التحقيق و النشر: مؤسسة الامام المهدى عليه السلام
لمؤسسها الراحل آيت الله العظمي السيّد محمّد باقر الموحد الأبطحى (ره)
صفت الحروف: مرتضي ظريف
الطبعة: الأولي، 1635 ق
العدد : 1000
مركز التوزيع:
قم، شارع انقلاب،الفرع6، الرقم 153
هاتف : 90 377030- 025 فاكس : 37713293 - 025
ص: 1
ص: 2
ص: 3
بسم الله الرحمن الرحيم القول المعتبر في مولد الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، عنوان تحقيقي حول تاريخ ولادة الإمام الكاظم عليه السلام. إنّ مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام- التي تأسّست بإشراف العلامة المحقق والمحدّث المدقق المرحوم آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحى أعلى الله مقامه الشريف للخدمات العلمية الجليلة في الحوزة العلمية بقم المقدّسة في التحقيق ونشر المعارف وإحياء تراث أهل البيت عليهم السلام لفترة تزيد على أربعين عاماً - قامت في شهر صفر المظفر سنة 1434 ه ق بناء علي توجيه و تأكيد السيد المؤسّس قدس سره الشريف بنشر مجموعة روائية بصدد البحث الدقيق للروايات المرتبطة والمتعلقة بولادة الإمام الكاظم عليه السلام وتبيين جانب من تاريخ حياة هذا الإمام الهمام في أسلوب جديد، ممّا في أيدينا من الروايات في تاريخ ولادة هذا الإمام العظيم عليه السلام.
ص: 4
وكانت نتيجة ومؤدّى هذا البحث بناء على نظر وتحقيق محققه الجليل أنّ ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في أواخر شهر ذي الحجّة الحرام، الذي ذكرت دلائله بالتفصيل فى هذه المجموعة الروائية. والذي يدل على أهمّية هذا العمل نقطتان مهمّتان:
1. ما ذكره بعض العلماء من أنّ ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في شهر ذي الحجّة، وكانت هذه الملاحظة مغفولاً عنها، ونتأمّل إن شاء الله تعالى أن تقوم هذه المؤسّسة في المستقبل القريب بجمع وتقويم ما توفر لديها من آراء وتحقيقات السادة المحققين وعرضها للقرّاء الكرام.
٢. المشكلة التي تتعلق بالتقويم الرسمي؛ إنّ ما في التقويم الرسمي (الذي تتبعه الدوائر الرسمية، والمؤسّسات الاعلامية والجرائد والصحف و... ومن جملتها الإذاعة والتلفزيون) ولادة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في السابع من صفر في حين أته على قول معتبر قوي إنّ السابع من شهر صفر هو يوم استشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وهذا ما يؤيده مراجع التقليد العظام دامت بركاتهم (1) حيث أنّ الحوزة العلمية في قم المقدّسة والنجف
الأشرف تقوم بتعطيل دروسها في هذا اليوم في كل عام، وتعقد
ص: 5
2– في مولد الإمام موسى بن جعفريَة مجالس العزاء والمأتم تعظيماً لاستشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
وتقام المآتم ومجالس العزاء في المساجد والحسينيات وفي أضرحة الأئمّة عليه السلام والأماكن المقدّسة وبيوت المراجع. ولم يكن هذا التشتت مقبولاً في المجتمع، بل كان هذا الأمر سبب التحيّر والتردّد لبعض أفراد المجتمع في القيام بوظائفهم وأداء الشعائر وتعظيمها في هذا اليوم. وإنه لا يخفى على فرض ثبوت ولادة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في السابع من صفر، فالشيعة ومحبي أهل البيت عليهم السلام أيضاً يولون الأولوية في إقامة مراسم العزاء لاستشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ويعطونها الأهمّية كما يقتضي أن يكون ذلك. ولهذا السبب في مقام التعارض بين الأفراح والأحزان يكون الإهتمام بإقامة مراسم العزاء والمآتم مقدّماً على الفرح كما هو المتعارف في عرف المجتمعات والمرسوم المقبول والمرضي عندهم. وللخروج من هذه المشكلة يمكن الإعتماد على هذا التحقيق وأمثاله في تجديد نظر السادة المحترمين المتولين للتقويم الرّسمي وإشاعته في المجتمع بصورة مؤثرة إن شاء الله تعالى. ومن هذه الجهة، وفى ظل التوجّهات والأهداف العالية للسيّد المؤسّس المدافع عن أهل بيت العصمة والطهارة عليه السلام آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحى قدس سره الشريف الذي كان فقيهاً جامعاً متتبّعاً
ص: 6
– القول المعتبر متعبداً كما في تعبير قائد الثورة الإسلامية، نقدّم لأهل العلم والمعرفة والتحقيق هذه المجموعة التي هي آخر عمل تحقيقي وآخر ذكريات هذا العالم الربّاني. وفي الخاتمة نذكر هذه النكتة التي لا تخلو من اللطف ؛ حين أقدمنا لتكميل ونشر هذا التحقيق حسب اهتمام وتوصية سماحة السيّد المؤسّس (قدس سره الشريف) السيّد ربه ولبى دعوته (1) وثلم في الإسلام ثلمة (2) وتوقف هذا الأمر مدّة، حتى واجهنا الطلب والتأكيد لبعض الأساتذة والأعلام بنشر هذه المجموعة، مع ذلك كنا متردّدين في الاقدام، حتي استخرنا بكتاب الله الحكيم وهدانا الله تعالي بهذه الآية الكريمة: والذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الضالخات طوبى لَهُمْ وَحُشنّ مآب» (3) (4) ولهذا في ذكري الميلاد السعيد لسبط رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم)
ص: 7
الأكبر الإمام المجتبى عليه السلام ، عزمنا على اكمال عملنا وعرضه، ونرجو من الذين لهم العناية بهذا الأمر أن يسعفونا ويبدو آراءهم ونظرهم المنصف والمحقق في هذا الموضوع. ونسأل من الله العلي القدير المغفرة الواسعة لروح هذا الفقيه السعيد وجميع العلماء وحافظي تراث أهل البيت عليهم السلام وأن يوفقنا لما
يحب ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام)
قم المقدّسة
رمضان المبارل 1435 ه-ق
ص: 8
لاشك أن الإسلام في تطوّر على مرّ الزمان في طول الأعصار والقرون المتطاولة، رغم مواجهته للحوادث المرة والضعبة التي ليست خافية على أهل البصيرة والإطلاع والمتتبّعين في التاريخ والنحل. ومن أبرز هذه الحوادث والمصيبات وأصعبها حادثة الشقيفة التي هي منشأ الإختلاف والتّشنّت والإنحراف في صفوف المسلمين، والنزاع في أساس الشريعة وركن الدّين، أي الإمامة والخلافة للرسول الأمين (صلّي الله عليه و آله و سلّم) والخدش فيها. ولازال هذا الأمر مع الأسف موجباً للخلاف والإختلاف في الأمة الإسلامية وفي أكثر شؤونهم. ومن الطبيعي أنّ لهذا الأمر آثاراً سيئة وتبعاةً مشينة في المجتمع الإسلامي ونتيجتها ظهور الإختلاف في شؤون المسلمين ومن جملتها التاريخ. أمّا في جواب هذه المسألة المهمّة: لم نجد الإبهامات والإختلافات في بعض جوانب تاريخ الإسلام عموماً وفي قسم من
ص: 9
حياة رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام خصوصاً،
فنقول:
إضافة إلى بعد الزمان وعدم وجود وسائط الإرتباط في المجتمع المدنى فى تلك العصور، ووجود بعض الإشكالات والمعضلات في الخطوط والنسخ الموجودة، ورعاية بعض رسوم الخط خاصّة من جانب الخطاطين فى الأزمنة الماضية حسب زمانها ومكانها، التى كان اكثرها طبيعيا، بلا عمده و سوء غرض، نشير الي امور.
اولا : للتقية التى كانت حاكمة أكثر على حياة أهل البيت عليهم السلام.
ثالثا : للتورية والتعمية المعمولة التى كانوا عليهم السلام يراعونها فى أمورهم لمراعاة مصالح الإسلام العليا وصلاح الأمّة في الظروف الخاضة ومواردها في التاريخ كثيرة.
ثالثا : للأغراض السيّئة والتيّات السّياسية الفاسدة من جانب لمخالفين والمعاندين والحكام الجائرين في حق أهل البيت عليهم السلام، وترويج الأكاذيب والشائعات بين الناس لمحو آثارهم والحط من علوّ مقامهم، كإصرارهم على ولادة لصّديقة الطاهرة عليها السلام في قبل البعثة.
رابعا: لمحو المصادر والمنابع المهمّة والمتقنة من كتب الشيعة وإحراق المكاتب وإضرام المسانيد والأصول الرّوائية والتاريخية لأتباع أهل البيت عليهم السلام.
ص: 10
خامساً: لوضع الأحاديث المختلفة والكذب على رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) والشيعة ونشرها بين الناس للأغراض الفاسدة التي تمسّكوا بها.
سادساً : للمنع من بيان الحديث والأخبار عن أهل البيت (عليهم السلام) والمعاقبة الشديدة للقائمين بهذا الأمر في برهة خاصّة من تاريخ الإسلام.
سابعاً : لعدم الإمكانات واللوازم الكافية للتبت الدّقيق والضبط العميق لأنباء الوقائع وحفظها ونشرها على النهج المعمول في العصر الحاضر. وعدم بسط يد المحققين والمؤلفين في الإحاطة بجميع المنابع والمصادر.
هذه الأمور وغيرها كانت السّبب لبروز هذه الإختلافات في جمله من الروايات و بعض التواريخ.
وبعد هذه المقدّمة نبدأ بحول الله وقوّته بموضوع هذه الرّسالة وهو التحقيق حول ولادة الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام) من حيث
الأخبار والزوايات. لجنة التحقيق
ص: 11
1- بصائر الدّرجات: أحمد بن الحسين (1)، عن المختار بن زياد، عن أبي جعفر محمّد بن سليمان (2)، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كنت مع أبى عبدالله عليه السلام فى السّنة التى ولد فيها ابنه موسى عليه السلام، فلمّا نزلنا
الأبواء (3) وضع لنا أبوعبدالله عليه السلام الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه.
ص: 12
فبينا نحن نتغدّى إذ أتاه رسول حميدة (1)؛ «أنّ الطلق قد ضربنى» وقد أمرتنى «أن لا أسبقك بابنك هذا». فقام أبو عبدالله عليه السلام فرحاً مسروراً، فلم يلبث أن عاد إلينا، حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنه، فقلنا: أضحك الله ستك، وأقرّ عينك، ما صنعت حميدة؟ فقال: وهب الله لى غلاماً، وهو خير من برأ الله، ولقد خبرتني عنه بأمركنت أعلم به منها. قلت: جعلت فداك، وما خبرتك عنه حميدة؟ قال: ذكرت أنه لمّا وقع من بطنها وقع واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السّماء، فأخبرتُها أنّ تلك أمارة (2)رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وأمارة الإمام من بعده. فقلت: جعلت فداك وما تلك من علامة الإمام؟ فقال: إنه لمّا كان في الليلة التي علق بجدّي فيها، أتى آت جدّ أبي وهو راقد، فأتاه بكأس فيها شربة أرق من الماء وأبيض من اللبن وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج، فسقاه إيّاه وأمره بالجماع، فقام فرحاً مسروراً، فجامع فعلق فيها بجدّي. ولمّا كان في الليلة التي علق فيها بأبي، أتى آت جدّي فسقاه كما سقى جدّ أبي، وأمره بالجماع، فقام فرحاً مسروراً، فجامع فعلق بأبي. ولمّا كان في الليلة التي علق بي فيها، أتى آت أبي، فسقاه وأمره كما
ص: 13
أمرهم، فقام فرحاً مسروراً، فجامع فعلق بي. ولمّا كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا، أتاني آت كما أتى جدّ أبي وجدّي وأبي، فسقاني كما سقاهم، وأمرني كما أمرهم، فقمت فرحاً مسروراً بعلم الله، بعلمي بما وهب لي(1)، فجامعت فعلق بابني، الخبر.(2)
٢-المحاسن للبرقي: الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: حججنا مع أبي عبدالله عليه السلام في السّنة التي ولد فيها ولده موسى عليه السلامِ، فلمّا نزلنا الأبواء، وضع لنا الغداء، وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثره وأطابه، قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة، فقال: إنّ حميدة تقول لك: إلى قد أنكرت نفسى، وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرتنى ولادتي» و قد آمرتني «آن لا أسبقك با بني هذا». قال: فقام أبوعبد الله عليه السلام فانطلق مع الرّسول، فلمّا انطلق قال له أصحابه: سرّك الله، وجعلنا فداك، ما صنعت حميدة؟ قال: قد سلّمهاالله، وقد وهب لى غلاماً، وهو خير من برأ الله تعالى فى خلقه، ولقد
ص: 14
أخبرتني حميدة عنه بأمر] ظنت أتي لا أعرفه، ولقد كنت أعلم به منها: فقلت: وما أخبرتك به حميدة عنه؟ فقال: ذكرت أنه لمّا سقط من بطنها، سقط واضعاً يده على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، فأخبرتها أنّ تلك أمارة رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وأمارة الوصي من بعده. فقلت: وما هذا من علامة رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) و علامة الوصى من بعده؟ فقال: يا أبا محمّد، إنه لمّا أن كانت الليلة التي علقت فيها بابني هذا المولود أتاني آتٍ، فسقاني كما سقاهم، وأمرني بمثل الذي أمرهم به، فقمت بعلم الله مسروراً بمعرفتي ما يهب الله لي، فجامعت فعلقت بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي . إنّ نطفة الإمام ممّا أخبرتك، فإنه إذا سكنت النطفة في الرّحم أربعة أشهر وأنشى فيها الروح، بعث الله تبارك وتعالى إليه ملكاً يقال له: حَيوان)، يكتب في عضده الأيمن: «وَتَمُتْ كلِمَتُ رَبّك صدِّقًا وعدلاً لأمُبَدِّل لكلماته (1) فإذا وقع من بطن أمه وقع واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء. فلمّا وضع يده على الأرض فإنّ منادياً يناديه من بطنان العرش من قبل رب العزّة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه: اليا فلان بن فلان أثبت مليّاً (2)العظيم خلقتك، أنت صفوتي من خلقي، وموضع سرّي، وعيبة علمي، وأميني على وحيي، وخليفتي
ص: 15
في أرضي، ولمن تولاك أوجبت رحمتي، ومنحت جناني، وأحللت جواري، ثم وعزتي لأصلينَ من عاداك أشدّ عذابي، وإن أوسعت عليهم في الدّنيا من سعة رزقي». قال: فإذا انقضى صوت المنادي أجابه هو، وهو واضع يده على الأرض، رافعاً رأسه إلى السّماء ويقول: وشهد الله أنه لاً إله إلاً هُوَ .
وَالمَلائكة وأولوا العلم قائمًا بالقشط لاً إلة إلاَّ هُوَ العزيزُ الْحَكيم» (1)
قال: فإذا قال ذلك، أعطاء الله العلم الأوّل، والعلم الآخر، واستحق زيارة الروح في ليلة القدر. قلت: والرّوح ليس هو جبرائيل ؟
قال: لا، الروح خلق أعظم من جبرائيل، إنّ جبرائيل من الملائكة،
وإنّ الروح خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالى:
عر ہ
وتنزّل المَلائكةً وَالرُّوخ» (2).(3)
3- ومنه: علي بن حديد، عن منصور بن يونسي؛ وداود بن رزين،
ص: 16
عن منهال القضاب، قال: خرجت من مكة وأنا أريد المدينة، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبى عبدالله موسى (عليهما السلام)، فسبقته إلى المدينة، ودخل بعدي بيوم، فأطعم الناس ثلاثاً، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئاً إلى الغد حتى أعود فأكل، فمكثت بذلك ثلاثاً، أطعم حتى ارتفق (1)، ثم لا أطعم شيئاً إلى الغد.(2) 4- دلائل الإمامة للطبري: قال أبو محمّد الحسن بن علي الثاني (عليهما السلام): ولد (عليه السلام) بالأبواء، بين مكة والمدينة، فى شهر ذي الحجّة سنة مائة وسبعة وعشرين من الهجرة.(3) والتحقيق في المقام على نحوالإيجاز: إنّ هذه الروايات تدل بوضوح على أنّ تولد الإمام الكاظم (عليه السلام) كان بالأبواء، وفي الحديث الأخير تنصيص الإمام العسكري (عليه السلام) على أنه ولد في شهر ذي الحجة، وفي الحديثين الأوّلين دلالة عليه أيضاً، فإنّ أبابصير قال: حججنا مع أبى عبد الله (عليه السلام) فى الشنة (4) التى ولد فيها ابنه موسى (عليه السلام)، فلمّا
ص: 17
نزلنا(1)بالأبواء وضع لنا الغداء، وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثره وأطابه، قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة - إلى أن قال: - فقام أبو عبدالله عليه السلام وانطلق مع الرسول، فلمّا انصرف قال له أصحابه: سرّك الله وجعلنا فداك، ما صنعت حميدة؟ قال: قد سلّمها الله، ووهب لى غلاماً، وهو خير(2) من برأ الله فى خلقه -إلى أن قال: - فأخبرتها أنّ تلك من علامة رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وعلامة الوصي من بعده، الحديث.(3) وفى الحديث الثالث عن منهال القضاب قال: خرجت من مكة وأنا أريد المدينة، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبى عبدالله عليه السلام موسي عليه السلام ، فسبقته الب المدينة ، ودخل بعدي بيوم فاطعم الناس ثلاثا، الحديث.فظهر جلياً : أنّ الإمام الصّادق عليه السلام حج مع أصحابه وعياله أوّلاً، فلمّا فرغوا من الحج، وحينما رجعوا إلى المدينة نزلوا بالأبواء وكان ذلك
ص: 18
فى شهر ذي الحجة من هذه السنة، فجاءه رسول حاليلته حميدة فانطلق إليها، فلمّا رجع بشر بتولد ابنه موسى عليه السلام، وأخبرعليه السلام بأنّ تلك من علامة الرّسول (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وعلامة الوصي من بعده. وفي هذا تصريح بأنّ الحج والتولد بالأبواء كانا في هذه السّنة، ولو كان التولد فى غير ذي الحجّة لكان فى السّنة القادمة. مضافاً بأنّ التوقف بلاعلة بعد اداء المناسك فى مكة خلاف سنة الحج (1)والسّيرة، كما أنّ رسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) في الثامن عشر من ذي الحجّة كان فى الجحفة وكانت واقعة الغدير وإعلان إمامة الأمير عليه السلام فى هذا اليوم. وأمّا أقوال علماء الفريقين فقد استقصيناها في كتاب عوالم العلوم و مستدركاته.(2) وما قيل: بأن المتفق عليه في أغلب المصادر أنه ولد في سابع صفر سنة 128 ه(3). لا أصل له ولا استناد به، بل مغايرللزوايات المتقدمة ودلالتها (وفى هذا الكتاب كما مرّ) فعن العسكري عليه السلام أنه ولد عليه السلام فى شهر ذي الحجّة.(4)
ص: 19
وفي رواية أبي بصير (التي نقلناها في هذا الكتاب): أنّ الإمام الصّادق عليه السلام (حج مع عياله وأصحابه في السّنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام بالأبواء»، علماً بأنّ الحج كان في شهر ذي الحجّة آخر السّنة الحاضرة، فلمّا فرغوا من أعمال الحج في حين رجوعهم إلى المدينة، نزلوا بالأبواء وكانوا يتغدّون، فجاء رسول حميدة، فانطلق الإمام عليه السلام، ثم رجع مبشراً بولادته - إلى أن - نزلوا بالمدينة بعد يوم وأطعم عليه السلام ثلاثاً، كما في رواية المنهال. ففيه دلالة على أنّ الحج والتولد كانا في سنة واحدة وهو كالضريح فى أنه كان فى اواخر (1) شهر ذي الحجّة من هذه السّنة، ولو كان فى - .غير هذا الشهر لكان في السنة القادامة نعم، لا دلالة في الرّوايات على تعيين اليوم الخاص وهو المقصود ليتخذ عيداً وسروراً، كما هو المتعارف في جميع المواليد (ولعل من هنا مالت النفوس إلى قول السابع من صفر). بناءً على ذلك فلا علم لنا بيوم الميلاد ولكن نعلم في اليوم الآخر من شهر ذي الحجّة أنه عليه السلام كان متولداً إمّا فيه أو قبله. هذا هو المستفاد من الرّوايات والأخبار التي في الباب، ومن المعلوم انّ الرّواية مقدّمة على القول والدّراية. وعلى فرض ثبوت شهرة قول السّابع من شهر صفر، هذه الرّوايات تدفع الشهرة وتسقطها.
ص: 20
واخيراً نسأل متواضعاً من القرّاء الكرام، خاصّة أهل الدّقة والتتبع عن أمور. ١. هل بقي مع هذا التحقيق والإستدلال، لقائل الشهرة في هذا الأمر (أي ميلاد الإمام الكاظم عليه السلام في السابع من شهر صفر) وجه؟ ٢. هل تنصيص الإمام العسكري عليه السلام على ولادة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في ذي الحجّة لا يثبت المراد؟ ٣. هل ظاهر الرّوايات التي ذكرنا هاهنا، بل نصّها وتصريحها، ودلالة الأخبار التي نقلناها، ومضامينها، والقرائن الموجودة في الآثار والشواهد القائمة هنا على دلالات الأخبار، على ما في هذا التحقيق لم يكف في إثبات الموضوع؟ ٤. هل اعراض بعض فحول الفقه والتاريخ عن قول ولادة الإمام الكاظم عليه السلام في السابع من شهر صفر لا يثبت مدّعانا في هذا التحقيق؟ ٥. في مقام التعارض بين القول والرّواية في مثل هذا المورد كيف نعمل ؟ وبأيهما نأخذ؟ والحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله علي محمد رسول الله وعلي آله آل الله ، سيّما مولانا بقية الله . واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الله.