُ :وَقَدْ(2) عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ لَدَيْنَا وَ لَا يَعْبَأُ بِقَوْلِ (3) الْأَبَاطِلِ وَ أَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامى ، عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ؟!» .

هديّة:(ألم تعلموا) يحتمل الخطاب والغيبة.(خطّ في أوّل الكتب) على ما لم يسمّ فاعله، قيل: يعني أنّ هذا مثبت في الكتاب الأوّل يعني اللوح المحفوظ، وقيل: يعني في أوّل كلّ كتاب تشرّفاً وتيمّناً باسمه، وقيل: يعني في كتب الأوائل. وقرأ برهان الفضلاء : «في أوّل الكتب» بضمّ الهمزة وفتح الواو المشدّدة، جمع «أولى» تأنيث «الأوّل» يعني الصحف الأوّلة التي كانت قبل سائر الكتب، قال: أو بفتح الهمزة، يعني كتاب آدم عليه السلام أو عمدة كلّ كتاب، يعني محكمه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمّد الأزديّ».
2- .في الكافي المطبوع : «لقد».
3- .في الكافي المطبوع : «بقيل».

ص: 333

(وفي حديث آخر) كلامُ ثقةِ الإسلام، وبهذا أحاديث الباب اثنان وأربعون.في بعض النسخ : «لقد علموا» مكان (وقد علموا)، «ولا يعنى» - كما ضبط برهان الفضلاء على المضارع الغائب المعلوم من باب علم، من العناء بالفتح والمدّ، بمعنى التقيّد والخضوع مكان (ولا يعبأ) بمعنى لا يهتمّ، قال: يعني لا يغترّ في أمر دينه.و(الأباطل) جمع «الأبطل» أفعل التفضيل للباطل.و«الأبيض»: الرجل التقيّ النقيّ العرض والسيرة. (يستسقى الغمام) على ما لم يسمّ فاعله، أي يطلب الغيث بالاستعانة من بركة ماء وجهه، أو الوجه عبارة عن الجاه والمنزلة. و(ثمال) ككتاب: الغياث الذي يقوم بأمر قومه.و«الأرملة»: تأنيث «الأرمل» على أفعل. قال في القاموس: رجلٌ أرمل وامرأة أرملة: محتاجة أو مسكينة، والجمع: أرامل وأراملة، والأرمل: العزب وهي بهاء ولا يقال للعزبة الموسرة: أرملة، والأرملة: الرّجال المحتاجون الضعفاء، انتهى.(1)في بعض النسخ : «عصمة الأرامل» بالإضافة.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ الثلاثة،(2) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «بَيْنَا النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَهُ جُدُدٌ ، فَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ سَلى نَاقَةٍ ، فَمَلُّوا(3) ثِيَابَهُ بِهَا ، فَدَخَلَهُ مِنْ ذلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَذَهَبَ إِلى أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَمِّ ، كَيْفَ تَرى حَسَبِي فِيكُمْ ؟ فَقَالَ لَهُ : وَ مَا ذَاكَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَدَعَا أَبُو طَالِبٍ حَمْزَةَ ، وَ أَخَذَ السَّيْفَ ، وَ قَالَ لِحَمْزَةَ : خُذِ السَّلى ، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْقَوْمِ وَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله مَعَهُ ، فَأَتى قُرَيْشاً - وَ هُمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ - فَلَمَّا رَأَوْهُ ، عَرَفُوا الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِحَمْزَةَ : أَمِرَّ السَّلى عَلى سِبَالِهِمْ ، فَفَعَلَ ذلِكَ حَتّى أَتى عَلى آخِرِهِمْ ، ثُمَّ الْتَفَتَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ :

.


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 387 (رمل).
2- .يعني : «عليّ بن إبراهيم» ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- .في الكافي المطبوع : «فملؤوا».

ص: 334

يَا ابْنَ أَخِي ، هذَا حَسَبُكَ فِينَا» .

هديّة:«الجُدُد» بضمّتين: جمع الجديد وصفٌ للثياب، واللام في (له) للاختصاص.و«السّلا» بفتح المهملة والقصر والتخفيف: الجلدة التي يكون فيها الولد من الحيوان. «ملّه» كعضّ: أدرنه وأوسخه، من الملّة بالفتح والتشديد بمعنى الرماد. وقرأ برهان الفضلاء: «فملؤوا» من الملأ كالمنع مصدر قولك: ملأت الإناء كمنع.و«سبلة» بالتحريك يجمع على سبال وأسبلة، وهي ما على الشارب من الشَّعر، أو مجتمع الشاربين، أو ما على الذّقن على طرف اللّحية كلّها. في بعض النسخ : «أسبلتهم» مكان (سبالهم)، وفي بعض آخر : «خذ للسلاح» مكان (خذ السّلا)، وكأنّه مصنوع. و«الحسب»: شرف المجد والمكرمة والعزّة.

الحديث الثاني والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ ، نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ ؛ فَلَيْسَ لَكَ بِهَا(2) نَاصِرٌ ، وَ ثَارَتْ قُرَيْشٌ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَخَرَجَ هَارِباً حَتّى جَاءَ إِلى جَبَلٍ بِمَكَّةَ - يُقَالُ لَهُ : الْحَجُونُ - فَصَارَ إِلَيْهِ» .

هديّة:(توفّى) على ما لم يسمّ فاعله من التفعّل. وقال برهان الفضلاء: ويحتمل المعلوم من التفعّل، أي أتمّ عمره ورزقه.في بعض النسخ : «فيها» مكان (بها).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليٌّ، عن أبيه، عن ابن أبي نصر، عن إبراهيم بن محمّد الأشعريّ، عن عبيد بن زرارة».
2- .في الكافي المطبوع : «فيها».

ص: 335

(ثارت): هاجت، من الثور وهو الهيجان والوثوب. و(الحجون) بالفتح وتقديم المهملة على الجيم.

الحديث الثالث والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1) رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَسْلَمَ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ» قَالَ : «بِكُلِّ لِسَانٍ» .

هديّة:يجمع «الجملة» على «جمل» كصرد، و«جمّل» بالضمّ والتشديد كركّع، ويُقال للقلس بالفتح - وهو مجموع حبال السفينة مربوطة على سكّانها - : جمّل أيضاً كركّع، شبّه حساب أبجد بذلك لجمعها كالقلس مرتبة مرتبة مرّة في العشرة واُخرى في المائة ، ثمّ في الألف ، (بحساب الجمّل) متعلّق ب (قال)، وتكرار «قال» للفاصلة، يعني بإشارة من إشارات عقود الأنامل كما سيذكر في الحديث التالي.(وبكلّ لسان) متعلّق ب (أسلم)، أي بكلّ حجّة للَّه على الناس في الأرض بأنّهم قائلون حقّاً أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً الذي خلقه رحمةً للعالمين بفضل جوده ومحض لطفه عبدُه ورسولُه. أوالمعنى أنّ أبا طالب أسلم بطريق إسلام كلّ حجّة للَّه بما ذكر، وهذا بدليل الحديث التالي.وقال بعض المعاصرين: لعلّ المراد أنّه أظهر إسلامه بكلمات كانت عددها بحساب الجمّل ثلاثة وستّين،(2) وهي إلهٌ أحدٌ جواد، يعني كما روى الصدوق في معاني الأخبار عن ابن روح، وقال:سئل أبو القاسم الحسين بن روح عن معنى هذا الخبر، يعني الحديث التالي، فقال: عنى بذلك إلهٌ أحدٌ جوادٌ، قال: وتفسير ذلك أنّ الألف واحد، واللام ثلاثون، والهاء خمسة، والألف واحد، والحاء ثمانية، والدال أربعة، والجيم ثلاثة، والواو ستّة، والألف واحد،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه و محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد اللَّه».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 701 ، ذيل ح 1310.

ص: 336

والدال أربعة، فذلك ثلاثة وثلاثون.(1)وقال بعض الأفاضل عبّر عليه السلام عن إسلام أبي طالب بكلّ لسان، يعني البتّة بإسلامه بحساب الجمل؛ لأنّه حساب جاز في كلّ لسان.وقال برهان الفضلاء:الحساب هنا بمعنى الكافي، قال اللَّه تعالى: «عَطَاءً حِسَاباً»(2). و«الجمل» كصرد: جمع الجملة، وكذا الجمّل بالتشديد، قال: أو بضمّتين جمع الجميل، يعني الحسان والأبرار، يعني بطريق كافٍ لمعرفة الجميع أو المحسنين أنّه أسلم، ف «بكلّ لسان» للتوضيح؛ إذ المعنى أنّ كلّ أحد حتّى الأجنبي عن لسانه عرف إسلامه، انتهى.مثل الحديث من مصاديق قولهم عليهم السلام: «إنّ حديثنا صعبٌ مستصعب»(3)الحديث.

الحديث الرابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ،(4) عَنْ السَّكُونِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَسْلَمَ أَبُو طَالِبٍ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ ، وَ عَقَدَ بِيَدِهِ ثَلَاثاً وَ سِتِّينَ» .

هديّة:بيانه على بيان سابقه، أنّه عليه السلام قال بإشارة عقود الأنامل أنّ أبا طالب أسلم بأنّه إلهٌ أحدٌ جوادٌ، يعني بأن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً الذي خلقه بفضل جوده ومحض لطفه عبده ورسوله.وقال برهان الفضلاء:كان المقرّر في السلف ثلاثاً وستّين صورة من صور عقود الأنامل لضبط الإشارة إلى

.


1- .معاني الأخبار ، ص 286 ، ح 2.
2- .النبأ (78): 36.
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 401 ، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب ، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 2 ، ص 333 ، ح 1055 ؛ بصائر الدرجات ، ص 25 ، ح 20.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد و عبد اللَّه ابني محمّد بن عيسى ، عن أبيهما ، عن عبد اللَّه بن المغيرة».

ص: 337

الحساب من واحد إلى عشرة آلاف، منها للستّين: وضع ظفر الإبهام اليمنى على العقد الأوسط من العقود الثلاثة في السبّابة كما يفعل الرامي عند الرمي، فبوضعها على عقود الثلاثة واحداً بعد واحد يفهم ثلاثة وستّين، فالمعنى أنّ أبا طالب رمى قلب المشركين بسهام وهي ثلاثة وستّون بيتاً في إظهار الإسلام بمدح النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، انتهى.وذكر الفاضل الاسترآبادي في بيان هذين الحديثين: الحديث رواه الصدوق في هذا المعنى. واكتفى، إلّا أنّه نقله عن كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة هكذا: عن أبي الحسن محمّد بن أحمد، قال: كنت عند أبي القاسم بن روح فسأله رجلٌ: ما معنى قول العبّاس للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله: إنّ عمّك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل وعقد بيده ثلاثة وستّين؟ فقال: عنى بذلك إلهٌ أحدٌ جوادٌ، وتفسير ذلك أنّ الألف واحد،(1) الحديث كما ذكر آنفاً.

الحديث الخامس والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ الأَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ الْحَنْظَلِيِّ ،(2) قَالَ : رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْمَ افْتَتَحَ الْبَصْرَةَ ، وَ رَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ قَالَ : «أَيُّهَا النَّاسُ ، أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ ؟» .فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : بَلى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، حَدِّثْنَا ؛ فَإِنَّكَ كُنْتَ تَشْهَدُ وَ تَغِيبُ ،(3)فَقَالَ : «إِنَّ خَيْرَ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لَا يُنْكِرُ فَضْلَهُمْ إِلَّا كَافِرٌ ، وَ لَا يَجْحَدُ بِهِ إِلَّا جَاحِدٌ».فَقَامَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَقَالَ : سَمِّهِمْ لَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (4)لِنَعْرِفَهُمْ ، فَقَالَ : «إِنَّ خَيْرَ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ الرُّسُلُ ، وَ إِنَّ أَفْضَلَ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّ أَفْضَلَ كُلِّ أُمَّةٍ بَعْدَ نَبِيِّهَا وَصِيُّ نَبِيِّهَا حَتّى يُدْرِكَهُ نَبِيٌّ ، أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الْأَوْصِيَاءِ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ

.


1- .كمال الدين ، ج 2 ، ص 519 ، ح 48.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال ، عن الحسين بن علوان الكلبّي ، عن عليّ بن الخروّر الغنويّ ، عن الأصبغ بن نباتة الحنظلي».
3- .في الكافي المطبوع : «نغيب».
4- .في الكافي المطبوع : «يا أمير المؤمنين سمّهم لنا».

ص: 338

الْأَوْصِيَاءِ الشُّهَدَاءُ ، أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبَانِ ، يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ ، لَمْ يُجْعَلْ لأَِحَدٍ(1)مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ جَنَاحَانِ غَيْرُهُ ، شَيْ ءٌ كَرَّمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّداً وَ آلِهِ شَرَّفَهُمْ صلى اللَّه عليه وآله (2)، وَ السِّبْطَانِ - الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ - وَ الْمَهْدِيَّ عليهم السلام يَجْعَلُهُ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ».ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً * ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً» .

هديّة:(افتتح) على المعلوم من الافتعال للمبالغة، أو على خلافه منه؛ ف (البصرة) رفع نيابةً عن الفاعل.(كنت تشهد وتغيب) كنايةٌ عن كثرة صحبته عليه السلام واختصاصه برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كأنّه ما غاب عن خدمته قطّ.قال برهان الفضلاء: «جحد» كعلم: قصر، خلاف طال، و«جحده» كمنع: أنكره، وهنا من الأوّل، فالباء في (به) للتعدية، أي ولا يظنّ به نقصاً في الدِّين إلّا جاحد.في بعض النسخ : «لم ينحل أحد» مكان (لم يجعل لأحد) أي لم يعط.قيل: والظاهر «جناحين» مكان (جناحان).وضبط برهان الفضلاء : «وشرّفه» مكان (وشرّفهم) كما في بعض النسخ.و(السبطان) مبتدأ، خبره (الحسن والحسين عليهما السلام).(والمهديّ) نصب بتقدير فعل يفسّره (يجعله).والآية في سورة النساء.(3)

.


1- .في الكافي المطبوع : «لم يغل أحد» بدل «لم يجعل لأحد».
2- .في الكافي المطبوع : «محمّدا صلى اللَّه عليه وآله وشرّفه» بدل «محمّدا و آله وشرّفهم صلى اللَّه عليه وآله».
3- .النساء (4) : 69 - 70.

ص: 339

الحديث السادس والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : كَيْفَ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : «لَمَّا غَسَّلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ كَفَّنَهُ ، سَجَّاهُ ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ عَشَرَةً ، فَدَارُوا حَوْلَهُ ، ثُمَّ وَقَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي وَسَطِهِمْ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» فَيَقُولُ الْقَوْمُ كَمَا يَقُولُ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَ أَهْلُ الْعَوَالِي» .

هديّة:(سجّاه): غطّاه، و«التسجية»: التغطية.في (فداروا حوله) أقوال:قيل: يعني بحيث صاروا حلقة.وقيل: ذلك لمكان الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله في حجرته ولم تسع الصفّ المستوي.وقيل: وذلك لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إمامنا حيّاً وميّتاً» كما في الحديث التالي للتالي.وقال برهان الفضلاء: يعني فوقفوا خارج الحجرة حيث كان بعضهم داخل بعض البيوت.(ثمّ وقف أمير المؤمنين عليه السلام) يعني مستقبل القبلة قولاً واحداً.وكذا أقوال في قراءة هذه الآية من سورة الأحزاب (2):فقيل: ظاهر هذا الحديث والآتي - وهو الحديث الأربعون - أنّ الصلاة على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله كانت مجرّد قراءة هذه الآية فلعلّها من الخصائص.وقيل: يعني فقرأ هذه الآية قبل الصلاة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسين ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن النعمان ، عن أبي مريم الأنصاري».
2- .الأحزاب (33) : 56.

ص: 340

وقيل: يحتمل «فصلّى فقال».(فيقول القوم) يعني فكان يقول القوم كما يقول أهل المدينة، يعني على الظاهر جميعهم عشرة عشرة.و(العوالي): قرى ومواضع حوالى المدينة، يعني أهل قراها القريبة.

الحديث السابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عُقْبَةَ بْنِ بَشِيرٍ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله لِعَلِيٍّ عليه السلام : يَا عَلِيُّ ، ادْفِنِّي فِي هذَا الْمَكَانِ ، وَ ارْفَعْ قَبْرِي مِنَ الْأَرْضِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، وَ رُشَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ» .

هديّة:دفنه يدفنه كنصر - قيل: وضرب أيضاً - : ستره وواراه، كادّفنه على افتعله، فاندفن وتدفّن؛ قاله في القاموس.(2)(في هذا المكان) يعني حجرته صلى اللَّه عليه وآله.(رشّ عليه) من باب مدّ، والألف واللام في (الماء) للعهد الخارجي، يعني ماء بئر غرس، وقد ذكر في الحديث الرابع (3) في الباب الرابع والستّين.(4)

الحديث الثامن والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادٍ ،(5) عَنِ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَتَى الْعَبَّاسُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف ، عن أبي المغراء ، عن عقبة بن بشير».
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 222 (دفن).
3- .في «الف» : + «عشر».
4- .الكافي ، ج 1 ، ص 297 ، باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ، ح 7 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 2 ، ص 31 ، ح 772.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد».

ص: 341

أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ،(1) فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي بَقِيعِ الْمُصَلّى ، وَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِمَامَنَا(2) حَيّاً وَمَيِّتاً ، وَ قَالَ : إِنِّي أُدْفَنُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي أُقْبَضُ فِيهَا ، ثُمَّ قَامَ عَلَى الْبَابِ ، فَصَلّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ عَشَرَةً عَشَرَةً يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ» .

هديّة:«البقيع»: يُقال للموضع الذي فيه أشجار مختلفة، واسم خمسة مواضع في المدينة المنوّرة؛ والامتياز بالمضاف إليه، أحدها: (بقيع المصلّى) على اسم المفعول؛ لصلاته صلى اللَّه عليه وآله فيه لعيد الأضحى، وهو المسمّى ب «بقيع الخيل» أيضاً؛ لكونه مجتمع السرايا. والثاني : «بقيع بطحان» بضمّ المفردة وسكون المهملة، نسبةً إلى مسيل في المدينة. والثالث : «بقيع الغرقد» بالغين المعجمة المفتوحة، ثمّ المهملة الساكنة، فالقاف المفتوحة فالدال المهملة، نسبةً إلى ضرب من الشجر، وهو البقيع المشهور الآن عند الإطلاق. الرابع: بقيع الزبير، نسبةً إلى زبير بن العوّام كان أقطعه إيّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. الخامس : «بقيع الخبجبة» بفتح المعجمة وسكون المفردة وفتح الجيم والمفردة، نسبةً إلى ضرب من الشجر.

الحديث التاسع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(3) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَوْجاً فَوْجاً».قَالَ : «وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقُولُ فِي صِحَّتِهِ وَ سَلَامَتِهِ : إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ عَلَيَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ بَعْدَ قَبْضِ اللَّهِ لِي : «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى

.


1- .في «د» : + «إلى الناس».
2- .في الكافي المطبوع : «إمام».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف، عن عمرو بن شمر».

ص: 342

النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً»(1)» .

هديّة:لعلّ المراد بصلاة المهاجرين والأنصار فوجاً فوجاً صلاتهم عشرة عشرة لما ذكر آنفاً.

الحديث الأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا مَعْنَى السَّلَامِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمَّا خَلَقَ نَبِيَّهُ وَ وَصِيَّهُ وَ ابْنَتَهُ وَ ابْنَيْهِ وَ جَمِيعَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، وَ خَلَقَ شِيعَتَهُمْ ، أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ ، وَ أَنْ يَصْبِرُوا وَ يُصَابِرُوا وَ يُرَابِطُوا ، وَ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ ؛ وَ وَعَدَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُمُ الْأَرْضَ الْمُبَارَكَةَ وَ الْحَرَمَ الْآمِنَ ، وَ أَنْ يُنَزِّلَ لَهُمُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ ، وَ يُظْهِرَ لَهُمُ السَّقْفَ الْمَرْفُوعَ ، وَ يُرِيحَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَ الْأَرْضِ الَّتِي يُبَدِّلُهَا اللَّهُ مِنَ السَّلَامِ وَ يُسَلِّمُ مَا فِيهَا لَهُمْ ، لَا شِيَةَ فِيهَا - قَالَ : لَا خُصُومَةَ فِيهَا لِعَدُوِّهِمْ - وَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا مَا يُحِبُّونَ ؛ وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ وَ شِيعَتِهِمُ الْمِيثَاقَ بِذلِكَ ، وَ إِنَّمَا عَلَيْهِ السَّلَامُ (3) تَذْكِرَةُ نَفْسٍ الْمِيثَاقَ ، وَ تَجْدِيدٌ لَهُ عَلَى اللَّهِ لَعَلَّهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ يُعَجِّلَ السَّلَامَ لَكُمْ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ» .

هديّة:الأولى جرّ (السلام) وتعلّق الظرف بالسلام من رفعه بالابتداء وخبريّة الظرف.(وأن يصبروا) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(4).

.


1- .الأحزاب (33) : 56.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا رفعه عن محمّد بن سنان ، عن داود بن كثير الرقّي».
3- .في الكافي المطبوع : «السلام عليه» بدل «عليه السلام».
4- .آل عمران (3): 200.

ص: 343

و(الأرض المباركة) هنا قيل: عبارة عن حرم المدينة المنوّرة، وقيل: عن جميع المشاهد المقدّسة، وقيل: - كما ذهب إليه برهان الفضلاء - إنّها عبارة عن جميع الأرض وما فيها في زمان القائم عليه السلام، وفي الحديث أنّ ظهور بركات الأرض عند ظهوره عليه السلام. قال: و«الحرم الآمن» أيضاً عبارة عنه بذلك الاعتبار، وفي الحديث إنّه صار حمى للشيعة لا مدخل لغيره فيه أصلاً، فناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة القصص: «وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»(1)، فسّر «أولم نمكّن لهم» بالوعد للشيعة عند ظهور الصاحب عليه السلام.وفي إنزال البيت المعمور لهم أقوال. قال برهان الفضلاء: و«البيت المعمور» هنا عبارةٌ عن اللوح المحفوظ وهو المسمّى باُمّ الكتاب، وهو كتاب من كتب المحو والإثبات التي تنزل على الأئمّة عليهم السلام في ليالي القدر للتحديث ولم ينزل ذلك الكتاب بعد، وسينزل على الصاحب عليه السلام، قال اللَّه تعالى في سورة الرعد: «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ* يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2)، «والسقف المرفوع» عبارة عن سرادق الصاحب عليه السلام، أو كناية عن رفعة شأن سلطنته، فالعبارتان إشارة إلى تفسير آيتي سورة الطور.(3)(يريحهم) على المعلوم من الإفعال.(والأرض) إمّا نصب عطفاً على السقف.(ويبدّلها) بالدال المهملة من التبديل.و(من السلام) يعني من البركة والتيمّن.(ويسلّم) بالنصب عطفٌ على (يظهر) أو رفع على الابتداء.

.


1- .القصص (28): 57 .
2- .الرعد (13): 38 - 39 .
3- .الطور (52) : 4 - 5.

ص: 344

و«يبذلها» كما في بعض النسخ. وضبط برهان الفضلاء بالذال المعجمة من البذل مصدر باب ضرب.و«من السلام» يعني من الصاحب عليه السلام وشيعته.و(لاشية فيها) خبر المبتدأ، فالجملة معترضة، و«الشّية» بالكسر والتخفيف أصلها الوشى بالفتح وسكون المعجمة، وهو اللون الذي في الثوب يخالف سائره، وقد يكنّى بها عن الأثر والعلامة، والظرف «في».(وإنّما عليه السلام) أي على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله متعلّق بالسلام وهو مبتدأ متأخّر عن متعلّقه، والخبر (تذكرة) مضافة إلى (نفس)، و(الميثاق) نصب مفعول به للتذكرة، و(تجديد له) عطف على المبتدأ. أي للسّلام على اللَّه، أي على ما وعد اللَّه أو الموعود على اللَّه. (لعلّه) : لعلّ اللَّه أن يعجّل تسليم السلام إليهم بجميع ما في السلام، يعني الأرض المباركة والحرم الآمن.

الحديث الحادي والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنُ مَحْبُوبٍ ،(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ صَفِيِّكَ (2) وَ نَجِيِّكَ ، الْمُدَبِّرِ لِأَمْرِكَ» .

هديّة:الصفيّ والصفوة والمصطفى والمرتضى والمجتبى كلّه بمعنى.و«النجي»: المناجي، يعني صاحب السرّ بالوحي، و(المدبّر) على اسم المفعول من التدبير، (لأمرك): لحجّتك أو لدينك، والمعنى على اسم الفاعل منه المدبّر بأمرك لأمرك، على ما سبق في باب التفويض إلى النبيّ وإلى الأئمّة عليهم السلام في أمر الدِّين.

.


1- .السند في الكافي المطبوع مصدّدر بابن محبوب وهو الحسن وليس هو من مشايخ الكليني وأمّا كون السند معلّقاً على الأسناد السابقة، فليس له وجه مبرّر.
2- .في الكافي المطبوع : + «وخليلك».

ص: 345

باب النهي عن الإشراف على قبر رسول اللَّه

الباب الثاني عشر والمائة : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَافِ عَلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله (1)وفيه كما في الكافي حديث واحد:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُثَنَّى الْخَطِيبِ ،(2) قَالَ : كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ وَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْقَبْرِ قَدْ سَقَطَ ، وَ الْفَعَلَةُ يَصْعَدُونَ وَ يَنْزِلُونَ وَ نَحْنُ جَمَاعَةٌ ، فَقُلْنَا(3) لِأَصْحَابِنَا : مَنْ مِنْكُمْ لَهُ مَوْعِدٌ يَدْخُلُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام اللَّيْلَةَ ؟ فَقَالَ مِهْرَانُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ : أَنَا ، وَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيُّ : أَنَا ، فَقُلْنَا لَهُمَا : سَلَاهُ لَنَا عَنِ الصُّعُودِ لِنُشْرِفَ عَلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِينَاهُمَا ، فَاجْتَمَعْنَا جَمِيعاً ، فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ : قَدْ سَأَلْنَاهُ لَكُمْ عَمَّا ذَكَرْتُمْ ، فَقَالَ : «مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْلُوَ فَوْقَهُ ، وَ لَا آمَنُهُ أَنْ يَرى شَيْئاً يَذْهَبُ مِنْهُ بَصَرُهُ ، أَوْ يَرَاهُ قَائِماً يُصَلِّي ، أَوْ يَرَاهُ مَعَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:في بعض نسخ الكافي ليس لفظة (باب) قبل العنوان، والأكثر كما نقلنا؛ فأحاديث الباب على البعض اثنان وأربعون، أو ثلاثة وأربعون.

.


1- .في الكافي المطبوع : «النبيّ» بدل «رسول اللَّه».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن جعفر بن المثنّى الخطيب».
3- .في الكافي المطبوع : «فقلت».

ص: 346

(لنشرف) على المتكلّم مع الغير من الإفعال.(ولا آمنه) على المتكلّم وحده من باب علم. وقرأ برهان الفضلاء : «أَوَ يراه» على الاستفهام الإنكاري وفتح الواو، يعني هل يعلو فوقه رجاء أن يراه قائماً يصلّي، فيتشرّف بذلك ويفتخر به عند الناس، قال: ويحتمل «أو يراه» في الثانية للعطف. والمآل واحد.

.

ص: 347

باب مولد أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه

الباب الثالث عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ اثنى عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - بَعْدَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَ قُتِلَ عليه السلام فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْهُ لَيْلَةَ الْأَحَدِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً . بَقِيَ بَعْدَ قَبْضِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ثَلَاثِينَ سَنَةً . وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَ هُوَ أَوَّلُ هَاشِمِيٍّ وَلَدَهُ هَاشِمٌ مَرَّتَيْنِ .

هديّة:(ولد أمير المؤمنين عليه السلام) في زمن شهريار بن شيرويه بن كسرى ابرويز بن هرمز بن نوشيروان.(ولده هاشم) كوعد (مرّتين)، يعني أوّل من كان هاشميّ الأب والاُمّ.وروى الشيخ أيضاً في التهذيب على نهج التاريخ وقال:ولد أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقبض قتيلاً بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، وله عليه السلام يومئذٍ ثلاث وستّون سنة، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشميّ ولد في الإسلام من هاشميّين، وقبره بالغريّ من نجف الكوفة.(1)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 19 ، باب نسب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و... .

ص: 348

أقول: بعد الاختلاف في ليلة الرحلة لا كلام في أنّ المراد بالليلة آخرها عند طلوع الفجر، ذلك تقدير العزيز الحكيم، وما أبين حكمة التقدير في موافقته عليه السلام النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في مدّة العمر أيضاً - بعد التولّد في جوف الكعبة وصرف العمر في خدمته صلى اللَّه عليه وآله على ما هو غنيٌّ عن البيان - في باب كلّ أمر وشأن، سيّما المجاهدات وقمع أهل الكفر والطغيان، ثمّ الشهادة بالسيف في أفضل أفضل أفضل أفضل الأزمنة، في أفضل أفضل أفضل أفضل الأمكنة، في أفضل أفضل أفضل أفضل الفعال، انتخاب على الانتخاب، نورٌ على نور من اللَّه العليّ العظيم الحكيم المتعال، في شهر اللَّه الأعظم، في العشر الأواخر، في ليالي الإفراد، في وقت الصبح، في حرم اللَّه، في جانب القبلة، في موقف الإمامة، في مسجد المحراب، في عبادة المعبود، في الصلاة، في صلاة الصبح، في السجود، فطوبى لنا، ثمّ طوبى لنا.و«الغريّ» بفتح المعجمة وكسر الراء بلا نقطة وتشديد الخاتمة كالزكي: اسم لأرض مقبرة من نجف أمير المؤمنين عليه السلام. وإنّما سمّيت بالغريّ لأنّ الغريّ يُقال لحجارة متلطّخة بالدم، كان ذو الضفيرتين النعمان بن المنذر بعد إتمام عمارة خورنقه وقتل سنمّار بنّاء الخورنق بإلقائه عن فوق العمارة؛ لئلّا يصنع مثلها في ملك آخر لملك آخر، جعل أيّامه يومين يومين، فسمّي كلّ يومين من أيّامه بيوم البؤس ويوم النعيم، وألزم على نفسه أن يجلس كلّ يوم ساعة أو ساعتين أو أزيد في غرفة من غرف الخورنق ويشاهد، فإن شاهد في بلده رجلاً غريباً أيّ من كان وكان يوم النعيم، فينعم عليه من حطام الدنيا قدراً معتدّاً به في نظر أهل الدنيا، وإن كان يوم البؤس فيأمر بقتل ذلك الغريب من دون جناية عليه، ونهب ما معه من ماله، ولطّخ حجارة قبره بدمه بعد الدفن في الأرض المعدّة لهؤلاء الغرباء المقتولين شهادة، ثمّ اشترى أمير المؤمنين عليه السلام تلك الأرض من أهل الكوفة، ووقف على عامّة المسلمين، وأوصى أن يُدفن عليه السلام هناك، ويشاهد عظم شأنها يوم المحشر للأوّلين والآخرين كشأن السماء في الدنيا إن شاء اللَّه تعالى.

.

ص: 349

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ جَاءَتْ إِلى أَبِي طَالِبٍ لِتُبَشِّرَهُ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : اصْبِرِي سَبْتاً آتِيكِ (2) بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّبُوَّةَ».وَ قَالَ : «السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةً ، وَ كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ثَلَاثُونَ سَنَةً» .

هديّة:في بعض النسخ : «لتسرّه» من السرور مكان (لتبشّره) من البشارة، سرّه كمدّ وأسرّه بمعنى. وفي بعض آخر - كما ضبط برهان الفضلاء - : «اُبشّرك» مكان (آتيك)، قال: يحتمل الرفع والجزم.و«السبت»: الدهر والبرهة من الزمان، قيل: وخصّ في الحديث بثلاثين سنة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ السَّيَّارِيِّ ،(3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ أُمَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلى قَدَمَيْهَا ، وَ كَانَتْ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً كَمَا وُلِدُوا ، فَقَالَتْ : وَا سَوْأَتَاهْ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : فَإِنِّي أَسْأَلُكِ (4) اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَكِ كَاسِيَةً ؛ وَ سَمِعَتْهُ يَذْكُرُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ ، فَقَالَتْ : وَا ضَعْفَاهْ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَكِ ذلِكِ .وَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَوْماً : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَ جَارِيَتِي هذِهِ ، فَقَالَ لَهَا : إِنْ فَعَلْتِ أَعْتَقَ اللَّهُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الفارسيّ ، عن أبي حنيفة محمّد بن يحيى ، عن الوليد بن أبان ، عن محمّد بن عبد اللَّه بن مسكان».
2- .في الكافي المطبوع : «اُبشّرك».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه، عن السيّاريّ».
4- .في الكافي المطبوع : «أسأل».

ص: 350

بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْكِ مِنَ النَّارِ ؛ فَلَمَّا مَرِضَتْ أَوْصَتْ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتِقَ خَادِمَهَا ، وَ اعْتُقِلَ لِسَانُهَا ، فَجَعَلَتْ تُومِيُ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِيمَاءً ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَصِيَّتَهَا .فَبَيْنَمَا هُوَ صلى اللَّه عليه وآله ذَاتَ يَوْمٍ قَاعِدٌ إِذْ أَتَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ هُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أُمِّي وَ اللَّهِ ، فَقَامَ صلى اللَّه عليه وآله (1) مُسْرِعاً حَتّى دَخَلَ ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ بَكى ، ثُمَّ أَمَرَ النِّسَاءَ أَنْ يَغْسِلْنَهَا ، وَ قَالَ صلى اللَّه عليه وآله : إِذَا فَرَغْتُنَّ فَلَا تُحْدِثْنَ شَيْئاً حَتّى تُعْلِمْنَنِي ، فَلَمَّا فَرَغْنَ أَعْلَمْنَهُ ذَلِكَ (2) ، فَأَعْطَاهُنَّ إِحْدَى (3) قَمِيصَيْهِ ، الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ (4) ، وَ أَمَرَهُنَّ أَنْ يُكَفِّنَّهَا فِيهِ .وَ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ : إِذَا رَأَيْتُمُونِي قَدْ فَعَلْتُ شَيْئاً لَمْ أَفْعَلْهُ قَبْلَ ذلِكَ ، فَسَلُونِي : لِمَ فَعَلْتُهُ ؟ فَلَمَّا فَرَغْنَ مِنْ غُسْلِهَا وَ كَفْنِهَا ، دَخَلَ صلى اللَّه عليه وآله ، فَحَمَلَ جَنَازَتَهَا عَلى عَاتِقِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ جَنَازَتِهَا حَتّى أَوْرَدَهَا قَبْرَهَا ، ثُمَّ وَضَعَهَا ، وَ دَخَلَ الْقَبْرَ ، فَاضْطَجَعَ فِيهِ ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَهَا عَلى يَدَيْهِ حَتّى وَضَعَهَا فِي الْقَبْرِ ، ثُمَّ انْكَبَّ عَلَيْهَا طَوِيلًا يُنَاجِيهَا ، وَ يَقُولُ لَهَا : ابْنُكَ ، ابْنُكِ ،(5) ثُمَّ خَرَجَ ، فَسَوّى (6) عَلَيْهَا ، ثُمَّ انْكَبَّ عَلى قَبْرِهَا ، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ : لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ إيّاها ، ثُمَّ انْصَرَفَ .فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ : إِنَّا رَأَيْنَاكَ فَعَلْتَ أَشْيَاءَ لَمْ تَفْعَلْهَا قَبْلَ الْيَوْمِ ؟ فَقَالَ : الْيَوْمَ فَقَدْتُ أُمَّ ابْنِ (7) أَبِي طَالِبٍ ، إِنْ كَانَتْ لَيَكُونُ عِنْدَهَا الشَّيْ ءُ ، فَتُؤْثِرُنِي بِهِ عَلى نَفْسِهَا وَ وَلَدِهَا ، وَ إِنِّي ذَكَرْتُ الْقِيَامَةَ ، وَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً ، فَقَالَتْ : وَا سَوْأَتَاهْ ، فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَبْعَثَهَا اللَّهُ تَعَالى

.


1- .في الكافي المطبوع : «وقام عليه السلام» بدل «فقام صلى اللَّه عليه وآله».
2- .في الكافي المطبوع : «بذلك».
3- .في الكافي المطبوع : «إحدى».
4- .في الكافي المطبوع : «جسده».
5- .في الكافي المطبوع : + «إبنك».
6- .في الكافي المطبوع : «و سوّى».
7- .في الكافي المطبوع : «برّ» بدل «أمّ ابن».

ص: 351

كَاسِيَةً ، وَ ذَكَرْتُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ ، فَقَالَتْ : وَا ضَعْفَاهْ ، فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَكْفِيَهَا اللَّهُ ذلِكَ ، فَكَفَّنْتُهَا بِقَمِيصِي ، وَاضْطَجَعْتُ فِي قَبْرِهَا لِذلِكَ ، وَ انْكَبَبْتُ عَلَيْهَا ، فَلَقَّنْتُهَا مَا تُسْأَلُ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَبِّهَا ، فَقَالَتْ ؛ وَ سُئِلَتْ عَنْ رَسُولِهَا ، فَأَجَابَتْ ؛ وَ سُئِلَتْ عَنْ وَلِيِّهَا وَ إِمَامِهَا ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهَا ، فَقُلْتُ : ابْنُكِ ، ابْنُكِ (1)» .

هديّة:«السوأة» بالفتح: الخلّة القبيحة، يعني وافضيحتاه.(خادمها) يمكن أن تكون غير الجارية المذكورة من قبل.(تؤمي) دلالة إلى صحّة قبول الوصيّة بالإشارة.(أعلمنه ذلك) أو «بذلك» كما في بعض النسخ.(إحدى قميصيه) بتأنيث المضاف الأوّل وتثنية الثاني. قال في القاموس: القميص قد يؤنّث.(2)وضبط برهان الفضلاء : «أجدى قميصه» على أفعل التفضيل، من الجدوى بالجيم والقصر، يعني النفع في الأوّل والافراد في الثاني، قال: «قميصه» نصب عطف بيان للأجدى. وضبط «جسده» مكان (جلده).و«الجنازة» مكسورة الجيم.و«العاتق»: موضع الرداء من الكتف.(ثمّ وضعها) يعني على شفير القبر.(فسوّى عليها) أي التراب.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «استودعها إيّاك» مكان (استودعك إيّاها)، و«برّ أبي طالب» مكان (اُمّ ابن أبي طالب) وهذا أولى، أو كما في الأكثر أولى.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «إبنك».
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 316 (قمص).

ص: 352

(إن كانت) مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشّان، واللام في (ليكون) مفتوحة، واحتمال كسر الهمزة على الشرطيّة لا بأس به.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فأجابت» في الموضعين.و«أرتج» على الماضي المجهول إمّا من الإفعال، و«الارتاج»: إغلاق الباب، أو من الافتعال، و«الارتجاج»: الاضطراب، ارتجّ عليها: استغلق عليها الكلام.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ ،(1) عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فُتِحَ لِآمِنَةَ بَيَاضُ فَارِسَ ، وَ قُصُورُ الشَّامِ ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ - بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام - إِلى أَبِي طَالِبٍ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً ، فَأَعْلَمَتْهُ مَا قَالَتْ آمِنَةُ ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَالِبٍ : وَ تَتَعَجَّبِينَ مِنْ هذَا ؟ إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَ تَلِدِينَ بِوَصِيِّهِ وَوَزِيرِهِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «فتح لاُمّه» مكان (فتح لآمنة) يعني كشف الحجاب بإذن اللَّه تعالى ، فرأت ما رأت.قيل : «بياض فارس» عبارة عن خزائن الفضّة فيها، كما أنّ خزائن الشامات تكون أكثرها من الذهب. وقال برهان الفضلاء: أو عبارة عن قصر كسرى في المدائن، وكانت تلك العمارة تسمّى بالبيضاء. وقيل: يعني مدينتها، كما أنّ سوادها عبارة عن قراها.في بعض النسخ : «وتعجبين» من باب علم مكان. (وتتعجّبين) على التفعّل، عجب وتعجّب بمعنى.ويُقال: «فارس» لقب ملوك الفرس، فسمّيت به، وفارس ينصرف ولا ينصرف للبلد والبلدة، وكذا سائر أسماء البلاد إلّا مع العجمة أو غيرها من الأسباب، فلا ينصرف كماء وجور.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عمّن ذكره ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن أبان الكلبيّ».

ص: 353

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ ،(1) عَنْ أَسِيدِ بْنِ صَفْوَانَ - صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله - قَالَ : لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ارْتَجَّ الْمَوْضِعُ بِالْبُكَاءِ ، وَ دَهِشَ النَّاسُ كَيَوْمِ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَجَاءَ(2) رَجُلٌ - بَاكِياً وَ هُوَ مُسْرِعٌ مُسْتَرْجِعٌ وَ هُوَ يَقُولُ : الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ - حَتّى وَقَفَ عَلى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، كُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَاماً ، وَ أَخْلَصَهُمْ إِيمَاناً ، وَ أَشَدَّهُمْ يَقِيناً ،(3) وَ أَعْظَمَهُمْ عَنَاءً ، وَ أَحْوَطَهُمْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ آمَنَهُمْ عَلى أَصْحَابِهِ ، وَ أَفْضَلَهُمْ مَنَاقِبَ ، وَ أَكْرَمَهُمْ سَوَابِقَ ، وَ أَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً ، وَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَشْبَهَهُمْ بِهِ هَدْياً وَ خَلْقاً وَ سَمْتاً وَ فِعْلًا ، وَ أَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً ، وَ أَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً ، قَوِيتَ حِينَ ضَعُفَ أَصْحَابُهُ ، وَ بَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا ، وَ نَهَضْتَ حِينَ وَهَنُوا ، وَ لَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذْ هَمَّ أَصْحَابُهُ ، كُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقّاً ، لَمْ تُنَازَعْ وَ لَمْ تَضْرَعْ بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَ غَيْظِ الْكَافِرِينَ وَ كُرْهِ الْحَاسِدِينَ وَ ضَغَنِ (4) الْفَاسِقِينَ ، فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا ، وَ نَطَقْتَ حِينَ تَتَعْتَعُوا ، وَ مَضَيْتَ بِنُورِ اللَّهِ إِذْ وَقَفُوا ، وَاتَّبَعُوكَ (5)فَهُدُوا ، وَ كُنْتَ أَخْضَعَهُمْ (6) صَوْتاً ، وَ أَعْلَاهُمْ قُنُوتاً ، وَ أَقَلَّهُمْ كَلَاماً ، وَ أَصْوَبَهُمْ نُطْقاً ، وَ أَكْبَرَهُمْ رَأْياً ، وَ أَشْجَعَهُمْ قَلْباً ، وَ أَشَدَّهُمْ يَقِيناً ، وَ أَحْسَنَهُمْ عَمَلًا ، وَ أَعْرَفَهُمْ بِالْأُمُورِ .كُنْتَ - وَ اللَّهِ - يَعْسُوباً لِلدِّينِ أَوَّلًا وَ آخِراً ، أَوَّلاً(7) حِينَ تَفَرَّقَ النَّاسُ ، وَ آخِراً(8) حِينَ فَشِلُوا ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن البرقيّ، عن أحمد بن زيد النيسابوريّ ، قال : حدّثني عمر بن إبراهيم الهاشميّ ، عن عبد الملك بن عمر».
2- .في الكافي المطبوع : «و جاء».
3- .في الكافي المطبوع : + «و أخوفهم للَّه».
4- .في الكافي المطبوع : «صغر».
5- .في الكافي المطبوع : «فاتّبعوك».
6- .في الكافي المطبوع : «أخفضهم».
7- .في الكافي المطبوع : «الأوّل».
8- .في الكافي المطبوع : «الآخر».

ص: 354

كُنْتَ بِالْمُؤْمِنِينَ (1) أَباً رَحِيماً إِذْ صَارُوا عَلَيْكَ عِيَالًا ، فَحَمَلْتَ أَثْقَالَ مَا عَنْهُ ضَعُفُوا ، وَ حَفِظْتَ مَا أَضَاعُوا ، وَ رَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا ، وَ شَمَّرْتَ إِذَا اجْتَمَعُوا ، وَ عَلَوْتَ إِذْ هَلِعُوا ، وَ صَبَرْتَ إِذْ أَسْرَعُوا ، وَ أَدْرَكْتَ أَوْتَارَ مَا طَلَبُوا ، وَ نَالُوا بِكَ مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا ، كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَاباً صَبّاً وَ نَهْباً ، وَ لِلْمُؤْمِنِينَ غِيْثاً وَ خَصْباً(2) ، فَطِرْتَ - وَ اللَّهِ - بِنَعْمَائِهَا ، وَ فُزْتَ بِحِبَائِهَا ، وَأَحْرَزْتَ سَوَابِغَهَا(3) ، وَ ذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا ، لَمْ تُفْلَلْ حُجَّتُكَ ، وَ لَمْ يَزِغْ قَلْبُكَ ، وَ لَمْ تَضْعُفْ بَصِيرَتُكَ ، وَ لَمْ تَجْبُنْ نَفْسُكَ وَ لَمْ تَخُنْ (4) ، كُنْتَ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ ، وَ كُنْتَ - كَمَا قَالَ عليه السلام - آمَنَ النَّاسِ فِي صُحْبَتِكَ وَ ذَاتِ يَدِكَ ، وَ كُنْتَ - كَمَا قَالَ عليه السلام - ضَعِيفاً فِي بَدَنِكَ ، قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ ، مُتَوَاضِعاً فِي نَفْسِكَ ، عَظِيماً عِنْدَ اللَّهِ ، كَبِيراً فِي الْأَرْضِ ، جَلِيلًا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيكَ مَهْمَزٌ ، وَ لَا لِقَائِلٍ فِيكَ مَغْمَزٌ ، وَ لَا لِأَحَدٍ فِيكَ مَطْمَعٌ ، وَ لَا لِأَحَدٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ .الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ حَتّى تَأْخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ عِنْدَكَ ضَعِيفٌ ذَلِيلٌ حَتّى تَأْخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ ، وَ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ عِنْدَكَ فِي ذلِكَ سَوَاءٌ ، شَأْنُكَ الْحَقُّ وَ الصِّدْقُ وَالرِّفْقُ ، وَ قَوْلُكَ حُكْمٌ وَ حَتْمٌ ، وَ أَمْرُكَ حِلْمٌ وَ حَزْمٌ ، وَ رَأْيُكَ عِلْمٌ وَ عَزْمٌ فِيمَا فَعَلْتَ ، وَ قَدْ نُهِجَ السَّبِيلُ ، وَ سُهِّلَ الْعَسِيرُ ، وَأُطْفِئَتِ النِّيرَانُ ، وَ اعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ ، وَ قَوِيَ بِكَ الْإِسْلَامُ ، فَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، وَ ثَبَتَ بِكَ الْإِسْلَامُ وَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَ سَبَقْتَ سَبْقاً بَعِيداً ، وَ أَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ تَعَباً شَدِيداً ، فَجَلَلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ ، وَ عَظُمَتْ رَزِيَّتُكَ فِي السَّمَاءِ ، وَ هَدَّتْ مُصِيبَتُكَ الْأَنَامَ ؛ فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ (5) ، وَ سَلَّمْنَا لِلَّهِ أَمْرَهُ ، فَوَ اللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بِمِثْلِكَ أَبَداً .كُنْتَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَهْفاً وَ حِصْناً وَ قُنَّةً رَاسِياً ، وَ عَلَى الْكَافِرِينَ غِلْظَةً وَ غَيْظاً ، فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لَا أَحْرَمَنَا أَجْرَكَ ، وَ لَا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «للمؤمنين».
2- .في الكافي المطبوع : «عمداً و حصناً».
3- .في الكافي المطبوع : «سوابقها».
4- .في الكافي المطبوع : «لم تخرّ».
5- .في الكافي المطبوع : «قضاه».

ص: 355

وَ سَكَتَ الْقَوْمُ حَتّى انْقَضى كَلَامُهُ ، وَ بَكى ، وَ بَكى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ طَلَبُوهُ ، فَلَمْ يُصَادِفُوهُ .

هديّة:(أسيد بن صفوان) كأمير، وقيل: على التصغير، قال في القاموس: وكأمير: سبعة صحابيّون، وخمسة تابعيّون، وكزبير: وابن فلان.(1) ولم يذكر ابن صفوان، يُقال: أسيد كأمير لمن يشبه الأسد.(ارتجّ) على المعلوم من الافتعال: اضطرب وتحرّك.(دهش) كعلم ، والدهشة: زوال الشعور من فرط الحيرة أو الخوف.«الاسترجاع»: قول: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.قرأ برهان الفضلاء : «خلافة النبوءة» بالهمزة المفتوحة بعد الواو الساكنة بمعنى وضوح الطريق، قال: يعني الخلافة بالعلم الذي لا اختلاف فيه.«العناء» بالفتح والمدّ: شدّة التعب أو التعب الشديد.و«السوابق»: جمع سابقة، قيل: كرم الآباء ملحوظ في المناقب، وشرف الاُمّهات في السوابق، ومكارم الأخلاق والأعمال الصالحة في كليهما. وقال برهان الفضلاء: أو جمع «سابق» بفتح المفردة كخاتم وخواتم، يعني ما أمر الناس بالمسابقة إليه، كما في قوله تعالى في سورة الحديد: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ»(2) الآية.و«الهدى» بالفتح وسكون الهاء: السيرة، وفي الحديث: «عليكم بهدى عمّار».(3)و«السمت» بالفتح: الطريق وحسن القصد وهيئة أهل الخير.(ضعف أصحابه) كنصر وحسن، يعني بحسب الاعتقاد.(استكانوا) استفعال أو افتعال، فالألف من إشباع الفتحة، و«الاستكانة»: الذلّ.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 274 (أسد).
2- .الحديد (57): 21.
3- .الصراط المستقيم ، ج 3 ، ص 146 ، وفيه هكذا : «اهتدوا بهدى عمّار».

ص: 356

(وهنوا) كضرب وحسب وحسن، و«الوهن» بالفتح: ضدّ القوّة.(إذ همَّ أصحابه) كمدّ، قيل: يعني قصدوا مخالفته وترك منهاجه، وقيل: «الهمّ» بالفتح : كالهمّة بالكسر يطلق في مقام الذمّ على متابعة هوى النفس.(لم تنازع) إمّا على ما لم يسمّ فاعله، يعني بالحقّ، وعلى المعلوم - كما ضبط برهان الفضلاء - يعني مع غاصبيها.(لم تضرع) كمنع وعلم وحسن، من الضراعة بمعنى الذلّ والضعف، يعني لم تظهر الذلّ والعجز. واحتمل برهان الفضلاء «لم تضرّع» على المضارع المعلوم من التفعّل بحذف إحدى التاءين.و«المراغمة»: الهجران والمغاضبة، راغمهم: نابذهم وعاداهم، فالباء للسببيّة.و«الكره» بالضمّ ويفتح: الكراهة والمشقّة.و«الضغن»: الحقد. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وصغر الفاسقين» يعني ذلّهم.(فشلوا) على المعلوم من باب علم: جبنوا وخافوا وكسلوا.و«التتعتع» بثلاث تاءات منقوطات من فوق والمهملتين: التردّد في الكلام. وضبط برهان الفضلاء : «تبغبغوا» بتاء ومفردتين ومعجمتين، قال: يعني قرّبوا من الحقّ.في بعض النسخ : «أخفضهم» مكان (أخضعهم).و«القنوت»: الطاعة.و«اليعسوب»: أمير النحل، وهو عليه السلام يعسوب الدِّين، فكما يجتمع النحل على رأس يعسوبها حيث كان ويحفّوا حولها مشتغلين بزمزمتها وذكرها، كذلك الملائكة حيث كان عليه السلام. وهذا أولى ممّا اشتهر أنّ وجه الشبه إتقان التدبير وإحكام السياسة.(وشمّرت) يعني عمّا اجتمعوا عليه.و«الهلع» بالتحريك: شدّة الحرص وإفراط الجزع، هلع كنصر.و«الأوتار» جمع الوتر بالكسر ويفتح: الدماء والضغائن. والضمير في (طلبوا)

.

ص: 357

للمؤمنين، يعني أدركت من عثمان وطالبي دمه ومعاوية وتابعيه. وقيل: جمع الوترة بالتحريك: خيار كلّ شي ء.والباء في (بك) للمصاحبة أو للسببيّة.(صبّاً) بالضمّ ويفتح، أي مصبوباً، أو صابّا كلّ عذاب عذاباً آخر.(ونهبا) كنَهَر ونَهَر عطف على «العذاب»، و«الغيث»: المطر، و«الخصب» بالكسر: ضدّ القحط. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «عمداً» مكان (غيثاً)، و«حصناً» مكان (خصباً)، قال: و«العمد» بفتح المهملة وسكون الميم قبل المهملة: محافظة الحائط المشرف على السقوط بعمود ونحوه، أو المصدر بمعنى الفاعل، كزيد عدل. ونِعْمَ ما قال:چه غم ديوار امّت را كه دارد چون تو پشتيبان چه پاك از موج بحر آن را كه باشد نوح كشتى بان(فطرت) من الطيران.والباء في (بنعمائها) للتعدية والضمير للإمامة.وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «بعمائها»، قال: أبعدت وأبطلت ضلالة الإمامة.و«الحباء»: كالعطاء لفظاً ومعنى.(سوابغها) أي كمالاتها. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «سوابقها» بالقاف، قال: يعني ما أمر بالسّبقة إليه من الخيرات.(لم تفلل) بالفاء على المجهول من باب مدّ، فلّه وفلّله تفليلاً فانفلّ وتفلّل: أبطل حدّثه ونفوذه، وفلول السيف ثلمه.و«الزيغ»: الميل.(ولم تجبن) بالجيم من باب حسن.(ولم تخن) من الخيانة، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ولم تخرّ»

.

ص: 358

من باب فرّ، قال: يعني ولم تسقط من العدوّ في الحروب.عصفت الريح كضرب : هبّت بالشدّة.(آمن الناس) على أفعل التفضيل للأمين، يعني في صحبتك مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.وفي (ذات يدك) يعني ما في يدك، والمراد الإمامة.و«المهمز» مصدر ميميّ، وكذا «المغمز».و«المطمع» يعني العيب والطعن والطمع ليخدعك.و«الهوادّة»: الميل والسكون والرخصة والمحاباة، يعني رخصته فيما لا ينبغي بسبب منّة له عليك.(وقد نهج السبيل) على المجهول من باب منع، (وسهّل) على المجهول من التفعيل ، وكذا (أطفئت) على التأنيث من الإفعال، (واعتدل) على المعلوم، وكذا (قوى).(سبقاً بعيداً) أي كثيراً سبق السابق عن المصلّي، أو المصلّي عن التالي.(فجللت) على المخاطب المعلوم من المجرّد، وجلالته عن البكاء كناية عن أنّ البكاء لا يمكن على قدر عزائه.و«الرزيّة» بالفتح والتشديد يهمز ولا يهمز: المصيبة.و«الهدّ» : الهدم.و«القنّة» بضمّ القاف وتشديد النون: الجبل الشامخ أو رأسه. و«الرّاسي»: الثابت.و«الإحرام»: المنع، يتعدّى بنفسه إلى مفعولين.«صادفه»: وجده ولقيه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ ،(1) قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ عَامِرٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ (2) بْنُ جُذَاعَةَ الْأَزْدِيُّ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَامِرٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَمِيرَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن صفوان الجمّال».
2- .في الكافي المطبوع جديداً : «وعامر بن عبد اللَّه» بدل «وعامر و عبد اللَّه».

ص: 359

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام دُفِنَ بِالرَّحْبَةِ ؟ قَالَ : «لَا». قَالَ : فَأَيْنَ دُفِنَ ؟ قَالَ : «إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ ، احْتَمَلَهُ الْحَسَنُ عليه السلام ، فَأَتى بِهِ ظَهْرَ الْكُوفَةِ قَرِيباً مِنَ النَّجَفِ يَسْرَةً عَنِ الْغَرِيِّ ، يَمْنَةً عَنِ الْحِيرَةِ ، فَدَفَنَهُ بَيْنَ ذَكَوَاتٍ بِيضٍ».قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ ، ذَهَبْتُ إِلَى الْمَوَاضِعَ (1) ، فَتَوَهَّمْتُ مَوْضِعاً مِنْهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ لِي : «أَصَبْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

هديّة:(جذاعة) بضمّ الجيم وفتح الذال المعجمة بالألف قبل المهملة.و«الرحبة» بالفتح: موضع متّصل بمسجد الكوفة، وقيل: المراد هنا فضاء صحن المسجد، وقيل: محلّة بالكوفة.وظهر كلّ مدينة: أرض علت في خارجها المتّصل بها. و(النجف) في الأصل اسم البحر المتّصل بمدينة النجف الأشرف، و(يسرة) بفتح الياء وسكون الثاني وكذا (يمنة)، و(الحيرة) بكسر الحاء بلا نقطة: بلد قرب الكوفة.و«الذكوات» جمع الذكوة بالفتح والكاف والألف وتاء التأنيث، ويكتب بالواو: الطهارة والكمال والحجارة الطاهرة المنتظمة للعلامة.قال في المغرب: وأصل تركيب الذكوة يدلّ على التمام، ومنه ذكاء السنّ بالمدّ لنهاية الشباب، وذكا النار بالقصر لتمام اشتعالها.(2)و«البيض» بالكسر: جمع الأبيض.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ،(3) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : أَتَانِي عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ ، فَقَالَ لِي : ارْكَبْ ، فَرَكِبْتُ مَعَهُ ، فَمَضَيْنَا حَتّى أَتَيْنَا مَنْزِلَ حَفْصٍ الْكُنَاسِيِّ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «الموضع».
2- .المغرب ، ص 175 (ذكو).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن محمّد».

ص: 360

فَاسْتَخْرَجْتُهُ ، فَرَكِبَ مَعَنَا ، ثُمَّ مَضَيْنَا حَتّى أَتَيْنَا الْغَرِيَّ ، فَانْتَهَيْنَا إِلى قَبْرٍ ، فَقَالَ : انْزِلُوا ، هذَا قَبْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقُلْنَا : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هَذا(1) ؟ فَقَالَ : أَتَيْتُهُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - حَيْثُ كَانَ بِالْحِيرَةِ - غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَ خَبَّرَنِي أَنَّهُ قَبْرُهُ .

هديّة:(عمر بن يزيد) أبو الأسود بيّاع السابري، مولى ثقيف، كوفيّ، ثقة جليل، أحد من كان يفد كلّ سنة، وأثنى عليه الصادق عليه السلام شفاهاً. في بعض النسخ : «فاستخرجه» وهو الظاهر، وضبط برهان الفضلاء على المتكلّم وحده.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(2) عَنْ عِيسى شَلَقَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَهُ خُؤُولَةٌ فِي بَنِي مَخْزُومٍ ، وَ إِنَّ شَابّاً مِنْهُمْ أَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا خَالِي ، إِنَّ أَبِي (3) مَاتَ وَ قَدْ حَزِنْتُ عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً».قَالَ : «فَقَالَ لَهُ : تَشْتَهِي أَنْ تَرَاهُ ؟ قَالَ : بَلى ، قَالَ : فَأَرِنِي قَبْرَهُ، فَخَرَجَ عليه السلام وَ مَعَهُ بُرْدَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مُتَّزِراً بِهَا ، فَلَمَّا انْتَهى إِلَى الْقَبْرِ ، تَلَمْلَمَتْ شَفَتَاهُ ، ثُمَّ رَكَضَهُ بِرِجْلِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ وَ هُوَ يَقُولُ بِلِسَانِ الْفُرْسِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَ لَمْ تَمُتْ وَ أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ؟! قَالَ : بَلى ، وَ لكِنَّا مِتْنَا عَلى سُنَّةِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، فَانْقَلَبَتْ أَلْسِنَتُنَا» .

هديّة:(شلقان) محرّكة: قريتان بمصر ولقب رجل.و«الخؤولة» على فعولة: مصدر باب نصر، و«بنو مخزوم» بالمعجمتين: قبيلة من قريش.(يا خالي) على المجاز في المقام الخطابي وكان كلّ أحد من بني المخزوم

.


1- .في الكافي المطبوع : - «هذا».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن عبد اللَّه بن القاسم».
3- .في الكافي المطبوع : «أخي».

ص: 361

يخاطبه عليه السلام هكذا لمكان بنت اُخته عليه السلام فيما بينهم.والتاء في «البردة» للوحدة.والاتّزار بالثوب: لبسه فوق الثوب.(تلملمت): تحرّكت بغير نسق.(وهو يقول) يتكلّم، وقد ورد عنهم عليهم السلام أنّ أهل الجنّة جميعاً يتكلّمون فيها بالعربيّة ، وأهل النار في النار بالمجوسيّة.(1)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ الثمالي،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَ أَثْنى عَلَيْهِ ، وَ صَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ قَدْ قُبِضَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ ، وَ لَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ ، إِنْ كَانَ لَصَاحِبَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَنْ يَمِينِهِ جَبْرَئِيلُ ، وَ عَنْ يَسَارِهِ مِيكَائِيلُ ، لَا يَثْنِي (3) حَتّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ ؛ وَ اللَّهِ ، مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ وَ لَا حَمْرَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ عَنْ عَطَائِهِ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ ؛ وَ اللَّهِ ، لَقَدْ قُبِضَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي فِيهَا قُبِضَ وَصِيُّ مُوسى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، وَ اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ فِيهَا بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ، وَ اللَّيْلَةِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ» .

هديّة:(ما سبقه الأوّلون) يعني كما أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله سبق الجميع والجميع مصلّية في مضمار المعرفة والتقرّب، كذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعينه.

.


1- .علل الشرائع ، ج 2 ، ص 596 ، ح 44 ؛ وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 1 ؛ وعنهما في البحار ، ج 10 ، ص 80 ، ح 1 ، والرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام هكذا : «وسأله عن كلام أهل الجنّة، فقال : كلام أهل الجنّة بالعربيّة ، وسأله عن كلام أهل النّار ، فقال : بالمجوسيّة».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ؛ و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة».
3- .في الكافي المطبوع : «لا ينثني».

ص: 362

(إن كان) بكسر الهمزة مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن، واللام المفتوحة في الخبر للتأكيد.(لا يثنى): لا ينصرف.(فتح اللَّه له) كمنع، وشدّد للكثرة والمبالغة.(فضلت) على المعلوم من باب نصر وعلم، وكحسن لغة ثالثة، (عن عطائه) إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول، يعني من نصيبه من الفي ء أو الأنفال.قال برهان الفضلاء: «نزل فيها القرآن» يعني في بيان فضيلة تلك الليلة، قال: وقيل فيها متعلّق ب «نزل»، يعني ابتداء نزول القرآن، فعلى هذا يكون ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمَّا غُسِّلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، نُودُوا مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ : إِنْ أَخَذْتُمْ مُقَدَّمَ السَّرِيرِ ، كُفِيتُمْ مُؤَخَّرَهُ ، وَ إِنْ أَخَذْتُمْ مُؤَخَّرَهُ ، كُفِيتُمْ مُقَدَّمَهُ» .

هديّة:(كفيتم مؤخّره) على ما لم يسمّ فاعله، يعني لحمل الملائكة إيّاه، فكان ذلك من الدلالات ذلك اليوم.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر وَسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُسْنَداً عن أبي جعفر عليه السلام (2)قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وُلِدَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِخَمْسِ سِنِينَ ؛ وَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «يبدأ بعليّ بن محمّد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عبد اللَّه بن جعفر و سعد بن عبد اللَّه جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجسّتاني ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام».

ص: 363

تُوُفِّيَتْ وَ لَهَا ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ خَمْسَةٌ وَ سَبْعُونَ يَوْماً(1) .

هديّة:لا يخفى مناسبة ذكر هذا الحديث أحاديث الباب، وقيل: ذكره هنا زيادة من النسّاخ.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرِ،(2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إنَّهُ سَمِعْهُ يَقُولُ: «لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام وَ رَجُلَانِ آخَرَانِ ، حَتّى إِذَا خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ تَرَكُوهَا عَنْ أَيْمَانِهِمْ ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي الْجَبَّانَةِ حَتّى مَرُّوا بِهِ إِلَى الْغَرِيِّ ، فَدَفَنُوهُ وَ سَوَّوْا قَبْرَهُ وَانْصَرَفُوا» .

هديّة:(رجلان آخران) عبارةٌ عن جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، أو عن الخضر والياس عليهما السلام.و(الجبّانة) بفتح الجيم وتشديد المفردة والنون قبل التاء: الصحراء.

.


1- .ورد هذا الحديث في الكافي المطبوع وأكثر نسخه هنا ، لكن في الكافي المطبوع جديداً جاء هذا الحديث في أول باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام ، و هو المناسب. ولعلّ ذكره في هذا الباب من اشتباه النُّسّاخ ، كما أشار إليه المازندراني في شرحه ، ج 7 ، ص 211 ، والمجلسي في مرآة العقول ، ج 5 ، ص 311.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عبد اللَّه بن بكير».

ص: 364

باب مولد الزّهراء فاطمة

الباب الرابع عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةَ صلوات اللَّه عليهاوأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ أحد عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَتْ الزَّهْرَاءُ(1) فَاطِمَةُ عليها السلام (2) بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِخَمْسِ سِنِينَ ، وَ تُوُفِّيَتْ وَ لَهَا ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ خَمْسَةٌ وَ سَبْعُونَ يَوْماً وَبَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً» .

هديّة:(ولدت) عليها السلام في زمن يزدجرد بن شهريار بن شيرويه كسرى ابرويز بن هرمز بن انوشيروان. و(الزهراء) تأنيث الأزهر، لقبها عليها السلام .

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحَذَّاءِ(3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً ، وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلى أَبِيهَا ، وَ كَانَ يَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلى أَبِيهَا ، وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا ، وَ يُخْبِرُهَا عَنْ

.


1- .في الكافي المطبوع : - «الزهراء».
2- .في الكافي المطبوع: «عليها و على بعلها السلام».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن بن رئاب ، عن أبي عبيدة».

ص: 365

أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ ، وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذلِكَ» .

هديّة:قد سبق بيان مصحف فاطمة عليها السلام في الحديث الخامس من الباب الأربعين.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْعَمْرَكِيِّ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ ، وَ إِنَّ بَنَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام لَا يَطْمِثْنَ» .

هديّة:و(صدّيقة): معصومة، «الصّدِّيق» بالتشديد كسكّيت: كثير الصّدق، مبالغة في الصادق، وفي عرف حجج اللَّه عزّ وجلّ من له مَلَكة العصمة من أوّل العمر إلى آخره على وجه الأرض، فلا نقض بآدم عليه السلام.(شهيدة) بظلم الثاني. وقال برهان الفضلاء في بيانها: «الشهيد» الشاهد والأمين في الشهادة والعالم بجميع الأحكام.(لا يطمثن) كنصر وعلم: لا يحضن. في بعض النسخ : «لم» مكان (لا) وكثير.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهُرْمُزَانِيُّ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام ، دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام سِرّاً ، وَ عَفَا عَلى مَوْضِعِ قَبْرِهَا ، ثُمَّ قَامَ ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي ؛ وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَ زَائِرَتِكَ وَ الْبَائِتَةِ فِي الثَّرى بِبُقْعَتِكَ وَ الْمُخْتَارِ اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللِّحَاقِ بِكَ ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ، وَ عَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ

.


1- .أي «باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة و مصحف فاطمة عليه السلام».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن العمركي بن علي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه رفعه و أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار الشيباني ، قال : حدّثنا القاسم بن محمّد الرّازيّ ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد الهرمزانّي».

ص: 366

تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَ فَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي ، بَلى وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» ، قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ ، وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ ، وَ أُخْتُلِسَتِ (1)الزَّهْرَاءُ ، فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَ الْغَبْرَاءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ ؛ وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ ، وَ هَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ ، كَمَدٌ مُقَيِّحٌ ، وَ هَمٌّ مُهَيِّجٌ ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا ، وَ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو ، وَ سَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ ، وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ، فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلى بَثِّهِ سَبِيلًا ، وَ سَتَقُولُ ، وَ يَحْكُمُ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ .سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَ لَا سَئِمٍ ، فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ ، وَ إِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ ، وَاهَ وَاهاً ، وَ الصَّبْرُ أَيْمَنُ وَ أَجْمَلُ ، وَ لَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ وَ اللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً ، وَ لَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلى عَلى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ ، فَبِعَيْنِ اللَّهِ تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً ، وَ يُهْضَمُ (2) حَقَّهَا ، وَ يُمْنَعُ (3) إِرْثَهَا ، وَ لَمْ يَتَبَاعَدِ الدَّهْرُ(4) ، وَ لَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ ، وَ إِلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُشْتَكى ، وَ فِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْسَنُ الْعَزَاءِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ الرِّضْوَانُ» .

هديّة:(الهرمزاني) بالخاتمة أو الهمز: نسبة إلى هرمزاء قرية. وقيل: «الهرمزاني» بزيادة النون كصنعاني في النسبة إلى صنعاء قصبة اليمن.«العفو»: المحو، عفا على الأرض: غطّاها بالنبات؛ يعني محى أثر قبرها.(والبائتة) من البيتوتة؛ يعني نائمة مضطجعة. وفي الحديث دلالة على أنّ فاطمة عليها السلام

.


1- .في الكافي المطبوع : «أخلست».
2- .في الكافي المطبوع : «تهضم».
3- .في الكافي المطبوع : «يمنع».
4- .في الكافي المطبوع : «العهد».

ص: 367

مدفونة عند أبيها صلى اللَّه عليه وآله لا في موضع آخر من البقيع وغيره.قال برهان الفضلاء: «المختار» على اسم الفاعل مرفوع خبر مقدّم، و«اللَّه» مبتدأ، و«لها» متعلّق ب «المختار». و«سرعة اللحاق» بالنصب مفعول به ل «المختار»، ويمكن جرّ «المختار» عطفاً على «ابنتك» فاسم مفعول. و«اللَّه» مرفوع بفعل مقدّر، أي اختار اللَّه كما في «لِيُبْكُ يزيدٌ ضارعٌ لخصومة»، فالجملة معترضة بين اسم المفعول ومعموله، و«لها» متعلّق بالمختار، و«سرعة اللحاق» مرفوع نيابة عن الفاعل للمختار على اسم المفعول ، وكون «لها» نائباً عن الفاعل، ونصب «السرعة» ضعيف؛ لأنّ مع المفعول به المذكور في الكلام ضعيف أن يكون نائب الفاعل غيره. و«عفا» الثانية أيضاً على المعلوم، لكن بمعنى «محى» على ما لم يسمّ فاعله. و«محى» كدعا يدعوا يتعدّى ولا يتعدّى.و«التجلّد» بالجيم: استعمال القوّة بتمامها، وهو علامة النشاط الكامل، يعني عن جهة وفاتها نشاطي بتمامه.وقال بعض المعاصرين: و«التجلّد»: تكلّف الجلد بالتحريك، وهو القوّة.(1) فعلى التجريد ولا حاجة إليه؛ لأنّ التفعّل للمبالغة كثير. بِسُنَّتِكَ قيل: أي التي أخذت منك عند فراقك، وقيل: يعني بصبرك في المصائب. وقد ورد عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب».(2)و«الفرقة» بالضمّ: الاسم من فارقته مفارقة وفراقاً.(فاضت نفسك) بسكون الفاء، أي صعدت روحك عند محاذاة نحري وصدري فمك وقربهما منه، وفيض النفس: خروج الروح. و«التعزّي» كالتسلّي لفظاً ومعنى.و(أنعم القبول) على أفعل التفضيل، أي الأسهل، فإمّا مجرور وصفاً للكتاب، فالخبر الآية، أو مرفوع خبر، وكلمة (بلى) تأكيد لمضمون الاستثناء، يعني وفي كتاب اللَّه ما هو الباعث الأسهل لسهولة القبول والصبر والرضا، وهو قوله تعالى في سورة البقرة: «إِنَّا للَّهِ ِ

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 749 ، ذيل ح 1366.
2- .المناقب لابن شهر آشوب ، ج 1 ، ص 238 ؛ مسكّن الفؤاد ، ص 119 ؛ وعنه في البحار ، ج 79 ، ص 84 ، ح 26.

ص: 368

وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(1). واحتمال «أنعم القبول» على الجمع لا ضير فيه.(قد استرجعت) على التأنيث على ما لم يسمّ فاعله ك (أخذت) و(اختلست). و«الاختلاس»: الانتزاع. (سرمد): دائم.(مسهّد) على اسم المفعول من التفعيل، سهد كعلم، وسهّده غيره تسهيداً، والسهاد كغراب الأرق.(أو يختار) بمعنى إلّا أن يختار، أو إلى أن يختار.و«الكمد»: بالضمّ والفتح والتحريك: الحزن الشديد، و«القيح» بفتح القاف وسكون الخاتمة قبل المهملة: المدّة - بالكسر والتشديد - لا يخالطها دم، أي حزن موجع كدمّل مقيّح موجع.وقال برهان الفضلاء: الكاف للتشبيه، و«المدّ»: القيح مجرور مضاف إلى «مقيّح» يعني أمّا حزني فكقيح موجع لدمّل مقيّح، وكهمّ مهيّج للاضطراب وقلّة الصبر.و(سرعان) مثلّثة السين من أسماء الأفعال بمعنى أسرع على الماضي المعلوم، واستعمل للتعجّب من سرعة الفراق، و(ما) مصدريّة، و(فرّق) على المجهول من التفعيل ، والمصدر فاعل «سرعان» أي ما أسرع التفريق بيننا. (وستنبئك) من الإفعال أو التفعيل.«احفاء السؤال» بالمهملة والفاء: استقصائه.و«الغليل» على فعيل: حرارة الحزن، و«الاعتلاج»: الاضطراب الكثير المتوالي.و«البثّ»: النشر.(سلام مودّع) على اسم الفاعل من التفعيل، والمضاف نصب مفعول مطلق لعامل مقدّر. وفي نهج البلاغة هكذا: «والسلام عليكما سلامُ مودِّع لا قال»(2)، و«القالي»: المبغض، من القلى بالكسر والقصر: البغض. و«السئامة» بسكون الهمزة ويمدّ: الملال.(واه) بفتح الهاء من أسماء الأفعال بمعنى أتعجّب على المتكلّم وحده، وقد يكون

.


1- .البقرة (2): 156.
2- .نهج البلاغة ، ص 319 ، الخطبة 202.

ص: 369

بمعنى أتحسّر كذلك كلمة تعجّب وتلهّف وتكرّر، فتشبع الفتحة في الثانية أو تنوّن بالنصب، وقيل: قد تنوّن الاُولى بالثّلث.و«الإعوال» فعل البكاء.و(الرزيّة) بالتشديد وقد يهمز: المصيبة.في بعض النسخ : «العهد» مكان (الدهر).و«الخلق» بفتحتين ويسكن اللام: البلى بالكسر والقصر، ثوب خلق وخلقان، والفعل كنصر وحسن وعلم، أي ولم يندرس ذكرك في الناس.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بن عمر ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَنْ غَسَّلَ فَاطِمَةَ عليها السلام؟ قَالَ : «ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام». وَ كَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ، فَقَالَ : «كَأَنَّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ ؟» ، قَالَ : فَقُلْتُ : قَدْ كَانَ ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : فَقَالَ : «لَا تَضِيقَنَّ ؛ فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ ، وَ لَمْ يَكُنْ يُغَسِّلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يُغَسِّلْهَا إِلَّا عِيسى؟» .

هديّة:لا خلاف عندنا في أنّ الزوج أولى بالمرأة من كلّ أحد في أحكامه كلّها، إلّا أنّ المشهور أنّ كلّ واحد من الزوجين إنّما يغسّل صاحبه من وراء الثياب.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام، قَالَا: «إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام لَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ ، أَخَذَتْ بِتَلَابِيبِ عُمَرَ ، فَجَذَبَتْهُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ (3) : أَمَا وَ اللَّهِ ، يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، لَوْ لَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الْبَلَاءُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، لَعَلِمْتَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن المفضّل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد اللَّه بن محمّد الجعفيّ».
3- .هكذا في الكافي المطبوع وهو الصحيح. وفي «الف و د» : «قال».

ص: 370

أَنِّي سَأُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ ، ثُمَّ أَجِدُهُ سَرِيعَ الْإِجَابَةِ» .

هديّة:(من أمرهم) أي من أمر المنافقين، ويحتمل أمر أهل البيت عليهم السلام.قال برهان الفضلاء: «أخذت» بمعنى أمرت بالأخذ كما في قتل الأمير اللصّ، و«التلبيب»: جرّبان القميص.والسين في (سأقسم) لتأكيد القسم وسرعة الإجابة، والإقسام يتعدّى ولا يتعدّى، ويسمّى الأوّل بالقسم الاستعطافي، وهو المراد هنا.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام أَوْحَى اللَّهُ إِلى مَلَكٍ ، فَأَنْطَقَ بِهِ لِسَانَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي فَطَمْتُكِ بِالْعِلْمِ ، وَ فَطَمْتُكِ مِنَ الطَّمْثِ».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ اللَّهِ ، لَقَدْ فَطَمَهَا اللَّهُ بِالْعِلْمِ وَ عَنِ الطَّمْثِ فِي الْمِيثَاقِ» .

هديّة:(فأنطق به) أي بالملك، فسمّاها بإذن اللَّه كما أخبر به الملك. وقال برهان الفضلاء: «به» أي بلفظ فاطمة على الاستخدام.فطام الصبيّ فصاله عن اللبن، فطمه بالطعام من اللبن كضرب: قطعه، يعني هنا من رجس الجهل بالعلم فإنّها عليها السلام كانت صدِّيقة، وكان الصدِّيقون بعد الصدّيق الأوّل والفاروق الأعظم لهذه الاُمّة منها ومنه عليهم السلام.

الحديث الثامن روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن صالح بن عقبة ، عن عمرو بن شمر».

ص: 371

النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله لِفَاطِمَةَ عليها السلام : يَا فَاطِمَةُ ، قُومِي فَأَخْرِجِي تِلْكَ الصَّحْفَةَ ، فَقَامَتْ فَأَخْرَجَتْ صَحْفَةً فِيهَا ثَرِيدٌ وَ عُرَاقٌ يَفُورُ ، فَأَكَلَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهم السلام ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْماً ، ثُمَّ إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ رَأَتِ الْحُسَيْنَ عليه السلام مَعَهُ شَيْ ءٌ ، فَقَالَتْ لَهُ : مِنْ أَيْنَ لَكَ هذَا ؟ قَالَ : إِنَّا لَنَأْكُلُهُ مُنْذُ أَيَّامٍ ، فَأَتَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَاطِمَةَ عليها السلام ، فَقَالَتْ : يَا فَاطِمَةُ ، إِذَا كَانَ عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ شَيْ ءٌ ، فَإِنَّمَا هُوَ لِفَاطِمَةَ وَ وُلْدِهَا ، وَ إِذَا كَانَ عِنْدَ فَاطِمَةَ شَيْ ءٌ ، فَلَيْسَ لِأُمِّ أَيْمَنَ مِنْهُ شَيْ ءٌ ؟ فَأَخْرَجَتْ لَهَا مِنْهُ ، فَأَكَلَتْ مِنْهُ أُمُّ أَيْمَنَ وَ نَفِدَتِ الصَّحْفَةُ ، فَقَالَ (1) النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله : أَمَا لَوْ لَا أَنَّكِ أَطْعَمْتِهَا ، لَأَكَلْتِ مِنْهَا أَنْتِ وَ ذُرِّيَّتُكِ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ الصَّحْفَةُ عِنْدَنَا ، يَخْرُجُ بِهَا قَائِمُنَا فِي زَمَانِهِ» .

هديّة:في بعض النسخ : «فاخرجي تلك الصحيفة» مصغّرة في المواضع كلّها. و(الصحفة) بالفتح: ما هو من الخشب، وهو أصغر من القصعة بالفتح أيضاً.قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة، ثمّ القصعة تليها تشبع العشرة، ثمّ الصحفة تشبع الخمسة، ثمّ المأكلة بكسر الميم وسكون الهمزة تشبع الرَّجُلين والثلاثة، ثمّ الصحيفة تشبع الرجل.(2)وعلى نسخة «الصحفة» مكبّرة لا يخفى لطف المناسبة، فجاء من الجنّة ما يشبع الخمسة، وهم عليهم السلام آل العباء خمسة.و«الثريد»: الخبز المفتّت في المرق. و«العراق» بالضمّ كعجاب، جمع العرق بالفتح : العظم الذي أخذ عنه اللحم؛ قاله الجوهري وصاحب القاموس (3) وغيرهما. وقيل: و«العراق» بالضمّ: اللحم، ولم أقف على مأخذه. وقرأ برهان الفضلاء: «وعراق» ككتاب ، جمع عرق بالفتح، قال: وهو قطعة من اللحم يكون معها عظم، يعني قطع من

.


1- .في الكافي المطبوع : + «لها».
2- .حكى عنه في الصحاح ، ج 4 ، ص 1384 (صحف).
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1523 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 263 (عرق).

ص: 372

اللحم يكون مع كلّ منها عظم، يُقال لها «القلية» أيضاً.(يفور) على التأنيث أو التذكير، أي يظهر حرّها أو حرّه.وقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في اُمّ أيمن : «إنّها امرأة من أهل الجنّة».(1) الجوهري: اُمّ أيمن امرأة أعتقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وهي حاضنة أولاده، فزوّجها من زيد، فولدت منها اُسامة.(2) وقال برهان الفضلاء: كانت اُمّ أيمن أمَة ورثها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من أبيه عبداللَّه بن عبد المطّلب، وكانت حاضنة له صلى اللَّه عليه وآله، فأعتقها وزوّجها من زيد، فولد منها اُسامة، وأيمن بن عبيد كان أخا زيد لاُمّه اُمّ أيمن.(ونفدت) على المعلوم من باب علم.قوله عليه السلام: (و الصحفة عندنا)، إن قيل: ما الفائدة بعد ذهاب خصلتها كما أخبر به صلى اللَّه عليه وآله؟ قلنا: لعلّ معنى قوله صلى اللَّه عليه وآله: (لأكلت منها): لأكلت من غير حاجة إلى تحديد ذكر اسم اللَّه الأعظم.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ الاثنين،(3) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(4) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله جَالِسٌ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ وَجْهاً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ ، لَمْ أَرَكَ فِي مِثْلِ هذِهِ الصُّورَةِ ؟ فَقَالَ (5) الْمَلَكُ : لَسْتُ بِجَبْرَئِيلَ يَا مُحَمَّدُ ، بَعَثَنِي اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ أُزَوِّجَ النُّورَ مِنَ النُّورِ ، قَالَ : مَنْ مِمَّنْ ؟ قَالَ : فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ عليهما السلام» .قَالَ : «فَلَمَّا وَلَّى الْمَلَكُ ، إِذَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، عَلِيٌّ وَصِيُّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله :

.


1- .الاختصاص ، ص 183 ؛ وعنه في البحار ، ج 29 ، ص 189.
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2221 (يمن).
3- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
4- .في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن عليّ ، عن عليّ بن جعفر» بدل «أحمد بن محمّد بن عليّ بن جعفر».
5- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 373

مُنْذُ كَمْ كُتِبَ هذَا بَيْنَ كَتِفَيْكَ ؟ فَقَالَ : مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آدَمَ بِاثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ أَلْفَ عَامٍ» .

هديّة:لعلّ ذلك كلّ اثنين من وجوهه لإمام وشيعة زمانه، وشغله الصلاة على الإمام والاستغفار للشيعة.(جبرئيل) بعد (حبيبي) يحتمل النصب والرفع.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ(1) ، عَنْ البزنطي، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَبْرِ فَاطِمَةَ عليها السلام ، فَقَالَ : «دُفِنَتْ فِي بَيْتِهَا ، فَلَمَّا زَادَتْ بَنُو أُمَيَّةَ فِي الْمَسْجِدِ ، صَارَتْ فِي الْمَسْجِدِ» .

هديّة:زاد عمر بن عبد العزيز في خلافة وليد بن عبد الملك بأمره إيّاه في مسجد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَيْبَرِيِّ ،(2) عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ (3) يَقُولُ : «لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - خَلَقَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِفَاطِمَةَ عليها السلام ، مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ آدَمَ فَمَنْ (4)دُونَهُ» .

هديّة:يعني فمن بعده من الأنبياء والأوصياء فضلاً عمّا سواهم، وقيل: يعني من آدم إلى آخر جميع بنيه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و غيره ، عن سهل بن زياد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن الخيبري».
3- .في «د» : - «قال: سمعته».
4- .في الكافي المطبوع : «و من».

ص: 374

باب مولد الحسن بن عليّ صلوات اللَّه عليهما

الباب الخامس عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَاوأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَةِ بَدْرٍ ، سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ .وَ رُوِيَ : أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ ؛ وَ مَضى عليه السلام فِي شَهْرِ صَفَرٍ فِي آخِرِهِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِينَ ؛ وَ مَضى وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ أَشْهُرٍ . وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(ولد الحسن بن عليّ عليهما السلام) في زمن يزدجرد في شهر رمضان سنة غزوة بدر السنة الثانية بعد الهجرة.و(روى) كلام ثقة الإسلام.والشيخ رحمة اللَّه عليه اقتصر في التهذيب على التاريخ الأوّل في الولادة ولم يذكر «الأشهر» في السنّ، ووافق الكافي في الباقي وزاد: وقبض عليه السلام بالمدينة مسموماً ودفن بالبقيع من مدينة الرسول صلى اللَّه عليه وآله.(1)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 39.

ص: 375

وقال برهان الفضلاء:يخطر ببالي أنّ هنا سهواً من نسّاخ الكافي والظاهر : «إلّا أشهراً» مكان «وأشهر»؛ لأنّ الولادة إذا كانت في آخر شهر رمضان في السنة الثانية مثلاً، وكان المضيّ في آخر الصفر سنة تسع وأربعين، فعمره عليه السلام ستّ وأربعون سنة وخمسة أشهر، قال: فإن قيل في الجواب: إنّ ولادة الرسول صلى اللَّه عليه وآله وبعثته وهجرته ووفاته لمّا كان جميعها في شهر ربيع كان مبدأ التاريخ الهجري عند أهل الإسلام ربيع الأوّل، ثمّ أخّر عمر باستصواب عثمان مبدأ ذلك التاريخ بعد سبع عشر سنة من الهجرة من ربيع الأوّل إلى المحرّم الحرام - كما ذكره ابن الجوزي في كتاب التنقيح، وكأنّ الباعث على ذلك اطّلاعهما من الأخبار على فتنة بني اُميّة في المحرّم الحرام - ، فشهر رمضان للسنة الثانية على الاصطلاح السابق؛ وأمّا على الاصطلاح اللاحق الذي تاريخ الوفاة مبنيّ عليه فللسنة الاُولى. قلنا: هذا التدقيق جيّد وبه يتلائم التاريخان للولادة يعني سنة اثنتين وسنة ثلاث، إلّا أنّ فيه أنّ فاطمة عليها السلام كان لها سبع سنة عند الهجرة، فيبعد ولادة الحسن بن عليّ عليهما السلام في السنة الاُولى، مع أنّ المشهور أنّ تزويج فاطمة عليها السلام كان في السنة الثانية الهجريّة، فالحمل على الإسقاط، والسهو أولى.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ ،(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «لَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ عليه السلام الْوَفَاةُ بَكى ، فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، تَبْكِي وَ مَكَانُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي أَنْتَ بِهِ ، وَ قَدْ قَالَ فِيكَ مَا قَالَ ، وَ قَدْ حَجَجْتَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِياً ، وَ قَدْ قَاسَمْتَ مَالَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتّى النَّعْلَ بِالنَّعْلِ ؟فَقَالَ : إِنَّمَا أَبْكِي لِخَصْلَتَيْنِ : لِهَوْلِ الْمُطَّلَعِ ، وَ فِرَاقِ الْأَحِبَّةِ» .

هديّة:(وقد قاسمت مالك) يعني مع الفقراء بالمناصفة، حتّى أنّ فرد نعل من زوجيه لهم

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد».

ص: 376

وآخر لك.و(المطّلع) على اسم المفعول من الافتعال: المأتي وموضع الاطّلاع من إشراف إلى انحدار.(وفراق الأحبّة) من أهل البيت وغيرهم من شيعتهم عليهم السلام، كأنّه عليه السلام اغتمّ من خلاصه من سجن الدنيا قبلهم. وقال برهان الفضلاء: يعني وفراق بعض الشيعة وارتداده عن الإمام عليه السلام بحيل معاوية وخدعه لعنه اللَّه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فِي عَامِ خَمْسِينَ ؛ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَرْبَعِينَ سَنَةً» .

هديّة:(خمسين) الهجرية.في بعض النسخ : «وعاش» بالواو.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ،(2) عَنْ الْحَضْرَمِيِّ ، قَالَ : إِنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ سَمَّتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام ، وَ سَمَّتْ مَوْلَاةً لَهُ ، فَأَمَّا مَوْلَاتُهُ فَقَاءَتِ السَّمَّ ؛ وَ أَمَّا الْحَسَنُ عليه السلام فَاسْتَمْسَكَ فِي بَطْنِهِ ، ثُمَّ انْتَفَطَ بِهِ ، فَمَاتَ .

هديّة:(جعدة) بفتح الجيم من أزواج الحسن عليه السلام، وكانت بنت اُخت أبي بكر كاخوته محمّد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النعمان ، عن سيف بن عميرة».

ص: 377

بن أشعث وقيس بن أشعث وعبد الرحمن بن أشعث لعنهم اللَّه، وهم - لعنهم اللَّه - من قَتَلَةِ الحسين عليه السلام.و«الانتفاط» بالفاء: الغليان والانتشار، والباء في (به) للسببيّة، يعني ثمّ تقطّع الأحشاء بالسمّ، فاستشهد صلوات اللَّه عليه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ،(1) عَنِ الْكُنَاسِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي بَعْضِ عُمَرِهِ - وَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ بِإِمَامَتِهِ - فَنَزَلُوا فِي مَنْهَلٍ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاهِلِ تَحْتَ نَخْلٍ يَابِسٍ قَدْ يَبِسَ مِنَ الْعَطَشِ ، فَفُرِشَ لِلْحَسَنِ عليه السلام تَحْتَ نَخْلَةٍ ، وَ فُرِشَ لِلزُّبَيْرِيِّ بِحِذَائِهِ (2) تَحْتَ نَخْلَةٍ أُخْرى».قَالَ : «فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ - وَ رَفَعَ رَأْسَهُ - : لَوْ كَانَ فِي هذِهِ النَّخْلَةِ(3) رُطَبٌ لَأَكَلْنَا مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام : وَ إِنَّكَ لَتَشْتَهِي الرُّطَبَ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ : نَعَمْ».قَالَ : «فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَدَعَا بِكَلَامٍ لَمْ أَفْهَمْهُ ، فَاخْضَرَّتِ النَّخْلَةُ ، ثُمَّ صَارَتْ إِلى حَالِهَا ، فَأَوْرَقَتْ ، وَ حَمَلَتْ رُطَباً ، فَقَالَ الْجَمَّالُ الَّذِي اكْتَرَوْا مِنْهُ : سِحْرٌ وَ اللَّهِ» .قَالَ : «فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام : وَيْلَكَ ، لَيْسَ بِسِحْرٍ ، وَ لكِنْ دَعْوَةُ ابْنِ نَبِيٍّ مُسْتَجَابَةٌ».قَالَ : «فَصَعِدُوا إِلَى النَّخْلَةِ ، فَصَرَمُوا مَا كَانَ فِيهَا فَكَفَاهُمْ» .

هديّة:«المنهل» كمنصب: المورد، وهو عين ماء تردها الإبل في المراعي. وتسمّى المنازل التي في المفاوز «مناهل» لأنّ فيها ماء.و«النخل»: اسم جمع، والواحدة: نخلة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن القاسم النهديّ ، عن إسماعيل بن مهران».
2- .في الكافي المطبوع : «بحذاه».
3- .في الكافي المطبوع : «هذا النخل» بدل «هذه النخلة».

ص: 378

في بعض النسخ: «لم يفهم» مكان (لم أفهمه) فعلى المجهول أو المعلوم، يعني الزبيري.(فاخضرّت النخلة) يعني ضرب لونها بالخضرة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ،(1) عَنْ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحَسَنَ بْنِ عَلِيِ (2) عليهما السلام قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَدِينَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ ، وَ الْأُخْرى بِالْمَغْرِبِ ، عَلَيْهِمَا سُورٌ مِنْ حَدِيدٍ ، وَ عَلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ أَلْفِ مِصْرَاعٍ ، وَ فِيهَا سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ لُغَةٍ ، يَتَكَلَّمُ كُلُّ لُغَةٍ بِخِلَافِ لُغَةِ صَاحِبِهَا ، وَ أَنَا أَعْرِفُ جَمِيعَ اللُّغَاتِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا ؛ وَ مَا عَلَيْهِمَا حُجَّةٌ غَيْرِي وَ غَيْرُ الْحُسَيْنِ أَخِي» .

هديّة:في القاموس: «جابلص» بفتح الباء واللام أو سكون اللام: بلد بالمغرب.(3)و«جابلق» كذلك: بلد في المشرق ليس ورائهما إنسيّ.(4)والمراد ب «المصراع» الباب الأكبر للمدينة، فلعلّ تلك الأبواب من مصراع واحد. (وفيها) أي في كلّ واحد من المدينتين.(كلّ لغة) أي أهل كلّ لغة، نحو: «وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ». و«ما» في (ما فيهما) و(ما بينهما) موصولة، وفي (ما عليهما) نافية.(حجّة غيري وغير الحسين أخي) يعني أنّهم يقولون بوجوب وجود الإمام المفترض الطاعة في كلّ زمان، وبأنّ الإمام بعدي من دون فاصلة أخي عليه السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير».
2- .في الكافي المطبوع : - «بن عليّ».
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 297 (جابلص).
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 217 (جابلق).

ص: 379

وقال بعض المعاصرين:المدينتان كنايتان عن عالَمي المثال المشرقي والمغربي، وكون سورهما من حديد كنايةٌ عن صلابته وعدم إمكان الدخول فيهما إلّا عن أبوابهما، وكثرة اللغات كنايةٌ عن اختلاف الخلائق في السلائق والألسن.(1)

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ،(2) عَنْ صَنْدَلٍ ، عَنْ الشَّحَّامِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام إِلى مَكَّةَ سَنَةً مَاشِياً ، فَوَرِمَتْ قَدَمَاهُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَوَالِيهِ : لَوْ رَكِبْتَ لَسَكَنَ عَنْكَ هذَا الْوَرَمُ ، فَقَالَ : كَلَّا ، إِذَا أَتَيْنَا هذَا الْمَنْزِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُكَ أَسْوَدُ وَ مَعَهُ دُهْنٌ ، فَاشْتَرِ مِنْهُ ، وَ لَا تُمَاكِسْهُ .فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، مَا قَدِمْنَا مَنْزِلًا فِيهِ أَحَدٌ يَبِيعُ هذَا الدَّوَاءَ ، فَقَالَ : بَلى إِنَّهُ أَمَامَكَ دُونَ الْمَنْزِلِ ، فَسَارَا مِيلًا ، فَإِذَا هُوَ بِالْأَسْوَدِ ، فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام لِمَوْلَاهُ : دُونَكَ الرَّجُلَ ، فَخُذْ مِنْهُ الدُّهْنَ ، وَ أَعْطِهِ الثَّمَنَ ، فَقَالَ الْأَسْوَدُ : يَا غُلَامُ ، لِمَنْ أَرَدْتَ هذَا الدُّهْنَ ؟ فَقَالَ : لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَقَالَ : انْطَلِقْ بِي إِلَيْهِ ، فَانْطَلَقَ فَأَدْخَلَهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لِي (4): بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، لَمْ أَعْلَمْ أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلى هذَا ، أَ وَ تَرى ذلِكَ ، وَ لَسْتُ آخُذُ لَهُ ثَمَناً ، إِنَّمَا أَنَا مَوْلَاكَ ، وَ لكِنِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي ذَكَراً سَوِيّاً يُحِبُّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ فَإِنِّي خَلَّفْتُ أَهْلِي تَمْخَضُ ، فَقَالَ عليه السلام : انْطَلِقْ إِلى مَنْزِلِكَ ، فَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً ، وَ هُوَ مِنْ شِيعَتِنَا» .

هديّة:«ورمت» على المعلوم من باب حسب.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 753 ، ذيل ح 1370.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن النعمان».
3- .في الكافي المطبوع : «أبي أسامة» و هو كنية زيد الشحّام».
4- .في الكافي المطبوع : «له».

ص: 380

مكس في البيع كضرب، وماكس فيه مماكسة: شاحّ، تماكسا: تشاحّا وتضايقا.(ما قدمنا) من باب علم، والقدوم: الرجوع من السفر؛ أي في الأسفار السابقة، (منزلاً) أي من المنازل التي قدّامنا، دون المنزل قبل الوصول إليه.(دونك) من أسماء الأفعال، أي أدرك، ف (الرجل) مفعول به، أو «دونك» خبر مقدّم، ف «الرجل» مبتدأ.(أو ترى ذلك) على الاستفهام، أو بسكون الواو عطفاً على (تحتاج)، أو بمعنى «إلّا أن» أي لحكمة ومصلحة. واحتمال الترديد من الراوي كما ترى. وضبط برهان الفضلاء : «وترى ذلك» بدون الهمزة، قال: والمشار إليه ل «ذلك» ورم القدم، أي لم أعلم احتياجك إلى هذا الدواء وأنّك يدركك هذا الورم، فأخذت الثمن، ثمّ علمت، فاعف عنّي وتقبّل عذري.(سويّاً): مستوي الخلقة من دون نقص في جوارحه أو زيادة.(تمخض) إمّا على المعلوم من باب التفعيل وعلم ومنع، أو المجهول من الأخيرين.

.

ص: 381

باب مولد الحسين بن عليّ

الباب السادس عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ عشرة أو أحد عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ إِحْدى وَ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَ لَهُ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ ؛ قَتَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ - لَعَنَهما اللَّهُ - وَ هُوَ عَلَى الْكُوفَةِ ؛ وَ كَانَ عَلَى الْخَيْلِ الَّتِي حَارَبَتْهُ وَ قَتَلَتْهُ عليه السلام عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - بِكَرْبَلَاءَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ . وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(ولد الحسين بن عليّ عليهما السلام) في زمن يزدجرد في سنة ثلاث هجرية، والشيخ أيضاً روى في التهذيب على نهج التاريخ وقال:ولد الحسين بن عليّ عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة، وقبض قتيلاً بكربلاء من أرض العراق يوم الاثنين، وقيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم السبت، العاشر من المحرّم قبل الزوال سنة إحدى وستّين من الهجرة، وله عليه السلام يومئذٍ ثمان وخمسون سنة، وقبره بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية في قرى النهرين.(1)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 41.

ص: 382

وقال المفيد رحمة اللَّه عليه في المقنعة: ولد عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة.(1) وفي إرشاده: لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.(2) وقال برهان الفضلاء في شرح ما رواه في الكافي على نهج التاريخ:لا يخفى أنّ بناءاً على ما يأتي في الحديث الثالث كانت ولادته عليه السلام في ربيع الأوّل أو ربيع الآخر، وكان ذلك على كلا الاصطلاحين المذكورين في بيان الحديث الأوّل في الباب السابق في سنة ثلاث هجريّة.الجوهري: و«الطفّ» أيضاً اسم موضع بناحية الكوفة.(3)القاموس: و«الطفّ» بالفتح والتشديد، ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق ، والجانب، والشاطئ، موضع قرب الكوفة.(4)وضبط الصدوق رحمة اللَّه عليه في أماليه «نينوى» بكسر النون الاُولى وفتح الثانية بعد الخاتمة والقصر، قال: اسم شطّ الفرات.(5)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(6) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً» .

هديّة:(عاشوراء) ممدود، وكذا «عشوراء» لغة فيه، ويقصران كما صرّح به في القاموس، ثمّ قال: و«العاشور» عاشر المحرّم أو تاسعه.(7)

.


1- .المقنعة ، ص 467.
2- .الإرشاد ، ج 2 ، ص 27.
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1395 (طفف).
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 169 (طفف).
5- .الأمالي للصدوق ، ص 597 ، المجلس 87 ، ح 5.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد وأحمد بن محمّد جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
7- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 90 (عشر).

ص: 383

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(1) عَنْ الْعَرْزَمِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ بَيْنَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام طُهْرٌ ، وَ كَانَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِيلَادِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» .

هديّة:المراد ب «الطُّهر» هنا مقدار أقلّ الطهر وهو عشرة أيّام، فإنّ الطّمث منتفٍ هنا، فطهرٌ بين ميلاد الحسن وعلوق الحسين عليهما السلام، وستّة أشهر وعشرة أيّام بين الميلادين، و(الميلاد) وقت الولادة، وقد يستعمل للمكان.والواو في (وعشراً) بمعنى «مع» لنصب عشراً كما هو المضبوط في أكثر النسخ. وفي بعض النسخ : «وعشر» بالرفع للعطف.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ ،(2) عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام بِالْحُسَيْنِ عليه السلام ، جَاءَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام سَتَلِدُ غُلَاماً تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ، فَلَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام بِالْحُسَيْنِ عليه السلام كَرِهَتْ حَمْلَهُ ، وَ حِينَ وَضَعَتْهُ كَرِهَتْ وَضْعَهُ».ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمْ تُرَ فِي الدُّنْيَا أُمٌّ تَلِدُ غُلَاماً تَكْرَهُهُ ، وَ لكِنَّهَا كَرِهَتْهُ ؛ لِمَا عَلِمَتْ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ».قَالَ : «وَ فِيهِ نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ : «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً»» .

هديّة:كان حمله عليه السلام ستّة أشهر، وفصاله عن الرضاع أربعة وعشرين شهراً. وكون الألف

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء والحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن العائذ».

ص: 384

واللام للجنس أو الاستغراق - كما في تفاسير العامّة(1) - يأباه التناسب بين فقرات الآية في سورة الأحقاف.(2)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الزَّيَّاتِ (3) ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام نَزَلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِمَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ عليها السلام يَقْتُلُهُ (4)أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ .فَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَ عَلى رَبِّيَ السَّلَامُ ، لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ يَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي .فَعَرَجَ جِبْرئِيلُ عليه السلام (5) ، ثُمَّ هَبَطَ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذلِكَ ، فَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَ عَلى رَبِّيَ السَّلَامُ ، لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ يَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ، فَعَرَجَ جَبْرَئِيلُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ هَبَطَ وَ قَالَ (6) : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يُبَشِّرُكَ بِأَنَّهُ جَاعِلٌ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةَ وَ الْوَلَايَةَ وَالْوَصِيَّةَ ، فَقَالَ صلى اللَّه عليه وآله : قَدْ رَضِيتُ .ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى فَاطِمَةَ عليها السلام : أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُنِي بِمَوْلُودٍ يُولَدُ لَكِ تَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ؛ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ : أَنْ (7) لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ مِنِّي يَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا : أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةَ وَ الْوَلَايَةَ وَ الْوَصِيَّةَ ؛ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ : أَنِّي قَدْ رَضِيتُ فَحَمَلْتُهُ (8) كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً «وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ

.


1- .راجع: المحرّر الوجيز، ج 5، ص 98؛ تفسير الثعالبي، ج 5، ص 216 و 218.
2- .الأحقاف (46) : 15.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن محمّد بن عمرو الزيّات».
4- .في الكافي المطبوع : «تقتله» و كذا فيما بعد.
5- .في الكافي المطبوع : - «جبرئيل عليه السلام».
6- .في الكافي المطبوع : «فقال».
7- .في الكافي المطبوع : - «أن».
8- .في الكافي المطبوع : + «أمّه».

ص: 385

أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَ عَلى والِدَىَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى» فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ : أَصْلِحْ لِى ذُرِّيَّتِى (1) ، لَكَانَتْ ذُرِّيَّتُهُ كُلُّهُمْ أَئِمَّةً .وَ لَمْ يَرْضَعِ الْحُسَيْنُ عليه السلام مِنْ فَاطِمَةَ عليها السلام وَ لَا مِنْ أُنْثى ، كَانَ يُؤْتى بِهِ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله فَيَضَعُ إِبْهَامَهُ فِي فِيهِ ، فَيَمُصُّ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ الْيَوْمَيْنِ وَ الثَّلَاثَ ، فَنَبَتَ لَحْمُ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ لَحْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ دَمِهِ ؛ وَ لَمْ يُولَدْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهم السلام».وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : «أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ يُؤْتى بِهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، فَيُلْقِمُهُ لِسَانَهُ ، فَيَمُصُّهُ ، فَيَجْتَزِئُ بِهِ ، وَ لَمْ يَرْضَعْ مِنْ أُنْثى» .

هديّة:السلام من العبد على الربّ التمجيد والتقديس، وقيل: يعني وواجب على ربّي الرحمة على عباده المؤمنين، وهو عزّ وجلّ كتب على نفسه الرّحمة. وقيل: «وعلى ربّي السلام» يعني وعليه التعجيل في ظهور دولة الحقّ وسلامة المؤمنين واُمنيّتهم، كما مرّ في الحديث الأربعين في الباب العاشر والمائة.(لَا حَاجَةَ لِي) ليس ردّاً للبشارة، بل تعجّب واستكشاف لسرّ ذلك. و«فقد رضيت» إظهار الشكر للعلم بسرّه واطمئنان النفس لفهم حكمته.(فحملته كرهاً) بالفاء بيانٌ بالمعنى.قال في الصحاح: «أشدّه» أي قوّته، وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين، وهو واحد على بناء الجمع، مثل «آنك»(2) وهو الأُسربّ، ولا نظير لهما. وفيه أقوال اُخر ذكرها في الصحاح.(3)«أوزعني»: ألهمني.«صالحاً» من الجهاد وغيره.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فلولا أنّه قال : أصلح لي في ذرّيّتي».
2- .قال في مصباح المنير ، ص 26 : «الآنُك» وزان أفلُس هو الرصاص الخالص ، ويقال : الرصاص الأسود ، ومنهم من يقول : «الآئك فاعُلُ ، قال : وليس في العربي فاعُلُ بضم العين ، وأمّا الآنُك بضمّ العين ، وأمّا الآنُك والآجُر فيمن خفّف وآمل و كابل فأعجميات.
3- .الصحاح ، ج 2 ، ص 493 (شدد).

ص: 386

في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء: «فلولا أنّه قال أصلح لي في ذرّيتي». والمآل واحد.(وفي رواية اُخرى) كلامُ ثقةِ الإسلام، وبه أحاديث الباب أحد عشر.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ * فَقالَ إِنِّى سَقِيمٌ» قَالَ : «حَسَبَ ، فَرَأى مَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَ : إِنِّي سَقِيمٌ ؛ لِمَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ عليه السلام».

هديّة:الآية في سورة الصافّات.(1)«حسبته» كنصر: عددته.قال برهان الفضلاء:«في» في «في النجوم» للظرفيّة، و«النجوم» بمعنى الاُصول من الكتاب الإلهي التي يستنبط الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه الأحكام منها؛ أو التعليل، فالنجوم مصدر «نجم» كنصر، أي ظهر، فالمعنى ظهور نتيجة للفكر في تلك الاُصول، ف «حسب» كعلم، أي تأمّل، ولا كلام في أنّ الحزن الشديد من أنواع السقم.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مَا كَانَ ، ضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى اللَّهِ بِالْبُكَاءِ ، وَ قَالَتْ : يُفْعَلُ هذَا بِالْحُسَيْنِ صَفِيِّكَ وَ ابْنِ صَفِيِّكَ (3) وَ ابْنِ نَبِيِّكَ ؟» قَالَ : «فَأَقَامَ اللَّهُ لَهُمْ ظِلَّ الْقَائِمِ عليه السلام ، وَ قَالَ : بِهذَا أَنْتَقِمُ لِهذَا» .

.


1- .الصّافّات (37) : 88 - 89.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة».
3- .في الكافي المطبوع : - «وابن صفيّك».

ص: 387

هديّة:«ضجّ» كفرّ: صاح وصرخ لمصيبة وغمّ مأتم.والصفيّ والصفوة والمصطفى كلّه بمعنى.و«الظلّ» عبارة عن البدن المثالي المخلوق قبل خلق البدن الجسماني وبعد خلق الأرواح، المعبّر عن سعيده بالنور، وعن شقيّه بالظلمة.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ النَّصْرُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام حَتّى كَانَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ خُيِّرَ النَّصْرَ أَوْ لِقَاءَ اللَّهِ ، فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ» .

هديّة:قد سبق مضمونه في الحديث الثامن في الباب السابع والأربعين.(2)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ (3) ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (4) ، قَالَ : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَليٍ (5) عليهما السلام ، أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ ، فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ : يَا سَيِّدَتِي ، إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ، فَخَرَجَ إِلى جَزِيرَةٍ ، فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَارِثِ ، أَنَا مَوْلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَ الْأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة».
2- .أي «باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون متى يموتون... .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد قال : حدّثني أبو كريب و أبو سعيد الأشّج ، قال : حدّثنا عبد اللَّه بن إدريس».
4- .في الكافي المطبوع : + «الأوديّ».
5- .في الكافي المطبوع: - «بن عليّ».

ص: 388

فَدَعِينِي أَمْضِ إِلَيْهِ فَأُعْلِمْهُ (1) مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً ، قَالَ : فَمَضَتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : يَا أَبَا الْحَارِثِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَتْ لَهُ (2) : أَ تَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ (3) عليه السلام ؟ يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ ، قَالَ : فَمَشى حَتّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلى جَسَدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ ، قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ : فِتْنَةٌ لَا تُثِيرُوا(4) ، انْصَرِفُوا ؛ فَانْصَرَفُوا لعنهم اللَّه .

هديّة:(يوطئوه) على المعلوم من الإفعال.و(فضّة) جارية فاطمة الزهراء عليها السلام، و(زينب) بنت أمير المؤمنين عليه السلام من فاطمة عليها السلام.و(سفينة) لقب مهران مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لحمله حملاً ثقيلاً في سفر، وقيل: اسمه «رومان»، وقيل: «ربّاح» بالمفردة كعطّار، وقيل: كان مولى اُمّ سلمة، فأعتقته بشرط أن يكون في خدمة الرسول صلى اللَّه عليه وآله. وكسرت بسفينه سفينة في بجر مرّة في سفر، فأعانه أسد للخلاص، وأسد سفينة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله غير أسد فضّة، ويمكن أن يكون هو هو.(والأسد رابض في ناحية)، يعني أرى أنا أيضاً أسداً هنا، (فدعيني أمض إليه). روى في كتاب الجرائح والخرائج في باب معجزات سيّد الأنبياء صلى اللَّه عليه وآله عن ابن الأعرابي عن سفينة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: خرجت غازياً، فكسر بي المركب في البحر، الحديث.(5)و«أبو الحارث» كنية الأسد.«وقف» كوعد: اطّلع، وغيره: اطّلعه وأعلمه. وقرأ برهان الفضلاء: «وقّفه» بالتشديد، الجوهري: والتوقيف كالنصّ،(6) أي التصريح، وقيل: «وقفه»: هداه. و«الربوض» للشاة

.


1- .في الكافي المطبوع : «و أعلمه».
2- .في الكافي المطبوع : «ثمّ قالت» بدل «فقالت له».
3- .في الكافي المطبوع: - «الحسين».
4- .في الكافي المطبوع : «لا تثيروها».
5- .الخرائج والجرائح ، ج 1 ، ص 136 ؛ وعنه في البحار ، ج 17 ، ص 409 ، ح 39.
6- .الصحاح ، ج 4 ، ص 144 (وقف).

ص: 389

والأسد، كالبروك للإبل.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ ،(1) عَنْ مَصْقَلَةَ الطَّحَّانِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنِ عَلِيٍ (2) عليهما السلام ، أَقَامَتِ امْرَأَتُهُ الْكَلْبِيَّةُ عَلَيْهِ مَأْتَماً ، وَ بَكَتْ وَ بَكَيْنَ النِّسَاءُ وَ الْخَدَمُ حَتّى جَفَّتْ دُمُوعُهُنَّ وَ ذَهَبَتْ ، فَبَيْنَا هِيَ كَذلِكَ إِذْ رَأَتْ جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهَا تَبْكِي وَ دُمُوعُهَا تَسِيلُ ، فَدَعَتْهَا ، فَقَالَتْ لَهَا : مَا لَكِ أَنْتِ مِنْ بَيْنِنَا تَسِيلُ دُمُوعُكِ؟ قَالَتْ : إِنِّي لَمَّا أَصَابَنِي الْجَهْدُ ، شَرِبْتُ شَرْبَةَ سَوِيقٍ».قَالَ : «فَأَمَرَتْ بِالطَّعَامِ وَ الْأَسْوِقَةِ ، فَأَكَلَتْ وَ شَرِبَتْ وَ أَطْعَمَتْ وَ سَقَتْ ، وَ قَالَتْ : إِنَّمَا نُرِيدُ بِذلِكِ أَنْ نَتَقَوّى عَلَى الْبُكَاءِ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام».قَالَ : «وَ أُهْدِيَ إِلَى الْكَلْبِيَّةِ جُوَناً لِتَسْتَعِينَ بِهَا عَلى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجُوَنَ ، قَالَتْ : مَا هذِهِ ؟ قَالُوا : هَدِيَّةٌ أَهْدَاهَا فُلَانٌ لِنَسْتَعِينَ بِهَا(3)عَلى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَتْ : لَسْنَا فِي عُرْسٍ ، فَمَا نَصْنَعُ بِهَا ، ثُمَّ أَمَرَتْ بِهِنَّ ، فَأُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ ، فَلَمَّا أُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ ، لَمْ يُحَسَّ لَهُنَ (4) حِسٌّ كَأَنَّمَا طِرْنَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، وَ لَمْ يُرَ لَهُنَّ بَعْدَ خُرُوجِهِنَّ مِنَ الدَّارِ أَثَرٌ» .

هديّة:«المأتم» بالهمز على مفعل وقد لا يهمز، مصدر ميميّ بمعنى اجتماع النساء للعزاء.و(النساء) عطف بيان، وكذا (الخدم) للضمير في (بكين).و(الجهد) بالفتح: المشقّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن أحمد ، عن الحسن بن عليّ ، عن يونس».
2- .في الكافي المطبوع: - «بن عليّ».
3- .في الكافي المطبوع : «لتستعيني» بدل «لنستعين بها».
4- .في الكافي المطبوع : «لها».

ص: 390

قال برهان الفضلاء:والظاهر «أهدي إلى الكلبيّة جون» بالرفع، قال: و«الجون» بضمّ الجيم وسكون الواو والنون، جمع الجونيّ بتشديد الياء: ضرب من الطير، بطنه وجناحاه أسود يأكل الحجارة. ويجوز للجمع المذكّر من غير ذوي العقول الإتيان بضمير المفرد المؤنّث والجمع المؤنّث.(فلم يحسّ لهنّ حسّ) يعني بسبب النهب والفارة في خارج الدار.وقال بعض المعاصرين:«جون» كصرد جمع جونة بالضمّ، وهي ظرف للطيب، ونصبها بتقدير «أعني» وحذف مفعول «أهدى»، ثمّ قال: وكأنّ النساء كنّ من الجنّ أو من الأرواح الماضيات تجسّدن أو بصورها المثاليّة.(1)وقرأ بعض الأفاضل: «خونا» بضمّ الخاء المعجمة.القاموس: «الخوان» كغراب وكتاب: ما يؤكل عليه الطعام، والجمع: أخونة وخون،(2) كدور في جمع الدار، ثمّ قال: والظاهر : «وأهديت الكلبيّة خونا»، يعني من التحف والنفائس؛ واللَّه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 761 ، ذيل ح 1382.
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 230 ، (خون).

ص: 391

باب مولد عليّ بن الحسين

الباب السابع عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ سبعة أو ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ ثَلَاثِينَ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ لَهُ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً . وَ أُمُّهُ شَهْرَبَانُوَيْه (1) بِنْتُ يَزْدَجَرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ شِيرَوَيْهِ بْنِ كِسْرى أَبَرْوِيزَ ، وَ كَانَ يَزْدَجَرْدُ آخِرَ مُلُوكِ الْفُرْسِ .

هديّة:(ولد عليّ بن الحسين عليهما السلام) في زمن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال الشيخ في التهذيب: اُمّه عليه السلام شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى ابرويز، وقبره ببقيع المدينة.(2)ووافق ثقة الإسلام في سائر ما ذكر في الكافي على ما نقلناه.و(كسرى) بالكسر والقصر: معرّب «خسرو» لقب من ألقاب ملوك الفرس. (ابرويز) قيل: على وزن طبرزين معرّب پرويز بالباء الفارسيّة. وضبط برهان الفضلاء على وزن عندليب ومعناه المظفّر، سمّي به كسرى بن هرمز بن انوشيروان.و(الفرس) بالضمّ بلاد، و«فارس» اسم ملك من ملوكها كما في الحديث التالي.

.


1- .في الكافي المطبوع : «سلامة» بدل «شهربانويه».
2- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 77.

ص: 392

في بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «واُمّه سلامة» مكان (واُمّه شهربانويه).قال في القاموس: الهرمز والهرمزان والهارموز: الكبير من ملوك العجم.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا أُقْدِمَتْ بِنْتُ يَزْدَجَرْدَ عَلى عُمَرَ ، أَشْرَفَ لَهَا عَذَارَى الْمَدِينَةِ ، وَ أَشْرَقَ الْمَسْجِدُ بِضَوْئِهَا لَمَّا دَخَلَتْهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا عُمَرُ ، غَطَّتْ وَجْهَهَا ، وَ قَالَتْ : أُفٍّ بِيرُوجْ بَادَا هُرْمُزْ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَ تَشْتِمُنِي هذِهِ ؟ وَ هَمَّ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : لَيْسَ ذلِكَ لَكَ ، خَيِّرْهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ احْسُبْهَا بِفَيْئِهِ ، فَخَيَّرَهَا ، فَجَاءَتْ حَتّى وَضَعَتْ يَدَهَا عَلى رَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : مَا اسْمُكِ ؟ قَالَتْ (3) : جَهَانْ شَاهُ ، فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : بَلْ شَهْرَبَانُوَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، لَتَلِدَنَّ لَكَ مِنْهَا خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَوَلَدَتْ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَ كَانَ يُقَالُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام : ابْنُ الْخِيَرَتَيْنِ ، فَخِيَرَةُ اللَّهِ مِنَ الْعَرَبِ هَاشِمٌ ، وَ مِنَ الْعَجَمِ فَارِسُ» .وَ رُوِيَ : أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ قَالَ فِيهِ :وَ إِنَّ غُلَاماً بَيْنَ كِسْرى وَ هَاشِمٍ لَأَكْرَمُ مَنْ نِيطَتْ عَلَيْهِ التَّمَائِمُ

هديّة:(أقدمت) على ما لم يسمّ فاعله من الإفعال، وتعديته ب «على» على تضمين معنى الورود. (أشرف لها) يعني تطلّعت لرؤيتها من أعالي الجدران والسطوح.(أُفٍّ بِيرُوجْ بَادَا هُرْمُزْ)، قال بعض المعاصرين:تأفيف ودعاء على أبيها هرمز، يعني لا كان لهرمز يوم، فإنّ ابنته اُسرت بصغر ونظر

.


1- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 196 (هرمز).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن الحسن الحسنىّ رحمة اللَّه عليه و عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه جميعاً ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الخزاعيّ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن شمر».
3- .في الكافي المطبوع : «فقالت».

ص: 393

إليها الرجال. ويقال للكبير من ملوك العجم «هرمز». همَّ بها: قصد إيذائها، انتهى.(1)وقال برهان الفضلاء:«افنيروج» بضمّ الهمزة وكسر الفاء مخفّفة ومشدّدة وسكون الخاتمة وسكون النون وضمّ الراء المهملة وسكون الواو والجيم المستعملة في لغة العجم مكان الزاي، والتقاء الساكنين في لغة العجم جايز، كما في «افنيروج» والمعنى «بد روزگار بادا هرمز»، انتهى.وقال بعض الأفاضل:«أفّ» هنا للكراهة من قيافة عمر أو من وقاحته، و«بيروج بادا هرمز» دعاء ليزدجرد، يعني فيروز بادا هرمز للانتقام، ويؤيّده قوله عليه السلام: «ليس ذلك لك»، فإنّه كان حيّاً في الريّ بعد الاستيصال والفرار إليها، انتهى.وقيل: بل دعاء عليه، يعني بي روزگار بادا هرمز، يعني لا كانت له دولة أو حياة؛ لأنّ مصيبتهم بسوء تدبيره وفراره.أقول: يمكن أن يكون قولها «أفّ بيروج بادا هرمز» دعاء على نفسها، يعني بى فرزند بادا هرمز، و«رود» و«رور» و«روج» كلّه في لغتهم بمعنى الولد، وسمعت علويّاً من أهل كاشان يقول: يقال في رساتيقنا: «بيروج بادا مامت»، يعني بى فرزند بادا مادرت. وأيضاً يمكن أن يكون «أفّ بيروج» تأفيفاً لكراهة من وقاحة نظره وشتماً له، والجيم كثيراً تزاد في آخر الكلمات الفارسيّة، «بادا هرمز»، يعني ليته كان كما كان، والألف في «بادا» للتأكيد في مقام الدعاء والتمنّي وغيرهما.(بل شهربانويه) يعني بل اسمك «شهربانويه» و«جهانشاه» لقبك. وقال برهان الفضلاء: يعني لا يناسب النساء «شاه» بل المناسب «بانويه». قال: وأيضاً «جهانشاه» لا يحسن إطلاقه على ما سوى اللَّه سبحانه.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 763 ، ذيل ح 1384.

ص: 394

قيل: الظاهر «ليولدنّ». وقال برهان الفضلاء: و«لتلدنّ» بالتاء الفوقانيّة للغايبة المؤكّدة بالنون الثقيلة، والمفعول محذوف، و«لك» متعلّق ب «تلدنّ» أو خبر للمبتدأ، و«منها» متعلّق بالظرف، وخبر للمبتدأ، و«خير» مرفوع مبتدأ.(وكان يقال) كلام ثقة الإسلام ، أو أحد من رجاله ، أو الإمام عليه السلام.(وروى) كلام ثقة الإسلام، وبه أحاديث الباب ثمانية.الجوهري : «الدئل» بضمّ الدال المهملة وكسر الهمزة واللام: دويبة شبيهة بابن عرس. قال أحمد بن يحيى: لا نعلم إسماً جاء على فعل غير هذا. وقال الأخفش: وإلى المسمّى بهذا الاسم نسب أبو الأسود الدئلي إلّا أنّهم فتحوا الهمزة استثقالاً لتوالي الكسرتين مع ياء النسبة كنمرى بفتح الميم في النسبة إلى نمر، وربّما قالوا «الدولي» بالواو تخفيفاً للهمزة المفتوحة وقبلها ضمّة.(1)(نيطت) على ما لم يسمّ فاعله يعني علّقت.و«التميمة»: عوذة تعلّق على الأطفال.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ،(3) عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام نَاقَةٌ حَجَّ عَلَيْهَا اثْنَتَيْنِ وَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَا قَرَعَهَا قَرْعَةً قَطُّ».قَالَ : «فَجَاءَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَ مَا شَعَرْنَا بِهَا إِلَّا وَ قَدْ جَاءَنِي بَعْضُ خَدَمِنَا أَوْ بَعْضُ الْمَوَالِي ، فَقَالَ : إِنَّ النَّاقَةَ قَدْ خَرَجَتْ ، فَأَتَتْ قَبْرَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فَابْتَرَكَتْ عَلَيْهِ ، فَدَلَكَتْ بِجِرَانِهَا الْقَبْرَ وَ هِيَ تَرْغُو ، فَقُلْتُ : أَدْرِكُوهَا أَدْرِكُوهَا ، وَ جِيئُونِي بِهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِهَا أَوْ يَرَوْهَا». قَالَ : «وَ مَا كَانَتْ رَأَتِ الْقَبْرَ قَطُّ» .

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1694 (دأل).
2- .وللمزيد في هذا البيت راجع : المناقب لابن شهر آشوب ، ج 4 ، ص 167 ؛ خزانة الأدب ، ج 1 ، ص 136 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 236 ؛ دائرة المعارف الإسلامية ، ج 1 ، ص 307.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير».

ص: 395

هديّة:«القرع»: الضرب بالعصا ونحوه، و«القرعة» بالفتح للمرّة.(أو بعض الموالي)؛ الشكّ من الراوي.(فأتت) كلامُ الإمام عليه السلام.و«الابتراك» افتعال من برك البعير كنصر: إذا استناخ، وأبركه غيره.و«جران البعير» بكسر الجيم وتخفيف المهملة: مقدّم عنقه. و«رغاؤه» بالضمّ والمدّ : صوته، رغى البعير كغزا.وضمير الجمع في (يعلموا) للمخالفين.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ،(1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا مَاتَ أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، جَاءَتْ نَاقَةٌ لَهُ مِنَ الرَّعْيِ حَتّى ضَرَبَتْ بِجِرَانِهَا عَلَى الْقَبْرِ ، وَ تَمَرَّغَتْ عَلَيْهِ ، فَأَمَرْتُ بِهَا ، فَرُدَّتْ إِلى مَرْعَاهَا ؛ وَ إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ يَحُجُّ عَلَيْهَا وَ يَعْتَمِرُ وَ لَمْ يَقْرَعْهَا قَرْعَةً قَطُّ» .ابْنُ بَانُوْيَهْ (2) .

هديّة:(من الرعي) بالفتح مصدر، وبالكسر المرعى، وضبط برهان الفضلاء بالكسر.(ابن بانويه) هكذا وجدت هذه اللفظة في آخر الحديث، فقيل: «ابن بانويه» فاعل، ولم يقرعها، يعني عليّ بن الحسين عليهما السلام. وقال بعض المعاصرين: ومعناها غير ظاهر.(3)وقال بعض الأفاضل: المراد الصدوق رحمة اللَّه عليه، زادها من تأخّر عن ثقة الإسلام والصدوق قدّس سرّهما على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن حفص بن البختري».
2- .في الكافي المطبوع : «ابن بابويه».
3- .الوافي ، ج 3 ، ص 764 ، ذيل ح 1387.

ص: 396

صدر الحديث التالي، فاشتبه على الكتّاب. وقيل: «أبن» للمكان، و«بأبويه»، يعني بوالديه، يعني ناقته عليه السلام كذا، فأين لأحد بمثل أبويه من هاشم وكسرى.(1) وضبط برهان الفضلاء على الأوّل، وقال: «ابن» نصب بالاختصاص وعطف بيان، و«بانويه» عبارة عن اُمّه عليه السلام.(2)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ ،(3) عَنْ أَبِي عُمَارَةَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُعِدَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، قَالَ لِمُحَمَّدٍ عليه السلام : يَا بُنَيَّ ، أَبْغِنِي وَضُوءاً ، قَالَ : فَقُمْتُ فَجِئْتُهُ بِوَضُوءٍ ، قَالَ : لَا أَبْغِي هذَا ؛ فَإِنَّ فِيهِ شَيْئاً مَيِّتاً ، قَالَ : فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ بِالْمِصْبَاحِ ، فَإِذَا فِيهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ ، فَجِئْتُهُ بِوَضُوءٍ غَيْرِهِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، هذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُعِدْتُهَا ، فَأَوْصى بِنَاقَتِهِ أَنْ يُحْظَرَ لَهَا حِظَارٌ ، وَ أَنْ يُقَامَ لَهَا عَلَفٌ ، فَجُعِلَتْ فِيهِ».قَالَ : «فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ خَرَجَتْ حَتّى أَتَتِ الْقَبْرَ ، فَضَرَبَتْ بِجِرَانِهَا ، وَ رَغَتْ ، وَ هَمَلَتْ عَيْنَاهَا ، فَأُتِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ النَّاقَةَ قَدْ خَرَجَتْ ، فَأَتَاهَا ، فَقَالَ : صَهِ الْآنَ ، قُومِي ، بَارَكِ ِ اللَّهُ فِيكِ ، فَلَمْ تَفْعَلْ ، فَقَالَ : وَ إِنْ كَانَ لَيَخْرُجُ عَلَيْهَا إِلى مَكَّةَ ، فَيُعَلِّقُ السَّوْطَ عَلَى الرَّحْلِ ، فَمَا يَقْرَعُهَا حَتّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ».قَالَ : «وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَخْرُجُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، فَيَحْمِلُ الْجِرَابَ فِيهِ الصُّرَرُ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَ الدَّرَاهِمِ حَتّى يَأْتِيَ بَاباً(4) ، فَيَقْرَعُهُ ، ثُمَّ يُنِيلُ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فَقَدُوا ذَاكَ ، فَعَلِمُوا أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ يَفْعَلُهُ» .

هديّة:(قال: لمّا كان) أي الأمر أو الوعد، (وعد فيها) يحتمل المعلوم وخلافه. وقرأ

.


1- .المصدر.
2- .وللمزيد راجع الطبعة الجديدة من الكافي ، ج 2 ، ص 516 ، ذيل ح 1271 ، الرقم 4.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد بن عامر ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد ، عن سعدان بن مسلم».
4- .في الكافي المطبوع : + «باباً».

ص: 397

برهان الفضلاء : «لما» بكسر اللام وتخفيف الميم، وقال: «ما» موصولة، والظرف متعلّق ب «قال»، و«وعد» وكذا «وعدتها» على ما لم يسمّ فاعله للإشارة إلى أنّ موت المؤمن مطلوب له. (ابغني) أمر من الإفعال، و«الإبغاء»: طلب شي ء لآخر ويتعدّى بنفسه إلى مفعولين. وقيل: «أبغاه»: أعانه على الطلب، يعني أعنّي على طلب ماء أتوضّؤ به، (وضوءاً) بالفتح. أي ما أتوضّأ به.(لا أبغي) من باب رمى: لا أطلب.و«الحظار» بالكسر ويفتح: الحظيرة - بالظاء المعجمة - وهي ما يعمل للإبل من القصب أو الشجر ليقيها البرد والريح. وقرأ برهان الفضلاء : «يحصر» بالصاد المهملة على المجهول من باب نصر وضرب.(أن خرجت) بفتح الهمزة وسكون النون بتقدير «إلى أن».(هملت) كنصر وضرب: فاضت، فأتى على ما لم يسمّ فاعله.(صه) اسم فعل، يعني اسكت. وقال برهان الفضلاء: ويحتمل أن يكون رمز صلى اللَّه عليه وآله بدليل عدمها في بعض النسخ.(فلم تفعل) يعني فتركت ضربها جرانها بالقبر ورغوها وبكائها.(وإن كان) بكسر الهمزة مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشّأن.و(الجراب) ككتاب: المِزْوَد، وعاء معروف.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ الوشّاء، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام (1) ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهِ ، وَ قَرَأَ «إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ» وَ «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ» وَ قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أحمد ، عن عمّه عبد اللَّه بن الصلت ، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس، عن أبي الحسن عليه السلام».

ص: 398

حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» ، ثُمَّ قُبِضَ عليه السلام مِنْ سَاعَتِهِ وَ لَمْ يَقُلْ شَيْئاً» .

هديّة:الآية في سورة الزّمر(1)، وقد ثبت معاينة كلّ أحد مكانه من الجنّة والنار عند الاحتضار.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي عَامِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ ؛ عَاشَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ عليه السلام خَمْساً وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً» .

هديّة:(في عام خمس وتسعين) هجريّة، وافق عليه السلام أبيه عليهما السلام في مدّة العمر أيضاً مثل أمير المؤمنين عليه السلام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .الزمر (39) : 74.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».

ص: 399

باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ

الباب الثامن عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدْ بنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهم السلام (1) سَنَةَ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَةٍ وَ لَهُ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً ؛ وَ دُفِنَ بِالْمَدِينَةِ بِالْبَقِيعِ (2) فِي الْقَبْرِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ؛ وَ كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَ عَلى ذُرِّيَّتِهِمُ الْهَادِيَةِ .

هديّة:(ولد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين) بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام في زمن طغيان معاوية بن أبي سفيان سنة سبع وخمسين هجريّة. وقال الشيخ رحمة اللَّه عليه في التهذيب: اُمّه عليه السلام اُمّ عبدة بنت الحسن بن عليّ عليهما السلام، وهو هاشميّ من هاشميّين، علويّ من علويّين.(3) ووافق ثقة الإسلام إلّا في كنية اُمّه عليه السلام؛ فإمّا لها كنيتان، أو اشتبهت وصحّفت.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام».
2- .في الكافي المطبوع : «بالبقيع بالمدينة».
3- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 77.

ص: 400

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ،(1) عَنْ الْكَنَانِيّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَتْ أُمِّي قَاعِدَةً عِنْدَ جِدَارٍ ، فَتَصَدَّعَ الْجِدَارُ ، وَ سَمِعْنَا هَدَّةً شَدِيدَةً ، فَقَالَتْ بِيَدِهَا : لَا ، وَ حَقِّ الْمُصْطَفى ، مَا أَذِنَ اللَّهُ لَكَ فِي السُّقُوطِ ، فَبَقِيَ مُعَلَّقاً فِي الْجَوِّ حَتّى جَازَتْهُ ، فَتَصَدَّقَ عَنْهَا أَبِي عليه السلام (2) بِمِائَةِ دِينَارٍ».قَالَ أَبُو الصَّبَّاحِ : وَ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَدَّتَهُ - أُمَّ أَبِيهِ - يَوْماً ، فَقَالَ : «كَانَتْ صِدِّيقَةً ، لَمْ تُدْرَكْ فِي آلِ الْحَسَنِ عليه السلام امْرَأَةٌ مِثْلُهَا» .

هديّة:«تصدّع»: انشقّت. و«الهدّة» بالفتح والتشديد: صوت وقع الحائط ونحوه.(لا) ناهية، أي لا تسقط، وجملة (ما أذن اللَّه) دعائيّة، وبالفارسيّة : «اذن ندهاد خداي تعالى».و«الصدِّيق» لغةً: كثير الصدق الذي يطابق قوله فعله، وفي عرف حجج اللَّه المعصومين المعصوم؛ فالمراد هنا إمّا معناه اللغويّ بحسب الإيمان بالولاية، أو العرفي بحسب استجابة الدعاء، والتقرّب القريب من تقرّب المعصومة المحدّثة في هذه الاُمّة ، يعني الزهراء صلوات اللَّه عليها.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : «إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَ رَجُلًا مُنْقَطِعاً(4) أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَ كَانَ يَقْعُدُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ، وَ كَانَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبد اللَّه بن أحمد ، عن صالح بن مزيد ، عن عبد اللَّه بن المغيرة ، عن أبي الصبّاح ، عن أبي جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع : «أبي عنها» بدل «عنها أبي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان».
4- .في الكافي المطبوع : + «إلينا».

ص: 401

يُنَادِي : يَا بَاقِرَ الْعِلْمِ ، يَا بَاقِرَ الْعِلْمِ ، فَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ : جَابِرٌ يَهْجُرُ ، فَكَانَ يَقُولُ : لَا وَ اللَّهِ ، مَا أَهْجُرُ ، وَ لكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقُولُ : إِنَّكَ سَتُدْرِكُ رَجُلًا مِنِّي اسْمُهُ اسْمِي ، وَ شَمَائِلُهُ شَمَائِلِي ، يَبْقُرُ الْعِلْمَ بَقْراً ، فَذَاكَ الَّذِي دَعَانِي إِلى مَا أَقُولُ».قَالَ : «فَبَيْنَا جَابِرٌ يَتَرَدَّدُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ إِذْ مَرَّ بِطَرِيقٍ ، وَفِي ذَاكَ الطَّرِيقِ كُتَّابٌ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ ، قَالَ : يَا غُلَامُ ، أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ؛ ثُمَّ قَالَ : شَمَائِلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؛ يَا غُلَامُ ، مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ : اسْمِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَ يَقُولُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَبُوكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ ذلِكَ».قَالَ : «فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلى أَبِيهِ وَ هُوَ ذَعِرٌ ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا بُنَيَّ ، وَ قَدْ فَعَلَهَا جَابِرٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : الْزَمْ بَيْتَكَ يَا بُنَيَّ ؛ فَكَانَ جَابِرٌ يَأْتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ ، وَ كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ : وَا عَجَبَاهْ لِجَابِرٍ يَأْتِي هذَا الْغُلَامَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَ هُوَ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَضى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام يَأْتِيهِ عَلى وَجْهِ الْكَرَامَةِ لِصُحْبَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ : «فَجَلَسَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى ، فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ : مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَجْرَى (1) مِنْ هذَا ، فَلَمَّا رَأى مَا يَقُولُونَ ، حَدَّثَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ : مَا رَأَيْنَا أَحَداً(2) أَكْذَبَ مِنْ هذَا ، يُحَدِّثُنَا عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ ، فَلَمَّا رَأى مَا يَقُولُونَ ، حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ». قَالَ : «فَصَدَّقُوهُ ، وَ كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَأْتِيهِ ، وَيَتَعَلَّمُ (3) مِنْهُ عليه السلام» .

هديّة:«الاعتجار»: شدّ العمامة على الرأس، واعتجرت المرأة بمعجرها.(باقر العلم): جامعه المتبحّر فيه؛ من البقر، وهو الشقّ والتّوسيع، بقر العلم كمنع.

.


1- .في الكافي المطبوع : «أجرأ».
2- .في الكافي المطبوع : + «قطّ».
3- .في الكافي المطبوع : «فيتعلّم».

ص: 402

و«الهجر» بالضمّ: اسم من الإهجار، وهو الهذيان وقول ما لا طائل فيه.(يهجر) كنصر، ويهجر من الإفعال بمعنى أي يهذي كرمى (كتاب) أي مكتب.و«الشمائل» جمع شمال ككتاب، يعني المعادات والحركات والسّكنات والهيئة والشكل وأمثالها ويقول ذلك كناية عن أخبار أودعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إيّاه ليخبره بها وقد فعلها.(ذعر) كصعق: خائف مضطرب.(جابر) يعني الرسالة في تسليم الودائع بعد التسليم عليه من جدّه صلى اللَّه عليه وآله.(يأتي هذا الغلام) يعني ليتعلّم منه وهو بذاك الفضل.(فلم يلبث) يعني جابر، (أن مضى) بتقدير «إلى أن» وكان وفاة جابر سنة ثمان وسبعين هجريّة، وكان الباقر عليه السلام في ذلك الوقت ابن إحدى وعشرين سنة وعند مضيّ أبيه عليه السلام ابن ثمان وثلاثين سنة، فالمعنى : فلم يبق جابر إلى زمان مضيّ عليّ بن الحسين عليهما السلام، فكان محمّد بن عليّ عليهما السلام يأتي جابراً في حياته على وجه الكرامة يحدّثهم عن اللَّه تبارك وتعالى. قيل: يعني كان يقول ما كان بتحديث الملك، قال اللَّه تبارك وتعالى كذا وكذا. وقيل: يعني كان يفسّر القرآن.(أجرى) أفعل التفضيل من الجرأة، يهمز ولا يهمز فيكتب بالياء، وأصله الهمز.(وكان جابر بن عبداللَّه يأتيه ويتعلّم منه) حاليّة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ ،(1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتُمْ وَرَثَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ : رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ ، عَلِمَ كُلَّ مَا عَلِمُوا؟ قَالَ : «نَعَمْ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن مثنّى الحنّاط».

ص: 403

قُلْتُ : فَأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلى أَنْ تُحْيُوا الْمَوْتى وَ تُبْرِئُوا الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ ؟ فَقَالَ لِي (1) : «نَعَمْ بِإِذْنِ اللَّهِ».ثُمَّ قَالَ لِيَ : «ادْنُ مِنِّي يَا بَا مُحَمَّدٍ(2)» فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَمَسَحَ عَلى وَجْهِي وَ عَلى عَيْنَيَّ ، فَأَبْصَرْتُ الشَّمْسَ وَ السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ الْبُيُوتَ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ فِي الدَّارِ(3) ، ثُمَّ قَالَ لِي : «أَ تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ هكَذَا وَ لَكَ مَا لِلنَّاسِ ، وَ عَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَوْ تَعُودَ كَمَا كُنْتَ وَ لَكَ الْجَنَّةُ خَالِصاً ؟»قُلْتُ : أَعُودُ كَمَا كُنْتُ ، فَمَسَحَ عَلى عَيْنَيَّ ، فَعُدْتُ كَمَا كُنْتُ .قَالَ : فَحَدَّثْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ بِهذَا ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ هذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقٌّ .

هديّة:(عن أبي بصير) يعني يحيى بن القاسم وكان أكمه، ويكنّى أبا محمّد أيضاً.في بعض النسخ : «في البلد» مكان (في الدار).(للناس) أي للمخالفين.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَاصِمِ ،(4) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَهُ يَوْماً إِذْ وَقَعَ زَوْجُ وَرَشَانَ عَلَى الْحَائِطِ وَ هَدَلَا هَدِيلَهُمَا ، فَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَلَيْهِمَا كَلَامَهُمَا سَاعَةً ، ثُمَّ نَهَضَا ، فَلَمَّا طَارَا عَلَى الْحَائِطِ ، هَدَلَ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثى سَاعَةً ، ثُمَّ نَهَضَا ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا هذَا الطَّائِرُ(5) ؟

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال» بدل «فقال لي».
2- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد».
3- .في الكافي المطبوع : «البلد».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عليّ ، عن عاصم بن حميد».
5- .في الكافي المطبوع : «الطير».

ص: 404

قَالَ : «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ ، كُلُّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ - مِنْ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ شَيْ ءٍ فِيهِ رُوحٌ - فَهُوَ أَسْمَعُ لَنَا وَ أَطْوَعُ مِنِ ابْنِ آدَمَ ، إِنَّ هذَا الْوَرَشَانَ ظَنَّ بِامْرَأَتِهِ ، فَحَلَفَتْ لَهُ : مَا فَعَلْتُ ، فَقَالَتْ : تَرْضى بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ؟ فَرَضِيَا بِي ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ لَهَا ظَالِمٌ ، فَصَدَّقَهَا» .

هديّة:(الورشان) بالتحريك: طائر، وهو ساق حرّ؛ قاله الجوهري.(1)ويقال له «القمرى»، وأكثر استعماله في الذكر فالاُنثى قمريّة.(إذا وقع) أي نزل.و(على الحائط) وصفٌ لزوج ورشان، والإضافة بيانيّة، كخاتم فضّة. وقال برهان الفضلاء: الظاهر من الحائط مكان على الحائط».و«الهديل»: صوت الحمام ونحوه، هدل كضرب. في بعض النسخ : «ما هذا الطير» مكان (ما هذا الطائر)، و«فقال» مكان (فقالت).(ظنّ بامرأته) يعني السفاح.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ حَمْزَةَ ،(2) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ الْحَضْرَمِيِّ ، قَالَ : لَمَّا حُمِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلَى الشَّامِ إِلى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَ صَارَ بِبَابِهِ ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَ مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ : إِذَا رَأَيْتُمُونِي قَدْ وَبَّخْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، ثُمَّ رَأَيْتُمُونِي قَدْ سَكَتُّ ، فَلْيُقْبِلْ عَلَيْهِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ فَلْيُوَبِّخْهُ ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ .فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ بِيَدِهِ : «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» فَعَمَّهُمْ جَمِيعاً بِالسَّلَامِ ، ثُمَّ جَلَسَ ، فَازْدَادَ هِشَامٌ عَلَيْهِ حَنَقاً بِتَرْكِهِ السَّلَامَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، وَ جُلُوسِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، فَأَقْبَلَ

.


1- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1026 (ورش).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط ، عن صالح بن حمزة».

ص: 405

يُوَبِّخُهُ ، وَ يَقُولُ - فِيمَا يَقُولُ لَهُ - : يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ قَدْ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ، وَ دَعَا إِلى نَفْسِهِ ، وَ زَعَمَ أَنَّهُ الْإِمَامُ سَفَهاً وَ قِلَّةَ عِلْمٍ ، وَ وَبَّخَهُ بِمَا أَرَادَ أَنْ يُوَبِّخَهُ ، فَلَمَّا سَكَتَ ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ رَجُلٌ بَعْدَ رَجُلٍ يُوَبِّخُهُ حَتَّى انْقَضى آخِرُهُمْ ، فَلَمَّا سَكَتَ الْقَوْمُ ، نَهَضَ عليه السلام قَائِماً ، ثُمَّ قَالَ : «أَيُّهَا النَّاسُ ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ ؟ وَ أَيْنَ يُرَادُ بِكُمْ ؟ بِنَا هَدَى اللَّهُ أَوَّلَكُمْ ، وَ بِنَا يَخْتِمُ آخِرَكُمْ ، فَإِنْ يَكُنْ لَكُمْ مُلْكٌ مُعَجَّلٌ ، فَإِنَّ لَنَا مُلْكاً مُؤَجَّلًا ، وَ لَيْسَ بَعْدَ مُلْكِنَا مُلْكٌ ؛ لِأَنَّا أَهْلُ الْعَاقِبَةِ ؛ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»».فَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْحَبْسِ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْحَبْسِ ، تَكَلَّمَ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْحَبْسِ رَجُلٌ إِلَّا تَرَشَّفَهُ وَ حَنَّ إِلَيْهِ ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَبْسِ إِلى هِشَامٍ ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ مَجْلِسِكَ هذَا ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِخَبَرِهِ ، فَأَمَرَ بِهِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْبَرِيدِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ لِيُرَدُّوا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَ أَمَرَ أَنْ لَا يُخْرَجَ لَهُمُ الْأَسْوَاقُ ، وَ حَالَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ ، فَسَارُوا ثَلَاثاً لَا يَجِدُونَ طَعَاماً وَ لَا شَرَاباً حَتّى انْتَهَوْا إِلى مَدْيَنَ ، فَأُغْلِقَ بَابُ الْمَدِينَةِ دُونَهُمْ ، فَشَكَا أَصْحَابُهُ الْجُوعَ وَ الْعَطَشَ .قَالَ : فَصَعِدَ جَبَلًا لِيُشْرِفَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ - بِأَعْلى صَوْتِهِ - : «يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ، أَنَا بَقِيَّةُ اللَّهِ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ»» .قَالَ : وَ كَانَ فِيهِمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَأَتَاهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، هذِهِ - وَ اللَّهِ - دَعْوَةُ شُعَيْبٍ النَّبِيِّ ، وَ اللَّهِ ، لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوا إِلى هذَا الرَّجُلِ بِالْأَسْوَاقِ ، لَتُؤْخَذُنَّ مِنْ فَوْقِكُمْ ، وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ، فَصَدِّقُونِي فِي هذِهِ الْمَرَّةِ وَ أَطِيعُونِي ، وَ كَذِّبُونِي فِيمَا تَسْتَأْنِفُونَ ؛ فَإِنِّي نَاصِحٌ لَكُمْ .قَالَ : فَبَادَرُوا ، فَأَخْرَجُوا إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ أَصْحَابِهِ بِالْأَسْوَاقِ ، فَأُخْبَرَ(1) هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ خَبَرُ الشَّيْخِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَحَمَلَهُ ، فَلَمْ نَدْرِ(2) مَا صَنَعَ بِهِ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «فبلغ».
2- .في الكافي المطبوع : «فلم يدر».

ص: 406

هديّة:(قال بيده) أي أشار.و«الحنق»: شدّة الغيظ.وشقّ عصا المسلمين كنايةٌ عن إيقاع الاختلاف بينهم.(حتّى انقضى آخرهم) بالنصب، أي حتّى نفد التوبيخ في آخر أهل المجلس، يقول اللَّه عزّ وجلّ في سورة الأعراف وسورة القصص: «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(1).و«الرشف»: المصّ، رشف فلان الماء كنصر وضرب، وترشّفه غيره: سقاه قليلاً قليلاً، وفي المثل : «الرشف أنقع». قال الجوهري: إذا ترشّفت الماء قليلاً قليلاً كان أسكن للعطش.(2)والمراد هنا ماء العلم. وفي بعض النسخ : «ترسّفه» بالسين المهملة من الرسفان، وهو مشي المقيّد.(حنّ إليه): أقبل بوجه الشوق وخضوع القلب.في بعض النسخ : «على البرّيّة» بالتشديدين، يعني البادية، مكان (على البريد) بمعنى الطريق الذي للبريد المسرع، أو المنزل الأوّل للخارج من البلد.(ان لا يخرج) يحتمل المعلوم وخلافه.(ثلاثاً): ثلاث مراحل.وآية: «بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ» في سورة هود.(3)في بعض النسخ : «فبلغ» مكان (فأخبر) على المجهول.(فلم ندر) على المتكلّم مع الغير.وقد أورد السيّد الجليل أبو القاسم عليّ بن موسى الطاووس في كتابه المسمّى بالأمان من أخطار الأسفار والأزمان هذا الحديث نقلاً عن محمّد بن جرير الطبري

.


1- .الأعراف (7): 128؛ القصص (28): 83.
2- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1364 (رشف).
3- .هود (11): 86.

ص: 407

الإمامي من كتابه المسمّى بدلائل الإمامة على وجه مبسوط مشتمل على أكثر ما في الحديث الشامي من أحاديث روضة الكافي.(1)

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ عليه السلام وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي عَامِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَةٍ ؛ عَاشَ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ شَهْرَيْنِ» .

هديّة:(وهو عليه السلام ابن سبع وخمسين سنة) كأبيه وجدّه عليهم السلام، (في عام أربع عشرة ومائة) هجريّة نبويّة من مكّة بإذن اللَّه إلى المدينة.

.


1- .الأمان، ص 72.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و الحميريّ جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».

ص: 408

باب مولد أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد

الباب التاسع عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَّمَدٍ الصَادِق عليه السلام (1)سَنَةَ ثَلَاثٍ وَ ثَمَانِينَ ؛ وَ مَضى عليه السلام فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ لَهُ عليه السلام خَمْسٌ وَ سِتُّونَ سَنَةً ؛ وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ فِي الْقَبْرِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ وَ جَدُّهُ وَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهم السلام ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَ أُمُّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ .

هديّة:(ولد أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام) زمن عبد الملك بن مروان (سنة ثلاث وثمانين) هجريّة. قال في التهذيب بعد ذكره ما يوافق ما في الكافي: وروى في بعض الأخبار أنّهم أُنزلوا على جدّتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف،(2) يعني هو وأبوه وجدّه والحسن بن عليّ عليهم السلام.(واُمّها) في الكافي، يعني اُمّ اُمّ فروة جدّته عليه السلام لاُمّه، كان القاسم بن محمّد تزوّج بابنة عمّه عبد الرّحمن.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «جعفر بن محمّد الصادق».
2- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 78.

ص: 409

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ وُهْبِ بْنِ حَفْصٍ (1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَرِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَ أَبُو خَالِدٍ الْكَابُلِيُّ مِنْ ثِقَاتِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام». ثُمَّ قَالَ : «وَ كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ آمَنَتْ وَ أتْقَنَتْ (2) وَ أَحْسَنَتْ ، وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».قَالَ : «وَ قَالَتْ أُمِّي : قَالَ أَبِي : يَا أُمَّ فَرْوَةَ ، إِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ تَعَالى لِمُذْنِبِي شِيعَتِنَا فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ أَلْفَ مَرَّةٍ ؛ لِأَنَّا نَحْنُ فِيمَا يَنُوبُنَا مِنَ الرَّزَايَا نَصْبِرُ عَلى مَا نَعْلَمُ مِنَ الثَّوَابِ ، وَ هُمْ يَصْبِرُونَ عَلى مَا لَا يَعْلَمُونَ» .

هديّة:في بعض النسخ : «واتّقت» من الاتّقاء، مكان (وأتقنت) من الإتقان بمعنى الإتقان، يعني آمنت بولاية الأئمّة الاثنى عشر ببصيرة الحجّة والبرهان، والتقوى ظاهريّته الورع مِمَّا نهى اللَّه عنه من أعمال الجوارح، وباطنيّته التبرّي من أهل الكفر والضلالة وطواغيتهما كفلان وفلان وفلان، وأشار عليه السلام قبل تزكية اُمّه إلى تزكية جدّه لاُمّه وجدّ اُمّه دفعاً للتوهّم لمكان الأوّل.(قال أبي) يعني أبا جعفر عليه السلام، واتّحد الضميران في «اُمّي» و«أبي».(ينوبنا): يصيبنا. و«الرزيّة»: المصيبة، فعيلة، يهمز ولا يهمز.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(3) عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : وَجَّهَ أَبُو جَعْفَرٍ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبد اللَّه بن أحمد ، عن إبراهيم بن الحسن ، قال : حدّثني وهب بن حفص».
2- .في الكافي المطبوع : «اتّقت».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن سليمان بن سماعة ، عن عبد اللَّه بن القاسم».

ص: 410

الْمَنْصُورُ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ - وَ هُوَ وَالِيهِ عَلَى الْحَرَمَيْنِ : أَنْ أَحْرِقْ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ دَارَهُ ، فَأَلْقَى النَّارَ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِي الدَّارِ(1) وَ الدِّهْلِيزِ ، فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَتَخَطَّى النَّارَ وَ يَمْشِي فِيهَا ، وَ يَقُولُ : «أَنَا ابْنُ أَعْرَاقِ الثَّرى ، أَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ» .

هديّة:«أن أحرق عليه» يعني حين كونه في الدار، ذكر في المجلّد الأوّل من روضة الصفاء أنّ «أعراق الثرى» لقب إسماعيل ذبيح اللَّه، وصرّح مؤلّفه بعدم وقوفه على وجهه.(2) قال برهان الفضلاء:لعلّ وجهه أنّ الماء - وهو المطفي للنار - إنّما جرى في مكّة من زمزم على وجه الأرض مع بُعده عنه جدّاً ببركة قدم ذبيح اللَّه عليه السلام. قال: فالإعراق على الإفعال مصدر بمعنى اسم الفاعل، أي المعرق لعرق الماء هناك، بمعنى كونه سبباً لذلك. قال: و«الثرى» على فعيل أي الأرض الموجود فيها الماء بعد أن لم يكن، مأخوذ من الثرى بالفتح والقصر، أي التراب الندي، ومصدر ثَرِىَ كعلم أيضاً ثَرَى بالفتح والقصر.وقيل: «العرق»: الأصل، والأنبياء والأوصياء عليهم السلام اُصول الأرض، يُقال: فحل معرق على وزن مضمر، أي عريق أصيل نسباً. وقيل: لعلّ وجه لقب الذبيح عليه السلام بأعراق الثرى أنّه سبب وأصل لأئمّتنا عليهم السلام، وهم أركان الأرض والسماء.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْبَرْقِيِّ ،(3) عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ رُفَيْدٍ مَوْلى يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ ، قَالَ : سَخِطَ عَلَيَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ ، وَ حَلَفَ عَلَيَّ لَيَقْتُلُنِي ، فَهَرَبْتُ مِنْهُ ، وَ عُذْتُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَأَعْلَمْتُهُ خَبَرِي ، فَقَالَ لِيَ : «انْصَرِفْ إِلَيْهِ ، وَ أَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ، وَ قُلْ لَهُ : إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ عَلَيْكَ مَوْلَاكَ رُفَيْداً فَلَا تَهِجْهُ بِسُوءٍ».

.


1- .في الكافي المطبوع : «الباب».
2- .لم نعثر عليه.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن البرقيّ».

ص: 411

فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، شَامِيٌّ ، خَبِيثُ الرَّأْيِ ، فَقَالَ : «اذْهَبْ إِلَيْهِ كَمَا أَقُولُ لَكَ». فَأَقْبَلْتُ ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الْبَوَادِي ، اسْتَقْبَلَنِي أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ إِنِّي أَرى وَجْهَ مَقْتُولٍ ، ثُمَّ قَالَ لِي : أَخْرِجْ يَدَكَ ، فَفَعَلْتُ ، فَقَالَ : يَدُ مَقْتُولٍ ؛ ثُمَّ قَالَ لِي : أَبْرِزْ رِجْلَكَ ، فَأَبْرَزْتُ رِجْلِي ، فَقَالَ : رِجْلُ مَقْتُولٍ ؛ ثُمَّ قَالَ لِي ، أَبْرِزْ جَسَدَكَ ، فَفَعَلْتُ ، فَقَالَ : جَسَدُ مَقْتُولٍ ؛ ثُمَّ قَالَ لِي : أَخْرِجْ لِسَانَكَ ، فَفَعَلْتُ ، فَقَالَ لِيَ : امْضِ ؛ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّ فِي لِسَانِكَ رِسَالَةً لَوْ أَتَيْتَ بِهَا الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَ ، لَانْقَادَتْ لَكَ .قَالَ : فَجِئْتُ حَتّى وَقَفْتُ عَلى بَابِ ابْنِ هُبَيْرَةَ ، فَاسْتَأْذَنْتُ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ : أَتَتْكَ بِخَائِنٍ رِجْلَاهُ ؛ يَا غُلَامُ ، النَّطْعَ وَ السَّيْفَ . ثُمَّ أَمَرَ بِي ، فَكُتِّفْتُ ، وَ شُدَّ رَأْسِي ، وَ قَامَ عَلَيَّ السَّيَّافُ لِيَضْرِبَ عُنُقِي .فَقُلْتُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، لَمْ تَظْفَرْ بِي عَنْوَةً ، وَ إِنَّمَا جِئْتُكَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِي ، وَ هَاهُنَا أَمْرٌ أَذْكُرُهُ لَكَ ، ثُمَّ أَنْتَ وَ شَأْنَكَ ، فَقَالَ : قُلْ ، قُلْتُ (1) : أَخْلِنِي ، فَأَمَرَ مَنْ حَضَرَ ، فَخَرَجُوا .فَقُلْتُ لَهُ : جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ لَكَ : «قَدْ أَجَرْتُ عَلَيْكَ مَوْلَاكَ رُفَيْداً فَلَا تَهِجْهُ بِسُوءٍ».فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ(2) ، لَقَدْ قَالَ لَكَ جَعْفَرٌ هذِهِ الْمَقَالَةَ ، وَ أَقْرَأَنِي السَّلَامَ ؟! فَحَلَفْتُ لَهُ ، فَرَدَّهَا عَلَيَّ ثَلَاثاً ، ثُمَّ حَلَّ أَكْتَافِي ، ثُمَّ قَالَ : لَا يُقْنِعُنِي مِنْكَ حَتّى تَفْعَلَ بِي مَا فَعَلْتُ بِكَ ، قُلْتُ : مَا تَنْطَلِقُ يَدِي بِذَاكَ ، وَ لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسِي ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، مَا يُقْنِعُنِي إِلَّا ذَاكَ ، فَفَعَلْتُ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِي ، وَ أَطْلَقْتُهُ ، فَنَاوَلَنِي خَاتَمَهُ ، فَقَالَ (3) : أُمُورِي فِي يَدِكَ ، فَدَبِّرْ فِيهَا مَا شِئْتَ .

هديّة:«أجره» كنصر وضرب: أعاذه في كنفه من أن يظلمه ظالم.(فلا تهجه)، قيل: الظاهر تشديد الجيم، من باب مدّ، مِن الهجيج بمعنى الأجيج، وهو

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقالت».
2- .في الكافي المطبوع : «واللَّه» بدل «اللَّه أكبر».
3- .في الكافي المطبوع : «و قال».

ص: 412

تلهّب النار، أي لا تنهض عليه أو لا تتوقّد عليه بسوء؛ هجّت النار هجيجاً كأجّت أجيجاً.وقال برهان الفضلاء: «فلا تهجه» بصيغة النهي من معتلّ العين اليائي من باب ضرب أو الإفعال، يعني فلا تثره بسوء تعارف بين القافة من الأعراب وغيرهم الحكم من ألوان الأعضاء وهيئاتها وأوضاع العروق وخطوط جلودها بوقائع لصاحبها، وربّما يكتفى بالكفّين في ذلك.وقال برهان الفضلاء: المراد ب «الأعرابي» الخضر أو الياس عليهما السلام، وحكمه بذلك إنّما هو بالتوسّم الخاصّ بالحجج المعصومين عليهم السلام، قال اللَّه تعالى: «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ»(1).و«التوسّم»: التفرّس.و«الرواسي»: الثابتات.(أتتك) خطابٌ بنفس المتكلّم الضارب لهذا المثل.و(النطع) بكسر النون ويفتح، والنصب بتقدير «احضر».«كتفه» كضرب: شدّ يديه إلى خلفه بالكتاف ككتاب، وهو حبل لذلك.(عنوة) بالفتح: قهراً.(وشأنك) نصب، والواو بمعنى «مع» أي أنت مقرون وشأنك، أو رفع، فالواو للعطف، أي أنت وشأنك مقرونان.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «اللَّه» بدون «أكبر»، فنصب بنزع الخافض على القسم الاستعطافي، والتقدير : «أسألك باللَّه» أو رفع على التعجّب، والمعنى: اللَّه أكبر.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَيْبَرِيِّ ،(2) عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ وَمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَ أَبِي سَلَمَةَ

.


1- .الحجر (15): 75.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن الخيبريّ».

ص: 413

السَّرَّاجِ وَ الْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ ، قَالُوا : كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «عِنْدَنَا خَزَائِنُ الْأَرْضِ وَ مَفَاتِيحُهَا ، وَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بِإِحْدى رِجْلَيَّ : أَخْرِجِي مَا فِيكِ مِنَ الذَّهَبِ ، لَأَخْرَجَتْ». قَالَ : ثُمَّ قَالَ بِإِحْدى رِجْلَيْهِ ، فَخَطَّهَا فِي الْأَرْضِ خَطّاً ، فَانْفَجَرَتْ (1) الْأَرْضُ ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ ، فَأَخْرَجَ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ قَدْرَ شِبْرٍ ، ثُمَّ قَالَ : «انْظُرُوا حَسَناً». فَنَظَرْنَا فَإِذَا سَبَائِكِ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا عَلى بَعْضٍ يَتَلَأْلَأُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أُعْطِيتُمْ مَا أُعْطِيتُمْ وَ شِيعَتُكُمْ مُحْتَاجُونَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ سَيَجْمَعُ لَنَا وَ لِشِيعَتِنَا الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ ، وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَ يُدْخِلُ عَدُوَّنَا الْجَحِيمَ» .

هديّة:(أن أقول): أن أضرب، أو أشير، أو آمر ونحو ذلك ممّا يناسب من معاني «قال».(فخطّها): فجّرها.(سيجمع) يعني في الرجعة.

الحديث السادس روى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : كَانَ لِي جَارٌ يَتَّبِعُ السُّلْطَانَ ، فَأَصَابَ مَالًا ، فَأَعَدَّ قِيَاناً ، وَ كَانَ يَجْمَعُ الْجُمُوعَ (3) إِلَيْهِ ، وَ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ ، وَ يُؤْذِينِي ، فَشَكَوْتُهُ إِلى نَفْسِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ ، فَلَمْ يَنْتَهِ ، فَلَمَّا أَنْ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ (4) لِي : يَا هذَا ، أَنَا رَجُلٌ مُبْتَلًى ، وَ أَنْتَ رَجُلٌ مُعَافًى ، فَلَوْ عَرَضْتَنِي لِصَاحِبِكَ ، رَجَوْتُ أَنْ يُنْقِذَنِيَ اللَّهُ رَبُّكَ (5) ، فَوَقَعَ ذلِكَ لَهُ فِي قَلْبِي ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، ذَكَرْتُ لَهُ حَالَهُ ، فَقَالَ لِي : «إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْكُوفَةِ سَيَأْتِيكَ ، فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : دَعْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ ، وَ أَضْمَنُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «فانفرجت».
2- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد».
3- .في الكافي المطبوع : «الجميع».
4- .في الكافي المطبوع : «فقال».
5- .في الكافي المطبوع : «بك».

ص: 414

لَكَ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ».فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الْكُوفَةِ ، أَتَانِي فِيمَنْ أَتى ، فَاحْتَبَسْتُهُ (1) حَتّى خَلَا مَنْزِلِي ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : يَا هذَا ، إِنِّي ذَكَرْتُكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(2)عليهما السلام ، فَقَالَ لِي : «إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْكُوفَةِ سَيَأْتِيكَ ، فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : دَعْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ ، وَ أَضْمَنُ لَكَ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ».قَالَ : فَبَكى ، ثُمَّ قَالَ (3) : اللَّهَ ، لَقَدْ قَالَ لَكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام هذَا ؟! قَالَ : فَحَلَفْتُ لَهُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ لِي مَا قُلْتُ ، فَقَالَ لِي : حَسْبُكَ ، وَ مَضى ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَعَثَ إِلَيَّ ، فَدَعَانِي وَ إِذَا هُوَ خَلْفَ دَارِهِ عُرْيَانٌ ، فَقَالَ لِي : يَا أَبَا بَصِيرٍ ، لَا وَ اللَّهِ ، مَا بَقِيَ فِي مَنْزِلِي شَيْ ءٌ إِلَّا وَ قَدْ أَخْرَجْتُهُ ، وَ أَنَا كَمَا تَرى .قَالَ : فَمَضَيْتُ إِلى إِخْوَانِنَا ، فَجَمَعْتُ لَهُ مَا كَسَوْتُهُ بِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ إِلَّا(4) أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ حَتّى بَعَثَ إِلَيَّ : أَنِّي عَلِيلٌ فَأْتِنِي ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَ أُعَالِجُهُ حَتّى نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ غَشْيَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ (5) : يَا أَبَا بَصِيرٍ ، قَدْ وَفى صَاحِبُكَ لَنَا ، ثُمَّ قُبِضَ رَحِمَهُ اللَّهُ 6 .فَلَمَّا حَجَجْتُ ، أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ ، قَالَ لِيَ ابْتِدَاءً مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ - وَ إِحْدى رِجْلَيَّ فِي الصَّحْنِ ، وَ الْأُخْرى فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ - : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، قَدْ وَفَيْنَا لِصَاحِبِكَ» .

هديّة:«القينة»: الأمَة المغنّية، وقال في الصحاح: «القينة» بفتح القاف وسكون الخاتمة وفتح النون: الأمَة، مغنّية كانت أو غير مغنّية، والجمع: «قيان» كرجال. وقال أبو عمرو: كلّ عبد

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عندي».
2- .في الكافي المطبوع : + «الصادق».
3- .في الكافي المطبوع : + «لي».
4- .في الكافي المطبوع : «لم تأت عليه» بدل «لم يأت عليه إلّا».
5- .في الكافي المطبوع : «رحمة اللَّه عليه» بدل «رحمه اللَّه».

ص: 415

هو عند العرب قين، والأمَة قينة.(1)و«الجمع» يجمع على «جموع»، والمراد كثرتهنّ، وفي بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «الجميع» مكان (الجموع).(معافاً) أي عن بلاء تسلّط الشيطان أو الخذلان بالعصيان.في بعض النسخ «بك» مكان لفظة (ربّك).(خلا منزلي) كغزا.(اللَّه) نصب بنزع الخافض على القسم الاستعطافي، أي أسألك باللَّه، كما مرّ آنفاً.«حلف له» كضرب.(حسبك) أي هذا الثواب.(يجود بنفسه): يعطي روحه. (فغشى عليه) على ما لم يسمّ فاعله، (غشية) بالفتح.في بعض النسخ : «رحمة اللَّه عليه» مكان (رحمه اللَّه).

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ،(2) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، قَالَ : قَالَ لِي : تَدْرِي (3)مَا كَانَ سَبَبُ دُخُولِنَا فِي هذَا الْأَمْرِ وَ مَعْرِفَتِنَا بِهِ ، وَ مَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْهُ ذِكْرٌ وَ لَا مَعْرِفَةُ شَيْ ءٍ مِمَّا عِنْدَ النَّاسِ ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ - يَعْنِي أَبَا الدَّوَانِيقِ - قَالَ لِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ : يَا مُحَمَّدُ ، ابْغِ لِي رَجُلًا لَهُ عَقْلٌ يُؤَدِّي عَنِّي ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : قَدْ أَصَبْتُهُ لَكَ ، هذَا فُلَانُ بْنُ مُهَاجِرٍ خَالِي ، قَالَ : فَأْتِنِي بِهِ ، قَالَ : فَأَتَيْتُهُ بِخَالِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ : يَا ابْنَ مُهَاجِرٍ ، خُذْ هذَا الْمَالَ ، وَ أْتِ الْمَدِينَةَ ، وَ أْتِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ وَ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِيهِمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ لَهُمْ : إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ ، وَ بِهَا شِيعَةٌ مِنْ شِيعَتِكُمْ ، وَجَّهُوا إِلَيْكُمْ بِهذَا الْمَالِ ، وَ ادْفَعْ إِلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلى شَرْطِ كَذَا وَ كَذَا ، فَإِذَا

.


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2186 (قين).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى».
3- .في الكافي المطبوع : «أ تدري».

ص: 416

قَبَضُوا الْمَالَ ، فَقُلْ : إِنِّي رَسُولٌ ، وَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعِي خُطُوطُكُمْ بِقَبْضِكُمْ مَا قَبَضْتُمْ .فَأَخَذَ الْمَالَ وَ أَتَى الْمَدِينَةَ ، فَرَجَعَ إِلى أَبِي الدَّوَانِيقِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّوَانِيقِ : مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ : أَتَيْتُ الْقَوْمَ وَ هذِهِ خُطُوطُهُمْ بِقَبْضِهِمُ الْمَالَ خَلَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ؛ فَإِنِّي أَتَيْتُهُ - وَ هُوَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله - فَجَلَسْتُ خَلْفَهُ ، وَ قُلْتُ : يَنْصَرِفُ (1) ، فَأَذْكُرَ لَهُ مَا ذَكَرْتُ لِأَصْحَابِهِ ، فَعَجَّلَ وَ انْصَرَفَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «يَا هذَا ، اتَّقِ اللَّهَ ، وَ لَا تَغُرَّ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؛ فَإِنَّهُمْ قَرِيبُو الْعَهْدِ مِنْ دَوْلَةِ(2) بَنِي مَرْوَانَ وَ كُلُّهُمْ مُحْتَاجٌ». فَقُلْتُ : وَ مَا ذَاكَ ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ ؟ قَالَ : فَأَدْنى رَأْسَهُ مِنِّي ، وَ أَخْبَرَنِي بِجَمِيعِ مَا جَرى بَيْنِي وَ بَيْنَكَ حَتّى كَأَنَّهُ كَانَ ثَالِثَنَا .قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ : يَا ابْنَ مُهَاجِرٍ ، اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ إِلَّا وَ فِيهِ مُحَدَّثٌ ، وَ إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ مُحَدَّثُنَا الْيَوْمَ ، فَكَانَتْ (3) هذِهِ الدَّلَالَةُ سَبَبَ قَوْلِنَا بِهذِهِ الْمَقَالَةِ .

هديّة:(يعني أبا الدوانيق) كلام صفوان.و(فلان) بناء على نسيان صفوان الاسم.(وعدّة من أهل بيته) كلام جعفر بن محمّد بن الأشعث، بياناً لكلام المنصور على الاختصار.(ولا تغرّ) من الغرور، غرّه كمدّ: خدعه.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (4) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُبِضَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «حتى ينصرف».
2- .في الكافي المطبوع : «بدولة» بدل «من دولة».
3- .في الكافي المطبوع : «وكانت».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».

ص: 417

مُحَمَّدٍ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً فِي عَامِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ عَاشَ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً .

هديّة:(في عام ثمان وأربعين ومائة) هجريّة، (عاش) عليه السلام كذا، يعني مدّة إمامته كذا.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ،(1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «أَنَا كَفَّنْتُ أَبِي عليه السلام فِي ثَوْبَيْنِ شَطَوِيَّيْنِ كَانَ يُحْرِمُ فِيهِمَا ، وَ فِي قَمِيصٍ مِنْ قُمُصِهِ ، وَ فِي عِمَامَةٍ كَانَتْ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، وَ فِي بُرْدٍ اشْتَرَاهُ بِأَرْبَعِينَ دِينَاراً» .

هديّة:«شطوى» بفتحتين: نسبة إلى «شطا» بفتح المعجمة وتخفيف الطاء بلا نقطة والقصر ، قرية من قرى مصر.ويجي ء هذا الحديث في كتاب الجنائز إن شاء اللَّه تعالى، وهناك هكذا : «اشتريته بأربعين ديناراً لو كان اليوم يساوي أربعمائة دينار»(2).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه ، عن أبي جعفر محمّد بن عمر بن سعيد ، عن يونس بن يعقوب».
2- .الكافي ، ج 3 ، ص 149 ، باب ما يستحب من الثياب للكفن و ما يكره ، ح 8 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 5 ، ص 394 ، ح 4368.

ص: 418

باب مولد أبي الحسن موسى

الباب العشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ عشرة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام بِالْأَبْوَاءِ سَنَةَ ثَمَانٍ (1) - وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : تِسْعٍ - وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام بِبَغْدَادَ فِي حَبْسِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ لَعنه اللَّه .وَ كَانَ هَارُونُ حَمَلَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَ سَبْعِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ قَدْ قَدِمَ هَارُونُ الْمَدِينَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ عُمْرَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، ثُمَّ شَخَصَ هَارُونُ إِلَى الْحَجِّ وَ حَمَلَهُ مَعَهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ ، فَحَبَسَهُ عِنْدَ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، ثُمَّ أَشْخَصَهُ إِلى بَغْدَادَ ، فَحَبَسَهُ عِنْدَ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ ، فَتُوُفِّيَ عليه السلام فِي حَبْسِهِ ، وَ دُفِنَ بِبَغْدَادَ فِي مَقْبَرَةِ قُرَيْشٍ ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : حَمِيدَةُ .

هديّة:(ولد أبو الحسن الأوّل موسى) بن جعفر عليهما السلام زمن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك،

.


1- .في الكافي المطبوع : + «و عشرين و مائة».

ص: 419

قال الشيخ رحمة اللَّه عليه:كنيته أبو الحسن، ويكنّى أبا إبراهيم، ويكنّى أيضاً أبا عليّ، وُلِد بالابواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة، وقُبِض عليه السلام قتيلاً بالسمّ ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك لستّ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة، وكان سنّه يومئذٍ خمساً وخمسين سنة، واُمّه اُمّ ولد يُقال لها: حميدة البربريّة، وقبره ببغداد من مدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش، انتهى.(1)و(الأبواء) بفتح الهمزة وسكون المفردة والواو قبل المدّ: قرية بين الحرمين.(شخصَ) من بلد إلى بلد شخوصاً كمنع، وأشخصه غيره.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ (2) ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَخَلَ ابْنُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَائِماً عِنْدَهُ - فَقَدَّمَ إِلَيْهِ عِنَباً ، فَقَالَ : «حَبَّةً حَبَّةً يَأْكُلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ أَوِ(3) الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ ، وَ ثَلَاثَةً وَ أَرْبَعَةً يَأْكُلُهُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَشْبَعُ ، وَ كُلْهُ حَبَّتَيْنِ حَبَّتَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ».فَقَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : لِأَيِّ شَيْ ءٍ لَا تُزَوِّجُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَدْ أَدْرَكَ التَّزْوِيجَ ؟ قَالَ : وَ بَيْنَ يَدَيْهِ صُرَّةٌ مَخْتُومَةٌ ، فَقَالَ : «أَمَا إِنَّهُ سَيَجِي ءُ نَخَّاسٌ مِنْ أَهْلِ بَرْبَرَ ، فَيَنْزِلُ دَارَ مَيْمُونٍ ، فَنَشْتَرِي لَهُ بِهذِهِ الصُّرَّةِ جَارِيَةً».قَالَ : فَأَتى لِذلِكَ مَا أَتى ، فَدَخَلْنَا يَوْماً عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «أَ لَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّخَّاسِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَكُمْ قَدْ قَدِمَ ، فَاذْهَبُوا ، فَاشْتَرُوا بِهذِهِ الصُّرَّةِ مِنْهُ جَارِيَةً».قَالَ : فَأَتَيْنَا النَّخَّاسَ ، فَقَالَ : قَدْ بِعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي إِلَّا جَارِيَتَيْنِ مَرِيضَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَمْثَلُ مِنَ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 81.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن السنديّ القمّي ، قال : حدّثنا عيسى بن عبد الرحمن».
3- .في الكافي المطبوع : «و».

ص: 420

الْأُخْرى ، قُلْنَا : فَأَخْرِجْهُمَا حَتّى نَنْظُرَ إِلَيْهِمَا ، فَأَخْرَجَهُمَا ، فَقُلْنَا : بِكَمْ تَبِيعُنَا هذِهِ الْمُتَمَاثِلَةَ ؟ قَالَ : بِسَبْعِينَ دِينَاراً ، قُلْنَا : أَحْسِنْ ، قَالَ : لَا أَنْقُصُ مِنْ سَبْعِينَ دِينَاراً ، قُلْنَا لَهُ : نَشْتَرِيهَا مِنْكَ بِهذِهِ الصُّرَّةِ مَا بَلَغَتْ ، وَ لَا نَدْرِي مَا فِيهَا ، وَ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَ اللِّحْيَةِ ، قَالَ : فُكُّوا ، وَ زِنُوا ، فَقَالَ النَّخَّاسُ : لَا تَفُكُّوا ؛ فَإِنَّهَا إِنْ نَقَصَتْ حَبَّةً مِنْ سَبْعِينَ دِينَاراً ، لَمْ أُبَايِعْكُمْ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : ادْنُوا ، فَدَنَوْنَا ، وَ فَكَكْنَا الْخَاتَمَ ، وَ وَزَنَّا الدَّنَانِيرَ ، فَإِذَا هِيَ سَبْعُونَ دِينَاراً لَا يَزِيدُ وَ لَا يَنْقُصُ (1) .فَأَخَذْنَا الْجَارِيَةَ ، فَأَدْخَلْنَاهَا عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ جَعْفَرٌ عليه السلام قَائِمٌ عِنْدَهُ - فَأَخْبَرْنَا أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام بِمَا كَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : «مَا اسْمُكِ ؟» قَالَتْ : حَمِيدَةُ ، فَقَالَ عليه السلام : «حَمِيدَةٌ فِي الدُّنْيَا ، مَحْمُودَةٌ فِي الْآخِرَةِ ، أَخْبِرِينِي عَنْكِ : أَ بِكْرٌ أَنْتِ أَمْ ثَيِّبٌ ؟» فَقَالَتْ (2) : بِكْرٌ ، قَالَ : «وَ كَيْفَ وَ لَا يَقَعُ فِي أَيْدِي النَّخَّاسِينَ شَيْ ءٌ إِلَّا أَفْسَدُوهُ؟!» فَقَالَتْ : قَدْ كَانَتْ (3)يَجِيئُنِي ، فَيَقْعُدُ مِنِّي مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ ، فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ رَجُلًا أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَ اللِّحْيَةِ ، فَلَا يَزَالُ يَلْطِمُهُ حَتّى يَقُومَ عَنِّي ، فَفَعَلَ بِي مِرَاراً ، وَ فَعَلَ الشَّيْخُ بِهِ مِرَاراً ، فَقَالَ : «يَا جَعْفَرُ ، خُذْهَا إِلَيْكَ». فَوَلَدَتْ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام .

هديّة:(عكّاشة) بالضمّ والتشديد كرمّانة: بيت العنكبوت تُسّمى به العرب؛ قاله الجوهري ،(4)وقال ثعلب: «عكّاشة» بالضمّ والتشديد ابن محصن الأسدي بالصّاد المهملة على اسم الفاعل من الصحابة وقد يخفّف.(5)«أو» في (أو الصبيّ) بمعنى «وكذا».

.


1- .في الكافي المطبوع : «لا تزيد و لا تنقص» بدل «لا يزيد و لا ينقص».
2- .في الكافي المطبوع : «قالت».
3- .في الكافي المطبوع : «كان».
4- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1012 (عكش).
5- .نفس المصدر.

ص: 421

و«النخّاس»: بيّاع الرقيق والدوابّ.(أمثل): أمجد وأحسن، و«المتماثل» على اسم الفاعل من التفاعل، مبالغة في الأمثل، ويُقال للمريض الذي قربت صحّته «متماثل» أيضاً.(أحسن) على الأمر من الإفعال، يعني بالمحاباة في بعض الثمن. واحتمل برهان الفضلاء «أحسن» على أفعل التفضيل، فنصب بتقدير محذوف، أي قل أحسن ممّا قلت. والمآل واحد، والأوّل أعرف.و(الشيخ) إمّا ملك متمثّل بدليل الخبر التالي، أو من الجنّ موكّلاً لها على النخاس.و(حميدة) على فعيل بمعنى الفاعل، لا بمعنى المفعول إذ لا تدخل علامة التأنيث على فعيل بمعنى المفعول، ولذا قال عليه السلام: (حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ (1) : أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : «إنَ (2) حَمِيدَةَ مُصَفَّاةٌ مِنَ الْأَدْنَاسِ كَسَبِيكَةِ الذَّهَبِ ، مَا زَالَتِ الْأَمْلَاكُ تَحْرُسُهَا حَتّى أُدِّيَتْ إِلَيَّ ؛ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لِي وَ الْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:«الملك» يجمع على أملاك وملائك وملائكة. حرسه كضرب.في بعض النسخ: «وللحجّة بعدي» بإعادة اللام في المعطوف، وحذف كلمة «من».

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْقُمِّيِّ ،(3) عَنْ أَبِي خَالِدٍ الزُّبَالِيِّ ، قَالَ : لَمَّا أُقْدِمَ بِأَبِي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبد اللَّه بن أحمد ، عن عليّ بن الحسين ، عن ابن سنان ، عن سابق بن الوليد ، عن المعلّى بن خنيس».
2- .في الكافي المطبوع : - «إنّ».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن أبي قتادة القمّي».

ص: 422

الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام عَلَى الْمَهْدِيِّ - الْقُدْمَةَ الْأُولى - أَنْزَلَ بِزُبَالَةَ(1) ، فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُ ، فَرَآنِي مَغْمُوماً ، فَقَالَ لِي : «يَا بَا خَالِدٍ(2) ، مَا لِي أَرَاكَ مَغْمُوماً ؟» فَقُلْتُ : وَ كَيْفَ لَا أَغْتَمُّ وَ أَنْتَ تُحْمَلُ إِلى هذِهِ الطَّاغِيَةِ ، وَ لَا أَدْرِي مَا يُحْدِثُ فِيكَ ؟!فَقَالَ : «لَيْسَ عَلَيَّ بَأْسٌ ، إِذَا كَانَ شَهْرُ كَذَا(3) وَ يَوْمُ كَذَا ، فَوَافِنِي فِي أَوَّلِ الْمِيلِ».فَمَا كَانَ لِي هَمٌّ إِلَّا إِحْصَاءَ الشُّهُورِ(4)وَ الْأَيَّامِ حَتّى كَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ ، فَوَافَيْتُ الْمِيلَ ، فَمَا زِلْتُ عِنْدَهُ حَتّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ ، وَ وَسْوَسَ الشَّيْطَانُ فِي صَدْرِي ، وَ تَخَوَّفْتُ أَنْ أَشُكَّ فِيمَا قَالَ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ إِذْ نَظَرْتُ إِلى سَوَادٍ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ ، فَاسْتَقْبَلْتُهُمْ ، فَإِذَا أَبُوالْحَسَنِ عليه السلام أَمَامَ الْقِطَارِ عَلى بَغْلَةٍ ، فَقَالَ : «إِيهَنْ (5) يَا أَبَا خَالِدٍ». قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ : «لَا تَشُكَّنَّ ، وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّكَ شَكَكْتَ». فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَّصَكَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ : «إِنَّ لِي إِلَيْهِمْ عَوْدَةً لَا أَتَخَلَّصُ مِنْهُمْ» .

هديّة:(أُقدم) على ما لم يسمّ فاعله من الإقدام، فتعديته ب «على» على تضمين معنى الورود، والباء للتعدية، و(القدمة) بضمّ القاف، اسم من الإقدام، ونصب على أنّه مفعول مطلق.و«زبالة» بالضمّ والتخفيف اسم موضع؛ قاله الجوهري.(6) وقال في القاموس: «زبالة» كسحابة.(7) وعليه ضبط برهان الفضلاء، وقال: هو موضع في مبادي المدينة من جانب الشام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «نزل زبالة» بدل «أنزل بزبالة».
2- .في الكافي المطبوع : «أبا خالد».
3- .في الكافي المطبوع : + «كذا».
4- .هكذا في الكافي المطبوع ، وهو الصحيح ، وفي «الف» و «د» : - : «الشهور».
5- .في الكافي المطبوع : «إيهٍ».
6- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1715 (زبل).
7- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 388 (زبل).

ص: 423

والتاء في (الطاغية) للمبالغة. وقيل: (الميل) بالكسر: تلّ على طريق بغداد بينه وبين زبالة ميل، أي ثلث فرسخ، وقيل: أعلمت الطرق في زمن بني اُميّة كلّ ميل بعلامة، فالمراد بأوّل الميل الميل الأوّل.قال بعض المعاصرين: «إيه» بكسر الهمزة وفتحها وتنوين الهاء المكسورة وربّما يكتب بالنون - كما في أكثر نسخ الكتاب - كلمة استزادة واستنطاق.(1)وقرئ : «أنّه» يعني أنّ هذا المكان هو المكان الموعود، وقيل: أي بالكسر والهاء الساكنة للسكت، يعني نعم أنا.وقال برهان الفضلاء: «أيهن» بفتح الهمزة وسكون المفردة وفتح الهاء، نصب على الحال من ضمير «قال»، أفعل التفضيل للباهن، بمعنى مَنْ وجْهُه ناضر، وحاله طيّبة.أقول: ولا يبعد أن يكون «إي» بالكسر، و«هن» مخفّف «ها أنا» يعني نعم ها أنا كما وعدتك.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ،(2) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ (3) إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ - وَ نَحْنُ مَعَهُ بِالْعُرَيْضِ - فَقَالَ لَهُ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي أَتَيْتُكَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ ، وَ سَفَرٍ شَاقٍّ ، وَ سَأَلْتُ رَبِّي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنْ يُرْشِدَنِي إِلى خَيْرِ الْأَدْيَانِ ، وَ إِلى خَيْرِ الْعِبَادِ وَ أَعْلَمِهِمْ ، وَ أَتَانِي آتٍ فِي النَّوْمِ ، فَوَصَفَ لِي رَجُلًا بِعُلْيَا دِمَشْقَ ، فَانْطَلَقْتُ حَتّى أَتَيْتُهُ ، فَكَلَّمْتُهُ ، فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ أَهْلِ دِينِي ، وَ غَيْرِي أَعْلَمُ مِنِّي ، فَقُلْتُ : أَرْشِدْنِي إِلى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ؛ فَإِنِّي لَا أَسْتَعْظِمُ السَّفَرَ ، وَ لَا تَبْعُدُ عَلَيَّ الشُّقَّةُ ، وَ لَقَدْ قَرَأْتُ الْإِنْجِيلَ كُلَّهَا وَ مَزَامِيرَ دَاوُدَ ، وَ قَرَأْتُ أَرْبَعَةَ أَسْفَارٍ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَ قَرَأْتُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ حَتَّى

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 799 ، ذيل ح 1413.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران و عليّ بن إبراهيم جميعاً ، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن راشد».
3- .هكذا في الكافي المطبوع ، وفي «الف» و «د» : - «بن».

ص: 424

اسْتَوْعَبْتُهُ كُلَّهُ ، فَقَالَ لِيَ الْعَالِمُ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ النَّصْرَانِيَّةِ ، فَأَنَا أَعْلَمُ الْعَرَبِ وَ الْعَجَمِ بِهَا ، وَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ الْيَهُودِ ، فَبَاطِىُ بْنُ شُرَحْبِيلَ السَّامِرِيُّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا الْيَوْمَ ، وَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ الْإِسْلَامِ وَ عِلْمَ التَّوْرَاةِ وَ عِلْمَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ وَ كِتَابَ هُودٍ ، وَ كُلَّ مَا أُنْزِلَ عَلى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي دَهْرِكَ وَ دَهْرِ غَيْرِكَ ، وَ مَا نَزَلَ (1) مِنَ السَّمَاءِ مِنْ خَبَرٍ - يَعْلَمُهُ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ (2) أَحَدٌ - فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ شِفَاءٌ لِلْعَالَمِينَ ، وَ رَوْحٌ لِمَنِ اسْتَرْوَحَ إِلَيْهِ ، وَ بَصِيرَةٌ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْراً ، وَ أَنِسَ إِلَى الْحَقِّ فَأُرْشِدُكَ إِلَيْهِ ، فَأْتِهِ وَ لَوْ مَشْياً عَلى رِجْلَيْكَ ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَجُثُوّاً(3)عَلى رُكْبَتَيْكَ ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَزَحْفاً عَلَى اسْتِكَ ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَعَلى وَجْهِكَ .فَقُلْتُ : لَا ، بَلْ أَنَا أَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ فِي الْبَدَنِ وَ الْمَالِ ، قَالَ : فَانْطَلِقْ مِنْ فَوْرِكَ حَتّى تَأْتِيَ يَثْرِبَ ، فَقُلْتُ : لَا أَعْرِفُ يَثْرِبَ ، قَالَ : فَانْطَلِقْ حَتّى تَأْتِيَ مَدِينَةَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي بُعِثَ فِي الْعَرَبِ وَ هُوَ النَّبِيُّ الْعَرَبِيُّ الْهَاشِمِيُّ - فَإِذَا دَخَلْتَهَا ، فَسَلْ (4)عَنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَ هُوَ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهَا ، وَ أَظْهِرْ بِزَّةَ النَّصْرَانِيَّةِ وَ حِلْيَتَهَا ؛ فَإِنَّ وَالِيَهَا يَتَشَدَّدُ عَلَيْهِمْ ، وَ الْخَلِيفَةُ أَشَدُّ ، ثُمَّ تَسْأَلُ عَنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ وَ هُوَ بِبَقِيعِ الزُّبَيْرِ ، ثُمَّ تَسْأَلُ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ أَيْنَ مَنْزِلُهُ ؟ وَ أَيْنَ هُوَ ؟ مُسَافِرٌ أَمْ حَاضِرٌ ؟ فَإِنْ كَانَ مُسَافِراً فَالْحَقْهُ ؛ فَإِنَّ سَفَرَهُ أَقْرَبُ مِمَّا ضَرَبْتَ إِلَيْهِ .ثُمَّ أَعْلِمْهُ أَنَّ مَطْرَانَ عُلْيَا الْغُوطَةِ - غُوطَةِ دِمَشْقَ - هُوَ الَّذِي أَرْشَدَنِي إِلَيْكَ ، وَ هُوَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ كَثِيراً ، وَ يَقُولُ لَكَ : إِنِّي لَأُكْثِرُ مُنَاجَاةَ رَبِّي أَنْ يَجْعَلَ إِسْلَامِي عَلى يَدَيْكَ .فَقَصَّ هذِهِ الْقِصَّةَ وَ هُوَ قَائِمٌ مُعْتَمِدٌ عَلى عَصَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنْ أَذِنْتَ لِي يَا سَيِّدِي كَفَّرْتُ لَكَ وَ جَلَسْتُ .فَقَالَ أبو الحسن (5) عليه السلام : «آذَنُ لَكَ أَنْ تَجْلِسَ ، وَ لَا آذَنُ لَكَ أَنْ تُكَفِّرَ».

.


1- .في الكافي المطبوع : «أنزل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «فعلمه أحمد أو لم يعلم به» بدل «يعلمه أحد أو لم يعلمه».
3- .في الكافي المطبوع : «فحبواً».
4- .هكذا في الكافي المطبوع ، وفي «الف» و «د» : - «فسل».
5- .في الكافي المطبوع: - «أبو الحسن عليه السلام».

ص: 425

فَجَلَسَ ، ثُمَّ أَلْقى عَنْهُ بُرْنُسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، تَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، مَا جِئْتَ إِلَّا لَهُ».فَقَالَ (1) النَّصْرَانِيُّ : ارْدُدْ عَلى صَاحِبِي السَّلَامَ ، أَ وَ مَا تَرُدُّ السَّلَامَ ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «عَلى صَاحِبِكَ أَنْ هَدَاهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا التَّسْلِيمُ ، فَذَاكَ إِذَا صَارَ فِي دِينِنَا».فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي أَسْأَلُكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ ؟ قَالَ : «سَلْ» . قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ نَطَقَ بِهِ ؛ ثُمَّ وَصَفَهُ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ ، فَقَالَ : «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» مَا تَفْسِيرُهَا فِي الْبَاطِنِ ؟فَقَالَ : «أَمَّا «حم» فَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ فِي كِتَابِ هُودٍ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِ (2) وَ هُوَ مَنْقُوصُ الْحُرُوفِ . وَ أَمَّا «الْكِتابِ الْمُبِينِ» فَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عليه السلام . وَ أَمَّا اللَّيْلَةُ ، فَفَاطِمَةُ عليها السلام . وَ أَمَّا قَوْلُهُ : «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يَقُولُ : يَخْرُجُ مِنْهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ ، فَرَجُلٌ حَكِيمٌ ، وَ رَجُلٌ حَكِيمٌ ، وَ رَجُلٌ حَكِيمٌ».فَقَالَ الرَّجُلُ : صِفْ لِيَ الْأَوَّلَ وَ الْآخِرَ مِنْ هؤُلَاءِ الرِّجَالِ ، فَقَالَ : «إِنَّ الصِّفَاتِ تَشْتَبِهُ ، وَ لكِنَّ الثَّالِثَ مِنَ الْقَوْمِ أَصِفُ لَكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَسْلِهِ ، وَ إِنَّهُ عِنْدَكُمْ لَفِي الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ تُغَيِّرُوا وَ تُحَرِّفُوا وَ تُكَفِّرُوا وَ قَدِيماً مَا فَعَلْتُمْ» .قَالَ لَهُ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي لَا أَسْتُرُ عَنْكَ مَا عَلِمْتُ ، وَ لَا أُكْذِبُكَ ، وَ أَنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ فِي صِدْقِ مَا أَقُولُ وَ كَذِبِهِ ، وَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَ قَسَمَ عَلَيْكَ مِنْ نِعَمِهِ مَا لَا يَخْطُرُهُ الْخَاطِرُونَ ، وَ لَا يَسْتُرُهُ السَّاتِرُونَ ، وَ لَا يُكَذَبُ فِيهِ مَنْ كَذَبَ ، فَقَوْلِي لَكَ فِي ذلِكَ الْحَقُّ ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْتُ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْتُ .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «أُعَجِّلُكَ أَيْضاً خَبَراً لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ ، أَخْبِرْنِي مَا

.


1- .في الكافي المطبوع : + «له».
2- .في الكافي المطبوع : «عليه».

ص: 426

اسْمُ أُمِّ مَرْيَمَ ؟ وَ أَيُّ يَوْمٍ نُفِخَتْ فِيهِ مَرْيَمُ ؟ وَ لِكَمْ مِنْ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ ؟ وَ أَيُّ يَوْمٍ وَضَعَتْ مَرْيَمُ فِيهِ عِيسى عليه السلام ؟ وَ لِكَمْ مِنْ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ ؟» .فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : لَا أَدْرِي .فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «أَمَّا أُمُّ مَرْيَمَ ، فَاسْمُهَا مَرْثَا ، وَ هِيَ وَهِيبَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ .وَ أَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي حَمَلَتْ فِيهِ مَرْيَمُ ، فَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِلزَّوَالِ ، وَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي هَبَطَ فِيهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، وَ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ كَانَ أَوْلى مِنْهُ ، عَظَّمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى، وَ عَظَّمَهُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله ، فَأَمَرَ أَنْ نَجْعَلَهُ (1) عِيداً ، فَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ .وَ أَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْ فِيهِ مَرْيَمُ ، فَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثَاءِ لِأَرْبَعِ سَاعَاتٍ وَ نِصْفٍ مِنَ النَّهَارِ .وَ النَّهَرُ الَّذِي وَلَدَتْ عَلَيْهِ مَرْيَمُ عِيسى عليهما السلام هَلْ تَعْرِفُهُ ؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «هُوَ الْفُرَاتُ ، وَ عَلَيْهِ شَجَرُ النَّخْلِ وَ الْكَرْمِ ، وَ لَيْسَ يُسَاوى بِالْفُرَاتِ شَيْ ءٌ لِلْكُرُومِ وَ النَّخِيلِ .فَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي حَجَبَتْ فِيهِ لِسَانَهَا ، وَ نَادى قَيْدُوسُ وُلْدَهُ وَ أَشْيَاعَهُ ، فَأَعَانُوهُ وَ أَخْرَجُوا آلَ عِمْرَانَ لِيَنْظُرُوا إِلى مَرْيَمَ ، فَقَالُوا لَهَا مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِهِ ، وَ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ ، فَهَلْ فَهِمْتَهُ ؟» قَالَ : نَعَمْ ، وَ قَرَأْتُهُ الْيَوْمَ الْأَحْدَثَ ، قَالَ : «إِذَنْ لَا تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِكَ حَتّى يَهْدِيَكَ اللَّهُ».قَالَ النَّصْرَانِيُّ : مَا كَانَ اسْمُ أُمِّي بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَ بِالْعَرَبِيَّةِ؟فَقَالَ عليه السلام : «كَانَ اسْمُ أُمِّكَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ عَنْفَالِيَةَ(2) ، وَ عَنْفُورَةُ(3) كَانَ اسْمُ جَدَّتِكَ لِأَبِيكَ ؛ وَ أَمَّا اسْمُ أُمِّكَ بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَهُوَ مَيَّةُ ؛ وَ أَمَّا اسْمُ أَبِيكَ ، فَعَبْدُ الْمَسِيحِ ، وَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَ لَيْسَ لِلْمَسِيحِ عَبْدٌ».قَالَ : صَدَقْتَ وَ بَرِرْتَ ، فَمَا كَانَ اسْمُ جَدِّي ؟ قَالَ عليه السلام : «كَانَ اسْمُ جَدِّكَ جَبْرَئِيلَ ، وَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمنِ سَمَّيْتُهُ فِي مَجْلِسِي هذَا».

.


1- .في الكافي المطبوع : «يجعله».
2- .في الكافي المطبوع : «عنقالية» بالقاف.
3- .في الكافي المطبوع : «عنقورة» بالقاف.

ص: 427

قَالَ : أَمَا إِنَّهُ كَانَ مُسْلِماً ؟ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «نَعَمْ ، وَ قُتِلَ شَهِيداً ، دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَجْنَادٌ ، فَقَتَلُوهُ فِي مَنْزِلِهِ غِيلَةً ، وَ الْأَجْنَادُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ».قَالَ : فَمَا كَانَ اسْمِي قَبْلَ كُنْيَتِي ؟ قَالَ : «كَانَ اسْمُكَ عَبْدَ الصَّلِيبِ». قَالَ : فَبِمَا(1)تُسَمِّينِي ؟ قَالَ : «أُسَمِّيكَ عَبْدَ اللَّهِ».قَالَ : فَإِنِّي آمَنْتُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَرْداً صَمَداً ، لَيْسَ كَمَا تَصِفُهُ النَّصَارى ، وَ لَيْسَ كَمَا تَصِفُهُ الْيَهُودُ ، وَ لَا جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الشِّرْكِ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ ، فَأَبَانَ بِهِ لِأَهْلِهِ ، وَ عَمِيَ الْمُبْطِلُونَ ، وَ أَنَّهُ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً : إِلَى الْأَحْمَرِ وَ الْأَسْوَدِ ، كُلٌّ فِيهِ مُشْتَرِكٌ ، فَأَبْصَرَ مَنْ أَبْصَرَ ، وَ اهْتَدى مَنِ اهْتَدى ، وَ عَمِيَ الْمُبْطِلُونَ ، وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ وَلِيَّهُ نَطَقَ بِحِكْمَتِهِ ، وَ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَطَقُوا بِالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ ، وَ تَوَازَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ ، وَ فَارَقُوا الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ وَ الرِّجْسَ وَ أَهْلَهُ ، وَ هَجَرُوا سَبِيلَ الضَّلَالَةِ ، وَ نَصَرَهُمُ اللَّهُ بِالطَّاعَةِ لَهُ ، وَ عَصَمَهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ ، فَهُمْ لِلَّهِ أَوْلِيَاءُ ، وَ لِلدِّينِ أَنْصَارٌ ، يَحُثُّونَ عَلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِهِ ، آمَنْتُ بِالصَّغِيرِ مِنْهُمْ وَ الْكَبِيرِ ، وَ مَنْ ذَكَرْتُ مِنْهُمْ وَ مَنْ لَمْ أَذْكُرْ ، وَ آمَنْتُ بِاللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - رَبِّ الْعَالَمِينَ .ثُمَّ قَطَعَ زُنَّارَهُ ، وَ قَطَعَ صَلِيباً كَانَ فِي عُنُقِهِ مِنْ ذَهَبٍ ، ثُمَّ قَالَ : مُرْنِي حَتّى أَضَعَ صَدَقَتِي حَيْثُ تَأْمُرُنِي ، فَقَالَ عليه السلام : «هَاهُنَا أَخٌ لَكَ كَانَ عَلى مِثْلِ دِينِكَ ، وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِكَ مِنْ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، وَ هُوَ فِي نِعْمَةٍ كَنِعْمَتِكَ ، فَتَوَاسَيَا وَ تَجَاوَرَا ، وَ لَسْتُ أَدَعُ أَنْ أُورِدَ عَلَيْكُمَا حَقَّكُمَا فِي الْإِسْلَامِ».فَقَالَ : وَ اللَّهِ - أَصْلَحَكَ اللَّهُ - إِنِّي لَغَنِيٌّ ، وَ لَقَدْ تَرَكْتُ ثَلَاثَمِائَةِ طَرُوقٍ بَيْنَ فَرَسٍ وَ فَرَسَةٍ ، وَ تَرَكْتُ أَلْفَ بَعِيرٍ ، فَحَقُّكَ فِيهَا أَوْفَرُ مِنْ حَقِّي ، فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ مَوْلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ، وَ أَنْتَ فِي حَدِّ نَسَبِكَ عَلى حَالِكَ».

.


1- .في الكافي المطبوع : «فما».

ص: 428

فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فِهْرٍ ، وَ أَصْدَقَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام خَمْسِينَ دِينَاراً مِنْ صَدَقَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَ أَخْدَمَهُ وَ بَوَّأَهُ ، وَ أَقَامَ حَتّى أُخْرِجَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، فَمَاتَ بَعْدَ مَخْرَجِهِ بِثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ لَيْلَةً .

هديّة:«عريض» مصغّراً: واد بالمدينة فيه أموال لأهلها.«عليا» بالضمّ والقصر: مؤنّث «أعلى» وعليا الشي ء: أعلاه. و(دمشق) كحضجر وقد تكسر ميمه: قاعدة الشام، سمّيت ببانيها دمشاق بن كنعان أو دامشقيون؛ قاله في القاموس.(1)الجوهري: «دمشق» قصبة الشام.(2)و(الشقّة) بالضمّ ويكسر: البعد والناحية يقصدها المسافر والسفر البعيد.(مزامير داود) عليه السلام جمع مزمار، كأنّه اسم اشتهر من المبطلين لكلمات الزبور وضروب أدعية داود عليه السلام ظنّاً منهم أنّه يتغنّى بها وأنّ الغناء بالذكر حلال، كما اعتقده الصوفيّة القدريّة قاطبةً. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وزبور داود» مكان «ومزامير داود».و«الاسفار» جمع «السِّفر» بالكسر بمعنى الكتاب، وأسفار التوارة: أجزاؤه وهي أربعة. وفي الحديث التالي : «درس السفر الرابع.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «علم التهوّد» على التفعّل مكان (علم اليهود).(باطئ) بالمفردة والمهملة والهمزة كشاطئ، و(شرحبيل) بضمّ المعجمة وفتح المهملة وسكون الاُخرى وكسر المفردة وسكون الخاتمة واللام، وقرئ: «شراحيل» كغرابيب، و(السامري) نسبة إلى «سامرة» بكسر الميم وتخفيف الراء: طائفة من اليهود ، أبوهم رجل من ولد السامريّ صاحب العجل.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 233 (دمشق).
2- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1477 (دمشق).

ص: 429

في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «من خير» بالخاتمة مكان (من خبر) بالمفردة، و«فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد» مكان (يعلمه أحد ولم يعلمه أحد)، قال: فالفاء في «فعلمه» لبيان خيريّته، أي علم بكونه خيراً وصدّق أحد من الرعيّة، أو لم يعلم ويصدّق.(فيه تبيان كلّ شي ء) أي فيما نزل من السماء وهو القرآن.و«الجثوّ» بضمّ الجيم والمثلّثة وتشديد الواو: المشي على اليدين، و«زحف الصبيّ» كمنع: مشى على استه.و(غنم) بفتح المعجمة وسكون النون: أبو حيّ من تغلب وهو غنم بن ثعلب بن وائل.(وهو عند باب مسجدها) أي منزل بني غنم، وكذا (وهو ببقيع الزبير).و«البزّة» بالكسر والتشديد: الهيئة، وبالفتح والتشديد: الثياب المخصوصة بقوم، و«الحلية» بالكسر: العلامة.(يتشدّد عليهم) أي على من تريد وأصحابه.«ضرب إليه»: سافر إليه.(مطران) بفتح الميم ويكسر وسكون المهملة الاُولى، يقال: لكبير النصارى. و«الغوطة» بالضمّ: مدينة دمشق أو كورتها، وفي الأصل الموضع الكثير الماء والأشجار.و«القصّ»: القطع والحكاية، والأوّل مراد هنا في «قصّ» والثاني في «القصّة»، عكس ما يقال الرؤيا طائر قصّه قصّه.و«التكفير» نوع تعظيم في المجوس من الفارسيّين لملكهم.و«البرنس» كقنفذ: قلنسوة طويلة، أو مجموع جبّتهم المتّصل بها قلنسوتهم.(أن هداه اللَّه) بفتح الهمزة وسكون النون مفسّرة، لتضمّن (على صاحبك) معنى القول ف «هداه اللَّه» جملة دعائيّة، أو «أن» مصدريّة وجملة «على صاحبك» إلى آخرها

.

ص: 430

دعائيّة، فلا وجه لقول بعض المعاصرين «أن هداه اللَّه» بفتح الهمزة، يعني نسأل اللَّه له أن يهديه.(1)(ثمّ وصفه) أي اللَّه تعالى بما وصفه من قوله عزّ وجلّ: «قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ»(2)، و«تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ»(3)، و«حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ»(4)وغير ذلك من الآيات في وصفه.(وهو في كتاب هود) يعني «حم» عبارة في كتاب هود عن اسم محمّد صلى اللَّه عليه وآله بنقص الميم والدال على الرمز والإشارة.(يخرج منها خير كثير) أي ذو خير كثير. وقرأ برهان الفضلاء: «حبر»، والحبر بفتح المهملة وتكسر وسكون المفردة: العالم الممتاز(5)(فرجل حكيم) ثلاثاً، وفي بعض النسخ مرّتين.(من هؤلاء الرجال) أي أوصيائه صلى اللَّه عليه وآله لقوله عليه السلام: «فرجل حكيم ورجل حكيم».(والثالث من القوم) أي الوصيّ الثالث من أوصيائه صلى اللَّه عليه وآله وهو عليه السلام أبو الأئمّة بعد أبيه الوصيّ الأوّل عليهم السلام.و«ما» في (ما يخرج) نافية، والجملة استئنافيّة لبيان (أصف) أي لا يخرج الأمر من نسله.و«ما» في (قديماً ما) للتأكيد يعني في سلف السلف، غيّرتم وحرّفتم وكفرتم.(ولا أكذبك) على المتكلّم من باب ضرب.(ولا يكذب فيه من كذب) أي لا يقبل فيه كذب الكاذب، كقوله: ضوء النهار ليس من الشمس.(أعجلك) من الإعجال، وهو سرعة إيصال شي ء إلى شي ء.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 804 ، ذيل ح 1414.
2- .الزمر (39): 28.
3- .النحل (16): 89 .
4- .الزخرف (43): 1 و 2 .
5- .في «د» : «المختار».

ص: 431

(مرثا) بالتحريك والقصر، قال برهان الفضلاء: وقرئ: «مرتا» بالتاء الفوقانيّة مكان المثلّثة.(وهيبة) على التصغير. وفي القاموس: إنّ اسم اُمّ مريم «حَنّة»(1) بفتح المهملة وتشديد النون وتاء التأنيث.(قيدوس) بفتح القاف وسكون الخاتمة وضمّ الدال المهملة: اسم ظالم من ظَلَمة بني إسرائيل في ذلك الزمان. وقال برهان الفضلاء: وقيل: هو «فيدون» بالفاء والنون.(فهل فهمته) أي علمته جواب.(فأمّا اليوم الذي حجبت فيه لسانها) على المعلوم كنصر أو خلافه، أي منعت من الكلام على المعلوم أو خلافه، كما حكى اللَّه تعالى في سورة مريم: «فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً»(2)، فعلى الثاني لسانها رفع على البدل. قال في القاموس: الفوه - بالضمّ - والفيه - بالكسر - والفم سواء، واللسان جارحة الكلام، وقد يكنّى بها عن الكلمة، فتؤنّث.(3)قال برهان الفضلاء: «اليوم الاحدث» على أفعل التفضيل هو يوم ولادة عيسى عليه السلام على المجاز في النسبة؛ إذ الأحدث وصف لعيسى عليه السلام.(عنفالية) بالفاء كأنطاكية عند الأكثر، وضبط برهان الفضلاء بالقاف، و(عنفورة) بالفاء بلا خلاف، قال النصراني ما كان اسم اُمّي الباعث على مثل السؤال أنّ من دلالات حجّة اللَّه على الخلق علم الأنساب.و(ميّة) بفتح الميم وتشديد الخاتمة وعلامة التأنيث.(في مجلسي) إشارة إلى أنّ المشاركة لجبرئيل عليه السلام في الاسم لا يحسن بدون إذن من اللَّه، ولذا قال في الجواب.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 217 (حنن).
2- .مريم (19): 26.
3- .لم نعثر عليه في مظانّه في القاموس المحيط، ولكن الفقرة الثانية من كلامه ، أي «واللسان...» في الصحاح ، ج 6 ، ص 2195 (لسن).

ص: 432

(إنّه كان مسلماً).(غيلة) بالفتح: خدعة من حيث لا يدري.(فأبان به لأهله) أي فأظهر الحقّ بسببه لأهله.(كلّ فيه مشترك) على اسم الفاعل، أي كلّ أحد من الأحمر والأسود شريك في وجوب الإقرار به والطاعة له فيما جاء به صلى اللَّه عليه وآله وأهمّه الولاية.(توازروا): تعاونوا. قرأ برهان الفضلاء : «صدقتي» بفتح الصاد وسكون الدال وتاء الوحدة، بمعنى الصداقة الصادقة المتفرّدة.و«الطروق» بالفتح والقاف على فعول بالفتح، وطروقة الرجل اُنثاه، يعني ثلاثمائة ذكر في جملة الذكر والاُنثى. وقال برهان الفضلاء: الظاهر «طرف» بكسر الطاء المهملة وسكون الراء والفاء، أي الجواد من الخيل.(ولست أدع) أي لا أترك إيصال حقّكما إليكما في الإسلام من الصدقات والصلات والحقّ المعلوم وغير ذلك.(على حالك) قيل: أي لا ينقص بعبوديّتك للَّه سبحانه ولرسوله من جاهك ومنزلتك. وقال برهان الفضلاء: يعني لا يضرّك الإعطاء هنا، فإنّك في حكم ابن السبيل وإن كنت في بلدك على حال الأغنياء.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ،(1) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ الْيَمَنِ مِنَ الرُّهْبَانِ وَ مَعَهُ رَاهِبَةٌ ، فَاسْتَأْذَنَ لَهُمَا الْفَضْلُ بْنُ سَوَّارٍ ، فَقَالَ لَهُ : «إِذَا كَانَ غَداً فَأْتِ بِهِمَا عِنْدَ بِئْرِ أُمِّ خَيْرٍ» قَالَ : فَوَافَيْنَا مِنَ الْغَدِ ، فَوَجَدْنَا الْقَوْمَ قَدْ وَافَوْا ، فَأَمَرَ بِخَصَفَةِ بَوَارِيَّ ، ثُمَّ جَلَسَ فَجَلَسُوا(2) ، فَبَدَأَتِ الرَّاهِبَةُ بِالْمَسَائِلِ ، فَسَأَلَتْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، و أحمد بن مهران جميعاً ، عن محمّد بن عليّ ، عن الحسن بن راشد».
2- .في الكافي المطبوع : «و جلسوا».

ص: 433

عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ ، كُلُّ ذلِكَ يُجِيبُهَا ، وَ سَأَلَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا فِيهَا شَيْ ءٌ ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ .ثُمَّ أَقْبَلَ الرَّاهِبُ يَسْأَلُهُ ، فَكَانَ يُجِيبُهُ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُهُ ، فَقَالَ الرَّاهِبُ : قَدْ كُنْتُ قَوِيّاً عَلى دِينِي ، وَ مَا خَلَّفْتُ أَحَداً مِنَ النَّصَارى فِي الْأَرْضِ بَلَغَ (1) مَبْلَغِي فِي الْعِلْمِ ، وَ لَقَدْ سَمِعْتُ بِرَجُلٍ فِي الْهِنْدِ إِذَا شَاءَ حَجَّ إِلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى مَنْزِلِهِ بِأَرْضِ الْهِنْدِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ بِأَيِّ أَرْضٍ هُوَ ؟ فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ بِسُبْذَانَ ، وَ سَأَلْتُ الَّذِي أَخْبَرَنِي ، فَقَالَ : هُوَ عَلِمَ الِاسْمَ الَّذِي ظَفِرَ بِهِ آصَفُ صَاحِبُ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَتى بِعَرْشِ سَبَاً، وَ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي كِتَابِكُمْ ، وَ لَنَا - مَعْشَرَ الْأَدْيَانِ - فِي كُتُبِنَا .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «فَكَمْ لِلَّهِ مِنِ اسْمٍ لَا يُرَدُّ ؟» فَقَالَ الرَّاهِبُ : الْأَسْمَاءُ كَثِيرَةٌ ، فَأَمَّا الْمَحْتُومُ مِنْهَا - الَّذِي لَا يُرَدُّ سَائِلُهُ - فَسَبْعَةٌ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «فَأَخْبِرْنِي عَمَّا تَحْفَظُ مِنْهَا» قَالَ الرَّاهِبُ : لَا ، وَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلى مُوسى ، وَ جَعَلَ عِيسى عِبْرَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَ فِتْنَةً لِشُكْرِ أُولِي الْأَلْبَابِ ، وَ جَعَلَ مُحَمَّداً بَرَكَةً وَ رَحْمَةً ، وَ جَعَلَ عَلِيّاً عِبْرَةً وَ بَصِيرَةً ، وَ جَعَلَ الْأَوْصِيَاءَ مِنْ نَسْلِهِ وَ نَسْلِ مُحَمَّدٍ مَا أَدْرِي ، وَ لَوْ دَرَيْتُ مَا احْتَجْتُ فِيهِ إِلى كَلَامِكَ ، وَ لَا جِئْتُكَ وَ لَا سَأَلْتُكَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «عُدْ إِلى حَدِيثِ الْهِنْدِيِّ» .فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : سَمِعْتُ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ وَ لَا أَدْرِي مَا بِطَائِنُهَا(2) وَ لَا شَرَائِعُهَا(3) ؟ وَ لَا أَدْرِي مَا هِيَ ؟ وَ لَا كَيْفَ هِيَ وَ لَا بِدُعَائِهَا؟ فَانْطَلَقْتُ حَتّى قَدِمْتُ سُبْذَانَ الْهِنْدِ ، فَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ ، فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ بَنى دَيْراً فِي جَبَلٍ ، فَصَارَ لَا يَخْرُجُ وَ لَا يُرى إِلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ ، وَ زَعَمَتِ الْهِنْدُ أَنَّ اللَّهَ فَجَّرَ لَهُ عَيْناً فِي دَيْرِهِ ، وَ زَعَمَتِ الْهِنْدُ أَنَّهُ يُزْرَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ زَرْعٍ يُلْقِيهِ ، وَ يُحْرَثُ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَرْثٍ يَعْمَلُهُ ، فَانْتَهَيْتُ إِلى بَابِهِ ، فَأَقَمْتُ ثَلَاثاً لَا أَدُقُّ الْبَابَ ، وَ لَا أُعَالِجُ الْبَابَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «يبلغ».
2- .في الكافي المطبوع : «بطانتها».
3- .في الكافي المطبوع : «شرائحها».

ص: 434

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ ، فَتَحَ اللَّهُ الْبَابَ ، وَ جَاءَتْ بَقَرَةٌ عَلَيْهَا حَطَبٌ ، تَجُرُّ ضَرْعَهَا يَكَادُ يَخْرُجُ مَا فِي ضَرْعِهَا مِنَ اللَّبَنِ ، فَدَفَعَتِ الْبَابَ ، فَانْفَتَحَ ، فَتَبِعْتُهَا وَ دَخَلْتُ ، فَوَجَدْتُ الرَّجُلَ قَائِماً يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَبْكِي ، وَ يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ فَيَبْكِي ، وَ يَنْظُرُ إِلَى الْجِبَالِ فَيَبْكِي ، فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَقَلَّ ضَرْبَكَ فِي دَهْرِنَا هذَا! فَقَالَ لِي : وَ اللَّهِ ، مَا أَنَا إِلَّا حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ رَجُلٍ خَلَّفْتَهُ وَرَاءَ ظَهْرِكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : أُخْبِرْتُ أَنَّ عِنْدَكَ اسْماً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَبْلُغُ بِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَ تَرْجِعُ إِلى بَيْتِكَ ؟فَقَالَ لِي : وَ هَلْ تَعْرِفُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ؟ قُلْتُ : لَا أَعْرِفُ إِلَّا بَيْتَ الْمَقْدِسِ الَّذِي بِالشَّامِ ، قَالَ : لَيْسَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَ لكِنَّهُ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ وَ هُوَ بَيْتُ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْتُ لَهُ : أَمَّا مَا سَمِعْتُ بِهِ إِلى يَوْمِي هذَا ، فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ لِي : تِلْكَ مَحَارِيبُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ إِنَّمَا كَانَ يُقَالُ لَهَا : حَظِيرَةُ الْمَحَارِيبِ ، حَتّى جَاءَتِ الْفَتْرَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَ عِيسى عليهما السلام ، وَ قَرُبَ الْبَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَ حَلَّتِ النَّقِمَاتُ فِي دُورِ الشَّيَاطِينِ ، فَحَوَّلُوا وَ بَدَّلُوا(1)تِلْكَ الْأَسْمَاءَ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى - الْبَطْنُ لآِلِ مُحَمَّدٍ ، وَ الظَّهْرُ مَثَلٌ - : «إِنْ هِىَ إِلّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي قَدْ ضَرَبْتُ إِلَيْكَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ ، تَعَرَّضْتُ إِلَيْكَ بِحَاراً وَ غُمُوماً وَ هُمُوماً وَ خَوْفاً ، وَ أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ مُؤْيَساً أَلَّا أَكُونَ ظَفِرْتُ بِحَاجَتِي .فَقَالَ لِي : مَا أَرى أُمَّكَ حَمَلَتْ بِكَ إِلَّا وَ قَدْ حَضَرَهَا مَلَكٌ كَرِيمٌ ، وَ لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَبَاكَ حِينَ أَرَادَ الْوُقُوعَ بِأُمِّكَ إِلَّا وَ قَدِ اغْتَسَلَ وَ جَاءَهَا عَلى طُهْرٍ ، وَ لَا أَزْعُمُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ دَرَسَ السِّفْرَ الرَّابِعَ مِنْ شَهْرِهِ (2) ذلِكَ ، فَخُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ ، ارْجِعْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ (3) ، فَانْطَلِقْ حَتّى تَنْزِلَ مَدِينَةَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله الَّتِي يُقَالُ لَهَا : طَيْبَةُ ، وَ قَدْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَثْرِبَ - ثُمَّ اعْمِدْ إِلى مَوْضِعٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهُ : الْبَقِيعُ ، ثُمَّ سَلْ عَنْ دَارٍ يُقَالُ لَهَا : دَارُ مَرْوَانَ ، فَانْزِلْهَا ، وَ أَقِمْ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «و نقلوا».
2- .في الكافي المطبوع : «سهره».
3- .في الكافي المطبوع : «جئت».

ص: 435

ثَلَاثاً ، ثُمَّ سَلْ (1) الشَّيْخَ الْأَسْوَدَ الَّذِي يَكُونُ عَلى بَابِهَا ، يَعْمَلُ الْبَوَارِيَّ ، وَ هِيَ فِي بِلَادِهِمُ اسْمُهَا الْخَصَفُ ، فَالْطُفْ بِالشَّيْخِ ، وَ قُلْ لَهُ : بَعَثَنِي إِلَيْكَ نَزِيلُكَ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِي الزَّاوِيَةِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْخُشَيْبَاتُ الْأَرْبَعُ ، ثُمَّ سَلْهُ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ ، وَ سَلْهُ : أَيْنَ نَادِيهِ ؟ وَ سَلْهُ : أَيُّ سَاعَةٍ يَمُرُّ فِيهَا ؟ فَلَيُرِيكَهُ (2) أَوْ يَصِفُهُ لَكَ ، فَتَعْرِفُهُ بِالصِّفَةِ ، وَ سَأَصِفُهُ لَكَ .قُلْتُ : فَإِذَا لَقِيتُهُ فَأَصْنَعُ مَا ذَا ؟ قَالَ : سَلْهُ عَمَّا كَانَ ، وَ عَمَّا هُوَ كَائِنٌ ، وَ سَلْهُ عَنْ مَعَالِمِ دِينِ مَنْ مَضى وَ مَنْ بَقِيَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «قَدْ نَصَحَكَ صَاحِبُكَ الَّذِي لَقِيتَ».فَقَالَ الرَّاهِبُ : مَا اسْمُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟قَالَ : «هُوَ مُتَمِّمُ بْنُ الْفِيرُوزِ ، وَ هُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الْفُرْسِ ، وَ هُوَ مِمَّنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ عَبَدَهُ بِالْإِخْلَاصِ وَ الْإِيقَانِ ، وَ فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ لَمَّا خَافَهُمْ ، فَوَهَبَ لَهُ رَبُّهُ حُكْماً ، وَ هَدَاهُ سَبِيلَ (3) الرَّشَادِ ، وَ جَعَلَهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، وَ عَرَّفَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ ، وَ مَا مِنْ سَنَةٍ إِلَّا وَ هُوَ يَزُورُ فِيهَا مَكَّةَ حَاجّاً ، وَ يَعْتَمِرُ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً ، وَ يَجِي ءُ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنَ الْهِنْدِ إِلى مَكَّةَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ عَوْناً ؛ وَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِبُ عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ ، كُلُّ ذلِكَ يُجِيبُهُ فِيهَا ، وَ سَأَلَ الرَّاهِبَ عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرَّاهِبِ فِيهَا شَيْ ءٌ ، فَأَخْبَرَهُ بِهَا .ثُمَّ إِنَّ الرَّاهِبَ قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ ثَمَانِيَةِ أَحْرُفٍ نَزَلَتْ ، فَتَبَيَّنَ فِي الْأَرْضِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ، وَ بَقِيَ فِي الْهَوَاءِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ، عَلى مَنْ نَزَلَتْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي فِي الْهَوَاءِ ؟ وَ مَنْ يُفَسِّرُهَا؟قَالَ : «ذَاكَ قَائِمُنَا يُنْزِلُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيُفَسِّرُهُ ، وَ يُنَزِّلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ عَلَى الصِّدِّيقِينَ وَ الرُّسُلِ وَ الْمُهْتَدِينَ».ثُمَّ قَالَ الرَّاهِبُ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الِاثْنَيْنِ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الْأَحْرُفِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ مَا هِيَ (4) ؟

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عن».
2- .في الكافي المطبوع : «فليريكاه».
3- .في الكافي المطبوع : «لسبيل».
4- .في الكافي المطبوع : «هما».

ص: 436

قَالَ : «أُخْبِرُكَ بِالْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا : أَمَّا أَوَّلُهُنَّ ، فَلَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بَاقِياً ، وَ الثَّانِيَةُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مُخْلَصاً ، وَ الثَّالِثَةُ نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ ، وَ الرَّابِعَةُ شِيعَتُنَا مِنَّا ، وَ نَحْنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ بِسَبَبٍ».فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (1) ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ ، وَ أَنَّكُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ أَنَّ شِيعَتَكُمُ الْمُطَهَّرُونَ الْمُسْتَدِلُّونَ (2) ، وَ لَهُمْ عَاقِبَةُ اللَّهِ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .فَدَعَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بِجُبَّةِ خَزٍّ وَ قَمِيصٍ قُوهِيٍّ وَ طَيْلَسَانٍ وَ خُفٍّ وَ قَلَنْسُوَةٍ ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ (3) ، وَ صَلَّى الظُّهْرَ ، وَ قَالَ لَهُ : «اخْتَتِنْ» ، فَقَالَ : قَدِ اخْتَتَنْتُ فِي سَابِعِي .

هديّة:(نجران) بفتح النون وسكون الجيم: أبو قبيلة من اليمن، وهو نجران بن زيدان بن سبأ.(اُمّ خير) كنية بنت عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام.و«الخصفة» بالتحريك واحدة الخصف للبواري والجلّة من خوص النخل، فبإضافة الخصفة إلى البواري. وقرأ برهان الفضلاء : «بخصفة توارى» قال: يعني بلباس خشن توارى الراهبة، أو بما يوارى كثافة الأرض. الجوهري : «الخصفة» بالتحريك: الجلّة التي تعمل من الخوص للتمر، وجمعها خصف وخصاف.(4) و«الخوص» بالضمّ: ورق النخل. وفي هذا الحديث أنّ البواري في المدينة اسمها الخصف، فالظاهر «فأمر بخصف» بدون التاء «فيوارى» عطف بيان، أو «بخصفة بواري» على الإضافة البيانيّة، أي بخصفة من الخصف.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «وحده لا شريك له».
2- .في الكافي المطبوع : «المستبدلون».
3- .في الكافي المطبوع : «فأعطاه إيّاها».
4- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1351 (خصف).

ص: 437

و(المقدس) كمجلس: مصدر ميمي اُضيف إليه «البيت»، ويقع وصفاً للبيت إذا قرئ على اسم المفعول من التفعيل، ويقرأ بهما اسم المسجد الأقصى. والظاهر من آخر هذا الحديث أنّ الإضافة للمسجد والوصف لأهل البيت عليهم السلام.(سبذان) بفتح السين المهملة وسكون المفردة وفتح الذال المعجمة والألف والنون.(ظفر به) كعلم، والباء في «به» للاستعانة.(فكم للَّه من اسم لا يردّ) استفهاميّة، يعني الدعاء إذا دعى به، فأمّا (المحتوم) بالحاء المهملة، يعني المثبت المؤكّد.قال برهان الفضلاء: و«المختوم» هنا بالمعجمة تصحيف. ثمّ قال: «فسبعة» هم في ذلك الزمان عليّ وحسن وحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسى، والآن اثنى عشر، وقد سبق في الحديث: «نحن واللَّه الأسماء الحسنى التي لا يقبل اللَّه من العباد عملاً إلّا بمعرفتنا».(1)(بطائنها) جمع بطانة ككتابة بمعنى الباطن والجوف، أي تأويلاتها وخوافيها.(ولا شرائعها) أي طرق الاستدلال بها، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ولا شرائجها» جمع شريجة على فعيلة بالشين المعجمة والجيم، بمعنى الوعاء الذي ينقل بها مثل البطيخ. قال: عبّر عن الظواهر بالشرائج.(ولا بدعائها) أي ولا أعلم بدعائها الذي يدعى اللَّه بها به.و«الدير»: المعبد أو معبد النّصارى.(من غير زرع يلقيه) إمّا بالفتح فعلى المجاز، أو بالضمّ، و«الزرع» بالضمّ وكذا «الزرعة»: البذر، وكلاهما اسم جنس، وقيل: التاء للوحدة الجنسيّة.(ضربك): مثلك.

.


1- .الكافي ، ج 1 ، ص 144 ، باب النوادر ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 1 ، ص 351 ، ح 360.

ص: 438

(في كلّ يوم وليلة) المراد الكلّ المجموعيّ أو الافرادي، أي كلّ يوم وليلة شئت.و«النقمة» ككلمة، ونقمة: ضدّ النعمة. وقرأ برهان الفضلاء: «وجلت النغمات» بالجيم والغين المعجمة المفتوحة، جمع النغمة، أي الصوت الخفيّ. قال: أي ظهرت للناس خوافي أقوالهم بينهم.(البطن لآل محمّد، والظهر مثل) جملة معترضة، والآية في سورة النجم.(1)قال برهان الفضلاء:«مثل» أي حكاية وبيان لحال الأصنام، واللام في «لآل محمّد» للانتفاع، فالتقدير لهم على أعدائهم، يعني كما أنّ اللات والعزّى والمناة جعلت للأصنام، كذلك الصّدِّيق والفاروق وذو النورين جعلت لصنمي قريش وثالثهما.وقال بعض المعاصرين:يعني تأويل القرآن كلّه لآل محمّد صلى اللَّه عليه وآله، مثل ما قال تعالى: «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»؛ لكي يهتدي إلى تأويلها، انتهى.(2)قصده ماذا؟ (مؤيساً) على اسم الفاعل من الإفعال للصيرورة، وضبط برهان الفضلاء بالنون من الإيناس، بمعنى إدراك الشي ء بقرائن الأحوال، قال: يعني أصبحت هذا اليوم وأمسيت هذه الليلة ظانّاً عدم الظفر بحاجتي، ثمّ قال: «إن أباك» بفتح الهمزة أو كسرها وسكون النون، كلمة زائدة في كلامهم، فلعلّها للتأكيد.(درس) على المعلوم كنصر وضرب، وفي (السفر الرابع) ذكر نبيّنا وأوصيائه عليهم السلام.(من شهره ذلك) أي الشهر الذي وقع فيه بزوجته. وقرأ برهان الفضلاء : «من سهره» بغير المعجمة، أي سهره لتلاوة كتاب اللَّه.(يُقال له البقيع) أي بقيع الزبير كما مرّ.و(الشيخ الأسود) هو الفضل بن سوّار. ترك التصريح بقوله: (فلان بن فلان الفلاني)

.


1- .النجم (53) : 23.
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 808 ، ذيل ح 1415.

ص: 439

يعني موسى بن جعفر العلويّ - صلوات اللَّه عليه - حذراً من سوء الأدب، أو تلقينا بالإشارة إلى التقيّة عند الحاجة.و«النادي»: المجلس.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ليريكاه» بإشباع فتحة الكاف، وقال: والظاهر أنّ «سأصفه لك» من باب القلب، أي سأصفك له.أقول: بل إخبار عمّا سيقوله من قوله:(سله عمّا كان وعمّا هو كائن).و«الأبناء» يُقال أيضاً لجماعة من العجم سكنوا اليمن، وكلا المعنيين مناسب هنا.(باقياً): إلهاً باقياً.(مخلصاً) بفتح اللام وكسرها، أي رسولاً مخلصاً، أخلص يتعدّى ولا يتعدّى.و(نحن) مبتدأ، خبره (أهل البيت).والتنوين في (بسبب) للتعظيم، أي بربط عظيم.(المستدلّون): المحتجّون بعصمة الحجّة العاقل عن اللَّه تبارك وتعالى. ونسخة «المستذلّون» بفتح الذال المعجمة من الذلّ تصحيف، أو بمعنى المستضعفون؛ لقوله تعالى في سورة القصص: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ»(1)، وكذا نسخة «المستبدلون» بزيادة المفردة، أي المستأثرون بهم غيرهم.و«قوهستان» بلدة بكرمان، والنسبة إليها (قوهيّ).(قد اختتنت) قال برهان الفضلاء: يعني فقال بعد هذا المجلس قد فعلت في سابع إسلامي.أقول: الظاهر أنّ المراد سابع الولادة، فلعلّ أمر الإمام عليه السلام لظهور خصلة من خصاله الحسنة الدالّة على سعادته للناس، فيزيد في مودّتهم له، مع أنّ الإمام عليه السلام لا يعلم الغيب إلّا بإذن اللَّه تعالى.

.


1- .القصص (28): 5 .

ص: 440

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ (1) ، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ : مَرَّ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عليه السلام بِامْرَأَةٍ بِمِنى وَ هِيَ تَبْكِي وَ صِبْيَانُهَا حَوْلَهَا يَبْكُونَ ، وَ قَدْ مَاتَتْ لَهَا بَقَرَةٌ ، فَدَنَا مِنْهَا ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : «مَا يُبْكِيكِ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟» قَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، إِنَّ لَنَا صِبْيَاناً يَتَامى ، وَ كَانَتْ لِي بَقَرَةٌ مَعِيشَتِي وَ مَعِيشَةُ صِبْيَانِي كَانَ (2) مِنْهَا ، وَ قَدْ مَاتَتْ ، وَ بَقِيتُ مُنْقَطَعاً بِي وَ بِوُلْدِي لَا حِيلَةَ لَنَا .فَقَالَ : «يَا أَمَةَ اللَّهِ ، هَلْ لَكِ أَنْ أُحْيِيَهَا لَكِ ؟» فَأُلْهِمَتْ أَنْ قَالَتْ : نَعَمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ ؛ فَتَنَحّى وَ صَلّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ هُنَيْئَةً ، وَ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ، ثُمَّ قَامَ ، فَصَوَّتَ بِالْبَقَرَةِ ، فَنَخَسَهَا نَخْسَةً أَوْ ضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ ، فَاسْتَوَتْ عَلَى الْأَرْضِ قَائِمَةً ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الْبَقَرَةِ ، صَرَخَتْ (3) ، وَ قَالَتْ : عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ ؛ فَخَالَطَالنَّاسَ ، وَ صَارَ بَيْنَهُمْ ، وَ مَضى عليه السلام .

هديّة:(وبقيت منقطعاً بي) أي منفردة عن وسيلة المعيشة.نخسه بعود نخساً كنصر ومنع، ومنه النخّاس، والترديد من الراوي.«صرخ» كمنع: صاح. وفي بعض النسخ : «صاحت» مكان (صرخت).

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ،(4) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ عليه السلام يَنْعى إِلى رَجُلٍ نَفْسَهُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ مَتى يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْ شِيعَتِهِ ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ شِبْهَ الْمُغْضَبِ ، فَقَالَ : «يَا إِسْحَاقُ ، قَدْ كَانَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ يَعْلَمُ عِلْمَ الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا ، وَ الْإِمَامُ أَوْلى بِعِلْمِ ذلِكَ» .ثُمَّ قَالَ : «يَا إِسْحَاقُ ، اصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ ؛ فَإِنَّ عُمُرَكَ قَدْ فَنِيَ ، وَ إِنَّكَ تَمُوتُ إِلى سَنَتَيْنِ ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم».
2- .في الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً ببعض النسخ : «كانت».
3- .في الكافي المطبوع : «صاحت».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه عن محمّد بن عليّ ، عن سيف بن عميرة».

ص: 441

إِخْوَتُكَ وَ أَهْلُ بَيْتِكَ لَا يَلْبَثُونَ بَعْدَكَ إِلَّا يَسِيراً حَتّى تَتَفَرَّقَ كَلِمَتُهُمْ ، وَ يَخُونُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتّى يَشْمَتَ بِهِمْ عَدُوُّهُمْ ، فَكَانَ هذَا فِي نَفْسِكَ».فَقُلْتُ : فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِمَا عَرَضَ فِي صَدْرِي .فَلَمْ يَلْبَثْ إِسْحَاقُ بَعْدَ هذَا الْمَجْلِسِ إِلَّا يَسِيراً حَتّى مَاتَ ، فَمَا أَتى عَلَيْهِمْ إِلَّا قَلِيلٌ حَتّى قَامَ بَنُو عَمَّارٍ بِأَمْوَالِ النَّاسِ ، فَأَفْلَسُوا .

هديّة:(إسحاق بن عمّار) فطحيٌ ثقةٌ.(نفسه) أي نفس الرجل. و(إنّه) بتقدير الاستفهام على الشكّ.و(رشيد) مصغّر، (الهجري) بالتحريك: نسبة إلى «هجرة» محرّكة، بلدة باليمن، مذكّر مصروف، وقد يؤنّث ويمنع، واسم لجميع أرض البحرين، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ السبطين عليهما السلام، قال الكشّي: إنّه قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسمّيه رشيد البلايا.(1)في بعض النسخ : «إلى ستّين» مكان (سنتين) أي شهرين.(فكان هذا في نفسك) أي فنشأ هذا من قِبَلِك لا من قِبَلِنا. واحتمل برهان الفضلاء: «فكأنّ» بتشديد النون مكسورة، أو مفتوحة على الأمر المضاعف من المفاعلة، أي فاستر هذا؛ والمُكانّة بالضمّ وتشديد النون للمبالغة في الإخفاء.(فلم يلبث) كلام السيف.قيل: والباء في (بأموال الناس) للصلة، أي بأخذها للسلطان من غير حلّها. وضبط برهان الفضلاء : «بأموال للناس»، فالباء للتعدية، يعني حتّى دفعوا أموالاً إلى الحكّام رشوة.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ الْبَجَلِيِّ ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : جَاءَنِي

.


1- .رجال الكشّي ، ص 76 ، ح 131.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن موسى بن القاسم البجلّي».

ص: 442

مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَ قَدِ اعْتَمَرْنَا عُمْرَةَ رَجَبٍ وَ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، إِنِّي أُرِيدُ بَغْدَادَ ، وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُوَدِّعَ عَمِّي أَبَا الْحَسَنِ - يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام - وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَذْهَبَ مَعِي إِلَيْهِ ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ نَحْوَ أَخِي وَ هُوَ فِي دَارِهِ الَّتِي بِالْخُوَنَةِ(1) ، وَ ذلِكَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِقَلِيلٍ ، فَضَرَبْتُ الْبَابَ ، فَأَجَابَنِي أَخِي عليه السلام ، فَقَالَ : «مَنْ هذَا؟» فَقُلْتُ : عَلِيٌّ ، فَقَالَ : «هُوَ ذَا أَخْرُجُ» وَ كَانَ بَطِي ءَ الْوُضُوءِ ، فَقُلْتُ : الْعَجَلَ ، قَالَ : «وَ أَعْجَلُ» فَخَرَجَ وَ عَلَيْهِ إِزَارٌ مُمَشَّقٌ قَدْ عَقَدَهُ فِي عُنُقِهِ حَتّى قَعَدَ تَحْتَ عَتَبَةِ الْبَابِ ، قَالَ (2) عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ ، فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ ، وَ قُلْتُ : قَدْ جِئْتُكَ فِي أَمْرٍ إِنْ تَرَهُ صَوَاباً فَاللَّهُ وَفَّقَ لَهُ ، وَ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذلِكَ فَمَا أَكْثَرَ مَا يُخْطِئُ (3) !قَالَ : «وَ مَا هُوَ؟»قُلْتُ : هذَا ابْنُ أَخِيكَ يُرِيدُ أَنْ يُوَدِّعَكَ ، وَ يَخْرُجَ إِلى بَغْدَادَ ، فَقَالَ لِيَ : «ادْعُهُ» . فَدَعَوْتُهُ - وَ كَانَ مُتَنَحِّياً - فَدَنَا مِنْهُ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَ قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَوْصِنِي ، فَقَالَ : «أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي دَمِي» . فَقَالَ مُجِيباً لَهُ : مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ، وَ جَعَلَ يَدْعُو عَلى مَنْ يُرِيدُهُ بِسُوءٍ؛ ثُمَّ عَادَ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، أَوْصِنِي ، فَقَالَ : «أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي دَمِي». فَقَالَ : مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَ فَعَلَ ؛ ثُمَّ عَادَ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَمِّ ، أَوْصِنِي ، فَقَالَ : «أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي دَمِي» . فَدَعَا عَلى مَنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ ، ثُمَّ تَنَحّى عَنْهُ ، وَ مَضَيْتُ مَعَهُ ، فَقَالَ لِي أَخِي عليه السلام : «يَا عَلِيُّ ، مَكَانَكَ» فَقُمْتُ مَكَانِي ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ ، ثُمَّ دَعَانِي ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ ، فَتَنَاوَلَ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ ، فَأَعْطَانِيهَا ، وَ قَالَ : «قُلْ لِابْنِ أَخِيكَ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلى سَفَرِهِ».قَالَ عَلِيٌّ : فَأَخَذْتُهَا ، فَأَدْرَجْتُهَا فِي حَاشِيَةِ رِدَائِي ، ثُمَّ نَاوَلَنِي مِائَةً أُخْرى ، وَ قَالَ : «أَعْطِهِ أَيْضاً» ثُمَّ نَاوَلَنِي صُرَّةً أُخْرى ، وَ قَالَ : «أَعْطِهِ أَيْضاً» فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِذَا كُنْتَ تَخَافُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «بالحوبة».
2- .في الكافي المطبوع : «فقال».
3- .في الكافي المطبوع : «نخطئ.

ص: 443

مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي ذَكَرْتَ ، فَلِمَ تُعِينُهُ عَلى نَفْسِكَ؟فَقَالَ : إِذَا وَصَلْتُهُ ، وَ قَطَعَنِي ، قَطَعَ اللَّهُ أَجَلَهُ ، ثُمَّ تَنَاوَلَ مِخَدَّةَ أَدَمٍ ، فِيهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَضَحٍ ، فَقَالَ (1) : «أَعْطِهِ هذِهِ أَيْضاً».فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ ، فَأَعْطَيْتُهُ الْمِائَةَ الْأُولى ، فَفَرِحَ بِهَا فَرَحاً شَدِيداً ، وَ دَعَا لِعَمِّهِ ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ الْمِائَةَ(2)الثَّانِيَةَ وَ الثَّالِثَةَ ، فَفَرِحَ بِهِمَا(3) حَتّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَرْجِعُ وَ لَا يَخْرُجُ ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ الثَّلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَمَضى عَلى وَجْهِهِ حَتّى دَخَلَ عَلى هَارُونَ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، فَقَالَ 4 : مَا ظَنَنْتُ أَنَّ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَتَيْنِ حَتّى رَأَيْتُ عَمِّي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، فَأَرْسَلَ هَارُونُ إِلَيْهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ فَرَمَاهُ اللَّهُ بِالذُّبَحَةِ ، فَمَا نَظَرَ مِنْهَا إِلى دِرْهَمٍ ، وَ لَا مَسَّهُ .

هديّة:(محمّد بن إسماعيل) بن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام.(يعني) كلامُ عليّ بن جعفر بن محمّد عليهما السلام.و(الخونة) قيل: بضمّ المعجمة وسكون الواو والتاء بعد النون للنقل، جمع «خوان» بمعنى ما يؤكل عليه، اسم موضع بمكّة. وقيل: بفتح المعجمة والواو أيضاً، يُقال: رجل خونة، أي خائن جدّاً، فالتاء للمبالغة، اسم لمحلّة بمكّة. وقرأ برهان الفضلاء : «حويّة» بضمّ المهملة وفتح الواو وتشديد الياء، تصغير «حوّة» بالضمّ والتشديد، بمعنى طرف الشِّعب في سفح الجبل.(ممشّق) على اسم المفعول من التفعيل: مصبوغ بالمشق بالكسر، وهو الطين الأحمر.

.


1- .في الكافي المطبوع : «و قال».
2- .في الكافي المطبوع : - «المائة».
3- .في الكافي المطبوع : «بها».

ص: 444

و«ما» في (فما أكثر) للتعجّب، وفي (ما يخطئ) مصدريّة، و«يخطئ» على الغائب المعلوم من الإفعال، أي الإنسان، أو على المتكلّم مع الغير، يعني غير المعصوم.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «اُدنه» على الأمر من الإفعال مكان (أدعه).(مكانك) أي قِفْ، أو الزِمْ مكانك.و«المخدّة» بكسر الميم: الوسادة، و«الأدم» محرّكة: اسم الجمع، وبضمّتين: جمع الأديم، والإضافة بيانيّة.و«الوضح» محرّكة: الدرهم الصحيح من دون غشّ فيه.(سيرجع) أي من إرادته.و(الذبحة) كلمزة وعنبة وفتنة وحمرة: وجع في الحلق، أو دم يخنق فيقتل. وقيل: هو الخناق المهلك من الدم أو غيره.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُبِضَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي عَامِ ثَلَاثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ عَاشَ بَعْدَ جَعْفَرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام (2) خَمْساً وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً .

هديّة: بيانه بيّن. .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
2- .في الكافي المطبوع : «جعفر عليه السلام» بدل «جعفر بن محمّد عليهما السلام».

ص: 445

باب مولد أبي الحسن الرّضا

الباب الواحد والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ اثنى عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام سَنَةَ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام فِي صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ مِائَتَيْنِ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً ، وَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَارِيخِهِ إِلَّا أَنَّ هذَا التَّارِيخَ (1) أَقْصَدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ وَ تُوُفِّيَ عليه السلام بِطُوسَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا : سَنَابَاذُ(2) مِنْ نُوقَانَ عَلى دَعْوَةٍ ، وَ دُفِنَ بِهَا عليه السلام ؛ وَ كَانَ الْمَأْمُونُ أَشْخَصَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى مَرْوَ عَلى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ وَ فَارِسَ ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمَأْمُونُ وَ شَخَصَ إِلى بَغْدَادَ ، أَشْخَصَهُ مَعَهُ ، فَتُوُفِّيَ فِي هذِهِ الْقَرْيَةِ ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : أُمُّ الْبَنِينَ .

هديّة:(ولد أبو الحسن الرضا عليه السلام) زمن منصور الدوانيقي ابن محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ثاني خلفاء بني العبّاس، وأوّلهم أخوه سفّاح عبداللَّه بن محمّد. وللسفّاح ككتّان معانٍ، فعلى اللقب مدحاً بمعنى الفصيح، وذمّاً بمعنى كثير الفجور أو حريص النكاح.والشيخ رحمة اللَّه عليه وافق صاحب الكافي في التهذيب في التاريخ الأقصد، وقال: وقبض عليه السلام

.


1- .في الكافي المطبوع : + «هو».
2- .في الكافي المطبوع : «سناباد» بالدال المهملة.

ص: 446

بطوس من أرض خراسان، وقبره في طوس في سناباد المعروف بالمشهد من أرض حميد.(1)(سناباد) بفتح السين بلا نقطة والنون والمفردة والدال منقوطة وغير منقوطة كبغداذ.و(نوقان) بضمّ النون وتفتح: إحدى مدينتي طوس في القديم، والاُخرى «طابران» بالمهملة والمفردة المفتوحة بعد الألف، وقبل المهملة قبل الألف والنون، خربت وهي المعروفة الآن بطوس.(على دعوة) أي بُعدها مقدار نعرة، فالظرف متعلّق بمثله المؤخّر الذي هو خبر مبتدأ محذوف، أي هي على دعوة، أو نعت آخر للقرية.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ(2) ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ عليه السلام : «هَلْ عَلِمْتَ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قَدِمَ ؟» . قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «بَلى ، قَدْ قَدِمَ رَجُلٌ ، فَانْطَلِقْ بِنَا». فَرَكِبَ وَ رَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّجُلِ ، فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَعَهُ رَقِيقٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : اعْرِضْ عَلَيْنَا ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا سَبْعَ جَوَارٍ ، كُلَّ ذلِكَ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا». ثُمَّ قَالَ : «اعْرِضْ عَلَيْنَا» فَقَالَ : مَا عِنْدِي إِلَّا جَارِيَةٌ مَرِيضَةٌ ، فَقَالَ لَهُ : «مَا عَلَيْكَ أَنْ تَعْرِضَهَا» فَأَبى عَلَيْهِ ، فَانْصَرَفَ .ثُمَّ أَرْسَلَنِي مِنَ الْغَدِ ، فَقَالَ : «قُلْ لَهُ : كَمْ كَانَ غَايَتُكَ فِيهَا؟ فَإِذَا قَالَ : كَذَا وَ كَذَا ، فَقُلْ لَهُ (3) : قَدْ أَخَذْتُهَا». فَأَتَيْتُهُ ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَنْقُصَهَا مِنْ كَذَا وَ كَذَا ، فَقُلْتُ : قَدْ أَخَذْتُهَا ، فَقَالَ : هِيَ لَكَ ، وَ لكِنْ أَخْبِرْنِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ ؟ فَقُلْتُ : رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، فَقَالَ (4) : مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ ؟ فَقُلْتُ : مَا عِنْدِي أَكْثَرُ مِنْ هذَا ، فَقَالَ : أُخْبِرُكَ عَنْ هذِهِ الْوَصِيفَةِ :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 83.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن هشام بن أحمر».
3- .في الكافي المطبوع : - «له».
4- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 447

إِنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ ، فَلَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَالَتْ : مَا هذِهِ الْوَصِيفَةُ مَعَكَ ؟ فَقُلْتُ (1) : اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي ، فَقَالَتْ : مَا يَكُونُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هذِهِ عِنْدَ مِثْلِكَ ؛ إِنَّ هذِهِ الْجَارِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَلَا تَلْبَثُ (2) إِلَّا قَلِيلًا حَتّى تَلِدَ مِنْهُ غُلَاماً مَا يُولَدُ بِشَرْقِ الْأَرْضِ وَ لَا غَرْبِهَا مِثْلُهُ .قَالَ : فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَلَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا حَتّى وَلَدَتِ الرِّضَا عليه السلام .

هديّة:(من أهل المغرب) أي من المسافرين إلى المغرب.واحتمل برهان الفضلاء : «معه رفيق» بالفاء؛ لتلائم الفقرات. وهو حسنٌ، إلّا أنّ الظاهر ما ترى، على أنّ تقدير «متاعك» بعد (اعرض) أو «ما معك» أو نحوهما لا وجه له. و«الرقيق» على فعيل، جمع «الرّق» بالكسر، خلاف الحرّ.وصف الغلام كحسن: بلغ الخدمة، فهو وصيف، وهي وصيفة. قيل: فلعلّ المرأة حوريّة متمثّلة لتقول ما قالت بإذن اللَّه لحِكُم ومصالح شتّى أو ملك، أو جنّية.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ،(3) قَالَ : لَمَّا مَضى أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، وَ تَكَلَّمَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، خِفْنَا عَلَيْهِ مِنْ ذلِكَ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ قَدْ أَظْهَرْتَ أَمْراً عَظِيماً ، وَ إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ هذِهِ الطَّاغِيَةَ ، قَالَ : فَقَالَ : «لِيَجْهَدْ جَهْدَهُ ؛ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيَّ» .

هديّة:(وتكلّم أبو الحسن عليه السلام) يعني بعد الصمت في إمامة أبيه عليهما السلام عن الحكم بالإمامة بين الناس. (وهذه الطاغية) هارون، والتاء للمبالغة.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قلت».
2- .في الكافي المطبوع : + «عنده».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عمّن ذكره ، عن صفوان بن يحيى».

ص: 448

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(1) عَنْ أَخِيهِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ (2)الرِّضَا عليه السلام فِي بَيْتٍ دَاخِلٍ فِي جَوْفِ بَيْتٍ لَيْلًا ، فَرَفَعَ يَدَهُ ، فَكَانَتْ كَأَنَّ فِي الْبَيْتِ عَشَرَةَ مَصَابِيحَ ، وَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ، فَخَلّى يَدَهُ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ .

هديّة:إذا لم تكن العشرة ذكرت مثالاً للكثرة، فالمراد باليد اليدان في الموضعين.(فخلّى يده) بالتشديد، أي ترك رفعها، خَلَّيتُه : تَرَكْتُه، أو المعنى جمع أصابعه، من خلوت إليه: إذا اجتمعت معه في خلوة، فيتعدّى بالتشديد. وقرأ برهان الفضلاء : «فجلا به» بالجيم والتخفيف، قال: جلا يتعدّى ولا يتعدّى، فالباء في «به» على الأوّل بمعنى «في» أي فأوقد في البيت مصباحاً، ثمّ أذِنَ له. وعلى الثاني للتعدية، أي فأضاء البيت بمصباح، ثمّ أذن له.فإن قيل: لا حاجة إلى مثل التكلّف هنا؛ لعدم شي ء دالّ على أنّه عليه السلام كان جالساً في بيت مظلم، بل حكاية زمان المعجزة ومكانه.قلنا: نعم، إلّا أنّ ظاهره غير غنيّ عن توجيه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(3) عَنِ الْغِفَارِيِّ ، قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ - مَوْلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، يُقَالُ لَهُ : طَيْسٌ - عَلَيَّ حَقٌّ ، فَتَقَاضَانِي ، وَ أَلَحَّ عَلَيَّ ، وَ أَعَانَهُ النَّاسُ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذلِكَ ، صَلَّيْتُ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ تَوَجَّهْتُ نَحْوَ الرِّضَا عليه السلام وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْعُرَيْضِ ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْ بَابِهِ فَإِذَا(4) هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلى حِمَارٍ ، وَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَ رِدَاءٌ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن منصور».
2- .في الكافي المطبوع : - «أبي الحسن».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن ابن جمهور ، عن إبراهيم بن عبد اللَّه، عن أحمد بن عبد اللَّه».
4- .في الكافي المطبوع : «إذا».

ص: 449

فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ، فَلَمَّا لَحِقَنِي وَقَفَ ، فَنَظَرَ(1) إِلَيَّ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ - وَ كَانَ شَهْرَ رَمَضَانَ - فَقُلْتُ : جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، إِنَّ لِمَوْلَاكَ طَيْسٍ عَلَيَّ حَقّاً ، وَ قَدْ وَ اللَّهِ شَهَرَنِي وَ أَنَا أَظُنُّ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْكَفِّ عَنِّي ، وَ وَ اللَّهِ مَا قُلْتُ لَهُ : كَمْ لَهُ عَلَيَّ ، وَ لَا سَمَّيْتُ لَهُ شَيْئاً .فَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ إِلى رُجُوعِهِ ، فَلَمْ أَزَلْ حَتّى صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ وَ أَنَا صَائِمٌ ، فَضَاقَ صَدْرِي ، وَ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلَيَّ وَ حَوْلَهُ النَّاسُ ، وَ قَدْ قَعَدَ لَهُ السُّؤَّالُ وَ هُوَ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ ، فَمَضى وَ دَخَلَ بَيْتَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ وَ دَعَانِي ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَ دَخَلْتُ مَعَهُ ، فَجَلَسَ وَ جَلَسْتُ ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ - وَ كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ ، وَ كَانَ كَثِيراً مَا أُحَدِّثُهُ عَنْهُ - فَلَمَّا فَرَغْتُ ، قَالَ : «لَا أَظُنُّكَ أَفْطَرْتَ بَعْدُ» فَقُلْتُ : لَا ، فَدَعَا لِي بِطَعَامٍ . فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيَّ ، وَ أَمَرَ الْغُلَامَ أَنْ يَأْكُلَ مَعِي ، فَأَصَبْتُ وَ الْغُلَامَ مِنَ الطَّعَامِ .فَلَمَّا فَرَغْنَا ، قَالَ لِيَ : «ارْفَعِ الْوِسَادَةَ ، وَ خُذْ مَا تَحْتَهَا» فَرَفَعْتُهَا فَإِذَا(2)دَنَانِيرُ ، فَأَخَذْتُهَا وَ وَضَعْتُهَا فِي كُمِّي ؛ وَ أَمَرَ أَرْبَعَةً مِنْ عَبِيدِهِ أَنْ يَكُونُوا مَعِي حَتّى يُبْلِغُونِي مَنْزِلِي .فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ طَائِفَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ يَدُورُ ، وَ أَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانِي وَ مَعِي عَبِيدُكَ ، فَقَالَ لِي : «أَصَبْتَ ، أَصَابَ اللَّهُ بِكَ الرَّشَادَ» وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إِذَا رَدَدْتُهُمْ ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْ مَنْزِلِي وَ آنَسْتُ ، رَدَدْتُهُمْ .فَصِرْتُ إِلى مَنْزِلِي ، وَ دَعَوْتُ بِالسِّرَاجِ ، وَ نَظَرْتُ إِلَى الدَّنَانِيرِ فَإِذَا(3) هِيَ ثَمَانِيَةٌ وَ أَرْبَعُونَ دِينَاراً ، وَ كَانَ حَقُّ الرَّجُلِ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً وَ عِشْرِينَ دِينَاراً ، وَ كَانَ فِيهَا دِينَارٌ يَلُوحُ ، فَأَعْجَبَنِي حُسْنُهُ ، فَأَخَذْتُهُ وَ قَرَّبْتُهُ مِنَ السِّرَاجِ ، فَإِذَا عَلَيْهِ نَقْشٌ وَاضِحٌ : «حَقُّ الرَّجُلِ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً ، وَ مَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ». وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا عَرَفْتُهُ 4 مَا لَهُ عَلَيَّ ؛ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الَّذِي أَعَزَّ وَلِيَّهُ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «و نظر».
2- .في الكافي المطبوع : «و إذا».
3- .في الكافي المطبوع : «عرفت».

ص: 450

هديّة:«أبو رافع» اسمه إبراهيم على أصحّ الأقوال، وقيل: أسلم، وقيل: يزيد، وقيل: ثابت، كان عتيق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ثقة، شهد المشاهد مع النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ولزم أمير المؤمنين عليه السلام بعده، وكان من خيار الشيعة. و«الطيس» بفتح المهملة الاُولى: الكثير من الرمل والماء.(وكان شهر رمضان)، رفع «الشهر» ونصبه على الجواز، شهرت الأمر كمنع فاشتهر، وكذا شهّرته تشهيراً، أو يشدّد للمبالغة ولم يفرق الجوهري.(1)(والغلام) بالنصب، أي مع الغلام.و(الوسادة) بالفتح ويكسر.آنسه إيناساً: أبصره، وقرأ برهان الفضلاء : «اُنست» من باب علم ونصر وضرب، من الاُنس خلاف الوحشة، وضبط أيضاً «ما عرفت» بدون البارز، وقال: يحتمل تشديد الراء وتخفيفها، فعلى الثاني، يعني كنت نسبته لطول العهد، و«ما» الاُولى على النسختين نافية.(أعزّ وليّه) يحتمل أن يكون شكراً لنعمة التشيّع، يعني بمعرفة الإمام.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الَّتِي خَرَجَ (2) فِيهَا هَارُونُ يُرِيدُ الْحَجَّ ، فَانْتَهى إِلى جَبَلٍ - عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ ، وَ أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلى مَكَّةَ - يُقَالُ لَهُ : فَارِعٌ ، فَنَظَرَ عليه السلام إِلَيْهِ (3) ، ثُمَّ قَالَ : «بَانِي فَارِعٍ ، وَ هَادِمُهُ يُقَطَّعُ إِرْباً إِرْباً». فَلَمْ نَدْرِ مَا مَعْنى ذلِكَ ؟ فَلَمَّا وَلّى وَافى هَارُونُ ، نَزَلَ (4) بِذلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَ صَعِدَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيى ذلِكَ الْجَبَلَ ، وَ أَمَرَ أَنْ يُبْنى لَهُ ثَمَّ مَجْلِسٌ ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ

.


1- .الصحاح ، ج 2 ، ص 705 (شهر).
2- .في الكافي المطبوع : «حجّ».
3- .في الكافي المطبوع : + «أبو الحسن عليه السلام».
4- .في الكافي المطبوع : «و نزل» بالواو.

ص: 451

مَكَّةَ صَعِدَ إِلَيْهِ ، فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْعِرَاقِ ، قُطِّعَ إِرْباً إِرْباً .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «خَرَجَ فيها» مكان (خرج فيها).و«الفارع» بالفاء: العالي جدّاً، واسم جبل بين الحرمين. قيل: يمكن أن يكون وجه التسمية إشرافه على الفرع بالضمّ، قرية قرب غدير خمّ.(يقطّع) على المجهول من التفعيل. ضبط برهان الفضلاء : «ونزل» بالواو، كما في بعض النسخ، فالمعنى على الأكثر فلمّا ارتحل عليه السلام عن المنزل الذي يرى منه الفارع صادف هارون عند الوصول إلى فارع، ف «هارون» نصب، وعلى البعض رفع، فالمعنى فلمّا ذهب عليه السلام أتى هارون ونزل. وهذه أوضح.(مجلس) أي صفة لمجلس شراب الخمر.(وجعفر بن يحيى) البرمكي وزير هارون.و«الإرب» بالكسر: العضو.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ الْقَاسِمِ ،(1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسى ، قَالَ : أَلْحَحْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي شَيْ ءٍ أَطْلُبُهُ مِنْهُ ، فَكَانَ يَعِدُنِي ، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ لِيَسْتَقْبِلَ وَالِيَ الْمَدِينَةِ وَ كُنْتُ مَعَهُ ، فَجَاءَ إِلى قُرْبِ قَصْرِ فُلَانٍ ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَاتٍ وَ نَزَلْتُ أَنَا مَعَهُ (2) ، وَ لَيْسَ مَعَنَا ثَالِثٌ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا الْعِيدُ قَدْ أَظَلَّنَا ، وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا أَمْلِكُ دِرْهَماً فَمَا سِوَاهُ ، فَحَكَّ بِسَوْطِهِ الْأَرْضَ حَكّاً شَدِيداً ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ ، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا سَبِيكَةَ ذَهَبٍ ، ثُمَّ قَالَ : «انْتَفِعْ بِهَا ، وَ اكْتُمْ مَا رَأَيْتَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن حمزة بن القاسم».
2- .في الكافي المطبوع : «معه أنا» بدل «أنا معه».

ص: 452

هديّة:(قصر فلان) لعلّ عدم التصريح لكراهة ذكر الاسم ، فإنّ من القصور العشرة التي في حوالى المدينة قصر معاوية ومثله من بني اُميّة وغيرهم من حكّام الجور، وكان قصر معاوية سمّي ب «قصر الخلّ» بفتح المعجمة وتشديد اللام؛ لبنائه إيّاه بالعنف والتعدّي.(في شي ء أطلبه منه) أي أمرٍ عجيب من الدلالات وخرق العادات. ولعلّه عليه السلام أمَرَه بالكتمان عن غير الشيعة، فلا مخالفة لأمره عليه السلام.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ وَ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ جَمِيعاً ، قَالَ : لَمَّا انْقَضى أَمْرُ الْمَخْلُوعِ ، وَ اسْتَوَى الْأَمْرُ لِلْمَأْمُونِ ، كَتَبَ إِلَى الرِّضَا عليه السلام يَسْتَقْدِمُهُ إِلى خُرَاسَانَ ، فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِعِلَلٍ ، فَلَمْ يَزَلِ الْمَأْمُونُ يُكَاتِبُهُ فِي ذلِكَ حَتّى عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ ، وَ أَنَّهُ لَا يَكُفُّ عَنْهُ ، فَخَرَجَ عليه السلام وَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام سَبْعُ سِنِينَ - فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ : لَا تَأْخُذْ عَلى طَرِيقِ الْجَبَلِ وَ قُمَّ ، وَ خُذْ عَلى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ وَ الْأَهْوَازِ وَ فَارِسَ - حَتّى وَافى مَرْوَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَأْمُونُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْأَمْرَ وَ الْخِلَافَةَ ، فَأَبى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : فَوِلَايَةَ الْعَهْدِ ، فَقَالَ : «عَلى شُرُوطٍ أَسْأَلُكَهَا». قَالَ الْمَأْمُونُ (1) : سَلْ مَا شِئْتَ ، فَكَتَبَ الرِّضَا عليه السلام : «إِنِّي دَاخِلٌ فِي وِلَايَةِ الْعَهْدِ عَلى أَنْ لَا آمُرَ وَ لَا أَنْهى ، وَ لَا أُفْتِيَ وَ لَا أَقْضِيَ ، وَ لَا أُوَلِّيَ وَ لَا أَعْزِلَ ، وَ لَا أُغَيِّرَ شَيْئاً مِمَّا هُوَ قَائِمٌ ، وَ تُعْفِيَنِي مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ» . فَأَجَابَهُ الْمَأْمُونُ إِلى ذلِكَ كُلِّهِ .قَالَ : فَحَدَّثَنِي يَاسِرٌ ، قَالَ : فَلَمَّا حَضَرَ الْعِيدُ ، بَعَثَ الْمَأْمُونُ إِلَى الرِّضَا عليه السلام يَسْأَلُهُ أَنْ يَرْكَبَ ، وَ يَحْضُرَ الْعِيدَ ، وَ يُصَلِّيَ وَ يَخْطُبَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الرِّضَا عليه السلام : «قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ مِنَ الشُّرُوطِ فِي دُخُولِ هذَا الْأَمْرِ». فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ : إِنَّمَا أُرِيدُ بِذلِكَ أَنْ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُ النَّاسِ وَ يَعْرِفُوا فَضْلَكَ ، فَلَمْ يَزَلْ عليه السلام يُرَادُّهُ الْكَلَامَ فِي ذلِكَ ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ أَعْفَيْتَنِي مِنْ ذلِكَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ ، وَ إِنْ لَمْ تُعْفِنِي خَرَجْتُ كَمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «له».

ص: 453

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام». فَقَالَ الْمَأْمُونُ : اخْرُجْ كَيْفَ شِئْتَ ، وَ أَمَرَ الْمَأْمُونُ الْقُوَّادَ وَ النَّاسَ أَنْ يُبَكِّرُوا إِلى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام .قَالَ : فَحَدَّثَنِي يَاسِرٌ الْخَادِمُ : أَنَّهُ قَعَدَ النَّاسُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي الطُّرُقَاتِ وَ السُّطُوحِ - الرِّجَالُ ، وَ النِّسَاءُ ، وَ الصِّبْيَانُ - وَ اجْتَمَعَ الْقُوَّادُ وَ الْجُنْدُ عَلى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ عليه السلام فَاغْتَسَلَ وَ تَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ مِنْ قُطْنٍ ، أَلْقى طَرَفاً مِنْهَا عَلى صَدْرِهِ ، وَ طَرَفاً بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَ تَشَمَّرَ ، ثُمَّ قَالَ لِجَمِيعِ مَوَالِيهِ : «افْعَلُوا مِثْلَ مَا فَعَلْتُ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ عُكَّازاً ، ثُمَّ خَرَجَ وَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُوَ حَافٍ قَدْ شَمَّرَ سَرَاوِيلَهُ إِلى نِصْفِ السَّاقِ ، وَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ مُشَمَّرَةٌ.قَالَ (1): فَلَمَّا مَشى وَ مَشَيْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ كَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ، فَخُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّ السَّمَاءَ وَ الْحِيطَانَ تُجَاوِبُهُ، وَ الْقُوَّادُ وَ النَّاسُ عَلَى الْبَابِ قَدْ تَهَيَّأُوا وَ لَبِسُوا السِّلَاحَ ، وَ تَزَيَّنُوا بِأَحْسَنِ الزِّينَةِ ، فَلَمَّا طَلَعْنَا عَلَيْهِمْ بِهذِهِ الصُّورَةِ ، وَ طَلَعَ الرِّضَا عليه السلام ، وَقَفَ عَلَى الْبَابِ وَقْفَةً ، ثُمَّ قَالَ : «اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلى مَا هَدَانَا ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلى مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى مَا أَبْلَانَا» ، نَرْفَعُ بِهَا أَصْوَاتَنَا .قَالَ يَاسِرٌ : فَتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بِالْبُكَاءِ وَ الضَّجِيجِ وَ الصِّيَاحِ لَمَّا نَظَرُوا إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ سَقَطَ الْقُوَّادُ عَنْ دَوَابِّهِمْ ، وَ رَمَوْا بِخِفَافِهِمْ لَمَّا رَأَوْا أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام حَافِياً ، وَ كَانَ يَمْشِي وَ يَقِفُ فِي كُلِّ عَشْرِ خُطُوَاتٍ ، وَ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .قَالَ يَاسِرٌ : فَيُخَيَّلُ (2) إِلَيْنَا أَنَّ السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ الْجِبَالَ تُجَاوِبُهُ ، وَ صَارَتْ مَرْوُ ضَجَّةً وَاحِدَةً مِنَ الْبُكَاءِ ، وَ بَلَغَ الْمَأْمُونَ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ذُو الرِّئَاسَتَيْنِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ بَلَغَ الرِّضَا الْمُصَلّى عَلى هذَا السَّبِيلِ افْتَتَنَ بِهِ النَّاسُ ، وَ الرَّأْيُ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ ، فَسَأَلَهُ الرُّجُوعَ ، فَدَعَا أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِخُفِّهِ ، فَلَبِسَهُ وَ رَكِبَ وَ رَجَعَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : - «قال».
2- .في الكافي المطبوع : «فتخيّل».

ص: 454

هديّة:(قال: لمّا انقضى) يعني قال ياسر؛ لأنّ نقل تمام الحديث منه، ونقله من الريّان إنّما هو بغير هذه الألفاظ.قال برهان الفضلاء: «المخلوع» يقال لخفيف العقل ولأمير خلع عن الإمارة، ولقّب الأمين أخو المأمون بالمخلوع لأنّه خلع عن الخلافة مرّة لخفّة عقله، وحكاياتُ خفّة عقله مشهورة، ثمّ تمكّن، ثمّ خلع ثانية واُريد قتله، فطلب الأمان فلم يعطه، فقتل في محرّم سنة ثمان وتسعين ومائة هجرية.وقال بعض المعاصرين: «المخلوع» هنا عمّ المأمون؛ فإنّه خلع عن الخلافة.(1) والصحيح ما قال برهان الفضلاء.والمراد بالجبل هنا بلاد الديلم، منها: الأهواز سبعة أو تسعة كور بين البصرة وفارس، منها: رامهرمز وشوشتر وبهبهان.(حتّى وافى مرو) وافاه: أتاه.واعلم أنّ كلّ اسم عربيّ إذا كان علماً لبلد ولم يكن فيه من العلل سوى العلميّة، فجايز صرفه باعتبار البلد، ومنعه باعتبار البلدة.خطب خطبة العيد كنصر.(تطمئن قلوب الناس) أي من اضطراب من عدم رضائهم بأمر ولاية العهد وتكلّمهم في ذلك سيّما العبّاسيّون.و(القوّاد): رؤساء الأجناد.في بعض النسخ : «يركبوا» مكان (يبكروا)، «بكر» كنصر، ومن التفعيل والإفعال والافتعال والمفاعلة كلّه بمعنى.

.


1- .الوفي ، ج 3 ، ص 821 ، ذيل ح 1429 ، وفيه هكذا : «أريد بالمخلوق أخو المأمون ؛ فإنّه خلع عن الخلافة» فالنسبة غير صحيح.

ص: 455

و«العكّاز»: بالضمّ والتشديد: عصا ذات حديدة في أسفلها.و«على» في المواضع الثلاثة متعلّقة بفعل مقدّر مفهوم من سابقها، أي نكبّره (على ما هدانا)، ونحمده (على ما رزقنا)، و«ما» مصدريّة في الجميع، وذكر (من بهيمة الأنعام) خاصّ بالأضحى، و«الأنعام» عند سيبويه مفرد بمعنى النعمة والزكويّات من الحيوان.قال في القاموس: «النعم» وقد تسكن عينه: الإبل والشّاء، أو خاصّ بالإبل، والجمع : أنعام، وجمع الجمع: أناعيم.(1)وظاهر القرآن أنّه مفرد وجمع؛ ففي سورة النحل: «وَإِنَّ لَكُمْ فِى الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِى بُطُونِهِ»(2) وفي سورة المؤمنون : «مِمّا فى بُطُونِها».(3)(نرفع بها) حاليّة، أي بالتكبيرات. و«الزعزع» بالزاءين المعجمتين والعينين المهملتين: الاضطراب والتحرّك.(فيخيّل إلينا) على المضارع المجهول من التفعيل، يعني فكان يخيّل ليطابق ما سبقه من قوله، فخيّل إلينا على المجهول أيضاً. و(ذوالرئاستين): رياسة القوّاد جميعاً، ورياسة الوزارة على أرباب الدواوين أيضاً.و«الافتتان» يتعدّى ولا يتعدّى، فتنته كنصر، وافتنته أيضاً فافتتن.

الحديث التاسع روى في الكافي عنه،(4) عَنْ يَاسِرٍ ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ الْمَأْمُونُ مِنْ خُرَاسَانَ يُرِيدُ بَغْدَادَ ، وَ خَرَجَ الْفَضْلُ ذُو الرِّئَاسَتَيْنِ ، وَ خَرَجْنَا مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَرَدَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ كِتَابٌ مِنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ وَ نَحْنُ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ : إِنِّي نَظَرْتُ فِي تَحْوِيلِ السَّنَةِ فِي حِسَابِ النُّجُومِ ، فَوَجَدْتُ فِيهِ أَنَّكَ تَذُوقُ فِي شَهْرِ كَذَا وَ كَذَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ حَرَّ الْحَدِيدِ وَ حَرَّ

.


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 182 (نعم).
2- .النحل (16): 66.
3- .المؤمنون (23) : 21.
4- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم» بدل «عنه».

ص: 456

النَّارِ ، وَ أَرى أَنْ تَدْخُلَ أَنْتَ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الرِّضَا الْحَمَّامَ فِي هذَا الْيَوْمِ ، وَ تَحْتَجِمَ فِيهِ ، وَ تَصُبَّ عَلى بَدَنِكَ (1) الدَّمَ لِيَزُولَ عَنْكَ نَحْسُهُ .فَكَتَبَ ذُو الرِّئَاسَتَيْنِ إِلَى الْمَأْمُونِ بِذلِكَ ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام ذلِكَ ، فَكَتَبَ الْمَأْمُونُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يَسْأَلُهُ ذلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «لَسْتُ بِدَاخِلٍ الْحَمَّامَ غَداً ، وَ لَا أَرى لَكَ وَ لَا لِلْفَضْلِ أَنْ تَدْخُلَا الْحَمَّامَ غَداً». فَأَعَادَ إِلَيْهِ (2) الرُّقْعَةَ مَرَّتَيْنِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَسْتُ بِدَاخِلٍ غَداً الْحَمَّامَ ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ فِي النَّوْمِ ، فَقَالَ لِي : يَا عَلِيُّ ، لَا تَدْخُلِ الْحَمَّامَ غَداً ، وَ لَا أَرى لَكَ وَ لَا لِلْفَضْلِ أَنْ تَدْخُلَا الْحَمَّامَ غَداً». فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ : صَدَقْتَ يَا سَيِّدِي ، وَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، لَسْتُ بِدَاخِلٍ الْحَمَّامَ غَداً وَ الْفَضْلُ أَعْلَمُ .(3)فَقَالَ يَاسِرٌ : فَلَمَّا أَمْسَيْنَا وَ غَابَتِ الشَّمْسُ ، قَالَ لَنَا الرِّضَا عليه السلام : «قُولُوا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ» . فَلَمْ نَزَلْ نَقُولُ ذلِكَ ، فَلَمَّا صَلَّى الرِّضَا عليه السلام الصُّبْحَ ، قَالَ لِيَ : «اصْعَدْ(4)السَّطْحَ ، فَاسْتَمِعْ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئاً ؟» فَلَمَّا صَعِدْتُ ، سَمِعْتُ الضَّجَّةَ وَ الْتَحَمَتْ وَ كَثُرَتْ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَأْمُونِ قَدْ دَخَلَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي كَانَ إِلى دَارِهِ مِنْ دَارِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ يَقُولُ : يَا سَيِّدِي يَا أَبَا الْحَسَنِ ، آجَرَكَ اللَّهُ فِي الْفَضْلِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى (5) وَ كَانَ دَخَلَ الْحَمَّامَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ ، فَقَتَلُوهُ ، وَ أُخِذَ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ(6) نَفَرٍ كَانَ أَحَدُهُمْ ابْنَ خَالَةِ الْفَضْلِ ابْنَ ذِي الْقَلَمَيْنِ .قَالَ : فَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ وَ الْقُوَّادُ ، وَ مَنْ كَانَ فِي (7) رِجَالِ الْفَضْلِ عَلى بَابِ الْمَأْمُونِ ، فَقَالُوا : هذَا

.


1- .في الكافي المطبوع : «يديك».
2- .في الكافي المطبوع : «عليه».
3- .في الكافي المطبوع : + «قال».
4- .في الكافي المطبوع : + «على».
5- .في الكافي المطبوع : «قد أبى».
6- .في الكافي المطبوع : «ثلاث».
7- .في الكافي المطبوع : «مِن».

ص: 457

اغْتَالَهُ وَ قَتَلَهُ - يَعْنُونَ الْمَأْمُونَ - وَ لَنَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ ، وَ جَاؤُوا بِالنِّيرَانِ لِيُحْرِقُوا الْبَابَ ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : يَا سَيِّدِي ، تَرى أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَ تُفَرِّقَهُمْ ؟قَالَ : فَقَالَ يَاسِرٌ : فَرَكِبَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ قَالَ لِيَ : «ارْكَبْ» فَرَكِبْتُ ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ بَابِ الدَّارِ ، نَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَ قَدْ تَزَاحَمُوا ، فَقَالَ لَهُمْ بِيَدِهِ : «تَفَرَّقُوا تَفَرَّقُوا» . قَالَ يَاسِرٌ : فَأَقْبَلَ النَّاسُ وَ اللَّهِ يَقَعُ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، وَ مَا أَشَارَ إِلى أَحَدٍ إِلَّا رَكَضَ وَ مَرَّ .

هديّة:(الأربعاء) بكسر المفردة ممدود.(والفضل أعلم) كأنّه قصد بإيهام لطيف أنّ المطاع إنّما هو فضل النبيّ وابنه صلى اللَّه عليه وآله، لا فضل الفضل وأخيه.في بعض النسخ : «سمعت الصيحة» مكان (سمعت الضجّة). و«الضجّة» أخصّ، وهي الصيحة في المصيبة.(والتحمت) يعني زادت ولصق بعضها ببعض، يُقال: ألحمت الحرب فالتحمت. وفي بعض النسخ : «والنحيب» بالحاء المهملة على فعيل، وهو رفع الصوت بالبكاء، مكان «والتحمت».(قد أتي) على المجهول، أي أصيب، وفي بعض النسخ: بالمفردة من الإباء، أي أبى قبول ذلك؛ و«من رجال الفضل» مكان (في رجال الفضل).غاله واغتاله: أخذه من حيث لم يدرِ، وكلّ ما اغتال الإنسان فأهلكه فهو غول، يُقال : قتله غيلةً بالكسر، وهو أن يخدعه فذهب به إلى موضع ليقتله.(ذي القلمين) نصب على البدل، أو عطف بيان.في إرشاد المفيد مكان (قال: فقال ياسر) «قال: نعم».(1)

.


1- .الإرشاد للمفيد ، ج 2 ، ص 266.

ص: 458

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الاثنين،(1) عَنْ مُسَافِرٍ ؛ وَ عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُسَافِرٍ ، قَالَ : لَمَّا أَرَادَ هَارُونُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنْ يُوَاقِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ ، قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : «اذْهَبْ إِلَيْهِ ، وَ قُلْ لَهُ : لَا تَخْرُجْ غَداً ؛ فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ غَداً هُزِمْتَ ، وَ قُتِلَ أَصْحَابُكَ ، فَإِنْ سَأَلَكَ : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هذَا ؟ فَقُلْ : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ» .فَقَالَ (2) : فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَا تَخْرُجْ غَداً ؛ فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ هُزِمْتَ ، وَ قُتِلَ أَصْحَابُكَ ، فَقَالَ (3) : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هذَا ؟ فَقُلْتُ : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ ، فَقَالَ : نَامَ الْعَبْدُ وَ لَمْ يَغْسِلِ اسْتَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَانْهَزَمَ ، وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ .قَالَ : وَ حَدَّثَنِي مُسَافِرٌ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام بِمِنى ، فَمَرَّ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ ، فَغَطّى رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ ، فَقَالَ : «مَسَاكِينُ لَا يَدْرُونَ مَا يَحُلُّ بِهِمْ فِي هذِهِ السَّنَةِ». ثُمَّ قَالَ : «وَ أَعْجَبُ مِنْ هذَا هَارُونُ وَ أَنَا كَهَاتَيْنِ» وَ ضَمَّ إِصْبَعَيْهِ .قَالَ مُسَافِرٌ : فَوَ اللَّهِ مَا عَرَفْتُ مَعْنى حَدِيثِهِ حَتّى دَفَنَّاهُ مَعَهُ .

هديّة:(مسافر) مولى الرضا عليه السلام وعتيقه.و(هارون بن المسيّب) كان والياً على المدينة من قبل هارون الرشيد.و(محمّد بن جعفر) الصادق عليه السلام كان من أئمّة الزيديّة، خرج بمكّة ولم يلبث إلّا قليلاً ، فغلب وانهزم ومات في خراسان. (يواقع): يحارب. قيل: وفي بعض النسخ: «يواقف» بتقديم القاف، والمواقفة: المحاربة، تقف معه ويقف معك للحرب.(إذهب إليه) أي إلى عمّي محمّد بن جعفر. وقال برهان الفضلاء: يعني إلى هارون بن المسيّب، اللّهمّ لماذا (رأيت في النوم) على التورية.

.


1- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : «قال».
3- .في الكافي المطبوع : + «لي».

ص: 459

(نام العبد ولم يغسل استه) كأنّه مثل يضرب للأضغاث الأحلام.في بعض النسخ : «فغطّى أنفه» مكان (فغطّى رأسه).(هارون و أنا) على الابتداء ، استيناف بيانيّ يبيّن المحذوف ، وهو خبر خبر (وأعجب).(حتى دفنّاه معه) يعني فعرفت أنّ معنى قوله عليه السلام : «هارون وأنا كهاتين» وفات هارون من قبل، وقرب المدفنين في سناباذ نوقان.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَمَلَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام مَالًا لَهُ خَطَرٌ ، فَلَمْ أَرَهُ سُرَّ بِهِ ، قَالَ : فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : قَدْ حَمَلْتُ مِثْلَ (2) هذَا الْمَالَ وَ لَمْ يُسَرَّ بِهِ ، فَقَالَ : «يَا غُلَامُ ، الطَّسْتَ وَ الْمَاءَ». قَالَ : فَقَعَدَ عَلى كُرْسِيٍّ وَ قَالَ بِيَدِهِ (3) لِلْغُلَامِ : «صُبَّ عَلَيَّ الْمَاءَ». قَالَ : فَجَعَلَ يَسِيلُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فِي الطَّسْتِ ذَهَبٌ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ لِي : «مَنْ كَانَ هكَذَا ، يُبَالِي (4) بِالَّذِي حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ» .

هديّة:(مالاً له خطر): شأن لكثرة.(سُرّبه) على ما لم يسمّ فاعله.ليس في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - لفظة (مثل) والأكثر أعرف في مقام المبالغة والتعجّب.(يبالي) على الاستفهام الإنكاري.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد».
2- .في الكافي المطبوع : - «مثل».
3- .في الكافي المطبوع : + «و قال».
4- .في الكافي المطبوع : «لا يبالي».

ص: 460

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (1) ، قَالَ : قُبِضَ عَلِيُّ بْنُ مُوسى عليهما السلام - وَ هُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ أَشْهُرٍ - فِي سِنَةِ اثْنَتَيْنِ وَ مِائَتَيْنِ ؛ عَاشَ بَعْدَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام عِشْرِينَ سَنَةً إِلَّا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً .

هديّة:قد عرفت الأقصد من الخلاف في تاريخه عليه السلام نقلاً من الكافي والتهذيب.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان».

ص: 461

باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثّاني

الباب الثاني والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الثَّانِي عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ ثلاثة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام (1) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ فِي آخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ شَهْرَيْنِ وَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً ؛ وَ دُفِنَ بِبَغْدَادَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ عِنْدَ قَبْرِ جَدِّهِ مُوسى عليه السلام ، وَ قَدْ كَانَ الْمُعْتَصِمُ أَشْخَصَهُ إِلى بَغْدَادَ فِي أَوَّلِ هذِهِ السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا عليه السلام ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : سَبِيكَةُ ، نُوبِيَّةٌ . وَ قِيلَ أَيْضاً : إِنَّ اسْمَهَا كَانَ خَيْزُرَانَ . وَ رُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(ولد) الجواد (أبو جعفر) الثاني (محمّد بن علي) بن موسى بن جعفر عليهما السلام زمن محمّد بن هارون الملقّب بالأمين والمخلوع، سادس خلفاء بني العبّاس. ووافق الشيخ في التهذيب ثقة الإسلام في تاريخ الولادة وتاريخ مضيّه عليه السلام، ثمّ قال: وله يومئذ خمس وعشرون سنة، واُمّه اُمُّ ولدٍ يُقال لها: الخيرزان، وكانت من أهل بيت مارية القبطيّة، ودفن ببغداد في مقابر قريش في ظهر جدّه موسى عليه السلام.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع : - «أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام».
2- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 90.

ص: 462

(نوبيّة) نسبة إلى نوبة بالضمّ، جيل من السودان، هو نوبيّ، وهي نوبيّة.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ القمّي،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ - قَالَ مُحَمَّدٌ : وَ كَانَ زَيْدِيّاً - قَالَ : كُنْتُ بِالْعَسْكَرِ ، فَبَلَغَنِي أَنَّ هُنَاكَ رَجُلاً مَحْبُوساً أُتِيَ بِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ مَكْبُولًا ، وَ قَالُوا : إِنَّهُ تَنَبَّأَ . قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ : فَأَتَيْتُ الْبَابَ ، وَ دَارَيْتُ الْبَوَّابِينَ وَ الْحَجَبَةَ حَتّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا رَجُلٌ (2)فَهْمٌ ، فَقُلْتُ : يَا هذَا ، مَا قِصَّتُكَ وَ مَا أَمْرُكَ ؟قَالَ : إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا بِالشَّامِ أَعْبُدُ اللَّهَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : مَوْضِعُ رَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَبَيْنَا أَنَا فِي عِبَادَتِي إِذْ أَتَانِي شَخْصٌ ، فَقَالَ لِي : «قُمْ بِنَا» فَقُمْتُ مَعَهُ ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ ، فَقَالَ لِي : «تَعْرِفُ هذَا الْمَسْجِدَ ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، هذَا مَسْجِدُ الْكُوفَةِ ، قَالَ : فَصَلّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله بِالْمَدِينَةِ ، فَسَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَسَلَّمْتُ (3) ، وَ صَلّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ ، وَ صَلّى عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا بِمَكَّةَ ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتّى قَضى مَنَاسِكَهُ وَ قَضَيْتُ مَنَاسِكِي مَعَهُ ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ بِالشَّامِ .وَ مَضَى الرَّجُلُ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ ، إِذَا أَنَا بِهِ ، فَفَعَلَ (4) مِثْلَ فَعْلَتِهِ الْأُولى ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ مَنَاسِكِنَا ، وَ رَدَّنِي إِلَى الشَّامِ ، وَ هَمَّ بِمُفَارَقَتِي ، قُلْتُ لَهُ : سَأَلْتُكَ بِالْحَقِ الَّذِي أَقْدَرَكَ عَلى مَا رَأَيْتُ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسى» .قَالَ : فَتَرَاقَى الْخَبَرُ حَتَّى انْتَهى إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ ، فَبَعَثَ إِلَيَّ ، وَ أَخَذَنِي ، وَ كَبَّلَنِي فِي الْحَدِيدِ ، وَ حَمَلَنِي إِلَى الْعِرَاقِ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَارْفَعِ الْقِصَّةَ إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَفَعَلَ وَ ذَكَرَ فِي قِصَّتِهِ مَا كَانَ ، فَوَقَّعَ فِي قِصَّتِهِ : قُلْ لِلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنَ الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أحمد بن إدريس» بدل «القمّي».
2- .في الكافي المطبوع : + «له».
3- .في الكافي المطبوع : «و سلّمت».
4- .في الكافي المطبوع : «فعل».

ص: 463

إِلَى الْكُوفَةِ ، وَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى مَكَّةَ ، وَ رَدَّكَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْ حَبْسِكَ هذَا .قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ : فَغَمَّنِي ذلِكَ مِنْ أَمْرِهِ ، وَ رَقَقْتُ لَهُ ، وَ أَمَرْتُهُ بِالْقَرَارِ(1) وَ الصَّبْرِ ، قَالَ : ثُمَّ بَكَّرْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا الْجُنْدُ وَ صَاحِبُ الْحَرَسِ وَ صَاحِبُ السِّجْنِ وَ خَلْقُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : مَاذَا(2) ؟ فَقَالُوا : الْمَحْمُولُ مِنَ الشَّامِ - الَّذِي تَنَبَّأَ - افْتُقِدَ الْبَارِحَةَ ، فَلَا يُدْرى أَ خَسَفَتْ بِهِ الْأَرْضُ ، أَوِ اخْتَطَفَهُ الطَّيْرُ؟

هديّة:(وكان زيديّاً) يعني عليّ بن خالد.(والحجبة) جمع حاجب كطالب وطلبة. كبله بالمفردة كضرب، والكبل: القيد الضخم، والمكبول: المقيّد بالحديد.و«المتنبّي»: المتكلّف النبوّة.(فإذا رجل فهم) «إذا» للمفاجأة، و«إذ» بدون الألف لما مضى من الزمان، وقد تكون للمفاجأة كإذا، كما في بعض النسخ في مواضع في هذا الخبر، مثل «إذ أنا به» بدون الألف.و«الفعلة» بالفتح مصدر والتاء للوحدة النوعيّة.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «بحقّ الذي» مكان (بالحقّ الذي) وهو أظهر.(تراقى) تفاعل للمبالغة في الارتقاء، يعني اشتهر بحيث وصل إلى الوالي.(الزيّات) وصف ل (عبد الملك).(وذكر في قصّته) أي في حاشية كتاب قصّته.في بعض النسخ : «بالعزاء» بمعنى الصبر على المصيبة مكان بالقرار، و«القرار» أحقّ بالقرار في المكان.

.


1- .في الكافي المطبوع : «بالعزاء».
2- .في الكافي المطبوع : «ما هذا».

ص: 464

و(الحرس) بالتحريك: اسم الجمع، يعني الحرّاس.و(البارحة): الليلة الماضية من الزوال إلى الصبح، وقيل: إلى نصف الليل.في بعض النسخ : «ما هذا» مكان (ماذا).خسف اللَّه به الأرض كضرب.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده (1) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَزِينٍ - قَالَ : كُنْتُ مُجَاوِراً بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ (2) صلى اللَّه عليه وآله - وَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَجِي ءُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ الزَّوَالِ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَيَنْزِلُ فِي الصَّحْنِ ، وَ يَصِيرُ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، وَ يَرْجِعُ إِلى بَيْتِ فَاطِمَةَ عليها السلام ، فَيَخْلَعُ نَعْلَيْهِ ، وَ يَقُومُ ، فَيُصَلِّي ، فَوَسْوَسَ إِلَيَّ الشَّيْطَانُ ، فَقَالَ : إِذَا نَزَلَ ، فَاذْهَبْ حَتّى تَأْخُذَ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يَطَأُ عَلَيْهِ ، فَجَلَسْتُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنْتَظِرُهُ لِأَفْعَلَ هذَا .فَلَمَّا أَنْ كَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ ، أَقْبَلَ عليه السلام عَلى حِمَارٍ لَهُ ، فَلَمْ يَنْزِلْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِيهِ ، وَ جَاءَ حَتّى نَزَلَ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلى بَابِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ دَخَلَ ، فَسَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، فَفَعَلَ هذَا أَيَّاماً ، فَقُلْتُ : إِذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ جِئْتُ فَأَخَذْتُ الْحَصَى الَّذِي يَطَأُ عَلَيْهِ بِقَدَمَيْهِ .فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ ، جَاءَ عِنْدَ الزَّوَالِ ، فَنَزَلَ عَلَى الصَّخْرَةِ ، ثُمَّ دَخَلَ ، فَسَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، فَصَلّى فِي نَعْلَيْهِ وَ لَمْ يَخْلَعْهَا(3) ، حَتّى فَعَلَ ذلِكَ أَيَّاماً ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَمْ يَتَهَيَّأْ لِي هاهُنَا ، وَ لكِنْ أَذْهَبُ إِلى بَابِ الْحَمَّامِ ، فَإِذَا دَخَلَ (4)

.


1- .هكذا في «الف» و «د» و هو غير صحيح ، لأنّ السند في الكافي المطبوع بدأ بالحسين بن محمّد الأشعري و هو من مشايخ الكليني.
2- .في الكافي المطبوع : «بالمدينة مدينة الرسول» بدل «بمدينة الرسول».
3- .في الكافي المطبوع : «ولم يخلعهما».
4- .في الكافي المطبوع : + «إلى».

ص: 465

الْحَمَّامَ ، أَخَذْتُ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يَطَأُ عَلَيْهِ ، فَسَأَلْتُ عَنِ الْحَمَّامِ الَّذِي يَدْخُلُهُ ، فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ يَدْخُلُ حَمَّاماً بِالْبَقِيعِ لِرَجُلٍ مِنْ وُلْدِ طَلْحَةَ ، فَتَعَرَّفْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْحَمَّامَ ، فَصِرْتُ (1) إِلى بَابِ الْحَمَّامِ ، وَ جَلَسْتُ إِلَى الطَّلْحِيِّ أُحَدِّثُهُ وَ أَنَا أَنْتَظِرُ مَجِيئَهُ عليه السلام ، فَقَالَ الطَّلْحِيُّ : إِنْ أَرَدْتَ دُخُولَ الْحَمَّامِ ، فَقُمْ ، فَادْخُلْ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَكَ ذلِكَ بَعْدَ سَاعَةٍ .قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : لِأَنَّ ابْنَ الرِّضَا يُرِيدُ دُخُولَ الْحَمَّامِ ، قَالَ : قُلْتُ : وَ مَنِ ابْنُ الرِّضَا ؟ قَالَ : رَجُلٌ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، لَهُ صَلَاحٌ وَ وَرَعٌ ، قُلْتُ لَهُ : وَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ الْحَمَّامَ غَيْرُهُ ؟ قَالَ : نُخْلِي لَهُ الْحَمَّامَ إِذَا جَاءَ .قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عليه السلام وَ مَعَهُ غِلْمَانٌ لَهُ ، وَ بَيْنَ يَدَيْهِ غُلَامٌ مَعَهُ حَصِيرٌ حَتّى أَدْخَلَهُ الْمَسْلَخَ ، فَبَسَطَهُ وَ وَافى ، فَسَلَّمَ وَ دَخَلَ الْحُجْرَةَ عَلى حِمَارِهِ ، وَ دَخَلَ الْمَسْلَخَ ، وَ نَزَلَ عَلَى الْحَصِيرِ .فَقُلْتُ لِلطَّلْحِيِّ : هذَا الَّذِي وَصَفْتَهُ (2) مِنَ الصَّلَاحِ وَ الْوَرَعِ ؟ فَقَالَ : يَا هذَا ، لَا وَ اللَّهِ ، مَا فَعَلَ هذَا قَطُّ إِلَّا فِي هذَا الْيَوْمِ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هذَا مِنْ عَمَلِي أَنَا جَنَيْتُهُ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَنْتَظِرُهُ حَتّى يَخْرُجَ ، فَلَعَلِّي أَنَالُ مَا أَرَدْتُ إِذَا خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ وَ تَلَبَّسَ ، دَعَا بِالْحِمَارِ ، فَأُدْخِلَ الْمَسْلَخَ وَ رَكِبَ مِنْ فَوْقِ الْحَصِيرِ وَ خَرَجَ عليه السلام .فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : قَدْ - وَ اللَّهِ - آذَيْتُهُ وَ لَا أَعُودُ أَرُومُ (3) مَا رُمْتُ مِنْهُ أَبَداً ، وَ صَحَّ عَزْمِي عَلى ذلِكَ ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ ، أَقْبَلَ عَلى حِمَارِهِ حَتّى نَزَلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِيهِ فِي الصَّحْنِ ، فَدَخَلَ وَ سَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ جَاءَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ ، وَ قَامَ يُصَلِّي .

هديّة:منعه عليه السلام إيّاه ذلك إمّا دليل من دلايل الإمامة، أو لكراهة الفعل الشبيه بفعل السامري ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «و صرت».
2- .في الكافي المطبوع : + «بما وصفت».
3- .في الكافي المطبوع : «ولا أروم».

ص: 466

أو للحذر عن الشهرة، أو لقصد الرجل تهيئة الاكسير لعمل الكيمياء، أو لحيلة اُخرى، والعلم عند اللَّه وحججه عليهم السلام.و(الطلحي) بفتحتين وتسكن اللام: نسبة إلى طلحة.(تعرّفت) على المعلوم من التفعّل، أي تطلّبت حتّى عرفت، و«التطلّب»: مبالغة في الطلب.(جنيته): آذيته من الجناية بالجيم، وقيل: الظاهر جفيته من الجفاء؛ لأنّ الجناية يتعدّى ب «على».أقول: يُقال: جفوته. قال الجوهري: ولا تقل جفيته بالياء(1) فجنيته بالنون على تضمين معنى آذيته.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ الاثنين،(2) عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيَّ ، فَنَظَرْتُ إِلى رَأْسِهِ وَ رِجْلَيْهِ لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِنَا بِمِصْرَ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ حَتّى قَعَدَ ، وَ قَالَ : «يَا عَلِيُّ ، إِنَّ اللَّهَ احْتَجَّ فِي الْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ (3) فِي النُّبُوَّةِ ، فَقَالَ : «وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» وَقَالَ (4) : «حَتّى إِذا بَلَغَ (5) أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ صَبِيّاً ، وَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَاهَا وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً» .

هديّة:قد سبق نظيره، وهو الحديث السابع في الباب التسعين.(6)

.


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2303 (جفا).
2- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
3- .في الكافي المطبوع : - «به».
4- .في الكافي المطبوع : «قال» بدون الواو.
5- .هكذا في القرآن، و في «ألف» و «د» والمطبوع: «ولمّا بلغ» بدل «حتى إذا بلغ».
6- .أي : «باب حالات الأئمّة في السنّ».

ص: 467

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّيَّانِ ، قَالَ : احْتَالَ الْمَأْمُونُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام بِكُلِّ حِيلَةٍ ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ فِيهِ شَيْ ءٌ ، فَلَمَّا اعْتَلَّ وَ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ ، دَفَعَ إِلى مِائَتَيْ وَصِيفَةٍ مِنْ أَجْمَلِ مَا يَكُونُ (1) إِلى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جَاماً فِيهِ جَوْهَرٌ يَسْتَقْبِلْنَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام إِذَا قَعَدَ مَوْضِعَ الْأَخْيَارِ ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِنَّ .فَكَانَ (2) رَجُلٌ - يُقَالُ لَهُ : مُخَارِقٌ - صَاحِبَ صَوْتٍ وَ عُودٍ وَ ضَرْبٍ ، طَوِيلَ اللِّحْيَةِ ، فَدَعَاهُ الْمَأْمُونُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ كَانَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَأَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَهُ ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَشَهِقَ مُخَارِقٌ شَهْقَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الدَّارِ ، وَ جَعَلَ يَضْرِبُ بِعُودِهِ وَ يُغَنِّي .فَلَمَّا فَعَلَ سَاعَةً وَ إِذَا أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ لَا يَمِيناً وَ لَا شِمَالًا ، ثُمَّ رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ ، وَ قَالَ : «اتَّقِ اللَّهَ يَا ذَا الْعُثْنُونِ». قَالَ : فَسَقَطَ الْمِضْرَابُ مِنْ يَدِهِ وَ الْعُودُ ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِيَدَيْهِ إِلى أَنْ مَاتَ .قَالَ : فَسَأَلَهُ الْمَأْمُونُ عَنْ حَالِهِ ، فَقَالَ (3) : لَمَّا صَاحَ بِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فُزِّعْتُ فَزْعَةً لَا أُفِيقُ مِنْهَا أَبَداً .

هديّة:(فلمّا اعتلّ) على المعلوم، أي مرض مرض العجز، وضعف عن قوّة الاحتيال في الغلبة عليه، أو أن ينادمه ويشركه معه فيما يركبه من الفسوق. وقرأ برهان الفضلاء بالمعجمة من الاغتلال، للمبالغة في حرقة القلب من العطش؛ يعني فلمّا اشتاق جدّاً إلى معاشرته عليه السلام في مجالس لهوه ولعبه، أو تطلّب ماء المراد من الغلبة بالاحتيال أوخياله أنّ ورعه عليه السلام يحفظه من الغلبة عليه.

.


1- .في الكافي المطبوع جديداً مستنداً بكثير من النسخ : «ما يَكُنَّ».
2- .في الكافي المطبوع : «و كان».
3- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 468

(يبني عليه) على المعلوم من باب رمى، أي يزفّها عليه.(يستقبلن) حال مقدّرة من (كلّ واحدة).(موضع الأخيار) يعني في صدر المجلس.(وإذا أبو جعفر عليه السلام) للمفاجأة، وجواب «لمّا» محذوف، أي فاعتلّ هو أيضاً كالمأمون. وقرأ برهان الفضلاء : «ثمّ» بفتح المثلّثة فاسم إشارة، و«فقال» مكان (وقال) فجواب «لمّا».و(العثنون) بالمثلّثة والنون كعرجون: طول اللحية، واللحية، والطويل من اللحية.(فزّعت) على المجهول من التفعيل.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ مَعِي ثَلَاثُ رِقَاعٍ غَيْرُ مُعَنْوَنَةٍ ، وَ اشْتَبَهَتْ عَلَيَّ ، فَاغْتَمَمْتُ ، فَتَنَاوَلَ إِحْدَاهَا ، وَ قَالَ : «هذِهِ رُقْعَةُ زِيَادِ بْنِ شَبِيبٍ». ثُمَّ تَنَاوَلَ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ : «هذِهِ رُقْعَةُ فُلَانٍ» . فَبُهِتُّ أَنَا ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَتَبَسَّمَ .قَالَ : وَ أَعْطَانِي ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ ، وَ أَمَرَنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلى بَعْضِ بَنِي عَمِّهِ ، وَ قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ سَيَقُولُ لَكَ : دُلَّنِي عَلى حَرِيفٍ يَشْتَرِي لِي بِهَا مَتَاعاً ، فَدُلَّهُ عَلَيْهِ».قَالَ : فَأَتَيْتُهُ بِالدَّنَانِيرِ ، فَقَالَ لِي : يَا أَبَا هَاشِمٍ ، دُلَّنِي عَلى حَرِيفٍ يَشْتَرِي لِي بِهَا مَتَاعاً ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : وَ كَلَّمَنِي جَمَّالٌ أَنْ أُكَلِّمَهُ لَهُ يُدْخِلُهُ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ لِأُكَلِّمَهُ لَهُ ، فَوَجَدْتُهُ يَأْكُلُ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ وَ لَمْ يُمْكِنِّي كَلَامُهُ ، ثُمَّ قَالَ (2) : «يَا أَبَا هَاشِمٍ ، كُلْ» وَ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيَّ ، ثُمَّ قَالَ - ابْتِدَاءً مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ - : «يَا غُلَامُ ، انْظُرْ إِلَى الْجَمَّالِ الَّذِي أَتَانَا بِهِ أَبُو هَاشِمٍ ، فَضُمَّهُ إِلَيْكَ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد».
2- .في الكافي المطبوع : «فقال».

ص: 469

قَالَ : وَ دَخَلْتُ مَعَهُ ذَاتَ يَوْمٍ بُسْتَاناً ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي لَمُولَعٌ بِأَكْلِ الطِّينِ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي ، فَسَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَيَّامٍ ابْتِدَاءً مِنْهُ : «يَا أَبَا هَاشِمٍ ، قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكَ أَكْلَ الطِّينِ». قَالَ أَبُو هَاشِمٍ : فَمَا شَيْ ءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ الْيَوْمَ .

هديّة:يكنّى (داود بن القاسم الجعفري) أبا هاشم.(فبهتّ) على ما لم يسمّ فاعله، أي صرت متحيّراً. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ففهت» بالفاء مكان المفردة، ولا تغاير في المعنى.و«الحريف»: المعامل.(ووضع بين يديّ) حاليّة، وعلى المجهول أولى، أي الخوان أو الطعام.و«المولع» على اسم المفعول من الإفعال: الحريص.(منه): من أكل الطين.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ الاثنين،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْهَاشِمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام صَبِيحَةَ عُرْسِهِ حَيْثُ بَنى بِابْنَةِ الْمَأْمُونِ ، وَ كُنْتُ تَنَاوَلْتُ مِنَ اللَّيْلِ دَوَاءً ، فَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي صَبِيحَتِهِ أَنَا ، وَ قَدْ أَصَابَنِي الْعَطَشُ ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ بِالْمَاءِ ، فَنَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي وَجْهِي ، وَ قَالَ : «أَظُنُّكَ عَطْشَانَ». فَقُلْتُ : أَجَلْ ، فَقَالَ : «يَا غُلَامُ - أَوْ يَا(2) جَارِيَةُ - اسْقِنَا مَاءً» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : السَّاعَةَ يَأْتُونَهُ بِمَاءٍ يَسُمُّونَهُ بِهِ ، فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، فَأَقْبَلَ الْغُلَامُ وَ مَعَهُ الْمَاءُ ، فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهِي ، ثُمَّ قَالَ : «يَا غُلَامُ ، نَاوِلْنِي الْمَاءَ». فَتَنَاوَلَ الْمَاءَ ، فَشَرِبَ ، ثُمَّ نَاوَلَنِي ، فَشَرِبْتُ ، ثُمَّ عَطِشْتُ أَيْضاً ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ بِالْمَاءِ ، فَفَعَلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولى ، فَلَمَّا جَاءَ الْغُلَامُ وَ مَعَهُ

.


1- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : - «يا».

ص: 470

الْقَدَحُ ، قُلْتُ فِي نَفْسِي مِثْلَ مَا قُلْتُ فِي الْأُولى ، فَتَنَاوَلَ الْقَدَحَ ، ثُمَّ شَرِبَ ، فَنَاوَلَنِي ، وَ تَبَسَّمَ .قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ : فَقَالَ لِي هذَا الْهَاشِمِيُّ : وَ أَنَا أَظُنُّهُ كَمَا يَقُولُونَ .

هديّة:(أو) الأولى شكّ من عليّ بن محمّد بن حمزة في اسم الهاشميّ مع الجزم بأنّه هاشميّ. (أو يا جارية) يحتمل - كما قال برهان الفضلاء - أن تكون كلام الإمام منادياً من كان منهما عقيب الستر.(يسمّونه به) كمدّ يقصدونه بالماء المسموم.(وأنا أظنّه) «ظنّ» بمعنى «علم» كثير في كلامهم، فالمعنى، اعرف الآن الحقّ وأقول بإمامته كالشيعة.ويحتمل «تقولون» على الخطاب.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : اسْتَأْذَنَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّوَاحِي مِنَ الشِّيعَةِ ، فَأَذِنَ لَهُمْ ، فَدَخَلُوا ، فَسَأَلُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ ، فَأَجَابَ عليه السلام وَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ .

هديّة:قيل: السؤال في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة من خرق العادة، وذلك من غير المعصوم لا يوافق المذهب، فاُجيب بأنّه يمكن أن يكون سؤالهم بعرض المسائل المكتوبة في كتابٍ، فجواب الإمام عليه السلام بالعادة أو بخرقها بكتابة مثل «لا» و«نعم»، وأيضاً سؤال ثلاثين نفراً مثلاً من طلوع الشمس إلى زوالها كلّ واحد عن ألف مسألة ليس بمحالٍ عادةً، وهذا الحديث رواه الصدوق رحمة اللَّه عليه أيضاً في عدّة من كتبه.(1)

.


1- .لم نعثر عليه في كتب الشيخ الصدوق قدّس سرّه.

ص: 471

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ (1) ، عَنْ دِعْبِلِ بْنِ عَلِيٍّ : أَنَّهُ دَخَلَ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، وَ أَمَرَ لَهُ بِشَيْ ءٍ ، فَأَخَذَهُ وَ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : «لِمَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ؟».قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ بَعْدَهُ (2) عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ أَمَرَ لِي بِشَيْ ءٍ ، فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَقَالَ لِي : «تَأَدَّبْتَ» .

هديّة:(دعبل) كزبرج الخزاعي أبو عليّ الشاعر، معروف في أصحابنا بخلوص الإيمان وعلوّ المنزلة وعظم الشأن، وقصائده في مناقبهم عليهم السلام مشهورة. و«الخزاعة» بالضمّ: القطعة تقطع من الشي ء، وبلا لام: أبو حيّ من الأزد سمّوا لأنّهم تخزّعوا من قومهم وأقاموا بمكّة، وكتاب طبقات الشعراء من تصانيف دعبل.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، حَدَثَ بِآلِ فَرَجٍ حَدَثٌ ؟» فَقُلْتُ : مَاتَ عُمَرُ ، فَقَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ» حَتّى أَحْصَيْتُ لَهُ أَرْبَعاً وَ عِشْرِينَ مَرَّةً ، فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هذَا يَسُرُّكَ ، لَجِئْتُ حَافِياً أَعْدُو إِلَيْكَ ، قَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، أَ وَ لَا تَدْرِي مَا قَالَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي عليه السلام ؟»(4) قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «خَاطَبَهُ فِي شَيْ ءٍ ، فَقَالَ : أَظُنُّكَ سَكْرَانَ ، فَقَالَ أَبِي عليه السلام :(5) إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أَمْسَيْتُ لَكَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن الحكم».
2- .في الكافي المطبوع : «بعد».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن محمّد بن سنان».
4- .في الكافي المطبوع : + «قال».
5- .في الكافي المطبوع : + «اللّهمّ».

ص: 472

صَائِماً ، فَأَذِقْهُ طَعْمَ الْحَرَبِ ، وَ ذُلَّ الْأَسْرِ ، فَوَ اللَّهِ ، إِنْ ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ حَتّى حُرِبَ مَالَهُ وَ مَا كَانَ لَهُ ، ثُمَّ أُخِذَ أَسِيراً ، وَ هُوَ ذَا قَدْ مَاتَ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ ، و قَدْ أَدَالَ اللَّهُ تَعَالى مِنْهُ ، وَمَا زَالَ يُدِيلُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام، وفي بعض النسخ بإثبات «الثالث».و(فرج) بفتحتين والجيم كان عبداً من عبيد عليّ بن يقطين، وكان عمر المذكور في هذا الحديث ومحمّد المذكور فيما سيجي ء من بنيه.و(الحرب) محرّكة: سلب المال والنهب والغارة، ومنه «المحارب» لقاطع الطريق، (حتّى) للاستثناء، و(حرب) على المجهول من باب نصر. قال برهان الفضلاء: والمستتر نائب الفاعل، و(ماله) نصب مفعول ثانٍ.(أدال اللَّه منه): أزال الدولة منه وأعطاه غيره، و«أداله»: أعطاه الدولة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ،(1) عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي مَسْجِدِ الْمُسَيَّبِ ، وَ صَلّى بِنَا فِي مَوْضِعِ الْقِبْلَةِ سَوَاءً ، وَ ذُكِرَ أَنَّ السِّدْرَةَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ عَلَيْهَا وَرَقٌ ، فَدَعَا بِمَاءٍ ، وَ تَهَيَّأَ تَحْتَ السِّدْرَةِ فَعَاشَتِ السِّدْرَةُ وَ أَوْرَقَتْ ، وَ حَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا .

هديّة:(سواء) قيل: يعني من غير انحراف عن جدار القبلة، لا إلى التيامن ولا إلى التياسر. وقال برهان الفضلاء: يعني صلاة المغرب، فإنّها على السواء للمقيم والمسافر، والغرض أنّه عليه السلام صلّى المغرب في المسجد، فخرج وصلّى العشاء الآخرة في المنزل. وقيل: يعني من غير إبراز عن الصفّ وليس بشي ء.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن حسّان».

ص: 473

و(مسجد المسيّب) من مساجد الكوفة. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «في مسجد السدرة»، قال: والمراد بمسجد السدرة الذي عند دار المسيّب بالكوفة.والمراد ب (موضع القبلة) المحراب، يعني في موقف الإمامة.(وذكر) أي الجعفري.(وتهيّأ) أي للوضوء للصلاة، قيل: والظاهر «من ساعتها» مكان (من عامها).

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ الْحَجَّالِ (1) وَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، عَنِ الْمُطْرَفِيِّ ، قَالَ : مَضى أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وَ لِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ذَهَبَ مَالِي ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِذَا كَانَ غَداً فَأْتِنِي ، وَ لْيَكُنْ مَعَكَ مِيزَانٌ وَ أَوْزَانٌ».فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «مَضى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، وَلَكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَرَفَعَ الْمُصَلَّى الَّذِي كَانَ تَحْتَهُ ، فَإِذَا تَحْتَهُ دَنَانِيرُ ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ .

هديّة:(المطرفي) بيّاع المطرف على اسم المفعول من الإفعال، رداء من الخزّ، له أعلام ينسج في اليمن.و«الأوزان»: المثاقيل جمع الوزن بمعنى المثقال.قيل: والظاهر أنّ هنا إسقاط من القلم كأنّه هكذا : «فدفعها إليّ، فقال: لم يذهب مالك».أقول: لا حاجة إلى هذا التخمين؛ لأنّ تساوي الدنانير للدراهم من الدلالات، والمعنى: فأخذ دنانير من جملة ما هناك دفعة، فدفعها إليّ فإذا هي تساوي.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال».

ص: 474

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (1) ، قَالَ : قُبِضَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ ؛ عَاشَ بَعْدَ أَبِيهِ عليهما السلام تِسْعَةَ عَشْرَ(2) سَنَةً إِلَّا خَمْساً وَ عِشْرِينَ يَوْماً .

هديّة:قد علم بيانه ممّا نقلناه من كلام ثقة الإسلام وشيخ الطائفة طاب اللَّه ثراهما.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه، والحميرى جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان».
2- .في الكافي المطبوع : «تسع عشرة».

ص: 475

باب مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام

الباب الثالث والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام وأحاديثه في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ عشرة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام (1)لِلنِّصْفِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَ مِائَتَيْنِ؛ وَ رُوِيَ أَنَّهُ وُلِدَ عليه السلام فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ(2) وَ مِائَتَيْنِ .وَمَضى عليه السلام لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ ؛ وَرُوِيَ أَنَّهُ قُبِضَ عليه السلام فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَ لَهُ أَحَدٌ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً عَلَى الْمَوْلِدِ الْآخَرِ الَّذِي رُوِيَ .وَ كَانَ الْمُتَوَكِّلُ أَشْخَصَهُ مَعَ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ بْنِ أَعْيَنَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى سُرَّ مَنْ رَأى ، فَتُوُفِّيَ بِهَا عليه السلام ، وَ دُفِنَ فِي دَارِهِ ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : سَمَانَةُ .

هديّة:(ولد أبو الحسن) الثالث الهادي (عليّ بن محمّد) بن عليّ بن موسى بن جعفر عليهم السلام زمن المأمون أبي العبّاس عبداللَّه بن هارون الرشيد سابع الخلفاء العبّاسيّة. واقتصر

.


1- .في الكافي المطبوع : «عليه السلام» بدل «أبو الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام».
2- .في الكافي المطبوع : «أربع عشرة».

ص: 476

الشيخ في التهذيب على التاريخ الأوّل في الولادة، وعلى الثاني في المضيّ، وقال: وله عليه السلام يومئذٍ أحد وأربعون سنة وسبعة أشهر.(1) ووافق ثقة الإسلام في المدفن واسم اُمّه عليه السلام.(وكان المتوكّل) على اللَّه أبو الفضل جعفر بن معتصم بن هارون الرشيد بن مهدي بن منصور محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، عاشر خلفاء بني العبّاس، قتله عبيده.و«الجمادى» بضمّ الجيم والقصر وتكسر الدال، قيل: ويفتح الجيم يذكّر ويؤنّث، فيستقيم الآخرة كالآخر. قال في القاموس: «جمادى» كحبارى من أسماء الشهور، معرفة، مؤنّثة، والجمع: جماديّات.(2)وقال برهان الفضلاء:لا يخفى ما من المسامحتين في بيان التفاوت بين التاريخين، فإنّ الولادة على الأوّل إذا كانت في أوّل رجب مثلاً، فالتفاوت بين تاريخي الولادة سنة وستّة أشهر وخمسة عشر يوماً، فزيد في المذكور إحدى عشر يوماً؛ وإن كانت على الثاني في أوّل رجب، فالسنّ أربعون سنة إلّا أربعة أيّام.و(هرثمة) بالمثلّثة كوسوسة: من عبيد المتوكّل كان من قوّاد جنده، وكذا (يحيى) ابنه بعده.سمن كسمع سمانة بالفتح وهو سامن وسمين وسمّان بالفتح والتشديد: أصباغ يزخرف بها.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الاثنين (3)، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ خَيْرَانَ الْأَسْبَاطِيِّ ، قَالَ : قَدِمْتُ عَلى أَبِي

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 92.
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 285 (جمد).
3- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».

ص: 477

الْحَسَنِ عليه السلام الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ لِي : «مَا خَبَرُ الْوَاثِقِ عِنْدَكَ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، خَلَّفْتُهُ فِي عَافِيَةٍ ، أَنَا مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ عَهْداً بِهِ (1)، مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ : إِنَّهُ قَدْ(2) مَاتَ». فَلَمَّا أَنْ قَالَ لِيَ : «النَّاسَ» عَلِمْتُ أَنَّهُ هُوَ .ثُمَّ قَالَ لِي : «مَا فَعَلَ جَعْفَرٌ ؟» قُلْتُ : تَرَكْتُهُ أَسْوَأَ النَّاسِ حَالًا فِي السِّجْنِ ، قَالَ : فَقَالَ لِي (3) : «أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ ؛ مَا فَعَلَ ابْنُ الزَّيَّاتِ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، النَّاسُ مَعَهُ ، وَ الْأَمْرُ أَمْرُهُ ، قَالَ : فَقَالَ : «أَمَا إِنَّهُ شُؤْمٌ عَلَيْهِ».قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ : وَ قَالَ لِي : «لَا بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ مَقَادِيرُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَحْكَامُهُ ؛ يَا خَيْرَانُ ، مَاتَ الْوَاثِقُ ، وَ قَدْ قَعَدَ الْمُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ ، وَ قَدْ قُتِلَ ابْنُ الزَّيَّاتِ». فَقُلْتُ : مَتى جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «بَعْدَ خُرُوجِكَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ» .

هديّة:قيل: «الأسباطي» نسبة إلى أحد أجداده. وقيل: «الأسباط» عبارة عن قبائل من العرب المتفرّقة في البلاد. وقال برهان الفضلاء: الظاهر أنّ «خيران» هذا هو الزاكاني المذكور في الحديث الثاني في الباب الثالث والسبعين. وذكر أهل التاريخ أنّ زاكان قبيلة من العرب سكنوا بلاد الديالمة، وخفاجة من العرب سكنوا بلاد خراسان.و(الواثق) باللَّه أبو جعفر هارون بن معتصم بن هارون الرشيد، وأخو المتوكّل على اللَّه، والواثق تاسع الخلفاء، وأخوه جعفر المتوكّل عاشرهم.(شؤم) بالضمّ يهمز ولا يهمز.(فلمّا أن قال لي: الناس) يعني فلمّا نسب القول إلى غيره من أهل المدينة على التورية، (علمت) أنّ القائل (هو) عليه السلام، فلعلّ التورية أوّلاً لحضور من غاب ثانياً.و«المقادير»: جمع المقدور، بمعنى المقدّر.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عهدي به».
2- .في الكافي المطبوع : - «قد».
3- .في الكافي المطبوع : - «لي».

ص: 478

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ،(1) عَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فِي كُلِّ الْأُمُورِ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِكَ ، وَ التَّقْصِيرَ بِكَ حَتّى أَنْزَلُوكَ هذَا الْخَانَ الْأَشْنَعَ ، خَانَ الصَّعَالِيكَ .فَقَالَ : «هَاهُنَا أَنْتَ يَا ابْنَ سَعِيدٍ ؟» ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ ، وَ قَالَ : «انْظُرْ» فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَوْضَاتٍ أَنِقَاتٍ ، وَ رَوْضَاتٍ بَاسِرَاتٍ ، فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ عَطِرَاتٌ ، وَ وِلْدَانٌ كَأَنَّهُنَّ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ ، وَ أَطْيَارٌ وَ ظِبَاءٌ وَ أَنْهَارٌ تَفُورُ ، فَحَارَ(2) ، وَ حَسَرَتْ عَيْنِي ، فَقَالَ : «حَيْثُ كُنَّا فَهذَا لَنَا عَتِيدٌ ، لَسْنَا فِي خَانِ الصَّعَالِيكَ» .

هديّة:حديث دعوة المتوكّل الإمام عليه السلام من المدينة إلى سامرّا بإرسال يحيى بن هرثمة مع ثلاثمائة نفر إليه بكمال إظهار العزّة والاحترام ومواعيد الملاطفة والإكرام في كتاب له عليه السلام، ثمّ غدره بعد الموافاة مذكور في كشف الغمّة(3) وغيره من الكتب، وحديث الكتاب سيجي ء في هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.والباء في (بك) للتعدية، فإنّ (التقصير) يتعدّى ولا يتعدّى، أو بتضمين معنى الوصول أو الإيصال، أي إيصال النقص بك.و«الصعلوك» كعصفور: الفقير الذي لا مال له، يعني الخان الذي ينزله الفقراء.(هاهنا أنت) قيل: يعني مثلك بخلوص اعتقاده فينا يظنّ كذا، وقيل: يعني أنت لا نحن، واحتمل برهان الفضلاء كلاهما. وقرأ بعض الفضلاء: «ائت» على الأمر من الإتيان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن محمّد بن يحيى».
2- .في الكافي المطبوع : + «بصري».
3- .كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 382.

ص: 479

و«الأنق» بالتحريك: الفرح والسرور، وأنق كعلم وهو آنق وأنيق: حسن معجب، وفلان تأنّق في الروضة: وقع فيها معجباً بها. وقرأ برهان الفضلاء : «انفات» بضمّتين والفاء؛ الجوهري: روضة أنف بضمّتين لم يرعها أحد.(1)و«البسر» بضمّ المفردة: الغضّ من كلّ شي ء، والماء الطريّ، والباسر: الواصل إلى الكمال أيضاً. وفي بعض النسخ بالمعجمة من البِشر بالكسر، بمعنى الحسن والجمال، إلّا أنّ الجوهري قال: «البشير»: الجميل.(2) ولم يسمع باشر بهذا المعنى.حسر بصره كضرب: كَلَّ. و«العتيد»: المهيّأ.وفي كشف الغمّة: فإذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات، وجنان فيها خيرات عطرات.(3)ولا يبعد القول بأنّ ذلك برفع الحجاب عن روضات عالم البرزخ، فكلّما أراد الإمام رفع بإذن اللَّه سبحانه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ،(4) عَنْ إِسْحَاقَ الْجَلَّابِ ، قَالَ : اشْتَرَيْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام غَنَماً كَثِيرَةً ، فَدَعَانِي ، فَأَدْخَلَنِي مِنْ إِصْطَبْلِ دَارِهِ إِلى مَوْضِعٍ وَاسِعٍ لَا أَعْرِفُهُ ، فَجَعَلْتُ أُفَرِّقُ تِلْكَ الْغَنَمَ فِيمَنْ أَمَرَنِي بِهِ ، فَبُعِثْثُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ وَ إِلى وَالِدَتِهِ وَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ أَمَرَنِي ، ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِانْصِرَافِ إِلى بَغْدَادَ إِلى وَالِدِي ، وَ كَانَ ذلِكَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : «تُقِيمُ غَداً عِنْدَنَا ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ». قَالَ : فَأَقَمْتُ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، أَقَمْتُ عِنْدَهُ ، وَ بِتُّ لَيْلَةَ الْأَضْحى فِي رِوَاقٍ لَهُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ أَتَانِي ، فَقَالَ : «يَا إِسْحَاقُ ، قُمْ». قَالَ :

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1333 (أنف).
2- .الصحاح ، ج 2 ، ص 591 (بشر).
3- .كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 383.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن عليّ بن محمّد».

ص: 480

فَقُمْتُ ، فَفَتَحْتُ عَيْنِي ، فَإِذَا أَنَا عَلى بَابِي بِبَغْدَادَ ، قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلى وَالِدِي وَ أَتَانِي (1) أَصْحَابِي ، فَقُلْتُ لَهُمْ : عَرَّفْتُ بِالْعَسْكَرِ ، وَ خَرَجْتُ بِبَغْدَادَ إِلَى الْعِيدِ .

هديّة:(الجلّاب) الذي يجلب الأنعام للبيع. و«الإصطبل» كإسفند: موقف الدوابّ في الربيع، لغة شاميّة.(بعثت) على المجهول، (إلى أبي جعفر) يعني محمّد بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عليهم السلام وهو أكبر أولاد أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام وهو الذي بدا للَّه في إمامته كما في إمامة إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام.و«الرواق» بالضمّ ويكسر.و«التعريف»: الدخول في يوم عرفة والوقوف بعرفات، واستعير هاهنا للوقوف في خدمة الإمام، أو مجاز في درك التاسع من ذي الحجّة إلى العيد إلى صلاته.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيِّ ، قَالَ : مَرِضَ الْمُتَوَكِّلُ مِنْ خُرَاجٍ خَرَجَ بِهِ ، وَ أَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى الْهَلَاكِ ، فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَنَذَرَتْ أُمُّهُ - إِنْ عُوفِيَ - أَنْ تَحْمِلَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام مَالًا جَلِيلًا مِنْ مَالِهَا ؛ وَ قَالَ لَهُ الْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ : لَوْ بَعَثْتَ إِلى هذَا الرَّجُلِ فَسَأَلْتَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ (2) عِنْدَهُ صَنْعَةٌ(3) يُفَرِّجُ بِهَا عَنْكَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَ وَصَفَ لَهُ عِلَّتَهُ ، فَرَدَّ إِلَيْهِ الرَّسُولُ بِأَنْ يُؤْخَذَ كُسْبُ الشَّاةِ ، فَيُدَافَ بِمَاءِ وَرْدٍ ، فَيُوضَعَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُولُ وَ أَخْبَرَهُمْ، أَقْبَلُوا يَهْزَؤُونَ مِنْ قَوْلِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْفَتْحُ : هُوَ - وَ اللَّهِ - أَعْلَمُ بِمَا قَالَ ، وَ أَحْضَرَ الْكُسْبَ وَ عَمِلَ كَمَا قَالَ عليه السلام ، وَ وَضَعَ عَلَيْهِ ، فَغَلَبَهُ النَّوْمُ وَ سَكَنَ ، ثُمَّ انْفَتَحَ وَ خَرَجَ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ ، وَ بُشِّرَتْ أُمُّهُ بِعَافِيَتِهِ ، فَحَمَلَتْ إِلَيْهِ عليه السلام عَشَرَةَ آلَافِ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أنا في».
2- .في الكافي المطبوع: «يكون» بالياء.
3- .في الكافي المطبوع : «صفة».

ص: 481

دِينَارٍ تَحْتَ خَاتَمِهَا .ثُمَّ اسْتَقَلَّ مِنْ عِلَّتِهِ ، فَسَعى إِلَيْهِ الْبَطْحَائِيُّ الْعَلَوِيُّ بِأَنَّ أَمْوَالًا تُحْمَلُ إِلَيْهِ وَ سِلَاحاً ، فَقَالَ لِسَعِيدٍ الْحَاجِبِ : اهْجُمْ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ، وَ خُذْ مَا تَجِدُ عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ السِّلَاحِ ، وَ احْمِلْهُ إِلَيَّ .قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ : فَقَالَ لِي سَعِيدٌ الْحَاجِبُ : صِرْتُ إِلى دَارِهِ بِاللَّيْلِ وَ مَعِي سُلَّمٌ ، فَصَعِدْتُ السَّطْحَ ، فَلَمَّا نَزَلْتُ عَلى بَعْضِ الدَّرَجِ فِي الظُّلْمَةِ ، لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصِلُ إِلَى الدَّارِ ، فَنَادى (1) : «يَا سَعِيدُ ، مَكَانَكَ حَتّى يَأْتُوكَ بِشَمْعَةٍ» . فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَتَوْنِي بِشَمْعَةٍ ، فَنَزَلْتُ ، فَوَجَدْتُهُ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَ قَلَنْسُوَةٌ مِنْهَا ، وَ سَجَّادَةٌ عَلى حَصِيرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ، فَقَالَ لِي : «دُونَكَ الْبُيُوتَ» . فَدَخَلْتُهَا وَ فَتَّشْتُهَا ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَيْئاً ، وَ وَجَدْتُ الْبَدْرَةَ فِي بَيْتِهِ مَخْتُومَةً بِخَاتَمِ أُمِّ الْمُتَوَكِّلِ ، وَ كِيساً مَخْتُوماً ، وَ قَالَ لِي : «دُونَكَ الْمُصَلّى». فَرَفَعْتُهُ ، فَوَجَدْتُ سَيْفاً فِي جَفْنٍ غَيْرِ مَلْبُوسٍ (2) ، فَأَخَذْتُ ذلِكَ ، وَ صِرْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلى خَاتَمِ أُمِّهِ عَلَى الْبَدْرَةِ ، بَعَثَ إِلَيْهَا ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ ، فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ خَدَمِ الْخَاصَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ : كُنْتُ قَدْ نَذَرْتُ فِي عِلَّتِكَ لَمَّا أَيِسْتُ مِنْكَ : إِنْ عُوفِيتَ حَمَلْتُ إِلَيْهِ مِنْ مَالِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ ، فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِ ، وَ هذَا خَاتَمِي عَلَى الْكِيسِ ، وَ فَتَحَ الْكِيسَ الْآخَرَ ، فَإِذَا فِيهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ ، فَضَمَّ إِلَى الْبَدْرَةِ بَدْرَةً أُخْرى ، وَ أَمَرَنِي بِحَمْلِ ذلِكَ إِلَيْهِ ، فَحَمَلْتُهُ ، وَ رَدَدْتُ السَّيْفَ وَ الْكِيسَيْنِ ، وَ قُلْتُ لَهُ : يَا سَيِّدِي ، عَزَّ عَلَيَّ ، فَقَالَ لِي : ««سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»» .

هديّة:«الخراج» كغراب: من القروح المهلكة.في بعض النسخ : «صفة» مكان (صنعة). و«الكسب» بالضمّ: ما صار من بعر الشاة في

.


1- .في الكافي المطبوع : «فناداني».
2- .في الكافي المطبوع : «ملبّس».

ص: 482

المربض متراكماً بعضه على بعض من كثرة البول والمشي عليه، كعصارة الدهن تحت أرجل العصّارين، ولذا قد يُطلق «الكسب» على عصارة الدهن أيضاً. و«الدوف» بالفتح: البلّ والخلط والفعل كنصر.(استقلّ): برأ ونهض.(فسعى إليه): عدا ونمَّ، والساعي المتكلّم على الناس عند الحاكم: فتح بن خاقان وزير المتوكّل. ويجوز (البطحائي) بالهمز، و«البطحاوي» بالواو. هجم عليه هجوماً كنصر: دخل بغتةً من حيث لا يدري.و«السجّادة» بالفتح والتشديد: ما يسجد عليه، ينسج من الخوص على قدر وجه الآدمي.(دونك البيوت) يحتمل الرفع، مبتدأ مؤخّر. وقال برهان الفضلاء: «دونك» من أسماء الأفعال، فالبيوت نصب على المفعوليّة.(وقلنسوة منها) أي من بقيّتها.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «غير ملبّس» على اسم المفعول من التفعيل مكان (غير ملبوس) بمعنى ملبوس به بشي ء من الجلود. «أيس» كعلم.(عزّ عليّ): اشتدّ وأشكل، يعني دخولي دارك بغير إذنك، أو غلب حكمه عليَّ، والآية من سورة الشعراء.(1)

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِ (2) ، قَالَ : قَالَ (3) مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ : إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام كَتَبَ إِلَيْهِ : «يَا مُحَمَّدُ ، أَجْمِعْ أَمْرَكَ ، وَ خُذْ حِذْرَكَ». قَالَ : فَأَنَا فِي جَمْعِ أَمْرِي -

.


1- .الشعراء (26) : 227.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن عليّ بن محمّد النوفلي».
3- .في الكافي المطبوع : + «لي».

ص: 483

لَيْسَ (1) أَدْرِي مَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ - حَتّى وَرَدَ عَلَيَّ رَسُولٌ حَمَلَنِي مِنْ مِصْرَ مُقَيَّداً ، وَ ضَرَبَ عَلى كُلِّ مَا أَمْلِكُ ، وَ كُنْتُ فِي السِّجْنِ ثَمَانِي (2) سِنِينَ .ثُمَّ وَرَدَ عَلَيَّ مِنْهُ فِي السِّجْنِ كِتَابٌ فِيهِ : «يَا مُحَمَّدُ ، لَا تَنْزِلْ فِي نَاحِيَةِ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ». فَقَرَأْتُ الْكِتَابَ ، فَقُلْتُ : يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهذَا وَ أَنَا فِي السِّجْنِ ؛ إِنَّ هذَا لَعَجَبٌ! فَمَا مَكَثْتُ أَنْ خُلِّيَ عَنِّي ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .قَالَ : وَ كَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ يَسْأَلُهُ عَنْ ضِيَاعِهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «سَوْفَ تُرَدُّ عَلَيْكَ ، وَ مَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تُرَدَّ عَلَيْكَ». فَلَمَّا شَخَصَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ إِلَى الْعَسْكَرِ ، كُتِبَ إِلَيْهِ بِرَدِّ ضِيَاعِهِ ، وَ مَاتَ قَبْلَ ذلِكَ .قَالَ : وَ كَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ الْخَضِيبِ (3) إِلى مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ يَسْأَلُهُ الْخُرُوجَ إِلَى الْعَسْكَرِ ، فَكَتَبَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يُشَاوِرُهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «اخْرُجْ ؛ فَإِنَّ فِيهِ فَرَجَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى». فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتّى مَاتَ .

هديّة:«الحذر» بالكسر: الاحتراز، يعني تيقّظ وتحرّز عن تفرّق اُمورك من قلّة الاحتياط.ضرب على يد فلان: حجر عليه.(لا تنزل في ناحية الجانب الغربيّ)، قال برهان الفضلاء:«في ناحية» بالتنوين، و«الجانب» نصب بفعل مقدّر، أي الزم الجانب الغربي، وهو عبارة عن الشام وإدخال الألف واللام على الجانب يقوّي مذهب الكوفيّين في قوله عزّ وجلّ في سورة القصص: «وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ»(4)، من أنّ

.


1- .في الكافي المطبوع : «و ليس».
2- .في الكافي المطبوع : «ثمان».
3- .في الكافي المطبوع جديداً مستنداً بكثير من النسخ : «أحمد بن الخصيب» بالصاد ، و كذا في الرواية الآتية والظاهر أنّه هو أحمد بن الخصيب الجرجرائي الذي كان كاتب المنتصر قبل خلافتة، ثم صار وزيراً له وللمستعين. راجع : تاريخ الإسلام للذهبي ، ج 18 ، ص 40 ، رقم 18 ، و ج 20 ، ص 43 ، رقم 8.
4- .القصص (28): 44.

ص: 484

ذلك من إضافة الموصوف إلى الصفة بلا تأويل.و«الضياع» جمع ضيعة بالفتح، أي المزرعة.(كتب إليه بردّ ضياعه) على المجهول.(أحمد بن الخضيب) بالمعجمتين، على فعيل: من قوّاد المتوكّل.(فإنّ فيه فرجك) يعني من سجن الدنيا، أو بلقاء الإمام وعطائه إيّاه الثوب كما في الحديث التالي، وقيل: يعني فرج أولادك بردّ الضياع إليك.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ ، قَالَ : رَأَيْتُهُ - يَعْنِي مُحَمَّداً - قَبْلَ مَوْتِهِ بِالْعَسْكَرِ فِي عَشِيَّةٍ وَ قَدِ اسْتَقْبَلَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، وَ اعْتَلَّ مِنْ غَدٍ ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ عَائِداً بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ عِلَّتِهِ وَ قَدْ ثَقُلَ ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَ إِلَيْهِ بِثَوْبٍ ، فَأَخَذَهُ وَ أَدْرَجَهُ ، وَ وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ، قَالَ : فَكُفِّنَ فِيهِ .قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ : رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام مَعَ ابْنِ الْخَضِيبِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْخَضِيبِ : سِرْ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ الْمُقَدَّمُ». فَمَا لَبِثَ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ حَتّى وُضِعَ الدَّهَقُ عَلى سَاقِ ابْنِ الْخَضِيبِ ، ثُمَّ بُغِيَ (1) .قَالَ : وَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ - حِينَ أَلَحَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْخَضِيبِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَطْلُبُهَا مِنْهُ - بَعَثَ إِلَيْهِ : «لَأَقْعُدَنَّ بِكَ مِنَ اللَّهِ - تَعَالى - مَقْعَداً لَا يَبْقى لَكَ بَاقِيَةٌ». فَأَخَذَهُ اللَّهُ - تَعَالى - فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ .

هديّة:الظرفان: (بالعسكر) و(في عشيّة) للرؤية، (وقد استقبل) حالٌ من مفعول (رأيته)، والفاء في (فدخلت) لبيانٍ، ف «رأيته» يعني رأيت أباك محمّد بن الفرج حال استقباله الهادي عليه السلام يوم قدومه إلى سامرّاء.

.


1- .في الكافي المطبوع : «نعي».

ص: 485

(فنظر إليه) نظر اللطف، وكأنّ قول ابن الخضيب من قوّاد المتوكّل.(سر جعلت فداك) على التعريض عند ذهابه عليه السلام معه إلى باب المتوكّل بأمره، يعني سر برجلك إلى المسلخ، ف «جعلت فداك» يحتمل الوجهين، فقد يقول المحارب مثلاً لمن أخذه وقطع الطريق عليه: انزع ثيابك جعلت فداك، وكذا المأمور بالجناية اضطراراً للمجني عليه.و(الدهق) بالتحريك: خشبتان يغمزهما الساقان كما للصحّافين، وبالفارسيّة: «شكنجه».(1)(ثمّ بغى)، على المجهول من البغي، بمعنى العنف والتعدّي؛ يعني بغى عليه وبولغ في إيذائه ليظهر أمواله. وقرأ برهان الفضلاء : «ثمّ نعى» بالنون على المجهول أيضاً، يعني نعى عليه السلام بموت ابن الخضيب، قال: أو المعنى: فاش خبر موته.(قال: وروى) يعني قال أحمد بن محمّد وروى أبو يعقوب إنّ ابن الخضيب لمّا اشتدّ على الإمام عليه السلام في دعوى الدار التي كان يطلبها منه عليه السلام بغير حقّ، أو في طلبه خروج الإمام عنها إظهار توافقه مع الخليفة في عداوة الإمام عليه السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «تطلّبها» على الماضي من التفعّل، و«التطلّب» مبالغة في الطلب.والباء في (بك) للتعدية.(لا تبقى لك) يحتمل المجرّد، والإفعال المعلوم أو خلافه، ف (باقية) على الأوّل والثالث بالرفع، وعلى الثاني بالنصب.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : أَخَذْتُ نُسْخَةَ كِتَابِ الْمُتَوَكِّلِ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام مِنْ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَتَيْنِ ،

.


1- .في «الف» : «اشكنجه».
2- .السند في الكافي المطبوع يبدأ بمحمد بن يحيى و هو من مشايخ الكليني ، فالتعبير «بإسناده» سهو.

ص: 486

وَ هذِهِ نُسْخَتُهُ :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؛ أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَارِفٌ بِقَدْرِكَ ، رَاعٍ لِقَرَابَتِكَ ، مُوجِبٌ لِحَقِّكَ ، يُقَدِّرُ مِنَ الْأُمُورِ فِيكَ وَ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مَا أَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ حَالَكَ وَ حَالَهُمْ ، وَ ثَبَّتَ بِهِ عِزَّكَ وَ عِزَّهُمْ ، وَ أَدْخَلَ الْيُمْنَ وَ الْأَمْنَ عَلَيْكَ وَ عَلَيْهِمْ ، يَبْتَغِي بِذلِكَ رِضَاءَ رَبِّهِ وَ أَدَاءَ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ اللَّهُ (1) فِيكَ وَ فِيهِمْ ، وَ قَدْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَرْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمَّا كَانَ يَتَوَلَّاهُ مِنَ الْحَرْبِ وَ الصَّلَاةِ بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ إِذْ كَانَ عَلى مَا ذَكَرْتَ مِنْ جَهَالَتِهِ بِحَقِّكَ ، وَ اسْتِخْفَافِهِ بِقَدْرِكَ ، وَ عِنْدَ مَا قَرَفَكَ بِهِ ، وَ نَسَبَكَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي قَدْ عَلِمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَرَاءَتَكَ مِنْهُ ، وَ صِدْقَ نِيَّتِكَ فِي تَرْكِ مُحَاوَلَتِهِ ، وَ أَنَّكَ لَمْ تُؤَهِّلْ نَفْسَكَ لَهُ ، وَ قَدْ وَلّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ يَلِي مِنْ ذلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ ، وَ أَمَرَهُ بِإِكْرَامِكَ وَ تَبْجِيلِكَ ، وَ الِانْتِهَاءِ إِلى أَمْرِكَ وَ رَأْيِكَ ، وَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ وَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذلِكَ ، وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ ، يُحِبُّ إِحْدَاثَ الْعَهْدِ بِكَ ، وَ النَّظَرَ إِلَيْكَ ، فَإِنْ نَشِطْتَ لِزِيَارَتِهِ وَ الْمُقَامِ قِبَلَهُ مَا رَأَيْتَ ، شَخَصْتَ وَ مَنْ أَحْبَبْتَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ مَوَالِيكَ وَ حَشَمِكَ عَلى مُهْلَةٍ؟ وَ طُمَأْنِينَةٍ ، تَرْحَلُ إِذَا شِئْتَ ، وَ تَنْزِلُ إِذَا شِئْتَ ، وَ تَسِيرُ كَيْفَ شِئْتَ ، وَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ يَحْيَى بْنُ هَرْثَمَةَ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ مُشَيِّعِينَ لَكَ ، يَرْحَلُونَ بِرَحِيلِكَ ، وَ يَسِيرُونَ بِسَيْرِكَ ، فَالْأَمْرُ فِي ذلِكَ إِلَيْكَ حَتّى تُوَافِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِهِ وَ وُلْدِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ خَاصَّتِهِ أَلْطَفَ مِنْهُ مَنْزِلَةً ، وَ لَا أَحْمَدَ لَهُ أُثْرَةً ، وَ لَا هُوَ لَهُمْ أَنْظَرَ ، وَ عَلَيْهِمْ أَشْفَقَ ، وَ بِهِمْ أَبَرَّ ، وَإِلَيْهِمْ أَسْكَنَ مِنْهُ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ . وَ كَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ .

هديّة:(من يحيى) ظرف ل «أخذت»، و(في سنة) ل «كتاب» أو ل «أخذت».في بعض النسخ : «مقدّر» مكان (يقدّر).

.


1- .في الكافي المطبوع : - «اللَّه».

ص: 487

(عبداللَّه بن محمّد) كان إمام الجمعة في المدينة من قبل الخليفة، فكتب إلى الخليفة ما كتب عداوة في الإمام عليه السلام، وكتب عليه السلام في تكذيبه والرّدّ عليه ما كتب إليه، وهذه نسخة مكتوب الخليفة في جواب مكتوب الإمام عليه السلام إليه.(من الحرب) أي بأمر الخليفة مع من يريد الخروج والفساد في ملك الخليفة من الهاشمي وغيره أو المعنى عمّا كان يتولّاه من من الخصومة. وقرأ برهان الفضلاء من الحرب كصرد جمع الحربه بمعنى الطعنة، قال: ويوم الجمعة يوم الحربة أي الطعنة على الشيطان، ولذا سمّي موضع القبلة محراباً.و«القرفة» بالفتح: التهمة، يعني هنا تهمة دعوى الخلافة، قرفه كضرب: عابه وهو يقرف بكذا، أي يرمى به ويتّهم فهو مقروف.و«المحاولة»: المطالبة بمعنى المبالغة في الطلب والقصد.و«ما» في (فما أحد) مشبّهة بليس، و«أحد» اسمه، و(ألطف) و(أحمد) و(أنظر) و(أشفق) و(أبرّ) و(أسكن) كلّه على أفعل التفضيل نصب خبر «ما»، ويتعدّى الأوّل بمن ، والثاني والثالث باللام، والرابع بعلى، والخامس بالباء، والسادس بإلى، و(من) تفضيليّة، ومدخولها في الخمس الأوّل محذوف اختصاراً اكتفاءً بالمذكور في السادس، فالتقدير: ألطف منه منزلة منك، ولا أحمد له إثرة منك له، ولا هو لهم أنظر منه لك ، وعليهم أشفق منه عليك، وبهم أبرّ منه بك. و«اللطف»: القُرب، و«الألطف»: الأقرب، و«أحمد» مشتقّ من اسم المفعول، أي المحمود جدّاً، و«الاستيثار»: الاختيار بمعنى الاصطفاء والانتخاب، والاسم: «الأثرة» بالتحريك، و«الأثرة» بالضمّ وبالكسر.قال برهان الفضلاء: الاختصار في صورة الموافقة في التعدية حسن، وأمّا في صورة المخالفة فيها فقبيح اخترعه كتّاب الدواوين والمنشؤون للحكّام. و(إبراهيم بن العبّاس) كان منشي ديوانه.

.

ص: 488

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده (1) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَسَنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمُثَنّى يَعْقُوبُ بْنُ يَاسِرٍ ، قَالَ : كَانَ الْمُتَوَكِّلُ يَقُولُ : وَيْحَكُمْ ، قَدْ أَعْيَانِي أَمْرُ ابْنِ الرِّضَا ، أَبى أَنْ يَشْرَبَ مَعِي أَوْ يُنَادِمَنِي ، أَوْ أَجِدَ مِنْهُ فُرْصَةً فِي هذَا .فَقَالُوا لَهُ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِنْهُ ، فَهذَا أَخُوهُ مُوسى قَصَّافٌ عَزَّافٌ ، يَأْكُلُ وَ يَشْرَبُ وَ يَتَعَشَّقُ ، قَالَ : ابْعَثُوا إِلَيْهِ ، فَجِيئُوا بِهِ حَتّى نُمَوِّهَ بِهِ عَلَى النَّاسِ ، وَ نَقُولَ : ابْنُ الرِّضَا .فَكَتَبَ إِلَيْهِ ، وَ أُشْخَصَهُ (2) مُكَرَّماً ، وَ تَلَقَّاهُ جَمِيعُ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادُ وَ النَّاسُ عَلى أَنَّهُ إِذَا وَافى أَقْطَعَهُ قَطِيعَةً ، وَ بَنى لَهُ فِيهَا ، وَ حَوَّلَ الْخَمَّارِينَ وَ الْقِيَانَ إِلَيْهِ ، وَ وَصَلَهُ وَ بَرَّهُ ، وَ جَعَلَ لَهُ مَنْزِلًا سَرِيّاً حَتّى يَزُورَهُ هُوَ فِيهِ .فَلَمَّا وَافى مُوسى تَلَقَّاهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام فِي قَنْطَرَةِ وَصِيفٍ - وَ هُوَ مَوْضِعٌ يُتَلَقّى فِيهِ الْقَادِمُونَ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَ وَفَّاهُ حَقَّهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : «إِنَّ هذَا الرَّجُلَ قَدْ أَحْضَرَكَ لِيَهْتِكَكَ ، وَ يَضَعَ مِنْكَ ، فَلَا تُقِرَّ لَهُ أَنَّكَ شَرِبْتَ نَبِيذاً قَطُّ» .فَقَالَ لَهُ مُوسى : فَإِذَا كَانَ دَعَانِي لِهذَا ، فَمَا حِيلَتِي ؟ قَالَ : «فَلَا تَضَعْ مِنْ قَدْرِكَ ، وَ لَا تَفْعَلْ ؛ فَإِنَّمَا أَرَادَ هَتْكَكَ» . فَأَبى عَلَيْهِ ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأى أَنَّهُ لَا يُجِيبُ ، قَالَ لَهُ (3) : «أَمَا إِنَّ هذَا مَجْلِسٌ لَا تَجْتَمِعُ (4) أَنْتَ وَ هُوَ عَلَيْهِ أَبَداً». فَأَقَامَ ثَلَاثَ سِنِينَ يُبَكِّرُ كُلَّ يَوْمٍ ، فَيُقَالُ لَهُ : قَدْ تَشَاغَلَ الْيَوْمَ ، فَرُحْ ، فَيَرُوحُ ، فَيُقَالُ : قَدْ سَكِرَ ، فَبَكِّرْ ، فَيُبَكِّرُ ، فَيُقَالُ : شَرِبَ دَوَاءً ، فَمَا زَالَ عَلى هذَا ثَلَاثَ سِنِينَ حَتّى قُتِلَ الْمُتَوَكِّلُ ، وَ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ عَلَيْهِ .

هديّة:أراد ب (ابن الرضا) أبا الحسن الثالث عليه السلام، وكان الجواد والهادي وأبو محمّد عليهم السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع يبدأ بالحسين بن الحسن الحسنيّ والتعليق غير ثابت، فالتعبير بإسناده غير صحيح.
2- .في الكافي المطبوع : «أشخص».
3- .في الكافي المطبوع : - «له».
4- .في الكافي المطبوع : «تجمع».

ص: 489

مشهورين بهذا اللّقب أيضاً.قيل: كأنّ (موسى) هذا الملقّب بالمبرقع المدفون بقمّ.(قصّاف): غير مبال جدّاً ومعاشر نديم مقيم في الأكل والشرب؛ من القصف بالفتح والمهملة بعد القاف، بمعنى اللهو واللعب بالإقامة في الأكل والشرب.(عزّاف): لعّاب بالملاهي كالطنبور والعود.(نموّه): ندلّس.(ونقول: ابن الرّضا) يعني نسمّي موسى بهذا اللقب ليشتهر صنيع أخيه باسمه، فيسقط عن نظر الاعتبار عند شيعته.(والناس على أنّه) مبتدأ أو خبر، أي على ظنّ أنّه، أو «والناس» معطوف على الجميع ، و«على أنّه» متعلّق ب (تلقّاه)، أو ب (أشخصه مكرّماً). وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فكتب إليه» على المجهول، و«أشخص» أيضاً مكان «أشخصه» بالبارز.(أقطعه قطيعة): أعطاه أرضين ببغداد أو بسامرّا ليعمرها ويسكنها بالملكيّة.(والقيان) كرجال، جمع القينة بتقديم الخاتمة على النون بعد القاف المفتوحة: الجارية المغنّية.(سريّا): عالياً، مكان سريّ على فعيل: رفيع ورجل سريّ: سخيّ.(حتّى قتل المتوكّل) على يد عبيده وجماعة.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ،(1) عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : مَرِضْتُ ، فَدَخَلَ الطَّبِيبُ عَلَيَّ لَيْلًا ، فَوَصَفَ لِي دَوَاءً بِلَيْلٍ آخُذُهُ كَذَا وَ كَذَا يَوْماً ، فَلَمْ يُمْكِنِّي ، فَلَمْ يَخْرُجِ الطَّبِيبُ مِنَ الْبَابِ حَتّى وَرَدَ عَلَيَّ نَصْرٌ بِقَارُورَةٍ فِيهَا ذلِكَ الدَّوَاءُ بِعَيْنِهِ ، فَقَالَ لِي :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ».

ص: 490

أَبُو الْحَسَنِ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ (1) : «خُذْ هذَا الدَّوَاءَ كَذَا وَ كَذَا يَوْماً». فَأَخَذْتُهُ ، فَشَرِبْتُهُ ، فَبَرَأْتُ .قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : يَأْبَى الطَّاعِنُ ، أَيْنَ الْغُلَاةُ عَنْ هذَا الْحَدِيثِ

هديّة:(نصر) خادم من خدم الهادي عليه السلام. قال برهان الفضلاء: «كذا وكذا يوماً» عبارة عن الزائد على العشرة.(يأبى الطاعن) من الإباء بالمفردة، يعني لا يقبل الطاعن على الشيعة أمثال الحديث في فضلهم عليهم السلام بأنّ علم الغيب خاصّ بشأنه تعالى، فأين الغالي حتّى يقبله على معتقده فيهم عليهم السلام. والغرض بيان الإفراط والتفريط والوسط في اعتقاد الناس فيهم عليهم السلام ؛ والحمد للَّه الذي جعلنا اُمّةً وسطاً، وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «لك».

ص: 491

باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ

الباب الرابع والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ ثمانية وعشرون:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ عليهما السلام (1) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (2) سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَ ثَلَاثِينَ وَ مِائَتَيْنِ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ وَ هُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَ دُفِنَ فِي دَارِهِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ بِسُرَّ مَنْ رَأى ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : حُدَيْثُ .

هديّة:(ولد أبو محمّد الحسن بن عليّ) بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب عليهم السلام زمن أبي إسحاق معتصم بن هارون الرشيد بن مهدي بن منصور بن محمّد بن علي بن عبداللَّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ثامن الخلفاء العبّاسيّة (في شهر رمضان) على نسخة طائفة من نسخ الكافي، أو في شهر ربيع الآخر، على نسخة طائفة منها.واقتصر الشيخ في التهذيب على التاريخ الثاني للولادة ووافق ثقة الإسلام في سائر

.


1- .في الكافي المطبوع : «ولد عليه السلام» بدل «ولد أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام».
2- .في الكافي المطبوع : + «وفي نسخة اُخرى : في شهر ربيع الآخر».

ص: 492

المذكورات في الكافي كما نقلناه، وضبط اسم اُمّه عليه السلام «حديث» مصغّراً.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ وَغَيْرُهُمَا ، قَالُوا : كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَاقَانَ عَلَى الضِّيَاعِ وَ الْخَرَاجِ بِقُمَّ ، فَجَرى فِي مَجْلِسِهِ يَوْماً ذِكْرُ الْعَلَوِيَّةِ وَ مَذَاهِبِهِمْ ، وَ كَانَ شَدِيدَ النَّصْبِ ، فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ وَ لَا عَرَفْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأى رَجُلًا مِنَ الْعَلَوِيَّةِ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا فِي هَدْيِهِ وَ سُكُونِهِ وَ عَفَافِهِ وَ نُبْلِهِ وَ كَرَمِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ بَنِي هَاشِمٍ وَ تَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلى ذَوِي السِّنِّ مِنْهُمْ وَ الْخَطَرِ ، وَ كَذلِكَ الْقُوَّادِ وَ الْوُزَرَاءِ وَ عَامَّةِ النَّاسِ ؛ فَإِنِّي كُنْتُ يَوْماً قَائِماً عَلى رَأْسِ أَبِي وَ هُوَ يَوْمُ مَجْلِسِهِ لِلنَّاسِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ حُجَّابُهُ ، فَقَالُوا : أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الرِّضَا بِالْبَابِ ، فَقَالَ بِصَوْتٍ (3) : ائْذَنُوا لَهُ ، فَتَعَجَّبْتُ مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ جَسَرُوا يُكَنُّونَ رَجُلًا عَلى أَبِي بِحَضْرَتِهِ ، وَ لَمْ يُكَنَّ عِنْدَهُ إِلَّا خَلِيفَةٌ ، أَوْ وَلِيُّ عَهْدٍ ، أَوْ مَنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ أَنْ يُكَنّى ، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَسْمَرُ ، حَسَنُ الْقَامَةِ ، جَمِيلُ الْوَجْهِ ، جَيِّدُ الْبَدَنِ ، حَدَثُ السِّنِّ ، لَهُ جَلَالَةٌ وَ هَيْبَةٌ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَبِي ، قَامَ يَمْشِي إِلَيْهِ خُطًى ، وَ لَا أَعْلَمُهُ فَعَلَ هذَا بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادِ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عَانَقَهُ ، وَ قَبَّلَ وَجْهَهُ وَ صَدْرَهُ ، وَ أَخَذَ بِيَدِهِ ، وَ أَجْلَسَهُ عَلى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، وَ جَلَسَ إِلى جَنْبِهِ مُقْبِلًا عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ ، وَ جَعَلَ يُكَلِّمُهُ ، وَ يَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ ، وَ أَنَا مُتَعَجِّبٌ مِمَّا أَرى مِنْهُ إِذْ دَخَلَ (4)الْحَاجِبُ ، فَقَالَ : الْمُوَفَّقُ قَدْ جَاءَ - وَ كَانَ الْمُوَفَّقُ إِذَا دَخَلَ عَلى أَبِي تَقَدَّمَ حُجَّابُهُ وَ خَاصَّةُ قُوَّادِهِ - فَقَامُوا بَيْنَ مَجْلِسِ أَبِي وَ بَيْنَ بَابِ الدَّارِ سِمَاطَيْنِ إِلى أَنْ يَدْخُلَ وَ يَخْرُجَ ، فَلَمْ يَزَلْ أَبِي مُقْبِلًا عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُهُ حَتّى نَظَرَ إِلى غِلْمَانِ الْخَاصَّةِ ، فَقَالَ حِينَئِذٍ : إِذَا شِئْتَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، ثُمَّ قَالَ لِحُجَّابِهِ : خُذُوا بِهِ خَلْفَ السِّمَاطَيْنِ حَتّى لَا يَرَاهُ هذَا - يَعْنِي الْمُوَفَّقَ - فَقَامَ وَ قَامَ أَبِي ، وَ عَانَقَهُ ، وَ مَضى .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 92.
2- .السند يبدأ في الكافي المطبوع بالحسين بن محمّد و هو من مشايخ الكليني ، فالتعبير بإسناده سهو.
3- .في الكافي المطبوع : + «عالٍ».
4- .في الكافي المطبوع : + «عليه».

ص: 493

فَقُلْتُ لِحُجَّابِ أَبِي وَ غِلْمَانِهِ : وَيْلَكُمْ ، مَنْ هذَا الَّذِي كَنَّيْتُمُوهُ عَلى أَبِي ، وَ فَعَلَ بِهِ أَبِي هذَا الْفِعْلَ ؟ فَقَالُوا : هذَا عَلَوِيٌّ يُقَالُ لَهُ : الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِابْنِ الرِّضَا ، فَازْدَدْتُ تَعَجُّباً ، وَ لَمْ أَزَلْ يَوْمِي ذلِكَ قَلِقاً مُتَفَكِّراً فِي أَمْرِهِ وَ أَمْرِ أَبِي ، وَ مَا رَأَيْتُ (1) حَتّى كَانَ اللَّيْلُ ، وَ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ ، ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَنْظُرَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤَامَرَاتِ وَ مَا يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ .فَلَمَّا صَلّى وَ جَلَسَ جِئْتُ ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، فَقَالَ لِي : يَا أَحْمَدُ ، لَكَ حَاجَةٌ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا أَبَهْ ، فَإِنْ أَذِنْتَ لِي سَأَلْتُكَ عَنْهَا ، فَقَالَ : قَدْ أَذِنْتُ (2) يَا بُنَيَّ ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ ، قُلْتُ : يَا أَبَهْ ، مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُكَ بِالْغَدَاةِ فَعَلْتَ بِهِ مَا فَعَلْتَ مِنَ الْإِجْلَالِ وَ الْكَرَامَةِ وَ التَّبْجِيلِ ، وَ فَدَيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَ أَبَوَيْكَ ؟فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، ذَاكَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ ، ذَاكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرِّضَا .فَسَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ ، لَوْ زَالَتِ الْإِمَامَةُ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ ، مَا اسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُ هذَا ، وَ إِنَّ هذَا لَيَسْتَحِقُّهَا فِي فَضْلِهِ وَ عَفَافِهِ وَ هَدْيِهِ وَ صِيَانَتِهِ وَ زُهْدِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ جَمِيلِ أَخْلَاقِهِ وَ صَلَاحِهِ ، وَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ ، رَأَيْتَ رَجُلًا جَزْلًا نَبِيلًا فَاضِلًا .فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَ تَفَكُّراً وَ غَيْظاً عَلى أَبِي وَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ ، وَ اسْتَزَدْتُهُ فِي فِعْلِهِ وَ قَوْلِهِ فِيهِ مَا قَالَ ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ بَعْدَ ذلِكَ إِلَّا السُّؤَالُ عَنْ خَبَرِهِ ، وَ الْبَحْثُ عَنْ أَمْرِهِ ، فَمَا سَأَلْتُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادِ وَ الْكُتَّابِ وَ الْقُضَاةِ وَ الْفُقَهَاءِ وَ سَائِرِ النَّاسِ إِلَّا وَجَدْتُهُ عِنْدَهُ فِي غَايَةِ الْإِجْلَالِ وَ الْإِعْظَامِ وَ الْمَحَلِّ الرَّفِيعِ وَ الْقَوْلِ الْجَمِيلِ وَ التَّقْدِيمِ لَهُ عَلى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَشَايِخِهِ ، فَعَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدِي ؛ إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيّاً وَ لَا عَدُوّاً إِلَّا وَ هُوَ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِ وَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ .فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ ؟ فَقَالَ : وَ مَنْ جَعْفَرٌ فَيَسْأَلَ (3) عَنْ خَبَرِهِ ، أَوْ يُقْرَنَ بِالْحَسَنِ ؟ جَعْفَرٌ مُعْلِنُ الْفِسْقِ ، فَاجِرٌ ، مَاجِنٌ ، شِرِّيبٌ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «فيه».
2- .في الكافي المطبوع : + «لك».
3- .في الكافي المطبوع : «فسأل» بالتاء.

ص: 494

لِلْخُمُورِ ، أَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ الرِّجَالِ ، وَ أَهْتَكُهُمْ لِنَفْسِهِ ، خَفِيفٌ ، قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ ، وَ لَقَدْ وَرَدَ عَلَى السُّلْطَانِ وَ أَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَلَّ ، بَعَثَ إِلى أَبِي أَنَّ ابْنَ الرِّضَا قَدِ اعْتَلَّ ، فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ ، فَبَادَرَ إِلى دَارِ الْخِلَافَةِ ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلًا وَ مَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَ خَاصَّتِهِ ، فِيهِمْ نِحْرِيرٌ ، فَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ الْحَسَنِ وَ تَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَ حَالِهِ ، وَ بَعَثَ إِلى نَفَرٍ مِنَ الْمُتَطَبِّبِينَ ، فَأَمَرَهُمْ بِالِاخْتِلَافِ إِلَيْهِ وَ تَعَاهُدِهِ صَبَاحاً وَ مَسَاءً .فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، أُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ ، فَأَمَرَ الْمُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِ دَارِهِ ، وَ بَعَثَ إِلى قَاضِي الْقُضَاةِ ، فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَ أَمَانَتِهِ وَ وَرَعِهِ ، فَأَحْضَرَهُمْ ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلى دَارِ الْحَسَنِ ، وَ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلًا وَ نَهَاراً ، فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتّى تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رِضْوَانُهُ (1) ، فَصَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأى ضَجَّةً وَاحِدَةً ، وَ بَعَثَ السُّلْطَانُ إِلى دَارِهِ مَنْ فَتَّشَهَا ، وَ فَتَّشَ حُجَرَهَا ، وَ خَتَمَ عَلى جَمِيعِ مَا فِيهَا ، وَ طَلَبُوا أَثَرَ وَلَدِهِ ، وَ جَاؤُوا بِنِسَاءٍ يَعْرِفْنَ الْحَمْلَ ، فَدَخَلْنَ إِلى جَوَارِيهِ يَنْظُرْنَ إِلَيْهِنَّ ، فَذَكَرَ بَعْضُهُنَّ أَنَّ هُنَاكَ جَارِيَةً بِهَا حَبَلٌ (2) ، فَجُعِلَتْ فِي حُجْرَةٍ ، وَ وُكِّلَ بِهَا نِحْرِيرٌ الْخَادِمُ وَ أَصْحَابُهُ وَ نِسْوَةٌ مَعَهُمْ .ثُمَّ أَخَذُوا بَعْدَ ذلِكَ فِي تَهْيِئَتِهِ ، وَ عُطِّلَتِ الْأَسْوَاقُ ، وَ رَكِبَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادُ وَ أَبِي وَ سَائِرُ النَّاسِ إِلى جَنَازَتِهِ ، فَكَانَتْ سُرَّ مَنْ رَأى يَوْمَئِذٍ شَبِيهاً بِالْقِيَامَةِ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تَهْيِئَتِهِ ، بَعَثَ السُّلْطَانُ إِلى أَبِي عِيسى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ ، فَأَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، دَنَا أَبُو عِيسَى مِنْهُ ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ، فَعَرَضَهُمْ (3) عَلى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الْعَلَوِيَّةِ وَ الْعَبَّاسِيَّةِ وَ الْقُوَّادِ وَ الْكُتَّابِ وَ الْقُضَاةِ وَ الْمُعَدَّلِينَ ، وَ قَالَ : هذَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلى فِرَاشِهِ ، حَضَرَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ ثِقَاتِهِ فُلَانٌ

.


1- .في الكافي المطبوع : «عليه السلام» بد «رحمة اللَّه عليه و رضوانه».
2- .في الكافي المطبوع : «حمل».
3- .في الكافي المطبوع : «فعرضه».

ص: 495

وَ فُلَانٌ ، وَ مِنَ الْقُضَاةِ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، وَ مِنَ الْمُتَطَبِّبِينَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، ثُمَّ غَطّى وَجْهَهُ ، وَ أَمَرَ بِحَمْلِهِ ، فَحُمِلَ مِنْ وَسَطِ دَارِهِ ، وَ دُفِنَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ .فَلَمَّا دُفِنَ أَخَذَ السُّلْطَانُ وَ النَّاسُ فِي طَلَبِ وَلَدِهِ ، وَ كَثُرَ التَّفْتِيشُ فِي الْمَنَازِلِ وَ الدُّورِ ، وَ تَوَقَّفُوا عَنْ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ ، وَ لَمْ يَزَلِ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِحِفْظِ الْجَارِيَةِ - الَّتِي تُوُهِّمَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ - لَازِمِينَ حَتّى تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحَمْلِ ، فَلَمَّا بَطَلَ الْحَمْلُ (1) قُسِمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ أُمِّهِ وَ أَخِيهِ جَعْفَرٍ ، وَ ادَّعَتْ أُمُّهُ وَصِيَّتَهُ ، وَ ثَبَتَ ذلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَ السُّلْطَانُ عَلى ذلِكَ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِهِ .فَجَاءَ جَعْفَرٌ بَعْدَ ذلِكَ إِلى أَبِي ، فَقَالَ : اجْعَلْ لِي مَرْتَبَةَ أَخِي وَ أُوصِلَ إِلَيْكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَزَبَرَهُ أَبِي وَ أَسْمَعَهُ ، وَ قَالَ لَهُ : يَا أَحْمَقُ ، السُّلْطَانُ جَرَّدَ سَيْفَهُ فِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ وَ أَخَاكَ أَئِمَّةٌ ؛ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذلِكَ ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذلِكَ ، فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَبِيكَ وَ أَخِيكَ إِمَاماً ، فَلَا حَاجَةَ بِكَ إِلَى سُلْطَانٍ (2) يُرَتِّبُكَ مَرْتَبَتَهُمَا(3) ، وَ لَا غَيْرِ سُلْطَانٍ 4 ، وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِهذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَمْ تَنَلْهَا بِنَا .وَاسْتَقَلَّهُ أَبِي عِنْدَ ذلِكَ ، وَ اسْتَضْعَفَهُ ، وَ أَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتّى مَاتَ أَبِي وَ خَرَجْنَا وَ هُوَ عَلى تِلْكَ الْحَالِ ، وَ السُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام .

هديّة:المعتمد على اللَّه، أبو العبّاس، أحمد بن متوكّل بن معتصم بن هارون الرشيد، الخامس عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار إليه أمر الخلافة في رجب عام ستّة وخمسين ومائتين، ومات فجأةً في رجب عام تسع وسبعين ومائتين، وكان عبد اللَّه بن خاقان وزير المعتمد على اللَّه، وكان الموفّق بن المتوكّل أخو المعتمد وليّ عهد أخيه،

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عنهن».
2- .في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «السلطان».
3- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع : «مراتبهم».

ص: 496

والمفوّض إليه أكثر اُموره عظامه.والمشهور أنّ (النصب) عبارة عن نصب العداوة للإمام الحقّ. وقال برهان الفضلاء - كما قال السيّد المرتضى علم الهدى ومعظم فحول العصابة(1) - : إنّه نصب العداوة للإمام الحقّ أو شيعته لتشيّعهم، وبعبارة اُخرى نصب الإمام الباطل في مقابل الإمام الحقّ.و«الهدى» بالفتح وسكون الدال: السيرة والطريقة والعفاف كسحاب.و«النُبل» بالضمّ: المجد.و(الخطر): الشأن وشرف الدنيا والعلم.(يفديه بنفسه): يقول له: جُعلت فداك، أو بأبي أنت واُمّي.وقال برهان الفضلاء: الظاهر سقوط «وأبويه» هنا من قلم نسّاخ الكافي.و«السماط» كسحاب: الصفّ من الناس.و«المؤامرة» المشاورة.و«الجزل» بالجيم المفتوحة والزاي الساكنة: الكريم العطاء، والعاقل الأصيل الرأي.(استزدته): عددته زائداً على ما ينبغي له.و«أشعر» قبيلة من اليمن كان كثيرون منهم يسكنون بقمّ.و«أبو بكر» كنية أحمد بن عبيداللَّه بن خاقان.و«الماجن»: مُن لا يبالي بما قال وما صنع لصلابة وجهه، و«المجون» في الأصل الصلابةُ والغلظةُ.و(شرّيب) بالكسر والتشديد للمبالغة، كشرّير.و«ما» في (ما تعجّبت) فاعل (ورد).(بعث) أي السلطان، وهو المعتمد.(نحرير) كعفريت كان خادماً من خدم الخليفة كاملاً في الشقاء، ولذا كان معتمداً للمعتمد، ويأتي فيه حكاية.

.


1- .راجع: روض الجنان، ج 1، ص 420؛ الحدائق الناضرة، ج 5، ص 186 - 189.

ص: 497

ويجمع (الحجرة) بالضمّ على حُجُر وحُجُرات، كغرفة وغرف وغرفات.(تهيئته): تجهيزه.(حتف أنفه) أي من غير قتل ولا ضرب، و«الحتف»: الموت، وهو يؤثّر جدّاً أوّلاً في الأنف، ونصبه على المفعول المطلق.(وأسمعه) أي ما يكرهه.(استقلّه): عدّه قليلاً خفيفاً سفيهاً.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كَتَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام إِلى أَبِي الْقَاسِمِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرِيِّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتَزِّ بِنَحْوِ عِشْرِينَ يَوْماً : «الْزَمْ بَيْتَكَ حَتّى يَحْدُثَ الْحَادِثُ». فَلَمَّا قُتِلَ بُرَيْحَةُ كَتَبَ إِلَيْهِ : قَدْ حَدَثَ الْحَادِثُ ، فَمَا تَأْمُرُنِي ؟ فَكَتَبَ : «لَيْسَ هذَا الْحَادِثُ (1) الْحَادِثُ الْآخَرُ»، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ الْمُعْتَزِّ مَا كَانَ .وَ عَنْهُ ، قَالَ : كَتَبَ إِلى رَجُلٍ آخَرَ : «يُقْتَلُ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ عَبْدُ اللَّهِ» قَبْلَ قَتْلِهِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ ، قُتِلَ .

هديّة:(المعتزّ) باللَّه أبو عبداللَّه بن الزبير بن المتوكّل بن المعتصم بن هارون الرشيد كان الثالث عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار خليفة في محرّم سنة اثنتين وخمسين ومأتين، ودخل الأتراك في سنة خمس وخمسين ومأتين حرمه، فأخذوا برِجْلهِ يجرّونه على الأرض وهو يصيح ويقول: ما تريدون منّي؟ فقالوا: اخلع نفسك من الخلافة، فقبل فأخذ منه مالاً كثيراً، ثمّ حبسوه في بيتٍ، وسدّوا عليه الباب بالوحل حتّى مات جوعاً.و(بريحة) مصغّراً بالمفردة والمهملتين بينهما اسم شخص.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «بل».

ص: 498

قال برهان الفضلاء: وكتب بخطّه الفاضل الاسترآبادي : «قال: كتب» يعني أبا محمّد عليه السلام.يقرأ (يقتل) على المجهول، و«بقتل» على الجار والمجرور، يعني عبداللَّه بن محمّد بن داود.(قبل قتله) متعلّق ب (كتب).

الحديث الرابع روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْكُرْدِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام ، قَالَ : ضَاقَ بِنَا الْأَمْرُ ، فَقَالَ لِي أَبِيَ : امْضِ بِنَا حَتّى نَصِيرَ إِلى هذَا الرَّجُلِ - يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام - فَإِنَّهُ قَدْ وُصِفَ عَنْهُ سَمَاحَةٌ ، فَقُلْتُ : تَعْرِفُهُ ؟ فَقَالَ : مَا أَعْرِفُهُ ، وَلَا رَأَيْتُهُ قَطُّ ، قَالَ : فَقَصَدْنَاهُ ، فَقَالَ لِي أَبِي - وَ هُوَ فِي طَرِيقِهِ - : مَا أَحْوَجَنَا إِلى أَنْ يَأْمُرَ لَنَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ : مِائَتَا دِرْهَمٍ لِلْكِسْوَةِ ، وَ مِائَتَا دِرْهَمٍ لِلدَّقِيقِ (1) ، وَ مِائَةُ دِرْهَمٍ (2) لِلنَّفَقَةِ! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَيْتَهُ أَمَرَ لِي بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ : مِائَةٌ أَشْتَرِي بِهَا حِمَاراً ، وَ مِائَةٌ لِلنَّفَقَةِ ، وَ مِائَةٌ لِلْكِسْوَةِ ، وَ أَخْرُجَ إِلَى الْجَبَلِ .قَالَ : فَلَمَّا وَافَيْنَا الْبَابَ ، خَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامُهُ ، فَقَالَ : يَدْخُلُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَ سَلَّمْنَا ، قَالَ لِأَبِي : «يَا عَلِيُّ ، مَا خَلَّفَكَ عَنَّا إِلى هذَا الْوَقْتِ؟» فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَلْقَاكَ عَلى هذِهِ الْحَالِ ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ جَاءَ بِنَا(3)غُلَامُهُ ، فَنَاوَلَ أَبِي صُرَّةً ، فَقَالَ : هذِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ : مِائَتَانِ لِلْكِسْوَةِ ، وَ مِائَتَانِ لِلدَّقِيقِ (4) ، وَ مِائَةٌ لِلنَّفَقَةِ ؛ وَ أَعْطَانِي صُرَّةً ، فَقَالَ : هذِهِ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، اجْعَلْ مِائَةً فِي ثَمَنِ حِمَارٍ ، وَ مِائَةً لِلْكِسْوَةِ ، وَ مِائَةً لِلنَّفَقَةِ ، وَ لَا تَخْرُجْ إِلَى الْجَبَلِ ، وَ صِرْ إِلى سُورى ، فَصَارَ إِلى سُورى 5 ، وَ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «للدَّيْن».
2- .في الكافي المطبوع : - «درهم».
3- .في الكافي المطبوع : «جاءنا» بدل «جاء بنا».
4- .في الكافي المطبوع : «سوراء» في الموضعين.

ص: 499

فَدَخْلُهُ الْيَوْمَ أَلْفُ دِينَارٍ ، وَ مَعَ هذَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ . فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فَقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ ، أَ تُرِيدُ أَمْراً أَبْيَنَ مِنْ هذَا ؟ قَالَ : فَقَالَ : هذَا أَمْرٌ قَدْ جَرَيْنَا عَلَيْهِ .

هديّة:(الكسوة) يضمّ ويكسر.و(سورى) يمدّ ويقصر: موضع بالعراق.(هذا أمر) يعني القول بالوقف.

الحديث الخامس روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ (1)أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْقَزْوِينِيُّ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي بِسُرَّ مَنْ رَأى ، وَ كَانَ أَبِي يَتَعَاطَى الْبَيْطَرَةَ فِي مَرْبِطِ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، قَالَ : وَ كَانَ عِنْدَ الْمُسْتَعِينِ بَغْلٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ حُسْناً وَ كِبْراً ، وَ كَانَ يَمْنَعُ ظَهْرَهُ وَ اللِّجَامَ وَ السَّرْجَ ، وَ قَدْ كَانَ جَمَعَ عَلَيْهِ الرَّاضَةَ ، فَلَمْ يُمَكِّنْ لَهُمْ حِيلَةٌ فِي رُكُوبِهِ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ بَعْضُ نُدَمَائِهِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَ لَا تَبْعَثُ إِلَى الْحَسَنِ ابْنِ الرِّضَا حَتّى يَجِي ءَ ، فَإِمَّا أَنْ يَرْكَبَهُ ، وَ إِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ ، فَتَسْتَرِيحَ مِنْهُ .قَالَ : فَبَعَثَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَمَضى (2) مَعَهُ أَبِي ، فَقَالَ أَبِي : لَمَّا دَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام الدَّارَ ، كُنْتُ مَعَهُ ، فَنَظَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام إِلَى الْبَغْلِ وَاقِفاً فِي صَحْنِ الدَّارِ ، فَعَدَلَ إِلَيْهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى كَفَلِهِ ، قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى الْبَغْلِ وَ قَدْ عَرِقَ حَتّى سَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْمُسْتَعِينِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَرَحَّبَ بِهِ وَ قَرَّبَ .فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَلْجِمْ هذَا الْبَغْلَ ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام لِأَبِي : «أَلْجِمْهُ يَا غُلَامُ» فَقَالَ الْمُسْتَعِينُ : أَلْجِمْهُ أَنْتَ ، فَوَضَعَ طَيْلَسَانَهُ ، ثُمَّ قَامَ ، فَأَلْجَمَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلى مَجْلِسِهِ وَ قَعَدَ .فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَسْرِجْهُ ، فَقَالَ لِأَبِي : «يَا غُلَامُ ، أَسْرِجْهُ» فَقَالَ الْمُسْتَعِينُ (3) : أَسْرِجْهُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال: حدّثني».
2- .في الكافي المطبوع : «و مضى».
3- .في الكافي المطبوع : - «المستعين».

ص: 500

أَنْتَ ، فَقَامَ ثَانِيَةً ، فَأَسْرَجَهُ وَ رَجَعَ .فَقَالَ لَهُ : تَرى أَنْ تَرْكَبَهُ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ»، فَرَكِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَكَضَهُ فِي الدَّارِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى الْهَمْلَجَةِ ، فَمَشى أَحْسَنَ مَشْيٍ يَكُونُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَنَزَلَ .فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَعِينُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، كَيْفَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقَالَ لَهُ (1) : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ حُسْناً وَ فَرَاهَةً ، وَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ إِلَّا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ».قَالَ : فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ حَمَلَكَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام لِأَبِي : «يَا غُلَامُ ، خُذْهُ» فَأَخَذَهُ أَبِي ، فَقَادَهُ .

هديّة:(المستعين) باللَّه، أبو العبّاس، أحمد بن محمّد بن معتصم بن هارون الرشيد، الثاني عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار خليفة في ربيع سنة ثمان وأربعين ومأتين من الهجرة، فخلعه المعتزّ من الخلافة جبراً، فطلب الأمان منه فقبل منه، ثمّ قتله وصار خليفة بعده.(عرق) كعلم.و(الهملجة): ضرب من المشي، فارسيّ، معرّب «هموارك».ليس في بعض النسخ (أن يكون) بين (وما يصلح) و(مثله).

الحديث السادس روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ(2) بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : شَكَوْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام الْحَاجَةَ ، فَحَكَّ بِسَوْطِهِ الْأَرْضَ ، قَالَ : وَ أَحْسَبُهُ غَطَّاهُ بِمِنْدِيلٍ ، وَ أَخْرَجَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : «يَا أَبَا هَاشِمٍ ، خُذْ ، وَ أَعْذِرْنَا» .

هديّة:(غطّاه) أي ما حكّه من الأرض.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال» بدل «فقال له».
2- .في الكافي المطبوع : «أبي أحمد».

ص: 501

(وأعذرنا) على الأمر من باب ضرب، عذرته فيما صنع، فأنا عاذر وهو معذور، وفلان أعذر بمعنى اعتذر، أي صار ذا عذر وطلب العذر أيضاً.

الحديث السابع روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْمُطَهَّرِيّ (1) : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ عليه السلام سَنَةً بِالْقَادِسِيَّةِ(2) يُعْلِمُهُ انْصِرَافَ النَّاسِ ، وَ أَنَّهُ يَخَافُ الْعَطَشَ ، فَكَتَبَ عليه السلام : «امْضُوا ، فَلَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى»، فَمَضَوْا سَالِمِينَ ؛ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

هديّة:(القادسيّة) موضع خارج الكوفة، ينزلها الحاجّ عند الدخول والخروج.(انصراف الناس) أي طائفة منهم مخافة العطش في تلك السنة.

الحديث الثامن روى في الكافي [عَنه،(3) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ الْيَمَانِيِّ ، قَالَ : نَزَلَ بِالْجَعْفَرِيِّ مِنْ آلِ جَعْفَرٍ خَلْقٌ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِمْ ، فَكَتَبَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَشْكُوا ذلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «تَكُفُّونَ ذلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى» فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ وَ الْقَوْمُ يَزِيدُونَ عَلى عِشْرِينَ أَلْفاً ، وَ هُوَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ ، فَاسْتَبَاحَهُمْ .

هديّة:يعني نزل للمحاربة، أو التقدير : «بلاء خلق»، (من آل) متعلّق ب «نزل»، (لا قِبَلَ له بهم) بكسر القاف وفتح المفردة، أي لا جانب له يقابل جانبهم؛ يعني لا طاقة له بمقاومتهم، وهذا مراد من قال يعني لم يكن له من الجنود من يقاومهم، يعني نزل للمحاربة بأبي

.


1- .في الكافي المطبوع : «المطهّر».
2- .في الكافي المطبوع : «القادسيّة».
3- .]ما بين المعقوفين أضفناه حسب السند في الكافي المطبوع ، والضمير راجع إلى عليّ بن محمّد.

ص: 502

هاشم الجعفري خلق كثير من أقربائه المخاصمين له.(تكفّون) على المعلوم من باب مدّ، أو المجهول، يعني تردّون ذلك البلاء إن شاء اللَّه تعالى، أو يكفيكموهم اللَّه بالكفّ عنكم إن شاء اللَّه تعالى.(استباحهم) بالمفردة: أهلكهم واستأصلهم. الجوهري: استباحوه: استأصلوه.(1)

الحديث التاسع روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيِّ ، قَالَ : حُبِسَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ تَارْمَشَ - وَ هُوَ أَنْصَبُ النَّاسِ ، وَ أَشَدُّهُمْ عَلى آلِ أَبِي طَالِبٍ - وَ قِيلَ لَهُ : افْعَلْ بِهِ وَ افْعَلْ . فَمَا أَقَامَ عِنْدَهُ إِلَّا يَوْماً حَتّى وَضَعَ خَدَّيْهِ لَهُ ، وَ كَانَ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَيْهِ إِجْلَالًا وَ إِعْظَاماً ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ بَصِيرَةً ، وَ أَحْسَنُهُمْ فِيهِ قَوْلًا .

هديّة:قرأ «تارمش» بالتاء المثنّاة من فوق، وقيل بالمفردة.وقرأ برهان الفضلاء : «يارمش» بفتح الخاتمة والألف وفتح المهملة والشين المعجمة، اسم ترك من الأتراك في جند الخليفة. ثمّ قال: وفيه اختلاف النسخ في ضبط الحروف وإعرابها.(افعل به وافعل) أي ما يمكنك من السوء والأذى، أو تحريش على القتل إن أمكن.

الحديث العاشرروى في الكافي عنه، وَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيِّ ، عَنْ (2) سُفْيَانِ بْنِ مُحَمَّدٍ الضُّبَعِيُّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الْوَلِيجَةِ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» وَقُلْتُ (3) فِي نَفْسِي - لَا فِي

.


1- .الصحاح ، ج 1 ، ص 357 (بوح).
2- .في الكافي المطبوع : «قال حدّثني» بدل «عن».
3- .في الكافي المطبوع : «قلت» بدون الواو.

ص: 503

الْكِتَابِ - : مَنْ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ هاهُنَا ؟ فَرَجَعَ الْجَوَابُ : «الْوَلِيجَةُ الَّذِي يُقَامُ دُونَ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، وَ حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ ؟ فَهُمُ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ عَلَى اللَّهِ ، فَيُجِيزُ أَمَانَهُمْ» .

هديّة:(الوليجة) في اللغة: الخاصّة، والدخيلة، والمعتمد عليه، واللصق بالرجل من غير أهله.والآية في سورة التوبة.(1)في بعض النسخ : «فيجيز إيمانهم» مكان (أمانهم). قال برهان الفضلاء: والمعنى هنا واحد؛ لأنّ الإيمان هنا مصدر، «آمنه»: أعطاه الأمان، والأئمّة عليهم السلام يعطون الأمان لشيعتهم على ضمان اللَّه من النار والقرآن، كما قد يعبّر عن الإمام بالإيمان، كما في قوله عزّ وجلّ في سورة الحجرات: «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ» الآية(2)، يعبّر عنه بالمؤمن بمعنى واهب الأمان من النار على ضمان اللَّه عزّ وجلّ.قال برهان الفضلاء: «من» في «من دون اللَّه» بمعنى «في»، و«دون» ظرف بمعنى قبل؛ أي ولم يقدّموا من كان حاجباً بينكم وبين اللَّه ورسوله وأوصيائه عليهم السلام. قال: و«الوليجة» الذي يُعتمد عليه مع عدم كونه أهلاً لذلك من الولوج بمعنى الدخول بين اثنين بالعنف، فالفعيل بمعنى الفاعل، والتاء للنقل من الوصفيّة إلى الإسميّة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ ، قَالَ: شَكَوْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ضِيقَ الْحَبْسِ ، وَ كَتَلَ الْقَيْدِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : «أَنْتَ تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِكَ» فَأُخْرِجْتُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ، فَصَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي كَمَا قَالَ عليه السلام .

.


1- .التوبة (9) : 16.
2- .الحجرات (49): 7.

ص: 504

وَ كُنْتُ مُضَيَّقاً ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْهُ دَنَانِيرَ فِي الْكِتَابِ ، فَاسْتَحْيَيْتُ ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلى مَنْزِلِي وَجَّهَ إِلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَ كَتَبَ إِلَيَّ : «إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ ، فَلَا تَسْتَحْيِ وَ لَا تَحْتَشِمْ وَ اطْلُبْهَا ؛ فَإِنَّكَ تَرى مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى» .

هديّة:(كتل القيد) بالمثنّاة الفوقانيّة: غلظة، وقرئ بالمفردة، وهو القيد الضخم. وفي بعض النسخ : «كلب القيد» وهو مسماره الذي يشدّ به.«استحى» بياء واحدة، و«استحيى» بياءين، وقرئ بهما القرآن.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عنه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَقْرَعِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ نُصَيْرٍ الْخَادِمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام غَيْرَ مَرَّةٍ يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ بِلُغَاتِهِمْ : تُرْكٍ ، وَ رُومٍ ، وَ صَقَالِبَةَ ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذلِكَ ، وَ قُلْتُ : هذَا وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ ، وَ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ حَتّى مَضى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ لَا رَآهُ أَحَدٌ ، فَكَيْفَ هذَا ؟! أُحَدِّثُ نَفْسِي بِذلِكَ ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - بَيَّنَ حُجَّتَهُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ بِكُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ يُعْطِيهِ اللُّغَاتِ ، وَ مَعْرِفَةَ الْأَنْسَابِ وَ الْآجَالِ وَ الْحَوَادِثِ ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَ الْمَحْجُوجِ فَرْقٌ» .

هديّة:(تُركٍ) بالجرّ، بدل تفصيل من ضمير «لغاتهم».و«الصقالبة»: جمع صقلاب بكسر الصاد، وهو الأحمر المخلوط بالأبيض، وإلحاق التاء للعجمة؛ فإنّ الصقالبة جيل من الناس، بلادهم بلاد الخزر ما بين بلغز(1) وقسطنطنيّة من البلاد الشماليّة.(بكلّ شي ء) أي في كلّ شي ء. وقال برهان الفضلاء: «بكلّ شي ء» أي بالعلم بالقرآن،

.


1- .هكذا في «الف» و «ب» والصحيح : «بلغر» بالراء المهملة ، والمراد منه بلغار و بلغارستان. راجع : لغت نامه دهخدا ، مادّة «بلغر» و «بلغار» ، أيضاً مادّة «صقلب».

ص: 505

فناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الأعراف: «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ»(1). والقرآن تبيان لكلّ شي ء.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنِ الْأَقْرَعِ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الْإِمَامِ : هَلْ يَحْتَلِمُ ؟ وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي - بَعْدَ مَا فَصَلَ الْكِتَابُ - : الِاحْتِلَامُ شَيْطَنَةٌ ، وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَوْلِيَاءَهُ مِنْ ذلِكَ ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ : «حَالُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَنَامِ حَالُهُمْ فِي الْيَقَظَةِ ، لَا يُغَيِّرُ النَّوْمُ مِنْهُمْ شَيْئاً ، وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ ، كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ» .

هديّة:الجوهري: فَصَلَ من الناحية، أي خرج،(2) وقرأ برهان الفضلاء على المجرّد أيضاً، لكن على المجهول، أي صار مفصولاً مبعداً بذهاب الرافع، ثمّ احتمل المجهول من التفعيل، أي بفصول منها هذه المسألة.(لمّة الشيطان): مسّه.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عنه، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ ، قَالَ : اخْتَلَجَ فِي صَدْرِي مَسْأَلَتَانِ أَرَدْتُ الْكِتَابَ فِيهِمَا إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَكَتَبْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الْقَائِمِ إِذَا قَامَ : بِمَا يَقْضِي ؟ وَ أَيْنَ مَجْلِسُهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ ؟ وَ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ شَيْ ءٍ لِحُمَّى الرِّبْعِ ، فَأَغْفَلْتُ خَبَرَ الْحُمّى .فَجَاءَ الْجَوَابُ : «سَأَلْتَ عَنِ الْقَائِمِ ، فَإِذَا قَامَ قَضى بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ عليه السلام ، لَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ؛ وَ كُنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ لِحُمَّى الرِّبْعِ ، فَأُنْسِيتَ ، فَاكْتُبْ فِي وَرَقَةٍ ، وَ عَلِّقْهُ عَلَى الْمَحْمُومِ ؛ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ : «يا نارُ كُونِى بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ»».

.


1- .الأعراف (7): 156 .
2- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1790.

ص: 506

فَعَلَّقْنَا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَأَفَاقَ .

هديّة:(وأردت) إمّا عطف على (اختلج)، فثلاث مسائل، فالسكوت عن جواب الثانية لعدم التعيين، بل حيث ما وقع، أو على (كتبت)، فإنّ مجموع ما كتب في حكم مسألة واحدة.(فأغفلت) على المتكلّم المعلوم من الإفعال، «أغفلته»: تركته على ذكر منّي.(فأنسيت) على المخاطب المجهول.والبارز في (علّقه) للمكتوب المفهوم من (فاكتب).والآية في سورة الأنبياء.(1)

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ إِسْمَاعِيلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ : قَعَدْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام عَلى ظَهْرِ الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا مَرَّ بِي شَكَوْتُ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ ، وَ حَلَفْتُ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي دِرْهَمٌ فَمَا فَوْقَهُ ، وَ لَا غَدَاءٌ ، وَ لَا عَشَاءٌ .قَالَ : فَقَالَ : «تَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِباً ؛ وَ قَدْ دَفَنْتَ مِائَتَيْ دِينَارٍ ، وَ لَيْسَ قَوْلِي هذَا دَفْعاً لَكَ عَنِ الْعَطِيَّةِ ، أَعْطِهِ يَا غُلَامُ مَا مَعَكَ»، فَأَعْطَانِي غُلَامُهُ مِائَةَ دِينَارٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ لِي : «إِنَّكَ تُحْرَمُهَا أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهَا» - يَعْنِي الدَّنَانِيرَ الَّتِي دَفَنْتُ - وَ صَدَقَ عليه السلام ، فَكَانَ (2) كَمَا قَالَ ، دَفَنْتُ مِائَتَيْ دِينَارٍ ، وَ قُلْتُ : يَكُونُ ظَهْراً وَ كَهْفاً لَنَا ، فَاضْطُرِرْتُ ضَرُورَةً شَدِيدَةً إِلى شَيْ ءٍ أُنْفِقُهُ ، وَ انْغَلَقَتْ عَلَيَّ أَبْوَابُ الرِّزْقِ ، فَنَبَّشْتُ عَنْهَا ، فَإِذَا ابْنٌ لِي قَدْ عَرَفَ مَوْضِعَهَا ، فَأَخَذَهَا ، وَ هَرَبَ ، فَمَا قَدَرْتُ مِنْهَا عَلى شَيْ ءٍ .

هديّة:(الظهر الطريق) الذي في الصحراء.(تحرمها) على المجهول، حرم اللَّه عدوّي حرماناً كضرب فهو محروم.

.


1- .الأنبياء (21) : 69.
2- .في الكافي المطبوع : «و كان».

ص: 507

و(أحوج) على أفعل التفضيل، منصوبٌ نيابةً عن ظرف الزمان، فإنّ (ما) مصدريّة، والمصدر مضاف إليه للأحوج، فكما أنّ المصدر يجوز نيابته عن ظرف الزمان - كرأيته قدوم الحاجّ - يجوز نيابة المضاف إلى المصدر أيضاً عنه. (تكون) من الأفعال التامّة، و(إليها) متعلّق ب «الأحوج».(ظهراً وكهفاً): عوناً وكفافاً.

الحديث السادس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : كَانَ لِي فَرَسٌ ، وَ كُنْتُ بِهِ مُعْجَباً ، أُكْثِرُ ذِكْرَهُ فِي الْمَحَالِّ ، فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَوْماً ، فَقَالَ لِي : «مَا فَعَلَ فَرَسُكَ ؟» فَقُلْتُ : هُوَ عِنْدِي ، وَ هُوَ ذَا(1) عَلى بَابِكَ ، وَ عَنْهُ نَزَلْتُ ، فَقَالَ لِيَ : «اسْتَبْدِلْ بِهِ قَبْلَ الْمَسَاءِ إِنْ قَدَرْتَ عَلى مُشْتَرٍ ، وَ لَا تُؤَخِّرْ ذلِكَ» وَ دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ ، وَ انْقَطَعَ الْكَلَامُ ، فَقُمْتُ مُتَفَكِّراً ، وَ مَضَيْتُ إِلى مَنْزِلِي ، فَأَخْبَرْتُ أَخِي الْخَبَرَ ، فَقَالَ : مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِي هذَا ، وَ شَحَحْتُ بِهِ ، وَ نَفِسْتُ عَلَى النَّاسِ بِبَيْعِهِ وَ أَمْسَيْنَا ، فَأَتَانَا السَّائِسُ - وَ قَدْ صَلَّيْنَا الْعَتَمَةَ - فَقَالَ : يَا مَوْلَايَ ، نَفَقَ فَرَسُكَ ، فَاغْتَمَمْتُ ، وَ عَلْمِتُهُ (2) أَنَّهُ عَنى هذَا بِذلِكَ الْقَوْلِ .قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام بَعْدَ أَيَّامٍ وَ أَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي : لَيْتَهُ أَخْلَفَ عَلَيَّ دَابَّةً ؛ إِذْ كُنْتُ اغْتَمَمْتُ بِقَوْلِهِ ، فَلَمَّا جَلَسْتُ ، قَالَ : «نَعَمْ ، نُخْلِفُ عَلَيْكَ دَابَّةً(3) ؛ يَا غُلَامُ ، أَعْطِهِ بِرْذَوْنِيَ الْكُمَيْتَ ، هذَا خَيْرٌ مِنْ فَرَسِكَ وَطْأً(4) ، وَ أَطْوَلُ عُمُراً» .

هديّة:«المعجب» على اسم الفاعل من الإفعال: الحُسْن الحال مسرّة، وعلى اسم المفعول منه أيضاً المتعجّب.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «هو».
2- .في الكافي المطبوع : «علمت».
3- .في الكافي المطبوع : «دابّة عليك».
4- .في الكافي المطبوع : «و أوطأ».

ص: 508

و«الشحّ» بالضمّ: البخل والحرص؛ شحّ به كفرّ وعضّ.نفس به على الناس كعلم: لم يَرَهُمْ لائقاً به، و«نفس»: بخل.«نفق» كنصر: هلك، و«النفوق»: الهلاك.في بعض النسخ : «وأوطأ» على أفعل التفضيل مكان (وطأ) بالفتح، مصدر «وطي» كعلم.

الحديث السابع عشرروى في الكافي عنه، عَنْ ابْنِ شَمُّونٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام حِينَ أَخَذَ الْمُهْتَدِي فِي قَتْلِ الْمَوَالِي : يَا سَيِّدِي ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَغَلَهُ عَنَّا ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَتَهَدَّدُكَ ، وَ يَقُولُ : وَ اللَّهِ ، لَأُجْلِيَنَّهُمْ عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ؟ .فَوَقَّعَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام بِخَطِّهِ : «ذَاكَ أَقْصَرُ لِعُمُرِهِ ، عُدَّ مِنْ يَوْمِكَ هذَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ ، وَ يُقْتَلُ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ بَعْدَ هَوَانٍ وَ اسْتِخْفَافٍ يَمُرُّ بِهِ» فَكَانَ كَمَا قَالَ عليه السلام .

هديّة:«الجلاء» بالفتح والمدّ: التفرّق.(لأجلينّهم) من الإفعال.و(جديد الأرض) بالجيم على فعيل: وجهها.و(المهتدي) باللَّه: محمّد بن واثق بن معتصم بن هارون الرشيد، الرابع عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار خليفة في شعبان خمس وخمسين ومائتين هجريّة، وخرج الأتراك عليه بعد عزم أخذه بقتل الشيعة في رجب ستّ وخمسين ومائتين، فقتلوا أوّلاً وكيله في اُموره كلّها، يعني صالح بن وصيف، فأرسلوا إلى رأسه بالأسواق، ثمّ بمجلس المهتدي، ثمّ أخذوه وعلّقوه في باب دار الخلافة، فاستغاث فلم يرحم عليه أحد، وغمزوا خصيتيه حتّى هلك.واللام في (لعمره) للتعدية، و(أقصر) أفعل التفضيل من اسم الفاعل، يعني ذاك العزم يقصر عمره جدّاً.وقرأ برهان الفضلاء : «يمرئه» من الإمراء - من مرؤ الطعام كحسن، وأمرأه غيره على

.

ص: 509

التهكّم والتمليح - مكان (يمرّ به)، أي يصل إليه، فالمستتر على قراءته للاستخفاف، أو لكلّ واحدٍ من «الهوان» و«الاستخفاف»، والبارز للمهتدى.و«الهوان» بالفتح: الذلّ.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي عنه، عَنْ ابْنِ شَمُّونٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لِي مِنْ وَجَعِ عَيْنِي - وَ كَانَتْ إِحْدى عَيْنَيَّ ذَاهِبَةً ، وَ الْأُخْرى عَلى مُشْرِفِ (1)ذَهَابٍ - فَكَتَبَ إِلَيَّ : «حَبَسَ اللَّهُ عَلَيْكَ عَيْنَكَ» فَأَفَاقَتِ الصَّحِيحَةُ .وَ وَقَّعَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ : «آجَرَكَ اللَّهُ ، وَ أَحْسَنَ ثَوَابَكَ» فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، وَلَمْ أَعْرِفْ فِي أَهْلِي أَحَداً مَاتَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ ، جَاءَتْنِي وَفَاةُ ابْنِي طَيِّبٍ ، فَعَلِمْتُ أَنَّ التَّعْزِيَةَ لَهُ .

هديّة:«المشرف» كمنصب: محلّ الإشراف. وضبط برهان الفضلاء : «على شرف ذهاب» بفتحتين من دون ميم، قال: يعني على خطر هلاك.أفاق من مرضه وسكره واستفاق بمعنى.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا بِسُرَّ مَنْ رَأى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - يُقَالُ (2) : سَيْفُ بْنُ اللَّيْثِ - يَتَظَلَّمُ إِلَى الْمُهْتَدِي فِي ضَيْعَةٍ لَهُ قَدْ غَصَبَهَا إِيَّاهُ شَفِيعٌ الْخَادِمُ ، وَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا ، فَأَشَرْنَا إِلَيْهِ (3) أَنْ يَكْتُبَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ يَسْأَلُهُ تَسْهِيلَ أَمْرِهَا ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام : «لَا بَأْسَ عَلَيْكَ ، ضَيْعَتُكَ تُرَدُّ عَلَيْكَ ، فَلَا تَتَقَدَّمْ إِلَى السُّلْطَانِ ، وَ الْقَ الْوَكِيلَ الَّذِي فِي يَدِهِ الضَّيْعَةُ ، وَ خَوِّفْهُ بِالسُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ ، اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .فَلَقِيَهُ ، فَقَالَ لَهُ الْوَكِيلُ - الَّذِي فِي يَدِهِ الضَّيْعَةُ - : قَدْ كُتِبَ إِلَيَّ عِنْدَ خُرُوجِكَ مِنْ مِصْرَ أَنْ

.


1- .في الكافي المطبوع : «شرف».
2- .في الكافي المطبوع : + «له».
3- .في الكافي المطبوع : «عليه».

ص: 510

أَطْلُبَكَ ، وَ أَرُدَّ الضَّيْعَةَ عَلَيْكَ ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْقَاضِي ابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ وَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ ، وَ لَمْ يَحْتَجْ إِلى أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْمُهْتَدِي ، فَصَارَتِ الضَّيْعَةُ لَهُ وَ فِي يَدِهِ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَبَرٌ بَعْدَ ذلِكَ .قَالَ : وَ حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ اللَّيْثِ هذَا ، قَالَ : خَلَّفْتُ ابْناً لِي عَلِيلًا بِمِصْرَ عِنْدَ خُرُوجِي عَنْهَا ، وَ ابْناً لِي آخَرَ أَسَنَّ مِنْهُ كَانَ وَصِيِّي وَ قَيِّمِي عَلى عِيَالِي وَ فِي ضِيَاعِي ، فَكَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ لِابْنِيَ الْعَلِيلِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : «قَدْ عُوفِيَ ابْنُكَ الْمُعْتَلُّ ، وَ مَاتَ الْكَبِيرُ وَصِيُّكَ وَ قَيِّمُكَ ، فَاحْمَدِ اللَّهَ ، وَ لَا تَجْزَعْ ؛ فَيَحْبَطَ أَجْرُكَ».فَوَرَدَ عَلَيَّ الْخَبَرُ أَنَّ ابْنِي قَدْ عُوفِيَ مِنْ عِلَّتِهِ ، وَ مَاتَ الْكَبِيرُ يَوْمَ وَرَدَ عَلَيَّ جَوَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فأشرنا عليه» مكان (إليه)، فعلى تضمين معنى مثل «أوجبنا».(فقال له الوكيل) أي وكيل شفيع الخادم.(قد كتب إليّ) أي شفيع من سامرّاء.(بحكم القاضي) أي بسجلّه.وقرأ برهان الفضلاء : «ولم يكن لها جبر بعد ذلك» بالجيم، أي غضب.(يوم ورد) ظرف ل (مات) أو ل (عوفى) أو ل «ورود الخبر».

الحديث العشرون روى في الكافي عنه، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْقُشَيْرِيِ (1) مِنْ قَرْيَةٍ تُسَمّى قَنْبَرَ(2) ، قَالَ : كَانَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام وَكِيلٌ قَدِ اتَّخَذَ مَعَهُ فِي الدَّارِ حُجْرَةً يَكُونُ مَعَهُ فِيهَا(3) خَادِمٌ أَبْيَضُ ، فَأَرَادَ الْوَكِيلُ

.


1- .هكذا في حاشية «الف» و الكافي المطبوع ، وفي «الف» و «د» : «القسري».
2- .في الكافي المطبوع : «قير».
3- .في الكافي المطبوع : «فيها معه».

ص: 511

الْخَادِمَ عَلى نَفْسِهِ ، فَأَبى إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُ بِنَبِيذٍ(1) ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ ، وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ مُقَفَّلَةٍ(2) ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي الْوَكِيلُ ، قَالَ : إِنِّي لَمُنْتَبِهٌ إِذَا(3) أَنَا بِالْأَبْوَابِ تُفْتَحُ حَتّى جَاءَ بِنَفْسِهِ ، فَوَقَفَ عَلى بَابِ الْحُجْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا هؤُلَاءِ ، اتَّقُوا اللَّهَ ، خَافُوا اللَّهَ» فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ، أَمَرَ بِبَيْعِ الْخَادِمِ ، وَ إِخْرَاجِي مِنَ الدَّارِ .

هديّة:(قد اتّخذ معه) أي مع الإمام عليه السلام، يعني في البيوت المعدّة للرجال. وقال برهان الفضلاء: ضمير «اتّخذ» و«معه» في الموضعين للوكيل، يعني قد اتّخذ في جنب بيته في الدار حجرة.الجوهري: الخادم، واحد «الخدم» غلاماً كان أو جارية.(4) وقال برهان الفضلاء: المراد بالخادم هنا الغلام.(لمنتبه) إمّا من التفعّل يعني لنادم، أو من الافتعال بهذا المعنى أيضاً، أو يعني من النوم.والتعبير عن الاثنين ب (هؤلاء) إمّا باعتبار حضور كرام الكاتبين كما قال برهان الفضلاء، أو للإطلاق المجوّز باعتبار التعدّد.في بعض النسخ : «أبواب مغلقة» مكان (أبواب مقفلة).

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّبِيعِ الشيبانيِّ ، قَالَ : نَاظَرْتُ رَجُلًا مِنَ الثَّنَوِيَّةِ بِالْأَهْوَازِ ، ثُمَّ قَدِمْتُ سُرَّ مَنْ رَأى وَ قَدْ عَلِقَ بِقَلْبِي شَيْ ءٌ مِنْ مَقَالَتِهِ ؛ فَإِنِّي لَجَالِسٌ عَلى بَابِ أَحْمَدَ بْنِ الْخَضِيبِ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام مِنْ دَارِ الْعَامَّةِ يَؤُمُّ الْمَوْكِبَ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، وَ أَشَارَ بِسَبَّاحَتِهِ : «أَحَداً أَحَداً فَرْداً» . فَسَقَطْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ .

.


1- .في الكافي المطبوع : + «فاحتال له نبيذاً».
2- .في الكافي المطبوع : «مغلقة».
3- .في الكافي المطبوع : «إذ».
4- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1909 (خدم).

ص: 512

هديّة:(أحمد بن الخضيب) قد قتل في زمن الهادي عليه السلام، فيحتمل أن يكون كلام الإمام عليه السلام في زمن أبيه عليهما السلام.و(الموكب) كمجلس: جماعة الفرسان في الزينة. قال برهان الفضلاء: يعني يوم ورود رسول من سلطان آخر، وقرئ : «يؤمّ الموكب» على المضارع المعلوم من أَمَّه بمعنى قصده.و«السبّاحة» كالسبّابة لفظاً ومعنى، ويُقال للسبّابة المسبّحة أيضاً.وقرأ برهان الفضلاء : «بسّنا حُبّه» قال:و«البسّ» بفتح المفردة وتشديد المهملة: الطلب، والمراد هنا المطلوب، أي مقصودنا محبّته تعالى، و«أحداً» حال من ضمير «حبّه»، والتكرار للتأكيد، قال: ويمكن أن يكون الأوّل «واحداً» بالواو، فسقطت عن قلم النسّاخ، ثمّ قال: وعلى «بسبّاحته» أو «بسبّابته» «أحداً» نصب على فعل مقدّر مثل «اعرف» ونحوه.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَوْماً وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ مَا أَصُوغُ بِهِ خَاتَماً أَتَبَرَّكُ بِهِ ، فَجَلَسْتُ ، وَ أُنْسِيتُ مَا جِئْتُ لَهُ ، فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ وَ نَهَضْتُ رَمى إِلَيَّ بِالْخَاتَمِ ، فَقَالَ : «أَرَدْتَ فِضَّةً ، فَأَعْطَيْنَاكَ خَاتَماً ، فَرَبِحْتَ (1) الْفَصَّ وَ الْكِرَاءَ ، هَنَأَكَ اللَّهُ يَا أَبَا هَاشِمٍ».فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، أَشْهَدُ أَنَّكَ وَلِيُّ اللَّهِ وَ إِمَامِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِطَاعَتِهِ ، فَقَالَ : «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا هَاشِمٍ» .

هديّة:صغت الخاتم، أصوغه صوغاً، وأنا صائغ وصوّاغ وصيّاغ أيضاً في لغة أهل الحجاز ، وعمله: الصياغة.

.


1- .في الكافي المطبوع : «ربحت» بدون الفاء.

ص: 513

(والكراء) بالكسر والمدّ.

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي الْعَيْنَاءِ الْهَاشِمِيُّ مَوْلى عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ عَتَاقَةً ، قَالَ : كُنْتُ أَدْخُلُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَأَعْطَشُ وَ أَنَا عِنْدَهُ ، فَأُجِلُّهُ أَنْ أَدْعُوَ بِالْمَاءِ ، فَيَقُولُ : «يَا غُلَامُ ، اسْقِهِ» وَ رُبَّمَا حَدَّثْتُ نَفْسِي بِالنُّهُوضِ ، فَأُفَكِّرُ فِي ذلِكَ ، فَيَقُولُ : «يَا غُلَامُ ، دَابَّتَهُ» .

هديّة:عطش فلان كعلم.(فيقول) في الموضعين، أي فكان يقول.(دابّته) أي احضر دابّته، والمراد أنّ في الصورتين علم بما في الضمير من طلب الماء وقصد النهوض.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ ،(1) قَالَ : دَخَلَ الْعَبَّاسِيُّونَ عَلى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ ، وَ دَخَلَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ وَ غَيْرُهُ - مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ هذِهِ النَّاحِيَةِ - عَلى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ عِنْدَ مَا حَبَسَ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ : وَ مَا أَصْنَعُ قَدْ وَكَّلْتُ بِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَشَرِّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ صَارَا مِنَ الْعِبَادَةِ وَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إِلى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، فَقُلْتُ لَهُمَا(2) فِيهِ ، فَقَالَا : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ ، وَ يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ ، لَا يَتَكَلَّمُ وَ لَا يَتَشَاغَلُ ، وَ إِذَا نَظَرْنَا إِلَيْهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُنَا ، وَ يُدَاخِلُنَا مَا لَا نَمْلِكُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا ؟ فَلَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ انْصَرَفُوا خَائِبِينَ .

هديّة:(أشرّ) لغة في الشرّ، وكأنّ دخول أقرباء الخليفة وغيرهم على صالح والإمام عليه السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد ، عن عليّ بن عبد الغفّار».
2- .في الكافي المطبوع : + «ما».

ص: 514

محبوس عنده لإلتماسهم اشتداد الحبس والإيذاء إلى أمرٍ عظيم من الخير والصلاح ببركته، والخوف منه عليه السلام بعد كونهما من شرار الناس.(عن هذه الناحية) يعني أهل البيت عليهم السلام.و«الفريصة»: لحوم ما بين الخاصرة والكتف، ويطلق على أوداج العنق.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَكْفُوفُ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ بَعْضِ فَصَّادِي الْعَسْكَرِ مِنَ النَّصَارى : أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام بَعَثَ إِلَيْهِ يَوْماً فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ ، فَقَالَ لِيَ : «افْصِدْ هذَا الْعِرْقَ» قَالَ : وَ نَاوَلَنِي عِرْقاً لَمْ أَفْهَمْهُ مِنَ الْعُرُوقِ الَّتِي تُفْصَدُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : مَا رَأَيْتُ أَمْراً أَعْجَبَ مِنْ هذَا ، يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْصِدَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَ لَيْسَ بِوَقْتِ فَصْدٍ ، وَ الثَّانِيَةُ عِرْقٌ لَا أَفْهَمُهُ ، ثُمَّ قَالَ لِيَ : «انْتَظِرْ ، وَ كُنْ فِي الدَّارِ».فَلَمَّا أَمْسى دَعَانِي وَ قَالَ لِي : «سَرِّحِ الدَّمَ» فَسَرَّحْتُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «أَمْسِكْ» فَأَمْسَكْتُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «كُنْ فِي الدَّارِ».فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ ، أَرْسَلَ إِلَيَّ ، وَ قَالَ لِي : «سَرِّحِ الدَّمَ».قَالَ : فَتَعَجَّبْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَجَبِيَ الْأَوَّلِ ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ ، قَالَ : فَسَرَّحْتُ ، فَخَرَجَ دَمٌ أَبْيَضُ كَأَنَّهُ الْمِلْحُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ لِيَ : «احْبِسْ» . قَالَ : فَحَبَسْتُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «كُنْ فِي الدَّارِ».فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ، أَمَرَ قَهْرَمَانَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ ، فَأَخَذْتُهَا ، وَ خَرَجْتُ حَتّى أَتَيْتُ ابْنَ بَخْتِيشُوعَ النَّصْرَانِيَّ ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : وَ اللَّهِ ، مَا أَفْهَمُ مَا تَقُولُ ، وَ لَا أَعْرِفُهُ فِي شَيْ ءٍ مِنَ الطِّبِّ ، وَ لَا قَرَأْتُهُ فِي كِتَابٍ ، وَ لَا أَعْلَمُ فِي دَهْرِنَا أَعْلَمَ بِكُتُبِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ فُلَانٍ الْفَارِسِيِّ ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِ .قَالَ : فَاكْتَرَيْتُ زَوْرَقاً إِلَى الْبَصْرَةِ ، وَ أَتَيْتُ الْأَهْوَازَ ، ثُمَّ صِرْتُ إِلى فَارِسَ إِلى صَاحِبِي ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن الحسن بن الحسين ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن المكفوف».

ص: 515

فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي (1) : أَنْظِرْنِي أَيَّاماً ، فَأَنْظَرْتُهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مُتَقَاضِياً ، قَالَ : فَقَالَ لِي : إِنَّ هذَا الَّذِي تَحْكِيهِ عَنْ هذَا الرَّجُلِ فَعَلَهُ الْمَسِيحُ فِي دَهْرِهِ مَرَّةً .

هديّة:فصده كضرب.(والثانية) أي والاُعجوبة الثانية.حبسه كضرب.(ابن بختيشوع) بفتح المفردة وسكون المعجمة وكسر التاء الفوقانيّة وضمّ المعجمة بعد الخاتمة والمهملة أخيراً.(من فلان الفارسي) نسيان من الراوي اسمه.و«التسريح»: الإرسال.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٍ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَشْكُو عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ دُلَفَ وَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «أَمَّا عَبْدُ الْعَزِيزِ فَقَدْ كُفِيتَهُ ، وَ أَمَّا يَزِيدُ فَإِنَّ لَكَ وَ لَهُ مَقَاماً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ». فَمَاتَ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، وَ قَتَلَ يَزِيدُ مُحَمَّدَ بْنَ حُجْرٍ .

هديّة:(حجر) بضمّ المهملة وسكون الجيم.و(دلف) كصرد: معدول من «دالف» وهو الذي يمشي بالحمل الثقيل.

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : سُلِّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام إِلى نِحْرِيرٍ ، فَكَانَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ وَ يُؤْذِيهِ ،(2) فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : وَيْلَكَ ، اتَّقِ اللَّهَ ، لَا تَدْرِي مَنْ فِي مَنْزِلِكَ ؟ وَ عَرَّفَتْهُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «و قال» بدل «فقال لي».
2- .في الكافي المطبوع : + «قال».

ص: 516

صَلَاحَهُ ، وَ قَالَتْ : إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ ، فَقَالَ : لَأَرْمِيَنَّهُ بَيْنَ السِّبَاعِ ، ثُمَّ فَعَلَ ذلِكَ بِهِ ، فَرُئِيَ عليه السلام قَائِماً يُصَلِّي وَ هِيَ حَوْلَهُ .

هديّة:(لأرمينّه) يعني بأمر الخليفة سرّاً.(فرئي) على ما لم يسمّ فاعله أولى.(وهي) أي السباع.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِأَنْظُرَ إِلى خَطِّهِ ، فَأَعْرِفَهُ إِذَا وَرَدَ ، فَقَالَ : «نَعَمْ». ثُمَّ قَالَ : «يَا أَحْمَدُ ، إِنَّ الْخَطَّ سَيَخْتَلِفُ عَلَيْكَ مَا(1) بَيْنِ الْقَلَمِ الْغَلِيظِ إِلَى الْقَلَمِ الدَّقِيقِ ، فَلَا تَشُكَّنَّ».ثُمَّ دَعَا بِالدَّوَاةِ فَكَتَبَ ، وَ جَعَلَ يَسْتَمِدُّ إِلى مَجْرَى الدَّوَاةِ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي - وَ هُوَ يَكْتُبُ - : أَسْتَوْهِبُهُ الْقَلَمَ الَّذِي يَكْتُبُ (2) بِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابَةِ ، أَقْبَلَ يُحَدِّثُنِي - وَ هُوَ يَمْسَحُ الْقَلَمَ بِمِنْدِيلِ الدَّوَاةِ سَاعَةً - ثُمَّ قَالَ : «هَاكَ يَا أَحْمَدُ» فَنَاوَلَنِيهِ .فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي مُغْتَمٌّ لِشَيْ ءٍ يُصِيبُنِي فِي نَفْسِي وَ قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ أَبَاكَ ، فَلَمْ يُقْضَ لِي ذلِكَ ، فَقَالَ : «وَ مَا هُوَ يَا أَحْمَدُ ؟» فَقُلْتُ : سَيِّدِي (3) ، رُوِيَ لَنَا عَنْ آبَائِكَ أَنَّ نَوْمَ الْأَنْبِيَاءِ عَلى أَقْفِيَتِهِمْ ، وَ نَوْمَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى أَيْمَانِهِمْ ، وَ نَوْمَ الْمُنَافِقِينَ عَلى شَمَائِلِهِمْ ، وَ نَوْمَ الشَّيَاطِينِ عَلى وُجُوهِهِمْ ؟ فَقَالَ عليه السلام : «كَذلِكَ هُوَ».فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، فَإِنِّي أَجْتَهِدُ(4) أَنْ أَنَامَ عَلى يَمِينِي ، فَمَا يُمْكِنُنِي ، وَ لَا يَأْخُذُ لِي (5) النَّوْمُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «من».
2- .في الكافي المطبوع : «كتب».
3- .في الكافي المطبوع : «يا سيّدي».
4- .في الكافي المطبوع : «أجهد».
5- .في الكافي المطبوع : «يأخذني» بدل «يأخذ لي».

ص: 517

عَلَيْهَا ، فَسَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَحْمَدُ ، ادْنُ مِنِّي». فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَقَالَ : «أَدْخِلْ يَدَكَ تَحْتَ ثِيَابِكَ»، فَأَدْخَلْتُهَا ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ ، وَ أَدْخَلَهَا تَحْتَ ثِيَابِي ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ الْيُمْنى عَلى جَانِبِيَ الْأَيْسَرِ ، وَ بِيَدِهِ الْيُسْرى عَلى جَانِبِيَ الْأَيْمَنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ أَحْمَدُ : فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَنَامَ عَلى يَسَارِي مُنْذُ فَعَلَ ذلِكَ بِي ، وَ مَا يَأْخُذُنِي نَوْمٌ عَلَيْهَا أَصْلًا .

هديّة:(سيختلف) أي سيشتبه.(فلا تشكّن) يعني فانظر حسناً لئلّا تشكّ.و«الاستمداد» كما قال برهان الفضلاء: طلب المدد بصبّ الماء أو النّقس في الدواة أو إلى الانتهاء.و«المجرى»: مصدر ميميّ، ونسبته إلى الدواة على المجاز؛ إذ المراد جريان النفس. وقيل: أي يطلب المداد ويأخذه من شفّة الدواة لا من جوفه، ف (إلى) بمعنى «من» أو بمعنى «عند» كما ذكر الجوهري.(1) و(الدّواة) بالفتح: ما يكتب منه، و«النقس» بالكسر: المداد بالكسر.(هاك) اسم فعلٍ يستعمل بكاف الخطاب، يعني خُذ.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أجهد» من باب منع، مكان (اجتهد) من الافتعال.

.


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2543 (إلى).

ص: 518

باب مولد الصّاحب

الباب الخامس والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الصَّاحِبِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ أحد وثلاثون:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ الصَّاحِبُ عليه السلام لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ.

هديّة:(ولد) صاحب الزمان عليه السلام زمن المهتدي، الرابع عشر من خلفاء بني العبّاس، ولا خلاف بين أصحابنا في هذا التاريخ، إلّا أنّ هذا يدلّ على أنّه عليه السلام ابن خمس سنين عند مضيّ أبيه عليهما السلام موافقاً لما مرّ في باب حالات الأئمّة عليهم السلام في السنّ، وهو ينافي ظاهر ما يأتي في ذيل الحديث الثاني، وما ذكر في الحديثين في الباب المعنون بباب في الغيبة ، وما يجي ء في ذيل الحديث الثالث من كونه عليه السلام ابن سنتين عند مضيّ أبيه عليهما السلام. ولا ضير ؛ لأنّ التنافي في كلام غير المعصوم.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) ، قَالَ : خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام حِينَ قُتِلَ الزُّبَيْرِيُّ : «هذَا جَزَاءُ مَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ فِي أَوْلِيَائِهِ ، زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي وَ لَيْسَ لِي عَقِبٌ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد».

ص: 519

فَكَيْفَ رَأى قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالى ؟»وَ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ سَمَّاهُ «م ح م د» سَنَةَ سِتٍّ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ .

هديّة:(الزبيري) هو المهتدي، وقد سبق هذا الحديث ببيانه في الباب الخامس والسبعين بأدنى تفاوت في ألفاظه.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ وَ الْحَسَنُ - ابْنَا عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَ سَبْعِينَ وَ مِائَتَيْنِ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْعَبْدِيُّ مِنْ عَبْدِ قَيْسٍ ، عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ سَمَّاهُ ، قَالَ :أَتَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأى ، وَ لَزِمْتُ بَابَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَدَعَانِي مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْتَأْذِنَ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ وَ سَلَّمْتُ ، قَالَ لِي : «يَا بَا(3) فُلَانٍ ، كَيْفَ حَالُكَ ؟» ثُمَّ قَالَ لِي : «اقْعُدْ يَا فُلَانُ». ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَ نِسَاءٍ مِنْ أَهْلِي ، ثُمَّ قَالَ لِي : «مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ ؟» قُلْتُ : رَغْبَةٌ فِي خِدْمَتِكَ ، قَالَ : فَقَالَ : «فَالْزَمِ الدَّارَ».قَالَ : فَكُنْتُ فِي الدَّارِ مَعَ الْخَدَمِ ، ثُمَّ صِرْتُ أَشْتَرِي لَهُمُ الْحَوَائِجَ مِنَ السُّوقِ وَ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ إِذَا كَانَ فِي دَارِ الرِّجَالِ ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ يَوْماً وَ هُوَ فِي دَارِ الرِّجَالِ ، فَسَمِعْتُ حَرَكَةً فِي الْبَيْتِ ، فَنَادَانِي : «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ» فَلَمْ أَجْسُرْ أَخْرُجُ وَ لَا أَدْخُلُ ، فَخَرَجَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ مَعَهَا شَيْ ءٌ مُغَطًّى ، ثُمَّ نَادَانِيَ : «ادْخُلْ» فَدَخَلْتُ ، وَ نَادَى الْجَارِيَةَ ، فَرَجَعَتْ ، فَقَالَ لَهَا : «اكْشِفِي عَمَّا مَعَكِ» فَكَشَفَتْ عَنْ غُلَامٍ أَبْيَضَ ، حَسَنِ الْوَجْهِ ، وَ كَشَفَتْ عَنْ بَطْنِهِ ، فَإِذَا شَعْرٌ نَابِتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلى سُرَّتِهِ ، أَخْضَرُ ، لَيْسَ بِأَسْوَدَ ، فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ».

.


1- .أي «باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار عليه السلام».
2- .السند يبدأ كما في الكافي المطبوع بعليّ بن محمّد و هو من مشايخ الكليني ، فالتعبير بإسناده غير صحيح.
3- .في الكافي المطبوع : «أبا».

ص: 520

ثُمَّ أَمَرَهَا فَحَمَلَتْهُ ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذلِكَ حَتّى مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام .فَقَالَ ضَوْء بْنُ عَلِيٍّ : قُلْتُ (1) لِلْفَارِسِيِّ : كَمْ كُنْتَ تُقَدِّرُ لَهُ مِنَ السِّنِينَ ؟ قَالَ : سَنَتَيْنِ .قَالَ الْعَبْدِيُّ : فَقُلْتُ لِضَوْءٍ : كَمْ تُقَدِّرُ لَهُ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَرْبَعَ عَشْرَةَ(2) .قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَ نَحْنُ نُقَدِّرُ لَهُ إِحْدى وَ عِشْرِينَ سَنَةً .

هديّة:قد سبق مضمون هذا الحديث من أوّله إلى قوله: (قال ضوء بن عليّ) في الحديث السادس من الباب الخامس والسبعين.(3)و«أبو عليّ» كنية (محمّد)، و«أبو عبداللَّه كنية (الحسن).(قال: أربع عشرة) يعني قد مضت من زمان رؤية الفارسي إلى حين روايتي هذه اثنتا عشرة سنة.(ونحن نقدّر) يعني ابني عليّ بن إبراهيم محمّد والحسن، (له): للصاحب عليه السلام، (إحدى وعشرين سنة) يعني من زمان رواية محمّد بن علي العبدي إلى حين روايتنا هذه قد مضت سبع سنين.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ الْعَامِرِيِ (4) ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ غَانِمٍ الْهِنْدِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ بِمَدِينَةِ الْهِنْدِ - الْمَعْرُوفَةِ بِقِشْمِيرَ الدَّاخِلَةِ - وَ أَصْحَابٌ لِي يَقْعُدُونَ عَلى كَرَاسِيَّ عَنْ يَمِينِ الْمَلِكِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّهُمْ يَقْرَأُ الْكُتُبَ الْأَرْبَعَةَ : التَّوْرَاةَ ، وَ الْإِنْجِيلَ ، وَ الزَّبُورَ ، وَ صُحُفَ إِبْرَاهِيمَ ، نَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ ، وَ نُفَقِّهُهُمْ فِي دِينِهِمْ ، وَ نُفْتِيهِمْ فِي حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقلت».
2- .في الكافي المطبوع : + «سنة».
3- .أي «باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار عليه السلام».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و عن غير واحد من أصحابنا القمّيين ، عن محمّد بن محمّد العامريّ».

ص: 521

يَفْزَعُ النَّاسُ إِلَيْنَا : الْمَلِكُ فَمَنْ دُونَهُ ، فَتَجَارَيْنَا ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْنَا : هذَا النَّبِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ ، وَ يَجِبُ عَلَيْنَا الْفَحْصُ عَنْهُ وَ طَلَبُ أَثَرِهِ ، وَ اتَّفَقَ رَأْيُنَا وَ تَوَافَقْنَا عَلى أَنْ أَخْرُجَ ، فَأَرْتَادَ لَهُمْ ، فَخَرَجْتُ وَ مَعِي مَالٌ جَلِيلٌ ، فَسِرْتُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً حَتّى قَرُبْتُ مِنْ كَابُلَ ، فَعَرَضَ لِي قَوْمٌ مِنَ التُّرْكِ ، فَقَطَعُوا عَلَيَّ ، وَ أَخَذُوا مَالِي ، وَ جُرِحْتُ جِرَاحَاتٍ شَدِيدَةً ، وَ دُفِعْتُ إِلى مَدِينَةِ كَابُلَ ، فَأَنْفَذَنِي مَلِكُهَا - لَمَّا وَقَفَ عَلى خَبَرِي - إِلى مَدِينَةِ بَلْخَ ، وَ عَلَيْهَا إِذْ ذَاكَ دَاوُدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي أَسْوَدَ ، فَبَلَغَهُ خَبَرِي ، وَ أَنِّي خَرَجْتُ مُرْتَاداً مِنَ الْهِنْدِ ، وَ تَعَلَّمْتُ الْفَارِسِيَّةَ ، وَ نَاظَرْتُ الْفُقَهَاءَ وَ أَصْحَابَ الْكَلَامِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ دَاوُدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، فَأَحْضَرَنِي مَجْلِسَهُ ، وَ جَمَعَ عَلَيَّ الْفُقَهَاءَ ، فَنَاظَرُونِي ، فَأَعْلَمْتُهُمْ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَلَدِي أَطْلُبُ هذَا النَّبِيَّ الَّذِي وَجَدْتُهُ فِي الْكُتُبِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ هُوَ ؟ وَ مَا اسْمُهُ ؟ فَقُلْتُ : مُحَمَّدٌ ، فَقَالُوا : هُوَ نَبِيُّنَا الَّذِي تَطْلُبُ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ شَرَائِعِهِ ، فَأَعْلَمُونِي .فَقُلْتُ لَهُمْ : أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ ، وَ لَا أَعْلَمُهُ هذَا الَّذِي تَصِفُونَ أَمْ لَا ؟ فَأَعْلِمُونِي مَوْضِعَهُ لِأَقْصِدَهُ ، فَأُسَائِلَهُ عَنْ عَلَامَاتٍ عِنْدِي وَ دَلَالَاتٍ ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبِيَ الَّذِي طَلَبْتُ ، آمَنْتُ بِهِ ، فَقَالُوا : قَدْ مَضى عليه السلام ، فَقُلْتُ : فَمَنْ وَصِيُّهُ وَ خَلِيفَتُهُ ؟ فَقَالُوا : أَبُو بَكْرٍ .قُلْتُ : فَسَمُّوهُ لِي ؛ فَإِنَّ هذِهِ كُنْيَتُهُ ، قَالُوا : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، وَ نَسَبُوهُ إِلى قُرَيْشٍ .قُلْتُ : فَانْسُبُوا لِي مُحَمَّداً نَبِيَّكُمْ ، فَنَسَبُوهُ لِي ، فَقُلْتُ : لَيْسَ هذَا صَاحِبِيَ الَّذِي طَلَبْتُ ، صَاحِبِيَ الَّذِي أَطْلُبُهُ خَلِيفَتُهُ أَخُوهُ فِي الدِّينِ ، وَ ابْنُ عَمِّهِ فِي النَّسَبِ ، وَ زَوْجُ ابْنَتِهِ ، وَ أَبُو وُلْدِهِ ، لَيْسَ لِهذَا النَّبِيِّ ذُرِّيَّةٌ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرُ وُلْدِ هذَا الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ خَلِيفَتُهُ .قَالَ : فَوَثَبُوا بِي ، وَ قَالُوا : أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، إِنَّ هذَا قَدْ خَرَجَ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الْكُفْرِ ، هذَا حَلَالُ الدَّمِ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : يَا قَوْمُ ، أَنَا رَجُلٌ مَعِي دِينٌ ، مُتَمَسِّكٌ بِهِ، لَا أُفَارِقُهُ حَتّى أَرى مَا هُوَ أَقْوى مِنْهُ ، إِنِّي وَجَدْتُ صِفَةَ هذَا الرَّجُلِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلى أَنْبِيَائِهِ ، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَ مِنَ الْعِزِّ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ طَلَباً لَهُ ، فَلَمَّا فَحَصْتُ عَنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ ، لَمْ يَكُنِ النَّبِيَّ الْمَوْصُوفَ فِي الْكُتُبِ ، فَكَفُّوا عَنِّي .

.

ص: 522

وَ بَعَثَ الْعَامِلُ إِلى رَجُلٍ - يُقَالُ لَهُ : الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْكِيبَ (1) - فَدَعَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : نَاظِرْ هذَا الرَّجُلَ الْهِنْدِيَّ ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، عِنْدَكَ الْفُقَهَاءُ وَ الْعُلَمَاءُ وَ هُمْ أَعْلَمُ وَ أَبْصَرُ بِمُنَاظَرَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ : نَاظِرْهُ كَمَا أَقُولُ لَكَ ، وَ اخْلُ بِهِ ، وَ الْطُفْ لَهُ ، فَقَالَ لِيَ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْكِيبَ (2) - بَعْدَ مَا فَاوَضْتُهُ - : إِنَّ صَاحِبَكَ الَّذِي تَطْلُبُهُ هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي وَصَفَهُ هؤُلَاءِ ، وَ لَيْسَ الْأَمْرُ فِي خَلِيفَتِهِ كَمَا قَالُوا ، هذَا النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَ وَصِيُّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ هُوَ زَوْجُ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ وَ أَبُو الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ سِبْطَيْ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله .قَالَ غَانِمٌ أَبُو سَعِيدٍ : فَقُلْتُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، هذَا الَّذِي طَلَبْتُ ؛ فَانْصَرَفْتُ إِلى دَاوُدَ بْنِ الْعَبَّاسِ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، وَجَدْتُ مَا طَلَبْتُ ، وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَشْهَدُ(3) أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ .قَالَ : فَبَرَّنِي ، وَ وَصَلَنِي ، وَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ : تَفَقَّدْهُ . قَالَ : فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ حَتّى آمَنْتُ (4) بِهِ ، وَ فَقَّهَنِي فِيمَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْفَرَائِضِ .قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّا نَقْرَأُ فِي كُتُبِنَا أَنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ، وَ أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ إِلى وَصِيِّهِ وَ وَارِثِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ إِلَى الْوَصِيِّ بَعْدَ الْوَصِيِّ ، لَا يَزَالُ أَمْرُ اللَّهِ جَارِياً فِي أَعْقَابِهِمْ حَتّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ وَصِيُّ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : الْحَسَنُ ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ عليهما السلام ابْنَا مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله - ثُمَّ سَاقَ الْأَمْرَ فِي الْوَصِيَّةِ حَتَّى انْتَهى إِلى صَاحِبِ الزَّمَانِ عليه السلام .ثُمَّ أَعْلَمَنِي مَا حَدَثَ ؛ فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ إِلَّا طَلَبُ النَّاحِيَةِ .فَوَافى قُمَّ ، وَ قَعَدَ مَعَ أَصْحَابِنَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ سِتِّينَ (5) ، وَ خَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى وَافى بَغْدَاذَ6 ، وَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «إشكيب».
2- .في الكافي المطبوع : - «أشهد».
3- .في الكافي المطبوع : «آنست».
4- .في الكافي المطبوع : + «مائتين».
5- .في الكافي المطبوع : «بغداد».

ص: 523

مَعَهُ رَفِيقٌ لَهُ مِنْ أَهْلِ السِّنْدِ كَانَ صَحِبَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ .قَالَ : فَحَدَّثَنِي غَانِمٌ ، قَالَ : وَ أَنْكَرْتُ مِنْ رَفِيقِي بَعْضَ أَخْلَاقِهِ ، وَهَجَرْتُهُ (1) ، وَ خَرَجْتُ حَتّى صِرْتُ (2)إِلَى الْعَبَّاسِيَّةِ أَتَهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ وَ أُصَلِّي ، وَ إِنِّي لَوَاقِفٌ مُتَفَكِّرٌ فِيمَا قَصَدْتُ لِطَلَبِهِ إِذَا أَنَا بِآتٍ قَدْ أَتَانِي ، فَقَالَ : أَنْتَ فُلَانٌ ؟ - اسْمُهُ بِالْهِنْدِ - فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَجِبْ مَوْلَاكَ ، فَمَضَيْتُ مَعَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَخَلَّلُ بِيَ الطُّرُقَ حَتّى أَتى دَاراً وَ بُسْتَاناً ، فَإِذَا أَنَا بِهِ عليه السلام جَالِسٌ ، فَقَالَ : «مَرْحَباً يَا فُلَانُ - بِكَلَامِ الْهِنْدِ - كَيْفَ حَالُكَ ؟ وَ كَيْفَ خَلَّفْتَ فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً(3) ؟» حَتّى عَدَّ الْأَرْبَعِينَ كُلَّهُمْ ، فَسَاءَلَنِي عَنْهُمْ وَاحِداً وَاحِداً ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي عليه السلام بِمَا تَجَارَيْنَا ، كُلُّ ذلِكَ بِكَلَامِ الْهِنْدِ .ثُمَّ قَالَ : «أَرَدْتَ أَنْ تَحُجَّ مَعَ أَهْلِ قُمَّ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، يَا سَيِّدِي ، فَقَالَ : «لَا تَحُجَّ مَعَهُمْ ، وَ انْصَرِفْ سَنَتَكَ هذِهِ ، وَ حُجَّ فِي قَابِلٍ». ثُمَّ أَلْقى إِلَيَّ صُرَّةً كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لِيَ : «اجْعَلْهَا نَفَقَتَكَ ، وَ لَا تَدْخُلْ إِلى بَغْدَادَ إِلى فُلَانٍ - سَمَّاهُ - وَ لَا تُطْلِعْهُ عَلى شَيْ ءٍ»، وَ انْصَرِفْ إِلَيْنَا إِلَى الْبَلَدِ .ثُمَّ وَافَانَا بَعْضُ الْفُيُوجِ ، فَأَعْلَمُونَا أَنَّ أَصْحَابَنَا انْصَرَفُوا مِنَ الْعَقَبَةِ ، وَ مَضى نَحْوَ خُرَاسَانَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي قَابِلٍ ، حَجَّ وَ أَرْسَلَ إِلَيْنَا هَدِيَّةً(4) مِنْ طُرَفِ خُرَاسَانَ ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً ، حَتَّى (5) مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .

هديّة:قيل: «القشمير الداخلة» بلاد في أقصى الهند يُقال لها : «الزيربادات». وقال برهان الفضلاء: «القشمير الداخلة» هي المسمّاة ب «تبّت» بالضمّ وتشديد المفردة، وهي أبعد من القشمير المشهورة نظراً إلى بلاد العرب.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فهجرته».
2- .في الكافي المطبوع : «سرت».
3- .في الكافي المطبوع : - «و فلاناً».
4- .في الكافي المطبوع : «بهديّة».
5- .في الكافي المطبوع : «ثمّ».

ص: 524

(وأصحاب لي) رفع على الابتداء، أو عطف على ضمير (كنت).(تجارينا): أجرينا فيما بيننا. وقرأ برهان الفضلاء بالزاي، وقال: «التجازي» طلبك حقّك من آخر.(أرتاد): أطلب.(فقال لي: من هو؟ وما اسمه؟) يعني فقال داود بن العبّاس، وقيل: الظاهر «فقالوا». وضبط برهان الفضلاء : «فقال هو نبيّنا الذي تطلب» مكان (فقالوا)، وقال: هو تأكيد للمستتر في «قال» يعني فقال داود، ف «نبيّنا» مبتدأ، و«الذي تطلب» خبره، ووجه عدوله عن الظاهر غير ظاهر.(متمسّك به) بفتح السين وصف للدّين، و«به» في محلّ الرفع نائب الفاعل، أو بكسر السين خبر آخر، و«به» في محلّ النصب على المفعوليّة.وقرأ برهان الفضلاء : «فكفّوا عنّي» على الإخبار دون الالتماس.وكلام أهل الرجال مختلف في (الحسين بن أسكيب) فقيل: يكسر الهمزة وسكون المهملة وكسر الكاف والخاتمة والمفردة أخيراً، وقيل: هكذا، لكن بالشين المعجمة، ثمّ قيل: كان أصله من مرو، سكن تارةً في خراسان وتارةً في سمرقند، فاضل من مشايخ الإماميّة في رجال الهادي والعسكري عليهما السلام، وقيل: هو رجلان، أحدهما: بالشين المعجمة، وهو الخراساني المذكور في الكافي في حديث غانم الهندي، والآخر: بالسين المهملة، قمّي خادم القبر، وليس من أصحاب الأئمّة عليهم السلام.(فاوضته): كلّمته وكلّمني.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «آنست به» مكان (آمنت به).(ما حدث) من غصب الخلافة وارتداد أكثر الصحابة وتقيّة الأئمّة عليهم السلام بعد ذلك وغيبة الصاحب عليه السلام بإذن اللَّه تعالى لحكم و مصالح شتّى.قد يراد ب (الناحية) سرّ من رأى ، أو العسكر خاصّة ، وقد يقصدبها الصاحب عليه السلام كما يكنّى بالحضرة عن صاحبها.

.

ص: 525

(فوافى قمّ) كلام محمّد بن محمّد، وكذا قوله فيما بعد: (ثمّ وافانا) بعد، وهما رجوع عن الحكاية إلى التكلّم، «وافاه»: أتاه.و(سنة أربع وستّين) هكذا ضبط في النسخ، فقيل: الظاهر أنّه سقط كلمة «ومأتين» من قلم النسّاخ. وقال برهان الفضلاء: يعني بعد المأتين.(اسمه بالهند) كلام محمّد بن محمّد.(إلى فلان) بدل من (إلى بغداد) فلا نهي عن دخول بغداد مطلقاً.(وانصرف) إمّا أمرٌ أو إخبار، فكلام محمّد بن محمّد.و(الفيوج) جمع «فيج» معرّب «پيك». وقرأ برهان الفضلاء : «بعدّ الفتوح» بالتاء الفوقانيّة والحاء المهملة، يعني أتانا وعدّ لنا فتوحه وفوزه بالمطالب المهمّة.(ومضى) غانم الهندي.و(طرف) جمع طرفة، كتحفة وتحف، وغرفة وغرف. وقرأ برهان الفضلاء : «طرف» بمعنى الجانب.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ النَّضْرِ وَ أَبَا صِدَامٍ وَ جَمَاعَةً تَكَلَّمُوا بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام فِيمَا فِي أَيْدِي الْوُكَلَاءِ ، وَ أَرَادُوا الْفَحْصَ ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ إِلى أَبِي الصِّدَامِ ، فَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو صِدَامٍ : أَخِّرْهُ هذِهِ السَّنَةَ ، فَقَالَ لَهُ (1) : إِنِّي أَفْزَعُ فِي الْمَنَامِ وَ لَا بُدَّ مِنَ الْخُرُوجِ ، وَ أَوْصى إِلى أَحْمَدَ بْنِ يَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ ، وَ أَوْصى لِلنَّاحِيَةِ بِمَالٍ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ لَا يُخْرِجَ شَيْئاً إِلَّا مِنْ يَدِهِ إِلى يَدِهِ عليه السلام بَعْدَ ظُهُورِهِ .قَالَ : فَقَالَ الْحَسَنُ : لَمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ ، اكْتَرَيْتُ دَاراً فَنَزَلْتُهَا ، فَجَاءَنِي بَعْضُ الْوُكَلَاءِ بِثِيَابٍ وَ دَنَانِيرَ ، وَ خَلَّفَهَا عِنْدِي ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا هذَا ؟ قَالَ : هُوَ مَا تَرى ، ثُمَّ جَاءَنِي آخَرُ بِمِثْلِهَا ، وَ آخَرُ حَتّى كَبَسُوا الدَّارَ ، ثُمَّ جَاءَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعَهُ ، فَتَعَجَّبْتُ ، وَ بَقِيتُ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «الحسن بن النضر».

ص: 526

مُتَفَكِّراً ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ رُقْعَةُ الرَّجُلِ عليه السلام : «إِذَا مَضى مِنَ النَّهَارِ كَذَا وَ كَذَا ، فَاحْمِلْ مَا مَعَكَ». فَرَحَلْتُ ، وَ حَمَلْتُ مَا مَعِي ، وَ فِي الطَّرِيقِ صُعْلُوكٌ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فِي سِتِّينَ رَجُلًا ، فَاجْتَرَأْتُ (1)عَلَيْهِ ، وَ سَلَّمَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَوَافَيْتُ الْعَسْكَرَ ، وَ نَزَلْتُ ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ رُقْعَةٌ أَنِ «احْمِلْ مَا مَعَكَ» . فَعَبَّيْتُهُ فِي صِيَانِ (2) الْحَمَّالِينَ .فَلَمَّا بَلَغْتُ الدِّهْلِيزَ إِذَا فِيهِ أَسْوَدُ قَائِمٌ ، فَقَالَ : أَنْتَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : ادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ ، وَ دَخَلْتُ بَيْتاً وَ فَرَّغْتُ صِيَانَ (3) الْحَمَّالِينَ ، وَ إِذَا فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ خُبْزٌ كَثِيرٌ ، فَأَعْطى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَمَّالِينَ رَغِيفَيْنِ ، وَ أُخْرِجُوا ، وَ إِذَا بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ ، فَنُودِيتُ مِنْهُ : «يَا حَسَنَ بْنَ النَّضْرِ ، احْمَدِ اللَّهَ عَلى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكَ ، وَ لَا تَشُكَّنَّ ؛ وَدَّ4الشَّيْطَانُ أَنَّكَ شَكَكْتَ» وَ أَخْرَجَ إِلَيَّ ثَوْبَيْنِ ، وَ قِيلَ لِي : خُذْهُمَا ؛ فَسَتَحْتَاجُ إِلَيْهِمَا ، فَأَخَذْتُهُمَا ، وَ خَرَجْتُ .قَالَ سَعْدٌ : فَانْصَرَفَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ ، وَ مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ كُفِّنَ فِي الثَّوْبَيْنِ .

هديّة:الظاهر أنّ «سعد بن سعد» سهو من بعض النسّاخ كما في بعض النسخ.و«أبا صدام»، قيل: ككتاب، وقيل: كغراب، وقيل: كعطّار، وقيل: كسحاب، من صدمه صدماً، و«الصدم»: ضرب صلب بمثله.(فيما في أيدي الوكلاء) يعني من أموال الشيعة بأنّ أخذهم إيّاها من الشيعة بحقّ مأمورين مأذونين، أو بالمكر والخديعة من دون أمر وأذن عليه السلام.(وأرادوا الفحص) يعني عن الصاحب عليه السلام أو عن أمر الوكلاء.(إنّي أفزع) من باب علم بمعنى أخاف وأضطرب من أجل خيالات موهمة عند النوم، أو لرؤى مختلفة في المنام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فاجتزت».
2- .في الكافي المطبوع : «صنان».
3- .في الكافي المطبوع : «فودّ».

ص: 527

(كبسوا) من باب ضرب : طمّوا.(صعلوك) كزنبور: الفقير الذي لا مال له، واسم رجل من قطّاع الطريق.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فاجتزت» من الاجتياز - بالجيم والزاي - مكان (فاجترأت) على الافتعال؛ من الجرأة بمعنى الشجاعة.(فعبّيته) من التعبية. قال بعض المعاصرين: و«الصنّ» بالكسر والتشديد: شبه السلّة المطبّقة يجعل فيها الخبز،(1) والجمع: صنان، والمضبوط: (صيان الحمّالين) بالخاتمة مكان النون الاُولى. الجوهري: جعلت الثوب في صوانه بالضمّ والكسر، وصيانه أيضاً ، وهو وعاؤه الذي يُصان فيه.(2)(فأعطى) و(أخرجوا) على ما لم يسمّ فاعله.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ(3) ، قَالَ : شَكَكْتُ عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَ اجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ ، فَحَمَلَهُ ، وَ رَكِبَ السَّفِينَةَ ، وَ خَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً ، فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، رُدَّنِي ، فَهُوَ الْمَوْتُ ، وَقَالَ لِيَ : اتَّقِ اللَّهَ فِي هذَا الْمَالِ ؛ وَ أَوْصى إِلَيَّ ، فَمَاتَ .فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَمْ يَكُنْ أَبِي لِيُوصِيَ بِشَيْ ءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ ، أَحْمِلُ هذَا الْمَالَ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَأَكْتَرِي دَاراً عَلَى الشَّطِّ ، وَ لَا أُخْبِرُ أَحَداً بِشَيْ ءٍ ، فَإِنْ (4) وَضَحَ لِي شَيْ ءٌ كَوُضُوحِهِ أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، أَنْفَذْتُهُ ، وَ إِلَّا قَصَفْتُ بِهِ .فَقَدِمْتُ الْعِرَاقَ ، وَ اكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى الشَّطِّ ، وَ بَقِيتُ أَيَّاماً ، فَإِذَا أَنَا بِرُقْعَةٍ مَعَ رَسُولٍ ، فِيهَا :

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 868 ، ذيل ح 1484.
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2153 (صون).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن حمّويه السويداويّ ، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار».
4- .في الكافي المطبوع : «و إن».

ص: 528

«يَا مُحَمَّدُ ، مَعَكَ كَذَا وَ كَذَا فِي جَوْفِ كَذَا وَ كَذَا» حَتّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً ، فَسَلَّمْتُهُ إِلَى الرَّسُولِ ، وَ بَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ لِي رَأْسٌ ، فَاغْتَمَمْتُ (1) ، فَخَرَجَ إِلَيَّ : «قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ (2)أَبِيكَ ، فَاحْمَدِ اللَّهَ» .

هديّة:(شككت) يعني في وجود الصاحب عليه السلام أو في أمر الوكلاء.و«الوعك» بالفتح: أذى الحمّى، (فوعك) على المجهول من باب ضرب.(ليوصي) باللام المفتوحة للتأكيد.و«القصوف»: الإقامة في الأكل والشرب، قصف به كضرب.(لا يرفع لي رأس) أي لا يظهر لي أحد أو علامة، وقال برهان الفضلاء: أي من الغمّ والفكر.في بعض النسخ : «مكان أبيك» مكان (مقام أبيك).

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّسَائِيِّ ، قَالَ : أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِ (3) الْحَارِثِيِّ ، فِيهَا سِوَارُ ذَهَبٍ ، فَقُبِلَتْ ، وَ رُدَّ عَلَيَّ السِّوَارُ ، فَأُمِرْتُ بِكَسْرِهِ ، فَكَسَرْتُهُ ، فَإِذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ وَ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ ، فَأَخْرَجْتُهُ وَ أَنْفَذْتُ الذَّهَبَ ، فَقُبِلَ .

هديّة:إشارة إلى أنّ المغشوش لا يقبل، كالصوفيّ المدّعي للتشيّع، وكثير في عصرنا.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفَضْلِ الْخَزَّازِ الْمَدَائِنِيِ (4) - مَوْلى خَدِيجَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ أَبِي جَعْفَرٍ

.


1- .في الكافي المطبوع : «واغتممت».
2- .في الكافي المطبوع : «مكان».
3- .في الكافي المطبوع : «للمرزبانيّ».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن الفضل الخزّاز المدائنيّ».

ص: 529

- قَالَ : إِنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الطَّالِبِيِّينَ كَانُوا يَقُولُونَ بِالْحَقِّ ، وَ كَانَتِ الْوَظَائِفُ تَرِدُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ ، فَلَمَّا مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، رَجَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَنِ الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ ، فَوَرَدَتِ الْوَظَائِفُ عَلى مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ ، وَ قُطِعَ عَنِ الْبَاقِينَ ، فَلَا يُذْكَرُونَ فِي الذَّاكِرِينَ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .(1)

هديّة:(ترد عليهم) يعني من أبي محمّد عليه السلام.(عن الباقين) في محلّ الرفع نيابة عن فاعل (قطع)، (فلا يذكرون) أي بالخير، (في الذاكرين) في مجالس الشيعة أو في الملأ الأعلى (الحمد للَّه ربّ العالمين).

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ : وُلِدَ لِي عِدَّةُ بَنِينَ ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ وَ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ ، فَلَا يُكْتَبُ إِلَيَّ لَهُمْ بِشَيْ ءٍ ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ ، فَلَمَّا وُلِدَ لِيَ الْحَسَنُ ابْنِي ، كَتَبْتُ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ ، فَأُجِبْتُ : «يَبْقى ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ» .

هديّة:يمكن أن يكون (والحمد للَّه) كلام الإمام عليه السلام .

الحديث العاشرروى في الكافي عنه،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ، قَالَ : كُنتُ (4) خَرَجْتُ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ بِبَغْدَادَ ، فَاسْتَأْذَنْتُ فِي الْخُرُوجِ ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، فَأَقَمْتُ اثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ يَوْماً وَ قَدْ خَرَجَتِ

.


1- .ذكر في الكافي المطبوع بعد هذا حديثاً آخر هكذا : «عليّ بن محمّد قال : «أوصل رجل من أهل السّواد مالاً ، فردّ عليه ، وقيل له : أخرج حقّ وُلْد عمّك منه - و هو أربعمائة درهم - وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه ، فيها شركة قد حبسها عليهم ، فنظر فإذا الذي لولد عمّه من ذلك المال أربعمائة درهم ، فأخرجها ، وأنفذ الباقي ، فقبل».
2- .السند يبدأ في الكافي المطبوع بالقاسم بن العلاء والتعليق غير معلوم ، فالتعبير بإسناده فيه تأمّل.
3- .الضمير راجع إلى عليّ بن محمّد كما في الكافي المطبوع المصرّح به.
4- .في الكافي المطبوع: - «كنت».

ص: 530

الْقَافِلَةُ إِلَى النَّهْرَوَانِ ، فَأُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ (1) يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَ قِيلَ لِيَ : اخْرُجْ فِيهِ ، فَخَرَجْتُ وَ أَنَا آيِسٌ مِنَ الْقَافِلَةِ أَنْ أَلْحَقَهَا ، فَوَافَيْتُ النَّهْرَوَانَ وَ الْقَافِلَةُ مُقِيمَةٌ ، فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ أَعْلَفْتُ جِمَالِي شَيْئاً حَتّى رَحَلَتِ الْقَافِلَةُ ، فَرَحَلْتُ وَ قَدْ دَعَا لِي بِالسَّلَامَةِ ، فَلَمْ أَلْقَ سُوءاً ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .

هديّة:ليس في بعض النسخ لفظة: (كنت) قبل (خرجت).و(فيه) متعلّق ب (اخرج) أو ب (قيل).و(الأربعاء) بكسر المفردة والمدّ.و«الجمال»: جمع الجمل.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عنه، عَنْ نَصْرِ بْنِ صَبَّاحٍ الْبَجَلِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الشَّاشِيِّ ، قَالَ : خَرَجَ بِي نَاصُورٌ عَلى مَقْعَدَتِي ، فَأَرَيْتُهُ الْأَطِبَّاءَ ، وَ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ مَالًا ، فَقَالُوا : لَا نَعْرِفُ لَهُ دَوَاءً ، فَكَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ الدُّعَاءَ ، فَوَقَّعَ عليه السلام إِلَيَّ : «أَلْبَسَكَ اللَّهُ الْعَافِيَةَ ، وَ جَعَلَكَ مَعَنَا فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ».قَالَ : فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمْعَةٌ حَتّى عُوفِيتُ ، وَ صَارَ مِثْلَ رَاحَتِي ، فَدَعَوْتُ طَبِيباً مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَ أَرَيْتُهُ إِيَّاهُ ، فَقَالَ : مَا عَرَفْنَا لِهذَا دَوَاءً .

هديّة:يكتب «الناصور» بالصاد والسين، ويقرأ بالباء والنون؛ ففي القاموس بالمفردة،(2) وفي المغرب بالنون.(3) وقيل: وهو بالمفردة مع الصاد أو السين ما هو في جوف المقعدة، وبالنون كذلك ما هو في خارجها.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فأذن في الخروج لي» بدل «فأذن لي في الخروج».
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 372 (بسر).
3- .المغرب، ص 453 (نصر).

ص: 531

و«الراحة»: باطن الكفّ.(وأريته) في الموضعين بمعنى وصفته.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْيَمَانِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ بِبَغْدَادَ ، فَتَهَيَّأَتْ قَافِلَةُ الْيَمَانِينَ (1) ، فَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ مَعَهَا ، فَكَتَبْتُ أَلْتَمِسُ الْإِذْنَ فِي ذلِكَ ، فَخَرَجَ : «لَا تَخْرُجْ مَعَهُمْ ؛ فَلَيْسَ لَكَ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُمْ خِيَرَةٌ ، وَ أَقِمْ بِالْكُوفَةِ» .قَالَ : وَ أَقَمْتُ ، وَ خَرَجَتِ الْقَافِلَةُ ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ حَنْظَلَةُ ، فَاجْتَاحَتْهُمْ (2) ، وَ كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي رُكُوبِ الْمَاءِ ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، فَسَأَلْتُ عَنِ الْمَرَاكِبِ الَّتِي خَرَجَتْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي الْبَحْرِ ، فَمَا سَلِمَ مِنْهَا مَرْكَبٌ ، خَرَجَ عَلَيْهَا قَوْمٌ مِنَ الْهِنْدِ - يُقَالُ لَهُمُ : الْبَوَارِحُ (3) - فَقَطَعُوا عَلَيْهَا .قَالَ : وَرَدْتُ (4) الْعَسْكَرَ ، فَأَتَيْتُ الدَّرْبَ مَعَ الْمَغِيبِ ، وَ لَمْ أُكَلِّمْ أَحَداً ، وَ لَمْ أَتَعَرَّفْ إِلى أَحَدٍ ، وَ أَنَا أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ فَرَاغِي مِنَ الزِّيَارَةِ إِذَا بِخَادِمٍ قَدْ جَاءَنِي ، فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِذَنْ إِلى أَيْنَ ؟ فَقَالَ لِي : إِلَى الْمَنْزِلِ ، فَقُلْتُ (5) : وَ مَنْ أَنَا ؟ لَعَلَّكَ أُرْسِلْتَ إِلى غَيْرِي ، فَقَالَ : لَا ، مَا أُرْسِلْتُ إِلَّا إِلَيْكَ ، أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَسُولُ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، فَمَرَّ بِي حَتّى أَنْزَلَنِي فِي بَيْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ ، ثُمَّ سَارَّهُ ، فَلَمْ أَدْرِ مَا قَالَ (6)حَتّى آتَانِي بِجَمِيعِ (7) مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَ جَلَسْتُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَ اسْتَأْذَنْتُهُ فِي الزِّيَارَةِ مِنْ دَاخِلٍ ، فَأَذِنَ لِي ، فَزُرْتُ لَيْلًا .

هديّة:(حنظلة) قبيلة من بني تميم.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لليمانيّين».
2- .في «د» : «فاجتاحهم».
3- .في الكافي المطبوع : «البوارج».
4- .في الكافي المطبوع : «وزُرْتُ».
5- .في الكافي المطبوع : «قلت».
6- .في الكافي المطبوع : + «له».
7- .في الكافي المطبوع : «جميع».

ص: 532

و«الاجتياح» بتقديم الجيم: الإهلاك. و«البوارح» بالمفردة والمهملتين: الدواهي، لغة كأنّهم شبّهوا بها. وضبط برهان الفضلاء : «من الهيد» بفتح الهاء وسكون الخاتمة مكان (الهند) بالنون، و«الهيد» مصدر هاده يهيده كباع: آذاه وجعله مضطرباً، قال: والمصدر بمعنى اسم الفاعل، فضبط «البوارج» بالجيم جمع بارج، وهو الملّاح الحاذق، قال: أو جمع بارجة، وهي سفينة كبيرة تهيّأ للحرب في البحر، ثمّ ضبط «أنبأني» من الإنباء بمعنى الإخبار مكان (أتاني) من الإتيان.(فأتيت الدرب) أي باب مقبرة الإمامين في سامرّاء. القاموس: الدرب بالفتح السكّة الواسعة والباب الأكبر.(1)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ يَزِيْدِ(2) الْيَمَانِيُ (3) ، قَالَ : كَتَبَ أَبِي بِخَطِّهِ كِتَاباً ، فَوَرَدَ جَوَابُهُ ، ثُمَّ كَتَبَ (4) بِخَطِّي ، فَوَرَدَ جَوَابُهُ ، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّهِ رَجُلٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا ، فَلَمْ يَرِدْ جَوَابُهُ ، فَنَظَرْنَا ، فَكَانَتِ الْعِلَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ تَحَوَّلَ قَرْمَطِيّاً .قَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ : فَزُرْتُ الْعِرَاقَ ، وَ وَرَدْتُ طُوسَ ، وَ عَزَمْتُ أَنْ لَا أَخْرُجَ إِلَّا عَنْ بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِي ، وَ نَجَاحٍ مِنْ حَوَائِجِي وَ لَوِ احْتَجْتُ أَنْ أُقِيمَ بِهَا حَتّى أُتَصَدَّقَ .قَالَ : وَ فِي خِلَالِ ذلِكَ يَضِيقُ صَدْرِي بِالْمُقَامِ ، وَ أَخَافُ أَنْ يَفُوتَنِيَ الْحَجُّ . قَالَ : فَجِئْتُ يَوْماً إِلى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ أَتَقَاضَاهُ ، فَقَالَ لِي : صِرْ إِلى مَسْجِدِ كَذَا وَ كَذَا ، وَ إِنَّهُ يَلْقَاكَ رَجُلٌ .قَالَ : فَصِرْتُ إِلَيْهِ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ ضَحِكَ ، وَ قَالَ : لَا تَغْتَمَّ ؛ فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ فِي هذِهِ السَّنَةِ ، وَ تَنْصَرِفُ إِلى أَهْلِكَ وَ وُلْدِكَ سَالِماً . قَالَ : فَاطْمَأْنَنْتُ ، وَ سَكَنَ قَلْبِي ، وَ أَقُولُ : ذَا مُصَدِّقُ (5)ذلِكَ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 66 (درب).
2- .في الكافي المطبوع : «زيد».
3- .هكذا في حاشية «الف» و الكافي المطبوع ، و في «الف» و «د» : «الهمداني».
4- .في الكافي المطبوع : «كتبت».
5- .في الكافي المطبوع : «مصداق».

ص: 533

قَالَ : ثُمَّ وَرَدْتُ الْعَسْكَرَ ، فَخَرَجَتْ إِلَيَّ صُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ وَ ثَوْبٌ ، فَاغْتَمَمْتُ ، وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : حَالِي (1) عِنْدَ الْقَوْمِ هذَا ؟ وَ اسْتَعْمَلْتُ الْجَهْلَ ، فَرَدَدْتُهَا ، وَ كَتَبْتُ رُقْعَةً ، وَ لَمْ يُشِرِ الَّذِي قَبَضَهَا مِنِّي عَلَيَّ بِشَيْ ءٍ ، وَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا بِحَرْفٍ ، ثُمَّ نَدِمْتُ بَعْدَ ذلِكَ نَدَامَةً شَدِيدَةً ، وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : كَفَرْتُ بِرَدِّي عَلى مَوْلَايَ .وَ كَتَبْتُ رُقْعَةً أَعْتَذِرُ مِنْ فِعْلِي ، وَ أَبُوءُ بِالْإِثْمِ ، وَ أَسْتَغْفِرُ مِنْ ذلِكَ ، وَ أَنْفَذْتُهَا ، وَ قُمْتُ أَتَمَسَّحُ ، فَأَنَا فِي ذلِكَ أُفَكِّرُ فِي نَفْسِي ، وَ أَقُولُ : إِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ الدَّنَانِيرُ ، لَمْ أَحْلُلْ صِرَارَهَا ، وَ لَمْ أُحْدِثْ فِيهَا حَتّى أَحْمِلَهَا إِلى أَبِي ؛ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي لِيَعْمَلَ فِيهَا بِمَا شَاءَ ، فَخَرَجَ إِلَى الرَّسُولِ الَّذِي حَمَلَ إِلَيَّ الصُّرَّةَ : «أَسَأْتَ ؛ إِذْ لَمْ تُعْلِمِ الرَّجُلَ أَنَّا رُبَّمَا فَعَلْنَا ذلِكَ بِمَوَالِينَا ، وَ رُبَّمَا سَأَلُونَا ذلِكَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَ خَرَجَ إِلَيَّ : «أَخْطَأْتَ فِي رَدِّكَ بِرَّنَا ، فَإِذَا اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ ، فَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَزِيمَتُكَ وَ عَقْدُ نِيَّتِكَ أَلَّا تُحْدِثَ فِيهَا حَدَثاً ، وَ لَا تُنْفِقَهَا فِي طَرِيقِكَ ، فَقَدْ صَرَفْنَاهَا عَنْكَ ؛ فَأَمَّا الثَّوْبُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتُحْرِمَ فِيهِ» .قَالَ وَ كَتَبْتُ فِي مَعْنَيَيْنِ ، وَ أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي الثَّالِثِ ، وَ امْتَنَعْتُ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكْرَهَ ذلِكَ ، فَوَرَدَ جَوَابُ الْمَعْنَيَيْنِ وَ الثَّالِثِ الَّذِي طَوَيْتُ مُفَسَّراً ؛ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .قَالَ : وَ كُنْتُ وَافَقْتُ جَعْفَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيَّ بِنَيْسَابُورَ عَلى أَنْ أَرْكَبَ مَعَهُ ، وَ أُزَامِلَهُ ، فَلَمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ بَدَا لِي ، فَاسْتَقَلْتُهُ وَ ذَهَبْتُ أَطْلُبُ عَدِيلاً ، فَلَقِيَنِي ابْنُ الْوَجْنَاءِ - بَعْدَ أَنْ كُنْتُ صِرْتُ إِلَيْهِ ، وَ سَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِي ، فَوَجَدْتُهُ كَارِهاً - فَقَالَ لِي : أَنَا فِي طَلَبِكَ ، وَ قَدْ قِيلَ لِي : إِنَّهُ يَصْحَبُكَ ، فَأَحْسِنْ مُعَاشَرَتَهُ ، وَ اطْلُبْ لَهُ عَدِيلاً ، وَ اكْتَرِ لَهُ .

هديّة:(ثمّ كتب) في الموضعين على الاختلاف في النسخ، ففي بعضها : «ثمّ كتبت بخطّي» على المتكلّم، وفي بعضها - كما ضبط برهان الفضلاء : «ثمّ كتب بخطّه رجل» بإضافة الخطّ إلى الضمير، ورفع «رجل»، والظاهر ما أصّلناه.

.


1- .في الكافي المطبوع : «جزائي».

ص: 534

(تحوّل قرمطيّاً) أي من الحقّ إلى التصوّف، و«القرمطي» بفتح القاف وسكون الراء وفتح الميم، واحد القرامطة، وهم الصوفيّة القدريّة، شبّهت مقالاتهم التي لا شرعيّة صرفة ولا عقليّة محضة لخلطهم اُصول زنادقة الفلاسفة بقواعد الإسلام، ثمّ تسميتهم تلك الهذيانات بالأسرار الإلهيّة بالخطّ المقرمط المغشوش؛ صرّح بذلك برهان الفضلاء أيضاً في شرحيه على الكافي بالعربي والفارسي.وقال بعض المعاصرين: القرامطة جيل من الناس، الواحد: قرمطيّ.(1) فقيل: كلامه قرمطي أو مقرمط: عامّي غير فصيح، بل غير صحيح.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فوردت العراق وزرت طوس»، وقال: والظاهر: «وزرت طوبى» على تأنيث أطيب، يعني فوردت سامرّاء، وزرت البقعة التي أطيب البقاع. والمعنى على المضبوط المشهور: فزرت المشاهد في العراق، ووردت طوس لزيارة ذلك المشهد على ساكنه السلام.(ولو احتجت)، قال برهان الفضلاء: على الوصل.و(حتّى أتصدّق) على المتكلّم المجهول من مضارع التفعّل.وقال بعض المعاصرين:«حتّى أتصدّق» على المتكلّم المعلوم، أي أسأل الصدقة. وهو كلام عامّي غير فصيح، بل غير صحيح. قال ابن قتيبة: وممّا تصنعه العامّة غير موضعه قولهم: وهو يتصدّق إذا سأل، وذلك غلط إنّما المتصدّق المعطي ، انتهى.(2)فقيل : كأنّه انكشف له أنّه لا يحتمل غير المعلوم.(محمّد بن أحمد) من سفرائه عليه السلام.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «مصداق ذلك» مكان (مصدّق ذلك). قال: «ذا» أي الضحك، و«ذلك» أي الورود المفهوم من «فورد».

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 873 ، ذيل ح 1493.
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 873 ، ذيل ح 1493.

ص: 535

في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - «جزائي» مكان حالي يعني مكافأتي عند الناس بأن يظنّوا أنّ ورودي إنّما هو لطمع المال.(وأبوء بالإثم) أي أعترف. الجوهري: باء بإثمه: أقرّ.(1)(وقمت أتمسّح) أي أتأسّف وأتمسّح كفّي على كفّي من الأسف. وقال بعض المعاصرين: أي لا شي ء معي، يُقال: فلان يتمسّح، أي لا شي ء معه.(2)و«الصرار» ككتاب: خيط يشدّ به الصرّة.(ليعمل)، يحتمل فتح اللام للتأكيد، وكسرها للتعليل.في بعض النسخ : «إذ كانت» بدون الألف، مكان (إذا كانت).(وكنت وافقت) من المواقفة بتقديم الفاء على القاف. وضبط برهان الفضلاء بالعكس، قال: يعني التمست أن يتوقّف وينتظر.(بعد أن كنت صرت إليه) إلى قوله: (كارهاً) معترضة، يعني إلى (ابن الوجناء) بالجيم والنون والمدّ، وهو عبداللَّه بن الوجناء من أكابر العصابة، و«الوجناء»: تأنيث الأوجن من الوجين على فعيل بمعنى حسن العارض. و«الوجنة» محرّكة: ما ارتفع من الخدّين.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ(3) ، قَالَ : شَكَكْتُ فِي أَمْرِ حَاجِزٍ ، فَجَمَعْتُ شَيْئاً ، ثُمَّ صِرْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ : «لَيْسَ فِينَا شَكٌّ ، وَ لَا فِيمَنْ يَقُومُ مَقَامَنَا بِأَمْرِنَا ، رُدَّ مَا مَعَكَ إِلى حَاجِزِ بْنِ يَزِيدَ» .

هديّة:(في أمر حاجز) يعني في كونه سفيراً من سفرائه عليه السلام .

.


1- .الصحاح ، ج 1 ، ص 38 (بوأ).
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 874 ، ذيل ح 1493.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد».

ص: 536

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ أَبِي وَ صَارَ الْأَمْرُ إِلَّي (1) ، كَانَ لِأَبِي عَلَى النَّاسِ سَفَاتِجُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ ، فَكَتَبَ : «طَالِبْهُمْ ، وَ اسْتَقْضِ عَلَيْهِمْ ، فَقَضَّانِيَ النَّاسُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ كَانَتْ عَلَيْهِ سَفْتَجَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ أُطَالِبُهُ ، فَمَاطَلَنِي ، وَ اسْتَخَفَّ بِيَ ابْنُهُ ، وَ سَفِهَ عَلَيَّ ، فَشَكَوْتُ إِلى أَبِيهِ ، فَقَالَ : وَ كَانَ مَا ذَا؟ فَقَبَضْتُ عَلى لِحْيَتِهِ ، وَ أَخَذْتُ بِرِجْلِهِ ، وَ سَحَبْتُهُ إِلى وَسَطِ الدَّارِ ، وَ رَكَلْتُهُ رَكْلًا كَثِيراً ، فَخَرَجَ ابْنُهُ يَسْتَغِيثُ بِأَهْلِ بَغْدَادَ ، وَ يَقُولُ : قُمِّيٌّ رَافِضِيٌّ قَدْ قَتَلَ وَالِدِي ، فَاجْتَمَعَ عَلَيَّ مِنْهُمُ الْخَلْقُ ، فَرَكِبْتُ دَابَّتِي ، وَ قُلْتُ : أَحْسَنْتُمْ يَا أَهْلَ بَغْدَادَ ، تَمِيلُونَ مَعَ الظَّالِمِ عَلَى الْغَرِيبِ الْمَظْلُومِ ، أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمَذَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَ هذَا يَنْسُبُنِي إِلى أَهْلِ قُمَّ وَ الرَّفْضِ لِيَذْهَبَ بِحَقِّي وَ مَالِي .قَالَ : فَمَالُوا عَلَيْهِ ، وَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلى حَانُوتِهِ حَتّى سَكَّنْتُهُمْ ، وَ طَلَبَ إِلَيَّ صَاحِبُ السَّفْتَجَةِ ، وَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُوَفِّيَنِي مَالِي حَتّى أَخْرَجْتُهُمْ عَنْهُ .

هديّة:(وصار الأمر إليّ) أي الوكالة عن الصاحب عليه السلام كما كانت لأبي وهو من همدان اليمن بالمهملة وسكون الميم، فتورية قال: (من أهل همذان) بالمعجمة وفتح الميم.و«السفتجة» بالضمّ: أن تعطي مالاً لأحد في بلد وله مال في بلدك فيوفّيه هنا.والمصدر بفتح السين.و(الغريم) كنايةٌ عن الصاحب عليه السلام، وهو من لغات الأضداد: من له قرض على غيره، ومن عليه قرض لغيره.و(استقض) قرئ بالصاد والضاد.و«المماطلة»: التسويف.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لي».

ص: 537

و«السحب»: الجرّ على الأرض، والمطاوع انسحب. و«الركل»: الضرب بالرّجل.(طلب إليّ): رغب والتمس عنّي.

الحديث السادس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ وَ الْعَلَاءِ بْنِ رِزْقِ اللَّهِ ، عَنْ بَدْرٍ - غُلَامِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ - قَالَ : وَرَدْتُ الْجَبَلَ وَ أَنَا لَا أَقُولُ بِالْإِمَامَةِ ، أُحِبُّهُمْ جُمْلَةً إِلى أَنْ مَاتَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَوْصى فِي عِلَّتِهِ أَنْ يُدْفَعَ الشِّهْرِيُّ السَّمَنْدُ وَ سَيْفُهُ وَ مِنْطَقَتُهُ إِلى مَوْلَاهُ ، فَخِفْتُ إِنْ أَنَا لَمْ أَدْفَعِ الشِّهْرِيَّ السَّمَنْدَ وَسَيْقَهُ (1) إِلى إِذْكُوتَكِينَ نَالَنِي مِنْهُ اسْتِخْفَافٌ ، فَقَوَّمْتُ الدَّابَّةَ وَ السَّيْفَ وَ الْمِنْطَقَةَ بِسَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ فِي نَفْسِي ، وَ لَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً ، فَإِذَا الْكِتَابُ قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ الْعِرَاقِ : «وَجِّهِ السَّبْعَمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا قِبَلَكَ مِنْ ثَمَنِ الشِّهْرِيِّ وَ السَّيْفِ وَ الْمِنْطَقَةِ» .

هديّة:المراد ب (الجبل) بلاد الكرد والديلم بين بلاد العرب وآذربايجان.و(الشهري) بالضمّ: ضربٌ من البرذون. وضبط برهان الفضلاء : «الشهري» بالكسر ، والأوّل أكثر.(اذكوتكين) قيل: مثلّثة الهمزة، كان والياً من ولاة خلفاء بني العبّاس.

الحديث السابع عشرروى في الكافي عنه، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، قَالَ : وُلِدَ لِي وَلَدٌ ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي طُهْرِهِ يَوْمَ السَّابِعِ ، فَوَرَدَ : «لَا تَفْعَلْ» فَمَاتَ يَوْمَ السَّابِعِ أَوِ الثَّامِنِ ، ثُمَّ كَتَبْتُ بِمَوْتِهِ ، فَوَرَدَ : «سَتُخْلَفُ غَيْرَهُ وَ غَيْرَهُ ، تُسَمِّيهِ أَحْمَدَ ، وَ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ جَعْفَراً» فَجَاءَ كَمَا قَالَ .قَالَ : وَ تَهَيَّأْتُ لِلْحَجِّ ، وَ وَدَّعْتُ النَّاسَ ، وَ كُنْتُ عَلَى الْخُرُوجِ ، فَوَرَدَ : «نَحْنُ لِذلِكَ كَارِهُونَ ، وَ الْأَمْرُ إِلَيْكَ».

.


1- .في الكافي المطبوع : - «السمند وسيقه».

ص: 538

قَالَ : فَضَاقَ صَدْرِي ، وَ اغْتَمَمْتُ ، وَ كَتَبْتُ : أَنَا مُقِيمٌ عَلَى السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ غَيْرَ أَنِّي مُغْتَمٌّ بِتَخَلُّفِي عَنِ الْحَجِّ ، فَوَقَّعَ : «لَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ ؛ فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ ، كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ ، فَوَرَدَ الْإِذْنُ ، فَكَتَبْتُ : أَنِّي عَادَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ أَنَا وَاثِقٌ بِدِيَانَتِهِ وَ صِيَانَتِهِ ، فَوَرَدَ : «الْأَسَدِيُّ نِعْمَ الْعَدِيلُ ، فَإِنْ قَدِمَ فَلَا تَخْتَرْ عَلَيْهِ». فَقَدِمَ الْأَسَدِيُّ فَعَادَلْتُهُ .

هديّة:(في طهره) أي في ختانه، أو مطلق سنن اليوم السّابع، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - في تطهيره.(ستخلف) على المجهول من باب نصر خلفه وجده خلفاً له أو خليفة بعده.و(الأسدي) هو محمّد بن جعفر الكوفي من السفراء.(عادلته): زاملته.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيُّ ، قَالَ : أَوْدَعَ الْمَجْرُوحُ مِرْدَاسَ بْنَ عَلِيٍّ مَالًا لِلنَّاحِيَةِ ، وَ كَانَ عِنْدَ مِرْدَاسٍ مَالٌ لِتَمِيمِ بْنِ حَنْظَلَةَ ، فَوَرَدَ عَلى مِرْدَاسٍ : «أَنْفِذْ مَالَ تَمِيمٍ مَعَ مَا أَوْدَعَكَ الشِّيرَازِيُّ» .

هديّة:«المرداس» كمحراب: حجر يرمى به في البئر ليعلم أفيها ماء أم لا.(للناحية) أي للصاحب عليه السلام.و(المجروح) هو الشيرازي.«مال تميم» أي الذي وديعة عندك أيضاً للصاحب عليه السلام.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى الْعُرَيْضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ ، قَالَ : لَمَّا

.

ص: 539

مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَرَدَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ بِمَالٍ إِلى مَكَّةَ لِلنَّاحِيَةِ ، فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام مَضى مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ ، وَ الْخَلَفُ جَعْفَرٌ ، وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام عَنْ خَلَفٍ ، فَبَعَثَ رَجُلًا يُكَنّى بِأَبِي طَالِبٍ ، فَوَرَدَ الْعَسْكَرَ وَ مَعَهُ كِتَابٌ ، فَصَارَ إِلى جَعْفَرٍ ، وَ سَأَلَهُ عَنْ بُرْهَانٍ ، فَقَالَ : لَا يَتَهَيَّأُ فِي هذَا الْوَقْتِ ، فَصَارَ إِلَى الْبَابِ ، وَ أَنْفَذَ الْكِتَابَ إِلى أَصْحَابِنَا ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ : «آجَرَكَ اللَّهُ فِي صَاحِبِكَ ، فَقَدْ مَاتَ وَ أَوْصى بِالْمَالِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ إِلى ثِقَةٍ لِيَعْمَلَ فِيهِ بِمَا يَجِبُ (1)» وَ أُجِيبَ عَنْ كِتَابِهِ .

هديّة:(إلى الباب): باب الصاحب عليه السلام.(إلى أصحابنا) من الوكلاء الحاضرين في الباب.(في صاحبك) أي المصريّ الوارد إلى مكّة.وقرئ : «بما يحب» من المحبّة مكان (بما يجب) من الوجوب بمعنى الثبوت واللزوم.(عن كتابه) أي بالوصول وتفصيل المال وسائر الأحوال والأمر بكيفيّة صرف المال بمكّة عند الثقة، فرجع أبو طالب بجواب الكتاب إلى مكّة.

الحديث العشرون روى في الكافي عنه، قَالَ : حَمَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ آبَةَ شَيْئاً يُوصِلُهُ ، وَ نَسِيَ سَيْفاً بِآبَةَ ، فَأَنْفَذَ مَا كَانَ مَعَهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «مَا خَبَرُ السَّيْفِ الَّذِي نَسِيتَهُ؟» .

هديّة:(آبة) بالمفردة كساوة: قرية قرب ساوة، وقال برهان الفضلاء: وقد يقال «آوة» بالواو. وفي القاموس: «أبّة» بفتح الهمزة وتشديد المفردة: قريتان في بلاد الروم، إحداهما العليا ، والاُخرى السفلى.(2)(فكتب) يعني الصاحب عليه السلام، أو «فكتب» على ما لم يسمّ فاعله.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يحبّ».
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 35 (أبة)، وفيه هكذا : «وأبة» اسم ، و به سمّيت أبة العلياء السفلى : قريتان بلحج».

ص: 540

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ خَفِيفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : بَعَثَ بِخَدَمٍ إِلى مَدِينَةِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مَعَهُمْ خَادِمَانِ ، وَ كَتَبَ إِلى خَفِيفٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْكُوفَةِ ، شَرِبَ أَحَدُ الْخَادِمَيْنِ مُسْكِراً ، فَمَا خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ حَتّى وَرَدَ كِتَابٌ مِنَ الْعَسْكَرِ بِرَدِّ الْخَادِمِ الَّذِي شَرِبَ الْمُسْكِرَ ، وَ عُزِلَ عَنِ الْخِدْمَةِ .

هديّة:قيل: «حفيف» بالمهملة، وضبط برهان الفضلاء بالمعجمة.(بعث) يعني الصاحب عليه السلام (بخدم) أي بعدّة مملوك، فإنّ الخادم يقع على العبد والأمَة.(خادمان) أي ملازمان موكّلان على خدمة الخدم.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ،(1) قَالَ : أَوْصى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِدَابَّةٍ وَ سَيْفٍ وَ مَالٍ ، وَ أُنْفِذَ ثَمَنُ الدَّابَّةِ وَ غَيْرُ ذلِكَ ، وَ لَمْ يُبْعَثِ السَّيْفُ ، فَوَرَدَ كِتَابٌ (2) : «كَانَ مَعَ مَا بَعَثْتُمْ سَيْفٌ ، فَلَمْ يَصِلْ»، أَوْ كَمَا قَالَ .

هديّة:(وغير ذلك) بالرفع، عطف على «الثمن»، وقد مرّ ما يدلّ على أنّه عبارة عن المنطقة.(أو كما قال) قيل: يعني قال : «فلم يصل» أو ما يفيد معناها، وقيل: يعني أو كتب في الكتاب : «كما قال» مكان «فلم يصل».

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ النَّيْسَابُورِيِّ ، قَالَ : اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَنْقُصُ (3) عِشْرِينَ دِرْهَماً ، فَأَنِفْتُ أَنْ أَبْعَثَ بِخَمْسِمِائَةٍ يَنْقُصُ عِشْرِينَ دِرْهَماً ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن أحمد بن أبيّ عليّ بن غياث ، عن أحمد بن الحسن».
2- .في الكافي المطبوع : - «كتاب».
3- .في الكافي المطبوع : «تنقص» في الموضعين.

ص: 541

فَوَزَنْتُ مِنْ عِنْدِي عِشْرِينَ دِرْهَماً ، وَ بَعَثْتُهَا إِلَى الْأَسَدِيِّ ، وَ لَمْ أَكْتُبْ مَا لِي فِيهَا ، فَوَرَدَ : «وَصَلَتْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، لَكَ فِيْهَا(1) عِشْرُونَ دِرْهَماً» .

هديّة:(ينقص) في الموضعين على المضارع المعلوم من باب نصر، يتعدّى ولا يتعدّى، جملة حاليّة، ويجوز على الجارّ والمجرور. «أنف» كعلم: استنكف.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ : كَانَ يَرِدُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام فِي الْإِجْرَاءِ عَلَى الْجُنَيْدِ قَاتِلِ فَارِسَ وَ أَبِي الْحَسَنِ وَ آخَرَ ، فَلَمَّا مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَرَدَ اسْتِئْنَافٌ مِنَ الصَّاحِبِ عليه السلام لِإِجْرَاءِ أَبِي الْحَسَنِ وَ صَاحِبِهِ ، وَ لَمْ يَرِدْ فِي أَمْرِ الْجُنَيْدِ شَيْ ءٌ(3) ، قَالَ : فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، فَوَرَدَ نَعْيُ الْجُنَيْدِ بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(الإجراء): الإنفاق على الموظّف.(وأبي الحسن) معطوف على (الجنيد قاتل فارس) بن حاتم بن ماهويه القزويني، وكان فارس من الغلاة.(فاغتممت) أي بظنّ أنّه صار مغضوباً أو قرُب أجله.و«النعي» بالفتح: خبر الموت.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ ، قَالَ : كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ كُنْتُ مُعْجَباً بِهَا ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأْمِرُ فِي اسْتِيلَادِهَا ، فَوَرَدَ : «اسْتَوْلِدْهَا ، وَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «منها».
2- .السند يبدأ كما في الكافي المطبوع: بالحسين بن محمّد الأشعري، وهو من مشايخ الكليني، فالتعبير بإسناده غير صحيح.
3- .في الكافي المطبوع : «بشي ء».

ص: 542

فَوَطِئْتُهَا فَحَبِلَتْ ، ثُمَّ أَسْقَطَتْ فَمَاتَتْ .

هديّة:(محمّد بن صالح) من سفرائه عليه السلام، وقد سبق ذكره.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي عنه، قَالَ : كَانَ ابْنُ الْعَجَمِيِّ جَعَلَ ثُلُثَهُ لِلنَّاحِيَةِ ، وَ كَتَبَ بِذلِكَ ، وَ قَدْ كَانَ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ الثُّلُثَ دَفَعَ مَالًا لِابْنِهِ أَبِي الْمِقْدَامِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي عَزَلْتَهُ لِأَبِي الْمِقْدَامِ؟» .

هديّة:(وكتب بذلك) يعني إلى الصاحب عليه السلام بواسطة سفير من السفراء.(فأين المال) أي ثلثه، وذلك لأنّ جعل الثلث له عليه السلام كان قبل العزل لأبي المقدام.

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْنِ نَضْرٍ(1) ، قَالَ : كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيُّ يَسْأَلُهُ (2)كَفَناً ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «إِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ». فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ ، وَ بَعَثَ الْكَفَنَ (3) قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ .

هديّة:«صيمري» بالصاد المهملة كجعفري: نسبة إلى قرية من قرى البصرة.(في سنة ثمانين) يعني بعد المأتين كما مرّ نظير ذلك في الحديث الرابع من هذا الباب.وقيل: إخبار عن مدّة عمره.في بعض النسخ : «وبعث عليه السلام إليه بالكفن قبل موته بأيّام».

.


1- .في الكافي المطبوع : «نصر».
2- .في الكافي المطبوع : «يسأل».
3- .في الكافي المطبوع : «إليه بالكفن».

ص: 543

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمَذَانِيِّ ، قَالَ : كَانَ لِلنَّاحِيَةِ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ ، فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً ، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي : لِي حَوَانِيتُ اشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَ ثَلَاثِينَ دِينَاراً قَدْ جَعَلْتُهَا لِلنَّاحِيَةِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَ لَمْ أَنْطِقْ بِهَا ، فَكَتَبَ إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) : «اقْبِضِ الْحَوَانِيتَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بِالْخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا عَلَيْهِ» .

هديّة:(ضقت بها ذرعاً) لم أطق غمّها، و«الذرع» بالفتح: الطاقة.و«الحانوت»: دكّان الخمّار، ويطلق على مطلق الدكّان.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : بَاعَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ بَاعَ صَبِيَّةً جَعْفَرِيَّةً كَانَتْ فِي الدَّارِ يُرَبُّونَهَا ، فَبَعَثَ بَعْضَ الْعَلَوِيِّينَ ، وَ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ خَبَرَهَا ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ طَابَتْ نَفْسِي بِرَدِّهَا ، وَ أَنْ لَا أُرْزَأَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئاً ، فَخُذْهَا ، فَذَهَبَ الْعَلَوِيُّ ، فَأَعْلَمَ أَهْلَ النَّاحِيَةِ الْخَبَرَ ، فَبَعَثُوا إِلَى الْمُشْتَرِي بِأَحَدٍ وَ أَرْبَعِينَ دِينَاراً ، وَ أَمَرُوهُ بِدَفْعِهَا إِلى صَاحِبِهَا .

هديّة:(باع جعفر) يعني الكذّاب.(جعفريّة) من أولاد جعفر بن أبي طالب.(وأن) بفتح الهمزة وتخفيف النون عطفٌ على (بردّها). و«الرزأ» بتقديم المهملة: النقص، (لا أرزأ) على المجهول من باب علم ومنع: لا أنقص، ونائب الفاعل المفعول الأوّل المستتر. و(شيئاً) المفعول الثاني.(فخذها) يعني بعد الإخبار بقدر ثمنها الذي اشتريتها به. وحاصل كلامه أنّ نفسي طابت بردّها بشرطين: عدم نقص الثمن والإخبار بقدره، ويمكن كونهما واحداً، أي لا أنقص في الإخبار بقدره.

.


1- .في الكافي المطبوع : «محمّد بن جعفر» بدل «جعفر بن محمّد».

ص: 544

الحديث الثلاثون روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ نُدَمَاءِ «روزحسنى» وَ آخَرُ مَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ : هُوَ ذَا يَجْبِي الْأَمْوَالَ ، وَ لَهُ وُكَلَاءُ ، وَ سَمَّوْا جَمِيعَ الْوُكَلَاءِ فِي النَّوَاحِي ، وَ أُنْهِيَ ذلِكَ إِلى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَزِيرِ ، فَهَمَّ الْوَزِيرُ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ السُّلْطَانُ : اطْلُبُوا أَيْنَ هذَا الرَّجُلُ ؛ فَإِنَّ هذَا أَمْرٌ غَلِيظٌ ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ : نَقْبِضُ عَلَى الْوُكَلَاءِ ، فَقَالَ السُّلْطَانُ : لَا ، وَ لكِنْ دُسُّوا لَهُمْ قَوْماً لَا يُعْرَفُونَ بِالْأَمْوَالِ ، فَمَنْ قَبَضَ مِنْهُمْ شَيْئاً ، قُبِضَ عَلَيْهِ .قَالَ : فَخَرَجَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ إِلى جَمِيعِ الْوُكَلَاءِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً ، وَ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ ذلِكَ ، وَ يَتَجَاهَلُوا الْأَمْرَ .فَانْدَسَّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُهُ وَ خَلَا بِهِ ، فَقَالَ : مَعِي مَالٌ أُرِيدُ أَنْ أُوصِلَهُ ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : غَلِطْتَ ، أَنَا لَا أَعْرِفُ مِنْ هذَا شَيْئاً فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُهُ ، وَ مُحَمَّدٌ يَتَجَاهَلُ عَلَيْهِ ؛ وَ بَثُّوا الْجَوَاسِيسَ ، وَ امْتَنَعَ الْوُكَلَاءُ كُلُّهُمْ ؛ لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ .

هديّة:(كان) تامّة.وفي (روز حسنى) أقوال وتصحيفات، وضبط برهان الفضلاء بضمّ الكلمة الاُولى، و«حسني» بالتحريك كما في النسبة إلى حسن، ثمّ قال: وفي اسم هذا الرجل وهو عامل من عمّال الخلفاء العبّاسيّة تصحيفات كثيرة، وفي بعضٍ «بدر» بالمفردة والمهملتين مكان «روز».و(آخر) عطف على «الرجل»، و(معه) صفته.(يجبي) بالجيم على المعلوم من باب ضرب ومنع، و«الجباية» بالكسر: جمع الخراج ونحوه.(أنهى) على المجهول من ماضي الإفعال.(أين هذا الرجل) يعني الصاحب عليه السلام.

.

ص: 545

(دسّوا) على الأمر من باب مدّ، و«الدسّ» كالمدّ: الإخفاء مكراً وخديعة.(يتقدّم) على المضارع المجهول من التفعّل، و(تقدّم) على الماضي المجهول منه، ويمكن ب «أن يتقدّم» على المعلوم، أي بأن يوصل من خرج إليه التوقيع إلى سائر السفراء.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : خَرَجَ نَهْيٌ عَنْ زِيَارَةِ مَقَابِرِ قُرَيْشٍ وَ الْحَيْرِ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ ، دَعَا الْوَزِيرُ الْبَاقَطَائِيَّ ، فَقَالَ لَهُ : الْقَ بَنِي الْفُرَاتِ وَ الْبُرْسِيِّينَ ، وَ قُلْ لَهُمْ : لَا تَزُورُوا(1) مَقَابِرَ قُرَيْشٍ ؛ فَقَدْ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُتَفَقَّدَ كُلُّ مَنْ زَارَ ، فَيُقْبَضَ عَلَيْهِ .

هديّة:(الحير) بالفتح بمعنى الحائر، يعني مشهد الحسين عليه السلام بكربلاء، وقد يُطلق «الحير» على مدينة كربلاء. واحتمل برهان الفضلاء «والحير» بالرفع عطفاً على «نهى»، يعني ابتداء الحيرة التي تكون في الغيبة الكبرى قال: قد وقعت الغيبة الكبرى في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ومات فيها آخر السفراء أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري، وثقة الإسلام صاحب الكافي أيضاً، والراضي باللَّه أبو العبّاس أحمد بن جعفر المقتدر بن أحمد المعتضد بن الموفّق بن المتوكّل أيضاً، وهو العشرون من الخلفاء العبّاسيّة، فصار أمر الخلافة إلى أخيه المتّقي باللَّه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر.و«بنوا الفرات» من كان بشاطئه من الجانبين. وقال برهان الفضلاء: ب «بني الفرات» قبيلة أبي الفتح فضل بن جعفر بن فرات، من وزراء الخلفاء العبّاسيّة.و«البرس» بكسر المفردة: قرية بين الكوفة والحلّة، وبضمّ المفردة منها الحافظ البرسي.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لا يزوروا».

ص: 546

باب ما جاء في الاثني عشر و النصّ عليهم صلوات اللَّه عليهم

الباب السادس والعشرون والمائة : بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَ النَّصِّ عَلَيْهِمْ صلوات اللَّه عليهم وأحاديثه كما في الكافي تسعة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ الْبَرْقِيِّ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، قَالَ : «أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلى يَدِ سَلْمَانَ ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَجَلَسَ ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَ اللِّبَاسِ ، فَسَلَّمَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليهما السلام ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ، فَجَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ ، وَ أَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ ؛ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ .قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ ؟ وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَ يَنْسى ؟ وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ ؟فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْحَسَنِ عليهما السلام ، فَقَالَ : يَا بَا مُحَمَّدٍ(1) ، أَجِبْهُ».قَالَ : «فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ عليه السلام ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذلِكَ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ وَ الْقَائِمُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أبا محمّد».

ص: 547

بِحُجَّتِهِ - وَ أَشَارَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام - وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهِمَا(1) ، وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وَ أَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام - وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ ، وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ ، وَ أَشْهَدُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَ أَشْهَدُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍ (2) ، وَ أَشْهَدُ عَلى مُوسى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ أَشْهَدُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ (3) الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسى ، وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَشْهَدُ عَلى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَيْنِ (4) لَا يُكَنّى وَ لَا يُسَمّى حَتّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ ، فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ .ثُمَّ قَامَ فَمَضى ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، اتْبَعْهُ ، فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ ، فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَقَالَ : مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ ، فَرَجَعْتُ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَعْلَمْتُهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَ تَعْرِفُهُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ ، قَالَ : هُوَ الْخَضِرُ عليه السلام» .وَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مِثْلَهُ سَوَاءً .قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى : فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : يَا بَا جَعْفَرٍ(5) ، وَدِدْتُ أَنَّ هذَا الْخَبَرَ جَاءَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : فَقَالَ : لَقَدْ حَدَّثَنِي قَبْلَ الْحَيْرَةِ بِعَشْرِ سِنِينَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «بها».
2- .في الكافي المطبوع : - «بن عليّ».
3- .في الكافي المطبوع : «أنه».
4- .في الكافي المطبوع : «الحسن».
5- .في الكافي المطبوع : «أبا جعفر».

ص: 548

هديّة:في بعض النسخ : «إذا أقبل». الجوهري: قد يكون «إذ» للمفاجأة مثل «إذا».(1)(ما قضى عليهم) أي ظلموا حقّك فهلكوا.(شرع) كمثل لفظاً ومعنى، هما شرعان: مثلان. قال في القاموس: ويحرّك.(2)(كيف يذكر) من المجرّد، أو من التفعّل بالقلب والإدغام.في بعض النسخ : «بها» مكان (بهما)، والأكثر أولى، أي الرسالة والولاية.ولا تفاوت بين (بأنّه القائم) و(أنّه القائم) في المواضع.في بعض النسخ : «على رجل من ولد الحسن» يعني أبا محمّد العسكري عليه السلام.(فرجعت) بتقدير القول.(وحدّثني محمّد بن يحيى) كلام ثقة الإسلام قبل مفاد قوله: (قبل الحيرة) أنّ البرقي كأنّه تحيّر في أمر دينه نبذاً من عمره، وأنّ أخباره في تلك المدّة ليست بنقيّة. وقال برهان الفضلاء: المراد الحيرة التي وقعت لكثير من الشيعة في مبدأ الغيبة القصرى. وقال الفاضل الاسترآبادي: المراد بالحيرة غيبة الصاحب عليه السلام، أو مضيّ أبي محمّد عليه السلام.(3) و«أبو عبداللَّه» كنية محمّد بن خالد البرقي من «برقة رود» قم بسكون الراء، ولا يخفى إمكان تأويل الأقوال بأمر واحد.والشيخ أبو علي الطبرسي رحمة اللَّه عليه روى هذا الخبر في كتاب الاحتجاج أيضاً عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مع ذكر الأجوبة قال: فأجابه الحسن عليه السلام وقال: «ما سألت عن أمر الإنسان إذا نام أين يذهب روحه؟ فإنّ روحه متعلّقة بالريح، والريح متعلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة، فإن أذِنَ اللَّه بردّ تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء، فرجعت وسكنت في

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 2542 (إذا).
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 44 (شرع).
3- .لم نعثر عليه، نعم نسب إلى القيل في مرآة العقول، ج 6، ص 208.

ص: 549

بدن صاحبها، وإن لم يأذن اللَّه عزّ و جلّ بردّ تلك الروح إلى صاحبها جذب الهواء الريح ، فجذبت الروح الريح ، فلم يردّ إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث. وأمّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان، فإنّ قلب الرجل في حقّ، وعلى الحقّ طبق، فإن صلّى الرجل عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاةً تامّةً انكشف الطبق عن ذلك الحقّ، فأضاء القلب، وذكر الرجل ما كان نسى، وإن هو لم يصلِّ على محمّد وآل محمّد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحقّ فأظلم القلب ونسى الرجل ما كان ذكره. وأمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادية وبدن غير مضطرب، فأسكنت تلك النطفة جوف الرحم، خرج الولد يشبه أباه واُمّه؛ وإن هو أتاها بقلبٍ غير ساكن وعروق غير هادية وبدن مضطرب اضطربت النطفة، فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق، فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله» فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه ولم أزل أشهد بها، الحديث.(1)والصدوق رحمة اللَّه عليه أيضاً رواه في كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة(2) بتفاوت في الألفاظ، وكذا عليّ بن إبراهيم في تفسيره.(3)قوله : «إلى وقت ما يبعث» إمّا في الرجعة أو في القيامة. القاموس : «الذكر» بالكسر: الحفظ، وبالضمّ، الاسم.(4)و«الحقّ» بالضمّ مفرد وجمع، فالواحدة حقّة.(فإن صلّى الرجل عند ذلك) لم ينقطع الصلاة على محمّد وآله قطّ ما دام الخلق من

.


1- .الاحتجاج ، ج 1 ، ص 266.
2- .كمال الدين ، ج 1 ، ص 313 ، ح 1.
3- .تفسير القميّ ، ج 2 ، ص 249.
4- .القاموس المحيط، ج 2، ص 35 (ذكر).

ص: 550

أوّل الإيجاد إلى ما لا نهاية له من اللَّه تعالى بواسطة الخلق من الملك وغيره وبلا واسطة، وإضاءة القلوب، بل كلّ شي ء إنّما هي بها، لكن على التفاوت الناشئ من الإيمان ومراتبها والكفر ومنازلها، فلا إشكال في المقام بذكر الكافر ونسيانه، ولا بذكر المؤمن بدون الصلاة على محمّد وآله.«عروق هادية» أي ساكنة، هدأ كمنع هداء وهدوءاً: سكن، وأهداه: سكّنه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ (1)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبِي عليه السلام لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَمَتى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا ؟ فَقَالَ لَهُ الْجَابِرُ(2) : أَيَّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَهُ ، فَخَلَا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا جَابِرُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ .فَقَالَ جَابِرٌ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ عَلى أُمِّكَ فَاطِمَةَ عليهما السلام فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَرَأَيْتُ (3) فِي يَدَيْهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ ، وَ رَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ لَوْنِ الشَّمْسِ ، فَقُلْتُ لَهَا : بِأَبِي وَ أُمِّي أَنْتَ (4) يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ، مَا هذَا اللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ : هذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللَّهُ تَعَالى (5) إِلى رَسُولِ اللَّهِ (6) صلى اللَّه عليه وآله ، فِيهِ اسْمُ أَبِي وَ اسْمُ بَعْلِي وَ اسْمُ ابْنَيَّ وَ اسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي ، وَ أَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذلِكَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و محمّد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن جعفر ، عن الحسن بن ظريف وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن بكر بن صالح».
2- .في الكافي المطبوع : «جابر».
3- .في الكافي المطبوع : «و رأيت».
4- .في الكافي المطبوع : - «أنت».
5- .في الكافي المطبوع : - «تعالى».
6- .في الكافي المطبوع : «رسوله».

ص: 551

قَالَ جَابِرٌ : فَأَعْطَيَتْنِيهِ (1) أُمُّكَ فَاطِمَةُ عليها السلام ، فَقَرَأْتُهُ ، وَ اسْتَنْسَخْتُهُ . فَقَالَ أَبِي عليه السلام : فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَمَشى مَعَهُ أَبِي عليه السلام إِلى مَنْزِلِ جَابِرٍ ، فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ ، فَقَالَ : يَا جَابِرُ ، انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ عَلَيْكَ ، فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَتِهِ ، فَقَرَأَهُ أَبِي عليه السلام ، فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً ، فَقَالَ جَابِرٌ : أَشْهَدُ(2) بِاللَّهِ إِنِّي هكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، هذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَ نُورِهِ وَ سَفِيرِهِ وَحِجَابِهِ وَ دَلِيلِهِ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي ، وَ اشْكُرْ نَعْمَائِي ، وَ لَا تَجْحَدْ آلَائِي ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ ، وَ مُدِيلُ الْمَظْلُومِينَ ، وَ دَيَّانُ الدِّينِ ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي ، عَذَّبْتُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ ، وَ عَلَيَّ فَتَوَكَّلْ ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ ، وَ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيّاً ، وَ إِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ، وَ فَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ ، وَ أَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَ سِبْطَيْكَ : حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ ، فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ ، وَ جَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي ، وَ أَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ ، وَ خَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ ، وَ أَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً ، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ ، وَ حُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ ؛ بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَ أُعَاقِبُ :أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ وَ زَيْنُ أَوْلِيَائِيَ الْمَاضِينَ ، وَ ابْنُهُ شِبْهُ جَدِّهِ الْمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ عِلْمِي وَ الْمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي ، سَيَهْلِكُ الْمُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ ، الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ ، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوى جَعْفَرٍ ، وَ لَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَ أَنْصَارِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ ، انْتَجَبَ بَعْدَهُ مُوسى (3) فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ ؛ لِأَنَّ خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ ، وَ حُجَّتِي لَا تَخْفى ، وَ أَنَّ أَوْلِيَائِي يُسْقَوْنَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفى ، مَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ ، فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي ؛ وَ مَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي ، فَقَدِ افْتَرى عَلَيَّ ؛ وَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ - عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ مُوسى عَبْدِي وَ حَبِيبِي وَ خِيَرَتِي -

.


1- .في الكافي المطبوع : «فأعطتنيه».
2- .في الكافي المطبوع : «فأشهد».
3- .في الكافي المطبوع : «اُتيحت بعده بموسى» بدل «انتجب بعده موسى».

ص: 552

فِي عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي ، وَ مَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ ، وَ أَمْتَحِنُهُ بِالِاضْطِلَاعِ بِهَا ، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ ، يُدْفَنُ فِي الْمَدِينَةِ - الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ - إِلى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي ، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَسُرَّنَّهُ بِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ وَارِثِ عِلْمِهِ ، فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي وَ مَوْضِعُ سِرِّي وَ حُجَّتِي عَلى خَلْقِي ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِهِ إِلَّا جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ ، وَ شَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ ، وَ أَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي ، وَ الشَّاهِدِ فِي خَلْقِي ، وَ أَمِينِي عَلى وَحْيِي ، أُخْرِجُ مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلى سَبِيلِي وَ الْخَازِنَ لِعِلْمِيَ الْحَسَنَ ، وَ أُكَمِّلُ ذلِكَ بِابْنِهِ م ح م د رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسى ، وَ بَهَاءُ عِيسى ، وَ صَبْرُ أَيُّوبَ ، فَتُذَلُ (1) أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ ، وَ تُتَهَادى رُؤُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادى رُؤُوسُ التُّرْكِ وَ الدَّيْلَمِ ، فَيُقْتَلُونَ وَ يُحْرَقُونَ وَ يَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ ، تُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ ، وَ يَفْشُو الْوَيْلُ وَ الرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ ، أُولئِكَ أَوْلِيَائِي حَقّاً ، بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ ، وَ بِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ ، وَ أَدْفَعُ الْآصَارَ وَ الْأَغْلَالَ «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»».قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَالِمٍ : قَالَ أَبُو بَصِيرٍ : لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هذَا الْحَدِيثَ لَكَفَاكَ ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ

هديّة:خفّ عليه الأمر كفرّ.خلوت به وإليه - كغزا - خلوة وخلاء بالفتح والمدّ.و(أشهد باللَّه) من صيغ القسم. وقال برهان الفضلاء: الباء في «أشهد باللَّه» للمصاحبة بلا تشبيه، قال: والمراد حضوره تعالى عند الشهادة والقضيّة.و«التهنيئة» يهمز ولا يهمز.عرضه عليه كضرب.و«الرقّ» بالفتح ويكسر: الجلد الرقيق يكتب فيه.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فيذلّ».

ص: 553

و«السفير»: الرسول، و«الحجاب»: الواسطة، وقرئ : «وحجّابه» كبوّاب لفظاً ومعنى.و«النعمة» و«النعيم» و«النعماء» و«النعمى» كلّه بمعنى، يمدّ مع فتح النون، ويقصر مع ضمّها.و«القصم»: الكسر الشديد.و«الإدالة»: الغلبة، أدالنا اللَّه من عدوّنا، أي صيّره مغلوباً لنا بإعطائنا الدولة المسلوبة عنه. وفي الدعاء: «اللّهُمَّ أدلني على فلان، وانصرني عليه».(1)و«الدّين»: الجزاء والمكافأة، ومنه الديّان، و«الدين» أيضاً الطاعة، ف (ديّان الدِّين) إمّا بتقدير يوم الدِّين، أو الإضافة لاميّة. وفي بعض النسخ: «وديّان الدِّين أنا». وهو أولى.و«الشبل»: ولد الأسد. وفي بعض النسخ : «بسليليك»: والسلالة والسليل على فعيل بمعنى. الجوهري: السليل: الولد، والاُنثى سليلة.(2)و(معدن) كمجلس.(من استشهد) على ما لم يسمّ فاعله.و«التبقّر»: التوسّع، توسّع البحر ونحوه، ومنه باقر العلوم.سرّه كمدّ فسرّ هو: صار مسروراً.(انتجب) بالجيم: اختار. (فتنة) أي ذلك فتنة ، أو في فتنة. وفي بعض النسخ : «اُتيحت بعده بموسى» بالحاء المهملة على ما لم يسمّ فاعله، من الإتاحة بمعنى التقدير وتهيئة الأسباب، تاح اللَّه له الشي ء: قدّره له، فالتأنيث للفتنة المحذوفة، والتقدير: فتنة موسى، ونصب الفتنة المذكورة حينئذٍ على المصدر.و«الحندس» كزبرج: الليل الشديدة الظلمة، فمبالغة على المبالغة.(فرضي) أي حجّتي، أو إيجادي معصوماً للدِّين وجوباً.

.


1- .لم نعثر عليه و ما هو مذكور في كتب الأدعية هكذا : «وأذهب عنّي غيظه وبأسه ومكره وجنوده وأحزابه وانصرني عليه». مهج الدعوات ، ص 185 ؛ المصباح للكفعمي ، ص 234 ؛ بحار الأنوار ، ج 91 ، ص 281.
2- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1731 (سلل).

ص: 554

و«الأعباء» بالمفردة: جمع العباء بالكسر والمدّ، وهو الحمل كالعِب ء كالعِدل لفظاً ومعنى.و(الاضطلاع): القيام بالأمر بقوّة، هو مضطلع له قويّ عليه، والضمير في (بها) ل (أعباء النبوّة).«استوجبه»: استحقّه.والمراد ب (العبد الصالح) هنا ذو القرنين، فإنّ بناء طوس يُنسب إليه.وكتابة اسم الصاحب عليه السلام بالحروف المفردة إشارة إلى كراهيّة التصريح بالاسم، وقد سبق بيانه بمستنداته.و«التهادي»: المراسلة بالهدايا.و(الديلم) كصيقل: جيل من مشركي الترك.«حرقه» كضرب، وشدّد للمبالغة.و«الرعب» بالضمّ: الخوف، رعبته كنصر فهو مرعوب.و(الرنّة) بالكسر والتشديد: الصيحة.(أولئك أوليائي حقّاً) أي الأئمّة الاثنى عشر صلوات اللَّه عليهم. و«الإصر» بالكسر: الذنب والثقل، والجمع: آصار، أفعال كآثار، لا كأثقال.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ (1) ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَ عُمَرُ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ وَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، فَجَرى بَيْنِي وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ كَلَامٌ ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقُولُ : «أَنَا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة وعليّ بن محمّد ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش».

ص: 555

مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ (1) أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ مِنْ بَعْدِهِ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَ سَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ - ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَ سَتُدْرِكُهُ يَا حُسَيْنُ - ثُمَّ تَكْمِلَهُ (2) اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ».قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : وَ اسْتَشْهَدْتُ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَ عُمَرَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، فَشَهِدُوا لِي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ .قَالَ سُلَيْمٌ : وَ قَدْ سَمِعْتُ ذلِكَ مِنْ سَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادِ ، وَ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:في بعض النسخ: «فابني الحسن» مكان (فالحسن بن عليّ).و«التكملة» و«التتمّة» و«التمام» بمعنى. وقرأ بعض المعاصرين على الفعل من الافعال أو التفعيل، فقال: «ثمّ يكمله» عطف على «يقول»، يعني ثمّ يكمل صلى اللَّه عليه وآله الكلام إلى اثنى عشر إماماً.(3)

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكِسَائِيِ (4) ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، قَالَ : شَهِدْتُ جِنَازَةَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مَاتَ ، وَ شَهِدْتُ عُمَرَ حِينَ بُويِعَ وَ عَلِيٌّ عليه السلام جَالِسٌ نَاحِيَةً ، فَأَقْبَلَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ جَمِيلُ الْوَجْهِ ، بَهِيٌّ ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ حِسَانٌ وَ هُوَ مِنْ وُلْدِ هَارُونَ حَتّى قَامَ عَلى رَأْسِ عُمَرَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْتَ أَعْلَمُ هذِهِ الْأُمَّةِ بِكِتَابِهِمْ وَ أَمْرِ نَبِيِّهِمْ ؟ قَالَ : فَطَأْطَأَ عُمَرُ

.


1- .في الكافي المطبوع : - «من بعده».
2- .في الكافي المطبوع : «يكمّله».
3- .الوافي ، ج 2 ، ص 302 ، ذيل ح 758.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد اللَّه بن القاسم ، عن حنان بن السّرّاج ، عن داود بن سليمان الكسائي».

ص: 556

رَأْسَهُ ، فَقَالَ : إِيَّاكَ أَعْنِي ، وَ أَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنِّي جِئْتُكَ مُرْتَاداً لِنَفْسِي ، شَاكّاً فِي دِينِي ، فَقَالَ : دُونَكَ هذَا الشَّابَّ ، قَالَ : وَ مَنْ هذَا الشَّابُّ؟ قَالَ : هذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ هذَا أَبُو الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ابْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ هذَا زَوْجُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ .فَأَقْبَلَ الْيَهُودِيُّ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ : أَ كَذَلِكَ (1) أَنْتَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ ، قَالَ : فَتَبَسَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ غَيْرِ تَبَسُّمٍ ، وَ قَالَ : «يَا هَارُونِيُّ ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ سَبْعاً ؟» قَالَ : أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ أَجَبْتَنِي ، سَأَلْتُ عَمَّا بَعْدَهُنَّ ، وَ إِنْ لَمْ تَعْلَمْهُنَّ ، عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيكُمْ عَالِمٌ .قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «فَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ (2) الَّذِي تَعْبُدُ(3) ؛ لَئِنْ (4) أَجَبْتُكَ فِي كُلِّ مَا تُرِيدُ لَتَدَعَنَّ دِينَكَ ، وَ لَتَدْخُلَنَّ فِي دِينِي ؟» قَالَ : مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَاكَ ، قَالَ : «فَسَلْ».قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ قَطْرَةِ دَمٍ قَطَرَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ : أَيُّ قَطْرَةٍ هِيَ ؟ وَ أَوَّلِ عَيْنٍ فَاضَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ : أَيُّ عَيْنٍ هِيَ ؟ وَ أَوَّلِ شَيْ ءٍ اهْتَزَّ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ : أَيُّ شَيْ ءٍ هُوَ ؟فَأَجَابَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنِ الثَّلَاثِ الأَخِيرِ(5) : أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ : كَمْ لَهُ مِنْ إِمَامٍ عَدْلٍ ؟ وَ فِي أَيِّ جَنَّةٍ يَكُونُ ؟ وَ مَنْ سَاكَنَهُ مَعَهُ فِي جَنَّتِهِ ؟فَقَالَ : «يَا هَارُونِيُّ ، إِنَّ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله اثْنَيْ عَشَرَ إِمَامَ عَدْلٍ ، لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ ، وَ لَا يَسْتَوْحِشُونَ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهُمْ ، وَ إِنَّهُمْ فِي الدِّينِ أَرْسَبُ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي فِي الْأَرْضِ ؛ وَ مَسْكَنُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله فِي جَنَّتِهِ ، مَعَهُ أُولئِكَ الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ الْعَدْلَ».فَقَالَ : صَدَقْتَ وَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ ؛ إِنِّي لَأَجِدُهَا فِي كُتُبِ أَبِي هَارُونَ ، كُتُبِهِ بِيَدِهِ وَ إِمْلَاءِ(6)

.


1- .في الكافي المطبوع : «أ كذاك».
2- .في الكافي المطبوع : «بالإله».
3- .في الكافي المطبوع : «تعبده».
4- .في الكافي المطبوع : + «أنا».
5- .في الكافي المطبوع : «الأخر».
6- .في الكافي المطبوع : «أملاه».

ص: 557

مُوسى عَمِّي .فَقَالَ : أَخْبِرْنِي (1) عَنِ الْوَاحِدَةِ : أَخْبِرْنِي عَنْ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ كَمْ يَعِيشُ مِنْ بَعْدِهِ ؟ وَ هَلْ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ ؟قَالَ : «يَا هَارُونِيُّ ، يَعِيشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا يَزِيدُ يَوْماً وَ لَا يَنْقُصُ يَوْماً ، ثُمَّ يُضْرَبُ ضَرْبَةً هاهُنَا - يَعْنِي عَلى قَرْنِهِ - فَتُخْضَبُ هذِهِ مِنْ هذَا».قَالَ : فَصَاحَ الْهَارُونِيُّ ، وَ قَطَعَ كُسْتِيجَهُ وَ هُوَ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، وَ أَنَّكَ وَصِيُّهُ ، يَنْبَغِي أَنْ تَفُوقَ وَ لَا تُفَاقَ ، وَ أَنْ تُعَظَّمَ وَ لَا تُسْتَضْعَفَ .قَالَ : ثُمَّ مَضى بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام إِلى مَنْزِلِهِ ، فَعَلَّمَهُ مَعَالِمَ الدِّينِ .

هديّة:(بهيّ) يهمز ولا يهمز، فعيل عن البهاء.و(حسان) كرجال جمع حسن.(لِمَ ذاك) أي جِدُّك في السؤال. (مرتاداً لنفسي) طالباً لها ما فيه صلاحها.(من غير تبسّم)، قيل: يعني تبسّم من غير ضحك، وقيل: يعني فتبسّم شبيهاً بالتبسّم، وقيل: يمكن «من غير تنسّم» بالنون مكان المفردة. و«التنسّم»: التنفّس، فكناية عن عدم انفتاح الشفتين.في بعض النسخ : «أكذاك» مكان (أكذلك) باللام.(قال: أسألك عن ثلاث فإن أجبتني) أي عن ثلاث متناسبة، ثمّ عن ثلاث اُخر كذلك ، ثمّ عن الأهمّ من جملة السبع.و«الاهتزاز»: التحرّك، هززته هزّاً فاهتزّ: حرّكته، فتحرّك يعني وعن أوّل شجرة غرست فنبتت وتحرّكت.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال : فأخبرني» بدل «فقال : أخبرني».

ص: 558

(من امام عدل) على الإضافة. (ومن ساكنه) أي جليسه ومعاشره.«خذله» كنصر خذلاناً بالكسر. (أرسب): أثبت، و(الرواسي): الثابتات. (كتبه بيده) بالجرّ على البدل، وقرئ : «كتبه» على الفعل، و«أملاه» مكان (وإملاء)، وليس في بعض النسخ : «وكتبه».في بعض النسخ : «وهو يموت» مكان (وهل يموت).(هذه من هذا) أي اللحية من القرن، وعلى نسخة «من هذه» أي من ضربة الرأس.و«الكستيج» بالمهملة والجيم كأنّه معرّب «كشتي»، أي المنطقة، وهو خيط يشدّه الذمّي فوق ثيابه دون الزنّار؛ كذا في القاموس (1)، والمراد هنا الزنّار.في بعض النسخ : «ولا تستصغر» من الصغار بالفتح، وهو الذلّ مكان (ولا تستضعف)، وستعرف الأجوبة المطويّة هنا في الحديث السابع في بيانه إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ (2) ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيّ (3) ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى (4) خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ ، فَأَقَامَهُمْ أَشْبَاحاً فِي ضِيَاءِ نُورِهِ ، يَعْبُدُونَهُ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَ يُقَدِّسُونَهُ ، وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:(أشباحاً): صوراً مثاليّة، وقد سبق في أوّل كتاب العقل ما يوضح مثل الحديث بعض الإيضاح ردّاً على طريقة الصوفيّة القدريّة.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 205 (كستيج).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي سعيد العصفوري ، عن عمرو بن ثابت».
3- .في الكافي المطبوع : - «الثمالي».
4- .في الكافي المطبوع : - «تعالى».

ص: 559

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ(1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ رَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِيٌّ هُمَا الْوَالِدَانِ». فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ(2) - و كَانَ أَخَا عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لِأُمِّهِ - وَ أَنْكَرَ ذلِكَ ، فَصَرَّرَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ قَالَ : «أَمَا إِنَّ ابْنَ أُمِّكَ كَانَ أَحَدَهُمْ» .

هديّة:المضبوط هنا في أكثر النسخ: (عبد اللَّه بن راشد)، وقيل: الظاهر كما في بعض النسخ : «عبد اللَّه بن زيد» كما هو المضبوط في حديث الحكم عتيبة في باب أنّهم عليهم السلام محدّثون، وكان عبداللَّه بن زيد أخاً رضاعيّاً لعليّ بن الحسين عليهما السلام.(فقال) يعني قولاً شعراً بالإنكار، أو ما قال، أو المعنى فتكلّم فيه، وفي حديث الحكم بن عتيبة هكذا: فقال له رجل - يُقال له: عبداللَّه بن زيد، كان أخا عليّ لاُمّه - سبحان اللَّه! محدّثاً؟ كأنّه ينكر ذلك.(3)(فصرّر) بالتشديد، من الصرّة بالفتح والتشديد بمعنى الصياح الشديد، «صرّ» كفرّ: صاح، والتصرير للكثرة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِ (4) ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ : كُنْتُ حَاضِراً لَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَ اسْتُخْلَفَ عُمَرَ ، أَقْبَلَ يَهُودِيٌّ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودِ يَثْرِبَ ، وَ تَزْعُمُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن محمّد الخشّاب ، عن ابن سماعة ، عن عليّ بن الحسن بن رباط ، عن ابن اُذينة».
2- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن راشد».
3- .الكافي، ج 1 ، ص 270 ، باب أنّ الأئمة عليهم السلام محدّثون مفهّمون ، ح 2 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 1 ، ص 674 ، ح 712.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن مسعدة بن زياد ، عن أبي عبد اللَّه و محمّد بن الحسين ، عن إبراهيم ، عن أبي يحيى المدائني ، عن أبي هارون العبديّ».

ص: 560

يَهُودُ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتّى رُفِعَ إِلى عُمَرَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عُمَرُ ، إِنِّي جِئْتُكَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ جَمِيعِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ .قَالَ : فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إِنِّي لَسْتُ هُنَاكَ ، لكِنِّي أُرْشِدُكَ إِلى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أُمَّتِنَا بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ جَمِيعِ مَا قَدْ تَسْأَلُ عَنْهُ ، وَ هُوَ ذَاكَ ، فَأَوْمَأَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام . فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : يَا عُمَرُ ، إِنْ كَانَ هذَا كَمَا تَقُولُ ، فَمَا لَكَ وَ لِبَيْعَةِ النَّاسِ ، وَ إِنَّمَا ذَاكَ أَعْلَمُكُمْ (1) ؟! فَزَبَرَهُ عُمَرُ .ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودِيَّ قَامَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ : أَنْتَ كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ؟ قَالَ:(2)فَقَالَ : «وَ مَا قَالَ عُمَرُ ؟» فَأَخْبَرَهُ . فَقَالَ (3) : فَإِنْ كُنْتَ كَمَا قَالَ ، سَأَلْتُكَ عَنْ أَشْيَاءَ أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ هَلْ يَعْلَمُ (4) أَحَدٌ مِنْكُمْ ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ فِي دَعْوَاكُمْ خَيْرَ الْأُمَمِ وَ أَعْلَمَهَا صَادِقُونَ ، وَ مَعَ ذلِكَ أَدْخُلُ فِي دِينِكُمُ الْإِسْلَامِ . فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «نَعَمْ ، أَنَا كَمَا ذَكَرَ لَكَ عُمَرُ ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ؛ أُخْبِرْكَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى».قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : «يَا يَهُودِيُّ ، لِمَ (5) لَمْ تَقُلْ : أَخْبِرْنِي عَنْ سَبْعٍ ؟» فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : إِنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِالثَّلَاثِ سَأَلْتُكَ عَنِ الْبَقِيَّةِ ، وَ إِلَّا كَفَفْتُ ، فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي فِي هذِهِ السَّبْعِ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ أَفْضَلُهُمْ ، وَ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ ، فَقَالَ لَهُ : «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ يَا يَهُودِيُّ».قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَ أَوَّلِ شَجَرٍ(6)غُرِسَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَ أَوَّلِ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، فَأَخْبَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام .ثُمَّ قَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : أَخْبِرْنِي عَنْ هذِهِ الْأُمَّةِ : كَمْ لَهَا مِنْ إِمَامٍ هُدًى ؟ وَ أَخْبِرْنِي عَنْ نَبِيِّكُمْ

.


1- .هكذا في حاشية «الف» و الكافي المطبوع ، وفي «الف» و«د» : «أعلمهم».
2- .في الكافي المطبوع : - «قال».
3- .في الكافي المطبوع : «قال».
4- .في الكافي المطبوع : «يعلمه».
5- .في الكافي المطبوع : «و لِمَ».
6- .في الكافي المطبوع : «شجر».

ص: 561

مُحَمَّدٍ : أَيْنَ مَنْزِلُهُ فِي الْجَنَّةِ ؟ وَ أَخْبِرْنِي عَمَّنْ (1) مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ ؟فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّ لِهذِهِ الْأُمَّةِ اثْنَا(2) عَشَرَ إِمَامَ (3) هُدًى مِنْ ذُرِّيَّةِ نَبِيِّهَا وَ هُمْ مِنِّي ؛ وَ أَمَّا مَنْزِلُ نَبِيِّنَا فِي الْجَنَّةِ ، فَفِي أَفْضَلِهَا وَ أَشْرَفِهَا جَنَّةِ عَدْنٍ ؛ وَ أَمَّا مَنْ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ فِيهَا ، فَهؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَ أُمُّهُمْ وَ جَدَّتُهُمْ وَ أُمُّ أُمِّهِمْ وَ ذَرَارِيُّهُمْ لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ» .

هديّة:«خدرة» بضمّ المعجمة وسكون المهملة حيّ من الأنصار؛ منهم : «أبو سعيد الخدري» بفتح الدال.في بعض النسخ : «قال: لمّا هلك» فتكرار لزيادة البيان. وقال بعض المعاصرين: المستتر في «قال» الثانية لأبي عبداللَّه عليه السلام، و«لمّا هلك» مقول القولين.(4) وليس بشي ء.و«أبو سعيد» من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، يروي عن رسول اللَّه وأمير المؤمنين عليهما السلام.(واستخلف عمر) على المجهول.(لست هناك) أي في المرتبة التي ذكرت.و«الزبر» كالزجر لفظاً ومعنى، أو «الزبر» زجر في غلظة.(خير الاُمم) نصب معمول للمصدر، وكذا المعطوف عليه. وقيل: الظاهر «أنّكم في دعواكم أنّكم خير الاُمم» فرفع. و«صادقون» على هذا خبر ل «أنّكم» الأولى.(في دينكم الإسلام) يحتمل الرفع والنصب والجرّ.في بعض النسخ : «ولم لم تقل» بالواو، وقد سبق وجه كيفيّة التفريق في السؤال في هديّة الحديث الرابع.

.


1- .في الكافي المطبوع : «من».
2- .في الكافي المطبوع : «اثني».
3- .في الكافي المطبوع : «إماماً».
4- .الوافي ، ج 2 ، ص 306 ، ذيل ح 761.

ص: 562

نبع الماء - كنصر وضرب ومنع - نبوعاً: خرج، و«الينبوع»: عين الماء، قال اللَّه تعالى: «حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً»(1).(فأخبره أمير المؤمنين عليه السلام) كما هو مذكور في العيون والاحتجاج.(2)(من إمام هدى) بإضافة.(اثنا عشر إمام هدى) تميز مضاف.(جنّة عدن) بالإضافة، والاحتمالات في المضاف.(فهؤلاء الاثنا عشر) أي الموصوفون بأنّ واحداً منهم أبوهم، ويمكن أن يكون (من ذرّيته) و(اُمّهم) بيان «الاثنى عشر»، (جدّتهم) فاطمة، فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، (واُمّ اُمّهم) خديجة الكبرى، قيل: و«ذراريهم» دلالة على أنّ الأشراف من الإماميّة معهم في جنّة عدن.والشيخ أبو علي الطبرسي ذكر هذا الخبر في كتاب الاحتجاج باختلاف في الألفاظ وذكر فيه الأجوبة جميعاً هكذا:قال: يا يهوديّ أنتم تقولون إنّ أوّل حجر وضع على وجه الأرض الحجر الذي في بيت المقدس وكذبتم وهو الحجر الأسود الذي نزل مع آدم من الجنّة، قال: صدقت واللَّه إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى، قال عليّ عليه السلام: وأمّا العين فأنتم تقولون إنّ أوّل عين نبعت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس وكذبتم هي عين الحياة التي غسل فيها نون موسى، وهي العين التي شرب منها الخضر عليه السلام وليس يشرب منها أحد إلّا حيّ. قال: صدقت واللَّه إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال عليّ عليه السلام: وأمّا الشجرة فأنتم تقولون إنّ أوّل شجرة تنبت على وجه الأرض الزيتون وكذبتم، هي العجوة نزل بها آدم عليه السلام من الجنّة. قال: والثلاث الاُخرى كم لهذه الاُمّة من إمام هدى لا يضرّهم من خذلهم؟ قال: اثنى عشر إماماً، قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال:

.


1- .الإسراء (17): 90 .
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 52 ، ح 19 ؛ الاحتجاج ، ج 1 ، ص 226.

ص: 563

وأين مسكن نبيّكم من الجنّة؟ قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكاناً في جنّات عدن. قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال: فمن ينزل معه في منزله؟ قال: اثنى عشر إماماً. قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال: بقيت السابعة، قال: كم يعيش وصيّه بعده؟ قال: ثلاثون سنة، قال: ثمّ هو يموت أو يُقتل؟ قال: يُضرب على قرنه فتخضب لحيته. قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى، ثمّ أسلم وحُسن إسلامه.(1)والصدوق قدّس سرّه أيضاً روى هذا الخبر بهذه الأجوبة في كتاب الخصال وعيون أخبار الرضا عليه السلام.(2)الجوهري: أحياه اللَّه فحيّ وحيى والإدغام أكثر.(3)و«العجوة» بالفتح من أجود التمر بالمدينة.ويجوز في وصف «الثلاث» التذكير والتأنيث نظراً إلى اللفظ والمعنى، ولذا ضبط في بعض النسخ : «والثلاث الاُخر» على التذكير.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد،(4) عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى فَاطِمَةَ عليها السلام وَ بَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ ، فِيهِ أَسْمَاءُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا ، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ آخِرُهُمُ الْقَائِمُ عليه السلام ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ ، وَ أَرْبَعَةٌ(5)مِنْهُمْ عَلِيٌّ .

هديّة:قد سبق وجه رواية أبي جعفر عليه السلام عن جابر من الصحابة.

.


1- .الاحتجاج ، ج 1 ، ص 226.
2- .الخصال ، ج 2 ، ص 476 ، ح 40 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 52 ، ح 19.
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2323 (حيا).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود».
5- .في الكافي المطبوع : «ثلاثة».

ص: 564

في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وثلاثة» مكان (وأربعة)، قال:الفاء في «فعددت» للتفريع، وضمير «آخرهم» و«منهم» للأوصياء من ولدها، وليس أمير المؤمنين عليه السلام داخلاً في المرجع. قال: ولذا قال : «وثلاثة منهم عليّ»، ثمّ قال: وفي الفقيه في باب الوصيّة من لدن آدم : «وأربعة منهم عليّ» فعلى هذا، الضمير للاثنى عشر.

الحديث التاسع روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَرْسَلَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ، وَ جَعَلَ مِنْ بَعْدِهِ اثْنَيْ عَشَرَ وَصِيّاً : مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ ، وَ كُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ لَهُ (1) سُنَّةٌ ، وَ الْأَوْصِيَاءُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله عَلى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسى عليه السلام (2)، وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلى سُنَّةِ الْمَسِيحِ عليه السلام» .

هديّة:(وكلّ وصيّ) من الأوّلين، في بعض النسخ : «جرت به» بالمفردة مكان (جرت له) باللام، جرت له سنّة، أو به، أو عليه بمعنى، وقد سبق أنّ من سنن أوصياء المسيح كونهم اثنى عشر، ومن سنن المسيح إحياء الموتى بإذن اللَّه، وكونه بحيث أخذته غلاته ربّاً، وهو أن يستنكف أن يكون عبداً للَّه سبحانه.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ (3) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ ، وَ لِذلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : أَنَا وَ أَحَدَ عَشَرَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «به».
2- .في الكافي المطبوع : + «وكانوا اثني عشر».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ ومحمّد بن أبي عبد اللَّه و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن الحسن بن عبّاس بن الحريش».

ص: 565

مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ» .

هديّة:قد سبق أنّ كتمان ابن عبّاس هذا الحديث صار سبباً لعماه بصفق جناح الملك، فندم وأكثر من ذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام عند الخاصّة والعامّة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأَصْحَابِهِ : آمِنُوا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، أَنَّهَا(1) تَكُونُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ لِوُلْدِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:(قال) الأولى، يعني الجواد أبا جعفر الثاني عليه السلام.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْماً : «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ (2)» وَ أَشْهَدُ أَنَ (3) رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَاتَ شَهِيداً ، وَ اللَّهِ لَيَأْتِيَنَّكَ ، فَأَيْقِنْ إِذَا جَاءَكَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ غَيْرُ مُتَمَثِّلٍ (4) بِهِ ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ عليه السلام بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ ، فَأَرَاهُ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، آمِنْ بِعَلِيٍّ وَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ ، أَنَّهُمْ مِثْلِي إِلَّا النُّبُوَّةَ ، وَ تُبْ إِلَى اللَّهِ مِمَّا فِي يَدِكَ ؛ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ فِيهِ» . قَالَ : «ثُمَّ ذَهَبَ ، فَلَمْ يُرَ» .

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(5)

.


1- .هكذا في الكافي المطبوع و هو الصحيح ، وفي «ألف» و «د» : «أنّه».
2- .في الكافي المطبوع : - «فرحين».
3- .في الكافي المطبوع : + «محمّداً».
4- .في الكافي المطبوع : «متخيّل».
5- .آل عمران (3) : 169.

ص: 566

(غير متمثّل به) على اسم المفعول. وفي بعض النسخ : «غير متخيّل به».(ممّا في يدك) من أمر الخلافة.(فلم ير) على ما لم يسمّ فاعله، أي لأحد بعد ذلك في اليقظة. واحتمال : «فلم ير» على المعلوم كما ترى. والغرض تأكيد الإتمام للحجّة البالغة لحِكَمٍ شتّى.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ(1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، فَرَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِيٌّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا هُمَا الْوَالِدَانِ» .

هديّة:(الإمام) نصب على التميز، والتميز يعرّف عن المعرّف. وقيل: إضافة الصفة إضافة لفظيّة إلى الموصوف، وهو جمع باعتبار المعنى الجنسي، أو «الإمام» نصب على التميز.في بعض النسخ : «كلّهم محدّثون» على الجمع. والكلّ جائز.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ (2) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ».

هديّة:(سعيد بن غزوان) الأسدي، كوفي، أخو فضيل، ثقة، يروي عن الصادق عليه السلام، الكشّي : ثقة ثقة.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسين بن عبيد اللَّه ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن عليّ بن سماعة ، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن ابن اُذينة».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعيد بن غزوان».
3- .لم نعثر عليه.

ص: 567

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً ، مِنْهُمْ حَسَنٌ وَ حُسَيْنٌ ، ثُمَّ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليهم السلام» .

هديّة:الإقرار بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام مجمعٌ عليه بين المؤالف والمخالف، فالمشار إليهم بالأئمّة تسعة بعد التصريح بالاثنى عشر عليهم السلام.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ (2) ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنِّي وَ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَ أَنْتَ يَا عَلِيُّ زِرُّ الْأَرْضِ - يَعْنِي أَوْتَادَهَا جِبَالَهَا - بِنَا أَوْتَدَ اللَّهُ تَعَالى الْأَرْضَ أَنْ تَسِيخَ بِأَهْلِهَا ، فَإِذَا ذَهَبَ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِي ، سَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا ، وَ لَمْ يُنْظَرُوا» .

هديّة:نصّ في أنّ المعصوم في هذا الدين أربعة عشر.(زرّ الأرض) بتقديم المعجمة المكسورة والتشديد: قوامها كما فسّره عليه السلام، وفي النهاية الأثيريّة: وفي حديث أبي ذرّ يصف عليّاً عليه السلام: وأنّه لعالم الأرض وزرّها الذي تسكن إليه، أي قوامها، وأصله من زرّ القلب، وهو عظم صغير يكون قوام القلب به،(3) والزرّ أيضاً واحد أزرار القميص، وبالفتح مصدرٌ ؛ زررت القميص كمدّ: شددت أزراره.(جبالها) بدلٌ أو عطفُ بيانٍ، وقرئ : «حبالها» بالمهملة، أي عروقها، فعلى التعداد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي سعيد العصفوري ، عن عمرو بن ثابت».
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 300 (زرر).

ص: 568

كما يقال: قوامها عمادها لقيّمها(1) اهتماماً بالتوضيح والبيان.(تسيخ بأهلها) بالسين المهملة والخاء المعجمة: تخسف بأهلها، والباء للتعدية.(ولم ينظروا): ولم يمهلوا.

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ(2)رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنْ وُلْدِيَ اثْنَا عَشَرَ نَقِيباً ، نُجَبَاءُ ، مُحَدَّثُونَ ، مُفَهَّمُونَ ، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً» .

هديّة:قيل في التوجيه لمثله أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والد بالنظر إلى جميع الاُمّة، وقيل: ختن الرجل بمنزلة ابنه، وقيل: فاطمة عليها السلام داخلة في قوله: «من ولدي». وحديث حديث الملك معها عليها السلام مشهور، وقد سبق.(3)و«النجيب»: الكريم الحسب، وفي عرفهم عليهم السلام «النجيب» و«المنتجب» و«الصفوة» و«الطيّب» و«الطاهر» بمعنى المعصوم.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ، عَنْ ابْنِ شَمُّونٍ (4) ، عَنْ الْأَصَمِّ ، عَنْ كَرَّامٍ ، قَالَ : حَلَفْتُ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَ نَفْسِي أَلَّا آكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتّى يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (5) ، فَقُلْتُ لَهُ : رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِكُمْ جَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ أَلَّا يَأْكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتّى

.


1- .في «الف» : «قيّمها».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن أبي سعيد».
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 240 ، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام ، ح 2 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 1 ، ص 596 ، ح 638.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون».
5- .في الكافي المطبوع : + «قال».

ص: 569

يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؟قَالَ : «فَصُمْ إِذاً يَا كَرَّامُ ، وَ لَا تَصُمِ الْعِيدَيْنِ ، وَ لَا ثَلَاثَةَ التَّشْرِيقِ ، وَ لَا إِذَا كُنْتَ مُسَافِراً ، وَ لَا مَرِيضاً ؛ فَإِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام لَمَّا قُتِلَ ، عَجَّتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ عَلَيْهَا(1) وَ الْمَلَائِكَةُ ، فَقَالُوا : يَا رَبَّنَا ، ائْذَنْ لَنَا فِي هَلَاكِ الْخَلْقِ حَتّى نُجْلِيهِمْ (2) عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ بِمَا اسْتَحَلُّوا حُرْمَتَكَ ، وَ قَتَلُوا صَفْوَتَكَ ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِمْ : يَا مَلَائِكَتِي وَ يَا سَمَاوَاتِي وَ يَا أَرْضِيَ ، اسْكُنُوا ، ثُمَّ كَشَفَ حِجَاباً مِنَ الْحُجُبِ ، فَإِذَا خَلْفَهُ مُحَمَّدٌ وَ اثْنَا عَشَرَ وَصِيّاً لَهُ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَخَذَ بِيَدِ فُلَانٍ الْقَائِمِ مِنْ بَيْنِهِمْ ، فَقَالَ : يَا مَلَائِكَتِي وَ يَا سَمَاوَاتِي وَ يَا أَرْضِي ، بِهذَا أَنْتَصِرُ لِهذَا ، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .

هديّة:عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعي بصريّ، روى عن مسمع بن كردين.وكرّام بن عمر بن عبد الكريم؛ ضبطه في الإيضاح على صيغة المبالغة.(3)(قال: فصم إذاً يا كرّام) من دلالات الإمامة، يعني فصم وانتظر الفرج المقضيّ المحتوم، فالفاء في (فإنّ الحسين عليه السلام) بيانيّة.و«العجّ» بالفتح: رفع الصوت من المصيبة، عجّ كفرّ عجيجاً الأنين أيضاً.(نجليهم) من الإجلاء بالجيم. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «نجدّهم» بالمهملة أو المعجمة بعد الجيم، جددت الشي ء كمدّاً جدّاً بالفتح: قطعته، ومنه: أوان الجداد بالفتح والكسر، وكذا جذذت الشي ء بالمعجمتين: قطعته أو كسرته.و(جديد الأرض) وجهها.(خلفه) أي وراء الحجاب.وقرئ «فإذا خلقة محمّد» بالكسر والقاف والتاء المصدريّة، أي هيّأتهم وصورهم.و«الانتصار»: الانتقام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «عليهما».
2- .في الكافي المطبوع : «نجدّهم».
3- .ايضاح الاشتباه ، ص 257 ، الرقم 533.

ص: 570

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَمَاعَةَ(1) ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي مَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً».فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ : سَمِعْتَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ؟ فَحَلَّفَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ : لكِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام .

هديّة:(في منزله) أي منزل محمّد بن عمران.(فحلّفه) بالبارز، وهكذا ضبط في النسخ، يعني فحلّف أبو بصير محمّداً أنّه سمعه، فحلف محمّد أنّه سمعه. فما قيل إنّ الظاهر «حلف» أو «حلف له» ليس بشي ء، يُقال حلف فلان في كذا كضرب وحلّفه غيره تحليفاً كأحلفه واستحلفه، وسماع محمّد لعلّ في أوائل أمر أبي عبداللَّه عليه السلام فلا تعجّب في عدم سماع مثل أبي بصير مثل ذلك منه عليه السلام، والاستدراك مؤيّد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي طالب ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران».

ص: 571

باب في أنّه إذا قيل في الرّجل شي ء فلم يكن فيه و كان في ولده...

الباب السابع والعشرون والمائة : بَابٌ فِي أَنَّهُ إِذَا قِيلَ فِي الرَّجُلِ شَيْ ءٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ أَوْحى إِلى عِمْرَانَ : أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً مُبَارَكاً ، يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ يُحْيِي الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَ جَاعِلُهُ رَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَحَدَّثَ عِمْرَانُ امْرَأَتَهُ حَنَّةَ بِذلِكَ وَ هِيَ أُمُّ مَرْيَمَ ، فَلَمَّا حَمَلَتْ ، كَانَ حَمْلُهَا بِهَا عِنْدَ نَفْسِهَا غُلَاماً ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ، قَالَتْ : رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثى وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى أَيْ لَا يَكُونُ الْبِنْتُ رَسُولًا ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» فَلَمَّا وَهَبَ اللَّهُ لِمَرْيَمَ عِيسى ، كَانَ هُوَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِمْرَانَ ، وَ وَعَدَهُ إِيَّاهُ ، فَإِذَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ مِنَّا شَيْئاً فَكَانَ (2) فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ ، فَلَا تُنْكِرُوا ذلِكَ» .

هديّة:(إنّ اللَّه أوحى إلى عمران) على ما حكى في سورة آل عمران.(3) و«الكمه» محرّكة:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع : «و كان».
3- .آل عمران (3) : 49.

ص: 572

العمى يولد به الإنسان، قال في القاموس: أو عامّ.(1) كمه كعلم: عمى كعلم أيضاً، أي ذهب بصره.وقد سبق في الحديث الرابع في باب مولد أبي الحسن موسى عليه السلام أنّ (حنّة) بفتح الحاء المهملة وتشديد النون هنا اسمها «حرثا»، وهي «وهيبة» بالعربيّة، وبتعدّد الاسم يرفع التنافي. وقرئ : «جنّة» بالجيم المفتوحة، وقيل: يمكن الاشتباه في «وهيبة»، فقرئ : «جنّة» بالمهملة أو المعجمة.مثّل برهان الفضلاء لقوله عليه السلام: (فإذا قلنا في الرجل منّا شيئاً) يقول إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أوّل الأوصياء وآخرهم.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى (2) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا قُلْنَا فِي رَجُلٍ قَوْلًا ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ ، فَلَا تُنْكِرُوا ذلِكَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» .

هديّة:لعلّ آخر الحديث ناظر إلى قوله تعالى: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(3).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ ،(4) عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «قَدْ يَقُومُ الرَّجُلُ بِعَدْلٍ أَوْ بِجَوْرٍ ، وَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ قَامَ بِهِ ، فَيَكُونُ ذلِكَ ابْنَهُ أَوِ ابْنَ ابْنِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، فَهُوَ هُوَ» .

.


1- .القاموس المحيط، ج 4 ، ص 292 (كمه).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى».
3- .الرعد (13): 39.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ».

ص: 573

هديّة:(وينسب إليه) يعني وقد ينسب إليه.(ولم يكن) حاليّة، يعني قد يقوم بذلك حقيقة، وقد ينسب إليه مجازاً.(فيكون) أي المنسوب إليه، وقرأ برهان الفضلاء على المعلوم من التفعيل.

.

ص: 574

باب أنّ الأئمّة (ع) كلّهم قائمون بأمر اللَّه هادون إليه

الباب الثامن والعشرون والمائة : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام كُلَّهُمْ قَائِمُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ هَادُونَ إِلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ ،(1) قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ بِالْمَدِينَةِ ، فَقُلْتُ لَهُ : عَلَيَّ نَذْرٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا ؟فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْ ءٍ ، فَأَقَمْتُ ثَلَاثِينَ يَوْماً ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَنِي فِي طَرِيقٍ ، فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، وَ إِنَّكَ لَهاهُنَا بَعْدُ ؟» فَقُلْتُ (2) : إِنِّي أَخْبَرْتُكَ بِمَا جَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ ، فَلَمْ تَأْمُرْنِي ، وَ لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شَيْ ءٍ ، وَ لَمْ تُجِبْنِي بِشَيْ ءٍ ، فَقَالَ : «بَكِّرْ عَلَيَّ غُدْوَةً الْمَنْزِلَ» فَغَدَوْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ عليه السلام : «سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ» فَقُلْتُ : إِنِّي جَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْراً وَ صِيَاماً وَ صَدَقَةً بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا ، فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ ، رَابَطْتُكَ ؛ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ ، سِرْتُ فِي الْأَرْضِ فَطَلَبْتُ الْمَعَاشَ .فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ». قُلْتُ : فَأَنْتَ الْمَهْدِيُّ ؟ قَالَ : «كُلُّنَا يُهْدى (3) إِلَى اللَّهِ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن زيد أبي الحسن ، عن الحكم بن أبي نعيم».
2- .في الكافي المطبوع : + «نعم».
3- .في الكافي المطبوع : «نهدي».

ص: 575

قُلْتُ : فَأَنْتَ صَاحِبُ السَّيْفِ ؟ قَالَ : «كُلُّنَا صَاحِبُ السَّيْفِ ، وَ وَارِثُ السَّيْفِ». قُلْتُ : فَأَنْتَ الَّذِي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ ، وَ يَعِزُّ بِكَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ ، وَ يَظْهَرُ بِكَ دِينُ اللَّهِ ؟فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، كَيْفَ أَكُونُ أَنَا وَ قَدْ بَلَغْتُ خَمْساً وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ؟! وَ إِنَّ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ أَقْرَبُ عَهْداً بِاللَّبَنِ مِنِّي ، وَ أَخَفُّ عَلى ظَهْرِ الدَّابَّةِ» .

هديّة:(بين الركن والمقا)م أي الركن العراقي، وفيه الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام.(لَهاهُنَا بَعْدُ) أي في المدينة المنوّرة. قال برهان الفضلاء: والغرض من هذه الأجوبة مع ظهور غرض السائل من سؤاله الأوّل كما من سؤاله الآخر إفهامه عليه السلام السائل أنّ غرضك إن كان للَّه وتحصيل الثواب في مرابطة الإمام وملازمته فهو يحصل في ملازمة كلّنا، خرج بالسيف أم لا، وإلّا فلا، ولا كرامة.وقرأ : «يهدى إلى اللَّه» على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد، واحتمل المعلوم من الافتعال، فالدال المشدّدة أولاها منقلبة عن التاء، قال: يعني يهدي إلى علم اللَّه في ليالي القدر وغيرها.(أقرب عهداً باللبن منّي) يعني أنا صرت إماماً، وأنا ابن ثمان وثلاثين سنة، والآن ابن خمس وأربعين سنة، والمهدي يصير إماماً في صغر السنّ، وكان أبو جعفر الباقر عليه السلام أمتن على ظهر الفرس ممّن هو في سنّه عليه السلام لعظم العظم وكثرة اللحم، ولا نظير للصاحب عليه السلام من الفرسان.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ(1) ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ ، فَقَالَ : «كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتّى يَجِي ءَ صَاحِبُ السَّيْفِ ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ السَّيْفِ ، جَاءَ بِأَمْرٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ».

ص: 576

هديّة:يعني تفاوت بيّن بين أفعال اللَّه تعالى في زمان صاحب الزمان عليه السلام وبين أفعاله تعالى قبل ذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» ؟ قَالَ : «إِمَامِهِمُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، وَ هُوَ قَائِمُ أَهْلِ زَمَانِهِ» .

هديّة:الآية في سورة بني إسرائيل.(2)(وهو قائم أهل زمانه) سواء كان ظاهراً حاكماً، أم لا؛ أو غايباً برهة، وظاهراً برهة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون ، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن ، عن عبد اللَّه بن القاسم البطل ، عن عبد اللَّه بن سنان».
2- .الإسراء (17) : 71.

ص: 577

باب صلة الإمام

الباب التاسع والعشرون والمائة : بَابُ صِلَةِ الْإِمَامِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَحْتَاجُ إِلى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، فَهُوَ كَافِرٌ ؛ إِنَّمَا النَّاسُ يَحْتَاجُونَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمُ الْإِمَامُ ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها»» .

هديّة:(باب صلة الإمام عليه السلام) يعني باب ثواب إعانة الإمام بالمال وأجر تحصيل رضا الإمام به.والآية في سورة التوبة.(1)قال برهان الفضلاء:ظاهر هذا الحديث والحديث السابع أنّ الصّدقة؛ هنا ليس بمعنى التصدّق لتحريم أخذ الإمام الصدقة لنفسه، بل بمعنى الصّدق أو الصداقة، والمراد دليل الصدق أو دليل الصداقة كالهديّة وتطهير النفوس من الذّنوب، والأموال من الشبهات.

.


1- .التوبة (9) : 103.

ص: 578

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(1) ، عَنِ الْخَيْبَرِيِّ وَ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، قَالَا : سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «مَا مِنْ شَيْ ءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ إِلَى الْإِمَامِ ، وَ إِنَّ اللَّهَ لَيَجْعَلُ لَهُ الدِّرْهَمَ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ». ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً»». قَالَ : «هُوَ وَ اللَّهِ فِي صِلَةِ الْإِمَامِ خَاصَّةً» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(2)و(يقرض اللَّه) مكان «يقرض للَّه» وهو تعالى شأنه غنيٌّ عن أن يستقرض، نصّ في أنّ المراد الفرد الكامل من أفراد القرض الحسن، وهو صلة الإمام عليه السلام، وما كان للَّه من حقّ فهو لوليّه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ،(3) عَنْ مُعَاذٍ صَاحِبِ الْأَكْسِيَةِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْ خَلْقَهُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ قَرْضاً مِنْ حَاجَةٍ بِهِ إِلى ذلِكَ ، وَ مَا كَانَ لِلَّهِ مِنْ حَقٍّ فَهُوَ(4) لِوَلِيِّهِ» .

هديّة:(يقول) يعني في تفسير مثل قوله تعالى في سورة البقرة: «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء ، عن عيسى بن سليمان النحّاس ، عن المفضّل بن عمر».
2- .البقرة (2) : 245.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة».
4- .في الكافي المطبوع : «فإنّما هو» بدل «فهو».

ص: 579

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ(1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي صِلَةِ الْإِمَامِ» .

هديّة:بيانه كنظائره، والآية في سورة الحديد.(2)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَيَّاحٍ (3) ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا مَيَّاحُ ، دِرْهَمٌ يُوصَلُ بِهِ الْإِمَامُ أَعْظَمُ وَزْناً مِنْ أُحُدٍ» .

هديّة:«الميح» بفتح الميم وسكون الخاتمة والحاء المهملة: ضرب من المشي، ومشي البطّة، والمنفعة، والاستيلاء؛ والفعل في الجميع: ماح يميح. و(ميّاح) على صيغة المبالغة من الأسماء.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (4) ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «دِرْهَمٌ يُوصَلُ بِهِ الْإِمَامُ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ» .

هديّة:يعني أفضل ثواباً وأجراً في الدنيا والآخرة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي المغراء».
2- .الحديد (57) : 11.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن ميّاح».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس».

ص: 580

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ (1) ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنِّي لَآخُذُ مِنْ أَحَدِكُمُ الدِّرْهَمَ - وَ إِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالًا - مَا أُرِيدُ بِذلِكَ إِلَّا أَنْ تُطَهَّرُوا» .

هديّة:(وإنّى لمن) بفتح اللام وكسر الميم، والجملة حاليّة، وقرئ بفتح الميم أيضاً، والأرض وما عليها في مشارقها ومغاربها مال الإمام.والاستثناء في آخر الحديث إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»(2). وقد سبق أنّ تطهير النفوس من الذنوب، وتطهير الأموال من الشبهات.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال».
2- .التوبة (9): 103.

ص: 581

باب الفي ء و الأنفال و تفسير الخمس و حدوده و ما يجب فيه

الباب الثلاثون والمائة : بَابُ الْفَيْ ءِ وَ الْأَنْفَالِ وَ تَفْسِيرِ الْخُمُسِ وَ حُدُودِهِ وَ مَا يَجِبُ فِيهِ وأحاديثه كما في الكافي - سوى ما ذكر ثقة الإسلام قبل الأحاديث - ثمانية وعشرون:

إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - جَعَلَ الدُّنْيَا(1) بِأَسْرِهَا لِخَلِيفَتِهِ ؛ حَيْثُ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ : «إِنِّى جاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فَكَانَتِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لآِدَمَ عليه السلام ، وَ صَارَتْ بَعْدَهُ لِأَبْرَارِ وُلْدِهِ وَ خُلَفَائِهِ ، فَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُمْ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ بِحَرْبٍ أَوْ غَلَبَةٍ ، سُمِّيَ فَيْئاً ، وَ هُوَ أَنْ يَفِي ءَ إِلَيْهِمْ بِغَلَبَةٍ وَ حَرْبٍ ، وَ كَانَ حُكْمُهُ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ»(2) فَهُوَ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ ؛ فَهذَا هُوَ الْفَيْ ءُ الرَّاجِعُ ، وَ إِنَّمَا يَكُونُ الرَّاجِعُ مَا كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ ، فَأُخِذَ مِنْهُمْ بِالسَّيْفِ .وَ أَمَّا مَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَفَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، فَهُوَ الْأَنْفَالُ ، هُوَ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ خَاصَّةً ، لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شِرْكَةٌ(3) ، وَ إِنَّمَا جُعِلَ الشِّرْكَةُ فِي شَيْ ءٍ قُوتِلَ عَلَيْهِ ، فَجُعِلَ لِمَنْ قَاتَلَ مِنَ الْغَنَائِمِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَ لِلرَّسُولِ سَهْمٌ ، وَ الَّذِي لِلرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله يَقْسِمُهُ عَلى سِتَّةِ أَسْهُمٍ :

.


1- .في الكافي المطبوع : + «كلّها».
2- .الأنفال (8) : 41.
3- .في الكافي المطبوع : «الشركة».

ص: 582

ثَلَاثَةٌ لَهُ ، وَ ثَلَاثَةٌ لِلْيَتَامى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ .وَ أَمَّا الْأَنْفَالُ ، فَلَيْسَ هذِهِ سَبِيلَهَا ، كَانَتْ لِلرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً ، وَ كَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام فَتَحَهَا وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا أَحَدٌ ، فَزَالَ عَنْهَا اسْمُ الْفَيْ ءِ ، وَ لَزِمَهَا اسْمُ الْأَنْفَالِ ؛ وَ كَذلِكَ الْآجَامُ وَ الْمَعَادِنُ وَ الْبِحَارُ وَ الْمَفَاوِزُ هِيَ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً ، فَإِنْ عَمِلَ فِيهَا قَوْمٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، فَلَهُمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ،(1) لِلْإِمَامِ خُمُسٌ ، وَ الَّذِي لِلْإِمَامِ يَجْرِي مَجْرَى الْخُمُسِ ، وَ مَنْ عَمِلَ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ ، فَالْإِمَامُ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْ ءٌ ، وَ كَذلِكَ مَنْ عَمَّرَ شَيْئاً ، أَوْ أَجْرى قَنَاةً ، أَوْ عَمِلَ فِي أَرْضٍ خَرَابٍ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَلَيْسَ لَهُ ذلِكَ ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْهُ كُلَّهَا ، وَ إِنْ شَاءَ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ .

هديّة:يعني في العنوان باب بيان الفي ء شرعاً والأنفال شرعاً، والفرق بين الصدقة والخمس ، وكيفيّة قسمة الخمس، وما يجب فيه الخمس.و«الفي ء» لغةً: الرجوع، فاء يفي ء فيئاً، والمصدر هنا بمعنى الفاعل، أي الراجع، ولمّا كان في الأصل مصدراً جي ء به على الإفراد، والمراد الجمع. و«الأنفال»: جمع «نَفَل» بالتحريك، وهو العطيّة، والمراد هنا عطايا اللَّه، والفي ء شرعاً وكذا الأنفال ما ذكره ثقة الإسلام على ما نقلناه كما في الكافي بعينه.قال برهان الفضلاء:قوله: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى جعل الدنيا بأسرها لخليفته» إلى آخره تمهيد لما سيذكر في الحديث الرابع من أنّ فاضل نصف الخمس وفاضل الزكاة مال الإمام، ويظهر من ذلك أنّ أخذه عليه السلام ذلك إنّما هو من قبيل الحكومة لا من قبيل الفقر وأخذ التصدّق.و(خلفائه) عطف تفسير، ولا يتفاوت المعنى هنا في خلفاء اللَّه وخلفاء آدم.وآية: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» في سورة البقرة.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع : + «و».
2- .البقرة (2): 30.

ص: 583

في بعض النسخ : «وغلبة» مكان (أو غلبة)، والمضبوط في الأكثر أيضاً بمعنى ما هو في البعض، فعطف تفسير. قال برهان الفضلاء: الظاهر أنّ «أو» بدل «الواو» في الفقرة الاُولى من غلط النسّاخ؛ بدليل الفقرة الثانية، وأنّ مآل الحرب والغلبة هنا إلى أمر واحد.(وهو أن يفي ء) إشارةٌ إلى أنّ الفي ء هنا مصدر بمعنى الفاعل، والفي ء يخصّ مطلقاً، والغنيمة يعمّ مطلقاً، فإنّ المراد بالفي ء الراجع بالغلبة على المشركين، وبالغنيمة ما يحصل بالسعي المشروع ممّا في الأيدي، فأرباح التجارات مثلاً داخلة تحت الغنيمة دون الفي ء. ويظهر من ثقة الإسلام هنا أنّ بعض أفراد الفي ء ليس داخلاً في آية الغنيمة في سورة الأنفال كفدك، بل دخوله إنّما هو بدليل من السنّة. قال برهان الفضلاء: ولا يبعد أن يُقال إنّ فدك ليست داخلة في الفي ء؛ لعدم الإيجاف عليها بخيلٍ ولا ركاب، وأنّ ما أفاء اللَّه في آية سورة الحشر(1)على طريق الاستعارة.(وكان حكمه فيه) أي حكم اللَّه، أو حكم الخليفة في الفي ء.(فأنّ للَّه خمسه) بفتح الهمزة وتشديد النون، قيل: خبر مبتدأ محذوف، أي وحقّه أنّ للَّه، وقيل: «إنّ» زائدة لتأكيد «أنّ» في «واعلموا أنّ».و«الخيل»: الفرس، و«الركاب»: الإبل.أوجف عليه بفرسه، على المعلوم من الإفعال، يعني غلب عليه وتصرّف فيه بالسعي وإتعاب فرسه بالركض، وجف يجف وجفاً و وجيفاً ووجوفاً: اضطرب. والوجف والوجيفة: ضرب من سير الإبل، وعدو الفرس، وجف الفرس وأوجفه صاحبه. وسيجي ء تفسير فدك في الحديث الخامس.و«الواو» في (وأمير المؤمنين) بمعنى «مع» فنصب لذلك، أو للعطف على ضمير (لأنّه). واحتمل برهان الفضلاء رفع «الأمير» للعطف على المستتر في (فتحها) فلمّا وقعت الفاصلة بالضمير المنصوب، فلا حاجة إلى التأكيد بضمير منفصل.و«القربى» و«القرابة» بمعنى مصدر، وتأنيث الأقرب أيضاً.

.


1- .الحشر (59) : 7.

ص: 584

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ (1) ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : «نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ بِذِي الْقُرْبَى ، الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ» مِنَّا خَاصَّةً ، وَ لَمْ يَجْعَلْ لَنَا سَهْماً فِي الصَّدَقَةِ ، أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ، وَ أَكْرَمَنَا أَنْ يُطْعِمَنَا أَوْسَاخَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ» .

هديّة:الآية في سورة الحشر.(2)(من أهل القرى) فسّرت بالمشركين، يعني منهم من غير إيجاف خيل ولا ركاب، مثل فدك على ما عرفت آنفاً، و(ذي القربى) بالأئمّة عليهم السلام، و(اليتامى والمساكين) من مؤمني بني هاشم، لكن طعمة على قدر الحاجة، لا على الملكيّة كالإمام عليه السلام. وعبّر عن الصدقات بالأوساخ.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» قَالَ : «هُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الْخُمُسُ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله وَ لَنَا» .

هديّة:(قال: هم) أي الذين عبّر عنهم بلفظ المفرد دون الجمع، إشارة إلى أنّهم واحد، بعد واحد فأشار عليه السلام إلى هذه الإشارة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبان بن أبي عيّاش».
2- .الحشر (59) : 7.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان».

ص: 585

والآية في سورة الأنفال.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(2) ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الْأَنْفَالُ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، أَوْ قَوْمٌ صَالَحُوا ، أَوْ قَوْمٌ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ ، وَ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ ، وَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ ، فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ هُوَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» .

هديّة:(قال: الأنفال) أي المذكور في سورة الأنفال.(ما لم يوجف عليه) كفدك.(صالحوا) أي على ترك بعضٍ مِن أرضهم مثلاً في أيدي المسلمين بأيديهم كالجزية.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى (3) ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ عليه السلام ، قَالَ : «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : مِنَ الْغَنَائِمِ ، وَ الْغَوْصِ ، وَ مِنَ الْكُنُوزِ ، وَ مِنَ الْمَعَادِنِ ، وَ الْمَلَّاحَةِ .يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ هذِهِ الصُّنُوفِ الْخُمُسُ (4) ، وَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمُ الْخُمُسُ عَلى سِتَّةِ أَسْهُمٍ : سَهْمٌ لِلَّهِ ، وَ سَهْمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ سَهْمٌ لِذِي الْقُرْبى ، وَ سَهْمٌ لِلْيَتَامى ، وَ سَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ ، وَ سَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ .

.


1- .الأنفال (8) : 41.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى».
4- .في الكافي المطبوع : + «فيجعل لمن جعله اللَّه تعالى له ، ويقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولى ذلك».

ص: 586

فَسَهْمُ اللَّهِ وَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ لِأُولِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ وِرَاثَةً ؛ وَلَهُ (1)ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ : سَهْمَانِ وِرَاثَةً ، وَ سَهْمٌ مَقْسُومٌ لَهُ مِنَ اللَّهِ ، وَ لَهُ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلًا ، وَ نِصْفُ الْخُمُسِ الْبَاقِي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ ، سَهْمٌ (2) لِيَتَامَاهُمْ ، وَ سَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ ، وَ سَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ فِي سَنَتِهِمْ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْ ءٌ ، فَهُوَ لِلْوَالِي ، وَ إِنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنِ اسْتِغْنَائِهِمْ ، كَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ ، وَ إِنَّمَا صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لِأَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ .وَ إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ هذَا الْخُمُسَ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ مَسَاكِينِ النَّاسِ وَ أَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ ؛ عِوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ ؛ تَنْزِيهاً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِقَرَابَتِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ وَ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ ، فَجَعَلَ لَهُمْ خَاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مَا يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ فِي مَوْضِعِ الذُّلِّ وَ الْمَسْكَنَةِ ، وَ لَا بَأْسَ بِصَدَقَاتِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ .وَ هؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الْخُمُسَ هُمْ قَرَابَةُ النَّبِيِّ ، الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ ، فَقَالَ : «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» وَ هُمْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْفُسُهُمْ ، الذَّكَرُ مِنْهُمْ وَ الْأُنْثى ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ بُيُوتَاتِ قُرَيْشٍ ، وَ لَا مِنَ الْعَرَبِ أَحَدٌ ، وَ لَا فِيهِمْ وَ لَا مِنْهُمْ فِي هذَا الْخُمُسِ (3) مَوَالِيهِمْ ، وَ قَدْ تَحِلُّ صَدَقَاتُ النَّاسِ لِمَوَالِيهِمْ ، وَ هُمْ وَ النَّاسُ سَوَاءٌ .وَ مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَ أَبُوهُ مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ ، فَإِنَّ الصَّدَقَاتِ تَحِلُّ لَهُ ، وَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْخُمُسِ شَيْ ءٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» .وَ لِلْإِمَامِ صَفْوُ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هذِهِ الْأَمْوَالِ صَفْوَهَا - : الْجَارِيَةَ الْفَارِهَةَ ، وَ الدَّابَّةَ الْفَارِهَةَ ، وَ الثَّوْبَ ، وَ الْمَتَاعَ - بِمَا يُحِبُّ أَوْ يَشْتَهِي ، فَذلِكَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَ قَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ ، وَ لَهُ أَنْ يَسُدَّ بِذلِكَ الْمَالِ جَمِيعَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ مِثْلِ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرِ ذلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذلِكَ شَيْ ءٌ ، أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ ، فَقَسَمَهُ فِي أَهْلِهِ ، وَ قَسَمَ الْبَاقِيَ عَلى مَنْ وَلِيَ ذلِكَ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «فله».
2- .في الكافي المطبوع : «فسهم».
3- .في الكافي المطبوع : + «من».

ص: 587

وَ إِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ سَدِّ النَّوَائِبِ شَيْ ءٌ ، فَلَا شَيْ ءَ لَهُمْ .وَ لَيْسَ لِمَنْ قَاتَلَ شَيْ ءٌ مِنَ الْأَرَضِينَ ، وَ لَا مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ إِلَّا مَا احْتَوى عَلَيْهِ الْعَسْكَرُ .وَ لَيْسَ لِلْأَعْرَابِ مِنَ الْقِسْمَةِ شَيْ ءٌ وَ إِنْ قَاتَلُوا مَعَ الْوَالِي ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَالَحَ الْأَعْرَابَ أَنْ يَدَعَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ وَ لَا يُهَاجِرُوا ، عَلى أَنَّهُ إِنْ دَهِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ عَدُوِّهِ دَهْمٌ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ (1) ، فَيُقَاتِلَ بِهِمْ ، وَ لَيْسَ (2) فِي الْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ ، وَ سُنَّةُ(3) جَارِيَةٌ فِيهِمْ وَ فِي غَيْرِهِمْ .وَ الْأَرَضُونَ الَّتِي أُخِذَتْ عَنْوَةً بِخَيْلٍ وَ رِجَالٍ ، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ مَتْرُوكَةٌ فِي يَدِ مَنْ يَعْمُرُهَا وَ يُحْيِيهَا وَ يَقُومُ عَلَيْهَا عَلى مَا يُصَالِحُهُمُ الْوَالِي عَلى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنَ الْحَقِّ : النِّصْفِ ، وَ الثُّلُثِ ، وَ الثُّلُثَيْنِ (4) ، وَ عَلى قَدْرِ مَا يَكُونُ لَهُمْ صَلَاحاً وَ لَا يَضُرُّهُمْ .فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهَا مَا أُخْرِجَ بَدَأَ ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْعُشْرَ مِنَ الْجَمِيعِ مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ ، أَوْ سُقِيَ سَيْحاً ، وَ نِصْفَ الْعُشْرِ مِمَّا سُقِيَ بِالدَّوَالِي وَ النَّوَاضِحِ ، فَأَخَذَهُ الْوَالِي ، فَوَجَّهَهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي وَجَّهَهَا اللَّهُ عَلى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ : لِلْفُقَرَاءِ ، وَ الْمَسَاكِينِ ، وَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ، وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَ فِي الرِّقَابِ ، وَ الْغَارِمِينَ ، وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَ ابْنِ السَّبِيلِ ؛ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ فِي سَنَتِهِمْ بِلَا ضِيقٍ وَ لَا تَقْتِيرٍ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ذلِكَ شَيْ ءٌ ، رُدَّ إِلَى الْوَالِي ، وَ إِنْ نَقَصَ مِنْ ذلِكَ شَيْ ءٌ وَ لَمْ يَكْتَفُوا بِهِ ، كَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَمُونَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ سَعَتِهِمْ حَتّى يَسْتَغْنُوا ، وَ يُؤْخَذُ بَعْدُ مَا بَقِيَ مِنَ الْعُشْرِ ، فَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَالِي وَ بَيْنَ شُرَكَائِهِ الَّذِينَ هُمْ عُمَّالُ الْأَرْضِ وَ أَكَرَتُهَا ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ أَنْصِبَاؤُهُمْ عَلى مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ ، وَ يُؤْخَذُ الْبَاقِي ، فَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَرْزَاقَ أَعْوَانِهِ عَلى دِينِ اللَّهِ ، وَ فِي مَصْلَحَةِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ تَقْوِيَةِ الْإِسْلَامِ وَ تَقْوِيَةِ الدِّينِ فِي وُجُوهِ الْجِهَادِ وَ غَيْرِ ذلِكَ مِمَّا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ ، لَيْسَ لِنَفْسِهِ مِنْ ذلِكَ قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «يستنفرهم».
2- .في الكافي المطبوع : + «لهم».
3- .في الكافي المطبوع : «سنّته».
4- .في الكافي المطبوع : «أو الثلث ، أو الثلثين».

ص: 588

وَ لَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ الْأَنْفَالُ ، وَ الْأَنْفَالُ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهَا ، وَ كُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، وَ لكِنْ صَالَحُوا صُلْحاً ، وَ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ عَلى غَيْرِ قِتَالٍ ؛ وَ لَهُ رُؤُوسُ الْجِبَالِ ، وَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ ، وَ الْآجَامُ ، وَ كُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ لَا رَبَّ لَهَا ؛ وَ لَهُ صَوَافِي الْمُلُوكِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ كُلَّهُ مَرْدُودٌ ؛ وَ هُوَ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ، يَعُولُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ».وَ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكُ شَيْئاً مِنْ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ إِلَّا وَ قَدْ قَسَمَهُ ، فَأَعْطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ : الْخَاصَّةَ ، وَ الْعَامَّةَ ، وَ الْفُقَرَاءَ ، وَ الْمَسَاكِينَ ، وَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ صُنُوفِ النَّاسِ» . وَقَالَ (1) : «لَوْ عُدِلَ فِي النَّاسِ لَاسْتَغْنَوْا».ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ الْعَدْلَ أَحْلى مِنَ الْعَسَلِ ، وَ لَا يَعْدِلُ إِلَّا مَنْ يُحْسِنُ الْعَدْلَ».قَالَ : «وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقْسِمُ صَدَقَاتِ الْبَوَادِي فِي الْبَوَادِي ، وَ صَدَقَاتِ أَهْلِ الْحَضَرِ فِي أَهْلِ الْحَضَرِ ، وَ لَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ عَلى ثَمَانِيَةٍ حَتّى يُعْطِيَ أَهْلَ كُلِّ سَهْمٍ ثُمُناً ، وَ لكِنْ يَقْسِمُهَا عَلى قَدْرِ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ عَلى قَدْرِ مَا يُقِيمُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ يُقَدِّرُ لِسَنَتِهِ ، لَيْسَ فِي ذلِكَ شَيْ ءٌ مَوْقُوتٌ وَ لَا مُسَمًّى وَ لَا مُؤْلَفٌ ، إِنَّمَا يَضَعُ ذلِكَ عَلى قَدْرِ مَا يَرى وَ مَا يَحْضُرُهُ حَتّى يَسُدَّ(2) فَاقَةَ كُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ ، وَ إِنْ فَضَلَ مِنْ ذلِكَ فَضْلٌ ، عُرَّضُوا الْمَالَ حَمَلَةُ(3) إِلى غَيْرِهِمْ .وَ الْأَنْفَالُ إِلَى الْوَالِي ، وَ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ أَيَّامَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله إِلى آخِرِ الْأَبَدِ(4) ، مَا كَانَ افْتِتَاحاً بِدَعْوَةِ أَهْلِ الْجَوْرِ وَ أَهْلِ الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ ذِمَّةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافى دِمَاؤُهُمْ ، وَ يَسْعى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ .وَ لَيْسَ فِي مَالِ الْخُمُسِ زَكَاةٌ ؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ النَّاسِ جُعِلَ أَرْزَاقُهُمْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ عَلى ثَمَانِيَةِ

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقال».
2- .في الكافي المطبوع : + «كلّ».
3- .في الكافي المطبوع : «جملة».
4- .في الكافي المطبوع : + «و».

ص: 589

أَسْهُمٍ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَ جَعَلَ لِلْفُقَرَاءِ قَرَابَةِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله نِصْفَ الْخُمُسِ ، فَأَغْنَاهُمْ بِهِ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ وَ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، فَلَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ النَّاسِ ، وَ لَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا وَ قَدِ اسْتَغْنى ، فَلَا فَقِيرَ ، وَ لِذلِكَ لَمْ تَكُنْ (1) عَلى مَالِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْوَالِي زَكَاةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ ، وَ لكِنْ عَلَيْهِمْ أَشْيَاءُ تَنُوبُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ ، وَ لَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ كَمَا عَلَيْهِمْ» .

هديّة:(عن العبد الصالح) يعني الكاظم عليه السلام.قد سبق أنّ الخمس كلّه مال الإمام وأنّه يجب عليه الإنفاق على يتامى مؤمني بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم بقدر حاجة السنة، كما يدلّ على ذلك عدم تكرار اللام في آية الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل.قال برهان الفضلاء:وعلى هذا يعني بناء على أنّ الخمس بتمامه للإمام مع وجوب إطعام غيره عليه من مؤمني بني عبد المطّلب، فتقسيم الخمس على ستّة أسهم من قبيل المسامحة، قال: وهذا شبيه بالنزاع اللفظي.و«الكمل» محرّكة بمعنى الكامل.(يقسم بينهم على الكتاب) على المجهول، والمستتر فيه ل (نصف الخمس).و«ما» في (ما يستغنون) موصولة، وعبارة عن القسم، فنصب محلّاً على أنّه مفعول مطلق.(خاصّة) مفعول ثانٍ ل (جعل) وكذا (عوضاً)، أو بتقدير عاطف على «خاصّة»، و(تنزيهاً) مفعول له، و(كرامة) عطفٌ عليه.وآية: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» في سورة الشعراء.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع : «لم يكن».
2- .الشعراء (26): 214.

ص: 590

(أنفسهم) رفع على البدل، وذكر (عبد المطّلب) مكان «هاشم» إشارة إلى أنّه لم يبق لهاشم أولادٌ سوى أولاد عبد المطّلب.قال برهان الفضلاء: «مواليهم» مبتدأ، «ولا فيهم» خبره المقدّم، «ولا منهم» عطف على «ولا فيهم»، والغرض الترقّي في البيان، يعني ليسوا مثلهم لا حقيقةً ولا مجازاً، و(في هذا) متعلّق على الظرف في «منهم».و«الدعوة» و«الدعاء»: طلب الغير للطعام ونحوه، وذكر الاسم.والمراد في «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ» في سورة الأحزاب.(1)المعنى الأوّل؛ بدليل أنّ المعنى الثاني يقتضي «بآبائهم» مكان «لآبائهم»؛ على أنّ خطاب كلّ من الأحد عشر بقول «يابن رسول اللَّه» شايع جدّاً.(أن يأخذ) عطفُ بيانٍ للصفو.«دهمه» كعلم ومنع: غشيه وهجم عليه. والمصدر هنا بمعنى اسم الفاعل للجماعة، أو على المجاز في النسبة.و«أن» في (أن يستفزهم) زائدة؛ لتكرار معنى «أن» في (أنّه).و(سنة) عطف على (نصيب).قال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى:ظاهر الحديث الأوّل في الباب التاسع والتسعين من كتاب الإيمان والكفر أنّ الفرق بين الفقراء والمساكين أنّ الفقير من يظهر فقره، ويرفع حاجته إلى الناس، والمسكين من يسكن منزله ويصبر، ولا يختلف إلى أبواب الناس.(وله بعد الخمس) أي غير الخمس. والمراد بالأنفال هنا عطايا اللَّه الخاصّة برسوله والأئمّة عليهم السلام بعد الخمس، ممّا ذكر عليه السلام طائفة منه ولو بالتفنّن في السياق، كقوله: (وله رؤوس الجبال).(باد أهلها) كباع بيداً وبواداً: هلك.

.


1- .الأحزاب (33): 5 .

ص: 591

(ما كان في أيديهم) عطف بيان للصوافي.(وقال: إنّ اللَّه لم يترك شيئاً من صنوف الأموال) يعني الكاظم عليه السلام.(إلّا من يحسن العدل) يعني إلّا المعصوم.(ولا مؤلف) على اسم المفعول من باب الإفعال، أي ولا شي ء مستمرّ مألوف عرفاً وإن لم يكن معيّناً مألوفاً عقلاً أو شرعاً.قال برهان الفضلاء: و«إن» في (وإن فضل من ذلك فضل) ليست بشرطيّة؛ إذ المراد الماضي، بل بمعنى «إذا» كما هو مختار الكوفيّين. ثمّ قرأ: «عرّضوا» بالعين والراء المهملتين على المجهول من التفعيل، والضمير المفعول الأوّل ونائب الفاعل، و(المال) المفعول الثاني، وعبارة عن الفضل، و(حمله) على المعلوم من باب ضرب، والمستتر للرسول، والبارز المنصوب المتّصل للمال، والجملة استئناف بياني ل «عرّضوا» من التعريض، وهو خلاف التصريح، والمراد هنا جعلهم محرومين. وقرأ الأكثر : «عرضوا المال جملة إلى غيرهم» على المعلوم من باب ضرب، يعني لما استغنى الحاضرون من الفقراء حمل النبيّ صلى اللَّه عليه وآله تمام الزيادة إلى غيرهم.(وكلّ أرض فتحت أيّام النبيّ صلى اللَّه عليه وآله) عطف على (الأنفال).و«الدعوة» كما يطلق على إعطاء وجه المعيشة، يطلق على كلمةٍ يدعو الرجلُ خصمَه إليه، والكلّ هنا مناسب.قد سبق بيان (المسلمون اخوة تتكافئ دماؤهم) في الحديث الأوّل في الباب الثاني والمائة.(1)و(صدقات النبيّ) صلى اللَّه عليه وآله) رفع على الابتداء)،(ووليّ الأمر) عطفٌ على «النبيّ»، والخبر محذوف، أي مقرّرة، والمراد بصدقاتهما إنفاقهما في صورة العجز والنقصان، كما مرّ في نصف الخمس بقوله: «وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من

.


1- .أي : «باب ما أمر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم و من هم».

ص: 592

عنده»، وفي الزكاة بقوله: «وإن نقص من ذلك شي ء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم».

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ(1) ، قَالَ : لَمَّا وَرَدَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام عَلَى الْمَهْدِيِّ ، رَآهُ يَرُدُّ الْمَظَالِمَ ، فَقَالَ : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا بَالُ مَظْلِمَتِنَا لَا تُرَدُّ؟» فَقَالَ لَهُ : وَ مَا ذَاكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمَّا فَتَحَ عَلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَدَكَ وَ مَا وَالَاهَا ، لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا(2) بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» فَلَمْ يَدْرِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَنْ هُمْ ، فَرَاجَعَ فِي ذلِكَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، وَ رَاجَعَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام رَبَّهُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنِ ادْفَعْ فَدَكَ إِلى فَاطِمَةَ ، فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ لَهَا : يَا فَاطِمَةُ ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكِ فَدَكَ ، فَقَالَتْ : قَدْ قَبِلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْكَ ، فَلَمْ يَزَلْ وُكَلَاؤُهَا فِيهَا حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ ، أَخْرَجَ عَنْهَا وُكَلَاءَهَا ، فَأَتَتْهُ ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهَا : ائْتِينِي بِأَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ يَشْهَدُ لَكِ بِذلِكِ ، فَجَاءَتْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ أُمِّ أَيْمَنَ ، فَشَهِدَا لَهَا ، فَكَتَبَ لَهَا بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ ، فَخَرَجَتْ وَ الْكِتَابُ مَعَهَا ، فَلَقِيَهَا عُمَرُ ، فَقَالَ : مَا هذَا مَعَكِ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ ؟ قَالَتْ : كِتَابٌ كَتَبَهُ لِيَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، قَالَ : أَرِينِيهِ (3) ، فَأَبَتْ ، فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهَا ، وَ نَظَرَ فِيهِ ، ثُمَّ تَفَلَ فِيهِ ، وَ مَحَاهُ وَ خَرَقَهُ ، فَقَالَ لَهَا : هذَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ أَبُوكِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، فَضَعِي الْجِبَالَ (4) فِي رِقَابِنَا».فَقَالَ لَهُ الْمَهْدِيُّ : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، حُدَّهَا لِي ، فَقَالَ : «حَدٌّ مِنْهَا جَبَلُ أُحُدٍ ، وَ حَدٌّ مِنْهَا عَرِيشُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن بعض أصحابنا أظنّه السيّاري ، عن عليّ بن أسباط».
2- .في الكافي المطبوع : «عليه».
3- .هكذا في الكافي المطبوع و هو الصحيح ، و في «الف» و «د» : «أرينه».
4- .في الكافي المطبوع : «الحبال».

ص: 593

مِصْرَ ، وَ حَدٌّ مِنْهَا سِيفُ الْبَحْرِ ، وَ حَدٌّ مِنْهَا دُومَةُ الْجَنْدَلِ». فَقَالَ لَهُ : كُلُّ هذَا؟ قَالَ : «نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هذَا كُلُّهُ ، إِنَّ هذَا كُلَّهُ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ أَهْلُهِ عَلى (1) رَسُولِ اللَّهِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ» . فَقَالَ : كَثِيرٌ ، وَ أَنْظُرُ فِيهِ .

هديّة:كان (المهدي) ثالث الخلفاء العبّاسيّة بعد أبيه منصور الدوانيقي، واسمه محمّد، وهو محمّد بن عبداللَّه بن محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن العبّاس بن عبد المطّلب، صار خليفة في ذي الحجّة سنة ثمان وخمسين ومائة هجريّة، ومات في محرّم التاسع والستّين والمائة.و«المظلمة» بفتح الميم وتثليث اللام: ما يأخذه الظالم منك.قال الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان: فدك على ثلاثة أميال من المدينة.(2) وقيل: موضع بُعدها من المدينة. يومان، وقيل: ثلاثة أيّام، وقيل: ستّة أيّام، وليست من خيبر كما توهّم الجوهري وصاحب القاموس، وقالا: قرية بخيبر(3)، وقيل: فدك بلدة قرب خيبر وقلعتها مسمّاة ب «شمروخ» فلمّا فتح اللَّه على نبيّه خبير عاهد أهل فدك في أمانهم أن تكون فدك خاصّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فكانت كذلك إلى أن دفعها بحكمه تعالى إلى فاطمة صلوات اللَّه عليها. وسمّيت فدك لأنّ أوّل من نزلها كان فدك بن حام.وقال برهان الفضلاء: ولا يخفى أنّ ظاهر «ما والاها» أنّ فدك اسم بلدة، قال: ويحتمل أن يكون المراد ما في حكمها، يعني ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.(ولم يوجف عليها) على المعلوم من الإفعال، والمستتر للرسول صلى اللَّه عليه وآله، والباء في (بخيل) للتعدية إلى المفعول الثاني، والمفعول الأوّل محذوف، أي لم يوجف العسكر، وناظر إلى قوله تعالى في سورة الحشر: «وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ

.


1- .في الكافي المطبوع : «على أهله».
2- .مجمع البيان ، ج 9 ، ص 390 ، ذيل الآية 6 من سورة الحشر.
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1602 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 315 (فدك).

ص: 594

خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ»(1).قال بعض المخالفين في هذا الحديث: إنّ آية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(2) مكّية، وفتحت فدك بعد الهجرة. فاُجيب: بأنّ المراد بالإنزال في قوله عليه السلام: (فأنزل اللَّه على نبيّه صلى اللَّه عليه وآله «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ») إعلامه بوجوب العمل على حكم الآية عند حصول شرائط الوجوب، كما أنّ المستطيع لا يجب عليه العمل بآية الحجّ قبل الاستطاعة، بل عليه عند حصول الشرائط. وأجاب جماعة - كما نقل صاحب مجمع البيان - : أنّ الثابت عند الخاصّة ومعظم العامّة أنّ سورة بني إسرائيل مكّية إلّا آيات منها، ومنها آية: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ».(3)و«القربى» و«القرابة» بمعنى، و«القربى» تأنيث الأقرب، أفعل التفضيل للقريب بمعنى ذي قرابة الرّحم، ولذا خاصّ بالأئمّة عليهم السلام، فتأنيث القربى على هذا باعتبار أنّ موصوفها هو القرابة.قال برهان الفضلاء:من مطاعن الأوّل أنّ جهله بالأحكام الشرعيّة بحيث طالب البيّنة بعد إخراج الوكلاء ، وإنّ التصرّف مدّة مديدة بأنواع من البناء والهدم وغيرهما من غير منازع حجّةُ المالكيّة، لا سبيل بَعْدُ شرعاً لأحدٍ إلى مطالبة البيّنة لها وفاقاً.وذكر صاحب المغرب من المخالفين: أنّ «فدك» بفتحتين قرية بناحية الحجاز أفاء اللَّه على نبيّه عليه السلام، وقد تنازعها عليّ والعبّاس، فسلّمها إليهما عمر.(4) وردّ عمر بن عبد العزيز أيضاً إيّاها إلى بني فاطمة مشهور.

.


1- .الحشر (59): 5 - 7 .
2- .الإسراء (17): 26 .
3- .مجمع البيان ، ج 6 ، ص 607 ، وفيه هكذا : «هى مكيّة كلّها، قيل مكيّة إلا خمس آيات... و آت ذى القرى حقّه، الآية ؛ عن الحسن».
4- .المغرب، ص 353 (فدك).

ص: 595

وقال برهان الفضلاء: وظاهر هذا الحديث أنّ ردّ عمر بن عبد العزيز فدك إلى أولاد فاطمة عليها السلام غلط. وأنت خبير بعدم المنافاة ظاهراً أيضاً.(هذا لم يوجف عليه أبوك) أي أكثر ما في يد المسلمين من بلاد الإسلام في ذلك الزمان.(فصعى الجبال) بالجيم ،وقرئ بالحاء المهملة.و(عريش) بالشين المعجمة على فعيل: اسم بلد أيضاً قرب مصر.و(سيف البحر) بالكسر: ساحله.و(دومة الجندل) بفتح المهملة الاُولى - وقيل: ويفتح أيضاً - : حصن فيما بين المدينة والكوفة، بُعدها من المدينة خمسة عشر يوماً، ومن الكوفة عشرة أيّام.قوله: (إنّ هذا كلّه ممّا لم يوجف أهله على رسول اللَّه بخيل ولا ركاب)، قيل: من باب القلب، يعني ممّا لم يوجف على أهله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وقال برهان الفضلاء: الظاهر أنّ هنا سهواً من نسّاخ الكافي، فإنّ الظاهر «على أهله» مكان «أهله على». وقيل: يعني ممّا لم يقم أهله حرباً وجدالاً مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «الْأَنْفَالُ هُوَ النَّفْلُ ، وَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ جَدْعُ الْأَنْفِ» .

هديّة:(النفل) محرّكة: العطيّة، وقد عرفت أنّ المراد بالأنفال عطايا اللَّه لرسوله والأئمّة عليهم السلام و(هو) مكان هي باعتبار الخبر في جملة الخبر وهو النفل يعني الأنفال المذكور في سورة الأنفال عطيّة اللَّه. وقرأ برهان الفضلاء بكسر الهمزة، قال: يعنى إعطاء اللَّه آية

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن محمّد بن مسلم».

ص: 596

سورة الحشر: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ» إلى آخر الآية لرسوله والأئمة عليهم السلام هو عطيته تعالى لشيعتنا لانهم بها يحتجّون على اعدائنا، فيظهر بطلان مذاهبهم، كما أنّ في آية الخمس في سورة الأنفال جدع الأنف لأعدائنا وجدع الأنف بفتح الجيم وسكون المهملة الأولى قطعه كناية بضرب المثل عن فظاعة الحال. قال برهان الفضلاء: وإشارة أيضاً إلى أنّ حقّ ذي القربى لو لم يغصب لم يبق شي ء لأئمّة الضلالة ليقوون في طغيانهم وضلالتهم؛ ولذا قال الثاني: فضعي الجبال في رقابنا، وقد مرّ آنفاً.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي،(1) عَنِ أبي الحسن الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» فَقِيلَ لَهُ : فَمَا كَانَ لِلَّهِ ، فَلِمَنْ هُوَ ؟فَقَالَ : «لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ».فَقِيلَ لَهُ : أَ فَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنَ الْأَصْنَافِ أَكْثَرَ ، وَ صِنْفٌ أَقَلَّ ، مَا يُصْنَعُ بِهِ ؟قَالَ : «ذَاكَ إِلَى الْإِمَامِ ، أَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ أَ لَيْسَ إِنَّمَا كَانَ يُعْطِي عَلى مَا يَرى ؟ كَذلِكَ الْإِمَامُ» .

هديّة:(أرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) عبارة عن مثل «أخبرني عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله». وقد سبق حال فضل نصف الخمس ونقصه، وقلّة أهله وكثرته، وإطعام الإمام إيّاهم على قدر الحاجة في سنتهم.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْحَدِيدِ وَ الرَّصَاصِ وَ الصُّفْرِ ، فَقَالَ : «عَلَيْهَا الْخُمُسُ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «احمد، عن احمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام.

ص: 597

هديّة:(الرصاص) بالفتح: أبيضه القلعي، وأسوده الأسرب.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلٍ (1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : الْإِمَامُ يُجْرِي وَ يُنَفِّلُ وَ يُعْطِي مَا يَشَاءُ(2)قَبْلَ أَنْ تَقَعَ السِّهَامُ ، وَ قَدْ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِقَوْمٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ فِي الْفَيْ ءِ نَصِيباً ، وَ إِنْ شَاءَ قَسَمَ ذلِكَ بَيْنَهُمْ .

هديّة:(يجري) على المعلوم من الإفعال، إجراء الراتبة وإعطاء الوظيفة بمعنى. (وينفل) على المعلوم من الإفعال أو التفعيل، أو من باب نصر.(لم يجعل لهم في الفي ء) أي في الغنيمة (نصيباً) أي لمصلحة رآها، فهم حينئذٍ كالأعراب بينهم، أي بين أهل السهام أو بين القوم، يعني قبل الإجراء والأنفال والإعطاء.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ(3) ، عَنْ حُكَيْمٍ مُؤَذِّنِ ابْنِ عِيسى ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِمِرْفَقَيْهِ عَلى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ : «هِيَ وَ اللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ ، إِلَّا أَنَّ أَبِي عليه السلام جَعَلَ شِيعَتَهُ فِي حِلٍّ لِيَزْكُوا» .

هديّة:من معاني (قال) : «وضع»، كما صرّح ابن الانباري، يعني فوضع عليه السلام مرفقيه على ركبتيه، (ثمّ أشار بيده) يعني إلى صدره لإفادة أنّ ذا القربى اليوم إنّما هو عليه السلام. والحديث

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل».
2- .في الكافي المطبوع : «شاء».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الصمد بن بشير».

ص: 598

صريح في أنّ الخمس بتمامه مال الإمام، وذكر باقي الأصناف إنّما هو لبيان وجوب الإنفاق عليه.و(الإفادة) هنا بمعنى تحصيل ما يبقى زائداً بعد إنفاق كلّ يومٍ ومؤنته في اليد.والمراد ب (أبي عليه السلام) يمكن أن يكون جدّه عليه السلام، أو كناية عن جعل كلّ إمام شيعته في حلٍّ من ذلك. وقال برهان الفضلاء: والمراد ب «أبي» الباقر عليه السلام، و«جعل» على ما لم يسمّ فاعله ، والفاعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ونائب الفاعل «شيعته»، فذكر «أبي» هنا لضرب من التقيّة. (ليزكوا) على المعلوم من باب نصر، أو خلافه من التفعيل، أي من ذنب التقصير في أداء الحقّ، يعني فجعل مناط الخمس ربح السنة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَمَاعَةَ(1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنِ الْخُمُسِ ، فَقَالَ : «فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ» .

هديّة:يعني بأيّ وجه كان ممّا يجوز شرعاً ولو كان ما يفاد يوماً بيوم، إلّا أنّ المناط أرباح السنة في التجارات ونحوها. قال برهان الفضلاء: والغرض من الجواب هنا أنّه ليس من شروط خمس الغنيمة أن يبلغ قيمتها ديناراً كما هو شرط في الغوص والمعادن، وسيجي ء في الحديث الحادي والعشرين.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : كَتَبْتُ : جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ ، تُعَلِّمُنِي مَا الْفَائِدَةُ ؟ وَ مَا حَدُّهَا ؟ رَأْيَكَ - أَبْقَاكَ اللَّهُ - أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِبَيَانِ ذلِكَ لِكَيْلَا أَكُونَ مُقِيماً عَلى حَرَامٍ ، لَا صَلَاةَ لِي وَ لَا صَوْمَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان، عن سماعة».

ص: 599

فَكَتَبَ : «الْفَائِدَةُ مِمَّا تُفِيدُ(1) إِلَيْكَ فِي تِجَارَةٍ مِنْ رِبْحِهَا وَ حَرْثٍ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٍ» .

هديّة:(تعلمني) على المعلوم من الافعال أو التفعيل، خبر بمعنى الإنشاء، أي الاستدعاء والالتماس.(رأيك) رفع على الابتداء، خبره (أن تمنّ)، والجملة خبر بمعنى الإنشاء، أو استفهاميّة بتقدير حرف الاستفهام، و(أبقاك اللَّه) بين المبتدأ والخبر دعائيّة معترضة.(ممّا تفيد) تبعيضه، و«تفيد» على المعلوم من الإفعال.وذكر «التجارة» و«الحرث» و«الجائزة» على التمثيل والمراد كلّ ما يحصل ويبقى زائداً عن قوت السنة.وقال برهان الفضلاء:ذكر «التجارة» و«الحرث» على التمثيل، و«بعد الغرام» ببيان للبعض المفهوم من «ممّا تفيد»، وليست جائزة الغير داخلة هنا، كما هو ظاهر الحديث الثاني والعشرين، قال: أو «جائزة» عطف على «الغرام»، والمراد جائزتك لغيرك، يعني بعد المؤن والنفقات والإعطاءات.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ(2) ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : الْخُمُسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَؤُونَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ ؟ فَكَتَبَ : «بَعْدَ الْمَؤُونَةِ» .

هديّة:يعني إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام.قيل: كما احتمل برهان الفضلاء أيضاً يمكن أن يكون المراد بالمؤونة في أرباح التجارات والزراعات ونحوهما مجموع مؤونة تحصيلها، ومؤونة السنة، وفي الغنائم

.


1- .في الكافي المطبوع : «يفيد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر».

ص: 600

والكنوز والمعادن والغوص مؤونة التحصيل حسب.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كُلُّ شَيْ ءٍ قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنَّ لَنَا خُمُسَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حَتّى يَصِلَ إِلَيْنَا حَقَّنَا» .

هديّة:يعني كلّ في ء أحاط به المسلمون من الخمس، أي ممّا فيه خمسنا، وشراء الإماء مستثنى؛ بدلالة ما يجي ء في الحديث السادس عشر. وقال برهان الفضلاء: ويمكن أن يكون الإمامي مستثنى من قوله: «ولا يحلّ لأحد».

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَافِعٍ (2) ، قَالَ : طَلَبْنَا الْإِذْنَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا : «ادْخُلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ» فَدَخَلْتُ أَنَا وَ رَجُلٌ مَعِي ، فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ : أُحِبُّ أَنْ تَحِلَ (3) بِالْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ أَبِي كَانَ مِمَّنْ سَبَاهُ بَنُو أُمَيَّةَ ، وَقَدْ(4)عَلِمْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُحَرِّمُوا وَ لَا يُحَلِّلُوا ، وَ لَمْ يَكُنْ (5) مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ ، وَ إِنَّمَا ذلِكَ لَكُمْ ، فَإِذَا ذَكَرْتُ (6) الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، دَخَلَنِي مِنْ ذلِكَ مَا يَكَادُ يُفْسِدُ عَلَيَّ عَقْلِي مَا أَنَا فِيهِ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد العزيز بن نافع».
3- .في الكافي المطبوع : «أن تستأذن».
4- .في الكافي المطبوع : «قد» بدون الواو.
5- .في الكافي المطبوع : + «لهم».
6- .في الكافي المطبوع : + «ردّ».

ص: 601

فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْ ذلِكَ ، وَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِكَ مِنْ وَرَائِي ، فَهُوَ فِي حِلٍّ مِنْ ذلِكَ».قَالَ : فَقُمْنَا وَ خَرَجْنَا ، فَسَبَقَنَا مُعَتِّبٌ إِلَى النَّفَرِ الْقُعُودِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ إِذْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ ظَفِرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ نَافِعٍ بِشَيْ ءٍ مَا ظَفِرَ بِمِثْلِهِ أَحَدٌ قَطُّ ، قِيلَ (1)لَهُ : وَ مَا ذَاكَ ؟ فَفَسَّرَهُ لَهُمْ ، فَقَامَ اثْنَانِ ، فَدَخَلَا عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ أَبِي كَانَ مِنْ سَبَايَا بَنِي أُمَيَّةَ ، وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ ذلِكَ قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ ، وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ ذلِكَ فِي حِلٍّ .فَقَالَ : «وَ ذلِكَ إِلَيْنَا ؟ مَا ذالِكَ إِلَيْنَا ، مَا لَنَا أَنْ نُحَلِّلَ (2) ، وَ لَا أَنْ نُحَرِّمَ» فَخَرَجَ الرَّجُلَانِ ، وَ غَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَّا بَدَأَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «أَ لَا تَعْجَبُونَ مِنْ فُلَانٍ يَجِيئُنِي ، فَيَسْتَحِلُّنِي مِمَّا صَنَعَتْ بَنُو أُمَيَّةَ ، كَأَنَّهُ يَرى أَنَّ ذلِكَ لَنَا» وَ لَمْ يَنْتَفِعْ أَحَدٌ(3) تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِقَلِيلٍ وَ لَا كَثِيرٍ إِلَّا الْأَوَّلَيْنِ ؛ فَإِنَّهُمَا عُنِيَا بِحَاجَتِهِمَا .

هديّة:قيل: الأمر بالدخول اثنين اثنين للتقيّة. وقال برهان الفضلاء: بل لعلمه عليه السلام بأنّ الداخلين أوّلاً كانا من الذين تابوا من العمل لبني اُميّة، بخلاف الباقين المنتظرين لإذن الدخول.(أحبّ) على المتكلّم المعلوم من الإفعال، (أن تحلّ) بالمهملة على المضارع المعلوم خطاباً من باب مدّ، و«الحلّ» بالفتح: ضدّ العقد، يعني أن تبدأ، والباء في «بالمسألة» للآلة.(سباه) كرمى: أسره، يعني ممّن كان أسيراً مبتلى بالعمل لهم.قيل: تقديم «القليل» هنا على «الكثير» من عدم فصاحة السائل.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قد قيل».
2- .في الكافي المطبوع : «أن نحلّ».
3- .في الكافي المطبوع : + «في».

ص: 602

(الذي كنت فيه) يعني من العمل لهم، وفي بعض النسخ: «ذكرت ردّ الذي» بزيادة «ردّ» بالمهملتين على المصدر من باب مدّ، وعلى هذا فهو المفعول به ل «ذكرت» ك «الذي» على الأكثر.قال برهان الفضلاء:و«ما» في «ما أنا فيه» يمكن أن تكون موصولة، ففاعل ل «يفسد» ومن قبيل وضع المظهر موضع المضمر، وهذا بناء على أن لا يكون مستتر في «يفسد»، ويكون ضمير «فيه» ل «ما» في «أنا فيه». ويمكن أن تكون نافية، فالجملة استئناف بياني، وهذا بناء على أن يكون مستتر في «يفسد»، ويكون ضمير «فيه» ل «الّذي».«من» في (من ورائي) بيانيّة، و«الوراء» بالفتح والمدّ من الأضداد، يطلق على الخلف والأمام أيضاً. والمراد هنا الثاني، كما في قوله تعالى: «وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ»(1)يعني عبد العزيز بن نافع، ولا ينافيه لفظة «كلّ»؛ لأنّ مصداق القضيّة الكلّية قد يكون شخصيّة.و(معتّب) بالمهملة والمثنّاة الفوقانيّة والمفردة على اسم الفاعل من التفعيل اسم غلام من غلمان الصادق عليه السلام، روى من الصادق والكاظم عليهما السلام. قال الكشّي: قال الصادق عليه السلام: «هم عشرة، خيرهم وأفضلهم معتّب» يشير إلى مواليه عليه السلام.(2)(فسبقنا) يعني حين خرج بالإذن لاثنين آخرين وخصّ معتّب العبد العزيز بما خصّ لفوزه بالمطلب من غير سؤال، وفوز صاحبه بالمطلب بالسؤال.(وذلك إلينا) على الاستفهام الإنكاري بتقدير حرف الاستفهام.في بعض النسخ : «إنّ ذلك إلينا» مكان (إنّ ذلك لنا)، و«إلى» مكان «اللام» أوضح وأشهر.(إلّا الأوّلين) التفاتٌ من التكلّم إلى الغيبة.وفي (عينا) قراءات، قرئ : «عيّنا» على المجهول من التعيين، يعني امتازا بسبب

.


1- .الكهف (18): 79 .
2- .رجال الكشّي ، ج 1 ، ص 251 ، الرقم 466.

ص: 603

الفوز بحاجتهما. وقرأ برهان الفضلاء : «عينا» بكسر المهملة وسكون الياء قبل النون ، على الماضي المجهول، من العيانة بالفتح، أي الاخبار، أو من العيان بالكسر بمعنى اخبار الرجل صاحبه بما هو مراده. ثمّ احتمل ضمّ المهملة وكسر النون قبل النون، على الماضي المجهول الناقص الواوي من باب نصر، من العنوة بالفتح بمعنى المحبّة والإشفاق، قال: ويحتمل فتح المعجمة وكسر النون قبل الياء، على المعلوم الناقص اليائي، من باب علم، من الغنى بالكسر والقصر، ضدّ الاحتياج.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِ (1) ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «تَدْرِي (2) مِنْ أَيْنَ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ الزِّنى ؟» قُلْتُ : لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «مِنْ قِبَلِ خُمُسِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا شِيعَتَنَا الْأَطْيَبِينَ ؛ فَإِنَّهُ مُحَلَّلٌ لَهُمْ ؛ لِمِيلَادِهِمْ» .

هديّة:(الزني) يمدّ ويقصر.قيل : «الأطيبين» يعني المخلصين.(بميلادهم) ، أي لئلّا يقع في ميلاد أولادهم فساد . وقال برهان الفضلاء : «الميلاد» زمان الولادة ، والمراد هنا مكانها بمعنى اُمّهات الأولاد ، و«الأطيبين» عبارة عن الإماميّة ، واللام في «لميلادهم» بمعنى «في».

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الكَنَانِي (3) ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا ؛ لَنَا الْأَنْفَالُ ، وَ لَنَا صَفْوُ الْمَالِ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ضريس الكناسي».
2- .في الكافي المطبوع : - «تدري».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب ، عن أبي الصبّاح».

ص: 604

هديّة:(فرض اللَّه طاعتنا) كما فرض طاعته وطاعة رسوله صلى اللَّه عليه وآله، وقال : «أطيعُوا اللَّهَ وَ أطيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولى اْلأَمْرِ مِنْكُمْ»(1).(صفو المال) يعني خلاصة الفي ء على ما بيّن في الحديث الرابع في هذا الباب.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ (2)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ لَا وَارِثَ لَهُ وَ لَا مَوْلى ، قَالَ : «هُوَ مِنْ أَهْلِ هذِهِ الْآيَةِ : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ»(3)» .

هديّة:(لا وارث له) أي نسباً (ولا مولى) معتقاً له ، بلا واسطة أو بواسطة. وظاهر هذا الحديث تقدّم الإمام على ضامن الجريرة ، قال برهان الفضلاء : يمكن أن يؤخذ «الموالى» هنا أعمّ من ضامن الجريرة ، فالإمام بعد الجميع.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عن الخمسة(4)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ (5) عَنِ الْكَنْزِ : كَمْ فِيهِ ؟ قَالَ : «الْخُمُسُ» ، وَ عَنِ الْمَعَادِنِ كَمْ فِيهَا ؟ قَالَ : «الْخُمُسُ ، وَ كَذلِكَ الرَّصَاصُ وَ الصُّفْرُ وَ الْحَدِيدُ ، وَ كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمَعَادِنِ يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ» .

هديّة:قد سبق في بيان الحديث الثامن أنّ الرصاص أعمّ من القلع والأسربّ.

.


1- .النساء (4) : 59.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد ، عن رفاعة، عن أبان بن تغلب».
3- .الأنفال (8) : 1 .
4- .يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ».
5- .في الكافي المطبوع : - «قال : سألته».

ص: 605

قال برهان الفضلاء : لمّا كان أكثر إطلاق المعدن على معدن الذهب والفضة بنى السائل كلامه عليه ، فيشعر كلام الإمام عليه السلام بأنّ المعدن الذي فيه الخمس أعمّ من معدن الذهب والفضّة.

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ ، فَيَقُولَ : يَا رَبِّ خُمُسِي ، فَقَدْ طَيَّبْنَا ذلِكَ لِشِيعَتِنَا لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ ، وَ لِتَزْكُوَ وِلَادَتُهُمْ» .

هديّة:(صاحب الخمس) يعني إمام كلّ زمان من الاثني عشر.(لتطيب) على التأنيث المعلوم من باب باع ، وكذا (لتزكو) من باب غزا. (ولادتهم) أي ولادة أولادهم. قال برهان الفضلاء : والمراد جعلهم عليهم السلام شيعتهم في حلّ من ذلك في اُمّهات الأولاد وفسّر الزكاة هنا برفعة المرتبة بسبب الطهارة من الفساد.

الحديث الواحد والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَ الْيَاقُوتِ وَ الزَّبَرْجَدِ ، وَ عَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ : مَا فِيهِ ؟ قَالَ : «إِذَا بَلَغَ ثَمَنُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ» .

هديّة:(والياقوت) وما عطف عليه عطف على (اللؤلؤ) لبيان أنّ الغوص الذي فيه الخمس لا ينحصر في الغوص اللؤلؤ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان ، عن صبّاح الأزرق ، عن محمّد بن مسلم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».

ص: 606

وقال برهان الفضلاء:«والياقوت والزبرجد» عطف على «ما» في «عمّا». قال : ويمكن العطف على اللؤلؤ، فإنّهما قد يحصلان من حفر الأرض في الشطوط والأودية. ثمّ قال : ويحتمل أن يكون المراد بقوله : «إذا بلغ ثمنه ديناراً» بعد المؤن ، بدليل ما سبق ، وهو الحديث الثالث عشر.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ(1) ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَيْهِ: يَا سَيِّدِي ، رَجُلٌ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالٌ يَحُجُّ بِهِ ، هَلْ عَلَيْهِ فِي ذلِكَ الْمَالِ حِينَ يَصِيرُ إِلَيْهِ الْخُمُسُ ، أَوْ عَلى مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَجِّ ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : «لَيْسَ عَلَيْهِ الْخُمُسُ» .

هديّة:(عليّ بن مهزيار) روى عن الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، ومثل الحديث المضمر كالمصرّح.(ليس عليه الخمس) يعني مطلقاً. قال برهان الفضلاء: أشار عليه السلام إلى أنّ الخمس إنّما هو في أشياء، منها: الغنيمة، وهي ما يحصل بالكدّ والسعي الجائز، وليس ذلك داخلاً فيها؛ لانّه لم يحصل بالكدّ والسعي.

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ (2) ، قَالَ : سَرَّحَ الرِّضَا عليه السلام بِصِلَةٍ إِلى أَبِي ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبِي : هَلْ عَلَيَّ فِيمَا سَرَّحْتَ إِلَيَّ خُمُسٌ ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «لَا خُمُسَ عَلَيْكَ فِيمَا سَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْخُمُسِ» .

هديّة:«الباء» بعد (سرح) على المعلوم كمنع للتعدية، سرح به سرحاً وسرّحته تسريحاً

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحسين بن عبد ربّه».

ص: 607

بمعنى. و«الصلة»: الإعانة بالمال ونحوه. قال برهان الفضلاء: ظاهر هذا الحديث أيضاً أنّ الخمس بأجمعه مال الإمام وحقّه ، وذكرُ أصناف مستحقى نصف الخمس في الكتاب والسنّة إنّما هو لبيان وجوب الإنفاق على الإمام كما مرّ مراراً؛ ليكون إخراج الخمس عنه عطيّة صاحب الخمس كردّ بعضها إليه. ولا ينافى هذا الحكم جريانه في عطيّة غير صاحب الخمس؛ لأنّ ذكر وجه شي ء لا ينافي أن يكون له وجه آخر، كما مرّ في الثاني والعشرين.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده سَهْلٌ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَقْرَأَنِي عَلِيُّ بْنُ مَهْزِيَارَ كِتَابَ أَبِيكَ عليه السلام فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلى أَصْحَابِ الضِّيَاعِ : نِصْفُ السُّدُسِ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ ، وَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلى مَنْ لَمْ يَعْمُرْ(2) ضَيْعَتُهُ بِمَؤُونَتِهِ نِصْفُ السُّدُسِ وَ لَا غَيْرُ ذلِكَ ، فَاخْتَلَفَ مَنْ قِبَلَنَا فِي ذلِكَ ، فَقَالُوا : يَجِبُ عَلَى الضِّيَاعِ الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ ، مَؤُونَةِ الضَّيْعَةِ وَ خَرَاجِهَا ، لَا مَؤُونَةِ الرَّجُلِ وَ عِيَالِهِ .فَكَتَبَ عليه السلام : «بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَؤُونَةِ عِيَالِهِ ، وَ بَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام.و«الضيعة» بالفتح: العقار، والأرض المغلّة، حرفة الرجل وتجارته.قال برهان الفضلاء: المراد بأصحاب الضياع هنا الذين في أيديهم الأملاك المفتوحة عنوة وأملاك الأنفال، وبيّن في الحديث الرابع من هذا الباب أنّ المصالحة على خراج المفتوحة عنوة، وتعيين إجارة الأرض نصف السدس لخراج المفتوحة عنوه و اجارة الأنفال إنّما كان لمصلحة الشيعة في كونهم في نهاية خفّة المؤونة زمن

.


1- .السند يبدأ في الكافي المطبوع بسهلٍ، فالتعبير بإسناده عن سهل غير صحيح.
2- .في الكافي المطبوع: «لم تقم».

ص: 608

طغيان بني العبّاس وظلمهم سيّما على الشيعة، فقالوا يجب بقول مذهب واحد من الأقوال المختلفة فيه، وجواب الإمام عليه السلام هو الحقّ منها، والمذهب المنقول هنا منها مبناه على القياس على الخمس، ولذا ذكره منها واكتفى.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الطَّبَرِيُ (1) ، قَالَ : كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ مِنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يَسْأَلُهُ الْإِذْنَ فِي الْخُمُسِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، ضَمِنَ عَلَى الْعَمَلِ الثَّوَابَ ، وَ عَلَى الضِّيقِ الْهَمَّ ، لَا يَحِلُّ مَالٌ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ ، وَ إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلى دِينِنَا ، وَ عَلى عِيَالَاتِنَا ، وَ عَلى مَوَالِينَا ، وَ مَا نَبْذُلُهُ وَ نَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ ، فَلَا تَزْوُوهُ عَنَّا ، وَ لَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ ، وَ تَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ ، وَ مَا تُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ ، وَ الْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ ، وَ لَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَ يُخَالِفَ بِالْقَلْبِ ؛ وَ السَّلَامُ» .

هديّة:(من بعض موالي) أى بوساطته، فكلمة «من» للسببيّة، يعني كان بعض غلمانه عليه السلام رسول الكتاب وحامله.(يسأله الإذن) يعني أن يجعله عليه السلام في حلّ ممّا عليه من الخمس.و(الهمّ) الفتح والتشديد: الرغبة في الشي ء.(ضمن على العمل الثواب) يعني مع احتياجه ذلك وقدرته على التفضل من دون عمل يوجب الثواب فلا يخفى براعة استهلاله عليه السلام قبل ذكره ما هو المقصود من أنّ الإمام ليس محتاجا إلى الخمس حقيقه، بل جعل اللَّه إيّاه حقّه لمصالح منها احتياج غيره من

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «سهل، عن أحمد بن المثنّى، قال: حدّثني محمّد بن زيد الطبري».

ص: 609

نحو المذكورين.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ خُرَاسَانَ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ فِي حِلٍّ مِنَ الْخُمُسِ ، فَقَالَ : «مَا أَمْحَلَ هذَا! تَمْحَضُونَّا بِالْمَوَدَّةِ بِأَلْسِنَتِكُمْ ، وَ تَزْوُونَ عَنَّا حَقّاً جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا وَ جَعَلَنَا لَهُ ، وَ هُوَ الْخُمُسُ ، لَا نَجْعَلُ ، لَا نَجْعَلُ، لَا نَجْعَلُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ فِي حِلٍّ» .

هدية:إلّا أنّه على الثاني تجوّز للمبالغة كما يقال مكر ماكر. وضبط «تمحضونا» بالحاء المهملة والضاد المعجمة وتشديد النون على الجمع المخاطب من باب منع أو الإفعال. والمحض والامحاض: جعل الشي ء خالصاً. والباء في (بالمودّة) للتقوية. وفي (جعلنا له) إشارة إلى أنّ اختصاصهم عليهم السلام بالخمس من براهين حقّيتهم وبطلان أئمّة الضلالة. تكرار (لا نجعل) وجهه ظاهر، واللام في (لأحد) زائدة، ولذا قيل: الظاهر «أحداً» مكان (لأحد).

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ - وَ كَانَ يَتَوَلّى لَهُ الْوَقْفَ بِقُمَّ - فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، اجْعَلْنِي مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ فِي حِلٍّ ؛ فَإِنِّي أَنْفَقْتُهَا ، فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ فِي حِلٍّ» .فَلَمَّا خَرَجَ صَالِحٌ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَحَدُهُمْ يَثِبُ عَلى أَمْوَالِ حَقِّ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَيْتَامِهِمْ وَ مَسَاكِينِهِمْ وَ فُقَرَائِهِمْ وَ أَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ ، فَيَأْخُذُهُ ، ثُمَّ يَجِي ءُ ، فَيَقُولُ : اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ ، أَ تَرَاهُ ظَنَّ أَنِّي أَقُولُ : لَا أَفْعَلُ ، وَ اللَّهِ لَيَسْأَلَنَّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ ذلِكَ سُؤَالًا حَثِيثاً» .

هديّة:(يتولّى له الوقف) أي الأملاك الموقوفة على آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله.(أتراه) استفهام على الخطاب ويحتمل الغيبة.

.

ص: 610

و«الحثيث»: السريع والمراد الشديد.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي عَنْ الخمسة(1)قَال:َ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْعَنْبَرِ وَ غَوْصِ اللُّؤْلُؤِ ، فَقَالَ عليه السلام : «عَلَيْهِ الْخُمُسُ» .

هديّة:يعني إذا بلغ قيمة كلّ واحد من العنبر واللؤلؤ ديناراً، كما سبق في الحديث الحادي والعشرين من هذا الباب.تمّ بعون اللَّه وحسن توفيقه كتاب الحجّة وهو الجزء الثالث من كتاب الهدايا، ويتلوه الجزو الرابع كتاب الإيمان والكفر إن شاء اللَّه تعالى؛ الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين، يوم الأحد من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وثمانين وألف.

.


1- .يعني : «علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي».

ص: 611

فهرس المطالب .

ص: 612

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.