روضه المحبین فی احوال امیرالمومنین علیه السلام

مشخصات كتاب

عنوان و نام پديدآور : روضة المحبین فی احوال امیرالمومنین علیه السلام/عیسی بن حسین علی آل کبةتحقیق:هادی قائینی زاده.

مشخصات نشر : قم: زائر ،1389.

مشخصات ظاهری : 494ص.

فروست : پژوهشکده علوم و معارف قرآنی علامه طباطبائی آستانه مقدسه؛ 54.

شماره کتابشناسی ملی : 2822782

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

كلمة الناشر

«إنّ هذا القُرْآنَ يَهْدي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ».

القرآن الكريم الإنسانية، وأعظم معجزة خالدة، أن حارت عقول نوع البشر تجاه المعجزات الفعلية كشقّ القمر و تسبيح الحصى وشفاء المرضى وإحياء الموتى، و يقرّون بعجزهم ويعترفون بعدم قدرتهم، فأكابر المتفكّرين و العلماء المتضلّعين يعكفون على عتبة القرآن الذي هو معجزة قوليّة لخاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ويعبدون و يخضعون لإله القرآن و يسجدون له: و عبرات الأشواق جارية من قلوبهم و ضمائرهم أمام عظمة القرآن، ويترنّمون بقولهم: «الخواص للقولية والعوام للفعلية أطوع».

وجه اعجاز القرآن وإن كان بالنسية إلى الفصاحة والبلاغة ظاهراً، إلاّ أن أهمّ نظر اعجاز القرآن ليس إعجازه العلمى و... البحت، بل القرآن خالق الإنسانية، والتربية القرآنية ربّت شخصية كالإمام أميرالمومنين عليه السلام الّذي هو فخر الكائنات وقطب أولياء الله و رئيسهم، لابدّ وأن نفحص إعجاز القرآن في معارفه السّامية، و في معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته تعالى.

ولا يصل كتاب ولن يصل، قطّ في معرفة التوحيد _ الّتي هي الغاية القصوى، وكعبة آمال أولياء الله _ إلى مرتبة القرآن، هؤلاء الفلاسفة والمتكلّمون والعرفاء مدى التاريخ جاؤا وكلّهم تغذّوا ويتغذّون من فتات مائدة القرآن، وكلّهم خاضعون تجاه القرآن الكريم ويضعون جبهة التواضع والخضوع على تراب عتبته المقدّسة.

ص: 9

وحيث إنّ القرآن الكريم وعترة الرسول الأعظم عليهم السلام توأمان ولا يفترقان مدى الأعصار والأزمان وقد أمرنا بأخذ التفسير من العترة الطاهرة و«إنّما يعرف القرآن من خوطب به» وقد نزل في فضائلهم كثير من الآيات الشريفة، فالواجب علينا التمسّك بحبل الله تعالى ولكن وفقا لما أثر من أهل البيت عليهم السلام . والأثر الحاضر الذي بين يديك قبس من قبسات بحار فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام قد ألّفه بعض المغمورين من علماء الشيعة وقد تصدّى لتصحيحه وتحقيقه سماحة الأخ الفاضل حجة الإسلام والمسلمين هادي قائيني زاده ونسأل الله تعالى له التوفيق ونقدّم له جزيل الشكر المتواصل.

مركز الدراسات القرآنية للعلامة الطباطبائي رحمه الله

التابعة لروضة السيّدة فاطمة المعصومة عليهاالسلام بقم المقدّسة

احمد العابدي

ص: 10

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمد وعلى آله الطاهرين لاسيّما ابن عمّه ووصيّه وخليفته الإمام علي بن أبي طالب.

مقدّمه التحقيق

المؤلّف في سطور

هو العالم المحدّث الفقيه والمؤرّخ النحرير عيسى بن حسين علي آل كبّة البغدادي مولدا والنجفي مسكنا ومدفنا. كان من أعيان القرن الثالث عشر الهجري القمري، صاحب التأليفات الفاخرة والآثار العلميّة، كان عالما نحريرا ومتضلّعا في مختلف العلوم وشتّى الفنون، ومع الأسف الشديد لم يضبط كتب التواريخ والتراجم لنا شيئا من حياة هذا العالم الجليل لا تأريخ الولادة بالضبط ولا الوفاة ولا أساتذته ولا تلاميذه ومن الغريب جدّا عدم وجود شيء من المعلومات في هذا الباب.

قال العلاّمة السيّد محسن الأمين في كتابه:

«الشيخ عيسى بن حسين علي آل كبّة البغدادي له «تحفة الطلاب في المواعظ والنصايح» من الأحاديث وكلمات العلماء. وقد قرظه الشيخ محمّد بن خضر النجفي وأرّخه بقوله: «نلنا الهنا في تحفة الاحباب» 1241. وله «تذكار الحزين» في المقتل، و «تحفة الاحباب» في تكملة كتابه «تحفة الطلاّب»(1).


1- «اعيان الشيعة»، ج8، ص382.

ص: 11

وقال المدرّس التبريزي:

«آل كبّة من البيوت الأصيلة في بغداد، ولفظة «كبّة» مثل غصّة على ما يستفاد من كلام ابن حجر وأبي الفرج الإصبهاني والجاحظ من الألقاب القديمة»(1).

وفي «دائرة المعارف تشيع»:

«آل كبّة من البيوت الشيعية الأصيلة والمشتهرة بالعلم والأدب في بغداد، وهذه الطائفة من ذراري أولاد حاج معروف آل كبّة ربيعي البغدادي، ومن هذه الطائفة الشيخ محمّد حسن بن حاج جواد آل كبّة والشيخ محمد حسن بن حاج محمد صالح بن مصطفى بن درويش علي بن جعفر بن حاج علي بن حاج معروف آل كبّة. والشيخ يعسى بن حسين علي آل كبّة صاحب «روضة المحبّين» الذي فرغ من تأليه يوم غدير سنة 1245ق»(2).

تأليفاته

1 _ روضة المحبّين في أحوال أمير المؤمنين عليه السلام . هذا الكتاب الذي بين يديك.

قال العلاّمة الطهراني:

«روضة المحبّين في أحوال أمير المؤمنين صلى الله عليه و آله وسلم للشيخ عيسى بن حسين علي البغدادي الملقّب بابن كبّة النجفي المسكن. أوّله: الحمد للّه الذي ارشدنا الى نهج الصواب والتسديد. رتّبه على مقدّمة واثني عشر بابا وخاتمة. ذكر فهرسها في اوّلها وفرغ منه في النجف يوم الغدير 1245. توجد بخط المؤلّف في مكتبة الخوانساري وأُخرى في مكتبة الشهرستاني بكربلاء»(3).

2 _ تحفة الطلاب.


1- ريحانة الأدب، ج1، ص45.
2- دائرة المعارف تشيّع، ج1، ص208.
3- الذريعة، ج11، ص303.

ص: 12

قال العلاّمة الطهراني في وصفه:

«تحفة الطلاب للشيخ عيسى بن حسين علي آل كبّة البغدادي في المواعظ والنصايح والكلم الجامعة والحكم النافعة. وصفه كذلك في كتابه «تحفة الأحباب» الذي جعله تكملة لهذا الكتاب. وقد فرغ من تحفة الاحباب _ كما مرّ _ سنة 1241»(1).

3 _ تذكار الحزين.

قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني:

«تذكار الحزين في المقتل ومصائب المعصومين عليهم السلام ، للحاج عيسى بن حسين علي آل كبّة البغدادي، المؤلف ل_«تحفة الأحباب» في 1241. ولد «روضة المحبّين» المؤلَّف في 1245 كما يأتي وأحال إلى كتابه هذا في تحفة معبّرا عن نفسه بعيسى بن حسين علي الملقّب بابن كبّة النجفي المسكن»(2).

4 _ تحفة الأحباب.

قال في «الذريعة»: تحفة الأحباب للحاج عيسى بن حسين علي كبّة البغدادي ألّفه تكملة لكتابه «تحفة الطلاب» في المواعظ والنصايح من الأحاديث الشريفة وكلمات الحكماء والعرفاء والعلماء، مرتب على مقدّمة وأبواب وخاتمة. المقدّمة في الترغيب الى ما اشتمل عليه الكتاب، وآخر ابوابه الباب السبعون في محاسبة النفس والخاتمة في الفرج بعد الشدّة. وقد قرظه الشيخ محمد خضر النجفي تقريظا لطيفا قال في تاريخه: «نلنا الهنا في تحفة الأحباب» وهو يوافق سنة 1241، وينقل فيه عن كتابه الآخر الموسوم ب_«تذكار الحزين» في المقتل ومصائب المعصومين. رأيت منه نسخة في مكتبة السيد جعفر بن السيّد محمد باقر بن السيّد علي صاحب «البرهان» آل بحر


1- نفس المصدر، ج3، ص449.
2- «الذريعة» ج4، ص19.

ص: 13

العلوم في النجف»(1).

عملنا في التحقيق

بحمد اللّه تعالى ومنّه لكتاب ثلاث نسخ مخطوطات باقية إلى الآن.

1 _ نسخة الأصل بخط المؤلّف. وقد ادّعى العلاّمة الطهراني أنّها موجودة في مدينة خوانسار.

2 _ نسخة مكتبة الشهرستاني في مدينة كربلاء المقدّسة.

3 _ المصوّرة من الكتاب في مركز إحياء الميراث الإسلامي. ولم نظفرإلاّ بالنسخة الأخيرة من الكتاب، فقمنا أوّلاً باستنساخ الكتاب والجهد في قرائته وكتابته وقد حصل بحمد اللّه متن الكتاب خاليا عن الاعوجاج والتعقيد والإبهام. وبعد تنقيح المتن واستخراج جميع روايات الكتاب من مصادرها الأصليّة وتطبيقها عليها فقد ذكرنا موارد الخطاء والتفاوت في التعليقات ومصادر الروايات أيضا فيها، وجاء _ وله الحمد _ بصورة مقبولة.

وفي الختام أتقدّم بالشكر إلى جميع الإخوة الذين استفدت منهم في إنجاز هذا المشروع.

رجب المرجّب 1401ق.

قم المقدّسة

هادي قائيني زاده


1- الذريعة» ج3، ص410.

ص: 14

الحمد للّه الذي أرشدنا إلى نهج الصواب والتسديد بأنوار الكتاب المجيد ، وهدانا إلى ترقّي أعلى معارج الارتقاء بسلوك الشريعة الغرّاء ، وجعل لنا التوفيق خير رفيق إلى معالم الرشاد ، والتأييد خير معين وعضيد على اقتفاء مراسم الخير والسداد ، فسلك بنا بألطافه الخفيّة جُدَدَ الطريق والمنهاج ، ووقانا بعنايته السرمدية في الدِّين هفوات الزيغ والاعوجاج، حمداً ينعقد من قلوبنا على صدق النيّة وخلوص الطويّة ، ونشكره شكراً نستجلب به المزيد من عطائه ، ونستوهب منه الوافر من حبائه .

والصلاة والسلام على أكرم أنبيائه وأشرف أصفيائه محمّد، المبعوث إلى كافّة الخلائق من الإنس والجان ، والناسخ بشريعته الغرّاء سائر الشرائع والأديان، وعلى أهل بيته الذين اختارهم المليك العلاّم، هُداة لسائر الأنام عن الخاصّ والعامّ .

وبعد ، فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربّه الغني عيسى ابن المرحوم حسين علي الملقّب بابن كبّة : إنّي مودع لك في هذا الكتاب نبذة كافية ، وزبدة شافية وافية، ممّا وصل إليّ من طرق أصحابنارضوان اللّه عليهم ومن غير طرقهم ممّا هو موجود في كتب المخالف والموالف، في فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وسيّد الوصيّين صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى أولاده الطيّبين الطاهرين ، وأنّه وإن كان العيان يُغني عن البيان ، ويكفي ضوء الشمس الأسفاد عن النظر والاعتبار ، لكنّا تأسّينا في ذلك بسلفنا الماضين ، وعلمائنا السالفين، وامتثالاً لأوامرهم - وأمرهم - الشريفة في نشر مناقبهم المنيفة(1)، وسمّيته: «روضة المحبّين في أحوال أمير المؤمنين» ، فكان بحمد اللّه تعالى


1- قال الطريحي في «مجمع البحرين» ج5، ص126، ماّدة ينف : «ناف الشيء ينوف: أي طال وارتفع، وطود منيف: أي عال مشرف».

ص: 15

وبركته عليه السلام اسم وافق مسمّاه ، ولفظ طابق معناه، راجياً من اللّه سبحانه وتعالى حسن الجزاء والثواب يوم يقوم الحساب .

وقد رتّبته على مقدّمة وأبواب وختام ، سائلاً من اللّه سبحانه التوفيق للإكمال والإتمام .

أمّا المقدّمة ؛ ففي الترغيب إلى ما اشتمل عليه هذا الكتاب .

وأمّا الأبواب ؛ فالباب الأوّل : في ولادته عليه السلام ونسبه واسمه وكنيته وألقابه وصفته وذكر أولاده وأزواجه واُمّهات أولاده ، وفيه فصول خمسة .

الباب الثاني : في سبقه إلى الإسلام، وفي بيان بعض النصوص عليه صلوات اللّه وسلامه عليه بالخلافة والإمامة ، وفيه فصلان .

الباب الثالث : في بعض الآيات التي نزلت فيه عليه السلام .

الباب الرابع : في زهده وقناعته باليسير وعبادته واستجابة دعائه ، وفيه فصول ثلاثة .

الباب الخامس : في يقينه وعفوه وصفحه وإشفاقه وعطفه ، وفيه فصول أربعة .

الباب السادس : في فصاحته وبلاغته صلوات اللّه عليه .

الباب السابع : في فضله وتفضّله عليه السلام .

الباب الثامن : في سخائه وجوده وكرمه .

الباب التاسع : في نبذة من معجزاته الباهرة التي حار فيها ذو العقول .

الباب العاشر : في قضاياه وما أهدى قومه إليه ممّا أشكل عليهم .

الباب الحادي عشر : في ذكر من سبّه وما أخبر بوقوع ذلك بعده وما ظهر من كراماته .

ص: 16

الباب الثاني عشر : في شجاعته في حروبه وغزواته، ونجدته(1) لابن عمّه صلى الله عليه و آله في أيّام حياته .

وأمّا الختام؛ ففي وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام .

المقدّمة: في الترغيب إلى ما اشتمل عليه هذا الكتاب

قد ورد في الخبر عن سيّد البشر صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ اللّه نصب عليّاً عليه السلام علماً بين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً، ومن جهله كان ضالاًّ، ومن ساواه بغيره كان مشركاً(2) ، ومن جاء بموالاته كان فائزاً ودخل الجنّة(3) آمناً(4) ، ومن جاء بعداوته دخل النار صاغراً(5) »(6).

وفي «البحار» عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لو أنّ الغياض أقلام،


1- قال الطريحي في «مجمع البحرين» ج3، ص149، مادّة نجد : «النجدة بفتح النون فالسكون : الشجاعة».
2- في المصدر : ومَن عدل بينه وبين غيره كان مشركاً.
3- في المصدر : ومن جاء بولايته دخل الجنّة.
4- في المصدر _ : آمناً.
5- في المصدر _ : صاغراً.
6- «بحار الأنوار» ج38، ص119.

ص: 17

والبحر مداد، والجنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام »(1) .

وروى الصدوق قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه بإسناده إلى الصادق عليه السلام أنّه قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه تبارك وتعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فضائل، لا يُحصي عددها غيره ، فمن ذكر فضيلةً من فضائله مقرّاً بها غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين ، ومن كتب فضيلة من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم تَزَل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى كتابة فضيلة(2) من فضائله غفر اللّه الذنوب التي اكتسبها بالنظر»(3) .

في «البحار» نقلاً من «الأمالي» عن سعيد بن جبير أنّه قال : أتيت عبداللّه بن عبّاس فقلت له : يابن عمّ رسول اللّه، إنّي جئتك أسألك عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام واختلاف الناس فيه ، فقال ابن عبّاس : يابن جبير، جئت(4) تسألني عن خير خلق اللّه من الاُمّة بعد محمّد صلى الله عليه و آله نبيّ اللّه، جئت(5) تسألني عن رجل كانت له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة وهي ليلة القربة إشارة إلى ليلة بدر _ يابن جبير، جئت(6)تسألني عن وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ووزيره وخليفته وصاحب حوضه ولوائه وشفاعته ، والذي نفس ابن عبّاس بيده! لو كانت بحار الدُّنيا مداد7 والأشجار أقلاماً وأهلها كتّاباً، فكتبوا مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وفضائله من يوم خلق اللّه عزّوجلّ الدُّنيا إلى أن


1- «بحار الأنوار» ج40، ص70.
2- في المصدر : في فضائله.
3- «الأمالي» للصدوق، ص138.
4- في المصدر : جئتني.
5- في المصدر : جئتني.
6- في المصدر : مداداً.

ص: 18

يفنيها ما بلغوا معشار ما آتاه اللّه تبارك وتعالى(1) .

وإلى هذا المعنى أشار ابن أبي الحديد فقال :

يقولون لي قل في عليّ مدحاً(2) فإذا أنا لم أضلّ يقولوا معاندُ(3)

وما صنت عنه الشعر عن ضعف هاجسٍ ولا إنّني عن مذهب الحقّ حائدُ

ولكن عن الأشعار واللّه صنت مَن عليه ابتنى قرآننا والمساجدُ

فلو أنّ ماء الأبحر السبعة التي خلقن مداداً(4) والسماوات كاغدُ

وأشجار خلق اللّه أقلام كاتب إذ الخطّ أفناهنّ عدن(5) عوائدُ

وكان جميع الجنّ والإنس(6) كتّباً إذا كلّ منهم واحدٌ قام واحدُ

وخطّوا جميعاً منقباً بعد منقبٍ لما خطّ من تلك المناقب واحدُ(7)

في «البحار» نقلاً من «كشف اليقين» للعلاّمة قدس سره : كان لأبي دلف ولد، فتحادث أصحابه في حبّ عليّ عليه السلام وبغضه ، فروى بعضهم عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «يا علي، لا يحبّك إلاّ مؤمن تقيّ ولا يبغضك إلاّ(8) ولد زنية أو حيضة» ، فقال ولد أبي دلف : ما تقولون في الأمير هل يؤتى في أهله ؟ فقالوا : لا ، فقال : واللّه إنّي لأشدّ الناس بغضاً لعليّ بن أبي طالب عليه السلام . فخرج أبوه وهم بالتشاجر ، فقال(9) : واللّه إنّ هذا الخبر لحقّ واللّه إنّه لولد زنية وحيضة معاً ؛ إنّي كنت مريضاً في دار أخي في حمى ثلاث، فدخلت(10) جارية لقضاء حاجة، فدعتني نفسي إليها11 وقالت : إنّي حائض فكابرتها


1- «الأمالي» للصدوق، ص557.
2- في «الأنوار العلوية» للشيخ جعفر النقدي : مدائحاً.
3- في «الأنوار العلوية» : فإن لم أنا لم أمدحه قالوا معاند.
4- في «الأنوار العلوية» : مداد.
5- في «الأنوار العلوية» : عادت.
6- في «الأنوار العلوية» : الإنس والجنّ.
7- «الأنوار العلوية» للشيخ جعفر النقدي، ص20 و 21.
8- في المصدر +: منافق شقي.
9- في المصدر : في التشاجر، فقال ما تقولون؟ فقالوا : كذا وكذا وحكوا كلام ولده، فقال : واللّه.
10- في المصدر + : عليَّ.

ص: 19

على نفسها فوطئتها، فحملت بهذا الولد فهو لزنيةٍ وحيضة(1)(2)

ولذا قال بعضهم :

من لا يوالي في البريّة حيدرا سيّان عند اللّه صلّى أم زنا

بغض الوصيّ علامة معروفة تبدو على جبهات أولاد الزنا

وعن كتاب «الوحدة» عن أبي ذرّ الغفاري قال : كنت جالساً عند النبيّ صلى الله عليه و آله ذات يوم في منزل اُمّ سلمة ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يحدّثني وأنا أسمع، إذ دخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأشرق وجهه نوراً فرحاً بأخيه وابن عمّه، ثمّ ضمّه إليه وقبّل بين عينيه، ثمّ التفت إليّ فقال : «يا أبا ذرّ أتعرف هذا الداخل علينا حقّ معرفته» ؟ قال أبو ذرّ : فقلت : يارسول اللّه هذا أخوك وابن عمّك وزوج فاطمة البتول وأبو الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا أبا ذرّ هذا الإمام الأزهر، ورمح اللّه الأطول، وباب اللّه الأكبر، فمن أراد اللّه فليدخل الباب . يا أبا ذرّ هذا القائم بقسط اللّه، والذابّ عن حريم اللّه، والناصر لدين اللّه، وحجّة اللّه على خلقه . إنّ اللّه تعالى لم يزل يحتجّ به على خلقه في الاُمم كُلّ أُمّة يبعث فيها نبيّاً . يا أبا ذرّ إنّ اللّه تعالى جعل على كلّ ركن من أركان عرشه سبعين ألف ملك، ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلاّ الدُّعاء لعليّ عليه السلام وشيعته والدُّعاء على أعدائه . يا أبا ذرّ لولا عليّ ما بان الحقّ من الباطل ولا مؤمن من الكافر ولا عُبِدَ اللّه، لأنّه ضرب رؤوس المشركين حتّى أسلموا وعبدوااللّه، ولولا ذلك لم يكن ثواب ولا عقاب ، ولا يستره من اللّه ستر ولا يحجبه من اللّه حجاب». إلى أن قال : «يا أبا ذرّ هذا راية الهُدى وكلمة التقوى والعروة الوثقى وإمام أوليائي ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمها اللّه المتّقين ، فمن أحبّه كان مؤمناً،


1- في المصدر + : فأبت.
2- في المصدر + : معاً.

ص: 20

ومن أبغضه كان كافراً، ومن ترك ولايته كان ضالاًّ(1)، ومن جحد ولايته كان مشركاً»(2)... الحديث .

وفي «مشارق الأنوار» عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «المخالف لعليّ بعدي كافر ، والشاكّ به مشرك وغادر(3) ، والمحبّ له مؤمن صادق(4)، والمحارب له مارق ، والرادّ عليه زاهق ، والمقتفي أثره لاحق»(5) .

ولقد أحسن وأجاد فيما قاله الصاحب بن عبّاد :

بحبّ علي تزول الشكوك ويعلو الولاء ويزكو النجارُ

وامّا(6) رأيت محبّاً له فثمّ العلاء وثمّ الفخارُ

وما(7) رأيت عدوّاً له ففي أصله نسب مستعارُ

فلا تعذلوه على بغضه فحيطان دار أبيه قصارُ(8)

وأمّا الأبواب فاثنى عشر باباً، تيمّناً بهذا العدد الشريف وتبرّكاً بهذا الحصر المنيف ، أعني بذلك عدده مع الحجج من أولاده الطاهرين وخلفائه الغرّ الميامين والأئمّة المرضيّين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين .

* * *


1- في المصدر + : مضلاًّ.
2- «بحار الأنوار» ج40، ص55، ح90.
3- في «البحار» : مشرك مغادر.
4- في «البحار» + : والمبغض له منافق.
5- «بحار الأنوار» ج27، ص226، ح22.
6- في المصدر : فمهما.
7- في المصدر : ومهما.
8- «روضة الواعظين» للفتّال النيسابوري، ص131؛ «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب، ج3، ص208.

ص: 21

ص: 22

ص: 23

الباب الأوّل : في ولادته عليه السلام ونسبه واسمه وكنيته وألقابه وصفته وذكر أولاده وأزواجه واُمّهات أولاده وفيه فصول

الفصل الأوّل:في ولادته عليه السلام

في «مجمع الدرّ» وغيره، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري أنّه قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن ميلاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال صلى الله عليه و آله : «آه آه! سألتني عن خير مولودٍ ولد بعدي على سنّة المسيح عليه السلام ، إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقني وعليّاً عليه السلام قبل خلق الخلق بخمسمائة عام(1)، فكنّا نسبّح اللّه ونقدّسه ، فلمّا خلق اللّه آدم عليه السلام قذف بنا في صلبه واستقررتُ أنا في جنبه الأيمن وعليّ عليه السلام في الأيسر ، ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني اللّه (2) من ظهر طاهر وهو عبداللّه بن عبد المطّلب، فاستودعني خير رحم وهي آمنة ، ثمّ أطلع اللّه (3)تعالى عليّاً عليه السلام من ظهر طاهر وهو أبو طالب ، واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد» .

ثمّ قال : «يا جابر يا جابر!(4) ومن قبل أن وقع عليّ عليه السلام في بطن اُمّه كان في زمانه


1- فى المصدر: وعليّاً عليه السلام من نورٍ واحد قبل أن خلق الخلق بخمسائة ألف عام.
2- في المصدر : تبارك وتعالى.
3- نفس المصدر.
4- جاءت كلمة «يا جابر» مرّة واحدة في المصدر.

ص: 24

رجل عابد راهب يُقال له: المثرم بن دعيب بن الشيقتام، وكان مذكوراً في العبادة، قد عَبَدَ اللّه مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأل ربّه أن يريه وليّاً من أوليائه(1)، فبعث اللّه تعالى إليه بأبي طالب (2)، فلمّا أن بَصرَ به المثرم قام إليه فقبّل رأسه وأجلسه بين يديه فقال : مَنْ أنت يرحمك اللّه ؟ فقال : أنا رجل من تهامة ، فقال : من أيّ تهامة ؟ قال : من مكّة ، قال : ممّن ؟ قال : من عبد مناف ، قال : من أيّ عبد مناف ؟ قال : من بني هاشم فوثب(3) إليه الراهب وقبّل رأسه ثانياً وقال : الحمدُ للّه الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتّى أراني وليّه ، ثمّ قال : أبشر يا هذا، فإنّ العليّ الأعلى قد ألهمني إلهاماً فيه بشارتك ، قال أبو طالب : وما هو ؟ قال : ولد يخرج من صلبك هو وليّ اللّه تبارك اسمه وتعالى ذكره، وإمام المتّقين ووصيّ رسول ربّ العالمين،فإن أدركت ذاك الولد فاقرأه منّي السلام، وقل له : إنّ المثرم يقرئك السلام، وهو يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّك وصيّه حقّاً ، بمحمّد تتمّ النبوّة وبك تتمّ الوصية »(4).

قال : «فبكى أبو طالب ، وقال له : ما اسم هذا الولد(5) ؟ قال : اسمه عليّ ، فقال أبو طالب: إنّي لا أعلم حقيقة ما تقوله إلاّ ببرهان بيِّن ودلالة واضحة .

قال المثرم : فما تريد أن أسأل اللّه تعالى لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك ؟

قال أبو طالب : أُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا ، فدعا الراهب بذلك فما استتمّ دعاؤه حتّى أتى بطلبتي عليه(6)من فاكهة الجنّة رطبة وعنبة ورمّان، فتناول أبو طالب


1- في المصدر : فسأله ربّه أن يريه وليّاً له.
2- في المصدر : فبعث اللّه تبارك وتعالى بأبي طالب إليه.
3- قال الطريحي :«وثب في لغة حمير: أقعد، والوثوب في غير لغة حمير: النهوض والقيام». «مجمع البحرين» ج2، ص179،مادّة وثب.
4- في المصدر : يتمّ النبوّة وبك يتمّ الوصيّة.
5- في المصدر : هذا المولود.
6- في المصدر : بطبق عليه.

ص: 25

منه رمّانة ونهض فرحاً من ساعته حتّى رجع إلى منزله،فأكل(1) فتحوّلت ماءً في صلبه، فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعليّ عليه السلام ، وارتجّت الأرض وزلزلت بهم أيّاماً حتّى لقيت قريش من ذلك شدّة، وفزعوا وقالوا : قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبيقبيس حتّى نسألهم أن يسكّنوا ما نزل بكم وحلَّ بساحتكم ، فلمّا اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس فجعل يرتجّ ارتجاجاً تدكدكت بهم صمّ الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها ، فلمّا بصروا بذلك قالوا : لا طاقة لنا بما حلَّ بنا، فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث(2) بما هم فيه فقال : أيّها الناس إنّ اللّه تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقاً إن لم تطيعوه ولم تقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ولا يكون لكم بتهامة مسكن ، فقالوا : يا أبا طالب، إنّا نقول بمقالتك، فبكى أبو طالب ورفع يده إلى اللّه عزّوجلّ وقال : «إلهي وسيّدي أسألك بالمحمّدية المحمودة والعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء ألاّ تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة» ، فوالذي فلق الحبّة وبرئ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعوا بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها .

فلمّا كانت الليلة التي ولد أمير المؤمنين عليه السلام أشرقت السماء بضيائها وتضاعف نور نجومها وأبصرت من ذلك قريش عجباً، فهاج(3) بعضها في بعض وقالوا : قد حدث(4) في السماء حادثة وخرج أبو طالب وهو يتخلّل سكك(5)مكّة وأسواقها ويقول : يا أيّها الناس، تمّت حجّة اللّه وأقبل الناس يسألونه عن علّة ما يرونه من إشراق السماء


1- في المصدر : فأكلها.
2- قال الطريحي : «لا يكترث: أي لا يعبأ به ولا يبالى». «مجمع البحرين» ج2، ص262،مادّة كرث.
3- قال الطريحي : «يهيج أي ييبس ويصفر». «مجمع البحرين» ج2، ص337،مادّة هيج.
4- في المصدر : قد أحدث.
5- قال الطريحي :«السكّة : الزقاق». «مجمع البحرين» ج5، ص270، مادّة سكك.

ص: 26

وتضاعف نور النجوم ، فقال لهم : ابشروا فقد ظهر في هذه الليلة وليٌّ من أولياء اللّه، يكمل اللّه تعالى فيه خصال الخير، ويختم به الوصيّين، وهو إمام المتّقين وناصر الدين وقامع المشركين وغيظ المنافقين وزين العابدين ووصيّ رسول ربّ العالمين ؛ إمام هدى ونجم علا ومصباح دجى ومبيد الشرك والشبهات، وهو نفس اليقين ورأس الدِّين. فلم يزل يكرِّر هذه الكلمات والألفاظ إلى أن أصبح ، فلمّا أصبح غاب عن قومه أربعين صباحاً .

قال جابر : فقلت : يارسول اللّه إلى أين غاب ؟ قال صلى الله عليه و آله : «إنّه مضى يطلب المثرم وكان قد مات(1) في جبل اللّكام ، فاكتم يا جابر فإنّه من أسرار اللّه المكنونة وعلومه المخزونة ، إنّ المثرم كان وصف لأبيطالب كهفاً في جبل اللكام» وقال له : إنّك تجدني هناك حيّاً أو ميّتاً ، فلمّا مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف ودخل إليه وجد المثرم ميّتاً جسداً ملفوفاً(2) في مدرعة(3) مسجّى بها إلى قبلته، وإذا(4) هناك حيّتان إحداهما بيضاء والاُخرى سوداء وهما يدفعان عنه الأذى، فلمّا بصرتا بأبي طالب غربتا في الكهف ودخل أبو طالب إليه فقال : السلام عليك يا وليّ اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، فأحيى اللّه تعالى بقدرته المثرم، فقام قائماً يمسح وجهه ويقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ عليّاً وليّ اللّه والإمام بعد نبيّ اللّه . فقال أبو طالب : ابشر فإنّ عليّاً عليه السلام قد طلع إلى الأرض ، فقال : ما كانت علامة الليل التي طلع منها (5)؟ قال أبو طالب : لمّا مضى من الليل الثلث أخذت فاطمة ما يأخذ النساء عند الولادة ، فقلت لها : ما بالكِ ياسيّدة النساء ؟ قالت : إنّي أجد وهجاً،


1- في المصدر: كان وقد مات.
2- في المصدر : ملفوفة مدرعة.
3- قال الطريحي :«المدرع والمدرعة واحد: وهو ثوب من صوف يتدّرع به». «مجمع البحرين» ج4، ص324،مادّة درع.
4- في المصدر : فإذا.
5- في المصدر : علامته الليلة التي طلع فيها.

ص: 27

فقرأت عليها الاسم الذي فيه النجاة فسكنت ، فقلت(1) : إنّي أنهض فآتيك بنسوة من صواحبك، يُعنّكِ على أمرك في هذه الليلة ، فقالت : رأيك يا أبا طالب ، فلمّا قمت لذلك إذا أنا بهاتفٍ هتف من زاوية البيت وهو يقول : امسك يا أبا طالب فإنَّ وليّ اللّه لا تمسّه يد نجسة ، وإذا أنا بأربعة(2) نسوة يدخلن عليها وعليهنّ كهيئة الحرير(3)، وإذا رائحتهنّ أطيب من المسك الأذفر، فقلن لها : السلام عليكِ يا وليّة اللّه ، فأجابتهنّ ثمّ جلسن بين يديها ومعهنّ جونة(4)من فضّة وأنسنها حتّى ولدت(5) أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا ولد انتهيت إليه فإذا هو كالشمس الطالعة، وسجد(6) على الأرض وهو يقول : «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّد رسول اللّه وأشهد أنّ عليّاً وصيّ(7)رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، بمحمّد(8) يختم اللّه النبوّة وبي يتمّ الوصيّة ، وأنا أمير المؤمنين».

فأخذته واحدة منهنّ من الأرض ووضعته في حِجرها، فلمّا نظر عليّ عليه السلام في وجهها ناداها بلسان ذلق(9) ذرب (10): «السلام عليك يا اُمّاه» ، فقالت : وعليك السلام(11)يابُنيّ ، فقال : «ما خبر والدي» ؟ قالت : فِي نِعَم اللّه يتقلّب وفي صحّته يتنعّم(12)، فلمّا سمعتُ لم أتمالك(13) أن قلت : يابُني ألست بأبيك ؟ قال : «بلى ولكنّي وإيّاك


1- في المصدر + : لها.
2- في المصدر : بأربع.
3- في المصدر + : الأبيض.
4- قال في «لسان العرب» ج13، ص84 ، مادّة جأن : الجونة : «سَلَّة مستديرة مُغشَّه أدماً، يجعل فيها الطّيب والثّياب».
5- في المصدر : ولد.
6- في المصدر : قد سجد.
7- في المصدر + : محمّد.
8- في المصدر : وبمحمّد.
9- قال الطريحي : ذلق : أي بليغ فصيح. «مجمع البحرين» ج5، ص165، مادّة ذلق.
10- قال الطريحي :الذرب :لسان ذرب أي فصيح «مجمع البحرين» ج2، ص58 مادّة ذرب.
11- في المصدر : السلام.
12- في المصدر : في نعم اللّه ينقلب، وصحبته يتنعّم.
13- في المصدر : لما تمالكتُ.

ص: 28

من صلب آدم عليه السلام وهذه اُمّي حوّاء» .

فلمّا سمعت ذلك غطّيت رأسي بردائي وألقيت بنفسي(1) في زاوية البيت حياءً منها ، ثمّ دَنَتْ أُخرى ومعها جونة فأخذت عليّاً عليه السلام ، فلمّا نظر إلى وجهها قال : «السلام عليك يا أُختي» ، قالت : وعليك السلام يا أخي ، قال : «فما خبر عمّي» ؟ قالت : في(2) خير وهو يقرأ عليك السلام ، فقلت : يابُنيّ وأيّ أُخت(3) هذه وأيّ عمّ هذا ؟ قال : «هذه مريم بنت عمران عليهاالسلام وعمّي عيسى بن مريم عليهماالسلام وطيَّبته بطيب كان في الجونة» ، فأخذته اُخرى منهنّ فأدرجته في ثوب كان معها .

قال أبو طالب : لو طهّرناه لكان أخفّ عليه، وذلك أنّ العرب كانت تطهّر أولادها ، فقالت : يا أبا طالب إنّه(4)طاهرٌ مطهّر لا يذيقه حرّ الحديد في الدُّنيا إلاّ على يد رجلٍ يبغضه اللّه ورسوله وملائكته وأهل(5)السماوات والأرض والجبال والبحار وتشتاق إليه النار ، فقلت : مَن هذا الرجل ؟ فقلن : ابن ملجم المراديلعنه اللّه وهو قاتله في الكوفة، سنة ثلاثين من وفاة محمّد صلى الله عليه و آله .

قال أبو طالب : فأنا كنت في استماع قولهنّ، ثمّ أخذه محمّد صلى الله عليه و آله بن عبداللّه بن أخي من يدهنّ ووضع يده في يده وتكلّم معه وسأله عن كلّ شيء، فخاطب محمّد صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام بأسرار كانت بينهما، ثمّ غِبنَ النسوة فلم أرهنَّ. فقلت في نفسي : لو عرفت المرأتين الأخيرتين، فألهم اللّه تعالى عليّاً فقال : «يا أباه(6)أمّا المرأة الاُولى فكانت حوّاء ، وأمّا التي أحضنتني فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها ، وأمّا التي أدرجتني في الثوب فهي آسية بنت مزاحم ، وأمّا صاحبة الجونة فهي أُمّ موسى بن


1- في المصدر : نفسي.
2- في المصدر _ : في.
3- في المصدر : يا بُني أيّ اُخت.
4- في المصدر : إنّه ولدٌ طاهراً مطهراً.
5- في المصدر _ : أهل.
6- في المصدر : يا أبي.

ص: 29

عمران عليهماالسلام ؛ فالحق بالمثرم الآن وبشّره وخبّره بما رأيت، فإنّه في كهف كذا في موضع كذا» ، فخرجت حتّى أتيتك فإنّه وصف الحيّتين ، فقلت(1) : أُبشّرك بما عاينته وشاهدت من ابني علي عليه السلام ، فبكى المثرم ثمّ سجد شكراً للّه تعالى ، ثمّ تمطّى(2)فقال : غطّني بمدرعتي فغطّيته، فإذا أنا به ميّت كما كان ، فأقمت ثلاثاً أُكلّمه(3) فلا أُجاب، فاستوحشت لذلك وخرجت الحيّتان وقالتا لي : السلام عليك يا أبا طالب فأجبتهما، ثمّ قالتا لي : اِلحق بوليّ اللّه تعالى فإنّك أحقّ بصيانته وحفظه من غيرك ، فقلت لهما : مَن أنتما ؟ قالتا : نحن عمله الصالح خلقنا اللّه تعالى من خيرات عمله، فنحن نذبّ عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة ، فإذا قامت الساعة كان أحدنا قائده والآخر سائقه ودليله إلى الجنّة، ثمّ انصرف أبو طالب إلى مكّة .

قال جابر : فقلت: يارسول اللّه أكثر الناس يقولون(4): إنّ أبا طالب مات كافراً ، قال صلى الله عليه و آله : «ياجابر ربّك(5) أعلم بالغيب، إنّه لمّا كانت الليلة التي أُسري بي منها(6) إلى السماء انتهيت إلى العرش فرأيت أربعة أنوار فقلت : إلهي ما هذه الأنوار ؟ فقال : يا محمّد هذا عبدالمطّلب، وهذا أبوطالب، وهذاأبوك عبداللّه،وهذا أخوك طالب فقلت : إلهي وسيّدي فبما نالوا هذه الدرجة ؟ قال : بكتمانهم الإيمان، وإظهارهم الكفر، وصبرهم على ذلك حتّى ماتوا عليه رحمهم الله »(7) .

أقول : وممّا يدلّ على صدق ذلك ما قاله أبو طالب حين أخذ بيد النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يرتجز ويقول :


1- في المصدر + : أتيتك.
2- قال الطريحي : التمطّي : هو التبختر ومدّ اليدين في المشي. «مجمع البحرين» ج1، ص395 مادّة مطط.
3- في المصدر : اُكلّم.
4- في المصدر : يارسول اللّه، اللّه أكبر!! الناس يقولون.
5- في المصدر : اللّه.
6- في المصدر : فيها.
7- «بحار الأنوار» ج35، ص10 14، ح12.

ص: 30

اذهب بنيّ فما عليك غضاضة وابشر وقرّ بذاك منك عيونا

واللّه لؤن يصلوا إليك بجمعهم حتّى أُوسّد في التراب دفينا

ودعوتني وعلمت أنّك ناصح ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

وذكرت ديناً لا محالة أنّه من خير أديان البرية دينا(1)

وقد اتّفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب من مثل مقاتل وعبداللّه بن عبّاس وغيرهما ، وزاد القوم في بعض روايتهم بيتاً آخر وهو :

لولا الملامة أو حذار مسبّةٍ لوجدتني ملمحاً بذاك مبينا

ومن شعره إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ويحثّه على اتّباع النبيّ صلى الله عليه و آله :

تعلم مليك الحبش أنّ محمّداً نبيّ كموسى والمسيح ابن مريم

أتى بالهُدى مثل الذي أتَيا بهِ فكلٌّ بأمر اللّه يهدي ويعصم

وإنّكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المرجّم

فلا تجعلوا للّه ندّاً وأسلموا فإنّ طريق الحقّ ليس بمظلم(2)

وفي قوله رحمه الله :

أعوذ بربّ البيت من كلّ طاعنٍ علينا بسوءٍ أو ملحٍ بباطل

كذبتم وبيت اللّه يبرى محمّداً ولمّا نطاعن دونه ونقاتل(3)

وننصره حتّى نصرع دونه ونذهل عن أبناءنا والحلائل

أما وبيت اللّه إن جدّ جدّنا ليلتبسن أسيافنا بالأماثل

بكلّ فتىً مثل الشهاب سميدع أخي ثقة عند الحفيظة باسِل

وما ترك قومٍ لا أبا لك سيّداً يحوط الذمار غير نكس موائل(4)


1- «إيمان أبي طالب» للفخّار، ص257؛ «بحار الأنوار» ج35، ص124.
2- «إعلام الورى» للطبرسي، ص45.
3- في المصدر : نناضل.
4- في المصدر : مواكل.

ص: 31

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاّك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان قسطٍ لا بخيس(1)شعيره ووزّان صدق وزنه غير غائل(2)

ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذّب لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل

لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمد وأحببته حبّ الحبيب المواصِل

وجِدْتُ بنفسي دونه فحميته ودفعت(3) عنه بالذرى والكواهل

فلا زال بالدُّنيا(4) جمالاً لأهلها وشيئاً(5) لمن عادى وزين المحافل

وأيّده ربّ العباد بنصره وأظهر ديناً حقّه غير باطل(6)

ومن قوله رحمه الله :

أمين حبيب في العباد مسوّم بخاتم ربّ قاهر في الخواتم

يرى الناس برهاناً عليه وهيبةً وما جاهل في قومه مثل عالم

نبيٌّ أتاه الوحي من عند ربّه فمن قال لا يقرع سنّ نادم(7)

وعن «أمالي» محمّد بن حبيب:إنّ أبا طالب رحمه الله كان يقيم النبيّ صلى الله عليه و آله ويضجّ عليّاً عليه مكانه خشية البيات ويأمره بالصبر ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«سأسعى لوجه اللّه في نصر أحمدٍ نبيّ الهدى المحمود طفلاً ويافعاً»8

ومن قوله رحمه الله :


1- في المصدر : وميزان صدق لا يخيس.
2- في المصدر : عائل.
3- في المصدر : ودافعت.
4- في المصدر : للدنيا.
5- في المصدر : شينا.
6- «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، ج14، ص79.
7- «إيمان أبي طالب» للمفيد، ص32؛ «شرح نهج البلاغة» ج14، ص73؛ «كنز الفوائد» للكراجكي، ج1 ص180؛ «بحار الأنوار» ج35، ص160. 8 . «شرح نهج البلاغة» ج14، ص64؛ «بحار الأنوار» ج35، ص93.

ص: 32

لقد أكرم اللّه النبيّ محمّداً وأكرم خلق اللّه في الناس أحمدُ

وشقّ له من اسمه ليجلّه فذوا العرش محمودٌ وهذا محمّدُ(1)

ومن قوله رحمه الله :

ألم تعلموا إنّا وجدنا محمّداً نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتب(2) (3)

وفي «كشف الغمّة» عن الصادق عليه السلام : «أنّه كان ذات يوم جالساً بالرحبة(4)، فقام(5) إليه رجل فقال : ياأمير المؤمنين أنت(6) بالمكان الذي أنزلك اللّه عزّوجلّ به وأبوك معذّب(7) بالنار ؟ فقال عليه السلام : «مه فضَّ اللّه فاك ، والذي بعث محمّداً صلى الله عليه و آله بالحقّ! لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه اللّه فيهم ، أبي(8)يُعذّب بالنار وابنه قسيم النار(9)» .

ثمّ قال : «والذي بعث محمّداً صلى الله عليه و آله بالحقّ!(10) أنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلاّ خمسة أنوار: نور محمّد ونوري ونور فاطمة ونور الحسن ونور الحسين ومن ولدته من الأئمّة لأنّ نوره من نورنا الذي خلقه اللّه تعالى من قبل أن يخلق(11) آدم عليه السلام بألفي عام »(12).


1- «إعلام الورى» للطبرسي، ص8؛ «إيمان أبي طالب» للفخّار، ص285؛ «شرح نهج البلاغة» ج14، ص78؛ «بحار الأنوار» ج35، ص165.
2- «الكافي» ج1، ص449.
3- هذا البيت من أهمّ ما يدلّ على إيمان أبي طالب عليه السلام حيث يقول فيه : إنّ نبوّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله مكتوب في أوائل الكتب السماوية مثل العهدين، وأنّ نبوّته صلى الله عليه و آله كنبوّة موسى عليه السلام .
4- قال الطريحي : الرحبة: محلّة بالكوفة. «مجمع البحرين» ج2، ص69 مادّة رحب.
5- في المصدر + : والناس حول مجتمعون.
6- في المصدر : إنّك.
7- في المصدر : يُعذّب.
8- في المصدر : أأبي.
9- في المصدر : وابنه قسيم الجنّة والنار.
10- في المصدر _ : بالحقّ.
11- في المصدر + : اللّه.
12- «كشف الغمّة» ج2، ص42؛ «الأمالي» للطوسي، ص305 و701.

ص: 33

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال : «لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفّة الاُخرى لرجح إيمانه»1 ، ومن قوله : لقد أكرم اللّه إلى آخره(1) .

وعن جعفر بن محمّد عليهماالسلام عن آبائه عليهم السلام قال : «كان العبّاس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت اللّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم(2) وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام تسعة أشهر(3) ، قال : فوقفت بإزاء البيت الحرام- وقد أخذها الطلق- فرمت بطرفها إلى5 السماء وقالت : «أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك الرسول وبكلّ نبيّ من أنبيائك وبكلّ كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وإنّه بَنى بيتك العتيق ، فأسأل(4)ك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي، الذي يكلِّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة إنّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عَليَّ ولادتي».

قال العبّاس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب: فلمّا(5) تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدُّعاء رأيت(6) البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت(7)بإذن اللّه تعالى... وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام ، قال : وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ ، قال : فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعليّ عليه السلام على يديها» .


1- إشارة إلى البيت الذي قد مرّ في ص29.
2- في المصدر + : اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام .
3- في المصدر : لتسعة أشهر وكان يوم التمام.
4- «شرح نهج البلاغة» ج14، ص68؛ «إيمان أبي طالب» للفخّار، ص84؛ «بحار الأنوار» ج35، ص156.
5- في المصدر : لما.
6- في المصدر : رأينا.
7- في المصدر : التزلقت.

ص: 34

ثمّ قالت: معاشر الناس،إنّ اللّه عزّوجلّ اختارني من خلقه وفضّلني على المختارات ممّن كنّ(1)قبلي،وقد اختار(2) آسية بنت مزاحم وأنّها(3) عبدت اللّه سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد اللّه فيها(4)إلاّ اضطراراً ، وأنّ مريم ابنة عمران اختارها اللّه تعالى حيث يسّر عليها ولادة عيسى عليه السلام فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنيّاً، وأنّ اللّه تعالى اختارني وفضّلني عليهما وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدتُ في بيته(5)وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأرزاقها(6)، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف، بي هاتف، وقال : يافاطمة سمّيه عليّاً فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويسكّر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي ووصيّه. فطوبى لمن أحبّه ونصره والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه.

فلمّا رآه أبو طالب سرّه وقال(7): «السلام عليك يا أبة ورحمة اللّه وبركاته. ثمّ دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السلام وضحك في وجهه وقال : السلام عليك يارسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته»(8) .

إلى أن قال : ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لفاطمة : «اذهبي إلى عمّه حمزة فبشّريه به»


1- في المصدر : مضى.
2- في المصدر + : اللّه.
3- في المصدر : فإنّها
4- في المصدر : فيه.
5- في المصدر : العتيق.
6- في المصدر : وأوراقها.
7- في المصدر + : عليّ عليه السلام .
8- «الأمالي» للطوسي، ص706 708؛ «بحار الأنوار» ج35، ص35، ح37.

ص: 35

فقالت : إذا(1)خرجت أنا فمن يروّيه ؟ قال : «أنا أُروّيه» ، فقالت فاطمة : أنت تروّيه ؟ قال : «نعم» ، فوضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لسانه في فيه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، قال : فسمّي ذلك اليوم يوم التروية ، فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من عليّ عليه السلام إلى عنان السماء ، ثمّ قال صلى الله عليه و آله : «شدّته وقمّطته بقماط، فبتر القماط(2) قال : فأخذت فاطمة قماطاً جيّداً فشدّته به فبتر القماط، ثمّ جعلته قماطين فبترهم، فجعلته ثلاثاً(3) فبترها، فجعلته أربعة أقماط(4) من رقّ(5)مصر لصلابته فبترها كلّها، فجعلته(6)من ديباج واحد من الأديم(7) فتمطّى فيها فقطعها كلّها بإذن اللّه تعالى. ثمّ قال بعد ذلك : «يا اُمّاه لا تشدّي يدي، فإنّي أحتاج أن أُبصبص(8)(9) لربّي بإصبعي» .

قال : فقال أبو طالب عند ذلك : إنّه سيكون له شأن ونبأ ، قال : فلمّا كان من غد دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على فاطمة، فلمّا أبصر(10) عليّ عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ضحك(11) في وجهه وأشار إليه: أن خذني إليك واسقني ممّا سقيتني بالأمس ، قال : فأخذه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالت فاطمة : عرفه وربّ الكعبة ، قال : فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة. يعني أنّ أمير المؤمنين عليه السلام عرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله .


1- في المصدر: فإذا.
2- قال ابن منظور:القمط :شَدٌّ كشدّ الصبيّ في المهد، وفي غير المهد إذا ضُمَّ أعضاؤه إلى جسده ثمّ لُفَّ عليه القِماط. «لسان العرب» ج7، ص385، مادّة قمط.
3- في المصدر : ثلاثة.
4- في المصدر : أقمطة.
5- قال الطريحي : الرقّ بالفتح : الجلد الرقيق الذي يكتب به. «مجمع البحرين» ج5، ص172 مادّة رقق.
6- في المصدر : «فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلتها ستّة من ديباج وواحداً من لأدم فتمطّى فيها كلّها بإذن اللّه، ثمّ قال بعد ذلك».
7- في المصدر : من الأدم.
8- في المصدر : إلى أن اُبصبص.
9- قال الطريحي :البصبصة : هي أن ترفع سبّابتيك إلى السماء وتحرّكهما وتدعو. «مجمع البحرين» ج4، ص163، مادّة بصبص.
10- في المصدر : بصر.
11- في المصدر : سلّم عليه وضحك.

ص: 36

فلمّا كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجّة أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال : هلمّوا إلى وليمة ابني عليّ عليه السلام ، قال : فنحر(1) ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم، واتّخذ وليمة عظيمة وقال : معاشر الناس ألا من أراد من طعام عليّ عليه السلام ولدي، فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً سبعاً(2) وادخلوا وسلّموا على ولدي عليّ عليه السلام ، فإنّ اللّه تعالى شرّفه لفعل(3) أبي طالب شرف يوم النحر(4).

ففعل الناس ذلك وجرت به السنّة. وكان عُمْر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يومئذٍ ثلاثون سنة، وكان صلى الله عليه و آله يحبّه حبّاً شديداً ويقول لاُمّه : «اجعلي مهده بقرب فراشي»، وكان صلى الله عليه و آله يلي أكثر تربيته، ويطهر(5) في وقت غسله، ويؤجره اللبن عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويناغيه(6) في يقظته، ويحمله على صدره ورقبته ويقول: «هذا أخي ووصيّي ووليّي وناصري وصفيّي وذخري وكهفي وصهري وزوج كريمتي وأميني على وحيي وخليفتي»(7) ، وكان صلى الله عليه و آله يحمله دائماً ويطوف به الجبال(8) وشعابها وأوديتها وفجاجها(9)، صلّى اللّه على الحامل والمحمول(10).

وهو عليه السلام أوّل من آمن باللّه ورسوله من أهل البيت والأصحاب، وأوّل ذكر دعاه(11) إلى الإسلام فأجاب ، ولم يزل ينصر الدِّين ويجاهد المشركين ويذبّ12 عن


1- في المصدر : ونحر.
2- في المصدر: جاءت كلمة «سبعاً» مرّة واحدة.
3- في المصدر : ولفعل.
4- «الأمالي» للطوسي، ص706 _ 709؛ «بحار الأنوار» ج35، ص35 _ 39، ح37.
5- في المصدر : وكان يطهر.
6- قال الطريحي في «مجمع البحرين» ج1، ص418، مادّة نغي : المرأة تناغي الصبي : أي تكلّمه بما يعجبه ويسرّه.
7- في المصدر : هذا أخي ووليّي وناصري وصفيّي وذخري وكهفي وصهري ووصيّي وزوج كريمتي وأميني على وصيّتي وخليفتي.
8- في المصدر : جبال مكّة.
9- قال الطريحي : الفجّ : الطريق الواسع بين الجبلين. «مجمع البحرين» ج2، ص321 مادّة فجج.
10- «كشف الغمّة» ج1، ص60 و 61.
11- في المصدر + : النبي.

ص: 37

الأيمان ويقاتل(1)أهل الزيغ والطغيان وينشر العدل ويتولّى(2) الإحسان ويشيّد معالي الكتاب والسنّة، وكان عليه السلام مقامه مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد البعثة ثلاثاً وعشرين سنة منها ثلاث سنين(3) بمكّة قبل الهجرة مشاركاً له في محنته كلّها، متحمِّلاً عنه أكثر أثقالها ، صابراً معه على اضطهاد قريش وتكذيبهم له ، قائماً بما يأمره(4) صابراً محتسباً راضياً ، وأقام معه بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين(5) يكافح دونه ويجاهد بين يديه قمع الكافرين ودفع المنافقين،ويقيه(6) بنفسه في المواقف والمشاهد، ويثبت إذا تزلزلت الأقدام وكلّت السواعد، إلى أن قبضه اللّه تعالى إلى جنّته واختار له دار كرامته(7).

وأقام عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثين سنة، فكان عمره ثلاثاً وستّين سنة كعمر النبيّ صلى الله عليه و آله .

وقد اشتهر بين الخاصّة والعامّة أنّ مولده في مكّة في البيت الحرام يوم الجمعة سيّد الأيّام ثالث عشر من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، ولم يولد في البيت الحرام أحدٌ قبله ولا بعده، وهي الفضيلة التي خصّه اللّه سبحانه تبارك وتعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته(8)(9) .


1- الذبّ : الدفع والمنع.«لسان العرب» ج1، ص380 مادّة ذبب.
2- في المصدر : ويقتل.
3- في المصدر : يُولى.
4- في المصدر : ثلاث عشرة سنة.
5- في المصدر + : به.
6- في المصدر + : بعد الهجرة بالمدينة.
7- في المصدر : ويجالد ويجهد بين يديه في قمع الكافرين ويجاهد ويقيه.
8- «كشف الغمّة» ج1، ص61.
9- هذه العبارة أخذها عن «كشف الغمّة» ج1، ص59.

ص: 38

الفصل الثاني: في نسبه عليه السلام من قِبل أبيه واُمّه

أمّا من قِبل أبيه فهو عليّ عليه السلام ابن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطّلب واسمه شيبة الحمد وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان ولد أبي طالب طالباً ولا عقب له وعقيلاً وجعفراً وعليّاً عليه السلام وكلّ واحد أسنّ من الآخر بعشر سنين(1) .

وأمّا نسبه من قِبل أُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكانت من رسول اللّه بمنزلة الاُمّ ربّته في حجرها، وكانت من السابقات إلى الإيمان وهاجرت معه إلى المدينة ، ولمّا حضرتها الوفاة كفّنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض، وتوسّد في قبرها لتأمن بذلك من ضغطة القبر، ولقّنها الإقرار بولاية ابنها عليه السلام . وفي رواية: أنّه صلى الله عليه و آله لمّا اضطجع في قبرها قال صلى الله عليه و آله : «اللّه الذي يُحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجّتها ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك محمّد صلى الله عليه و آله والأنبياء الذين من قبلي، فإنّك أرحم الراحمين»(2) .


1- قد أخذ هذه العبارة مع قليل تصرّف عن «كشف الغمّة» ج1، ص64.
2- «كشف الغمّة» ج1، ص65.

ص: 39

قال الخوارزمي ومن قولي فيه :

نسب المطهّر بين أنساب الورى كالشمس بين كواكب الأنساب

والشمس إن طلعت فما من كوكبٍ إلاّ تغيّب في نقاب حجاب(1)


1- نفس المصدر.

ص: 40

الفصل الثالث:في اسمه وكنيته وألقابه عليه السلام

أمّا اسمه: فقد تقدّم أنّه عليّ عليه السلام مشتقّ من اسم اللّه الأعلى ، قال أبو طالب رحمه اللّه تعالى :

سمّيته بعليٍّ كي يدوم له عزّ العلوّ وفخر العزّ أدومه(1)

وأمّا كنيته : فهو أبو الحسن عليه السلام وأبو الحسين عليه السلام وأبو تراب وأبو محمّد .

وعن جابر أنّه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول لعليّ عليه السلام (2) قبل موته بثلاث : السلام(3) عليك يا أبا الرياحين(4) ، أوصيك بريحانتي من الدُّنيا، فعن قليل ينهدّ ركناك واللّه خليفتي عليك(5) .

وأمّا ألقابه عليه السلام (6) : أمير المؤمنين عليه السلام ، ويعسوب الدِّين ، ومبيد الشرك ، وقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، ومولى المؤمنين ، وشبيه هارون ، والمرتضى ، ونفس


1- «كشف الغمّة» ج1، ص85؛ «بحار الأنوار» ج35، ص31.
2- في المصدر : لعليّ بن أبي طالب عليه السلام .
3- في المصدر : سلام عليك.
4- في المصدر : يا أبا الريحانتين.
5- «الأمالي» للصدوق، ص135؛ «بحار الأنوار» ج43، ص173، ح14.
6- قد أخذها عن «كشف الغمّة» ج1، ص68.

ص: 41

الرسول وأخوه ، وزوج البتول ، وسيف اللّه المسلول ، وأبو السبطين ، أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، وقسيم الجنّة والنار ، وصاحب اللواء ، وسيّد العرب ، وخاصف(1) النعل ، وكاشف الكرب ، والصدِّيق الأكبر ، وذو القرنين ، والهادي ، والفاروق ، والداعي ، والشاهد ، وباب المدينة ، وبيضة البلد ، وتستعمل للمدح(2)كقول أُخت عمرو ترثيه لمّا قتله أمير المؤمنين عليّ عليه السلام :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله لكنت أبكي عليه آخر الأبدِ

لكنّ قاتله من لا يعاب به وكان يدعى قديماً بيضة البلدِ(3)

قال بعض الاُدباء : والقول باستعمالها بالذمّ وَهْمٌ .

والوليّ ، والوصيّ ، وقاضي دين الرسول ، ومنجز وعده ، وعزّة المهاجرين ، وصفوة الهاشميّين ، والكرّار غير الفرّار ... الحديث(4).


1- قال الطريحي في «مجمع البحرين» ج5، ص46،مادّة خصف: الخصف: وهو ضمّ الشيء إلى الشيء وإلصاقه به.
2- في المصدر : في المدح.
3- «كشف الغمّة» ج1، ص68.
4- نفس المصدر، ص69.

ص: 42

الفصل الرابع:في صفته عليه السلام

فقد رُوي أنّه كان ربع(1) القامة ، أزجّ(2) الحاجبين ، أدعج(3) العينين ، حسن الوجه ، كأنّه القمر ليلة البدر حسناً ، ضخم البطن ، عريض المنكبين ، شثن(4) الكفّين ، أغيد(5)، كأنّ عنقه إبريق فضّة ، أصلع(6)، كثّ اللحية ، أدم(7) اللون(8)، مشاش9 كمشاش الأسد10 الضاري11 ، لا يبين عضده من ساعده ،


1- قال ابن منظور في «لسان العرب» ج8 ، ص 100، مادّة ربع : مربوع : أي لا قصير ولا طويل.
2- قال الجوهري في «الصحاح» ج1، ص319، مادّة زجج : الزجج: دقة في الحاجبين وطول، والرجل أزج.
3- قال في «لسان العرب» ج2، ص271، مادّة دعج : الدَّعج والدعجَة : السواد؛ وقيل شدّة السواد.
4- قال في «لسان العرب» ج13، ص232، مادّة شثن : شثن الكفّين والقدمين أي أنّهما تميلان إلى الغِلَظِ والقِصَر.
5- قال في «لسان العرب» ج3، ص327، مادّة غيد : غيد : غَيِدَ غَيَداً وهو أغيدٌ : مالت عنقه ولانَتْ أعطافه.
6- قال في «لسان العرب» ج8 ، ص204، مادّة صلع : الصَّلع : ذهاب الشعر من مقدّم الرأس إلى مُؤَخّره وكذلك إن ذهب وسطه.
7- قال في «مجمع البحرين» ج6، ص6، مادّة أدم : الأدمة من الإبل بالضم : البياض الشديد مع سواد المقتلتين.
8- في المصدر _ : أدم اللوم.

ص: 43

وقد أُدمجت(1) إدماجاً، إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطيع أن يتنفّس ، شديد الساعد واليد ، إذا مشى إلى الحرب هرول(2)، ثبت الجنان ، قويّ شجاع ، منصورٌ على مَنْ لاقاه(3) .

قال المغيرة : كان عليّ عليه السلام على هيئة الأسد غليظاً(4)ما استغلظ دقيقاً منه ما استدق(5).


1- قال في «لسان العرب» ج6، ص347، مادّة مشش : المشاش : رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين.
2- في المصدر : لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري.
3- قال في «لسان العرب» ج14، ص482 مادّة ضري : كلب ضارٍ بالصيد، إذا اعتاد الصيد.
4- قال في «لسان العرب» ج2، ص274، مادّة دمج : دَمَج الأمرُ يدمُجُ دموجاً : استقام.
5- قال في «لسان العرب» ج11، ص695، مادّة هرول : الهرولة : بين العَدوِ والمشي، وقيل : الهرولة الإسراع.

ص: 44

الفصل الخامس:في ذكر أولاده وأزواجه واُمّهات أولاده

في «البحار»: كان له عليه السلام سبعة وعشرون ذكراً واُنثى ؛ الحسن والحسين عليهماالسلام ، وزينب الكبيرة(1) الكبرى المكنّاة أُمّ كلثوم(2)، وزينب الصغرى من فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأبو القاسم محمّد اُمّه خولة بنت جعفر(3) الحنفيّة، وعمر ورقيّة كانا توأمين اُمّهما الصهباء ويُقال اُمّ حبيب التغلبيّة ، والعبّاس وجعفر وعثمان وعبداللّه الشهداء بكربلاء اُمّهم أُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابية ، وله من أسماء بنت عميس الخثعمية يحيى وعون، وكان له من ليلى ابنة مسعود الدارمية محمّد الأصغر المكنّى أبا بكر وعبداللّه، وكان له خديجة واُمّ هاني وميمونة وفاطمة... الحديث(4) .

وفي كتاب «الأنظار» عن المفيد أنّه قال : أولاد أميرالمؤمنين عليه السلام سبعة وعشرين(5) ولداً ذكراً واُنثى : الحسن والحسين عليهماالسلام وزينب الكبرى وزينب الصغرى


1- في المصدر _ : الكبيرة.
2- كذا في النسخة، ولكن في المصدر : «زينب الكبرى وزينب الصغرى المكنّاة باُمّ كلثوم»، ويشهد له ما في الرواية الآتية.
3- في المصدر + : بن.
4- «بحار الأنوار» ج42، ص74.
5- في المصدر : عشرون.

ص: 45

المكنّاة أُمّ كلثوم واُمّهم فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين، بنت المرسلين(1) محمّد خاتم النبيّين صلى الله عليه و آله ، ومحمّد المكنّى أبا القاسم اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيّة، وعمر ورقية كانا توأمين واُمّهما أُمّ حبيب بنت ربيعة ، والعبّاس وجعفر وعثمان وعبداللّه الشهداء مع أخيهم الحسين عليه السلام (2) بطفّ كربلاء، أُمّهم اُمّ البنين بنت خالد(3)بن دارم ومحمّد الأصغر المكنّى أبا بكر وعبيداللّه الشهيدان مع أخيهما الحسين عليه السلام بالطفّ، اُمّهما ليلى بنت مسعود الدارميّة ويحيى وعون(4) اُمّهما(5) أسماء بنت عميس الخثعميّة(6)، واُمّ الحسن ورملة واُمّهما اُمّ مسعود بنت ارشاد بن عروة بن مسعود الثقفي(7)، ونفيسة وزينب الصغرى ورقيّة الصغرى وأُمّ هاني واُمّ الكرام... إلى أن قال : وامامة واُمّ سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة(8) لاُمّهات شتّى(9) .

وروي أنّ فاطمة عليهاالسلام أسقطت بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ذكراً كان سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وهو حمل _ محسناً ، فعلى هذا القول أولاده ثمانية وعشرين(10)ولداً رحمة اللّه عليهم(11).


1- في المصدر : سيّد المسلمين.
2- في المصدر + : بن عليّ عليهماالسلام .
3- في المصدر : بنت حزام بن خالد.
4- في المصدر _ : عون.
5- في المصدر : اُمّه.
6- في المصدر : رضي اللّه عنها.
7- في المصدر : اُمّ الحسن ورملة اُمّهما اُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.
8- في المصدر + : رحمة اللّه عليهم.
9- «الإرشاد» للمفيد، ج1، ص354؛ «كشف الغمّة» ج2، ص67؛ «إعلام الورى» للطبرسي، ص203؛ «العمدة» لابن بطريق، ص29، مع اختلاف في الكتابين الأخيرين.
10- في المصدر : عشرون.
11- «الإرشاد» للمفيد، ج1، ص355؛ «كشف الغمّة» ج2، ص67.

ص: 46

ص: 47

ص: 48

الباب الثاني: في سبقه عليه السلام إلى الإسلام وفي بيان بعض النصوص عليه بالخلافة والإمامة وفيه فصلان :

الفصل الأوّل: في سبقه إلى الإسلام

قال في «كشف الغمّة» : قال المؤيّد (1): وبهذا الإسناد عن محمّد بن إسحاق: إنّ أوّل ذكر آمن برسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام وصدّق ما جاء به النبيّ من اللّه (2) تعالى، وعمره يومئذٍ عشر سنين، وكان من نعمة اللّه عليه أنّه ربّي في حجره صلى الله عليه و آله(3).

وعن سلمان رحمه الله أنّه قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : «أوّل الناس وروداً على الحوض يوم القيامة أوّلهم إسلاماً عليّ بن أبي طالب عليه السلام »(4) .

وعن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «صلّت الملائكة عَليَّ وعلى عليّ سبع سنين» ، قيل : ولِمَ ذلك يارسول اللّه ؟ قال : «لم يكن معي من الرجال غيره»(5).

وفي رواية أنّه قال : «صلّت الملائكة عَليَّ وعلى عليّ عليه السلام سبع سنين، وذلك أنّه لم ترفع شهادة أن لا إله إلاّ اللّه إلى السماء إلاّ منّي ومن عليّ عليه السلام »(6) .


1- في المصدر : أبو المؤيّد.
2- في المصدر : بما جاء به عن اللّه.
3- «كشف الغمّة» ج1، ص77.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر.
6- «كشف الغمّة» ج1، ص80 .

ص: 49

وعن كتاب «اليواقيت» لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفارية قالت : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو وعائشة على فراش وعليهما قطيفة... إلى أن قالت : فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ هذا أوّل الناس إيماناً وأوّل الناس لقائه(1) لي يوم القيامة، وآخر الناس بي عهداً عند الموت»(2)يعني عليّ بن أبي طالب عليه السلام _ .

وعن ابن عبّاس رحمه الله أنّه قال : نظر عليّ عليه السلام في وجوه الناس فقال : «إنّي لأخو رسول اللّه ووزيره، ولقد علمتم أنّي أوّلكم إيماناً باللّه (3)ورسوله صلى الله عليه و آله ، ثمّ دخلتم بعدي في الإسلام رسلاً(4)رسلاً... وإنّي لابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأخوه وشريكه في نسبه، وأبو ولده وزوج ابنته سيّدة(5) نساء العالمين»(6) ، الحديث .

وعن عليّ عليه السلام أنّه قال : «اللّهمَّ لا أعرف عبداً لك مِنْ هذه الاُمّة عَبَدَكَ قبلي غير نبيّك صلى الله عليه و آله ثلاث مرّات، وقد(7)صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعاً»(8) .

وعن ابن عبّاس أنّه قال:قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى عليه السلام يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى عليه السلام صاحب يآس، والسابق إلى محمّد صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام »(9) .

وعن كتاب «الخصائص» عن أبي ذرّ وسلمان قالا : أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد عليّ عليه السلام فقال : «إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهذا فاروق هذه الاُمّة، وهذا يعسوب(10)


1- في المصدر : لقاءً.
2- «كشف الغمّة» ج1، ص78.
3- في المصدر : عزّ و جلّ.
4- في المصدر : ثمّ دخلتم في الإسلام بعدي رسلاً.
5- في المصدر : وزوج سيّدة ولده وسيّدة نساء العالمين.
6- «كشف الغمّة» ج1، ص78 و 79.
7- في المصدر : ولقد.
8- «كشف الغمّة» ج1، ص80 .
9- «كشف الغمّة» ج1، ص81 .
10- قال في«لسان العرب» ج1، ص599، مادّة عسب : «اليعسوب : السيّد والرئيس والمُقدَّم وأصله فحل النَّحل».

ص: 50

المؤمنين، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدِّيق الأكبر»(1) .

وفي كتاب «تلخيص كشف الغمّة» عن عمر: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لعليّ عليه السلام : «إنّك أوّل المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بآيات اللّه، وأعظمهم عند اللّه مزيّة»(2) .

وقال صلى الله عليه و آله لفاطمة عليهاالسلام : «ألا ترضين أن أُزوّجك(3) أقدم اُمّتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حِلماً»(4) .

وعن كتاب «الخصائص»: في قوله تعالى : «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ»(5) نزلت في النبيّ صلى الله عليه و آله والوصيّ عليه السلام خاصّة؛ لأنّهما أوّل من صلّى(6).(7)


1- «كشف الغمّة» ج1، ص85 .
2- «كشف الغمّة» ج1، ص84؛ «بحار الأنوار» ج38، ص245.
3- في المصدر : زوّجتك.
4- «كشف الغمّة» ج1، ص84؛ «بحار الأنوار» ج38، ص246.
5- البقرة 2: 43.
6- في المصدر : إنّما نزلت في النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام خاصّةً؛ لأنّهما أوّلُ مَنْ صلّى وركع.
7- «كشف الغمّة» ج1، ص85؛ «بحار الأنوار» ج38، ص201.

ص: 51

الفصل الثاني:في النصوص عليه بالخلافة والإمامة

اعلم(1) أنّه عليه السلام كان الخليفة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والإمام علي(2)عليه السلام لفضله على كافّة الأنام،بما اجتمع له من خصال الفضل(3)والكمال،من سبقه الجماعة إلى الإيمان،والتبريز عليهم فيالعلم بالأحكام،والتقدّم لهم في الجهاد، والبينونة منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح، واختصاصه من النبيّ صلى الله عليه و آله في القرابة(4) بما لم يشركه فيه أحد من ذوي الأرحام ، ثمّ لنصّ اللّه جلّ اسمه على ولايته في القرآن حيث(5)«إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(6) ، ومعلوم أنّه لم يزك في ركوعه سواه عليه السلام .

وقد ثبت في اللغة أنّ الوليّ هو الأولى بلا اختلاف(7) ، وإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام


1- هذه العبارة نقلها المؤلّف عن كتاب «الإرشاد» للمفيد، ج1، ص7.
2- في المصدر : على.
3- في المصدر + : والرأي.
4- في المصدر : في القربى.
5- في المصدر + : يقول جلّ اسمه.
6- المائدة 5: 55 .
7- في المصدر : بلا خلاف.

ص: 52

بحكم القرآن هو أولى بالناس من أنفسهم لكونه وليّهم بالنصّ في التبيان، وجبت طاعته على كافّتهم بجليّ البيان كما وجبت طاعة اللّه عزّوجلّ وطاعة رسوله صلى الله عليه و آله بما تضمّنه الخبر عن ولايتهما للخلق في هذه الآية بواضح البرهان .

وبقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الدار وقد جمع بني عبد المطّلب خاصّة فيها للإنذار : «مَنْ يؤازرني(1) منكم(2) على هذا الأمر يكن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي» ، فقام(3) أمير المؤمنين عليه السلام من بين الجماعة(4)وهو أصغرهم(5)سنّاً فقال : «أنا أُؤازرك يارسول اللّه» ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : «اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي من بعدي» ، وهذا صريح القول في الاستخلاف(6) .

وبقوله صلى الله عليه و آله أيضاً يوم غدير خمّ وقد جمع الأُمّة لسماع الخطاب : «ألستُ أولى بكم من أنفسكم ؟» فقالوا : اللّهمَّ بلى ، فقال صلى الله عليه و آله لهم على النسق من غير فصل بين الكلام : «مَن(7) كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» . فأوجب له عليهم من فرض الطاعة والولاية ما كان له عليهم فيما(8) قرّرهم به من ذلك، فلم يناكروه(9). وهذا أيضاً ظاهرٌ في النصّ عليه بالإمامة والاستخلاف له في المقام .

وبقوله صلى الله عليه و آله عند توجّهه إلى تبوك : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى عليه السلام إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»(10) . فأوجب له الوزارة والتخصيص له بالمودّة11 والفضل على الكافة،


1- قال في «لسان العرب» ج4، ص17 مادّة أزر: قال الزجّاج: آزرتُ الرجل على فلان إذا أعنته عليه وقوّيته.
2- في المصدر _ : منكم.
3- في المصدر + : إليه.
4- في المصدر : جماعتهم.
5- في المصدر + : يومئذ.
6- «الإرشاد» ج1، ص7 و 8 .
7- في المصدر : فمن.
8- في المصدر : بما.
9- في المصدر: ولم يتناكروه.
10- «الإرشاد» ج1، ص8 .

ص: 53

والخلافة عليهم في حياته وبعد وفاته، بشهادة(1) القرآن بذلك لهارون من موسى عليهماالسلام ؛ قال عزّوجلّ إخبار(2) عن موسى : «وَاجْعَلْ لِى وَزِيرا مِنْ أَهْلِى رضى الله عنه صلى الله عليه و آله هَارُونَ أَخِى عليهاالسلام اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى عليهاالسلام قدس سره وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى عليهاالسلام رضى الله عنه كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرا عليهاالسلام عليهاالسلام وَنَذْكُرَكَ كَثِيرا عليهاالسلام رحمهم الله إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرا عليهاالسلام قدس سرهم قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى»(3) ، فثبت لهارون شركة موسى عليه السلام فيالنبوّة والوزارة(4)على تأدية الرسالة وشدّ أزره به في النصرة.

فقال(5) في استخلافه له : «اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(6)فثبت له الخلافة بحكم التنزيل .

فلمّا جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام جميع منازل هارون من موسى عليه السلام في الحكم له منه إلاّ النبوّة وجبت له وزارة الرسول صلى الله عليه و آله وشدّ الأزر بالنصرة والفضل والمحبّة لما تقتضيه هذه الخصال من ذلك في الحقيقة، ثمّ الخلافة في الحياة بالصريح، وبعد النبوّة بتخصيص الاستثناء لما خرج(7) منها بذكر البعد(8).

وعن «الأمالي» من طرق العامّة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ياحذيفة إنّ حجّة اللّه عليكم بعدي عليّ بن أبي طالب ، الكفر به كفر باللّه، والشرك به شرك باللّه، والشكّ فيه شكّ في اللّه، والإلحاد فيه إلحاد في اللّه، والإنكار له إنكار للّه، والإيمان به إيمان باللّه، لأنّه أخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ووصيّه وإمام اُمّته ومولاهم، وهو حبل اللّه المتين، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها ، وسيهلك به(9)(10)


1- في المصدر : والتخصّص بالمودّة.
2- في المصدر : لشهادة.
3- في المصدر : قال اللّه عزّوجلّ مخبراً.
4- طه 20: 29 _ 36 .
5- في المصدر : وزارته.
6- في المصدر : وقال.
7- الأعراف 7: 142 .
8- في المصدر : أخرج.
9- من أوّل الفصل إلى هنا تكون نصّاً لعبارة «الإرشاد» ج1، ص9
10- في المصدر : فيه.

ص: 54

اثنان ولا ذنب له ؛ محبٌّ غال ومقصِّرٍ»(1) .

وعن «مناقب» ابن مردويه، عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «هذا عليّ بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ(2)أنّه لا نبيّ بعدي(3) ، ياأُمّ سلمة اشهدي واسمعي هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين(4)وسيّد المرسلين(5) وعيبة علمي وبابي الذي أوتى منه ، أخي في الدين(6) وخدني في الآخرة ومعي في السنام الأعلى»(7).

ومنه «لمّا أُسري بي إلى السماء ثمّ(8)إلى سدرة المنتهى وقفت بين يدي ربّي عزّوجلّ ، قال(9) : «قد بلوت خلقي فأيّهم رأيت أطوع (10)؟ قلت(11) : عليّاً عليه السلام ، قال : قد(12) اخترت لك عليّاً فاتّخذه لنفسك خليفة ووصيّاً ، ونحلته علمي وحلمي وهو أمير المؤمنين حقّاً، لم ينلها أحد قبله وليست لأحدٍ بعده»(13) .


1- «الأمالي» للصدوق، ص197.
2- في المصدر : غير أنّه.
3- في المصدر + : وقال.
4- في المصدر : هذا عليّ هذا أمير المؤمنين.
5- في المصدر : وسيّد المسلمين.
6- في المصدر : في الدنيا.
7- «كشف اليقين» ص280؛ «بحار الأنوار» ج38، ص341.
8- في المصدر + : من السماء.
9- في المصدر + : فقال لي: يا محمّد فقلت: لبّيك وسعديك.
10- في المصدر + : لك قال.
11- في المصدر + : ربّي.
12- في المصدر + : قال: صدقت يا محمّد! فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون؟ قال: قلت : ياربّ إختر لي فإنّ خيرتك خيرتي، قال : قد اخترت.
13- «كشف اليقين» ص278؛ «بحار الأنوار» ج37، ص291.

ص: 55

الباب الثالث: في بعض الآيات التي نزلت فيه عليه السلام

ص: 56

ص: 57

في بعض الآيات التي نزلت فيه عليه السلام

اعلم أنّه قد وردت في مدحه عليه السلام من القرآن الحكيم والفرقان العظيم آياتٌ ظاهرة البيان واضحة البرهان، هي فوق حدّ الإحصاء وتزيد على مبلغ الاستقصاء ، نذكر منها الميسور حيث إنّه لايسقط بالمعسور، فمن ذلك ما نقل في بعض الكتب التي عليها المدار في هذه الأعصار :

الأوّل : عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد صلى الله عليه و آله : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ» في علي عليه السلام «بَغْيا(1)»(2) .

الثاني : عنه عليه السلام أنّه قال : «نزل جبرئيل عليه السلام على محمّد صلى الله عليه و آله بهذه الآية هكذا : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا»(3) في علي نوراً مبيناً»(4) .

الثالث : عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ»في علي «لَكَانَ خَيْرا لَهُمْ(5)»(6) .


1- البقرة 2: 90.
2- «بحار الأنوار» ج23، ص372.
3- النساء 4: 47 .
4- «الكافي» ج1، ص417، ح27.
5- النساء 4: 66 .
6- «الكافي» ج1، ص417، ح28.

ص: 58

الرابع : عن الرِّضا عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» بولاية عليّ عليه السلام «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ»(1)يا محمّد من ولاية عليّ عليه السلام (2).

الخامس : عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ قدس سره عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ»(3)قال : «النبأ العظيم الولاية»(4).

السادس : سُئل عن قوله تعالى : «هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ للّه ِِ الْحَقِّ»(5)قال(6) عليه السلام : «أميرالمؤمنين عليه السلام »(7) .

السابع : سُئل عن قوله تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ قدس سره لِلْكَافِرينَ» بولاية عليّ «لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ»(8) ، ثمّ قال عليه السلام : هكذا واللّه نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمّد صلى الله عليه و آله »(9) .

الثامن : رواه الثعلبي في تفسيره وأنّ السائل المنكر هو الحرث بن نعمان الفهري لما كان من النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الغدير ما كان شاع وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله وهو في ملأ من أصحابه، فنزل عن ناقته وعقلها وقال : أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه، وأن نصلّي خمساً وبالزكاة وأن نصوم شهراً وبالحجّ فقبلنا، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي(10) ابن عمّك وقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فهذا منك أم من اللّه ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «والذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من


1- الشورى 42: 13.
2- «الكافي» ج1، ص418، ح32.
3- النبأ 78: 1 و 2 .
4- «الكافي» ج1، ص418، ح34.
5- الكهف 18: 44 .
6- في المصدر + : ولاية.
7- «الكافي» ج1، ص418، ح34.
8- المعارج 70: 1 و 2 .
9- «الكافي» ج1، ص422، ح47.
10- قال في «لسان العرب» ج8 ، ص216 مادّة ضبع: الضبع، بسكون الباء: وسط العضُد بلحمه، يكون للإنسان وغيره.

ص: 59

اللّه» ، فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللّهمَّ إن كان ما يقول حقّاً فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم ، فما وصل إليها حتّى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، وأنزل اللّه تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ(1)»(2) .

التاسع : عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا»بولاية عليّ «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ»(3) .(4)

وعن «البخاري» في آخر جامعه المترجم بالصحيح، في تفسير هذه الآية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «أنا أوّل من يجثو(5)بين يدي الرحمن للخصومة»(6).

العاشر : عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «نزل جبرئيل عليه السلام (7) الآية على محمّد صلى الله عليه و آله هكذا: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» آل محمّد حقّهم «قَوْلاً غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» آل محمّد حقّهم «رِجْزا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ»(8) »(9).

الحادي عشر : عن «جامع الأُصول» أنّه عليه السلام أعطى خاتمه سائلاً، فأخبر السائل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقرأ علينا : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» إلى قوله تعالى : «هُمْ الْغَالِبُونَ»(10) .

وأنشأ حسّان بن ثابت :

أبا حسنٍ تفديك نفسي ومهجتي وكلّ بطيءٍ في الهُدى ومسارعِ


1- المعارج 70: 1.
2- «تفسير فرات الكوفي» ص505؛ «مناقب آل أبي طالب» ج3، ص40؛ «الطرائف» لابن طاووس، ج1، ص152؛ «بحار الأنوار» ج37، ص175. مع اختلاف يسير.
3- الحجّ 22: 19 .
4- «الكافي» ج1، ص422؛ «بحار الأنوار» ج23، ص379.
5- قال في «لسان العرب» ج14، ص131، مادّة جثو : جثا يجثُو : جلس على ركبتيه للخصومة ونحوها.
6- «صحيح البخاري» ج5، ص242؛ «بحار الأنوار» ج36، ص22.
7- في المصدر + : بهذه.
8- البقرة 2: 59 .
9- «الكافي» ج1، ص423 و424؛ «بحار الأنوار» ج24، ص224.
10- المائدة 5: 55 و 56 .

ص: 60

أيذهب مدحي والمحبّر ضائع وما المدح في جنب الإله بضائعِ

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً فدتك نفوس القوم يا خير راكعِ

فأنزل فيك اللّه خير ولايةٍ وبيّنها في محكمات الشرائعِ(1)

الثاني عشر : عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا : «إِنَّ الَّذِينَ . . . ظَلَمُوا»آل محمّد حقّهم «لَمْ يَكُنْ اللّه ُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقا قدس سره صلى الله عليه و آله وسلم عليهماالسلام إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّه ِ يَسِيرا»(2)»(3).

الثالث عشر : أنّه عليه السلام قال : ««يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ» في ولاية عليّ عليه السلام «فَآمِنُوا خَيْرا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا» بولاية عليّ «فَإِنَّ للّه ِِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالاْءَرْضِ»(4)»(5) .

الرابع عشر : أنّه عليه السلام قال : «ونزل جبرئيل بهذه الآية هكذا : «وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ» في ولاية عليّ عليه السلام «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ(6)نَارا»(7) »(8).

وفي «الكافي» وغيره أخبار كثيرة في الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام من طرق الخاصّة ، لكن اختصر على أقلّ قليل .

وأمّا الآيات التي نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، فما اتّفق عليه فيه روايات الخاصّة والعامّة فكثيرة ، فلنذكر نبذة منها :

الأوّل : عن الزمخشري في «كشّافه» في قوله تعالى : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ


1- «بحار الأنوار» ج35، ص196 _ 199.
2- النساء 4: 168 و 169 .
3- «الكافي» ج1، ص424؛ «بحار الأنوار» ج35، ص57 و 58.
4- النساء 4: 170 .
5- «الكافي» ج1، ص424، ح59؛ «بحار الأنوار» ج35، ص58.
6- في المصدر + : آل محمّد.
7- الكهف 18: 29 .
8- «الكافي» ج1، ص425، ح64؛ «بحار الأنوار» ج23، ص379، ح66.

ص: 61

بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ»(1) الآية نزلت في عليّ عليه السلام (2) .

الثاني : عن «الصواعق» ، عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى : «إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(3) قال : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : ««وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» عن ولاية عليّ عليه السلام »(4) .

الثالث : عن «الكشّاف» في قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»(5)الآية نزلت في المنافقين يؤذون عليّاً عليه السلام (6) .

الرابع : عن الثعلبي عن بريدة الأسلمي والزمخشري في «كشّافه» وابن أبي الحديد في آخر شرحه في قوله تعالى : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(7) نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام (8) .

الخامس : عن السيوطي في تفسيره عن جابر أنّه قال : أقبل عليّ عليه السلام فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «والذي نفسي بيده! إنّ هذا وشيعته لهمُ الفائزونَ يوم القيامة» ، ونزلت هذه الآية «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(9)، وكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله إذا أقبل عليّ عليه السلام قالوا ؛ قد جاء خير البرية(10) .

السادس : عن ابن مردويه عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ألم تسمع قول اللّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا»(11) إلى آخرها ؛ أنت وشيعتك موعدي(12)وموعدكم الحوض، إذا جثت13 الاُمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين»14 .


1- البقرة 2: 274 .
2- «الكشّاف» للزمخشري، ج1، ص398.
3- الصافّات 37: 24 .
4- «بحار الأنوار» ج36، ص78.
5- الأحزاب 33: 58 .
6- «الكشاف» ج3، ص273.
7- الحاقّة 69: 12 .
8- «الكشّاف» ج4، ص151؛ «شرح نهج البلاغة» ج18، ص375.
9- البيِّنة 98: 7 .
10- «الدرّ المنثور» ج8 ، ص589.
11- البيّنة 98: 7.
12- في المصدر + : وموعدي.

ص: 62

وروى الرواية الأخيرة في «كشف الغمّة» من كتاب الخوارزمي والعزّ الحنبلي .

السابع : «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ»(1) أي ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2) .

ورواه السيوطي عن أبي سعيد الخدري(3) .

وقال ابن مسعود(4) : ما كنّا نعرف المنافقين في(5) عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ ببغضهم عليّ(6) بن أبي طالب عليه السلام (7) .

الثامن : «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ»(8) ، عن «الكشّاف» والخوارزمي أنّه نزلت في عليّ عليه السلام قبل أن يصل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين سخر منه المنافقون وضحكوا وتغامزوا(9) .

التاسع : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا»(10) ، عن السيوطي في تفسيره عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نصّب رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام يوم غدير خمّ، فنادى له بالولاية هبط جبرئيل بهذه الآية(11) .

وعن أبي هريرة أنّه قال : لمّا كان يوم غدير خمّ وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجّة قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» فأنزل اللّه تعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ


1- قال في «لسان العرب» ج14، ص131، مادّة جثو : جثا يَجثو : جلس على ركبتيه للخصومة ونحوها.
2- «كشف الغمّة» ج1، ص307؛ «بحار الأنوار» ج35، ص344.
3- محمّد 47: 30 .
4- «مناقب آل أبي طالب» ج3، ص205؛ «بحار الأنوار» ج36، ص177، ح170.
5- «الدرّ المنثور» ج7، ص504.
6- في أكثر الكتب الروائية أسند هذه الرواية إلى جابر أو عبداللّه بن عمر.
7- في المصدر : على.
8- في المصدر : عليّاً وولده.
9- «عيون أخبار الرضا عليه السلام » للصدوق، ج2، ص67، ح305؛ «بحار الأنوار» ج36، ص320؛ ج39، ص301 و302.
10- المطفّفين 83: 29 .
11- «الكشّاف» ج4، ص233.

ص: 63

لَكُمْ دِينَكُم(1)» ، قال : أخرجه ابن مردويه والخطيب وابن عساكر وذكره في«كشف الغمّة»من كتب الجمهور عن أبيسعيدالخدري،وفيه زيادة:فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «اللّه أكبر على إكمال الدِّين وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليّ بن أبي طالب عليه السلام »(2) .

العاشر : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ»(3)الآية ، روى السيوطي في تفسيره عن ابن مسعود أنّه قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله «يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» أنّ عليّاً مولى المؤمنين «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»(4).

الحادي عشر : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ»(5) نزلت في مبيت عليّ بن أبي طالب عليه السلام على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله (6) .

ذكر ابن الأثير في كتاب «الإنصاف» الذي جمع فيه من الكاشف والكشّاف: أنّها نزلت في عليّ عليه السلام (7) حين هاجر النبيّ صلى الله عليه و آله وترك عليّاً عليه السلام في بيته بمكّة وأمره أن ينام على فراشه(8) فقال عزّوجلّ لجبرئيل وميكائيل: إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيّكما يؤثر أخاه فاختار كلّ منهماالحياة، فأوحى اللّه تعالى إليهما: ألا كنتما مثل عليّ عليه السلام آخيت بينه وبين محمّد صلى الله عليه و آله ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إليه فاحفظاه من عدوّه، فنزلا إليه وحفظاه جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل يقول : بخٍّ بخٍّ يابن أبي طالب، مَن مثلك وقد


1- المائدة 5: 3.
2- «كشف الغمّة» ج1، ص330؛ «بحار الأنوار» ج37، ص189.
3- المائدة 5: 67 .
4- «الدرّ المنثور» ج3، ص117؛ «بحار الأنوار» ج37، ص189 و 190.
5- البقرة 2: 207 .
6- «كشف الغمّة» ج1، ص316؛ «بحار الأنوار» ج36، ص40.
7- في المصدر +: وذلك.
8- في المصدر + : ليوصل إذا أصبح ودائع الناس إليهم وقال.

ص: 64

باهى اللّه بك الملائكة(1) .

الثاني عشر : «اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(2) ، قال ابن عبّاس : كونوا مع عليّ عليه السلام وأصحابه(3) . وفي رواية أُخرى : مع عليّ عليه السلام (4) .

الثالث عشر : «وَالَّذِى جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ»(5)، عن مجاهد: نزلت في عليّ عليه السلام (6).

الرابع عشر : «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاَقِيهِ»(7)عن مجاهد: نزلت في عليّ عليه السلام (8).(9)

الخامس عشر : «وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ»(10)، عن زرارة(11)عن عليّ عليه السلام : «تفترق هذه الاُمّة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنّة، وهم الذين قال اللّه تعالى : «وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» وهم أنا وشيعتي»(12) .


1- «كشف الغمّة» ج1، ص316، «بحار الأنوار» ج36، ص40 و 41.
2- التوبة 9: 119 .
3- «كشف الغمّة» ج1، ص318؛ «بحار الأنوار» ج35، ص409، ح3.
4- «بحار الأنوار» ج35، ص408.
5- الزمر 39: 33 .
6- «بحار الأنوار» ج35، ص416.
7- القصص 28: 61 .
8- في المصدر + : وحمزة.
9- «بحار الأنوار» ج36، ص116 و 118 و 150.
10- الأعراف 7: 181
11- في جميع الكتب الروائية : زاذان عن عليّ.
12- «كشف الغمّة» ج1، ص328؛ «بحار الأنوار» ج36، ص186، ح187.

ص: 65

ص: 66

الباب الرابع: في زهده وقناعته باليسير وعبادته واستجابة دعائه وفيه فصول ثلاثة :

الفصل الأوّل: في زهده وقناعته باليسير

ص: 67

ص: 68

في «كشف الغمّة» نقلاً عن «مناقب» الخوارزمي عن أبي مريم، أنّه قال : سمعت عمّار بن ياسر يقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «يا عليّ إنّ اللّه تعالى زيّنك بزينة لم يُزيِّن العباد بزينة هي أحبّ إليه منها،زُهدك في الدُّنيا(1)وبغضها إليك ، وحبّب إليك الفقراء فرضيتهم(2) أتباعاً ورضوا بك إماماً ، يا عليّ طوبى لمن أحبّك وصدّق عليك، والويل لمن أبغضك وكذّب عليك . أمّا من أحبّك وصدّق عليك فإخوانك في دينك وشركاؤك في جنّتك . وأمّا من أبغضك وكذّب عليك فحقيق على اللّه عزّوجلّ يوم القيامة أن يقيمه مقام الكذّابين»(3) .

وعنه عن عبداللّه بن أبي الهذيل، أنّه قال : رأيت على عليّ عليه السلام قميصاً زرياً إذا مدَّه بلغ الظفر وإذا أرسله كان مع نصف الذراع(4) .

وروي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال : ما علمت(5) أنّ أحداً كان في هذه الاُمّة


1- في المصدر : فيها.
2- في المصدر : فرضيت بهم.
3- «كشف الغمّة» ج1، ص162؛ «بحار الأنوار» ج40، ص330، ح13.
4- نفس المصدر.
5- في المصدر : علمنا.

ص: 69

بعد النبيّ صلى الله عليه و آله أزهد من عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1) .

وعنه ، عن سويد بن غفلة، أنّه قال : دخلت على عليّ عليه السلام القصر فوجدته جالساً(2) بين يديه صحيفة فيها لبن جارز(3) أجد(4) ريحه من شدّة حموضته، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير(5)في وجهه وهو يكسّر أحياناً، فإذا غلبه كسره بركبته وطرحه فيه، فقال عليه السلام : «ادن فأصب(6)من طعامنا ، قلت : إنّي صائم ، فقال عليه السلام : «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من منعه الصوم عن طعام يشتهيه كان حقّاً على اللّه أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها» ، قال : فقلت لجاريته وهي قائمة بقريب منه : ويحك يا فضّة أما(7) تتّقين اللّه في هذا الشيخ! ألا تنخلون له طعاماً ممّا أرى فيه من النخالة ، فقالت : لقد تقدّم إلينا ألاّ ننخل له طعاماً ، قال عليه السلام : «ما قلت لها» ؟ فأخبرته ، فقال عليه السلام : «بأبي أنت واُمّي، من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام حتّى قبضه اللّه عزّوجلّ»(8).

فليعلم أنّه عليه السلام قد وطّن نفسه الشريفة على جشوبة(9) المأكل وخشونة الملبس رجاءً من عند اللّه وتأسّياً برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فصار ذلك ملكة وطبيعة، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ، وفيه دليل على ذلك ما روي عن عدي بن ثابت أنّه قال : أتى عليّ بن أبي طالب عليه السلام بفالوذج فأبى أن يأكل منه وقال : «شيء لم يأكل منه رسول


1- «كشف الغمّة» ج1، ص162؛ «بحار الأنوار» ج40، ص330 و 331، ح13.
2- في المصدر + : وبين.
3- في المصدر : حازر.
4- قال في «لسان العرب» ج4، ص185 مادّة حزر : الحزر من اللبن : فوق الحامض.
5- في المصدر + : بيده.
6- في المصدر : وأصب.
7- في المصدر : ألا.
8- «كشف الغمّة» ج1، ص163؛ «بحار الأنوار» ج63،ص 322.
9- قال في «لسان العرب» ج1، ص265 مادّة جشب : طعام جشب أي غليظ خَشِنٌ، وقيل : هو الذي لا اُدْمَ له.

ص: 70

اللّه صلى الله عليه و آله لا أحبّ أن آكل منه »(1).

وعن أبي مطر أنّه قال : خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي : ارفع إزارك فإنّه أتقى لثوبك وأتقى(2) ، إلى أن قال : ثمّ أتى غلاماً حدثاً فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم ولبس ما بين الرسغين(3)إلى الكعبين ، وقال حين لبسه : الحمد للّه الذي رزقني من الرياش(4) ما أتجمّل به بين(5) الناس، وأُواري به عورتي ، فقيل له : يا أمير المؤمنين هذا شيء ترويه عن نفسك أو شيء سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟

[قال: «بل شيء سمعتُه من(6)] رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقوله عند الكسوة» فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل له : يا فلان إنّ ابنك اليوم قد باع من أمير المؤمنين عليه السلام قميصاً بثلاثة دراهم ، قال : أفلا أخذت منه درهمين ، فأخذ أبوه درهماً وجاء(7) إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس على باب الرحبة ومعه المسلمون فقال : امسك هذا الدرهم يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام : «ما شأن هذا الدرهم» ؟ قال : كان ثمن قميصك درهمين ، فقال عليه السلام : «باعني برضاي وأخذ رضاه»(8) .

وعن كتاب «اليواقيت» لأبي عمر الزاهد أنّه قال : أمر أمير المؤمنين عليه السلام بكنس بيت المال ورشّه(9) فقال : «ياصفراء غرّي غيري ، يا بيضاء غرّي غيري» ثمّ تمثَّلَ عليه السلام :

«هذا جنائي وخياره فيه إذ كلّ جان يده في(10) فيه»


1- «كشف الغمّة» ج1، ص163.
2- في المصدر : وأبقى لك.
3- قال في «لسان العرب» ج8 ، ص428، مادّة رسغ : الرُسغُ : مفصل ما بين الكفّ والذراع.
4- قال في «لسان العرب» ج6، ص308، مادّة ريش : الريش : كِسوة الطائر والجمع أرياش ورياش.
5- في المصدر : في الناس.
6- هذا مطابق للمصدر.
7- في المصدر + : به.
8- «كشف الغمّة» ج1، ص164 و 165.
9- قال في «لسان العرب» ج6، ص303، مادّة رشش: «الرشّ: المطر القليل».
10- في المصدر : إلى.

ص: 71

وفي البحار نقلاً من «كشف الغمّة»(1) عن الشعبي أنّه قال : دخلت الرحبة بالكوفة وأنا غلام في غلمانٍ فإذا أنا بعليّ عليه السلام قائماً على صبرتين(2) من ذهب وفضّة ومعه مخفقة(3) وهو يطرد الناس بمخفقته، ثمّ يرجع إلى المال فيقسّمه بين الناس حتّى لم يبق منه شيء، ثمّ انصرف ولم يحمل إلى بيته قليلاً ولا كثيراً فرجعت إلى أبي فقلت : لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس، قال : مَن هو يا بُنيّ ؟ قلت : عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، رأيته يصنع كذا فقصصت عليه ، فبكى وقال : يابُنيّ بل رأيت خير الناس(4) .

وفيه : عن محمّد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن ذاذان(5) قال : انطلقت مع قنبر غلام عليّ عليه السلام إليه فإذا هو يقول : قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت(6) لك خبيئاً ، قال : «وما هو ويحك» ؟ قال : قم معي ، فقام عليه السلام فانطلق به قنبر(7) إلى بيته وإذا بغرارة(8)مملوءة جامات ذهباً وفضّة ، فقال : يا أمير المؤمنين رأيتك لا تترك شيئاً إلاّ قسّمته فادّخرت هذا من بيت المال ، فقال عليّ عليه السلام : «ويحك ياقنبر لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة» ، ثمّ سلّ سيفه وضربها ضربات كثيرة فانتثرت من بين إناءٍ مقطوع(9) وآخر ثلثه ونحو ذلك ، ثمّ دعى بالناس فقال عليه السلام : «أقسموه بالحصص »، ثمّ قام إلى بيت المال قسّم(10) ما وجد فيه ثمّ رأى في البيت إبراً(11) وكذا12 سئل13


1- «كشف الغمّة» ج1، ص165؛ «بحار الأنوار» ج41، ص103.
2- لم أجده في «كشف الغمّة» بل وجدته في «شرح نهج البلاغة» ج2، ص198.
3- في المصدر : صرّتين. وفي «شرح نهج البلاغة» ج2، ص198 : صبرتين.
4- قال في «لسان العرب» ج10، ص80 مادّة خفق : الخفق : اضطراب الشيء العريض.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص135؛ «شرح نهج البلاغة» ج2، ص198.
6- في المصدر : زاذان.
7- قال في «لسان العرب» ج1، ص62، مادّة خبأ : خبأ : خبأ الشيء يخبؤُه خَبأً : ستَره.
8- في المصدر _ : قنبر.
9- قال في «لسان العرب» ج5، ص18، مادّة غرر : الغِرارةُ : الجوالِق.
10- في المصدر + : نصفه.
11- في المصدر : فقسّم.

ص: 72

فقال عليه السلام : «وليقسموا هذا» ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه (1).

وروى «مجمع» عن أبي رجاء قال : أخرج عليّ عليه السلام سيفاً [إلى السوق فقال «من يشتري منّي هذا؟ فوالذي نفس علي بيده لو كان(2)] عندي ثمن، إزار ما بعته» فقلت له : أنا أبيعك إزاراً وأنسيك ثمنه إلى عطائك، فدفعت إليه إزاراً إلى عطائه ، فلمّا قبض عطائه دفع إليَّ ثمن الإزار(3) .

واشترى يوماً ثوبين غليظين فخيّر قنبراً فيهما فأخذ واحداً ولبس هو الآخر ورأى فيه(4) طولاً عن أصابعه فقطعه(5) .

وروى معاوية بن عمّار عن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه قال : ما اعتلج على عليّ عليه السلام أمران في ذات اللّه تعالى إلاّ أخذ بأشدّهما ولقد علمتم أنّه كان يأكل، يا أهل الكوفة عندكم من ماله بالمدينة، وإن كان ليأخذ السويق ويجعله في جراب ويختم عليه مخافة أن يُزاد عليه من غيره ، ومن كان أزهد في الدُّنيا من عليّ عليه السلام (6)؟ .

وروى بكر بن عيسى أنّه قال : كان عليّ عليه السلام يقول : «يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فلان فأنا خائن» وكانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة بينبع وكان يطعم الناس منها الخبز واللحم ويأكل هو الثريد بالزيت (7).


1- في المصدر : أبزار، ولكن في «شرح نهج البلاغة» ج2، ص199 : إبراً.
2- قال في «لسان العرب» ج4، ص3 مادّة أبر : أبر النخل والزرع : أصلحه.
3- هكذا نقل المصنّف في المتن، ولكن في «بحارالأنوار» ج41، ص135 : في البيت أبزار سمل، فقال : وليقسّموا هذا.
4- «بحار الأنوار» ج41، ص135.
5- هكذا في المصدر.
6- «شرح نهج البلاغة» ج2، ص200؛ «بحار الأنوار» ج41، ص136.
7- في المصدر : في كمّه.

ص: 73

وروى عنبسة العابد عن عبداللّه بن الحسن بن الحسين أنّه قال : أعتق عليّ عليه السلام في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألف مملوك ممّا مجلت يداه وعرق جبينه، ولقد ولّي الخلافة وأتته الأموال، فما كان حلواه إلاّ التمر ولا ثيابه إلاّ الكربيس(1) .(2)

وروى أبو عبداللّه بن حمويه البصري بإسناده عن سالم الجحدري قال : شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام أُتي بمال عند المساء فقال عليه السلام : «اقتسموا هذا»(3) ، فقالوا : قد أمسينا يا أمير المؤمنين، فأخّروه(4) إلى غد ، فقال عليه السلام لهم : «تقبلون لي أن أعيش إلى غدٍ» ؟ فقالوا : ماذا بأيدينا ، فقال عليه السلام : «لا تؤخّروه حتّى تقتسموه»(5) .(6)

ويروى أنّه عليه السلام كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها إزاراً وما يحتاج إليه، ثمّ يقسّم كلّ ما في بيت المال على الناس ثمّ يصلّي فيه فيقول(7) : «الحمد للّه الذي أخرجني منه كما دخلته»(8).

في «الأنوار» و«العدّة» وغيرهما: دخل ضرار بن ضمرة الليثي(9)على معاوية فقال : ياضرار(10)صِف(11) لي عليّاً عليه السلام ، فقال(12): أوَتعفيني من ذلك ؟ فقال : لا أعفيك ، فقال ضرار(13) : كان واللّه بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدُّنيا وزهرتها، ويستأنس


1- في المصدر : الكرابيس.
2- «بحار الأنوار» ج41، ص138 و 139؛ «شرح نهج البلاغة» ج2، ص202.
3- في المصدر : اقسموا هذا المال.
4- في المصدر : فأخّره.
5- في المصدر : تقسموه.
6- «الأمالي» للطوسي، ص404؛ «بحار الأنوار» ج40، ص321، ح12؛ وج41، ص107.
7- في المصدر : ويقول.
8- «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص95؛ «بحار الأنوار» ج40، ص321.
9- في المصدر _ : الليثي.
10- في المصدر _ : يا ضرار.
11- في المصدر + : له صف.
12- في المصدر + : له.
13- في المصدر _ : ضرار.

ص: 74

بالليل ووحشته(1) ، كان واللّه غزير(2) العبرة ، طويل الفكرة ، يقلِّب كفّه(3) ، ويخاطب نفسه، ويناجي ربّه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان واللّه فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه ، وكنّا مع دنوّه منّا وقربنا منه لا نكاد(4) نكلِّمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته، فإن تكلّم(5)فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظِّم أهل الدِّين، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القويّ في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، وأشهد باللّه لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى(6) الليل سدوله(7) وغارت(8)نجومه ، وهو قائم في محرابه ، قابضٌ على لحيته، يتململ(9) تململ السليم،(10) ويبكي بكاء الحزين، فكأنّي الآن أسمعه وهو يقول :

يا دنيا(11) أبي تعرّضتِ أم إليَّ تشوّقت ، هيهات هيهات غرّي غيري لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً لارجعة لي فيك(12) ، فعمرك قصير وخطرك يسير وأملك حقير ، آه آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق وعظم الموقف،(13) فوكفَتْ دموع معاوية على لحيته فنشّفها بكمّه واختنق القوم بالبكاء ، ثمّ قال : رحم اللّه أبا الحسن فلقد كان واللّه كذلك(14) ، فكيف كان حبّك إيّاه ؟ قال : كحبّ أُمّ موسى عليه السلام 15 وأعتذر


1- في المصدر + : وكان.
2- قال في «لسان العرب» ج5، ص22 مادّة غزر : الغزارةُ : الكثرة.
3- في المصدر : كفّيه.
4- في المصدر : نكاد.
5- في المصدر : تبسّم.
6- قال في «لسان العرب» ج14، ص314، مادّة أرخ : أرخيت الشيء وغيره إذا أرسلته.
7- قال في «لسان العرب» ج11، ص333، مادّة سدل : سَدَل الشعرَ والثوب والسِّترَ يَسدِلُه ويسدُلَه سَدلاً وأسدَله : أرخاه وأرسَلَه.
8- قال في «لسان العرب» ج5، ص33، مادّة غور : غور كلّ شيء : قعرُه، يقال : فلان بعيد الغَور.
9- قال في «لسان العرب» ج11، ص631،مادّة ملل : قد تململ وهو تقلُّبه على فِراشه.
10- قال في «مجمع البحرين» ج5، ص475، مادّة ملل : التململ : التقلقل من الألم، ومنه الحديث: يتململ تململ السليم. والسليم : الملسوع.
11- في المصدر + : يا دنيا.
12- في المصدر : فيها.
13- في المصدر : وعظيم المورد.
14- في المصدر : كان واللّه أبو الحسن كذلك.

ص: 75

إلى اللّه من التقصير ، فقال(1) : كيف(2) صبرك عنه(3) ؟ قال : صبر من ذبح ولدها على صدرها فهي لا ترقئ(4) عبرتها ولا تكن حرارتها ، ثمّ قام وخرج وهو باكٍ(5) ، فقال معاوية : أما إنّكم لو فقدتموني ما(6) كان فيكم من يثني عَليَّ مثل هذا الثناء ، فقال له بعض جلسائه(7)ممّن كان حاضراً : الصاحب على قدر صاحبه(8) .

وممّا يُنسب إليه أنّه قال عليه السلام :

طلّق الدُّنيا ثلاثاً واطلبن زوجاً سواها

إنّها زوجة سوءٍ لاتبالي مَنْ أتاها

فإذا(9) نالت مناها منه ولّته قفاها(10)

وفي «البحار» قال : ويروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان جالساً(11)في بعض حيطان فدك وفي يده مسحاة، فهجمت عليه امرأة من أجمل النساء ، فقالت : يابن أبي طالب إن تزوّجتني أغنيتك(12) عن هذه المسحاة، وأدلّك على خزائن الأرض، ويكون لك الملك ما بقيت ، فقال(13) لها : «مَن(14)أنتِ حتّى أخطبك من أهلك» ؟ قالت : أنا الدُّنيا،


1- في المصدر + : لموسى.
2- في المصدر : قال.
3- في المصدر : فكيف.
4- في المصدر + : يا ضرار.
5- قال في «لسان العرب» ج1، ص88 ، مادّة رقأ : رَقأتِ الدَّمعَةُ : جفّتْ وانقطعت.
6- في المصدر : بالٍ.
7- في المصدر + : لَما.
8- في المصدر : جلسائه.
9- «عدّة الداعي» لابن فهد الحلّي، ص208 و 209؛ «بحار الأنوار» ج84 ، ص156 و 157، ح41.
10- في المصدر : وإذا.
11- «الديوان المنسوب إلى إلامام عليّ عليه السلام »، ص32.
12- في المصدر _ : جالساً.
13- في المصدر : إن تزوّجني أغنك.
14- في المصدر : قال.

ص: 76

فقال عليه السلام : «ارجعي فاطلبي زوجاً غيري فلستِ من شأني» فأقبل على مسحاته وأنشأ :

«لقد خاب من غرّته دنياً دنيّة وماهي إن غرّت قروناً بطائل

أتتنا على زيّ العروس بثينة(1) وزينتها في مثل تلك الشمائل

فقلت لها غرّي سواي فإنّني عزوف(2)عن الدُّنيا ولست بجاهل

وما أنا والدُّنيا وأنّ محمّداً رهينٌ بقفرٍ بين تلك الجنادل(3)

وهبنا أتتني بالكنوز ودرّها وأموال قارون وملك القبائل

أليس جميعاً للفناء مصيرنا ويطلب من خزّانها بالطوائل

فغرّي سواي إنّني غير راغب لما فيك من عزٍّ وملكٍ ونائل

فقد(4) قنعتْ نفسي بما قد رزقته فشأنُكِ يا دنيا وأهل الغوائل(5)

فإنّي أخاف اللّه يوم لقائهِ وأخشى عذاباً دائماً غير زائل»(6)


1- في المصدر : فمن.
2- قال في «لسان العرب» ج13، ص46، مادّة بثن : البثنة والبِثْنَة : الأرض السهلة الليّنة.
3- قال في «لسان العرب» ج9، ص244، مادّة عزف : رجل عزوف عن اللَّهو، إذا لم يشتهه.
4- قال في «لسان العرب» ج11، ص128، مادّة جندل : الجندل : الحجارة ومنه سمّي الرجل.
5- في المصدر : وقد.
6- قال في «لسان العرب» ج11، ص512، مادّة غيل : الكساني : الغوائل الدواهي، والغيلة بالكسر : الخديعة والاحتيال.

ص: 77

الفصل الثاني: في عبادته عليه السلام

اعلم أنّه قد اتّفقت الخاصّة والعامّة أنّه عليه السلام كان أعبد الناس وأكثرهم صلاةً وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة ، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفّين ليلة الهرير، فيصلّي عليه ورده والسهام تقع بين يديه تمرّ على صماخيه(1) يميناً وشمالاً، فلا يرتاع(2) لذلك ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته ؟ وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة(3) البعير لطول سجوده ؟

وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم اللّه سبحانه وإجلاله وما يتضمّنه من الخضوع والهيبة(4) والخشوع لعزّته والاستخذاء(5) له، عرفت


1- قال في «لسان العرب» ج3، ص34، مادّة صمخ : الصماخ من الأذن : الخرقُ الباطن الذي يفضي إلى الرأس.
2- قال في «لسان العرب» ج8 ، ص135، مادّة روع : الرَّوع والرُّواع والتروُّع : الفَزَعُ.
3- قال في «لسان العرب» ج13، ص78، مادّة ثفن : الثفِنةُ من البعير والناقة : الرُّكبة وما مسّ الأرض من كِركرته وسعداناته واُصول أفخاذه.
4- في المصدر : لهيبته.
5- قال في «لسان العرب» ج14، ص225،مادّة خذي : استخذيتُ : خضعتُ.

ص: 78

ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلبٍ خرجت وعلى أيّ لسانٍ جرت ، وقيل لعليّ بن الحسين عليهماالسلام وكان قد بلغ(1) الغاية في العبادة : أين عبادتك من عبادة جدّك ؟ قال : «عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله »(2) .

وفي «البحار» عن عروة بن الزبير قال : كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتذاكرنا أعمال أهل بدرٍ وبيعة الرضوان ، فقال أبو الدرداء : ياقوم ألا أخبركم بأقلّ القوم مالاً وأكثرهم ورعاً وأشدّهم اجتهاداً في العبادة ؟ قالوا : مَنْ ؟ فقال(3) : عليّ(4) بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فواللّه إذ كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه، ثمّ انتدب له رجل من الأنصار فقال له : يا عويمر لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها، فقال أبو الدرداء : ياقوم إنّي قائل ما رأيت، وليقل كلّ(5) منكم ما رأى(6) ، وشهدت عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، بشويحطات(7)النجّار، وقد اعتزل عن مواليه واختفى عن(8)مَن يليه واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته وبَعُدَ عَليَّ مكانه فقلت : لَحِقَ بمنزله ، وإذا(9)أنا بصوتٍ حزين ونغمة شجىً(10): «إلهي كم من موبقةٍ(11)حلمتَ عن مقابلتها بنعمتك(12)، وكم من جريرةٍ تكرّمت عن كشفها بكرمك ، إلهي إن


1- في المصدر _ : قد بلغ.
2- «شرح نهج البلاغة» ج1، ص25؛ «بحار الأنوار» ج41، ص148 و 149.
3- في المصدر : قال.
4- في المصدر + : أمير المؤمنين.
5- في المصدر + : قوم.
6- في المصدر : رأوا شهدتُ.
7- في المصدر : مِن.
8- قال في «بحار الأنوار» ج41، ص12: الشوحط: شجر يتّخذ منه القسي والغيلة.
9- في المصدر : فإذا.
10- في المصدر + : وهو يقول.
11- قال في «لسان العرب» ج10، ص370، مادّة وبق : وَبق الرجل يَبِقَ وبْقاً : هلك، وأوْبَقه : ذلَّله.
12- في «بحار الأنوار» ج41، ص11 : بنقمتك. ولكن في «أمالي الصدوق» ص77 : بنعمتك. والأصحّ ما في الأمالي.

ص: 79

طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي»(1) إلى آخر الدُّعاء .

فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعينه فاستترت له(2) وأخملت(3)الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر(4) ثمّ فزع إلى الدُّعاء والبكاء والبثّ والشكوى، فكان ممّا ناجى به اللّه (5) تعالى أن قال : «إلهي أُفكِّر في عفوك فتهون عَليَّ خطيئتي»(6) إلى آخر الدُّعاء .

قال : ثمّ أنعم(7) في البكاء فلم أسمع له حسّاً ولا حركة فقلت : غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر . قال أبو الدرداء : فأتيته فإذا هو كالخشبة المُلقاة، فحرّكته فلم يتحرّك، وزويته(8) فلم ينزو فقلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، مات واللّه عليّ بن أبي طالب ، قال : فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليهاالسلام : «يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصّته» فأخبرتها الخبر ، فقالت : «هي واللّه يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية اللّه» ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إليَّ وأنا أبكي فقال عليه السلام : «ممّ(9)بكاؤك ياأبا الدرداء» ؟ فقلت : ممّا أراه تنزله بنفسك ، فقال : «يا أبا الدرداء فكيف(10)ولو رأيتني وقد(11) دُعيَ بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرايم بالعذاب واحتوشتني ملائكةٌ غلاظ وزبانية فظاظ(12)، فوقفت بين


1- «بحار الأنوار» ج41، ص11؛ «الأمالي» للصدوق، ص77 و 78.
2- في المصدر : فأخملت.
3- قال في «لسان العرب» ج11، ص221، مادّة خمل: الخامل: الخفيّ الساقط الذي لا نباهة له.
4- قال في «لسان العرب» ج5، ص3،مادّة غبر : الغابر : الباقي.
5- في المصدر : ممّا به اللّه ناجى.
6- «الأمالي» للصدوق، ص78؛ «بحار الأنوار» ج84 ، ص195 و 196، وج41، ص11 و 12.
7- في المصدر أعني «الأمالي» للصدوق، ص79 : إنغمر، ولكن في «بحار الأنوار» ج84 ، ص196 : أنعم.
8- قال في «لسان العرب» ج14، ص363،مادّة زوي : زويت الشيء : جمعته وقبضته.
9- في المصدر : ممّا.
10- في المصدر _ : فكيف.
11- في المصدر _ : قد.
12- قال في «لسان العرب» ج7، ص451، مادّة فظظ : الفظّ : الخشن الكلام.

ص: 80

يدي الملك الجبّار وقد أسلمني الأحبّاء ورحمني أهل الدُّنيا، لكنت أشدّ رحمةً لي بين يدي من لا يخفى(1)عليه خافيةٌ» ، فقال أبو الدرداء(2) : ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3).

وفيه : أنّه سمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الاْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ»(4) قال الرجل : فأتيت عليّاً لأنظر إلى عبادته، فأشهدُ باللّه لقد رأيته وقت المغرب فوجدته يصلّي بأصحابه المغرب ، فلمّا فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى العشاء الآخرة ثمّ دخل منزله فدخلت معه، فوجدته طول الليل يصلّي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ثمّ جدّد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلّى بالناس صلاة الفجر، ثمّ جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثمّ قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان فإذا فرغا قاما واختصم آخران إلى أن قام إلى صلاة الظهر، فجدّد وضوءه(5)لصلاة الظهر، ثمّ صلّى بأصحابه الظهر، ثمّ قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر، ثمّ أتاه الناس فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت الشمس، فخرجت وأنا أقول : أشهد باللّه أنّ هذه الآية نزلت فيه عليه السلام (6).

وفيه عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته ؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره ، قال : وكيف رأيته ؟ قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان .


1- في المصدر : لا تخفى.
2- في المصدر : فواللّه.
3- «الأمالي» للصدوق، ص79؛ «بحار الأنوار» ج41، ص12؛ وج84 ، ص196.
4- الزمر 39: 9 .
5- في المصدر : فجدّد لصلاة الظهر وضوءاً.
6- «بحار الأنوار» ج41، ص13 و 14؛ «الأمالي» للصدوق، ص282.

ص: 81

في «النهج» قال عليه السلام : إنّ قوماً عبدوا اللّه رغبةً فتلك عبادة التجّار وإنّ قوماً عبدوا اللّه رهبةً فتلك عبادة العبيد وإنّ قوماً عبدوا اللّه شكراً فتلك عبادة الأحرار(1) .

وفيه قال عليه السلام : إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (2)، انتهى .(3)


1- «بحار الأنوار» ج41، ص15، ح8 .
2- «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، ج19، ص68، ح234؛ «بحار الأنوار» ج41، ص14.
3- «بحار الأنوار» ج41، ص14.

ص: 82

الفصل الثالث: في استجابة دعائه عليه السلام

وروي أنّه عليه السلام وجد مؤمناً لازمه منافق بالدَّين فقال : «اللّهمَّ بحقّ محمّد وآله الطاهرين لمّا قضيت عن عبدك هذا الدَّين» ، ثمّ أمره بتناول حجر ومدر(1) فانقلبت له ذهباً أحمر، فقضى دينه، وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم(2) .

وفي «البحار»: عن عبدالرحمن الأزدي عن عبد الواحد بن زيد قال : خرجت إلى مكّة فبينما أنا أطوف وإذا(3) أنا بجارية خماسية وهي متعلِّقة بأستار(4) الكعبة وهي تخاطب جارية مثلها، وهي تقول : لا وحقّ المنتجب بالوصيّة الحاكم بالسويّة الصحيح العادل في القضية البيِّنة،(5)زوج فاطمة المرضيّة ما كان كذا وكذا ، فقلت لها : ياجارية مَن صاحب هذه الصفة ؟ قالت : ذلك واللّه عَلَمُ الأعلام، وباب الأحكام، وقسيم الجنّة والنار، وربّاني هذه الاُمّة ورئيس(6) الأئمّة، أخو النبيّ صلى الله عليه و آله ووصيّه وخليفته في اُمّته،


1- قال في «لسان العرب» ج5، ص162، مادّة مدر : المَدَر : قِطَعُ الطين اليابس.
2- «بحار الأنوار» ج41، ص266.
3- في المصدر : فإذا.
4- في المصدر : بستارة.
5- في المصدر _ : العادل في القضية البيّنة.
6- في المصدر : رأس.

ص: 83

ذلك مولاي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فقلت لها : ياجارية بما يستحقّ عليّ عليه السلام منك هذه الصفة؟ قالت : كان أبي واللّه مولاه فقُتل بين يديه يوم صفّين ولقد دخل يوماً على اُمّي وهي في خبائها،(1) وقد أركبتني وأخاً لي من الجدري ما ذهب به أبصارنا، فلمّا رآنا عليه السلام تأوّه وأنشأ يقول :

«ما إن تأوّهتُ من شيءٍ رزيتُ(2) به كما تأوّهتُ للأطفال في الصِّغرِ

قد مات والدهم من كان يكفلهم في النائبات وفي الأسفارِ والحضرِ»

ثمّ أدنانا إليه ومرَّ(3)يده المباركة على عينيَّ وعيني أخي ثمّ دعا بدعواتٍ ثمّ شال(4)يده، فها أنا بأبي أنت واللّه أنظر إلى الجمل على فرسخ كلّ ذلك ببركته عليه السلام قال(5): فحللتُ خريطتي ودفعت إليها دينارين بقيّة نفقة كانت معي، فتبسّمت في وجهي وقالت : مَهْ خلفنا أكرم سلف على خير خلف فنحن اليوم في كفالة أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، ثمّ قالت : أتحبّ عليّاً ؟ قلت : أجل ، قالت : أبشر فقد استمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، قال : ثمّ ولّت وهي تقول :

ما بُثَّ حبّ عليٍّ في ضمير فتىً إلاّ له شهدت من ربّه النِّعمُ

ولا له قدمٌ زلَّ الزمان بها إلاّ له ثبتت من بعدها قدمُ

ما سرّني أنّني من غير شيعته وأنّ لي ما حواه العربُ والعجمُ(6)

وعن الخوارزم في «المناقب»: عن الحسن بن عليّ بن محمّد عن آبائه عن المصطفى الأمين سيِّد الأوّلين والآخرين، أنّه قال لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : يا أبا الحسن كلِّم الشمس فإنّها تكلّمك ، قال(7) عليّ عليه السلام : «السلامُ عليكَ أيّها العبد الصالح8 المطيع»9 ،


1- قال في «لسان العرب» ج1، ص62، مادّة خبأ : خبأ الشيء يخبَؤُه خَبْأً : سَتَره.
2- قال في «لسان العرب» ج1، ص86 ، مادّة رزأ : الرزيئةُ : المصيبة.
3- في المصدر : ثمّ أمر.
4- قال في «لسان العرب» ج11، ص374، مادّة شول : شال أي ارتفع.
5- في المصدر _ : قال.
6- «بحار الأنوار» ج41، ص220 و 221.
7- في المصدر: فقال.

ص: 84

فقالت الشمس : وعليك السلام يا أمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين ، يا عليّ أنت وشيعتك في الجنّة ، يا عليّ أوّل ما تنشق عنه الأرض محمّد صلى الله عليه و آله ثمّ أنت ، وأوّل مَن يكسى محمّد صلى الله عليه و آله ثمّ أنت(1)، فانكبَّ عليّ عليه السلام ساجداً وعيناه تذرفان(2) بالدموع ، فانكبّ عليه النبيّ صلى الله عليه و آله وقال : «يا أخي وحبيبي ارفع رأسك فقد باهى اللّه بك أهل سبع سماوات»(3) .(4)

وفي «كشف الغمّة»: روت أسماء بنت عميس واُمّ سلمة رضي اللّه عنهما وجابر بن عبداللّه الأنصاري وأبو سعيد الخدري في جماعة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان ذات يوم في منزله وعليّ عليه السلام بين يديه إذ جاءه جبرئيل يناجيه عن اللّه سبحانه، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين عليه السلام ولم يرفع رأسه حتّى غابت الشمس، فصلّى العصر جالساً إيماءً، فلمّا أفاق صلى الله عليه و آله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : «فاتتك صلاة الظهر»(5) ، قال : «صلّيتها إيماءً قاعداً»(6)فقال صلى الله عليه و آله : «ادع اللّه تعالى يردّ عليك الشمس حتّى تصلّيها قائماً في وقتها، فإنّ اللّه تعالى يجيبك لطاعتك للّه ولرسوله» فسأل اللّه تعالى في ردّها فرُدّت عليه حتّى صارت في موضعها من السماء وقت العصر فصلاّها ثمّ غربت ، قالت أسماء(7): واللّه لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً(8) كصرير المنشار(9).


1- في المصدر _ : الصالح.
2- في المصدر + : للّه.
3- في المصدر + : وأوّل من يحيى محمّد صلى الله عليه و آله ثمّ أنت.
4- قال في «لسان العرب» ج9، ص109، مادّة ذرف: الذَّرف: صَبُّ الدَّمع.
5- في المصدر : سماواته.
6- «كشف الغمّة» ج1، ص154 و 155.
7- في المصدر : فاتتك العصر، قد نقله «بحار الأنوار» ج41، ص151، هكذا.
8- في المصدر : قاعداً إيماءً.
9- في المصدر + : واُمّ سلمة أما واللّه سمعنا.

ص: 85

وروي أنّه عليه السلام ردّت الشمس عليه مرّة أُخرى في عهد النبيّ وبعد وفاته صلى الله عليه و آله حين أراد أن يعبر الفرات ببابل واشتغل كثيرٌ من أصحابه بتعبير دوابّهم وصلّى(1) وهو عليه السلام بطائفة(2) من أصحابه على الصلاة(3)، فأجابه(4) اللّه تعالى وردّها، فكانت كحالها وقت العصر، فلمّا سلّم بالقوم غابت وسمع لها وجيب شديد أهالَ(5) الناس، وأكثروا التسبيح والتهليل(6)والتكبير(7)، وسار خبر ذلك في جميع الأوقات .

وللسيِّد الحميري :

ردّت عليه الشمس لمّا فاته وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها للعصر ثمّ هوت هوى الكوكب

وعليه قد ردّت ببابل مرّة أُخرى وما ردّت لخلق مُعرب

إلاّ ليوشع أو له من بعده ولردّها تأويل أمرٍ معجب(8)

وروى ردّها ببابل أيضاً عن «الفقيه» عن جويريّة أنّه قال : لمّا قطع عليه السلام أرض بابل قال عليه السلام : هي إحدى المؤتفكات وركب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومضى وترك الناس فتبعته... إلى أن قال: بعدما غابت الشمس دعا فردّها اللّه تعالى عليه(9) ... الحديث .

وفي «البحار»: عن ابن أبي عمير عن حنّان أنّه قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما العلّة في ترك أمير المؤمنين عليه السلام صلاة العصر وهو يجب له(10) أن يجمع بين الظهر


1- «كشف الغمّة» ج1، ص285 و 286.
2- في المصدر : فصلّى.
3- في المصدر : مع طائفة.
4- في المصدر : من أصحابه العصر.
5- في المصدر + : وفاتت جمهورهم فتكلّموا في ذلك، فلمّا سمع سأل اللّه في ردّها ليجتمع كافّة أصحابه على الصلاة، فأجابه اللّه.
6- في المصدر : هال.
7- في المصدر + : والاستغفار.
8- في المصدر _ : والتكبير.
9- «كشف الغمّة» ج1، ص286.
10- «من لا يحضره الفقيه» ج1، ص203 و 204، ح611.

ص: 86

________________________________________

والعصر فأخّرها ؟ قال عليه السلام : «إنّه لمّا صلّى الظهر التفت إلى جمجمة ملقاة فكلّمها أمير المؤمنين فقال : «أيّتها الجمجمة من أين أنتِ» ؟ فقالت : أنا فلان بن فلان ملك بلاد آل فلان ، قال لها أمير المؤمنين عليه السلام : «فقصّي عَليَّ الخبر وما كنت وما كان عصرك ، فأقبلت الجمجمة تقصّ خبرها وما كان في عصرها من خير وشرّ فاشتغل بها حتّى غابت الشمس، فكلّمها بثلاثة أحرف من الإنجيل، لأنّه(1) لا يفقه العرب كلامها [فلمّا فرغ من حكاية الجمجمة قال للشمس: ارجعي(2)] قالت : لا أرجع وقد أفلتُ، فدعى اللّه عزّوجلّ فبعث إليها سبعين ألف ملك بسبعين ألف(3)سلسلة حديد، فجعلوها في رقبتها وسحبوها على وجهها حتّى عادت بيضاء نقيّة، حتّى صلّى أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ هوت كهويّ الكوكب ، فهذه العلّة في تأخير العصر»(4) .

قال الراوي : وحدّثني بهذا الحديث ابن سعيد الهاشمي عن فرات بإسناده وألفاظه.

وفيه(5) عن جابر: أنّه كلّمت الشمس عليّ بن أبي طالب عليه السلام سبع مرّات ؛ فأوّل مرّة قالت: يا إمام المسلمين اشفع لي إلى ربّي أن لا يعذّبني ، والثانية: قالت له : مُرني أحرق مبغضك(6) فإنّي أعرفهم بسيماهم ، والثالثة: ببابل وقد فاتته العصر، فكلّمها وقال لها : «ارجعي إلى موضعك» فأجابته بالتلبية ، والرابعة: قال : «ياأيّتها الشمس هل تعرفين لي خطيئة» ؟ قالت : وعزّة ربّي لو خلق اللّه الخلق مثلك لم يخلق النار ، والخامسة : فإنّهم اختلفوا في الصلاة في خلافة أبي بكر فخالفوا عليّاً عليه السلام ، فتكلّمت


1- في المصدر : لئلّا يفقه.
2- وردت هذه العبارة في المصدر.
3- في المصدر + : ملك بسبعين ألف.
4- «علل الشرائع» للصدوق، ج2، ص351، ح1؛ «بحار الأنوار» ج41، ص166، ح1.
5- في «بحار الأنوار».
6- في المصدر : مبغضيك.

ص: 87

الشمس ظاهرة فقالت : الحقّ له(1) ومعه سمعته قريش ومن حضره ، والسادسة : حين دعاها فأتته بسطلٍ من ماء الحياة، فتوضّأ للصلاة فقال لها : مَن أنتِ ؟ فقالت : أنا الشمس المضيئة ، والسابعة : عند وفاته عليه السلام حين جاءت وسلّمت عليه وعهد إليها وعهدت إليه(2).

وفيه(3)ما روى الكليني في «الكافي»: أنّها رجعت بمسجد الفضيح من المدينة ، وأمّا المعروف مرّتان في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله بكراع الغميم(4) وبعد وفاته صلى الله عليه و آله ببابل ، فأمّا في حال حياته صلى الله عليه و آله ما روت اُمّ سلمة وأسماء بنت عميس وجابر الأنصاري وأبو ذرّ وابن عبّاس والخدري وأبو هريرة والصادق عليه السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى بكراع الغميم فلمّا سلّم نزل عليه الوحي وجاء عليّ عليه السلام وهو على ذلك الحال فأسنده إلى ظهره فلم يزل على تلك الحال حتّى غابت الشمس والقرآن ينزل على النبيّ صلى الله عليه و آله فلمّا تمّ الوحي قال : «ياعليّ صلّيت» ؟ قال : «لا» ، وقصّ عليه فقال صلى الله عليه و آله : «ادع اللّه ليردّ(5) عليك الشمس ، فسأل اللّه فردّت عليه(6) بيضاء نقيّة(7)، إلى أن قال : وأمّا بعد وفاته فقد تقدّم ذكره .

وعن «كشف اليقين»: كان بعض الزهّاد يَعِض الناس فوعظ في بعض الأيّام، فأخذ(8) يمدح عليّاً عليه السلام فقاربت الشمس الغروب واظلمّ الاُفق، فقال مخاطباً للشمس :

لا تغربي يا شمس حتّى ينتهي مدحي لصنو المصطفى ولنجله


1- في المصدر + : وبيده.
2- «بحار الأنوار» ج41، ص175 و 176؛ «مناقب آل أبي طالب»لابن شهر آشوب، ج2، ص322.
3- في «بحار الأنوار».
4- قال في«مجمع البحرين» ج4،ص386،مادّة كرع:كراع الغميم: واد بينه وبين المدينة نحو من مائة وسبعين ميلاً.
5- في المصدر + : اللّه.
6- في المصدر + : الشمس.
7- «بحار الأنوار» ج41، ص174؛ «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب، ج2، ص316_ 317.
8- في المصدر : وأخذ.

ص: 88

واثني عنانك إن أردت ثناهُمُ(1) أنسيت إذ كان الوقوف لأجله(2)

إن كان للمولى وقوفك فليكن هذا الوقوف لخيله ولرجله

فوقفت الشمس(3) وأضاء الأُفق، انقضى(4) المدح وكان ذلك بمحضر جماعة كثيرة تبلغ حدّ التواتر، واشتهرت هذه القصّة عند الخواصّ والعوامّ(5) .


1- في المصدر : ينقضي.
2- في المصدر : ثناءه.
3- في المصدر : أنسيت يومك إذ رددت لأجله.
4- في المصدر : فرجعت الشمس.
5- في المصدر + : حتّى.

ص: 89

ص: 90

ص: 91

الباب الخامس: في يقينه وعفوه وصفحه وإشفاقه وعطفه عليه السلام وفيه فصول أربعة :

الفصل الأوّل: في يقينه عليه السلام

في «البحار» نقلاً من «التوحيد»: عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «كان لعليّ عليه السلام غلام اسمه قنبر وكان يحبّ عليّاً حبّاً شديداً، فإذا خرج عليّ خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال عليه السلام : «ياقنبر مالكَ» ؟ قال : جئت لأمشي خلفك، فإنّ الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك ، قال : «ويحك أمِنْ أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض» ؟ قال : لا ، بل من أهل الأرض ، قال عليه السلام : «إنّ أهل الأرض لايستطيعون بي(1) شيئاً إلاّ بإذن اللّه عزّوجلّ من السماء»(2).

وفيه نقلاً من «الكافي»: عن أبي عبداللّه عليه السلام : «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس، فقال بعضهم : لا تقعد تحت هذا الحائط فإنّه معور ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «حرس امرئأجله» ، فلمّا قام أمير المؤمنين عليه السلام سقط الحائط ، قال : وكان أمير المؤمنين عليه السلام ممّا يفعل هذا وأشباهه وهذا اليقين»(3) .

وفيه نقلاً من «الكافي» أيضاً: عن سعيد بن قيس الهمداني قال : نظرت يوماً في


1- في المصدر : لي.
2- «التوحيد» للصدوق، ص338 و 339؛ «بحار الأنوار» ج41، ص1، ح1.
3- «الكافي» ج2، ص58، ح5؛ «بحار الأنوار» ج41، ص6، ح6.

ص: 92

الحرب إلى رجلٍ عليه ثوبان، فحرّكت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال : «نعم ياسعيد بن قيس إنّه ليس من عبدٍ إلاّ وله من اللّه عزّوجلّ حافظ وواقية مع ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خلّيا بينه وبين كلّ شيء»(1) .


1- «الكافي» ج2، ص58 و 59، ح8؛ «بحار الأنوار» ج41، ص6 و 7، ح7.

ص: 93

الفصل الثاني: في عفوه وصفحه عليه السلام

عن «المناقب»: عن مختار التمّار عن أبي مطر البصري أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي، فقال : «ياجارية ما يُبكيك» ؟ فقالت : بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيهم(1) به فلم يرضوه، فلمّا أتيته به أبى أن يقبله ، قال عليه السلام :«يا عبد اللّه إنّها خادم وليس لهاأمر، فاردد إليها درهمها وخذ التمر» ، فقام(2) الرجل فلكزه ، فقال الناس : هذا أمير المؤمنين عليه السلام ، فربا الرجل واصفرّ وأخذ التمر وردّ إليها درهمها ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ارض عنّي ، فقال عليه السلام : «ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك»(3) .

وفي «البحار»: ما روي أنّه عليه السلام دعى غلاماً له مراراً فلم يجبه، فخرج فوجده على باب الباب(4)، فقال عليه السلام : «ما حملك على ترك إجابتي» ؟ قال : كسلت عن إجابتك وأَمِنْتُ عقوبتك ، فقال عليه السلام : «الحمدُ للّه الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه ، امض فأنت حرٌّ


1- في المصدر : فأتيتهم.
2- في المصدر + : إليه.
3- «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص112؛ «بحار الأنوار» ج41، ص48، ح1.
4- في المصدر: باب البيت.

ص: 94

لوجه اللّه تعالى»(1) .

وروي: أنّه مرّت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ أبصار هذه الفحول طوامع وإنّ ذلك سبب هناتها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله، فإنّما هي امرأة كامرأة» فقال رجل من الخوارج : قاتله اللّه كافراً ما أفهمه (2)، فوثب القوم ليقتلوه ، فقال : «رويداً(3) هو سبّ لسبّ(4) أو عفو عن ذنب»(5).

وجاءه أبو هريرة وكان تكلّم فيه، وأسمعه في اليوم الماضي وسأله عن حوائجه فقضاها، فعاتبه أصحابه على ذلك فقال : «إنّي لأستحي أن يغلب جهله عملي(6)، وذنبه عفوي، ومسألته جودي»(7) .

ومن كلامه عليه السلام : «إلى كم أغضي الجفون على القذى وأسحب ذيلي على الأذى»(8) .

وظفر بمروان بن الحكم وكان أعدى الناس له وأشدّهم بغضاً فصفح عنه ، وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة وكان له عدوّاً فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً ، وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره فلمّا ظفر بها أكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عمّمهنّ بالعمائم وقلّدهنّ بالسيوف، فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يُذكر به، وتأفّفت وقالت : هتك ستري برجاله وجنده الذين وكّلهم بي ، فلمّا وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهنّ وقلنَ لها : إنّما نحن


1- «بحار الأنوار» ج41، ص48؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص113.
2- في المصدر : ما أفقهه.
3- في المصدر + : إنّما.
4- في المصدر : بسبٍّ.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص49؛ «شرح نهج البلاغة» ج20، ص63، ح428.
6- في المصدر : علمي.
7- «بحار الأنوار» ج41، ص49.
8- نفس المصدر.

ص: 95

نسوة ، وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف وشتموه ولعنوه، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يُتْبَع مولٍّ ولا يجهز على جريح ولا يقتل مستأسر ، ومَن ألقى سلاحه فهو آمن، ولم يأخذ أثقالهم ولا سبى ذراريهم ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل، ولكنّه عليه السلام أبى إلاّ الصفح والعفو ، ولمّا ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقالت رؤساء الشام له : اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً ، سألهم عليّ عليه السلام وأصحابه أن يسوّغوا لهم شرب الماء، فقالوا : واللّه ولا قطرة حتّى تموتوا(1) ظمأً كما مات ابن عفّان .

فلمّا رأى عليه السلام أنّ(2) الموت لا محالة تقدّم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّى أزالهم عن مراكزهم بعد قتلٍ ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته : امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة واقتلهم بسيوف العطش وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب ، فقال : «لا واللّه لا أُكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يُغني عن ذلك» . فهذه إن نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالاً وحسناً، وإن نسبتها إلى الدِّين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام (3) .

وفيه(4) : عن قنبر أنّه قال : دخلت مع أمير المؤمنين عليه السلام على عثمان، فأحبّ الخلوة فأومأ إليَّ بالتنحّي فتنحّيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه، وأقبل إليه عثمان فقال : مالكَ لا تقول ؟ فقال عليه السلام : «ليس جوابك إلاّ ما تكره، وليس لك


1- في المصدر : حتّى تموت.
2- في المصدر : أنّه.
3- «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، ج1،ص 22 _ 24؛ «بحار الأنوار» ج41، ص145 و 146.
4- أي «بحار الأنوار».

ص: 96

عندي إلاّ ما تحبّ» ثمّ خرج قائلاً :

«ولو أنّني جاوبته لأمضّه نوافذ قولي واحتضار جوابي

ولكنّني أغضي على مضض الحشا ولو شئتُ إقداماً لأنشب نابي»(1)


1- «بحار الأنوار» ج41، ص49 و 50؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص114.

ص: 97

الفصل الثالث: في إشفاقه وعطفه عليه السلام

في «البحار»: نظر عليّ عليه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها وسألها عن حالها ، فقالت : بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقُتل، وترك عَليَّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء، وقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس، فانصرف وبات ليلته قلقاً، فلمّا أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام ، فقال بعضهم : أعطني أحمله عنك ، فقال عليه السلام : «من يحمل وزري عنّي يوم القيامة» ، فأتى وقرع الباب، فقالت : مَن هذا ؟ فقال : «أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة فافتحي، فإنّ معي شيئاً للصبيان» ، فقالت : رضي اللّه عنك وحكم بيني وبين عليّ بن أبي طالب، فدخل وقال: إنّي أحببتُ اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعلّلين الصبيان لأخبز أنا .

فقالت : أنا أخبز(1) أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصبيان فعلّلهم حتّى أفرغ من الخبز ، قال : فعمدت إلى الدقيق فعجنته وعمد عليّ عليه السلام إلى اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئاً قال له :


1- في المصدر : بالخبز.

ص: 98

«يابنيّ اجعل عليّ بن أبي طالب في حلٍّ ممّا أمر في أمرك» ، فلمّا اختمر العجين قالت : ياعبد اللّه اشجر(1) التنوّر فبادر بشجره(2)، فلمّا أشعله ولفح(3) في وجهه جعل يقول : «ذق يا عليّ هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامى» ، فرأته امرأة تعرفه فقالت : ويحك هذا أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : فبادرت المرأة وهي تقول : واحيائي منك يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام : «واحيائي(4) منك يا أمَة اللّه فيما قصّرت في أمرك»(5) .


1- في المصدر : اسجر.
2- في المصدر : لسجره.
3- قال في «لسان العرب» ج2، ص578، مادّة لفح : لفحته النار : أصابت وجهه، إلاّ أن النفح أعظم تأثيراً منه.
4- في المصدر + : بل وأحيائي.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص52؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص115 و 116.

ص: 99

الفصل الرابع: في تواضعه عليه السلام

عن الصادق عليه السلام أنّه قال : كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويكنس...(1) الحديث .

وروي أنّه اشترى تمراً بالكوفة فحمله في طرف ردائه، فتبادر الناس إلى حمله وقالوا : يا أمير المؤمنين نحن نحمله ، فقال عليه السلام : «ربّ العيال أحقّ بحمله»(2) .

وفي «البحار»: عن أبي طالب المكّي أنّه قال : كان عليّ عليه السلام يحمل التمر والملح بيده ويقول :

«لا ينقص الكامل من كماله ما جرّ من نفعٍ إلى عياله»(3)

وعن زيد بن عليّ عليهماالسلام أنّه قال : كان عليه السلام يمشي في خمسة حافياً ويعلّق نعليه بيده اليسرى يوم الفطر والنحر والجمعة وعند العيادة وتشييع الجنازة ويقول : «إنّها مواضع اللّه، وأحبّ أن أكون فيها حافياً»(4) .


1- «الأمالي» للطوسي، ص660 و 661؛ «بحار الأنوار» ج41، ص54.
2- «بحار الأنوار» ج41، ص54.
3- «بحار الأنوار» ج41، ص54.
4- «بحار الأنوار» ج41، ص54.

ص: 100

وعن ذاذان(1) أنّه قال : كان يمشي في الأسواق وحده وهو إذ(2) ذاك يرشد الضالّ ويعين الضعيف ويمرّ بالبيّاع والبقّال، فيفتح عليه القرآن ويقرأ «تِلْكَ الدَّارُ الاْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا»...(3) الآية (4).

وفيه نقلاً من «المحاسن»: عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه وهو راكب فمشوا خلفه فالتفت إليهم فقال عليه السلام : «لكم حاجة» ؟ فقالوا : لا يا أمير المؤمنين ، ولكنّا نحبّ أن نمشي معك ، فقال لهم : «انصرفوا فإنّ مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلّة للماشي» .

قال : وركب عليه السلام مرّة أُخرى فمشوا خلفه فقال : «انصرفوا فإنّ خفق النّعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى(5)»(6) .

وفيه(7)نقلاً من «الاحتجاج» ما روي: أنّه ورد على أمير المؤمنين عليه السلام أخوان مؤمنان أبٍ وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين أيديهما، ثمّ أمر بطعام فأُحضر فأكلا منه ثمّ جاء قنبر بطست(8)وابريق خشب ومنديل لييبّس(9)، وجاء ليصبّ على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين عليه السلام فأخذ الابريق ليصبّ على يد الرجل، فتمرّغ الرجل في التراب وقال : يا أمير المؤمنين اللّه يراني وأنت تصبّ على يدي ، قال : اقعد واغسل فإنّ اللّه عزّوجلّ يراكَ وأخاك(10) لا يتميّز منك


1- في المصدر : زاذان.
2- في المصدر _ : إذ.
3- القصص 28: 83 .
4- «بحار الأنوار» ج41، ص54.
5- قال في «لسان العرب» ج10، ص501، مادّة نوك: النُّوك، بالضمّ : الحُمق.
6- «بحار الأنوار» ج41، ص55.
7- أي «بحار الأنوار».
8- قال في «لسان العرب» ج2، ص58، مادّة طست : الطستُ : من آنية الصُّفر.
9- في «بحار الأنوار» ج41، ص56 : ليلبس.
10- في المصدر : أخوك.

ص: 101

ولا ينفصل عنك،(1) يخدمك يريد بذلك خدمة في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدُّنيا، وعلى حسب ذلك مماليكه(2) فيها» ، فقعد الرجل فقال له عليّ عليه السلام : «أقسمت بعظم(3)حقّي الذي عرفته ونحلته(4) وتواضعك للّه حتّى جازاك عنه(5)، بأن تدنيني(6) لما شرّفك به(7) خدمتي لك لما غسلت مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصابّ عليك قنبراً» ففعل الرجل ذلك ، فلمّا فرغ ناول الابريق محمّد بن الحنفية وقال : يا بُنيّ لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكنّ اللّه عزّوجلّ يأبى أن يسوّى بين ابن وأبيه إذا جمعهما في(8) مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب فليصبّ الابن على الابن، فصبّ محمّد بن الحنفية على الابن(9).

وكان هذا من تواضعه عليه السلام .


1- في المصدر: ولا يتفضّل عليك.
2- في المصدر: في ممالكه.
3- في المصدر : بعظيم.
4- في المصدر : بجلته.
5- في المصدر _ : حتى جازاك عنه.
6- في المصدر : ندبني.
7- في المصدر + : مِن.
8- في المصدر _ : في.
9- «الاحتجاج» للطبرسي، ج2، ص460 و 461؛ «بحار الأنوار» ج41، ص55 و 56، ح5.

ص: 102

ص: 103

الباب السادس: في فصاحته وبلاغته عليه السلام

ص: 104

ص: 105

في فصاحته وبلاغته عليه السلام

اعلم أنّه عليه السلام أمير هذا الشأن وفارس هذا الميدان، وكلّ من تعاطى مطبوع الكلام ، مسجوع النظام ، فمن بحره اغترف ، وإلى ما صدر عنه انتهى عليه ووقف ، فلا ترى في الناس بليغاً ملفقاً ، ولا خطيباً مصقعاً إلاّ عليه تطفّل ، وبه اقتدى وعليه عوّل ، وفيما ملأ الطوامير ، وسطّر الأساطير ، ما يغني عن الإكثار ، لدى صاحب الذوق والاعتبار، فمن ذلك خطبته المعروفة بالشقشقية :

أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا(1) فُلان ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَا ؛ يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَلاَ يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ . فَسَدَلْتُ(2) دُونَهَا ثَوْباً ، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً(3) ، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ(4)، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاَء ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبِيرُ ، وَيَشِيبُ فيهَا الصَّغِيرُ ، وَيَكْدَحُ فيهَا مُؤْمِنٌ(5) يَلْقَى رَبَّه ؛ فَرَأيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى(6)، فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذىً ، وَفي الْحَلْقِ شَجاً(7) . أَرَى تُرَاثِي


1- «تقمّصها : لبسها كالقميص».
2- «سَدَل الثوب : أرخاه».
3- «طوى عنها كشحاً : مال عنها».
4- «الجذاء : المقطوعة».
5- في المصدر + : حتى.
6- «أحجى : ألزم، من حَجِيَ به كرضِيَ : أولع به ولزمه».
7- «الشّجا : ما اعترض في الحلق من عظمٍ ونحوه».

ص: 106

نَهْباً .

حَتَّى مَضَى الاْءَوَّلُ لِسَبِيلِهِ ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلانٍ بَعْدَهُ .

ثمَّ تمثَّل بقول الأعشى(1) :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا(2) وَيَوْمَ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَبا بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا(3)فِي حَيَاتِهِ ، إِذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ! لَشَدَّ مَا تَشَطَّرا ضَرْعَيْهَا(4)! فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا5(5) ، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا ، وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ(6) فِيهَا ، والاْعْتِذَارُ مِنْهَا ، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ(7)، إِنْ أَشْنَقَ(8) لَهَا خَرَمَ(9) ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ(10)، فَمُنِيَ(11)النَّاسُ _ لَعَمْرُ اللّهِ _ بِخَبْطٍ(12) وَشِمَاسٍ(13)، وَتَلوّنٍ وَاعْتِرَاضٍ ، فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ .

حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ ، جَعَلَهَا فِي جَماعَةٍ زَعَمَ أَ نِّي أَحَدُهُمْ ؛ فَيَاللّهِ وَلِلشُّورَى! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاْءَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظائرِ! لكنِّى أَسْفَفْتُ(14)إِذْ أَسَفُّوا ، وَطِرْتُ إِذْ طارُوا ، فَصَغا(15)رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ(16) ، وَمالَ الآخَرُ


1- في المصدر + : ابن الخطّاب.
2- «الكور : الرحل أو هو مع أداته».
3- «يستقيلها : يطلب إعفاءه منها».
4- «تشطّر ضرعَيها : اقتسماه فأخذ كلّ منهما شطراً والضرع للناقة كالثدي للمرأة».
5- «كلمها : جرحها».
6- «العثار : السقوط والكبوة».
7- «الصعبة من الإبل : ما ليست بذلول».
8- «أشنق البعير وشنقه : كنه بزمامه حتّى ألصق ذفراه بقادمة الرحل».
9- «خَرَمَ : قطع».
10- «تَقحّمَ : رمى بنفسه في الهلكة».
11- «منى الناس : ابتُلوا واُصيبوا».
12- «خبط : سير على غير هدى».
13- «الشماس : إباء ظهر الفرس عن الركوب».
14- «أسف الطائر : دنا من الأرض».
15- «صَغى صغياً : مالَ».
16- «الضِّغنُ : الضغينة والحقد».

ص: 107

لِصِهْرِهِ ، مَعَ هَنٍ وَهَنٍ(1) إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ(2)، بَيْنَ نَثِيلِهِ(3)وَمُعْتَلَفِهِ(4) ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ(5) مَالَ اللّهِ تَعالى خَضْمَةَ الإِبِلِ نِبْتَةَ(6) الرَّبِيعِ ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ(7) عَلَيْهُ فَتْلُهُ ، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ ، وَكَبَتْ(8) بِهِ بِطْنَتُهُ(9) .

فَما رَاعَنِي إِلاَّ وَالنَّاسُ رَسَلٌ(10) إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ(11)، يَنْثَالُونَ(12)عَلَيَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ(13) (14)، حَتَّى لَقَدْ وُطِى ءَ الْحَسَنانِ ، وَشُقَّ عِطْفايَ(15) ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ(16)فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاْءَمْرِ نَكَثَتْ طائِفَةٌ ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى ، وفَسَق(17) آخَرُونَ ؛ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللّهِ سُبحانَهُ يَقُولُ : « تِلْكَ الدَّارُ الاْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاْءَرْضِ وَلاَ فَسادًا وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »(18) ؛ بَلَى وَاللّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا ، وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيا فِي أَعْيُنِهِمْ ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُها . أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ (19)، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بوُجُودِ النَّاصِرِ ، ومَا أَخَذَ


1- «مع هَنٍ وهَنٍ : أي أغراض اُخرى أكره ذكرها».
2- «نافجاً حضنيه : رافعاً لهما، والحضن : ما بين الإبط والكشح، يقال للمتكبّر : جاءنا فجا حضنيه».
3- «النثيل : الروث وقذر الدوابّ».
4- «المعتلف : موضع العلف».
5- «الخضم : أكل الشيء الرطب».
6- «النِّبتَة : كالنبات في معناه».
7- «انتكَثَ عليه فتلُهُ : انتقض».
8- «كبت به : من كبا به الجواد : إذا سقط لوجهه».
9- «البطنة : البَطَرُ والأشرُ والتخمة».
10- في المصدر _ : رَسَلُ.
11- «عُرفُ الضّبُع: ما كثر على عنقها من الشعر، وهو ثخين يُضرب به المثل في الكثرة والازدحام».
12- «ينثالون : يتتابعون مزدحمين».
13- في المصدر : جانب.
14- في المصدر : جانب.
15- «شُقَّ عطفاه : خُدِشَ جانباه من الاصطكاك».
16- «ربيضة الغنم : الطائفة الرابضة من الغنم».
17- في المصدر : قسط.
18- القصص 28: 83 .
19- «النَسمَة : الروح وهي في البشر أرجح وبَرَأها : خلقها».

ص: 108

اللّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلاّ يُقَارُّوا(1) عَلَى كِظَّةِ(2)ظَالِمٍ ، وَلاَ سَغَبِ(3) مَظْلُومٍ ، لاَءَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا(4)، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا ، وَلاَءَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ عِنْدِي أَزْهَدَ(5) مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ(6) .

قَالُوا : وَقَام إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ ، فَنَاوَلَهُ كِتَ_اباً(7) فَ_أَقْ_بَلَ ينظر فِيهِ ؛ فلمّا فرغ من قراءته قَالَ لَهُ ابْنُ عبّاس رحمه الله : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، لَوِاطَّرَدَتْ

مَقَالتُكَ(8)مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ! فَقَالَ :

هَيْهَاتَ يابن عَبَّاسٍ! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ(9) .

قَالَ ابن عبّاسٍ : فَوَاللّهِ مَا أَسِفْتُ عَلَى كَلاَمٍ قطُّ كَأَسَفِي عَلَى ذلكَ(10) الْكَلاَمِ أَلاّ يَكونَ أَمِيرُالْمُؤْمنينَ بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ (11).

ومن كتابٍ له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنّه دُعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها :

أَمَّا بَعْدُ يَابْنَ حُنَيْفٍ ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِئَةِ(12)أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ الَيْها ، تُسْتَطَابُ لَكَ الاْءَلْوَانُ ، وَتُنْقَلُ إلَيْكَ الْجِفَانُ . وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى


1- «ألا يُقارّوا : ألاّ يوافقوا مُقرّين».
2- «الكظة: ما يعتري الآكلَ من الثقل».
3- «السَّغب : شدّة الجوع، والمراد منه هضم حقوقه».
4- «الغارب : الكاهل، والكلام تمثيل للترك وإرسال الأمر».
5- في المصدر : أزهَد عندي.
6- «عفطَة العنز : ما تنثره من أنفها».
7- في المصدر +: قيل: إنّ فيه مسائل كان يريد الإجابة عنها.
8- في المصدر : خطبتك.
9- «قرّت : سكنت وهَدَأت».
10- في المصدر : هذا.
11- «نهج البلاغة» الخطبة 3، ص26 _ 31.
12- في المصدر : فتية.

ص: 109

طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ (1)، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ : فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ(2)مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ ، فَمَا اشْبَهَ(3)عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ(4) .

أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِى بِهِ ، وَيَسْتَضِى ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ ؛ أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ (5)، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ . أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ (6) ، فَوَاللّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً(7)، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْرًا ، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِى ثَوْبى طِمْرًا ... ، بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ(8) آخَرِينَ وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ(9) تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لأَضْغَطَهَا(10)الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ(11)وَ سَدَّ فُرَجَهَا(12)التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا(13)بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الاْءَكْبَرِ وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ(14) وَ لَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ(15)وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي(16) إِلَى تَخَيُّرِ الاْءَطْعِمَةِ _ وَلَعَلَّ بِالحِجَازِ


1- «مجفو : أي مطرود، من الجفاء».
2- «قَضِمَ : أكل بطرف أسنانه».
3- في المصدر : اشتبه.
4- في المصدر + : منه.
5- «الطمر : الثوب الخَلِق البالي».
6- في المصدر + : وعِفَّةٍ وسَدادٍ.
7- «التِبر : فُتات الذهب والفضَّة قبل أن يصاغ».
8- في المصدر + : قوم.
9- «جدث : أي قبر».
10- «أضغطها : جعلها من الضيق بحيث تضغط وتعصر الحال فيها».
11- «المَدَر : وهو التراب المتلبّد أو قطع الطين».
12- «فُرجَها : كلّ منفرج بين شيئين».
13- «أروضُها : أُذلّلها».
14- «المزلق : موضع الزلل».
15- «القزّ : الحرير».
16- «الجشع : شدّة الحرص».

ص: 110

وبِالْيمَامَةِ(1) مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ بِالْقُرْصِ(2) ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ _ أوْ أَبِيتَ مِبْطَانا وَحَوْلِي(3) غَرْثَى(4) ، وَأَكْبَادٌ حَرَّى ، أوْ أَكُون كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :

وَحَسْبُكَ ذا(5) أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ(6) وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدّ(7)

لأقْنَعُ(8)مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ (9) : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ وَلاَ أُشَارِكهُمْ فِى مَكارِهِ الدَّهْرِ ، و(10)أَكُون أُسْوَةً لَهُمْ فِى خُشُونَةِ(11)الْعَيْشِ ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ ، كالْبَهيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ ؛ هَمُّهَا عَلَفُهَا ، أَوِ الْمُرْسَلَةِ ؛ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا12(12) ، تَكْتَرِشُ(13) مِنْ أَعْلاَفِهَا ، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا ، أَوْ أُتْرَكَ سُدًى ، وأُهْمَلَ عَائباً(14)، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ ، أَوْ أَعْتَسِفَ(15) طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ(16)!

وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ : إِذَا كَانَ هَذَا قُوتَ ابْنِ أَبي طَالِبٍ ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الاْءَقْرَانِ ، وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ .

أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُودًا ، وَالرَّوَابِعَ(17)الخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُودًا ،


1- في المصدر : أو اليمامة.
2- في المصدر : في القرص.
3- في المصدر + : بطونٌ.
4- «بطون غرثى : جائعة».
5- في المصدر : داءً.
6- «البطنة : البطر والأشر».
7- «القِدّ : سير من جلد غير مدبوغ».
8- في المصدر : أأقنعُ.
9- في المصدر + : هذا.
10- في المصدر : أو أكون.
11- في المصدر : جشوبة.
12- «تقمّمها : التقاطها للقمامة، أي الكناسة».
13- «تكترش : تملأ كرشها».
14- في المصدر : أو اُهمَلَ عابثاً.
15- «اعتسف : ركب الطريق على غير قصد».
16- «المتاهة : موضع الحيرة».
17- في المصدر : الرواتِع.

ص: 111

وَالنباتَاتِ(1) الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُودًا ، وَأَبْطَأُ خُمودًا .

وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كالوضؤ مِنَ الصَّنو (2) ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ ؛ وَاللّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِى لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا ، وَلا أَمْكَنَتِ الْفُرَضُ(3)مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا ، وَسَأَجْهَدُ فِى أَنْ أُطَهِّرَ الاْءَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ ، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ(4)حَبِّ الْحَصِيدِ .

إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ(5) قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ(6) وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ(7) وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ(8)أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ(9) أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ.

وَاللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً جِنسِّيّاً(10)لأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالاْءَمَانِيِّ وَأُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي(11)وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ إِذْ لاَ وِرْدَ(12)وَ لاَ صَدَرَ(13) هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ(14)زَلِقَ وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَ مَنِ ازْوَرَّ(15) عَنْ حبالِكِ(16) وُفِّقَ وَ السَّالِمُ مِنْكِ لاَ يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ


1- «الرواتع الخضرة : الأشجار والأعشاب الغضّة الناعمة التي تنبت في الأرض الندية».
2- في المصدر : النّابتاب.
3- في المصدر : كالضّوء من الضّوء.
4- في المصدر : الفُرَص.
5- في المصدر + : بين.
6- «الغارب : ما بين السنام والعنق».
7- «انسلّ من مخالبها : لم يعلق به شيء من شهواتها».
8- «الحبائل: جمع حبالة وهي شبكة الصيّاد».
9- «المداحض : المساقط والمزالق».
10- «المداعب : من الدعابة، وهي المزاح».
11- في المصدر : حسِّيّا.
12- «المهاوي : مكان السقوط».
13- «الوِرْد : ورود الماء».
14- «الصَدَر : الصدور عن الماء بعد الشرب».
15- «مكان دحض : زلق لا تثبت فيه الأرجل».
16- «ازوَرّ : مال وتنكّب».

ص: 112

مُنَاخُهُ وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلاَخُهُ.

اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَ لاَ أَسْلَسُ(1) لَكِ فَتَقُودِينِي وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لأَرُوضَنَّ نَفْسِي راضيةً(2) تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَلأَدَعَنَّ مُقْلَتِي(3) كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَتَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ؟ وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ(4)مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ(5) زَادِهِ فَيَما يهْجَعَ(6) قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ(7)السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ.

طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ لِرَبِّهَا(8) فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُوءْسَهَا(9) وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا(10)حَتَّى إِذَا(11) الْكَرَى(12) عليَها افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِا(13) جُنُوبُهُمْ وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ(14)بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ(15).


1- في المصدر : حبائلك.
2- «لا أسلس : أي لا أنقاد».
3- في المصدر : رياضة.
4- «مقلتي : عيني».
5- «الربيضة : الغنم مع رعاتها إذا كانت في مرابضها».
6- في المصدر : من.
7- في المصدر : فيهجع.
8- في المصدر + : الهامِلةِ والسائمة.
9- في المصدر : إلى ربّها.
10- «البؤس: الضرّ».
11- «الغُمض : النوم».
12- في المصدر + : غلب.
13- «الكرى : النعاس».
14- في المصدر : مضاجعهم.
15- «تقشّعت جنوبهم : انحلّت وذهبت كما يتقشّع الغمام».

ص: 113

ومن كتابٍ له عليه السلام كتب لشريح بن الحارث قاضيه : رُوِيَ أَنَّ شُرَيْحَ بن الحَارِث قَاضِيَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عليه السلام اشْتَرَى عَلَى عَهْدِهِ داراً بِثََمانِينَ دِينَاراً ؛ فَبَلَغَهُ عليه السلام ذَلِكَ ، فَاسْتَدْعَى شُرِيْحاً ، وَقَالَ لَهُ : بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثََمانِينَ دِينَاراً ، وَكَتَبْتَ(1) كِتَاباً(2) ، وَأَشْهَدْتَ(3) شُهُوداً . فَقَالَ(4) شُرَيْحٌ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرَ المُغْضَبِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ :

يَا شُرَيْحُ ، أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِى كِتَابِكَ ، وَلاَ يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ ، حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً ، وَيُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً . فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لاَ تَكُون ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ ، أَوْ نَقَدْتَ الَّثمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلاَلِكَ ؛ فَإِذاً أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَدَارَ الاْآخِرَةِ .

أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ(5) ، لَكَ كِتَاباً عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ بِالدراهَم(6) فما فَوْقُه ، والنسخَةُ هَذِهِ :

«هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ ، مِنْ مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ . اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ ، مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ ، وَخِطَّةِ الْهَالِكِين . وَتَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ : الْحَدُّ الأوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الآفَاتِ ، وَالْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِى المُصِيبَاتِ ؛ وَالْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى المُرْدِى ، وَالْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الغوي(7) . وَفِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ . اشْتَرَى هَذَا الْمُغَترُّ بِالأَمَلِ ، مِنْ هَذَا المُزعَجِ بِالاْءَجَلِ هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ ، وَالدُّخُولِ فِى دار(8) الطَّلَبِ وَالضَّرَاعَةِ(9) ؛ فِيَما اشْتَرَ(10)ىمِنْ


1- في المصدر + : لها.
2- في المصدر + : فيه.
3- في المصدر + : له.
4- في المصدر + : له.
5- في المصدر : لكتبتُ.
6- في المصدر : بدرهم فما فوق.
7- في المصدر : المغوي.
8- في المصدر : ذلّ.
9- في المصدر + : فما أدْرَك هذا المشتري.
10- في المصدر + : منه.

ص: 114

دَرَكٍ . فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ(1) المُلُوكِ ، وَسَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ ، وَمُزِيلِ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ ، مِثْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَتُبَّعٍ وَحِمْيَرَ ، وَمَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ ، وَمَنْ بَنَى وَشَيَّدَ ، وَزَخْرَفَ(2) وَادَّخَرَ وَاعْتَقَدَ ، وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ ، وَمَوْضِعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، إِذَا وَقَعَ الأمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، «وَخَسِرَ هُنَالِكَ المُبْطِلُونَ»(3) .

شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أسرِ الْهَوَى ، وَسَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ الدُّنْيَا»(4) .


1- «مبلبل الأجسام : مهيّج داءاتها المهلكة لها».
2- في المصدر +: ونجَّد.
3- المؤمن 40: 78.
4- «نهج البلاغة» الكتاب 3، ص496 _ 498.

ص: 115

ص: 116

الباب السابع: في فضله وتفضّله عليه السلام

ص: 117

في فضله وتفضّله عليه السلام

اعلم(1) أنّه لا خلاف بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم في أشرفيّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله على سائر الأنبياء للأخبار المتواترة ، وإنّما الخلاف بينهم في أفضليّة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الأئمّة الطاهرين عليهم السلام ، فذهب بعض إلى أنّهم عليهم السلام أفضل ما خلا أُولي العزم وذهب بعضهم إلى المساواة ، وأكثر المتأخِّرين ذهبوا إلى أفضلية أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة المعصومين على أُولي العزم وغيرهم وهو الصواب ؛ والدليل على ذلك أُمور :

الأوّل : ما رواه المفضّل بن عمر عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمّد صلى الله عليه و آله وعليّ(2) والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام ، فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم» فقال اللّه تعالى للسماوات والأرض والجبال : «هؤلاء أحبّائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمّة بريّتي، ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليَّ منهم، ولمن تولاّهم خلقت جنّتي، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري» إلى أن قال : «فلمّا أسكن


1- هذا الباب مع العبارات الآتية قد أخذه المصنّف ملخّصاً من كتاب معاصره «اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء» للتبريزي الأنصاري وأيضاً هو أخذه من «الأنوار النعمانية» للسيّد نعمة اللّه الجزائري.
2- في المصدر + : فاطمة.

ص: 118

آدم عليه السلام وحوّاء الجنّة نظرا إلى منزلة النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة، فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة، فقال لهما سبحانه وتعالى : ما خلقتكما»(1)... الحديث .

الثاني : ما روي مستفيضاً من قوله عليه السلام : «إذا كان يوم القيامة أقام اللّه عزّوجلّ جبرئيل عليه السلام ومحمّداً صلى الله عليه و آله على الصراط، لا يجوز أحد إلاّ من كان معه براءة من عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2) وإلاّ هلك وأنزله الدرك الأسفل ، وكذا روي أنّه لا يدخل الجنّة أحد(3) إلاّ من كان معه براءة من عليّ بن أبي طالب عليه السلام »(4) .

وروي أنّه في عرصات القيامة يبعث اللّه تعالى رضواناً بمفاتيح الجنّة ومالكاً بمفاتيح النار فيدفعاهما إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ويأتي إلى شفير جهنّم فيقف والملائكة تسوق الناس إلى الصراط وهو واقف عنده، فيقول : «يانار هذا لي وهذا لكِ»(5)، وهذا معنى كونه قسيم الجنّة والنار، على ما تواترت به الأخبار .

وعن «العيون»: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله سمّي أبا القاسم لأنّه ربّا عليّاً عليه السلام في حجره ولمّا أخذه من أبي طالب عام القحط، وعليّ قاسم الجنّة والنار والنبيّ صلى الله عليه و آله أبوه فهو أبو القاسم(6) .

الثالث : ما رواه ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى : «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ قدس سره صلى الله عليه و آله وسلم قدس سرهم وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ»(7) قال : كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا رآه النبيّ تبسّم في وجهه وقال : «مرحباً بمن خلقه اللّه تعالى قبل أبيه آدم بأربعين ألف


1- «معاني الأخبار» للصدوق، ص108 و 109.
2- «إرشاد القلوب» ج2، ص257.
3- لم نجد هذه العبارة في أيّ الكتب الروائية، ولكن جاء في «بحار الأنوار» ج8 ، ص70 : «لا يعبر الصراط يوم القيامة إلاّ مَن كان...».
4- «بحار الأنوار» ج8 ، ص70.
5- لم نجد هذه الرواية في أيّ الكتب الروائية، ولكن جاء في «بحار الأنوار» ج8 ، ص166، ح110، مع اختلاف غير يسير.
6- لم نجد هذه الرواية في «عيون أخبار الرضا عليه السلام » ولكن وجدت في كتاب «اللمعة البيضاء» للتبريزي الأنصاري، ص214، نقلاً من «الأنوار النعمانية» ج1، ص22.
7- الصافّات 37: 165 و 166.

ص: 119

عام» فقلت : يارسول اللّه أكان الابن قبل الأب ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «نعم إنّ اللّه (1) خلقني وخلق عليّاً عليه السلام قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة، خلق نوراً فقسّمه(2) نصفين»(3)وخلق عليّاً عليه السلام من النصف الآخر قبل الأشياء فنورها من نوري ونور عليّ عليه السلام ، ثمّ جعلنا(4) يمين العرش، ثمّ خلق الملائكة فسبّحنا فسبّحت الملائكة(5)، وكان ذلك من تعليمي وتعليم عليّ عليه السلام وكان ذلك في علم اللّه السابق ، إنّ الملائكة تتعلّم منّا التسبيح والتكبير(6) والتهليل ، وكلّ شيء سبّح اللّه وكبّره وهلّله(7) بتعليمي وتعليم عليّ عليه السلام ،وكان في علم اللّه السابق أن لا يدخل النار محبّ لي ولعليّ عليه السلام ، وكذا كان في علمه أن لا يدخل الجنّة مبغض لي ولعليّ عليه السلام ، ألا وإنّ اللّه خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللُجَيْن(8) مملوّة من ماء الجنّة من الفردوس فما أحد من شيعة عليّ عليه السلام إلاّ وهو طاهر الوالدين، تقيّ نقيّ، مؤمن باللّه ، فإذا أراد أحدهم(9) أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق الجنّة، فطرح(10) من ذلك الماء في إنائه الذي يشرب فيه(11)، فيشرب هو ذلك الماء فينبت(12)الإيمان في قلبه كما ينبت الزرع ، فهم على بيِّنة من ربّهم ومن نبيّهم ووصيّه(13) عليّ عليه السلام وفاطمة عليهاالسلام والأئمّة عليهم السلام ... الحديث .


1- في المصدر + : تعالى.
2- في المصدر: قسمه.
3- في المصدر + : فخلقني من نِصفه.
4- في المصدر +: عن.
5- في المصدر + : وهلّلنا فهلّلت الملائكة، وكبّرنا فكبّرت الملائكة فكان.
6- في المصدر _ : التكبير.
7- في المصدر : يسبّح للّه ويكبّره ويهلّله.
8- قال في «لسان العرب» ج13، ص379، مادّة لجن : اللُجَين : الفضّة لا مكبر له، جاء مُصغّراً مثل الثُّريا.
9- في المصدر : بواحدهم.
10- في المصدر : فقطر.
11- في المصدر : به.
12- في المصدر : وينبت.
13- في المصدر : ومِن وصيّي.

ص: 120

الرابع : ما استفاض في الأخبار من أنّ علم الأئمّة عليهم السلام أكمل من علوم كلّ الأنبياء، وذلك أنّ جملته الاسم الأعظم؛ وهو ثلاثة وسبعون حرفاً، واحد منها استأثر به اللّه سبحانه وتعالى، واثنان وسبعون علّمهما لرسوله صلى الله عليه و آله وأمره أن يعلّمها أهل بيته ، وأمّا باقي الأنبياء على ما روي عن الصادق عليه السلام : «أنّ عيسى بن مريم عليه السلام أُعطي حرفين كان يعمل بهما، وأُعطي موسى عليه السلام أربعة أحرف، وأُعطي إبراهيم عليه السلام ثمانية أحرف، وأُعطي نوحاً خمسة عشر حرفاً، وأُعطي آدم خمسة وعشرون(1) حرفاً، وقد جمع لمحمّد صلى الله عليه و آله وآله عليهم السلام كلّ ذلك سوى حرف واحد استأثر به اللّه تعالى»(2) .

وعن كتاب «الأربعين»: عن عمّار بن خالد عن إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن سليمان قال : وجد في ذخيرة حواريّ عيسى عليه السلام في رقٍّ مكتوب أنّه لمّا تشاجر موسى والخضر في قصّة السفينة والغلام والجدار ، ورجع موسى إلى قومه فسأله(3) أخوه هارون عمّا(4) شاهده من عجائب البحر ، قال موسى:بينما(5)أنا والخضر على شاطئ البحر، إذ سقط بين أيدينا طائر، فأخذ(6) في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق، وأخذ(7) ثانية ورمى بها نحو المغرب، وأخذ(8) ثالثة ورمى بها نحو السماء، وأخذ(9) رابعة فرمى(10)بها نحو الأرض، ثمّ أخذها(11) خامسة فألقاها(12) في


1- «بحار الأنوار» ج26، ص345 و 346؛ «إرشاد القلوب» ج2، ص404 و 405.
2- في المصدر : عشرين.
3- «الكافي» ج1، ص230، ح2، مع اختلاف يسير.
4- في المصدر : سأله.
5- في المصدر + : استعمله من الخضر عليه السلام وشاهده.
6- في المصدر : قال بينا.
7- في المصدر : أخذ.
8- في المصدر + : ثمّ أخذ.
9- في المصدر + : ثمّ أخذ.
10- في المصدر + : ثمّ أخذ.
11- في المصدر : ورمى.
12- في المصدر : أخذ.

ص: 121

البحر فبهتنا من ذلك(1)، وإذا(2) بصيّاد(3) يصيد(4) في البحر(5) فنظر إلينا وقال : ما لي أراكما في فكرة(6) من أمر الطائر ، فقلنا(7) : هو كذلك ، فقال : أنا رجل صيّاد وقد علمت إشاراته(8) وأنتما نبيّان لا تعلمان ، فقلنا : لا نعلم(9) إلاّ ما علّمنا اللّه تعالى ، قال : هذا الطائر في البحر يسمّى مسلماً(10) لأنّه إذا صاح يقول في صياحه : مسلم ، فإشارته(11)برمي الماء، يقول : يأتي في آخر الزمان نبيّ يكون علم أهل السماوات والأرض والشرق والغرب(12)عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في هذا البحر، ويرث علمه ابن عمّه ووصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فعند ذلك(13) سكن(14) ما كنّا فيه من التشاجر(15)، واستقلّ كلّ منّا(16)علمه(17) .

الخامس : إنّه قد روي في عدّة أخبار: أنّه قد اجتمع في عليّ عليه السلام من الصفات ما وجد في غيره متفرّقاً من الأنبياء السابقين .

روى الصّدوق طاب ثراه بإسناده إلى سليم بن قيس أنّه قال : قال رسول


1- في المصدر: فبهت الخضر وأنا.
2- في المصدر + : قال موسى: فسألت الخضر عليه السلام عن ذلك، فلم يجب.
3- في المصدر + : نحن.
4- في المصدر : يصطاد.
5- في المصدر _ : في البحر.
6- في المصدر : فِكر وتعجّب من الطائر.
7- في المصدر : فقلنا في أمر الطائر.
8- في المصدر : إشاراته.
9- في المصدر : قلنا: ما نعلم.
10- في المصدر : مسلمٌ.
11- في المصدر : وأشار بذلك إلى أنّه يأتي في آخر الزمان.
12- في المصدر : يكون علم أهل المشرق والمغرب وأهل السماء والأرض عند علمه.
13- في المصدر _ : عليّ بن أبي طالب عليه السلام عند ذلك.
14- في المصدر : فسكن.
15- في المصدر : المشاجرة.
16- في المصدر +: واحد.
17- «بحار الأنوار» ج26، ص199 و 200، ح12؛ «بحار الأنوار» ج13، ص312، مع اختلاف يسير.

ص: 122

اللّه صلى الله عليه و آله : «عليّ في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض، وفي السماء الدُّنيا كالقمر بالليل في الأرض»(1) .

السادس : إنّه روي في صفة «منبر الوسيلة» عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «منبر يؤتى به يوم القيامة، فيوضع يمين العرش فيرقاه النبيّ صلى الله عليه و آله ، ثمّ يرقى من بعده أمير المؤمنين عليه السلام فيجلس في مرقاة دونه، ثمّ الحسن عليه السلام في مرقاة دونه إلى آخر الأئمّة ، ثمّ يؤتى بإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء، فيجلس كلّ واحد على مرقاة من دون ذلك المراقي» وفي هذه أيضاً دلالة على ترتيب الفضل والشرف .

السابع : في «الأنوار»:(2) ما رواه أبو حمزة الثمالي إنّه قال : دخل عبداللّه بن عمر على زين العابدين عليه السلام وقال له : يابن الحسين أنت الذي تقول: إنّ يونس بن متى إنّما لقي من الحوت ما لقي، لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف عندها ؟ قال : «بلى ثكلتك اُمّك» ، قال : فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين ؟ فأمر عليه السلام بشدّ عينيه بعصابة(3)، ثمّ أمر بعد ساعة بفتح عينيه(4)، فإذا نحن على شاطئ بحر تضطرب(5) أمواجه ، فقال ابن عمر(6) : دمي في رقبتك اللّه اللّه في نفسي(7) ، ثمّ قال عليه السلام : «يا أيّتها(8)الحوت» ، قال : فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول : لبّيك لبّيك يا وليّ اللّه ، فقال عليه السلام : «مَن أنت ؟» قال(9) : حوت يونس ياسيّدي(10)، إنّ اللّه لم يبعث نبيّاً من آدم إلى أن صار جدّك محمّد صلى الله عليه و آله إلاّ وقد عرض عليه ولايتكم أهل


1- «الأمالي» للصدوق، ص8 ، ح7؛ «بحار الأنوار» ج39، ص37، ح7.
2- أي «بحار الأنوار».
3- في المصدر + : وعيني بعصابة.
4- في المصدر : أعيننا.
5- في المصدر : تضرب.
6- في المصدر + : يا سيّدي.
7- في المصدر + : فقال: هيه وأريه إن كنت من الصادقين.
8- في المصدر: يا أيّها.
9- في المصدر + : أنا.
10- في المصدر + : قال: أنبئنا بالخبر. قال: ياسيّدي، إنّ اللّه.

ص: 123

البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلّص ومن توقّف عنها وتمنع في حملها لقى ما لقى آدم عليه السلام من المصيبة وما لقى نوح عليه السلام من الغرق وما لقى إبراهيم من النار وما لقى يوسف من السجن(1) الجبّ وما لقى أيّوب من البلاء وما لقى داود من الخطيئة إلى أن بعث اللّه يونس ابن متي(2) فأوحى اللّه تعالى إليه : يا يونس تولّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام والأئمّة الراشدين من صلبه(3) ، فقال : كيف(4) أتولّى من لم أره ولم أعرفه وذهب مغاضباً(5) فأوحى اللّه تعالى إليّ أن التقمي يونس ولا توهني له عظماً فمكث في بطني أربعين صباحاً يطوف معي البحار في ظلماتٍ ثلاث ينادي أن(6)«لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين»(7) قد قبلت ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة الراشدين من ولده عليهم السلام ، فلمّا أن آمن بولايتكم أمرني ربّي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدين عليه السلام : «ارجع أيّتها الحوت إلى وكرك» فرجع الحوت(8) واستوى الماء(9).

الثامن : ما أورده الصدوق طاب ثراه نقلاً عن جماعة ثقات، قال : لمّا وردت حرّة بنت حليمة السعدية على الحجّاج بن يوسف الثقفي وجلست عنده(10) بين يديه، فقال11(11) لها : أنت حرّة بنت حليمة(12) وقد قيل(13)عنك إنّك تفضّلين عليّاً على أبي بكر وعمر وعثمان ؟ قالت(14): لقد كذب الذي قال: إنّي أُفضّله على هؤلاء خاصّة ، قال :


1- في المصدر _ : السجن.
2- في المصدر _ : ابن متى.
3- في المصدر + : في كلام له.
4- في المصدر : فكيف.
5- في المصدر : مغتاظاً.
6- في المصدر : أنّه.
7- الأنبياء 21: 87 .
8- في المصدر _ : فرجع الحوت.
9- «بحار الأنوار» ج14، ص401، ح15؛ «مناقب آل أبي طالب» ج4، 138 و 139.
10- في المصدر : فمثلت.
11- في المصدر : قال.
12- في المصدر +: السعدية.
13- في المصدر + : قالت له: فراسة من غير مؤمن فقال لها: اللّه جاء بك، فقد قيل.
14- في المصدر : فقالت.

ص: 124

وعلى من غير هؤلاء ؟ قالت : أُفضّله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى(1) وداود وسليمان وعيسى(2) ، فقال لها : ويلك أقول لك(3) إنّك تفضليه(4) على الصحابة فتزيدين(5)عليهم سبعة من الأنبياء من أُولي العزم، فإنْ(6) لم تأتيني ببيان ما قلتِ وإلاّ(7) ضربت عنقك ، فقالت : ما أنا فضّلته(8) على هؤلاء الأنبياء بل(9)اللّه تعالى فضّله(10) في القرآن عليهم في قوله(11)في حقّ آدم : «وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى»(12)وقال في حقّ عليّ عليه السلام : «وَكَانَ سَعْيُكُمْ(13) مَشْكُورا»(14)فقال : أحسنت يا حرّة ، فبمَ تفضيله(15)على نوح ولوط ؟ قالت(16) : اللّه فضّله عليهم(17) بقوله : «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا»(18) وعليّ بن أبي طالب عليه السلام زوجته فاطمة الزهراء عليهاالسلام بنت محمّد صلى الله عليه و آله عقد له عليها تحت سدرة المنتهىالتي يرضى اللّه لرضاها ويسخط لسخطها .


1- في المصدر _ : موسى.
2- في المصدر + : بن مريم عليهما السلام.
3- في المصدر _ : أقول لك.
4- في المصدر : تفضلينه.
5- في المصدر : وتزيدين.
6- في المصدر _ : ف.
7- في المصدر _ : وإلاّ.
8- في المصدر : مفضلته.
9- في المصدر : ولكن.
10- في المصدر : عليهم في القرآن.
11- في المصدر : بقوله عزّوجلّ.
12- طه 20: 121 .
13- في النسخة المخطوطة : سَعيه.
14- الإنسان 76: 22 .
15- في المصدر : فبما تفضلينه.
16- في المصدر : فقالت.
17- في المصدر : عليهما.
18- التحريم 66: 10 .

ص: 125

فقال الحجّاج : أحسنت يا حرّة ، فبِمَ(1) تفضيله على أبي الأنبياء إبراهيم خليل اللّه ؟ فقالت : اللّه ورسوله(2) فضّله بقول اللّه تعالى : «قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى»(3)وأمير المؤمنين(4) عليه السلام قال قولاً لم يختلف(5) فيه أحد من المسلمين : «لو كشف الغطاء ما ازددتُ يقيناً» ، وهذه كلمة لم يقلها(6) قبله ولا بعده أحد .

قال (7): أحسنت يا حرّة ، فبِمَ(8) تفضيله على موسى نجيّ اللّه (9) ؟ قالت : يقول اللّه تعالى : «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(10)وعليّ بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يَخف حتّى أنزل اللّه في حقّه : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّه ِ»(11)قال (12): أحسنت يا حرّة ، قال : فبِمَ تفضيله(13)على داود (14)؟ قالت : اللّه فضّله عليه(15)بقوله : «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الاْءَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى(16)»(17) فقال لها : فأيّ


1- في المصدر: عليّ بن أبي طالب، كان ملاكه تحت سدرة المنتهى، زوجته بنت محمّد فاطمة الزهراء التي يرضى اللّه.
2- في المصدر : فبما.
3- في المصدر _ : ورسوله.
4- البقرة 2: 260 .
5- في المصدر + : ومولاي.
6- في المصدر : لا يختلف.
7- في المصدر : ما قالها أحد قبله ولا بعده.
8- في المصدر : فقال.
9- في المصدر : فبما.
10- في المصدر : تفضلينه على موسى كليم اللّه.
11- القصص 28: 21 .
12- البقرة 2: 207 .
13- في المصدر + : الحجاج.
14- في المصدر : فبما تفضلينه.
15- في المصدر + : وسليمان.
16- في المصدر : عليهما.
17- في المصدر + : فيضلّك عن سبيل اللّه.

ص: 126

شيء كانت حكومته ؟ قالت : في رجلين لأحدهما كان كرم(1) وللآخر غنم(2)، فنفشت الغنم فيالكرم(3) فرعته فاحتكما إلى داود عليه السلام ، فقال : تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتّى يعود كما كان(4) ، فقال له ولده : لا يا أبت(5) بل يأخذ من لبنها وصوفها ، فقال(6) اللّه تعالى : «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ»(7) ، وإنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (8) قال : «سلوني عمّا فوق السماء اسألوني عمّا تحت الأرض، اسألوني قبل أن تفقدوني»(9) وأنّه عليه السلام دخل على النبيّ صلى الله عليه و آله يوم فتح خيبر، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله (10) للحاضرين : «أفضلكم وأعلمكم(11)عليّ عليه السلام » ، فقال لها : أحسنت يا حرّة(12)، فبِمَ تفضيله(13)على سليمان عليه السلام ؟ فقالت : اللّه فضّله عليه بقوله : «رَبِّ... هَبْ لِى مُلْكا لاَ يَنْبَغِى لاَِحَدٍ مِنْ بَعْدِى»(14) ومولانا عليّ عليه السلام (15) قال : «يا دنيا قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك»(16) ، فعند ذلك أنزل اللّه عليه(17): «تِلْكَ الدَّارُ الاْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّا فِى الاْءَرْضِ وَلاَ فَسَادا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(18)»(19) ، قال : أحسنت يا حرّة ، فبِمَ تفضيله20 على عيسى بن


1- سورة صآ 38: 26 .
2- في المصدر : رجل كان له كرم.
3- في المصدر : والآخر له غنم.
4- في المصدر: بالكرم.
5- في المصدر : إلى ما كان عليه.
6- في المصدر : أبة.
7- في المصدر : قال.
8- الأنبياء 21: 79 .
9- في المصدر + : عليّاً.
10- في المصدر : «سلوني عمّا فوق العرش، سلوني عمّا تحت العرش، سلوني قبل أن تفقدوني».
11- في المصدر : رسول اللّه.
12- في المصدر + : وأقضاكم.
13- في المصدر _ : يا حرّة.
14- في المصدر : فبما تفضلينه.
15- سورة صآ 38: 35 .
16- في المصدر + : أمير المؤمنين.
17- في المصدر : «طلّقتك يا دنيا ثلاثاً، لا حاجة لي فيك».
18- في المصدر : فيه.
19- في المصدر _ : والعاقبة للمتّقين.

ص: 127

مريم عليهماالسلام ؟ قالت : اللّه فضّله عليه بقوله : «يَا عِيسَى(1) ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّى إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه ِ قَالَ سُبْحَانَكَ»(2) إلى آخر الآية ، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام لمّا ادعوا النصيرية فيه ما ادّعوا لم يعاتبه اللّه تعالى(3) ، فقال : أحسنت يا حرّة خرجت من جوابك، ولولا ذلك، ما كان(4) ذلك، ثمّ أجازها وأعطاها وسرّحها سراحاً جميلاً(5) .(6)

التاسع : عن «المناقب» مسنداً إلى صعصعة بن صوحان: أنّه دخل على أمير المؤمنين عليه السلام لمّا ضرب فقال : يا أمير المؤمنين أنت أفضل أم آدم عليه السلام أبو البشر ؟ قال عليّ عليه السلام : «تزكية المرء نفسه قبيح لكن قال اللّه تعالى لآدم : «اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ»(7) وأنا أكثر الأشياء أباحها اللّه لي وتركتها وما قاربتها» ، ثمّ قال : أنت أفضل يا أمير المؤمنين عليه السلام أم نوح ؟ قال عليّ عليه السلام : «إنّ نوحاً دعى على قومه وأنا ما دعوت على ظالمي حقّي وابن نوح كان كافراً وابناي سيّدا شباب أهل الجنّة» ، فقال : أنت أفضل أم موسى عليه السلام ؟ قال عليه السلام : «إنّ اللّه تعالى أرسل موسى إلى فرعون فقال : إنّي أخاف أن يقتلون حتّى قال اللّه تعالى : «لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ»(8) ، وقال : ربِّ إنّي قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون ، وأنا ما خفت حين أرسلني رسول اللّه صلى الله عليه و آله


1- القصص 28: 83 .
2- في المصدر : فقال أحسنت يا حرّة فبما تفضلينه.
3- في المصدر + : إذ قال اللّه.
4- المائدة 5: 116 .
5- في المصدر : ما ادّعوه قتلهم ولم يؤخّر حكومتهم، فهذه كانت فضائله لم تعدّ بفضائل غيره.
6- في المصدر : لكان.
7- في المصدر : حسناً رحمة اللّه عليها.
8- «بحار الأنوار» ج46، ص134 136، ح25؛ «الفضائل» لابن شاذان، ص136_ 138.

ص: 128

بتبليغ سورة براءة أن أقرأها على قريش في الموسم مع أنّي كنت قتلت كثيراً من صناديدهم فذهبت بها إليهم وقرأتها عليهم وما خفتهم» ، ثمّ قال : أنت أفضل أم عيسى بن مريم ؟ قال عليه السلام : «عيسى عليه السلام كانت اُمّه في بيت المقدس، فلمّا جاء وقت ولادتها سمعت قائلاً يقول : اخرجي هذا بيت العبادة لا بيت الولادة، وأنا اُمّي فاطمة بنت أسد لمّا قرب وضع حملها كانت في الحرم فانشقّ حائط الكعبة وسمعت قائلاً يقول لها : ادخلي ، فدخلت في وسط البيت وأنا ولدت به وليس لأحد هذه الفضيلة لا قبلي ولا بعدي»(1).

قال بعض العلماء المحقّقين : إنّ أخصّ أوصاف عيسى عليه السلام ومعجزاته هو إحياء الموتى، وهنا قد أحيى اللّه الأموات لرسول عليّ بن أبي طالب، فأين هذا من ذاك(2) .

العاشر : ما روي أنّه عليه السلام أشرف الخلق بعد رسول اللّه (3) صلى الله عليه و آله .

وعن صاحب كتاب «القدسيات» وهو من أعظم محقّقي الجمهور: عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لعليّ عليه السلام : «يا عليّ إنّ اللّه تعالى قال لي : يا محمّد بعثت عليّاً مع الأنبياء باطناً ومعك ظاهراً»(4) .(5)

ثمّ قال صاحب ذلك الكتاب : وصرّح بهذا المعنى في قوله صلى الله عليه و آله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ولكن(6) لا نبيّ بعدي»(7) ليعلموا أنّ باب النبوّة قد ختم وباب الولاية قد فتح .


1- لم نجد هذه الرواية لا في «المناقب» للخوارزمي ولا في «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب، ولكن وجدتها في كتاب «الأنوار النعمانية» ج1، ص27.
2- لم نجد مصدره.
3- «بحار الأنوار» ج33، ص45، ح388.
4- في المصدر : أنّه قال جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله «إنّ اللّه بعث عليّاً مع الأنبياء باطناً، وبعثه معك ظاهراً».
5- «قصص الأنبياء» للجزائري، ص91.
6- في «بحار الأنوار» : إلاّ أنّه.
7- «بحار الأنوار» ج37، ص265، ح35.

ص: 129

وروى مضمونه في أخبار أهل البيت عليهم السلام .

الحادي عشر : ما روي عنه أنّه قال عليه السلام في جواب من سأله عن فضله وفضل من تقدّمه من الأنبياء مع أنّهم جازوا غاية الإعجاز ؛ أمّا إبراهيم عليه السلام فقد نجّاه اللّه تعالى من نار نمرود وجعلها عليه برداً وسلاماً، ونوح قد نجّاه اللّه من الغرق، وموسى عليه السلام من فرعون وآتاه التوراة وعلّمه إيّاها ، وعيسى آتاه النبوّة في المهد وأنطقه بالحكمة والنبوّة، وسليمان الذي سخّر له الريح والجنّ والإنس وجميع المخلوقات ، فقال عليه السلام : «واللّه قد كنت مع نوح عليه السلام في النار ، وأنا الذي جعلتها عليه برداً وسلاماً ، وكنت مع نوح عليه السلام في السفينة فأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى عليه السلام وعلّمته التوراة، وأنطقت عيسى عليه السلام في المهدى وعلّمته الإنجيل، وكنت مع يوسف عليه السلام في الجبّ فأنجيته من كيد إخوته ، وكنت مع سليمان على البساط وسخّرت له الريح»(1) .

وفي الروايات الخاصّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يوماً جالس ومعه رجل من الجنّ، يسأله عن أشياء من أحكام الدِّين، فدخل عليّ عليه السلام فتصاغر ذلك الجنّ(2) خوفاً حتّى صار مثل العصفور ، فقال : يارسول اللّه أخبرني(3) مَن هذا الشابّ ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ولِمَ تخافه ؟» فقال : لأنّي تمرّدت على سليمان بن داود عليه السلام وسلكت البحار، فأرسل إليَّ جماعة من الجنّ والشياطين فلم يقدروا عليَّ وأتاني هذا الشابّ وبيده حربة، فضربني بها على كتفي وإلى الآن أثر جراحته ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ادن من علي حتّى يطيّب(4) جراحتك وتؤمن به وتكون من شيعته» ، ففعل(5) .

وخطبة البيان المنقولة له عليه السلام تبيّن هذا كلّه؛ وهي(6)من الأسرار التي لا يعرف


1- «الأنوار النعمانية» ج1، ص30، مع اختلاف يسير.
2- في المصدر : الجنّي.
3- في المصدر : أجرني.
4- في المصدر: تطيب.
5- «اللمعة البيضاء» للتبريزي الأنصاري، ص222، نقلاً عن «الأنوار النعمانية» ج1، ص30.
6- في المصدر + : مشتملة.

ص: 130

معناها إلاّ العلماء الراسخون .

الثاني عشر : ما استفاض في الروايات: من أنّ إبراهيم عليه السلام طلب في مدّة عمره من اللّه سبحانه(1) واحدة، أن يطلعه على الملكوت ليشاهده عياناً ، فقال(2): ربِّ أرني ملكوت السماوات والأرض فرفع الحجاب عن وجهه، نظر بهذه العين الباصرة إلى ما خلق اللّه في الأرض والسماء ، وأمّا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقد كان له هذه الحالة طول عمره، كما روي أنّه كان عليه السلام يخطب يوماً على المنبر فقال :

«أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، اسألوني عن طرق السماوات فإنّي أعرف بها منّي بطرق الأرض» ، فقام رجل من القوم فقال : يا أمير المؤمنين أين جبرئيل هذا الوقت ؟ فقال : «دعني أنظر». فنظر إلى فوق وإلى الأرض ويمنةً ويسرةً فقال عليه السلام : «أنت جبرئيل» فطار من بين القوم وشقّ سقف المسجد بجناحه، فكبّر الناس وقالوا : اللّه يا أمير المؤمنين، من أين علمت أنّ هذا جبرئيل ؟ فقال عليه السلام : «لمّا نظرت إلى السماء بلغ نظري إلى ما فوق العرش والحجب(3)ولمّا نظرت إلى الأرض حقّق(4) بصري طبقات الأرض إلى الثرى ، ولمّا نظرت يمنةً ويسرةً رأيت ما خلق اللّه ولم أرى جبرئيل في هذه المخلوقات فقلت (5): إنّه هو»(6) .

وعن الشيخ الطوسي رحمه الله بإسناده إلى ابن عبّاس رحمه الله أنّه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «أعطاني اللّه تعالى خمساً وأعطى عليّاً عليه السلام خمساً ؛ أعطاني جوامع الكلم وأعطى عليّاً جوامع العلم، وجعلني نبيّاً وجعله وصيّاً، وأعطاني الكوثر وأعطاه السلسبيل،


1- في المصدر +: مرّة.
2- في المصدر + : يا.
3- في المصدر : الحجاب.
4- في المصدر : خرق.
5- في المصدر : فعلمت.
6- «الفضائل» لابن شاذان، ص98؛ «بحار الأنوار» ج39، ص108، ح13؛ «اللمعة البيضاء» ص223.

ص: 131

وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام، وأسرى بي إليه وفتح له أبواب السماء والحجب حتّى نظر إليَّ ونظرت(1) إليه» .

قال : ثمّ بكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت له : ما يبكيك فداك أبي واُمّي ؟ فقال : «يابن عبّاس إنّ أوّل ما كلّمني به ربّي(2) أن قال : يا محمّد اُنظر إلى(3) تحتك، فنظرت الحجب(4) قد انخرقت وإلى أبواب السماء قد فتحت ونظرت إلى عليّ عليه السلام وهو رافع رأسه إليَّ(5)وكلّمني ربّي عزّوجلّ» فقلت : يارسول اللّه، بما(6)كلّمك ربّك ؟ قال : «قال :يا محمّد إنّي جعلت عليّاً وصيّك ووزيرك وخليفتك من بعدك، فأعلمه فهأهو يسمع كلامك، فأعلمته وأنا بين يدي(7)عزّوجلّ فقال(8) : قد قبلت وأطعت فأمر اللّه الملائكة أن تسلّم عليه، ففعلت فردّ عليهم السلام ، ورأيت الملائكة يتباشرون به وما مررت بملائكة من ملائكة السماء إلاّ هنّوني(9) وقالوا : يا محمّد والذي بعثك بالحقّ نبيّاً(10)لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف اللّه تعالى لك ابن عمّك ، ورأيت حَمَلة العرش قد نكّسوا رؤوسهم إلى الأرض ، فقلت : يا جبرئيل لِمَ نكّس حملة العرش رؤوسهم ؟ فقال : يا محمّد صلى الله عليه و آله ما من ملك من الملائكة إلاّ وقد نظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب عليه السلام استبشاراً(11) ما خلا حملة العرش، فإنّهم استأذنوا اللّه عزّوجلّ في هذه الساعة، فأذِن لهم أن ينظروا إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فنظروا إليه ،


1- في المصدر : فنظرت.
2- في المصدر _ : ربّي.
3- في المصدر _ : إلى.
4- في المصدر + : إلى.
5- في المصدر + : فكلّمني وكلّمته.
6- في المصدر : بِمَ.
7- في المصدر +: ربّي.
8- في المصدر + : لي.
9- في المصدر : هنّئوني.
10- في المصدر _ : نبيّاً.
11- في المصدر + : به.

ص: 132

فلمّا هبطت جعلت أخبره بذلك وهو يخبرني به فعلمت أنّي ما أطؤ(1) موطئاً إلاّ وقد كشف لعليّ عليه السلام عنه حتّى نظر إليه»(2).

قال بعض العلماء : هذا الحديث يدلّ على أنّ عليّاً عليه السلام عرّج إلى ملكوت السماء وهو جالس في بيته .

وعن صاحب «مشارق الأنوار» بإسناده إلى المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الإمام(3)كيف يعلم(4) (5) ما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخىً عليه ستره ؟ قال(6) : «يا مفضّل إنّ اللّه جعل فيه(7)خمسة أرواح : روح الحياة وبها(8) دبّ(9)ودرج(10)، وروح القوّة وبها نهض (11)، وروح الشهوة وبها يأكل ويشرب (12)، وروح الإيمان فبها أمر وعدل(13) ، وروح القدس وبها(14) حمل النبوّة ، فإذا قبض النبيّ صلى الله عليه و آله انتقل روح القدس إلى(15) الإمام، فلا يغفل(16)ولا يلهو17 وبها يرى ما


1- في المصدر : لم أطأ.
2- «الأمالي» للطوسي، ص104 و 105، ح161؛ «بحار الأنوار» ج16، ص317 و 318؛ «اللمعة البيضاء» ص224.
3- في المصدر + : علم الإمام.
4- في المصدر _ : كيف يعلم.
5- في المصدر + : بما.
6- في المصدر : فقال.
7- في المصدر : في النبي صلى الله عليه و آله .
8- في المصدر : فَبِهِ.
9- قال في «لسان العرب» ج1، ص369، مادّة دبب : دبّ النمل وغيره من الحيوان على الأرض يدبُّ دَبّاً ودبيباً : مشى على هِينَتهِ.
10- قال في «لسان العرب» ج2، ص266، مادّة درج : درج الشيخ والصبي يدرُج دَرجاً ودَرَجاناً ودريجاً : مَشَيا مَشْياً ضعيفاً ودَبَّا.
11- في المصدر : فَبِهِ نهض وجاهد.
12- في المصدر : فَبِهِ أكل وشرب وأتى النساء من الحلال.
13- في المصدر : فَبِهِ آمن وعدل.
14- في المصدر : فبه.
15- في المصدر + : فصار.
16- في المصدر + : وروح القدس لا ينام ولا يغفل.

ص: 133

في الأقطار ، وأنّ الإمام لا يخفى عليه شيء ممّا في الأرض ولا ممّا في السماء، وأنّه ينظر في ملكوت السماوات ولا يخفى عليه شيء ولا همهمة ولا شيء فيه روح ، ومن لم تكن له هذه الصفات فليس بإمام»(1).

وعن كتاب «كفاية الطالب»: عن أنس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مررت ليلة اُسري بي إلى السماء، فإذا(2) أنا بملك جالس على منبرٍ من نور والملائكة تحفّ به (3)، فقلت : يا جبرئيل مَنْ هذا الملك ؟ قال : ادن منه وسلِّم(4) ، فإذا(5)أنا بأخي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقلت : يا جبرئيل سبقني عليّ عليه السلام إلى السماء الرابعة ؟ فقال : لا(6) ، ولكن الملائكة شكت حبّها لعليّ عليه السلام فخلق اللّه تعالى هذا الملك من نور عليّ عليه السلام على(7) صورة عليّ عليه السلام فالملائكة تزوره في كلّ ليلة جمعة(8) ويوم جمعة سبعين ألف مرّة، يسبّحون(9)اللّه ويقدّسونه ويهدون ثوابه لمحبّ عليّ عليه السلام »(10) .

وروي أنّه قال عليّ عليه السلام : «قال لي رسول اللّه يوم فتح خيبر : لولا أن تقول فيك طائفة(11) من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى(12)عليه السلام لقلت فيك اليوم مقالاً(13) لا تمرّ على ملاء من المسلمين إلاّ أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون(14) ،


1- في المصدر + : ولا يزهو والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو وروح القدس كان يرى به.
2- «الكافي» ج1، ص272؛ «بحار الأنوار» ج17، ص106، ح16، مع اختلاف غير يسير.
3- في المصدر : وإذا.
4- في المصدر : تحدق به.
5- في المصدر : فسلّم عليه.
6- في المصدر + : فدنوت منه وسلّمت عليه.
7- في المصدر : لا يا محمّد.
8- في المصدر _ : على.
9- في المصدر _ : يوم الجمعة.
10- في المصدر : سبعين مرّة ويسبّحون.
11- «بحار الأنوار» ج18، ص386، ح94.
12- في المصدر : طوائف.
13- في المصدر + : بن مريم.
14- في المصدر : اليوم فيك مقالا.

ص: 134

لكن(1) حسبك أن تكون منّي(2) بمنزلة هارون من موسى عليهماالسلام إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت تؤدّي ديني وتقاتل على سنّتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس منّي، وإنّك غداً على الحوض خليفتي(3)، وأنّ شيعتك على منابر من نور رواء مرويّين(4)، مبيضّة وجوههم حولي أشفع لهم، فيكونون غداً في الجنّة جيراني، وأنّ أعداؤك ظمايا(5) مظمئون مسودّة وجوههم مقحمون(6) ، حربك حربي وسلمك سلمي، وسرّك سرّي وعلانيّتك علانيّتي(7)، وأنت باب علمي وأنّ ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي، وأنّ الحقّ معك والحقّ على لسانك(8) وأنّ اللّه تعالى أمرني أن أُبشّرك(9) أن لايرد عليَّ الحوض مبغض لك ولا يغيب عنه محبّ لك »(10).

ومنه عن جابر أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه تعالى لمّا خلق السماوات والأرض(11)عرض عليهنّ نبوّتي وولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقبلتاهما، ثمّ خلق الخلق وفوّض إلينا اللّه الدّين(12)، فالسعيد من سعد بنا والشقيّ من شقي بنا ، نحن المحلّلون(13) لحلاله والمحرّمون لحرامه»(14) .


1- في المصدر + : ولكن.
2- في المصدر + : وأنا منك ترثني وأرثك وأنت منّي.
3- في المصدر + : تذود عنه المنافقين وأنت أوّل من يرد على الحوض، وأنت أوّل داخل الجنّة من أُمّتي.
4- في المصدر : مرويون.
5- في المصدر : عدوّك غدا ظماء.
6- في المصدر : مفحمون.
7- في المصدر + : وسريرة صدرك كسريرة صدري.
8- في المصدر + : وفي قلبك وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي.
9- في المصدر + : أنّك وعترتك في الجنّة وأنّ عدوّك في النار.
10- «كشف الغمّة» ج1، ص291؛ «بحار الأنوار» ج38، ص247 و 248، ح42.
11- في المصدر + : دعاهن فأجبنه فعرض.
12- في المصدر : وفوّض إلينا أمر الدين.
13- في المصدر : المحلون.
14- «كشف الغمّة» ج1، ص296؛ «بحار الأنوار» ج17، ص13، ح25.

ص: 135

وفي «البحار» نقلاً من «الفضائل»: روي عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : كنّا بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجده وقد صلّى بالناس صلاة الظهر واستند إلى محرابه كأنّه البدر في تمامه وأصحابه حوله إذ نظر إلى السماء وأطال النظر إليها ونظر إلى الأرض وأطال النظر إليها، ثمّ نظر سهلاً وجبلاً وقال :

«معاشر المسلمين انصتوا يرحمكم اللّه واعلموا أنّ في جهنّم وادياً يعرف بوادي الضباع، وفي ذلك الوادي بئر وفي تلك البئر حيّة، فشكت جهنّم من ذلك الوادي إلى اللّه عزّوجلّ، وشكى الوادي من تلك البئر، وشكى البئر(1) من تلك الحيّة إلى اللّه تعالى في كلّ يوم سبعين مرّة» فقيل : يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ولمن هذا العذاب المضاعف الذي يشكو بعضه من بعض ؟ قال : «هو لمن يأتي يوم القيامة وهو غير ملتزم بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام »(2) .

وعن «الخصال» للصدوق: عن الصادق عليه السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد(3)أعطاني اللّه تعالى تسعة أشياء لم يعطها أحد(4)قبلي خلا النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لقد فتحت لي السبيل(5) وعلمت الأنساب وأُجري لي السحاب وعلمت المنايا والبلايا وفصل الخطاب، ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربّي، فما غاب عنّي ما كان قبلي وما يأتي بعدي، وأنّ بولايتي أكمل اللّه تعالى لهذه الاُمّة دينهم وأتمّ عليهم النبوّة(6)»...(7) الحديث.

وفي «البحار» نقلاً عن «المناقب»: تذاكروا الفخر عند عمر فأنشأ أمير


1- في المصدر + : تلك.
2- «بحار الأنوار» ج39، ص250، ح16.
3- في المصدر + : واللّه.
4- في المصدر : أحداً.
5- في المصدر : السبل.
6- في المصدر : أتمّ عليهم النعم.
7- «الخصال» للصدوق، ج2، ص414 و 415، ح4؛ «بحار الأنوار» ج39، ص336، ح5.

ص: 136

المؤمنين عليه السلام :

«اللّه أكرمنا بنصر نبيّه وبنا أقام دعائم الإسلام

وبنا أعزّ نبيّه وكتابه وأعزّنا بالنصر والإقدام

في كلّ معترك تطير سيوفنا منه الجماجم من(1) فراخ الهام

ويزورنا جبريل في أبياتنا بفرائض الإسلام والأحكام

فنكون(2) أوّل مستحلّ حلّه ومحرّم للّه كلّ حرام

نحن الخيار من البريّة كلّها ونظامها وذمام(3) كلّ زمام»(4)

وروي عن مولانا الرضا عليه السلام : «أنّ عليّاً عليه السلام قال : يارسول اللّه أنت أفضل أم جبرئيل ؟ فقال صلى الله عليه و آله : يا عليّ إنّ اللّه تعالى فضّل أنبياءه المرسلين،(5) وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين، والفضل لك يا عليّ وللأئمّة من بعدك» (6).

وعن الصدوق في «أماليه»: عن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن أبيه عن جدّه أنّه قال : «خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم وهو راكب، وخرج عليّ عليه السلام وهو يمشي» فقال صلى الله عليه و آله : «يا أبا الحسن إمّا أن تركب وإمّا أن تنصرف، فإنّ اللّه تعالى أمرني أن تركب إذا ركبت وتمشي إذا مشيت وتجلس إذا جلست، إلاّ أن يكون حدّ من حدود اللّه لابدّ لك من القيام والقعود فيه، وما أكرمني اللّه بكرامة إلاّ وقد أكرمك بمثلها وخصّني بالنبوّة والرسالة وجعلك وليّي في ذلك تقوم في حدوده»(7) ... الحديث .

والدلائل والأخبار الدالّة على هذا المطلب كثيرة جدّاً، ولكن أردنا الاختصار


1- في المصدر : عن.
2- في المصدر : فتكون.
3- في المصدر : زمام.
4- «بحار الأنوار» ج39، ص346 و 347، «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص170 و 171.
5- في المصدر + : على ملائكته المقرّبين.
6- «عيون أخبار الرضا عليه السلام » ج1، ص262، ح22؛ «بحار الأنوار» ج18، ص345، ح56، مع اختلاف يسير.
7- «الأمالي» للصدوق، ص494، ح13؛ «بحار الأنوار» ج38، ص105 و 106، ح33.

ص: 137

فلذا ذكرنا هذا الطرف القليل، وكفاه شرفاً ما قال عليه السلام : «انطلقت أنا والنبيّ صلى الله عليه و آله حتّى أتينا الكعبة، فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اجلس» فجلست(1) فصعد(2) على منكبي فذهبت لأنهض(3) فرأى منّي ضعفاً، فنزل وجلس النبيّ صلى الله عليه و آله وقال(4): اصعد على منكبي، فصعدت على منكبه(5) فنهض بي وقال (6): فإنّه تخيّل(7) لو شئت لنلت اُفق السماء حتّى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر و(8)نحاس، فجعلت اُزاوله عن يمينه وشماله ومن بين يديه ومن خلفه حتّى استمكنت منه ، قال(9) صلى الله عليه و آله : «اقذف به» فقذفت به فتكسّر كما تكسر(10)القوارير»(11).

وما أحسن ما قيل :

قيل لي: قل في عليٍّ مدحاً ذكره يخمد ناراً مؤصده

قلت: لا أقوى على مدح فتىً حارد واللبّ إلى أن عبده

والنبيّ المصطفى قال لنا ليلة المعراج لمّا صعده

وضع اللّه على كتفي يداً فأحسّ القلب أن قد برّده

وعليّ واضع أقدامه بمحلّ وضع اللّه يده(12)

تذنيب:

وفي «حياة الحيوان» أنّه قال : لمّا توفّى يزيد بن معاوية لعنه اللّه قام بالأمر بعده


1- في المصدر _ : فجلست.
2- في المصدر : وصعد.
3- في المصدر + : به.
4- في المصدر : وجلس وقال لي نبي اللّه صلى الله عليه و آله .
5- في المصدر : منكبيه قال.
6- في المصدر : قال.
7- في المصدر + : إليّ أنّي.
8- في المصدر : أو.
9- في المصدر + : لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
10- في المصدر: تتكسّر.
11- «كشف الغمّة» ج1، ص79 و 80؛ «بحار الأنوار» ج38، ص85 ، ح5، مع اختلاف يسير.
12- «إرشاد القلوب» للديلمي، ج2، ص229 و 230.

ص: 138

معاوية ابنه وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه ، فأقام بها أربعين يوماً وقيل: أقام فيها خمسة أشهر وأيّاماً وخلع نفسه ، وفيه قال : وذكر غير واحد أنّ معاوية بن يزيد، لمّا خلع نفسه صعد المنبر، فجلس طويلاً ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه ما بلغ(1) ما يكون من الحمد والثناء، ثمّ ذكر النبيّ صلى الله عليه و آله بأحسن ما يذكر به.

ثمّ قال : أيّها الناس ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم لعظيم(2) ما أكرهه منكم، وإنّي لأعلم أنّكم تكرهونا أيضاً، لأنّا بلينا بكم وبليتم بنا، ألا إنّ جدّي معاوية قد نازع هذا الأمر، من كان أولى به منه(3) ومن غيره، لقرابته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعظيم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قدراً، وأشجعهم قلباً، وأكثرهم علماً، وأوّلهم إيماناً، وأشرفهم منزلة، وأقدمهم صحبةً ، ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصهره وأخوه وزوج ابنته(4)، وجعله لها بعلاً باختياره(5)، وجعلها له زوجة باختيارها له ، أبو سبطيه سيّدا شباب أهل الجنّة، وأفضلا هذه الاُمّة تربية(6)رسول اللّه صلى الله عليه و آله وابني فاطمة البتول من الشجرة الطيّبة الزاكية، فركب جدّي منه ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتّى انتظمت لجدّي الاُمور.

فلمّا جاء القدر المحتوم واخترمته أيدي المنون، بقي مرتهناً في عمله(7)، فريداً في قبره، ووجد ما قدّمت يداه، ورأى ما ارتكبه واعتلاه ، ثمّ انتقلت الخلافة إلى يزيد أبي، فتقلّد أمركم لهوىً كان فيه أبوه،ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه، غير خليق بالخلافة على أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ، فركب هواه واستحسن خطأه، وأقدم


1- في المصدر : بأبلغ.
2- في المصدر _ : لعظيم.
3- في المصدر: من كان بهذا أولى منه.
4- في المصدر : زوّجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ابنته.
5- في المصدر + : لها.
6- في المصدر : بعد.
7- في المصدر : بعمله.

ص: 139

على ما أقدم من جرأته على اللّه وبغيه على من استحلّ حرمته من أولاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلّت مدّته وانقطع أثره وضاجع عمله، وصار حليف حفرته ورهين خطيئته وتبعاته وبقيت أوزاره(1)، وحصل على ما قدّم وندم حيث لا ينفعه الندم ، وشغلنا الحزن له عن الحزن عليه، فليت شعري ماذا قال وماذا قيل له هل عوقب بإساءته وجوزي بعمله وذلك ظنّي .

ثمّ اختنقته العبرة، فبكى طويلاً وعلا نحيبه ، ثمّ قال : وصِرتُ أنا ثالث القوم والساخط عليَّ أكثر من الراضي ، وما كنت لأتحمّل آثامكم ولا يراني(2) اللّه جلّت قدرته متقلِّداً أوزاركم وألقاه بتبعاتكم فشأنكم أمركم فخذوه، ومن رضيتم به عليكم فولّوه، فقد خلعتُ بيعتي من أعناقكم، والسلام .

فقال له مروان بن الحكم وكانت تحت المنبر : أسنّة عمريّة يا أبا ليلى ؟ فقال : اغد(3)عنّي، فواللّه ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرّع مرارتها ، آتني برجال مثل رجال عمر، على أنّه ما كان جعلها شورى وصرفها عمّن لا يشكّ في عدالته ظلوماً(4)، واللّه لئن كانت الخلافة مغنماً(5) لقد نال أبي منها مغرماً ومأثماً،ولئن كانت شرّاً فحسبه منها ما أصابه .

ثمّ نزل . فدخل عليه أقاربه واُمّه فوجدوه يبكي ، فقالت له اُمّه : ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك ، فقال : وددت واللّه ذلك ، ثمّ قال : ويلي إن لم يرحمني ربّي .

ثمّ إنّ بني اُميّة قالوا لمؤدّبه عمر المقصوص : أنت علّمته هذا ولقّنته إيّاه، وصددته من الخلافة، وزيّنت له حبّ عليّ عليه السلام وأولاده(6)عليهم السلام ، وحسّنت له البدع حتّى نطق بما


1- في المصدر : وبقيت أوزاره وتبعاته.
2- في المصدر : ولا أراني.
3- في المصدر : عد.
4- في المصدر : ظلماً.
5- في المصدر : نعيماً.
6- في المصدر + : وحملته على ما وسمنا به من الظلم.

ص: 140

نطق وقال ما(1) قال، فقال : واللّه ما فعلته ولكنّه مجبول ومطبوع على حبّ عليّ عليه السلام ، فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه فدفنوه حيّاً حتّى مات(2) .

وروى ابن أبي الحديد قال : بينما(3)عمر بن عبد العزيز جالساً(4) أُدخلت عليه امرأة ادماء طويلة، حسنة الجسم والقامة، ورجلان متعلّقان بها ومعهم كتاب من ميمون بن مهران(5)، فدفعوا إليه الكتاب ففضّه فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من ميمون بن مهران إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز (6)، سلام اللّه (7) عليك ورحمة اللّه وبركاته ، أمّا بعد فقد(8) ورد علينا أمر ضاقت به الصدور وعجزت عنه الأوساع، فهربنا(9) بأنفسنا منه(10) ووكلناه لعالمه(11)، لقول اللّه تعالى : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الاْءَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(12) وهذه الامرأة والرجلان أحدهما زوجها والآخر أبوها فإنّ أباها(13)زعم أنّ زوجها حلف بطلاقها: أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام خير هذه الاُمّة وأولاها برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّه يزعم أنّ ابنته طلّقت منه، فإنّه(14)لا يجوز في دينه أن يتّخذه صهراً وهو يعلم أنّها حرام عليه(15)، وإنّ الزوج


1- في المصدر : بما.
2- «الأربعين في إمامة الأئمّة الطاهرين» للشيخ محمّد طاهر القمّي الشيرازي، ص502 و 503، نقلاً عن كتاب «حياة الحيوان» لأبي البقاء الشافعي.
3- في المصدر : بينا.
4- في المصدر + : في مجلسه دخل حاجبه ومعه امرأة.
5- في المصدر + : إلى عمر.
6- في المصدر : إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران.
7- في المصدر _ : اللّه.
8- في المصدر : فإنّه ورد.
9- في المصدر : وهربنا.
10- في المصدر : عنه.
11- في المصدر : إلى عالمه.
12- النساء 4: 83 .
13- في المصدر : وانّ أباها يا أمير المؤمنين.
14- في المصدر : وأنّه.
15- في المصدر + : كاُمّه.

ص: 141

يقول له: كذبت وأثمت، فقد واللّه برّ قسمي وصدقت مقالتي وهي(1)امرأتي على رغم أنفك وغيظ قلبك، فاجتمعوا إليَّ يختصمون في ذلك، فسألت الرجل عن يمينه فقال : نعم ، قد كان ذلك وقد حلفت بطلاقها: إنّ عليّ بن أبي طالب(2) عليه السلام خير هذه الاُمّة وأولاها برسول اللّه صلى الله عليه و آله عرفه من عرفه وأنكره من أنكره فليغضب من غضب وليرض من رضى، وتسامع الناس بذلك، فاجتمعوا الناس(3) وإن كانت(4)مجتمعة فالقلوب مختلفة(5)، وقد علمتُ يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم وتسرّعهم إلى ما فيه الفتنة فأحجمنا عن التحكّم(6) بما أراك اللّه وأنّهما تعلّقا بها وأقسم أبوها أن لا يدعها معه وأقسم زوجها أن لا يفارقها ولو ضربت عنقه(7) إلاّ أن يحكم عليه(8) حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه، فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين، أحسن اللّه توفيقك وأرشدك إلى الحقّ(9) ، وكتب أسفل الكتاب هذه الأبيات(10) :

إذا ما المشكلات وردن يوماً وضاقت(11) في تأمّلها العيون

وضاق القوم ذرعاً في(12)نباها فأنت لها أبا حفص أمين

لأنّك قد حويت العلم طرّاً وأحكمك التجارب والفنون(13)

وخلّفك الإله على البرايا فحظّك فيهم الحظّ المتين


1- في المصدر : وانّها.
2- في المصدر _ : بن أبي طالب.
3- في المصدر: فاجتمعوا له.
4- في المصدر + : الألسن.
5- في المصدر : شتّى.
6- في المصدر : عن الحكم لتحكم.
7- في المصدر : عنقها.
8- في المصدر + : بذلك.
9- في المصدر _ : إلى الحقّ.
10- في المصدر : وكتب في أسفل الكتاب.
11- في المصدر : فحارت.
12- في المصدر : عن.
13- في المصدر : والشئون.

ص: 142

فجمع(1) عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أُميّة وأفخاذ قريش، ثمّ قال لأبي الامرأة : ما تقول يا شيخ(2) ؟ فقال : يا أمير المؤمنين هذا الرجل زوّجته ابنتي وجهّزتها إليه بأحسن تجهيز أمثالها(3)، حتّى إذا أمّلت خيره ورجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذباً ثمّ أراد الإقامة معها، فقال(4) عمر : يا شيخ لعلّه لم يطلّق امرأته فكيف حلف ؟ فقال الشيخ : سبحان اللّه إنّ الذي حلف عليه لأوضح كذباً وأبين حنثاً من أن يختلج(5) في صدري منه شكّ مع كبر(6) سنّي وعلمي أنّه(7) زعم عليّ بن أبي طالب(8)عليه السلام خير الاُمّة(9) وإلاّ امرأته طالق ثلاثاً ، فقال للزوج : ما تقول أهكذا حلفت ؟ قال : نعم ، قيل : لمّا(10)قال نعم كاد المجلس يرتجّ بأهله وبنو أُميّة ينظرون إليه شزراً إلاّ أنّهم لا ينطقون(11)بشيء وهم لعنهم اللّه تعالى(12)ينظرون إلى عمر بن عبد العزيز(13) فأكبّ مليّاً ينكت الأرض بيده والناس صاغرون(14)، ينظرون ما يقول(15)، فرفع رأسه وقال :

إذا ولّى الحكومة خير(16) قوم أصابوا الحقّ والتمسوا السدادا(17)


1- في المصدر : الرعايا.
2- في المصدر : الثمين.
3- في المصدر + : قال.
4- في المصدر : أيّها الشيخ.
5- في المصدر : ما يجهز به مثلها.
6- في المصدر + : له.
7- في المصدر : حلف عليه لأبين حنثا وأوضع كذبا من أن يختلج.
8- في المصدر _ : كبر.
9- في المصدر : لأنّه.
10- في المصدر : زعم أنّ عليّاً.
11- في المصدر + : هذه.
12- في المصدر : فقيل إنّه لمّا.
13- في المصدر : لم ينطقوا.
14- في المصدر _ : وهم لعنهم اللّه تعالى.
15- في المصدر : كلّ ينظر إلى وجه عمر.
16- في المصدر : والقوم صامتون.
17- في المصدر : ما يقوله ثمّ رفع.

ص: 143

وما خير الأنام إذا تعدّوا خلاف الحقّ واجتنبوا الرؤاسا(1)

ثمّ قال للقوم : ما تقولون في يمين هذا الرجل ؟ فلم ينطقوا بشيء(2) ، فقال : سبحان اللّه قولوا ، فقام(3) رجل من بني أُميّة وقال : هذا حكم في فرج ولسنا نجترئ على القول فيه وأنتم أعلم بالقوم(4) مؤتمن لهم وعليهم ، فقال له عمر (5): قل ما عندك فإنّ القول ما لم يحقّ(6)باطلاً أو يبطل(7)حقّاً جائز عليَّ في مجلسي ، قال : لا أقول شيئاً فالتفت عمر إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب فقال له : ما تقول يا عقيلي فيما قولي(8) حكماً وحكمي جائزاً ، قلت : وإن لم يكن كذلك(9) فالسكوت أوسع لي وأبقى للمودّة ، فقال(10) له عمر : قل فقد جعلت قولك حكماً وحكمك ماضياً ، فلمّا سمعوا بنو أُميّة(11)قالوا : ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا ونحن لحمتك وأولى الناس بك(12)، فقال عمر : اسكتوا عجزاً(13) ولؤماً عرضت عليكم أوّلاً فما انتدبتم (14)، قالوا : ما أعطيتنا مثل ما أعطيت العقيلي(15)ولا


1- في المصدر : بين.
2- في المصدر : أصاب الحقّ والتمس السدادا.
3- في المصدر : وما خير الإمام إذا تعدى خلاف الحقّ واجتنب الرشادا.
4- في المصدر : فسكتوا.
5- في المصدر : فقال.
6- في المصدر: وأنت عالم بالقول.
7- في المصدر _ : فقال له عمر.
8- في المصدر : ما لم يكن يحق.
9- في المصدر : ويبطل.
10- في المصدر : ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي فاغتنمها؟ فقال : ياأمير المؤمنين، إن جعلت قولي حكماً أو حكمي.
11- في المصدر : ذلك.
12- في المصدر : قال : قل وقولك حكم وحكمك ماضٍ.
13- في المصدر: فلمّا سمع ذلك بنو اُميّة.
14- في المصدر : نحن من لحمتك وأولى رحمك.
15- في المصدر : أعجرا.

ص: 144

حكّمتنا كما حكّمته . قال عمر : إن كان أصاب وأخطأتم وجزم(1) وعجزتم وأبصر وعميتم فما ذنب عمر لا أبا لكم، أتدرون ما مثلكم ؟ قالوا : لا ندري لكن(2) العقيلي يدري، ثمّ قال : ما تقول يا عقيلي(3) ؟ قال : يا أمير المؤمنين مثلهم(4) كما قال الشاعر(5) :

دعيتم إلى أمرٍ فلمّا عجزتم تناوله من لا يداخله عجز

فلمّا رأيتم ذاك أبدت نفوسكم نداماً وهل يغني عن الندم الحرز(6)

فقال عمر : أحسنت يا عقيلي(7) وأصبت فقل جواب مسألتك(8) ، فقال : يا أمير المؤمنين برّ قسمه ولم يطلّق(9)امرأته قال : من أين علمت(10)ذلك؟ قال : أنشدكم(11) اللّه يا أمير المؤمنين أنّ(12) رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لفاطمة عليهاالسلام وهو عندها في بيتها عائد لها : «يا بنيّة ما علّتك» ؟ قالت : «الوعك(13) يا أبتاه» وكان عليّ عليه السلام غائباً في بعض حوائج النبيّ(14) صلى الله عليه و آله ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله لها : «ما تشتهين(15) شيئاً» ؟ قالت(16): «أشتهي عنباً وأنا أعلم أنّه عزيز وليس هذا بوقت عنب» ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله (17): «إنّ اللّه تعالى قادر


1- في المصدر : حزم.
2- في المصدر + : قال.
3- في المصدر : يارجل.
4- في المصدر + : نعم يا أمير المؤمنين.
5- في المصدر : الأوّل.
6- في المصدر : من القدر الحذر.
7- في المصدر _ : يا عقيلي.
8- في المصدر : فقل ما سألتك عنه.
9- في المصدر : تطلق.
10- في المصدر : وأنّي علمت.
11- في المصدر : نشدتك.
12- في المصدر + : ألم تعلم.
13- قال في «لسان العرب» ج10، ص514، مادّة وعك : وعك : ورد في الحديث ذكرُ الوعك: وهو الحُمَّى.
14- في المصدر _ : النبي صلى الله عليه و آله .
15- في المصدر : أتشتهين.
16- في المصدر + : نعم.
17- في المصدر _ : رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 145

على أن يجيئنا به» ، ثمّ قال : «اللّهم آتني(1) به مع أفضل اُمّتي عندك منزلةً» ، فطرق عليّ عليه السلام الباب(2) ومعه مكتل(3) قد ألقى عليه طرف ردائه، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ما هذا يا عليّ» ؟ فقال عليه السلام : «عنب التمسته لفاطمة عليهاالسلام » ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «اللّه أكبر اللّه أكبر اللّهمّ كما سررتني بأن حظيت(4) عليّاً عليه السلام بدعوتي فاجعل فيه شفاءً لابنتي»(5) ثمّ قال : «كلي على اسم اللّه تعالى يا بنيّة» ، فأكلت وما خرج النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى برئت(6) .

فقال عمر بن عبد العزيز : صدقت وبررت يا عقيلي،(7) أشهد أنّي سمعت هذا الحديث(8) ووعيته ، يارجل خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم وجهه(9) ، ثمّ قال عمر : واللّه يابني عبد مناف(10)ما نجهل ما يعلم غيرنا وما بنا إلاّ عمىً(11) في ديننا، كما قال الشاعر(12) :

تصيّدت الدُّنيا رجالاً بفخّها فلم يدركوا خيراً بل احتقبوا شرّا(13)

وأعمالهم(14) حبّ الغنى وأصمّهم فلم يدركوا إلاّ الخسارة والوزرا

قال : فكأنّما القموا حجراً، ومضى الرجل بزوجته،(15) وكتب عمر بن عبد العزيز


1- في المصدر : أتنا.
2- في المصدر +: ودخل.
3- قال في «مجمع البحرين» ج5، ص460، مادّة كتل : المكتل كمنبر : الزنبيل الكبير.
4- في المصدر : بأن خصصت.
5- في المصدر : بنيتي.
6- في المصدر + : استقلّت وبرأت.
7- في المصدر _ : يا عقيلي.
8- في المصدر : أشهد لقد سمعته.
9- في المصدر : أنفه.
10- في المصدر : ثمّ قال : يا بني عبد مناف واللّه.
11- في المصدر : ولا بنا عمى في ديننا.
12- في المصدر : كما قال الأوّل.
13- في المصدر : استقبحوا الشرّا.
14- في المصدر : وأعماهم.
15- في المصدر : قيل: فكأنّما ألقم بني أُميّة حجراً ومضى الرجل بامرأته.

ص: 146

إلى ميمون بن مهران(1) : أمّا بعد فإنّي فهمت كتابك ووردا الرجلان والمرأة وصدّق اللّه يمين الرجل وأبرّ قسمه وأثبته على نكاحه، فاستيقن ذلك واعمل عليه ، والسلام(2) .(3)

فانظر كيف اعترف عمر بن عبد العزيز أنّ الحقّ لغيرهم، وإنّما تولّى هو وغيره على أهل الحقّ لأنّ الدُّنيا صادتهم وأعمتهم وأصمّتهم ومالوا إلى لذّاتها العاجلة! وأيّ لذّة هي فيها أعظم من الأمر والنهي ، كما قال الشاعر :

لقد صبرت عن لذّة المال أنفس وما صبرت عن لذّة الأمر والنهي(4)


1- في المصدر + : عليك سلام فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو.
2- في المصدر + : والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.
3- «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، ج20، ص222 225.
4- قال في «شرح نهج البلاغة» ج12، ص89 : «كما قال الشاعر : «وقد رغبت عن لذّة المال أنفس وما رغبت عن لذّة النهي والأمر» وأيضاً قال في «شرح نهج البلاغة» ج10، ص111 : «وقد صبرت من لذّة العيش أنفس وما صبرت عن لذّة النهي والأمر».

ص: 147

الباب الثامن: في سخائه عليه السلام وجوده وكرمه

ص: 148

ص: 149

في سخائه عليه السلام وجوده وكرمه

في «تحفة الأحباب» وغيره عن جابر قال : كنّا جلوساً عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ ورد أعرابيّ(1) أشعث الحال(2) رثّ الثياب، كأنّما خرج من التراب، فحيّا بتحيّة بائسٍ فقير، وأنشد مشيراً إلى النبيّ(3) صلى الله عليه و آله :

أتيتك والعذراء تبكي برنّةٍ(4) وقد ذهلت أُمّ الصبيّ عن الطفل

وأُخت وبنتان واُمٌّ كبيرة وقد كدت من فقري أُخالط في عقلي

وقد مسّني عرىً وفقرٌ(5) وفاقة وليس لنا مال كتمر ولا نخل(6)

فما المنتهى إلاّ إليك تقرّباً(7) وأين فرار الناس(8)إلاّ إلى الرّسل

فلمّا سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله شعر الأعرابيّ(9) بكى ثمّ قال(10) : «معاشر الناس إنّ اللّه


1- في «بحار الأنوار» + : علينا.
2- في «بحار الأنوار» : عليه أثواب رثّة والفقر بين عينيه فلمّا دخل وسلّم قال شعراً.
3- في «بحار الأنوار» _ : رثّ الثياب كأنّما خرج من التراب فحيا بتحية بائسٍ فقير، وأنشد مشيراً إلى النبيّ صلى الله عليه و آله .
4- قال في «لسان العرب» ج13، ص187، مادّة رنن : الرنّة : الصيحةُ الحزينة.
5- في «بحار الأنوار» : وقد مسّني فقر وذلّ.
6- في «بحار الأنوار» : وليس لنا شيء يمرّ ولا يحلي.
7- في «بحار الأنوار» : وما المنتهى إلاّ إليك مفرّنا.
8- في «بحار الأنوار» : وأين مفرّ الخلق.
9- في «بحار الأنوار» _ : شعر الأعرابي.
10- في «بحار الأنوار» + : بكى بكاءً شديداً، ثمّ قال لأصحابه.

ص: 150

تعالى ساق إليكم ثواباً وقاد إليكم أجراً جزيلاً، والجزاء من اللّه تعالى غرف تضاهي غرف أبي إبراهيم عليه السلام » ، وكان عليّ عليه السلام في ناحية المسجد يصلّي ركعات يتنفّل بها تطوّعاً، فأومى إلى الأعرابي أن يدنوا منه فدنى إليه، فدفع إليه خاتمه وهو في الصلاة ولم يصبر إلى أن يتمّ صلاته اغتناماً لسرعة الثواب ، فنزل الوحي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أن اقرأ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1) ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «معاشر الناس من فيكم من عمل خيراً ذكره اللّه عزّوجلّ من فوق سبع سماوات ؟» قالوا : ما منّا اليوم من عمل خيراً إلاّ ابن عمّك عليّ عليه السلام تصدّق بخاتمه على الأعرابيّ وهو قائم يصلّي ولم يقطع صلاته ، فقال صلى الله عليه و آله : «وجبت لابن عمّي الغرف وأنزل اللّه فيه مدحاً» وقرأ عليهم الآية فتصدّق في ذلك اليوم على الأعرابي بأربعمائة خاتم، فانطلق الأعرابي وهو يقول : هذا أيضاً من بركاتك يا حيدر، وذلك اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة(2) .

وذكر الشيخ البهائي رحمه الله : أنّ الخاتم الذي تصدّق به أمير المؤمنين عليه السلام علي بن أبي طالب فصّه خمس مثاقيل؛ وهي ياقوتة حمراء قيمتها ستّة حمول فضّة وأربعة حمول ذهب وهو خراج الشام(3).

ولقد يحقّ لي أن أقول ما قال أبو تمّام :

هو البحر من أيّ النواحي أتيته فلجّته المعروف والجود ساحله

تعوّد بسط الكفّ حتّى لو أنّه ثناها لقبضٍ لم تطعه أنامله

تراه إذا ما جئته متهلّلاً كأنّك معطيه الذي أنت سائله

ولو لم يكن في كفّه غير نفسه لجاد بها فليتّق اللّه سائله

قيل : سئل ابن الجوزي أبو الفرج من شيوخ الحنابلة وهو على المنبر يعظ الأنام :


1- المائدة 5: 55 .
2- «بحار الأنوار» ج35، ص192 و 193.
3- لم نجد مصدره.

ص: 151

كيف تصدّق بالخاتم عليّ بن أبي طالب عليه السلام وما شغلته الصلاة عن الصلاة ولا الصلاة عن الصلاة؟ فأجاب وأجاد :

يسقى ويشرب لا تلهيه سكرته عند النديم ولا يلهو عن الكاس

أطاعه مكره حتّى تمكّن من فعل الصحات فهذا أفضل الناس(1)

وعن «درر المطالب»: روي أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان يصلّي الظهر وقد صلّى ركعتين وعليه حلّة قيمتها ألف دينار، وكان قد كساه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إيّاها، وكان النجاشي قد أهداها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجاءه سائل فقال : السلام عليك يا وليّ اللّه ومن هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق مسكين فطرح له الحلّة وأومى إليه أن احملها(2).

وروي أنّه كان يدعو اليتامى فيستطعمهم(3) العسل، فقال(4) بعض أصحابه : لوددت إنّي كنت يتيماً(5).

وروي أنّ عليّاً عليه السلام اجتاز(6) على امرأة مسكينة لها أطفال صغار يبكون من شدّة(7) الجوع، وهي تشاغلهم وتلهيهم حتّى ناموا، فكانت أوقدت ناراً(8) تحت قدر فيه(9)ماء لا غير، وأوهمتهم أنّ فيه طعاماً تطبخه لهم، فعرف أمير المؤمنين عليه السلام حالها، فمشى قنبر(10) إلى منزله فأخرج عليه السلام قوصرة(11) تمرٍ وجراب دقيق وشيئاً من الشحم


1- «الصراط المستقيم» لعليّ بن يونس العاملي، ج1، ص264.
2- «الكافي» ج1، ص288 و 289، مع اختلاف يسير.
3- في المصدر : فيطعمهم.
4- في المصدر : حتّى قال.
5- «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب، ج2، ص75.
6- في المصدر : اجتاز ليلةً.
7- في المصدر _ : شدة.
8- في المصدر : حتّى يناموا، وكانت قد أشعلت ناراً.
9- في المصدر : فيها.
10- في المصدر + : ومعه.
11- قال في «لسان العرب» ج5، ص104، مادّة قوصر : القوصَرَة والقَوصَرّةُ، مخفّف ومثقل : وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواري.

ص: 152

والاُرزّ والخبز وحمله على كتفه الشريف، فطلبه قنبر يريد حمله(1)فلم يفعل، فلمّا وصل إلى باب المرأة استأذن عليها فأذنت له بالدخول عليها(2)، فرمى عليه السلام شيئاً من الأرزّ في القدر ومعه شيء من الشحم، فلمّا فرغ ونضج عرف منه للصغار(3) وأمرهم بأكله، فلمّا شبعوا قام عنهم(4) ... الحديث .

وعن كتاب «المناقب» : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق من ماله ألف مملوك لوجه اللّه تعالى، وكتب حين أعتق قنبراً : «يا قنبر كنت بالأمس لي فصرت اليوم مثلي وهبتك لمن وهب لي. حرّره ابن أبي طالب عليّ عليه السلام »(5) .

وممّا قاله محمّد كاظم الأُزري في مدح أمير المؤمنين عليه السلام :

يابن عمّ النبيّ أنت يد اللّه التي عمّ كلّ شيء نداها

أنت قرآنه المجيد(6) وأوصا فك آياته التي أوحاها

حسبك اللّه في مآثر شتّى هي مثل الأعداد لا تتناها

ليت عيناً بغير روضك ترعى قذيت واستمرّ فيها قذاها

أنت بعد النبيّ خير البرايا والسماء خير ما بها قمراها

لك ذات كذاته حيث لولا أنّها مثلها لما آخاها

لك نفس في معدن اللطف صيغت جعل اللّه كلّ نفسٍ فداها

هي قطب المكوّنات ولولاها لما دارت الرحى لولاها

لك كفّ من أبحر اللّه تجري أنهر الأنبياء من جدواها


1- في المصدر : فطلب قنبر حمله فلم يفعل.
2- في المصدر : في الدخول فرمى.
3- في المصدر : فلمّا فرغ من نضجه غرف للصغار.
4- «كشف اليقين» للعلاّمة الحلّي، ص115.
5- لم نجد هذه الرواية، ولكن وجدتُ قريب منها في بعض الكتب، مع إشارة إلى القسم الأوّل للحديث.
6- في المصدر : القديم.

ص: 153

حزت ملكاً من المعالي محيطاً بأقاليم يستحيل انتهاها

ليس يحكى دريّ فخرك درّ أين من كدرة المياه صفاها

كلّ ما في القضاء من كائنات أنت مولى بقائها وفناها

يا أبا النيّرين أنت سماء قد محى كلّ ظلمة نيراها(1)

لك بأس يذيب جامدة الكو نين رُعباً ويجمد الامواها

زان شكل الوغى حسامك و الرمح كما زان عادةً قرطاها

كلّما أحفت الوغى لك خيلاً أنعلتها من الملوك طلاها

قدتُها قود قادر لم يرعه(2) اُمم غير ممكن أحصاها

لك ذات من الجلالة تحوي عرش علم عليه كان استواها

لم يزل بانتظارك(3) الدِّين حتّى جرّدت كفّ عزمتيك ضباها(4)

فتركت(5) الرشاد فوق الثريا ومقام(6) الضلال تحت ثراها

فاستمرّت معالم الدِّين تدعو لك طول الزمان فاغنم دعاها

إنّما الناس(7) والتقى والعطايا حلباتٌ مدحت(8)أقصى مداها(9)

في «البحار» نقلاً من «جامع الأخبار»: جاء أعرابي إلى عليّ عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّي مأخوذ بثلاث علل : علّة النفس وعلّة الفقر وعلّة الجهل ، فأجاب أمير المؤمنين عليه السلام وقال : «يا أخا العرب علّة النفس تعرض على الطبيب، وعلّة الجهل


1- في المصدر : قمراها.
2- في المصدر : لم ترعه.
3- في المصدر : بانتصارك.
4- في المصدر : ظباها.
5- في المصدر : فرقعت.
6- في المصدر : ووضعت.
7- في المصدر : البأس.
8- في المصدر : بلغت.
9- «الاُزرية في مدح النبيّ والوصيّ والآل عليهم السلام » ص85 89؛ ص135 و 136.

ص: 154

تعرض على العالم، وعلّة الفقر تعرض على الكريم» ، فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، أنت الكريم وأنت العالم وأنت الطبيب ، فأمر(1) عليه السلام بأن يعطى له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم ، وقال عليه السلام : «تنفق ألفاً بعلّة النفس، وألفاً بعلّة الجهل، وألفاً بعلّة الفقر» (2).

وسأله أعرابي شيئاً فأمر له بألف، فقال الوكيل : من ذهب أو فضّة ؟ فقال : «كلاهما عندي سواء(3) حجران، فاعط الأعرابي أنفعهما له» .

وقال له ابن الزبير : إنّي وجدت في حساب أبي أنّ له على أبيك ثمانين ألف درهم ، فقال له : «إنّ أباك صادق» فقضى ذلك ، ثمّ جاءه فقال : غلطت فيما قلت : إنّما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك ، فقال : «والدك في حلّ والذي قبضته منّي لك(4)»(5) .

وفيه(6) نقلاً من «الأمالي»: عن أحمد ابن أبي المقدام أنّه قال : يروى أنّ رجلاً جاء إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّ لي إليك حاجة، فقال : «اكتبها في الأرض فإنّي أرى الضرّ فيك بيّناً» ، فكتب في الأرض : أنا فقير محتاج فقال(7) : «يا قنبر اكسه حلّتين» فأنشأ الرجل يقول :

كسوتني حلّة تبلى محاسنها فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إذ نلت حسن ثنائي نلت مكرمة ولست تبغي بما قد نلته بدلا

إنّ الثناء ليُحيي ذكر صاحبه كالغيث يحيى نداه السهل والجبلا


1- في المصدر + : أمير المؤمنين عليه السلام .
2- «بحار الأنوار» ج41، ص43، ح21؛ «جامع الأخبار» ص138.
3- في المصدر _ : سواءٌ.
4- في المصدر + : هو لك.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص32، ح2؛ «مناقب آل أبي طالب» لابن شهرآشوب، ج2، ص118.
6- «بحار الأنوار».
7- في المصدر + : علي عليه السلام .

ص: 155

لا تزهد الدهر في عرض بدأت به فكلّ عبد سيجزى بالّذي فعلا

فقال عليه السلام : «اعطوه مائة دينار» ، وقيل له : يا أمير المؤمنين لقد أغنيته، فقال : «إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «انزل الناس منازلهم» ، ثمّ قال عليّ عليه السلام : «إنّي لأعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم، ولا يشترون الأحرار بمعروفهم» (1).

وفيه نقلاً من «الأمالي»: عن ابن عبّاس وأبي هريرة: أنّه جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فشكى إليه الجوع، فبعث(2) صلى الله عليه و آله إلى أزواجه فقلنا(3) : ما عندنا إلاّ الماء ، فقال صلى الله عليه و آله : «من لهذا الرجل الليلة ؟» فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «أنا يا رسول اللّه» فأتى فاطمة عليهاالسلام وسألها ما عندك يا بنت رسول اللّه ؟ فقالت : «عندنا(4) إلاّ قوت الصبيّة لكنّا نؤثر ضيفنا به» ، فقال عليه السلام : «يا بنت محمّد صلى الله عليه و آله نومي الصبية واطفئ المصباح» وجعلا يمضغان بألسنتهما فلمّا فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج فوجدت++(5) الجفنة مملوّة مِن فضل اللّه تعالى فلمّا أصبح وصلّى(6) مع النبيّ صلى الله عليه و آله فلمّا سلّم النبيّ صلى الله عليه و آله مِن صلاته نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وبكى بكاءً شديداً وقال : «يا أمير المؤمنين لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة اقرأ «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» أي مجاعة «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» يعني: عليّاً عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام «فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»(7)»(8) .

وفيه نقلاً من «الأمالي» عن خالد بن ربعي: إنّ أمير المؤمنين دخل مكّة في بعض حوائجه فوجد أعرابيّاً متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يقول : يا صاحب البيت ، البيت


1- «بحار الأنوار» ج41، ص34 و 35، ح7؛ «الأمالي» للصدوق، ص273 و 274، ح10.
2- في المصدر + : رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
3- في المصدر : فقلن.
4- في المصدر: ما عندنا.
5- في المصدر : فوجد.
6- في المصدر : صلّى.
7- الحشر 59: 9 .
8- «بحار الأنوار» ج41، ص28؛ «الأمالي» للطوسي، ص185، ح11، مع اختلاف يسير.

ص: 156

بيتك والضيف ضيفك وكلّ(1) ضيف من ضيفه قرى، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه : «أما تسمعون كلام الأعرابي ؟» فقالوا(2) : نعم ، فقال عليه السلام : «اللّه أكرم من أن يردّ ضيفه» فلمّا كانت الليلة الثانية وجده متعلّقاً بذلك الرّكن وهو يقول : يا عزيزاً في عزّك، فلا أعزّ منك في عزّك أعزّ(3) بعزّ عزّك في عزّ لا يعلم أحد، كيف هو أتوجّه إليك وأتوسّل إليك بحقّ محمّد وآله عليك، اعطني ما لا يعطيه(4) أحد غيرك واصرف عنّي ما لا يصرفه أحد غيرك .

قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه : «هذا واللّه الاسم الأكبر بالسريانيّة، أخبرني به حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله سأله الجنّة فأعطاه وسأله صرف(5) وقد صرفها عنه» .

قال : فلمّا كانت الليلة الثالثة وجده وهو متعلّق بذلك الرّكن وهو يقول : يامن لايحويه مكان ولا يخلو منه مكان بلا كيفيّة كان، ارزق الأعرابي أربعة آلاف درهم .

قال : فتقدّم إليه أمير المؤمنين عليه السلام (6): يا أعرابي سألت ربّك القرى فقراك، وسألته الجنّة فأعطاك، وسألته أن يصرف عنك وقد صرفها عنك ، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم ؟

فقال(7) الأعرابي : من أنت ؟ قال : «أنا عليّ بن أبي طالب» . فقال(8): أنت واللّه بغيتي وبك أنزلت حاجتي .

قال عليه السلام : «سل يا أعرابي» .


1- في المصدر : ولكل.
2- في المصدر : قالوا.
3- في المصدر : أعزّني.
4- في المصدر : لا يعطيني.
5- في المصدر : صرف النار.
6- في المصدر + : فقال.
7- في المصدر : قال.
8- في المصدر: قال الأعرابي.

ص: 157

قال : أُريد ألف درهم للصداق، وألف درهم أقضي بها ديني، وألف درهم أشتري بها داراً، وألف درهم أتعيّش منه .

قال عليه السلام : «أنصفت يا أعرابي، فإذا خرجت من مكّة فاسأل عن داري بمدينة الرسول صلى الله عليه و آله » فأقام الأعرابي بمكّة اُسبوعاً وخرج في طلب أمير المؤمنين عليه السلام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، ونادى : مَنْ يدلّني على دار أمير المؤمنين(1) عليه السلام ؟ فقال الحسين(2) عليه السلام من بين الصبيان : «أنا أدلّك على دار أمير المؤمنين عليه السلام وأنا ابنه الحسين عليه السلام بن عليّ» فقال الأعرابي : مَن أبوك ؟ قال : «أمير المؤمنين عليه السلام عليّ بن أبي طالب» ، قال : مَن اُمّك ؟ قال : «فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين» ، قال : مَن جدّك ؟ قال : «رسول اللّه صلى الله عليه و آله محمّد بن عبداللّه بن عبد المطّلب» ، قال : مَن جدّتك ؟ قال : «خديجة بنت خويلد» ، قال : من أخوك ؟ قال : «أبو محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام » ، قال : قد أخذت الدُّنيا بطرفيها، امش إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقل له: إنّ الأعرابي صاحب الضمان بمكّة على الباب ، قال : فدخل الحسين عليه السلام وقال : «يا أبه الأعرابي(3) بالباب يزعم أنّه صاحب الضمان بمكّة» ، قال : فقال عليه السلام : «يافاطمة عندك شيء يأكله الأعرابي» ؟ قالت : «اللّهمَّ لا» ، قال : فتلبّس أمير المؤمنين عليه السلام وخرج وقال : «ادعوا لي أبا عبداللّه سلمان الفارسي رحمه الله » قال : فدخل(4) سلمان ، فقال عليه السلام : «يا أبا عبداللّه اعرض الحديقة، التي غرسها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لي على التجّار» ، قال : فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة، فباعها باثني عشر ألف درهم وأحضر المال وأحضر الأعرابي، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهماً نفقة، ورفع(5) الخبر إلى سوّال المدينة فاجتمعوا ومضى رجل من الأنصار إلى فاطمة عليهاالسلام فأخبرها بذلك فقالت :


1- في المصدر + : عليّ.
2- في المصدر + : بن عليّ.
3- في المصدر : أبت أعرابي.
4- في المصدر + : إليه.
5- في المصدر : وقع.

ص: 158

«أجرك(1) في ممشاك» فجلس عليّ عليه السلام والدراهم مصبوبة بين يديه حتّى اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضة قبضة وجعل يعطي رجلاً رجلاً حتّى لم يبق معه درهم واحد.

فلمّا أتى المنزل قالت له فاطمة عليهاالسلام : «يابن العمّ(2) بعت الحائط الذي غرسه لك والدي ؟» قال : «نعم بخير منه عاجلاً وآجلاً» ، قالت : «فأين الثمن ؟» فقال عليه السلام : «دفعته إلى أعين استحييت أن أذلّها بذلّة المسألة قبل أن تسألني» ، قالت فاطمة عليهاالسلام : «أنا جائعة وابناي جائعان ولا أشكّ إلاّ وأنّك مثلنا في الجوع لم يكن لنا منه درهم» وأخذت بطرف ثوب عليّ فقال(3) عليه السلام : «يافاطمة خلّيني» فقالت : «لا واللّه ويحكم(4) بيني وبينك أبي» فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : يا محمّد السلام يقرؤك السلام ويقول : اقرأ عليّاً منّي السلام وقل لفاطمة : ليس لك أن تضربي على يديه ولا تلزمي بثوبه(5)، فلمّا أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله منزل عليّ عليه السلام وجد فاطمة ملازمة لعليّ عليه السلام فقال لها : «يا بنيّة مالكِ ملازمة لعليّ عليه السلام ؟» قالت : «يا أبت باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم لم يحبس لنا منه درهماً نشتري به طعاماً» ، فقال : «يا بنيّة إنّ جبرئيل يقرئني من ربّي السلام ويقول : اقرء عليّاً من ربّه السلام وأمرني أن أقول لك : ليس لكِ أن تضربي على يديه» ، قالت فاطمة عليهاالسلام : «فإنّي أستغفر اللّه ولا أعود أبداً» .

قالت فاطمة صلوات اللّه عليها : «فخرج أبي صلى الله عليه و آله في ناحية وزوجي عليّ عليه السلام في ناحية فما لبث أن أتى أبي صلى الله عليه و آله ومعه سبعة دراهم سود هجريّة، فقال : «يافاطمة أين ابن عمّي» ؟ فقلت له : «خرج» ، فقال رسول اللّه : «هاك الدراهم فإذا جاء ابن عمّي فقولي له : يبتاع لكم بها طعاماً» فما لبثت إلاّ يسيراً حتّى جاء عليّ عليه السلام فقال : «رجع


1- في المصدر : آجرك اللّه.
2- في المصدر : يابن عمّ.
3- في المصدر + : عليّ.
4- في المصدر : أو يحكم.
5- في المصدر _ : ولا تلزمي بثوبه.

ص: 159

ابن عمّي فإنّي أجد رائحة طيّبة» ، قالت : «نعم، وقد دفع إليَّ شيئاً تبتاع به لنا طعاماً» ، قال عليّ عليه السلام : «هاتيه» فدفعت إليه سبعة دراهم سوداً هجرية فقال عليه السلام : «بسم اللّه والحمد للّه كثيراً طيّباً وهذا من رزق اللّه عزّوجلّ »، ثمّ قال عليه السلام : «يا حسن قم معي فأتيا السوق» فإذا هما برجلٍ واقف وهو يقول : من يقرض الملّي الوفيّ ؟ قال : «يا بنيّ نعطيه» ؟ فقال : «إي واللّه يا أبَه»(1) ، فأعطاه عليّ عليه السلام الدراهم ، فقال الحسن عليه السلام : «يا أبتاه أعطيته الدراهم كلّها» ؟ قال : «نعم يا بني، إنّ الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير» ، قال : «فمضى عليّ عليه السلام بباب رجل يستقرض منه شيئاً، فلقيه أعرابي ومعه ناقة» ، فقال : يا عليّ اشتر منّي(2) ، قال : «ليس معي ثمنها» ، قال : فإنّي أنظرك به إلى القبض ، قال عليه السلام : «بكم هي(3) يا أعرابي» ؟ قال : بمائة درهم ، قال عليّ عليه السلام : «خذها يا حسن» فأخذها فمضى علي عليه السلام فلقيه أعرابي آخر المثال واحد والثياب مختلفة فقال : يا عليّ عليه السلام تبيع الناقة ؟ قال عليّ عليه السلام : «وما تصنع بها» ؟ قال : أغزو عليها أوّل غزوة يغزوها ابن عمّك ، قال : «إن قبلتها فهي لك بلا ثمن» ، قال : معي ثمنها وبالثمن أشتريها فبكم اشتريتها ؟ قال : «بمائة درهم» ، قال الأعرابي : ولك سبعون ومائة درهم ، قال عليّ : «خذ يا حسن(4) السبعين والمائة وسلّم الناقة والمائة للأعرابي الذي باعنا الناقة والسبعين لنا نبتاع بها شيئاً» فأخذ الحسن عليه السلام الدراهم وسلّم الناقة .

قال عليّ عليه السلام : «فمضيت أطلب الأعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالساً في مكان لم أره قبل(5)ذلك ولا بعده على قارعة الطريق، فلمّا نظر النبيّ صلى الله عليه و آله إليَّ تبسّم ضاحكاً نواجده»(6) قال عليّ عليه السلام : «أضحك اللّه سنّك


1- في المصدر : أبت.
2- في المصدر + : هذه الناقة.
3- في المصدر _ : هي.
4- في المصدر _ : يا حسن.
5- في المصدر + : فيه قبل.
6- في المصدر + : حتّى بدت نواجده.

ص: 160

وبشّرك بيومك» ، فقال : «يا أبا الحسن إنّك تطلب الأعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن ؟» فقلت : «إي واللّه فداك أبي واُمّي» فقال : «يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل والذي اشتراها منك ميكائيل، والناقة من نوق الجنّة، والدراهم من ربّ(1) العالمين عزّوجلّ، فأنفقها في خير ولا تخف إقتاراً»(2) .


1- في المصدر + : عند ربّ.
2- «بحار الأنوار» ج41، ص44 _ 47، ح1؛ «الأمالي» للصدوق، ص467_ 471، ح10.

ص: 161

الباب التاسع: في نبذة من معجزاته الباهرة التي حار فيها ذو العقول

ص: 162

ص: 163

في نبذة من معجزاته الباهرة التي حار فيها ذو العقول

في كتاب «مفتاح حبّ الولاية»(1): عن ابن عبّاس عن عبداللّه بن عمر أنّه قال : كنّا جلوساً في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذلك في خلافة أبي عمر بن الخطّاب، فجرى بين الأصحاب مسائل فيها مشاكل فتوقّفوا في بيانها، وكان عليّ بن أبي طالب عليه السلام معنا فقال عمر : يا عليّ ما عندك فيها ؟ فتكلّم عليّ عليه السلام بجواب لطيف فأعجب القوم ما أبان منها، وهو يقول: ما جاء به محمّد النبيّ صلى الله عليه و آله إلاّ وأنا أعرف الناس بحلاله وحرامه وظاهره وباطنه ، فقال رجل منهم : يا عليّ إنّ بك لشمخاً وأنّك تظهر علينا فخراً ، فنهض عليّ عليه السلام مغضباً ، فقال الرجل : إنّ هذا الفتى به دعابة لا يتركها حتّى يموت ، فقال له عمر بن الخطّاب : واللّه بسيفه قادنا إلى الإسلام ، ألا أُحدّثكم بحديث شاهدته بعيني وسمعته بأُذني ؟ قالوا : وما ذاك ؟ فقال عمر : كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجده وإذا بعبداللّه بن عبّاس قد أقبل وقال : يارسول اللّه إنّي لقيت عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد اجتاز إلى زقاق لا ينفذ، فقلت له : يا علي إنّه لا ينفذ فقال : يا عبداللّه امض إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله واخبره فإنّه ينبئك عن ذلك ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «يا عبداللّه أظننت أنّ عليّ بن أبي طالب يضلّ عن الطريق ، أو ما علمت أنّه الطريق إلى اللّه تعالى ، أوما علمت أنّه أمير المؤمنين والصراط المستقيم ، أو ما علمت أنّ عليّاً هو الحجاب إلى اللّه


1- لم نجد هذا الكتاب لا في المطبوعات ولا في المخطوطات.

ص: 164

تعالى ولا يحجبه عن اللّه حجاب ؟

يابن عبّاس امض وائتني به ، فمضى عبداللّه ولم يغب إلاّ القليل وأتى وعليّ معه وعليه درع يبرق من الشمس، فسلّم فرددنا عليه السلام، فنهض النبيّ صلى الله عليه و آله واعتنقه وضمّه إلى صدره وجعل يحلّ أزرار درعه وهو يتفقّده من رأسه إلى قدميه .

قال عمر : فقلت: يارسول اللّه بأبي أفديك، كأنّك أرسلت عليّاً إلى حرب قوم من الأعداء وأنّه لم يغب عنّا أكثر من ثلاث ساعات ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «يا عمر إنّي كنت في مستقرّي إذ هبط عليَّ جبرئيل وقال : يا محمّد ربّك يقرئك السلام ويقول لك : إنّ طائفة من الجنّ المردة ارتفعوا إلى السماء واختصموا مع طائفة من الملائكة فارسل ابن عمّك عليّ بن أبي طالب عليه السلام يطهّرهم فأمرته بذلك، فلحق بهم وهم يختصمون، فغاص في أوساطهم ومزّقهم بأسماء اللّه تعالى، وقتل منهم تسعين ألف جنّي وصالح بين تسعين ألف جنّي وأسلم على يده تسعون ألف جنّي . يا عمر إنّ اللّه تعالى أيّدني بعليّ عليه السلام وأحبّ له قتال الإنس والجنّ، فتمسّك بحبّه فحبّه نجاة» .

وفيه مرفوعاً إلى مالك الأشتر أنّه قال : دخلت على مولاي عليّ بن أبي طالب عليه السلام في ليلةٍ مظلمة فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، فقال عليه السلام : «وعليك السلام يا مالك ، ما الذي أدخلك عليَّ في هذه الساعة يا مالك ؟» قلت : جعلت فداك يا أمير المؤمنين من شوقي إليك ، فقال عليه السلام : «صدقت واللّه يا مالك فهل رأيت أحداً ببابي في هذه الليلة ؟» قلت : نعم يا مولاي رأيت ثلاثة نفر ، فقام الإمام عليه السلام فخرج وخرجنا معه، فإذا بالباب رجل مكفوف البصر ورجل أزمن ورجل أبرص ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ما تصعنون ببابي في هذا الوقت ؟» قالوا : جئنا يا أمير المؤمنين لتشفينا ممّا بنا، فمسح عليه السلام بيده الشريفة عليهم جميعاً فقاموا من غير عمى ولا زمن ولا برص .

وفي «الفائق»(1) : حكي2 أنّه كان مجد الدِّين بن جميل صاحب المخزن في زمن


1- لم نجد هذا الكتاب، ولكن وجدت هذه الحكاية والأشعار في «الغدير» ج5، ص401 و 402.

ص: 165

الخليفة الناصر فنقم عليه وأودعه السجن، فسأله أرباب الدولة من الأكابر فلم يقبل فيه شفاعة أحد وتركه في الحجرة مدّة عشرين سنة، فخطر على قلبه أن يمدح الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام فمدحه بأبيات، ونام فرآه(1) وهو يقول : الساعة تخرج.

فانتبه فرحاً وجعل يجمع رحله، فقال له الحاضرون : ما الخبر ؟ فقال لهم : الساعة أخرج ، فجعل أهل السجن يتغامزون ويقولون : تغيّر عقله ، وأمّا الناصر فإنّه(2)رأى أمير المؤمنين عليّاً(3)عليه السلام وقال له : اخرج ابن جميل في هذه الساعة، فانتبه مذعوراً وتعوّذ من الشيطان، ونام فأتاه عليه السلام ثانية وقال له كالأوّل (4)، فقال : ما هذا الوسواس؟ فأتاه ثالثة ورفسه برجله وقال له كالأوّل، فأنفذ(5) في الحال من يطلقه ، فلمّا طرق الباب قال: واللّه وإذا أنا متهيّئ، فلمّا مثل بين يدي الناصر عرّفوه أنّهم وجدوه متهيّئاً للخروج فقال له : بلغني أنّك كنت متهيّئاً للخروج فمن ماذا ؟ قال : إنّه جاء إليَّ(6) قبل أن يجيء إليك ، قال : فبماذا؟ قال : عملت فيه قصيدة نشدتها ونمت (7)، فقال له الناصر : انشدنيها ، فأنشأ يقول :

ألمّت وهي حاسرة لثاما وقد ملئت ذوائبها الظلاما

وأجرت أدمعاً كالطلّ هبّت له ريح الصّبا فجرى نواما

وقالت أقصدتك يد الليالي وكنت لخائف منها عصاما

وأعوذك اليسر وكنت فينا ثمالاً للأرامل واليتامى(8)


1- قال صاحب «الغدير» : «وقفت في غير واحد من المجاميع العتيقة المخطوطة على أنّ مجد الدين بن جميل كان صاحب...» ج5، ص402.
2- في «الغدير» + : في ما يراه النائم.
3- في «الغدير» + : أيضاً.
4- في «الغدير» + : في الطيف.
5- في «الغدير» : مثل الأوّل.
6- في «الغدير» : فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه، فانتبه وأنفذ.
7- في «الغدير» + : مَن جاءك.
8- في «الغدير» _ : نشدتها ونمت.

ص: 166

فقلت لها: كذاك الدهر يجني فقرّي وارقبي الشهر الحراما

فإنّي سوف أدعو اللّه فيه وأجعل مدح «حيدرة» إماما

وابعثها إليه منقّحات يفوح المسك منها والخزاما

تزود فتىً كأنّ أبا قبيسٍ تسنّم منكبيه أو شماما

أغرّ له إذ ذكر(1) الأيادي عطاء وابل يشفي الأواما

وأبلج لو ألمّ به هند(2) لأوسعه حياءً وابتساما

ولو رمق السماء وليس فيها حيّاً لاستمطرت غيثاً ركاما

وتأخذ(3) من تراب أبي ترابٍ تراباً يبرئ الداء العقاما

فتحضى عنده وتؤب عنه وقد فازت وأدركت المراما

بقصد أخي النبيّ ومن حباه بأوصاف يفوق بها الأناما

ومن أعطاه يوم «غدير خمٍّ» صريح المجد والشرف القداما

ومن ردّت ذكاء(4) له فصلّى أداءً بعدما ثنت اللثاما

وآثر بالطعام وقد توالت ثلاث لم يذق فيها طعاما

بقرصٍ من شعيرٍ ليس يرضي سوى الملح الجريش له إداما

فردّ عليه ذاك القرص قرصاً وردّ عليه ذاك الحام حاما(5)

أبا حسن وأنت فتىً إذا ما دعاه المستجير حمى وحاما

أزرتك يفضة(6)غرر القوافي فزرني يابن فاطمة مناما

وبشّرني بأنّك لي مجيرٌ وأنّك مانعي من أن أُضاما


1- في «الغدير» : ذكرت أياد.
2- في «الغدير» + : ابن هند.
3- في «الغدير» : وتلثم.
4- ذكاء : اسم الشمس. منه رحمه اللّه .
5- في «الغدير» : وزاد عليه ذاك القرص جاما.
6- في «الغدير» : يقظة.

ص: 167

فكيف تخاف(1) حادثة الليالي فتىً يعطيه «حيدرة» ذماما

سقتك سحائب الرضوان سحّاً كفيض يديك منسجم انسجاما

وزار ضريحك الأملاك صفّاً على مغناك تزدحم ازدحاما

ولا زالت روايا المزن تهدى إلى النجف التحيّة والسلاما(2)

قال : فتقدّم له بإعادة ما أخذ منه وأطلق له عشرة آلاف دينار وقال له : هذه جائزة قصيدتك وشفيعك قويّ ثمّ عاد إلى شغله رحمة اللّه عليه .

وروي: أنّه جاء جبرئيل إلى محمّد صلى الله عليه و آله وقال له : العليّ الأعلى يقول : أخرج هؤلاء وأرهم كرامة عليّ عليه السلام على اللّه وما هو له وأنّه غنيّ عنهم، فأخرج جمّاً غفيراً حتّى وصل إلى سفح جبل، ثمّ قال صلى الله عليه و آله لتلك الجماعة : إن أطعتم عليّاً سعدتم ودخلتم الجنّة وإن خالفتموه دخلتم النار ، ثمّ قال صلى الله عليه و آله لعليّ : «ادع ربّك بجاه محمّد وآله الطاهرين وأنت منهم وبعد محمّد صلى الله عليه و آله سيّدهم أن يقلب لك هذه الجبال ما شئت» فدعى، فانقلبت فضّة ونادته: أنا بأمرك ونهيك متى أردتنا، ثمّ انقلبت ذهباً ثمّ جوهراً وهي تقول : أنا مطيعة لك يا عليّ ، ثمّ انقلبت مسكاً وعنبراً وهي تقول : أمرنا بأمرك نتحوّل حيث تشاء ، ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ادع ربّك بحقّ محمّد وآله الطاهرين وأنت سيّدهم أن يقلب أشجارها رجالاً مع السلاح» فدعى اللّه سبحانه فانقلبت رجالاً ملئت الأرض وهي تنادي: يا عليّ مرنا بأمرك وعلى ما تسلّطنا ومتى شئت ادعنا نجيبك فلا يحزنك تمرّد الماردين وخلاف هؤلاء المخالفين(3) .

وفي «البحار» نقلاً من «الفضائل» بالإسناد يرفعه إلى ابن جعدة(4) قال : حضرت مجلس أنس بن مالك بالبصرة وهو يحدّث فقام إليه رجل من القوم وقال له(5) :


1- في «الغدير» : يخاف.
2- «الغدير» ج5، ص401 و 402.
3- «بحار الأنوار» ج37، ص144 و 145 نقلاً عن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام مع اختلاف غير يسير.
4- في المصدر + : أبي جعدة.
5- في المصدر _ : له.

ص: 168

ياصاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما هذه الشامة(1) التي أراها بك، فأنا حدّثني أبي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : البرص والجذام لا يبلي اللّه به مؤمناً ، قال : فعند ذلك أطرق ابن(2) مالك إلى الأرض وعيناه تذرفان(3) بالدموع ثمّ رفع رأسه وقال : دعوة العبد الصالح عليّ بن أبي طالب عليه السلام قُذِف(4) فيّ قال : فعند ذلك قام الناس حوله وقصدوه وقالوا : يا أنس حدّثنا ما كان السبب ؟ فقال لهم : الهوا(5)عن هذا فقالوا : لابدّ من أن تخبرنا بذلك ، فقال : اقعدوا على(6) مواضعكم واسمعوا منّي حديثاً كان هو السبب لدعوة عليّ عليه السلام اعلموا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان قد اُهدي له سباط شعرٍ من قرية كذا وكذا من قرى المشرق يقال لها عندف فأرسلني رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي بكر وعثمان وعمر(7)وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري فأتيته بهم وعنده ابن عمّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال له(8) :يا أنس ابسط البساط وأجلسهم عليه، ثمّ قال : يا أنس اجلس حتّى تخبرني بما يكون منهم ، قال صلى الله عليه و آله (9) : قل يا عليّ : «ياريح احملينا، فإذا نحن في الهواء فقال : سيروا على بركة اللّه» ، قال : فسرنا ما شاء اللّه.

ثمّ قال عليه السلام : «ياريح ضعينافوضعتنا» ، فقال عليه السلام : «أتدرون أين أنتم ؟» فقلنا : اللّه ورسوله وعليّ عليه السلام أعلم ، فقال : «هؤلاءأصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا(10)عجبا ، قوموا يا أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى تسلّموا عليهم» فعند ذلك قام أبو بكر


1- في المصدر: الشيمة.
2- في المصدر + : أنس.
3- قال في «لسان العرب» ج9، ص109، مادّة ذرف : الذرف : صبُّ الدَّمع.
4- في المصدر : نفذت.
5- في المصدر : انتهوا.
6- في المصدر _ : على.
7- في المصدر : أبي بكر وعمر وعثمان.
8- في المصدر : لي.
9- في المصدر + : ثمّ.
10- في المصدر : آيات اللّه.

ص: 169

وعمر فقالا : السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم قال : فلم يجبهما أحدٌ قال : فقمنا أنا وعبدالرحمن بن عوف وقلنا : السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم(1)، أنا خادم رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يجبنا أحد، فعند ذلك قام الإمام عليه السلام وقال : «السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آياتنا(2) عجباً» ، فقالوا : وعليك السلام يا وصيّ رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، فقال : «يا أصحاب الكهف ألا رددتم على أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله السلام(3)؟» قالوا : يا خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّا فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم(4)وزاهدهم هدى(5)وليس معنا إذن بردّ السلام إلاّ بإذن نبيّ أو وصيّ(6)، وأنت وصيّ خاتم النبيِّين والمرسلين، وأنت خاتم الوصيّين(7) .

ثمّ قال : «أسمعتم يا أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟» قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : «فاقعدوا في مواضعكم فقعدنا في مجالسنا» ثمّ قال عليه السلام : «ياريح احملينا» فسرنا ما شاء اللّه إلى أن غربت الشمس، ثمّ قال عليه السلام : «ياريح ضعينا» فإذا نحن على أرضٍ كأنّها الزعفران ليس فيها حسيس ولا أنيس، نباتها الشيح وليس فيها ماء ، فقلنا : يا أمير المؤمنين دنت الصلاة وليس معنا ماء فنتوضّأ، به فقام عليه السلام وجاء إلى موضع من تلك الأرض فرفسه برجله، فنبعت عين ماء فقال عليه السلام : «دونكم وما طلبتم» فجاءنا(8) جبرئيل بماء من الجنّة قال : فتوضّينا(9) وصلّينا إلى أن انتصف الليل، ثمّ قال عليه السلام : «خذوا مواضعكم ستدركون الصلاة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو بعضها» ، ثمّ قال : «ياريح


1- في المصدر _ : والرقيم.
2- في المصدر : من آيات اللّه.
3- في المصدر _ : السلام.
4- الكهف 18: 13.
5- في المصدر : وزادهم اللّه هدى.
6- في المصدر + : وصيّ نبيّ.
7- في المصدر : الأوصياء.
8- في المصدر : ولولا طلبتكم لجاءنا.
9- في المصدر : فتوضّأنا.

ص: 170

احملينا» فإذا نحن برسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد صلّى من الغداة ركعة واحدة فقضيناها وكان قد سبقنا بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فالتفت إلينا وقال : «يا أنس تحدّثني أو اُحدّثك ؟» فقلت : بلى(1) من فيك أحلى يارسول اللّه، قال : فابتدأ بالحديث من أوّله إلى آخره كأنّه كان معنا ، ثمّ قال صلى الله عليه و آله : «يا أنس تشهد لابن عمّي بها إذا استشهدك ؟» فقلت : نعم يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا ولّي أبو بكر الخلافة أتى عليّ عليه السلام وكنت حاضراً عند أبي بكر والناس حوله، فقال(2) : «يا أنس ألست تشهد لي بفضيلة البساط ويوم عين الماء ويوم الجبّ؟» فقلت (3): يا عليّ نسيت من كبري فعندها قال لي : «يا أنس إن كنت كتمته مداهنة بعد وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فرماك اللّه تعالى ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمىً في عينيك» فما قمت من مقامي حتّى برصت وعميت، والآن لا أقدر على الصيام في شهر رمضان ولا غيره من الأيّام لأنّ البرد لايبقى في جوفي ولم يزل أنس على تلك الحال حتّى مات بالبصرة(4).

وروي عن الأصبغ بن نباتة قال : مرّ مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بمقبرة، ونظر في القبور(5) ثمّ نظر بوجهه الكريم إليَّ(6)، وقال عليه السلام : «يابن نباتة(7) أتحبّ أن أُريك آية بإذن اللّه تعالى ؟» فقلت : نعم يا مولاي ، فأشار إلى(8) قبر وقال : «قم يا صاحب هذا القبر»(9) فقام شيخ من القبور(10) وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ووصيّ(11)ربّ


1- في المصدر : بل.
2- في المصدر : وقال لي.
3- في المصدر + : له
4- «بحار الأنوار» ج41، ص217_ 220؛ «الفضائل» لابن شاذان، ص164_ 166.
5- في المصدر : إلى.
6- في المصدر _ : ثمّ نظر بوجهه الكريم إليَّ.
7- في المصدر _ : يابن نباتة.
8- في المصدر +: بيده.
9- في المصدر : «قم يا ميّت».
10- في المصدر _ : من القبور.
11- في المصدر: خليفة.

ص: 171

العالمين ، فقال عليه السلام له : «مَن أنت يا شيخ ؟» فقال : أنا عمر(1) بن دينار الهمداني، إنّي(2) قتلت في وقعة(3)الأنبار، وقتلني أصحاب معاوية مع أمير الأنبار ، فقال : «اذهب إلى أهلك وعيالك ومالك(4)وحدّثهم بما رأيت منّي(5) وقل لهم: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أحياني وردّني إليكم بقدرة اللّه تعالى» (6).

ولقد يحقّ لي أن أقول ما قال محمّد كاظم الأُزري رحمه اللّه تعالى :

أعِد الفكر في معانيه تنظر كيف يحيي الأجسام بعد فناها

ذاك محيي الموتى(7) وإن كان يردي كلّ نفسٍ أخنى عليها خناها

قائم في زكاة كلّ المعالي دائم دأبه على اتياها

كم أدارت يداه أفلاك مجد مستمرّ على الزمان بقاها

ذاك من جنّة المعالي كطوبى كلّ شيء تظلّه أفياها

ذاك ذو الطلقة التي تتجلّى خفرات الجمال دون اجتلاها

لُذ إلى جوده(8) تجد كيف تهدى حلل المكرمات من صنعاها

كم له من روائح وغوادٍ مدد الفيض كان من مبداها

كم له شمس حكمة تتمنّى غرّة الشمس أن تكون سماها

لم تزل عنده مفاتيح كشفٍ قد أماطت عنه الغيوث(9) غطاها(10)

وروي عن ابن الغفاري أنّه قال : حججت مع مولاي أمير المؤمنين(11) عليه السلام ،


1- في المصدر : عمرو.
2- في المصدر _ : إنّي.
3- في المصدر: واقعة.
4- في المصدر : إلى أهلك وأولادك.
5- في المصدر _ : منّي.
6- «الثاقب في المناقب» لابن حمزة الطوسي، ص210 و 211.
7- في المصدر : يحيي الموت.
8- في المصدر : جودة.
9- في المصدر : الغيوب.
10- «الاُزرية» للشيخ كاظم الاُزري، ص130 و 131.
11- في جميع الكتب الروائية : روي عن عليّ بن أبي حمزة قال : حججت مع الصادق عليه السلام فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة... إلى آخر الحديث».

ص: 172

فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة فقال عليه السلام : «يا نخلة أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك من رزق» فنظرت إلى النخلة، فإذا هي تتمايل نحو أمير المؤمنين عليه السلام وفيها رطب ، فقال عليه السلام : «ادن يا أبا ذرّ وسمّ باسم اللّه تعالى وكل» ، قال أبو ذرّ : فدنوت منها وأكلت رطباً ألذّ من الشهد وأحلى من العسل ، قال : فبينما نحن كذلك إذا بأعرابي قد قدم إلينا من صدر البريّة وهو يقول : واللّه ما رأيت سحراً أعظم من هذا اليوم ، فقال الإمام عليه السلام : «يا أعرابي كن كلباً أسوداً» قال أبو ذرّ: فواللّه ما تمّ جواب الإمام إذ هو كلب أسود من وقته كما أمر ، ثمّ إنّه ولّى فقال لي : «يا أبا ذرّ اتبعه» ، فتبعته يومين حتّى وصل إلى أهله فدخل منزله وبصبص لأهله وولده فأخذوا له عصى وضربوه حتّى أخرجوه من عندهم، فانصرفت إلى مولاي فأخبرته بذلك، فبينما نحن كذلك إذ هو أقبل ووقف بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام ودموعه تسيل إلى الأرض، ويتمرّغ على الأرض فأخذته الرقّة والرحمة له، فدعى اللّه تعالى بدعوة مستجابة أن يعيده كما كان فعاد أعرابيّاً مثل الأوّل ، فقال عليه السلام : «هل آمنت أيّها الأعرابي ؟» قال : نعم آمنت بك يابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّكم على الحقّ وأيّ حقّ عليكم سلام اللّه (1).

في كتاب «مفتاح حبّ الولاية»(2): عن سلمان الفارسي رحمه الله إنّه قال: إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان ذات يوم جالساً في بيته مع فاطمة الزهراء عليهاالسلام ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام وإذا بباب الدار تطرق، فالتفت الإمام عليه السلام إلى الحسن عليه السلام وقال له : «يا قرّة عيني قم وافتح الباب وانظر من الطارق» ، فنهض الحسن عليه السلام وفتح الباب فرأى المقداد واقفاً على الباب فسلّم على الحسن عليه السلام فردّ الحسن عليه السلام عليه السلام فقال له المقداد : يا سيّدي أبوك حاضر أم غائب ؟ فقال الحسن عليه السلام : «بل هاهنا


1- «بحار الأنوار» ج47، ص110؛ «كشف الغمّة» ج2، ص417.
2- لم نجد هذا الكتاب لا في المطبوعات ولا في المخطوطات.

ص: 173

جالس مع اُمّي فاطمة عليهاالسلام وأخي الحسين» ثمّ سار الحسن إلى أبيه عليهماالسلام فقال : «يا أباه رأيت المقداد وهو يدعوك» فقام الإمام وأتى إلى المقداد وسرّ فيه سروراً عظيماً وقال له : «هل من حاجة يا مقداد حتّى أقضيها لك ؟» قال : نعم يا مولاي ، فقال عليه السلام : «تكلّم بها» ، فقال : يا مولاي اليوم آخر أيّام شهر شعبان وهذه الليلة أوّل ليالي شهر رمضان وأُريدك أن تكون عندي هذه الليلة من العشاء إلى الصباح لأستر بك ، فقال الإمام عليه السلام : «حبّاً وكرامة فامض لشأنك، فإنّي آتيك إن شاء اللّه تعالى» فتوجّه المقداد إلى بيته فرحاً ورجع الإمام إلى مولاتي فاطمة الزهراء عليهاالسلام فقالت له الزهراء : «ما يريد المقداد يا أبا الحسن ؟» فقال لها : «يدعوني في هذه الليلة إلى بيته من العشاء إلى الصباح» .

فبينما هم جلوس وإذا بالباب تطرق، فقال الإمام للحسن عليهماالسلام أيضاً: «قم يا ولدي وانظر من الطارق» ، فنهض الحسن عليه السلام وفتح الباب فوجد ابن ياسر فلمّا رآه الحسن عليه السلام سلّم عليه فردّ الحسن عليه السلام عليه السلام قال : ياسيّدي أبوك حاضر أم لا ؟ فقال عليه السلام : «بل هو حاضر» ثمّ جاء إلى أبيه وقال له : «يا أبتي عمّار يدعوك عند الباب» ، فقام الإمام عليه السلام وأتى إلى عمّار، فسلّم عمّار عليه فردّ الإمام عليه السلام ثمّ قال له : «هل من حاجة حتّى أقضيها لك ؟» فقال : نعم يا مولاي ، فقال له الإمام : «تكلّم بها» فقال له مثل ما قال المقداد، فقال الإمام عليه السلام : «حبّاً وكرامة» ، فمضى عمّار إلى بيته فرحاً ورجع الإمام إلى فاطمة عليهماالسلام فقالت : «مَن الطارق يا أبا الحسن عليه السلام » فأخبرها بما جاء به عمّار، فبينما هم كذلك وإذا بالباب تطرق ثالثاً، فقام الإمام عليه السلام للحسن عليه السلام : «يا ولدي وقرّة عيني قم وانظر مَن الطارق» فنهض الحسن عليه السلام وفتح الباب فرأى أبا ذرّ واقفاً على الباب، فسلّم على الحسن فردّ عليه السلام وقال له : يا سيّدي أبوك هاهنا أم لا ؟ فقال عليه السلام : «بل هو هاهنا» ، ثمّ إنّ الحسن أتى إلى الإمام عليه السلام وقال له : «يا أبتاه إنّ أبا ذرّ يدعوك» فجاء الإمام عليه السلام إليه، فلمّا رآه أبو ذرّ سلّم عليه فردّ الإمام عليه السلام ثمّ قال : يا أبا الحسن أُريدك هذه الليلة أن تكون عندي من العشاء إلى الصباح، لأنّ هذه الليلة

ص: 174

ليلة شريفة وأُريد أن أستر معك من العشاء إلى الصباح.

فقال له الإمام عليه السلام : «طبّ نفساً وقرّ عيناً» ، ثمّ إنّ أبا ذرّ رجع بيته فرحاً ورجع الإمام إلى فاطمة عليهماالسلام ، فلمّا أمسى المساء توجّه الإمام عليه السلام إلى المقداد وبقى عنده من العشاء إلى الصباح، فلمّا أصبح جاء المقداد إلى مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فرأى عمّاراً وأبا ذرّ وجماعة من المسلمين جلوساً عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا سلّم عليهم فردّوا عليه السلام فقال المقداد : من مثلي وكان عندي عليّ بن أبي طالب عليه السلام من العشاء إلى الصباح، وهذه الساعة قد فارقته وأتيت إلى عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا سمع عمّار ذلك نهض قائماً وقال : واللّه ما كان الإمام عليه السلام إلاّ معي من العشاء إلى وقت الصباح وهذه الساعة قد فارقته وأتيت إلى عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا سمع أبو ذرّ ذلك منهما صاح وقال لهما : كان عندي لا عندكما ، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه و آله :

«يا مقداد ويا عمّار ويا أبا ذرّ، التمست منّي اُمّ سلمة البارحة أن يكون عليّ بن أبي طالب ضيفنا وما كان إلاّ معي ومع اُمّ سلمة من العشاء إلى وقت الصبح» ، ثمّ إنّ النبيّ أرسل سلمان الفارسي رضى الله عنه إلى فاطمة وقال له : سل فاطمة عليهاالسلام عند مَن كان بعلها البارحة ، قال : فمضى سلمان إلى فاطمة وسألها فقالت : «ياسلمان اللّه أعلم أنّ عليّ بن أبي طالب كان رأسه ورأسي على وسادة واحدة من العشاء إلى وقت الصباح»، فرجع سلمان إلى عند النبيّ صلى الله عليه و آله وأخبره، وإذا بالأمين جبرئيل قد هبط إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وقال : السلام عليك يارسول اللّه، ربّك يقرئك السلام ويخصّك بالتحيّة والإكرام وهو يقول لك : إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان عند المقداد وعند أبي ذرّ وعند عمّار وعندك وعند فاطمة وعندنا في السماء السابعة، قائماً وقاعداً وساجدا من العشاء إلى طلوع الفجر .

فقالت جماعة من المنافقين : إذا عليّ بن أبي طالب رجل واحد فكيف يقسم نفسه عليكم ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «حكم عليّ بن أبي طالب عليه السلام بينكم كحكم الشمس لا يخلو منها مكان» .

وفيه عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : كنّا جلوساً عند سيّدنا ومولانا

ص: 175

عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهو في جامع الكوفة ونحن خلق كثير، وإذا بحمامة قد سقطت في حجر الإمام ودخلت في ردنه الأيمن وخرجت من ردنه الأيسر وقالت : السلام عليك يا أمير المؤمنين، أنا في جوار اللّه وجوارك وحمى اللّه وحماك ، فقال عليه السلام : «وعليك السلام ما حاجتك ؟» فقالت : يا مولاي اعلم أنّ لي فراخاً في بعض الأشجار يرفرفون من الجوع فخرجت من الصبح إلى بعض القيعان ألتقط لهم شيئاً من الحبّ، لعلّ اللّه يرزقني وإذا قد سقط عليَّ صقر حادّ الناب طويل المخلاب، وقد أتاني أسرع من البرق الخاطف، وأراد أن يخلبني فسبقته وقد أتيتك يا أمير المؤمنين مستجيرة، فأجرني أجارك اللّه تعالى .

قال : فبينما الإمام يخاطب الحمامة وإذا بالصقر قد سقط في حجر الإمام، وأراد أن يجلبها فقال له الإمام عليه السلام : «قف عمّن أجرته» ، قال : فوقف الصقر وقال : يا مولاي هذه الصيدة صيدتي وهي حلال عليَّ فإنّ، الصيد حلّله اللّه تعالى ، فقال له الإمام : «اخبرني بقصّتك» ، فقال : يا مولاي اعلم أنّ لي ثلاثة أيّام ما استطعمت بطعامٍ ولا أكلت شيئاً، فلمّا أضاء الصباح نزلت من وكري أطلب شيئاً من الرزق لعلّ اللّه يرزقني، فإذا بهذه الحمامة في بعض القيعان تلتقط الحبّ فحملت عليها وهذه صيدتي ولا هي حرام عَليَّ ، فقال له مولاي عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «لا بأس عليك أيّها الصقر ولكن قد صارت في جواري وفي حماي لكن أعطيك عوضها لحماً أو شاة من الغنم» ، فقال : لا أرضى إلاّ بقطعة من فخذك أسدّ بها جوعتي، فقال عليه السلام : «حبّاً وكرامة ، قم ياقنبر فأتني بالسّكينة والميزان حتّى أعطي هذا الصقر عوض صيدته» ، فقال قنبر : حبّاً وكرامة للّه ولك يا مولاي .

ثمّ إنّ قنبر أحضر الميزان والسكّين قال : فأخذ الإمام السكّين وأراد أن يمكّنها من فخذه غير جازع، فصاح الصقر: يا أبا الحسن فأنا جبرئيل والحمامة ميكائيل أرسلنا اللّه إليك لننظر صبرك، قال : فتعجّب الناس من فضل أمير المؤمنين عليه السلام وقوّة قلبه .

ص: 176

وفي «البحار»(1) (2): روى أبو عبداللّه بن زكريّا عن جعفر بن الأسود عن محمّد بن عبداللّه الصايع يرفعه إلى سلمان الفارسي رضى الله عنه أنّه قال : كنّا جلوساً عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم أنا وولده الحسن والحسين عليهماالسلام وولده محمّد بن الحنفيّة ومحمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي فالتفت إليه الحسن عليه السلام وقال : «يا أبتاه يا أمير المؤمنين أنّ سليمان بن داود عليه السلام طلب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه اللّه تعالى إيّاه فهل ملكت يا أبتي شيئاً ممّا ملكه سليمان عليه السلام ؟» فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «والذي فلق الحبّة وبرئ النسمة فقد ملك أبوك ملكاً لا يملكه أحدٌ قبله ولا بعده» .

فقال الحسن عليه السلام : «يا أبانا إنّا نحبّ ننظر إلى شيء ممّا ملّكه اللّه تعالى إيّاك في المملوكات، ليزدادوا محبّونا وموالونا بنا معرفةً ويقيناً ، فقال له الإمام عليه السلام : حبّاً وكرامة للّه ولك يا بني» فقام وصلّى ركعتين ثمّ ذهب إلى صحن داره ونحن نراه، فمدّ يده نحو المغرب حتّى بانت لنا من كفّه سحابة وهو يمدّها حتّى أوقفها على الدار وإلى جانب تلك السحابة سحابة أُخرى، ثمّ أشار إلى الريح والسحاب وقال : «اهبطي إلينا أيّتها الريح».

فواللّه العظيم لقد رأينا السحاب قد هبط وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّك وصيّ رسول اللّه حقّاً من شكّ فيك هلك ومن تمسّك بك نجى، ثمّ تطاولت السحابتان حتّى صارتا كأنّهما بساطان ورائحتهما كالمسك الأذفر، فقال لنا أمير المؤمنين عليه السلام : اجلسوا على السحابة» فجلسنا عليها وأرانا مواضعنا، ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام جلس على السحابة الاُخرى


1- «بحار الأنوار» ج27، ص33_ 40، نقلاً من كتاب «المحتضر» للشيخ حسن بن سليمان وهو يقول : «روى بعض علماء الإمامية في كتاب «منهج التحقيق إلى سواء الطريق» بإسناده عن سلمان الفارسي».
2- في نقل «البحار» مع نصّ الكتاب، اختلاف غير يسير.

ص: 177

وحده، ثمّ قال : «أيّتها الريح ارفعينا رفعاً رفيعاً» يعني عالياً، فنظرنا نحو أمير المؤمنين عليه السلام فإذا هو جالسٌ على كرسيّ من نور عليه ثوبان أصفران وعلى رأسه تاج من ياقوتة صفراء وفي رجليه شراك من ياقوتة حمراء تتلألأ، وفي يده خاتم من درّةٍ بيضاء يكاد نورها يذهب بالأبصار .

فقال الحسن عليه السلام : «يا أبتاه إنّ سليمان بن داود عليه السلام يطاع بخاتمه وأمير المؤمنين بماذا يطاع» ؟ فقال له عليه السلام : «يا ولدي أنا عين اللّه ولسانه وأنا وليّ اللّه وأنا نور اللّه وأنا كنز اللّه في الأرض القدرة المقدرة، وأنا الجنّة والنار وأنا سيّد الفريقين يا ولدي، فتحبّ أن أُريك خاتم سليمان بن داود» ؟ قال : «نعم يا أباه» فأدخل يده إلى تحت ثيابه واستخرج خاتماً عليه فصّ من ياقوتة حمراء تتلألأ، مكتوبٌ عليه أربعة أسطر وقال : «واللّه هذا خاتم سليمان بن داود عليه السلام » .

فقال سلمان الفارسي رحمه الله : فبقينا متعجّبين من ذلك، فقال لنا : من أيّ شيء تعجبون وما هذا العجب، واللّه لأُريكم اليوم ما لم يره أحد قبلكم ولا بعدكم ، فقال له الحسن عليه السلام : «يا أباه إنّا نحبّ أن ترينا يأجوج وماجوج والسدّ، فقال عليه السلام للريح : «سيري» .

قال سلمان الفارسي : فواللّه لمّا سمعت الريح قوله دخلت تحت السحابة ورفعتنا حتّى انتهينا إلى جبلٍ شامخ في الهواء وعليه شجرة جافّة وقد تساقط ورقها، فقلت لها : ما بال هذه الشجرة قد جفّت وماتت ؟ فقال لنا : اسألوها فإنّها تجيبكم ، فقال لها الحسن عليه السلام : «ما بالكِ أيّتها الشجرة، قد حلّ بك ما نراه فيك ؟» فما أجابت، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : «بحقّي عليك أيّتها الشجرة إلاّ ما أجبتيهم» .

قال سلمان الفارسي رحمه الله : فواللّه العظيم لقد سمعناها تقول : لبّيك لبّيك يا وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخليفته حقّاً حقّاً ، فقالت للحسن عليه السلام : يا أبا محمّد، إنّ أباك أمير المؤمنين عليه السلام كان يجئني في كلّ ليلة، يسبّح اللّه تعالى عندي ويستظلّ بي، فإذا فرغ من تسبيحه جاءت سحابة بيضاء تفوح مسكاً وعنبراً عليها كرسيّ فيجلس عليها، ثمّ

ص: 178

تسير به فما بقي يتعاهد إليَّ كنت أعيش من رائحته، فانقطع عنّي منذ أربعين يوماً ولا أعرف له خبراً، والذي تراه فيَّ من كثرة الهمّ والغمّ والحزن عليه بانقطاعه، فاسأله يا سيّدي بحقّك عليه أن يتعاهدني بجلوسه عندي، فقد واللّه عشت برائحته في هذا الوقت لمّا نظرت إليه .

قال سلمان الفارسي رحمه الله : فبقينا متعجّبين من ذلك فقام عليه السلام ومسح بيده الشريفة عليها . قال سلمان : والذي نفسي بيده لقد سمعت لها أنيناً وحنيناً، وأنا أراها وهي تخضرّ حتّى اكتسيت ورقاً، وأثمرت بقدرة اللّه تعالى وببركات أمير المؤمنين عليه السلام فأكلنا من ثمرها، فكانت كالسكّر وأحلى منه، وأحسن رائحة من المسك الأذفر ، فقلنا : يا أبا الحسن هذا شيء عجيب ، فقال لنا : والذي ترونه بعد أعجب.

ثمّ قال للريح: سيري بنا فدخلت الريح تحت السحابة، فرفعتنا حتّى بقينا نرى الدّنيا مثل القوس، ورأينا ملكاً في الهواء رأسه تحت الشمس ورجلاه في قعر البحر ويده اليمنى في المشرق والاُخرى في المغرب، فلمّا مررنا به قال : لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك يا عليّ بن أبي طالب وصيّه حقّاً لا شكّ فيك، ومن شكّ فيك وعاداك فقد كفر ، فقلنا له : يا أمير المؤمنين من هذا الملك وما بال يده اليمنى في المشرق والاُخرى في المغرب ؟ فقال لنا : «أنا أقمته بإذن اللّه تعالى في هذا المكان، ووكّلته في ظلمات الليل وضوء الليل، ولا يزال كذلك إلى يوم القيامة وأنا أُدبّر الدُّنيا وأصنع فيها ما اُريد بإذن اللّه تعالى، وأعمال الخلائق كلّها ترجع إليَّ وأنا أرفعها إلى اللّه سبحانه وتعالى».

ثمّ سار بنا حتّى أوقفنا على يأجوج ومأجوج فقال للريح : «اهبطي بنا تحت هذا الجبل» وأشار إلى جبل شامخ إلى قرب السدّ وارتفاعه مدّ البصر، وإذا به أسود كأنّه قطع الليل المظلم، يفوح منه دخان أسود، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام : «يا أبا محمّد أنا صاحب هذا السدّ على هؤلاء العبيد» يعني يأجوج ومأجوج .

قال سلمان الفارسي رضى الله عنه : رأيتهم أي يأجوج ومأجوج على ثلاثة أصناف: صنف

ص: 179

طوله مائة ذراع وعشرون وعرضه ستّون ذراعاً، والصنف الثاني طوله مائة وسبعون ذراعاً وعرضه كذلك، والصنف الثالث رأيته أحدهم يفترش إذنه والاُخرى يتغطّى بها. ثمّ قال للريح: سيري بنا إلى جبل قاف، فسارت إلى جبل قاف وهو ياقوتة حمراء وهو محيط بالدُّنيا، وعليه ملك في صورة ابن آدم وهو موكّل في جبل قاف، فلمّا نظر الملك إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام : «تريد أن تسألني قبل أن آذن لك فأسرع وقال : بسم اللّه الرحمن الرحيم» ثمّ طار الملك .

قال سلمان : فقطعنا ذلك الجبل حتّى انتهينا إلى شجرة يابسة أيبس من الأُولى، فقلنا : يا أمير المؤمنين ما بال هذه الشجرة يابسة ؟ فقال عليه السلام : «اسألوها ما بالها» ، فقام ولده الحسن عليه السلام وقال لها : «أقسمت عليك أيّتها الشجرة بحقّ أمير المؤمنين عليه السلام إلاّ ما أخبرتينا مالكِ يابسة» فكلّمته بلسانٍ ذلق : يا أبا محمّد إنّي كنت أفتخر على الأشجار فصارت الأشجار تفتخر عليَّ ، فقال لها الحسن عليه السلام : «لأيِّ شيء ؟» فقالت الشجرة : من انقطاع أبيك عنّي، لأنّه كان يأتي في كلّ ليلة لمّا يمضي ثلث الليل الأوّل ويستظلّ بي ساعة، ثمّ يأتي فرس أدهم فيركبه ويمضي فلا أراه إلاّ وقت ميعاده من الليلة الاُخرى، وكنت أشمّ رائحته وأعيش منها وقد انقطع عنّي أربعين ليلة، فصار عليَّ من انقطاعه ما تراه من سوء الحال ، فقلنا له يا أمير المؤمنين عليه السلام نسألك أن تسأل اللّه أن يردّها كما كانت أوّلاً، فمسح يده الشريفة عليها ثمّ قال : ياشاه شاهان، فسمعناها في الحال تأنّ وهي تقول : أشهد أنّك يا أمير المؤمنين وأمير هذه الاُمّة ووصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،من تمسّك بك نجى ومن تخلّف عنك هوى .

قال سلمان رحمه الله : ثمّ اخضرّت أورقت فجلسنا تحتها وهي خضراء وقلنا : يا أمير المؤمنين أين ذهب ذلك الملك الموكّل بجبل قاف ؟ فقال عليه السلام : «مضى لزيارة الملك الموكّل على ظلمات الليل وضوء النهار »، فقلنا : يا أمير المؤمنين قد ما يزالون عن مواضعهم إلاّ بإذنك ؟ فقال : «لا والذي رفع السماء بغير عمد ما أظنّ أحداً يزول عن موضعه بغير إذني إلاّ واحترق» ، فقلنا : يا أمير المؤمنين أليس كنت معنا جالس في

ص: 180

منزلك ؟ قال : «نعم» ، فقلنا له : في أيّ وقت كنت في جبل قاف وفي هذه الأماكن ؟ فقال لنا : «غمّضوا أعينكم فغمّضناها» فقال لنا : «افتحوا أعينكم» ففتحناها فإذا نحن بمكّة، فقلنا له : لقد بلغنا مكّة ولم يشعر أحدٌ فقلنا له : يا أمير المؤمنين هذا هو العجب العجيب منك، يا وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله والخليفة من بعده ، فقلنا : واللّه إنّي ملك من الملكوت ملكاً لو علمتموه لقلتم: أنت أنت وأنا عبد من عباد اللّه آكل وأشرب.

ثمّ أتينا إلى روضة خضراء كأنّها من رياض الجنّة، وإذا نحن بشابّ بين قبرين يصلّي، فقلنا له : يا أبا الحسن من هذا الشاب ؟ فقال لنا : «هذا أخي صالح نبيّ اللّه وهذان القبران أبواه وهو يعبد اللّه بينهما» فلمّا نظر إلينا نبيّ اللّه صالح أتى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يبكي ، فلمّا فرغ من بكائه قلنا له : ممّا بكاؤك يا صالح ؟ فقال لنا : من شوقي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّه يمرّ بي كلّ ليلة عند الصبح وكنت آنس به وأزداد في العبادة لربّي وقد انقطع عنّي منذ أربعين يوماً فأهمّني ذلك ولم أملك كتمان أدمعي من شوقي إليه فأصابني ما ترونه ، فقلنا : يا أمير المؤمنين هذا هو العجب العجيب كلّ من رأيناه يقول لنا هذا الكلام وأنت معنا ومصاحبنا وفي كلّ يوم تأتي هذا الشابّ .

فقال عليه السلام : «أتحبّون أن أُريكم سليمان بن داود عليه السلام ؟» فقلنا له : نعم يا أمير المؤمنين ، فقام عليه السلام وقمنا معه فمشينا إلى بستان لم نر مثله قطّ وفيه من جميع الفواكه والأنهار تجري والأطيار تغرّد، فلمّا نظرت الأطيار إلى أمير المؤمنين عليه السلام جعلت تطلّل على رأسه وتسلّم عليه بلسان لا نفهمه، فلمّا توسّطنا البستان وإذا نحن بشابّ ملقى على ظهره وليس في يده خاتم وعند رأسه ثعبانان عظيمان ، فلمّا نظرا إليه عليه السلام انكبّا على قدميه يمرّغان وجههما بأقدامه ، فقلنا : يا أبا الحسن هذا هو سليمان بن داود عليه السلام ؟ فقال لنا : «نعم وهذا خاتمه عندي» ، ثمّ أخرج من يده الخاتم ثمّ جعله في يد سليمان بن داود عليه السلام وقال : «قم يا سليمان بن داود بإذن من يحيي العظام وهي رميم، وهو اللّه الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم، الجبّار ربّ السماوات والأرضين، وهو ربّي وربّ آبائي الأوّلين والآخرين» .

ص: 181

قال سلمان الفارسي رحمه الله : فقعد سليمان بن داود جالساً وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً صلى الله عليه و آله عبده ورسوله، وأشهد أنّك أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين الهادي الأمين، وإنّي سألت ربّي عزّوجلّ أن يجعلني من شيعتك، ولولا ذلك ما ملكت ملكاً عظيماً .

قال سلمان الفارسي رحمه الله : لمّا سمعنا ذلك من سليمان بن داود قمت أنا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقبّلت أقدامه ثمّ أخذ أمير المؤمنين عليه السلام الخاتم من يده وقال له : «نام إلى حيث يأتيك أمر اللّه سبحانه» ، ثمّ قام وقمنا معه فدرنا في جبل قاف معه، فسألناه ما وراء جبل قاف؟ فقال لنا : «وراءه أربعين دنيا كلّ دنيا مثل دنياكم هذه أربعين مرّة» ، فقلنا له : يا أبا الحسن وكيف علمك بذلك ؟ فقال : «مثل علمي بدنياكم هذه وما فيها من السماوات والأرضين ، يا سلمان أسماؤنا كتبت على الليل فاعلم فأظلم وعلى النهار فأضاء ، يا سلمان أنا المحنة الواقعة على الأعداء وأنا الطامّة الكبرى ، يا سلمان أسماؤنا كتبت على العرش فاشتدّ، وعلى السماوات فقامت، وعلى الأرضين فسكنت، وعلى الرياح فذرت، وعلى البرق فلمع، وعلى الرعد فخشع، وعلى النور فسطع ، يا سلمان أسماؤنا مكتوبة على جبهة إسرافيل الذي أحد جناحيه في المشرق والآخر في المغرب وهو يقول : سبّوح قدّوس ربّنا وربّ الملائكة والروح» ، فقال لنا : «غمّضوا أعينكم» ، فغمّضناها، ثمّ قال لنا : افتحوها ففتحناها، فإذا نحن بمدينة لم نر أكبر منها، وإذا الأسواق عامرة ولم نرَ أطول من أهلها خلقاً كلّ واحد أطول من النخلة السحوق، فقلنا له : مَن هؤلاء القوم يا أمير المؤمنين ، فما رأينا أعظم، منهم خلقاً ؟ فقال لنا : «هؤلاء قوم عاد وهم كفّارٌ لا يؤمنون بيوم المعاد ولا بمحمّد صلى الله عليه و آله ، فأحببت أن أُريكم إيّاهم في هذا الموضع وقد مضيت بقدرة اللّه تعالى واقتلعت مداينهم وهي مدائن الشرق، وقد أتيتكم بها وأنتم لا تشعرون وجئت بافاتهم بين أيديكم» ثمّ دنى عليه السلام منهم ودعاهم إلى الإيمان، فأبوا فحمل عليهم وحملوا عليه، ونحن نراهم ولا يروننا فتباعدنا عنهم فدنى منّا عليّ عليه السلام ومسح يده المباركة على صدورنا وأبداننا

ص: 182

وقال لنا : «اثبتوا على الإيمان ولا تتحرّكوا من أماكنكم» ثمّ مضى إليهم ودعاهم إلى الإيمان ثانياً ونحن نراهم وهم لا يروننا فأبوا عن الإيمان، ثمّ زعق بهم زعقةً واحدة .

قال سلمان الفارسي رحمه الله : والذي نفسي بيده لقد ظننتُ أنّ الأرض قد تقلقلت والجبال قد تدكدكت، ورأيتهم صرعى كأنّهم أعجاز نخلٍ خاوية ، ثمّ التفت إلينا وقال لنا : «لا أضعف اللّه إيمانكم يا إخوان» ، ثمّ قال لنا : «أتحبّون أن أُريكم ما هو أعجب من هذا ؟» فقلنا له : يا أمير المؤمنين ما لنا قوّة وطاقة أكثر من هذا، الحمد للّه الذي هدانا لهذا لولا أن هدانا اللّه، فعلى من لا يؤمن بك لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين .

ثمّ صاح عليه السلام بالسحابة فإذا هي قد أقبلت فقال لنا : «اجلسوا على السحابة» فجلسنا عليها وجلس هو على السحابة الاُخرى، ثمّ تكلّم بكلام لا نفهمه فما استتمّ كلامه حتّى طارت بنا في الهواء حتّى رأينا الدُّنيا كالدينار، ثمّ أشار إليها بما لا نفهمه فما استتمّ كلامه حتّى نزلت في منزل أمير المؤمنين عليه السلام في أقلّ من طرفة عين، وإذا نحن بالمؤذِّن يؤذّن وقت الظهر ، وكنّا مضينا عند طلوع الشمس فقلنا : هذا هو العجب العجيب يا أبا الحسن وصل إلى جبل قاف وقطعنا الدُّنيا بخمس ساعات من النهار ! فقال عليه السلام لنا : لو أردت أن أطوف بكم الدُّنيا والسبع السماوات والأرضين السبع في ساعة واحدة لفعلت، كلّ ذلك بقدرة اللّه تعالى وببركة رسول اللّه صلى الله عليه و آله محمّد بن عبداللّه، وأنا وصيّه وخليفته وقاضي دينه من بعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

قال سلمان الفارسي رضى الله عنه : جعلنا ممّن لا يفارقك ساعة واحدة لا في الدُّنيا ولا في الآخرة يا أمير المؤمنين عليه السلام بحقّ محمّد وآله الطيّبين الطاهرين(1) .

ولقد يحقّ لي أن أقول ما قال الشيخ علي الشافهيني :

مولى به قَبِلَ المهينُ2 ادماً لمّا دعا به توسّل أولاّ


1- «بحار الأنوار» ج27، ص33_ 40؛ قال المجلسي في آخر الخبر : هذا خبر غريب، لم نره في الاُصول التي عندنا، ولا نردّها ونردّ علمها إليهم عليهم السلام .

ص: 183

وبه استقرّ الفلك في طوفانه لمّا دعا نوح به وتوسّلا

وبه خبت نار الخليل وأصبحت برداً وقد أذكت حريقاً مشعلا

وبه دعا يعقوب حين أصابه من فقد يوسف ما شجاه وأذهلا(1)

وبه دعا الصدّيق يوسف إذ هوى في هوّة(2) وأقام أسفل أسفلا

وبه أماط اللّه ضرّ نبيّه أيّوب وهو المستكين المبتلا

وبه دعا موسى فأوضحت العصى طرقاً ولجّة بحرها طام ملا

وبه دعا عيسى فأحيا ميّتاً في الغابرين وشقّ عنه الجندلا

وبه دعى داود حين غشاهم جالوت مقتحماً يقود الجحفلا

ألقاه دامغة فغادر شأوه(3) ملقىً وولّى جمعه متجفّلا

وبه دعا لمّا عليه تساور(4) الخصمان محراب الصلاة وادخلا

فقضى على إحداهما بالظلم في حكم النعاج فكان حكماً فيصلا

فتجاوز الرحمن عنه تكرّماً وبه ألان له الحديد وسهّلا

وبه سليمان دعى فتسخّرت ريح الرخاء لأمره(5) ولها علا

وله استقرّ الملك حين دعا به عمر الحياة فعاش فيه مخوّلا

وبه توسّل آصف لمّا دعا بسرير بلقيس فجاء معجّلا

العالم العلم الرضيّ المرتضى نور الهدى سيف العلى أخو العلا(6)

من عنده علم الكتاب وحكمه وله تاؤسّ متقناً ومحصّلا(7)


1- في المصدر : المهيمن.
2- في المصدر : أثقلا.
3- في المصدر : جبّه.
4- في المصدر : فأردى شلوه.
5- في المصدر : تسورا.
6- في المصدر : لأجله.
7- في المصدر : أخ العلا.

ص: 184

وإذا علت شرفاً ومجداً هاشم كان الوصيّ بها المعمّ المخولا

لا جدّه تيم بن مرّة لا ولا أبواه من سيل(1) النفيل تنقّلا

ومكسّر الأصنام لم يسجد لها متعفّراً فوق الثرى متذلّلا

لكن له سجدت مخافة بأسه لمّا علا كتف النبيّ عُلاً علا

تلك الفضيلة لم يفز شرفاً بها إلاّ الخليل أبوه في عصرٍ خلا

إذ كسّر الأصنام حين خلا بها سرّاً وولّى خائفاً مستعجلا

فتميّز الفعلين بينهما وقس تجد الوصيّ بها الشجاع الأفضلا

فانظر ترى أزكى البريّة مولداً والفعل متّبع(2)أباه الأوّلا

وهو القؤل وقوله الصدق الذي لا ريب فيه لمن دعى(3)وتأمّلا

واللّه لو أنّ الوسادة أثنيت(4) لي في الذي حصر العليّ وعلّلا(5)

لحكمت في قوم الكليم بمقتضى توارتهم حكماً بليغاً فيصلا

وحكمت في قوم المسيح بمقتضى إنجيلهم وأقمت منه الأميلا

وحكمت بين المسلمين بمقتضى فرقانهم حكماً يحلّ المشكلا(6)

وأنبت محكمها ومبهمها وما منها تشابه مجملاً ومفصّلا

حتّى تقرّ الكتب ناطقة لقد صدق الأمين «عليّ» فيما عللا

واستخبروني عن قرون قد خلت من قبل آدم في زمان قد خلا

فلقد أحطت بعلمها الماضي وما منها تأخّر آتياً مستقبلا

وانظر إلى نهج البلاغة هل ترى لاُولي الفصاحة منه أبلغ مقولا


1- في المصدر : نسل.
2- في المصدر : في الفعل متّبعا.
3- في المصدر : وعى.
4- في المصدر : ثنّيت.
5- في المصدر : حظر العلي وحلّلا.
6- في المصدر : بليغاً فيصلاً.

ص: 185

حِكَمٌ تأخّرت الأواخر دونها خرساً وأفحمت البليغ المقولا

خسأت ذوو الآراء عنه فلا ترى من فوقه إلاّ الكتاب المنزلا

وله القضايا والحكومات التي وضحت لديه فحلّ منها المشكلا

وبيوم بعث الطائر المشويّ إذ وافى النبيّ فكان أطيب مأكلا

إذ قال أحمد: «آتني بأحبّ من تهوى ومن أهواه ياربّ العُلا»

هذا روى أنس بن مالك لم يكن ما قد رواه مصحّفاً ومسدّلا(1)

وشهادة الخصم الألد فضيلة للخصم فاتّبع الطريق الأسهلا

وكسدّ أبواب الصحابة غيره لمميّز عرف الهدى متوصّلا

إذ قال قائلهم نبيّكم غوى في زوج ابنته ويعذر إن غلا

فاللّه(2) ما أوحى إليه وإنّما شرفاً حباه على الأنام وفضّلا

حتّى هوا النجم المبين مكذّباً من كان في حقّ النبيّ تقوّلا

أبِدارِه حتّى الصباح أقام؟ أم في دار حيدرة هوى وتنزّلا؟

هذي المناقب ما أحاط بمثلها أحدٌ سواه مفضّلاً(3) فترتضيه مفضّلا

يا علّة الأشياء والسرّ الذي معنى دقيق صفاته لن يعقلا

إلاّ لمن كشف الغطاء له ومن شقّ الحجاب مجرّداً وتوصّلا

يكفيك فخراً أنّ دين محمّد لولا كمالك نقصه لن يكملا

وفرائض الصلوات لولا أنّها قرنت بذكرك فرضها لن يقبلا

يا من إذا عدّت مناقب غيره رجحت مناقبه وكان الأفضلا

إنّي لأعذر حاسدين على الذي أولاك ربّك ذو الجلال وفضّلا

أن يحسدوك على علاك فإنّما بتسافل4 الدرجات يحسد من علا


1- في المصدر : مبدّلا.
2- في المصدر : تاللّه.
3- في المصدر _ : مفضلاً.

ص: 186

إحياؤك الموتى ونطقك مخبراً بالغائبات عذرت لمن غلا

وبردّك الشمس المنيرة بعدما أفُلت وقد شهدت برجعتها الملا

ونفوذ أمرك في الغزاة وقد طمى(1) مدّاً فأصبح ماؤه مستسفلا

وبليلة نحو المدائن قاصداً فيها لسلمان بعثت مغسّلا

وقضيّة الثعبان حين أتاك في إيضاح كشف قضيّة لن تعقلا

فحللت مشكلها فآب لعلمه فرحاً وقد فصّلت(2)المجملا

والليث يوم أتاك حين دعوت في عسر المخاض لعرسه فتسهّلا

وعلوت من فوق البساط مخاطباً أهل الرقيم فكلّموك(3) معجّلا(4)

وروى محمّد بن علي الصيرفي عن جابر بن يزيد الجعفي(5) عن الإمام الباقر عليه السلام : «إنّه قال أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام : يا أمير المؤمنين لو أريتنا ما نطمئنّ إليه من آياتك ومعجزاتك ، فقال عليه السلام : «ياقوم لو رأيتم عجيبة من عجائبي لكفرتم وقلتم ساحر وكاهن» ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ما منّا أحد إلاّ وهو مقرّ بآياتك ومعجزاتك ، فقال عليه السلام : «علم العالم شديد لا يحتمله إلاّ مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان وأيّده بروحٍ منه» ، قالوا : يا أمير المؤمنين بحقّ أخيك رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ أكرمتنا بشيء من قدرتك ، قال عليه السلام : «فاتبعوني إذا أنا صلّيت العشاء الأخيرة»، فأخذ طريقه إلى ظهر الكوفة فأتبعه مائة رجل من شيعته ومحبّيه ومواليه.

فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّي لست أُريكم الآن شيئاً إلاّ أن آخذ عليكم عهد


1- في المصدر : متسافل.
2- في المصدر : في فرات وقد طما.
3- في المصدر + : فيها.
4- في المصدر : فخاطبوك.
5- «الغدير» ج6، ص385 388.

ص: 187

اللّه عزّوجلّ وميثاقه ألّا تكفروا أبداً» ، قالوا : سمعاً وطاعة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخذ عليهم عهد اللّه وميثاقه وعهد رسوله صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال لهم : «حوّلوا وجوهكم» فحوّلوا وجوههم فإذا هم أنّهم في القيامة وأراهم الجنّة والنار والحساب والميزان وجسر جهنّم حتّى أنّهم ما شكّوا أنّهم في القيامة وأنّهم قد بعثوا وحُوسبوا فقالوا : ياأمير المؤمنين عليه السلام ما هذا ؟ قال عليه السلام : «أنتم هكذا في القيامة غداً»، قال: أحسنهم قولاً إنّ هذا لسحرٌ عظيم ورجعوا كفّاراً إلاّ رجلين، فلمّا صار مع الرجلين قال عليه السلام : «قد سمعتم مقالة أصحابكم وأخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم وهم كفّار يكفرون باللّه ورسوله، وايم اللّه إنّها لحجّتي عليهم غداً عند اللّه تعالى، واللّه يعلم ما أنا بساحر ولا كاهن» وهكذا كان أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله يقولون له: ساحرٌ كذّاب وكاهن، واللّه من أنكر قدري فقد أنكر قدر اللّه تعالى، ثمّ قال لهما : «وأنتما ترجعان معي وفي قلبيكما مرض وشكّ وسيرجع أحدكما كافراً» فقال : يا أمير المؤمنين نحن نرجو أن لانكفر بعد الإيمان .

فقال عليه السلام : «هيهات المؤمن قليل» كما قال اللّه تعالى : وقليل ما هم «وَقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ»(1) ، قال : فلمّا صار إلى مسجد الكوفة دعى بدعوة وهما يستمعان منه دعاه فإذا حصا المسجد درّ وياقوت ومرجان ، قال عليه السلام : «هو واللّه درّ وياقوت ومرجان ولا شبهة ولا شكّ ولو أقسمت على اللّه عزّوجلّ فيما هو أعظم من هذا لأبرّ قسمي» ، قال : فرجع أحدهما كافر والآخر مؤمن فأراد أن يأخذ من الدرّ والياقوت والمرجان شيئاً .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إن أخذت منه ندمت وإن تركت منه شيئاً ندمت» فلم يدع حرصه حتّى أخذ منها درّة واحدة وشدّها في كمّه حتّى أصبح ونظر فإذا هي واللّه درّة بيضاء مكنونة لم ينظر الناس إلى مثلها قطّ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي قد أخذت


1- سبأ 34: 13.

ص: 188

من ذلك الدرّ واحدة وهي معي ، قال عليه السلام : «وما دعاك إلى ذلك ؟» قال : أحببت أم أعلم أحقٌّ هو أم باطل ، فقال عليه السلام : «إن رددتها في موضعها الذي أخذتها منه عوّضك اللّه منها الجنّة، وإذا أنت لم تردّها كان عوضك منها النار» ، قال : فقام الرجل وردّها إلى موضعها الذي أخذها منه فحوّلت حصاة كما كانت فأتى أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره فقال له : «قد أحسنت» ، قال عليه السلام : «المؤمن ميثم والكافر غمر بالحقّ»(1) .

وفي «البحار»: عن ابن نباتة أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يوماً جالساً في نجف الكوفة، فقال لمن حوله : من يرى ما أرى ؟ قالوا : وما ترى يا عين اللّه الناظرة في عباده ؟ فقال عليه السلام : «أرى بعيراً يحمل جنازة ورجلاً يسوقه ورجلاً يقوده وسيأتيكم بعد ثلاث» ، فلمّا كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه ورجلان معه فسلّما على الجماعة .

فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن حيّاهم : «مَن أنتم ومن أين أقبلتم؟ ومَن هذه الجنازة ولماذا قدمتم ؟» فقالوا : نحن من اليمن ، وأمّا الميّت فأبونا وإنّه عند الموت أوصانا(2) قال : إذا غسّلتموني وكفّنتموني وصلّيم عَليَّ، فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق وادفنوني هناك بنجف الكوفة ، فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام : «هل سألتماه لماذا ؟» فقالا : أجل قد سألناه، فقال : يدفن هناك رجل لو شفع في(3) يوم القيامة لأهل الموقف لشُفّع ، فقام(4) عليه السلام وقال : «صدق، أنا واللّه ذلك الرجل»(5) .

لمحمّد كاظم الأُزري :

أيّها الراكب المجدّ رويداً بقلوب(6)تقلّبت من7 جواها


1- «بحار الأنوار» ج41، ص259 و 260، مع اختلاف غير يسير.
2- في المصدر : أوصى إلينا.
3- في المصدر _ : في.
4- في المصدر + : أمير المؤمنين.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص357 و 358، ح65.
6- في المصدر : بقلبو.

ص: 189

إن تراءت أرض الغريّين فاصنع(1) واخلع النعل دون وادي طواها

وإذا شمت(2) فيه العالم الأ على وأنوار ربّه(3) تغشاها

فتواضع فثمّ دارة قدسٍ تتمنّى الأفلاك لثم ثراها

قل له والدموع سفح عقيق والحشى تصطلي بنار غضاها(4)

يا غياث الصريخ دعوة عافٍ ليس إلاّك سامع إيّاها

كيف تخشى العصاة بلوى المعاصي وبك اللّه منقذ مبتلاها

يا أخا المصطفى لديّ ذنوب هي عين القذى وأنت جلاها(5)

وعن عمّار بن ياسر أنّه قال : كنّا جلوساً عند عمر بن الخطّاب وإلى جانبه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وإذا برجل على عاتقه صبيّ، فقال عمر لعليّ عليه السلام : ما أشبه هذا الولد بأبيه ، فنظر إليه علي عليه السلام ثلاث مرّات ، وقال : «أتعجب يابن الخطّاب من هذا فوحقّ القبر الذي ضمّ أعضاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لقد ولدته اُمّه وهي ميّتة في القبر، إلى أن نشأ إلى هذه الغاية» فقال عمر : أتعلم الغيب يابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال عليه السلام : «لا ، ولكن بهذا أخبرني حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، فقال عمر : عَليَّ بهذا الرجل وما يقوله في هذا الصبيّ ، فلمّا أحضروه قال له عمر : أيّها الرجل ما تقول فيما يقوله عليّ عليه السلام ؟ فقال : وما يقول ؟ فقال : يزعم أنّ ولدك هذا الذي على عاقتك ولدته اُمّه وهي ميّتة في القبر ونشأ إلى هذه الغاية ، فقال : اللّه أكبر صدق عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، والذي بعث محمّداً نبيّاً ورسولاً لقد كان كذلك ، فقال عمر : أخبرني بقصّته وكيف ولدته اُمّه وهي ميّتة في القبر وكيف تهيّأ لك إخراجه من القبر ، فقال : اعلم إنّي خرجت في بعض غزوات


1- في المصدر : في.
2- في المصدر : فاخضع.
3- في المصدر : وإذا شمت قبة العالم.
4- في المصدر : ربّها.
5- «الاُزرية» ص84 و 85 .

ص: 190

رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتركت اُمّ الصبي حاملة به، فأدركني عليّ عليه السلام وقال لي : «ادعو اللّه تعالى بدعاء الآباء للأولاد» فوضعت يدي على بطن اُمّه، فقلت : أستودع اللّه ما في بطنك العدل الحكيم الذي لا يحور في قضائه ولا يعجل في حكمه، ثمّ حضرني شيء من المتاع فتصدّقت به، ثمّ خرجت في سفري وقبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتوفّى أبو بكر واستخلفت أنت يا عمر فأقبلت أُريد منزلي وإذا بباب داري مغلوق مختوم، فسرت إلى جيراني فسألت عن زوجتي فقالوا لي : عظّم اللّه أجرك فيها إنّها توفّقت ومضت إلى رحمة اللّه ، فقلت : ما شأن الحمل الذي في بطنها ؟ فقالوا : اضطرب ساعة ومات ، فقلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون وحمدت اللّه على ما أصابني، فصعدت إلى سطح داري بعد العشاء الآخرة فأشرفت على البقيع وعلى قبور الشهداء، فرأيت قبراً يخرج منه نار فهالني ذلك، فقلت لجيراني : أما تنظرون إلى هذا القبر كيف تخرج منه النار ؟ فقالوا : هذا قبر زوجتك وأنّها في يوم ماتت إلى هذا اليوم تخرج النار من قبرها، ولم نعلم ما بينها وبين ربّها ونحن استحينا أن نخبرك، فلمّا قالوا ذلك لم أمهل ساعة فأخذت سيفي وما يصلح لي من آلة السفر ومضيت إلى القبر، وإذا بالقبر مفتوح والنار تخرج منه إلى عنان السماء، فهالني ذلك فولّيت راجعاً فهتف بي هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه يقول لي : ارجع وانظر إلى قدرة ربّ العالمين وديّان يوم الدِّين ما هذه نار بل هو نور ، فرجعت حتّى أشرفت على القبر وإذا بزوجتي جالسة في جوف القبر والكفن مشقوق إلى ثدييها والطفل يلعب على بطنها، فهالني ذلك فرجعت هارباً، فهتف بي الهاتف وقال : ارجع يا ضعيف اليقين وخذ ما استودعتنا فواللّه لو استودعتنا اُمّه لوجدتها حيّة، فرجعت وأخذت ولدي وانطمّ القبر ولم أرَ ناراً (1)... الحديث .

وفي «البحار»: عن إبراهيم بن مهران أنّه قال : كان بالكوفة رجل يكنّى بأبي


1- مع فحص كثير لم نجد مصدره.

ص: 191

جعفر، وكان حسن المعاملة مع اللّه تعالى، ومن أتاه من العلويّين يطلب منه شيئاً أعطاه ويقول لغلامه : يا هذا اكتب: هذا على عليّ(1) بن أبي طالب عليه السلام وبقي على ذلك زماناً، ثمّ قعد به الوقت وافتقر، فنظر يوماً في حسابه فجعل كلّ ما هو عليه اسم حيّ من غرمائه بعث إليه يطالبه، ومن مات ضرب على اسمه، فبينما هو جالس على باب داره إذ مرّ به رجل فقال : ما فعل بمالك عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً ودخل منزله ، فلمّا جنّه الليل رأى النبيّ صلى الله عليه و آله وكان الحسن والحسين عليهماالسلام يمشيان أمامه، فقال لهما النبيّ صلى الله عليه و آله : «ما فعل أبوكما؟» فأجابه عليّ عليه السلام من ورائه: «ها أنا يارسول اللّه صلى الله عليه و آله » فقال له : «لِمَ لا تدفع إلى هذا الرجل حقّه ؟» فقال عليّ عليه السلام : «يارسول اللّه هذا حقّه قد جئت به» ، فقال(2)النبيّ صلى الله عليه و آله : «ادفعه إليه» فأعطاه كيساً من صوف أبيض ، فقال : «إنّ هذا حقّك فخذه ولا تمنع(3) من جاءك من ولدي يطلب شيئاً، فإنّه لا فقر عليك بعد هذا» .

قال الرجل : فانتبهت والكيس في يدي وناديت زوجتي وقلت(4) : هاك فناولتها الكيس، فإذا فيه ألف دينار ، فقالت لي : ياذالرجل اتّق اللّه تعالى ولا يهمّك(5) الفقر على أخذ ما لا تستحقّه وإن كنت خدعت بعض التجّار على ماله فاردده إليه، فحدّثتها بالحديث ، فقالت : إن كنت صادقاً فأرني حساب علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأحضر الدستور وفتحه فلم يجد فيه من(6) الكتابة بقدرة اللّه تعالى(7) .

وفيه(8)من المسموعات بواسط في سنة «652ه_» اثنين وخمسين وستّمائة عن


1- في المصدر : هذا ما أخذ عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
2- في المصدر + : له.
3- في المصدر : فلا تمنع.
4- في المصدر + : لها.
5- في المصدر : لا يحملك.
6- في المصدر + : شيئاً.
7- «بحار الأنوار» ج42، ص7 و 8 ، ح8 .
8- أي «بحار الأنوار».

ص: 192

الحسن بن أبي بكر أنّ ابن سلامة القزّاز حيث ذهبت عينه اليمنى وكان عليه دَين لشخص يعرف بابن حنظلة الفزاري، فألحّ عليه بالمطالبة وهو معسر، فشكى حاله إلى اللّه واستجار بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا كان في بعض الليالي رأى في منامه عزّ الدِّين أبي المعالي بن طبيبي رحمه الله ومعه رجل آخر، فدنى منه وسلّم عليه وسأله عن الرجل فقال له : هذا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، فدنى من الإمام فقال له : يا مولاي هذه عيني اليمنى قد ذهبت ، فقال عليه السلام (1) : «يردّها اللّه عليك» ومدّ يده الكريمة إليها، وقال : «يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة» فرجعت بإذن اللّه تعالى وقد شاهد ذلك كلّ من في واسط والرجل موجود بها(2) .

وفي كتاب «حبّ الولاية»: روي أنّه خرج عليّ عليه السلام ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجِّهاً إلى داره، وقد مضى شطر من الليل ومعه كميل بن زياد وكان من خيار شيعته، فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت وقرأ قوله تعالى : «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الاْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاْءَلْبَابِ»(3) بصوتٍ شجيّ حزين، فاستحسن كميل ذلك في باطنه وأعجبه حال الرجل، من غير أن يقول شيئاً، فالتفت إليه عليه السلام ، وقال: «ياكميل لا يعجبك طنطنة الرجل، إنّه من أهل النار وسأُنبّئك فيما بعد» ، فتحيّر كميل لمكاشفته له على ما في باطنه ولشهادته للرجل بالنار، فسكت كميل متعجِّباً ومضى معه إلى أن آل أمر الخوارج، فقاتلهم أمير المؤمنين عليه السلام وكانوا يحفظون القرآن كما أُنزل، فالتفت عليه السلام إلى كميل وهو واقف بين يديه والسيف في يده يقطر دماً ورؤوس أُولئك الكفرة الفجرة ملقاة عليه ، فوضع الإمام عليه السلام رأس السيف


1- في المصدر + : له.
2- «بحار الأنوار» ج42، ص8 ، ح9.
3- الزمر 39: 10 .

ص: 193

على رأس من تلك الرؤوس وقال : «يا كميل أمّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ القرآن في تلك الليلة فأعجبك حاله» ، فقبّل كميل أقدام الإمام واستغفر اللّه تعالى(1) .

وهذه أقلّ فضائله صلوات اللّه وسلامه عليه .

وفي «البحار» عن الصادق عليه السلام : «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام بلغه عن عمر بن الخطّاب أمر فأرسل إليه سلمان رحمه الله وقال : «قل له: قد بلغني عنك كيت وكيت وكرهت أن أعتب عليك في وجهك، فينبغي أن لا يقال فيَّ إلاّ الحقّ، فقد غصبت حقّي على القذى وصبرت حتّى يبلغ(2) الكتاب أجله» ، فنهض سلمان رضى الله عنه وبلغه ذلك وعاتبه وذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وذكر فضائل براهينه (3)، فقال عمر : عند الكثير مِن فضائل عليّ عليه السلام ولست بمنكرٍ فضله إلاّ أنّه يتنفّس الصعداء ويظهر البغضاء ، فقال له سلمان رضى الله عنه : حدّثني بشيء ممّا رأيته منه ؟

فقال عمر : يا أبا عبداللّه نعم، خلوت به ذات يوم في شيء من أمر الجيش فقطع حديثي، وقام من عندي وقال : مكانك حتّى أعود إليك، فقد عرضت لي حاجة، فما كان أسرع أن رجع عليَّ ثانية وعلى ثيابه وعمامته غبار كثير، فقلت له : ما شأنك ؟ فقال عليه السلام : أقبل نفر من الملائكة وفيهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يريدون مدينة بالمشرق مدينة(4) جيحون فخرجت لأُسلّم عليه وهذه الغبرة ركبتني من سرعة المشي .

قال(5)عمر : فضحكت متعجِّباً حتّى استلقيت على قفائي وقلت له : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وبلا(6) وتزعم أنّك لقيته الساعة وسلّمت عليه هذا من العجائب وممّا لا يكون ،


1- «بحار الأنوار» ج33، ص399، ح620، مع اختلاف يسير.
2- في المصدر : تبلغ.
3- في المصدر : فضائله وبراهينه.
4- في المصدر + : يريدون.
5- في المصدر : فقال.
6- في المصدر : النبيّ صلى الله عليه و آله قد مات وبلى.

ص: 194

فغضب عليّ عليه السلام ونظر إليَّ وقال : «تكذّبني يابن الخطّاب» ، فقلت : لا تغضب وعد إلى ما كنّا فيه، فإنّ هذا ممّا لا يكون أبداً ، قال : «فإن أنت رأيته حتّى لا تنكر منه شيئاً، استغفرت اللّه تعالى ممّا قلت وأضمرت وأحدثت توبة ممّا أنت عليه(1) وتركت حقّاً لي» ، فقال عمر : نعم(2) ، فقال عليه السلام : «قم» فقمت معه فخرجنا إلى طرف المدينة وقال لي : «غمّض عينيك» فغمّضتهما، فقال عليه السلام : «افتحهما» ففعلت ذلك، فإذا أنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه نفر من الملائكة، فلمّا أطلت النظر إليه قال لي : «هل رأيته» ؟ فقلت : نعم ، قال عليه السلام : «غمّض عينيك» فغمضتهما، ثمّ قال : «افتحهما» فإذا لا عين ولا أثر فقلت له : هل رأيت من عليّ عليه السلام غير ذلك ؟ قال : نعم إنّه استقبلني يوماً وأخذ بيدي ومضى بي إلى الجبّانة(3)، وكنّا نتحدّث في الطريق وكان بيده قوس، فلمّا صرنا في الجبّانة رمى بقوسه من يده فصار ثعباناً عظيماً مثل ثعبان موسى عليه السلام وفتح فاه وأقبل ليبتلعني ، فلمّا رأيت ذلك طار قلبي من الخوف وتنحّيت وضحكت في وجه عليّ عليه السلام وقلت : الأمان يا عليّ(4)، واذكر ما بيني وبينك من الجميل ، فلمّا سمع هذا القول فتر(5) ضاحكاً وقال عليه السلام : «لطفت في الكلام ونحن أهل بيت نشكر القليل» فضرب بيده إلى الثعبان وأخذه بيده فإذا هو قوسه الذي بيده .

ثمّ قال عمر : يا سلمان إنّي كتمت ذلك عن كلّ أحد وأخبرك به يا أبا عبداللّه، فإنّهم أهل بيت يتوارثون هذه الاُعجوبة كابر عن كابر(6)، ولقد كان إبراهيم عليه السلام يأتي بمثل ذلك وكان أبو طالب رحمه الله وعبداللّه يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية، وأنا لا أنكر فضل عليّ عليه السلام وسابقته ونجدته وكثرة علمه فارجع إليه واعتذر عنّي إليه، وأثنى عليه


1- في المصدر : فيه.
2- في المصدر : فقلت: نعم.
3- قال في «لسان العرب» ج13، ص85 ، مادّة جبن : الجبّانة بالتشديد : الصحراء.
4- في المصدر + : بن أبي طالب.
5- في المصدر : أفتر.
6- قال في «لسان العرب» ج5، ص130، مادّة كبر : الكابر: السيّد والجدّ الأكبر.

ص: 195

الجميل(1) .(2)

وفي «مفتاح حبّ الولاية»: حكي أنّه كان رجل صاحب ثروة ومال عظيم، فلمّا غدر به الزمان واحتاج إلى السؤال خرج ذات يوم يدور في بغداد على شيءٍ يأكل، فأتى إلى دار عالية البنيان وعليها آثار النعمة، فوقف على باب الدار وقال : يا أهل هذا المنزل، هل يحصل عندكم شيء في محبّة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قال : فخرجت إليه امرأة وقالت : يا سائل ما حضر اليوم عندنا شيء ولكن خذ هذا السوار على محبّة مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فعند ذلك أخذ السوار ذلك الرجل ومضى إلى حال سبيله ، فلمّا مضى أقبل زوجها وقال لها : يا ويلك مَن هذا الذي أعطيته السوار ؟ فقالت : رجل سائل طلب شيئاً في محبّة عليّ بن أبي طالب فأعطيته سواري، فأيّ شيء أعظم من محبّتهم يا رجل .

فلمّا سمع زوجها كلامها وكان مبغضاً لعليّ عليه السلام دخل إلى البيت وهو غضبان عليها وأخرج سيفه وضربها، فالتقت الضربة بيدها فبرأها عن زندها، فلمّا رأت الامرأة مقطوعاً صرخت ووقعت إلى الأرض مغشيةً عليها، فلمّا أفاقت من غشوتها، قال لها : اخرجي عن داري فأنتِ طالق ولا لك رجعة عندي ، فعند ذلك خرجت من بيته وهي تبكي على قطع يدها، فقالت : واللّه العظيم أنا ما أُقيم في بلد هذا اللعين عدوّ اللّه وعدوّ رسوله، فلمّا خرجت من البيت إلى جانب الفرات رأت سفينة تريد السفر ، فقالت لهم : إلى أين تريدون ؟ فقالوا لها : نريد البصرة ، فقالت لهم : أما تحملوني معكم لوجه اللّه تعالى، فعند ذلك حملوها معهم ومضوا ، فلمّا وصلوا إلى البصرة ودخلوها جاءت إلى الخان ودخلت فيه، فرأت في ذلك الخان عجوزاً فأقامت عندها أيّاماً ففي بعض الأيّام أتى إلى البصرة تاجر ودخل ذلك الخان وهو حسن الوجه الصورة ومعه


1- في المصدر : وأثن عنّي عليه بالجميل.
2- «بحار الأنوار» ج42، ص42 و 43، ح15؛ «الفضائل» ص62 و 63.

ص: 196

مال عظيم.

ففي بعض الأيّام أتى إلى تلك العجوز التي في الخان وقال لها : أُريد أن تخطبي لي امرأة تكون صالحة، فعند ذلك قالت له العجوز : أيّها الرجل إنّ هاهنا امرأة مليحة نظيفة كما يريد الإنسان لكن يدها مقطوعة فعند ذلك قال لها: إن كانت كما ذكرت فلا يعيبها قطع يدها، فلمّا رضى بها أعطى العجوز مائة دينار وقال لها : امضي واصنعي لها كفّاً من الذهب وخذي لها ثياباً والبسيها، فعند ذلك أتى التاجر وأحضر الفقهاء وعقد عليها ودخل تلك الليلة ، فلمّا تقدّم إليها قالت له : يارجل أتحبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام ؟ فقال : واللّه أحبّهم وأحبّ من يحبّهم ، فقالت له : بحقّهم عليك إلاّ ما خرجت ساعة عنّي ثمّ تأتي إليَّ ، فقال : حبّاً وكرامة ، فخرج من عندها فوضعت الكفّ الذهب على زندها ورفعت كفّها إلى اللّه تعالى وقالت : إلهي وسيّدي أنت عالم بحالي فإنّ يدي ما قطعت في سرقة ولا في زناً إلاّ بمحبّة عليّ وأهل بيته وهم أحبّ الخلق عندك فأسألك بحقّهم عليك وبحقّك عليهم أن لا تكسر خاطري ياربّ وردَّ عليَّ كفّي، إنّك على كلّ شيءٍ قدير .

قال : فأرسل اللّه عليها النعاس فنامت فرأت في منامها النبيّ صلى الله عليه و آله وعليّاً عليه السلام وإذا بالنبيّ صلى الله عليه و آله يقول : «ياعليّ إنّ هذه الامرأة قطعت يدها في محبّتنا فاسأل اللّه تعالى أن يردّ كفّها كما كان أوّلاً فإنّ لك عند اللّه الجاه العظيم والشفاعة المقبولة» ، فعند ذلك تقدّم أمير المؤمنين عليه السلام وركّب الكفّ على الزند وصلّى ركعتين وقال : «إلهي وسيّدي ومولاي ومعتمدي ورجائي إنّ هذا الكفّ قطع في محبّتنا فأسألك ألا تعيده كما كان أوّلاً» فانتبهت من منامها فرأت كفّها قد عاد إليها كما كان أوّلاً من بركات الإمام عليه السلام ، فعند ذلك فرحت فرحاً شديداً، فلمّا دخل إليها زوجها رأى كفّها قد عاد إليها فقال لها : مَن أعاد إليك كفّك ؟ فقالت له : اعلم يارجل إنّ كفّي ما قطع في زنا ولا في سرقة وإنّما قطع في محبّة عليّ عليه السلام ، فلمّا سمع كلامها قال لها : حدّثيني بحديثك فقصّت له القصّة من أوّلها إلى آخرها، فلمّا سمع كلامها قال : اللّه أكبر أنا ذلك السائل الذي أخذت

ص: 197

السوار وبعته ونزلت فيه البحر، ففتح اللّه عليَّ الخير من بركات عليّ عليه السلام .

قال : فبقت تلك المرأة مع الرجل في أطيب عيش وأرغد نعمة ، فلمّا كان في يوم من الأيّام وهما جالسان في البيت إذا بسائل على الباب واقف، فقالت المرأة : يارجل ما ترى هذا السائل كأنّه الرجل الذي قطع يدي، فعند ذلك خرج إليه زوجها وقال له : يارجل أنت فلاناً البغدادي ؟ قال : نعم ، قال له : أنت كنت صاحب خير ودار وعقار وأموال كثيرة ؟ قال : نعم أنا ذلك الرجل ، فقال له : أين ذهب مالك ؟ فقال : اعلم أنّه قد كانت لي زوجة صالحة ففي بعض الأيّام جاء رجل سائل وطلب منها شيئاً في محبّة عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأعطته سوارها، فلمّا علمت حملني الشيطان فضربتها بالسيف فقطعت يدها وأخرجتها من منزلي وبقيت بعدها في الدار وحدي ، ففي بعض الليالي علّقت السراج فسقطت منه قطنة في الحطب فاحترق البيت وما فيه ونجوت بنفسي فقال له : أتعرف زوجتك إذا رأيتها ؟ فقال له : نعم ، فقال لها : كلّميه ، فقامت وكلّمته فلمّا سمع كلامها قال : هذه واللّه زوجتي ، وقال زوجها : وأنا واللّه السائل الذي أخذت السوار منها ، فقام وأراه كفّها فلمّا عاين اللّعين كفّها تحسّر حسراتٍ متتابعةٍ ولطم على وجهه وولّى راجعاً (1).

وفي «المنتخب» وغيره: حكي عن زيد النسّاج أنّه قال : كان لي جار وهو شيخ كبير عليه آثار النسك والصلاح، وكان يدخل إلى بيته ويعتزل عن الناس ولا يخرج إلاّ يوم الجمعة . قال زيد النسّاج : فمضيت يوم الجمعة إلى زيارة زين العابدين عليه السلام فدخلت إلى مشهده، وإذا أنا بالشيخ الذي هو جاري قد أخذ من البئر ماء وهو يريد أن يغتسل غسل الجمعة والزيارة ، فلمّا نزع ثيابه وإذا في ظهره ضربة عظيمة فتحها أكثر من شبر وهي تسيل قيحاً ومدّة، فاشمأز قلبي منها فحانت منه التفاتة فرآني فخجل، فقال لي : أنت زيد النسّاج ؟ فقلت : نعم ، فقال لي : يابنيّ عاونّي على غسلي ،


1- لم نجد مصدره.

ص: 198

فقلت : لا واللّه لا أُعاونك حتّى تخبرني بقصّة هذه الضربة التي بين كتفيك ومن كفّ مَن خرجت وأيّ شيء كان سببها ؟ فقال لي : يازيد أُخبرك بها بشرط أن لا تحدّث بها أحداً من الناس إلاّ بعد موتي ، فقلت : لك ذلك ، فقال : عاونّي على غسلي فإذا لبست أطماري حدّثتك بقصّتي .

قال زيد : فساعدته فاغتسل ولبس ثيابه وجلس في الشمس وجلست إلى جانبه ، وقلت له : حدّثني يرحمك اللّه تعالى ، فقال لي : إعلم إنّا كنّا عشرة أنفس قد تواخينا على الباطل وتوافقنا على قطع الطريق وارتكاب الآثام، وكانت بيننا نوبة نديرها في كلّ ليلة على واحدٍ منّا، ليصنع لنا طعاماً نفيساً وخمراً عتيقاً وغير ذلك ، فلمّا كانت الليلة التاسعة وكنّا قد تعشّينا عند واحد من أصحابنا وشربنا الخمر ثمّ تفرّقنا وجئت إلى منزلي وهدوت(1) ونمت، فأيقضتني(2) زوجتي وقالت لي : إنّ الليلة الآتية نوبتها عليك ولا عندنا في البيت حبّة من الحنطة ، قال : فانتبهت وقد طار السكر من رأسي وقلت : كيف أعمل وما الحيلة وإلى أين أتوجّه ، فقالت زوجتي : الليلة ليلة الجمعة ولا يخلو مشهد مولانا أمير المؤمنين(3) عليّ بن أبي طالب عليه السلام من زوّار يأتون يزورونه فقم وامض واكمن على الطريق، فلابدّ أن ترى أحداً فتأخذ ثيابه فتبيعها وتشتري شيئاً من الطعام لتتمّ مروّتك عند أصحابك وتكافيهم على صنيعهم .

قال : فقمت وأخذت سيفي وجفنتي(4) ومضيت مبادراً وكمنت في الخندق الذي في ظهر الكوفة، وكانت ليلة مظلمة ذات رعدٍ وبرق فأبرقت برقة فإذا أنا بشخصين مقبلين من ناحية الكوفة، فلمّا قربا منّي برقت برقة اُخرى فإذا هما امرأتان فقلت في نفسي في مثل هذه الساعة أتاني امرأتان، ففرحت ووثبت إليهما وقلت لهما : اطرحا


1- في المصدر _ : وهدوت.
2- في المصدر : أيقظتني.
3- في المصدر _ : أمير المؤمنين.
4- في المصدر : حجفتي.

ص: 199

ثيابكما سريعاً ففزعتا منّي ونزعتا ثيابهما فحسَسَتُ عليهما جلياً(1) فقلت لهما : انزعا الحليّ الذي عليكما فطرحتاه فأبرقت السماء برقة اُخرى، فإذا إحداهما عجوز والاُخرى شابّة من أحسن النساء وجهاً كأنّها ضبية قنّاص(2) أو درّة غوّاص، فوسوس لي الشيطان على أن أفعل بها القبيح ، وقلت في نفسي: مثل هذه الشابّة التي لا يوجد مثلها حصلت عندي في هذا الموضع وأُخلّيها فراودتها عن نفسها، فقالت العجوز : يا هذا أنت في حلّ ممّا أخذته منّا من الثياب والحليّ، فخلنا نمضي إلى أهلنا، فواللّه إنّها بنت يتيمة من اُمّها وأبيها وأنا خالتها وفي هذه الليلة القابلة تزفّ إلى بعلها(3) ، وقالت لي : ياخالة إنّي في الليلة(4)أزف إلى ابن عمّي وأنا واللّه راغبة في زيارة سيّدي ومولاي(5) عليّ بن أبي طالب عليه السلام وإنّي إذا مضيت إلى(6) بعلي ربّما لا يأذن لي بزيارته ، فلمّا كانت هذه ليلة(7) الجمعة خرجت بها لأُزوّرها سيّدها ومولاها أمير المؤمنين عليه السلام فباللّه عليك لا تهتك سترها ولا تفضّ ختمها ولا تفضحها بين قومها .

فقلت لها : إليك عنّي وضربتها وجعلت أدور حول الصبيّة وهي تلوذ بالعجوز وهي عريانة ما عليها غير السروال وهي في تلك الحال تعقد تكّتها وتوثقها عقداً فدفعت العجوز عن الجارية وصرعتها إلى الأرض وجلست على صدرها ومسكت يديها بيد واحدة وجعلت أحلّ عقد التكّة باليد الاُخرى وهي تضطرب تحتي كالسمكة في يد الصيّاد وهي تقول : المستغاث بك يا اللّه المستغاث بك يا عليّ بن أبي


1- في المصدر _ : وقلت لهما : اطرحا ثيابكما سريعاً، ففزعتا منّي ونزعتا ثيابهما، فحسست عليهما جلياً.
2- قال في «لسان العرب» ج7، ص83 مادّة قنص : القناص : الصائد.
3- في المصدر + : وإنّها قالت.
4- في المصدر : إنّ الليلة القابلة.
5- في المصدر _ : ومولاي.
6- في المصدر : عند.
7- في المصدر : الليلة.

ص: 200

طالب عليه السلام خلّصني من يد هذا الظالم .

قال : فواللّه ما استتمّ كلامها إلاّ وحسّ(1)حافر فرس خلفي ، فقلت في نفسي : هذا فارس واحد وأنا أقوى منه وكانت لي قوّة زائدة وكنت لا أهاب الرجال قلّوا أو كثروا ، فلمّا دنى منّي فإذا أنا أرى عليه ثياباً(2) وتحته فرس أشهب يفوح(3) منه رائحة المسك، فقال لي : «يا ويلك خلّ المرأة» ، فقلت له : اذهب لشأنك فأنت نجوت بنفسك(4) وتريد أن تنجي(5) غيرك قال : فغضب من قولي وضربني(6)بذبال سيفه بشيء قليل فوقعت مغشيّاً عليَّ لا أدري أنا في الأرض أو في غيرها وانعقد لساني وذهبت قوّتي لكنّي أسمع الصوت وأعي الكلام فقال لهما : «قوما البسا ثيابكما وخذا حليّكما وانصرفا لشأنكما» ، فقالت العجوز : مَن أنت يرحمك اللّه الذي قد(7)منَّ اللّه علينا بك، وإنّي اُريد منك أن توصلنا إلى زيارة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين(8) عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فتبسّم في وجههما وقال(9) : «أنا مولاكم(10) عليّ بن أبي طالب، فارجعا إلى أهلكما فقد قبلت زيارتكما» .

قال : فقامت العجوز والصبيّة وقبّلا(11) يديه ورجليه وانصرفتا في سرورٍ وعافية .

قال الرجل : فأفقت من غشوتي وانطلق لساني ، فقلت(12) : ياسيّدي أنا تائب إلى اللّه على يدك وإنّي لا عدت أدخل في معصيته(13)، فقال : «إن تبت تاب اللّه


1- في المصدر : حسستُ.
2- في المصدر : فإذا عليه ثياب بيض.
3- في المصدر : تفوح.
4- في المصدر _ : بنفسك.
5- في المصدر : تنجى.
6- في المصدر: نقفني.
7- في المصدر : وقد.
8- في المصدر _ : أمير المؤمنين.
9- في المصدر : وقال لهما.
10- في المصدر _ : مولاكم.
11- في المصدر : وقبّلتا.
12- في المصدر + : له.
13- في المصدر + : أبداً.

ص: 201

عليك» ، فقلت : تبت إلى اللّه عزّوجلّ(1) واللّه على ما أقول وكيل وشهيد .

ثمّ قلت له : ياسيّدي إن تركتني وفي هذه الضربة هلكت بلا شكّ . قال : فرجع إليَّ وأخذ بيده قبضة من تراب ثمّ وضعها على الضربة ومسح بيده الشريفة عليها فالتحمت بقدرة اللّه تعالى .

قال زيد النسّاج : فقلت له : كيف التحمت وهذه حالها ؟ قال لي : واللّه إنّها كانت ضربة مهولة أعظم ممّا تراها الآن، ولكنّها بقيت موعظة لمن يسمع(2).

وفي «البحار» نقلاً من «تفسير الإمام»: روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «أيّكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن ؟» فقال عليّ عليه السلام : «أنا» ، قال صلى الله عليه و آله : «صنعت ماذا ؟» قال عليه السلام : «مررت بعمّار بن ياسر وقد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهماً كانت له عليه، فقال عمّار : يا أخا رسول اللّه يلازمني ولا يريد إلاّ إيذائي(3) وإذلالي لمحبّتي لكم أهل البيت، فخلّصني منه بجاهك فأردت أن أُكلّم له اليهودي، فقال : يا أخا رسول اللّه أنا أجلّك في قلبي وعيني أبذلك(4) لهذا الكافر ولكن اشفع لي إلى من لا يردّك عن طلبة، فلو أردت جميع جوانب العالم أن تصيّرها كأطراف السفرة لفعل ، فاسأله أن يعينني على أداء دينه ويغنيني عن الاستدانة ، فقلت : اللّهم افعل ذلك به .

ثمّ قلت : اضرب ما بين(5) يديك من شيء حجراً أو مدراً(6)، فإنّ اللّه تعالى يقلبه لك ذهباً ابريزاً، فضرب يده فتناول حجراً فيه أمنان، فتحوّل في يده ذهباً ثمّ أقبل على اليهودي فقال : وكم دينك ؟ قال : ثلاثون درهماً ، قال : فكم قيمتها من الذهب ؟ قال :


1- في المصدر _ : إلى اللّه عزّوجلّ.
2- «بحار الأنوار» ج42، ص334_ 337، ح22.
3- في المصدر: أذاي.
4- في المصدر + : من أن.
5- في المصدر : قلت له: اضرب إلى ما بين يديك.
6- في المصدر _ : حجراً أو مدراً.

ص: 202

ثلاثة دنانير ، فقال عمّار : اللّهمّ بجاه من بجاهه قلبت هذا الحجر ذهباً(1)، ليّن لي هذا الذهب لأفصل قدر حقّه. فألانه اللّه تعالى، ففصل له ثلاثة مثاقيل وأعطاه، ثمّ جعل ينظر إليه وقال : اللّهمّ إنّي سمعتك تقول : «اِنَّ الآإِنْسانَ لَيَطْغَى أنْ رَآهُ آسْتَغنَى»(2) ولا أُريد غنىً يطغيني ، اللّهمّ فأعد هذا الذهب حجراً بجاه من بجاهه جعلته ذهباً بعد أن كان حجراً فعاد حجراً من يده(3) ، وقال : حسبي من الدُّنيا والآخرة موالاتي لك يا أخا رسول اللّه»(4)... الحديث .

وفيه(5) نقلاً عن «الخرائج»: روي أنّ قوماً من النصارى كانوا دخلوا على النبيّ صلى الله عليه و آله وقالوا : نخرج ونجيء بأهلنا(6)وقومنا، فإن أنت أخرجت لنا مائة ناقة من الحجر سوداء من كلّ واحدة فصيل آمنّا، فضمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وانصرفوا إلى بلادهم، فلمّا كان بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدخلوا(7)المدينة، فسألوا عن النبيّ صلى الله عليه و آله فقيل لهم : توفّى صلى الله عليه و آله فقالوا : نجد في كتبنا أنّه لا يخرج من الدُّنيا نبيّ إلاّ ويكون له وصيّ، فمن كان وصيّ نبيّكم محمّد صلى الله عليه و آله ؟ فدلّوا على أبي بكر فدخلوا عليه وقالوا: لنا دَين على محمّد ، قال : وما هو ؟ قالوا : مائة ناقة مع كلّ ناقة فصيل(8) وكلّها سود، فقال : ما ترك رسول اللّه صلى الله عليه و آله تركة تفي بذلك، فقال بعضهم لبعض بلسانهم: ما كان أمر محمّد صلى الله عليه و آله إلاّ باطلاً، وكان سلمان رضى الله عنه حاضراً وكان يعرف لغتهم ، فقال لهم : أنا أدلّكم على وصيّ محمّد صلى الله عليه و آله ، فإذا بعليّ قد دخل المسجد فنهضوا إليه وجثوا بين يديه وقالوا: لنا دَين(9)


1- في المصدر _ : ذهباً.
2- العلق 96: 6.
3- في المصدر + : فرماه من يده.
4- «بحار الأنوار» ج22، ص333 و 334.
5- «بحار الأنوار».
6- في المصدر : بأهلينا.
7- في المصدر + : رجعوا.
8- قال في «لسان العرب» ج11، ص522، مادّة فصل : فصيلة: وهو ما فُصِل عن اللبن من أولاد البقر.
9- في المصدر _ : دين.

ص: 203

على نبيّكم صلى الله عليه و آله مائة ناقة ديناً بصفات مخصوصة .

قال عليّ عليه السلام : «وتسلمون حينئذٍ ؟» قالوا : نعم فواعدهم إلى الغدّ، ثمّ رجع بهم إلى الجبّانة(1) والمنافقون يزعمون أنّه يفتضح، فلمّا وصل إليهم صلّى ركعتين ودعى خفيّاً ثمّ ضرب بقضيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الحجر، فسمع منه أنين كما(2) يكون للنوق عند مخاضها، فبينما هو(3)كذلك إذا انشقّ الحجر وخرج منه رأس ناقة وقد تعلّق منه رأس الزمام، فقال عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام : «خذه» فخرج منه مائة ناقة مع كلّ واحدة فصيل كلّها سود الألوان فأسلم النصارى كلّهم، ثمّ قالوا: كانت ناقة صالح النبيّ واحدة وكان بسببها هلاك قوم كثير، فادع يا أمير المؤمنين عليه السلام حتّى تدخل النوق الحجر(4) لئلّا يكون شيء منها سبب هلاك اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله فدعى فدخلت كما خرجت(5).

في «البحار»: ما روي أنّه قيل لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يحتجّون علينا ويقول(6) : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام زوّج فلاناً ابنته اُمّ كلثوم وكان متّكئاً فجلس عليه السلام وقال : «أيقولون ذلك إنّ قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان اللّه ما كان يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينقذها، كذبوا ولم يكن ما قالوا: إنّ فلاناً خطب إلى عليّ عليه السلام ابنته اُمّ كلثوم فأبى عليّ عليه السلام فقال للعبّاس : «واللّه لئن لم تزوّجني لأنتزعنّ منك السقاية وزمزم» فأتى العبّاس عليّاً عليه السلام فكلّمه، فأبى عليه فألحّ العبّاس، فلمّا رأى أمير المؤمنين عليه السلام مشقّة كلام الرجل على العبّاس وأنّه سيفعل بالسقاية ماقال أرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنّية من أهل نجران يهوديّة يقال لها: سحيقة(7) بنت


1- قال في «لسان العرب» ج13، ص85 ، مادّة جبن : الجبّان والجبّانة بالتشديد : الصحراء.
2- في المصدر _ : كما.
3- في المصدر _ : هو.
4- في المصدر + : وفصالها في الحجر.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص198، ح10؛ «الخرائج والجرائح» للراوندي، ج1، ص213 و 214.
6- في المصدر : يقولون.
7- في المصدر : سحيفة.

ص: 204

جريرية فأمرها، فتمثّلت في مثال اُمّ كلثوم وحجبت الأنظار(1) عن اُمّ كلثوم وبعث بها إلى الرجل، فلم تزل عنده حتّى أنّه استراب بها يوماً فقال : ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم، ثمّ أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوت الميراث وانصرفت إلى نجران وأظهر أمير المؤمنين عليه السلام اُمّ كلثوم»(2) .

في «مشارق الأنوار» أنّه قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان ينفخ في الناس وهم يتحاودون عنه، فقال أمير المؤمنين : «أوسعوا له»(3)حتّى رقى المنبر والناس ينظرون إليه، ثمّ قبّل أقدام أمير المؤمنين عليه السلام وجعل يتمرّغ(4) عليها، ونفخ ثلاث نفخات ونزل(5)وانساب ولم يقطع أمير المؤمنين عليه السلام خطبته، فسألوه عن ذلك فقال : «هذا رجل من الجنّ ذكر أنّ ولده قتله رجل من الأنصار اسمه: جابر بن سميع(6) عند خفّان من غير أن يتعرّض له بسوء، وقد استوهبتُ دم ولده» فقام رجل(7) طويل بين الناس وقال : أنا الرجل الذي قتلت الحيّة في المكان المشار إليه(8)، وإنّي منذ قتلتها لا أقدر أستقرّ في مكان من الصياح والصراخ، فهربت إلى الجامع فأنا(9) منذ سبعة أيّام هاهنا ، فقال(10) أمير المؤمنين عليه السلام : «خذ جملك واعقره في موضع قتلت الحيّة وامض لا بأس عليك»(11).

وفيه ما رواه الأصبغ بن نباتة عن زيد الشحّام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام جاؤه نفر


1- في المصدر : الأبصار.
2- «بحار الأنوار» ج42، ص88 ، ح16؛ «الخرائج والجرائح» ج2، ص825 و 826 .
3- في المصدر : وسعوا له فأقبل.
4- قال في «لسان العرب» ج8 ، ص449، مادّة مرغ : المرغ : المخاطُ وقيل: اللُعاب.
5- في المصدر : ثمّ نزل.
6- في المصدر : سبيع.
7- في المصدر +: إليه رجل.
8- في المصدر : المذكور.
9- في المصدر : وإنّي.
10- في المصدر + : له.
11- «بحار الأنوار» ج39، ص172 و 173، ح14، نقلاً عن «مشارق الأنوار» للبرسي.

ص: 205

من المنافقين فقالوا له : أئت الذي تقول : هذا(1) الجرّي مسخ حرام ؟ فقال عليه السلام : «نعم» ، فقالوا : ما برهانه(2)؟ فجاء بهم إلى الفرات ونادى «ها هنّاس»(3)فأجابه الجرّي: لبّيك، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «مَن أنت ؟» فقال : ممّن عرضت عليه ولايتك فأبى فمسخ(4)، وإنّ في من معك من(5)يمسخ كما مسخنا ويصير كما صرنا ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم ، فقال : نعم ، كنّا(6) قبيلة من بني إسرائيل وكنّا(7) تمرّدنا وعصينا وعرضت ولايتك علينا فأبينا وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد، فجاءنا آتٍ أنت واللّه أعلم به منّا، فصرخ صرخةً فينا فجمعنا جمعاً واحداً وكنّا متفرّقين في البراري فجمعنا بصرخة(8)، ثمّ صاح صيحة اُخرى وقال : كونوا مسوخاً بقدرة اللّه تعالى(9) أجناساً مختلفة، ثمّ قال(10) : أنهاراً تسكنك هذه المسوخ واتّصلي ببحار الأرض حتّى لا يبقى ماء إلاّ وفيه من هذه المسوخ، فصرنا مسوخاً كما ترى (11).

وفي «البحار» نقلاً من «الفضائل»: روي أنّه عليه السلام كان يطلب قوماً من الخوارج، فلمّا بلغ الموضع المعروف اليوم بساباط أتاه قوم(12) رجل من شيعته وقال : يا أمير المؤمنين أنا من شيعتك، وكان لي أخ وكنت شفيقاً عليه، فبعثه عمر في جنود سعد بن أبي وقّاص إلى قتال أهل المدائن فقتل هناك، وأُريد أن يحييه لي(13) ، قال : فأرني قبره


1- في المصدر + : إنّ هذا.
2- في المصدر : أرنا برهانه.
3- في المصدر : هناس هناس.
4- في المصدر : ومسخ.
5- في المصدر : لِمنْ.
6- في المصدر + : أربعاً وعشرين قبيلة.
7- في المصدر + : قد.
8- في المصدر : لصرخته.
9- في المصدر + : فمسخنا.
10- في المصدر + : أيّها القفار كونوا أنهاراً.
11- «بحار الأنوار» ج27، ص271، ح23، نقلاً عن «مشارق الأنوار» للبرسي.
12- في المصدر _ : قوم.
13- في المصدر _ : واُريد أن يحييه لي.

ص: 206

ومقتله فأراه إيّاه، فمدّ الرمح وهو راكب بغلته الشهباء فركز القبر بأسفل الرمح، فخرج رجل أسمر طويل يتكلّم بالعجمية، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «لِمَ تتكلّم بالعجمية وأنت رجل من العرب ؟» قال : إنّي كنت أبغضك وأُوالي عدوّك(1)، فانقلب لساني في النار فقال: يا أمير المؤمنين ردّه من حيث جاء فلا حاجة لنا فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ارجع» فرجع إلى القبر وانطبق(2) عليه(3).

وفي «الخرائج والجرائح»: ما روي أنّ عليّاً عليه السلام دخل المسجد بالمدينة غداة يوم وقال(4) : «رأيت في النوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال لي : «إنّ سلمان الفارسي(5) رحمه الله توفّى ووصّاني بتغسيله(6) وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وها أنا خارج إلى المدائن لذلك» ، فقال عمر : خذ الكفن من بيت المال ، فقال عليّ عليه السلام : «ذلك مكفي مفروغ منه» فخرج والناس معه إلى ظاهر المدينة ثمّ خرج وانصرف الناس، فلمّا كان قبل الظهر(7) رجع وقال: دفنته وأكثر الناس لا يصدّقوا(8) حتّى كان بعد مدّة وصل من المدائن مكتوباً(9): أنّ سلمان رضى الله عنه توفّى يوم كذا، فدخل(10)علينا أعرابي فغسّله وكفّنه وصلّى عليه ودفنه ثمّ انصرف وتعجّب الناس كلّهم(11).

وفي «البحار» نقلاً في بعض الكتب: عن محمّد بن زكريّا العلامي أنّه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار المعروف بابن المعافا عن وكيع عن زاذان عن سلمان


1- في المصدر : أعداءك.
2- في المصدر : فانطبق.
3- «بحار الأنوار» ج41، ص216 و 217، ح29؛ «الفضائل» ص67.
4- في المصدر : قال.
5- في المصدر _ : الفارسي.
6- في المصدر : بغسله.
7- في المصدر: ظهيرة.
8- في المصدر : لم يصدقوا.
9- في المصدر : مكتوب.
10- في المصدر : ودخل.
11- «بحار الأنوار» ج22، ص368، ح7؛ «الخرائج والجرائح» ج2، ص562.

ص: 207

الفارسي رحمه الله أنّه قال : كنّا مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين أُحبّ أن أرى من معجزاتك شيئاً ، قال عليه السلام : «افعل إن شاء اللّه تعالى» ثمّ قام ودخل منزله وخرج إليَّ وتحته فرسٌ أدهم وعليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء، ثمّ نادى: يا قنبر أخرج إليَّ ذلك الفرس، فأخرج فرساً آخر أدهم، فقال عليه السلام : «اركب يا أبا عبداللّه» .

قال سلمان : فركبته فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه قال : فصاح به الإمام عليه السلام فتعلّق في الهواء، وكنت أسمع خفيف(1) أجنحة الملائكة وتسبيحها تحت العرش، ثمّ خطونا إلى(2) ساحل بحر عجّاج(3) مغطمط(4) الأمواج، فنظر إليه عليه السلام (5) شزراً، فسكن البحر من غليانه، فقلت له : يا مولاي سكن البحر من غليانه من نظرك إليه، فقال عليه السلام : «ياسلمان خشى أن آمر فيه بأمر» ثمّ قبض على يدي وسار على وجه الماء والفرسان تتبعاننا لا يقودهما أحد، فواللّه ما ابتلّت أقدامنا ولا حوافر الخيل .

قال سلمان : فعبرنا ذلك البحر ورفعنا إلى جزيرة كثيرة الأشجار والأطيار والأنهار، وإذا شجرة عظيمة بلا صدع ولا زهر، فهزّها عليه السلام بقضيب كان في يده، فانشقّت وخرجت(6) منها ناقة طولها ثمانون ذراعاً وعرضها أربعون ذراعاً وخلفها قلوص(7)، فقال عليه السلام : «ادن منها واشرب من لبنها» .

قال سلمان : فدنوت منها وشربت حتّى رويت، وكان لبنها أعذب من الشهد وألين من الزبد وقد اكتفيت ، قال عليه السلام : «هذا حسن يا سلمان» فقلت : يا حسن(8)


1- في المصدر : حفيف.
2- في المصدر : على.
3- قال في «لسان العرب» ج2، ص318، مادّة عجج : عجّ يعجُّ وضجّ يضجّ : رفع صوته وصاح.
4- قال في «لسان العرب» ج7، ص363، مادّة غطمط: الغطمطَةُ: اضطراب الأمواج.
5- في المصدر + : الإمام.
6- في المصدر : خرج.
7- قال في «لسان العرب» ج7، ص81 ، مادّة قلص : «القلوص : الفتية من الإبل بمنزلة الجارية الفتاة من النساء».
8- في المصدر + : مولاي حسن.

ص: 208

فقال عليه السلام : «تريد أن أُريك ما هو أحسن منه ؟» فقلت : نعم ياأمير المؤمنين عليه السلام .

قال سلمان : فنادى(1) عليه السلام : اخرجي يا حسناء قال : فخرجت ناقة طولها مائة وعشرون ذراعاً(2) وعرضها ستّون ذراعاً ورأسها من الياقوت الأحمر وصدرها من العنبر الأشهب وقوائمها من الزبرجد الأخضر وزمامها من الياقوت الأصفر وجنبها الأيمن من الذهب وجنبها الأيسر من الفضّة وعرضها من اللؤلؤ الرطب ، فقال عليه السلام : «يا سلمان اشرب من لبنها» ، قال سلمان : فالتقمت الضرع فإذا هي تحلب عسلاً صافياً مخلصاً محضاً(3)، فقلت : ياسيّدي هذه لمن ؟ قال عليه السلام : «هذه لك ولسائر الشيعة من أوليائي» ، ثمّ قال عليه السلام لها : «ارجعي إلى الصخرة» ورجعت من الوقت وسار بي في تلك الجزيرة حتّى ورد بي إلى شجرة عظيمة عليها طعام يفوح منه رائحة المسك، فإذا بطائر في صورة النسر العظيم .

قال سلمان رضى الله عنه : فوثب ذلك الطائر فسلّم على أمير المؤمنين(4)عليه السلام ورجع إلى موضعه فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه المائدة ؟ فقال عليه السلام : «هذه منصوبة في هذا المكان للشيعة من مواليّ إلى يوم القيامة» ، فقلت : ما هذا الطائر ؟ قال : ذلك موكّل(5) بها إلى يوم القيامة ، فقلت : وحده ياسيّدي ؟ فقال عليه السلام : «يجتاز به الخضر عليه السلام في كلّ يوم مرّة» ثمّ قبض عليه السلام على يدي وسار إلى بحرٍ ثان فعبرناه، وإذا جزيرة عظيمة فيها قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضّة بيضاء، وشرفها من عقيق أصفر، وعلى كلّ ركن من القصر سبعون صفّاً من الملائكة فأتوا وسلّموا، ثمّ أذن لهم فرجعوا إلى مواضعهم .

قال سلمان : ثمّ دخل أمير المؤمنين عليه السلام القصر فإذا(6) أشجار وأثمار وأنهار وأطيار


1- في المصدر + : مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.
2- في المصدر: عشرون ومائة ذراع.
3- في المصدر _ : محضاً.
4- في المصدر : عليه.
5- في المصدر : قال ملك موكّل.
6- في المصدر : فإذن.

ص: 209

وألوان النبات فجعل الإمام عليه السلام يمشي فيه حتّى وصل آخره، فوقف عليه السلام على بركة كانت في البستان، ثمّ صعد إلى صقر(1) فإذا كرسيّ من الذهب الأحمر فجلس عليه، وأشرفنا على القصر فإذا بحر أسود يغطمط أمواجه كالجبال الراسيات، فنظر عليه السلام إليه شزراً فسكن من غليانه حتّى كان كالمذنب، فقلت : يا سيّدي سكن البحر من غليانه لمّا نظرت إليه(2) ، فقال عليه السلام : «خشي أن آمر فيه بأمر ، أتدري يا سلمان أيّ بحر هذا ؟» فقلت : لا ياسيّدي ، فقال عليه السلام : «هذا الذي غرق فيه فرعون وملائه(3) المذنبة، حملها جناح جبرئيل عليه السلام ثمّ زجّها في هذا البحر، فهو يهوي لا يبلغ قراره إلى يوم القيامة» ، فقلت : يا مولاي(4) هل سرنا فرسخين ؟ فقال عليه السلام : «ياسلمان لقد سرت خمسين ألف فرسخ ودرت حول الدُّنيا عشر مرّات» فقلت : ياسيّدي وكيف(5) هذا ؟ قال عليه السلام : «إذا كان ذو القرنين طاف شرقها وغربها وبلغ(6)سدّ يأجوج ومأجوج فأنا(7) يتعذّر عليَّ وأنا أمير المؤمنين وخليفة رسول(8) ربّ العالمين ، ياسلمان أما قرأت قول اللّه تعالى حيث يقول : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا* إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(9)؟» ، فقلت : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام : «أنا ذلك المرتضى من رسول الذي أظهره اللّه تعالى على غيبه، أنا العالم الربّاني ، أنا الذي هوّن اللّه عليَّ الشدائد فطوى له البعيد» .

قال سلمان رحمه الله : فسمعت صائح(10)يصيح في السماءَ أسمع الصوت ولا أرى


1- في المصدر : قصر.
2- في المصدر : إلى نظره إليه.
3- في المصدر : ملؤه.
4- في المصدر : يا أمير المؤمنين.
5- في المصدر : كيف هذا.
6- في المصدر + : إلى.
7- في المصدر : فأنّي.
8- في المصدر _ : رسول.
9- الجنّ 72: 26 و 27 .
10- في المصدر : صائحاً.

ص: 210

الشخص وهو يقول : صدقت صدقت وأنت(1) الصادق المصدّق صلوات اللّه عليك .

قال : ثمّ نهض عليه السلام فركب الفرس وركبت معه وصاح بهما فطارا في الهواء، ثمّ خطونا على باب الكوفة هذا كلّه قد مضى من الليل ثلاث ساعات ، فقال عليه السلام (2) : «يا سلمان الويل كلّ الويل لمن لا يعرفنا حقّ معرفتنا وأنكر ولايتنا، أيّما أفضل محمّد صلى الله عليه و آله أم سليمان عليه السلام ؟» قلت : بل محمّد صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال : «هذا آصف ابن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس بطرفة عين وعنده علم الكتاب، ولا أفعل أنا ذلك وعندي مائة كتاب وأربعة وعشرون كتاباً، أنزل اللّه تعالى على شيث بن آدم عليه السلام خمسين صحيفة، وعلى إدريس النبيّ عليه السلام ثلاثين صحيفة(3)، وعلى إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان» ، فقلت : صدقت يا أمير المؤمنين هكذا يكون الإمام ، فقال عليه السلام : «إنّ الشاكّ في أُمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا، قد فرض اللّه عزّوجلّ في كتابه في غير موضع وبيّن فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف»(4) .

وفيه أيضاً: روى الأصبغ بن نباتة قال : كنت يوماً مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام إذ دخل عليه نفر من أصحابنا(5) منهم: أبو موسى الأشعري لع وعبداللّه بن مسعود وأنس بن مالك وأبو هريرة والمغيرة بن شعبة وحذيفة اليماني وغيرهم، فقالوا : يا أمير المؤمنين أرنا شيئاً من معجزاتك التي خصّك اللّه تعالى بها ، فقال عليه السلام : «ما أنتم وذلك(6) وما سؤالكم عمّا لا ترضون به واللّه تعالى يقول : عزّتي(7) وجلالي وارتفاعي في


1- في المصدر : أنت.
2- في المصدر + : لي.
3- في المصدر + : وعلى نوح عليه السلام عشرين صحيفة.
4- «بحار الأنوار» ج42، ص50 53.
5- في المصدر : أصحابه.
6- في المصدر : ذلك.
7- في المصدر : وعزّتي.

ص: 211

مكاني(1) لا أُعذّب أحداً من خلقي إلاّ بحجّة وبرهان وعلم وبيان لأنّ رحمتي سبقت غضبي وكتبت الرحمة عليَّ، فأنا الراحم الرحيم، وأنا الودود العليّ، وأنا المنّان العظيم، وأنا العزيز الكريم، فإذا أرسلت رسولاً أعطيته برهاناً وأنزلت عليه كتاباً، فمن آمن بي وبرسولي«فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحُون»(2) الفائزون ومن كفر بي وبرسولي «فَأُولئِكَ هُمُ الخَاسِرُون»(3) الذين استحقّوا عذابي» ، فقالوا : يا أمير المؤمنين نحن آمنّا باللّه وتوكّلنا عليه ، فقال عليّ عليه السلام : «اللّهمّ اشهد على ما يقولون وأنا العليم الخبير بما يفعلون» ، ثمّ قال عليه السلام : «قوموا على اسم اللّه تعالى وبركاته» .

قال : فقمنا معه حتّى أتى الجبّانة ولم يكن في ذلك الموضع ماء قال : فنظرنا فإذا روضة خضراء ذات ماء، وإذا في الروضة غدران وفي الغدران حيّتان، فقلنا : واللّه إنّها لدلالة الإمامة فأرنا غيرها يا أمير المؤمنين وإلاّ قد أدركنا بعض ما أردنا ، فقال عليه السلام : «حسبي اللّه ونعم الوكيل» ثمّ أشار بيده العليا(4)، فإذا قصور كثيرة مكلّلة بالدرّ والياقوت والجواهر وأبوابها من الزبرجد الأخضر، وإذا في القصور حور وغلمان وأنهار وأشجار وطيور ونبات كثير، فبقينا متحيّرين متعجّبين وإذا وصايف وجواري وولدان وغلمان كاللؤلؤ المكنون ، فقالوا : يا أمير المؤمنين عليه السلام لقد اشتدّ شوقنا إليك وإلى شيعتك وأوليائك، فأومأ إليهم بالسكوت، ثمّ ركض(5)الأرض برجله فانفلقت الأرض عن منبر من ياقوت أحمر فارتقى إليه فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ثمّ قال عليه السلام : «غمّضوا أعينكم» فغمّضناها(6)، فسمعنا خفيف أجنحة


1- في المصدر : ارتفاع مكاني إنّي.
2- الأعراف 7: 8 .
3- البقرة 2: 121.
4- في المصدر + : نحو الجبّانة.
5- هكذا ني المصدر، والظاهر: «ركل».
6- في المصدر : فغمضنا أعيننا.

ص: 212

الملائكة بالتسبيح والتهليل والتحميد والتعظيم والتقديس، ثمّ قاموا بين يديه وقالوا : أمرنا(1)بأمرك يا أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين(2) فقال عليه السلام : «يا ملائكة ربّي ايتوني بإبليس(3) الأبالسة وفرعون الفراعنة» قال : فواللّه ما كان بأسرع من طرفة عين حتّى أحضروه(4)فقال عليه السلام : «ارفعوا أعينكم» قال : فرفعناها(5) ونحن لا نستطيع أن ننظر إليه من شعاع نور الملائكة ، فقلنا : يا أمير المؤمنين اللّه اللّه في أبصارنا! فما تنظر(6)شيئاً البتّة، وسمعنا صلصلة السلاسل واصطكاك الأغلال وهبّت ريح عظيمة، فقالت الملائكة : يا خليفة اللّه ذر(7)الملعون لعنه اللّه وضاعف عليه العذاب ، فقلنا : ياأمير المؤمنين اللّه اللّه في أبصارنا وسامعنا!(8)فواللّه ما نقدر على احتمال هذا السرّ والقدرة(9) ، قال : فلمّا جرّه(10) بين يديه قام وقال : واويلاه ممّن(11) ظلم آل محمّد صلى الله عليه و آله واويلاه ممّن(12)اجترى عليهم ، ثمّ قال : يا سيّدي ارحمني فإنّي لا أحتمل هذا العذاب ، فقال عليه السلام : «لا رحمك اللّه ولا غفر لك أيّها الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان» ثمّ التفت عليه السلام إلينا وقال عليه السلام : «أنتم تعرفون هذا باسمه وجسمه ؟» قلنا : نعم يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام : «سلوه حتّى يخبركم من هو» فقالوا : مَن أنت ؟ فقال : أنا إبليس الأبالسة وفرعون هذه الاُمّة، أنا الذي جحدت سيّدي ومولاي أمير المؤمنين عليه السلام وخليفة ربّ العالمين وأنكرت آياته ومعجزاته.


1- في المصدر : قالوا مرنا.
2- في المصدر + : صلوات اللّه عليك.
3- في المصدر + : الساعة.
4- في المصدر + : عنده.
5- في المصدر : فرفعنا أعيننا.
6- في المصدر : ننظر.
7- في المصدر : زد.
8- في المصدر : مسامعنا.
9- في المصدر : القدر.
10- في المصدر : جروه.
11- في المصدر: مِن.
12- في المصدر : مِن.

ص: 213

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ياقوم غمّضوا أعينكم» فغمّضناها،(1)فتكلّم عليه السلام بكلامٍ خفيّ فإذا نحن في الموضع الذي كنّا فيه لا قصور ولا ماء ولا غدران ولا أشجار .

قال الأصبغ بن نباتة رضى الله عنه : والذي أكرمني بما رأيت من تلك الدلائل والمعجزات ما تفرّق القوم حتّى ارتابوا وشكّوا، وقال بعضهم : سحر وكهانة وإفك ، فقال عليه السلام (2) : «إنّ بني إسرائيل لم يعاقبوا ولم يمسخوا إلاّ ما بعد ما سألوا، الآيات(3) فقد حلّت عقوبة اللّه بهم، والآن حلّت لعنة اللّه فيكم وعقوبته عليكم» .

قال الأصبغ بن نباتة : إنّي أيقنت أنّ العقوبة حلّت بتكذيبهم الدلالات والمعجزات(4) .

وروى الأصبغ بن نباتة أنّه قال : كنت مع مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في بعض أسفاره فنزلنا يوماً الصحاري، فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إليَّ وقال : «يابن نباتة سر إلى تلك الشجرتين، وقل لهما: إنّ خليفة اللّه يأمركما أن تلتقيا حتّى أنام خلفكما ساعة» ، قال : واللّه قد أقبلت كلّ واحدة منهما إلى الاُخرى حتّى التقيا فصارتا كالشجرة الواحدة ومضى أمير المؤمنين عليه السلام خلفهما فنام، فلمّا انتبه قام عليه السلام وأمر برجوعهما إلى مكانهما فرجعتا كذلك (5).

وفي «الخرائج والجرائح»: ما روي عن أبي جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : «إنّ الحسين بن عليّ عليهماالسلام قال : «كنّا قعوداً ذات يوم عند أمير المؤمنين عليه السلام وهناك شجرة رمّان، إذ دخل عليه نفر من مبغضيه وعنده قوم من محبّيه فسلّموا فأمرهم بالجلوس» فقال عليّ عليه السلام : «إنّي اُريكم اليوم آية تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل إذ يقول اللّه


1- في المصدر : فغمّضنا أعيننا.
2- في المصدر + : أمير المؤمنين.
3- في المصدر + : والدلالات.
4- «بحار الأنوار» ج42، ص53 55.
5- وجدت هذه الرواية في «بحار الأنوار» ج17، ص364، نقلاً عن عمّار بن ياسر في معجزات رسول اللّه صلوات اللّه عليه، لا في معجزات أمير المؤمنين عليه السلام .

ص: 214

تعالى : «إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّى أُعَذِّبُهُ عَذَابا لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَدا مِنْ الْعَالَمِينَ»(1)» ثمّ إنّه عليه السلام قال : «انظروا إلى الشجرة» وكانت يابسة، فإذا هي قد جرى الماء في عودها ثمّ اخضرّت وأورقت وعقدت وتدالى(2) حملها على رؤوسنا، ثمّ التفت إلينا وقال(3) للذين هم محبّوه : «مدّوا أيديكم وتناولوا وكلوا» فقلنا : بسم اللّه الرحمن الرحيم، وتناولنا وأكلنا رمّاناً لم نأكل قطّ شيئاً أعذب منه وأطيب. ثمّ قال عليه السلام للنفر الذين هم مبغضوه : «مدّوا أيديكم وتناولوا» فمدّوا أيديهم فارتفعت، فكلّما(4)مدّ رجل منهم يده إلى رمّانة ارتفعت، فلم يتناولوا شيئاً فقالوا : يا أمير المؤمنين ما بال إخواننا مدّوا أيديهم فتناولوا(5) وأكلوا ومددنا أيدينا فلم تنل(6) ؟ فقال عليه السلام : «وكذلك الجنّة لا ينالها إلاّ أولياؤنا ومحبّونا، ولا يبعد منها إلاّ أعداؤنا ومبغضونا» فلمّا خرجوا قالوا(7) : من سحر عليّ بن أبي طالب عليه السلام قليل . قال سلمان رحمه الله : ماذا تقولون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون»(8) .

في «مجمع الدرر» أنّه قال : روي بحذف الإسناد عن ابن عبّاس أنّه قال : صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلاة الغداة واستند إلى محرابه والناس حوله، منهم المقداد وحذيفة وأبو ذرّ وسلمان، وإذا بأصوات عالية قد مَلأت المسامع، فعند ذلك قال : «يا حذيفة أُنظر ما الخبر» ؟ قال : فخرجت وإذ(9) هم أربعون رجلاً على رواحلهم بأيديهم الرماح الخطّية، وعلى رؤوس الرماح أسنّة من العقيق الأحمر، على(10)كلّ واحد درّة


1- المائدة 5: 115 .
2- في المصدر : تدلى.
3- في المصدر : فقال.
4- في المصدر : وكلّما.
5- في المصدر : وتناولوا.
6- في المصدر : لم ننل.
7- في المصدر + : هذا.
8- «الخرائج والجرائح» ج1، ص219 و 220؛ «بحار الأنوار» ج41، ص249 و 250، ح4.
9- في «بحار الأنوار» : وإذا.
10- في «بحار الأنوار» : وعلى.

ص: 215

من اللؤلؤ، وعلى رؤوسهم قلانس مرصّعة(1) بالدرّ والجوهر(2)، يقدمهم غلام لا نبات بعارضه كأنّه فلقة قمر، وهم ينادون: الحذار الحذار البدار البدار إلى محمّد المختار المبعوث في الأرض ، قال حذيفة : فأخبرت النبيّ صلى الله عليه و آله بذلك فقال : «يا حذيفة انطلق إلى حجرة كاشف الكروب، وعبد علاّم الغيوب، والليث الحصور(3)، واللّسان الشكور، والهزبر الغيور، والبطل الجسور، والعالم الصبور، والذي حوا اسمه التوراة والإنجيل والزبور، انطلق إلى حجرة ابنتي فاطمة عليهاالسلام وائتني ببعلها عليّ بن أبي طالب عليه السلام ».

قال : فمضيت وإذا به قد تلقّاني وقال لي : «يا حذيفة جئت لتخبرني عن قومٍ أنا عالم بهم منذ خلقوا ومنذ ولدوا وفي أيّ شيء جاؤوا ؟» فقال حذيفة : فقلت : زادك اللّه علماً وفهماً يا مولاي، ثمّ أقبل عليه السلام إلى المسجد والناس(4) حافون بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، فلمّا رأوه نهضوا قياماً على أقدامهم، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه و آله : «كونوا على مجالسكم» فقعدوا، فلمّا استقرّ بهم المجلس قام الغلام الأمرد قائماً دون أصحابه وقال : يا(5)أيّها الناس أيّكم الراهب إذا انسدل الليل والظلام ؟ أيّكم مكسّر الأصنام ؟ أيّكم ساتر عورات النسوان ؟ أيّكم الشاكر لما أولاه المنّان ؟ أيّكم الضارب يوم الضرب والطعان ؟ أيّكم مكسّر رؤوس الفرسان ؟ أيّكم محمّد معدن الإيمان ؟ أيّكم وصيّه الذي ينصر به دينه على سائر الأديان ؟ أيّكم عليّ بن أبي طالب ؟ فعند ذلك قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «يا عليّ أجب الغلام - الذي هو في وصفه غلاّم- وقم لحاجته».


1- في «بحار الأنوار» : ضربة.
2- في «بحار الأنوار» : مرصوعة.
3- في «بحار الأنوار» : الجواهر.
4- في «بحار الأنوار»: الهصور.
5- في «بحار الأنوار» : القوم.

ص: 216

فعند ذلك قال عليّ عليه السلام : «ادن منّي يا غلام إنّي أُعطيك سؤلك والمرام وأشفي غليل السقام(1)بعون ربّ الأنام، فانطلق بحاجتك فأنا أُبلّغك أُمنيتك، لتعلِّم المسلمون إنّي سفينة النجاة وعصى موسى عليه السلام والكلمة الكبرى والنبأ العظيم والصراط(2)المستقيم» ، فقال الغلام : إنّ معي أخ(3)وكان مولعاً بالصيد، فخرج في بعض أيّامه متصيّداً فعارضته بقرات وحشٍ عشر فرمى إحداهنّ فقتلها، ففلج نصفه في الوقت والحال وقلّ كلامه حتّى أنّه لا يكلّمنا إلاّ إيماءً، وقد بلغنا أنّ صاحبكم يدفع عنه(4)، فإن شفى صاحبكم علّته آمنّا به، فنحن فينا(5)النجدة والبأس والقوّة والمراس ولنا الذهب والفضّة والخيل والإبل والمضارب العالية، ونحن سبعون ألفاً بخيول جياد، وسواعد شداد، ونحن بقايا قوم عاد.

فعند ذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أين أخوك عجاج ابن الحلاحل بن الغضب بن سعد بن المقنع بن عملاق بن ذهب بن صمب(6)العادي ؟» فلمّا سمع الغلام نسبه قال : هاهو في هودج سيأتي مع جماعة منّا، يامولاي إن شفيت علّته رجعنا عن عبادة الأوثان واتّبعنا ابن عمّك صاحب البردة والقضيب والغمام ، قال : فبينما هم في الكلام إذ أقبلت عجوز فوق جمل عليه محمل قد أبركته بباب المصطفى ، قال الغلام : جاء أخي يا فتى، فنهض أمير المؤمنين عليه السلام ودنا من المحمل، فإذا فيه غلام له وجه صبيح، ففتح عينيه ونظر إلى وجه عليّ عليه السلام وبكى(7)، وقال بلسان ضعيف وقلب حزين: إليكم المشتكى والملتجى يا أهل بيت النبوّة ، فقال له عليّ عليه السلام : «لا بأس عليك بعد اليوم» ثمّ


1- في «بحار الأنوار» : الأسقام.
2- في «بحار الأنوار» : وصراطه.
3- في «بحار الأنوار» : أخي.
4- في «بحار الأنوار» + : ما يجده.
5- في «بحار الأنوار»: بني.
6- في «بحار الأنوار» : سعد.
7- في «بحار الأنوار» : فبكى.

ص: 217

نادى: «أيّها الناس اخرجوا هذه الليلة إلى البقيع سترون من عليّ عليه السلام عجباً» .

قال حذيفة بن اليماني(1) : فاجتمع الناس من العصر إلى أن هدى الليل، ثمّ خرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام ومعه ذو الفقار فقال : «اتّبعوني حتّى أُريكم عجباً» فتبعوه فإذا(2)بنارين متفرّقتين(3)نار كثيرة ونار قليلة، فدخل عليه السلام في النار القليلة فأقبلها على النار الكثيرة .

قال حذيفة : فسمعت زمجرة كزمجرة الرعد وقد قلب النار بعضها في بعض، ثمّ دخل فيها ونحن بالبعد منه، وقد تداخلنا الرعب من كثرة الزمجرة ونحن ننظر(4) ما يصنع بالنار ولم يزل كذلك إلى أن أسفر الصباح، ثمّ خمدت النار فطلع عليه السلام منها وقد كنّا آيسنا منه، فوصل إلينا وبيده رأس فيه ذروة له إحدى عشر إصبعاً وله عين واحدة في جبهته وهو ماسك شعره وله شعر كالدبّ، فقلنا له : أعانك اللّه (5)، ثمّ أتى به إلى المحفل الذي فيه الغلام ، وقال : «قم بإذن اللّه تعالى ياغلام» فما بقي عليك بأس، فنهض الغلام ويداه صحيحتان ورجلاه سليمتان، فانكبّ على رجلي(6) الإمام يقبّلهما وهو يقول : مدّ يدك فإنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه وأنّك عليّ وليّ اللّه وناصر دينه.

ثمّ أسلم القوم الذين كانوا معه قال : وبقي الناس متحيّرون قد بهتوا لمّا رأوا الرأس وخلقته، فالتفت إليهم عليّ عليه السلام وقال : «يا أيّها الناس هذا(7) عمرون الأخيل بن الأقيس بن إبليس لعنه اللّه كان في اثنى عشر ألف فيلق(8) من الجنّ وهو الذي


1- في «بحار الأنوار» : اليمان.
2- في «بحار الأنوار» + : هو.
3- في «بحار الأنوار» : متفرّقة.
4- في «بحار الأنوار» : ننتظر.
5- في «بحار الأنوار» : أعان اللّه عليك.
6- في «بحار الأنوار» : رجل.
7- في «بحار الأنوار» + : رأس.
8- فيلق: يعني عسكر، منه رحمة اللّه عليه.

ص: 218

فعل بالغلام ما شاهدتموه، فضربتهم بسيفي هذا وقاتلتهم بقلبي، فماتوا كلّهم بالاسم الأعظم الذي كان على عصا موسى عليه السلام الذي ضرب بها البحر فانفلق اثنا عشر فرقاً، فاعتصموا بطاعة اللّه وطاعة رسوله ترشدوا»(1) .

وفي «الخرائج والجرائح» عن الصادق عليه السلام : «إنّه كان قوم من بني مخزوم ولهم خؤلة من عليّ عليه السلام فأتاه شابّ منهم(2) فقال : يا خال مات تَربٌ لي فحزنت عليه حزناً شديداً قال : «فتحبّ أن تراه» ؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : «فانطلق بنا إلى قبره» فدعى(3)اللّه تعالى وقال : «قم يا فلان بإذن اللّه تعالى» فإذا الميّت جالس على رأس القبر وهو يقول: ونيه ونيه شالاً، معناه: لبّيك لبّيك سيّدنا ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ما هذا اللسان ألم تمت وأنت رجل من العرب» ؟ قال : نعم ولكنّي متّ على ولاية فلان وفلان فانقلب لساني إلى ألسنة أهل النار»(4) .

وفيه عن الباقر عليه السلام أنّه قال : «إنّ عليّاً عليه السلام مرّ يوماً في أزقّة الكوفة، فانتهى إلى رجلٍ قد حمل جرّياً»(5) فقال عليه السلام : «انظروا إلى هذا قد حمل إسرائيليّاً»(6) فقال عليه السلام : «أمّا إنّه إذا كان يوم الخامس ارتفع لهذا الرجل من صدغه دخان» فيموت مكانه، فأصابه في اليوم الخامس ذلك فمات فحمل إلى قبره، فلمّا(7) جاء أمير المؤمنين عليه السلام مع جماعة إلى قبره فدعى اللّه تعالى ثمّ رفسه برجله، فإذا الرجل قائم بين يديه يقول(8): الرادّ على عليّ عليه السلام كالرادّ على اللّه ورسوله(9) ، فقال عليه السلام : «عُد إلى قبرك فعاد فيه


1- «بحار الأنوار» ج39، ص186 189، ح25.
2- في المصدر + : يوماً.
3- في المصدر : فدعا.
4- «الخرائج والجرائح» ج1، ص173؛ «بحار الأنوار» ج41، ص192.
5- في المصدر : جريثاً.
6- في المصدر + : «فأنكر الرجل وقال : متى صار الجريث إسرائيليّاً، فقال عليّ عليه السلام ...».
7- في المصدر +: دفن.
8- في المصدر + : وهو.
9- في المصدر + : وعلى.

ص: 219

فانطبق القبر عليه»(1) .

وفيه(2)أيضاً : ما روي عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : «إنّ غلاماً يهوديّاً قدم على أبي بكر فيخلافته فقال : السلام عليك يا أبا بكر، فوجيء عنقه، وقيل له : لِمَ لم تسلّم عليه بالخلافة ؟ ثمّ قال له أبو بكر : ما حاجتك ؟ قال : مات والدي(3) يهوديّاً وخلّف كنوزاً وأموالاً، فإذا(4) أنت أظهرتها وأخرجتها إليَّ أسلمت على يدك وكنت مولاك وجعلت لك ثلث ذلك المال وثلثاً للمهاجرين والأنصار وثلثاً لي، فقال أبو بكر : يا خبيث وهل يعلم الغيب إلاّ اللّه ونهض أبو بكر.

ثمّ انتهى اليهودي إلى عمر فسلّم عليه وقال : إنّي أتيت أبا بكر أسأله عن مسألة فأُوجِعتُ ضرباً وأنا أسألك عن المسألة، وحكى قصّته، قال: هل(5)يعلم الغيب إلاّ اللّه، ثمّ خرج اليهودي إلى عليّ عليه السلام وهو في المسجد فسلّم عليه وقال : يا أمير المؤمنين وقد سمعه أبو بكر وعمر فوكزوه وقالوا : يا خبيث هلاّ سلّمت على الأوّل كما سلّمت على عليّ عليه السلام ؟ والخليفة أبو بكر ، فقال اليهودي : واللّه ما سمّيته بهذا الاسم حتّى وجدت ذلك في كتب آبائي وأجدادي في التوراة فقال عليه السلام (6) : «وتفي بما تقول» ؟ قال : نعم وأُشهد اللّه وملائكته وجميع من يحضرني، قال : نعم فدعى عليه السلام برقّ أبيض وكتب عليه كتاباً ثمّ قال : «تحسن أن تكتب ؟» قال : نعم.

قال عليه السلام : «خذ معك ألواحاً وصر إلى بلاد اليمن وسل عن وادي برهوت


1- في المصدر : وقال له عُد في قبرك.
2- «الخرائج والجرائح» ج1، ص174؛ «بحار الأنوار» ج41، ص192، ح3.
3- «الخرائج والجرائح» ج1، ص192.
4- في المصدر : أبي.
5- في المصدر : فإنْ.
6- في المصدر + : وهَل.

ص: 220

بحضرموت فإذا صرت بطرف الوادي عند غروب الشمس فاقعد هناك فإنّه سيأتيك غرابيب سود مناقيرها وهي تنعب فإذا نعبت هي فاهتف باسم أبيك وقل : يا فلان أنا رسول وصي رسول اللّه محمّد صلى الله عليه و آله فكلّمني، فإنّه سيجيبك أبوك ولا تفتر عن سؤاله عن الكنوز التي خلّفها فكلّ ما أجابك به في ذلك الوقت وتلك الساعة فاكتبه في لوحك»(1) فإذا انصرفت إلى بلادك بلاد خيبر فتتّبع ما في ألواحك أو اعمل(2) بما فيها».

فمضى اليهودي حتّى انتهى إلى واد اليمن وقعد هناك كما أمره عليه السلام ، فإذا هو بالغرابيب السود قد أقبلت تنعب فهتف اليهودي فأجابه أبوه وقال : ويلك ما جاء بك في هذا الوقت إلى هذا الموطن وهو من مواطن أهل النار ؟ قال : جئت(3) أسألك عن كنوزك أين خلّفتها ؟ قال : في جدار كذا وفي موضع كذا وفي حيطان كذا فكتب الغلام ذلك ثمّ قال : ويلك اتّبع دين محمّد صلى الله عليه و آله ، وانصرفت الغرابيب، ورجع اليهودي إلى بلاد خيبر وخرج بغلمانه وفعلته وإبل وجواليق، وتتبّع ما في ألواحه فأخرج كنزاً من أواني الفضّة وكنزاً من أواني الذهب ثمّ أوقر عيراً وجاء حتّى دخل على عليّ عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ(4) محمّد رسول اللّه، وأنّك وصيّ محمّد صلى الله عليه و آله وأخوه وأمير المؤمنين حقّاً كما سمّيت، وهذه عير دراهم ودنانير فاصرفها حيث أمرك اللّه ورسوله (5) ... الحديث .

وفي «البحار» عن ميثم التمّار أنّه قال : كنت بين يديّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في جامع الكوفة مع(6) جماعة من أصحابه وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو


1- في المصدر : ألواحك.
2- في المصدر : واعمل.
3- في المصدر : جئتك.
4- في المصدر +: وأشهد.
5- «الخرائج والجرائح» ج1، ص192_ 194؛ «بحار الأنوار» ج41، ص196 و 197، ح9.
6- في المصدر : في.

ص: 221

كأنّه البدر بين الكواكب، إذ دخل علينا من باب المسجد رجل طويل عليه قباء خزّ أدكن(1) وقد اعتمّ بعمامة صفراء وهو متقلّد بسيفين، فدخل وبرك بغير سلام ولا ينطق بكلام، فتطاولت إليه الأعناق ونظروا إليه بالآماق وقد وقف عليه الناس من جميع الآفاق ومولانا أمير المؤمنين لا يرفع رأسه إليه ، فلمّا هدأت الناس(2) الحواسّ أفصح عن لسانه كأنّه حسام جذب عن غمده وقال(3) : أيّكم المجتبى في الشجاعة والمغمّ(4) بالبراعة؟ أيّكم المولود في الحرم والعالي في الشيم(5) والموصوف بالكرم؟ أيّكم أصلع الرأس والبطل الدّعاس والمضيّق للأنفاس والآخذ بالقصاص؟ أيّكم غصن أبي طالب الرطيب وبطله المهيب والسهم(6) المصيب والقسم المجيب(7)؟ أيّكم خليفة محمّد صلى الله عليه و آله الذي نصره في زمانه واعتزّ به سلطانه وعظم به شأنه ؟ فعند ذلك رفع أمير المؤمنين عليه السلام رأسه إليه فقال : «ما لك يا أبا(8) سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجيّة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الأشعث بن السمع(9) الرومي، اسأل عمّا شئت فأنا عيبة علم النبوّة» .

قال : قد بلغنا عنك أنّك وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخليفته على قومه بعده، وأنّك محلّ المشكلات وأنا رسول إليك من ستّين ألف رجل يقال لهم العقيمة، وقد حمّلوني ميّتاً قد مات من مدّة، وقد اختلفوا(10) في سبب موته وهو باب(11) المسجد، فإن أحييته


1- قال في «لسان العرب» ج13، ص157، مادّة دكن : دكن : لون الأدكن كلون الخزّ الذي يضرب إلى الغبرة بين الحمرة والسواد.
2- في المصدر + : مِنْ.
3- في المصدر _ : وقال.
4- في المصدر : المعم.
5- قال في «لسان العرب» ج12، ص329، مادّة شيم : الشيمة : الخُلُق.
6- في المصدر : المسهم.
7- في المصدر : النجيب.
8- في المصدر : ياباسعد.
9- في المصدر : أبي السمع.
10- في المصدر : اختلفا.
11- في المصدر : بباب.

ص: 222

إنّك صادق نجيب الأصل، وتحقّقنا أنّك حجّة اللّه في أرضه وخليفة محمّد صلى الله عليه و آله على قومه ، وإن لم تقدر على ذلك رددناه إلى قومه وعلمنا أنّك تدّعي غير الصواب وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : «يا ميثم اركب بعيرك ونادي(1) في شوارع الكوفة ومحالّها : من أراد أن ينظر إلى ما أعطى اللّه عليّاً عليه السلام أخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وزوج ابنته من العلم الربّاني فليخرج إلى النجف» ، فخرج الناس إلى النجف .

فقال الإمام عليه السلام : «يا ميثم هات الأعرابي وصاحبه» ، فخرجت ورأيته راكباً تحت القبّة التي فيها الميّت، فأتيت بهما إلى النجف، فعند ذلك قال عليّ عليه السلام : «قولوا فينا ما ترون منّا وأرادوا(2)عنّا ما تشاهدونه منّا »، ثمّ قال : «يا أعرابي أبرك الجمل وأخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين» .

قال ميثم : فأخرجت تابوتاً وفيه وطأ دياج أخضر وفيها غلام أوّل ماتم عذاره على خدّه، وله ذوائب(3) كذوائب الامرأة الحسناء ، فقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : كم لميّتكم؟ قال : أحد وأربعون يوماً ، قال : وما سبب موته(4)؟ فقال الأعرابي : لسنا نقنع بقولك، فإنّا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله لترتفع الفتنة والسيف والقتال.

فعند ذلك قام الإمام عليه السلام (5) فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر النبيّ صلى الله عليه و آله فصلّى عليه وقال : «يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل أجلّ(6) عند اللّه منّي قدراً وأنا أخو رسول


1- في المصدر : نادِ.
2- في المصدر : ارووا.
3- في المصدر : بذوائب.
4- في المصدر + : فقال الأعرابي : يا فتى إنّ أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله، لأنّه بات سالماً وأصبح مذبوحاً من أُذنه إلى أُذنه، ويطالب بدمه خمسون رجلاً، يقصد بعضهم بعضاً، فاكشف الشكّ والريب ياأخا محمّد، قال الإمام عليه السلام : «قتله عمّه، لأنّه زوّجه ابنته فخلاها وتزوّج بغيرها، فقتله حنقاً عليه».
5- في المصدر + : عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
6- في المصدر : بأجل.

ص: 223

اللّه، وإنّها أحيت ميّتاً بعد سبعة أيّام». ثمّ دنى أمير المؤمنين عليه السلام من الميّت وقال : «إنّ بقرة بني إسرائيل ضُرِبت(1) ببعضها الميّت فعاش، وأنا أضرب هذا الميّت ببعضي لأنّ بعضي خيرٌ من البقرة كلّها» ، ثمّ هزّه برجله وقال : «قم بإذن اللّه يا مدرك بن حنظلة بن غسّان بن سلامة(2)بن الطيّب بن الأشعث، فقد(3) أحياك اللّه تعالى على يد عليّ بن أبي طالب عليه السلام » .

قال ميثم التمّار : فنهض غلام أضوأ من الشمس أضعافاً ومن القمر أوصافاً ، فقال : لبّيك لبّيك يا حجّة اللّه على الأنام، المتفرّد بالفضل والإنعام، فعند ذلك قال عليه السلام : «يا غلام من قتلك؟» قال : قتلني عمّي الحارث بن غسّان ، قاله(4) الإمام عليه السلام : «انطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك» ، فقال : يا مولاي لا حاجة لي إليهم، أخاف أن يقتلوني مرّة اُخرى ولا يكون عندي من يحييني ، قال : فالتفت الإمام إلى صاحبه وقال له : «امض إلى أهلك فاخبرهم» . قال : يا مولاي : واللّه لا أُفارقك بل أكون معك حتّى يأتي اللّه بأجلي من عنده، فلعن اللّه من اتّضح له الحقّ وجعل بينه وبين الحقّ ستراً ولم يزل بين يدي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حتّى قُتل بصفّين . ثمّ إنّ أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة واختلفوا أقوالاً فيه عليه السلام (5).

في «الخرائج والجرائح»: ما روي عن سليمان الأعمش عن سمرة بن عطيّة عن سلمان الفارسي رحمه الله قال : إنّ امرأة من الأنصار يُقال لها: اُمّ فروة تحرّض على بيعة(6) أبي بكر وتحثّ على بيعة عليّ عليه السلام ، فبلغ أبا بكر فأحضرها واستتابها فأبت عليه،


1- في المصدر : ضرب.
2- في المصدر + : بن بحير بن فهر.
3- في المصدر : فها قد.
4- في المصدر : قال له.
5- «بحار الأنوار» ج40، ص274_ 277.
6- في المصدر : تحض على نكث بيعة.

ص: 224

فقال : يا عدوّة اللّه تحرّضين(1) على فرقة جماعة اجتمع عليها المسلمون ، فما قولك بإمامتي(2)؟ قالت : ما أنت بإمام ، قال : فمن أنا؟ قالت : أمير قومك إن(3) اختارك قومك وولّوك فإذا كرهُوكَ عزلوك فالإمام المخصوص من اللّه ورسوله لا يجوز عليه الجور ، وعليّ عليه السلام هو الأمير والإمام المخصوص(4)، يعلم ما في الظاهر والباطن وما يحدث في المشرق والمغرب من الخير والشرّ ، وإذا قام في شمس أو قمر فلا نيء له، ولا تجوز الإمامة لعابد وثن ولا لمن كفر ثمّ أسلم، أفَمِن(5) أيّهما أنت ياابن أبي قحافة؟ قال : أنا من الأئمّة الذين اختارهم اللّه لعباده ، فقالت : كذبت على اللّه ، لوكنت ممّن اختارك اللّه لعباده(6) لذكرك في كتابه كما ذكر غيرك، إذ قال(7) عزّوجلّ : «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»(8) ، ويلك إن كنت إماماً حقّاً، فما اسم سماء الدُّنيا(9) والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ، فبقي أبو بكر لا يحير جواباً ، ثمّ قال: اسمها عند اللّه الذي خلقها ، قالت : لو جاز للنساء أن يعلّمن علّمتك (10)، قال : يا عدوّة لتذكرين(11) اسم سماء سماء وإلاّ قتلتك ، قالت : أبالقتل تهدّدني واللّه ما أُبالي أن يجري قتلي على يد(12) مثلك ولكنّي أخبرك؛ أمّا سماء الدُّنيا(13) أيلول، والثانية ربعول14، والثالثة سحقوم، والرابعة دبلوم15، والخامسة


1- في المصدر : أتحضين.
2- في المصدر : في إمامتي.
3- في المصدر _ : إن.
4- في المصدر _ : لايجوز عليه الجور وعليّ عليه السلام هو الأمير والإمام المخصوص.
5- في المصدر _ : أ.
6- في المصدر _ : لعباده.
7- في المصدر _ : إذ.
8- السجدة 32 : 24 .
9- في المصدر : السماء الدنيا الأُولى.
10- في المصدر : الرجال لعلمتك.
11- في المصدر : يا عدوّة اللّه لتذكرن.
12- في المصدر : يدي.
13- في المصدر + : الاُولى فأيلول.

ص: 225

ماين، والسادسة ماجير(1)، والسابعة أيوث ، فبقي أبو بكر ومن معه متحيّرون(2) ، فقال لها(3) : ما تقولين في عليّ عليه السلام ؟ قالت : وما عسى أن أقول في إمام الأئمّة ووصيّ الأوصياء، من أشرق بنوره الأرض والسماء، ومن لا يتمّ التوحيد إلاّ بحقيقة معرفته، ولكنّك نكثت واستبدلت(4) وبعت دينك(5) .

قال أبو بكر : اقتلوها فقد ارتدّت. فقُتِلت وكان عليّ عليه السلام في ضيعة له بوادي القرى ، فلمّا قدم وبلغه قتل اُمّ فروة خرج(6) إلى قبرها وإذا عند قبرها أربع(7) طيور بيض، مناقيرها حمر في منقار كلّ واحد حبّة رمّان(8) وهي تدخل في فرجة في القبر ، فلمّا نظرت(9) الطيور إلى عليّ عليه السلام رفرفن وقوقرن فأجابهنّ(10) بكلام يشبه كلامهنّ(11) وقال : «أفعل إن شاء اللّه تعالى» ، فوقف(12)على قبرها ومدّ يده إلى السماء وقال : «يامحيي النفوس بعد الموت ، يا منشئ العظام الدارسات أحيي لنا أُمّ فروة واجعلها عبرة لمن عصاك» فإذا بهاتف يقول : امض لأمرك يا أمير المؤمنين عليه السلام ، وخرجت اُمّ فروة ملتحفة(13)بريطة(14) خضراء من السندس الأخضر(15) وقالت : يا


1- في المصدر : زبنول.
2- في المصدر : ذيلول.
3- في المصدر : ماحيز.
4- في المصدر : متحيّرين.
5- في المصدر : وقالوا لها.
6- في المصدر : ممّن نكث واستبدل.
7- في المصدر + : بدنياك.
8- في المصدر + : فخرج.
9- في المصدر : أربعة.
10- في المصدر + : كأحمر ما يكون.
11- في المصدر : نظر.
12- في المصدر: فأجابها.
13- في المصدر : كلامها.
14- في المصدر : ووقف.
15- في المصدر : متحلّفة.

ص: 226

مولاي أراد ابن أبي قحافة أن يطفئ نورك فأبى اللّه لنورك إلاّ ضياء .

وبلغ أبا بكر وعمر ذلك فبقيا متعجّبان(1) ، فقال لهما سلمان رحمه الله : لو أقسم أبو الحسن عليه السلام على اللّه أن يحيي الأوّلين والآخرين لأحياهم. وردّها أمير المؤمنين إلى زوجها وولدت له غلامان(2) وعاشت بعد عليّ ستّة أشهر ثمّ ماتت بعد ذلك(3) .(4)

وللخليعي في مدحه عليه السلام :

سارت بأنوار علمك السيرُ وحدثت عن جلالك السور

والمادحون المخبرون غلوا وبالغوا في ثناك واعتذروا

والأنبياء المكرمون وفوا فيك بما عاهدوا وما غدروا

وعظّمتك التوراة والصحف الأُولى وأثنى الإنجيل والزبر

وأحكم اللّه في إمامتك الآيات واستبشرت بك العصرُ

وذكّر المصطفى فاسمع من ألقى لك(5) السمع وهو مدّكرُ

وجدّ في نصحهم فما قبلوا وما(6) استقاموا له كما اُمِروا

واختلفوا فيك أيّها النبأ الأعظم إلاّ من دلّه النظرُ

فمعشرٌ آمنوا فزادهم اللّه بياناً ومعشرٌ كفروا

وأكتموا الغلّ في صدورهم وأبطنوا في العناد واستتروا

وابتدعوا ظلم فاطمة وروى في منعها الإرث ذلك الخبرُ

أسماؤك المشرقات في أوجه القرآن من(7) كلّ سورة غُررُ


1- في المصدر _ : الأخضر.
2- في المصدر : متعجّبين.
3- في المصدر : ولدت غلامين له.
4- في المصدر _ : ثمّ ماتت بعد ذلك.
5- «الخرائج والجرائح» ج2، ص548 550؛ «بحار الأنوار» ج41، ص199_ 201.
6- في «الغدير» : له.
7- في «الغدير» : ولا.

ص: 227

سمّ_اك ربّ العباد قسورة من حيث فزّوا(1) كأنّهم حمرُ

والعين والجنب أنت والوجه(2) و الهادي وليل(3) الضلال معتكرُ

وصاحب الأمر في الغدير وقد نجنح لما ولّيتها عمرُ(4)

أقامك اللّه للعباد فسلّم بقعدك عمّا أقامك البشرُ

لو شئت ما مدّ حبترٌ يده لها ولا نال حكمها عمرُ

لكن تأنّيت في الاُمور ولم تعجل عليهم وأنت مقتدرُ

طويت في ذلك حكمة ولك الحكمة تطوى طوراً وتنتشرُ

راقبت يوماً من أوليائك في الظهور علماً بهم وما ظمروا

يا خيرة اللّه في البريّة إذ ردّوا وقد خيف منهم الضررُ

سيرك فوق البساط ينبئهم على معاني علاك لو شعروا

وردّك الشمس في الدُّجى بناء فيه لأهل الضلال مزدجرُ

ولشرك الميّت حكمة بلغت فيهم فلم تغن عنهم النذرُ(5)

وعن الأصبغ بن نباتة أنّه قال : مرّ مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بالبقيع وامرأة قاعدة على رأس قبر وهي تبكي وتصيح وتجزع، فقال عليه السلام : «أيّتها المرأة اصبري» ، فقالت المرأة وقالت : يا مولاي كيف أصبر وهو ولدي وقرّة عيني ، فقال عليه السلام : «أتحبّين أن أحييه لك؟» قالت : نعم يا أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ أتى إلى قبره فوقف عليه ثمّ رفس القبر برجله وقال : «قم يا عبد اللّه» فانفرج القبر فخرج ابنها حيّاً ، فلمّا رأته اُمّه ورآها بكيا فرحمهما، وقال عليه السلام : «أتحبّ أن تذهب مع اُمّك إلى البيت؟» فقال : نعم يا (6)


1- في «الغدير» : في.
2- في «الغدير» : فرّوا.
3- في «الغدير» : والوجه أنت.
4- في «الغدير» : والليل.
5- في «الغدير» : ياصاحب الأمر في يوم الغدير و قد بخبخ لمّا وليته عمر
6- «الغدير في الكتاب والسنّة والأدب» لعبد الحسين الأميني، ج2، ص11 و 12.

ص: 228

خليفة اللّه ، قال : فدفعه إلى اُمّه فعاش عشرين سنة ثمّ مات(1) .

لعبد اللّه الحلبي في مدح أمير المؤمنين عليه السلام :

يا آية اللّه بل يا فتنة البشر يا غاية الخلق بل يا منتهى القدرِ

يا من إليه إشارات العقول ومن فيه الألبّاء بين العجز والخطرِ

تقيّمت أفكار ذو الأفكار حين رؤوا آيات شأنك في الأيّام والعصرِ

يا أوّلاً آخراً نوراً ومعرفة يا ظاهراً باطناً في العين والأثرِ

لك العبارة في النطق البليغ كما لك الإشارة بالآيات والسورِ

كم خاص فيك أُناسٌ فانتهوا فإذا مغناك محتجبٌ عن كلّ مقتدرِ

أنت الدليل لمن حارت بصيرته عليه في مشكلات القول والعبرِ

أنت السفينة مَنْ صدقاً تمسّكها نجى ومن حاد عنها خاض في الشررِ

أنت الغنيّ عن الدُّنيا وزخرفها إذ أنت سام على ما في قوى البشرِ

فليس قبلك للأفكار ملتمسٌ وليس بعدك تحقيق لمعتبرِ

تفرّق الناس إلاّ فيك وائتلفوا فالبعض في جنّةٍ والبعض في سقرِ

وفرقة وقعت لا النور يرفعها ولا بصائرها فيها ذووا عورِ

تصالح الناس إلاّ فيك واختلفوا إلاّ عليك وهذا موضع الخطر

وكم أشاروا وكم أبدوا وكم ستروا والحقّ يظهر من بادٍ ومستترِ

أسماؤك الغرّ مثل النيّرات كما صفاتك السبع كالأفلاك في الأكرِ

وولدك الغرّ كالأبراج في فلكٍ المعنى وأنت مثال الشمس والقمرِ

قومٌ هم الآل آل اللّه من علقت بهم يداه نجى من لجّة الخطرِ

شطر الإمامة معراج النجاة إلى أوج العلوم وكم في الشطر من عبرِ

يا سرّ كلّ رسولٍ جاء مشتهراً وسرّ كلّ نبيٍّ غير مشتهرِ


1- لم نجد مصدره مع فحص كثير.

ص: 229

أجلّ قدرك عن وصفٍ لمتّصفٍ وأنت في العين مثل العين في الصورِ(1)


1- لم نجد مصدره.

ص: 230

ص: 231

الباب العاشر: في قضاياه وما أهدى قومه إليه مما أشكل عليهم

ص: 232

ص: 233

في قضاياه وما أهدى قومه إليه ممّا أشكل عليهم

في «البحار» نقلاً عن «إعلام الورى» و «الإرشاد»: ما رواه أهل السِيَر واشتهر به الخبر في العامّة والخاصّة حتّى نظمه الشعراء وخطب به البلغاء، ورواه الفقهاء(1) والعلماء من حديث الراهب بأرض كربلاء والصخرة، وشهرته تغني عن تكلّف إيراد الإسناد له: وذلك أنّ الجماعة روت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش عظيم(2) ونفذ(3) ما كان عندهم من الماء، فأخذوا يميناً وشمالاً يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثر، فعدل بهم أمير المؤمنين عليه السلام عن الجادة وسار قليلاً، ولاح لهم دير في وسط البريّة فسار بهم نحوه حتّى إذا صار في فنائه أمر من نادى ساكنه بالإطّلاع إليهم، فناداه(4) فأطلع، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «هل قرب قائمك هذا من ماء يتقوّت(5) به هؤلاء القوم؟» فقال : هيهات بيني وبين الماء أكثر من فرسخين وما بالقرب منّي شيء من الماء، لولا أنّني آت(6) بما يكفيني كلّ شهر على التقدير7 لتلفتُ عطشاً .


1- في المصدر : الفهماء.
2- في المصدر : شديد.
3- في المصدر : نفد.
4- في المصدر : فنادوه.
5- في المصدر : يتغوّث.
6- في المصدر : اُوتي.

ص: 234

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «أسمعتم ما قال الراهب؟» قالوا : نعم ، أفتأمرنا بالمسير إلى حيث أومى(1) إليه لعلّنا أن ندرك الماء وبنا قوّة؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا حاجة لكم إلى ذلك»، فلوى(2) عنق بغلته نحو القبلة، وأشار بهم إلى مكان بقرب الدير(3) فقال : اكشفوا الأرض عن(4) هذا المكان فعدل منهم جماعة إلى الموضع فكشفوه بالمساحي، فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع، فقالوا : يا أمير المؤمنين ههنا صخرة لا تعمل فيها المساحي، فقال عليه السلام لهم : «إنّ الصخرة على الماء، فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلعها» فاجتمع(5) القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً واستصعبت عليهم ، فلمّا رآهم أمير المؤمنين عليه السلام قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في الصخرة(6) واستصعب(7) عليهم لوى رجله عن سرجه حتّى صار على الأرض ثمّ حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ثمّ قلعها بيده ودحى بها أذرعاً كثيرة ، فلمّا زالت من مكانها ظهر لهم بياض الماء، فبادروا إليه فشربوا منه، فكان أعذب ما شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : «تزوّدوا وارتووا ففعلوا»(8).

ثمّ جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت، فأمر أن يغطّى(9) أثرها بالتراب هذا(10) والراهب ينظر من فوق ديره، فلمّا استوفى علم ما جرى نادى : أيّها


1- في المصدر: على التقتير.
2- في المصدر: أوما.
3- في المصدر : ولوى.
4- في المصدر : بقرب الدير.
5- في المصدر : في.
6- في المصدر : فاجتمعوا.
7- في المصدر + : قلع.
8- في المصدر : واستصعب.
9- في المصدر + : ذلك.
10- في المصدر : أن يعفى.

ص: 235

الناس انزلوني انزلوني فاحتالوا في إنزاله، فوقف بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا هذا أنت نبيّ مرسل؟ فقال عليه السلام : «لا» ، فقال : فملكٌ مقرّب؟ قال : «لا» ، قال : فمن أنت؟ قال : «أنا وصيّ رسول اللّه محمّد بن عبداللّه خاتم النبيّين صلى الله عليه و آله ، فقال : ابسط يدك لأُسلّم(1) للّه تبارك وتعالى على يديك، فبسط أمير المؤمنين عليه السلام يده وقال له : «اشهد الشهادتين» ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وأشهد أنّك وصيّ رسول اللّه وأحقّ(2)بالأمر من بعده .

فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وعلّمه(3) شرائط الإسلام ، ثمّ قال عليه السلام له : «ما الذي دعاك الآن إلى الإسلام بعد طول مقامك في هذا الدِّين(4) على الخلاف؟» فقال(5) : أخبرك يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الدّير بُني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها، وقد مضى عالمٌ قبلي فلم يدركوا ذلك وقد رزقنيه اللّه عزّوجلّ ، ونجد(6)في كتاب من كتبنا ونأثر عن علمائنا أنّ في هذا الصقع عيناً عليها صخرة لا يعرف مكانها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ، وأنّه لابدّ من وليّ اللّه يدعو إلى الحقّ، آيته معرفة مكان هذه الصخرة وقدرته على قلعها، وإنّي لمّا رأيتك قد فعلت ذلك تحقّقت ما كنّا ننتظره وبلغتُ الاُمنية منه، فأنا اليوم مسلم على يديك ومؤمن بحقّك ومولاك .

فلمّا سمع أمير المؤمنين عليه السلام كلامه بكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع وقال : «الحمد للّه الذي كنت في كتبه مذكوراً» .

ثمّ دعى الناس فقال : «اسمعوا ما يقولوا أخوكم السليم»(7) فسمعوا مقالته وكثر


1- في المصدر : أسلم.
2- في المصدر + : الناس.
3- في المصدر : فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام عليه.
4- في المصدر : الدير.
5- في المصدر : قال.
6- في المصدر : إنّا نجد.
7- في المصدر : المسلم.

ص: 236

حمدهم للّه وشكرهم على النعمة التي أنعم بها عليهم في معرفتهم بحقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ ساروا والراهب بين يديه في جملة أصحابه حتّى لقى أهل الشام، وكان الراهب في جملة من استشهد معه، فتولّى عليه السلام الصلاة عليه ودفنه وأكثر من الاستغفار له، وكان إذا ذكره يقول : «ذاك مولاي» .

وفي هذا الخبر ضروب من المعجزات(1): أحدهما: علم الغيب والثاني: القوّة التي خرق العادة بها وتميّزها(2) بخصوصيّتها من الأنام، مع ما فيه من ثبوت البشارة به في كتب اللّه الأُولى، وذلك(3) قوله سبحانه وتعالى : «ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الاْءِنْجِيلِ»(4).

وفي مثل ذلك يقول السيّد إسماعيل بن محمّد الحميري من قصيدته(5)البائية المذهّبة :

ولقد سرى فيما يسير بليلةٍ بعد العشاء بكربلا في موكبِ

حتّى أتى متبتّلاً في قائمٍ ألقى قواعده بقاع مجدبِ

يأتيه ليس بحيث يلقى عامرٍ غير الوحوش وغير أصلع أشيبِ

فدنى فصاح به فأشرف ماثلاً كالنسر فوق شظية من مرقبِ

هل قربُ قديمك(6)الذي بوأته ماء يصاب فقال ما من مشربِ

إلاّ بغاية فرسخين ومن لنا بالماء بين نفي وفيٍّ(7) سبسبِ

فثنى الأعنّة نحو وعث فاجتلى ملساء تلمع كاللجين المذهّبِ


1- في المصدر : المعجز.
2- في المصدر : تميّزه.
3- في المصدر + : مصداق.
4- الفتح 48: 29 .
5- في المصدر : في قصيدته.
6- في المصدر : قائمك.
7- في المصدر : وقيٍّ.

ص: 237

قال: اقلبوها إنّكم إن تقلبوا ترووا ولا تروون إن لم تقلبِ

فاعصوصبوا في قلعها فتمنّعت منهم تمنّع صعبةٍ لم تُركبِ

حتّى إذا أعيتهم أهوى لها كفّاً متى ترد المغالب تغلبِ

فكأنّها كرة بكفّ حزّورٍ عبل الذراع دحى بها في ملعبِ

فسقاهم من تحتها متسلسلاً عذباً يزيد على الألذّ الأعنبِ(1)

حتّى إذا شربوا جميعاً ردّها ومضى فخلت مكانها لم يقربِ

وزاد فيها ابن ميمون بقوله :

آيات(2) راهبها سريرة معجز فيها وآمن بالوصيّ المنجبِ

ومضى شهيداً صادقاً في نصره أكرم به من راهبٍ مترهِّبِ

أعني ابن فاطمة الوصيّ ومن يقل في فضله وفعاله لم يكذبِ(3)

رجلٌ كلا طرفيه(4) من سامٍ وما حام له بأبٍ ولا بأب أبِ

من لا يفرّ ولا يرى في معركٍ إلاّ وصارمه خضيب المضربِ(5)

وروي أنّه عليه السلام أشار برمحه إلى الدجلة فشقّ حتّى كشف أرضها، فعبر عليه السلام مع عسكره، وكذا أشار في صفّين بيده إلى الفرات فشقّ حتّى عبر عليه السلام مع عسكره (6).

وفي «البحار» نقلاً من «الروضة» بالإسناد يرفعه إلى عمّار بن ياسر وزيد بن أرقم قالا : كنّا بين يديّ أمير المؤمنين عليه السلام وكان يوم الاثنين لسبع عشر خلت من صفر، وإذا بزعقة عظيمة أملت(7) المسامع وكان على دكّة القضاء فقال : «يا عمّار ائتني


1- في المصدر : الأعذب.
2- في المصدر + : وآيات.
3- في المصدر : لا يكذب.
4- في المصدر : كلا كلا طرفيه.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص260_ 264؛ «الإرشاد» ج1، ص334_ 338.
6- لم نجد مصدرها مع فحص كثير.
7- في المصدر : أملأت.

ص: 238

بذي الفقار» وكان وزنه سبعة أمنان وثلثي منٍّ مكّي، فجئته به(1)فانتضاه من غمده وتركه(2) على فخذه وقال : «يا عمّار هذا يوم أكشف فيه(3)لأهل الكوفة الغمّة، ليزداد المؤمن وفاقاً والمخالف نفاقاً ، يا عمّار رأيت من(4) على الباب؟» قال عمّار : فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبّة على جمل وهي تشتكي وتصيح: يا غياث المستغيثين، ويا بغية الطالبين، ويا كنز الراغبين، ويا ذا القوّة المتين، ويا مطعم اليتيم، ويارازق العديم، ويا مُحيي كلّ عظم رميم، ويا قديم سبق قِدمه كلّ قديم، ويا عون من ليس له عون ولا معين، يا طود من لا طود له، يا كنز من لا كنز له ، إليك توجّهت وبوليّك توسّلت وخليفة رسولك قصدت، فبيّض وجهي وفرّج عنّي كربتي .

قال عمّار : وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة وهم(5) قوم لها وقوم عليها ، فقلت : أجيبوا أميرالمؤمنين أجيبوا عيبة علم النبوّة ، قال : فنزلت المرأة من القبّة ونزل القوم معها ودخلوا المسجد، فوقفت المرأة بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام وقالت : يا مولاي يا إمام المتّقين، إليك أتيت وإيّاك قصدت فاكشف كربتي وما بي من غمّة، فإنّك قادر على ذلك وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فعند ذلك قال عليه السلام : «يا عمّار نادي(6) في الكوفة: من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه اللّه أخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فليأت المسجد» .

قال : فاجتمع الناس حتى امتلأ المسجد، فقام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وقال : «سلوني ما بالكم(7) ياأهل الشام، فنهض من بينهم شابّ8 عليه بردة يمانية فقال :


1- في المصدر : فجئت به.
2- في المصدر : فتركه.
3- في المصدر _ : فيه.
4- في المصدر : إئت بمن.
5- في المصدر _ : هم.
6- في المصدر : نادِ.
7- في المصدر: ما بدا لكم.

ص: 239

السلام عليك يا أمير المؤمنين ويا كنز الطالبين، يا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرب وقد نكست رأسي بين عشيرتي، وأنا موصوف بين العرب وقد فضحتني في أهلي ورجالي لأنّها عاتق حامل، وأنا فليس بن عفريس، لا تخمد لي نار ولا يضام لي جار، وقد بقيت حائراً في أمري، فاكشف عنّي هذه(1) الغمّة، فإنّ الإمام خبير بالأمر وهذه(2) غمّة عظيمة لم أر مثلها ولا أعظم منها .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام (3): «يا جارية فيما قال أبوك؟» قالت : يا مولاي ما قوله عاتق(4) صدق ، وأمّا قوله : إنّي حامل فوحقّك يا مولاي ما عملت من نفسي خيانة قطّ، وإنّي أعلم أنّك أعلم بي منّي وإنّي ما كذّبت فيما قلت، ففرّج عنّي يا مولاي .

قال عمّار : فعند ذلك أخذ الإمام ذا الفقار وصعد المنبر وقال(5) : «اللّه أكبر اللّه أكبر«جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً»(6) ، قال عليه السلام : «عليَّ بداية الكوفة» فجاءت امرأة تسمّى لبناء وهي قابلة نساء(7) الكوفة، فقال لها : اضربي بينك وبين الناس حجاباً وانظري في(8) هذه الجارية عاتق حامل أم لا ، ففعلت ما أمر به عليه السلام ثمّ خرجت وقالت : نعم يا مولاي(9) عاتق حامل، فعند ذلك التفت الإمام إلى أبي الجارية وقال : «يا أبا الغضب ألست من قرية كذا وكذا من أعمال الشام(10)؟» قال : وما هذه القرية؟ قال عليه السلام : «هي قرية تسمّى أسعار؟» قال : نعم يا أمير المؤمنين(11)،


1- في المصدر : شيخ قد شاب.
2- في المصدر : فاكشف لي هذه.
3- في المصدر: فهذه.
4- في المصدر + : ما تقولين.
5- في المصدر : أمّا قوله: إنّي عاتق.
6- في المصدر : فقال.
7- الإسراء 17: 81 .
8- في المصدر + : أهل.
9- في المصدر _ : في.
10- في المصدر + : هي.
11- في المصدر : دمشق.

ص: 240

قال عليه السلام : «ومن منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة؟» قال : يا مولاي الثلج في بلادنا كثير ولكن ما نقدر عليه هاهنا ، فقال عليه السلام : «بيننا وبينكم مائتان وخمسون فرسخاً؟» قال : نعم يا مولاي ، ثمّ قال عليه السلام : «انظروا(1) إلى ما أعطى(2) اللّه عليّاً من العلم النبوي والذي أودعه اللّه ورسوله من العلم الربّاني» .

قال عمّار بن ياسر : فمدّ يده عليه السلام من أعلا منبر الكوفة وردّها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها، فعند ذلك ضجّ الناس وماج الجامع بأهله ، فقال عليه السلام : «اسكتوا فلو شئت أتيت بجبالها» ، ثمّ قال : «يا داية خذي هذه القطعة من الثلج واخرجي بالجارية من المسجد واتركي تحتها طشتاً وضعي هذه القطعة ممّا يلي الفرج فستري علقة وزنها سبعمائة وخمسون درهماً ودانقان» ، فقالت : سمعاً وطاعة للّه ولك(3) ، ثمّ أخذتها وخرجت بها من الجامع وجاءت(4) بالطشت(5) فوضعت الثلج على الموضع كما أمرها عليه السلام ، فرمت علقة وزنتها الداية فوجدتها كما قال عليه السلام ، فأقبلت الداية والجارية فوضعت العلقة بين يديه.

ثمّ قال : «يا أبا الغضب خذ بنتك فواللّه (6) ما زنت وإنّما دخلت الموضع الذي فيه الماء، فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي ثيب(7) وكبرت إلى الآن في بطنها ، فنهض أبوها وهو يقول : أشهد أنّك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر وأنت باب الدِّين وعموده(8) ، فضجّ الناس عند ذلك وقالوا : يا أمير المؤمنين لنا اليوم خمس سنين لم


1- في المصدر + : يا أيّها الناس.
2- في المصدر : أعطاه.
3- في المصدر + : يا مولاي.
4- في المصدر : فجاءت.
5- في المصدر : بطست.
6- في المصدر : ابنتك.
7- في المصدر : وهي بنت عشر سنين وكبرت.
8- في المصدر + : قال.

ص: 241

تمطر السماء علينا وقد أمسك من(1) الكوفة هذه المدّة، وقد مسّنا وأهلنا الضرّ واستسق(2) لنا يا وارث محمّد ، فعند ذلك قام عليه السلام في الحال وأشار بيده قِبَل السماء، فسال الغيث حتّى بقيت الكوفة غدراناً فقالوا : يا أمير المؤمنين كفانا(3) وروينا، فتكلّم عليه السلام بكلام فمضى الغيث وانقطع المطر وطلعت الشمس ، فلعن اللّه الشاكّ في فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام .

بيان : جارية عاتق: أي شابت أوّل ما أدركت، فخدّرت في بيت أهلها ولم تبن الزوج(4) .

قال المجلسي(5) رحمه الله : روى هذه الرواية غير واحد من محدّثي العامّة منهم: أسعد بن إبراهيم بن الأربلي المالكي في «الأربعين».

وفيه(6) نقلاً من «المناقب»: ما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال يوماً : «ياوشا(7) ادنِ منّي» ، قال : فدنوت منه ، فقال : «امض إلى محلّتكم تجد(8) على باب المسجد رجلاً وامرأة يتنازعان فأتني بهما» ، قال : فمضيت فوجدتهما يختصمان، فقلت لهما(9) : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يدعوكما ، فسرنا حتّى دخلنا عليه فقال عليه السلام : «يا فتى ما شأنك وهذه الامرأة؟» قال : يا أمير المؤمنين إنّي تزوّجتها وأمهرت وأملكت وزفت(10)، فلمّا قربت منها رأت الدم وقد جرت(11) في أمري، فقال عليه السلام : «هي عليك حرام ولست لها


1- في المصدر : عن.
2- في المصدر : فاستسق.
3- في المصدر : كفينا.
4- «بحار الأنوار» ج40، ص277 _ 280؛ «الفضائل» ص155_ 158.
5- «بحار الأنوار» ج59، ص167 و 168.
6- أي «بحار الأنوار».
7- في المصدر : قال لوشاء.
8- في المصدر : ستجد.
9- في المصدر _ : لهما.
10- في المصدر : زففت.
11- في المصدر : قد حرت.

ص: 242

ببعل»(1) ، فماج الناس في ذلك ، فقال لها : «هل تعرفيني؟» فقالت : سماع أسمع بذكرك ولم أرك ، فقال عليه السلام : «أنت(2) فلانة بنت فلان من آل فلان؟» فقالت : بلى واللّه فقال : «ألم تتزوّجي بفلان بن فلان متعة سرّاً من أهلك؟ ألم تحملي منه حملاً ثمّ وضعتيه غلاماً ذكراً سويّاً، ثمّ خشيت قومك وأهلك فأخذتيه وخرجت ليلاً حتّى إذا صرتِ موضع خال وضعتيه على الأرض، ثمّ وقفت مقابلةً له(3) فحننت عليه فعدت وأخذتيه(4)، ثمّ(5) طرحتيه حتّى بكى وخشيت الفضيحة، فجاءت الكلاب فانتبحت(6) عليك فخفت فهرولت، فانفرد من الكلاب كلب فجاء إلى ولدك فشمّه، ثمّ نهسه(7) لأجل رائحة الزهومة(8)، فرميت الكلب إشفاقاً فبشجتيه(9) أن يدركك الصباح فيشعر بك، فولّيت منصرفة وفي قلبك البلابل(10)، فرفعت يديك نحو السماء ، وقلت : اللّهمّ احفظه يا حافظ الودائع؟» قالت : بلى واللّه كان هذا جميعه وقد تحيّرت في مقالتك ، فقال عليه السلام : «أين الرجل» فجاء ، فقال : «اكشف عن جبينك» فكشف ، فقال عليه السلام للمرأة : «هذه(11) الشجّة في قرن ولدك وهذا الولد ولدك، واللّه تعالى منعه من وطئك بما أراه منك من الآية التي صدقه(12)، واللّه قد حفظ عليك كما سألتيه فاشكري للّه (13)تعالى على ما أولاك وحباك»14 .


1- في المصدر : بأهل.
2- في المصدر : فأنت.
3- في المصدر : مقابلته.
4- في المصدر _ : و.
5- في المصدر + : عدت.
6- في المصدر : فأنبحت.
7- في المصدر : نهشه.
8- قال في «لسان العرب» ج12، ص277، مادّة زهم : الزُّهومة : ريح لحم سمين منتن.
9- في المصدر + : فشججتيه فصاح فخشيت.
10- في المصدر + : مِن.
11- في المصدر : ها.
12- في المصدر : صدته.
13- في المصدر : اللّه.

ص: 243

وروى أبو بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «أراد قوم على عهد أبي بكر أن يبنوا مسجداً بساحل عدن، فكان كلّما فرغوا من بنائه سقط فعادوا إليه فسألوه، فخطب وسئل الناس وناشدهم إن كان عند أحد منكم علم هذا فليقل ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «احتفروا في جبهته وبيسرته(1) في القبلة، فإنّه يظهر لكم قبران مكتوب عليهما: أنا رضوي واُختي حيّا(2)، متنا لا نشرك باللّه العزيز الجبّار، وهما مجرّدان فغسّلوهما(3) وكفّنوهما وصلّوا عليهما، ثمّ بنوا مسجداً(4)فإنّه يقوم بناؤكم»(5)، ففعلوا ذلك، فكان كما قال عليه السلام (6).

وفي «البحار» نقلاً عن «المناقب»: إنّ غلاماً طلب مال أبيه من عمر، وذكر أنّ والده توفّى بالكوفة والولد طفل بالمدينة، فصاح عليه عمر وطرده، فخرج يتظلّم منه فلقيه عليّ عليه السلام فقال : «ائتوني به إلى الجامع حتّى أكشف أمره» ، فجيء به فسأله عن حاله فأخبره بخبره، فقال عليه السلام : «لأحكمنّ فيكم بحكومةٍ حكم اللّه بها من فوق سبع سماوات(7)، لا يحكم بها إلاّ من ارتضاه لعلمه» ، ثمّ استدعى بعض أصحابه وقال : «هات مجرفة(8)»(9) ، ثمّ قال : «سيروا بنا إلى قبر والد الصبي» ، فساروا، فقال : «احفروا هذا القبر وانبشوه واستخرجوا لي ضلعاً من أضلاعه» فدفعه إلى الغلام فقال له : «شمّه» فلمّا شمّه انبعث الدم من منخريه ، فقال عليه السلام : «إنّه ولده» .


1- «بحار الأنوار» ج40، ص218 و 219؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص266.
2- في المصدر : في ميمنته وميسرته.
3- في المصدر : حباء.
4- في المصدر: مجرّدتان فاغسلوهما.
5- في المصدر : ابنوا مسجدكم.
6- في المصدر : بناؤه.
7- «بحار الأنوار» ج40، ص221، ح4؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص356.
8- في المصدر : سماواته.
9- في المصدر : بمجرفة.

ص: 244

فقال عمر : بانبعاث الدّم نسلّم إليه المال؟

فقال عليه السلام : «إنّه أحقّ بالمال منك ومن سائر الخلق أجمعين» ، ثمّ أمر الحاضرين بشمّ الضلع فشمّوه، فلم ينبعث الدم من واحد منهم ، فأمر عليه السلام أن اُعيد إليه ثانية ، وقال : «شمّه» فلمّا شمّه انبعث الدم انبعاثاً كثيراً ، فقال عليه السلام : «إنّه أبوه، فسلّم إليه المال(1)واللّه ما كذبت ولا كذّبت»(2) .

قصّة المقدسي رحمه الله في «الأنوار»(3) نقلاً من صاحب «الروضة» أنّه قال : كان رجل من أهل بيت المقدس ورد إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و آله(4) وهو حسن الثياب(5)، مليح الصورة، فزار حجرة النبيّ صلى الله عليه و آله وقصد المسجد ولم يزل ملازماً له مشتغلاً بالعبادة، صائم النهار قائم الليل(6)، وذلك في خلافة(7) عمر بن الخطّاب حتّى أنّه(8) كان أعبد الناس(9)، وكلّ(10)الخلق تتمنّى أن يكونوا(11)مثله، وكان عمر يأتي إليه ويسأله أن يكلّفه حاجة، فيقول(12)المقدسي: الحاجة إلى اللّه تعالى ، ولم يزل كذلك(13) إلى أن عزم الناس على(14) الحجّ، فجاء المقدسي إلى عمر بن الخطّاب وقال : يا أبا حفص إنّي(15) قد عزمت على الحجّ ومعي وديعة أحبّ أن تستودعها منّي إلى حين عودي من الحجّ،


1- في المصدر + : ثمّ قال.
2- «بحار الأنوار» ج40، ص225 ح5؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص359.
3- أي «بحار الأنوار».
4- في المصدر : رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
5- في المصدر : الشباب.
6- في المصدر + : وقائم.
7- في المصدر : في زمن خلافة.
8- في المصدر _ : أنّه.
9- في المصدر : الخلق.
10- في المصدر _ : كلّ.
11- في المصدر : أن تكون.
12- في المصدر + : له.
13- في المصدر : على ذلك.
14- في المصدر _ : على.
15- في المصدر _ : إنّي.

ص: 245

فقال عمر : هات الوديعة، فأحضر الشابّ حُقّاً من عاج، عليه قفل من حديد، مختوم بخاتم الشابّ، فتسلّمه منه وخرج الشابّ مع الوفد، فخرج عمر إلى مقدّم الوفد وقال : أُوصيك بهذا الغلام، وجعل عمر يودّع الشابّ وقال للمقدّم على الوفد(1): استوص به خيراً.

وكان في الوفد امرأة من الأنصار، فما زالت تلاحظ المقدسي وتنزل بقربه حيث نزل، فلمّا كان في بعض الأيّام دنت منه وقالت : ياشابّ إنّي أرقّ لهذا الجسم الناعم المترف كيف يلبس الصوف ؟ فقال لها : يا هذه جسم يأكله الدود ومصيره التراب هذا كثيرٌ عليه(2) ، فقالت : إنّي اُغار على هذا الوجه المضيء تشعثه الشمس ، فقال(3) : يا هذه اتّقي اللّه وكفّي فقد شغلني كلامك عن عبادة ربّي، فقالت له : لي إليك حاجة فإن قضيتها فلا كلام، وإن لم تقضها فما أنا بتاركتك حتّى تقضيها(4) ، فقال : وما حاجتك؟ قالت : حاجتي أن تواقعني! فزجرها وخوّفها5 اللّه تعالى فلم يردعها ذلك ، فقالت : واللّه لئن لم تفعل ما آمرك به لأرمينّك بداهية من دواهي النساء ومكرهنّ(5) لا تنجو منها ، فلم يلتفت إليها ولم يعبأ بكلامها (6).

فلمّا كان في بعض الليالي وقد سهر أكثر ليله بالعبادة فرقد في آخر الليل وغلب عليه النوم، فأتته وكان تحت رأسه مزادة فيها زاده، فانتزعتها من تحت رأسه وطرحت فيها كيساً فيه خمسمائة دينار، ثمّ أعادت المزادة تحت رأسه.

فلمّا ثوّر الوفد قامت الملعونة من نومها وقالت : أنا باللّه وبالوفد مستجيرة(7)، وأنا


1- في المصدر : الوافد.
2- في المصدر : هذا له كثير.
3- في المصدر + : لها.
4- في المصدر + : لي.
5- في المصدر : مكرهم.
6- في المصدر : بها.
7- في المصدر : قالت : ياللّه وياللوفد يا وفد.

ص: 246

امرأة مسكينة وقد سرقت نفقتي ومالي(1) ، فجلس المقدّم على الوفد وأمر رجلاً من المهاجرين ورجلاً من(2) الأنصار أن يفتّشا(3) الوفد، ففتّشوا الوفد ولم يجدوا شيئاً ولم يبق في الوفد إلاّ من فُتِّش رحله(4) إلاّ المقدسي، فأخبروا مقدّم الوفد بذلك، فقالت المرأة : يا قوم ما ضرّكم لو فتّشتم(5) رحله فله اُسوة بالمهاجرين والأنصار، وما يدريكم أنّ ظاهره مليح وباطنه قبيح، ولم تزل المرأة بهم(6) حتّى حملتهم على تفتيش رحله، فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يصلّي، فلمّا رآهم أقبل عليهم وقال لهم : ما حاجتكم؟ فقالوا له : هذه المرأة الأنصارية ذكرت أنّها سرقت لها نفقة كانت معها، ونحن(7) قد فتّشنا رحال الوفد بأسرها فلم يبق منهم غيرك، ونحن لا نتقدّم إلى رحلك إلاّ بإذنك لما سبق من وصية عمر ابن الخطّاب فيما يعود إليك .

فقال : يا قوم ما يضرّني ذلك، ففتّشوا ما أحببتم، وهو واثق من نفسه ، فلمّا نفضوا المزادة التي فيها زاده وقع منها الهميان، فصاحت الملعونة: اللّه أكبر هذا واللّه كيسي ومالي، وهو كذا وكذا ديناراً. وفيه عقد لؤلؤ وزنه كذا وكذا مثقالاً، فأحضروه فوجدوه كما قالت الملعونة، فمالوا عليه بالضرب الموجع والسبّ والشتم وهو لا يردّ جواباً، فسلسلوه وقادوه راجلاً(8) إلى مكّة، فقال لهم : يا قوم(9) بحقّ اللّه وبحقّ هذا البيت ألا تصدّقتم عليَّ وتركتموني أقضي الحجّ، وأشهد اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم عليَّ بأنّي إذا قضيت الحجّ عدت إليكم وتركت يدي في أيديكم، فأوقع اللّه الرحمة في قلوبهم


1- في المصدر + : وأنا باللّه وبكم.
2- في المصدر _ : رجلاً مِن.
3- في المصدر: أن يفتّشوا.
4- في المصدر + : فلم يبق.
5- في المصدر : فتشمتموا.
6- في المصدر _ : بهم.
7- في المصدر _ : نحن.
8- في المصدر : راحلاً.
9- في المصدر : يا وفد.

ص: 247

فأطلقوه.

فلمّا قضى مناسكه وما وجب عليه من الفرائض عاد إلى القوم وقال لهم : أما إنّي قد عدت إليكم فافعلوا(1) ما تريدون، فقال بعضهم لبعض : لو أراد المفارقة لما عاد إليكم، فتركوه ورجع الوفد طالباً مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، فأعوز(2) تلك المرأة الملعونة الزاد في بعض الطريق، فوجدت راعياً فسألته الزاد، فقال لها : عندي ما تريدين غير أنّي لا أبيعه، فإن آثرت أن تمكّنيني من نفسك أعطيتك ، ففعلت ما طلب وأخذت منه زاداً، فلمّا انحرفت عنه اعترض لها إبليس لعنه اللّه فقال لها : أنت حامل ، قالت : ممّن؟ فقال : من الراعي فصاحت وافضيحتاه، فقال : لا تخافي إذا رجعت إلى الوفد قولي لهم: إنّي سمعت قراءة المقدسي فقربت منه، فلمّا غلب عليَّ النوم جاءني(3) وواقعني ولم أتمكّن من الدفاع عن نفسي بعد القراءة، وقد حملت منه وأنا امرأة من الأنصار، وخلفي جماعة من الأهل .

ففعلت الملعونة ما أشار به عليها إبليس لعنه اللّه فلم يشكّوا في قولها لما عاينوا أوّلاً من وجود المال في رحله، فعكفوا على الشابّ المقدسي وقالوا : يا هذا ما كفاك السرقة حتّى فسقت؟ فأوجعوه ضرباً وشتماً(4)، وعادوه إلى المسألة(5) وهو لا يردّ جواباً.

فلمّا قربوا من المدينة(6) خرج عمر بن الخطّاب ومعه جماعة من المسلمين للقاء الوفد ، فلمّا قربوا منه لم يكن له همّ(7) إلاّ السؤال عن المقدسيّ ، فقالوا : يا أبا حفص ما


1- في المصدر + : بي.
2- في المصدر : فأعوزت.
3- في المصدر : دنا منّي.
4- في المصدر : شتماً وضرباً وسبّاً.
5- في المصدر : السلسلة.
6- في المصدر + : على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
7- في المصدر : همّةٌ.

ص: 248

أغفلك عن المقدسي! فقد سرق وفسق وقصّوا عليه القصّة، فأمر بإحضاره بين يديه، فقال له : يا ويلك يا مقدسي! تظهر بخلاف ما تبطن حتّى فضحك اللّه تعالى؟ لأنكلنّ بك أشدّ النكال وهو لا يردّ جواباً.

فاجتمع الناس(1) وازدحم الخلق(2) لينظروا ماذا يُفعل به؟ وإذا بنور قد سطع وشعاع قد لمع، فتأمّلوه وإذا به عيبة علم النبوّة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال: «ما هذا الرهج(3) في مسجد رسول اللّه؟» فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّ الشابّ المقدسي الزاهد قد سرق وفسق، فقال عليه السلام : «واللّه ما سرق ولا فسق ولا حجّ أحد غيره» ، فلمّا سمع عمر كلامه قام قائماً على قدميه وأجلسه في(4) موضعه، فنظر عليه السلام إلى الشابّ المقدسي وهو مسلسل مطرق(5) إلى الأرض والمرأة جالسة، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : «ويلك قصّي قصّتك» فقالت : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الشابّ قد سرق مالي، وقد شاهد الوفد مالي في مزادته وما كفاه ذلك، حتّى كانت ليلة من الليالي حيث قربت منه فاستغرقني بقراءته واستأمنني(6)، فوثب إليَّ وواقعني وما تمكّنت من المدافعة عن نفسي خوفاً من الفضيحة، وقد حملت منه.

فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : «كذبتِ يا ملعونة فيما ادّعيت عليه، يا أبا حفص إنّ هذا الشابّ مجبوب وليس معه إحليل وإحليله في حُقّ من عاج»، ثمّ قال: «يامقدسي أين الحقّ؟» فرفع رأسه وقال: يامولاي من علم بذلك يعلم أين الحقّ، فالتفت عليه السلام إلى عمر وقال له : «يا أبا حفص ، قم فأحضر وديعة الشابّ» فأرسل عمر وأحضر الحقّ بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام ، ففتحوا الحقّ فإذا(7)فيه خرقة من حرير وفيها إحليله8،


1- في المصدر : الخلق.
2- في المصدر : الناس.
3- قال في «لسان العرب» ج2، ص284، مادّة رهج : الرهج : الغبار.
4- في المصدر _ : في.
5- في المصدر + : وهو.
6- في المصدر : واستنامني.
7- في المصدر : ففتحوه وإذاً.

ص: 249

فعند(1)قال الإمام عليه السلام : «قم يا مقدسي» فقام فجرّده عن ثيابه(2) لينظروه وليتحقّق(3) من اتّهمه بالفسق، فجرّدوه عن(4) ثيابه فإذا هو مجبوب، فعند ذلك ضجّ الناس(5)، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : «اسكتوا واسمعوا منّي حكومة حكم(6) بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ».

ثمّ قال : «يا ملعونة لقد تجرّأت على اللّه تعالى، ويلك أما أتيتِ إليه وقلتِ له: كيت وكيت فلم يجبكِ إلى ذلك؟ فقلتِ له : واللّه لأرمينّك بداهية من دواهي النساء(7) لاتنجو منها؟» فقالت : بلى ياأمير المؤمنين كان ذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : «ثمّ إنّك استنمتيه وتركتي(8) الكيس في مزادته افتراءً(9)» فقالت : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال : «اشهدوا عليها» ، ثمّ قال لها : «حملك هذا من الراعي الذي طلبتِ منه الزاد فقال لكِ: لا أبيع الزاد ولكن مكّنيني من نفسكِ وخذي حاجتك(10)، ففعلتِ ذلك وأخذت الزاد وهو كذا وكذا» ، قالت : صدقت يا أمير المؤمنين ، قال : فضجّ العالم فسكّتهم عليّ عليه السلام وقال لها : «فلمّا خرجت من الراعي عرض لكِ شيخ صفته كذا وكذا، وقال لكِ : يا فلانة إنّكِ حامل من الراعي، فصرخت وقلتِ(11): وافضيحتاه، فقال : لا بأس عليكِ، قولي للوفد: استأمنني(12) وواقعني وقد حملت منه، فيصدّقوكِ(13)لما ظهر من سرقته ،


1- في المصدر : إحليلة.
2- في المصدر + : ذلك.
3- في المصدر : فجرّدوه من ثيابه.
4- في المصدر: ليحقّق.
5- في المصدر : مِن.
6- في المصدر : العالم.
7- في المصدر : أخبرني.
8- في المصدر : بحيلة من حيل النساء.
9- في المصدر : تركت.
10- في المصدر : أقرّي؟
11- في المصدر : لحاجتك.
12- في المصدر : فصرختي وقلتي.
13- في المصدر : استنامني.

ص: 250

فقلت (1): ما قال الشيخ» ، فقالت : نعم ، فقال الإمام عليه السلام : «أتعرفين ذلك الشيخ؟» قالت : لا ، قال : «هو إبليس لعنه اللّه» ، فتعجّب الناس(2)من ذلك .

فقال عمر : يا أبا الحسن ما تريد أن تفعل بها؟ فقال عليه السلام : «احفر(3) لها في مقابر اليهود وتدفن إلى نصفها وترجم بالحجارة» ففعل بها كما أمر عليه السلام (4) .

وأمّا المقدسي فإنّه لم يزل ملازماً لمسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن قبض(5)، فعند ذلك قام عمر وهو يقول : لولا عليّ لهلك عمر ، قالها ثلاثاً ثمّ انصرف(6) ، وقد تعجّبوا من حكومة عليّ عليه السلام (7) .

في «البحار» نقلاً من كتاب «الروضة» بالإسناد يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة أنّه قال : كنت جالساً عند أمير المؤمنين عليه السلام عليّ بن أبي طالب وهو يقضي بين الناس، إذ جاءه جماعة منهم أسود مشدّد(8)الأكتاف، فقالوا : هذا سارق يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام : «يا أسود سرقت؟» قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال(9) : «ثكلتك أُمّك إن قلتها ثانية قطعتُ يدك» ، قال : نعم يا مولاي ، قال : «ويلك اُنظر ماذا تقول سرقت؟» قال : نعم(10) ، فعند ذلك قال عليه السلام : «اقطعوا يده فقد وجب عليه القطع» ، قال : فقطع يمينه فأخذها بشماله وهي تقطر دماً، فاستقبله رجل يُقال له: ابن الكوّاء، فقال له(11) : يا


1- في المصدر : فصدقوك.
2- في المصدر : ففعلك.
3- في المصدر : القوم.
4- في المصدر : يحفر.
5- في المصدر : ففعل بها ما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام .
6- في المصدر : فلم يزل ملازم مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن توفّى رضى الله عنه .
7- في المصدر + : الناس.
8- «بحار الأنوار» ج40، ص270_ 274؛ «الفضائل» ص107_ 111.
9- في المصدر: مشدود.
10- في المصدر + : له.
11- في المصدر + : يامولاي.

ص: 251

أسود من قطع يمينك ؟ قال : قطع يميني سيّد الوصيّين وقائد الغرّ المحجّلين وأولى الناس بألمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، إمام الهدى وزوج فاطمة الزهراء عليهاالسلام ابنة محمّد المصطفى، أبو الحسن المجتبى، وأبو الحسين المرتضى ، السابق إلى جنّات النعيم، مصادم الأبطال، المنتقم من الجهّال ، معطي الزكاة منبع(1) الصيانة، من هاشم القمقام، ابن عمّ الرسول الهادي إلى الرشاد، والناطق بالسداد، شجاع مكّي جحجاح وفيّ، بطين أنزع، أمين من آل حآم ويآس وطآه والميامين، مجلي الحرمين ومصلّي القبلتين، خاتم الأوصياء، ووصيّ صفوة الأنبياء، القسورة الهمام والبطل الضرغام، المؤيّد بجبرئيل(2)، والمنصور بميكائيل المبين، وصيّ رسول ربّ العالمين، المطفئ نيران الموقدين، وخير من نشأ من قريش أجمعين، المحفوف بجند من السماء، عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أمير المؤمنين على رغم أنف الراغمين(3)، ومولى الناس أجمعين .

فعند ذلك قال له ابن الكوّاء : ويلك يا أسود! قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كلّه؟ قال : وما لي لا اُثني عليه وقد خالط حبّه لحمي ودمي؟ واللّه ما قطعني إلاّ بحقّ أوجبه اللّه تعالى عليَّ .

قال : فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فقلت له : يا سيّدي(4) رأيت عجباً، قال : «وما رأيت؟» قال : صادفت أسوداً قُطِعَت يمينه وأخذها بشماله وهي تقطر دماً، فقلت له : يا أسود مَن قطع يمينك؟ قال : سيّد المؤمنين وأعدت عليه القول، فقلت له : ويحك قطع يمينك وأنت تُثني عليه هذا الثناء كلّه! فقال لي(5) : وما لي لا أُثني عليه وقد خالط حبّه لحمي ودمي، واللّه ما قطعني إلاّ بحقّ أوجبه اللّه عليَّ ، قال : فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده الحسن عليه السلام وقال : «قم هات عمّك الأسود» ، قال : فخرج


1- في المصدر : منيع.
2- في المصدر + : الأمين.
3- في المصدر : الراغبين.
4- في المصدر : فقلت سيّدي.
5- في المصدر _ : لي.

ص: 252

الحسن عليه السلام في طلبه فوجده في موضع يقال له: كندة، وأتى به إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ قال له : «يا أسود قطعت يمينك وأنت تُثني عليَّ ؟»، فقال : يا أمير المؤمنين ومالي لا أُثني عليك وقد خالط حبّك دمي(1)؟ واللّه ما قطعت يميني(2) إلاّ بحقّ كان عليَّ ممّا ينجي من عقاب الآخرة .

فقال عليه السلام : «هات يدك»، فناوله إيّاها(3) فأخذها ووضعها في الموضع الذي قطعت منه، ثمّ غطّاها بردائه، فقام عليّ عليه السلام وصلّى ودعا بدعاء سمعناه يقول في آخر دعائه : «آمين» ثمّ شال الرداء وقال : «اضبطي أيّها العروق كما كنت واتّصلي»، فقام الأسود وهو يقول : آمنت باللّه وبمحمّد رسوله وبعليّ الذي ردّ اليد القطعاء بعد تخليتها من الزند، ثمّ انكبّ على قدميه وقال : بأبي أنت واُمّي يا وارث علم النبوّة(4) .

وعن «الفقيه»: قال أبو جعفر عليه السلام : «دخل عليّ عليه السلام المسجد فاستقبله شابٌ وهو يبكي وحوله قوم يسكّتونه ، فقال عليه السلام : «ما أبكاك؟» فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام إنّ شريحاً قضى بقضية(5) ما أدري ما هي، إنّ هؤلاء النفر خرجوا وأبي(6) معهم في سفرهم فرجعوا ولم يرجع أبي فسألتهم عنه، فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله ، فقالوا : ما ترك مالاً، فقدّمتهم إلى شريح فاستحلفهم، وقد علمتُ يا أمير المؤمنين أنّ أبي خرج ومعه مال كثير ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ارجعوا» فردّهم جميعاً والفتى معهم إلى شريح ، فقال عليه السلام : «كيف قضيت بين هؤلاء؟» قال(7): يا أمير المؤمنين ادّعى هذا الغلام على هؤلاء النفر أنّهم خرجوا في سفرٍ وأبوه معهم، فرجعوا ولم يرجع أبوه،


1- في المصدر + : ولحمي.
2- في المصدر _ : يميني.
3- في المصدر _ : إيّاها.
4- «بحار الأنوار» ج40، ص281 _ 283، ح44.
5- في المصدر + : عليَّ.
6- في المصدر : يأبي.
7- في المصدر : فقال.

ص: 253

فسألتهم عنه فقالوا : مات، فسألتهم عن ماله فقالوا : ما خلّف شيئاً، فقلت للفتى : هل عندك(1) بيِّنة على ما تدّعي؟ قال : لا ، فاستحلفتهم .

فقال (2): «يا شريح هيهات هكذا تحكم في مثل هذا!» ، فقال : وكيف هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام (3) : «يا شريح واللّه لأحكمنّ فيهم بحكم ما حكم به خلق قبلي إلاّ داود النبيّ عليه السلام » ، فقال(4) : «يا قنبر ادع لي شرطة الخميس» فدعاهم فوكّل(5) بكلّ واحد منهم رجلاً من الشرطة، ثمّ نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى وجوههم، وقال : «ما تقولون(6) إنّي لا أعلم ما صنعتم بأب هذا الفتى إنّي إذاً لجاهل» ، ثمّ قال عليه السلام : «فرّقوهم وغطّوا رؤوسهم» ففرّق بينهم، وأُقيم كلّ واحد منهم إلى اُسطوانة من أساطين المسجد ورؤوسهم مغطّاة بثيابهم، ثمّ دعي بعبداللّه (7) بن أبي رافع كاتبه، فقال : «هات صحيفة ودواة» وجلس عنده(8)في مجلس القضاء، واجتمع إليه الناس وقال (9): «إذا أنا كبّرت فكبّروا» ثمّ قال عليه السلام للناس : «افرجوا» ثمّ دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه، فكشف عن وجهه، ثمّ قال عليه السلام لعبد اللّه (10): «اكتب إقراره وما يقول» ، ثمّ أقبل عليه السلام عليه بالسؤال ، ثمّ قال(11) عليه السلام : «أي يوم خرجتم من منازلكم وأب(12)هذا الفتى معكم؟» فقال الرجل : في يوم كذا وكذا ، ثمّ قال : «وفي أيّ شهر؟» قال(13) : كذا وكذا ، قال عليه السلام :


1- في المصدر : لك.
2- في المصدر + : عليّ عليه السلام .
3- في المصدر + : عليّ.
4- في المصدر _ : فقال.
5- في المصدر + : بهم.
6- في المصدر : فقال : ماذا.
7- في المصدر : عبيد اللّه.
8- في المصدر : جلس عليّ عليه السلام في مجلس.
9- في المصدر : الناس إليه فقال.
10- في المصدر : لعبيد اللّه.
11- في المصدر + : له في.
12- في المصدر : أبو.
13- في المصدر + : فقال في شهر.

ص: 254

«وإلى أين بلغتم من سفركم حين مات أب(1) هذا الفتى؟» قال : إلى موضع كذا وكذا ، قال عليه السلام : «وفي أيّ منزل؟» قال : في منزل فلان بن فلان ، قال عليه السلام : «وما كان من مرضه؟» قال : كذا وكذا ، قال : «كم يوم(2) مرض؟» قال : كذا وكذا(3) ، قال : «فمن كان يمرّضه؟ وأيّ(4) يوم مات؟ ومن غسّله؟ وأين غسّله؟ وأين(5)كفّنه؟ وبم(6)كفّنتموه؟ ومَن صلّى عليه؟ ومَن أنزله(7) في قبره؟» ، فلمّا سأله عن جميع ما يريد، كبّر عليّ عليه السلام وكبّر الناس معه، فارتاب أُولئك الباقون ولم يشكّوا أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم وعلى نفسه، وأمر(8) عليه السلام أن يغطّي رأسه، وأن ينطلقوا به إلى الحبس.

ثمّ دعى بآخر وأجلسه(9) بين يديه وكشف عن وجهه، وقال(10): «كلاّ زعمت أنّي لا أعلم ما صنعتم »، فقال : يا أمير المؤمنين ما أنا إلاّ واحد من القوم ولقد كنت كارهاً لقتله فأقرّ، ثمّ دعى القوم واحداً بعد واحد(11)،فكلّهم أقرّوا(12)بالقتل وأخذ المال،ثمّ ردّ من(13)كان أمر به إلى الحبس(14)فأقرّ أيضاً، فألزمهم المال والدم .

فقال شريح : يا أمير المؤمنين وكيف كان حكم داود عليه السلام ؟ قال عليه السلام : «إنّ داود عليه السلام (15) مرّ بغلمة يلعبون وينادون(16): مات الدِّين، فقال لهم داود عليه السلام : من سمّ_اك بهذا


1- في المصدر : أبو.
2- في المصدر : يوماً.
3- في المصدر + : يوماً.
4- في المصدر + : في أي.
5- في المصدر : مَن.
6- في المصدر : بما.
7- في المصدر : نزل قبره.
8- في المصدر : فأمر.
9- في المصدر : فأجلسه.
10- في المصدر + : ثمّ قال.
11- في المصدر : ثمّ دعا بواحد بعد واحد.
12- في المصدر : يقرّ.
13- في المصدر : الذي.
14- في المصدر : السجن.
15- في المصدر + : النبيّ.
16- في المصدر + : بعضهم بعضاً.

ص: 255

الاسم؟ قال : اُمّي ، فانطلق إلى اُمّه، وقال(1) : يا امرأة ما اسم ابنك؟ قالت : مات الدِّين ، قال(2) : ومَنْ سمّ_اه بهذا الاسم؟ قالت : أبوه ، قال : وكيف كان ذلك؟ قالت : إنّ أباه خرج في سفر له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه فقالوا : مات ، فقلت : أين ما ترك؟ قالوا : لم يخلّف مالاً ، فقلتُ : أوصاكم بوصيّة؟ فقالوا : نعم زعم أنّك حامل(3) فما ولدت من(4) ذكر أو اُنثى فسمّيه مات الدّين فسمّيته .

قال داود عليه السلام : تعرفين(5) القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك؟ فقالت : نعم ، فقال : هم أحياء(6) أم أموات؟ قالت : بل أحياء ، قال : فانطلقي بنا إليهم ، ثمّ مضى إليهم(7) معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم بهذا الحكم(8)فثبت عليهم المال والدم، ثمّ قال داود لامرأة الرجل: سمِّ(9) ابنك عاش الدِّين ، الحديث .

وفي «مشارق الأنوار» من قضاياه الغريبات وحلّه المشكلات: أنّ رجلاً حضر مجلس أبا بكر فادّعى أنّه لا يخاف اللّه، ولا يرجو الجنّة، ولا يخشى النار، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة(10) ويشهد بما لا يرى، ويحبّ الفتنة، ويكره الحقّ، ويصدّق اليهود والنصارى، وأنّ عنده ما ليس عند اللّه، وله ما ليس للّه، وإنّه(11)أحمد النبيّ وأنّه


1- في المصدر + : فدعا منهم غلاماً، فقال له : يا غلام ما اسمك؟ قال : اسمي مات الدين، فقال له.
2- في المصدر : فقال.
3- في المصدر : فقال لها.
4- في المصدر : حبلى.
5- في المصدر + : ولد.
6- في المصدر : فقال : أتعرفين.
7- في المصدر : فأحياءهم.
8- في المصدر _ : إليهم.
9- في المصدر + : بينهم.
10- في المصدر : ثمّ قال المرأة : سمّي.
11- في المصدر + : والدم.

ص: 256

عليّ وأنّه ربّ(1) فقال له عمر : ازددت كفراً على كفرك!.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «هوّن عليك يا عمر! فإنّ هذا الرجل(2) من أولياء اللّه لا يرجو الجنّة ولكن يرجو اللّه ولا يخاف اللّه(3) ولكن يخاف اللّه (4) ولا يخاف اللّه من ظلم ولكن يخاف عدله، لأنّه عدل حكيم(5)، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة، ويأكل الميتة السمك والجراد(6)، ويحبّ الفتنة(7) الأهل والأولاد(8)، ويشهد بما لا يرى(9)، يشهد بالجنّة والنار ولم يرهما، ويكره الحقّ(10)يكره الموت وهو الحقّ، ويصدّق اليهود والنصارى يصدّقهم(11)في تكذيبهم بعضهم بعضاً(12) وله ما ليس للّه، لأنّ له ولد(13)وليس للّه ولد، وعنده ما ليس للّه فإنّه يظلم نفسه وليس عند اللّه ظلم ، وقوله: أنا أحمد النبيّ صلى الله عليه و آله أي أنا أحمده على تبليغ الرسالة عن ربّه ، وقوله : أنا عليّ يعني عليّ في قولي ، وقوله : إنّه ربّ أي ربّ قومه يعني سيّدهم(14)» ، ففرح عمر وقام يقبِّل رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال : لا بقيت بعدك يا أبا الحسن (15).

وفي «البحار» نقلاً من كتاب «الأربعين» عن عمّار بن ياسر أنّه قال : كنت بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام علي بن أبي طالب وإذا بصوت قد أخذ بجامع الكوفة، فقال


1- في المصدر : إنّي علي وأنا ربّكم.
2- في المصدر : رجلٌ.
3- في المصدر : النار.
4- في المصدر : ربّه.
5- في المصدر : حكم عدل.
6- في المصدر : الجراد والسمك.
7- في المصدر _ : الفتنة.
8- في المصدر : الولد.
9- في المصدر _ : ويشهد بما لا يرى.
10- في المصدر _ : يكره الحقّ.
11- في المصدر _ : يصدّقهم.
12- في المصدر : في تكذيب بعضهما بعضاً.
13- في المصدر : ولداً.
14- في المصدر : وقوله : أنا ربّكم.. أي ربّ كم بمعنى لي كم أرفعها وأضعها.
15- «بحار الأنوار» ج30، ص109 و 110، ح10.

ص: 257

لي (1): يا عمّار آتني(2) بذي الفقار الباتر للأعمار »، فقمت مسرعاً فجئته به(3)، فقال : «اخرج(4) وامنع هذا الرجل عن ظلمه(5) هذه المرأة، فإن انتهى وإلاّ منعته بذي الفقار البتّار» (6).

قال عمّار : فخرجت وإذا أنا برجل وامرأة قد تعلّقا(7) بزمام جمل والمرأة تقول : الجمل لي، والرجل يقول : الجمل لي ، فقلت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام ينهاك عن مظلمة(8) هذه المرأة ، فقال : يشتغل عليَّ بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة، ويريد أن يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة ؟!

قال عمّار رضى الله عنه : فخرجت فرجعت إلى مولاي لأخبره وإذا(9)به قد خرج وقد لاح الغضب في وجهه وقال له(10) : «ويحك(11) خلّ جمل المرأة» ، فقال : هو لي ، فقال(12) عليه السلام : «كذبت بالعين» ، فقال : فمن يشهد أنّه للمرأة يا عليّ؟ قال عليه السلام : «الشاهد الذي لا يكذّبه أحد من أهل(13) الكوفة ولا تحتمل شهادته باطلاً»(14) ، فقال الرجل : إذا شهد شاهد وكان صادقاً سلّمت الجمل(15)، فقال أمير المؤمنين : «تكلّم أيّها الجمل لمن أنت؟» فقال الجمل بلسان فصيح : يا أمير المؤمنين وخير الوصيّين أنا لهذه المرأة


1- في المصدر _ : لي.
2- في المصدر : ائت.
3- في المصدر : فجئته بذي الفقار.
4- في المصدر + : يا عمّار.
5- في المصدر : عن ظلامة.
6- في المصدر _ : البتار.
7- في المصدر : تعلّقوا.
8- في المصدر : ظلم.
9- في المصدر : فرجعت لأخبر مولاي فإذا.
10- في المصدر _ : له.
11- في المصدر : ويلك.
12- في المصدر + : أمير المؤمنين.
13- في المصدر _ : أهل.
14- في المصدر _ : ولا تحتمل شهادته باطلاً.
15- في المصدر : سلّمته إلى المرأة.

ص: 258

منذ تسعة(1) عشر سنة ، فقال عليّ عليه السلام للمرأة(2) : «خذي جملك وانصرفي» .

ثمّ إنّه عليه السلام عارض الرجل بسيفه فقدّه نصفين، وعجّل اللّه بروحه إلى النار وبئس القرار (3).(4)

وفي «البحار»: روي أنّ امرأتين تنازعتا في ولد على عهد عمر ففزع فيه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوّفهما فأقامتا على التنازع والاختلاف ، فقال عليه السلام عند تماديهما في النزاع : «ائتوني بمنشار» فقالتا(5)المرأتان: ما تصنع؟ فقال عليه السلام : «أقدّه نصفين لكلّ واحدة منكما نصفه»، فسكتت(6) إحداهما وقالت الاُخرى : اللّه اللّه يا أبا الحسن، إن كان لابدّ من ذلك فقد سمحت به لها ، فقال عليه السلام : «اللّه أكبر هذا ابنك دونها، ولو كان ابن تلك(7) لرقّت عليه وأشفقت» فاعترفت المرأة الاُخرى أنّ الحقّ مع صاحبتها والولد لها دونها، فسار من عمر(8) ودعا لأمير المؤمنين عليه السلام بما فرّج عنه في القضاء(9).

وفيه : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال : هذا مملوكي تزوّج بغير إذني، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «فرّق بينهما أنت» فالتفت الرجل إلى مملوكه وقال : يا خبيث طلّق امرأتك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للعبد : «إن شئت فطلّق وإن شئت فامسك» قال : كان قول المالك للعبد «طلّق امرأتك» رضاه بالتزويج فصار الطلاق عند ذلك للعبد10 .


1- في المصدر : بضع.
2- في المصدر _ : للمرأة.
3- في المصدر : وعارض الرجل بضربة قسّمه نصفين.
4- «بحار الأنوار» ج41، ص236، ح7؛ ج40، ص267 و 268، ح37، مع اختلاف يسير.
5- في المصدر : فقالت.
6- في المصدر : فسكت.
7- في المصدر : ابنها.
8- في المصدر : فسري عن عمر.
9- «بحار الأنوار» ج40، ص252، ح26.

ص: 259

وفي «البحار» نقلاً عن «الكافي»: عن أبي بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه أنّه قال : أتت امرأة مجحّ أمير المؤمنين عليه السلام ، فقالت : يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني طهّرك اللّه، وإنّ عذاب الدُّنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع، فقال عليه السلام لها : «ممّا أُطهّرك؟» فقالت : إنّي زنيت ، فقال لها : «ذات بعل أنت أم غير ذلك؟» قالت : بل ذات بعل ، فقال لها : «فحاضراً(1) كان بعلك(2) أم غائباً كان عنك؟» فقالت : بل حاضراً فقال : «انطلقي وضعي ما في بطنك ثمّ ائتني أُطهّرك» ، فلمّا ولّت المرأة عنه(3) فصارت بحيث لا تسمع كلامه قال عليه السلام : «اللّهم إنّها شهادة» ، فلم يلبث عليه السلام أن أتته فقالت : قد وضعت فطهّرني قال: «فتجاهل عليها» ، فقال عليه السلام : «أُطهّرك يا أمة اللّه ممّاذا؟» فقالت : إنّي زنيت فطهّرني ، فقال : «وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟» قالت : نعم ، قال : «فكان زوجك حاضراً أم غائباً؟» قالت : بل حاضراً ، قال : «فانطلقي فارضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّه» ، قال : فانصرفت المرأة، فلمّا صارت(4) بحيث لا تسمع كلامه قال : «اللّهمّ إنّها شهادتان» .

قال : فلمّا مضى حولان أتت المرأة وقالت : قد أرضعته حولين فطهّرني يا أمير المؤمنين عليه السلام ، فتجاهل عليها وقال : «أُطهّرك ممّاذا؟» فقالت : إنّي زنيت فطهّرني فقال : «وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟» فقالت : نعم ، قال : «وبعلك غائب إذ فعلت ما فعلت أو حاضر؟» قالت : بل حاضر ، قال : «فانطلقي فاكفليه حتّى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردّى من سطح ولا يتهوّر في بئر» ، قال : فانصرفت وهي تبكي فلمّا ولّت وصارت(5) حيث لا تسمع كلامه قال : «اللّهمّ إنّها ثلاث شهادات» .


1- «بحار الأنوار» ج40، ص285؛ ج100، ص344، ح33.
2- في المصدر : أفحاضراً.
3- في المصدر + : إذ فعلت ما فعلت.
4- في المصدر: عنه المرأة.
5- في المصدر +: منه.

ص: 260

قال : فاستقبلها عمر(1) بن حريث المخزومي فقال لها : ما يبكيك يا أمَة اللّه وقد رأيتك تختلفين إلى عليّ عليه السلام تسأليه أن يطهّرك؟ فقالت : إنّي أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فسألته أن يطهّرني فقال : اكفلي ولدك حتّى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يرتدي من سطح ولا يتهوّر في بئر، وقد خفت أن يأتي عليَّ الموت ولم يطهّرني، فقال لها عمر(2) بن حريث : ارجعي إليه فأنا أكفله، فرجعت وأخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بقول عمر(3)فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام وهو يتجاهل(4) عليها : «ولِمَ يكفل عمر(5) ولدك؟» فقالت : يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني، فقال لها(6): «وذات بعلٍ إذ فعلت ما فعلتِ؟» فقالت : نعم ، قال : «أفغائباً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم حاضراً؟»قالت:بل حاضراً ،فرفع عليه السلام رأسه إلى السماء وقال : «اللّهمّ إنّه قد ثبت لك عليها أربع شهادات،وإنّك قد قلت لنبيّك صلى الله عليه و آله فيما أخبرته(7) من دينك:يا محمّد من عطّل حدّاً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادّتي ، اللّهمّ فإنّي غير معطّل حدودك ولا طالب مضادّتك ولا مضيّع لأحكامك بل مطيعٌ لك ومتّبع سنّة نبيّك صلى الله عليه و آله » فنظر(8) إلى عمر(9) بن حريث وكأنّما الرمّان يفقئ في وجهه ، فلمّا نظر إلى عمر(10) قال: يا أمير المؤمنين إنّني إنّما أردت(11) أكفله إذ ظننت أنّك تحبّ ذلك ، فأمّا إذا كرهته فإنّي لست أفعل ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «أربع(12)شهادات باللّه لتكفلنّه وأنت صاغر؟» فصعد


1- في المصدر : عمرو.
2- في المصدر : عمرو.
3- في المصدر : عمرو.
4- في المصدر : متجاهل.
5- في المصدر : عمرو.
6- في المصدر _ : لها.
7- في المصدر + : به.
8- في المصدر + : قال.
9- في المصدر : عمرو.
10- في المصدر : عمرو.
11- في المصدر + : أن.
12- في المصدر + : أبعد.

ص: 261

أميرالمؤمنين عليه السلام المنبر فقال : «يا قنبر نادي(1)في الناس: الصلاة جامعة»، فنادى قنبر فاجتمعوا(2) حتّى غصّ(3) المسجد بأهله، وقام أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال : «يا أيّها الناس إنّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحدّ إن شاء اللّه تعالى، فعزم عليكم أمير المؤمنين لمّا خرجتم وأنتم متنكّرون ومعكم أحجاركم لا يتعرّف منكم أحد(4) حتّى تنصرفوا إلى منازلكم إن شاء اللّه تعالى» ، ثمّ نزل عليه السلام .

فلمّا أصبح الناس بكرة خرج عليه السلام بالمرأة وخرج النّاس متنكّرون(5) متلثّمين بعمائمهم وأرديتهم والحجارة في أرديتهم وفي أكمامهم حتّى انتهى بها، والناس معه إلى الظهر بالكوفة، فأمر عليه السلام أن يُحفر لها حفيرة ثمّ دفنها(6) ثمّ ركب بغلته وأثبت رجله في غرز الركاب ووضع اصبعه السبّابة(7) في اُذنيه ثمّ نادى بأعلى صوته: «أيّها(8) الناس إنّ اللّه تبارك وتعالى عهد إلى نبيّه صلى الله عليه و آله عهداً وعهده(9) النبيّ صلى الله عليه و آله إليَّ أنّه(10) لايقيم الحدّ مَن للّه عليه حدّ، فمن كان للّه عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ» قال : فانصرف الناس يومئذٍ كلّهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحدّ وليس(11)معهم غيرهم . قال : وانصرف فيمن انصرف(12)محمّد


1- في المصدر : ناد.
2- في المصدر : في الناس.
3- قال في «لسان العرب» ج7، ص61، مادّة غصص: غصَّ المكان بأهله : ضاقَ.
4- في المصدر + : إلى أحد.
5- في المصدر : متنكّرين.
6- في المصدر + : فيه.
7- في المصدر : إصبعيه السبّابتين.
8- في المصدر + : يا.
9- في المصدر _ : و.
10- في المصدر: بأنّه.
11- في المصدر : يومئذٍ وما معهم.
12- في المصدر + : يومئذٍ محمّد بن أمير المؤمنين.

ص: 262

ابنه(1) .

وعن «درر المطالب» عن ابن عبّاس: أنّه في أيّام عمر بن الخطّاب ليلة من الليالي دخل عمر المسجد فلمّا طلع الصبح رأى(2) شخصاً نائماً(3) في وسط المحراب فقال(4)لمولاه : نبّه هذا ليصلّي فذهب إليه فحرّكه فلم يتحرّك فرأى عليه إزاراً فظنّه امرأة فنادى امرأة من الأنصار، فلمّا تفقّدته وجدته رجلاً في زيّ النساء مزيّن(5)اللحية مقطوع الرأس، فأخبرت عمراً بذلك، فقال لمولاه أوفى: ارفعه من المحراب واطرحه في بعض زوايا المسجد حتّى نصلّي ، فلمّا فرغ من الصلاة قال لأمير المؤمنين عليه السلام : ما ترى في هذا الرجل؟ قال عليه السلام : «جهّزه وادفنه وسيعلم أمره بطفل يجدونه في المحراب» قال : من أين تقول ذلك؟ قال عليه السلام : «أخبرني بذلك أخي وحبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله »، فلمّا مضى من القصّة تسعة أشهر أتى عمر يوماً إلى المسجد لصلاة الصبح إذا سمع بكاء الطفل في المحراب فقال : صدق اللّه ورسوله وابن عمّ رسوله عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ قال لمولاه أوفى : ارفعه عن المحراب ، فلمّا فرغ من الصلاة أتى أوفى بالطفل ووضعه بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال عليه السلام : «يا أوفى اطلب له مرضعة» ، فذهب يدور في المدينة إذ أقبلت امرأة من الأنصار فقالت : إنّ ولدي مات ومعي درّ كثير، فأتى بها(6) أمير المؤمنين عليه السلام فأعطاها الطفل وقال لها : «احفظيه» وبيّن(7)لها من بيت المال مبلغاً وكانت ولادة الطفل في شهر المحرّم، فلمّا كانت ليلة العيد استكمل للطفل تسعة أشهر. قال أمير المؤمنين عليه السلام : «يا أوفى اذهب إلى المرضعة فائتني بها» فقال : يقول أمير المؤمنين عليه السلام :


1- «بحار الأنوار» ج40، ص290_ 292، ح65؛ «الكافي» ج7، ص185_ 187.
2- في «الأنوار العلوية» + : عمر.
3- في «الأنوار العلوية» : قائماً.
4- في «الأنوار العلوية» + : عمر.
5- في «الأنوار العلوية» + : محلوق.
6- في «الأنوار العلوية» _ : بها.
7- في «الأنوار العلوية» : عيّن.

ص: 263

«هلمّي إليَّ بالطفل غداً» ، فلمّا جاءت به دفع إليها أكسية وقال : «البسيه واذهبي إلى المصلّى وانظري أيّما امرأة تأتيك وتأخذه وتقبّله وتقول : يا مظلوم ابن المظلومة يابن الظالم ائتني بها» .

فلمّا أصبحت فعلت ما أمرها أمير المؤمنين عليه السلام فإذا امرأة تناديها يا هذه(1) قفي بحقّ محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا دنت منها رفعت الخمار عن وجهها وكانت جميلة لا نظير لها في الحسن، فأخذت الطفل وقبّلته وقالت : يا مظلوم ابن المظلومة يابن الظالم ما أشبهك بولدي الذي مات وهي تبكي ثمّ ردّته إلى المرضعة وأرادت أن تنصرف فتشبّثت بها فصاحت المرأة وقالت : خلّي سبيلي ، فقالت المرضعة : اذهبي معي إلى أمير المؤمنين عليه السلام فاضطربت المرأة اضطراباً شديداً وقالت : اتّقي اللّه وارفعي يدك عنّي وإنّك إذا أتيتي بي إلى أمير المؤمنين عليه السلام فضحني بين الملأ وأنا أكون خصمك يوم القيامة ، فقالت المرضعة : لا أُفارقك حتّى آتي بك أمير المؤمنين عليه السلام ، قالت : إذا أتيت بي إلى أمير المؤمنين عليه السلام لا يعطيك شيئاً بل اذهبي معي حتّى أعطيك هدية تفرحين بها وهي بردتان يمانيّتان وحلّة صنعانيّة وثلاثمائة درهم هجرية، وكوني كأنّك ما رأيتني واكتمي أمري، وإذا أقبل عيد الأضحى يشهد اللّه عليَّ أن أعطيك مثلها إذا رأيت الطفل سالماً ، فمضت المرضعة معها وأخذت جميع ما ذكرت لها ومضيت (2)، فلمّا رجع الناس من المصلّى أحضرها أمير المؤمنين عليه السلام وقال لها : «يا عدوّة اللّه ما صنعتي(3)بوصيّتي؟» قالت : يابن عمّ رسول اللّه طفت بالطفل جميع المصلّى فما وجدت أحداً أخذه منّي ، فقال لها أمير المؤمنين : «كذبت وحقّ صاحب هذا القبر ، أتتك امرأة وأخذت منك الطفل وقبّلته وبكت ثمّ ردّته إليك وأنت تشبّثت بها فأعطتك الرشوة ثمّ وعدتك بمثلها فارتعدت فرائص المرضعة» وقالت في نفسها : إن لم أخبره يهلكني ،


1- في «الأنوار العلوية» : يا حرّة.
2- في «الأنوار العلوية» : مضت.
3- في «الأنوار العلوية» : صنعتِ.

ص: 264

فقالت : يابن عمّ رسول اللّه أتعلم الغيب؟

قال عليه السلام : «واللّه هذا علم علّمنيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، فقالت : يا أمير المؤمنين الصدق أحسن الكلام، كذلك كان، وأنّي بين يديك مرني بما تأمرني وإن أردت مضيت إلى منزل المرأة وأتيتك بها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «هي لمّا أعطتك المال والتحف انتقلت من ذلك المنزل إلى غيره والآن عفى اللّه عنك عمّا صنعت فاحفظي الطفل، فإذا أنت رأيتها في عيد الأضحى فأتيني بها» ، قالت : سمعاً وطاعة لك يابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا أقبل عيد الأضحى فعلت مثل صنعتها الاُولى، فأتتها تلك المرأة وقالت لها : تعالي معي حتّى أوفيك ما وعدتك به ، فقالت المرضعة : لا حاجة بعطاياك والآن ما يمكنني أن أُفارقك حتّى أحضرك بين يدي ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ لزمت بطرف إزارها، فلمّا رأت المرأة منها ذلك حوّلت وجهها نحو السماء وقالت : يا غياث المستغيثين وياجار المستجيرين ، ثم مع(1) المرضعة إلى مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآها أمير المؤمنين قال : «يا أمة اللّه أيّما أحبّ إليك تحدّثيني أم أُحدّثك بالقصّة من أوّلها إلى آخرها؟ قد أمرني بذلك(2) حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، فقالت : أنا أخبرك بقصّتي من أوّلها إلى آخرها وتعطيني الأمان منك وتؤمنني من عقوبة اللّه تعالى .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : «كذلك أفعل» ، فقالت المرأة : أنا ابنة عامر بن سعد الخزرجي من الأنصار، قتل أبي بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله واُمّي ماتت في خلافة أبي بكر، وبقيت فريدة وحيدة ليس لي(3) أحد يتعاهدني وكنّ في جواري نساء أقعد معهنّ وأغزل بالمغزل وكنت معهنّ في مؤانسة ، فبينا أنا ذات يوم جالسة مع نساء المهاجرين والأنصار إذ أقبلت علينا عجوز وفي يدها مسبحتها(4) وهي تتوكّأ على


1- في «الأنوار العلوية» +: ومشت مع.
2- في «الأنوار العلوية» : قد أخبرني بها.
3- في «الأنوار العلوية» _ : لي.
4- في «الأنوار العلوية» : سبحتها.

ص: 265

عصاة، فسلّمت فرددنا عليها السلام، ثمّ سألت عن اسم كلّ واحدة منّا، ثمّ أتت إليَّ وقالت : يا صبيّة ما اسمك؟ قلت : جميلة بنت عامر الأنصاري ، قالت : ألك أب ، أو بعل؟ قلت : لا ، قالت : كيف تكونين على هذه الحالة وأنت صبيّة جميلة وأظهرت الشفقة والتحنّن عليَّ ،(1) وقالت : هل تريدين امرأة تكون معك وتقوم لك فيما تحتاجيه؟ فقلت لها : وأين تلك المرأة ، قالت : أنا أكون لك بمنزلة الوالدة الشفيقة ، قلت لها : متى رغبت البيت بيتك وكان لي بذلك فرحٌ عظيم ، ثمّ دخلت معي إلى الحجرة وطلبت وتوضّأت فلمّا فرغت قالت(2) : الحمد للّه الذي يسّر لي ورحم ضعفي، فقدّمت إليها خبزاً ولبناً وتمراً فنظرت إليه وبكت، فقلت لها : ممَّ بكاؤك؟ قالت : يا بنيّة ليس هذا طعامي ، قلت : وأيّ طعام معهودك؟ فقالت : قرص من شعير(3) معه قليل من الملح ، فأحضرت لك ذلك ، فبكت وقالت : يا بنيّة ما هذا وقت أكلي ولكن إذا فرغت من صلاة العشاء فاحضري لي الطعام حتّى أفطر (4)، فقامت إلى الصلاة فلمّا فرغت من صلاة العشاء قدّمت إليها قرص من الشعير والملح فقالت : احضري لي قليلاً من الرماد فأحضرته لها، فمزجت الملح بالرماد وتناولت قرص من الشعير فأكلت منه ثلاث لقمات مع الملح والرماد، ثمّ قامت وشرعت في الصلاه فما زالت تصلّي إلى طلوع الفجر، ودعت بدعاء لم أسمع أحسن منه ، ثمّ إنّي قمت وقبّلت(5) عينيها وقلت بخٍّ بخٍّ لمن تكونين عندها دائمة، فأسألك بحقّ محمّد بن عبد اللّه أن تدعين لي بالمغفرة فلا أشكّ أنّ دعائك لا يردّ ، ثمّ قالت لي : أنتِ صبيّة جميلة وأنا خائفة عليك من الوحدة ولابدّ لي من الخروج للحاجة ولابدّ أن تكون لكِ أنيسة تؤنسك ، فقلت لها : أنّى يكون لي ما تقولين ، قالت : إنّ لي ابنة هي أصغر منك سنّاً عاقلة موقّرة متعبّدة آتيك


1- في «الأنوار العلوية» + : ثمّ بكت.
2- في «الأنوار العلوية» + : قلت لها.
3- في «الأنوار العلوية» : الشعير.
4- في «الأنوار العلوية» + : لأنّي صائمة.
5- في «الأنوار العلوية» + : ما بين.

ص: 266

بها كي تؤنسك ، فقلت : افعلي، فخرجت ومضت زماناً ثمّ رجعت وحدها ، فقلت لها : أين أُختي التي وعدتيني بها؟ قالت : إنّ ابنتي وحشية من الناس واُنسها مع ربّها وأنت صبيّة مزوحيّة ضحوكة ونساء المهاجرين والأنصار يتردّدون إليك، وأخاف(1) إذا جاءت إليك يحضرون ويكثرون الحديث وتشتغل عن العبادة فتفارقك وتروح عنك ، وأنا يا أمير المؤمنين حلفت لها يميناً ما دامت ابنتك عندي لم أُدخلهنّ عليَّ ، قالت العجوز: الشرط يكون كذلك ، ثمّ خرجت وعادت بعد ساعة ومعها امرأة تمام القامة(2) مغطّاة بإزار ولا يُبان منها غير عينيها ، فلمّا جاءت(3)العجوز إلى باب الحجرة وقفت وقالت لها(4) : ما لك لا تدخلين؟ قالت: من شدّة الفرح حيث بلّغتك مرادك، وإنّي تركت باب حجرتي مفتوحاً أخاف أن يدخلها أحد فاغلقي باب حجرتك ولا تفتحيها لأحد حتّى أرجع إليك، فغلقت الباب ثمّ توجّهت إلى تلك المرأة فجعلت أُكلّمها فلم تجبني، فلححت عليها لترفع، إزارها فلم تفعل حتّى أخذت الإزار عن رأسها، فوجدتها رجلاً مزيّن اللحية(5)مخضوب اليدين والرجلين لابساً ملابس النساء متشبّهاً بهنّ ، فلمّا رأيت ذلك بهتّ وغشي عليَّ ، فلمّا فقت(6) قلت له : ما حملك على هذا فضحتني وفضحت نفسك ، قم فاخرج من حيث أتيت بسترك ولو علم فيك عمر بن الخطّاب لعذّبك، وقمت عنه فلزمني وأنا خفت إن صحت افتضحت وعلم بذلك جيراني، ثمّ عانقني وصرعني وما كنت تحته إلاّ كالفرخ بين يدي النسر ففضّني وهتك ستري، فلمّا أراد أن يتباعد عنّي لم يقدر من شدّة السكر فخرّ على وجهه مغشيّاً عليه فلم أرَ فيه حركة فنظرت في وسطه سكّيناً فجذبته وقطعت رأسه ثمّ رفعت


1- في «الأنوار العلوية» : يتردّدن إليك وأنا أخاف.
2- في «الأنوار العلوية» : متغطّية.
3- في «الأنوار العلوية»: وصلت.
4- في «الأنوار العلوية» : فقلت لها.
5- في «الأنوار العلوية»: محلوق اللحية.
6- في «الأنوار العلوية» : أفقت.

ص: 267

طرفي إلى السماء وقلت : إلهي تعلم أنّه ظلمني وفضحني وهتك ستري وأنا توكّلت عليك يا من إذا توكّل العبد عليه كفاه ، يا جميل الستر ، فلمّا دخل الليل حملته على ظهري وأتيت به إلى مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا حان وقت الحيض ما رأيت شيئاً ممّا ترى النساء فاغتممت وأردت أن أطرحه كي لا أفتح(1) ، ثمّ قلت في نفسي : أتركه فإذا خرج قتلته وأخفيت أمري حتّى ولد وما اطّلع عليه أحد ، فقلت في نفسي : هذا طفل ولا ذنب له حتّى أقتله فلففته ووضعته في المحراب وهذا حالي يابن عمّ رسول اللّه عليه السلام .

قال عمر : أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ، وسمعته يقول : «عليّ ينطق بلسان الحقّ» ، الآن احكم يا أمير المؤمنين هذا الحكم فإنّه لا يحكم فيه سواك .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : «دية ذلك المقتول ليست على أحد، لأنّه ارتكب الحرام وهتك الحرمة وباشر بجهله أمراً عظيماً، ولا على هذه المرأة شيء من الحدّ، لأنّ الرجل دخل عليها من غير علمها وإرادتها وغلبها على نفسها من غير شهوة منها وحيث استمكنت منه استوفت حقّها» ، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أنتِ على كلّ حال ينبغي أن تحضري العجوز حتّى آخذ حقّ اللّه تعالى منها وأُقيم عليها حدّه فلا تقصّري كي يظهر صدق كلامك» .

قالت المرأة : أنا ما أُقصّر في طلبها ولكن امهلني ثلاثة أيّام ، قال عليه السلام : «أمهلتك» وأمر المرضعة أن تردّ الولد إليها ، وقال عليه السلام لها : «سمّ الولد «مظلوماً» ويل لأبيه من اللّه تعالى يوم تجزى كلّ نفسٍ بما عملت» ، ثمّ انصرفت إلى بيتها ودعت ربّها بأن يظفرها بالعجوز ثمّ إنّها خرجت من بيتها متوكّلة على اللّه وإذا بالعجوز في طريقها فأخذتها وأتت بها إلى مسجد(2) رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا رآها أمير المؤمنين عليه السلام قال لها : «يا عدوّة


1- في «الأنوار العلوية» : لا افتضح.
2- في «الأنوار العلوية» : مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله .

ص: 268

اللّه ما(1) عملت إنّي أنا علي بن أبي طالب علمي من علم رسول اللّه صلى الله عليه و آله اصدقيني عن قصّة هذا الرجل الذي أتيت به إلى بيت هذه المرأة» فقالت العجوز(2): لا أعرف هذه المرأة ولا رأيتها قطّ ولا أعرف الرجل ولا أستحلّ هذه الاُمور ، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : «تحلفين على ما قلت؟» قالت : نعم ، قال عليه السلام : «اذهبي وضعي يدك اليمنى على قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم واحلفي أنّك ما تعرفين هذه المرأة ولا رأيتها قطّ» ، فقامت العجوز فوضعت يدها على قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحلفت فاسودّ وجهها وهي لا تشعر فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يُؤتى لها بمرأة(3) فناولها إيّاها وقال لها : «انظري فيها» فنظرت فإذا وجهها كالفحم الأسود فارتفعت الأصوات بالصلاة(4) على محمّد صلى الله عليه و آله والعجوز تنظر وتبكي وتقول : يابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله تبت ورجعت إلى اللّه تعالى ، فقال عليه السلام : «اللّهمّ أنت العالم بما في الضمائر إن كانت صادقة في كلامها تابت فارجعها إلى حالها» فلم يرتفع عنها السواد فعلم أمير المؤمنين عليه السلام أنّها لم تتب فقال عليه السلام : «يا ملعونة كيف كانت توبتك لا غفر اللّه لكِ ».

ثمّ قال عليه السلام لعمر : مُر أصحابك أن يخرجوها إلى خارج المدينة ويرجموها لأنّها كانت سبب قتل الرجل(5) وهتك حرمة المرأة واستقرار النطفة من الحرام ، فأمر عمر بذلك .

ولمّا رجعت الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه السلام وكان ذلك الغلام قد كمل في العمر، ثمّ قتل في صفّين بين يدي أمير المؤمنين(6).


1- في «الأنوار العلوية» : أما.
2- في «الأنوار العلوية» + : يا أمير المؤمنين.
3- في «الأنوار العلوية» : أن يأتوا بمرآت.
4- في «الأنوار العلوية» : بالتكبير والصلاة.
5- في «الأنوار العلوية» : النفس المحترمة.
6- «الأنوار العلوية» للشيخ جعفر النقدي، ص100_ 105.

ص: 269

وعن «شرح بديعة» ابن المقري: أنّ ثلاثة رجال تشاجروا على سبعة عشر جملاً بينهم وتخاصموا وألدّ بينهم الخصام الطويل وكثر القال والقيل ، فمرّ عليهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : «ما بالكم يشاجر بعضكم بعضاً؟» فقال : يا أبا الحسن هذه سبعة عشر جملاً وقد تشاجرنا على قسمتها، ويريد كلّ واحد منّا ما يريده الآخر بحيث لا ينقص من حمل ولا يرد من درهم وقد اختار كلّ منّا فيها ، فقال أمير المؤمنين لأحدهم: «كم لك؟» قال : النصف ، ثمّ قال للثاني : «كم لك؟» قال : الثلث ، ثمّ قال للثالث : «كم لك فيها؟» قال : التسع ، قال عليه السلام : «أترضون أن أقسمها لكم واُضيف جملي إلى جمالكم(1)؟» قالوا : رضينا ، فقال للأوّل : «أليس لك النصف وهو ثمانية أجمال ونصف جمل؟» قال : بلى ، قال عليه السلام : «إذا دفعت إليك ما يزيد على سهمك من غير كسرٍ أفترضى؟» قال : نعم ، فدفع إليه تسعة ، ثمّ قال للثاني : «أليس لك الثلث وهو ستّة اجمال إلاّ ثلث جمل؟» قال : نعم، قال : «إذا دفعت إليك ما يزيد على سهمك من غير كسر أفترضى؟» قال : نعم ، فدفع إليه ستّة أجمال ، ثمّ قال للثالث : «أليس لك التسع وهو جملان إلاّ تسع جمل؟» قال : بلى ، قال : «إذا دفعتُ إليك ما يزيد على سهمك من غير كسر أفترضى؟» قال : نعم ، فدفع إليه جملين وانصرف الإمام عليه السلام بجمله وهذا من بعض إنجاز قضاياه عليه السلام (2) .

وعن «الفقيه»: عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «كان لرجل على عهد عليّ عليه السلام جاريتان فولدتا معاً(3) في ليلة واحدة إحداهما ابناً، والاُخرى بنتاً، فعَدَت(4) صاحبة البنت(5) فوضعت بنتها في المهد الذي فيه الابن وأخذت الابن(6)، فوضعته في مهد


1- في «الأنوار العلوية» + : هذه.
2- «الأنوار العلوية» ص107 و 108.
3- في المصدر : جميعاً.
4- في المصدر : فعمدت.
5- في المصدر : الابنة.
6- في المصدر : ابنها.

ص: 270

بنتها(1)، فقالت صاحبة البنت (2): الابن ابني، وقالت صاحبة الابن : الابن ابني، فتحاكمتا(3) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأمر أن يوزن لبنهما، وقال عليه السلام : «أيّتهما كانت أثقل لبناً فالابن لها»(4) .

وعن «البحار»: عن عمّار بن ياسر أنّه قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام جالساً في دكّة القضاء إذ نهض إليه رجل يقال له صفوان الأكحل، فقال له : أنا رجل من شيعتك وعليَّ ذنوب، فأُريد أن تطهّرني منها في الدُّنيا لأصل الآخرة(5) وما معي ذنبٌ ، فقال الإمام عليه السلام : «ما أعظم ذنوبك وما هي؟» قال(6) : ألوط بالصبيان ، فقال عليه السلام : «أيّما أحبّ إليك: ضربة بذي الفقار أو أقلب عليك جداراً أو أرمي عليك ناراً؟ فإنّ ذلك جزاء من ارتكب تلك المعصية »، فقال : يا مولاي احرقني بالنار لأنجو من نار الآخرة ، فقال عليه السلام : ياعمّار اجمع ألف حزمة قصب لنضرمه غداة غد بالنار» ، ثمّ قال للرجل : «انهض واوص بمالك وعيالك وبما عليك »(7)، فنهض الرجل وأوصى بما له وما عليه، وقسّم أمواله على أولاده، وأعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه، ثمّ بات على حجرة أمير المؤمنين عليه السلام فلمّا أصبح(8) قال عليه السلام : «يا عمّار نادي(9) بالكوفة: اخرجوا وانظروا حكم أمير المؤمنين عليه السلام » ، فقال جماعة منهم : كيف يحرق رجلاً من شيعته ومحبّيه وهو الساعة يريد أن(10) يحرقه بالنار ويلقي(11)عليه ألف حزمة من القصب، فأعطاه مقدحة


1- في المصدر _ : فوضعته في مهد بنتها.
2- في المصدر : الابنة.
3- في المصدر : فتحاكما.
4- «كتاب من لا يحضره الفقيه»، ج3، ص19.
5- في المصدر + : إلى.
6- في المصدر + : أنا.
7- في المصدر + : قال.
8- في المصدر + : في بيت نوح شرقي جامع الكوفة، فلمّا صلّى.
9- في المصدر : ناد.
10- في المصدر _ : أن.
11- في المصدر : ورمى.

ص: 271

وكبريتاً وقال عليه السلام : «اقدح واحرق نفسك، فإن كنت من شيعتي ومحبّي وعارفي فإنّك لا تحرق(1)بالنار وإن كنت من المخالفين المكذّبين فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك ، فأوقد الرجل على نفسه وأحرق(2)القصب، وكان على الرجل ثياب بيض فلم تعلق النار بها ولم يقربها(3) الدخّان فاستفتح الإمام عليه السلام وقال : «كذب(4) باللّه وضلّوا ضلالاً بعيداً» ، ثمّ قال عليه السلام : «إنّ شيعتنا منّا وأنا قسيم الجنّة والنار، وشهد(5) لي بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلّم في مواطن كثيرة»(6) .


1- في المصدر : لا تحترق.
2- في المصدر : احترق.
3- في المصدر : لم تقربها.
4- في المصدر + : العادلون.
5- في المصدر : أشهد.
6- «بحار الأنوار» ج42، ص43 و 44.

ص: 272

ص: 273

الباب الحادي عشر: في ذكر من سبّه عليه السلام وما أخبر بوقوع ذلك بعده و ما ظهر من كراماته

ص: 274

ص: 275

في ذكر من سبّه عليه السلام وما أخبر بوقوع ذلك بعده

وما ظهر من كراماته

في «البحار» نقلاً من «الأمالي» عن ابن عبّاس: أنّه مرّ بمجلس من مجالس قريش وهم يسبّون عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال لقائده : ما يقول هؤلاء؟ قال : يسبّون عليّاً عليه السلام ، قال : قرّبني إليهم ، فلمّا وقف(1) عليهم قال : أيّكم السابّ للّه؟ قالوا : سبحان اللّه من(2) يسبّ اللّه فقد أشرك باللّه ، قال : فأيّكم السابّ لرسول اللّه؟ قالوا : من(3) يسبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد كفر ، قال : فأيّكم السابّ لعليّ(4)بن أبي طالب عليه السلام ؟ قالوا : قد كان ذلك ، قال : قال:(5) فأشهد باللّه وأشهد اللّه(6) تعالى لقد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من سبّ عليّاً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ اللّه . ثمّ مضى فقال لقائده : فهل قالوا شيئاً حين قلت لهم ما قلت؟ قال : ما قالوا شيئاً ، قال : كيف رأيت وجوههم؟ قال :

نظروا إليك بأعينٍ مزورةٍ(7) نظر التيوس(8) إلى شفار الجازر


1- في المصدر +: أن.
2- في المصدر + : و.
3- في المصدر + : و.
4- في المصدر _ : ل.
5- في المصدر _ : قال.
6- في المصدر : للّه.
7- في المصدر : محمرة.
8- قال في «لسان العرب» ج6، ص33، مادّة تيس : التيس : الذكر من المَعَز.

ص: 276

قال : زدني فداك أبوك ، قال :

خزر الحواجب ناكسوا أذقانهم نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال : زدني فداك أبوك ، قال : ما عندي غير هذا قال : لكن عندي :

أحياؤهم خزيٌ على أمواتهم والميّتون فضيحة للغابر(1)

انتهى .

وفي «البحار» وفي «المنتخب»: أنّه لمّا قال : زدني ، قال : أحياؤهم خزي... إلخ ، ثمّ إنّه قال : زدني فداك أبوك قال :

يوم القيامة يسكنون جهنّماً بئس المصير لكلّ عبدٍ فاجر

فقال البرذوني : بارك اللّه فيك يا غلام، فقال :

وكذا النبيّ خصيمهم مع حيدرٍ نعم الخصيم غداً وخير الناصر

فقال له : بارك اللّه فيك يا غلام وأنت حرٌّ لوجه اللّه تعالى(2) .

وفي «البحار» نقلاً من «المناقب» بإسناد التميمي عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من سبّ عليّاً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ اللّه تعالى»(3) .

وفيه أيضاً نقلاً من «أمالي» الشيخ بإسناد أخي دعبل عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال : «ألا إنّكم ستعرضون على سبّي، فإن خفتم على أنفسكم فسبّوني ، ألا وإنّكم ستعرضون على البراءة منّي فلا تفعلوا فإنّي على الفطرة»(4) .

وفيه نقلاً عن «المناقب»: عن سفيان بن عيينة عن طاووس اليماني: أنّه قال عليه السلام


1- «بحار الأنوار» ج39، ص311، ح1؛ «الأمالي» للصدوق، ص97 و 98.
2- لم نجد هذه الرواية لا في «بحار الأنوار» ولا في «المنتخب».
3- «بحار الأنوار» ج39، ص312، ح4.
4- «بحار الأنوار» ج39، ص316، ح13؛ «الأمالي» للطوسي، ص364، ح16.

ص: 277

لحجر البدري : «ياحجر كيف بك إذا أُوقفت على منبر صنعاء وأُمِرتَ بسبّي والبراءة منّي؟» قال : فقلت : أعوذ باللّه من ذلك ، قال عليه السلام : «واللّه إنّه لكائن فإذا كان ذلك فسبّني ولا تتبرّأ(1) منّي، فإنّه من تبرّأ منّي في الدُّنيا تبرّأت(2) منه في الآخرة» .

قال طاووس : فأخذه الحجّاج على أن يسبّ عليّاً، فصعد المنبر وقال(3): أيّها الناس إنّ أميركم هذا أمرني أن ألعن عليّاً ألا فالعنوه لعنه اللّه (4) .

وفيه نقلاً من «أمالي» الشيخ عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السلام أنّه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ستدعون إلى سبّي وتدعون(5) إلى البراءة منّي فمدّوا الرقاب فإنّي على الفطرة(6)»(7) .

وفيه نقلاً من «المناقب»: روى علماء واسط أنّه لمّا رفعوا اللعاين جعل خطيب واسط يلعن، فإذا هو بثورٍ عبر الشطّ وشقّ السور ودخل المدينة وأتى الحجّاج(8)وصعد المنبر ونطح الخطيب فقتله بها وغاب عن أعين الناس، فسدّوا الباب الذي دخل منه، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور.

وقال هاشمي : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه وهو يغطّيه، فسألته عن سبب ذلك فقال : نعم ، قد جعلت علَيَّ أن لا يسألني أحد عن ذلك إلاّ أخبرته : اعلم أنّي(9) كنت شديد الوقيعة في عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آتٍ في منامي فقال : أنت صاحب الوقيعة في عليّ عليه السلام فضرب


1- في المصدر : لا تبرأ.
2- في المصدر: برئت.
3- في المصدر + : يا.
4- «بحار الأنوار» ج39، ص317، ح17؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص269.
5- في المصدر + : فسبّوني.
6- في «البحار» : الفترة.
7- «بحار الأنوار» ج39، ص315، ح11؛ «الأمالي» للطوسي، ص210، ح12.
8- في المصدر : الجامع.
9- في المصدر _ : اعلم أنّي.

ص: 278

شقّ وجهي فأصبحتُ وشقّ وجهي أسود كما ترى(1) .

وعن أبي جعفر المنصور أنّه قال : كان قاضٍ(2) إذا فرغ من قصصه ذكر عليّاً فشتمه ، فبينما هو كذلك إذ ترك ذلك ، فسئل عن سببه فقال : واللّه لا أذكر له شتمة(3) أبداً، وذلك(4)بينا أنا نائم وإذا بالناس(5)قد جُمعوا فيأتون النبيّ صلى الله عليه و آله فيقول لرجل: اسقهم، حتّى وردت على النبيّ صلى الله عليه و آله فقال للرجل(6) : اسقه، فطردني فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : اسقه فسقاني قطراناً(7) ، فأصبحت وأنا أتجشّأه وأبوله(8).

وفي «شرح الشافية»(9) عن الواقدي قال : كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في كلّ يوم عرفة ، فقعد ذات يوم وحضر(10)الشافعي وكان هاشميّاً يقعد إلى جنبه، وحضر محمّد بن الحسن بن زفر(11)وأبو يوسف وقعدوا(12)بين يديه، وغصّ المجلس بأهله وفيهم سبعون رجلاً من أهل العلم، كلّ واحد منهم يصلح أن يكون إمام صقع(13) من الأصقاع .

قال الواقدي : فدخلت آخر الناس، فقال الرشيد : أراك تتأخّر(14)؟ فقلت : ما كان لإضاعة حقّ، ولكن(15) شغلت بشغل عاقني عمّا أحببت(16) فقرّبني حتّى أجلسني(17)


1- «بحار الأنوار» ج39، ص319، ح20؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص343.
2- في المصدر : قاص.
3- في المصدر : شتيمة.
4- في المصدر _ : وذلك.
5- في المصدر : والناس.
6- في المصدر : له.
7- في المصدر : قطرات.
8- «بحار الأنوار» ج39، ص320؛ «المناقب» ج2، ص344 و 345.
9- وجدت هذه الرواية في كتاب «الثاقب في المناقب» لابن حمزة الطوسي.
10- في «الثاقب في المناقب» : حضره.
11- في «الثاقب في المناقب» _ : بن زفر.
12- في «الثاقب في المناقب» : فقعدا.
13- قال في «لسان العرب» ج8 ، ص203، مادّة صقع : قيل : يذهب في كلّ صُقعٍ من الكلام، أي ناحية.
14- في «الثاقب في المناقب» : لم تأخّرت؟
15- في «الثاقب في المناقب» : ولكنّي.
16- في «الثاقب في المناقب» + : قال.
17- في «الثاقب في المناقب» : اُقعدني.

ص: 279

بين يديه وقد خاض الناس في كلّ فنّ من العلم ، فقال الرشيد للشافعي : يابن عمّ كم تروي من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال : أربعمائة حديث(1) ، فقال له : قل ولا تخف ، فقال : تبلغ خمسمائة وتزيد(2).

ثمّ قال لمحمّد بن الحسن : كم تروي يا كوفي من فضائله؟ قال : ألف حديث أو أكثر ، فأقبل على أبي يوسف فقال : كم تروي يا كوفي(3)؟ أخبرني ولا تخش. فقال : يا أمير المؤمنين لولا الخوف لكانت رواياتنا من(4) فضائله أكثر من أن تحصى ، قال : ممّن(5) تخاف؟ قال : منك ومن عمّالك وأصحابك ، قال : أنت آمن فتكلّم وأخبرني كم فضيلة تروي فيه؟ قال : خمسة عشر ألف حديث(6) مسند وخمسة عشر ألف حديث مرسل .

قال الواقدي : فأقبل عليَّ وقال : ما تعرف في ذلك أنت(7)؟ مثل مقالة أبي يوسف ، فقال (8): لكنّي أعرف له فضيلة رأيتها بعيني، وسمعتها بأُذني، أجلّ من كلّ فضيلة تروونها أنتم، وإنّي لتائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّي من أمر الطالبيّة ونسلهم .

فقلنا بأجمعنا(9) : وفّق اللّه أمير المؤمنين وأصلحه(10) أن تخبرنا بما عندك ، قال : نعم ، ولّيت عاملي يوسف بن الحجّاج بدمشق وأمرته بالعدل في الرعية والإنصاف في


1- في «الثاقب في المناقب» + : وأكثر.
2- في «الثاقب في المناقب» : يبلغ خمسمأة أو يزيد.
3- في «الثاقب في المناقب» + : أنت يا كوفي من فضائله.
4- في «الثاقب في المناقب» : مِن.
5- في «الثاقب في المناقب» : ممّ.
6- في «الثاقب في المناقب» : خبر.
7- في «الثاقب في المناقب» + : فقلت.
8- في «الثاقب في المناقب» : قال الرشيد.
9- في «الثاقب في المناقب» : جميعاً.
10- في «الثاقب في المناقب» + : إن رأيت.

ص: 280

القضية، فاستعمل ما أمرته فرفع إليه إنّ الخطيب الذي يخطب بدمشق يشتم عليّ بن أبي طالب عليه السلام في كلّ يوم وينقصه(1) ، فأحضره وسأله عن ذلك، فأقرّ له بذلك فقال له : ما حملك على ذلك(2)؟ قال : لأنّه قتل آبائي وسبى الذراري، فلذلك له الحقد في قلبي ولست أُفارق ما أنا عليه ، فقيّده(3) وحبسه وكتب إليَّ بخبره، فأمرته بحمله إليَّ على حالته من القيود ، فلمّا مثل بين يديّ زيرته(4) وقلت له : أنت الشاتم لعليّ بن أبي طالب؟ فقال : نعم ، قلت : ويلك قتل من قتل وسبى من سبى بأمر اللّه تعالى وأمر النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقال : ما اُفارق ما أنا عليه ولا تطيب نفسي إلاّ به.

فدعوت بالسياط والعقّابين فأقمته بين يدي(5)هاهنا وظهره إليَّ وقام الجلاّد وجلده(6)مائة سوط فأكثر الصياح والغياث وبال في مكانه، فأمرت بحبسه(7) فنحّى عن العقّابين وأدخل ذلك البيت وأومى بيده إلى بيت في الأيوان، وأمرت بأن يغلق الباب عليه(8)، ففعل ذلك ومضى بي(9) النهار وأقبل الليل ولم أبرح من موضعي هذا حتّى صلّيت العتمة.

ثمّ بقيت ساهراً أُفكّر في قتله وعذابه(10)، فمرّة أقول: أضرب علاوته ومرّة أقول: أقطع أجزائه(11) ومرّة أُفكّر في تفريقه أو قتله بالسياط وأتميّز الفكر حتّى غلب النوم على عيني في آخر(12)الليل، فإذا أنا بباب السماء قد انفتح وإذا بالنبيّ صلى الله عليه و آله قد هبط وعليه


1- في «الثاقب في المناقب» : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في كلّ يوم وينتقصه قال.
2- في «الثاقب في المناقب» : وما حملك على ما أنت عليه؟
3- في «الثاقب في المناقب» + : وغلّه.
4- في «الثاقب في المناقب» + : وصحّت به.
5- في «الثاقب في المناقب» : بحضرتي.
6- في «الثاقب في المناقب» : فأمرت الجلّاد فجلده.
7- في «الثاقب في المناقب» : به.
8- في «الثاقب في المناقب» + : واقفاً له.
9- في «الثاقب في المناقب» _ : بي.
10- في «الثاقب في المناقب» + : وفي عذابه وبأيّ شيء أُعذّبه.
11- في «الثاقب في المناقب» : أمعاءه.
12- في «الثاقب في المناقب» : أو قتله بالسوط، فلم أتم الفكر في أمره حتّى غلبتني عيني فنمت في آخر الليل.

ص: 281

خمس حلل ثمّ هبط عليّ عليه السلام بن أبي طالب وعليه أربع(1)حلل، ثمّ هبط الحسن عليه السلام وعليه ثلاث حلل(2) ثمّ هبط الحسين عليه السلام وعليه حلّتان ومعهم جبرئيل(3) وعليه حلّة واحدة، فإذا عليّ عليه السلام (4) من أحسن الخلق وفي نهاية الوصف ومعه كأس(5)ماء كأصفى ما يكون من الماء وأحسنه، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أعطني الكأس» ، فأعطاه فنادى برفيع(6) صوته : «ياشيعة محمّد وآله عليهم السلام » فأجابوه: من حاشيتي وداري وغلماني أربعون نفساً(7) وكان في الدار(8) أكثر من خمسة آلاف إنسان، فسقاهم من الماء وصرفهم.

ثمّ قال له : «أين الدمشقي» فكان الباب قد انفتح وأُخرج إليه، فلمّا رآه علي عليه السلام أخذه بيده(9)وقال عليه السلام : «يارسول اللّه هذا يشتمني ويظلمني(10) من غير سبب أوجب ذلك» ، فقال عليه السلام : «خلّه يا أبا الحسن »، ثمّ قبض النبيّ صلى الله عليه و آله على زنده بيده وقال : «أنت الشاتم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟» قال : نعم ، قال صلى الله عليه و آله : «اللّهمَّ امسخه وامحقه وانتقم منه» فتحوّل وأنا أراه كلباً، ورد إلى البيت كما كان. وصعد النبيّ صلى الله عليه و آله (11) وعليّ عليه السلام والحسن عليه السلام والحسين عليه السلام وجبرئيل، فانتبهتُ فزعاً(12)مذعوراً، فدعوت الغلام وأمرته


1- في «الثاقب في المناقب» : ثلاث.
2- في «الثاقب في المناقب» : حلّتان.
3- في «الثاقب في المناقب» : ثمّ هبط جبرئيل عليه السلام .
4- في «الثاقب في المناقب» : هو.
5- في «الثاقب في المناقب» + : فيه.
6- في «الثاقب في المناقب» : بأعلى.
7- في «الثاقب في المناقب» : حاشيتي وغلماني وأهل الدار أربعون نفساً أعرفهم كلّهم وكان.
8- في «الثاقب في المناقب» : داري.
9- في «الثاقب في المناقب» : بتلابيبه.
10- في «الثاقب في المناقب» : يظلمني ويشتمني.
11- «في الثاقب في المناقب»: وجبرئيل وعليّ عليه السلام ومن كان معهم فانتبهت.
12- في «الثاقب في المناقب» + : مرعوباً.

ص: 282

بإخراجه إليَّ، فأخرج وهو كلب، فقلت له : كيف رأيت عقوبة ربّك؟ فأومئ برأسه كالمعتذر، فأمرت بردّه وهاهو ذا في البيت .

ثمّ نادى وأمر بإخراجه(1) وقد أخذ الغلام بأُذنه وإذا اُذناه كأُذنيّ الإنسان(2) وهو في صورة الكلب، فوقف بين أيدينا وهو يلوك لسانه ويحرّك شفتيه كالمعتذر، فقال الشافعي : هذا مسخ ولست آمن أن يعجّل العذاب به فأمر بإخراجه عنّا(3)، فأمر به فردّ إلى البيت فما كان بأسرع من أن سمعنا وجبة وضجّة(4)، فإذا صاعقة قد سقطت على سطح البيت فأحرقته وأحرقت البيت(5)، فصار رماداً وعجّل اللّه بروحه إلى نار جهنّم .

قال الواقدي : قلت للرشيد : يا أمير المؤمنين هذه معجزة وعِظة وُعِظتَ بها، فاتّق اللّه في ذرّية هذا الرجل ، فقال الرشيدلعنه اللّه : إنّي(6) تائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّي، في حال الطالبيّين(7) (8)(9).

ونقل أنّه حضر بمجلس يزيد بن معاوية يوماً من الأيّام شاعران من شيعة عليّ عليه السلام ، فقال لهما: كلّ منكما بلا فكر ينشد في عليّ عليه السلام بيتاً من الشعر ، فقالا له: يزيد أن تكون البدأة ممّن ، أمر بالنشيد، فقال يزيد في الحال بلا تأمّل :

خير البرية بعد أحمد حيدر والناس أرضٌ والوصيّ سماءُ

وأنشد أحدهما :


1- في «الثاقب في المناقب» + : فأخرج.
2- في «الثاقب في المناقب» : كآذان الناس.
3- في «الثاقب في المناقب» : ولست آمن أن تعجله العقوبة فأمر به.
4- في «الثاقب في المناقب» : إلى بيته كما كان بأسرع من أن سمعنا وجبة وصيحة.
5- في «الثاقب في المناقب» : الكلب.
6- في «الثاقب في المناقب» : أنا.
7- في «الثاقب في المناقب» _ : في حال طالبيين.
8- في «الثاقب في المناقب» + : وأحسنت توبتي.
9- «الثاقب في المناقب» لابن حمزة الطوسي، ص229_ 233.

ص: 283

ومناقب شهد العدوّ بفضلها والفضل ما تشهد به الأعداء

وأنشد الآخر وقال :

كمليحة شهدت لها ضرّاتها والحسن ما شهدت به الضرّاء(1)

في «البحار»: عن الأعمش أنّه حدّثه المنصور : وقعت عمامة رجل فإذا رأسه رأس خنزير، فسأله عن قصّته ، فقال : كنت مؤذِّناً ثلاثين سنة وكنت ألعن عليّاً عليه السلام بين الأذان والإقامة مائة مرّة(2)ولعنته جمعة(3) ألف لعنة، فبينما أنا نائم وقد لحقني العطش فإذا أنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي والحسن والحسين عليهم السلام على الحوض(4) ، فقلت للحسن عليه السلام والحسين عليه السلام (5) : اسقياني، فلم يكلّماني، فدنوت من عليّ عليه السلام فقلت له : يا أبا الحسن اسقني ولم يكلّمني(6)فدنوت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقلت له : اسقني ، فرفع رأسه فبصرني(7)وقال : «أنت اللاّعن عليّاً عليه السلام في كلّ يوم خمسمائة مرّة وقد لعنته البارحة ألف مرّة؟» فلم أحِر له(8) جواباً، فتفل في وجهي وقال : «اخسأ يا خنزير» فواللّه ما أصبح إلاّ وجهه ورأسه كخنزير(9) .

وفيه نقلاً من «المناقب»: عن الحسين بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال : كان إبراهيم بن هاشم المخزومي والياً على المدينة، وكان يجمعنا قريباً(10) من المنبر ويشتم عليّاً عليه السلام ، فلقصت(11)بالمنبر فأغفيت، فرأيت القبر قد انفرج


1- لم نجد هذه الرواية في الكتب الروائية، ولكن وجدت بعض الأشعار مع اختلاف يسير.
2- في المصدر + : كلّ يوم خمس مائة مرّة.
3- في المصدر +: ليلة.
4- في المصدر _ : على الحوض.
5- في المصدر : للحسنين.
6- في المصدر + : ولم يسقني.
7- في المصدر : فبصر بي.
8- في المصدر : إليه.
9- «بحار الأنوار» ج39، ص320.
10- في المصدر + : كلّ يوم جمعة.
11- في المصدر: فلصقت.

ص: 284

وخرج منه رجل عليه ثياب بيض، فقال لي : يا أبا عبداللّه ألا يحزنك ما يقول هذا؟ قلت : بلى واللّه ، قال : افتح عينيك وانظر(1)ما يصنع اللّه به، وإذا هو قد ذكر عليّاً، فرمى به من فوق المنبر فمات (2).

وعن عثمان بن عفّان السجستاني أنّه قال : إنّ محمّد بن عباد قال : كان في جواري رجل(3)صالح، فرأى النبيّ صلى الله عليه و آله في منامه على شفير الحوض والحسن والحسين عليهماالسلام يسقيان الاُمّة، فاستقيت أنا فأبيا عليَّ، فأتيت النبيّ صلى الله عليه و آله أسأله، فقال : «لاتسقوه فإنّ في جوارك رجلاً يلعن عليّاً عليه السلام فلم تمنعه» فدفع إليَّ سكّيناً وقال : «اذهب فاذبحه» ، قال : فخرجت وذبحته ودفعت السكّين إليه ، فقال صلى الله عليه و آله : «يا حسين اسقه» ، فسقاني وأخذت الكأس بيدي ولا أدري أشربتُ أم لا ، فانتبهت فإذا أنا بولولةٍ ويقولون: فلان ذبح على فراشي(4) فأخذ الشرط الجيران، فقمت إلى الأمير فقلت : أصلحك اللّه هذا أنا فعلته والقوم برآء، وقصصتُ عليه الرؤيا، فقال : اذهب جزاك اللّه خيراً(5).

وعن عبداللّه بن السائب وكثير بن الصلت قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه، فأغفيت وإذا أنا بشخص طويل العنق أهدل ، أهدب(6)، قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : مَنْ أنت؟ فقال : أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد ، فانتبهت فزعاً مرعوباً(7) وسمعنا الواعية، فأنشأت(8) أقول :


1- في المصدر _ : و.
2- «بحار الأنوار» ج39، ص320؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص344.
3- في المصدر _ : رجل.
4- في المصدر : فراشه.
5- «بحار الأنوار» ج39، ص320 و 321؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص345.
6- قال في «لسان العرب» ج1، ص780، مادّة هدب : رجل أهدب: طويل أشفار العين، النابت كثيرها.
7- في المصدر _ : مرعوباً.
8- في المصدر + : عليه وأنشأت.

ص: 285

قد جشّم الناس أمراً ضاق ذرعهم بحملهم(1) حين اداهم إلى الرحبة

يدعو على ناصر الإسلام دام له على المشركين الطول والغلبة

ما كان منتهياً عمّا أراد به حتّى تناوله النقّاد ذو الرقبة

فأسقط الشقّ منه ضربة عجباً كما تناول ظلماً صاحب الرحبة(2)

وعن أبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ الجوزي في كتاب «المنتظم»(3): أنّ زياداً لمّا تفرّقت(4) أهل الكوفة وهو يخطب على المنبر قطع أيدي ثمانين منهم وهمَّ أن يخرّب دورهم ويجمّر نخلهم، حتّى(5) ملأ بهم المسجد والرحبة ليعرضهم على البراءة من عليّ عليه السلام وعلم أنّهم سيمتنعون فيحتجّ بذلك على استئصالهم وإخراب بلدهم(6) .

قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاري : وإنّي(7) لمَعَ نفرٍ من قومي والناس يومئذٍ في أمرٍ عظيم، إذ هوّمتُ تهويمةٌ، فرأيت شيئاً قد أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدر أهدل ، فقلت : ما أنت؟ فقال : أنا النقّاد ذو الرقبة، بعثت إلى صاحب هذا القصر، فاستيقظت فزعاً ، فقلت لأصحابي : هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا : لا ، فأخبرتهم، وخرج علينا خارج من القصر فقال : انصرفوا فإنّ الأمير يقول لكم : إنّي عنكم اليوم مشغول، وإذا الطاعون قد ضربه، فكان يقول : إنّي لأجد في النصف من جسدي مثل(8) حرّ النار حتّى مات ، فقال عبد الرحمن بن السائب :

ما كان منتهياً عمّا أراد بنا حتّى تناوله النقّاد ذو الرقبة

فأثبت الشقّ منه ضربة عظمت كما تناول ظلماً صاحب الرحبة(9)


1- في المصدر : يحملهم.
2- «بحار الأنوار» ج39، ص321؛ «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص345 و 346.
3- نقلاً عن «بحار الأنوار».
4- في المصدر : حصبه.
5- في المصدر + : فجمعهم.
6- «بحار الأنوار» ج39، ص321.
7- في المصدر : فإنّي.
8- في المصدر _ : مثل.
9- «بحار الأنوار» ج39، ص321 و 322؛ «شرح نهج البلاغة» ج3، ص199.

ص: 286

عن «الثاقب في المناقب»: عن ابن عاصفة(1) قال : طُلِبنا لشتم عليّ عليه السلام فهربت، فبعث إليَّ محمّد بن صفوان من ولد أبي خلف الجمحي أن أعرني بغلتك ، فقلت : لئن أعرتك بغلتي إنّي لكمَنْ سبّه(2)، فمشى واللّه على رجليه أربعة فراسخ(3) فوافى خالد(4) عامل هشام بن عبد الملك بالمدينة يشتم عليّاً(5)، فقال لابن صفوان : يابن صفوان قم(6)، فقام فصعد مرقاة من المنبر ثمّ استقبل القبلة بوجهه ، وقال : اللّهمَّ من كان يسبّ عليّاً عليه السلام لثروة يطلبها أو لرحل(7) فإنّي لا أسبّه إلاّ فيك ، وقد كان صاحب باغية(8)، فرأى أنّ القبر قد(9)انفرج وخرج(10) في المصدر : خرجت.(11) منه كفّ قائل وهويقول : إن كنت صادقاً فلعنك اللّه وإن كنت كاذباً فعماك اللّه (12). فنزل الجمحي من المنبر فقال لابنه: قم(13)، فقام إليه فقال : اعطني يدك اتّكئ عليها(14) ، فلمّا خرجنا(15)من المسجد نحو المنزل قال لابنه: هل نزل بالناس شرّ وغشيتهم(16) ظلمة؟ قال : وكيف ذاك؟ قال : لأنّي لا أبصر شيئاً ، فقال : واللّه ذاك من جرأتك على اللّه تعالى تقول الكذب(17) على منبر


1- في المصدر : أبي غاضية.
2- في المصدر : لكم شبه. قال.
3- في المصدر : أميال.
4- في المصدر : خالداً.
5- في المصدر : على المدينة، فشتم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وآله على المنبر.
6- في المصدر : قم يابن صفوان.
7- في المصدر : عليّاً لترة يطلبها عنده أو لذحل.
8- في المصدر _ : وقد كان صاحب باغية.
9- في المصدر _ : قد.
10-
11-
12- في المصدر : إنْ كنت كاذباً فعليك لعنة اللّه، وإن كنت كاذباً فأعماك اللّه.
13- في المصدر : وهو جالس إلى ركن البيت : قم.
14- في المصدر + : فمضى به إلى المنزل.
15- في المصدر : خرجا.
16- في المصدر : غشيهم.
17- في المصدر : ذلك واللّه بجرأتك على اللّه وقولك الكذب.

ص: 287

رسول اللّه صلى الله عليه و آله فما زال أعمى(1) .(2)

وللبحتري مخاطباً لابن الجهم رادّاً عليه ذمّه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام :

إذا رحلت قريش للمعالي فلا في العير أنت ولا النفير

ولا رغثانك الجهم من بدرٍ من الأقمار ثمّ ولا البدور

ولو أعطاك ربّك ما تمنّى عليه لزاد في غلظ الأيور

لأيّة حالة تهجو عليّاً بما لفّقت من كذبٍ وزور

أما لك في استك الوجعاء شغل يكفّك عن أذى أهل القبور(3)

وعن «كشف اليقين»: أنّ الشاعر النبيغا(4) وفد على بعض الملوك وكان يفد عليه(5) كلّ سنة، فوجده في الصيد، فكتب وزير الملك يخبره بقدومه، فأمره أن يسكنه في بعض دوره. وكان على تلك الدار غرفة، وكان النبيغا(6) يبيت كلّ ليلة ويطلع(7) إلى الدرب، وكان كلّ ليلة يخرج الحارس من بعد نصف الليل فيصيح بأعلى صوته : يا غافلين اذكروا اللّه ثمّ يسبّ عليّاً عليه السلام(8)، وكان الشاعر النبيغا(9)ينزعج لصوته. فاتّفق في بعض الليالي أنّ الشاعر رأى النبيّ صلى الله عليه و آله في منامه(10)قد جاء هو وعليّ عليه السلام إلى ذلك الدرب ووجد الحارس، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : «اسقه(11)فله اليوم أربعين سنة يسبّك» فضربه أمير المؤمنين عليه السلام بين كتفيه، فانتبه الشاعر منزعجاً من المنام.


1- «الثاقب في المناقب» ص271 و 272.
2- في المصدر + : حتّى مات لعنة اللّه عليه.
3- راجع «شرح نهج البلاغة» ج 3، ص 122.
4- في المصدر : الببغاء.
5- في المصدر + : في.
6- في المصدر : الببغاء.
7- في المصدر : كلّ ليلة فيها ولها مطلع.
8- في المصدر _ : ثمّ يسبّ عليّاً عليه السلام .
9- في المصدر : الببغاء.
10- في المصدر : رأى في منامه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله .
11- في المصدر : يا عليّ اصفعه بيدك فله اليوم.

ص: 288

ثمّ انتظر الصوت الذي كان يسمعه من الحارس كلّ وقت، فلم يسمعه فتعجّب من ذلك ، ثمّ رأى صياحاً ورجالاً قد أقبلوا إلى دار الحارس فسألهم الخبر، فقالوا : إنّ الحارس قد حصل له بين كتفيه ضربةً وهي بقدر الكفّ(1) تتشقّق وتمنعه الفرار، فلم يكن وقت الصبح إلاّ وقد مات، وشاهده بهذه الحال أربعون رجلاً(2) .(3)

وفي «شرح الشافية» و«البحار»: روي أنّه كان في بلد(4) الموصل رجل(5) يقال له أحمد بن حمدون، وكان(6) شديد العناد كثير البغض لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، فأراد بعض أهل الموصل الحجّ، فجاء(7)يودّعه فقال له : إنّي قد عزمت على الخروج إلى الحجّ فإن كان هناك حاجة تعرّفني بها(8) أقضيها لك ، فقال : إنّ لي حاجة مهمّة وهي سهلة عليك، فقال : مرني بها حتّى أفعل(9)، فقال : إذا قضيت الحجّ ووردت المدينة وزرت النبيّ صلى الله عليه و آله فخاطبه عنّي وقل له(10): يارسول اللّه ما أعجبك من عليّ عليه السلام بن أبيطالب حتّى زوّجته ابنتك فاطمة عليهاالسلام (11)؟ عظم بطنه أو دقّة ساقه أو صلعة رأسه؟ وحلّفه وعزم عليه أن يبلّغه لكلامه(12)، فلمّا ورد المدينة وقضى حوائجه نسي(13)تلك الوصيّة، فرأى في منامه أمير المؤمنين عليه السلام فقال(14): «ألا تبلّغ وصيّة فلان إليك؟» فانتبه


1- في المصدر + : وهي.
2- في المصدر : نفساً.
3- «كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين» للعلاّمة الحلّي، ص479 و 480؛ «بحار الأنوار» ج42، ص9و10.
4- في «بحار الأنوار» : ببلد.
5- في «بحار الأنوار» : شخص.
6- في «بحار الأنوار» +: بن الحارث العدوي كان.
7- في «بحار الأنوار» + : إليه.
8- في «بحار الأنوار» : كان لك حاجة تعرفني حتّى.
9- في «بحار الأنوار» : أفعلها.
10- في «بحار الأنوار» _ : له.
11- في «بحار الأنوار» : حتّى تزوجته بابنتك.
12- في «بحار الأنوار» : هذا الكلام.
13- في «بحار الأنوار» : أنسى.
14- في «بحار الأنوار» : أمير المؤمنين عليه السلام في منامه فقال له.

ص: 289

ومشى لوقته إلى القبر المقدّس وخاطب النبيّ صلى الله عليه و آله بما أمره ذلك الرجل ثمّ نام فرأى في منامه(1) أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخذه ومشى وأتى به إلى منزل(2) ذلك الرجل، وفتح الباب وأخذ مديةً(3) فذبحه عليه السلام بها ثمّ مسح المدية بملحفة كانت عليه، ثمّ جاء إلى باب سقف الدار ففتحه بيده(4) ووضع المدية تحته وخرج، فانتبه الحاج منزعجاً من ذلك، وكتب صورة المنام هو وأصحابه.

إلى أن قال :

وتعجّب أهل الموصل من قتله حيث لم يجدوا ثقباً ولا سلخاً(5)على حائط ولا باباً مفتوحاً ولا قفلاً مكسوراً(6)، فبقي السلطان متحيّراً بعد أن حبس الجار وغيرهم(7)، ولم يسرق شيء من الدار البتّة ولم يزل الجيران وغيرهم في الحبس إلى أن ورد(8) الحاج من مكّة، فلقي الجيران في السجن، فسأل عن ذلك فقيل : إنّ في الليلة الفلانية وجد فلان(9)مذبوحاً في داره ولم يعرف قاتله، فكبّر الحاج(10)وقال لأصحابه : اخرجوا صورة المنام المكتوبة عندكم فأخرجوها فوجدوا الليلة المنام هي(11) ليلة القتل.

ثمّ مشى هو والناس بأجمعهم إلى دار المقتول، فأمر بإخراج الملحفة وأخبرهم بالدمّ الذي(12) فيها، فوجدوا كما هو مكتوب(13)، ثمّ أمر برفع السقف فرفع فوجدوا(14)


1- في «بحار الأنوار» _ : في منامه.
2- في «بحار الأنوار» : ومشى هو وإيّاه إلى منزل.
3- في «بحار الأنوار» : «يعني سكّيناً» من المصنّف رحمه الله .
4- في «بحار الأنوار» : ثمّ أتى سقف باب الدار فرفعه بيده.
5- في «بحار الأنوار» : نقباً ولا تسليقا.
6- في «بحار الأنوار» _ : مكسوراً.
7- في «بحار الأنوار» _ : بعد أن حبس الجار وغيرهم.
8- في «بحار الأنوار» : في السجن إلى ورود.
9- في «بحار الأنوار» : وجدوا فلاناً.
10- في «بحار الأنوار» : ففكر وقال.
11- في «بحار الأنوار» : أخرجوا صورة المنام، فإذا هي.
12- في «بحار الأنوار» _ : الذي.
13- في «بحار الأنوار» : فوجدوها كما قال ثمّ.
14- في «بحار الأنوار» : فوجد.

ص: 290

السكّين تحته، فعرفوا صدق منامه، وأفرج عن المحبوسين ورجع أهله إلى الإيمان، وكان ذلك من ألطاف اللّه تعالى(1).(2)

وفي «البحار» عن ابن المسيّب أنّه قال : صعد مروان المنبر وذكر عليّاً عليه السلام فشتمه ، قال سعيد : فهوّمت عيناي فرأيت كفّاً في منامي خرجت من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عاقدة على ثلاث وستّين، وسمعت قائلاً يقول : يا أموي يا شقيّ أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلاً ؟ قال : فما مرّت ثلاثة حتّى مات مروان في الفائق(3) .(4)

قال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام : «ألا وأنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي»(5) أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ عليه السلام ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلفوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة(6) وعروة بن الزبير ، فروى أبو هريرة : أنّ عليّاً عليه السلام خطب ابنة أبي جهل(7)، فخطب(8)رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : لاها للّه! لايجتمع(9)ابنة وليّ اللّه وابنة عدوّ اللّه أبي جهل(10)!

وقد ضمّن مروان بن أبي حفص، وكان شاعراً للرشيد لعنه اللّه هذا الحديث


1- في «بحار الأنوار» + : في حقّ بريّته.
2- «بحار الأنوار» ج42، ص10 و 11؛ «كشف اليقين» ص480 و 481.
3- في المصدر : فما مرّت بمروان إلاّ ثلاث حتّى مات.
4- «بحار الأنوار» ج39، ص318 و 319.
5- في المصدر + : تقتضي الطعن فيه والبراءة منه.
6- في المصدر + : ومن التابعين.
7- في المصدر + : في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسخطه.
8- في المصدر + : على المنبر.
9- في المصدر: اللّه لا تجتمع.
10- «شرح نهج البلاغة» ج4، ص63 و 64.

ص: 291

قصيدة لاميّة، التي يمدح بها الرشيد وينال فيها من ولد فاطمة عليهاالسلام حتّى بالغ وذمّ عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام ، وأوّلها :

سلام على جُملٍ وهيهات من جُملِ ويا حبّذا أجمل(1) وإن صرمت حبلي

عليّ أبوكم كان أفضل منكم أباه ذو والشورى وكان ذوي فضل(2)

وساء رسول اللّه إذ ساء بنته بخطبته بنت اللّعين أبي جهل

فذمّ رسول اللّه صهر أبيكم على منبر بالمنطق الصادع الفضل

وحكّم فينا(3) حاكمين أبوكم هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

وقد باعها من بعده الحسن ابنه فقد أبطلا(4)دعواكم الرثة الحبل

وضيّعوها(5) وهي في غير أهلها وطالبتموها حين صارت إلى الأهل(6) (7)

فقال السيّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي قدس سره في الردّ على هذا الناصبي قصيدة


1- في المصدر : جمل.
2- في المصدر : أبا ذوو الشورى وكانوا ذوي الفضل.
3- في المصدر : فيها.
4- في المصدر : أبطلت.
5- في المصدر : وخلّيتموها.
6- في المصدر : إلى أهل.
7- «شرح نهج البلاغة» ج4، ص65.

ص: 292

تشتمل على كثير من المناقب والمثالب، وهي :

ألا قل لمروان الحمار أخ الجهل ومن باع رشد النفس بالرفد والبذل

هجوت عليّاً ذو الفضائل والعُلا لحتك اللواح ما اعتذارك للفضل

وبعت الهدى والعقل والحقّ من أجهل الورى فيا صفقة المغبون من ضيعة العقل

فاصغ إلى قولي وهل أنا مسمع غداة أُنادي الهائمين مع الوعل

عليّ أبونا كان كالطهر جدّنا له ما له إلاّ النبوّة من فضل

وبالغ فيه المصطفى أمر ربّه على منبر بالمنطق الصادع الفصل

وأنزله منه بمنزلة من مضت لهارون من موسى بن عمران من قبل

وشبّهه بالأنبياء لجمعه جميع الذي فيهم من الفضل والنبل

وكان وزير المصطفى ومثيله وهل لمثيل الطهر أحمد من مثل

وكان الأخ البرّ المواسي بنفسه ومن لم يخالفه بقولٍ ولا فعل

وأوّل من صلّى وآمن واتّقى وأعلم خلق اللّه بالفرض والنفل

ص: 293

وأشجعهم قلباً وأبسطهم يداً وأرعاهم عهداً لو حفظ للألّ

أباه أباه الفضل وانطلقوا إلى هواهم وضلّوا عاكفين على العجل

فلو كانت الشورى لقومٍ ذوي فضل لما عدلوا بالأمر يوماً إلى الرذل

أبوا حيدراً إذ ليس فيهم مشاكلٌ له في العُلا والشكل أميل للشكل

أبوه ويأبى اللّه إلاّ الذي أبوا وهل بعد حكم اللّه لذي عدل

له في العقود العاقدات له الولا من اللّه عقد مبرم غير منحلِّ

وكم في كتاب اللّه من حجّة له وآيات فصلٍ شاهدات على الفضل

كشاهد هود ثمّ يتلوه شاهد من الرعد والأحزاب والنمل والنحل

إمام أتى فيه من اللّه ما أتى وهل قد أتى في غيره هل أتى قلّي

وزوّجه المختار بضعته ولم يجد غيره في الناس من كفوٍ عدل

وقال لها زوّجتك اليوم سيّداً إماماً تقيّاً طاهر الفرع والأصل

وأنّ إله العرش ربّ العلى قضى بذا وتولّى الأمر والعقد من قبلي

ص: 294

فأبدت رضاها واستجابت لربّها وولدها ربّ المكارم والفضل

ولولا عليّ ما استجيبت لخاطبٍ ولا كانت الزهراء تزفّ إلى بعل

لذلك ما همّ الوصيّ بخطبةٍ حياة البتول الطهر فاقدة المثل

بذا أخبر الهادي فصدّق قوله وقد أبطلا دعواكم الرثّة الحبل

وقولكم زوراً وجهلاً وفريةً بخطبته بنت اللعين أبي جهل

وقد جاء تحريم النكاح لحيدرٍ على فاطم فيما الرواة له تملي

فإن كان حقّاً فالوصيّ أحقّ مَنْ تجنّب ممنوعاً من القول والفعل

وإن لم يكن حقّاً وكان محلّلاً فما كانت الزهراء لتسخط من حلِّ

ولا كان خير الخلق إلاّ لهيجة سوى غضبٌ للّه يغضب من عدل

وليس علي حاش للّه بالذي يسوء أخاه أو يسيء إلى الأهل

وما ضرّه جعل الهريري ما افترى لباغي قريش حين مال إلى الجعل

ولا ضرّه جُعْل ابن قيس وقد هوى وولّاه جرو العاص في المدحض الزلّ

ص: 295

فقد بان عجز الأشعري وبُجره كسوءة عمرو في الخديعة والختل

ولو قصدا حكم الإله لما عدا عليّاً وصيّ المصطفى خيرة الأهل

ولكنّ كلاًّ منهما اتّبع الهوى وجانب حكم اللّه في النصب والعزل

ولو كان عزل الأوصياء إلى الورى لكان لهم عزل النبيّين والرسل

وما شان شان المجتبى سبط أحمد مصالحة الباغي الغويّ على دخل

فقد صالح المختار كفّار مكّة وسالمهم من بعد حرب ومن قبل

وقال خطيباً فيه ابني سيّد يكفّ به اللّه الالف عن القتل

ويصلح أمر المسلمين إذا بغى عليهم بغاة منظرون إلى مهل

وقد قال في السبطين قولاً جهلتم معانيه لكن قد وعاه ذو العقل

إمامان إن قاما وإن قعدا فلا يلامان في ترك القيام ولا الفعل

فصيّرتم سلم الزكيّ مسبّةً كحرب أخيه الطهر للفاجر الرذل

وذلك مشكاة ظاهر عنك عارها وإنّ أكثر العذّال فيها من العذل

ص: 296

وقلتم أضاعوها كذبتم وإنّما اضيعت بكم لمّا عكفتم على العجل

وهل يطلبون الأمر من غير ناصرٍ أو النصر ممّن لا يقيم على آل

جعلتم بني العبّاس عقدة أمرها وما صلحوا للعقد يوماً ولا الحلِّ

وجدّهم العبّاس أفضل منهم وما أدخل الشورى وما عقد الفصل

وقد نصبوا التيميّ قدماً لسنّةٍ وقد رفضوا الشيخ الأنيس أبا الفضل

لقد طلبوا العبّاس إن كان أهلها وإن لم يكن أهلاً فما الوُلدِ بالأهل

فما بالكم صيّرتموها لِوُلدِه وأثبتم للفرع ما ليس للأصل

وكان بحقّ الطهر كالحبر نجله خبيراً وأكرم بابن عبّاس من نجل

ولكن أبى الأحفاد سيرة جدّهم فجدّوا بظلم الطيّبين من النسل

أساؤوا إلى الأهلين فاجتثّ أصلهم وبادو كما بادت أُميّة من قبل

فسل عنهم الزوراء إذ باد أهلها فأمست لعقد الأهل بادية الشكل

أبيد بها خضراء ذات سوادها فأضحت بها حمراء من حلب النصل

ص: 297

وإن شئت سل أبناء يافث عنهم فعندهم أنباء صدق عن الكلِّ

فكم ترك الأتراك كلّ خليفة ببغداد خُلفاً لا يُمرُّ ولا يُحلي

وكم قلبوا ظهر المجنّ لهم بها وكم خلعوهم خلع ذي النعل للنعل

وقد قطع الجبّار دابر ظالمي أُولي عدله والحمد للّه ذي العدل(1)

وعن كتاب «المناقب»:(2) عن جعفر الدقّاق أنّه قال : كان لي رفيق أتعلّم منه(3) وكان في محلّة(4) البصرة رجل يروي الأحاديث، والناس يسمعون منه، يقال له: ابن(5) عبداللّه المحدّث ، فذهبنا إليه(6)برهةً من الزمان نكتب منه(7) الأحاديث، وكلّما أملى حديثاً في أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم(8) طعن فيه وفي روايته ، وكان(9)يوماً من الأيّام يحدّث(10)في فضائل البتول فاطمة الزهراء(11) عليهاالسلام قال : وما تنفع هذه الفضائل فإنّ(12)عليّاً عليه السلام كان(13) يقتل المسلمين وطعن في فاطمة عليهاالسلام وقال


1- وجدت بعض الأبيات في كتاب «الفوائد الرجالية» للسيّد بحر العلوم، ج1، ص88 92.
2- «الثاقب في المناقب» لابن حمزة الطوسي.
3- في المصدر : يتعلّم معي.
4- في المصدر + : باب.
5- في المصدر : أبو.
6- في المصدر : وكنت وفيقي نذهب إليه برهة.
7- في المصدر : ونكتب عنه.
8- في المصدر : من فضائل أهل البيت عليهم السلام .
9- في المصدر : حتّى كان.
10- في المصدر : فأملى.
11- في المصدر : في فضائل البتول الزهراء وعليّاً صلوات اللّه عليهما. ثمّ قال.
12- في المصدر _ : فإنّ.
13- في المصدر _ : كان.

ص: 298

فيها كلمات منكرة(1)، فقلت لرفيقي : لا ينبغي أن نأخذ من هذا الرجل(2) فإنّه رجل لا دين له ولا ديانة، وإنّه لا يزال(3) لسانه في عليّ وفاطمة عليهماالسلام وليس هذا(4) بمذهب المسلمين ، فقال رفيقي : إنّك صادق(5)، فمن حقّنا أن نذهب إلى غيره ولا نعود إليه .

فرأيت تلك الليلة في منامي كأنّي(6) أمشي في المسجد(7)، فالتفت فرأيت أبا عبداللّه المحدّث، ورأيت أمير المؤمنين عليه السلام راكباً حماراً مصريّاً يمشي إلى(8) الجامع، فقلت في نفسي : يضرب(9) عنقه بسيفه ، فلمّا قرب منه ضرب بقضيبه عينه اليمنى وقال(10) : «يا ملعون لِمَ تسبّني وفاطمة عليهاالسلام ؟» فوضع المحدّث يده على عينه اليمنى وقال : آه(11) أعميتني(12) ، فانتبهت وقلت : أمضي إلى رفيقي(13)وأحكي له ما رأيت، فإذا هو جالسٌ(14) متغيّر اللون، فقال : أتدري ما وقع؟! فقلت له : قل ، فقال : رأيت البارحة رؤيا في أبي عبداللّه المحدّث فذكر مثل ما رأيت من غير زيادة(15)ولا نقصان ، فقلت له : رأيت واللّه مثل ما رأيت(16) وكنت هممت بإتيانك لأذكره لك، فاذهب بنا الآن إليه مع المصحف لنحلف إنّا رأينا ذلك(17) ليرجع عن هذا الاعتقاد.


1- في المصدر + : قال جعفر.
2- في المصدر : لا ينبغي لنا أن نأتي هذا الرجل.
3- في المصدر + : يطول.
4- في المصدر : هذا ليس.
5- في المصدر : لصادق.
6- في المصدر : من الليلة كأنّي.
7- في المصدر : إلى المسجد الجامع.
8- في المصدر + : المسجد.
9- في المصدر + : واويلاه أخاف أن يضرب.
10- في المصدر + : له.
11- في المصدر : أو.
12- في المصدر + : قال جعفر.
13- في المصدر : فانتبهت وهممت أن أذهب إلى رفيقي.
14- في المصدر : قد جاءني.
15- في المصدر : فذكر فكان كما ذكرته من غير زيادة.
16- في المصدر : أنا رأيت مثل ذلك.
17- في المصدر +: ولم نتواطأ عليه وننصح له.

ص: 299

فقمنا ومشينا إلى باب داره، فإذا الباب مغلق فقرعنا الباب فجاءت جارية فقالت : لا يمكن أن يرى الآن. ورجعنا(1) ثمّ قرعنا الباب ثانية فجاءت وقالت : لايمكن ذلك ، فقلنا : ما وقع له؟ فقالت : إنّه وضع يده على عينه اليمنى(2) ويصيح من نصف الليل، ويقول: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد أعماني، ويستغيث من وجع العين ، فقلت(3) لها : افتحي الباب، فإنّا قد جئنا(4) لهذا الأمر ففتحته(5)، فدخلنا فرأيناه على أقبح هيئة(6)، ويقول : ما لي ولعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ما فعلت به، فإنّه ضرب بالقضيب(7) على عيني البارحة وأعماني(8) ، وذكرنا له ما رأينا في المنام، وقلنا له : ارجع عمّا أنت عليه من اعتقادك(9) ولا تطوّل لسانك(10) ، فقال : لا جزاكم(11) اللّه خيراً، لو كان عليّ بن أبي طالب أعمى عيني الاُخرى لما فضّلته ولامدحته(12)، فقمنا من عنده وقلنا : ليس في هذا الرجل خير .

ثمّ رجعنا إليه بعد ثلاثة أيّام لنعلم حاله، فلمّا دخلنا عليه وجدناه وقد عميت عينه الاُخرى(13)، وقلنا له : أما تعتبر(14)؟ فقال : لا واللّه، لا أرجع عن هذا الاعتقاد، فليفعل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما أراد ، فقمنا ثمّ رجعنا(15) إليه بعد أسبوع لنعلم


1- في المصدر : فرجعت.
2- في المصدر _ : اليمنى.
3- في المصدر : فقلنا.
4- في المصدر : جئناه.
5- في المصدر : ففتحت.
6- في المصدر + : ويستغيث.
7- في المصدر : قد ضرب بقضيب.
8- في المصدر + : قال جعفر.
9- في المصدر : إرجع عن اعتقادك الذي أنت عليه.
10- في المصدر + : فيه فأجاب وقال.
11- في المصدر : جزاكما.
12- في المصدر : لما قدّمته على أبي بكر وعمر فقمنا.
13- في المصدر : وجدناه أعمى بالعين الاُخرى.
14- في المصدر : فقلنا له : أما تغيّرت؟
15- في المصدر : فقمنا ورجعنا ثمّ عدنا إليه بعد.

ص: 300

ماوصل حاله، فقيل : إنّه مات(1)لعنه اللّه وارتدّ ابنه، ولحق بالروم غضباً(2)على أمير المؤمنين عليه السلام (3).

وفي «البحار»: روى الأصبغ بن نباتة أنّه قال : كنت أتمشّى(4) خلف عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومعنا رجل من قريش، فقال لأمير المؤمنين : قد قتلت الرجال، وأيتمت الأولاد، وفعلت ما فعلت ما فعلت(5)، فالتفت عليه السلام إليه وقال : اخسأ، فإذا هو كلب أسود، فجعل يلوذ به ويتبصبص، فوافاه برحمته حتّى حرّك شفتيه، فإذا هو رجل كما كان، فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين أنت تقدر على مثل هذا ويناوئك معاوية؟ فقال عليه السلام : «نحن عباد اللّه مكرمون لا نسبقه بالقول ونحن بأمره عاملون»(6) .

وفيه عن الأعمش أنّه قال : نظرت ذات يوم وأنا في المسجد الحرام إلى رجلٍ كان يصلّي، فأطال وجلس يدعو بدعاء حسن - إلى أن قال _ : ياربّ إنّ ذنبي عظيم وأنت أعظم منه، ولا يغفر الذنب العظيم إلاّ أنت يا عظيم. ثمّ انكبّ على الأرض يستغفر ويبكي ويشهق في بكائه، وأنا أسمع رويداً(7) أن يتمّم سجوده ويرفع رأسه واُقابله(8)وأسأله عن ذنبه العظيم، فلمّا فرغ(9) ورفع رأسه أدت(10)إليه وجهي ونظرت في وجهه، فإذا وجهه(11) كلب ووبر كلب وبدنه بدن إنسان، فقلت له : يا عبد اللّه ماذنبك الذي استوجبت به أن يشوّه اللّه خلقك؟ فقال(12) : هذا إنّ ذنبي عظيم وما


1- في المصدر : قد دفن.
2- في المصدر : تعصّباً على عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
3- «الثاقب في المناقب» لابن حمزة الطوسي، ص237_ 239.
4- في المصدر : كنّا نمشي.
5- في المصدر _ : ما فعلت.
6- «بحار الأنوار» ج41، ص199، ح12.
7- في المصدر : وأريد.
8- في المصدر : اُقايله.
9- في المصدر _ : فرغ.
10- في المصدر : أدرت.
11- في المصدر + : وجه.
12- في المصدر + : فقال: يا هذا.

ص: 301

أحبّ أن يسمع به أحد ، فما زالت(1) به - إلى أن قال - : كنت رجلاً ناصبيّاً أبغض عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأظهر ذلك ولا أكمنه(2)، فاجتاز بي ذات يوم رجل وأنا أذكر أمير المؤمنين بغير الواجب، فقال : ما لك إن كنت كاذباً فلا أخرجك اللّه من الدُّنيا حتّى يشوّه بخلقك، فتكون شهرة في الدُّنيا قبل الآخرة ، فبتّ معافا(3) وقد حوّل اللّه وجهي وجه كلب، فندمتُ على ما كان منّي، وتبت إلى اللّه تعالى ممّا كنت عليه، وأسأل اللّه الإقالة والمغفرة .

قال الأعمش : فبقيت متحيّراً أتفكّر فيه وفي كلامه، وكنت أُحدّث الناس بما رأيته، فكان المصداق(4) أقلّ من المكذّب(5) .

روى جميع بن عمير أنّه قال : إتّهم عليّ عليه السلام رجلاً يقال له: الغيرار بوقع أخباره إلى معاوية، فأنكر ذلك وجحده ، فقال عليه السلام : «أتحلف باللّه إنّك ما فعلت ذلك؟» فقال : نعم ، وبذر(6) فحلف، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «إن كنت كاذباً فأعمى اللّه بصرك» فما دارت الجمعة حتّى خرج(7) أعمى قد أذهب اللّه بصره(8) .

وفي «الخرائج» : روي عن أبي علي الحسن بن عبد العزيز الهاشمي أنّه قال : كانت الفتنة قائمة بين العبّاسيّين والطالبيّين بالكوفة، حتّى قتل سبعة عشر رجلاً عبّاسيّاً، وغضب الخليفة القادر واستنهض الملك شرف(9) الدولة أباعليّ حتّى يسير إلى الكوفة ويستأصل(10) بها من الطالبيّين، ويفعل كذا وكذا بهم وبنسائهم(11)، وكتب من بغداد هذا


1- في المصدر : زلت.
2- في المصدر : أكتمه.
3- في المصدر : معافى.
4- في المصدر: المصدّق.
5- «بحار الأنوار» ج41، ص222 و 223، ح34.
6- في المصدر : بدر.
7- في المصدر : أخرج.
8- «بحار الأنوار» ج41، ص198 و 199، ح11.
9- في المصدر : مشرف.
10- في المصدر + : من.
11- في المصدر + : وبناتهم.

ص: 302

الخبر على طيور لهم(1)، وعرّفوهم ما قال القادر، ففزعوا(2)وتعلّقوا ببني خفاجة.

فرأت امرأة عبّاسية في منامها كأنّ فارساً على فرس أشهب، وبيده رمح نزل من السماء، فسألتُ عنه، فقيل لها : هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، يريد أن يقتل من عزم على قتل الطالبيّين، فأخبرت الناس فشاع منامها في البلد، وسقط الطائر(3) من بغداد بأنّ الملك شرف الدولة بات عازماً على المسير إلى الكوفة ، فلمّا انتصف الليل مات فجأةً وتفرّقت العساكر، وفزع القادر(4) .

وفي «البحار» نقلاً من «الخرائج»: روى أبو محمّد الصالحي(5) قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن هارون المنجّم أنّ الخليفة الراضي كان يجادلني كثيراً على خطأ علي عليه السلام فيما دبّر في أمره مع معاويةلعنه اللّه قال : فأوضحت له الحجّة أنّ هذا لا يجوز على عليّ عليه السلام ، وأنّه عليه السلام لم يعمل إلاّ الصواب، فلم يقبل منّي هذا القول، وخرج إلينا في بعض الأيّام ينهانا عن الخوض في مثل ذلك، وحدّثنا أنّه رأى في منامه كأنّه خارج من داره يريد بعض متنزّهاته، فرفع إليه رجل قصير، رأسه رأس كلب، فسأل عنه فقيل(6) : هذا الرجل كان يخطئ علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فعلمت أنّ ذلك كان عبرةً لي ولأمثالي، فتبت إلى اللّه تعالى(7).

وفيه(8) عن زرارة أنّه قال : قيل لجعفر بن محمّد عليهماالسلام : إنّ قوماً هاهنا ينقصون(9)


1- في المصدر : إليهم.
2- في المصدر + : من ذلك.
3- في المصدر + : بكتاب.
4- «الخرائج والجرائح» ج1، ص220 و 221، ح65؛ «بحار الأنوار» ج42، ص1، ح1.
5- في المصدر : الصالح.
6- في المصدر + : له.
7- «بحار الأنوار» ج42، ص1 و 2، ح2؛ «الخرائج والجرائح» ج1، ص221.
8- في البحار.
9- في المصدر : ينتقصون.

ص: 303

عليّاً عليه السلام ، قال : «بِمَ ينقصونه(1) لا أباً لهم وهل فيه موضع نقيصة؟ واللّه ما عرض لعليّ عليه السلام أمران قطّ كلاهما للّه طاعة إلاّ عمل بأشدّهما وأشقّهما عليه، ولقد كان يعمل العمل كأنّه القائم(2) بين الجنّة، والناظر(3) ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له، وينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له، وأن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال : «وجّهت وجهي» تغيّر لونه حتّى يعرف ذلك في لونه، ولقد أعتق ألف عبد من كدّ يده، كلّهم يعرق فيه جبينه ويخفي فيه كفّه(4) ... الحديث .

في «كشف الغمّة»: عن اُمّ سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وكانت من(5) ألطف نسائه وأشدّهنّ له حبّاً، قالت(6) : وكان لها مؤلاً يخصّها(7) وربّاها، وكان لا يصلّي صلاة إلاّ وسبّ عليّاً عليه السلام وشتمه، فقالت : يا أبت(8)ما حملك على سبّ عليّ عليه السلام ؟ قال : لأنّه قتل عثماناً(9) وشرك في دمه ، فقالت له(10) : أما أنّه لولا أنّك مولاي وربّيتني، وأنّك عندي بمنزلة والدي ما حدّثتك بسرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولكن اجلس(11)أُحدّثك عن عليّ عليه السلام وما رأيته: أقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان يومي، وإنّما كان نصيبي(12) في كلّ(13)تسعة أيّام يوم واحد، فدخل النبيّ صلى الله عليه و آله وهو مخلّل أصابعه في أصابع(14)عليه السلام واضعاً يده عليه، فقال :


1- في المصدر : ينتقصونه.
2- في المصدر : قائم.
3- في المصدر : والنار.
4- «بحار الأنوار» ج41، ص133.
5- في المصدر _ : مِن.
6- في المصدر : قال.
7- في المصدر : مولى يحضنها.
8- في المصدر : أبه.
9- في المصدر : عثمان.
10- في المصدر _ : له.
11- في المصدر +: حتّى.
12- في المصدر : يصيبني.
13- في المصدر _ : كلّ.
14- في المصدر + : علي.

ص: 304

«يا اُمّ سلمة اخرجي من البيت وأخليه لنا فخرجت، وأقبلا يتناجيان، فأسمع الكلام ولا أدري ما يقولان، حتّى إذا قلت : قد انتصف النهار أقبلت وقلت (1): السلام عليكم أألجُ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «لا تلجي وارجعي مكانك» ، ثمّ تناجيا قليلاً(2) حتّى قام عمود الظهر فقلت: ذهب يومي وأشغله(3)، عليّ عليه السلام ، فأقبلت أمشي حتّى وقفت على الباب ، فقلت : السلام عليكم أألج؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «لا تلجي» ، فرجعتُ وجلست مكاني حتّى إذا قلت: زالت(4)الشمس الآن يخرج إلى الصلاة، فيذهب يومي ولم أرَ قطّ أطول منه، فأقبلت أمشي حتّى وقفت فقلت : السلام عليكم أألج؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : نعم فلجّي، فدخلت وعليّ واضع يده على ركبتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قد أدنى فاه من اُذن النبيّ صلى الله عليه و آله وفم النبيّ على اُذن عليّ عليه السلام (5) يتسارّان وعليّ يقول : «نعم أفأمضي فأفعل؟» والنبيّ يقول: «نعم» .

فدخلت وعليّ معرض وجهه حتّى دخلت وخرج، فأخذني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأقعدني(6)في حجره(7)، فأصاب ما يصيب الرجل من أهله من اللطف والاعتذار ، ثمّ قال : «يا اُمّ سلمة لا تلوميني، فإنّ جبرئيل أتاني من اللّه بأمر أن أوصي به عليّاً بما هو كائن بعدي وكنت(8) بين جبرئيل وعليّ عليه السلام ، جبرئيل(9)عن يميني وعليّ عليه السلام عن شمالي، فأمرني جبرئيل أن آمر عليّاً بما هو كائن(10) إلى يوم القيامة، فاعذري ولا تلوميني، إنّ اللّه عزّوجلّ اختار من كلّ اُمّة نبيّاً واختار لكلّ نبيّ وصيّاً، فأنا نبيّ هذه الاُمّة


1- في المصدر : فقلت.
2- في المصدر : طويلاً.
3- في المصدر : شغله.
4- في المصدر + : قد زالت.
5- في المصدر + : وهما.
6- في المصدر : وأقعدني.
7- في المصدر +: فالتزمني.
8- في المصدر + : جالساً.
9- في المصدر + : وجبرئيل.
10- في المصدر + : بعدي.

ص: 305

وعليّ عليه السلام وصيّي في عترتي وأهل بيتي واُمتي من بعدي».

فهذا ما شهدت به من عليّ عليه السلام (1)، الآن يا أبتاه فسبّه أو فدعه ، فأقبل أبوها يناجي الليل والنهار: اللّهمّ اغفر لي لما جهلت من أمر عليّ عليه السلام ، فإنّ وليّي وليّ عليّ عليه السلام وعدوّي عدوّ عليّ، فتاب المولى توبةً نصوحاً، وأقبل فيما بقي من دهره يدعو اللّه تعالى أن يغفر له(2) .

وعن «ثمرات الأوراق» : بينما معاوية جالس وعنده وجوه الناس إذ دخل رجل من أهل الشام ولعن عليّاً عليه السلام فأطرق الناس وفيهم الأحنف بن قيس، فقال الأحنف : يا أمير المؤمنين إنّ هذا القائل لو يعلم أنّ رضاك في لعن المرسلين للعنهم، فاتّق اللّه ودع عنك عليّاً عليه السلام فقد لقى ربّه وأفرد في قبره، وخلا بعمله، وكان واللّه مبرّزاً في سعيه، طاهرالثوب، ميمون النقيبة، عظيم المصيبة(3) ، فقال له معاوية : ياأحنف لقد أعضيت(4)العين على القذى(5) ، أمّا واللّه لتصعد المنبر وتلعن(6) عليّاً طوعاً أو كرهاً ، فقال(7) : إن تعفيني(8) خير لك، وإن تجبرني على ذلك فواللّه لا تجدني شقيّاً(9) به أبداً ، قال : فما أنت قائل يا أحنف؟ قال : أحمد اللّه تعالى واُصلّي على نبيّه ثمّ أقول : إنّ أمير المؤمنين أمرني أن ألعن عليّاً ، ومعاوية وعليّ عليه السلام اقتتلا واختلفا وادّعى كلّ واحد منهما أنّه مبغى عليه، فإذا دعوت فأمّنوا رحمكم اللّه: اللّهمّ العن الباغ منهما ، يا معاوية لا أزيد على هذا ولا أنقص ولو كان فيه ذهاب نفسي ، فقال معاوية : إذن أعفيك(10) .


1- في المصدر : ما شهدت من أمر عليّ عليه السلام .
2- «كشف الغمّة» ج1، ص296 و 297.
3- في «الغدير» : واللّه المبرور سيفه، الطاهر ثوبه، العظيمة مصيبته.
4- في «الغدير» : أغضيت.
5- في «الغدير» + : وقلت ما ترى.
6- في «الغدير» : وايم اللّه لتصعدنّ المنبر فتلعننّه.
7- في «الغدير» + : له الأحنف يا أمير المؤمنين.
8- في «الغدير» + : فهو.
9- في «الغدير» : لا يجري شفتاي.
10- «الغدير» ج10، ص261 و 262، نقلاً عن «العقد الفريد» مع اختلاف غير يسير.

ص: 306

وعن «العلل» عن سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : مرّ إبليس لعنه اللّه بنفر يتناولون أمير المؤمنين عليه السلام ، فوقف أمامهم فقال القوم : من الذي وقف أمامنا؟ فقال : أنا أبو مرّة ، فقالوا : يا أبا مرّة أما تسمع كلامنا؟ فقال : شوهاً(1) لكم تسبّون مولاكم أمير المؤمنين عليه السلام (2) ، قال(3) : من أين علمت أنّه مولانا؟ قال : من قول نبيّكم صلى الله عليه و آله : من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من ولاه وعاد من عاداه(4)... الحديث .

وعن «تاريخ ابن الأثير» قال : في سنة تسع وتسعين كان بنو أُميّة يسبّون عليّاً عليه السلام (5)، إلى أن ولّي عمر بن عبد العزيز الخلافة، ترك(6) ذلك وكتب إلى العمّال في الآفاق بتركه.

وكان سبب محبّته عليّ بن أبي طالب عليه السلام (7) أنّه قال : كنت بالمدينة أتعلّم العلم وكنتُ ألزم عبيداللّه بن عتبة(8) فبلغه عنّي شيء من ذلك، فأتيته يوماً وهو يصلّي، فأطال الصلاة، فقعدت أنتظر فراغه، فلمّا فرغ من صلاته التفتّ إليَّ وقال لي : متى علمت أنّ اللّه غضب على أهل بدرٍ وبيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟ قلت : لا أسمع(9)ذلك ، قال : فما الذي يبلغني(10) عنك في عليّ عليه السلام ؟ فقلت : معذرة إلى اللّه تعالى وإليك ، وتركت ما كنت عليه، وكان(11)إذا خطب فنال من عليّ عليه السلام (12)تلجلج - إلى أن


1- في المصدر : سوأة.
2- في المصدر : عليّ بن أبي طالب.
3- في المصدر : فقالوا له.
4- «علل الشرائع» ج1، ص143 و 144؛ «بحار الأنوار» ج39، ص162.
5- في المصدر + : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
6- في المصدر : فترك.
7- في المصدر _ : بن أبي طالب عليه السلام .
8- في المصدر + : عبيداللّه بن عبداللّه بن عُتبة بن مسعود.
9- في المصدر : لم أسمع.
10- في المصدر : بلغني.
11- في المصدر + : أبي.
12- في المصدر : رضى الله عنه .

ص: 307

قال _ : فقلت : يا أبه فإذا أتيت على ذكر عليّ عليه السلام عرفت منك تقصيراً؟ قال : أوَقَد فطنت(1)؟ قلت : نعم ، قال : يا بنيّ إنّ الذين حولنا لو يعلمون من عليّ عليه السلام ما نعلم لتفرّقوا عنّا إلى أولاده .

فلمّا ولّى الخلافة لم يكن عنده رغبةً في الدُّنيا ممّا يرتكب لهذا الأمر العظيم لأجلها فترك ذلك، وكنت(2) بتركه، وقرأ عوضه : «إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى»(3) .

وفي «الخرائج والجرائح» ما روي عن جعفر بن عبدالحميد أنّه قال : اجتمعنا يوماً فقال نفر : إنّ عليّاً عليه السلام كان وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقال آخر(4) : لم يكن وصيّاً لمحمّد صلى الله عليه و آله فقمنا فأتينا أبا حمزة الثمالي فقلنا: جرى بيننا(5)على كذا وكذا، فغضب أبو حمزة وقال : لقد شهد الجنّ والإنس أنّ عليّاً عليه السلام (6) وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أخبرني أبو خيثمة التميمي لمّا كان بين الحكمين ما كان، قلت : لا أكون مع عليّ عليه السلام ولا عليه، فخرجت أُريد أرض الروم، فبينا أنا مار على شاطئ نهر - إلى أن قال - : إذا أنا بصوت من وادي(7) يقول :

يا أيّها الساري بشطّ فارق مفارق للحقّ دين الخالق

متّبع به رئيس مارِق ارجع إلى وصيّي النبيّ الصادق

فالتفتُّ فلم أرى أحداً، فقلت :

يابن أبي(8) خيثمة التميمي لقد(9) رأيت القوم في الخصوم


1- في المصدر : أو فطنت لذلك.
2- في المصدر: كتب.
3- النحل 16: 90 .
4- في المصدر : آخرون.
5- في المصدر + : الكلام.
6- في المصدر : لقد شهدت الجنّ فضلاً عن الإنس بأنّ عليّاً كان.
7- في المصدر : مِن ورائي وهو يقول.
8- في المصدر : أنا أبو.
9- في المصدر : لمّا.

ص: 308

تركت أهلي غازياً للروم حتّى يكون الأمر في الصميم

فإذا بصوت وهو يقول :

اسمع مقالي وارع قولي ترشد(1) ارجع إلى عليّ الخضم الأصيد(2)

إنّ عليّاً هو وصيّ أحمد

قال أبو خيثمة : فرجعت إلى عليّ عليه السلام (3).

في «مفتاح حبّ الولاية»: روي(4)أنّ معاوية كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام كتاباً يقول فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه وابن عبيده معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب ، أمّا بعد اتّبعت ما يضرّك وتركت ما ينفعك وخالفت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله محمّد، وقد انتهى إليَّ ما فعلت بجوار رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع طلحة والزبير واُمّ المؤمنين، فواللّه لأرمينّك بشهاب لا تطفيه المياه ولا تزعزعه الرياح، إن وقع وثبت وإن وثب ثقب وإن ثقب التهب، فلا تغرنّك الجيوش واستعدّ للحرب! والسلام

قال الراوي: فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن أبي طالب فضّه وقرأه، ثمّ دعى بدواة وبياض، وكتب الجواب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه وابن عبديه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام أخي رسول اللّه وأبي سبطيه الحسن والحسين عليهماالسلام إلى معاوية بن أبي سفيان، فإنّي أفنيت قومك يوم بدر وحنين جدّك وخالك وعمّك، فلا أُبالي بك


1- في المصدر : ترشدا.
2- في المصدر : الأصيدا.
3- «الخرائج والجرائح» ج1، ص188؛ «بحار الأنوار» ج39، ص167، ح7.
4- وجدتُ هذه الرواية في «بحار الأنوار» ج33، ص289_ 294، ح550، مع اختلاف غير يسير.

ص: 309

والسيف الذي قتلتهم فيه عندي، يحمله ساعدي بثبات صدري وقوّة من بدني كما جعله النبيّ صلى الله عليه و آله في كفّي ونصرة من ربّي تبارك وتعالى، فواللّه ما استبدلت باللّه ربّاً ولا بالإسلام ديناً ولا بمحمّد صلى الله عليه و آله نبيّاً ولا بالسيف بدلاً، فبالغ في رأيك واجتهد فيه ولا تقصّر، فقد استحوذ عليك الشيطان واستغرّك الجهل والطغيان «وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون»(1) . ثمّ طوى الكتاب واستدعى برجل من أصحابه يقال له: الطرمّاح بن عدي الطائي، وكان رجلاً جسيماً طويلاً بليغاً أديباً متكلِّماً، لا يكلّ لسانه من الكلام، ولا يعجز من الجواب، فعمّمه بعمامة، ودعى بجمل بازل فائق أحمر، فركبه ووجّهه إلى دمشق الشام، فقال عليه السلام : «يا طرمّاح انطلق بكتابي هذا إلى معاوية بن أبي سفيان وردد الجواب» ، فأخذ الطرمّاح الكتاب وركزه بعمامته وانطلق حتّى دخل دمشق، فوقف على باب معاوية فقال له البوّاب : لمن تريد؟ قال : أُريد جسماً وحرولاً ومجاشعاً، وهم الأربعون المشهدين، وأبو هريرة والدويسي ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص ، فقال : هم بباب الخضراء ببستان، فانطلق حتّى أشرف على ذلك المكان فإذا هم قيام ببابه، فلمّا رأوه تعجّبوا منه فجعلوا يضحكون عليه ويستهزؤون به، وقالوا : جاءنا أعرابي بدوي نستهزء به ، فلمّا وقف عليهم قال له واحد منهم : يا أعرابي هل علم من السماء؟ فقال : نعم ، فقالوا : أخبرنا ما هو؟ فقال : هو أنّ اللّه سبحانه قويٌّ في ملكه جبّار في قدرته عالم بسرائر خلقه، لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، وملك الموت في الهواء، وأمير المؤمنين عليه السلام في القفا، فاستعدّوا لما نزل بكم من البلاء يا أهل النفاق والشقاء ، فقالوا له : من أين أقبلت؟ قال : من عند حرٍّ تقيّ زكيّ رضيّ ، قالوا : لمن تريد؟ قال : أُريد هذا الدّعي الرديّ، الذي تزعمون أنّه أميركم ، فعلموا أنّه رسول أمير المؤمنين عليه السلام علي بن أبي طالب إلى معاوية ، فقالوا له : ما تريد منه؟ قال : اُريد الدخول عليه ، قالوا : هو عنك


1- الشعراء 26: 227.

ص: 310

مشغول ، فقال : وبما هو مشغول بخطّ مخطوط أو بشرط مشروط أو بوعد موعود؟ قالوا : لا ، ولكن يشاور أصحابه كيف يلقى عليّ بن أبي طالب في حربه وبما يلقاه غداً .

فقال الطرمّاح : فسحقاً له ما هذه صفة من يتولّى اُمور المسلمين، وإنّما هي صفة فرعون وهامان لمّا تشاوروا في قتل موسى بن عمران عليه السلام ، فعند ذلك كتب عمرو بن العاص إلى معاوية كتاباً يخبره بذلك، يقول فيه : أمّا بعد فقد ورد إلينا أعرابي من العراق، يزعم أنّه رسول علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو ذو لسان فصيح وقولٍ مليح، يتكلّم ولا يكلّ، فلا تكن عنه ساهياً غافلاً، والسلام .

فلمّا بلغ كتاب ابن العاص إلى معاوية وقرأه، أمر أن تضرب دونه ثلاثة أستار، وجعل عند كلّ ستر ألف بطلٍ من الأبطال وعليهم الدروع وبأيديهم أعمدة الحديد ، ثمّ أمر ابنه يزيد لعنه اللّه أن يجلس قريباً من الأستار، وجلس معاوية على سرير مملكته وأرخى الستور، ثمّ أمر أن يدخل الطرمّاح عليه فدخل وهو على راحلته إلى أن وصل قريباً من الأستار ، فلمّا رأى الأبطال محدقين حول الستور قال : من هؤلاء القوم كأنّهم زبانية مالك في ضيق المسالك؟ فقالوا : هؤلاء جنود معاوية ، فلمّا دنى من الستر نظر إلى يزيد لعنه اللّه وهو جالس فلم يسلّم عليه، فقال : من يكون هذا الغشوم المشوم الواسع الحلقوم المضروب على الخرطوم؟ فقالوا : هذا يزيد ، فقال : ومَنْ يزيد لا زاده اللّه رفعةً ولا بلغ مراده ، فسمع يزيد ذلك فاستشاط غيظاً وهمَّ بقتله ، ثمّ خاف أن يحدث أمراً دون إذن أبيه، فكظم غيظه وأخبئ ناره، فسلّم عليه وقال : مرحباً بك يا أعرابي، إنّ أمير المؤمنين معاوية يقرئك السلام ، فقال: سلامه معي من الكوفة، فقال له يزيد : ما شئت اسئلني فقد أمرني أبي بقضاء حاجتك ، قال : حاجتي إليه أن يقوم في مقامه حتّى يجلس من به أولى منه في هذا الأمر ، فقال له : ما تريد منه؟ قال : أُريد الدخول عليه ، فرفع الحجاب وأُدخل على معاوية ، فلمّا دخل عليه الطرمّاح وهو منتعل قيل له : اخلع نعليك ، فالتفت يميناً وشمالاً وقال : هذا وادي العقيق حتّى أخلع نعلي أو وادي طوى، فنظر إلى معاوية وإذا به جالس على سرير

ص: 311

ملكه.

فقال : السلام عليك أيّها الملك العاصي ، فقال : ويحك لِمَ لم تسلّم عليَّ بإمرة المؤمنين؟ فقال : ثكلتك اُمّك قومك واللّه ما عرفت أميراً غير سيّدي ومولاي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وبعد ذلك يا معاوية نحن المؤمنون فمن أمّرك علينا؟ فسكت معاوية ولم يرد جواباً ، ثمّ قال معاوية : ما معك يا أعرابي؟ قال : معي كتاب مختوم من إمامٍ معصوم ، قال : ناولنيه ، قال : أكره أن أطأ بساطك بنعلي ، قال : فادّله وزيري وأشار إلى عمرو بن العاص، فقال : هيهات ظلم الأمير وخان الوزير ، فقال: ناوله ولدي وأشار إلى يزيد، فقال : ما فرحنا بإبليس فكيف نفرح بأولاده ، فقال : ناوله خادمي وأشار بيده إلى غلامه، وكان قائماً على رأسه، فقال : هذا غلام فري من مال استخرج من غير حقّ وإنّ إمامي أوصاني أن لا أُسلّمه إلاّ بيدك ، فقال : ويحك ما الحيلة في أخذ الكتاب منك؟ قال : الحيلة أن تقوم من مقامك صاغراً ذليلاً حقيراً تأخذه بيدك وترجع إلى مكانك كرامةً له، لأنّه ختمه بخاتمه، فإنّه رجل كريم وسيّد عظيم وحرٌّ حليم .

قال : فلمّا سمع معاوية ذلك وثب من مكانه وأخذ الكتاب منه بغضب ورجع إلى مكانه ، ثمّ إنّه فضّه وقرأه وفهم معناه، ثمّ قال : ياأعرابي كيف خلّفت عليّ بن أبي طالب؟ قال : خلّفته كالبدر الطالع وحوله أصحابه كالنجوم الزواهر، إذا أمرهم بأمر تبادروا إليه، وإذا نهاهم عن أمرٍ انتهوا عنه، وهو في بأسه شديد، وفي تجلّده بطل شجاع سميدع، إن لقي حصناً هدمه، وإن لقي عدوّاً قتله وأخزاه، وهو لا يغفل عن ذكر اللّه طرفة عين .

فقال معاوية : كيف خلّفت الحسن والحسين عليهماالسلام ؟ قال : خلّفتهما شبابين تقيّين نقيّين أديبين سيّدين طيّبين طاهرين كاملين عاملين عالمين يصلحان للدُّنيا والآخرة ، فقلت : كيف خلّفت أصحاب عليّ عليه السلام ؟ قال : خلّفتهم حوله كالنجوم الزاهرة ، فقال له معاوية : للّه درّك يا طرمّاح ما أحسن ثناؤك لصاحبك؟! فما أظنّ عنده أحد من

ص: 312

أصحابه أفصح منك؟ فقال الطرمّاح : أستغفر اللّه وصم سنة كفّارة عن كذبك، هذا فواللّه لو بلغت باب أمير المؤمنين عليه السلام لرأيت الفصحاء البُلغاء الفقهاء الظرفاء النجباء الاُدباء الأتقياء الأصفياء، ولغرقت في بحرٍ عميق لا تنجو منه ومن لجّته يا ضعيف اليقين .

قال : فدنى عمرو بن العاص إلى معاوية وقال له سرّاً : إنّ العرب أصحاب لقمة فلو أمرت له بشيء من المال لقطع لسانه عنك وكان أجمل له ، فقال له : ما تقول في الجائزة تأخذها منّي؟ فقال : إنّي أُريد أقبض روحك من بدنك فكيف باستقباض مالك من خزانتك ، قال : فأمر له معاوية بعشرة آلاف درهم ثمّ قال : أتحبّ أن أزيدك؟ قال : زد فإنّ اللّه وليّي من يزيده ، قال : أعطوه عشرين ألفاً ، فقال الطرمّاح: اجعلها وتراً فإنّ اللّه يحبّ الوتر، قال : أعطوه ثلاثين ألفاً ، فأبطأ الرسول ساعة فقال الطرمّاح لمعاوية : ربّما تهذي على فراشك ، فقال: لماذا ، قال : أمرت لي بجائزة لا أنت تراها ولا أنا أراها، وأنت بمنزلة الرياح تهبّ من قبل الجبال ، فأمر معاوية أن يسرعوا بها فأتوا بها ووضعوها بين يديه، قال : فلمّا قبض الطرمّاح المال قال معاوية : يا طرمّاح لو كان عليّاً ما أعطاك فلساً واحداً ، قال : لا واللّه فكيف يعطي مال المسلمين وهو يخشى عقوبة ربّ العالمين ولا يعمل إلاّ بما أمره اللّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله ، ولكن هذا المال الذي أمرت لي به ليس هو من مالك، ولا من مال أبيك أبي سفيان، ولا من مال جدّك صخر، ولا من مال جدّتك نفيلة عصّارة الخمر، وإنّما هو من بعض أموال الناس من المسلمين، اجترمته منهم وأعطيتني إيّاه، فإنّ مولاي عليّاً أولى منك به يدفعه إلى مستحقّه .

فقال له معاوية : ثكلتك أُمّك يا طرمّاح ، فقال الطرمّاح : بل طوبى لها حيث ولدت مؤمناً مثلي ولم تلد منافقاً مثلك .

فقال عمرو بن العاص : هذه جائزة أمير المؤمنين .

فقال : هذا مال المسلمين ومن خزائن ربّ العالمين، أخذه عبد من عباد اللّه

ص: 313

الصالحين ، فالتفت معاوية إلى كاتبه فقال له : اكتب جواب كتاب صاحبه، فلا حاجة لنا بطول الكلام معه ، فواللّه لقد أظلم الدُّنيا عليَّ وما لي به طاقة وقد عجزنا من الحيلة معه ، فأخذ كاتب معاوية القرطاس.

وكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه وابن عبديه معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أمّا بعد، فإنّي قادم عليك بمائة جمل موقرة من حبّ الخردل بعدد كلّ حبّة ألف مقاتل يشربون الدجلة والفرات .

قال الراوي : فلمّا نظر الطرمّاح إلى ما خرج من تحت القلم ضحك حتّى استلقى على قفاه وقال : أخبرني أيّكما أكذب أنت أم صاحبك أم هذا الكاتب؟ ولكن كذبت كما كذب أخوك فرعون حيث قال لقومه :«أَنَا رَبُّكُمُ آلأَعْلَى»(1) .

فقال معاوية : لقد كتب بغير إذني .

قال الطرمّاح : إن كنت لن تأمره فقد استضعفك واستخفّ بعقلك، وإن كنت أمرته فقد استكثرت من الكذب فلا يغفر اللّه لكما ، فواللّه أنّ لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ديكاً عالي الصوت عظيم المنقار، فإنّه يلتقط الحبّ بخيشومه ويختبطه في حوصلته ولا يبالي .

فقال له معاوية : مَنْ ذلك؟

قال : هو الأشتر .

فطار عقل معاوية من وصف مالك الأشتر ، فقال معاوية : اكتب ولا تطل في الكتاب ، فكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، أمّا بعد، فإنّي قادم عليك بجنود أهل الشام وأنداد اليمن وقد أتوا لحربك وقتالك أو تدفع إلينا من قتل عثمان بن عفّان، فإن سلّمت إلينا سالمناك وإن أبيت حاربناك، وأنت أعرف برأيك والسلام ، ثمّ طوى الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى


1- النازعات 79: 24.

ص: 314

الطرمّاح فأخذ الطرمّاح الكتاب وحمل المال وخرج من عنده وركب مطيّته وسار .

قال : والتفت معاوية إلى أصحابه فقال : لو أُعطيت جميع ما أملك لرجلٍ منكم ما كان يؤدّي عنّي عشر معشار ما أدّى هذا الرجل عن صاحبه وعن أهل العراق، فواللّه لقد ضيّق الدُّنيا بعيني .

فقال عمرو بن العاص : أتدري لِمَ ذلك يا معاوية؟

قال : لا .

قال : لأنّنا تركنا الحقّ وراء ظهورنا إذ يدعونا عليّ بن أبي طالب بين المهاجرين والأنصار فتركنا واتّبعناك، ولكن كلّ منا يتكلّم على قدر صاحبه، فما عسى أن نقول فيك وما عسى أن يقول هذا في عليّ عليه السلام ،فمهما قال فعليّ عليه السلام أزيد ممّا يقول ، فلو أنّ لك منزلة من النبيّ كمنزلة ابن عمّه ولو كنت على الحقّ لأدّينا عنك أفضل من ذلك أضعافاً مضاعفة .

فقال له معاوية : رضَّ اللّه فاك، فواللّه لكلامك أشدّ عليَّ من كلام الأعرابي .

ثمّ إنّ معاوية أمر عمرو بن العاص أن يصعد المنبر ويسبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام ويعطيه الجائزة(1).

قال : فصعد عمرو بن العاص المنبر، فلمّا صار في أعلاه والناس محدّقون به وهو ينظر معاوية وهو حيران ما يدري كيف يسبّ عليّاً عليه السلام ، فخرجت هذه الأبيات على لسانه :

بآل محمّدٍ عرف الصواب وفي أبياتهم نزل الكتاب

وهم حجج الإله على البرايا بهم وبجدّهم لا يُستراب

ولاسيّما أبو حسن عليّ له في الحرب منزلة تُهاب

طعام سيوفه مهج الأعادي وفيض دم الرقاب لها شراب


1- «بحار الأنوار» ج33، ص289_ 294، ح550، مع اختلاف غير يسير.

ص: 315

إذا نادت صوارمه نفوساً فليس لها سوى نعمٌ جواب

وضربته كبيعته بخمٍّ معاقدها من القوم الرقاب

وبين سنانه والدرع صلحٌ وبين البيض والسمر اصطحاب

هو الفلاّق هامات الأعادي هو الساقي على الحوض الشراب

هو البكّاء في المحراب ليلاً هو الضحّاك إذا اشتدّ الضراب

إذا لم تَبرَ من أعدا عليٍّ فمالك في محبّته ثواب

عليّ الدرّ والذهب المصفّى وباقي الناس كلّهم تراب

هو النبأ العظيم وفلك نوحٍ وباب اللّه وانقطع الخطاب(1)

قال : فلمّا فرغ من هذه الأبيات أمره معاوية بالنزول عن المنبر وقال له : يا ويلك أنا أمرتك أن تسبّ عليّاً ، فقلت فيه مقالاً بليغاً لو سمعه أحد من الناس بغير هذا المجلس لفتق علينا فتق عظيم، ولكثر القال والقيل بين الناس .

فقال عمرو بن العاص : تبّاً لك يا معاوية ولمن أجلسك في هذا المنصب الذي لستَ له بأهل، إنّك لمّا أمرتني بسبّ عليّ عليه السلام وقد أردت أن أُمثّل على المنبر! فمثّل اللّه أسداً عظيماً فاتح فاه وقد حرّك شفتيه بكلام فصيح وقد أقسم باللّه العظيم وبعيش عاش فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : إن سببت عليّ بن أبي طالب عليه السلام وتكلّمت فيه بحرف واحد وبما أمرك به معاوية لأبتلعنّك ومعاوية وجميع من في القصر ، فلمّا سمعت كلامه ارتعبت منه رعباً شديداً، فجرت على لساني هذه الأبيات لا بقلبي، وأنت تعرف ما بيني وبينه من العداوة فإن أعطيتني الجائزة وإن لم تعطني .

فقال له معاوية : أعطيك نصف الجائزة فأخذها .


1- أسند صاحب «الغدير» هذه الأبيات إلي الناشي 271 _ 365 وهذه نصّه : «الأصحّ أنّ هذه القصيدة للناشي كما صرّح به ابن شهرآشوب في «المناقب»، وروى ابن خلّكان عن أبي بكر الخوارزمي : إنّ الناشي مضى إلى الكوفة سنة 325 وأملى شعره بجامعها، وكان المتنبّي - وهو صبيّ - يحضر مجلسه بها وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة...» الغدير ج4، ص25_ 27.

ص: 316

قال : ثمّ إنّ معاوية استشارهم في أمر مالك الأشتر، فقالوا : ارسل إليه فلعلّه يكون لك ولا يكون عليك فنستريح من شرّه ، فأرسل إليه مائة ظرف من العسل المصفّى معمول بالزعفران في كلّ ظرف كيساً فيه ألف دينار من الذهب الأحمر، وكتب إليه كتاباً وأرسله مع الهدية .

وأمّا الطرمّاح لمّا وصل إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام بكتاب معاوية وأخبره بما جرى له معه، ثمّ وردت الهدية بعد مدّة أيّام ، فلمّا وصلت الهدية إلى دار مالك الأشتر كان مالك في ذلك الوقت جالساً عند عليّ عليه السلام فقال له عليّ عليه السلام : يا مالك قم إلى منزلك فقد وردت إليك هدية من معاوية وهي مائة ظرف من العسل المصفّى، وفي كلّ ظرف كيس فيه ألف دينار ذهباً .

قال : فقام مالك إلى منزله فرأى ظروف العسل كما وصفها أمير المؤمنين عليه السلام فقال لابنته : من أين هذه الهدية؟ فقالت له : من صاحب هذا الكتاب فناولته إيّاه ففضّه وقرأه وإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان إلى مالك الأشتر ، أمّا بعد، فإنّي أهديت إليك هذه الهدية اقتداءً بقول النبيّ صلى الله عليه و آله : تهادوا فإنّ الهدية تقرب الصداقة وتذهب الضغينة والبغضاء وتوصل إلى المحبّة . وأنا اُريد أن لا تساعد عليّاً عليه السلام ولا تساعدني وتكفّ عنّي أنت وقومك، وإن قدرت أن توصل إليّ لترى ما يقرّ به عينك فافعل، والسلام .

قال : فلمّا قرأ الكتاب رماه من يده ثمّ التفت إلى ابنته وكان اسمها سنيّة وكانت بنت خمس سنين فقال لها: يا بنيّة أما ترين ما أهدى لنا معاوية يريد بذلك أن نترك عليّاً عليه السلام ونمضي إليه فما تقولين؟ وكانت ابنته قد رأت ظرفاً يسيل منه العسل فأخذت بإصبعها لعقة وتركتها في فمها ، فلمّا سمعت ما قال أبوها تفلته وأنشدت تقول :

أَبِالعسَلِ المصفّى يابن هندٍ نبيع عليك إيماناً ودينا

فلا واللّه ليس يكون هذا ولا نترك أمير المؤمنينا

عليّ أميرنا مولى الموالي وصيّ محمّد المبعوث فينا

ص: 317

ألا فابلغ معاوية بن حربٍ وقل إن كنت مأموناً أمينا

أتخدع مالكاً والعقل منه مكان القول لست له قرينا

عليك بأهل شامك ثمّ مصر ستدركهم لأمرك طائعينا

وحسبك من أبي داء دفين يشيب لهوله الرضّع الفطينا

قال : ثمّ إنّ مالكاً أمر أن تحمل الظروف إلى عليّ عليه السلام وقرأ عليه كتاب معاوية وأنشده شعر ابنته، فقال عليه السلام : قد جعلت هذه الهدية لابنتك سنية عوض شعرها لأنّها تستحقّ هذا وأزيد منك، وهذا المال هو من بيت مال المسلمين وأنت أحقّ به من غيرك ، ثمّ إنّ مالكاً حمل الهدية إلى منزله وأخبر ابنته بما قال عليه السلام فشكرته على ذلك .

ص: 318

ص: 319

الباب الثاني عشر: في شجاعته وحروبه وغزواته ونجدته لابن عمّه صلى الله عليه و آله في أيّام حياته

ص: 320

ص: 321

في شجاعته وحروبه وغزواته ونجدته لابن عمّه صلى الله عليه و آله في أيّام حياته

أمّا شجاعته عليه السلام وبأسه، ومصادمته الأقران، ومراسه وثبات جأشه حيث تزلّ الأقدام، وتطير فروخ الهام ، وقلوب الشجعان واجفة(1)، وأقدام الأبطال راجفة(2)، حيث رحى الحرب تدور، وشآبيب الدماء تفور، ونجوم الأسنّة تطلع وتغور ، فهو أمرٌ قد اشتهر، وحال قد بان، وظهر وشاع بين البدو والحضر، حتّى عرفه من بقى وغبر(3)، وتضمّنته الأخبار والسير، فاستوى به البعيد والقريب، وأقرّ به البغيض والحبيب، وصدّق به الأجنبي والنسيب ، فارس الإسلام وأسده وباني ركن الإيمان ومشيّده ، آية اللّه الواضحة وبيّنته اللائحة وحجّته الصادعة ورحمته الجامعة ونعمته الواسعة ونقمته الوازعة(4)، قد شهدت بدر بمقامه، وحنين من بعض أيّامه ، فسل أُحداً وخيبر عن فعل قنائه(5) وحسامه(6).

فهذه جمل لها تفاصيل وبيان تضيق عنه اللسان وتقصر عنه الإنس والجانّ،


1- قال في «لسان العرب» ج9، ص352، مادّة وجف : الوجف : سُرعة السير.
2- قال في «لسان العرب» ج9، ص112، مادّة رجف : الرجفان : الاضطراب الشديد.
3- قال في «لسان العرب» ج5، ص3، مادّة غبر : غَبَرَ الشيءُ يَغبُر غُبوراً : مكث وذهب.
4- قال في «لسان العرب» ج8 ، ص390، مادّة وزع : الوزع : كفّ النفس عن هواها.
5- في المصدر : قناته.
6- قد أخذ المصنّف هذه المقدّمة من «كشف الغمّة» ج1، ص177 و 178.

ص: 322

فلنذكر طرفاً ممّا جرى له عليه السلام في أيّام خلافته تبرّكاً وتيمّناً .

وأمّا ما وقع له من الغزوات، وصدر له من المناقب والكرامات في أيّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسيأتي نبذة منها إن شاء اللّه تعالى بمنّه وعونه .

عن «فضائل» خطب خوارزم عن أبي بشير أنّه قال : لمّا قتل عثمان، اختلف الناس إلى عليّ(1)بن أبي طالب عليه السلام يقولون : نبايعك ، ومنهم(2) طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار ، فقال عليه السلام : «لا حاجة لي في الإمرة، انظروا إلى من تختارون أكون معكم »، فاختلفوا(3) إليه أربعين يوماً(4)، فأبوا إلاّ مبايعته(5) ، فقال(6)عليّ عليه السلام : «اُصلّي بكم ويكون مفتاح بيت المال بيدي وليس أمري دونكم»(7) ، قالوا : نعم ، فصعد(8) المنبر وقعد عليه فبايعه الناس، فلم يكن إلاّ يسيراً حتّى دخل عليه طلحة والزبير فقالا : يا أمير المؤمنين إنّ أرضنا أرض شديدة، وعيالنا كثيرة ونفقتنا كثيرة . قال عليه السلام : «ألم أقل لكم إنّي لا أُعطي أحداً دون أحد؟» قالا : بلى ، قال عليه السلام : «فأتوا أصحابكم فإن رضوا بذلك أعطيتكم وإلاّ لم أعطكم دونهم، ولو كان عندي شيء أعطيكم(9) وإن انتظرتم(10) حتّى يخرج عطائي أعطيتكم منه»(11)، قالا : ما نريد من مالك شيئاً(12) وخرجا من عنده، فلم يلبثا إلاّ قليلاً حتّى دخلا عليه وقالا : أتأذن لنا(13) في العمرة؟ قال عليه السلام : «ما تريدان العمرة ولكن تريدان الغدرة» ، قالا14 : كلاّ ،


1- في المصدر : في عليّ يقولون له.
2- في المصدر : معهم.
3- في المصدر + : قال فاختلفوا.
4- في المصدر : ليلة.
5- في المصدر + : فأبوا عليه إلاّ أن يكون يفعل.
6- في المصدر + : وقالوا نحن منذ أربعين ليلة ليس أحد يأخذ على سفيهنا، قال عليّ عليه السلام .
7- في المصدر + : أترضون بهذا؟
8- في المصدر : فقعد على المنبر وبايعه الناس.
9- في المصدر : أعطيتكم.
10- في المصدر + : من الذي لي لو انتظرتم.
11- في المصدر : من عطائي.
12- في المصدر : قالوا : ما نريد من الذي لك شيئاً.
13- في المصدر : فقالوا : ائذن لنا في العمرة؟

ص: 323

قال عليه السلام : فاذهبا» ، فخرجا حتّى لحقا بمكّة(1) وكانت اُمّ سلمة رضي اللّه عنها وعائشة بمكّة، فدخلا على اُمّ سلمة وشكوا إليها(2) ، فقالت : أنتما تريدان الفتنة ونهتهما(3) فخرجا من عندها وأتوا عائشة فقال لها : نريد أن تخرجين(4) معنا نقاتل هذا الرجل ، قالت : نعم .

فكتب أمير مكّة إلى عليّ عليه السلام : إنّ طلحة والزبير جاءا فأخرجا عائشة ما ندري أين خرجوا(5) ، فصعد المنبر ودعا الناس قال : «أنا كنت أعلم بكم فأبيتم» قالوا : وما ذاك؟ قال عليه السلام : «إنّ طلحة والزبير أتياني فذكرا حالهما فقلت : ليس عندي شيء فاستأذناني العمرة، وقد أخرجوا عائشة(6) إلى البصرة تقاتلكم »، قالوا : نحن معك(7) ، قال عليه السلام : «إنّ هؤلاء يجتمعون عليكم وأرضكم شديدة سيروا أنتم عليهم(8)»(9) .

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى طلحة والزبير، أخذ الحجّة عليهما : «أمّا بعد، فقد علمتما أنّي لم أرد الناس حتّى أرادوني، ولم أُبايعهم حتّى أكرهوني، وأنتما ممّا(10) أراد بيعتي وبايعوا ولم تبايعا لسلطان غالب ولا بعرض(11) حاضر، فإن كنتما بايعتما طائعين،


1- في المصدر : ما تريدون العمرة ولكن تريدون الغدرة، قالوا.
2- في المصدر: قال: قد أذنت لكما، اذهبا، قال: فخرجوا حتّى أتوا مكّة.
3- في المصدر : فدخلوا على اُمّ سلمة فقالوا لها وشكوا إليها فوقعت فيهما.
4- في المصدر : وقالت: أنتم تريدون الفتنة عن ذلك نهياً شديداً.
5- في المصدر : قال : فخرجوا من عندها حتّى أتوا عائشة فقالوا لها مثل ذلك، وقالوا : نريد أن تخرجي.
6- في المصدر : في العمرة، فقد أخرجا عائشة.
7- في المصدر + : فمرنا بأمرك.
8- في المصدر : إليهم.
9- «المناقب» للخوارزمي، ص177_ 179، ح216.
10- في المصدر : ممّن.
11- في المصدر : لغرض.

ص: 324

فتوبا إلى اللّه وارجعا عمّا أنتما عليه، وإن كنتما مكرهين فقد جعلتما لي السبيل إليكما(1)بإظهاركما الطاعة وكتمانكما المعصية ، وأنت يا زبير فارس قريش وأنت يا طلحة شيخ المهاجرين، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه أوسع لكما من خروجكما عنه(2)»(3) ، وأنّه عليه السلام أرسل مرّة بعد اُخرى يكفّوا عن الحرب .

أقول : فعند ذلك خرج عليه السلام بمن معه من الجيوش ، فلمّا قدم زاوية البصرة .

وعن «مروج الذهب»: عن ابن المنذر بن الجارود قال : لمّا قدم علي أمير المؤمنين عليه السلام البصرة دخل ممّا يلي الطفّ فأتى الزاوية فخرجت لأنظر(4) إليه، فورد معه موكب في نحو ألف فارس يقدمهم(5) فارس على فرس أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض، متقلّداً سيفاً معه(6) راية، وإذا تيجان القوم الأغلب عليهم(7) البياض والصفرة، مدجّجين بالحديد والسلاح، فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبو أيّوب الأنصاري(8) وهؤلاء الأنصار وغيرهم ، ثمّ تلاه فارس(9) عليه عمامة صفراء وثياب بيض، متقلِّداً سيفاً متنكِّباً قوساً معه راية، على فرس أشقر في نحو ألف فارس ، فقلت : من هذا؟ قالوا(10) : خزيمة(11)ذو الشهادتين ، ثمّ تلاه(12) فارس آخر على كميت، معتمّ بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض(13)، متقلِّداً سيفاً متنكّباً قوساً في نحو ألف


1- في المصدر : عليكما.
2- في المصدر + : خروجكما منه بعد إقراركما.
3- «المناقب» للخوارزمي، ص183 و 184، ح223؛ «شرح نهج البلاغة» ج17، ص131، الكتاب 54.
4- في المصدر : أنظر.
5- في المصدر : يتقدّمهم.
6- في المصدر + : ومعه.
7- في المصدر: عليها.
8- في المصدر : فقيل : هذا أبو أيّوب الأنصاري صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و سلم .
9- في المصدر : تلاهم فارس آخر.
10- في المصدر : فقيل : هذا.
11- في المصدر + : ثابت الأنصاري.
12- في المصدر : مرّ بنا.
13- في المصدر + : مصقول.

ص: 325

فارس معه(1) راية، قلت : مَنْ هذا؟ قالوا : أبو قتادة(2).

ثمّ مرّ بنا فارس آخر على فرس أبيض(3) وعليه ثياب وعمامة(4) قد سدلها بين يديه ومن خلفه، شديد الأدمة عليه سكينة ووقار، رافع صوته بالقرآن(5)، متقلِّداً سيفاً متنكِّباً قوساً معه راية بيضاء في ملأ(6) من الناس مختلفي التيجان، حوله مشيخة وكهول وشبّان(7) كأنّما أوقفوا للحساب، أثر السجود في وجوههم(8)، فقلت : مَن هذا؟ قالوا(9) : عمّار بن ياسر في عدّة من الصحابة والمهاجرين(10)والأنصار وأبنائهم ، ثمّ مرّ بنا فارس على فرس أشقر، عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء، متقلّداً سيفاً متنكِّباً قوساً تخطّ رجلاه الأرض في ألف فارس(11)من الناس، الغالب على ثيابهم(12) الصفرة والبياض معه راية صفراء ، قلت : مَن هذا؟ قالوا : سعد بن قيس بن عبادة(13) في عدّة من الأنصار وأبنائهم(14) من قحطان ، ثمّ مرّ بنا فارس على فرس أشهل مارأينا أحسن منه، عليه ثياب(15) وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه، فقلت : مَنْ هذا؟ فقيل : عبداللّه بن العبّاس، في عدّة(16)من أصحاب رسول اللّه ، ثمّ تلاه


1- في المصدر + : من الناس ومعه.
2- في المصدر : فقيل لي : أبو قتادة بن ربعي.
3- في المصدر: أشهب.
4- في المصدر : ثياب بيض وعمامة سوداء.
5- في المصدر: بقراءة القرآن.
6- في المصدر : ألفٍ.
7- في المصدر : شباب.
8- في المصدر : أثر السجود قد أثر في جباههم.
9- في المصدر : فقيل.
10- في المصدر : من المهاجرين.
11- في المصدر _ : فارس.
12- في المصدر : تيجانهم.
13- في المصدر : قيل : هذا قيس بن سعد بن عبادة.
14- في المصدر + : وغيرهم.
15- في المصدر + : بيض.
16- في المصدر : في وفده وعدة.

ص: 326

موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأوّل(1)، قلت: مَنْ هذا؟ قالوا : ميثم ثمّ عبّاس...

ثمّ أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً، واشتبكت الرماح، ثمّ ورد موكب(2)من الناس فيه خلق كثير عليهم السلاح والحديد، مختلفي(3) الرايات في أوّله راية كبيرة، في أوّله فارس كأنّه كسر وجبر، صفة رجل شديد الساعدين عند العرب، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق ، عن يمينه(4) شاب حسن الوجه وعلى شماله مثله وبين يديه شاب مثلهما ، قلت : مَن هذا؟ قالوا(5) : عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهؤلاء(6) الحسن والحسين عليهماالسلام عن يمينه وشماله، ومحمّد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى(7) وخلفه عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب وهؤلاء ولد عقيل(8) من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشايخ من أهل بدرٍ من المهاجرين والأنصار، فسار حتّى نزل بالزاوية(9) .(10)

وعن «مناقب» الخوارزمي قال: ولمّا تقابل العسكران جعل(11) أهل البصرة يرمون أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بالنبل(12)حتّى عقروا(13) جماعة، فقال الناس : يا


1- في المصدر : بالأوّلين.
2- في المصدر + : فيه خلق من الناس عليهم السلاح.
3- في المصدر : مختلفوا.
4- في المصدر : راية كبيرة يقدمهم رجل كأنّما كُسِرَ وجُبِرَ، قال ابن عائشة : وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق، كذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل أنّه كسر وجبر كأنّما على رؤوسهم الطير وعن يمينه.
5- في المصدر : مَنْ هؤلاء؟ قيل : هذا.
6- في المصدر: وهذان.
7- في المصدر + : وهذا الذي.
8- في المصدر + : وغيرهم.
9- في المصدر : فساروا حتّى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية.
10- «مروج الذهب ومعادن الجوهر» للمسعودي، ج2، ص359_ 361.
11- في المصدر _ : جعل.
12- قال في «لسان العرب» ج11، ص641، مادّة نبل : النبل : الحجارة التي يُستنجى بها، وقيل : النبل: العظام والصغار من الحجارة والإبل والناس وغيرهم.
13- في المصدر + : منهم.

ص: 327

أمير المؤمنين(1) عقرنا بنبلهم فما انتظارك(2)؟ فقال عليه السلام : «اللّهمّ إنّي أُشهدك إنّي قد أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين» ، ثمّ دعى(3) بالدرع فأفرغها عليه وتقلّد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ثمّ دعى بالمصحف فأخذه بيده وقال(4) : «من يأخذ هذا المصحف يدعو(5) هؤلاء الجماعة إلى ما فيه؟» فوثب غلام(6) عليه قباء أبيض ، فقال(7) : أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، فقال له عليّ عليه السلام : «يا فتى إنّ يدك اليمنى تقطع فتأخذه باليسرى فتقطع ، ثمّ تضرب(8) بالسيف حتّى تقتل» .

فقال الفتى : لا عليك يا أمير المؤمنين وهذا(9)قليل في ذات اللّه ، ثمّ أخذ المصحف الفتى(10) وانطلق به إليهم فقال : يا هؤلاء، هذا كتاب اللّه بيننا وبينكم(11)فضرب رجل من أصحاب الجمل يده(12)فقطعها فأخذ المصحف بشماله فقطعت(13) فاحتضن(14) المصحف بصدره فضرب حتّى قتل ، ثمّ رفع عليّ عليه السلام رايته إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة وقال : «تقدّم يا بنيّ» فحمل محمّد الراية(15) فطعن بها في أصحاب الجمل طعناً منكراً، وعليّ ينظر إليه فأعجبه ما رأى من فعاله فقاتل(16) ساعة ثمّ رجع،


1- في المصدر + : انّه قد عقرنا نبلهم.
2- في المصدر + : بالقوم.
3- في المصدر + : عليٌّ.
4- في المصدر + : يا أيّها الناس.
5- في المصدر : فيدعوا هؤلاء القوم.
6- في المصدر + : من مجاشع يقال له مسلم.
7- في المصدر + : له.
8- في المصدر + : عليه.
9- في المصدر : فهذا.
10- في المصدر : الفتى المصحف.
11- في المصدر + : قال.
12- في المصدر + : اليمنى.
13- في المصدر + : شماله.
14- قال في «لسان العرب» ج13، ص122، مادّة حضن : الاحتضان: وهو احتمالك الشيء وجعله في حضنك، كما تحتضن المرأة ولدها فتحتمله في أحد شقّيها.
15- في المصدر : بالراية وطعن.
16- في المصدر + : بالراية محمّد بن الحنفيّة.

ص: 328

وضرب عليّ بيده على(1)سيفه فأسلّه ثمّ حمل على القوم، فضرب فيهم يميناً وشمالاً، ثمّ رجع وقد انحنى سيفه فجعل يسوّيه بركبته، ثمّ حمل ثانية فجعل يضرب فيهم حتّى انحنى سيفه، ثمّ رجع وجعل يسوّيه بركبته(2).

وجال الأشتر بين الصفّين وقتل من شجعان الجمل(3) جماعة مبارزة وكذلك عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر، واشتبك(4) الحرب بين العسكرين واقتتلوا قتالاً شديداً، وقطعت على خطام الجمل ثمانية وتسعون(5) يداً وفي رواية أربعمائة(6) يد، وصار الهودج كالقنفذ ممّا به من السهام واحمرّت الأرض بالدماء وعقر الجمل(7) .

وعن «مروج الذهب»: التقى مالك الأشتر بن الحرث النخعي وعبداللّه بن الزبير فاعتركا وسقطا إلى الأرض عن فرسيهما، وطال اعتراكهما على وجه الأرض فعلاه الأشتر فلم يجد إلى قتله سبيلاً لشدّة اضطرابه من تحته والناس حوله(8) يجولون وابن الزبير ينادي من تحت الأشتر: اقتلوني ومالكاً(9) ولا يسمعه أحد من شدّة الجلاد ووقع الحديد على الحديد، ولا يراهما راء لظلمة النقع، وتزاحم(10)العجاج، ثمّ هرب عبداللّه ولمّا سقط الجمل والهودج جاء محمّد بن أبي بكر فأدخل يده فاحتضنها(11) ، قالت : مَنْ أنت؟ قال : أقرب الناس منك أنا محمّد ، يقول لك عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام هل أصابك شيء؟ قالت : ما أصابني إلاّ سهم لم يضرّني ، فجاء عليّ عليه السلام


1- في المصدر : إلى.
2- قد حذف المصنّف بعضاً من الرواية من هنا.
3- في المصدر + : أهل الجمل.
4- في المصدر : واشتبكت.
5- في المصدر: ثماني وتسعون.
6- في المصدر _ : أربعمائة.
7- «المناقب» للخوارزمي، ص186_ 188، مع اختلاف غير يسير.
8- في المصدر : حولهما.
9- في المصدر _ : من تحت الأشتر.
10- في المصدر : ترادف.
11- في المصدر _ : فاحتضنها.

ص: 329

فوقف عليها، فكان من كلامه لها : «واللّه ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا حلائلهم(1) وأبرزوك وأمر أخاها محمّد أن ينزلها(2) في دار صفيّة بنت الحارث .

ولمّا خرجت من البصرة بعث عليّ عليه السلام معها أخاها عبد الرحمن(3) وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة من ذوات الدِّين(4)، ألبسهنّ العمائم وقلّدهنّ السيوف، وقال لهنّ : «لا تعلمنّ عائشة أنّكنّ نسوة» ، وقال عليه السلام لهنّ : «كنّ اللواتي يلين خدمتها» ، فلمّا أتت المدينة قيل لها مسيرك فقلت كنت بخير واللّه، لقد أعطى فأجزل وبعث معي رجالاً لأنكرتهم فعرفنّها النسوة أمرهنّ، فسجدت للّه شكراً(5) ، وقالت : ما زدت يابن أبي طالب إلاّ تكرّماً ما وددت إنّي أخرج هذا المخرج، وإنّما قيل لي: تخرجين وتصلحين بين الناس وكان ما كان (6).

وعن الحسن(7) بن الحسن بن عليّ عليه السلام إنّه قال : إنّ أوّل شهود شهدوا في الإسلام بالزور أخذوا(8) عليه الرشا، الذين شهدوا عند عائشة حين صارت(9) بماء الحوأب فقالت : ردّوني فأتوها بسبعين شيخاً، فشهدوا أنّه ماءنا وما هو بماء الحوأب(10).

وكانت الواقعة بالخربية(11)موضع بالبصرة الصغرى، يوم الخميس لخمس12 خلون من جمادى(12)سنة ستّة وثلاثين، وقتل من أصحاب عليّ عليه السلام خمسة


1- في المصدر : عقائلهم.
2- في المصدر : فأنزلها.
3- في المصدر + : أبي بكر.
4- في المصدر + : من عبد القيس وهمدان وغيرهما.
5- في المصدر _ : للّه شكراً.
6- «مروج الذهب» ج2، ص367_ 370، مع اختلاف يسير.
7- في المصدر + : الحسن بن الحسين.
8- في المصدر + : وأخذوا.
9- في المصدر : مرت.
10- «المناقب» للخوارزمي، ص181؛ «مروج الذهب»للمسعودي، ج2، ص358.
11- وقيل : الجويبة ، منه رحمه الله . 12 . في المصدر : لعشر.
12- في المصدر + : الآخرة.

ص: 330

وأربعون(1)، ومن أصحاب الجمل(2) وأهل البصرة ثلاثون ألفاً(3)وقيل غير ذلك.

وكان ابتداؤها من ارتفاع الشمس إلى قرب العصر وسار عليّ عليه السلام من المدينة بعد أربعة أشهر من خلافته إلى وقعة الجمل(4) ... الحديث. والحمد للّه ربّ العالمين .

وأمّا ما جرى له مع معاوية في وقعة صفّين

بعد الإعذار والإنذار والقيل والقال، فأبى الباغي إلاّ القتال، خرج عليّ عليه السلام من الكوفة لخمس خلون من شوّال سنة ستّة وثلاثين وكان معه من الجيش سبعون ألفاً وقيل: تسعون ألفاً، وعدد جيش أهل الشام خمسة وثمانون ألفاً، وفي يوم الأربعاء أوّل صفر سنة سبع وثلاثين تصافّ أهل العراق وأهل الشام بصفّين مائة وعشرة أيّام، وكانت عدّة الوقائع بين أهل الشام وبين أهل العراق تسعين وقعة، وقتل بصفّين سبعون ألفاً من أهل الشام وخمسة وعشرون ألفاً من أهل العراق .

في «كشف الغمّة» في الخبر: أنّه لمّا توجّه أمير المؤمنين عليه السلام إلى صفّين احتاج أصحابه إلى الماء والتمسوا(5) يميناً وشمالاً فلم يجدوا(6)، فعدل عليه السلام بهم عن الجادة قليلاً، فلاح لهم دير راهب(7) في البرية، فسار إليه وسئل(8)من فيه عن الماء، فقال:بيننا وبين الماء، فرسخين(9) ، فقال عليه السلام : «اسمعوا ما يقول الراهب» ، فقالوا : أتأمرنا حتى نسير إليه حيث أومى لعلّنا ندرك الماء وبنا قوّة فقال عليه السلام : «لا حاجة بكم إلى ذلك» ولوى


1- في المصدر : خمسة آلاف نفس.
2- في المصدر + : وغيرهم.
3- في المصدر : ثلاثة عشر ألفاً.
4- «مروج الذهب» ج2، ص368_ 371.
5- في المصدر : فالتمسوه.
6- في المصدر : فلم يجدوه.
7- في المصدر _ : راهب.
8- في المصدر : فسار وسأل.
9- في المصدر : فرسخان.

ص: 331

عنق بغلته وأشار إلى مكان بقرب الديراني فقال عليه السلام : «اكشفوه» فكشفوه فظهرت لهم صخرة عظيمة لا تعمل فيها المساحي فقال عليه السلام : «هذه الصخرة على الماء فاجتهدوا في قلعها فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء» ، فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً، فلمّا رأى ذلك لوى رجله عن سرجه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة وقلعها ودحاها أذرعاً كثيرة، فظهر لهم الماء فبادروا وشربوا، وكان أعذب ماء شربوه في سفرهم وأبرده وأصفاه ، فقال عليه السلام : «تزوّدوا» ، ففعلوا ، ثمّ جاء إلى الصخرة وتناولها بيده ووضعها حيث كانت، وأمر عليه السلام أن يعفى أثرها بالتراب.

وستأتي(1) هذه القصّة بتمامها في باب معجزاته عليه السلام إن شاء اللّه تعالى .

وفي «الجرائح» ما روي: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا طال عليه المقام بصفّين شكوا(2) أصحابه إليه نفاد الزاد والعلف بحيث لم يجدوا واحداً من أصحابه عنده شيئاً يؤكل(3) ، فقال عليه السلام : «غداً(4) يقبل إليكم ما يكفيكم» ، فلمّا أصبحوا وتقاضوه صعد عليّ عليه السلام على تلّ هناك(5)ودعا بدعاء وسأل اللّه أن يطعمهم، ويعلف دوابّهم، ثمّ نزل ورجع إلى مكانه فما استقرّ إلاّ وقد أقبلت العير بعد العير قطاراً قطاراً، عليها اللحمان والبرّ والتمر الدقيق والبرّ والخبز والشعير وعلف الدوابّ وجميع ما يحتاجون إليه، بحيث امتلأت البراري(6) وفرّغ أصحاب الأحمال من الأطعمة(7) وجميع ما معهم من علف الدوابّ وغيره(8)من الثياب وجلال الدوابّ(9) ثمّ انصرفوا ولم يدر أحد من أيّ البقاع(10)


1- ولكن أشار المصنّف إلى هذه القصّة في باب المعجزات.
2- في المصدر + : إليه.
3- في المصدر : لم يجد أحد من أصحابه شيئاً يؤكل.
4- في المصدر + : فقال عليه السلام : طيبوا نفساً فإنّ غداً.
5- في المصدر + : كان هناك.
6- في المصدر : عليها اللجمان، والتمور، والدقيق، والمير، والخبز، والشعير، وعلف الدوابّ، بحيث امتلأت به البراري.
7- في المصدر : أصحاب الجمال جميع الأحمال من الأطعمة.
8- في المصدر : وغيرها.
9- في المصدر + : وغيرها من جميع ما يحتاجون إليه حتّى الخيط والمخيط.
10- في المصدر : ولم يدر أحد منهم أنّ هؤلاء من أيّ البقاع.

ص: 332

وردوا ، من(1) الإنس كانوا أو من الجنّ ، وتعجّب الناس من ذلك(2) .

وعن «مناقب» الخوارزمي: روي أنّ حريثاً مولى معاوية كان شجاعاً بطلاً، يعدّه معاوية لكلّ شديدة(3)، وكان يركب فرس معاوية ويلبس لباسه وسلاحه، فيظنّ(4) أنّه معاوية وكان(5)يتمنّى مبارزة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وكان معاوية ينهاه عن مبارزته ظنّاً به ، وقال(6) في اليوم الثالث من حرب7 صفّين لمعاوية: إن أنا أقتل عليّاً عليه السلام تقلّدني الطبرية(7)؟ فقال معاوية : لا تبارز عليّاً، وعليك بالأشتر، فإن أنت قتلته فقد كفيت فإنّ9 لي نابين: أحدهما أنت والآخر عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، إن(8)فجعت بك لم أجد بدلاً(9)فجانب عليّاً عليه السلام ، فسمع بذلك عمرو بن العاص فخلا بحريث وقال له : أنت لو كنت قريشيّاً(10) ما نهاك معاوية عن مبارزته، ولا أحبّ(11)أن تقتل عليّاً عليه السلام وتريحه منه ولكن خاف أن يقتل ابن عمّه مولاه، فإن وجدت فرصة فاقتحم فإنّها حظّها لك(12) ، فلمّا خرج عليّ عليه السلام انبرى له حريث فحمل عليه عليّ عليه السلام وهو يقول :


1- في المصدر + : ومِن.
2- «الخرائج والجرائح» ج2، ص543، ح4.
3- في المصدر + : وقد أبلى في فتح عسقلان وقتل عدّة من الشجعان.
4- في المصدر + : الناس.
5- في المصدر + : الشقي.
6- في المصدر : فقال.
7- في المصدر: حروب.
8- في المصدر + : أتقلّدني ولاية الطبرية؟
9- في المصدر + : منك.
10- في المصدر : قرشياً.
11- في المصدر : مبارزة عليّ ولا حبّ.
12- في المصدر : ولكنّه يكره أن يقتل ابن عمّه مولاه فإن وجدت فرصة فافحم، فإنّ حظها لك.

ص: 333

«أنا عليّ وابن عبد المطّلب أثبت لها يا أيّها الكلب الكلِب»

فقيل : يا أمير المؤمنين تبرز لهذا(1) الكلب؟ قال عليه السلام : «واللّه إنّه أعظم(2) عناءً عندي من معاوية» فضربه على رأسه فسقط قتيلاً على هامته، فجزع عليه معاوية جزعاً شديداً، وقال : ياعمرو ما أنصفته حين أمرته بأمرٍ تكرهه(3)لنفسك (4).

وروي أنّ مالك الأشتر رضى الله عنه خرج في اليوم السادس من صفّين وهو يقول :

في كلّ يومٍ هامتي موقرة ياربّ جنّبني سبيل الكفرة(5)

فبرز إليه عبداللّه(6) بن عمر، فقال له الأشتر : بئسما اخترت لنفسك(7)، هلاّ اعتزلت كما اعتزل أخوك(8)؟ وإن كنت خفت القصاص يوم(9) الهرمزان(10)فهلاّ هربت إلى مكّة؟ فقال : خلّ الخطاب(11) والعتاب، وحمل كلّ(12) منهما على صاحبه فتكافحا(13) صدراً من النهار، ثمّ انصرف(14)ابن عمر وعذله على ذلك عن عمر بن تميم، فخرج(15)هو إلى الأشتر وهو يظنّ أنّه يقتله، فتطاعنا، فطعنه الأشتر برمحه


1- في المصدر : إلى هذا.
2- في المصدر : لأعظم.
3- في المصدر : كرهته.
4- «المناقب» للخوارزمي، ص223.
5- في المصدر : الفجرة.
6- في المصدر : عبيداللّه بن عمر.
7- في المصدر + : يابن عمر.
8- في المصدر + : أو سعيد بن مالك.
9- في المصدر : بدم.
10- قال في «بحار الأنوار» ج30، ص374 : «الهرمزان: رئيس فارس وكان قد أسلم على يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ أعتقه من قسمته من الفيء، فبادر إليه عبيداللّه بن عمر فقتله قبل أن يموت أبوه، فقيل لعمر : إنّ عبيداللّه بن عمر قد قتل الهرمزان، فقال : أخطأ، فإنّ الذي ضربني أبو لؤلؤة، وما كان للهرمزان في أمري صنع. الحديث.
11- في المصدر : عن الخطّاب.
12- في المصدر + : واحد.
13- في المصدر + : فتضاربا وتكافحا.
14- في المصدر + : عنه.
15- في المصدر : وعذله بذلك عمرو بن تميم بن وهب التميمي وخرج.

ص: 334

فأخرج السنان(1) رمحه، وأخرّ عمر(2) على وجهه، واقتتل الناس قتالاً شديداً(3) وتكامدوا بالأفواه، فكان فيه بوار القوم .

وفي اليوم السابع خرج القوم للقتال، وأبو الهيثم(4) نقيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسوّي صفوف أهل العراق، فخرج(5)عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فحمل عليه حارثة بن قدامة(6) وهو يقول :

اصبر لصدر الرمح يابن خالد اصبر لليثٍ مشبلٍ مجاهد

من أسد خفّان شديد الساعد انصر واخبر(7) راكع وساجد

من حقّه عندي كحقّ الوالدي ذاك عليّ كاشف الأوابد

فتطاعنا ساعة ثمّ رجع عنه حارثة، ومرّ(8) خالد لا يأتي على شيء(9) حتّى أتى رايات مذحج وتحاماه الناس، وصاح عمرو بن العاص: اقتحم فإنّه الظفر. فاجتلد الناس جلاداً شديداً وغمّ ذلك عليّاً عليه السلام ، فقال القوم لمالك الأشتر رضى الله عنه : من(10) أيّامك الأول فقد بلغ لولاء(11) معاوية حيث ترى، فأخذ مالك(12)لوائه ثمّ حمل وهو يقول :

إنّي أنا الأشتر معروف الشتر إنّي أنا الأفعى العرقيّ(13) الذكر


1- في المصدر: سنان.
2- في المصدر : من ظهره وخرّ عمرو.
3- في المصدر + : حتّى كاد يذبح بعضهم بعضاً.
4- في المصدر + : بن التيهان.
5- في المصدر + : إليه.
6- في المصدر _ : فحمل عليه حارثة بن قدامة.
7- في المصدر : خير.
8- في المصدر + : ابن.
9- في المصدر + : إلاّ هذه.
10- في المصدر + : يوم من أيّامك.
11- في المصدر : لواء.
12- في المصدر : الأشتر.
13- في المصدر : العراقي.

ص: 335

فضرب القوم فلم يثبتوا له، ثمّ(1) انكشفوا عنه حتّى رجعوا إلى العسكر(2)، وضرب عبد اللّه بن بديل الخزاعي وهو من فرسان عليّ عليه السلام المشهورين المذكورين بسيفه(3) حتّى قتل احدى عشر رجلاً، وخرج من أهل الشام جماعة وكان يمسح سيفه في عرف فرسه وهو يقول :

لا تحبطنّ يا إلهي أجري وعجّلنَّ ياربّ لابن صخرِ

فيالها(4) من غصّةٍ بصدري

ودعا معاوية في هذا اليوم الأحمر(5) مولى أبي سفيان وكان شجاعاً بطلاً، وحثّه على قتل الأشتر وعبداللّه بن بديل الخزاعي(6)، فقال الأحمر : إنّ عليّاً عليه السلام لا يقتله أحد غيري ، فقال معاوية : مهلاً يا أحمر، لاتبارز عليّاً عليه السلام ، وبرز الأحمر ونادى: أين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ فبرز إليه شقران مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له الأحمر : مَن أنت؟ فإنّي لا أُقاتل إلاّ أشجعكم، فعرّفه شقران نفسه فحمل عليه الأحمر(7) فقتله ، وقال : ليبرز إليَّ عليّ عليه السلام لينظر حملتي وضربتي، فصاح عليه(8) وقال : تنحّ أيّها الكلب فما أنت بكفو عليّ أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : واللّه لا أنصرف إلاّ برأس(9)عليّ عليه السلام أو أموت دونه ، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام وحمل عليه فأخذ بعضده وجذبه ثمّ رمى به من يده على الأرض فحطّمه حطماً.

ثمّ خرج من عسكر معاوية كريب ابن ابرهة من آل ابن ذي يزن، وكان مهيناً(10)


1- في المصدر : بل.
2- في المصدر : عسكر معاوية.
3- في المصدر + : في ذلك اليوم.
4- في المصدر : ويا لها.
5- في المصدر : الأحمر في هذا اليوم.
6- في المصدر : أو عبداللّه بن بديل.
7- في المصدر + : فضربه فقتله وثبت مكانه.
8- في المصدر + : القوم.
9- في المصدر : فقال الأحمر واللّه لا أنصرف إلاّ مع رأس.
10- في المصدر : مهيباً.

ص: 336

قويّاً يأخذ الدرهم بكفّه فيغمز إبهامه عليه(1) فيذهب بكتابته، فقال له معاوية : إنّ عليّاً يبرز بنفسه وكلّ أحد لا يتجاسر على مبارزته وقتاله .

قال كريب : أنا أبرز إليه، فخرج إلى صف أهل العراق وقال(2): ليبرز إليَّ عليّ عليه السلام ، فبرز إليه مرتفع بن الوضّاح الزبيدي، فسأله من أنت؟ فعرّفه(3) فقال: كفو كريم فتكافحا فسبقه كريب فقتله ، ونادى: ليبرز إليَّ أشجعكم أو عليّ عليه السلام ، فبرز إليه شرحبيل بن بكر وقال لكريب: يا شقيّ ألا تفكّر(4) في لقاء اللّه تعالى ولقاء رسوله صلى الله عليه و آله يوم الحساب.

ثمّ تكافحا فقتله كريب، ثمّ برز إليه الحارث(5) الشيباني وكان زاهداً صوّاماً(6) وهو يقول :

هذا عليّ والهدى حقّاً معه نحن نصرناه على من نازعه

ثمّ تكافحا فقتله كريب، ثمّ برز إليه عليّ عليه السلام متنكِّراً وحذّره بأس اللّه تعالى وسخطه ، فقال كريب : أترى سيفي هذا، لقد قتلت به كثيراً مثلك ، ثمّ حمل على عليّ عليه السلام بسيفه فاتّقاه بحجفته ثمّ ضربه عليّ عليه السلام على رأسه فسقط نصفين(7).

ثمّ انصرف أمير المؤمنين عليه السلام وقال لابنه محمّد : قف مكاني فإنّ طالب وترٍ(8) يأتيك ، فوقف محمّد عند مصرع كريب فأتى أحد بني عمّه وقال : أين الفارس الذي قتل ابن عمّي؟ قال محمّد : وما سؤالك عنه، فأنا أنوب عنه، فغضب(9) وحمل على


1- في المصدر : يأخذ الدرهم فيغمزه بإبهامه فيذهب.
2- في المصدر : ونادى.
3- في المصدر + : نفسه.
4- في المصدر : ألا تتفكّر.
5- في المصدر + : بن الجلال.
6- في المصدر + : قوّاماً.
7- في المصدر : فشقّه حتّى سقط نصفين.
8- في المصدر : وتره.
9- في المصدر + : الشامي.

ص: 337

محمّد، وحمل(1) محمّد عليه فصرعه، فبرز إليه آخر فقتله حتّى قتل من الشاميّين سبعة، فأتى(2)شاب وقال لمحمّد : أنت قاتل(3) عمّي وإخوتي فبرزت إليك لأشتفي منك(4)أو ألحق بهم؟ ثمّ تكافحا مليّاً فضربه محمّد فصرعه .

وروي إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للأشتر : إنّ أحداً لا يبرز إليَّ ولا إليك فأنا أحمل على الميمنة وأنت(5) تحمل على الميسرة، وكان في ميمنة معاوية نحو من عشرة آلاف فارس، فحمل عليّ عليه السلام على الميمنة(6)فانهزموا وحمل الأشتر على الميسرة كذئب في غنم، فنكص الناس عنه وشدّ عليه رجل من أهل الشام فضربه، وقابله الأشتر بحجفته وشدّ عليه الأشتر فصرعه(7) .

قال : وبرز في اليوم التاسع والعشرين(8)من أصحاب معاوية عثمان بن وائل الحمري(9) وكان يعدّ بمائة فارس وله أخ يسمّى حمزة يعدّهما معاوية للشدائد وجعل يعبث برمحه(10)وسيفه والعبّاس بن الحرث(11)بن عبد المطّلب ينظر إليه مع سليمان بن صرد الخزاعي فقال لسليمان : أنا أبرز إليه(12)وفي قلبي أنّي أقتله، فبرز إليه، فتكافحا مليّاً، فلم يظفر أحدهما بصاحبه فقال سليمان للعبّاس : ألا تجد فرصة عليه؟ قال : فيه شجاعة ثمّ ضربه بعد ذلك العبّاس فرمى برأسه(13) فبرز إليه أخوه حمزة فأرسل


1- في المصدر + : عليه.
2- في المصدر : فأتاه.
3- في المصدر : قتلت.
4- في المصدر: لأشفي صدري.
5- في المصدر _ : أنت.
6- في المصدر _ : على الميمنة.
7- «المناقب» للخوارزمي، ص223_ 229.
8- في المصدر : التاسع عشر.
9- في المصدر _ : الحمري.
10- في المصدر : وجعل عثمان بن وائل يلعب برمحه.
11- في المصدر : الحارث.
12- في المصدر + : وقد نهاني أمير المؤمنين عليه السلام .
13- في المصدر + : ووقف مكانه.

ص: 338

إلى العبّاس عليّ عليه السلام فنهاه عن مبارزته ، وقال للعبّاس : «انزع ثيابك وناولني سلاحك وقف مكاني وأنا أخرج إليه» فتنكّر عليّ عليه السلام وخرج إلى حمزة فظنّ حمزة أنّه العبّاس الذي قتل أخاه، فضربه عليّ فقطع ابطه وكتفه ونصف وجهه فتعجّب اليمانيّون من تلك الضربة وهابوا العبّاس وبرز إلى عليّ عليه السلام عمر بن قيس اللخمي(1) وكان شجاعاً فجعل يلعب بسيفه ورمحه(2) فقال عليه السلام : «هلمّ للمكافحة»(3) فحمل عمر(4) على عليّ عليه السلام حملة منكرة وضربه(5) فاتّقاها بحجفته ثمّ ضربه عليّ عليه السلام على وسطه فبان نصفه وبقي نصفه على فرسه فقال عمرو بن العاص : ما هذه إلاّ ضربة عليّ عليه السلام فكذّبه معاوية فقال(6) عمرو : قل للخيل تحمل عليه، فإن ثبت مكانه فهو عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فحملت(7) عليه فثبت لهم ولم يتزعزع ثمّ حمل عليهم(8) يقتلهم حتّى قتل منهم ثلاثة وثلاثين رجلاً ، فقال الأشتر : يا أمير المؤمنين لا تتعب نفسك ، فقال عليّ عليه السلام : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أكرم الناس على اللّه تعالى وقد قاتل بنفسه يوم اُحد ويوم حنين ويوم خيبر، ولو أنّ معاوية وعمرو ابن برزا(9) إليَّ لتخلّص شيعتي ممّا يقاسونه »، فقال الأشتر : بحقّ قرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله انصرف وأنا أُحاربهم اليوم فأذن له عليّ عليه السلام فقال الأشتر :

بقّيتُ(10) وفري وانحرفت عن العلى ولقيت أضيافي بوجه عبوس


1- في المصدر : عمرو بن عنبس اللخمي.
2- في المصدر : برمحه وسيفه.
3- في المصدر + : فليس هذا وقت اللعب.
4- في المصدر : عمرو.
5- في المصدر _ : وضربه.
6- في المصدر + : له.
7- في المصدر : فحملوا.
8- في المصدر + : فجعل.
9- في المصدر : معاوية وعمراً برزا.
10- في المصدر : لقيت.

ص: 339

إن لم أشنّ على ابن هندٍ غارةً لم تخل يوماً من ذهاب(1) نفوس

خيلاً كأمثال السعالي شزّباً تعدوا(2) ببيض في الكريهة شوس

حمي الحديد عليهم فكأنّه ومضان برق أو شعاع شموس

ونادى ليبرز إليَّ معاوية ، فقال : لست بكفؤي ، فقال الأشتر : ابرز لصاحبي(3) فإنّه سيّد قريش والعرب كلّهم ودع التعلّل .

ثمّ دعى معاوية جندب بن ربيعة وكان خطب إلى معاوية ابنته فردّه، فقال له عمرو بن العاص : إن قتلت الأشتر زوّجك معاوية ابنته «رملة» فبرز(4)جندب، فقال له الأشتر(5) : كم ضمن لك معاوية على مبارزتي؟ قال : يزوّجني ابنته(6) فأنا الآن آتيه برأسك ، فضحك الأشتر وحمل عليه جندب برمحه فأخذه الأشتر بأبطه(7) فجعل جندب يجتهد في جذبه فلم يمكنه حتّى ضرب الأشتر رمحه فقدّه نصفين وهرب جندب فضربه الأشتر بسيفه فصرعه، ثمّ حمل الأشتر(8) حتّى أزال عمرو بن العاص عن موقفه وانكشفت(9) أهل الشام وأفضى الأشتر إلى معاوية، فخرج رجل من جمح(10) فضارب عن معاوية حتّى أنقذه فكاد الأشتر أن يصل إليه(11) وحجز بينهم الليل(12).

وفي الكتاب المذكور(13): إنّه في اليوم السابع والعشرين14 برز الحرث بن ياقوت


1- في المصدر : نهاب.
2- في المصدر : يعدوا.
3- في المصدر : قال الأشتر : فابرز إلى صاحبي.
4- في المصدر + : إليه.
5- في المصدر + : مَن أنت وكم ضمن.
6- في المصدر + : بقتلك.
7- في المصدر : تحت إبطه.
8- في المصدر + : فضاربهم.
9- في المصدر : وانكشف.
10- في المصدر : بني جمع.
11- في المصدر : يصلى إليه.
12- «المناقب» للخوارزمي، ص230 و 231.
13- «المناقب» للخوارزمي.

ص: 340

أخو(1)ذيالكلاع إلى عمّار بن ياسر رضى الله عنه فضربه عمّار فصرعه وكان يقتل كلّ من برز إليه وينشد الشعر ويقول :

نحن قتلناكم(2) على تنزيله ثمّ قتلناكم على تأويله(3)

وينادي الرواح الرواح إلى الجنّة(4) .

واستسقى عمّار فأُتي بلبن في قدح فلمّا رآه كبّر، ثمّ شربه وقال : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لي : «آخر شرابك من الدُّنيا ضياح من لبن وتقتلك الفئة الباغية» فهذا آخر أيّامي من الدُّنيا ثمّ حمل فأحاطوا به(5) أهل الشام، فاعترضه أبو الغادية الفزاري وأبو جوني(6) السكسكي ، أمّا أبو الغادية(7)فطعنه وأمّا جوني(8) فاحتزّ رأسه، وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعمّار بن ياسر : يابن سميّة تقتلك الفئة الباغية .

قال ذو الكلاع وكانت أمره(9) ستّون ألفاً من الفرسان، فقال لعمرو(10)بن العاص : ويحك نحن(11)الفئة الباغية؟ وكان في شكٍّ من ذلك فيقول عمرو: إنّه سيرجع إلينا واتّفق أنّه اُصيب ذو الكلاع يوم اُصيب عمّار فقال عمرو : لو بقي ذو الكلاع لمال بعامّة قومه ولأفسد علينا جندنا(12).


1- في المصدر : السادس والعشرين.
2- في المصدر: بن ياقور أخا ذي الكلاع.
3- في المصدر : ضربناكم.
4- في المصدر : فاليوم نضربكم على تأويله.
5- في المصدر _ : وينادي الرواح الرواح إلى الجنّة.
6- في المصدر : وأحاط به.
7- في المصدر : أبو العادية الفزاري وابن جوني.
8- في المصدر : أبو العادية.
9- في المصدر + : ابن الجوني.
10- في المصدر : كان ذو الكلاع وتحت أمره ستّون ألفاً.
11- في المصدر : يقول لعمرو بن العاص.
12- في المصدر + : أنحن.

ص: 341

واحتجّ رجلان في صفّين(1) في سلب عمّار وفي قتله، فأتيا عبداللّه بن عمرو بن العاص يتحاكمان إليه، فقال : ويحكما اخرجا عنّي فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أولعت قريش بعمّار وعمّار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار، قاتله وسالبه بالنار(2) .(3)

وعن «مجمع البحرين»: إنّ عمّار بن ياسر رضى الله عنه لمّا قتل يوم صفّين احتمله أمير المؤمنين عليه السلام (4) وجعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول :

وماضبية تسبى الضباء بطرفها إذا انبعثت خلنا بأجفانها سحرا

بأحسن ممّن خضّب السيف وجهه دماً في سبيل اللّه لمّا قضى صبرا(5) (6)

وله عليه السلام يريثه أيضاً :

ألا أيّها الموت الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيت كلّ خليل

أراك مضرّاً بالذين أحبّهم كأنّك تنحو نحوهم بدليل(7)

وعن تاريخ «ابن الأثير» : عمّار بن ياسر أبو اليقظان العبسي، شهد المشاهد كلّها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد جاوز تسعين سنة وقبره رضى الله عنه بصفّين .

وعن «مناقب» الخوارزمي: يروى أنّ في اليوم السادس والعشرين جمع معاوية(8) الملأ من قومه، فذكروا شجاعة عليّ عليه السلام وشجاعة الأشتر ، فقال عتبة بن أبي سفيان : وإن(9) كان الأشتر شجاعاً لكن عليّاً عليه السلام لا نظير له في شجاعته وصولته وقوّته ، فقال معاوية : ما من(10) أحد إلاّ وقد قتل عليّ عليه السلام أباه وأخاه(11)أو ولده، قتل


1- «المناقب» للخوارزمي، ص233.
2- في المصدر : بصفّين.
3- في المصدر : في النار.
4- «المناقب» للخوارزمي، ص234.
5- في المصدر + : إلى خيمته.
6- في المصدر : وما في سبيل اللّه حتّى قضى صبراً.
7- «مجمع البحرين» للطريحي، مادّة «عمر» ج3، ص250.
8- «بحار الأنوار» ج33، ص20.
9- في المصدر : السادس والعشرين من حروب صفّين اجتمع عند معاوية.
10- في المصدر _ : و.
11- في المصدر : منّا.

ص: 342

يوم بدر أباك يا وليد، وقتل عمّك يا أبا الأعور يوم اُحد، وقتل يا طلحة(1) الطلحات أباك يوم الجمل، فإذا اجتمعتم عليه أدركتم ثأركم(2) وشفيتم صدوركم ، فضحك الوليد بن عتبة بن أبي معيط(3) وأنشأ يقول :

يقول لكم معاوية بن حربٍ أما فيكم لواتركم طلوب

يشدوا(4)على أبي حسنٍ عليّ بأسمر لا تهجنّه الكعوب

فيهتك مجمع اللبّات منه ونقع القوم مطرد يثوب

فقلت له: أتلعب يابن هندٍ كأنّك وسطنا رجل غريب

أتأمرنا بحية وسط(5) وادٍ إذا نهشت فليس لها طبيب

سوى عمرو وقَتْهُ خصيتاه نجا وبقلبه منه(6) وجيب

وبشر مثلها لاقى جهالاً فأخطا نفسه الأجل القريب

وما ضبع تدبّ ببطن وادٍ(7) أتيح لقتلها أسدٌ مهيب

بأضعف حيلة منّا إذا ما لقيناه وذا منّا عجيب

كأنّ القوم لمّا عاينوه خلال النقع ليس لهم(8)قلوب

وقد نادى معاوية بن حربٍ واسمعه(9) ولكن لا يجيب

فقال الوليد : إن لم تصدقوني فاسألوا الشيخ عمرو بن العاص يخبركم(10) عن


1- في المصدر : أو أخاه.
2- في المصدر : يابن طلحة.
3- في المصدر + : منه.
4- في المصدر + : من قوله.
5- في المصدر : يشدّ.
6- في المصدر : بطن.
7- في المصدر : ولقلبه منها.
8- في المصدر : وما ضيع تدبّ بطن واد.
9- في المصدر : لها.
10- في المصدر : فاسمعه.

ص: 343

شجاعته وصولته، وكان هذا توبيخاً منه لعمرو، حين خرج عمرو بن العاص للحرب، فحمل عليه أمير المؤمنين عليه السلام وعمرو لا يشعر به، فطعنه وصرعه وبدت عورته فصرف عليّ عليه السلام وجهه وانسلّ(1)عنه عمرو وقيل لعليّ عليه السلام في ذلك فقال : «إنّ ابن العاص التقاني(2) بعورته فصرفت وجهي عنه»(3) .

وروي إنّ عليّاً عليه السلام حمل(4) بسيفه وقال عليه السلام : «خذها يابن النابغة» فسقط عن فرسه وأبدى عورته، فقال له عليه السلام : «يابن النابغة أنت طليق عورتك(5) أيّام عمرك» وعذله معاوية وقال : ما هذه الفضيحة التي فضحت بها نفسك؟ فقال عمرو لمعاوية(6): من يعرّض نفسه للبلاء لا طاقة لي بعليّ عليه السلام ولا لك ولا للوليد ولا لأحد من جموعنا، وإن لم تصدّقني فجرّب وقد دعاك مراراً إلى البراز ولا تبرز إليه وقال(7) :

يذكّرني الوليد شجى عليٍّ وصدر المرء يملأوه(8) الوعيد

متى تذكر مشاهد(9) قريش يطير من خوفه القلب الشديد

فأمّا في اللقاء فأين منه معاوية بن حربٍ والوليد

وعيّرني الوليد لقاء(10) ليثٍ إذا ما زأر هابته الأسود

لقيت وليس(11)أجهله عليّاً وقد بلت من العرق اللبود

فأطعنه فيطعنني خلاساً وماذا بعد طعنته مزيد


1- في المصدر : فانسل.
2- في المصدر : تلقّاني.
3- «المناقب» للخوارزمي، ص234 و 235.
4- في المصدر + : عليه.
5- في المصدر : دبرك.
6- في المصدر + : يا أبا عبد الرحمان من يتعرّض لبلاء نفسه لا طاقة.
7- في المصدر + : عمرو في ذلك.
8- في المصدر : يملأه.
9- في المصدر : مشاهده.
10- في المصدر : بقاء.
11- في المصدر : ليست.

ص: 344

فرمها منه يابن أبي معيطٍ فأنت الفارس البطل النجيد(1)

وأقسم لو سمعت ندا عليٍّ لطار القلب وانتفخ الوريد

ولاقيته(2) شقّت جيوبٌ عليك ولطّمت فيك الخدود

فقال معاوية : يا عمرو لو عرفت عليّاً ما اقتحمت عليه(3) وقال معاوية في ذلك :

ألا للّه من هفوات عمرو يعاتبني على تركي برازي

لقد لاقى أبا حسنٍ عليّاً فآب الوابلي فآب(4) خازي

ولو لم تبدُ(5) عورته لأودى به ليث يذلّل كلّ ناز(6)

له كفّ كأنّ براحتيها منايا القوم تخطف خطف باز(7)

فإن تكن المنيّة أخّرته(8) فقد غنّى به(9) أهل الحجاز

فغضب عمرو وقال : ما هو إلاّ رجل لقى ابن عمّه فصرعه، أترى السماء قاطرة(10) دماً(11) .

وروي إنّ عليّاً عليه السلام خرج إلى صفّ أهل الشام وقال لكميل بن زياد : «سر إلى معاوية وقل له : دعوناك إلى الطاعة والجماعة فأبيت وعندت، وقد كثر القتل بين المسلمين فابرز إليَّ حتّى تخلّص(12) الناس ممّا(13)فيه» ، فلمّا أدّى كميل رسالة عليّ عليه السلام


1- في المصدر : التجيد.
2- في المصدر : ولو لاقيته.
3- في المصدر : أقحمت عليه.
4- في المصدر : الدائلي مآب.
5- في المصدر : لم يبد.
6- في المصدر : نازي.
7- في المصدر : بازي.
8- في المصدر : أحرزته.
9- في المصدر : فقد عنى بها.
10- في المصدر + : لذلك.
11- «المناقب» للخوارزمي، ص236 و 237.
12- في المصدر : يتخلص.
13- في المصدر + : ممّا هم فيه.

ص: 345

قال معاوية لقومه : ما تقولون؟ فنهوه عن ذلك إلاّ عمرو بن العاص فإنّه قال : لقد أنصفك وأنّه بشر مثلك، فعيّره معاوية وقال: ما هذه العداوة، أتظنّ أنّك(1) إن قُتلتُ تنال الخلافة والسلطان؟ فقال عمرو : اُمازحك ، فقال معاوية :

يا عمرو إنّك قد أشرت بتهمة إنّ المبارز كالخدُّب النازي(2)

ما للملوك وللبراز وإنّما خطف المبارز خطفة من بازي(3)

ولقد رجعتَ وقلت مزحة مازحٍ والمزح يحمله مقال الهازي

فأجابه عمرو بن العاص على ذلك :

معاوي إن نكلت عن البراز لك الويلات فانظر في المخازي

معاوي ما اجترمتُ إليك ذنباً وما أنا بالذي حدّثتُ هازي

وما ذنبي وكم نادى عليّ وكبش الموت(4)يدعو للبراز

فلو بارزته بارزت ليثاً حديد القرن أشجع ذا ابتزاز

أضبع في العجاجة يابن هندٍ وعند الباه كالتيس الحجازي

فانصرف كميل وأخبر عليّاً عليه السلام بما جرى، فتبسّم عليّ عليه السلام وضحك الأشتر(5) .

وفي «الكتاب المتقدّم» ذكره: كان معاوية على تلّ من وجوه(6) قريش، ينظر إلى عليّ عليه السلام وهو يقتل(7) من بارزه، فقال معاوية(8) : لقد دعاني عليّ عليه السلام إلى البراز حتّى استحيت(9) من قريش ، فقال له أخوه10 عتبة : اَلهُ عن هذا كأنّك11 لم تسمعه، فقد


1- في المصدر : إنّي.
2- في المصدر : كالجدب للنازي.
3- في المصدر : باز.
4- في المصدر : القوم.
5- «المناقب» للخوارزمي، ص237 و 238.
6- في المصدر : على التلّ مع وجوه.
7- في المصدر + : كلّ.
8- في المصدر _ : معاوية.
9- في المصدر : استحييت.

ص: 346

علمت أنّه قتل حريثاً وفضح عمرواً(1) وقتل كلّ من برز إليه وإنّما يقوم مقامك بشر(2) بن أرطأة ، فقال بشر(3): ما كان أحد أحقّ بمبارزته من ابن حرب ، فأمّا إذا أبيتموه فأنا له ، وكان لبشر(4) بن عمّ فقال :

وأنت له يا بشر(5) إن كنت مثله وإلاّ فإنّ الليث للضبع آكل

كأنّك يا بشر(6) ابن أرطأة جاهل بشدّاته بالحرب(7) أو متجاهل

متى تلقه فالموت في رأس رمحه وفي سيفه شغل لنفسك شاغل

ومن بعده في آخر الخيل عاطف وما قبله في أوّل الخيل حامل

فقال بشر(8) : خرج منّي شيء فأنا أستحي أن أرجع عنه، فغدا بشر9 إلى المعركة فرأى عليّاً عليه السلام في أوّل الخيل منقطعاً عن خيله مع الأشتر، وهو يريد التلّ ويقول :

«أنا عليٌّ فاسألوني(9) تخبروا سيفي حسامي(10) وسناني أزهر»

«منّا النبيّ الطاهر المطهّر»

فاستقبله بشر(11) قريباً من التلّ، فطعنه عليّ عليه السلام ولم يعرف أنّه بشر13 فانحنى


1- في المصدر _ : أخوه.
2- في المصدر : كأن.
3- في المصدر : عمراً.
4- في المصدر : بسر.
5- في المصدر : عند بسر.
6- في المصدر : أنت له يا بسر.
7- في المصدر : بسر.
8- في المصدر : في الحرب.
9- في المصدر : بسر.
10- في المصدر: حسام.
11- في المصدر : بسر.

ص: 347

سيفه، فدفعه بيده فصرعه على وجهه فانكشفت عورته فانصرف عنه عليّ عليه السلام ، فناداه الأشتر يا عليّ : إنّه بشر(1) ، فقال عليه السلام : «دعه» فحمل ابن عمّ بشر(2) على عليّ عليه السلام ، فحمل الأشتر عليه وهو يقول :

أكلّ يومٍ رجل شيخٍ شاغره وعورة وسط العجاج ظاهره

وطعنه الأشتر فكسر صلبه، وقام بشر(3) من ضربة عليّ عليه السلام وولّت خيله وناداه أمير المؤمنين عليه السلام : «يابشر(4)، معاوية كان أحقّ منك بهذا»(5) ، وللنظر بن الحارث في ذلك يقول :

أفي كلّ يومٍ فارس تندبونه له عورة وسط العجاجة بادية

فكفّ6 بها عنه عليّ سنانه ويضحك منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمروٍ فقنّع رأسه وعورة بشر7 مثلها فرج جارية

فقولا لعمرو وابن أرطأة ابصرا سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

ولا تحمدا إلاّ الحياء وخصّاكما هما كانتا للنفس واللّه واقية8

فلولاهما لم تنجيا9 من سنانه وتلك بما فيها عن العود ناهية


1- في المصدر : أحقّ بهذا منك.
2- في المصدر : يكفّ.
3- في المصدر : بسر.
4- في المصدر : كما كانتا واللّه للنفس واقية.
5- في المصدر : لم تنجوا.

ص: 348

متى تلقيا الخيل المشيحة صبحةً وفيها عليّ فاتركا الخيل ناحية

وكونا بعيداً حيث لا يبلغ(1) القنا وحمي الوغى إنّ التجارب كافية

وإن كان منه بعد في النفس حاجة فعودا إلى ما شئتما فهي(2) ماهية

فكان بشر(3) بعد ذلك إذا لقى الخيل التي فيها أمير المؤمنين تنحّى ناحية عنه(4) .

وعن «مناقب» الخوارزمي أيضاً: عن حبّة العرني أنّه قال : لمّا نزل عليّ عليه السلام بمكان يقال له: البليخ على جانب الفرات، نزل راهب عن(5) صومعته فقال لعلي عليه السلام : إنّ عندنا كتاباً توارثناه من آبائنا، كتبه أصحاب عيسى بن مريم عليه السلام أعرضه عليك ؟ قال(6) عليّ عليه السلام : «نعم ، فما هو؟» قال الراهب : بسم اللّه الرحمن الرحيم الذي قضى(7)، وسطّر فيما كتب، أنّه باعث في الاُميّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته(8) ويعلّمهم الكتاب والحكمة، لا فظّاً ولا غليظاً ولا سحّاباً في الأسواق(9)، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، اُمّته الحمّادون الذين يحمدون اللّه تعالى على كلّ نشرٍ وكلّ صعود(10) وهبوط تذلّ ألسنتهم بالتهليل والتكبير، وينصره على من ناواه(11)، فإذا توفّاه اللّه تعالى اختلفت اُمّته، ثمّ اجتمعت فلبثت ما شاء اللّه ثمّ اختلفت(12)، ثمّ يمرّ رجل من اُمّته بشاطئ(13)الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحقّ ولا


1- في المصدر : حديث لاتبلغ.
2- في المصدر : هي.
3- في المصدر : وكان بسر.
4- «المناقب» للخوارزمي، ص240 و 241.
5- في المصدر : من.
6- في المصدر : فقال.
7- في المصدر + : فيما قضى.
8- في المصدر _ : يتلو عليهم آياته.
9- في المصدر : والحكمة ويدلّهم على سبيل اللّه، لا فظّ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق.
10- في المصدر : كلّ نشز وفي كلّ صعود.
11- في المصدر : وينصره اللّه على كلّ من ناواه.
12- في المصدر _ : اللّه ثمّ اختلفت.
13- في المصدر + : هذا.

ص: 349

يوكس الحكم ، الدُّنيا أهون عليه من الرماد في يومٍ عصفت فيه(1) الريح ، الموت(2) أهون عليه من شرب الماء على الضماء ، يخاف اللّه في السرّ وينصح له في العلانية لا يخاف في اللّه لومة لائم، فمن أدرك ذلك النبيّ من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوان اللّه (3) والجنّة ، ومن أدرك(4) العبد الصالح فلينصره فإنّ القتل معه شهادة وأنا مصاحبك لا اُفارقك حتّى يصيبني ما يصيبك ، فبكى(5) عليّ عليه السلام وقال(6): «الحمد للّه الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار» ، فمضى الراهب معه وكان يتغدّى(7)مع أمير المؤمنين عليه السلام ويتعشّى حتّى اُصيب بصفّين، فلمّا خرج الناس يدفنون قتلاهم، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «اطلبوه» فلمّا وجدوه(8) صلّى عليه ودفنه وقال عليه السلام : «هذا منّا أهل البيت» واستغفر له مراراً(9) .

وفي اليوم السابع والعشرين نادى عليه السلام : «هل من معين؟» فقال اثنى عشر ألفاً : نموت بين يديك، وكسروا أجفان(10) سيوفهم وسار بهم(11) عليّ صلوات اللّه عليه وهو يقول :

«دبّوا دبيب النمل لا تفوتوا وأصبحوا بحربكم وبيتوا

حتّى تنالوا الثأر أو تموتوا أو لا فإنّي ظالم عصيتُ(12)

فحمل13 الأشتر وقال :


1- في المصدر : به.
2- في المصدر : والموت.
3- في المصدر _ : اللّه.
4- في المصدر + : ذلك.
5- في المصدر : ما أصابك، قال : فبكى.
6- في المصدر + : الحمدُ للّه الذي لم يجعلني عنده منسياً.
7- في المصدر : وكان فيما ذكر يتغذّى.
8- في المصدر : وجده.
9- «المناقب» للخوارزمي، ص242 و 243.
10- في المصدر : جفون.
11- في المصدر _ : بهم.
12- في المصدر : طال ما عصيت.

ص: 350

أبعدَ عمّارٍ وبعد هاشم وابن بديل فارس الملاحم

نرجو البقاء ضلّ حكم الحاكم

وكان قد قتل عمّار، وهاشم بن عتبة المرقال، وعبداللّه بن بديل الخزاعي الفارس المشهور رئيس خزاعة، وحمل حارث بن قدامة وقال :

جرّب بأسياف الفناء مدّحج(1) يحار فيها البطل المدّحج

روحوا إلى اللّه ولا تعرّجوا

وحمل عليّ عليه السلام والناس معه، فخرق الصفوف ورآه(2)معاوية، فركب فرسه ومرّ هارباً . قال(3)معاوية : فنزلت عن فرسي وقلت لأصحابي : ما الانهزام(4)إلاّ قول قيس، حيث يقول :

أبت لي أُسرتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وقولي كلّما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي

واشتدّ القتال وحمل الرؤساء على الرؤساء واضطرب الناس، فلم تسمع(5) إلاّ وقع الحديد على الحديد والهام، حتّى حجز بينهم الليل(6) .(7)

وفي اليوم الخامس والثلاثين اجتمع أهل العراق عند خيمة أمير المؤمنين عليه السلام ينتظرون خروجه، فخرج عليه السلام وركب فرسه البحر وعليه درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله متقلِّداً بسيفه(8) متختّماً بخاتمه متعمّماً بعمامته السحاب، وخرج إلى المعركة ولم يكلِّم أحداً،


1- في المصدر : وحمل.
2- في المصدر : بأسباب الفناء مذحج.
3- في المصدر + : وأزال الأُلوف فرآه.
4- في المصدر + : فقال.
5- في المصدر + : ما يمنعني من الانهزام.
6- في المصدر : فلم يسمع.
7- في المصدر _ : حتّى حجز بينهم الليل.
8- «المناقب» للخوارزمي، ص243 و 244.

ص: 351

وكان معاوية سبق عليّاً عليه السلام إلى المعركة ، فقال(1) عمر بن قيس رئيس عك : لا تخرج من قولي وأمر القوّاد(2) والرؤساء وفرسان الشام ليحملوا بحملتي، فإن فعلوا(3) ذلك هزمت أهل العراق وأرحتك(4) وكانت عكّ أشجع(5) الشام.

ثمّ حمل رئيس عكّ وحمل محمّد بن الحنفيّة والعبّاس بن ربيعة الهاشمي وعبداللّه بن جعفر، وارتفع الغبار وثار القتال(6)وجرت الدماء، واختلط القوم ولم يعرف أحد صاحبه واشتدّ البلاء، وقتل الأشتر من عكّ خلقٌ كثير(7).

واشتدّت المناجزة بين همدان وعكّ، فقتل(8)من همدان(9) ثلاثمائة واثنا عشر رجلاً، ومن(10) عكّ ثلاثمائة وسبعون رجلاً، وقال سعد بن قيس رئيس همدان(11):

وقد علمت عكّ بصفّين أنّنا إذا ما التقى الخيلان نطعنهم شزرا

ونحمل رايات الطعان بحقّها فنوردها بيضاً ونصدرها حمرا(12)

وفي اليوم السابع والثلاثين من حرب(13) صفّين(14)أصبح أمير المؤمنين عليه السلام أتاه سعد(15)بن قيس الهمداني، وأوقف(16) خيله مع راياته، ثمّ أتاه الأشتر في عسكره،


1- في المصدر + : له.
2- في المصدر : اماعك فلا تخرج من قولي ولكن مرّ القواد.
3- في المصدر: فإنّهم إن فعلوا.
4- في المصدر + : ممّا أنت فيه.
5- في المصدر + : أهل.
6- في المصدر : القتام.
7- في المصدر : خلقاً كثيراً.
8- في المصدر : حتّى قتل.
9- في المصدر + : يومئذٍ ثلاثمائة رجلاً.
10- في المصدر + : وقتل من عكّ.
11- في المصدر : سعيد بن قيس الهمداني وهو رئيسهم.
12- «المناقب» للخوارزمي، ص244_ 246.
13- في المصدر : حروب.
14- في المصدر + : لمّا.
15- في المصدر : أتاه أوّلاً سعيد بن قيس.
16- في المصدر : وقف.

ص: 352

وحجر بن عدي الكندي وقيس بن سعد بن عبادة وعبداللّه بن عبّاس(1) وسليمان بن صرد الخزاعي والمغيرة(2) بن خالد والأحنف بن قيس ورفاعة بن شدّاد وجندب بن زهير وخرج أمير المؤمنين عليه السلام في درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفوقها خفتان خضر(3)محشوّ بالقزّ، وهو متقلّد سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه حجفته وبيده قضيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله الممشوق، فسلّم(4) عليه القوم وانصرفوا إلى معسكرهم، وأقبل عليّ عليه السلام على الأشتر وقال عليه السلام (5) : «معي راية لم أخرجها إلاّ يومي هذا وهي أوّل راية أخرجها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد قال لي عند وفاته صلى الله عليه و آله : يا أبا الحسن إنّك لتحارب الناكثين والقاسطين والمارقين وأي تعب(6) يصيبك من أهل الشام، فاصبر على ما أصابك إنّ اللّه مع الصابرين» ، ثمّ أخرج الراية وقد عفت وبليت فبكى الناس لمّا رأوها بكاءً عالياً وقبّلها من وجد إليها سبيلاً ، وقال علي عليه السلام لقنبر : «أخرج رمح رسول اللّه صلى الله عليه و آله المسلول وسيفه سيرثه منّي الحسن عليه السلام (7)ولا يستعمله وينكسر بيد ابني الحسين عليه السلام ، وقد تخبرني(8) رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأخبار كثيراً(9) .

يا مالك إنّ الدُّنيا دنيّة خلقت للفناء والخير خير من الآخرة خلقت للبقاء»(10) ، ثمّ سار ومعه الناس إلى المعركة وصفّوا الصفوف وتأهّبوا للقتال، فبرز رجل(11)من أهل الشام عليه درع مذهّبة وبيضة عادية وبيده سيف حميري وصاح : يا أهل


1- في المصدر : ثمّ أتاه عبداللّه بن عبّاس.
2- في المصدر : صغيره.
3- في المصدر : أخضر.
4- في المصدر : وسلّم.
5- في المصدر + : يا مالك.
6- في المصدر + : ونصب.
7- في المصدر: الملموس ويرثه منّي الحسن عليه السلام .
8- في المصدر : أخبرني.
9- في المصدر : كثيرة.
10- في المصدر : والخير خير الآخرة، فإنّها خلقت للبقاء.
11- في المصدر + : فأوّل من برز من صفّ أهل الشام رجل.

ص: 353

العراق، تزعمون أنّ اليوم تجري الدماء على الأرض كما يجري النهر فقد صدقتم(1) اليوم نسفك دماءكم، فليبرز إليَّ أشجعكم ، فبرز إليه عمر بن عدي النخعي فقال(2) له : ياشامي أنت أوّل قتيل يومنا هذا، ثمّ تكافحا فضربه عمر(3)بالضربة فصرعه(4)ونادى : يا أهل الشام ليبرز إليَّ آخر، فبرز إليه رجل مشهور بالشجاعة، مذكور بالحماسة، كان معاوية يعدّه للشدّة(5) يُقال له: أبو جندب عبيد السكوني(6)، فقتل أبو جندب عمراً، فبرز إليه عبداللّه بن بشير النخعي فقتله أبو جندب أيضاً(7) وبرز إليه الشخير(8) النخعي وكان فقيهاً صالحاً عالماً شيخاً جواداً(9)فقتله أبو جندب أيضاً، فقال الأشتر _ وقد اغتاظ لأنّه قتل جماعة من قومه لبعض(10)عمّه وهو طرفة بن عبيدة : انزع درعك وناولني رايتك، فإنّي أبرز إليه ولعلّه يعرفني إذا برزت إليه في زيِّ، فلا يحاربني، فأعطاه درعه ورايته فبرز(11) إليه الأشتر ولم يعرف(12) أبو جندب أنّه الأشتر، فحمل عليه أبو جندب وضربه بسيفه فاتّقاه الأشتر بحجفته ثمّ ضربه(13) على رأسه فرمى به(14)، ودعا آخر فبرز إليه فقتله الأشتر، وكان يقتل كلّ من برز إليه حتّى قتل أحد عشر رجلاً ثمّ انصرف وكأنّه مصاب، فقال له أخوه: كم من(15)مرّة تخاطر


1- في المصدر : تجري في النهر وقد صدّقتم.
2- في المصدر + : عمرو بن عدي بن وهب بن خصيب بن يعمر النخعي وقال.
3- في المصدر : فسبقه عمرو.
4- في المصدر + : ووقف مكانه.
5- في المصدر : لشدّته.
6- في المصدر + : أبو جندب عبيد بن ذويب السكوني اليماني.
7- في المصدر : بشر بن عوز النخعي فقتله أيضاً أبو جندب.
8- في المصدر + : بن يحيى.
9- في المصدر : صالحاً سخيّاً جواداً.
10- في المصدر + : بني.
11- في المصدر : فأعطاه ذلك فبرز.
12- في المصدر : ولم يعلم.
13- في المصدر + : الأشتر.
14- في المصدر + : ووقف مكانه.
15- في المصدر _ : من.

ص: 354

بنفسك(1) وقد قيل في المثل :

يا جرّة نسقي(2) بها زمناً لابدّ من أن تصير منكسرة(3)

ثمّ برز من أهل الشام رجل ونادى : يا أهل العراق من ذا الذي قتل منّا أحد عشر رجلاً(4)؟ فقال له الأشتر : وأنت تلحق بهم، فضربه الأشتر ورمى برأسه .

ثمّ دعا أمير المؤمنين عليه السلام قنبراً وقال له : «سر إلى الميمنة وقل لعبداللّه بن جعفر ولمحمّد ابني: إذا حملتُ فاحملا معي وقال لكميل بن زياد : قل لسليمان بن صرد يكون على الميمنة، وارسل(5) إلى أصحاب الميسرة وأوصاهم بذلك» ، ثمّ تقدّم وانتظر الناس حملته عليه السلام ومعه الأشتر وغيره(6) وزحف الناس بعضهم إلى بعض وارتموا بالنبل حتّى فنيت، ثمّ تطاعنوا بالرماح حتّى تكسّرت، و(7)تضاربوا بالسيوف وعمد الحديد(8)حتّى جرت الدماء جري الماء، وانهزم عرب اليمن وكان وقع الحديد على الحديد أشدّ هولاً من الصواعق والجبال حين تنهدم، وانكشفت الشمس وثار القتام(9)وظلّت(10) الرايات، ووصلوا النهار بالليل(11).

قيل: لم يبرز(12)رئيس قوم منذ(13)خلق اللّه الدُّنيا قتل بيده مثل ما فعل(14) أمير


1- في المصدر +: وبروحك.
2- في المصدر : يستقي.
3- «المناقب» للخوارزمي، ص246_ 248.
4- في المصدر + : وفيهم أخي وعمّي وابن خالتي.
5- في المصدر : وتكون على الميسرة وكذلك أرسل.
6- في المصدر + : ومحمّد وغيرهما.
7- في المصدر : ثمّ.
8- في المصدر + : واشتدّ القتال.
9- قال في «لسان العرب» ج12، ص461، مادّة قتم : القتمُ والقَتامُ : الغُبار.
10- في المصدر + : الألوية.
11- «المناقب» للخوارزمي، ص246_ 249.
12- في المصدر : لم ير.
13- في المصدر : مذ.
14- في المصدر : قتل.

ص: 355

المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في ذلك اليوم وتلك الليل وهي ليلة الهرير، إذ واصلوا(1) الليل بالنهار في القتال (2).

وعن «مروج الذهب»: كان جملة من قتل علي بن أبي طالب عليه السلام بيده في يومه وليلته خمسمائة وثلاثة وعشرين رجلاً أكثرهم في الليل(3)، وذلك إنّه إذا ضرب(4) رجلاً كبّر ولم يكن يضرب إلاّ قتل، وذكر ذلك من كان يليه في حربه ولا يفارقه من ولده عليهم السلام وغيرهم(5).

وعن «مناقب الخوارزمي» : قتل من أصحاب عليّ عليه السلام في ذلك اليوم والليلة ألف(6) رجل وسبعون رجلاً، فيهم أُويس القرني زاهد زمانه، وخزيمة بن ثابت(7)ذو الشهادتين ، وقُتل من أصحاب معاوية سبعة آلاف رجل(8) .

وعن «مروج الذهب» : كان الأشتر في يوم ليلة الهرير وهو يوم الجمعة على ميمنة علي عليه السلام وقد أشرف على الفتح، فنادت مشيخة أهل الشام : يا معشر العرب اللّه اللّه في الحرمات والنساء والبنات . وقال معاوية : هلمّ مخبأتك يابن العاص فقد هلكنا(9)، فقال عمرو : تأمر(10) الناس من كان معه مصحف فليرفعه على رأس رمحه، فكثر في الجيش رفع المصاحف، وارتفعت الضجّة ونادوا: كتاب اللّه بيننا وبينكم، من لثغور الشام بعد أهل الشام؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهل العراق؟ مَن لجهاد الروم


1- في المصدر : وصلوا.
2- «المناقب» للخوارزمي، ص249.
3- في المصدر : اليوم.
4- في المصدر : قتل.
5- «مروج الذهب»للمسعودي، ج2، ص389.
6- في المصدر : ألفا.
7- في المصدر + : الأنصاري.
8- «المناقب» للخوارزمي، ص249.
9- في المصدر : وتذكر ولاية مصر.
10- في المصدر : أيّها.

ص: 356

والترك والكفّار(1)؟ ورفع في عسكر معاوية خمسمائة مصحف (2).

عن «زينة المجالس»: كان من جملتها مُصحف يقال له: مصحف الإمام، فحملوه على أربع رماح، واختلف على عليّ عليه السلام طائفة من أصحابه سمّوا بعد ذلك الخوارج، فكفّ عليّ عليه السلام عن القتال وكتبت بينهما مفاضاة إلى شهر رمضان، واستدعى القوم الحكمان بما يريانه مصلحة للمسلمين على غير رضاء أمير المؤمنين عليه السلام وكان الحكم من جانب عليّ عليه السلام أبو موسى الأشعري عبداللّه بن قيس ومن جانب معاوية عمرو بن العاص، فسار عليّ عليه السلام إلى العراق واعتزلت عن المعتزلة من الخوارج ثمّ بعث إلى الوعد أربعمائة فيهم أبو موسى الأشعري، وبعث معاوية أربعمائة فيهم عمرو بن العاص، فالتقوا بدومة الجندل وهي حصن عادي مسيرة عشرة أيّام من دمشق وعشرة من الكوفة ويسمّى: الجوف(3) .

وعن «مروج الذهب»: إنّ أبا موسى وعمرو بن العاص اتّفقا على خلع معاوية وعليّ، وأن يجعلا الأمر شورى بينهم ، يختارون من يصلح لهم وقدّم عمرو أبا موسى، فقال أبو موسى : إنّي خلعت عليّاً ومعاوية فاستقلّوا أمركم، وتنحّى وقام عمرو مكانه فقال : إنّ هذا قد خلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية ، فقال أبو موسى : ما لكَ لا وفّقك اللّه غدرت وفجرت؟ إنّك كمثل الحمار(4) يحمل أسفاراً ، فقال عمرو : بل إيّاك يلعن اللّه، كذبت وغدرت إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث... أو تتركه يلهث ولحق أبو موسى بمكّة ولم يعد إلى الكوفة لئلاّ ينظر بوجه عليّ عليه السلام (5).

وعن «مطالب السؤل»: إنّ عليّاً عليه السلام لمّا عاد من صفّين إلى الكوفة، اعتزلت طائفة


1- في المصدر : ومن للترك؟ ومن للكفّار؟
2- «مروج الذهب» للمسعودي، ج2، ص389 و 390.
3- لم نجد مصدره.
4- في المصدر: إنّما مثلك كمثل الحمار.
5- «مروج الذهب» للمسعودي، ج2، ص399.

ص: 357

من أصحابه في أربعة آلاف فارس وهم العبّاد والنسّاك، فخرجوا من الكوفة وخالفوا على عليّ عليه السلام وقال : لا حكم إلاّ للّه ولا طاعة لمن عصى اللّه، وانحاز إليهم ثمانية آلاف رجل ممّن يرى رأيهم، فصاروا اثنى عشر ألفاً وساروا حتّى نزلوا بحروراء قرية بقرب الكوفة وأمّروا عليهم عبداللّه بن الكوّا، فدعى عليّ عليه السلام عبداللّه بن العبّاس وأرسله إليهم فلم يرتدعوا وقالوا : ليخرج إلينا عليّ عليه السلام بنفسه لنسمع كلامه، عسى يزول ما بقلوبنا إذا سمعنا ، فرجع ابن عبّاس فأعلمه فركب عليّ عليه السلام في جماعة ومضى إليهم فركب ابن الكوّا في جماعة ورافقه، فقال له عليّ عليه السلام :

«يابن الكوّاء : الكلام كثير فابرز إليَّ من أصحابك لأُكلّمك» . قال ابن الكوّا : وأنا آمِنٌ من سيفك؟ قال : «نعم» ، فخرج إليه في عشرة من أصحابه، فقال له عن الحرب مع معاوية، وذكر له المصاحف على الرماح وأمر الحكمين ، فقال عليه السلام : «ألم أقل لكم أنّ أهل الشام يخدعونكم بها، فإنّ الحرب قد عفتهم فذروني أُناجزهم فأبيتم، وأردت أن أنصب ابن عمّي عبداللّه بن العبّاس حكماً فإنّه رجل لا يخدع فأبيتم، وجئتموني بأبي موسى الأشعري وقلتم رضينا به حكماً فأجبتكم كارهاً ولو وجدت أعواناً غيركم في ذلك لما أجبتكم وشرطت على الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل اللّه تعالى في كتابه العزيز من فاتحته إلى خاتمته والسنّة الجامعة، وإن هما لم يفعلا فلا طاعة لهما عليَّ، كان ذلك أو لم يكن؟».

فقال ابن الكوّاء : صدقت، كان هذا كلّه فلِمَ لا ترجع الآن إلى حرب القوم»؟ فقال عليه السلام : «حتّى تنقضي المدّة التي بيننا وبينهم» فقال : وأنت مجمع على ذلك؟ قال عليه السلام : «نعم ولا يسعني غيره» ، فعاد ابن الكوّاء والعشرة الذين معه إلى أصحاب عليّ عليه السلام تائبين راجعين عن دين الخوارج، وانصرفوا مع عليّ عليه السلام إلى الكوفة وتفرّق الباقين وهم يقولون : لا حكم إلاّ للّه ، ثمّ إنّهم أمّروا عليهم عبداللّه بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية، فعسكروا بالنهروان عن بغداد أربع فراسخ1 .

ص: 358

وفي «مشارق الأنوار» : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا أراد المسير إلى الخوارج أتى دهقاني فارسي، وحذّره الخروج وقال له : اعلم أنّ طوالع النجوم قد انتحست، فسعد أصحاب النحوس ونحس أصحاب السعود، وقد بدى المرّيخ يقطع في برج الثور، وقد اختلف في برجك كوكبان وليس الحرب لك بمكان ، فقال له الإمام عليه السلام : «أنت(1) تسيّر الجاريات وتقضي على عليٍّ بالحادثات وتنقلها مع الدقائق والساعات، فما السراري؟ وما الزراري؟ وماقدر شعاع المدبّرات(2)»؟ قال(3): سأنظر فيالاسطرلاب فأخبرك(4)، فقال عليه السلام(5) : «أعالم الغيب أنت البارحة في أوج وجه الميزان(6)؟ وأيّ برج(7)اختلف في برج السرطان؟ وأيّ آفة على الزبرقان؟» فقال : لا أعلم ، قال عليه السلام (8) : «أعالم أنت أنّ الملك انتقل البارحة(9) من بيت إلى بيت في الصين؟ وانقلب برج ماجين؟ وغارت بحيرة ساوى(10)؟ وفاضت بحيرة خشومة(11)؟ وقطعت باب الصخرة من صقلبة(12)؟ ونكس ملك الروم بالروم؟ وولّى أخوه مكانه؟ وسقطت شرفات الذهب من قسطنطينيّة الكبرى؟ وهبط سور سرنديب؟ وفقد ديان اليهود؟ وهاج النمل بوادي النمل؟ وسعد سبعون ألف عالم؟ وولد في كلّ عالم سبعون ألفاً والليلة يموت(13)مثلهم» ؟


1- «بحار الأنوار» ج33، ص395، نقلاً عن «مطالب السؤول» لابن طلحة؛ «كشف الغمّة» ج1، ص267.
2- في المصدر + : الذي.
3- في المصدر : المديرات.
4- في المصدر : فقال.
5- في المصدر : وأخبرك.
6- في المصدر + : له.
7- في المصدر : أعالم أنت بما تمّ البارحة في وجه الميزان.
8- في المصدر : وبأيّ نجم.
9- في المصدر : فقال.
10- في المصدر : الملك البارحة انتقل.
11- في المصدر : ساوه.
12- في المصدر : حشرمة.
13- في المصدر : باب البحر من سقلية.

ص: 359

فقال : لا أعلم فقال عليه السلام : «أعالم أنت بالشهب الخرس الأنجم؟ والشمس ذوات(1)الذوائب(2)، تطلع مع الأنوار تغيب مع الأسحار؟» فقال : لا أعلم ، فقال عليه السلام : «أعالم أنت بطلوع النجمين اللذين ما طلعا إلاّ عن مكيدة ولا غربا إلاّ عن معصية(3)؟ وأنّهما طلعا وغربا فقتل قابيل هابيل ولا يظهران إلاّ بخراب(4) الدُّنيا؟» فقال : لا أعلم ، فقال عليه السلام : «إذا كان طرق السماوات(5) لا تعلمها فإنّي أسألك عن قريب، فاخبرني ما تحت حافر فرسي الأيمن والأيسر من المنافع والمضارّ؟» فقال : إنّي(6) في علم الأرض أقصر منّي في علم السماوات(7)فأمر عليّ عليه السلام (8) أن يحفر تحت الحافر الأيمن، فخرج كنز من ذهب ، ثمّ أمر أن يحفر تحت الحافر الأيسر فخرج أفعى فتعلّق بعنق الحكيم فصاح : فقال(9): يا مولاي الأمان ، فقال عليه السلام : «الأمان بالإيمان» فقال : لأطيلنّ لك الركوع والسجود ، فقال عليه السلام : «سمعت خيراً فقل خيراً أسجد للّه وأضرع بي إليه» ثمّ قال عليه السلام : «ياسمي(10) سقيل سوار نحن نجوم القطب وأعلام الفلك، وأنّ هذا العلم لا يعلمه إلاّ نحن وبيت في الهند »(11).

خوّفني منجّم أخو خبل تراجع المرّيخ في بيت الحمل

فقلت دعني من أكاذيب الحيل المشتري عندي سواء وزحل

أرفع عن نفسي أفانين الدول بخالقي ورازقي عزّوجلّ


1- في المصدر + : وذوات.
2- في المصدر + : والتي.
3- في المصدر : مصيبة.
4- في المصدر: لخراب.
5- في المصدر : الدنيا.
6- في المصدر : أنا.
7- في المصدر : السماء.
8- في المصدر _ : عليّ عليه السلام .
9- في المصدر _ : فقال.
10- في المصدر : سهر.
11- «مشارق أنوار اليقين» للطبرسي، ص102 و 103؛ «بحار الأنوار» ج41، ص336 و 337.

ص: 360

رجع وخرج عليّ عليه السلام وسار حتّى بقي على فرسخين منهم، وكاتبهم وواسلهم(1) فلم يرتدعوا، وأرسل(2) إليهم ابن عبّاس وقال عليه السلام : «سلهم ما الذي نقموه منّي وأنا ردفك(3) فلا تخف منهم »، فلمّا جاءهم ابن عبّاس قال لهم(4) : ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقالوا : نقمنا منه(5) أشياءً لو كان حاضراً لكفّرناه بها وعليّ عليه السلام ورآه يسمع ذلك ...

فقال عليه السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب فتكلّموا بما نقمتم عليَّ» قالوا : نقمنا عليك أوّلاً إنّا قاتلنا معك(6) بالبصرة ولمّا أظفرك اللّه تعالى بهم أبحتنا ما كان(7) في عسكرهم ومنعتنا النساء والذرّية ، فقال(8) : «إنّ أهل البصرة قاتلونا وبدؤنا بالقتال، فلمّا ظفرتم أقسمتم سلب من قاتلكم ومنعتكم الذرّية والنساء(9) ، فإنّ النساء لم يقاتلنّ، والذرّية ولدوا على الفطرة ولم ينكثوا ولا ذنب لهم، ولقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله مَنَّ على المشركين فلا تعجبوا إن مننت على المسلمين فلم أسبِ نسائهم ولا ذرّيتهم».

إلى أن قال : ونقمنا عليك يوم صفّين وقت الكتاب، قلت لكاتبك: اكتب: هذا ما تقاضا عليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، فأبى معاوية أن يقبل إنّك أمير المؤمنين، فمحوت اسمك من إمرة المؤمنين، وقلت لكاتبك : هذا ما تقاضا عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، فلست أميرنا ، فقال عليه السلام : «يا هؤلاء إنّما اقتديت برسول اللّه حين صالح أبا سفيان(10) وسهل(11)بن عمر، ولمّا محى اسمه من


1- لم نجد مصدره.
2- في المصدر : راسلهم.
3- في المصدر: فاركب.
4- في المصدر : ما الذي نقموا وأنا أردفك.
5- في المصدر _ : لهم.
6- في المصدر _ : منه.
7- في المصدر : بين يديك.
8- في المصدر _ : كان.
9- في المصدر + : لهم عليّ عليه السلام يا هؤلاء.
10- في المصدر : من النساء والذرّية.
11- في المصدر _ : أبا سفيان.

ص: 361

الرسالة يوم الحديبيّة» قال : إنّا(1) نقمنا عليك أنّك قلت للحكمين : انظرا في كتاب اللّه تعالى فإن كنت أفضل من معاوية فاثبت2 في الخلافة، وإن كان معاوية أفضل منّي ما ثبتاه(2) وإن(3)كنت شاكّاً في نفسك فنحن فيك أشكّ(4) ، فقال عليه السلام : «إنّما أردت بذلك النصفة، فإنّي لو قلت للحكمين(5): احكما لي واتركا7 معاوية كان بذلك(6)لا يرضى، والنبيّ صلى الله عليه و آله (7) لو قال لنصارى نجران لما قدموا إليه(8): تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم، لم يرضوا، ولكنّه(9)أنصفهم من نفسه بقوله تعالى : «فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(10)فأنصفهم من نفسه، فكذا أيضاً نصفتهم من نفسي1(11)ولم أعلم بما أراد ابن العاص من خديعة أبي موسى»(12)فقالوا : إنّما(13) نقمنا عليك أنّك حكمت حكماً في حقّ هو لك ، فقال عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حكم سعد بن معاذ في بني قريظة ولو شاء لم يفعل(14)، فحكم فيهم سعد بما علمتم وأنا أقمت حكماً كما أقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله (15)،


1- في المصدر : قالوا : فإنّا.
2- في المصدر : فأثبتاني.
3- في المصدر _ : وإن كان معاوية أفضل منّي ما ثبتاه.
4- في المصدر : فإذا.
5- في المصدر _: للحكمين.
6- في المصدر : وذرا.
7- في المصدر _ : كان بذلك.
8- في المصدر : لم يرض ولم يقبل ولو قال النبيّ صلى الله عليه و آله .
9- في المصدر : عليه.
10- في المصدر : ولكن.
11- آل عمران 3: 61.
12- في المصدر : من نفسه فكذلك فعلت أنا ولم أعلم.
13- في المصدر : من خدعة أبا موسى.
14- في المصدر : فأنا.
15- في المصدر + : وأنا اقتديت به.

ص: 362

وهل عندكم شيء غير هذا تحتجّون به».

فسكت القوم ثمّ صاح جماعة(1)من كلّ ناحيةٍ : التوبة التوبة يا أمير المؤمنين واستأمن منهم(2) ثمانية آلاف، وبقي على حربه أربعة آلاف، فأقبل على الذين استأمنوا وقال : اعتزلوا في وقتكم هذا وذروني والقوم فتقدّم عليّ عليه السلام في أصحابه حتّى دنى منهم(3).

وتقدّم عبداللّه بن وهب وذي الثدية حرقوص وقالا : لا نريد بقتالك إلاّ(4) وجه اللّه والدار الآخرة ، فقال عليه السلام : «هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالاْءَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا»(5) ثمّ التحم القتال بين الفريقين واستعرت الحرب بلظاها وأسفرت عن زرقة صبحها، وحمرة ضحاها...

فحمل فارسٌ(6)يقال له: الأخنس الطائي، وكان شهد صفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام فشقّ(7) الصفوف يطلب عليّاً عليه السلام ، فبدره عليّ عليه السلام بضربة(8)فلق البيضة ورأسه، فحمل به فرسه(9) وألقاه في آخر المعركة في جوف دالية على شطّ النهروان وخرج بعده ابن عمّه(10) وحمل على عليّ عليه السلام فقتله(11)، وتقدّم عبداللّه بن وهب(12) فصاح: يابن أبي طالب عليه السلام واللّه لا نبرح عن(13) هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا(14)،


1- في المصدر : فهل بقي عندكم شيء؟ فسكتوا وصاح جماعة.
2- في المصدر : إليه.
3- في المصدر : وبقي على حربه أربعة آلاف، فأمر عليه السلام المستأمنين بالاعتزال عنه في ذلك الوقت وتقدّم بأصحابه حتّى دنا منهم.
4- في المصدر : ما نريد بقتالنا إيّاك إلاّ.
5- الكهف 18: 103 و 104.
6- في المصدر + : من الخوارج.
7- في المصدر : مع عليّ عليه السلام فحمل وشقّ.
8- في المصدر + : فقتله، فحمل ذو الثدية ليضرب عليّاً فسبقه عليّ عليه السلام وضربه ففلق البيضة.
9- في المصدر : فحمله فرسه.
10- في المصدر + : مالك بن الوضّاح.
11- في المصدر + : فضربه عليّ فقتله.
12- في المصدر +: الراسبي.
13- في المصدر : من.
14- في المصدر + : أو نأتي على نفسك.

ص: 363

فابرز إليَّ وأبرز إليك، وذر الناس جانباً ، فلمّا سمع عليّ عليه السلام كلامه تبسّم وقال : «قاتله اللّه عزّوجلّ من رجلٍ ما أقلّ حياءه، أما أنّه ليعلم أنّي حليف السيف وخدين الرمح، ولكنّه قد يئس من الحياة وأنّه ليطمع طمعاً كاذباً» يعني بالشهادة والجنّة(1) ثمّ حمل عليّ عليه السلام عليه فقتله واختلطوا(2) فلم يكن إلاّ ساعة حتّى قتلوا بأجمعهم وكانوا أربعة آلاف.

فما أفلت منهم إلاّ تسعة أنفس: رجلان هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان وبها نسلها(3)، ورجلان(4) إلى بلاد عمان وفيها نسلهما إلى الآن، ورجلان صارا إلى بلاد اليمن ويقال لهم: الأبايضة، ورجلان صار إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يقال له: السنّ على شاطئ الفرات، ورجل صار إلى تلّ موزن.

وغنم أصحاب عليّ عليه السلام منهم غنائم كثيرة، وقتل من أصحاب عليّ عليه السلام رجلان وقيل: لتسعة بعده من مسلم(5) من الخوارج(6) .

وفي «الخرائج»: إنّ عليّاً عليه السلام لمّا سار إلى النهروان شكّ فيه(7) رجل يقال له: جندب، فقال له عليّ عليه السلام : «ألزمني ولا تفارقني» فلزمه ، فلمّا دنوا من قنطرة النهروان نظر عليّ عليه السلام قبل زوال الشمس إلى قنبر يؤذّن بالصلاة، فنزل وقال عليه السلام : «آت(8)بماء» فقعد يتوضّأ فأقبل فارس وقال : قد عبر القوم .


1- في المصدر _ : يعني بالشهادة والجنّة.
2- في المصدر + : فضربه عليّ وقتله وألحقه بأصحابه القتلى واختلطوا.
3- في المصدر : نسلهما.
4- في المصدر : رجلان صارا إلى بلاد عمان وبها نسلهما، ورجلان صارا إلى اليمن وبها نسلهما وهم الإباضية، ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يعرف بالسنّ والبوازيج وإلى شاطئ الفرات، وصار آخر إلى تل موزن.
5- في المصدر : وقتل من أصحاب عليّ عليه السلام تسعة بعدد مَن سلم من الخوارج.
6- «كشف الغمّة» ج1، ص268_ 271.
7- في المصدر _ : فيه.
8- في المصدر : إئتني.

ص: 364

فقال عليه السلام : «ما عبروا ولا يعبرونه(1) ولا يفلت منهم إلاّ دون العشرة، ولا يقتل منكم إلاّ دون العشرة، واللّه ما كذّبت ولا كُذِّبت» فتعجّب الناس، فقال جندب : إن صحّ ما قال عليّ عليه السلام فلا أحتاج إلى دليل غيره ، فبينما(2)هم كذلك إذ أقبل فارس، فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، إنّ(3) القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة، فصلّى بالناس الظهر وأمرهم بالمسير إليهم.

وقال عليه السلام : «يا جندب لا يصل إلى القنطرة قبلي أحد» ، فركضت(4) فإذا هم دون القنطرة(5) فقتلوا كلّهم إلاّ تسعة، وقتل من أصحاب عليّ عليه السلام (6)تسعة ثمّ قال عليه السلام(7): «اطلبوا ذا الثدية»(8) فطلبوه فلم يجدوه، فقال عليه السلام : «اطلبوه فواللّه ما كذّبت ولا كُذِّبت» ثمّ قام عليه السلام فركب البغلة نحو قتلى كثيرة، فقال : «اقلبوها» فاستخرجوا ذا الثدية فقال عليه السلام : «الحمد للّه الذي جعلك(9)إلى النار» ، وقد كان الخوارج خرجوا عليه قبل ذلك بجانب(10)الكوفة في حروراء(11)، وكانوا إذ ذاك اثنى عشر ألفاً.

فخرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام في إزارٍ ورداء وركب(12) البغلة فقيل له (13): القوم شاكون في السلاح، أتخرج إليهم كذلك؟ قال عليه السلام : «إنّه ليس بيوم قتالهم» وصار إليهم


1- في المصدر : ولا يعبرونها.
2- في المصدر : فبينا.
3- في المصدر _ : إنّ.
4- في المصدر + : فرسي.
5- في المصدر + : وقوف فكنت أوّل من رمى فقتلوا.
6- في المصدر : من أصحابنا.
7- في المصدر + : عليّ عليه السلام .
8- «ذو الثدية : لقب رجل من الخوارج، اسمه ثرملة، قتل يوم النهروان». «مجمع البحرين» ج1، ص72 مادّة ثدي.
9- في المصدر : عجلك.
10- في المصدر : وقد كان الخوارج قبل ذلك خرجوا عليه بجانب الكوفة.
11- قال الحموي في معجم البلدان، ج2، ص245 : «الحروراء : قرية بظاهر الكوفة».
12- في المصدر : راكباً.
13- في المصدر _ : له.

ص: 365

بحروراء وقال لهم : «ليس اليوم أوان قتالكم وستفرّقون حتّى تصيروا(1) أربعة آلاف، فتخرجون عليَّ في مثل هذا الشهر(2) فأخرج إليكم بأصحابي فأُقاتلكم حتّى لا يبقى منكم إلاّ دون العشرة(3)، ويقتل من أصحابي دون العشرة(4)، هكذا أخبرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ».

فلم يبرح من مكانه حتّى تبرّأ بعضهم من بعض، فتفرّقوا(5)إلى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان، وكان من أمرهم ما كان(6).(7)

وأمّا نجدته لابن عمّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أيّام حياته ونصرته له في غزواته، وأنّ له في ذلك المقامات المشهورة والكرامات المأثورة والمواقف المشهورة والمشاهد المحمودة، فكم فرّج من كربة عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تلك الملاحم، ونفّس عنه من ضيقٍ، وبحر الحمام متلاطم، فهو السيف والحسام والمخذم والصمصام الذي أذلّ به رقاب الفجّار وأرغم به أُنوف الكفّار.

فمنها غزات بدر التي هدّت قوى الشرك وقذفت طواغيته في قليب الهلك، وبيّنت الفرق بين الحقّ والأفك، ودوّخت مردة الكفّار، وسقتهم كاسات الديار(8) والبوار، ونقلتهم من القلب(9) إلى النار، فيومها اليوم الذي لم يأت الدهر بمثله(10).

وكان من جملة خبر هذه الغزاة على ما في تلخيص «كشف الغمّة» أنّ المشركين حضروا بدراً مصرّين على القتال مستظهرين بكثرة الأموال والعدد والرجال ،


1- في المصدر : تصيرون.
2- في المصدر : في مثل هذا اليوم، في هذا الشهر.
3- في المصدر : عشرة.
4- في المصدر : يومئذٍ دون عشرة.
5- في المصدر : وتفرّقوا.
6- في المصدر _ : وكان من أمرهم ما كان.
7- «الخرائج والجرائح» ج1، ص226_ 228.
8- في المصدر : الدمار.
9- في المصدر : القليب.
10- «كشف الغمّة» ج1، ص180.

ص: 366

والمسلمون إذ ذاك نفرٌ قليل عددهم، ومنهم من حضر كارهاً، فتحدّثهم قريش بالبراز، ودعتهم المصافّة والنزال، وأقرحت(1)الأكفّاء، وتطاولت الأبصار لمبارزتهم، فمنعهم النبيّ صلى الله عليه و آله وقال لهم : «إنّ القوم دعوا الأكفّاء منهم»(2) أمر عليّاً بالبراز(3) إليهم ودعا حمزة بن عبد المطّلب وعبيدة بن الحارث(4) أن يبرزا معه، فلمّا اصطفّوا لم يثبتهم القوم، كانوا قد تنفّروا(5)فسألوهم: من أنتم؟ فانتسبوا لهم فقالوا : أكفّاء كرام، ونشبت الحرب بينهم وبارز الوليد أمير المؤمنين عليه السلام فلم يلبث أن قتله، فقال عليه السلام في حديثه: كأنّي أنظر إلى وميض خاتمه في شماله، فرأيت به ذرعاً من خلوق، فقلت : إنّه قريب عهد بعرس(6) وبارز عتبة حمزة(7) فقتله حمزة، وبارز شيبة عبيدة فاختلف بينهما ضربتان، قطعت إحداهما فخذ عبيدة فاستنقذه أمير المؤمنين عليه السلام بضربة بدر بها شيبة فقتله وشركه في ذلك حمزة.

وكان(8)قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وهن لحقّ المشركين وذلّ دخل عليهم، ثمّ بارز أمير المؤمنين العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه الناس فقتله، وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله، وطعيمة(9) بن عدي فقتله، وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش، لم يزل(10) يقتل واحداً بعد واحد، حتّى أتى على شطر المقتولين منهم وكانوا سبعين قتيلاً، تولّى المسلمون كافّة والملائكة قتل الشطر الأوّل، وتولّى أمير المؤمنين عليه السلام الشطر الثاني(11) بمعونة اللّه إيّاه وتوفيقه له، وكان الفتح له


1- في المصدر : اقترحت.
2- في المصدر + : ثمّ.
3- في المصدر : بالبروز.
4- في المصدر + : رحمهما اللّه تعالى وأمرهما.
5- في المصدر : قد تغفروا.
6- في المصدر _ : فقال في حديثه: كأنّي أنظر... قريب عهد بعرس.
7- في المصدر + : رضي اللّه عنه.
8- في المصدر : فكان.
9- في المصدر : طعمة.
10- في المصدر + : عليه السلام.
11- في المصدر + : وحده.

ص: 367

وبيده، وختم الأمر بأن رماهم النبيّ صلى الله عليه و آله بكفّ من الحصاة وقال : «شاهت الوجوه فانهزموا جميعاً وولّوا الدبر، وكفى اللّه المؤمنين القتال بأمير المؤمنين عليه السلام وشركائه في نصرة الدِّين(1) خاصّة آل الرسول صلى الله عليه و آله ومن أيّدهم به من الملائكة الكرام(2)»(3) .

فصل

وقد أثبت رواة العامّة والخاصّة معاً أسماء الذين تولّى قتلهم(4)أمير المؤمنين، قتلهم ببدرٍ من المشركين على اتّفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح، فكان ممّن سمّوه الوليد بن عتبة كما قدّمنا، وكان شجاعاً جريئاً فاتكاً وقاحاً يهابه(5) الرجال والعاص بن سعيد، وكان هؤلاء عظيماً وحاد عنه عمر بن الخطّاب وطعيمة بن عدي بن نوفل، وكان من رؤوس أهل الضلال، ونوفل بن خويلد وكان من أشدّ المشركين عداوةً لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه وتعطيه، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة(6) قبل الهجرة بمكّة، وأوثقهما بحبلٍ وعذّبهما يوماً إلى الليل حتّى سئل في أمرهما، ولمّا عرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله حضوره بدراً، سأل اللّه أن يكفيه أمره فقال : «اللّهمّ اكفني أمر نوفل بن خويلد» فقتله أمير المؤمنين عليه السلام ، وزمعة بن تميم عمّ طلحة بن عبداللّه (7)، وعثمان بن مالك(8) ابنا عبيداللّه (9)، ومسعود بن أبي اُميّة بن المغيرة، وقيس


1- في المصدر + : مِن.
2- في المصدر + : والتحيّة والسلام.
3- «كشف الغمّة» ج1، ص182 و 183.
4- في المصدر _ : قتلهم.
5- في المصدر : تهابه.
6- في المصدر : بطلحة.
7- في المصدر + : وزمعة بن الأسود والحارث بن زمعة، والنضر بن الحارث بن عبد الدار، وعمير بن عثمان بن كعب بن تميم عمّ طلحة بن عبيد اللّه.
8- في المصدر : عثمان ومالك.
9- في المصدر + : أخو طلحة بن عبيداللّه.

ص: 368

بن الفاكه(1)، وحذيفة بن حذيفة(2)بن المغيرة، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وحنظلة بن أبي سفيان، وعمرو بن مخزوم، وأبو المنذر بن أبي رفاعة، ومنبّه بن الحجّاج السهمي، والعاص بن منبه، وعلقمة بن كلدة، وأبو العاص بن قيس بن عدي، ومعاوية بن المغيرة(3)، وحاجب بن السائب بن عويم، وأوس بن المغيرة بن لوذان، وزيد بن مليص، وعاصم بن أبي عوف، وسعيد بن وهب حليف بني عامر، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس، وعبداللّه بن جميل بن زهير بن الحرث بن أسد، والسائب بن مالك، وأبو الحكم بن الأخنس، وهشام بن أبي اُميّة بن المغيرة.

فذلك ستّة وثلاثون رجلاً، سوى ما اختلف فيه أو شرك أمير المؤمنين عليه السلام فيه غيره، وهم أكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدّمناه .

قال(4): وعلى اختلاف المذهبين في(5) عدّة المقتولين، فقد اتّفقا على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قتل النصف ممّن قتل ببدر أو قريباً منه، وما أجدره عليه السلام بقول القائل :

لك خلّتان مسالماً ومحارباً كفلا الثناء لسيفك المخضوب

فرّقت ما بين الذوائب والطلا وجمعت ما بين الطلا والذئب(6)

وفي «البحار» نقلاً من «الأمالي» عن سعيد بن جبير قال : أتيت عبداللّه بن العبّاس رحمه الله فقلت له : يابن(7) رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّي جئتك أسألك عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام واختلاف الناس فيه، فقال ابن عبّاس : يابن جبير جئت(8) تسألني عن


1- في المصدر + : بن المغيرة.
2- في المصدر : أبي حذيفة.
3- في المصدر + : بن أبي العاص ولوذان بن أبي ربيعة، وعبداللّه بن المنذر بن أبي رفاعة، وسعود بن أمية بن المغيرة.
4- في المصدر : قلت.
5- في المصدر + : تعيين.
6- «كشف الغمّة» ج1، ص182_ 184.
7- في المصدر + : عمّ.
8- في المصدر : جئتني.

ص: 369

________________________________________

خير خلق اللّه من الاُمّة بعد محمّد نبيّ اللّه ، جئت(1) تسألني عن رجل كانت له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة وهي ليلة القربة(2) ... الحديث.

تقدّم بيان ليلة القربة إشارة إلى ليلة بدر، حيث ذهب عليه السلام ليأتي بالماء. ومناقبه: سلام جبرئيل عليه في ألف من الملائكة وميكائيل في ألف وإسرافيل في ألف، فكان كلّ سلام من الملائكة منقبة، وحمل الخبر على أنّ كلاًّ من الثلاثة محسوبون في الألف ، ويؤيّده الآية(3)فتفطّن .

ولقد أجاد السيّد الحميري حيث قال :

هل عند من أحببت تنويل أم لا فإنّ اللوم تضليل

أم في الحشا منك جوى باطن ليس تداويه الأباطيل

علّقت يا مغرور مذاقةً(4) بالوعد منها لك تخييل

ريّاً رداح البوص(5) خمصانة كأنّها ادماء عُطبول

يشفيك منها حين تخلو بها ضمّ إلى النحر وتقبيل

وذوق ريق رائق(6) طعمه كأنّه بالمسك معلول

في نسوة مثل المهاخرَّد تضيق عنهنّ الخلاخيل

أقسم باللّه والآئه والمرء عمّا قال مسؤول

إنّ عليّ بن أبي طالب على التقى والبرّ مجبولُ


1- «بحار الأنوار» ج40، ص7 و 8 ، ح17.
2- إشارة إلى الآية 124 من سورة آل عمران، حيث قال اللّه تبارك وتعالى : «إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ».
3- في المصدر : خدّاعة.
4- في المصدر : النوم.
5- في المصدر : طيّبٍ.
6- «الغدير» ج2، ص240.

ص: 370

وإنّه كان الإمام الذي له على الاُمّة تفضيل

كان إذ الحرب مرتها القنا وأحجمت عنها البهاليل

يمشي إلى القرن وفي كفّه أبيض ماضي الحدّ مصقول

مشي العفرنا بين أشباله أبرزه للقنص الغيلُ

ذاك الذي سلّم في ليلة عليه ميكال وجبريل

ميكال في ألف وجبريل في ألف ويتلوهم سرافيل

ليلة بدر مدداً أُنزلوا كأنّهم طيرٌ أبابيلُ

فسلّموا لمّا أتوا حذوه وذاك عظام(1) وتبجيل(2)

وأمّا غزوة اُحد

قال في تلخيص «كشف الغمّة» : كانت في شوّال ولم يبلغ أمير المؤمنين عليه السلام من عمره إلاّ(3) تسعاً وعشرين سنة وسببها أنّ قريشاً لمّا كسروا يوم بدر وقتل بعضهم واُسر بعض، وحزنوا(4)لقتل رؤسائهم، تجمّعوا(5)وبذلوا أموالاً، واستمالوا جمعاً من الأحابيش وغيرهم، ليقصدوا النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة لاستئصال المؤمنين، وتولّى كبيرهم(6)أبو سفيان بن حرب ذلك الأمر(7)، فحشد وحشر وقصد المدينة فخرج النبيّ صلى الله عليه و آله بالمسلمين، فكانت غزوة اُحد، ونفق النفاق بين جماعة من الّذين خرجوا مع النبيّ صلى الله عليه و آله وتعاملوا(8) به وأنساهم القضاء المبرم سوء العاقبة والمآل، فرجع قريبٍ من ثلثهم إلى


1- في المصدر : إعظام.
2- «بحار الأنوار» ج47، ص315.
3- في المصدر _ : إلاّ.
4- في المصدر : بعضهم حزنوا.
5- في المصدر : فتجمّعوا.
6- في المصدر : وتولّى كسر ذلك أبو سفيان.
7- في المصدر _ : ذلك الأمر.
8- في المصدر: فتعاملوا.

ص: 371

المدينة وبقي صلى الله عليه و آله في سبعمائة من المسلمين.

وهذه القصّة قد ذكرها اللّه تعالى في سورة «آل عمران» في قوله تعالى : «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1)إلى آخر ستّين آية ، واشتدّ الحرب ودارت رحاها، واضطرب المسلمون واستشهد حمزة رضى الله عنه وجماعة من المسلمين، وقتل من مقاتلة المشركين اثنان وعشرون قتيلاً .

نقل أرباب المغازي: أنّ عليّاً عليه السلام قتل منهم سبعة : طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزّى، وعبداللّه بن جميل من بني عبد الدار، وأبا الحكم بن الأخنس، وأبا سباع بن عبد العزّى، وأبا اُميّة بن المغيرة، هؤلاء(2) الخمسة متّفق على(3) قتلهم، وأبا سعد طلحة بن طلحة، وغلاماً حبشيّاً لبني عبد الدار، قيل: استقلّ بقتلهما، وقيل: قتلهما غيره، وعاد أبو سفيان بمن معه من المشركين طالبين مكّة، ودخل النبيّ المدينة، فدفع سيفه ذا الفقار إلى فاطمة عليهاالسلام فقال : «اِغسلي عن هذا دمه يا بنيّة، فواللّه لقد صدقني اليوم وناولها عليّ عليه السلام سيفه وقال لها كذلك» .

قال الواقدي في «المغازي» : لمّا فرّ الناس يوم اُحد ما زال النبيّ صلى الله عليه و آله شبراً واحداً يرمي مرّة عن قوسه ومرّةً بالحجارة، وصبر معه أربعة عشر رجلاً سبعة من الأنصار وسبعة من المهاجرين(4)... إلى أن قال : وأُصيبت يومئذٍ عين قتادة بن النعمان حتّى وقعت على وجنته ، قال : فجئت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وقلت (5): يارسول اللّه : إنّ تحتي امرأة شابّة جميلة أحبّها وتحبّني وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني، فأخذها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فردّها فأبصرت، وعادت كما كانت لم يؤلمه(6) من ليل أو نهار، وكان7 يقول بعد أن


1- آل عمران 3: 121.
2- في المصدر: وهؤلاء.
3- في المصدر + : أنّه عليه السلام .
4- في المصدر : سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار.
5- في المصدر : فقلت.
6- في المصدر : لم تؤلمه.

ص: 372

أسنّ : هي أقوى عينيّ وكانت أخسّها(1).

وباشر النبيّ صلى الله عليه و آله القتال بنفسه، ورمى حتّى فنت نباله(2)، وأصاب شفته ورباعيّته عتبة بن أبي وقّاص، ووقع صلى الله عليه و آله في حفرة وضربه ابن قميئة فلم يصنع سيفه شيئاً إلاّ وهن الضربة بثقل السيف، وانتهض وطلحة يحمله من ورائه وعليّ عليه السلام آخذ بيده حتّى استوى قائماً .

وعن أبي بشير المازني أنّه قال : حضرت يوم اُحد وأنا غلام، فرأيت ابن قميئة علا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالسيف فوقع على ركبتيه في حفرة أمامه فتوارى(3)، فجعلت أصيح وأنا غلام حتّى رأيت الناس ثابوا إليه، ويقال: الذي شجّه في جبهته ابن شهاب، والذي أشظى رباعيّته وأدمى شفته عتبة بن أبي وقّاص، والذي أدمى(4) وجنتيه حتّى غاب الحلق في وجنته ابن قمية(5)، وسال الدم من جبهته حتّى اخضلّ(6)لحيته ، وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه وهو يقول : كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى اللّه تعالى، فأنزل اللّه تعالى : «لَيْسَ لَكَ مِنْ الاْءَمْرِ شَىْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ»(7)الآية ...

وكان عليّ عليه السلام يجيء بالماء في ترسه، وفاطمة تغسل الدم عن وجهه، فأخذ حصيراً فأحرق وحشى به جرحه ... .

وقال ابن نجيح(8): نادى في ذلك اليوم منادٍ لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ


1- في المصدر : فكان.
2- في المصدر : أحسنهما.
3- في المصدر : فنيت نبله.
4- في المصدر : حتّى توارى.
5- في المصدر : دمى.
6- في المصدر : ابن قميئة.
7- في المصدر: اخضلّت.
8- آل عمران 3: 128.

ص: 373

عليّ(1) ... .

قلنا : ومن أين عُلِمَ أنّ جبرئيل قال ذلك؟ فقال : سمع النداء بذلك وأخبرهم به النبيّ صلى الله عليه و آله (2) .

قيل : وسئل عليّ عليه السلام - وهو على منبر الكوفة - عن قوله تعالى : «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ»(3) فقال عليه السلام : اللّهمّ غفرا، هذه الآية نزلت فيَّ وفي عمّي حمزة(4) وابن عمّي عبيدة بن الحرث بن عبد المطّلب ، فأمّا عبيدة فإنّه قضى نحبه شهيداً يوم بدرٍ ، وأمّا عمّي حمزة فإنّه قضى نحبه شهيداً يوم اُحد، وأمّا أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه، وأومى بيده إلى لحيته ورأسه ، عهدٌ عهده إليَّ حبيبي أبو القاسم صلى الله عليه و آله .

وعن ابن عبّاس: أنّه قال لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : أربع ما هنّ لأحد: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع النبيّ صلى الله عليه و آله (5)وهو صاحب لوائه في كلّ زحفٍ، وهو الذي ثبت معه يوم المهراس يعني يوم اُحد _ وفرّ الناس، وهو الذي أدخله قبره ... .

وحكى ابن مسعود عن يوم اُحد فقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اخرجوا إليهم على اسم اللّه تعالى ، فخرجنا فصففنا صفّاً طويلاً وأقام على الشعب خمسين رجلاً من الأنصار، وأمّر عليهم رجلاً(6) اسمه عبداللّه بن عمر بن حزم وقال : لا تبرحوا عن(7)مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا، فإنّما نؤتى من موضعكم .

وأقام أبو سفيان بن حرب بإزائهم خالد بن الوليد وكانت ألوية قريش في بني


1- «كشف الغمّة» ج1، ص186 _ 189.
2- «كشف الغمّة» ج1، ص193.
3- الأحزاب 33: 23.
4- في المصدر + : في.
5- في المصدر : رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
6- في المصدر : رجلاً منهم وقال: لا تبرحوا.
7- في المصدر _ : عن.

ص: 374

عبد الدار، وكان لواء(1) مع طلحة بن أبي طلحة وكان يدعى كبش الكتيبة ، قال : ودفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لواء المهاجرين إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وجاء حتّى قام تحت لواء الأنصار، قال : فجاء أبو سفيان إلى أصحاب اللواء فقال : يا أصحاب الألوية إنّكم تعلمون إنّما يؤتى القوم من قبل ألويتهم كما أُوتيتم يوم بدر من قبل الألوية، فإن ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نكفيكم(2) أمرها، فغضب طلحة بن أبي طلحة وقال: الناس هذا(3)، واللّه لأوردنّكم بها اليوم حياض الموت، فلقى عليّاً عليه السلام وتقاربا واختلفت بينهما ضربتان، فضربه عليّ عليه السلام على مقدّم رأسه، فبدرت عينه وصاح صيحةً عظيمة وسقط اللواء من يده، فأخذه أخوه مصعب(4) فرماه عاصم بن ثابت فقتله.

ثمّ أخذه أخوه عثمان فرماه عاصم أيضاً فقتله، فأخذه عبد لهم اسمه صواب وكان من أشدّ الناس، فضرب عليّ يده فقطعت(5)، فأخذه بيده اليسرى فضربه فقطعها، فأخذ اللواء على صدره وجمع عليه يديه وهما مقطوعتان، فضربه عليّ عليه السلام على اُمّ رأسه وسقط صريعاً(6) وانهزم القوم وأكبّ المسلمون على الغنائم، ورأى أصحاب الشعب الناس يغنمون، فخافوا فوات(7) الغنيمة فاستأذنوا رئيسهم عبداللّه بن عمر بن حزم(8) في أخذ الغنائم، فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن لا أبرح من موضعي ، فقالوا : إنّه قال ذلك وهو لا يدري إنّ الأمر يبلغ ما ترى ومالوا إلى الغنائم وتركوه ولن يبرح هو من موضعه.


1- في المصدر + : المشركين.
2- في المصدر : نكفكم.
3- في المصدر: ألنا تقول هذا؟!
4- في المصدر : مصعب أخوه.
5- في المصدر : فقطعها.
6- في المصدر : سريعا.
7- في المصدر : فوت.
8- في المصدر : حزام.

ص: 375

فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله، وجاء من ظهر النبيّ صلى الله عليه و آله فنظر(1) النبيّ صلى الله عليه و آله وقد(2) حفّ به أصحابه، فقال لمن معه : دونكم وهذا الذي تطلبون فحملوا حملة رجل واحد ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح ورمياً بالنبال ورضخاً بالحجارة، وجعل أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقاتلون عنه حتّى قتل منهم سبعون رجلاً، وثبت أمير المؤمنين عليه السلام وأبو دجانة وسهل بن حنيف للقوم يدفعون عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، ففتح عينيه وقد(3) أُغمي عليه، فنظر إلى عليّ عليه السلام فقال : «يا عليّ ما فعل الناس؟» فقال : «نقضوا العهد وولّوا الدبر»... .

قال الراوي : قلت لابن مسعود : انهزم الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى لم يبق معه إلاّ عليّ عليه السلام وأبو دجانة وسهل وقيل : انهزم الناس إلاّ عليّ وحده(4)، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : «فاكفني هؤلاء الذين قصدوا نحوي» فحمل عليهم فكشفهم ثمّ عاد إليه وقد قصدوه من جهة اُخرى، فكرّ عليهم فكشفهم وأبو دجانة وسهل(5) قائمان على رأسه، وسيوفهما بأيديهما يذبّان عنه وثاب من المنهزمين أربعة عشر رجلاً، وصعد الباقون الجبل وصاح صائح بالمدينة: قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فانخلعت القلوب لذلك، وتحيّر المنهزمون فأخذوا يميناً وشمالاً، وجعلت هند بنت عتبة لوحشي جعلاً على أن يقتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو عليّاً عليه السلام أو حمزة رضى الله عنه ، فقال : أمّا محمّد فلا حيلة فيه لأنّ أصحابه يطوفون به ، وأمّا عليّ فإنّه إذا قاتل كان أحذر من الذئب ، وأمّا حمزة فإنّي أطمع فيه لأنّه إذا غضب لم يبصر ما بين يديه (6)، فكَمَنَ له وحشيّ في أصل شجرة فرآه حمزة فبدر إليه بالسيف وضربه فأخطأه ، قال وحشي : فهزرت(7)الحربة


1- في المصدر + : إلى.
2- في المصدر : قد.
3- في المصدر +: وكان قد.
4- نفس المصدر، ص193.
5- في المصدر + : بن حنيف.
6- في المصدر + : وكان حمزة يومئذٍ قد أعلم بريشة نعامة.
7- في المصدر : فحززت.

ص: 376

حتّى إذا تمكّنت منه رميته فأصبته في أربيته فأنفذته وتركته حتّى إذا برد صرت إليه وأخذت حربتي، وشغل المسلمون عنّي وعنه بالهزيمة، وجاءت هند فأمرت بشقّ بطنه وقطع كبده والتمثيل به، فجدعوا أنفه واُذنيه .

ولا عار للأشراف إن ظفرت بها كلاب الأعادي من فصيحٍ وأعجم

فحربة وحشيّ سقت حمزة الردى وحتف عليّ من حسام ابن ملجم(1)

في حديث عمران بن حصين قال : لمّا تفرّق الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله جاء عليّ عليه السلام متقلِّداً بسيفه حتّى قام بين يديه، فرفع رأسه إليه وقال : «ما لك لا تفرّ(2) مع الناس؟» فقال : «يارسول اللّه أرجع كافراً بعد إسلامي؟» فأشار إلى قومٍ انحدروا من الجبل، فحمل عليهم فهزمهم فجاء جبرئيل وقال : يارسول اللّه قد عجبت الملائكة من حسن مواساة عليّ عليه السلام لك بنفسه ، فقال صلى الله عليه و آله : «ما يمنعه من ذلك وهو منّي وأنا منه» ، فقال جبرئيل : وأنا منكما .

وقال ابن عبّاس : خرج طلحة ابن أبي طلحة صاحب لواء قريش(3) يومئذٍ وقال : يا أصحاب محمّد أنتم تزعمون أنّ اللّه يعجّلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجّلكم بسيوفنا إلى الجنّة، فأيّكم يبرز إليَّ؟ فبرز إليه عليّ عليه السلام وقال : «واللّه لا اُفارقك(4) حتّى أُعجّلك بسيفي إلى النار» فاختلفا بضربتين، فضربه عليّ عليه السلام على رجليه فقطعهما وسقط وقال : أنشدك اللّه والرحم يابن عمّ، فانصرف إلى موقفه، فقال المسلمون : ألا جهزت(5) عليه؟ فقال(6) عليه السلام : «ناشدني» ولن يعيش بعدها فمات من ساعته، وبشّر


1- نفس المصدر، ص192 و 193.
2- في المصدر : لم تفرّ.
3- في المصدر _ : صاحب لواء قريش.
4- في المصدر + : اليوم.
5- في المصدر : أجهزت.
6- في المصدر + : إنّه.

ص: 377

النبيّ صلى الله عليه و آله بذلك فسرّ به ، قال عليه السلام : «لمّا انهزم الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم اُحد لحقني من الجزع عليه ما لا أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي(1)، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت : ما كان رسول اللّه ليفرّ وما رأيته في القتلى، وأظنّه رفع من بيننا إلى السماء، فكسرت جفن سيفي وقلت : لاُقاتلنّ به حتّى اُقتل وحملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله قد وقع مغشيّاً عليه، فنظر إليَّ وقال : «ما فعل الناس يا عليّ؟» فقلت : «كفروا يارسول اللّه وولّوا الدبر وأسلموك» فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال صلى الله عليه و آله : «ردّهم عنّي» فحملت عليهم أضربهم يميناً وشمالاً حتّى فرّوا فقال صلى الله عليه و آله : «أما تسمع مديحك في السماء إنّ ملكاً اسمه رضوان ينادي : لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ»(2) .

وهذه المناداة قد نقلها الرواة وتداولها الاخباريّون، ولم يتفرّد بها الشيعة ، بل وافقهم على ذلك الجمّ الغفير(3) .

وروي عن أبي عبداللّه جعفر بن محمّد عن أبيه عليهم السلام قال : كان أصحاب اللواء يوم اُحد تسعة كلّهم قتلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن آخرهم، وانهزم القوم وبارز الحكم بن الأخنس، فضربه فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها، وأقبل اُميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة وهو فارغ(4) وهو يقول : يومٌ بيوم بدرٍ، وعرض له من المسلمين(5) رجل فقتله وصمد له عليّ عليه السلام فضربه على هامته، فنشب السيف في بيضته وسيفه درقة(6) عليّ فنزعا سيفهما وتناوشا(7) .


1- في المصدر + : بين يديه.
2- في المصدر + : فبكيت سروراً وحمدت اللّه على نعمته.
3- نفس المصدر، ص193 و 194.
4- في المصدر : دارع.
5- في المصدر : رجل من المسلمين.
6- في المصدر : في درقة.
7- «كشف الغمّة» ج1، ص194 و 195.

ص: 378

قال عليّ عليه السلام : «فنظرت إلى فتق تحت إبطه فضربته فيه بالسيف فقتلته»... .

قال عليّ عليه السلام : «أصابني(1) يوم اُحد ستّة عشر ضربة حتّى(2) سقطت إلى الأرض في أربع منهنّ، فجاءني رجل حسن الوجه طيّب الرائحة(3)، فأخذ بضبعي فأقامني» ثمّ قال : اقبل عليهم فإنّك في طاعة اللّه وطاعة رسول اللّه (4)وهما منك راضيان .

قال عليّ عليه السلام : «فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبرته فقال : «يا علي أما تعرف الرجل؟» قلت : لا ، ولكنّي شبّهته بدحيّة الكلبي ، فقال صلى الله عليه و آله : «يا عليّ أقرّ اللّه عينك كان ذلك جبرئيل» أورده الحافظ أبو محمّد بن عبد العزيز الجنابذي في كتاب «معالم العترة النبويّة» مرفوعاً إلى قيس بن سعد(5).

فلمّا رجع(6) المسلمون إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وانصرف المشركون إلى مكّة وانصرف النبيّ صلى الله عليه و آله إلى المدينة، فاستقبلته فاطمة عليهاالسلام ومعها إناء(7) فغسل به وجهه ولحقت(8) أمير المؤمنين وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار، فناوله فاطمة عليهاالسلام وقال : «خذي هذا السيف لقد صدقني اليوم» قال(9) :

«أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديدٍ ولا بمليم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمدٍ وطاعة ربٍّ بالعباد عليم»

وقال رسول اللّه : «خذيه يا فاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه، وقد قتل اللّه به صناديد قريش10 ».11


1- في المصدر : أصابتني.
2- في المصدر _ : حتّى.
3- في المصدر : الريح.
4- في المصدر : رسوله.
5- نفس المصدر، ص195 و 196.
6- في المصدر : وتراجع.
7- في المصدر + : فيه ماء.
8- في المصدر : لحقه.
9- في المصدر : وقال.

ص: 379

فصل

وقد ذكر أهل السِيَر قتلى أُحد من المشركين وكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين عليه السلام .

قال محمّد بن إسحاق : كان صاحب لواء قريش يوم اُحد طلحة بن أبي طلحة قتله عليّ عليه السلام وقتل ابنه أبا سعد(1)، وأخاه كلدة وعبداللّه بن حميد(2)بن زهرة، وأبا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي، والوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة، وأخاه أُميّة وارطاة بن شرحبيل، وهشام بن اُميّة المخزومي(3) وعمرو بن عبداللّه الجمحي، وبشر بن مالك وصوابا مولى بني عبد الدار، وكان الفتح له ورجوع الناس إلى النبيّ صلى الله عليه و آله بمقامه وثباته، يذبّ(4) عنه دونهم ويبذل مهجته العزيزة في نصره، وتوجّه العتاب من اللّه إلى كافّتهم لموضع الهزيمة، وفي قتله عليه السلام من قتل يوم اُحد وعنائه وبلائه .

يقول الحجّاج بن علاط(5) السلمي :

للّه أيّ مذبّب عن حزبه أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنةٍ تركت طليحة للجبين مجدّلا

وشددت شدّة باسلٍ فكشفتهم بالسفح إذ يهوون أسفل سفّلا

وعلّلت سيفك بالدماء ولم تكن لتردّه خسران حتّى يتهلا(6)(7)


1- في المصدر : قتل اللّه صناديد قريش بيديه.
2- نفس المصدر، ص195.
3- في المصدر : أبا سعيد.
4- في المصدر : جميل.
5- في المصدر _ : المخزومي.
6- في المصدر : ويذبّ.
7- في المصدر : غلاظ.

ص: 380

وأمّا غزاة على ما في تلخيص «الغمّة»(1) أنّه لمّا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حفر الخندق أقبلت قريش بأحابيشها وأتباعها من كنانة وأهل تهامة في عشرة آلاف، وأقبلت غطفان ومن تبعها(2) من أهل نجد، فنزلوا من فوق المسلمين ومن أسفلهم، كما قال اللّه تعالى : «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ»(3) فخرج النبيّ صلى الله عليه و آله بالمسلمين وهم ثلاثة آلاف، وجعلوا الخندق بينهم، واتّفق المشركون مع اليهود على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد ذكر اللّه تعالى هذه القصّة في سورة الأحزاب، وطمع المشركون بكثرتهم وموافقة اليهود لهم، واشتدّ الأمر على المسلمين، وركب فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ وكان من مشاهيرهم، وعكرمة بن أبي جهل، وتواعدوا القتال وأقبلوا تعنف(4) بهم خيولهم حتّى وقفوا على أضيق مكان في الخندق، ثمّ ضربوا خيولهم(5) فاقتحمته وجالت بهم خيولهم(6) في السبخة بين الخندق والمسلمين(7)، فخرج عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومعه نفر من المسلمين، وأخذ(8) عليهم المضيق الذي اقتحموه وقصدوه(9)، وكان عمرو بن عبد ودّ قد جعل لنفسه علامة ليعرف مكانه وتظهر شهامته، ولمّا وقف ومعه ولده حسل وأصحابه فقال : من يبارز؟ فقال عليّ : «أنا» ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّه عمرو؟»10 وهل من مبارز وجعل يؤنّبهم ويقول : أين جنّتكم التي تزعمون أنّ من قتل منكم دخلها؟ أفلا يبرز إليَّ رجل؟ فقال عليّ عليه السلام :


1- يريد المصنّف غزوة الخندق نقلاً عن «كشف الغمّة».
2- في المصدر : يتبعها.
3- الأحزاب 33: 10.
4- في المصدر : تعنق.
5- في المصدر : خيلهم.
6- في المصدر: بين المسلمين والخندق.
7- في المصدر : أخذوا.
8- في المصدر : فقصدوه.
9- في المصدر + : فسكت، فقال عمرو.

ص: 381

«أنا له يارسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، فقال صلى الله عليه و آله : «إنّه عمرو؟» ، فسكت ، ثمّ نادى عمرو بن عبد ودّ : هل من مبارز(1) فقال :

ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجّ موقف القرن المناجز

وكذاك إنّي لم أزل متسرّعاً قبل الهزاهز

إنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز

فقال عليّ عليه السلام : «أنا له يارسول اللّه» ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّه عمرو» فقال : «وإن كان عمرواً»(2) ، فأذِن له فخرج إليه وقال عليه السلام :

«لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّةٍ وبصيرة والصدق منجا كلّ فائز

إنّي لأرجو أن اُقيم عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز»

ثمّ قال له : «يا عمرو إنّك عاهدت اللّه ألاّ يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خصلتين(3) إلاّ أخذتها منه، قال له : أجل ، فقال له عليّ عليه السلام : «فإنّي أدعوك إلى اللّه تعالى ورسوله والإسلام» ، قال : لا حاجة لي بذلك ، فقال : «إنّي أدعوك إلى النزال» ، قال : لِمَ يابن أخي؟ فواللّه إنّي ما أحبّ أن أقتلك ، فقال(4) عليّ عليه السلام : ولكنّني(5) واللّه أحبّ أن أقتلك» فحمى عمرو ونزل عن فرسه ثمّ جاول عليّاً عليه السلام ساعة فضربه عليّ عليه السلام ضربة فقتله بها، وكرّ على ابنه حسل فقتله، وخرجت خيلهم منهزمة وعظم على المشركين قتل عمرو وابنه فقال عليه السلام (6):


1- في المصدر _ : بن عبد ودّ، هل من مبارز.
2- في المصدر _ : عمرواً.
3- في المصدر : خلّتين، ولكن في «بحار الأنوار» ج20، ص253 : خصلتين.
4- في المصدر + : له.
5- في المصدر : ولكنّي.
6- في المصدر + : عليّ.

ص: 382

«أعليّ تفتخر الفوارس هكذا عنّي وعنهم خبّروا أصحابي

اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ومصمم في الرأس(1)ليس بناب

أرديتُ عمرواً إذ طغى بمهنّدٍ صافي الحديد مجرّب قضاب(2)

إلى ابن3 ودٍّ حين شدّ اليةً وحلفت فاستموا إلى الكذّاب

أن لا يصدّ4 ولا يولّي فالتقى رجلان يلتقيان(3) كلّ ضراب

نصر الحجارة من سفاهة رأيه ونصرت ربّ محمّدٍ بصوابِ

وغدوت(4) حين تركته متجدّلاً كالجذع بين دكادك وروابي

وعطفت(5) على أثوابه لو(6) أنّني كنت المجدّل بزّني أثوابي

لا تحسبنّ اللّه خاذل دينه ونبيّه يامعشر الأحزاب»(7)

وروي أنّه لمّا قتل عمرو(8)احتزّ رأسه وألقاه بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقام أبو بكر وعمر فقبّلاً رأس عليّ عليه السلام ووجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتهلّل، فقال عمر(9): هلاّ سلبته يا عليّ درعه فما لأحد درع مثلها؟ فقال : «إنّي استحييت أن أكشف عن سوءة ابن عمّي» .

وقال أبو بكر بن عيّاش : لقد ضرب عليّ عليه السلام ضربة ما كان في الإسلام ضربة أعزّ منها ... .


1- في المصدر _ : ليس.
2- هذا البيت لا يوجد في المصدر.
3- في المصدر : إن.
4- في المصدر : لا أصد.
5- في المصدر : يضطربان.
6- في المصدر : فغدوت.
7- في المصدر : عففت.
8- في المصدر : ولو.
9- «كشف الغمّة» ج1، ص195_ 198.

ص: 383

وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «لضربة عليّ عليه السلام يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» . وقال صلى الله عليه و آله حين بارز عليّ عليه السلام عمرو بن ودّ : «خرج الإسلام كلّه إلى الشرك كلّه» .

وفي هذه الغزاة نزل قوله تعالى : «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ»(1) الآية إلى آخرها، ولم يخلص من العتب إلاّ عليّ عليه السلام ... .

وروى ابن مسعود كان يقرأ : «وَكَفَى اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» بعليّ «وَكَانَ اللّه ُ قَوِيّا عَزِيزا»(2) .

وفي قتل عمرو يقول حسّان بن ثابت(3) :

أمسى الفتى عمرو بن ودٍّ(4) يبتغي بجنوب يثرب غارة لم تنظر

ولقد(5)وجدت سيوفنا مشهورة ولقد رأيت(6)6 جيادنا لم تقصر

ولقد رأيت غداة بدر عصبة ضربوك ضرباً غير ضرب المخسر

أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة يا عمرو أو لجسيم أمرٍ منكر

قال : ولمّا بلغ شعر حسّان بني عامر، أجابه فتى منهم يردّ عليه فخسره قال :

كذبتم وبيت اللّه لا تقتلوننا ولكن بسيف الهاشميين فافخروا

بسيف ابن عبداللّه أحمد في الوغا بكفّ عليٍّ نلتم ذاك فاقصروا

ولم يقتلوا(7) عمرو بن ودّ ولا ابنه ولكنّه الكفؤ الجسور الغضنفر

عليّ الذي في الفخر طال بناؤه فلا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا

ببدرٍ خرجتم للبراز فردّكم شيوخ قريش جهرةً وتأخّروا


1- الأحزاب 33: 10.
2- الأحزاب 33: 25.
3- في المصدر _ : بن ثابت.
4- في المصدر : عبد.
5- في المصدر : فلقد.
6- في المصدر : وجدت.
7- في المصدر : فلم تقتلوا.

ص: 384

فلمّا أتاهم حمزة وعبيدة وجاء عليّ بالمهنّد يخطر

فقالوا نعم أكفّاء صدق واقبلوا إليهم سراعاً إذ بغوا وتجبّروا

فجال عليّ جولة هاشميّة فدمّرهم لمّا عتوا وتكبّروا

فليس لكم فخرٌ علينا بغيرنا وليس لكم فخر يعدّ ويذكر(1)

فقالت(2) اُخت عمرو وقد نعي إليها أخوها: من ذا الذي أجترؤا عليه؟ قالوا : قتله(3) عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقالت : لم يعدّ يومه إلاّ على يد كفوّ كريم لا رقت(4) دمعتي إن أهرقتها(5) لقد قتل الأبطال وبارز الأقران ونازل الشجعان(6) وكانت منيّته على يد كريم قوم(7)ما سمعت أفخر من هذا الفتى(8) يابني عامر.

وأنشدت البيتين :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله لكنت أبكي عليه آخر الأبد

لكنّ قاتل عمرو لا يعاب به من كان يدعى قديماً بيضة البلد(9)

وقد تقدّما(10)وقالت أيضاً ترثي أخاها وتذكره وعليّاً عليه السلام شعراً :

أسدان في ضيق المكرّ تصاولا فكلاهما كفوٌ كريمٌ باسل

فتخالسا مهج النفوس كلاهما وسط المدار محامل ومقاتل

وكلاهما خطر(11)القراع حفيظةً لم يثنه عن ذاك شغل شاغل


1- في المصدر : فيذكر.
2- في المصدر : وقالت.
3- في المصدر _ : قتله.
4- في المصدر : لا رقأت.
5- في المصدر : دمعتي عليه إن أهرقتها عليه.
6- في المصدر _ : ونازل الشجعان.
7- في المصدر : قومه.
8- في المصدر _ : الفتى.
9- في المصدر : لكن قاتله من لا يعاب به وكان يدعى قديماً بيضة البلد.
10- في «كشف الغمّة» ج1، ص68 وليس في هذا الكتاب.
11- في المصدر : حضر.

ص: 385

اذهب(1) عليّ فما ظفرت بمثله قول سديد ليس فيه تخامل(2)

فالثار عندي يا عليّ فليتني(3) أدركته والعقل منّي كامل

ذلّت قريش بعد مقتل فارس فالذلّ(4) مهلكها وخزي شامل(5)...

وكان عكرمة بن أبي جهل معهما، فلمّا قتلا ألقى رمحه وانهزم من عليّ عليه السلام ، ثمّ بعد أن قتل عمرو أرسل اللّه على قريش الريح وعلى غطفان واضطربوا واختلفوا هم واليهود فولّوا راجعين، وردّهم اللّه تعالى بغيظهم لم ينالوا خيراً(6) .

وأمّا غزاة الأحزاب

قال في الكتاب المذكور : هي غزاة الخندق. إلى أن قال:

وفي غزاة بني النظير(7)عمل النبيّ صلى الله عليه و آله على حصارهم، فضرب قبّة(8) في أقصى بني حطمة، فرماه رجل من النظير(9) في الليل بسهم، فأصاب القبّة، فأمر صلى الله عليه و آله فحوّلت قبّته إلى الفسح(10)وأحاط به المهاجرون(11)، فلمّا اختلط الظلام افتقدوا(12) عليّاً عليه السلام فعرّفوه ذلك، فقال: «إنّي(13) أراه في بعض ما يصلح شأنكم» فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى القبّة واسمه عزوراء، فطرحه بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «كيف


1- في المصدر : فاذهب.
2- في المصدر : تحامل.
3- في المصدر : لو أنّني.
4- في المصدر : والذلّ.
5- نفس المصدر، ص205_ 208.
6- نفس المصدر، ص198 و 199.
7- في المصدر + : النضير.
8- في المصدر : قبّته.
9- في المصدر : بني النضير.
10- في المصدر : السفح.
11- في المصدر + : والأنصار.
12- في المصدر : فقدوا.
13- في المصدر _ : انّي.

ص: 386

علمت به؟» فقال : «يارسول اللّه صلى الله عليه و آله رأيته شجاعاً»، فقلت : ما أجرأه أن يخرج ليلاً يطلب غرة فكمنت له، فأقبل مصلتاً سيفه ومعه تسعة من اليهود، فشددت عليه فقتلته وأفلت أصحابه ولم يبرحوا قريباً، فابعث معي نفراً، فإنّي أرجو أن أظفر بهم، فبعث معه عشرة: منهم أبو دجانة، وسهل بن حنيف، فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحصن فقتلوهم، وجاء(1)عليه السلام برؤوسهم إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، فأمر بطرحها في بعض الآبار، وكان ذلك سبب فتح حصونهم .

وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف واصطفى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أموال بني النضير، وكانت أوّل صافية قسّمها بين المهاجرين(2)، وأمر عليّاً عليه السلام فحاز ما لرسول اللّه صلى الله عليه و آله منها فجعله صدقة، وكان في يده في أيّام حياته ثمّ صار(3) في يد أمير المؤمنين عليه السلام بعده، وهو الآن(4) في يد ولد فاطمة عليهاالسلام حتّى اليوم، وفيما كان من أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الغزاة .

يقول حسّان بن ثابت :

للّه أيّ كريهة أبليتها ببني قريضة والنفوس تطلع

أردى رئيسهم وآب بتسعةٍ طوراً يشلهم وطوراً يدفع(5)

وقال آخر :

هو الإمام الذي جلّت مناقبه بأن يكون له أعدّ فينحصر

وكيف يدرك بالأفكار مدح فتىً بفضله جاءت الآيات والسور


1- في المصدر : جاؤا.
2- في المصدر + : الأوّلين والأنصار.
3- في المصدر _ : صار.
4- في المصدر _ : الآن.
5- نفس المصدر، ص200. 6 . مع فحص كثير لم أجد مصدره.

ص: 387

غزاة بني قريضة

قال في الكتاب المذكور : ولمّا انهزم الأحزاب وولّوا عن المسلمين، عمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على قصد بني قريضة وأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام في ثلاثين من الخزرج، وقال له : «انظر بني قريضة(1) هل تركوا حصونهم» ، فلمّا شارفها سمع منهم الهجر، فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فأخبره فقال : «دعهم فإنّ اللّه سيمكّن منهم إنّ الذي أمكنك من عمرو لا يخذلك، فقف حتّى يجتمع الناس إليك وابشر بنصر اللّه، فإنّ اللّه تعالى قد نصرني بالرعب بين يدي مسيرة شهر» .

قال عليّ عليه السلام : «فاجتمع الناس إليَّ ودنوت(2) من سورهم، فأشرف عليَّ شخص منهم ونادى : قد جاءكم قاتل عمرو، وقال آخر كذلك، وتصايحوا بها بينهم، وألقى اللّه الرعب في قلوبهم وسمعت راجزاً يرجز شعراً» يقول :

قتل عليّ عمرواً صاد عليّ صقراً

قصم عليّ ظهراً أبرم عليّ أمراً

ه_ت_ك ع_ل_يّ س_ت_راً

فقلت : «الحمد للّه الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك» ، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله قال لي : سِر على بركات(3) اللّه، فإنّ اللّه قد وعدكم أرضهم وديارهم، فسرت مستيقناً(4) باللّه مستعيناً(5) بنصر اللّه تعالى، حتّى ركزت الراية في أصل الحصن فاستقبلوني(6) يسبّون رسول اللّه صلى الله عليه و آله فكرهت أن يسمعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأردتُ أن أرجع إليه فإذا به صلى الله عليه و آله قد


1- في المصدر : بني قريظة.
2- في المصدر + : وسرت حتّى دنوت.
3- في المصدر : بركة.
4- في المصدر : متيقّناً.
5- في المصدر _ : باللّه مستعيناً.
6- في المصدر : واستقبلوني.

ص: 388

طلع فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» ، فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولاً ولا سبّاباً، فاستحى صلى الله عليه و آله ورجع القهقرى قليلاً، ثمّ أمر فضربت خيمة بإزاء حصونهم، وأقام يحاصرهم خمساً وعشرين يوماً(1)، حتّى سألوه النزول على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم سعد فقتل الرجال وسبى الذراري والنساء، وقسّم(2) الأموال ، فقال صلى الله عليه و آله : «لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم اللّه تعالى من فوق سبع أرفعة(3)» وأمر بإنزال الرجال وكانوا سبعمائة(4).

فجيء بهم إلى المدينة وحبسوا في دار من دور بني النجّار، وخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى موضع السوق اليوم وحضر معه المسلمون، وأمر أن يخرجوا وتقدّم إلى أمير المؤمنين عليه السلام بضرب أعناقهم في الخندق فأخرجوا رجالاً(5)وفيهم حيي بن أخطب وكعب بن أسد وهما رئيسا القوم، فقالوا لكعب وهمّ(6) يذهب بهم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما تراه يصنع بنا؟ فقال عليه السلام : «في كلّ موطن لا تعقلون، أما ترون الداعي لاينزع(7) ومن ذهب منكم لا يرجع، هو واللّه القتل وجيء بحي مجموعة يديه(8)إلى عنقه» فلمّا نظر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أما واللّه ما لمتُ نفسي على عداوتك ولكن من يخذل اللّه يخذل ، ثمّ أقبل على الناس فقال : أيّها الناس إنّه لابدّ من أمر اللّه كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ، ثمّ اُقيم بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول : قتلة شريف(9)


1- في المصدر : ليلة.
2- في المصدر : قسمة.
3- في المصدر : أرقعة.
4- في المصدر : تسعمائة.
5- في المصدر : أرسالاً.
6- في المصدر: هو.
7- في المصدر+ : أي لا ينتهي من الدعاء والطلب.
8- في المصدر : يداه.
9- في المصدر : شريفة.

ص: 389

بيد شريف ، فقال عليّ عليه السلام : «إنّ الأخيار يقتلون الأشرار والأشرار يقتلون الأخيار، فويل لمن قتله الأخيار، وطوبى لمن قتله الأشرار والكفّار» ، فقال(1) : لاتسلبني حلّتي ، قال : هي أهون عليَّ من ذلك ، قال : سترتني سترك اللّه ومدّ عنقه فضربها أمير المؤمنين عليه السلام (2) ولم يسلبه من بينهم(3).

وكان نصر اللّه لهم والفتح على يدي أمير المؤمنين عليه السلام .

فصل

وكان من بلائه عليه السلام في بني المصطلق ما هو مشهور بين العلماء، وكان الفتح له في تلك(4) الغزاة، واُصيب ناس(5) من بني عبد المطّلب، وقتل أمير المؤمنين عليه السلام رجلين من القوم وهما مالك وابنه، وأصاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئاً كثيراً فقسّمه في المسلمين، وكان شعار المسلمين في هذه الغزوة(6) : منصوراً(7) ، وسبى أمير المؤمنين عليه السلام حويرية(8) بنت الحرث بن أبي ضرار، فجاء أبوها إلى النبيّ صلى الله عليه و آله واصطفاها لنفسه إلى أن قال : يارسول اللّه إنّ ابنتي لا تسبى إنّها امرأة كريمة ، قال صلى الله عليه و آله : «اذهب فخيّرها» ، قال(9) : أحسنت وأجملت ، فاختارها(10)اللّه ورسوله، فأعتقها رسول اللّه صلوات اللّه عليه وعلى آله الطاهرين وجعلها من(11)جملة أزواجه(12) .


1- في المصدر + : صدقت.
2- في المصدر : عليٌّ عليه السلام .
3- نفس المصدر، ص206_ 208.
4- في المصدر : هذه.
5- في المصدر : اُناس.
6- في المصدر : الغزاة.
7- في المصدر : يامنصور أمت.
8- في المصدر : جويرة بنت الحارث.
9- في المصدر + : لقد.
10- في المصدر : فاختارت.
11- في المصدر : في.
12- نفس المصدر، ص208 و 209.

ص: 390

غزاة الحديبيّة

بعد بني المصطلق وكان أمير المؤمنين عليه السلام كتب يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسهيل(1) بن عمر(2)حين صرع(3) إلى الصلح عند ما رأى توجّه الأمر عليهم، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : «اكتب يا عليّ : بسم اللّه الرحمن الرحيم» فقال سهيل : هذا كتاب بيننا وبينكم فافتحه(4) بما نعرفه واكتب باسمك اللّهمّ ، فقال صلى الله عليه و آله : «امح ما كتبت» فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «لولا طاعتك لما محوت» ومحاها(5)وكتبت باسمك اللّهمّ .

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله (6): «هذا ما قاضى(7)محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله سهيل بن عمرو» فقال سهيل : لو جئتك بالكتاب(8) الذي بيننا(9) إلى هذا لأقررت بالنبوّة، امح هذا واكتب اسمك، فقال عليّ عليه السلام : «واللّه إنّه رسول(10) اللّه على رغم أنفك» ، فقال سهيل : اكتب اسمه يمضي الشرط، فقال عليّ عليه السلام : «ويلك يا سهيل كفّ عن عنادك» ، فقال صلى الله عليه و آله : «امحها يا عليّ »، فقال عليه السلام : «إنّ يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوّة» فقال : «فضع يدي عليها» فمحاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال لأمير المؤمنين عليه السلام : «إنّك ستدعى إلى مثلها فتجيب إلى(11)مضضٍ» وتمّم الكتاب فكان(12)نظام تدمير هذه الغزاة بيد أمير المؤمنين عليه السلام وخصّ(13)


1- في المصدر : الذي كتب بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله وبين سهيل.
2- في المصدر : عمرو.
3- في المصدر: ضرع.
4- في المصدر : بينك فافتتحه.
5- في المصدر : لما محوتها فمحوها.
6- في المصدر + : فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : اكتب هذا.
7- في المصدر + : عليه.
8- في المصدر : أجبتك في الكتاب.
9- في المصدر + : وبينك.
10- في المصدر: لرسول.
11- في المصدر: على.
12- في المصدر : وكان.
13- في المصدر : حقن.

ص: 391

اللّه دماء المسلمين .

وقد روى الناس في هذه الغزاة فضيلتين اقترنا(1) بفضائله العظام ومناقبه الجسام .

عن قائد مولى عبداللّه بن سالم قال : لمّا خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غزوة الحديبيّة نزل الجحفة، فلم يجد بها ماءً، فبعث سعد بن مالك بالروايا فغاب غير بعيد وعاد، وقال : ما أستطيع أن أمضي رعباً من القوم ، قال (2): «اجلس» ثمّ أنفذ رجلاً آخر وكان حاله كذلك، فدعى عليّاً عليه السلام فأرسله(3)فخرج وهم لا يشكّون في رجوعه لمّا شاهدوا من صعوبة الحال، فخرج بالروايا وورد واستقى وعاد بها(4) ولها زجل، فكبّر النبيّ صلى الله عليه و آله ودعى له بخير.

وفي هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وقال(5) له : يا محمّد إن أرقّاءنا لحقوك(6)فارددهم علينا، فغضب النبيّ صلى الله عليه و آله (7) حتّى تبيّن الغضب في وجهه، ثمّ قال صلى الله عليه و آله : «لتنتهينّ(8) يا معشر قريش أو ليبعثنّ اللّه عليكم رجلاً امتحن اللّه قلبه للإيمان(9) يضرب رقابكم على الدِّين» فقال بعض من حضر : يارسول اللّه صلى الله عليه و آله أبو بكر؟ قال : «لا» ، قيل : عمر؟ قال : «لا ، ولكنّه خاصف النعل في الحجرة» فتبادروا إليها ليعرفوا من هو؟ فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام .

وقد روى جماعة أنّ عليّاً عليه السلام قصّ هذه القصّة ثمّ قال : «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله (10):


1- في المصدر : اقترنتا.
2- في المصدر : فقال.
3- في المصدر : وأرسله.
4- في المصدر _ : بها.
5- في المصدر : فقال.
6- في المصدر : لحقوا بك.
7- في المصدر : رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
8- في المصدر : لتنتهنّ.
9- في المصدر : بالإيمان.
10- في المصدر + : يقول.

ص: 392

من كذّب عليّاً عليه السلام (1) متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار»(2) .

وروي عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال : «انقطع شسع نعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدفعها إلى عليّ عليه السلام يصلحها، ثمّ مشى في نعلٍ واحدة غلوة أو نحوها، وأقبل على أصحابه فقال : «إنّ منكم من يقاتل على التأويل كما يقاتل عليّ معي(3) على التنزيل» ، فقال أبو بكر : أنا ذاك يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : «لا» ، فقال عمر : فأنا؟ فقال صلى الله عليه و آله : «لا» ، فأمسكوا ونظر بعضهم إلى بعض، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لكنّه خاصف النعل» وأومى إلى عليّ عليه السلام «فإنّه يقاتل على التأويل إذا تُرِكَتْ سُنّتي ونُبِذَت، وحرّف كتاب اللّه وتكلّم في الدِّين من ليس له ذلك، فيقاتلهم على إحياء دين اللّه» .

وقد أورده الترمذي في صحيحه ما يقاربه : عن ربعي بن حداش(4) قال : حدّثنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالرحبة قال : «لمّا كان يوم الحديبيّة خرج إلينا اُناس(5)من المشركين، فيهم سهيل بن عمر(6) واُناس من رؤساء المشركين» فقال(7) : «يارسول اللّه خرج إليك اُناس من آبائنا(8) وإخواننا وأرقّاءنا ليس لهم فقه في الدِّين» ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا معشر قريش لتنتهنّ(9) أو ليبعثنّ اللّه عليكم من يضرب رقابكم على الدِّين، وقد امتحن اللّه قلبه على الإيمان» ، قالوا : مَن هو يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ وقال عمر : من هو يارسول اللّه؟ قال صلى الله عليه و آله : «هو خاصف النعل» وكان صلى الله عليه و آله أعطى عليّاً عليه السلام نعله يخصفها .


1- في المصدر: عليّ.
2- نفس المصدر، ص209 و 210.
3- في المصدر : معي عليّ.
4- في المصدر : خراش.
5- في المصدر : ناس.
6- في المصدر : عمرو.
7- في المصدر : فقالوا.
8- في المصدر : ناس من أبنائنا.
9- في المصدر : لتنتهنّ يا معشر قريش.

ص: 393

قال : ثمّ التفت إلينا عليّ عليه السلام وقال(1) : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : من كذّب عليّاً(2)متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار» ، وهذا حديث حسن صحيح غريب (3).

غزاة خيبر

وكانت في سنة سبع من الهجرة(4) ، في تلخيص «كشف الغمّة»: عن ابن طلحة أنّه قال : وتلخيص «المقصد» فيها على ما ذكره أبو محمّد عبد الملك بن هشام في كتاب «السيرة النبويّة» يرفعه بسنده عن ابن الأكوع قال : بعث النبيّ صلى الله عليه و آله أبا بكر برايته وكانت بيضاء إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ورجع(5) ولم يكن فتح وقد جهد، ثمّ بعث عمر بن الخطّاب، وكان(6)كذلك، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله، يفتح اللّه على يديه، ليس بفرّار» .

قالت اُمّ سلمة(7) رضي اللّه عنها : فدعى صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام وهو أرمد، فتفل في عينيه ثمّ قال : «خُذ هذه الراية وامض(8) بها حتّى يفتح اللّه عليك» ، فخرج عليه السلام يهرول وأنّا خلفه نبتع أثره حتّى ركّز رايته في رضم(9) حجارة تحت الحصن، فأطلع عليه يهودي من الحصن فقال : مَن أنت؟ قال عليه السلام : «أنا عليّ بن أبي طالب» ، فقال اليهودي : علوتم حصننا وما أنزل على موسى عليه السلام اُفكاً(10) ، قال : فما رجع حتّى فتح اللّه على يديه(11) .


1- في المصدر : فقال.
2- في المصدر : عليّ.
3- نفس المصدر، ص210 و 211.
4- في المصدر : للهجرة.
5- في المصدر : ثمّ رجع.
6- في المصدر _ : وكان.
7- في المصدر : قال سلمة.
8- في المصدر : فامض.
9- في المصدر + : مِن.
10- في المصدر : أو كما.
11- نفس المصدر، ص211 و 212.

ص: 394

وفي «الآثار» : لمّا دنى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من خيبر قال للناس : «قفوا»(1)فرفع يديه إلى السماء وقال(2) : «ربّ السماوات السبع وما أضللن وربّ الأرضين السبع وما أقللن وربّ الشياطين وما أضلّوا(3) أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها» ، ثمّ نزل صلى الله عليه و آله تحت شجرة وأقمنا بقيّة يومنا ومن غده، فلمّا كان نصف النهار نادى منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاجتمعنا إليه، ... إلى أن قال : وحاصر خيبر بضعاً وعشرين ليلة، وكانت الراية لأمير المؤمنين عليه السلام ، فعرض له رمد أعجزه عن الحرب، وكان المسلمون يناوشون اليهود بين أيدي حصونهم وجنباتها .

فلمّا كان ذات يوم فتحوا الباب وكانوا خندقوا على أنفسهم، وخرج مرحب برجله يتعرّض للحرب، فدعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر فقال له : «خذ هذه الراية» فأخذها في جمع من المهاجرين، فاجتهد فلم يغن(4) شيئاً، وعاد يؤنّب القوم الذين اتبعوه ويؤنّبونه .

فلمّا كان من الغد تعرّض له عمر فسار بها غير بعيد، ثمّ رجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ليست هذه الراية لمن حملها، جيئوني بعليّ بن أبي طالب» ، فقيل : إنّه أرمد ، فقال صلى الله عليه و آله : «أرونيه تروني رجلاً يحبّ اللّه ورسوله(5) يأخذها بحقّها ليس بفرّار» ، فجاؤوا بعليّ عليه السلام يقودونه إليه ، فقال صلى الله عليه و آله : «ما تشتكي يا عليّ؟» قال : «رمداً ما أبصر معه وصداعاً برأسي» ، فقال له : «اجلس وضع رأسك على فخذي» ، ففعل عليّ(6)عليه السلام ، فدعا له النبيّ صلى الله عليه و آله وتفل في يده فمسحها على عينه(7) ورأسه فانفتحت


1- في المصدر + : فوقفوا.
2- في المصدر + : اللهم.
3- في المصدر : أضللن.
4- في المصدر : ولم يغن.
5- في المصدر + : ويحبّه اللّه ورسوله.
6- في المصدر + : ذلك.
7- في المصدر : عينيه.

ص: 395

عيناه، وسكن الصداع، وقال في دعائه(1) : «اللّهمّ قِهِ الحرّ والبرد» وأعطاه الراية وكانت بيضاء .

وقال : «امض بها وجبرئيل معك والنصر أمامك، والرعب مبثوث في صدور القوم ، واعلم يا عليّ إنّهم يجدون في كتابهم أنّ الذي يدمّر عليهم اسمه إليّا، فإذا لقيتهم فقل أنا عليّ بن أبي طالب، فإنّهم يخذلون إن شاء اللّه تعالى» .

قال عليّ عليه السلام : «فمضيت بها حتّى أتيت الحصن، فخرج مرحب وعليه درع ومغفر وحجر قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي مرحب شاك السلاح بطلٌ مجرّب

فقلت :

«أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة كليث غابات شديد قسورة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة»

واختلفا بضربتين ، قال عليّ عليه السلام : «فبدرته بضربة فقددت الحجر(2) والمغفر ورأسه حتّى وقع السيف على(3) أضراسه وخرّ صريعاً»(4) .

ولقد أحسن محمّد كاظم الأُزري في قوله :

وله يوم خيبر فتكات كبرت منظراً على من رآها

يوم قال النبي : إنّي لأعطي رايتي ليثها وحامي حماها

فاستطالت أعناق كلّ فريق ليروا أيّ ماجدٍ يعطاها

فدعى أين وارث البأس(5) والحلم مجير الأيّام من بأساها

أين ذو النجدة الذي لو دعته في الثريا مروعةً لبّاها


1- في المصدر + : له.
2- في المصدر : فاختلفتا ضربتين فبدرته فقدّت الحجر.
3- في المصدر : في.
4- «كشف الغمّة» ج1، ص212_ 214.
5- في المصدر : العلم.

ص: 396

فأتاه الوصيّ أرمد عينٍ فسقاها من ريقه فشفاها

ومضى يطلب الصفوف فولّت عنه علماً بأنّه أمضاها

وبرى مرحباً بكفّ اقتدار أقوياء الأقدر(1)من ضعفاها

ودحا بابها بقوّة بأسٍ لوحمته(2) الأفلاك منه دحاها(3)

و ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا قال : أنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال حبر منهم : غلبتم وما أنزل على موسى فخامرهم رعبٌ شديد، ورجع من كان مع مرحب وأغلقوا(4) باب الحصن، فصار إليه أمير المؤمنين عليه السلام وعالجه حتّى فتحه وأكثر الناس لم يعبروا الخندق، فأخذ الباب وجعله جسراً على الخندق حتّى عبروا وظفروا بالحصن وأخذ(5) الغنائم، ولمّا انصرفوا دحى به بيمناه أذرعاً، وكان يغلقه عشرون رجلاً ... .

وقال ابن عبّاس : كانت لعليّ عليه السلام ضربتان إذا تطاول قدّ وإذا تقاصر قطّ .

وقال الأنصاري : فرأيت أُمّ مرحب تندبه وهو بين يديها فقلت(6) : مَن قتل مرحباً(7) ما كان ليقتله إلاّ أحد رجلين (8)، قلت : فمن هما؟ قالت : محمّد صلى الله عليه و آله أو عليّ عليه السلام ، قلت : فمن قتله منهما؟ قالت : إنّما قتله(9) عليّ بن أبي طالب ، وأنشدتني أبياتاً في آخرها :

للّه درّ ابن أبي طالب ودرّ شيخيه لقد انجبا


1- في المصدر : الأقدار.
2- في المصدر : حمتها.
3- «الاُزرية في مدح النبيّ والوصيّ والآل عليهم السلام » ص127.
4- في المصدر : أغلق.
5- في المصدر : أخذوا.
6- في المصدر : قلت.
7- في المصدر + : قالت.
8- في المصدر : الرجلين.
9- في المصدر _ : إنّما قتله.

ص: 397

وقيل : إنّ المسلمين راموا حمل ذلك الباب، فلم يقبله(1) إلاّ سبعون رجلاً.

ثمّ تلا غزوة(2) خيبر مواقف لم تجر مجرى ما تقدّمها، وأكثرها كانت بعوثاً لم يشهدها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا كان الاهتمام بها كغيرها، لضعف العدوّ وغناء المسلمين، فأغرينا(3)عن تعدادها، وكان لأمير المؤمنين عليه السلام في جميعها حظّ وافر من قول وعمل(4) .

غزوة الفتح

قال في الكتاب المسطور : في هذه الغزاة هي التي توطأ(5) أمر الإسلام بها، وتمهّد الدِّين بما منَّ اللّه سبحانه على نبيّه صلى الله عليه و آله فيها، وإنجاز وعده في قوله تعالى : «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّه ِ وَالْفَتْحُ»(6) إلى آخرها ، وقوله تعالى : «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»(7) الآية، وكانت الأعين إليها ممتدّة، والرقاب متطاولة، وكتم النبيّ صلى الله عليه و آله أمره حين أرادها، وأخبر به عليّاً عليه السلام ، وكان شريكه في الرأي وأمينه على السرّ، ثمّ عرف أبا بكر وجماعة من أصحابه بعد ذلك، وجرى الأمر في ذلك على حال ما زال أمير المؤمنين عليه السلام منفرداً بالفضل فيها .

فمن ذلك أنّ خاطب ابن أبي بليغة، كان(8)من أهل مكّة وشهد بدراً، كتب إلى أهل مكّة كتاباً يطلعهم على سرّ رسول(9) اللّه صلى الله عليه و آله بما فعل، وكان أعطى الكتاب امرأة


1- في المصدر : فلم يقله.
2- في المصدر : غزاة.
3- في المصدر : فاضربنا.
4- «كشف الغمّة» ج1، ص214 و 215.
5- في المصدر : توطد.
6- النصر 110: 1.
7- الفتح 48: 27.
8- في المصدر : بلتعة وكان.
9- في المصدر + : مسيره إليهم، فجاء الوحي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بما فعل.

ص: 398

سوداء كانت وردت المدينة مستميحة، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق، فاستدعى صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام وقال : «إنّ بعض أصحاب(1) كاتب أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت اللّه تعالى أن يعمّي أخبارنا عليهم، والكتاب مع امرأة سوداء، قد(2) أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلّها وعُد إليَّ.

وأنفذ الزبير معه فمضيا وأدركا الامرأة فسبق(3) إليها الزبير وسألها عن الكتاب فأنكرته وحلفت، فقال الزبير : ما أرى معها كتاباً يا أبا الحسن، فارجع بنا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله نخبره ببراءة ساحتها ، فقال عليّ عليه السلام (4): «يخبرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه وتقول : لا كتاب معها» ، ثمّ اخترط السيف(5) وقال : «واللّه لئن لم تخرجي الكتاب لأضربنّ عنقك» ، فقالت : إذا كان كذلك فاعرض عنّي حتى أخرجه، فأعرض بوجهه فكشفت وجهها وأخرجته من عقصتها(6)، فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وصار إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأمره(7) أن ينادي الصلاة(8)جامعة، فنودي واجتمعوا، ثمّ صعد المنبر وأخذ الكتاب وقال(9) : «يا أيّها الناس إنّي(10) سألت اللّه عزّوجلّ أن يخفي أخبارنا عن قريش، وإنّ رجلاً منكم(11)كتب إلى أهله يخبرهم خبرنا، فليقم صاحب الكتاب وإلاّ فضحه الوحي» فلم يقم أحد فأعاد ثانية، فقام خاطب وهو يرعد كالسعفة وقال : أنا صاحب الكتاب، وما أحدثت نفاقاً بعد إسلامي ولا شكّاً بعد


1- في المصدر : أصحابي.
2- في المصدر : وقد.
3- في المصدر : وسبق.
4- في المصدر : أمير المؤمنين عليه السلام .
5- في المصدر : سيفه.
6- في المصدر : عقيصتها.
7- في المصدر : فأمر.
8- في المصدر : بالصلاة.
9- في المصدر : فقال : أيّها الناس.
10- في المصدر + : كنت.
11- في المصدر _ : منكم.

ص: 399

يقيني ، فقال صلى الله عليه و آله (1) : «فما الذي حملك على ذلك؟» قال : إنّ لي أهلاً بمكّة وعشيرة(2)لي بها وخفت أن تكون الدائرة، لهم علينا، فيكون(3) كفّاً لهم عن أهلي، ويداً لي عليهم ولم يكن الشكّ منّي في الدِّين ، فقال عمر : يارسول اللّه مرني في قتله (4)، فقال صلى الله عليه و آله : «إنّه من أهل بدرٍ، ولعلّ اللّه أطلع عليهم فغفر لهم ، اخرجوه من المسجد» فجعل الناس يدفعونه في ظهره ويخرجونه وهو يلتفت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليرقّ له، فردّه رسول اللّه (5) صلى الله عليه و آله وقال : «قد عفوت عنك، فاستغفر اللّه (6)ولا تعد لمثل ما جنيت» .

وهذه المنقبة لاحقة بمناقبه عليه السلام وفيها من جدّه في إخراج الكتاب من الامرأة وعزيمته في ذلك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يثق في ذلك إلاّ به... .

وكان النبيّ صلى الله عليه و آله أعطى الراية في يوم الفتح سعد بن عبادة، وأمره أن يدخل بها مكّة أمامه فأخذها(7)وهو يقول :

اليوم يوم الملحمة اليوم حلّ المحرمة(8)

فقال بعض القوم للنبيّ صلى الله عليه و آله : أما تسمع ما يقول سعد؟ واللّه إنّا نخاف أن يكون(9) له اليوم صولة في قريش ، فقال صلى الله عليه و آله : «أدرك يا عليّ سعداً، فخذ الراية منه وادخل بها أنت».

هكذا ذكره أبو بكر(10) أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في تاريخه : فاستدرك


1- في المصدر + : له.
2- في المصدر : ولا عشيرة.
3- في المصدر + : الكتاب.
4- في المصدر + : بقتله فقد نافق.
5- في المصدر _ : رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
6- في المصدر : ربّك.
7- في المصدر +: سعد.
8- في المصدر : تستحلّ الحرمة.
9- في المصدر : تكون.
10- في المصدر _ : أبو بكر.

ص: 400

به صلى الله عليه و آله ما كاد يفوت من صواب التدبّر(1) بتهجّم سعد وإقدامه على أهل مكّة، وعلم أنّ الأنصار لا توافق على عزل سيّدها، وأخذ الراية منه إلاّ بمثل عليّ عليه السلام ، ولأنّ حاله في ذلك كما لو أخذها النبيّ صلى الله عليه و آله في جلالة قدره ورفيع شأنه(2)، وهذا عزل خير من ولاية، فإنّ من كان بحيث لا يقوم مقامه ولا يسدّ مسدّه إلاّ عليّ فله أن يطاول الأفلاك، ويفاخر الأملاك، ولو كان في الصحابة من يوافق الأنصار على عزل صاحبها به لاختاره لذلك، وندبه(3) ولكنّه أبو حسن القائم مقام نفسه، المشارك(4) له في نوعه وجنسه.

وكان عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن لا يقاتلوا بمكّة إلاّ من قاتلهم، سوى نفر كانوا يؤذونه، فقتل أمير المؤمنين منهم الحويرث بن نفيل بن كعب، وكان يؤذي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة، وبلغه عليه السلام أنّ اُخته اُمّ هاني قد آوت اُناساً(5)من بني مخزوم، فيهم الحرث بن هشام وقيس ابن السائب، فقصد عليّ عليه السلام دارها وهو مقنّع بالحديد، فنادى عليه السلام : «اخرجوا من آويتم» فخرجت إليه اُمّ هاني وهي لا تعرفه، فقالت : يا عبداللّه أنا اُمّ هاني بنت عمّ رسول اللّه، اُخت(6) عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، انصرف عن داري، فقال عليه السلام : «أخرجوهم» فقالت : واللّه لأشكونّك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فرفع المغفر عن رأسه فعرفته، فجاءت تشدّ(7) حتّى التزمته وقالت : فديتك حلفت لأشكونّك إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : «اذهبي فبرّي قسمك، فإنّه بأعلى الوادي» .

قالت: فجئت إلى النبي صلى الله عليه و آله وهو في قبّة يغتسل، وفاطمة تستره، فلمّا سمع رسول


1- في المصدر : التدبير.
2- في المصدر: رفع مكانه.
3- في المصدر + : إليه.
4- في المصدر : والمشارك.
5- في المصدر : ناساً.
6- في المصدر : واُخت.
7- في المصدر : تشتدّ.

ص: 401

اللّه كلامي قال : «مرحباً بك يااُمّ هاني وأهلاً» ، قلت : بأبي أنت واُمّي أشكو إليك ما لقيت(1) اليوم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «قد أَجرتُ من أجرتِ» فقالت فاطمة عليهاالسلام : «إنّما جئت يا اُمّ هاني تشتكين(2) عليّاً عليه السلام في أنّه(3)أخاف أعداء اللّه وأعداء رسوله صلى الله عليه و آله » ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «شكر(4) اللّه سعي عليّ عليه السلام وأجرت ما أجارت اُمّ هاني لمكانها من عليّ عليه السلام » .

ولمّا دخل صلى الله عليه و آله المسجد وجد فيه ثلاثمائة وستّين صنماً بعضها(5) مشدود ببعض بالرصاص فقال : «اعطني يا عليّ كفّاً من الحصا» فناوله كفّاً فرمى بها الأصنام(6)وهو يقول : «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا»(7) فلم يبق صنم إلاّ خرّ لوجهه وأُخرجت من المسجد وكسّرت(8).

ثمّ كانت غزوة حنين

قال في التلخيص المذكور: فاستظهر فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكثرة الجمع، فخرج ومعه عشرة آلاف من المسلمين، فظنّ أكثرهم أن لن يغلبوا لما شاهدوا من كثرة جموعهم(9)وعددهم وعدّتهم، وأعجب أبا بكرٍ الكثرة يومئذٍ، فقال : لن نغلب اليوم من قلّة، فكان الأمر بخلاف ما ظنّوه وأعانهم(10) أبو بكر، فلمّا التقوا لم يلبثوا وانهزموا بأجمعهم، فلم(11)يبق مع النبيّ صلى الله عليه و آله إلاّ تسعة من بني هاشم(12)، أيمن ابن اُمّ أيمن، وقتل


1- في المصدر + : من عليّ.
2- في المصدر : تشكين.
3- في المصدر : فإنّه.
4- في المصدر : قد شكر.
5- في المصدر : بعضاً.
6- في المصدر : فرماها به.
7- التوبة 9: 48.
8- «كشف الغمّة» ج1، ص215_ 219.
9- في المصدر : جمعهم.
10- في المصدر : عانهم.
11- في المصدر : ولم يبق.
12- في المصدر + : وعاشرهم.

ص: 402

وثبت التسعة الهاشميّون ورجعوا بعد ذلك وتلاحقوا، وكانت الكرّة لهم على المشركين، فأنزل اللّه تعالى في إعجاب أبيبكر بالكثرة : «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الاْءَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(1) يريد عليّاً عليه السلام ومن ثبت معه من بني هاشم، أمير المؤمنين عليه السلام وثمانية: العبّاس بن عبد المطّلب عن يمين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والفضل بن العبّاس عن يساره، وأبو سفيان بن الحرث(2)بن عبد المطّلب ممسك بسرجه(3)، وأمير المؤمنين يضرب(4) بالسيف بين يديه(5)، وربيعة بن الحرث، وعبداللّه بن الزبير بن عبد المطّلب، وعتيبة(6) ومعتب أبناء أبي لهب حوله ... .

وقال العبّاس بن عبد المطّلب في هذا المقام :

نصرنا رسول اللّه في الحرب تسعة وقد فرّ من قد فرّ عنه فأقشع(7)

وقولي إذا ما الفضل شدّ بسيفه على القوم أُخرى يا بني ليرجع(8)

وعاشرنا لا في الحمام بنفسه لما ناله في اللّه لا يتوجّع

يعني به : أيمن بن اُمّ أيمن ، ولمّا رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله هزيمة القوم قال للعبّاس وكان رجلاً جوهريّاً(9) صيّتاً : «نادي في الناس وذكّرهم العهد» فنادى العبّاس : يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، إلى أين تفرّون؟ اذكروا العهد الذي عاهدكم عليه


1- التوبة 9: 25 و 26.
2- في المصدر : الحارث.
3- في المصدر +: عند نفر بغلته.
4- في المصدر _ : يضرب.
5- في المصدر + : ونوفل بن حرث.
6- في المصدر: عتبة.
7- في المصدر : فأقشعوا.
8- في المصدر : ليرجعوا.
9- في المصدر: جهوريّاً.

ص: 403

رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والقوم على وجوههم قد ولّوا مدبرين، وكانت ليلة ظلماء ورسول اللّه صلى الله عليه و آله في الوادي، والمشركون قد خرجوا عليه من جنبات الوادي وشعابه ومضايقه بسيوفهم وعمدهم، فنظر إلى الناس ببعض وجهه فأضاء كأنّه القمر ليلة البدر، ثمّ نادى : «أين ما وعدتم اللّه عليه؟» فأسمع أوّلهم وآخرهم فلم يسمعها رجل إلاّ رمى نفسه(1) إلى الأرض، وانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي، حتّى لحقوا بالعدوّ فوافقوه(2)، وجاء رجل من هوازن على جمل ومعه راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين أكبّ عليهم، فإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه وهو يرتجز :

أنا أبو جرول لا يراحُ(3) حتّى نبيح القوم أو نباح

فصمد له أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره.

ثمّ قال :

«قد علم القوم لدى الصياح4 إنّي في الهيجاء ذو نضاح»

وكانت(4)هزيمة المشركين بقتل أبي جرول، ثمّ التأم المسلمون وصفّوا للعدوّ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اللّهمّ إنّك أذقت أوّل قريش نكالاً فأذق آخرهم وبالاً» ، وتجالدوا، فقام النبيّ في ركابه وقال(5): «الآن حمي الوطيس»(6) ، وقال :

«إنّ الذي لا أكذب(7) أنا ابن عبد المطّلب»

فما كان أسرع من أن وليّ القوم أدبارهم وجيء بالأسرى مكتّفين، ولمّا قتل أمير


1- في المصدر : بنفسه.
2- في المصدر : فواقعوه.
3- في المصدر : لا براح. 4 . في المصدر : الصباح.
4- في المصدر : فكانت.
5- في المصدر : في ركائبه فقال.
6- «الوطيس : التنوّر، واستعير للحرب إذا اشتدّت»، نفس المصدر، ص222.
7- في المصدر : أنا النبيّ لا كذب.

ص: 404

المؤمنين عليه السلام أبا جرول ووضع المسلمون سيوفهم فيهم، قتل أمير المؤمنين عليه السلام منهم أربعين رجلاً، ثمّ كانت الهزيمة والأسرى(1) حينئذٍ... .

وما زال المسلمون يقتلون ويأسرون حتّى تعالى النهار . وفي هذه الغزاة قسّم(2) الغنائم وأجزل القسم للمؤلّفة قلوبهم كأبي سفيان وابنه معاوية(3) وعكرمة ابن أبي جهل ورجال منهم، وأعطى الأنصار شيئاً يسيراً، فغضب اُناس(4) من الأنصار، وبلغه عنهم مقال فأسخطه، فجمعهم وقال : اجلسوا ولا يجلس معكم أحد غيركم، فجاء النبيّ صلى الله عليه و آله ومعه أمير المؤمنين عليه السلام فجلس وسطهم وقال : «إنّي أسألكم(5) فأجيبوني ألم تكونوا ضالّين فهداكم اللّه بي؟» فقالوا : بلى يارسول اللّه (6) صلى الله عليه و آله فللّه المنّة ولرسوله ، قال : «ألم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم اللّه بي؟» قالوا(7) : فللّه المنّة ولرسوله ، قال : ألم تكونوا قليلاً فكثّركم اللّه بي؟» قالوا: بلى يارسول اللّه صلى الله عليه و آله فللّه المنّة ولرسوله، قال: «ألم تكونوا أعداءً فألّف اللّه بين قلوبكم بي؟» قالوا : بلى يارسول اللّه.(8)

ثمّ سكت صلى الله عليه و آله هنيئة(9) وقال : «لا تجيبون(10) بما عندكم؟» قالوا : بِمَ نجيبك فداك آباؤنا واُمّهاتنا؟ قد أجبنا بأنّ لك المنّة(11)والفضل والطول علينا ، قال صلى الله عليه و آله : «أما لو شئتم لقلتم وأنت جئتنا طريداً فآويناك، وخائفاً فأمنّاك، ومكذَّباً فصدّقناك»، فارتفعت أصواتهم بالبكاء وقام شيوخهم وساداتهم فقبّلوا يديه ورجليه وقالوا :


1- في المصدر : والأسر.
2- في المصدر + : النبيّ صلى الله عليه و آله .
3- في المصدر : معاوية ابنه.
4- في المصدر : ناس.
5- في المصدر : فقال : إنّي سائلكم.
6- في المصدر _ : يارسول اللّه صلى الله عليه و آله .
7- في المصدر + : بلى.
8- في المصدر : بلى فللّه المنّة ولرسوله.
9- في المصدر : هنيهة.
10- في المصدر : ألا تجيبون.
11- في المصدر : المنّ.

ص: 405

رضينا باللّه وعنه وبرسوله وعنه، وهذه أموالنا بين يديك فإن شئت فاقسمها على قومك، وإنّما قال من قال منّا على غير وغر صدر وغلّ في قلبٍ، ولكنّهم ظنّوا سخطاً عليهم وتقصيراً بهم، وقد استغفروا من ذنوبهم، فاستغفر لهم يارسول اللّه ... فقال صلى الله عليه و آله : «الأنصاريّ تُرسي(1) وعيبتي، لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار - إلى أن قال- : وسار رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الطائف فحاصرها، وأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام في خيل، وأمره أن يطأ ما وجد(2)، فسار عليه السلام ولقيته خيل من خثعم في جمع كثير، وبرز إليه رجل اسمه شهاب في وقت الصبح ، فقال عليه السلام :

«إنّ على كلّ رئيس حقّاً أن يروي الصعدة أو تندقّا»

وضربه فقتله وهزم جمعه وكسّر الأصنام، وعاد إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو على الطائف، فخلى به وناجاه طويلاً .

قال جابر : فقال عمر بن الخطّاب : أتناجيه وتخلو به دوننا؟ فقال صلى الله عليه و آله : «يا عمر ما أنا انتجيته ولكن اللّه انتجاه» ، وخرج من حصن الطائف نافع بن غيلان في خيل من ثقيف، فلقيه أمير المؤمنين عليه السلام ببطن(3) فقتله، وانهزم المشركون ودخلهم الرعب، فنزل(4) جماعة واستسلموا(5)، وكان حصار الطائف بضعة عشر يوماً(6).

ثمّ كانت غزاة تبوك

قال فيالتلخيص : فأمررسول اللّه صلى الله عليه و آله بالخروج(7)إليها بنفسه،


1- في المصدر: كرشي.
2- في المصدر + : ويكسر كلّ صنم وجده.
3- في المصدر +: وجَّ.
4- في المصدر + : منهم.
5- في المصدر : وأسلموا.
6- «كشف الغمّة» ج1، 220_ 226.
7- في المصدر : فأمر اللّه رسوله بالخروج.

ص: 406

وأن يستنفرالناس للخروج إليها، وأخبره أنّه لا يحتاج(1)إلى حرب، ولا يمنى بقتال عدوّ، وأنّ الاُمور تنقاد إليه(2) بغير سيف، وتعبّده(3) بامتحان أصحابه بالخروج معه، واختبارهم بذلك، ليتميّزوا(4) وكان الحرّ قويّاً، وقد أينعت ثمارهم فأبطأ أكثرهم عن طاعته رغبةً في العاجل، وحرصاً على المعيشة وإصلاحها، وخوفاً من القيض(5) وبُعد المسافة ولقاء العدوّ، ونهض بعضهم على استثقال النهوض، وتخلّف آخرون واستخلف عليّاً(6) في أهله وولده وأزواجه ومهاجرته(7)، وقال : «يا عليّ إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك» لأنّه صلى الله عليه و آله خاف عليها في غيبته ممّن عساه أن(8) يطمع فيها من مفسدي العرب، فاستظهر لها باستخلافه عليّاً عليه السلام ، فحسدوه(9)وعظم عليهم مقامه بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعلموا أنّه لم يغيب إذا حضرها، وإنّه لا مطمع للعدوّ فيها بوجوده، وغبطوه على الرفاهيّة والدعة، وتكلّف من خرج منهم المشاق، فأرجفوا أنّه لم يخلّفه إكراماً(10)ولا إجلالاً، وإنّما خلّفه استثقالاً لمكانه ورغبةً في بُعده، فبهتوه بهذه(11)الأرجاف كما قيل عن النبيّ صلى الله عليه و آله : إنّه ساحر وشاعر(12)وإنّما يعلّمه بشرٌ، وهم يعلمون أنّهم يكذبون عليه، وأنّه على(13)ما يقولون، وأنّه كان أحبّ الناس إليه وأقربهم من قلبه .


1- في المصدر + : فيها.
2- في المصدر : له.
3- في المصدر: يعبّده.
4- في المصدر : ليتميّزوا بذلك.
5- في المصدر : القيظ.
6- في المصدر : عليٌّ عليه السلام .
7- في المصدر : مهاجريه.
8- في المصدر _ : أن.
9- في المصدر : باستخلافه فيها، وإنّ المنافقين لمّا علموا باستخلافه عليّاً حسدوه.
10- في المصدر +: له.
11- في المصدر : بهذا.
12- في المصدر + : وإنّه شاعر.
13- في المصدر + : خلاف.

ص: 407

فلمّا سمع عليه السلام أراد إظهار كذبهم وفضيحتهم، فلحق النبيّ صلى الله عليه و آله وقال : «يارسول اللّه إنّ المنافقين زعموا(1) إنّما خلّفتني استثقالاً ومقتاً» ، فقال صلى الله عليه و آله : «ارجع يا أخي إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»... - إلى أن قال - : ولو علم اللّه تعالى أنّ نبيّه صلى الله عليه و آله يحتاج في هذه الغزاة إلى حرب لم يأذن في تخلّفه، ولا رضى بلبثه عنها وتوقّعه(2) ولكنّه صلى الله عليه و آله وعد بأنّ الجهة التي تقصد(3) لا يفتقر في نيلها إلى مصاولة، ولا تحتاج(4) في تملّكها إلى منازلة، فاستخلف عليّاً عليه السلام على حراسة دار هجرته، وحفظ ما يخاف عليه من كيد العدوّ ومعرته.

ولمّا عاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قدم عمرو بن معدي كرب الزبيدي، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اسلم يا عمرو يؤمنك اللّه يوم الفزع الأكبر» ، فقال : ما الفزع الأكبر فإنّي لا أفزع؟ فقال صلى الله عليه و آله : «يا عمرو إنّه ليس كما تظنّ، إنّ الناس يصاح بهم صيحة واحدة، فلا يبقى ميّت إلاّ نشر ولا حيّ إلاّ مات إلاّ ما شاء اللّه» .

ثمّ يصاح بهم صيحة اُخرى، فينشر من مات ويصفّون جميعاً وتنشقّ السماء، وتهدّ الأرض، وتخرّ الجبال، وتزفر النيران وترمي النار بمثل الجبال شرراً، فلا يبقى ذو روح إلاّ انخلع قلبه و(5)ذكر ذنبه، وشغل بنفسه إلاّ ما(6)شاء اللّه، فأين أنت يا عمرو من هذا؟ قال : إنّي أسمع أمراً عظيماً ، فأسلم(7) وآمن باللّه ورسوله وآمن معه ناسٌ من قومه ورجعوا إلى قومهم .


1- في المصدر +: إنّك.
2- في المصدر : توقفه.
3- في المصدر : يقصدها.
4- في المصدر : ولا يحتاج.
5- في المصدر _ : و.
6- في المصدر : من.
7- في المصدر : وأسلم.

ص: 408

ثمّ إنّ عمرواً(1) نظر إلى أبي ابن(2) عثعث الخثعمي، فأخذ برقبته وجاء به إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : أعدني إلى(3)هذا الفاجر الذي قتل أبي ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : «أهدر الإسلام ما كان في الجاهلية» فانصرف عمرو مرتدّاً وأغار على قوم من بني(4) الحرث بن كعب ومضى إلى قومه، فاستدعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمّره على المهاجرين وأنفذه إلى(5) زبيد، وأرسل خالد بن الوليد في طائفة من الأعراب وأمره بقصد الجعفي، فإذا التقيا فالأمير هو(6) أمير المؤمنين، فاستعمل أمير المؤمنين عليه السلام على مقدّمته خالد بن سعيد بن العاص، واستعمل خالد بن الوليد على مقدّمته أبو موسى الأشعري، فلمّا سمعت جعفى افترقت فرقتين، ذهبت إحداهما إلى اليمن ومالت الاُخرى إلى بني زبيد، فسمع أمير المؤمنين عليه السلام فكاتب خالداً أن قف حيث أدركك رسولي، فلم يقف، فكتب إلى خالد بن سعيد يأمره بأن تعرض له حتّى يحبسه(7)، فاعترض له وحبسه، فأدركه أمير المؤمنين عليه السلام وعنّفه على خلافه وسار حتّى لقى بني زبيد، فلمّا رأوه قالوا لعمر(8): وكيف أنت يا أبا ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي؟ فأخذ منك الإمارة(9) فقال : سيعلم إذا لقيني، وخرج عمرو فقال : من يبارز؟ فنهض إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال(10) خالد بن سعيد بن العاص وقال(11) : دعني يا أمير المؤمنين(12)، بأبي أنت واُمّي اُبارزه ، فقال عليه السلام : «إن كنت ترى لي عليك طاعة فقف مكانك» فوقف ثمّ


1- في المصدر : عمراً.
2- في المصدر : ابن أبي.
3- في المصدر: على.
4- في المصدر _ : بني.
5- في المصدر + : بني.
6- في المصدر _ : هو.
7- في المصدر : تحبسه.
8- في المصدر : لعمرو.
9- في المصدر : الاتاوة.
10- في المصدر : فقام.
11- في المصدر + : فقال له.
12- في المصدر : يا أبا الحسن.

ص: 409

برز إليه أمير المؤمنين عليه السلام فصاح به صيحة، فانهزم عمرو وقتل أخاه وابن أخيه، وأُخذت امرأته وسبى منهم نسوان، وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام وخلّف خالد بن سعيد ليقبض زكواتهم، ويؤمّن من عاد منهم إليه مسلماً، فرجع عمرو بن معدي كرب واستأذن على خالد بن سعيد فأذن له، فعاد إلى الإسلام، وكلّمه في امرأته وولده فوهبهم له ... .

وفي هذه الغزاة من الفضل لأمير المؤمنين عليه السلام والفتح على يده وإظهار النبيّ(1)صلى الله عليه و آله : فإنّه يحلّ له من الفيء ما يحلّ له واختصاصه بذلك دون غيره، وما ظهر من حبّ النبيّ صلى الله عليه و آله له، وتحذيره من مبغضيه(2)، وتعريف فضله من لم يكن يعرفه، وحثّ بريدة على حبّه وقوله صلى الله عليه و آله :«هو خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافّة اُمّتي»، تعريض _ لا واللّه _ بل تصريح بخلافته وإمامته وإشعار بمحلّه منه ومكانته، وأنّه أحقّهم بمقامه وأخصّهم به من(3) نفسه، وآثرهم عنده، ما لا يشاركه فيه أحدٌ، ولايقاربه ولا يدانيه، ومن أين يدرك شأوه من يبتغيه(4) .

ثمّ غزاة السلسلة

في التلخيص المذكور قال : جاء أعرابي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وقال : إنّ(5) من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل يريدون أن يبيّتوك بالمدينة، فأمر بالصلاة جامعة، فاجتمعوا وعرفهم وقال: «من لهم؟» فانتدب جماعة من أهل الصُّفّة عدّتهم ثمانون منهم ومن غيرهم، فاستدعى أبا بكر وقال له : «خذ اللواء وامضي إلى بني سليم، فإنّهم قريب من الحرّة» فمضى ومعه القوم حتّى قارب أرضهم، وكانت كثيرة الحجارة والشجر،


1- في المصدر + : منزلته.
2- في المصدر : بغضه.
3- في المصدر : في.
4- «كشف الغمّة» ج1، ص227_ 230.
5- في المصدر + : قوماً.

ص: 410

وهم بالوادي والمنحدر إليهم صعب، فلمّا صار أبو بكر إلى الوادي وأراد الانحدار إليه فهزموه(1) وقتلوا جمعاً من المسلمين، فلمّا رجعوا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله عقد لعمر لواء وسيّره إليهم، فكمنوا له تحت الحجارة والشجر، فلمّا ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه، فساء النبيّ(2) صلى الله عليه و آله فقال عمرو بن العاص : ابعثني إليهم يارسول اللّه فإنّ الحرب خدعة، ولعلّي أخدعهم فأنفذه مع جماعة وأوصاه، فلمّا صار إلى الوادي خرجوا إليه(3) وقتلوا من أصحابه جماعة.

ومكثوا(4) رسول اللّه صلى الله عليه و آله (5) يدعو عليهم ثمّ دعى أمير المؤمنين عليه السلام فعقد له لواء ثمّ قال صلى الله عليه و آله : «أرسلته كرّاراً غير فرّار» ورفع يديه إلى السماء ، وقال : «اللّهمّ إن كنت(6) إنّي رسولك فاحفظني فيه وافعل به وافعل» فدعى(7)ما شاء .

وخرج عليّ عليه السلام وخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله يشيّعه وبلغ معه مسجد الأحزاب، فشيّعه ودعى له وأنفذ معه أبا بكر وعمرو بن العاص، فسار بهم نحو العراق متنكّباً عن الطريق حتّى ظنّوا أنّه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثمّ أخذ بهم على(8) غامضة واستقبل الوادي من فمه، وكان يسير الليل ويكمن النهار ، فلمّا قرب من الوادي أمر أصحابه أن يخفوا صوتهم(9) وأوقفهم مكاناً وأقام أمامهم ناحية عنهم(10)، ورأى عمرو بن العاص صنيعه، فلم يشكّ أنّ الفتح يكون له فأراد فساد(11) الحال، وخوّف أبا بكر وعمر من


1- في المصدر : وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه.
2- في المصدر : ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
3- في المصدر + : فهزموه.
4- في المصدر : ومكث.
5- في المصدر + : أيّاماً.
6- في المصدر + : تعلم.
7- في المصدر + : له.
8- في المصدر + : طريق.
9- في المصدر : حسهم.
10- في المصدر : منهم.
11- في المصدر : إفساد.

ص: 411

وحوش الوادي وذئابه وأنّ المصلحة أن تعلوا على الوادي، فكلّما عليّاً عليه السلام في ذلك فلم يجبهما ، فقال عمر : لا نضيّع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلوا الوادي ، فقال المسلمون : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمرنا أن لا نخالف عليّاً عليه السلام فكيف نخالفه ونسمع قولك؟ فما زالوا حتّى أحسّ عليّ عليه السلام الفجر، فكبس القوم وهم غافلون ما مكّنه اللّه منهم، ونزلت : «وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحا* فَالْمُورِيَاتِ قَدْحا»(1) إلى آخرها.

فبشّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصحابه بالفتح وأمرهم باستقبال عليّ عليه السلام ، فاستقبلوه والنبيّ صلى الله عليه و آله يقدمهم، فقاموا صفّين فلمّا بصر بالنبيّ صلى الله عليه و آله ترجّل عن فرسه، فقال له : «اركب فإنّ اللّه تعالى ورسوله عنك راضيان» فبكى أمير المؤمنين فرحاً، فقال له النبيّ : «يا علي لولا أنّني أشفق أن يقول(2)فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ وأخذوا التراب من تحت قدميك»(3) .

ولقد أجاد من قال :

سل عن عليّ مقامات عرفن به شدّت عرى الدِّين في حلٍّ ومرتحل

بدراً واُحداً وسل عنه هوازن في أرطاس(4) واسئل به في وقعة الجمل

وسل به إذ أتى الأحزاب يقدمهم عمرو وصفّين سلْ إن كنت لم تسل

مآثر صافحت شهب النجوم علا مشيدة وسمت(5) قدراً على زحل

وسنّة شرعت سُبل الهدى وندىً أقام للطالب الجدوى على السبل

كم من يدٍ لك فينا يا أبا حسن يفوق نائلها صوب الحيا الهطل

وكم كشفت عن الإسلام فادحة أبدت لتفرّس عن أنيابها العضل


1- العاديات 100: 1 و 2.
2- في المصدر : أن تقول.
3- «كشف الغمّة»، ج1، ص230_ 232.
4- في المصدر : أوطاس.
5- في المصدر : قد سمت.

ص: 412

وكم نصرت رسول اللّه منصلتاً كالسيف عُرّى متناه عن الخلل

وربّ يومٍ كظلّ الرمح ما سكنت نفس الشجاع به من شدّة الوهل

ومأزق الحرب ضنك لا مجال به ومنهل الموت لا يغني عن(1) النهل

والنقع قد ملأ الأرجاء عثيرُه فصار كالجبل الموفى على الجبل

جلوته بشبا البيض القواضب و الجرد السلاهب والعسالة الذبل

بذلت نفسك في نصر النبيّ ولم تبخل وما كنت في حالٍ أخا بخل

وقمت منفرداً كالرمح منتصباً لنصره غير هيّاب ولا وكل

تردي الجيوش بعزمٍ لو صدمت به صمّ الصفا لهوى من شامخ القلل

يا أشرف الناس من عُربٍ ومن عجم وأفضل الناس في قولٍ وفي عمل

يا من به عرف الناس الهدى وبه ترجى السلامة عند الحادث الجلل

يا من أعاد رسوم العدل جاليةٍ وطالما سترتها وحشة العطل

يافارس الخيل والأبطال خاضعةً يا من له كلّ خلق اللّه كالخول

يا سيّد الناس يا من لا شبيه(2) له يا من مناقبه تسري سرى المثل(3)...

قال في الكتاب المسطور : ولمّا انتشر أمر الإسلام في البلاد بعد الفتح وما وليه(4) من الغزوات، وفدت الوفود على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان ممّن وفد عليه أبو حارثة أسقف نجران في ثلاثين رجل(5) من الأنصار(6)، منهم : العاقب والسيّد وعبد المسيح، فقدموا المدينة فصارت إليهم اليهود وتسائلوا(7)بينهم فقالت النصارى لهم: لستم على


1- في المصدر : على.
2- في المصدر : مثيل.
3- «كشف الغمّة» ج1، ص275 و 276.
4- في المصدر : ولاه.
5- في المصدر : رجلاً.
6- في المصدر : النصارى.
7- في المصدر : فتساءلوا.

ص: 413

شيء، وقالت اليهود لهم : لستم على شيء، وفي ذلك أنزل اللّه تعالى : «وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ»(1) إلى آخرها، فلمّا صلّى النبيّ صلى الله عليه و آله العصر جاؤوا إليه يقدمهم الأسقف فقال : يا محمّد ما تقول في(2) المسيح؟ فقال صلى الله عليه و آله : «عبد اللّه اصطفاه وانتجبه» ، فقال الأسقف : أتعرف له أباً ولّده؟ فقال صلى الله عليه و آله : «لم يكن عن نكاح فيكون له والد» ، فقال : كيف تقول إنّه عبدٌ مخلوق وأنت لا ترى عبداً بغير أبٍ، فأنزل اللّه تعالى الآيات من سورة آل عمران إلى قوله : «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّه ِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قدس سرهم صلى الله عليه و آله الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ صلى الله عليه و آله وسلم فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3).

فتلاها على النصارى ودعاهم إلى المباهلة، وقال صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه تعالى أخبرني أنّ العذاب ينزل على المبطل عقيب المباهلة ويبيّن الحقّ من الباطل» ، قال : فاجتمع الأسقف وأصحابه وتشاوروا فاتّفق(4) رأيهم على استنظاره إلى صبيحة غدٍ، فلمّا رجعوا إلى رحالهم قال الأسقف : انظروا محمّداً صلى الله عليه و آله فإن غدا بأهله وولده فاحذروا مباهلته، فإن(5) غدا بأصحابه فباهلوه فإنّه على غير شيء ، فلمّا كان الغد جاء النبيّ صلى الله عليه و آله آخذاً بيد عليّ عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام يمشيان بين يديه، وفاطمة عليهاالسلام تمشي خلفه، فسأل الأسقف عنهم فقالوا : هذا عليّ بن عمّه وهو صهره وأبو ولديه(6) وأحبّ الخلق إليه، وهذان الطفلان ابنا بنته من عليّ عليه السلام وهما من أحبّ الخلق إليه وهذه الجارية فاطمة ابنته عليهاالسلام وهي أعزّ الناس عنده وأقربهم إلى قلبه ، فنظر الأسقف


1- البقرة 2: 113.
2- في المصدر + : السيّد.
3- آل عمران 3: 59 و 61.
4- في المصدر: واتّفق.
5- في المصدر : وإن.
6- في المصدر : ولده.

ص: 414

إلى العاقب والسيّد وعبد المسيح وقال لهم : انظروا فإنّه(1) قد جاء بخاصّة(2) ولده وأهله ليباهل بهم واثقاً بحقّه واللّه ما جاء بهم(3)يتخوّف الحجّة عليه فاحذروا مباهلته ! واللّه لولا مكانة قيصر لأسلمت له، ولكن صالحوه على ما يتّفق بينكم، وارجعوا إلى بلادكم وارتوط(4) لأنفسكم ، فقالوا : رأينا لرأيك تبع فقال الأسقف : يا أبا القاسم إنّا لا نباهلك ولكن(5) نصالحك، فصالحنا على ما ننهض به، فصالحهم على ألفي حلّة قيمة كلّ حلّة أربعون درهماً جياداً، فما زاد ونقص كان بحساب ذلك وكتب لهم كتاباً وكان الكتاب : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحاشيتها إلى آخره، ففي هذه القصّة بيان لفضل عليّ عليه السلام وظهور معجزة النبيّ صلى الله عليه و آله ، فإنّ النصارى علموا أنّهم متى باهلوه حلّ بهم العذاب، فقبلوا الصلح ودخلوا تحت الهدنة(6) ... الحديث .

جمّعت في صفاتك الأضداد فلهذا عزّت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجاع ناسكٌ فاتكٌ(7) فقيرٌ جواد

خُلقٌ يشبه(8) النسيم من اللطف وبأسٌ يذوب منه الجماد

شيمٌ ما جمعن في بشرٍ قط ولا حاز مثلهنّ العباد

فلهذا تعمّقت فيك أقوامٌ بأقوالهم فزانوا وزادوا

وعلت في صفات فضلك يا سين وطاها وآل ياسين وصاد

ظهرت منك للورى معجزات(9) فأقرّت بفضلك الحسّاد(10)


1- في المصدر _ : فإنّه.
2- في المصدر : بخاصّته من ولده.
3- في المصدر + : وهو.
4- في المصدر : وارتأوا.
5- في المصدر : لكنّا.
6- «كشف الغمّة» ج1، ص232 و 233.
7- في المصدر : فاتك ناسك.
8- في المصدر : يخجل.
9- في المصدر : مكرمات.
10- «الكنى والألقاب» للشيخ عبّاس القمّي، ج2، ص421 _ 423، ذيل مادّة «الصفى الحلى».

ص: 415

إن يكذب بها عداك فقد كذّب من قبل قوم لوطٍ وعاد

أنت سرّ النبيّ والصنو وابن العمّ والصهر والأخ المستجاد

لو رأى ملك النبيّ لأخا ه وإلاّ فأخطأ الانتقاد

فيكم يا أهل النبيّ ولم يلق لكم خامساً سواكم يُزاد

كنت نفساً له وعرسك وابنا ك لديه النساء والأولاد

جلّ معناك أن يحيط به الشعر ويحصي صفاته النقّاد

إنّما اللّه عنكم أذهب الرجس فردّت بغيضها الأضداد

ذاك مدح الإله فيكم فإن فهت بمدح فذاك قول يعاد(1)

وأمّا حروبه عليه السلام في زمن خلافته عليه السلام ومواقفه التي تزلزلت لبأسها ثوابت الأقدام، ومقاماته التي دفعته إليها الأقدار في مقاتلة بُغاة الإسلام، وحروبه التي أنذره بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فعُرفت من قتله إيّاهم مشكلات الأحكام، واشتبه الحقّ فيها على قوم فقعدوا عن نصرته، فندموا في الدُّنيا عن التخلّف عن الإمام(2).

فقد تقدّم منها ما لا يستوفيه النظر ولا يستقصيه السمع والبصر ولا يمكن الإحاطة به لبشر ، ولقد أجاد الحاج هاشم فيما قال وأفاد :

بشراً قلّ صفاته إن عاينوا منهنّ ما ظنّوا به المعبود

ضلّت قريش لم تقيس بسابق الحلبات ملطوم الجنين مذودا

يا صاحب المجد الذي لجلاله عنت البرايا مبغضاً وعنيدا

لك عزّ أفعال إذا استقريتها أخذت عليّ مغاوراً ونجودا

وصفات فضلٍ أشكلت معنى فلا إطلاق يكشفها ولا تقييدا


1- هذه الأبيات لم نجد مصدرها.
2- «كشف الغمّة» ج1، ص238.

ص: 416

ومراتب قلّدتها بمناقب كالعقد تلبسه الحسان الخودا

ما مرّ يومك أبيضاً عند الفدى إلاّ انثنى بدم العدى خنديدا

أحسبته بأبيك وجه خريدة فكسوت أبيض خدّها التوريدا

أنّى يشقّ غبار شؤك معشر كنت الوجود لهم وكنت الجودا

يجنون ما عرفت يداك مناقباً ألقت على شهب العقول خمودا

أنّى وهم والخيل ينشر وقعها نقعاً تظنّ به السماء كريدا

ومواقف لك دون أحمد جاوزت بمقامك التعريف والتحديدا

فعلى الفراش مبيت ليلك والعدا تهدي إليك بوارقاً ورعودا

فرقدت مثلوج الفؤاد كأنّها يهدى القراع لسمعك التغريدا

فكفيت ليلته وكنت معارضاً بالنفس لا فشلاً ولا رعديدا

فاستصبحوا فرأوا دوين مرادهم جبلاً أشمّ وفارساً صنديدا

رصدوا الصباح لينفقوا كنز العلى أو ما دروا كنز الهدى مرصودا

وغداة بدرٍ وهي اُمّ وقايع كبرت وما زالت لهنّ ولودا

قابلتهنّ فلم تدع لعقودها نظماً ولا لنظامهنّ عقيدا

فلتاح عتبة طاوياً بيمين من يمناه أردت شيبةً ووليدا

سجدت رؤوسهم لديك وإنّما كان الذي ضربت عليك سجودا

وتوحّدت بعد ازدواج والذي ندبت إليه لتهتدي التوحيدا

وقضيّة المهراس عن كثبٍ وقد عمّ الفرار أُساوداً وأُسودا

ولّى بها الطعن الدراك ولم تزل إذ ذاك مبدي كرّةً ومعيدا

فشددت كالليث الهيزبر فلم تدع ركباً لجيش ضلالة مشدودا

وكشفتهم عن وجه أبيض ماجد لم يعرف الإدبار والتعريدا

وعشيّة الأحزاب لمّا أقبلت كالسيل مفعمةً تقود القودا

عدلت عن النهج القديم وأقبلت حلف الضلال كتائباً وجنودا

ص: 417

فأبحت حرمتها وعُدت بكبشها في القاع تطعمه السباع حفيدا

وبني قريضة والنضير وسلم والواديين وخثعماً وزبيدا

مزّقت جيب نفاقهم وتركتهم أُمماً لعارية السيوف عمودا

وشللت عشراً فاقتنصت رئيسهم وتركت تسعاً للفرار عبيدا

وعلى حنين أين يذهب جاحداً لمّا ثبت به وراح شريدا

ولخيبر خبر يصمّ حديثه سمع العدى ويفجر الجلمودا

يوم به كنت الفتى الفتّاح والكرّار والمحبوب والصنديدا

من بعد ما ولّى الجبان برأيه الإيمان تلتحف الهوان برودا

ولمرتك فابتشرت بقربك بهجة فعل الودود يعاين المورودا

فنضرتها ونظرتها فكأنّها غصنٌ يرنّحها الصبا املودا

فغدوت ترفل والقلوب خوافق والنصر يرمى نحوك الاقليدا

فلقيتها وعلقت فارسها ولا عجب إذا افترس الهزبر سيّدا

ويل لأُمّه أيظنّك النكس الذي ولّى غداة الطعن يلوي جيدا

وتبعتها فحللت عقدة تاجها بيدٍ سمت ورتاجها المرصودا

وجعلته جسراً فقصّر فاغتدت طولى يمينك جسرها الممدودا

وأبجت حصنهم المشيّد فلم يكن حصن لهم من بعد ذاك مشيدا

فهوت لعزّتك الملائك سجّداً تولّى الثناء وتكثر التحميدا

وحديث أهل النكث عسكر عسكر بهم البهيمة جندها المحشودا

لاقاك فارسها فبندد هارباً لو كان محتوم القضاء مردودا

وعلى ابن هند طار منك باشم يوم غدا النبيّ الولاء سعودا

ألقى حجاش الكرملين فقادهم جهلاً فأبلس قائداً ومقودا

فغدوت مقتنصاً نفوس كماته للّه مقتنصٍ بصيد الصيدا

حتّى إذا اعتقد الفنا ورأى القنا مذ روبة روى الحسام حديدا

ص: 418

وبذى له الغضب الذي من قبله قد فلّ آباءً له وجدودا

رفع المصاحف لا ليرفعها علىً لكن ليخفض قدرها ويكيدا

مجنيّ بها ثمر الأمان وخلفه يوم يجرّعه الشراب صديدا

وكذاك أهل النهر ساعة فارقوا بفراقهم لجلالك التأييدا

فوضعت سيفك فيهم فأفادهم تلفاً فديتك متلفاً ومعيدا

ولقد روى مسروقهم عن أُمّه والحقّ ينطق منصفاً وعنيدا

قالت هم شرّ الورى ومبيدهم خير الورى أكرم بذاك مبيدا

سبقت مكارمك المكارم مثل ما حتمت لعمر فخارك التأييدا

ما زلت أسأل فيك كلّ قديمة عاد القديم وقبل عاد ثمودا

ألفاك آدم ادماً لا صالح يدري بذاك ولا نزيلك هودا

إنّي لأعذر حاسديك على العلى وعلاك عذري لو عذرت حسودا

فليحسد الحسّاد مثلك إنّه شرفٌ يزيد على المدى تجديدا

ما أنصفتك عصابة جهلتك إذ جعلت لذاتك في الوجود نديدا

ثمّ أوقفت حتّى أتتك رضىً بمن لم يرض كعبك أن يراه صعيدا

باعتك وابتاعت بجوهر ذاتك العلويّ سفليّ المبيع رديدا

ضلّت أدلّتها أتبدلُ بالعمى رشداً وبالعدم المحال وجودا

تذنيب لبعضهم :

لا عذّب اللّه اُمّي إنّها شربت حبّ الوصيّ وغذّتنيه باللبن

وكان لي والدٌ يهوى أبا حسن فصرت من ذا وذي أبا حسن(1) (2)

وللصاحب ابن عبّاد ولقد أحسن وأجاد :


1- في المصدر : فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن.
2- «بحار الأنوار» ج104، ص115؛ «الكنى والألقاب» ج3، ص142.

ص: 419

إذا أنعمت نفسي فمنك نعيمها وإن تلفت وجداً فأنت سقيمها

بأسمائك الحسنى أروح خاطري إذا هبّ من قدس الجلال نسيمها

هواي قديمٌ في هواك وجدته وأفضل أهواء الرجال قديمها

أبا حسن لو كان حبّك مدخلي جهنّم كان الفوز عند جحيمها

فكيف يذوق النار من كان موقناً بأنّك مولاها وأنت قسيمها(1)

فيا عجباً من اُمّة كيف ترتجي من اللّه غفراناً وأنت خصيمها

ألا ليتني يوم القيامة خائضاً دماء نفوسٍ حاربتك حسومها

ستعلم ميّ أيّ دين تداينت وأي غريم بالتقاضي غريمها

أعدّت له يوم المعاد خصيمها فمشربها غساقها وحميمها

للبوصيري من قصيدة أوّلها :

كيف ترقى رقيّك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سماء

إلى أن قال :

وعليّ صنو النبيّ ومن دين فؤادي وداره والولاء

ووزير ابن عمّه في المعالي ومن الأهلي3 تسعد الوزراء

لم يزده كشف الغطاء يقيناً بل هو الشمس ما عليه غطاء(2)

لحسّان بن ثابت :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمٍّ واسمع بالنبيّ مناديا

وقد جاءه جبريل عن أمر ربّه بأنّك معصوم فلا تك وانيا

وبلغهم ما أنزل اللّه ربّهم إليك ولا تخشى هناك الأعاديا


1- «بحار الأنوار» ج104، ص114؛ «الكنى والألقاب» ج3، ص142، ذيل مادة «متنبّي». 2 . «الغدير» ج11، ص392. 3 . في المصدر : الأهل.
2- «الغدير» ج6، ص70 و 71.

ص: 420

فقام رسول اللّه رافع صوته(1) بكفّ على معلن الصوت عاليا

وقال فمن مولاكم ووليّكم؟ فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت وليّنا ولن تجدن منّا(2) لك اليوم عاصيا

فقال له: قم يا عليّ فإنّني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه فكونوا له أنصار صدقٍ مواليا

هناك دعى اللّهمّ والِ وليّه وكن للذي عادا عليّاً معاديا

فخصّ بها دون البريّة كلّها عليّاً وسمّ_اه الغدير الموفّيا

وياربّ فانصر ناصيريه لنصرهم إمام هدى كالبدر بين الدياجيا(3)

لابن أبي الحديد :

عن ريقها يتحدّث المسواكُ أرجا وهل(4) شجر الكباء أراك

إلى أن قال :

الجوهر النبويّ لا أعماله ملقٌ ولا توحيده اشتراك

ذو النور أن نسبح الضلال ملائةً دكناء فهو لسجفها هتّاك

علاّم أسرار الغيوب ومن له خلق الزمان ودارت الأفلاك

في عصبة مرّيخها وبغرّة الملهوب منها مززمٌ(5) وسماك

فكأنّ أعناق الملوك فإن يرد أسراً لها لم يقض منه فكاك

طعنٌ كأفواه المزاد ودونه ضرب كأشداق المخاض دراك

ما عذر من دانت لديه ملائك ألاّ يدين(6) لعزّه الأملاك


1- في المصدر : ولا تخش.
2- في المصدر : فقام به إذ ذاك رافع كفّه.
3- في المصدر : فينا.
4- في المصدر : «الغدير» ج2، ص39.
5- في المصدر : فهل.
6- في المصدر : مرزم.

ص: 421

متعاظم الأفعال لا هويّتها للأمر قبل وقوعه درّاك

أوفى من القمر المنير لنعله شسعٌ وأعظم من ذكاء شراك

الصافح الفتّاك والمتطوّل المنّان(1)والأخّاذ والثراك

قد قلت للأعداء إذ جعلوا له ضدّاً أيجعل كالحضيض سكاك(2)

حاش لنور الحقّ يعدله فضله(3) ظلم الضلال كما رأى الأفّاك

صلّى عليه اللّه ما اكتست الربى برداً بأيدي المعصرات يحاك(4)

وله من قصيدة أوّلها :

جلّت(5) فلمّا دقّ في عينك الورى نهضت إلى اُمّ القرى أيدي القرى

إلى أن قال :

وأظهرت نور اللّه بين قائل(6) من الناس لم يبرح بها الشرك نيّرا

وكسرت أصناماً طعنت حماتها بسمر الوشيج اللدن حتّى تكسّرا

رقيت بأسمى غاربٍ أحدقت به ملائك يتلون الكتاب الجهّرا(7)

بغارب خير المرسلين وأشرف الأنام وأزكى فاعل(8) وطأ الثرى

فسبّح جبريل وقدّس هيبة وهلّل إسرافيل رعباً وكبّرا

فيا رتبةً لو شئت أن تلمس السها بها لم يكن ما رمته متعذّرا

ويا قدميه أيّ قدسٍ وطئتا وأيّ مقامٍ فمتما فيه أنورا


1- في المصدر : المنّاع.
2- في المصدر : شكاك.
3- في المصدر : حاشا لنور اللّه يعدل فضله.
4- «الروضة المختارة» للكميت بن زيد الأسدي، ص110_ 114.
5- في المصدر : جللت.
6- في المصدر : قبائل.
7- في المصدر : المسطرا.
8- في المصدر : نامل.

ص: 422

بحيث أفاءت سدرة العرش ظلّها بضوحيه(1) فاعتدت بذلك مفخرا

وحيث الوميض الشعشاني فائضٌ من المصدر الأعلى تبارك مصدرا

فليس سواع بعده(2) بمعظّمٍ ولا اللاّت مسجود(3) لها ومعفّرا

ولا ابن نفيل يوم(4)ذاك ومقيس بأوّل من وسدته عفر الثرى

صدمت قريشاً والرماح شواجرٌ فقطّعت من أرحامها ما تشجّرا

فلولا أناة في ابن عمّك جعجعت بعضبك أجرى من دم القوم أبحرا

ولكنّ سرّ اللّه شطر فيكما فكنت لستطو ثمّ كان ليغفرا

وزدت(5) حنيناً والمنايا شواخص فذلّلت من أركانها ما توعرا

فكم من دمٍ أضحى بسيفك قاطراً بها من كمّي قد تركت مقطّرا

وكم فاجرٍ فجّرت ينبوع قلبه وكم كافرٍ بالترب أمسى(6) مكفّرا

وكم من رؤوس في الرماح عقدتها هناك لأحسام(7) محلّلة العرا

وأعجب إنساناً من القوم كثرة فلم تغن(8) شيئاً ثمّ هرول مدبرا

وضاقت عليه الأرض من بعد رحبها وللنصّ حكم لا يدافع بالمرا

فليس نكير(9) في حنين فراره ففي اُحدٍ قد فرّ خوفاً وخيبرا

رويدك أنّ المجد(10)حلوٌ لطاعمٍ غريبٌ فإن ما رمته(11)ذقت ممقرا


1- في المصدر : بضوجيه.
2- في المصدر : بعدها.
3- في المصدر : مسجوداً.
4- في المصدر : بعد.
5- في المصدر : وردت.
6- في المصدر : في الترب أضحى.
7- في المصدر : لأجسام.
8- في المصدر : يغن.
9- في المصدر : وليس بنكر.
10- في المصدر : المجلد.
11- في المصدر : مارسته.

ص: 423

وما كلّ من رام المعالي تحمّلت مناكبه منها الركام الكنهورا

تنحّ عن العلياء يسحب ذيلها همام تردّى بالعلى وتأزرا

فتىً لم يعرق(1) فيه تيم بن مرّة ولا عَبَدَ اللاّت الخبيثة أعصرا

ولا كان معزولاً غداة براءةٍ ولا عن صلاة أمَّ فيها مؤخّرا

ولا كان في بعث بن زيدٍ مؤمّراً عليه فاضحى لابن زيد مؤمرا

ولا كان يوم الغار يهفو جنانه حذاراً ولا يوم العريش تسترا

إمام هدىً بالقرص أثّر فاقتضى له القرص ردّ القرص أبيض أزهرا

يزاحمه جبريل تحت عبائه(2) لها قبل(3) كلّ الصيد في جانب الفرا

حلفت بمثواه الشريف وتربة أحال ثراها طيب ريّاه عنبرا

لأستنفذنّ العمر في مدحي له وإن لامني فيه العذول فأكثرا(4)

للشيخ علي الشاخيني في قصيدة أوّلها :

يا عين ما سفحت غروب دماكِ إلاّ بما الهمت حبّ دماك

إلى أن قال :

يا نفس لو أدركت حظّاً وافراً لنهاك عن فعل القبيح نهاكي(5)

وعلمت(6)من أنشاك من عدمٍ إلى هذا الوجود وصانعاً سواك

لشكرت نعمته(7) عليك وحسن ما أولاك من نعمائه مولاك

أولاك حبّ محمّد ووصيّه خير الأنام فنعم ما أولاك


1- في المصدر : لم تعرق.
2- في المصدر : عباءة.
3- في المصدر : قيل.
4- في المصدر : «الروضة المختارة» ص101_ 109.
5- في المصدر : نهاك.
6- في المصدر : وعرفت.
7- في المصدر : وشكرت منّته.

ص: 424

فهما لعمرك علّماك الدِّين في الأُولى وفي الاُخرى هما عَلَماك

وهما أمانك يوم بعثك في غدٍ وهما إذا انقطع الرجا رجاك

وإذا الصحائف في القيامة نشّرت سترا عيوبك عند كشف غطاك

وإذا وقفت على الصراط تبادرا فتقدّماك فلم تزِل قدماك

وإذا انتهيت إلى الجنان تلقّيا ك وبشّراك بها فيا بشراك

هذا رسول اللّه حسبك في غدٍ يوم الحساب إذ(1) الخليل جفاك

ووصيّه الهادي أبو حسن إذا أقبلت ظاميةً إليه سقاك

فهو المشفّع في المعاد وخير مَن علقت به بعد النبيّ يداك

فهو(2) الذي للدِّين بعد خموله حقّاً أراك فهُذبت آراك

لولاه ما عرف الهدى ونجوت من متضائق الأشراك والأشراك

هو فلك نوحٍ بين ممتسك به ناجٍ ومطّرحٍ مع الهلاّك

كم مارق مازقٍ قد غادرت مِزَقاً حدود حسامه البتّاك

سل عنه بدراً حين بادر قاصم الأملاك قائد موكب الأملاك

من صبّ صوب دم الوليد ومن ترى أخلا من الدَهُمِ الحُماة حَماك

واسئل فوارسها بأُحدٍ من ترى ألقاك وجه الحتف عند لقاك

وأطاح طلحة عند مشتبك القنا ولواك قسراً عند نكس لواك

واسئل بخيبر خابريها من ترى عفّى فناك ومن أباح فناك

وأذاق مرحبك الردى وأحلّه ضيق الشباك وفلّ حدّ شباك

واستخبري الأحزاب لمّا جرّدت بيض المذاكي فوق جرد مذاك

من ذا لعمرك نفس عمرك ظلّ مختلساً وخضب من لحاك لحاك


1- في المصدر : إذا.
2- في المصدر : وهو.

ص: 425

واستشعرت فرقاً جموعك إذ غدت فرقاً وأدبر إذ قفاك قفاك

قد قلت حين تقدّمته عصابة جهلوا حقوق حقيقة الإدراك

لا تفرحي فبكثر ما استعذبت في أُولاك قد عذّبت في أُخراك

يا اُمّةً نقضت عهود نبيّها أفمن إلى نقض العهود دعاك

وصّاك خيراً في الوصيّ(1) كأنّما متعمّداً في بغضه وصّاك

أولم يقل فيه النبيّ مبلِّغاً «هذا عليّ(2) في العُلى أعلاك»

وأمين وحي اللّه بعدي وهو في إدراك كلّ قضيّةٍ إدراك

والمؤثر المتصدّق الوهّاب إذ ألهاك في دنياك جمع لهاك

إيّاك أن تتقدّميه فإنّه في حكم كلّ قضيةٍ أقضاك

فأطعت لكن في اللسان(3)مخافةً من بأسه والغدر حشو حشاك

حتّى إذا قبض النبيّ ولم يطل يوماً مداك له سللت(4) مُداك

وعدلت عنه إلى سواه ضلالةً ومددت جهلاً في خطاك خطاك(5)

لابن أبي الحديد من قصيدة أوّلها :

لمن ظعن بين الغميم فحاجر بزغن شموساً في ظلام الدياجر

إلى أن قال :

هو النبأ المكنون والجوهر الذي تجسّد من نورٍ من القدس زاهر

وذو المعجزات الواضحات أقلّها الظهور على مستودعات السرائر

ووارث علم المصطفى وشقيقه أخاً ونظيراً في العُلى والأوامر(6)


1- في المصدر : بالوصيّ.
2- في المصدر : عليك.
3- في المصدر : باللسان.
4- في المصدر : سننت.
5- «الغدير» ج6، ص378_ 380.
6- في المصدر : والأواصر.

ص: 426

ألا إنّما الإسلام لولا حسامه كعفطة عنزٍ أو قلامة ظافِر(1)

ألا إنّما التوحيد لولا علومه كعرضة ضلّيل ونهبة(2) كافر

ألا إنّما الأقدار طوع يمينه فبورك من وترٍ مطاع وقادر

فلو ركض الصمّ الجلامد واطياً لفجّرها بالمترعات الزواجر(3)

ولو رام كسف الشمس كوّر نورها وعطّل من أفلاكها كلّ دائر

هو الآية العظمى ومستنبط الهدى وخيرة أرباب النهى والبصائر

رمى اللّه منه يوم بدرٍ خصومةٍ بذي قذد في آل بدرٍ مبادر

وقد جاشت الأرض العريضة بالقنا فلم يلف إلاّ ضامر فوق ضامر

فلو نتجت أمّ السماء صواعقاً لما شجّ منها سارح رأس حاسر

فكان وكانوا كالقطامى ناهض البغاث فصرّى شلوه بالأظافر

سرى نحوهم رسلاً فسارت قلوبهم من الخوف وخداً نحوه في الحناجر

كأنّ ظباه مشرفية(4) من كرى فما تبتغي(5) إلّا مقر المحاجر

فلا تحسبنّ الرعد رجس غمامة ولكنّه في بعض تلك الزماجر

ولا تحسبنّ البرق ناراً فإنّه وميض أتى من ذي الفقار بفاقر

ولا تحسبنّ المزن تهمى فإنّه(6) أنامله تهمى بأوطف هامر

تعاليت عن مدح فأبلغ خاطب بمدحك بين الناس أقصر قاصر

صفاتك أسماء وذاتك جوهر برئ المعاني من صفات الجواهر

يجلّ عن الإعراض والأين والمتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر


1- في المصدر : فلامة حافر.
2- في المصدر : أو نهبة.
3- في المصدر : الزواخر.
4- في المصدر : ظبات المشرفية.
5- في المصدر : يبتغي.
6- في المصدر : فإنّها.

ص: 427

إذا طاف قوم بالمشاعر والصفا فقبرك ركني طائفاً وماشاعري

وإن ذخر الأقوام نسك عبادة فحبّك أو في عدّتي وذخائري

وإن صام قومٌ(1) في الهواجر خشية(2) فمدحك أسنى من صيام الهواجر

واعلم أنّي(3) أطعت غوايتي فحبّك أنسى في بطون الحفائر

وإن أك فيما جئته شرّ مذنبٍ فربّك يا خير الورى خير غافر

فواللّه لا أقلعت من لهو صبوتي ولا سمع اللاّحون يوماً معاذري

إذا كنت للنيران في الحشر قاسماً أطعت الهوى والغي غير محاذر

نصرتك في الدُّنيا بما أستطيعه فكن شافعي يوم المعاد وناصري(4)

وله من قصيدة أوّلها :

يا رسم لا رسمتك ريح زعزع وسرت بليلٍ في عراصك خروع

إلى أن قال :

قد قلت للبرق الذي شقّ الدّجى فكأنّ زنجيّاً هناك يجدّع

يا برق إن جئت الغريّ فقل له أتراك تعلم من بأرضك مودع

فيك ابن عمران الكليم وبعده عيسى يقفيه وأحمد يتبع

بل فيك جبريل وميكال وإسرا فيل والملأ المقدّس أجمع

بل فيك نور اللّه جلّ جلاله لذي(5)البصائر يستشف فيبلغ(6)

فيك الإمام المرتضى فيك الو صيّ المجتبى فيك البطين الأنزع

الضارب الهامّ المقنّع في الوغى بالخوف للبهم الكمات تقنع7


1- في المصدر : ناس.
2- في المصدر : حسبة.
3- في المصدر + : إن.
4- «الروضة المختارة» ص120_ 129.
5- في المصدر : لذوي.
6- في المصدر : ويلمع.

ص: 428

والسّمهرية تستقيم وتلتوي(1) فكأنّها بين الأضالع أضلع

والمترع الحوض المدعدع(2)حيث لا وادٍ يفيض ولا قليبٌ يترع

ومبدّد الأبطال حيث تألّبوا ومفرّق الأحزاب حين تجمّعوا3

والحبر يصدع بالمواعظ خاشعاً حتّى تكاد لها القلوب تصدع

حتّى إذا استعرّ الوغى متلظّياً شرب الدماء بغلة ما تنفع(3)

متجلبباً ثوباً من الدم قانياً يعلوه من نقع الملاحم برقع

زهد المسيح وفتكة الدهر الذي أودى به كسرى وفوّز تبّع

هذا ضمير العالم الموجود عن عدم وسرّ وجوده المستودع

هذي الأمانة لا يقوم بحملها خلقاء هابطة وأطلس أرفع

تأبى الجبال الشمّ من(4) تقليدها وتضجّ تيهاء وتشفق برقع

هذا هو النور الذي عذباته كانت بجبهة آدم تتطلّع

وشهاب موسى حين(5) أظلم ليله رفعت له لألآؤه فتشعشع(6)

يا من له ردّت ذكاء ولم يفز بنظيرها من قبل إلاّ يوشع

يا هازم الأحزاب لا يثنيه عن خوض الحِمام مدجّج ومدرّع

يا قالع الباب التي(7) عن هزّها عجزت أكفّ أربعون وأربع

لولا حدوثك قلت إنّك جاعل الأرواح في الأشباح والمستنزع


1- في المصدر : وتنحني.
2- في المصدر : المدعوع.
3- في المصدر : تجمع.
4- في المصدر : لا تنقع.
5- في المصدر : عن.
6- في المصدر : حيث.
7- في المصدر : تتشعشع.

ص: 429

لولا مماتك قلت إنّك باسط الأرزاق تقدّر في العطاء وتوسّع

ما العالم العلويّ إلاّ تربة فيها لجثّتك الشريفة موضع(1)

ما الدهر إلاّ عبدك القنّ الذي بنفوذ أمرك في البريّة مولع

أنا في مديحك ألكَنٌ لا أهتدي وأنا الخطيب الهزبريّ(2) المصقع

أأقول فيك سميدع كلاّ ولا حاشا لمثلك أن يُقال سميدع

بل أنت في يوم القيامة حاكمٌ في العالمين وشافعٌ ومشفّع

ولقد جهلت وكنت أحذق عالم أغرار عزمك أم حسامك أقطع

وفقدت معرفتي فلست بعارفٍ هل فضل علمك أم جنابك أوسع

لي فيك معتقد سأكشف سرّه فليصغ أرباب النهى وليسمعوا

هي نفثة المصدور يطفئ بردها حرّ القيامة(3)فاعذلوني أو دعوا

واللّه لولا حيدر ما كانت الدُّنيا ولا جمع البريّة مجمع

من أجله خلق الزمان وضوئت شهبٌ كنس(4)وجنّ ليل أدرع

علم الغيوب إليه غير مدافعٍ والصبح أبيض مسفر لا يدفع

وإليه في يوم المعاد حسابنا وهو الملاذ لنا غداً والمفزع

هذا اعتقادي قد كشفت غطائه سيضرّ معتقد(5) له أو ينفع

يا من له في أرض قلبي منزلٌ نعم المراد الرحب والمستربع

أهواك حتّى في حشاشة مهجتي ناراً تشبّ على هواك وتلذع

وتكاد نفسي أن تذوب صبابةً خلقاً وطبعاً لا كمن يتطبّع(6)


1- في المصدر : مضجع.
2- في المصدر : الهبزري.
3- في المصدر : الصبابة.
4- في المصدر : كنسن.
5- في المصدر : معتقداً.
6- «الروضة المختارة»، ص133 _ 143.

ص: 430

وله من قصيدة أوّلها :

الصبر إلاّ في فراقك يجمل والصعب إلاّ عن ملالك يسهل

إلى أن قال :

يا راكباً تهوى به شدنيّة حرف كما تهوى حصاة من عل

هو جاء تقطع جوز تيار الفلا حتّى تبوص على يديها الأرجل

عجّ بالغريّ على ضريحٍ حوله نادٍ لأملاك السماء ومحفل

فمسبّح ومقدّسٌ وممجِّدٌ ومعظّمٍ ومكبّر ومهلّل

والثم ثراها المسك طيباً واستلم عيدانه قُبلاً فهنّ المندل

وانظر إلى الدعوات تصعد(1) عنده وجنود وحي اللّه كيف تنزل

والنور يلمع والنواظر شخّص واللّسن خرّس والبصائر(2) ذُهّل

واغضض واغض(3) فثمّ سرّ أعجم دقت معانيه وأمر مشكل

وقل السلام عليك يا مولى الورى نصّاً به نزل(4) الكتابُ المنزل

وخلافة ما إن لها لو لم تكن منصوصة من(5) جيد مجدك معدل

عجباً لقومٍ أخّروك وكعبك العالي وخدّ سواك أضرع أسفل

إن تمسّ محسوداً فسوءددك الذي أعطيت محسودُ المحلّ مبجّل

عضبٌ تحزّ به الرقاب يمدّه رأى بعزمته يحزّ المفصّل

وعلوم غيب لا تنال وحكمة فصل وحكم في القضيّة فيصل

عجباً لهذي الأرض يضمر تربها أطواد مجدك كيف لا تتزلزل

عجباً لأملاك السماء يفوتها نظراً(6) لوجهك كيف لا تتهيّل


1- في المصدر : تسعد.
2- في المصدر : البضائر.
3- في المصدر : وغض.
4- في المصدر : نطق.
5- في المصدر : عن.
6- في المصدر : نظر.

ص: 431

يا أيّها النبأ العظيم فمهتدٍ في حبّه وغواة قومٍ ضلّل

يا أيّها النار الذي(1)شبّ السنا منها لموسى والظلام مجلّل

يا فلك نوح حيث كلّ بسيطةٍ بحر يمور وكلّ بحر جدول

يا وارث التوراة والإنجيل و الفرقان والحِكَم التي لا تُعقل

لولاك ما خلق الزمان ولا دجى غبّ ابتلاج الفجر ليلٌ أليل

يا قاتل الأبطال مجدك للعدى من غرب مخذمك المهنّد أقتل

إن كان دين محمّد فيه الهدى حقّاً فحبّك بابه والمدخل

بذباب سيفك قرّ قارع طوده بعد التأوّد واستقام الأميل

لولاه(2) أصبح ثلمة لا تلتقي(3) أطرافها ونقيصة لا تكمل

كم جحفل للجزء من أجزائه يوم النزال يقلّ قولك جحفل

أثوابه الزرد المضاعف نسجه لكنّه بالزاغبيّة مخمل

يحيى المنيّة منه طعن أنجل برح محاجره وضرب أهدل(4)

نهنهت سورته بقلب قلّب ثبتٍ يخالفه(5) صقيل مصقل

صلّى عليك اللّه من متسربلٍ قمصاً بهنّ سواك لا يتسربل

وجزاك خيرٌ عن نبيّك أنّه ألفاك ناصره الذي لا يخذل(6)

للشيخ محمّد علي الأعسم من قصيدة أوّلها :

إنّي لمدح بني النبيّ لعاشق والعظم يشهد لي بأنّي صادق


1- في المصدر : التي.
2- في المصدر : لولاك.
3- في المصدر : لاتتّقي.
4- في المصدر : أهذل.
5- في المصدر : يحالفه.
6- «الروضة المختارة» ص148_ 157.

ص: 432

إلى أن قال :

ضلّت خلائق في عليّ مثل لما ضلّت بعيسى قبل ذاك خلائق

لا عذر للنصّاب والغالي له عذرٌ لبعض ذوي العقول موافق

كفرت به الفئتان لكن ليسنا شرعاً فإنّ النصب كفرٌ خارق

لا ينسب الإسلام للقالي له وإن ادّعى الإسلام فهو منافق

وهو الذي نطق الكتاب بمدحه وبفضله صدع النبيّ الصادق

ولغيره تغرى مناقب كلّها كانت دعاوى ما لهنّ حقائق

لو شاء تعطيلاً لأفلاك السماء ما عاقه عن مثل ذلك عائق

إن كان في الإسلام فتقٌ خاطه أو كان رتق فيه فهو الراتق

وبكفّه القلم الذي في جبهة الأشهاد يكتب مؤمن أو فاسق

إلى أن قال :

يا من إليه الحكم يرجعُ في غدٍ ولأمره أمر الإله موافق

وكأنّي بك والخلائق كلّها خرسٌ وما في الخلق غيرك ناطق

قد قام رضوانٌ لديك ومالك ولهم إلى شفتيك طرفٌ رامق

من قلتَ فيه خذوه عجّل أخذه لم ينتظر ماذا يقول الخالق

مولاي عبدك قد أحبّك دهره وبدى بنشر المدح وهو مراهق

ولّاك من طابت ولادته ولم تخبث فحبّكم المحكّ الفارق

وقلاك من حملته اُمّ أيّم أو فات زوج وهي منه طالق

أو في زمان لا تحلّ صلاتها فيه ولا هي للقبيح تفارق

لا أختشي هول المعاد وأنت لي مولىً ولا قلبي هنالك خافق

وعليكم صلّى المهيمن ما سرى نجمٌ وردّ على البريّة شارق

لابن أبي الحديد من قصيدة أوّلها :

ألا إنّ نجد المجد أبيض ملحوب ولكنّه جمّ المهالك مرعوب1

ص: 433

إلى أن قال :

دعا قصب العلياء يملكها أمرٌ(1) بغير أفاعيل الذناءة مقضوب

يرى أنّ طول الحرب والبؤس راحة وأنّ دوام السلم والخفض تعذيب

إلى أن قال :

جوادٌ علا ظهر الجواد وأخشبٌ تزلزل منه في النزال الأخاشيب

وأبيض مشطوب الفرند مقلّد به أبيض ماضي العزيمة مشطوب

إلى أن قال :

تجلّى لك الجبّار في ملكوته وللحتف تصعيد إليك وتصويب

وللشمس عين عن علاك كليلة وللدهر قلبٌ خافقٌ منك مرعوب

إلى أن قال :

إذا رامه المقدار أو رام عكسه فللقرب تبعيد وللبُعد تقريب

إلى أن قال :

فما ماس موسى في رداء من العلى ولا آب ذكراً بعد ذكرك أيّوب

أرى لك مجداً ليس يجلب حمده بمدح وكلّ الحمد بالمدح مجلوب

وفضلاً جليلاً إن دنى(2) فضل فاضلٍ تعاقب ادلاج عليه وتأويب

لذاتك تقديسٌ لرمسك طهرة لوجهك تعظيم لمجدك ترجيب

تقيلت أفعال الربوبيّة التي عذرت بها من شكّ إنّك مربوب

وقد قيل في عيسى نظيرك مثله فخسر لمن عادى علاك وتتبيب

عليك سلام اللّه يا خير من مشى به بازلٌ غير المهامة مرعوب(3)


1- في المصدر : مرهوب.
2- في المصدر : امروء.
3- في المصدر : ونى.

ص: 434

ويا خير من يغشى لدفع ملمّةٍ فيأمن مرعوب ويترف قرضوب

ويا ثاوياً حصباء مثواه جوهر وعيدانه عود وتربته طيب

تكوس به غرّ الملائك دفعةً(1) ويكبر قدراً أن تكون(2)به النيب

يجلّ(3) ثراه أن يضرّجه الدم المراق ويغشاه(4)الشوا والعراقيب

ويا علّة الدُّنيا ومن بدو خلقها له وسيتلو البدور في الحشر تعقيب

ويا ذا المعالي الغرّ والبعض محسب دليلاً(5)على كلّ فما الكلّ محسوب

ظننت مديحي في سواك هجائه وخلت لحبّي(6) إنّه فيك تشبيب

وقال لي(7) الرحمن ما(8) يوسف عداك بما قدّمت لؤم وتثريب(9)

تنسب هذه للشافعي في مدح مولانا عليّ عليه السلام :

قالوا أتمدح أمير النحل قلت لهم أمدح ومدح الورى في بعض معناه

أهل النهى عجزوا عن وصف حيدرة والعارفون بمعنى وصفه تاهوا

ماذا أقول بمن داست له قدمٌ في موضعٍ وضع الرحمن يمناه

إن قلت ذا بشر فالعقل يمنعني وأختشي اللّه من قولي هو اللّه

لكشاجم من قصيدة أوّلها :

بكاء وقلّ عناء(10)البكاء على رزء ذريّة الأنبياء

وكم موقف كان شخص الحمام من الخوف فيه قليل الخفاء


1- في المصدر : رفعة.
2- في المصدر : تكوس.
3- في المصدر : يحل.
4- في المصدر : تغشاه.
5- في المصدر : دليل.
6- في المصدر : مديحي.
7- في المصدر : له.
8- في المصدر + : قال.
9- «الروضة المختارة» ص84 100.
10- في المصدر : غناء.

ص: 435

جلاه فإن أنكروا فضله فقد عرفت ذاك شمس الضحاء

أراه(1)العجاج قبيل الصباح وردّت عليه بعيد السماء(2)

إلى أن قال :

هلال إلى الرشد عالي الضياء وسيف على الكفر ماضي المضاء

وبحر تدفّق بالمعجزات كما يتدفّق ينبوع ماء

علوم سماويّة لا تنال ومن ذا ينال نجوم السماء؟

لعمري الأُولى جحدوا حقّه وما كان أوهم(3)بالولاء(4)

للسيّد الحميري رحمه الله من قصيدة أوّلها :

هلاّ مررت(5) على المكان المعشب بين الطويلع فاللوى من كوكب(6)

إلى أن قال :

أتوى بن جرموز عمير شلوه بالقاع منعفراً كشلو الثوالب(7)

واغترّ طلحة عند مختلف اللقا(8) عبل الذراع شديد أصل المنكب

فاختلّ حبّة قلبة بمذلقٍ ريّان من دم جوفه المتصبّب

في مارقين من الجماعة فارقوا باب الهدى وحيا الربيع المخصب

خير البريّة بعد أحمد من له منّي الهوى وإلى بنيه تطرّبي(9)

إلى أن قال :


1- في المصدر : أراها.
2- في المصدر : المساء.
3- في المصدر : أولاهم.
4- «الغدير» ج4، ص15 و 16.
5- في المصدر : وقفت.
6- في المصدر : كبكب.
7- في المصدر : التوالب.
8- في المصدر : القنا.
9- «رسائل الشريف المرتضى» للسيّد المرتضى، ج4، ص53 76.

ص: 436

صهر النبيّ(1) وجاره في مسجد طهر بطيبة للنبيّ(2)مطيّب

سيّان فيه عليه غير مذمّمٍ ممشاً إن جنب(3) وإن لم يجنب

وسرى بمكّة حين بات مبيته ومضى بروعة خائف مترقّب

خير البريّة هارياً من شرّها بالليل مكتتما ولم يستصحب

باتوا وبات على الفراش ملفّقاً(4) رائين(5) أنّ محمّداً لم يذهب

حتّى إذا طلع الشميط كأنّه في الليل صفحة خدّادهم مغرّب

ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت غير الذي طلبت أكفّ الخيّب

فوقاه بادرة الحتوف بنفسه حذراً عليه من العدوّ المجلّب

حتّى تغيّب عنهم في مدخلٍ صلّى الإله عليه(6) متغيّب

وجزاء(7)خير جزاء مرسل اُمّة أدّى رسالته ولم يتهيّب

قال اطلبوه فوجّهوا من طالب(8) في مبتغاه وطالب لم يركب

حتّى إذا قصدوا لباب مغارة ألفو عليه نسيج غزل العنكب

صنع الإله له فقال فريقهم ما في المغار لطالب من مطلب

مالوا وصدّهم(9) المليك ومن يرد عنه الدفاع مليكه لم يعطب

حتّى إذا أمن العيون رمت به خوص الركاب إلى مدينة يثرب

فاحتلّ دار كرامة في معشرٍ آووه في سعة المحلّ لمرحب(10)


1- في المصدر : الرسول.
2- في المصدر : يطهره الرسول.
3- في المصدر : أن جنبا.
4- في المصدر : ملفعا.
5- في المصدر : فيرون.
6- في المصدر + : من.
7- في المصدر : وجزاه.
8- في المصدر : ركب.
9- في المصدر : ميلوا فصدّهم.
10- في المصدر : الأرحب.

ص: 437

وله بخيبر إذ دعاه لراية ردّت عليه هناك أكبر1 منقب

إذ جاء حاملها فأقبل متعباً يهوى بها العدوى أو كالمتعب

يهوي بها وفتى اليهود يشلّه كالثور ولّى من لواحق أقرب(1)

غضب النبيّ لها فانبه بها ودعا أخا ثقة لكهل منجب

رجل كلا طرفيه من سام وما حام له باب ولا بابي أب

من لا يفرّ(2) ولا يرى من(3)نجدةٍ إلاّ(4) وصارمه خضيب المضرّب

فمشى(5) قبل اليهود مصمّماً يرجو الشهادة لا كمشي الأنكب

تهتزّ في يمني يدي متعرّض للموت أروع في الكريهة محرب

في فيلق فيه السوابغ والقنا والبيض تلمع كالحريق الملهب

والمشرفية بالأكفّ(6) كأنّها لمع البروق بعارض متحلّب

وذووا البصائر فوق كلّ مقلّص نهدا المراكل ذي سبيب سلهب

حتّى إذا دنت الأسنّة منهم ورموا فنالهم(7) سهام المقنب

شدّوا عليه ليرحلوه(8) فردّهم عنه بأسمر مستقيم الثعلب

ومضى فأقبل مرحب متذمّر(9) بالسيف يخطر كالهزبر(10) المغضب

متخالساً(11) مهج النفوس فأقلعا عن جري أحمر سائل من مرحب


1- في المصدر : أكرم.
2- في المصدر : أكلب.
3- في المصدر : لا يقرّ.
4- في المصدر : في.
5- في المصدر : فإن.
6- في المصدر + : بها.
7- في المصدر : في الأكف.
8- في المصدر : قبالتهم.
9- في المصدر : ليرجلوه.
10- في المصدر : متذمّرا.
11- في المصدر : كالهزير.

ص: 438

فهوى بمختلف القنا متجدّلاً ودم الجبين بخدّه المتترّب

أحلى(1) فوارسه وأخلى(2)رجله عن مقعصٍ بدمائه متخضّب

فكأنّ زوّرة العواكف حوله من بين خامعة ونسر أهدب

شعث لغامظة دعوا لوليمة أو يأسرون تخالسوا في منهب

فاسأل فإنّك سوف تخبر عنهم وعن ابن فاطمة الأغرّ الأغلب

وعن ابن عبد عمر(3) قبله وعن الوليد وعن أبيه الصعقب(4)

وبني قريضة حين(5) فوق جمعهم من هاريين وما لهم من مهرب

وموائلين إلى أزلّ ممنع رأس(6) القواعد مشمخر حوشب

ردّ الخيول عليهم فتحصّنوا من بعد أرعن جحفلٍ متحزّب

إنّ الضباع متى تحسّ بنباءة من صوت أشوس تقشعرّ وتهرب

فدعوا ليمضي حكم أحمد فيهم حكم العزيز على الذليل المذنب

فرضوا بآخر كان أقرب منهم داراً فمتو بالجوار الأقرب

قالوا الجوار من الكريم بمنزل يجري لديه كنسبة المتنسّب

فقضى بما رضي الإله لهم به بالحرب والقتل الملحّ المخرّب

قتل الكهول وكلّ أمرد منهم وسبى عقائل بدناً كالريرب

وقضى عقارهم لكلّ مهاجرٍ دون الأولى نصروا ولم يتعصّب(7)


1- في المصدر : فتخالسا.
2- في المصدر : أجلى.
3- في المصدر : ابن عبداللّه عمرو.
4- في المصدر : الصقعب.
5- في المصدر : قريظة يوم.
6- في المصدر : رأسي.
7- في المصدر : ولم يتهيّب.

ص: 439

وبخمّ إذ قال الإله بعزمةٍ قم يا محمّد بالولاية فاخطب

جلّ الولاية بعده لمهذّبٍ ما كان يجعلها لغير مهذّب

وله مناقب لا ترام متى يرد ساع تناول بعضها يتذبذب

إنّا ندين بحبّ آل محمّد ديناً ومن يحببهم يستوجب

منّا المردّة والولاء ومن يرد بدلاً بآل محمّد لم يحبب

ومتى يمت يرد الجحيم ولم يرد حوض الرسول وإن يرده يضرب

ضرب المحاذر إن يعدّ(1) ركابه بالسوط سالفة البعير الأضرب(2)

وكأنّ قلبي حين يذكر أحمداً ووصيّ أحمد نيط من ذي مخلب

بذي(3) القوادم من جناح مصعد في الجوّ أو يذري(4)جناح مصوّب

حتّى يكاد من النزاع إليهما يفري الحجاب عن الضلوع الصلب

هبة وما يهب الإله لعبده يزدد ومهما لا يهب لا يوهب

يمحو ويثبت ما يشاء وعنده علم الكتاب وعلم ما لم يكتب(5)

لديك الجنّ من قصيدة أوّلها :

من(6) الذي كلّمته البيد والشجر وسلّم الترب إذ ناداه والحجر

حتّى إذا أبصر الأحياء من يمن برهانه7 آمنوا من بعد ما كفروا

أمّن حوى قصبات السبق دونهم يوم القليب وفي أعناقهم زررُ

أضبع غير علي كان رافعه محمّد الخوام لا تعقل الحمر


1- في المصدر : تعر.
2- في المصدر : الأجرب.
3- في المصدر : بذرى.
4- «رسائل المرتضى» للسيّد المرتضى، ج4، ص53_ 136.
5- في المصدر + : ذا.
6- في المصدر : بربّها.

ص: 440

الحقّ أبلج والأعلام واضحة لو آمنت أنفس السارين1 إذ نظروا2

للشيخ صافي الطريحي :

أيا علّة الإيجاد حاربك الفكر وفي فهم معنى ذاتك التبس الأمر

وقد قال قومٌ فيك والستر دونهم بأنّك ربّ كيف لو كشف الستر

1 . في المصدر : الشانين.

2 . «مناقب آل أبي طالب» ج2، ص152 و 153.

ص: 441

ص: 442

وأمّا الختام في كيفيّة شهادته عليه السلام

اعلم أنّ المشهور بين الخاصّة والعامّة أنّه عليه السلام ضرب في ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان عند الفجر، على يدي عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه اللّه تعالى، بإعانة وردان بن مجالد وشبيب بن بجرة والأشعث بن قيس وقطامة بنت الأخضر عليهم جميعاً لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، وانتقل إلى رضوان اللّه تعالى في ثلث الليل من الليلة الحادية والعشرين من الشهر المذكور سنة الأربعين من الهجرة ، والمشهور أنّ عمره عليه السلام - حينئذٍ - ثلاثة وستّون سنة كعمر النبيّ صلى الله عليه و آله .

قال في «جلاء العيون» في تفصيل وفاة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : روى جملة من أصحابنا أنّه اجتمع نفر من الخوارج بمكّة، فتذاكروا الاُمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم، وذكروا أهل النهروان وترحّموا عليهم، فقال بعضهم لبعض : لو اشترينا1 أنفسنا للّه فأتينا أئمّة الضلال2 وأرحنا منهم العباد والبلاد، وأخذنا بثأر إخواننا الشهداء3 بالنهروان، فتعاهدوا على ذلك عند انقضاء الحجّ، فقال4 ابن ملجم لعنه اللّه : أنا أكفيكم عليّاً عليه السلام ، وقال البرك بن عبد اللّه 5 : أنا أكفيكم معاوية ، وقال

1 . في «البحار» : لو أنّا شرينا.

2 . في «البحار» + : فطلبنا غرتهم.

3 . في «البحار» : والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء.

4 . في «البحار» + : عبد الرحمن.

5 . في «البحار» + : التميمي.

ص:

ص: 443

عمر بن بكير(1) : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، وتعاقدوا على الوفاء وتواعدوا ليلة تسعة عشر من شهر رمضان ...

فأمّا صاحب معاوية فإنّه قصده، فلمّا ركع للصلاة ضربه ضربة فوقعت الضربة على إليته فنظر الطبيب إلى الضربة، فقال : إنّ السيف مسموم فاختر إمّا(2) أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة، وإمّا أن أسقيك دواءً فتبرأ وينقطع نسلك، فقال : إنّ(3) النار فلا أطيقها ، وأمّا النسل ففي يزيد وعبداللّه ما تقرّ عيني وحسبي بهما، فسقاه الدواء فعوفي ولم يولد له بعد ذلك، فقال له البرك(4): إنّ لك عندي بشارة، قال : وما هي؟ قال : إنّ الليلة قتل عليّ عليه السلام فأخبره بخبر صاحبيه فاحبسني(5)عندك، فإن قتل فأنت وليّ ما تراه في أمري، وإن لم يقتل فأعطيك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله ، ثمّ أعود إليك وأضع(6) يدي في يدك حتّى تحكم فيَّ بما تراه(7)، فحبسه عنده، فلمّا أتى الخبر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قُتل(8) في تلك الليلة خلّى سبيله وقيل : قتله من وقته .

وأمّا صاحب عمرو بن العاص، فإنّه وافاه في تلك الليلة، وقد وجد علّة، فاستخلف رجلاً يصلّي بالناس يقال له : خارجة(9) فخرج للصلاة، فشدّ عليه(10) عمر بن بكير فضربه بالسيف فأثبته وأخذ الرجل، فأتى به إلى(11) عمرو بن العاص فقتله، ودخل من غد إلى خارجة وهو يجود بنفسه فقال : أما واللّه يا أبا عبداللّه، ما


1- في «البحار» : عمرو بن بكر التميمي.
2- في «البحار» + : أن.
3- في «البحار» : إمّا.
4- في «البحار» : وقال البرك بن عبداللّه.
5- في «البحار» : فاحتبسني.
6- في «البحار» : فأضع.
7- في «البحار» : ترى.
8- في «البحار» : أنّ عليّاً قُتل.
9- في «البحار» + : بن أبي حنيفة.
10- في «البحار» _ : عليه.
11- في «البحار» _ : إلى.

ص: 444

أراد غيرك(1)، ولكنّ اللّه أراد خارجة .

وأمّا ابن ملجم، فإنّه لمّا قدم الكوفة رأى رجلاً من أصحابه، فصادف عنده قطام بنت الأخضر(2)، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان وكانت من أجمل نساء أهل زمانها ، فلمّا رآها ابن ملجم لعنه اللّه تعالى شغف بها حبّاً(3) واشتدّ إعجابه(4)وخطبها فقالت : ما الذي تسمّي(5)من الصداق؟ فقال لها : احكمي ما بدا لك ، فقالت : أنا محكّمة(6)عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفاً وخادماً وقتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال لها : لك جميع ما سألت، فأمّا قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأنّى لي بذلك ؟ فقالت : تلتمس غرّته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنّأك العيش معي، وإن أنت قُتلت فما عند اللّه خيرٌ لك من الدُّنيا ، فقال : أما واللّه ما أقدمني هذا المصر إلاّ ما سألته(7) من قتل عليّ عليه السلام (8)، فلك ما سألت ، قالت : فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقوّيك ، ثمّ بعثت إلى وردان بن مجاهد(9) وسألته معونة ابن ملجم لعنه اللّه، فتحمّل ذلك لها، وخرج ابن ملجم لعنه اللّه فأُتِيَ رجلاً من أشجع الناس(10)يقال له : شبيب بن بجرة فقال : يا شبيب هل لك في شرف الدُّنيا والآخرة؟ قال : وما ذاك؟ قال : تساعدني على قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكان شبيب على رأي الخوارج، فقال له : يابن ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئاً ادّاً ! وكيف تقدر على ذلك؟

فقال(11)ابن ملجم : نكمن له في المسجد الأعظم، فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به،


1- في «البحار» + : قال عمرو.
2- في «البحار» : قطامة بنت الأخضر التيميّة.
3- في «البحار» _ : حبّاً.
4- في «البحار» + : بها وسأل في نكاحها.
5- في «البحار» + : لي.
6- في «البحار» : محتكمة.
7- في «البحار» : سألتني.
8- في «البحار» + : عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
9- في «البحار» + : بن مجالد من تيم الرباب فخبّرته الخبر.
10- في «البحار» _ : الناس.
11- في «البحار» + : له.

ص: 445

فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، فلم يزل به حتّى أجابه فأقبل معه حتّى دخل المسجد الأعظم على قطام(1)، وهي معتكفة فيه(2) قد ضربت عليها قبّة، فقالا(3): قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل ، فقالت لهما : إذا أردتما ذلك فأتياني في هذا الموضع، فانصرفا من عندها، فلبثا أيّاماً فأتياها ومعهما الآخر ليلة الأربعاء تاسع عشر رمضان(4) سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصّبت به صدورهم، وتقلّدوا أسيافهم، ومضوا وجلسوا مقابلة السدّة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة(5)ووطاهم(6) على ذلك وحضر لمعونتهم في تلك الليلة(7)، وكان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتاً في المسجد، فسمع الأشعث يقول : يابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك، فضحك الفجر(8)فأحسّ حجر بما أراد الأشعث، فقال له : قتلته يا أعور وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر ويحذّره من القوم، فخالف(9) أمير المؤمنين عليه السلام من الطريق(10)، فسبقه ابن ملجم لعنه اللّه فضربه بالسيف وأقبل حجر والناس يقولون : قتل أمير المؤمنين عليه السلام (11).

وفي بعض الكتب(12) المعتبرة عن اُمّ كلثوم قالت: لمّا كانت ليلة تسعة عشر13 من


1- في «البحار» : قطامة.
2- في «البحار» + : في المسجد الأعظم.
3- في «البحار» + : لها.
4- في «البحار» : ليلة الأربعة لتسعة عشرة خلت من شهر رمضان.
5- في «البحار» + : على قتل أمير المؤمنين عليه السلام .
6- في «البحار» : واطأهم.
7- في «البحار» : وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه.
8- في «البحار» : فقد فضحك الصبح.
9- في «البحار» : وخالفه.
10- في «البحار» + : فدخل المسجد.
11- «بحار الأنوار» ج42، ص228_ 233، ح41.
12- قال المجلسي في «بحار الأنوار» ج42، ص259: «تذييل: رأينا في بعض الكتب القديمة رواية في كيفيّة شهادته عليه السلام أوردنا منه شيئاً ممّا يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار». هذه الرواية التي نقلها المجلسي في «البحار»، اختلفت اختلافاً كثيراً مع رواية هذا الكتاب، ولكن نقلنا بعض موارد الاختلاف في البحار.

ص: 446

شهر رمضان قدّمت إلى أبي إفطاره طبقاً فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلمّا فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلمّا نظر إليه(1)قال: «يا بنيّ(2) أتقدّمين لي لونين في طبقٍ واحد، تريدين أن يطول وقوفي بين يدي اللّه تعالى، أنا اُريد أن أتبع أخي وابن عمّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإنّه ما قدّم إليه إدامان في طبقٍ واحد إلى أن قبضه اللّه تعالى ، يا بنيّة إنّ الدُّنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، يا بنيّة ما من رجل طاب مطعمه ومشربه إلاّ طال وقوفه بين يدي اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة.

وقد أخبرني حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ جبرئيل عليه السلام نزل(3) ومعه مفاتيح كنوز الأرض فقال: يا محمّد إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول : إن شئت سيّرت(4) معك جبال تهامة ذهباً وفضّة، وخذ مفاتيح كنوز الأرض ولا ينقص من حقّك(5) يوم القيامة ، فقال صلى الله عليه و آله : «يا جبرئيل ثمّ ما يكون بعد ذلك؟» قال: الموت ، فقال صلى الله عليه و آله : «لا حاجة لي في الدُّنيا، دعني أجوع يوماً وأشبع يوماً، فاليوم الذي أجوع فيه أتضرّع إلى ربّي وأسأله، واليوم الذي أشبع فيه أحمدُ ربّي وأشكره» فقال له جبرئيل: وفّقت لكلّ خير يا أخي »(6).

ثمّ قال عليه السلام : «يا بنيّة إنّ الدُّنيا دار غرور ودار ذلّ، وما قدّم لآخرته شيئاً وصل نفعه إليه. يا بنيّة واللّه لا أتناول(7) شيئاً حتّى ترفعين أحد الأدامين ...


1- في المصدر : تسع عشرة.
2- في المصدر + : وتأمّله حرّك رأسه وبكى بكاءاً شديداً عالياً.
3- في المصدر : وقال : يا بنيّة.
4- في المصدر + : إليه.
5- في المصدر: صيّرت.
6- في المصدر: حظّك.
7- في المصدر : يا محمّد.

ص: 447

قالت: فرفعت اللبن وأكل عليه السلام من الخبز والملح وحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قام إلى صلاته(1) ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ويتضرّع ويبتهل إلى اللّه، ثمّ يخرج ساعة بعد ساعة ينظر إلى الكواكب ويقلّب طرفه إلى السماء، ثمّ تلا سورة يآس إلى آخرها، ثمّ نام قليلاً فانتبه من النوم فزعاً مرعوباً، فتناول ردائه وقام قائلاً: «اللّهمّ بارك لي في الموت» وأكثر من قول : «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم».

ثمّ قام إلى مصلاّه فصلّى حتّى ذهب أكثر الليل ثمّ جلس للتعقيب فنامت عيناه وهو جالس، فانتبه من نومه مرعوباً فجمع أولاده وقال لهم: «إنّي مفارقكم في هذا الشهر وقد رأيت في هذه الليلة وهذه الساعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي وهو يقول: «يا أبا الحسن أنت قادم إلينا عن قريب، وسيخضب لحيتك أشقى هذه الاُمّة من دم رأسك ، وإنّي مشتاق إلى لقائك وأنت قادم إلينا في العشر الأواخر من هذا الشهر، فهلمّ إلينا فالذي عندنا خير لك وأبقى» .

فلمّا سمعوا كلامه ضجّوا بالبكاء والنحيب والعويل فأمرهم بالسكوت، ثمّ أقبل يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشرّ،(2) ولم يزل في تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، ثمّ يخرج ساعة بعد ساعة ينظر إلى الكواكب ويقلّب طرفه إلى السماء وهو يقول: «واللّه لا كذبت ولا كذّبت، إنّها الليلة التي وعدني بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ثمّ يعود إلى صلاته في مصلاّه وهو يقول: «اللّهمّ بارك لي في الموت» ويكثر من قول : «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ» العظيم ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله ويستغفر اللّه تعالى كثيراً .

قالت اُمّ كلثوم: فلمّا رأيت ما عرض لأبي من القلق والاضطراب لم يأخذني النوم وقلت يا أبه لِمَ حرّمت على نفسك النوم في هذه الليلة ولِمَ لا تستريح يا أبه؟ فقال: يا بنيّة إنّي كثيراً ما قاتلت الشجعان وقاسيت الأهوال العظيمة ولم يحصل لي رعبٌ


1- في المصدر + : فصلّى.
2- في «بحار الأنوار» + : قالت اُمّ كلثوم.

ص: 448

واضطراب مثل هذه الليلة ، ثمّ قال عليه السلام : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون »، فقلت: يا أبه لِمَ أراك تنعي نفسك في هذه الليلة؟ فقال: «يا بنيّة قد قرب الأجل وانقطع الأمل» .

قالت اُمّ كلثوم : فبكيت فقال لي : «يا بنيّة لا تبكين، فإنّي لم أقل ذلك إلاّ بما عهد إليَ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم » ثمّ إنّه نعس وطوى ساعة، ثمّ استيقظ من نومه وقال : «يا بنية إذا قرب وقت الأذان فأعلميني» ثمّ رجع إلى ما كان عليه أوّل الليل من الصلاة والدعاء والتضرّع إلى اللّه سبحانه وتعالى، قالت أُمّ كلثوم : فجعلت أرقّب وقت الأذان، فلمّا لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثمّ أيقظته، فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح بابه.

ثمّ نزل إلى الدار وكان في الدار إوزّ قد اُهدي إلى أخي الحسين عليه السلام ، فلمّا نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه، وكان قبل تلك الليلة لم يصحن، فقال عليه السلام : «لا إله إلاّ اللّه صوارخ تتبعها نوائح، وفي غداة غد يظهر القضاء»، فقلت له : يا أباه هكذا تتطيّر؟ فقال : «يا بنيّة ما منّا أهل البيت من يتطيّر ولا يتطيّر به، ولكن قول جرى على لساني»، ثمّ قال : «يا بنية بحقّي عليك إلاّ ما أطلقتيه، فقد حبست ما ليس له لسان ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش، فأطعميه وأسقيه وإلاّ خلّي سبيله يأكل من حشائش الأرض». فلمّا وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلّق الباب بمئزره فانحلّ مئزره حتّى سقط، فأخذه وشدّه وهو يقول :

«أُشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت إذا حلّ بناديكا

ولا تغترّ بالدهر وإن كان يؤاتيكا كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيكا»

ثمّ قال : «اللّهم بارك لنا في الموت، اللّهم بارك لي في لقائك». قالت اُمّ كلثوم : وكنت أمشي خلفه، فلمّا سمعته يقول ذلك قلت : واغوثاه يا أبتاه أراك تنعي نفسك منذ الليلة، قال : «يا بنيّة ما هو بنعاء ولكنّها دلالات وعلامات للموت تتبع بعضها بعضاً

ص: 449

فأمسكي عن الجواب»، ثمّ فتح الباب وخرج.

قالت اُمّ كلثوم : فجئت إلى أخي الحسن عليه السلام فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فألحقه، فقام الحسن بن علي عليهماالسلام وتبعه فلحق به قبل أن يدخل الجامع، فقال : «يا أباه ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه»؟ فقال : «ياحبيبي وقرّة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني» فقال له : «خيراً رأيت وخيراً يكون» فقصّها علي فقال عليه السلام : «يا بني رأيت كأنّ جبرئيل عليه السلام قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس، فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها، وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم، ثمّ ذرّهما في الرّيح فما بقي بمكّة ولا بالمدينة بيت إلاّ ودخله من ذلك الرّماد»، فقال له : «ياأبت وما تأويلها؟» فقال : «يابني إن صدقت رؤياي فإنّ أباك مقتول، ولا يبقى بمكّة حينئذٍ ولا بالمدينة بيت إلاّ ويدخله من ذلك غمّ ومصيبة من أجلي»، فقال الحسن عليه السلام : وهل تدري متى يكون ذلك يا أبت؟» قال : «يابني إنّ اللّه يقول : «وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1) ولكن عهد إليَّ حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي»، فقلت له : «يا أبتاه، إذا علمت منه ذلك فاقتله».

قال : «يابنيّ لايجوز القصاص إلاّ بعد الجناية والجناية لم تحصل منه، يابُنيّ لو اجتمع الثقلان الإنس والجنّ على أن يدفعوا ذلك لما قدروا، يابني ارجع إلى فراشك» فقال الحسن عليه السلام : «يا أبتاه أُريد أمضي معك إلى موضع صلاتك» فقال له : «أقسمت بحقّي عليك إلاّ ما رجعت إلى فراشك لئلاّ يتنغّص عليك نومك، ولا تعصني في ذلك»، قال : فرجع الحسن عليه السلام فوجد اُخته اُمّ كلثوم قائمة خلف الباب تنتظره، فدخل فأخبرها بذلك، وجلسا يتحادثان وهما محزونان حتى غلب عليهما النعاس، فقاما


1- لقمان 31: 34.

ص: 450

ودخلا إلى فراشهما وناما.

قال أبو مخنف وغيره : وسار أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل المسجد، والقناديل قد خمد ضوؤها، فصلّى في المسجد ورده وعقب ساعة، ثمّ إنّه قام وصلّى ركعتين، ثمّ علا المئذنة ووضع سبّابتيه في أُذنيه وتنحنح ثمّ أذَّن، وكان عليه السلام إذا أذّن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلاّ اخترقه صوته(1).

... اقتل عليّاً عليه السلام واعلم أنّي لا أصل إلى مرادي ، فبينهما هما كذلك إذ سمعا أذانه عليه السلام فقالت له عجّل واغتنم الفرصة لا تفوتك .

وفي رواية اُخرى: أنّ اللعين كان نائماً في المسجد ومعه شبيب بن بحيرة ينتظران أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا أذّن ونزل من المأذنة جعل يسبّح اللّه ويقدّسه ويكثر من الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله ، وعبر على قوم نيام في المسجد وفيهم ابن ملجم لعنه اللّه فقال عليه السلام : «الصلاة الصلاة» حتى انتهى إلى ابن ملجم لعنه اللّه وهو مكتوبٌ على وجهه فقال له: «قم إلى الصلاة ولا تنم هكذا فإنّه نوم الشياطين ونم على يمينك فإنّه نوم المؤمنين والنوم على القفا نوم النبيّين» ، ثمّ قال عليه السلام : «لقد أضمرت أمراً عظيماً يكاد السماوات ينفطرنّ منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً ، ولو شئت لأخبرتك بما أخفيته تحت ثيابك».

ثمّ إنّه تقدّم إلى المحراب ودخل في الصلاة وأطال ركوعه وسجوده كما هي عادته فجاء اللعين ابن ملجم ووقف حذاء الاسطوانة التي كان يصلّي عندها وأمهله حتّى صلّى الركعة الاُولى، فلمّا رفع رأسه منها رفع اللعين سيفه وضربه فتعمّد بالضربة رأسه، فوقعت الضربة في الموضع الذي ضربه عمرو بن ودّ فشقّت الضربة رأسه إلى


1- لا يخفى على الناظر الخبير أنّ النسخة المخطوطة من الكتاب قد سقط منها هاهنا ورقة كاملة، وحيث أنّ الحديث موجود في «بحار الأنوار»، فقد أثبتنا ما سقط من النسخة من قوله: «قالت اُمّ كلثوم : فبكيت فقال لي...» إلى قوله: «إلاّ اخترقه صوته»، من «بحار الأنوار» ج42، ص277_ 279.

ص: 451

موضع سجوده وقال: «بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه، فزت وربّ الكعبة» ، فلمّا سمع أهل المسجد صوته أسرعوا إلى المحراب، وكانت الضربة مسمومة وقد جرى السمّ في رأسه وبدنه، فلمّا أحاط الناس بأمير المؤمنين عليه السلام رأوه وقد شدّ رأسه بمنديل والدم يجري على لحيته ووجهه وهو يتلو هذه الآية «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى»(1)، أتى أمر اللّه وصدق رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال الراوي: وكان قد ضربه اللعين شبيب بن بحيرة فأخطأه ووقعت الضربة في الطاق، فلمّا ضربه اللعين ابن ملجم زلزلت الأرض وماجت البحار ورجفت السماء واصطكّت أبواب الجامع، ثمّ أحاط الناس بأمير المؤمنين وقد شدّ رأسه بردائه والدم يجري على لحيته ووجهه وهو يقول: «هذا ما وعد اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله» وضجّت الملائكة في السماء وهبّت ريح عاصف مظلمة سوداء، ونادى جبرئيل بين السماء والأرض بصوتٍ يسمعه كلّ مستبصرٍ ومستيقظ «تهدّمت واللّه أركان الهدى، وانطمست أعلام التقى، وانفصمت العروة، قتل ابن عمّ المصطفى، قتل الوصيّ المجتبى، قتل عليّ المرتضى، قتله أشقى الأشقياء» .

قال: فسمعت اُمّ كلثوم بنعي جبرئيل، فلطمت خدّها وشقّت جيبها وصاحت : وا أبتاه واعليّاه وا محمّداه فانتبه من صوتها كلّ من في الدار، وخرج الحسن والحسين عليهماالسلام فسمع الناس يضجّون ويقولون : وا إماماه وا أمير المؤمنين، واللّه لقد قتل إمام العابدين المجاهدين، الذي لم يسجد لصنم قطّ، قتله أشبه الخلق بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، فدخلا المسجد باكيين معولين قائلين : «وا أبتاه وا عليّاه ليت الموت أعدمنا الحياة ولا نرى يومك هذا» فأقبلا إلى المحراب فوجدا أباهما طريحاً في المحراب وأبو جعدة ومعه جماعة يعالجونه للصلاة وهو لا يستطيع، فلمّا رأى ولده الحسن عليه السلام جعله في موضعه وأمره أن يصلّي بالناس، وأتمّ به جالساً مؤمياً للصلاة والدم يجري لحيته ووجهه وهو


1- طه 20: 55.

ص: 452

يميل يميناً وشمالاً، فلمّا فرغ الحسن من الصلاة وضع رأس أبيه في حجره وهو يقول: «يا أبتاه كسرت ظهري كيف أستطيع أن أراك بهذه الحالة».

ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه في وجهه وقال: «يا بنيّ لا غمّ على أبيك بعد هذا اليوم ولا جزع ولا ألَم اليوم إلاّ في جدّك محمّد المصطفى وجدّتك خديجة الكبرى واُمّك فاطمة الزهراء ، وأنّ الحور العين ينتظرون ويترقّبون قدومه ساعة بعد ساعة، فلا بأس عليك يا بنيّ، فلا تبك فقد بكت ملائكة السماء لبكائك» ، ولمّا انتشر هذا الصوت بالكوفة خرج الناس رجالاً ونساءً من بيوتهم مسرعين إلى المسجد، فرؤا أمير المؤمنين عليه السلام قد وضع رأسه في حجر الحسن عليه السلام والدم يسيل على وجهه ولونه قد مال من الصفرة إلى البياض وهو ينظر إلى آفاق السماء، ويسبّح اللّه تعالى ويقدّسه ويذكره ويقول: «إلهي أسألك مرافقة الأنبياء والأوصياء وأعلى درجات الجنّة» ثمّ غشي عليه، فبكى الحسن وجعلت دموعه تتناثر على خدّيه، فسقط من دموعه قطرة على وجه أمير المؤمنين عليه السلام ففتح عليه السلام عينيه فوجده باكياً فقال عليه السلام : «ما هذا البكاء يا بنيّ، لا خوف ولا جزع على أبيك بعد اليوم، إنّ جدّك محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله وجدّتك خديجة الكبرى واُمّك فاطمة الزهراء عليهاالسلام والحور العين قد حضروا عند أبيك ينتظرون قدومه إليهم والملائكة قد ضجّت إلى اللّه تعالى، يا بنيّ تبكي علَيَّ وأنت تقتل مسموماً ويقتل أخوك الحسين عليه السلام بالسيف هكذا، وتلحقان بجدّكما وأبيكما» ، ثمّ قال له الحسن عليه السلام : «من قتلك؟» فقال عليه السلام : «قتلني ابن اليهوديّة عبدالرحمن بن ملجم» فقال: «يا أباه وأين ذهب ومن أيّ طريق مضى حتّى نلحقه؟» فقال: «لا يمضي أحد منكم في طلبه فإنّه سيطلع عليكم من هذا الباب» وأشار بيده إلى باب كندة فلم يزل السمّ يسري في رأسه.

ثمّ أُغمي عليه وأقبل الناس ينظرون إلى باب كندة وقد غصّ المسجد بالعالم ما بين باكٍ وباكية ومحزون وإذا بالصيحة قد ارتفعت وقد جاؤوا باللعين بن ملجم لعنه اللّه فوقع الناس بعضهم على بعض يتزاحمون عليه وهو لعنه اللّه مكشوف الرأس

ص: 453

هذا يلطمه وهذا يضربه وهذا يلعنه ويبصقون في وجهه ويعضّون لحمه بأسنانهم ويقولون: يا عدوّ اللّه أهلكت الاُمّة وقتلت خير الناس ، واللعين ساكت لا يتكلّم وبين يديه رجلٌ يقال له حذيفة النخعي قد جرّد سيفه وهو يردّ الناس عن قتله حتّى أدخلوه نحو الحسن عليه السلام ، فلمّا نظر إليه قال له: يا ملعون قتلت أمير المؤمنين وإمام المسلمين هذا جزاؤه منك حين آواك وقرّبك وأدناك وآثرك على غيرك، هل كان بئس الإمام لك حتّى جازيته بهذا الجزاء بأشقى الأشقياء .

قال: فلم يتكلّم ، ثمّ ضجّ الناس بالبكاء والعويل، ثمّ التفت الحسن عليه السلام إلى الذي جاء به وقال: «كيف ظفرت بعدوّ اللّه وأين لقيته؟» فقال: يا مولاي إنّ حديثي عجيب، وذلك أنّي كنت نائماً في داري وزوجتي إلى جنبي إذ سمعت ناعياً ينعي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول: «تهدّمت واللّه أركان الهدى، وانطمست واللّه أعلام التقى، وانفصمت واللّه العروة الوثقى ، قتل ابن عمّ المصطفى ، قتل الوصيّ المجتبى ، قتل عليّ المرتضى ، قتله أشقى الأشقياء» فأيقظتني زوجتي وقالت: أنت نائم وقد قتل إمامك عليّ؟ فانتبهت من كلامها فزعاً وقلت: يا ويلك ما هذا الكلام فضّ اللّه فاكِ لعلّ الشيطان قد ألقاه في سمعك، فإنّ أمير المؤمنين ليس لأحد قبله تبعة ولا طلبة، وأنّه لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج العطوف، ومع ذلك فمن ذا الذي يقدر على قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو الأسد الضرغام والبطل الهمام، فأكثرت علَيَّ الكلام وقالت: إنّي سمعت ما لم تسمع وما أظنّ في الكوفة بيتاً إلاّ وقد دخله ذلك النعي ، فبينما نحن في مراجعة الكلام وإذا بصيحة عظيمة وقائل يقول: قتل أمير المؤمنين عليه السلام فحسّ قلبي بالشرّ، فمددت يدي إلى سيفي وسللته من غمده وأخذته ونزلت من داري، فلمّا صرت في وسط الجادّة وإذا بعدوّ اللّه يجول فيها يطلب مهرباً وقد انسدّت أبواب الطرق في وجهه، فلمّا نظرت إليه وهو كذلك قلت له: يا ويلك من أنت في وسط هذا الطريق تمرّ وتجيء؟ فتسمّى بغير اسمه وانتمى إلى غير نسبه ، فقلت له: من أين أقبلت؟ قال: من منزلي ، قلت: وإلى أين تريد؟ قال: إلى الحيرة ، قلت: سمعت صيحة

ص: 454

عظيمة وقائلاً يقول : قتل أمير المؤمنين فهل عندك من ذلك خبر؟ قال: لا ، قلت: ولِمَ لا تمضي معي حتّى نتحقّق هذا الخبر؟ قال: أنا ماضٍ في أمرٍ أهمّ منه ، فقلت له: ويلك وأيّ حاجة أهمّ من قتل أمير المؤمنين عليه السلام .

ثمّ قلت له: يا ويلك لعلّك أنت الذي قتلت أمير المؤمنين عليه السلام وإمام المسلمين إذاً واللّه ما لك عند اللّه من خلاق وهممت عليه بسيفي أن أعلوه فراغ عنّي فانكشف سيفه فرأيته يبرق فقلت: يا ويلك ما هذا السيف تحت ثيابك لعلّك أنت قاتل أمير المؤمنين ، فأراد أن يقول : لا، فقال: نعم ، فرفعت سيفي وضربته على ساقه فوقع لحينه ووقعت عليه وصرخت صرخةً شديدة فخرجت أهل الحارة وأعانوني عليه حتّى أوثقته كتافاً وجئتك به، فهاهو ذا بين يديك جعلني اللّه فداك فاصنع به ما شئت .

فقال الحسن عليه السلام : «الحمد للّه الذي نصر وليّه على عدوّه وخذل عدوّه» ، ثمّ انكبّ الحسن عليه السلام على أبيه يقبّله ففتح عليه السلام عينيه وهو يقول: «ارفقوا بي يا ملائكة ربّي» ، فقال له الحسن عليه السلام : «هذا عدوّ اللّه وعدوّك ابن ملجم لعنه اللّه قد أمكن اللّه منه وقد حضر بين يديك» ، قال: ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه وقال له بضعف وانكسار صوت: «يا هذا لقد جئت شيئاً ادّاً عظيماً وارتكبت أمراً جسيماً، فبئس الإمام كنت لك حتّى جازيتني بهذا الجزاء، ألم أكن شفيقاً عليك وأوثرك على غيرك وأحسن إليك وزدت في عطائك، وقد كنت أعلم أنّك قاتلي لا محالة، ولكن رجوت بذلك الاستظهار عليك يا شقيّ الأشقياء» .

قال: فدمعت عينا ابن ملجم لعنه اللّه وقال: يا أمير المؤمنين أفأنت تنقذ من في النار؟ فقال عليه السلام : «يا بنيّ ارفق بأسيرك وارحمه واشفق عليه ألا ترى إلى عينيه قد صارتا في اُمّ رأسه، وقلبه يرجف خوفاً» ، فقال له الحسن عليه السلام : «يا أبت قد قتلك هذا اللعين وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به» ، فقال عليه السلام : «يا بنيّ نحن أهل بيت الرحمة والمغفرة، فاطعمه ممّا تأكل، واسقه ممّا تشرب، فإن أنا متّ فاقتصّ منه بأن تقتله ثمّ تحرقه بالنار ولا تمثّل بالرجل، فإنّي سمعت جدّك صلى الله عليه و آله يقول: «إيّاكم والمثلة ولو بالكلب

ص: 455

العقور» وإن أنا عشت فأنا أعلم بما أفعل به وأنا أولى بالعفو ، فنحن أهل بيت لا نزال على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً.

قال محمّد بن الحنفيّة: ثمّ إنّ أبي قال: «احملوني إلى منزلي» فحملناه إليه والناس حوله قد أشرفوا على الهلاك من البكاء والعويل، فالتفت الحسن عليه السلام إلى أبيه عليه السلام - وهو باك حزين - وقال: «يا أبت من لنا بعدك، وإنّ مصابنا اليوم مثل مصابنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله كأنّا ادّخرنا البكاء لك يا أبتاه» ، فقرّبه عليه السلام إليه وأدناه فلمّا نظر إليه ورأى عينيه مقروحتين من كثرة البكاء، مسح الدموع عن عينيه ووضع يده على صدره وقال: «يا بنيّ أسكن اللّه قلبك بالصبر وعظّم اللّه أجرك وأجر إخوتك بمصابكم بي، وأسكن اللّه اضطرابك ودموع عينيك، فإنّ اللّه تعالى يؤجركم بقدر مصابكم بي ».

ثمّ حمل إلى موضع مصلاّه من حجرته وأقبلت زينب واُمّ كلثوم إلى موضعه يندبانه ويقولن : يا أبتاه مَنْ للصغير حتّى يكبر ومن للكبير بين الملأ يا أبتاه، حزننا عليك طويل وعبرتنا لا ترقى .

قال: فضجّ الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحيب، وفاضت دموع أمير المؤمنين عليه السلام عند ذلك، وجعل يقلّب طرفه وينظر إلى أهل بيته، ثمّ دعى الحسن والحسين عليهماالسلام وجعل يضمّهما، إليه ويقبّلهما، ثمّ أُغمي عليه ساعة طويلة، ثمّ أفاق وكذلك كانت علّة النبيّ صلى الله عليه و آله يغمى عليه ساعة ويفيق اُخرى كأنّه مسموم، فلمّا أفاق ناوله الحسن عليه السلام قعباً من لبن فشرب منه قليلاً ثمّ نحّاه عن فمه، وقال عليه السلام : «احملوه إلى أسيركم بحقّي عليكم، طيّبوا طعامه وشرابه وارفقوا به إلى حين موتي» .

قال محمّد بن الحنفيّة: وبتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي عليه السلام وقد نزل السمّ إلى بدنه الشريف، وكان يصلّي تلك الليلة من جلوس ولم يزل يوصينا بوصاياه ويعزينا عن نفسه، فلمّا أصبح استأذن الناس عليه فأذن لهم فدخلوا وأقبلوا يسلّمون عليه وهو يردّ عليهم السلام ، ثمّ قال عليه السلام : «أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني وخفّفوا سؤالكم لمصيبة إمامكم» قال: فبكى الناس عند ذلك بكاءً شديداً وأشفقوا أن

ص: 456

يسألوه تخفيفاً عنه، فقام إليه حجر بن عدي الطائي فلمّا نظر إليه قال عليه السلام له: «كيف بك يا حجر إذا دعيت إلى البراءة منّي فما عساك أن تقول؟» قال: واللّه يا أمير المؤمنين لو قطّعت إرباً إرباً وأضرمت لي النيران واُلقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك صلّى اللّه عليك . فقال عليه السلام : «وفّقت لكلّ خير يا حجر وجزاك اللّه عن أهل بيتك خيراً» ثمّ تناول شربة من لبن فشربها وقال: «هذا آخر شرابي من الدُّنيا».

ولمّا كانت ليلة إحدى وعشرين جمع عليه السلام أولاده وأهل بيته ثمّ قال لهم: «اللّه خليفتي عليكم يا أولادي، وهو حسبي ونعم الوكيل» وأمرهم وأوصاهم بما أوصاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: ونحن ننظر إلى بدنه ورجليه قد احمرّتا جميعاً، فكبر ذلك علينا وآيسنا منه، ثمّ عرضنا عليه الأكل فأبى عليه السلام ورشح جبينه عرقاً وهو يمسحه بيده، فقلت له: يا أبت أراك تمسح جبينك ، فقال: يابنيّ إنّ المؤمن إذا نزل به الموت عرق جبينه وسكن أنينه».

ثمّ نادى أولاده كلّهم بأسمائهم صغيراً وكبيراً واحداً واحد وهو يقول: «اللّه خليفتي عليكم» وهم يبكون ، فقال له الحسن عليه السلام : «باللّه عليك يا أبت ما دعاك إلى هذا؟» فقال: «إنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التكدّر والأذى من هذه الاُمّة» فقال صلى الله عليه و آله : «ادع اللّه تعالى عليهم »، فقلت: «اللّهمّ أبدلهم بي شرّاً منّي وأبدلني بهم خيراً منهم» ، فقال صلى الله عليه و آله : «قد استجاب اللّه دعاك فإنّ اللّه سينقلك إلينا بعد ثلاثة أيّام وقد مضت الثلاثة، يا أبا محمّد أُوصيك بأبي عبداللّه خيراً فأنتما منّي وأنا منكما» ثمّ التفت إلى أولاده الذين هم من غير فاطمة عليهاالسلام وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة عليهاالسلام يعني الحسن والحسين عليهماالسلام ، ثمّ قال عليه السلام : «أحسن اللّه لكم العزاء، ألا وإنّي منصرف عنكم وراحلٌ في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما وعدني، ثمّ قضى نحبه عليه السلام »(1) .


1- «بحار الأنوار» ج42، ص276 291، مع اختلاف غير يسير.

ص: 457

وعن الصادق عليه السلام أنّه قال: قال للحسن والحسين عليهماالسلام : «غسّلاني وكفّناني وحنّطاني واحملاني على سريري، واحملا مؤخّره تكفيان(1) مقدّمه، فإنّكما تنتهيان(2) إلى قبر محفور، ولحد ملحود، ولبن محفوظ(3)، فالحداني واشرجا علَيَّ اللبن(4)، وارفعا لبنة عند(5) رأسي فانظرا ما تسمعان فأخذا اللبنة من عند الرأس(6) بعدما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شيء، وإذا بهاتف يهتف : أمير المؤمنين(7) عبداً صالحاً، فألحقه اللّه تعالى بنبيّه صلى الله عليه و آله وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتّى لو أنّ نبيّاً مات في المشرق ومات وصيّه في المغرب لاَءلحق اللّه الوصيّ بالنبيّ»(8) .

وفي رواية اُخرى: إنّ الحسن عليه السلام لمّا أخذ المعول وضرب ضربة انشقّ القبر عن ضريح وإذا بساحة مكتوب عليها بالسريانيّة سطران: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما حفره نوح النبيّ عليه السلام لعليّ عليه السلام وصيّ محمّد صلى الله عليه و آله قبل الطوفان بسبعمائة عام(9) .

قال الباقر عليه السلام : «ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين عليهماالسلام ومحمّد بن الحنفيّة بنو عليّ عليه السلام وعبداللّه بن جعفر وسوّوا قبره مخافة الخوارج»(10) .

وفي رواية : إنّهم حفروا له أربع قبور في أربع مواضع : في المسجد والغري والرحبة ودار جعدة بنت هبيرة، حتّى يشتبه موضع قبره عليه السلام (11) .

ولم يزل قبره مخفيّاً حتّى أظهره ولده جعفر(12) بن محمّد الصادق عليهماالسلام في(13) الدولة


1- في المصدر: تكفيا.
2- في المصدر : ستنتهيان.
3- في المصدر: موضوع.
4- في المصدر: اللبن عليَّ.
5- في المصدر: ممّا يلي.
6- في المصدر: رأسه.
7- في المصدر + : كان.
8- «المزار» للشيخ المفيد، ص223.
9- «بحار الأنوار» ج42، ص216، مع اختلاف غير يسير.
10- «بحار الأنوار» ج42، ص220، ح26.
11- نفس المصدر، ص214.
12- في المصدر: حتّى دلّ عليه جعفر.
13- في المصدر +: أيّام.

ص: 458

العبّاسية، وقد خرج هارون الرشيد(1) للصيد وأرسل الصقور والكلاب على الضباء بجانب الغريين فجاولتها(2) ساعة، ثمّ لجأت الضباء إلى الأكمة فرجعت(3) الكلاب والصقور(4)ترجع إليها فتراجعت الضباء إلى الأكمة وانصرفت عنها الصقور والكلاب، ففلعن ذلك مراراً(5)فتعجّب الرشيد وسأل شيخاً من بني أسد هناك : ما هذه الأكمة؟ فقال الشيخ: لي الأمان؟ قال: نعم ، قال: فيها قبر الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فتوضّأ هارون وصلّى ودعا ثمّ أظهر الصادق عليه السلام موضع قبره عليه السلام بتلك الأكمة(6) .

وقد روى جماعة : أنّه لمّا قتل عليّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر في تلك الليلة إلاّ وجد تحته دم عبيط(7) .

قال الصادق عليه السلام : «وقدّم الحسن عليه السلام ابن ملجم لعنه اللّه ليضرب عنقه» فقال: قد عاهدت(8) اللّه أن أقتل أباك، وقد وفيت، فإن شئت فاقتل وإن شئت فاعف، فإن عفوت ذهبت إلى معاوية لعنه اللّه فقتلته وأرحتك منه ثمّ أجيئك(9) ، فقال عليه السلام : «لأُعجّلنّك(10)إلى النار» فقدّمه فضرب عنقه(11) لعنه اللّه .


1- في المصدر +: يوماً.
2- في المصدر : فجادلتها.
3- في المصدر: فرجع.
4- في المصدر +: عنها فسقطت في ناحية، ثمّ هبطت الظباء من الأكمة فهبطت الصقور والكلاب ترجع.
5- في المصدر: ثلاثاً.
6- «بحار الأنوار» ج42، ص224، ح33.
7- «بحار الأنوار» ج42، ص302 و309.
8- في المصدر: عهدت اللّه.
9- في المصدر: جئتك.
10- في المصدر +: حتّى أعجلك.
11- «بحار الأنوار» ج42، ص302، ح1.

ص: 459

وفي رواية : أنّه لمّا جيء بابن ملجم لعنه اللّه إلى الحسن عليه السلام قال له: إنّي اُريد أن أُسارّك بكلمة فأبى عليه السلام وقال: «أتريد أن تعضّ اُذني؟» فقال ابن ملجم لعنه اللّه: واللّه لو أمكنني منها لقلعتها من صماخه .

وروى الراوندي والأرجاني عن ابن الوفا قال: كنت بالمسجد الحرام، فرأيت الناس مجتمعين حول مقام إبراهيم، فقلت: ما هذا؟ قالوا: راهب أسلم فأشرفت عليه، فإذا بشيخ كبير عليه جبّة صوف وقلنسوة صوف، عظيم الخلقة، وهو قاعد بحذاء مقام إبراهيم عليه السلام ، فسمعته يقول: كنت قاعداً في صومعتي فأشرفت منها، وإذا أنا بطائر كالنسر قد سقط على شاطئ البحر على صخرة(1)، فتقيّأ ربع إنسان(2) ثمّ طار، فتفقّدت الطائر(3) فعاد فتقيّأ أيضاً ورمى بربع إنسان، إلى أن فعل ذلك أربع مرّات ثمّ طار، فتدانت الأرباع فإذا هو رجل قائم وأنا أتعجّب منه ، ثمّ انحدر الطير وأخذ ربعاً منه وطار ثمّ عاد وأخذ ربعاً آخر حتّى فعل ذلك أربع مرّات، فبقيت أتفكّر وندمت أن لا أكون لحقته وسألته من هو؟ فبقيت أتفقّد الصخرة حتّى رأيت الطير قد أقبل فتقيّأ ربع إنسان، فقمت بإزائه فلم أزل حتّى تقيّأ الربع(4) الرابع، ثمّ طار والتئم رجلاً فقام قائماً.

فدنوت منه فسألته، وقلت له : من أنت؟ فسكت عنّي، فقلت له: بحقّ من خلقك ألاّ أخبرتني ، فقال: أنا ابن ملجم ، قلت له: وأيّ شيء عملت؟ قال: قتلت عليّ بن أبي طالب، فوكّل بي هذا الطير يقتلني كلّ يوم قتلة ، فبينما هو يخبرني إذ انقضّ الطائر فأخذ ربعه ، فسألت عن عليّ عليه السلام فقالوا: ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسلمت(5).

وروي أنّه ما ألقوا عظام ابن ملجم لعنه اللّه في قبره لم تزل جماعة من أهل


1- في المصدر: قد سقط على صخرة على شاطئ البحر.
2- في المصدر: فرمى بريع إنسان.
3- في المصدر: فتفقّدته.
4- في المصدر: بالربع.
5- «الخرائج والجرائح» ج1، ص216 و 217، مع اختلاف يسير.

ص: 460

الكوفة يسمعون العواء من قبره (1).

وفي رواية أنّ الحسن عليه السلام لمّا ضرب عنقه استوهبت جثّته اُمّ الهيثم النخعيّة فأحرقته بالنار(2).

ولقد يحقّ لي أن أقول في رثاء ابن عمّ الرسول وزوج البتول ما قال الحاج محمّد رضا الاُزري رحمه الله ونوّر ضريحه، قال:

مصاب رمى ركن الهدى فتصدّعا ونادى به ناعي السماء فأسمعا

فضجّت(3) له الأملاك في ملكوتها وأوشك عرش اللّه أن يتضعضعا

ومن يك أعلى الناس شأناً ومفخراً يكن رزؤه في الناس أدهى وأفضعا

ألا يا لأقوامي لدهياء لا أرى عظيم الأسى في جنبها إلى مقنعا

مصاب على الإسلام ألقى جُراته(4) وبرقع بالغي الهدى فتبرقعا

فيا ناشد الإسلام قوّض سفره(5) وصاح به داعي النفير وجعجعا(6)

فأصبح(7) كالذود الظماء بقفرة من الدو(8) لم تعهد بها الدهر مربعا

ولم عقد الدين إلاّ مسدداً ولم تر شمل الدِّين إلاّ موزّعا

فأعظم بها من طخية قد تفاقمت(9) فهبّت(10)على الإسلام سوداء زعزعا

أطلّت على الآفاق تدوي كأنّها عباب طمى اذّيه(11)متدفّعا


1- «بحار الأنوار» ج42، ص309، مع اختلاف غير يسير.
2- «بحار الأنوار» ج42، ص232، مع اختلاف غير يسير.
3- في المصدر: وضجّت.
4- في المصدر: جُرانه.
5- في المصدر: رحله.
6- في المصدر: فجعجعا.
7- في المصدر: وأصبح.
8- في المصدر: من الدهر.
9- في المصدر: قد تغلّقت.
10- في المصدر: وغبّت.
11- في المصدر: طغى اذيمه.

ص: 461

وإنّ قتيلاً شيّد الدِّين سيفه جدير عليه الدِّين أن يتصدّعا

فيا هل درى الإسلام أنّ زعيمه لقىً حوله جبريل ينعي فلا نعى

وإنّ عماد الدِّين بان عميدها وودّعها داعي الهدى يوم ودّعا

ويا هل درى المختار أنّ حبيبه بسيف عدوّ اللّه أمسى مقنّعا

وأقسم إذا ضعى(1) النقي بقبره بكاه أسىً في قبره وتفجّعا

ومن عجب أن ينزل الموت داره وقد كان لا يلقاه إلاّ مودّعا(2)

لتبك الطلول الغلب من آل غالب(3) طويل ذرى حكّ السها فتصدّعا

ليبك التقيّ منه منار هداية وتنعى الوغا منه كمياً(4) سميدعا

لتبك أمير المؤمنين بنوده إذا رمجت ركناً عن الهضيب طلّعا

وأن يبكه الإسلام وجداً وحسرةً فقد كان للإسلام حصناً ومفزعا

وأن يبكه البيت الحرام فطالما به كان محيي الجواد5(5) ممنّعا

فإن(6) يبك جبريل له فلشدّ ما(7) بخدمته جبريل كان ممتّعا

وإن يبكه بدر السماء فإنّما بكى البدر بدراً منه أسنى وأرفعا

ولو عقلت(8) شمس الضحى يوم دفنه لحطّت(9) له في عينها الشمس مضجعا

إمام دعى اللّه حتّى انتهى له ألا هكذا فليدع للّه من دعا

ولم يمض حتّى إن شاء كلّ سابقٍ ولم يُبق في قوس الفضائل منزعا


1- في المصدر: لو أصغى.
2- في المصدر: مروّعا.
3- في المصدر: آل هاشم.
4- في المصدر: كميتاً.
5- في المصدر: محمي الجوار.
6- في المصدر: وإن.
7- في المصدر: فطالما.
8- في المصدر: علقت.
9- في المصدر: لحظت.

ص: 462

وإن عدّ في نسك فلم يبق أورعا وإن عدّ في فتكٍ فلم يبق أروعا

فمتى(1) طبق الآفاق بأساً ونائلاً فذلّت له الأعناق خوفاً ومطمعا

كأنّ مقاليد القضاء بكفّه فلم يك إلاّ ما أراد وأزمعا(2)

أمّا والهجان القود(3) تدمى نحورها ومن بمنى(4) ألقى الجمار تطوّعا

وبالبيت ذي الأستار والنفر الأُولى بأرجائه تهوى سجوداً وركّعا

وبالأبطح الأعلى ومروة والصفا وبالأسود(5) الملموس والركن أجمعا

لقد صرع الإسلام ساعة قتله فيا مصرع الإسلام عظّمت مصرعا

وكيف ودار الوحي أقوت ربوعها وأمست برغم الدِّين زيزاء بلقعا(6)

أجدّك مَن للدّين أبقيت كالئاً ومن لعلوم الغيب أصبحت مودعا

ومن لثغور الدِّين يخشى(7) لهاتها عناجيج يحملن الوشيج المزعزعا

صوافن يمضغن(8) الشكائم شزباً ويخفشن بالأيدي وثوباك الوغا(9)

إذ اقتدحتها في العراق عزائم أضاء سناها في الحجاز وشعشعا

كتائب كالأعلام يسري بها القضاء فلا تنثني إلاّ سواطع شرّعا

إذا جاش منها سيل طودك لم يدع متوناً بأرض المشركين وأجرعا

ولو قذفت قبل الشواظ دخانها لخرّت لهاشم الأقاليم خشّعا

فخار على الجوزاء مدّ رواقه فمدّ به الدِّين الرواق المرفعا


1- في المصدر: لقد.
2- في المصدر: وأرفعا.
3- في المصدر: السود.
4- في المصدر: يمنى.
5- في المصدر: وبالحجر.
6- في المصدر: فكيف ودار الرحى أضحت ربوعها خلاء وأمسى منزل الدِّين لقعا.
7- في المصدر: يحشى.
8- في المصدر: يحملن.
9- في المصدر: وثوباً إلى الوغا.

ص: 463

ومشهاقة(1) للدِّين ساورها الجوى فبثّت أساها والحنين المرجّعا

أمّا(2) ما انقضت أنفاسها عن ضلوعها تجد بشبا الأنفاس صدراً مبضّعا

وياربّ دمع كان صعباً قياده فأصبح منقاداً ليومك طيّعا

وإن نكس الإسلام بعد رأسه فكم طال بوعاً في ذراك وأذرعا

وإن أفرغت منه(3) النواظر دمعها تجد منه صدراً بالكتابة(4) مترّعا

وإن يغد في الأرضين رزؤك مفضعاً فقد راح في أهل السماوات أفضعا

ويومك في الإسلام قد ثلّ ثلمةً وأوسع خرقاً في الهدى لن يرقعا

وإن تضمر الأيّام بعدك سلوةً تعبّ بها صفواً وتزداد مرتعا

فلا بطشت إلاّ بساعد أجزم ولا عطست إلاّ بما رنّ أجدعا(5)

تمّ الفراغ من تأليف هذه النسخة المباركة في المشهد الغري، جعله اللّه مأواً للعلماء المحقّقين، وسكناً للمشتغلين المحصّلين إلى يوم الدِّين، على يد العبد الفقير الحقير المعترف بالذنب والتقصير، الراجي عفوّ ربّه العليّ عيسى بن المرحوم حسين علي يوم الثاني عشر من ذي الحجّة الحرام سنة خمسة وأربعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبويّة على مهاجرها أفضل الصلاة والتحيّة، غفر اللّه لجامعها وكاتبها وقاريها والناظر فيها ولمن استعارها وردّها، ولجميع المؤمنين بمحمّد وآله الطاهرين ، آمين .


1- في المصدر: ومشتاقه.
2- في المصدر: إذا.
3- في المصدر: فيه.
4- في المصدر: بالكآبة.
5- «الأنوار العلوية» ص395 و 396.

ص: 464

ص: 465

فهرس المصادر و المنابع

القسم الأوّل : الكتب المطبوعة

1 _ «القرآن الكريم»

2 _ «الإحتجاج على أهل اللجاج» . لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي من أعلام القرن السادس . تحقيق السيّد محمّد باقر الخرسان . جزآن في مجلّد واحد ، مشهد المقدّسة ، نشر المرتضى ، 1403ق . [بالأوفست عن طبعة بيروت ، 1401ق] .

3 _ «الأربعين في إمامة الأئمّة الطاهرين» . للشيخ محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي النجفي القمّي م 1098 . تحقيق السيّد مهدي الرجائي . الطبعة الأولى ، قم ، مطبعة الأمير ، 1418ق .

4 _ «الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد» . لأبي عبداللّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد م 336_ 413 . تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث . الطبعة الأولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، 1413ق .

5 _ «إرشاد القلوب» . لأبي محمّد الحسن بن محمّد الديلمي من أعلام القرن الثامن جزءان في مجلّد واحد . قم ، منشورات الرضي ، 1412ق .

6 _ «الاُزرية في مدح النبي والوصي والآل عليهم السلام » . للشيخ كاظم الاُزري م1211 . الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الأضواء ، 1409ق .

7 _ «إعلام الورى بأعلام الهدى» . لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي م548 . تحقيق السيّد مهدي السيّد حسن الخرسان ، الطبعة الثالثة ، طهران ، دار الكتب الإسلامية .

ص: 466

8 _ «أعيان الشيعة» . للسيّد محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي م 1284_ 1371 . إعداد السيّد حسن الأمين . الطبعة الخامسة ، 10 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار التعارف للمطبوعات ، 1403ق / 1983م .

9 _ «الأمالي» . لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي م381 . المعروف بالشيخ الصدوق ، منشورات الإسلامية ، 1362ه .

10 _ «الأمالي» . لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي م460 . تحقيق قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة . الطبعة الأولى ، قم ، مطبعة دار الثقافة ، 1414ق .

11 _ «الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية» . في أحوال أمير المؤمنين وفضائله ومناقبه وغزواته عليه السلام . للشيخ جعفر النقدي م1370 . الطبعة الثانية ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1381ق .

12 _ «الأنوار النعمانية» . للسيّد نعمة اللّه بن عبداللّه الموسوي الجزائري م1112 . 4 مجلّدات ، شركة المطابع في تبريز .

13 _ «إيمان أبي طالب» . لشمس الدين أبي علي فخار بن معد الموسوي م630 ، تحقيق السيّد محمّد بحر العلوم . الطبعة الأولى ، قم ، منشورات سيّد الشهداء عليه السلام ، 1410ق .

14 _ «إيمان أبي طالب» . لمحمّد بن محمّد بن النعمان ابن المعلم عبداللّه العكبري ، البغدادي المعروف بالشيخ المفيد م413 . قم ، مؤتمر الشيخ المفيد ، 1413ق .

15 _ «بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار» . للعلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي م 1037_ 1111 . الطبعة الثانية ، 110 مجلّداً . بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، مؤسسة الوفاء ، 1403ق .

16 _ «تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة» . للسيّد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي الغروي م940 . قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، 1409ق .

17 _ «تفسير فرات الكوفي» . لأبي القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي م352 . تحقيق محمد الكاظم . الطبعة الأولى ، طهران ، المطبعة التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ،

ص: 467

1410ق/1990م .

18 _ «التوحيد» . لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي م381 . تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني . الطبعة الثانية ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، 1398ق .

19 _ «الثاقب في المناقب» . لعماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة م560 . تحقيق نبيل رضا علوان . الطبعة الأولى ، قم ، مطبعة الصدر ، مؤسسة أنصاريان ، 1411ق .

20 _ «جامع الأخبار» . للشيخ تاج الدين محمد بن محمد الشعيري من أعلام القرن السادس . قم منشورات الرضي ، 1363ه .

21 _ «الخرائج والجرائح» . لسعيد بن هبة اللّه قطب الدين الراوندي م573 . الطبعة الأولى ، قم ، مؤسسة الإمام المهدي عج ، 1409ق .

22 _ «الخصال» . لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي م381 . تحقيق علي أكبر الغفاري . جزءان في مجلّد واحد ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، 1403ق .

23 _ «دائرة المعارف تشيع». أحمد صدر حاج سيد جوادى، كامران فانى و بهاء الدين خرمشاهى، ج1، طهران، المؤسسة الخيرية الثقافية الشطّ، 1369ه .

24 _ «الدرّ المنثور في التفسير المأثور» . لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي م911 ، 8 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1993م .

25 _ «الديوان المنسوب إلى الإمام علي عليه السلام » . الطبعة الثانية . قم ، دار نداء الإسلام للنشر ، 1411ق .

26 _ «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» . للعلاّمة الشيخ محمّد محسن آقا بزرگ الطهراني م 1293_ 1389. 26 مجلّداً . الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1403ق .

27 _ «رسائل الشريف المرتضى» . الشريف مرتضى . إعداد السيّد مهدي الرجائي . 4 مجلّدات . الطبعة الأولى ، قم ، مطبعة سيّد الشهداء عليه السلام ، نشر دار القرآن الكريم ، 1405ق .

28 _ «الروضة المختارة». شرح القصائد الهاشميات للكميت بن زيد الأسدي م120 ، القصائد

ص: 468

العلويات السبع لابن أبي الحديد المعتزلي م656 . صالح علي صالح . بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، 1392ق .

29 _ «روضة الواعظين» . للفتال النيسابوري ، محمّد بن الفتال النيسابوري الشهيد م 508 . متحقيق السيّد محمد مهدي السيد حسن الخراساني . مجلّدان ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات الرضي ، 1375ه .

30 _ «ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية أو اللقب». للعلاّمة ميرزا محمد علي مدرس. ثمانية أجزاء في أربع مجلّدات ،الطبعة الثانية، طهران ، مكتبة خيام، 1369ه .

31 _ «شرح نهج البلاغة» . لعزّ الدين عبد الحميد بن محمّد بن أبي الحديد المعتزلي م 586_ 656 . تحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم . 20 مجلّداً . قم ، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، 1404ق .

32 _ «الصحاح» . تاج اللغة وصحاح العربية . لإسماعيل بن حمّاد الجوهري م393 . تحقيق أحمد عبد الغفور عطار . 6 مجلّدات . الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1407ق/1987م .

33 _ «صحيح البخاري» . محمّد بن إسماعيل البخاري م256 . 8 مجلّدات . بيروت ، دار الفكر .

34 _ «الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم» . للشيخ زين الدين أبي محمّد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي . تحقيق محمد الباقر البهبودي . 3 مجلّدات ، الطبعة الأولى ، النجف الأشرف ، المكتبة المرتضوية ، 1384ق .

35 _ «الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف» . للعالم العابد الزاهد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاووس الحلّي م664 . قم ،مطبعة الخيام ، 1399ق .

36 _ «عدّة الداعي ونجاح الساعي» . لأحمد بن فهد الحلّي م 757 _ 841 . تحقيق أحمد الموحدي القمي . الطبعة الأولى ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1407ق .

37 _ «علل الشرايع» . لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي م381 . تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم . قم ، مكتبة الداوري . [بالأوفست عن طبعة النجف

ص: 469

الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1385ق] .

38 _ «عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار» . للحافظ يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي المعروف بابن البطريق م 533 _ 600 . الطبعة الأولى ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين ، 1407ق .

39 _ «عيون أخبار الرضا عليه السلام » . لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن بن بابويه القمّي م381 . تحقيق الاُستاذ الفاضل السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي . مجلّدان ، طهران ، منشورات جهان ، 1378ق .

40 _ «الغدير في الكتاب والسنّة والأدب» . للعلاّمة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي م 1320_ 1390 . الطبعة الرابعة ، 12 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1397ق / 1977م .

41 _ «الفضائل» . للفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري م260 . الطبعة الثانية ، قم ، منشورات الرضي ، 1363ش . [بالأوفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1381ق] .

42 _ «الفوائد الرجالية» . للسيد مهدي بحر العلوم م 1155 _ 1212 . تحقيق محمّد صادق بحر العلوم . 4 مجلّدات . الطبعة الأولى ، مطبعة آفتاب ، 1363ه .

43 _ «فهارس أعيان الشيعة» . تقديم السيّد حامد علي الحسيني . الطبعة الأولى ، مؤسسة الطباعة والنشر ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1416ق .

44 _ «فهارس عمومى نسخه هاى عكسى مركز إحياء ميراث إسلامى» . السيّد صادق الحسيني الإشكوري و الشيخ محسن فيض پور . 1378ه .

45 _ «فهرست نسخه هاى عكسى مركز إحياء ميراث إسلامى» . السيّد جعفر و السيد صادق الحسيني الإشكوري . 4 مجلّدات . الطبعة الأولى ، 1377ش / 1419ق .

46 _ «قصص الأنبياء» . «النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين» .

47 _ «الكافي». لأبي جعفر ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني م329 . تحقيق علي أكبر الغفاري . الطبعة الرابعة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365ش .

ص: 470

48 _ «الكامل في التاريخ» . لأبي الحسن عزّ الدِّين علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري م630 . 13 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار صادر ، 1385ق /1965م .

49 _ «الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل» . لأبي القاسم جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي م 467 _ 538 . 4 مجلّدات ، الطبعة الأخيرة ، مصر ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، 1385ق / 1966م .

50 _ «كشف الغمّة في معرفة الأئمّة عليهم السلام » . لأبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي من أعلام القرن السابع . الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1405ق / 1985م .

51 _ «كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام » . للحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي م 648_ 726 . تحقيق حسين الدرگاهي . الطبعة الأولى ، طهران ، مؤسسة الطباعة والنشر ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1411ق .

52 _ «كنز الفوائد» . لأبي الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي م449 . تحقيق عبداللّه نعمة . مجلّدان ، الطبعة الأولى ، قم ، دار الذخائر ، 1410ق .

53 _ «الكنى والألقاب» . للشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي م 1294 _ 1351 . تقديم محمد هادي الأميني . 3 مجلّدات ، الطبعة الرابعة ، طهران ، منشورات مكتبة الصدر ، 1397ق .

54 _ «لسان العرب» . لجمال الدين محمّد بن مكرّم بن منظور المصري م 630_ 711 . 15 مجلّداً، بيروت، دار صادر، دار بيروت للطباعة والنشر، 1955م / 1374ق.

55 _ «اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء عليهاالسلام » . للمولى محمد علي بن أحمد القراچه داغى التبريزي الأنصاري م1310 . تحقيق السيّد هاشم الميلاني . الطبعة الأولى ، قم ، مؤسسة الهادي ، 1418ق .

56 _ «مجمع البحرين» . للشيخ فخر الدين الطريحي م 979 _ 1085 . 6 مجلّدات . بيروت ، مكتبة الهلال ، 1985م .

57 _ «مروج الذهب ومعادن الجوهر» . لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي م346 .

ص: 471

تحقيق يوسف أسعد داغر . 4 مجلّدات . الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الأندلس ، 1965م .

58 _ «المزار» . «كتاب المزار ، مناسك المزار» . للإمام الشيخ المفيد محمّد بن النعمان ابن المعلّم أبي عبداللّه العكبري البغدادي م 336 _ 413 . تحقيق آية اللّه السيّد محمد باقر الأبطحي . الطبعة الأولى ، قم ، مطبعة مهر .

59 _ «مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام » . للحافظ رجب بن محمّد البرسي . الطبعة الحجرية ، بمبئى ، مطبعة الحسني الكائين ، 1303ق .

60 _ «معاني الأخبار» . لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي م381 . تحقيق علي أكبر الغفاري . قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، 1403ق .

61 _ «المناقب» . للموفق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي م568 . إعداد مالك المحمودي . الطبعة الثانية ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، 1411ق .

62 _ «مناقب آل أبي طالب» . لأبي جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني م588 . تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاتي . 4 مجلّدات . قم ، مؤسسة العلاّمة ، 1379ش .

63 _ «من لا يحضره الفقيه» . لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي م381 . تحقيق علي أكبر الغفاري . 4 مجلّدات . الطبعة الثالثة ، قم ، مؤسسة النشر الإسلامي ، 1413ق .

64 _ «النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين» . للسيّد نعمة اللّه بن عبداللّه الموسوي الجزائري م1112 . قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، 1404ق .

65 _ «نهج البلاغة» . ما اختاره المؤلّف من كلام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام . لأبي الحسن الشريف الرضي محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي م 359 _ 406 . تحقيق صبحي الصالح . الطبعة الأولى ، دار الأسوة ، 1415ق .

66 _ «الهاشميات والعلويات». «الروضة المختارة» .

ص: 472

ب _ القسم الثاني: النسخ الخطّية

1 _ «تذكار الحزين»، للشيخ عيسى حسين عليّ آل كبّة البغدادي. مخطوطة مكتبة آية المرعشي رحمه الله بقم، المرقّمة 7155؛ ومركز إحياء ميراث إسلامى، قم المرقّمة 878 .

2 _ «الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة»، مركز إحياء ميراث إسلامى،النسخة الخطّية المرقّمة 1227.

ص: 473

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.