التشيع نشاته و عقايده

اشارة

سرشناسه : بابايي آريا، علي

عنوان قراردادي : آشنايي با پيشينه، مباني و ديدگاه هاي مذهب شيعه . عربي

عنوان و نام پديدآور : التشيع نشاته و عقايده/ [نگارش علي بابائي آريا]؛ باشراف محمدتقي فخعلي؛ مترجم جعفر الجزايري.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر ‫، 1392.

مشخصات ظاهري : ‫144 ص.

شابك : ‫ 978-964-540-460-2

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه: ص. [129] - 139؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : شيعه اماميه -- عقايد

موضوع : امامت

موضوع : مهدويت

شناسه افزوده : فخلعي ، محمدتقي ، 1344 -، ويراستار

شناسه افزوده : جزايري، جعفر، ‫1356 - ، مترجم

رده بندي كنگره : ‫ BP201/7 ‫ /ب2آ5043 1392

رده بندي ديويي : ‫ 297/53

شماره كتابشناسي ملي : 3242622

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كلمة المعهد

الحمد لله ربّ العالمين وصلواته على أشرف خلقه محمّدٍ وأهل بيته الطيّبين الطاهرين

يُعتبر الإنسان بفطرته كائنٌ لا يفتأ يبحث عن الكمال والسعادة، ويتحرّى السُّبُل التي توصله إلى هذا الهدف، لذلك بعث الله تعالى الأنبياء والرسل واحداً تلو الآخر لتلبية هذه الحاجة الفطريّة. لكن، وبعد رحيل كلّ نبيٍّ أو رسولٍ، كانت شريعته تتعرّض لكثير من التزييف والخلاف وهي حالة واجهها المسلمون كذلك بعد وفاة رسول الله (ص) فنجم عن ذلك ظهور مذهبيْن أساسيّيْن بين المسلمين حيث اتّبعت فئةٌ من منهم مدرسة أو فلسفة الخلفاء الراشدين فأُطْلِق على أتباعها عنوان «أهل السنّة» ، بينما انتهجت فئة أُخرى مدرسة آل بيت الرسول (ص) فسُمّوا بالشيعة، ولكلٍّ من هاتين المدرستين أُصولها ومنهجها الذي تبنّاه أصحابه ورأوا فيه مقصودهم الذي يقودهم إلى الكمال المنشود والسعادة الأزليّة.

وهذه الدراسة التي قام بها الدكتور محمّد تقي فخلعي، تُمثّل رؤية تحليليّة إجماليّة لتأريخ التشيّع وجذوره العقائديّة، مُبيّناً أهمّ آراء أتباع هذا المذهب

ص: 6

ونظريّاتهم، ليضع الحقائق بين أيدي الطلاب راجياً من الله العليّ القدير أن يتمكّن المسلمون من معرفة بعضهم البعض بنحوٍ أفضل أملاً في تقاربهم وهدفاً لاتّحادهم في مقابل الكفر والاستكبار العالميّ.

إنّه وليّ التوفيق

قسم الكلام والمعارف

معهد الحجّ والزيارة

ص: 7

مقدمة المترجم

إنّ رسم صورة واضحة ومفصّلة عن مذهب متكاملٍ ومدرسة فكرية، لهو مهمّة عسيرة في ظل ظروف طبيعية، فكيف بالأمر إذا ما قابل هذه الجهود ظروف موضوعية مناوئة، تشتمل على كثيرٍ من الصعوبات؛ من التعسّف في الرأي والتسرّع في الحكم والرمي بالأباطيل من قبل أتباع مدارس أخرى ومذاهب مختلفة، لأسباب أقل ما يقال في حقّها أنّها غير علمية؟ !

فليس بذلك الأمر الممكن والهيّن أن يحاط مثلاً بموضوع نشأة مذهب التشيّع والنظريات المطروحة فيه، والقيام بنقاشها بشكلٍ تفصيلي وعلمي وبوريقات قليلة لتكشف ما اعتور هذه المسألة من إيهام وإبهام، هذا ناهيك عمّا لو أضيف إليها الإطلاع على أهم عقائده ومتبنّياته الفكرية على مستوى العقيدة والشريعة ممّا يتقاطع به مع بقية المذاهب. . إنّ مهمة كهذه لعسيرة أن تتم بأكمل وجه في مثل هكذا شروط.

ولذا أيّها القارئ الكريم، كان هدف المؤلّف هذا الكتاب الذي بين يديك تقديم (إطلالة) على هذا الموضوع، تُسهم في كشف بعض أوجه الظلم والالتباس التي أحاطت بالمذهب من طرف مناوئيه، عن طريق إلصاق التهم

ص: 8

به ونسبة أمور له، لو كان لإحسان الظن فيها سبيل، سنعتقد أنها وقعت من دون دراية أو تفحّص.

هذه المشاكل أفرزتها عامل متعددة تمظهرت على شكل مجموعة من الإخفاقات العلمية لايمثل عدم الرجوع إلى المصادر المعتبرة عند هذا المذهب، وعدم الاعتماد على أئمّته ورجاله المهمّين في فهمه أو تفهّمه إلّا نزر منها.

هذا وقد سلك المؤلّف في معالجة الإشكالية المطروحة في هذا الكتاب طريق المقارعة بالحجج والأدلّة والشواهد من مصادر القوم ومعتمد كلامهم، فأنهك نفسه في متابعة الآراء والمصادر بما يحقّق مهمّة هذا الكتيّب، فجعل منه بوريقاته القليلة ذا نفع كبير مشحون بالمصادر الموثّقة وبالأرقام والمراجع، فأحاط بمجموعة من أهم المسائل الخلافية والآراء التي هي محل أخذ ورد، وحاول أن يجيب عليها بعبارة سلسة واستدلال مفهوم بيّن، لينتفع بالكتاب أكبر شريحة ممكنة، فتعم الفائدة.

وإذ أناط بي معهد الحج والزيارة مشكوراً مهمّة نقل هذا الكتاب من لغته الأصلية (الفارسية) إلى اللغة العربية، فقد قمت بدوري بهذه المهمة، وكنت حريصاً أن يحتفظ الكتاب بصفاته الإيجابية الآنفة الذكر، جاعلاً نصب عيني أن أنقل آراء المؤلّف كما هي بأمانة ويس-ر للقارئ الكريم لتصل رسالة المؤلف إلى قرائه باللغة العربية، من دون تدخل يؤثر على هذا الهدف سواء بتأييد أو اعتراض. .

ومن الله التوفيق وعليه التكلان

جعفر الجزائري

1413ه. ق

ص: 9

توطئة

قال تعالى: (أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْ-رِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (ابراهيم: 25 - 24 .

لنبدأ كلامنا متسائلين عن مدى إمكانية صمود أيّ مذهب من المذاهب أمام هذا الكمّ من هجمات الأعداء التي واجهها مذهب التشيع، وكيف بقي رغم كل ذلك صامداً وشامخاً؟ !

فمذ فاجعة كربلاء التي ارتكبها الأمويّون بحقّ إمام هذا المذهب وأنصاره، والذين كانوا يتصوّرون أنّهم قضوا بها على سلالة النبيّ الكريم (ص) وأنهوا كابوس الرسالة المحمدية الذي كان يطاردهم، وحتى يومنا هذا؛ لم تزل كربلاء - وبشهادة التاريخ - رمزاً لخلود التشيّع وراية خفّاقة له.

ورغم كل ما فعلوه من مكرٍ وخداعٍ، ورغم العداوة التي بدرت منهم بأشد أنواعها وصولاً لما ارتكبوه من تضييق واضطهادٍ وحبس وتعذيب لأهل البيت: ومحاولات لتشويه فكرهم وتحريف الحقائق، فقد بقيت أهدافهم بعيدة المنال ولم يحقّقوا منها شيئاً، وبقيت شجرة التشيع باسقةً تأتي

ص: 10

أُكلها؛ كما قال تعالى: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) . (الفتح: 29

ولكن، ما هي حصيلة هذا الكفاح الطويل؟ وماذا نتج عنه؟

بحسب رأي كاتب هذه السطور هناك ثلاثة عناصر تمخّض عنها هذا الكفاح الطويل، وهي:

1- الاعتدال الفكري.

2- المنطق العقلاني.

3- الروح الجهادية.

هذه العناصر الثلاثة هي التي ضمنت بقاء التشيع على مدى التأريخ، ف-(الاعتدال الفكري) يمثّل عنصر الموازنة والترغيب بمدرسة التشيع قِبال كلّ الحركات المتطرّفة، سواء كانت إفراطاً أم تفريطاً، والتي حاولت التقليل من شأنه. أمّا (المنطق العقلاني) فهو سلاح ضد الجهل والخرافة والأفكار المنحرفة. وأمّا (الروح الجهادية) فهي المصدر الذي تُستمَد منه روح المقاومة وحياة الخلود للمذهب قبال كلّ تماهلٍ أو توانٍ وخمولٍ يصيب جسد الأمّة وروحها. ومن خلال هذه العناصر الثلاثة يكون بمقدورنا أن نفهم ما تحتاجه البش-رية هذا اليوم.

وعلينا أن لا نغفل عن أنّ بيان فكر الشيعة وواقع مذهبهم من خلال التركيز على هذه العناصر سيكون له - بكل تأكيد - الأثر العميق في نفوس المخاطبين والتأثير الواضح عليهم.

ولِما نلمسه من فوائد للتطوّر التكنولوجي والمعلوماتي، والتي منها رفع جدران الحَجْب والكتمان عن الحقائق، وإزاحة أستار التضليل والتعتيم الفكري، لم يبقَ اليوم عذرٌ لمعتذر! وعلى الرغم ممّا يمارسه أعداء التشيع

ص: 11

والمعاندون، وغيرهم من الضالّين المضلِّين سعياً لتحقيق أهداف معروفة ومكشوفة للجميع، يضيفونها إلى أهداف أخرى مستورة وغير معلنة؛ من أجل تشويه صورة التشيع بأكاذيبهم وأراجيفهم الباطلة وافتراءاتهم علينا بعقائد لا نقول بها، من قبيل: (وضع علي في مقام الألوهية أو الرسالة) ، أو (الاعتقاد بخيانة الوحي) ، أو (الاعتقاد بتحريف القرآن) ! ! وغيرها من التهم التي لا أساس لها، والتي أوصلت الخلاف بين المذهب الشيعي وغيره إلى أوجه؛ فإنّ التطوّر الحاصل نتيجة اتّساع نطاق تقنية الاتّصالات ووسائل الإعلام، قد جعل من السهل لمن يريد الإطلاع ومعرفة الحقائق، الوصول لها بأيسر طريق وأسرعه، وجعل هذه المزاعم الكاذبة تفقد بريقها الذي تزهو به أمام أنوار الحقائق التي تسطع في أصقاع العالم والتي يتيسّر الوصول لها ما إن أردنا.

ومن هنا تتحتّم مسئولية (الروح الجهادية) الفكرية العظيمة في إيصال الحقائق للراغبين وكشف مغالطات وشبهات المبطلين، ورفع غبار الشك والوهم عن أنظار المبص-رين لبلوغ العدالة والحقيقة اللتين وعدنا بهما.

الدكتور محمد تقي فخلعي

أستاذ مساعد في جامعة فردوسي - مشهد

ص: 12

ص: 13

نشأة مذهب التشيع ومتبنياته الفكرية

١- نشأة مذهب التشيع

اشارة

تعتبر مسألة نشأة المذهب الشيعي وتأريخه واحدة من أهم المسائل الخلافية بين الشيعة والسنة. فكثير من أهل السنّة لا يعتقدون بقِدم هذا المذهب وأصالته، ويعتبرونه مذهباً مبتدعاً وطريقةً مستحدثةً لا تمّت للإسلام بصلة! وسنقف فيمايلي على أهم هذه الآراء باختصار:

أ- عبد الله بن سبأ في تأريخ التشيّع

يعتقد بعض أهل السنّة أنّ أوّل من وضع أسس المذهب الشيعي وابتدعه رجل يسمّى (عبد الله بن سبأ) وهو يهودي الأصل عاش في عص-ر النبيّ الأكرم (ص) وكان يعني به الاعتقاد بأفضلية عليّ (ع) في العلم والعمل على غيره وخلافته للنبيّ (ص) بعد وفاته.

ولكنّ الحقيقة على خلاف هذا الادّعاء، إذ لا أحد من علماء السنّة البارزين يعتقد بذلك. فأولئك يزعمون أنّ (عبد الله بن سبأ) هو من أسّس المذهب الشيعي وهو من أنشأ حركة الغلو التي تحمّل أعباءها وسيّئاتها أتباع

ص: 14

مذهب أهل البيت، كالإيمان بألوهية عليّ (ع) ، حيث اعتبروه من غلاة الشيعة وأطلقوا على اتباعه اسم (السبئية) واعتبروهم فرقة من فرق الشيعة. (1)

ومن المؤكّد أنّه لا يحق لأحد أن ينسب الغلوّ إلى التشيّع؛ لأنّ هذا الطراز والفكر من الحركات الخارجة عن روح الإسلام الحنيف وأفكاره، يتعارض مع أصول الدين الإسلامي تعارضاً جذريّاً. والطائفة الشيعية والمدرسة الفكرية التي تنتمي لها لا تعترف بمثل هكذا أفكار باطلة خارجة عن منظومة أفكاره وأصوله.

لذلك لا بدّ لنا من الالتفات إلى أنّ أصل وجود شخص باسم (عبد الله بن سبأ) من الناحية التأريخية أمر يشوبه الشكّ، والراوي الأساس لقصّته وهو (سيف بن عمر) وهو شخص معروف بين محقّقي علم الرجال السنّة والشيعة بأنّه كذّاب ومفتعل للأساطير والخرافات. وهناك من المحقّقين من تناول شخصية (عبد الله بن سبأ) بالبحث بشكل تفصيلي، وبيّن أنّه شخصية مفتعلة وغير حقيقية. (2)

ومن الملفت للنظر أيضاً أنّ بعض المحقّقين السنّة والكتّاب السلفين يذهبون إلى هذا الرأي بشأن شخصية (عبد الله بن سبأ) ويشكّكون بشكلٍ جدّي في وجوده. (3)


1- انظر: الفتنة ووقعة الجمل، دعوة عبدالله بن سبأ، ص48؛ تأويل مختلف الأحاديث، ص7٠؛ الضعفاء، ج4، ص77؛ الوافي بالوفيات، ج17، ص 1٠٠. وكذلك من المصادر السنية المعاصرة انظر: أضواء على السنة النبوية، ص177؛ المهدي المنتظر في ضوء الاحاديث والأخبار الصحيحة، ص61.
2- عبد الله بن سبأ، ج3.
3- منهم الشخصية المعروفة المعاصرة (طه حسين) . لمعرفة رأيه في هذا الموضوع، انظر كتاب: مع رجال الفكر، ج1، ص277. .

ص: 15

وهذا الأمر هو الثابت على الرغم من وجود بعض الروايات في مصادر الأحاديث الشيعية التي تذكر هذه الشخصية وتحكي عمّا كانت تتّصف به من غلوٍ حالها حال الكثيرين ممّن ابتلوا بالإفراط بمعتقداتهم. (1)

وهناك روايتان الإمامين الباقر (ع) والصادق (ع) تشيران إلى وجود (عبدالله بن سبأ) (2)، وما ذكره أقدم علماء الرجال الشيعة، كالشيخ الكشّ-ي، من روايات وردت في لعنه وتوبيخه والتي بعضها صحيح السند (3)، لم يترك مجالاًً لدى بعض علماء الرجال الشيعة المعاصرين لإنكار وجود هذه الشخصية. (4)

وعلى كل حال، سواء قلنا بوجود هذه الشخصية أم شككنا بذلك، فما ينسب لها من آراء وعقائد منحرفة وغير صحيحة، لاصلة له بعقائد المذهب الشيعي الواضحة والمشهورة.

فكلّ المصادر التي ذكرت قصّته وتناولت شخصيّته اتّفقت على أنّ أميرالمؤمنين علي (ع) دعاه إلى التوبة، ثمّ تمّ إعدامه. وكذلك كل المصادر الشيعية التي ذكرت شخصيّته وأشارت له ولأفكاره، قد أنكرت هذه الأفكار وانتقدتها بشدّة واعتبرتها من مصاديق الكفر بالله تعالى وممّا يستحق اللعن والنبذ. (5)


1- انظر: الغارات، ج1، ص 3٠2؛ الخصال، ص628؛ من لا يحض-ره الفقيه، ج1، ص 325؛ تهذيب الأحكام، ج2، ص322؛ الأمالي للطوسي، ص23٠؛ الهداية الكبرى، صص 151 و 432.
2- انظر: وسائل الشيعة، ج28، ص336.
3- اختيار معرفة الرجال، ج1، ص 323.
4- مستدركات علم رجال الحديث، ص22.
5- انظر كمثال على ذلك: وسائل الشيعة، ج28، ص 336؛ رجال الطوسي، ص75؛ خلاصة الاقوال، ص372. .

ص: 16

ولو قلبنا المصادر والتراث الشيعي رأساً على عقب فلن نجد موضعاً واحداً يذكر فيه عبدالله بن سبأ بخير، ولن نعثر على أثرٍ لأفكاره المنحرفة بشكل رسمي معتد به، فكيف يمكن عدّه - والحال هذه - مؤسّساً للمذهب الشيعي؟ !

ب- دور الحوادث التأريخية وملوك بلاد فارس في تأريخ التشيع

يسعى البعض لاتّخاذ بعض الحوادث التأريخية بداية لظهور التشيّع، فيقولون إنّ التشيع نشأ في سقيفة بني ساعدة، أو بعد حرب الجمل أو بعد حرب صفّين. بل حتى ينسب البعض نشأة التشيع ويربطها بمثل آل بويه أو الصفويين، ويدّعون أنّ ملوك فارس كان لهم دورٌ في تأريخ التشيّع.

والحقّ أنّ هذه الآراء لا دليل عليها ولا قيمة علمية لها وهي لا تعدو كونها تعصّبٍ أعمى.

وقد تكفّل السيد طالب الخرسان بالرد على مثل هذه الدعاوى بالتفصيل في كتابه (نشأة التشيع) ودحض هذه الادّعاءات الباطلة. (1)

بالطبع، نحن لا نذهب إلى أنّ الأحداث التأريخية وبعض العوامل والتغييرات الأخرى التي طرأت على الكيان الإسلامي ليس لها أثر في نضج المذهب الشيعي وانتشاره. فمن الطبيعي أن يكون للزمان والأحداث التأريخية المختلفة تأثيراً على مسيرة مذهب التشيع في ازدهاره أو إنحساره، والأهم من ذلك أيضاً تأثير قادته وأئمّته الذي لهم دورٌ في ذلك.

بعبارة أخرى، فممّا لا شكّ فيه أنّ مذهب التشيع في زمن الإمام جعفر الصادق (ع) يختلف عنه في زمن الإمام علي (ع) ، ولكنّ هذا الاختلاف لم يمسّ


1- نشأة التشيع. .

ص: 17

أصول المذهب الاعتقادية، كالإيمان بإمامة أهل البيت (ع) الذي كان ملازماً لاتساع المذهب وذياع صيته.

ونرى أنّ التشيع في زمن الإمام الصادق (ع) وبفضل الجهود العلمية الحثيثة التي بذلها تحوّل من (عقيدة) إلى (مدرسة فكرية) . فالتشيع حتى ما قبل الإمام الصادق (ع) ، بل إلى ما قبل زمن أبيه الباقر (ع) ، لم يطرح كمذهب أو مدرسة متكاملة، وكانت حقيقته أكثر بساطة من كونه مذهباً أو مدرسة متقوّمة الأسس. ولذا يمكننا القول إنّ الفضل في ظهور التشيع وتبلوره كمذهب متكامل يعود إلى الإمامين الباقر والصادق (ع) ، حيث لاقى رواجاً على أيديهما في المجتمع وانتشر بشكلٍ واسعٍ، وهذه الحقيقة هي التي تبيّن المراد من التعبير المتداول على الألسن والبعد الحقيقي لتسمية هذا المذهب ب-(المذهب الجعفري) .

ج- دور الرسول في تأريخ التشيع

في الحقيقة إنّ أصل محبّة الامام علي (ع) والاعتقاد بأفضليته العلمية والدينية وأحقّيته بالخلافة من بعد الرسول (ص) ، يعد من الأمور الواضحة التي دلّت عليها أقوال الرسول الكريم (ص) ، والتي رويت بكثرة في مصادر الشيعة وأهل السنّة.

وممّا لا شك فيه أنّ ذلك ممّا يؤيّده النقل التأريخي في عهد الرسول (ص) وما رُوي بكثرة حول تلك الحقبة من أفضلية علي (ع) العلمية والدينية على غيره. وبشكل عام فإنّ فضائل الامام علي (ع) هي من الحقائق التي تمّ التأكيد عليها من قبل الرسول الأكرم (ص) ، ولذا، ومذ ذلك الحين، أحبّه الخلّص من الأصحاب واتّبعوه. وكمثال على ذلك ما ينقل عن الصحابي الشهير عبدالله

ص: 18

ابن مسعود من قوله (ع) «كنا نتحدّث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب» . (1)

وما نقل عن أبي سعيد الخدري من قوله (ع) «إنْ كنا لنعرف المنافقين نحن معش-ر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب» . (2)وهذا المعنى نقل أيضاً عن صحابة مشهورين آخرين كأبي ذرٍ الغفاري (3)، وجابر بن عبدالله الأنصاري. (4)وكذلك أكّد هذه الحقيقة بعض التابعين، وأقرّوا بأنّه لا يوجد بين أصحاب النبيّ محمّد (ص) من هو أعلم من (عليٍّ) . (5)

وقد اعترف أحمد بن حنبل، وهو أحد أئمّة المذاهب الأربعة، بص-راحةٍ أنّه لم يرد من الفضائل في حقّ أحدٍ من الصحابة بقدر ما ورد من روايات في فضائل عليّ (ع) . (6)فهذه الروايات الكثيرة في فضائله (ع) والتي لا يمكن إنكارها، مع روايات كثيرة أخرى تؤكّد حقّه في الخلافة وأولويته على غيره، حيث وردت عن صحابة معروفين من أمثال سلمان وأبي ذرٍ والمقداد وعمّار وحذيفة، تؤرّخ نشأة التشيّع وتؤكّد على حقّ الامام علي (ع) في الخلافة.

وقد ذكر المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مراجعته لبعض كتب أهل السنة وإحصاءه لما يقارب من ثلاثمائه صحابي من الشيعة (7)، وكذلك تكلّم عن هذا الأمر بالتفصيل المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية. (8)


1- مجمع الزوائد، ج9، ص 116.
2- سنن الترمذي، ج5، ص 298؛ جزء الحميري، ص34.
3- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص 129.
4- المعجم الأوسط، ج2، ص 328؛ الاستذكار، ج8، ص 446.
5- المصنّف، ج7، ص5٠2.
6- الاستيعاب، ج3، ص 1115.
7- أصل الشيعة وأصولها، ص145.
8- الشيعة في الميزان، ص26 وما بعدها. .

ص: 19

وعلى هذا فإنّه من الحق والإنصاف إرجاع نشأة التشيع وإقامة أركانه لشخص النبيّ الكريم (ص) وما صدر منه من أحاديث، وحين نريد العثور على الأوائل من الشيعة فعلينا البحث بين صحابته.

وممّا يؤكّد هذه الحقيقة رواياتٌ وأحاديث في المصادر الروائية السنّية رُويت عن النبيّ الأكرم (ص) تضمّنت مصطلح (شيعة علي) . وكذلك ما يدعم هذه الحقيقة الاحاديث التي رُويت عن الرسول الكريم (ص) في المصادر الروائية السنّية من أنّه ذكر جماعةً وسمّاهم (شيعة عليّ) واعتبرهم خير البريّة والعباد يوم القيامة، وهذه حقيقةٌ لايمكن غضّ النظر عنها أو إهمالها. وكمثال على هذه الأحاديث النبوية ما روي عن الرسول الكريم (ص) في تفسير قوله تعالى (ع) أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ حيث قال (ع) «أنت يا عليّ وشيعتك» . (1)

وكذلك ما روي عن جابر بن عبدالله الأنصاري (رضى الله) أنّه قال (ع) «كنا عند النبيّ (ص) فأقبل عليّ، فقال النبيّ (ص) «والذي نفس-ي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة» (2)، وهذا الحديث رواه أيضاً أبو سعيد الخدري وأمّ سَلَمة عن رسول الله (ص) . (3)

فالحقّ والإنصاف، إنّ التشيع لعليّ (ع) هو مفهوم أصيل طرحه النبيّ الكريم (ص) ، وأنّ أوّل من وضع اصطلاح (شيعة علي) هو الرسول الكريم (ص) .

إذن، علينا الاعتراف بأنّ التشيع انبثق من صميم الإسلام، بل هو عين الإسلام المحمّدي الأصيل، وبانيه ومؤسّسه هو شخص الرسول الكريم (ص) .


1- جامع البيان، ج3٠، ص 335.
2- الدر المنثور، ج6، ص 379.
3- تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص 333. .

ص: 20

٢- الفرق التي تنتسب إلى التشيّع

اشارة

إنّ المذهب الشيعي ومنذ بداية تأسيسه اتّخذ في تكوينه وطبيعة أصوله شكل المذهب الاثني عشري المعروف حالياً، وهذا ما تؤكّده الروايات الكثيرة، ولكن وبمرور الزمان وبتوالي الأحداث التأريخية المختلفة ظهرت بعض الفرق التي تنتسب إليه، وأهمّها فرقتان سنشير إليهما وإلى فرقٍ فرعيةٍ أخرى فيما يلي (ع)

أ- الزيدية

تعود جذور هذه الفرقة إلى عهد زيد بن الإمام علي بن الحسين (ع) ، الذي ثار في عهد الإمام الصادق (ع) على النظام الجائر لبني أُميّة آنذاك، ولكنّ ثورته باءت بالفشل لظروف وأسباب عديدةٍ، فاستشهد بشكلٍ مأساويٍّ.

وبعد شهادته (سلام الله عليه) بقي بعض اتباعه الذين أسّسوا من بعده حركة واشترطوا في الإمام قيامه بالسيف والجهاد في سبيل الله تعالى ضد الحكومات الجائرة، كشرط إضافي على ما يشترطه الشيعة في الإمام سابقاً، وجعلوه شرطاً بديلاً لش-رط العصمة في الإمام (1)، وآمنوا بأنّ الإمامة لاتختصّ بنسل الإمام الحسين (ع) أو الإمام الباقر (ع) ، بل كل من كان من نسل أميرالمؤمنين عليّ (ع) فله الحق في تسنّم منصب الإمامة.

وعلى الرغم من الآراء التي تذهب إلى أنّ مثل هكذا أفكار ومعتقدات ليست من أفكار وعقائد شخص زيد بن علي (ع) ، ولم يكن يرَ الإمامة في شخصه أو وُلده؛ إلا أنّ هذه الفرقة التي ظهرت بعده قد نُسبت إليه وأُطلق عليها (الزيدية) ، والتي تعتبر اليوم من الفرق الأساسية التي تنسب للتشيّع. (2)


1- الإرشاد إلى سبيل الرشاد، ص69 وما بعدها.
2- إنّ أكثر الشيعة في عصرنا الحاضر في دولة اليمن هم من الشيعة الزيدية. .

ص: 21

ب- الإسماعيليّة

الفرقة الإسماعيليّة هي الأُخرى قد نشأت في عهد الإمام الصادق (ع) وهي الفرقة المنسوبة إلى ابنه الأكبر الذي لم يتمتّع بش-روط الإمامة كالعلم والعصمة. وعلى خلاف ما كان يتصوّره بعض الشيعة من أنّ الإمامة تنتقل للابن الأكبر للإمام المعصوم (ع) ، فقد انتقلت للابن الأصغر وهو موسى الكاظم (ع) فنصّبه أبوه خليفة له وإماماً للمسلمين. وهذا التنصيب لم يكن مقنعاً لبعض الشيعة، وهكذا بايعوا بعد وفاة الإمام الصادق (ع) ابنه إسماعيل، واعتقدوا بأنّ الإمامة في صلبه، ولذا أُطلق عليهم (الإسماعيلية) .

ومع كل الأدلّة التي تثبت أنّ إسماعيل توفي في حياة أبيه الصادق (ع) وأنّه لم يكن حيّاً قبل شهادة أبيه كي يتأهّل لمنصب الإمامة من بعده، إلّا أنّ الإسماعيلييّن قد تمسّكوا بمعتقدهم وإصرارهم على إمامته رغم بطلان ذلك، وهذه الفرقة إلى يومنا الحاضر منسوبةٌ إلى التشيّع.

ج- الفرق الأخرى المنسوبة إلى التشيّع

توجد في تأريخ فكر التشيّع فرق واتجاهات ثانوية أخرى أكل عليها الدهر واندثرت ولم يبقَ منها أثر، ك- (الكيسانية) وهم الذين يؤمنون بإمامة محمّد بن الحنفية ابن الإمام علي (ع) بعد الإمامين الحسن والحسين (ع) . وكذلك فرقة (الواقفيّة) وهم الذين توقّفوا في إمامة الإمام الرضا (ع) ، وفرق أخرى غيرها.

د- الفرق التي يُزعم انتسابها للتشيّع

بالإضافة إلى ما ذكرناه من الفرق المنسوبة إلى التشيّع، فقد ذكر بعض المؤلّفين السنة أسماء لفرقٍ أخرى، يبدو أنّها لا تمّت بصلةٍ إلى فكر التشيّع

ص: 22

ولم تذكر في تأريخ الشيعة مطلقاً؛ وإنّما هي من نسج مخيّلتهم، وعجائب وغرائب كتّابهم. فقد ذكروا فرقاً مثل (ع) البيانية، والرزامية، والحلوية، والشاعية، والشريكية، والتناسخية، واللاعنة، والمخطّئة، وما شاكل ذلك من الأسماء التي لا تنطوي على معاني حقيقية وليس لها من الواقع حظٌّ، نسبوها إلى المذهب الشيعي كي يشوّهوا صورته في اذهان أتباعهم من أهل السنّة ويبعدوهم عن معرفة حقيقة هذا المذهب الأصيل. (1)

إذن، يثبت لنا أنّ الفرقة الأصلية للشيعة والتي تمثّل التشيّع الحقيقيّ وينتمي إليها غالبية الشيعة، هي الفرقة التي تعتقد بإمامة الأئمّة المعصومين الاثنى عشر (ع) ، وهي الفرقة التي تُعرف عند أهل السنة باسم (الإمامية) أو (الاثنى عش-رية) ، ومن هنا سيكون المراد بقولنا (الشيعة) في هذا البحث خصوص هذه الفرقة لا غير.

ه- الغلو والفرق المغالية

من المناسب هنا أن نتحدث هنا عن (الغلو) أو (الغلاة) من وجهة نظر الشيعة، ونذكر أموراً موجزةً لا تخلو من فائدةٍ، إذ هناك كثير من أهل السنّة يعتبرون الغلاة فرقة من الشيعة، بل بعضهم لا يفرّق بين الشيعة والغلاة!

(الغلو) في اللغة من غلا يَغْلو غُلَوًّا، أي جاوز الحدّ (2)، وفي الاصطلاح بمعنى الإفراط ومجاوزة الحدّ في العمل أو القول في الاعتقادات والآراء الدينية. وقد استعمل القرآن الكريم هذا الاصطلاح حين خاطب أهل الكتاب قائلاً: (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ


1- للاطلاع أكثر على هذه الفرق المزعومة، راجع: الملل والنحل، ج1، ص 146 ومابعدها.
2- الصحاح مادة ( غلا) . .

ص: 23

قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) . (1)

وهناك الكثير من الأبحاث في التأريخ الإسلامي حول مفهوم الغلو وجذوره ولكن ما يمكننا قوله على عجالة وبشكل موجز أنَّ في مفهوم الغلو نوع من الإبهام وعدم الدقة في تشخيص مصداقه، وعلى الرغم من اعتبار تيّار الغلو تيّاراً منحرفاً من قبل السنّة والشيعة على السواء، وعدم قبوله على أيّ مستوى كان، ولكنّ المهم في الأمر هو أن نشخّص مصداق الغلو وما ينطبق عليه مفهوم واصطلاح الغلو بدقّة، ومعرفة الفرقة المغالية أو الانسان المغالي. والغموض الذي يكتنف هذه المسألة هو أحد الخلافات بين الشيعة والسنّة، بل حتى بين الشيعة أنفسهم.

فأهل السنّة الذين هم بشكل عام يحترمون أهل البيت، يعتبرون اعتقاد الشيعة بالأئمّة وموالاتهم لهم نوعاً من الغلو والافراط، ويؤاخذونهم على ما يعتقدونه من مقام رفيع لأهل البيت (ع) . بينما يعتقد الشيعة أن موالاة أهل البيت (ع) هي من المعتقدات الإسلامية الاصيلة ولايمكن أن تكون غلوّاً بأي نحوٍ كان.

نعم قد يُفرط البعض في معتقداتهم ويدّعون أُموراً سخيفةً من قبيل القول بألوهية علي (ع) ! وهذه الاعتقادات في واقعها مصداقٌ جليٌّ للغلوّ، لكنّ التشيع والشيعة براء من ذلك ومنزّهون عنه. والشيعة هم أيضاً يعدّون مثل هذه التصوّرات والآراء كفر صريح ولا يقبلون أن تشيع بين أوساطهم بتاتاً، ولذا فإنّ الخلط بين الغلاة والشيعة هو تخبّطٌ وخطأ فادحٌ ولا أساس له من الصحّة.


1- (المائدة: 77 . .

ص: 24

ولاشكّ في أنّ الشيعة يعتقدون بأنّ الأئمة (ع) عبادالله وأصفياؤه وأنّ لهم مقام رفيع، وهم خلفاء للنبيّ الأكرم (ص) ، وبالتالي يرفضون أي اعتقاد يخالف هذا المبادئ الحقّة رفضاً قاطعاً. ويتجلّى رفض أئمّة الشيعة للغلوّ والغلاة في أحاديث كثيرة نقل بعضها صاحب كتاب (وسائل الشيعة) في باب (حكم الغلاة والقدريّة) . (1)


1- وسائل الشيعة، ج28، ص334. .

ص: 25

أصول الاعتقاد عند الشيعة واختلافها عن سائر المذاهب

اشارة

إذا ما أردنا أن نحص-ر أصول الشيعة التي تعد أهمّ نقطةٍ لاختلاف المذهب الشيعي عن بقية المذاهب، فيمكننا أن نضعها في كلمة واحدة هي (الإمامة) . وبعبارة أخرى: يعتبر الشيعة أنّ الإمامة هي أصل وأساس تأريخي للمذهب وتعود في أساسها الى القرآن وأحاديث النبيّ الكريم (ص) .

فالإمامة عبارة عن مفهوم مقدّس لدى الشيعة، وهي استمرار لحركة الأنبياء عبر التأريخ، وهي فرع شجرة النبوّة اليانع التي (أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) (1)، فهذه الامامة لا تفترق عن النبوّة إلّا في مسألة الوحي، وهي زعامة لأمور الدين والدنيا معاً.

ويمكن التعبير عن هذا المعتقد بالقول: إنّ الإمامة عند الشيعة سماويّة، والإمامة عند السنّة ماديّة. والشيعة يعتبرون الإمامة من سنخ النبوّة وامتداداً لها وليست عينها، والسنّة يعتبرونها نوع سلطنة فحسب.

وبعبارةٍ أُخرى، فإنّ الإمامة عند أهل السنة بمعنى تولّي شؤون السياسة


1- (إبراهيم: 24 و 25 . .

ص: 26

بعيداً عن الدين. ولذا نراهم يتّبعون كلّ حاكمٍ وإن كان ظالماً، ويوجبون طاعته حيث لا يكترثون بالطريقة التي وصل بها إلى كرسي الحكم على خلاف ما يذهب إليه الشيعة.

حيث يرى الشيعة أنّ الإمامة ترتكز على ثلاثة محاور، هي:

- علم الإمام.

- عصمته.

- تنصيبه من قبل النبيّ (ص) .

وهذه المحاور الثلاثة هي العناصر الأساسيّة في الفكر الشيعيّ. ولذلك سنبحث هذه الأسس والمباني الثلاث:

١- علم الإمام من وجهة نظر الشيعة

أ- اشتراط كون الإمام أعلم من غيره

من المسائل الثابتة في المذهب الشيعي هي الاعتقاد بوجوب كون الإمام محيطاً بالعلوم والمعارف، وهو ما يسمى اصطلاحاً (الأعلم) . فيعتقدون بأنّ العقل والنقل لا يحكمان بإمامة شخصٍ لآخر أعلم منه وأكثر دراية واطلاعاً منه في العلم والتدبير، وربّما يحتاج إليه في تدبير شؤونه. فمثل هذا الأمر غير منطقي، ويتعارض مع مقاييس الحق والعدالة وتطبيقهما في المجتمع.

وقد نبّه القرآن الكريم على هذا الأمر عدّة مرات، وممّا جاء في آياته الكريمة قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (1)، وكذلك قوله عزّوجلّ (ع) (أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ


1- (الزمر: 9 . .

ص: 27

أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) . (1)ففي هاتين الآيتين دليل واضح وتأكيد شديد على ضرورة أن يكون الإمام أعلم من غيره؛ فالشخص الأعلم هو أجدر بأن يوصل الأمّة إلى سبيل الهدى وهو أعرف بمصلحتها وأنسب من غيره لقيادتها لتحقيق الخير والعدالة، فهو أجدر بالإمامة من ذلك الشخص الذي هو بنفسه بحاجة إلى مَن يوصله ويهديه إلى سواء السبيل.

فهذا أصلٌ منطقيٌّ لا يقبل الخطأ وحقيقةٌ يقرّ بها العقل. فالتجارب البشرية تثبت لنا أنّ من يُعرض عن هذه الحقيقة وهذا الأصل المنطقيّ في حساباته السياسية سيواجه حتماً مشاكل كثيرة وانحرافات خطيرة عن جادة العدل والصواب.

والطريف أنّ الأحاديث المروية في مصادر السنّة تتضمّن ما يؤيّد هذا الأصل العقلائي الذي يتّبعه الشيعة، وكمثال على ذلك، إليك هذا الحديث المروي في سنن البيهقي (م457ه) ، عن رسول الله (ص) حيث قال (ع) «من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين» . (2)

ونقل في مصدر حديثي آخر قوله (ص) : «ما ولّت أمّة أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل يذهب أمرهم سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوه» . (3)

وقد أشبع الشيخ محمّد حسين المظفر (م 1381ه) هذا البحث تفصيلاً


1- (يونس: 35 .
2- السنن الكبرى، ج1٠، ص 118.
3- ينابيع المودة، ج3، ص 369؛ كنز الفوائد، ص215؛ بحارالانوار، ج31، ص 418. .

ص: 28

من خلال كتاب مستقل يحمل عنوان (علم الإمام) ، فتناول فيه علم الإمام من ناحية الكم والنوع ومن زوايا وجوانب مختلفة. (1)

ب- عليّ (ع) أعلم الصحابة

بعد أنْ اتّضحت أهمية كون إمام المسلمين أعلم الأمّة من وجهة نظر المذهب الشيعي، علينا أن نشير الآن إلى أنّ الامام عليّ (ع) قد اتّصف بذلك بكلّ تأكيدٍ فكان أعلم صحابة رسول الله (ص) وحسب ما تنص عليه الروايات التأريخية فإنّه ترعرع مذ نعومة أظفاره في كنف رسول الله (ص) ، ثمّ كان أوّل من أسلم مع رسول الله (ص) سابقاً في ذلك غيره، أضف إلى إحاطته بدقائق علوم الوحي والنبوّة. وهناك روايات كثيرة في مصادر السنة والشيعة تتاول طبيعة العلاقة العلمية بينه (ع) وبين النبيّ الكريم وما كان يحظى به من قربٍ ومنزلة خاصة لديه (ص) ، ومن هذه الروايات الرواية المشهورة عنه (ع) : «كنت إذا سألت رسول الله (ص) أعطاني، وإذا سكتُ ابتدأني» (2)، وقد كانت النجوى بين رسول الله (ص) وعليّ (ع) إلى درجةٍ أثارت حفيظة بعض الأصحاب، كما تنقل لنا بعض الروايات، بحيث سألوه عن هذا الأمر حين كثرت مناجاة النبيّ لعليّ (ع) ، فقد جاء في بعض الروايات: «دعا رسول الله (ص) علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمّه، فقال رسول الله (ص) :

«ما انتجيته ولكن الله انتجاه» . (3)


1- علم الإمام، محمد حسين المظفر، نشر سنة 14٠2ه.
2- سنن الترمذي، ج5، ص3٠1؛ المصنف، ج7، ص 475.
3- سنن الترمذي، ج5، ص3٠3؛ كتاب السنة، 584. وكذلك مع اختلاف يسير في: مسند أبي يعلى، ج4، ص 118. .

ص: 29

وقد جاء في بعض الروايات أنّ المتسائل عن نجوى النبيّ (ص) لعليّ (ع) هو أبوبكر (1)، لاكما يدّعي بعض أهل السنّة من أنّ المنافقين أو بعض الصحابة هم الذين قالوا ذلك. (2)والجدير بالذكر أنّ بعض شرّاح الحديث من أهل السنه قد فسّروا هذا الحديث هكذا: «كان ذلك أسراراً إلهية وأموراً غيبية جعله من خزانتها» (3)وهكذا وطبقاً لروايات أهل السنة أنفسهم فإنّ رسول الله (ص) صرّح بأنّ عليّ (ع) أعلم الأمّة، وأوثقها وأرسخها خُلُقاً وحلماً. (4)

وعدا هذا كلّه فإنّ حديث الباب المشهور يكشف عن عظمة منزلة عليّ عند النبيّ الكريم، حيث قال عنه (ص) : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب» (5)، وهذا الحديث مرويٌّ في كثير من مصادر أهل السنّة المعتبرة.

وقد اعتبره الحاكم النيسابوري صحيحاً بعد أن نقله بطرق مختلفة، وتكلّم حول صحّته بشكلٍ مفصلٍ. (6)كذلك (الفتني) قد أيّد رأي الحاكم، واعتبر من يعد هذا الحديث مجعولاً أو ضعيفاً، فهو مُخطئٌ. (7)كذلك المناوي في تعليقه على هذا الحديث اعتبر أعلمية عليّ (ع) أمراً متّفقاً عليه بين الموافق


1- المعجم الكبير، ج2، ص 186.
2- تحفة الأحوذي، ج1٠، ص 159.
3- المصدر السابق.
4- المسند، أحمد بن حنبل، ج5، ص26؛ المصنّف، عبد الرزاق الصنعاني، ج5، ص49٠؛ المصنف ابن أبي شيبه، ج7، ص5٠5؛ الآحاد والمثاني، ج1، ص 142؛ مجمع الزوائد، ج9، ص 114؛ المعجم الكبير، ج2٠، ص 23٠؛ الإستيعاب، ج3، ص 1٠99.
5- سنن الترمذي، ج5، ص 3٠1؛ حديث خيثمة، ص2٠٠؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص126؛ المعجم الكبير، ج11، ص 55.
6- المستدرك على الصحيحين، ج3، صص 126 و 127.
7- تذكرة الموضوعات، ص96. .

ص: 30

والمخالف وثابت لدى الصديق والعدو. (1)

والملفت للنظر أنّ أحد أعلام ومحقّقي أهل السنّة، وهو أحمد بن محمد المغربي المتوفّى سنة (138٠ه) ، قد ألّف حول هذا الحديث كتاباً مستقلاً بصدد إثبات صحّته، كما هو واضح من عنوانه الموسوم ب- (فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم عليّ) ، وهو كتاب قيّم تناول فيه المؤلّف صحّة هذا الحديث واعتباره وكثرة طرقه وأسانيده. (2)وكذلك الكاتب السنّي المعاصر علي بن محمّد العلوي قد ألف كتاباً مشابهاً تحت عنوان: (دفع الارتياب عن حديث الباب) . (3)

لذلك فإنّه من الغريب والمؤسف أنّ بعض المؤلّفين الوهابيين غير المنصفين، والذين ينطلقون من دافع التعصّب البغيض والهوى المنافي لأصول العلم والتدبّر، قد حاولوا تضعيف هذا الحديث وعدم قبوله دون دليلٍ يُذكر. (4)

فالإمام عليّ (ع) ، كما قال رسول الله (ص) ، واعترف بذلك كثير من الصحابة كالخليفة الثاني عمر بن الخطاب، هو أقضى الأمّة وأقدرها على إدارة أمورها (5)، وأعرفهم بدقائق أحكام الشريعة وأعلمهم بالفرائض. (6)وقد قال ابن مسعود: «كنا نتحدّث: أنّ أقضى أهل المدينة عليّ (ع)» . (7)


1- فيض القدير، ج3، ص 61.
2- انظر: فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي.
3- دفع الارتياب عن حديث الباب.
4- ضعيف سنن الترمذي، ص5٠1.
5- المصنف، ج7، ص183؛ مسند أحمد، ج5، ص113؛ الاستيعاب، ج3، ص11٠2؛ المستدرك، ج3، ص3٠5.
6- الاستيعاب، ج3، ص 11٠5.
7- تاريخ الإسلام، ج3، ص 638. .

ص: 31

فهذا الأمر من الحقائق التأريخية التي يقرّ بها جميع الصحابة، إذ كانوا بحاجةٍ إلى علم عليّ (ع) ومعرفته الرفيعة، ومن خلال رجوعهم له في ما كانوا يواجهون من مشاكل علمية، ومثال على ذلك كلام عمر المشهور حين واجهته مسألة صعبة فقال: «أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن» . وكذلك إقراره أكثر من مرّة بأنّه: «لولا عليّ لهلك عمر» . (1)وقول ابن عبّاس: «إذا حدّثنا ثقةٌ بفتيا عن عليٍّ لم نتجاوزها» . (2)

وبعض الكتّاب السنّة يعتقدون أنّ أسئلة الصحابة من عليّ ورجوعهم إليه في الأمور أكثر ممّا هو معروف ومنقول. (3)

بينما لم ينقل لنا التأريخ ولو مرّةً واحدةً أن عليّاً (ع) قد رجع إلى غيره أو سأله في أمر يجهله، وهذا خير دليل على أعلمية هذا الإمام العظيم.

ولم ينقل لنا التأريخ أنّ غيره تجرّأ وقال: «سلوني قبل أن تفقدوني» ونادى بها بأعلى صوته، وهو أمر يتّفق عليه جميع العلماء المسلمين. (4)

فهذا سعيد بن المسيّب يقول: «لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلّا علي» . (5)فقد غذّى (ع) من خلال هذا النداء عقول المسلمين بالعلوم النافعة مرّات عدّة، وأفاض عليهم من معينه الوفير معلناً استعداده المتواصل للتصدّي لما يمكن أن يطرح من أسئلة بين أمّة النبيّ الكريم (ص) . (6)فهو الذي


1- تأويل مختلف الحديث، ص152؛ الإيضاح، ص191؛ شرح نهج البلاغة، ج1، ص 18.
2- تاريخ الإسلام، ج3، ص638.
3- المناوي، فيض القدير، ج1، ص 588.
4- شرح نهج البلاغة، ج7، ص46.
5- الذهبي، تاريخ الإسلام، ج3، ص638.
6- انظر: شرح نهج البلاغة، ج1، ص182 وج2، ص13٠؛ الغارات، ج1، ص7 و ج2، ص676؛ المستدرك، ج2، ص352. .

ص: 32

يقول بحسرة وألم لبعض مقربيه: «ها! إنّ ههنا لعلماً جمّاً - وأشار إلى صدره - لو أصبت له حملة!» (1)، وهذه المقولة والحسرة قد أطلقها الإمام وسُمعت منه مراراً. (2)وليس من الجزاف قول الشعبي، وهو من رجال أهل السنّة البارزين: «ما كان أحد من هذه الأمّة أعلم بما بين اللوحين وبما أنزل على محمّد (ص) من عليّ» . (3)وكذلك الحرالي الذي يقول: «قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم عليّ ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عنه القلوب الحجاب. . .» . (4)

ويرى ابن الحديد المعتزلي، شارح نهج البلاغة، أنّ مصدر العلوم ومنبعها هو علي (ع) ، وكل العلوم التي عند غيره تنتهي إليه (ع) . (5)

ومن هنا يتّضح أنّ إيمان الشيعة بإمامة علي (ع) يستند إلى أمر منطقي مؤكّدٍ، وكذلك اعتقادهم باستحقاقه الأعلم لإمامة الأمّة وأولويته على غيره في ذلك، وكما بيّنّاه في تأييد هذا الأمر ببرهان العقل والقرآن الكريم.

ج- المرجعية العلمية لأهل البيت (ع)

إنّ مسألة إمامة أهل البيت في التصوّر الشيعي ذات جهتين، هما:

أ - قيادة أهل البيت (ع) السياسية للأمة.

ب - مرجعيّة أهل البيت (ع) العلمية للأمة.

والمقصود بالمرجعية العلمية (ع) إنّ أهل بيت النبيّ الكريم (ص) لمّا كانوا أعلم


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج4، ص36؛ دستور معالم الحكم، ص83.
2- المعجم الكبير، ج6، ص213؛ دستور معالم الحكم، ص1٠4.
3- نظم درر السمطين، صص128 و 129.
4- فيض القدير، المناوي، ج3، ص61.
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1، ص17 وما بعدها. .

ص: 33

الناس بالأمور، وذلك باعتراف كثير من أهل السنّة، فهم أولى برجوع الأمّة إليهم في المسائل العلمية والدينية ومختلف الأمور، وهذا الأمر معترف به بشكل رسمي، وحديث الثقلين المشهور والمتواتر (1)الوارد في مصادر أهل السنّة عن النبيّ (ص) أكثر منه في المصادر الشيعية، يؤكّد هذا الأمر ويرسّخ هذه الحقيقة، حيث جعلهم الثقل الآخر إلى جانب القرآن، وجعلهم حصن الأمة من الضلال والتيه، فقد جاء فيه: «إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسَّكتم بهما لن تضلّوا أبداً، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» . (2)

ومن الطبيعي لهؤلاء الرجال العظماء أن يحتلّوا هذه المكانة وأن يكونوا أعرف الأمّة بسنّة نبيّها (ص) وأعلم الامّة بأحكام الإسلام؛ لأنّهم أبناء نبيّها الكريم (ص) ، وتربية ذلك البيت الطاهر و (أهل البيت أدرى بالذي فيه) كما يقال.

وأمّا الدور البارز الذي كان لأهل البيت (ع) في مسيرة الأمّة العلمية وتكامل نهضتها الثقافية وتربيتها الإسلامية فهو أظهر من أن ينكر. فمن يتتبّع حياة الأئمّة (ع) يجد أنّهم احتلّوا هذه المرتبة العلمية والمكانة الرفيعة من دون أن يذكر لنا التأريخ تتلمذهم على يد أحدٍ أو مراجعتهم لأحدٍ في مسألة ما،


1- مصطلح التواتر مصطلح حديثي يطلق على الرواية التي يبلغ عدد رواتها في طبقة واحدة من الرواة بقدر يستحيل عادة تبانيهم وتواطؤهم على الكذب. ومثل هذا الحديث يتمتّع بأعلى درجات الاعتبار والقبول وتكون حجّيته ثابتة بالدليل العقلي حينئذٍ.
2- انظر كمثال على ذلك: بصائرالدرجات، باب في قول رسول الله (ص) : (إنّي تارك فيكم الثقلين ، ص432؛ مسند أحمد، ج3، صص 14، 17، 26، 59، و ج4، ص371؛ سنن الدارمي، ج2، ص432؛ فضائل الصحابة، صص15 و 22. المستدرك، ج3، صص 1٠9 و 148؛ السنن الكبرى، ج7، ص3٠ و ج 1٠، ص 114. .

ص: 34

وأنّهم كانوا محيطين بكل هذه العلوم والمعارف الدينية بشكلٍ ذاتي وبدون تعلّم عند أحد، فمارسوا حواراتهم ونقاشتهم ومحاججاتهم العلمية مع المخالفين للدين وأصحاب المذاهب الأخرى من دون أن تنكس لهم راية في يوم أبداً. ولم يظهر منهم في يوم من الأيام عجزٌ علمي أو تردّدٌ في جواب، بل نراهم ومنذ نعومة أظفارهم وصغر سنّهم يتصدّون لأصعب المعضلات العلمية التي تطرح عليهم ويجيبون عليها بجواب شافٍ مقنع. ولم يحضَ بهذا الكمال الذي اتّصفوا به غيرهم من علماء ونوابغ زمانهم وعلى الرغم من ظهور علماء معروفين في عهد الأئمّة (ع) ودراستهم على أيدي أساتذة أكفّاء فقد كانوا يعجزون عن بيان الكثير من المسائل التي تعترضهم ويعلنون جهلهم وعدم معرفتهم بها.

إنّ ما يبعث على الأسى والأسف أنّنا نجد الكثير من أهل السنّة يرجعون في أمور دينهم إلى أئمّة المذاهب الإسلامية المتعدّدين ويتّبعون آرائهم وأقوالهم الفقهية، من أمثال مالك بن أنس وأبي حنيفة وابن حنبل، حيث يعملون بفتاواهم، بل ويقولون بوجوب تقليد واتباع أحد هؤلاء، ولكنّهم يتركون أئمّة أهل البيت ولا يأخذون بتراث بيت النبوّة الطاهر! مع أنّهم أقرب الناس إلى النبيّ الكريم (ص) وأعرفهم بجوانب الإسلام وأركانه، والأنكى من ذلك أنّهم لا يعترفون بهم كمذهب من المذاهب إلى جانب هذه المذاهب التي يعملون بها والمعترف بها عندهم!

بينما نجد الشيعة على خلافهم تماماً، إذ لا يعترفون بتقليد هؤلاء الأئمّة الأربعة ولا يجدون ما يدعوهم شرعاً ويحثّهم على اتّباعهم، ويتّبعون النبيّ الكريم (ص) وأهل بيته (ع) الذين دلّت على وجوب اتّباعهم الأدلّة والمستندات التأريخية الروائية الكثيرة.

ص: 35

ولكن رغم ذلك فقد ظهرت في السنوات الأخيرة تحرّكات من بعض علماء أهل السنّة المنصفين لغرض إعادة النظر في هذه الظاهرة، والاعتراف بمذهب أهل البيت (ع) بشكلٍ رسمي كأحد المذاهب الإسلامية المتداولة، وهي خطوة جديرة بالاحترام في سبيل التقريب بين المذاهب الإسلامية. وأحد هؤلاء العلماء الصالحين هو المرحوم الشيخ شلتوت، شيخ الأزهر وفقيه مصر الكبير، الذي أسّس نهضةً وانطلاقةً في مسيرة التقريب من خلال فتواه المباركة بذلك.

وهناك من بين العلماء الشيعة المصلحين من أمثال السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء والشيخ المظفَّر وآية الله السيد البروجردي، ممّن أسّسوا لمنهج مبتكر في الحوار مع أهل السنّة وقاموا بتشييده، مرتكزين في حركتهم هذه على الأسس العلمية لمذهب أهل البيت (ع) والأحاديث النبويّة الشريفة كحديث الثقلين.

ويمكن القول إنّ هؤلاء العلماء وبحكم الظروف الموضوعية المعاصرة للعالم الإسلامي، حاولوا الارتكاز على البعد العلمي في إمامة أهل البيت (ع) وبيانه متّكئين على مرجعيّتهم العلمية لتحقيق منافع أكثر من التركيز على البعد السياسي لإمامة أهل البيت (ع) وأولويتهم بالخلافة وتبنّوا الدعوة لمرجعية أهل بيت النبيّ (ص) العلمية، وأكّدوا عليها وعلى الاستفاضة من علومهم الأصيلة، بدلاً من التأكيد على أحقيّتهم السياسية بالخلافة للنبيّ (ص) وعدم استحقاق غيرهم لهذا المنصب، مع علمهم بأحقّيتهم بالدليل القطعي. لكن ومع ما لهذه المنهج الذي اتّبعوه من منافع كثيرة وواضحة ومع إمكان تبنّيه والدفاع عنه، فلا بدّ من الإلتفات إلى أنّ البعد السياسي لمنصب لأهل البيت وأحقّيتهم بقيادة الأمّة لا يمكن أن ينفك عن مرجعيّتهم العلمية

ص: 36

للأمّة؛ لأنّنا قلنا في ما سبق إنّ الشيعة يعتقدون بأنّ منصب الخلافة هو حقّ للأعلم من الأمّة، وهناك تلازم بين هذه الأمرين، فلا يمكن أن نقول بأنّهم (ع) الأعلم ويمثِّلون المرجعية العلمية الصحيحة للأمّة، وفي نفس الوقت نتغاضى عن مسألة استحقاقهم لتسنّم منصب الخلافة السياسية للأمّة.

وبالطبع من المستبعد أن يكون مراد أصحاب هذا المنهج في الحوار والتقريب هو إهمال الجانب السياسي لقيادة أهل البيت (ع) وأحقّيتهم في الخلافة والتغاضي عن ذلك، لأنّهم طرحوا مرجعية أهل البيت (ع) العلمية كنقطة بداية مشتركة وانطلاقه نحو حوارٍ مثمرٍ مع أهل السنّة، كي يتسنّى بعد ذلك ومن خلال هذه الإنطلاقة الموفّقة فتح ملفّات خلافية عديدة ومنها مسألة الخلافة السياسية لأهل البيت (ع) ، وهذا رأي صائب ومعقول جداً. (1)

د- المقام العلمي والفقهي للإمام جعفر الصادق (ع) ، ومنزلته عند أهل السنّة

إنّ الدور التأريخي للإمام جعفر الصادق (ع) في تطوّر المذهب الشيعي العلمي بلغ درجةً من الاشتهار والأهمّية بحيث صار المذهب برمّته منسوباً لهذا الإمام الكريم، فيقال: (المذهب الجعفري) . وهذه النسبة هي دلالةٌ واضحةٌ على دوره الفعّال وقد كان من قبله أبيه الملقّب ب-(الباقر) أي باقر العلوم، الذي أسّس جذور هذه المدرسة العلمية وأوصلها إلى مرحلة الجهوزية للدخول في طور الاكتمال، فقام الإمام جعفر الصادق (ع) بعد أبيه


1- لأجل الوقوف على تفصيل أكثر في مسألة (مرجعية أهل البيت العلمية) انظر: مجموعة حوارات المذاهب الإسلامية، للدكتور محمد تقي فخلعي، ص 188والكتاب عنوانه بالفارسية (گفتمان هاى مذاهب اسلامى) . .

ص: 37

بإكمال الدور والنهوض به نحو أعلى درجات الكمال والرفعة. وقد أحص-ى الكثيرون أسماء تلامذته والذين نهلوا من علومه ممّن كانوا يحرصون على حضور مجلسه وحلقات درسه، وبينهم كثير من الشخصيّات المعروفة، وبعضهم أئمّة للمذاهب الإسلامية، كأبي حنيفة ومالك بن أنس وسفيان الثوري. (1)

وقد نقل عن أبي حنيفة أنّه حين سأل: «من أفقه مَن رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد» . وكذلك تصريحه بأنّ الإمام جعفر الصادق (ع) أعلم الناس، أثناء ما جرى من مناقشة وأسئلة وجّهها أبو حنيفة للإمام الصادق في حضور الخليفة العباسي. (2)

وقد نقل عن مالك بن أنس قوله (ع) «اختلفت إلى جعفر بن محمّد زماناً وما كنت أراه إلّا على ثلاثِ خصال: إمّا مصلٍّ، وإمّا صائمٍ، وإمّا يقرأ القرآن. وما رأيته يحدّث عن رسول الله (ص) إلّا على طهارة، وكان لا يتكلّم فيما لا يعنيه وكان من العلماء العبّاد الزهّاد الذين يخشون الله» . (3)

وكذلك سفيان الثوري، فقد نهل من علوم الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) واستفاد منه، وحكاياته عن الإمام معروفة.

وليس من العجيب أن يكون له تأثير في المذاهب الفقهية الأربعة لأهل السنّة أيضاً، فقد وصفه علماء أهل السنّة ومحدّثوهم ب-(الصادق) ، وكان ثقةً مأموناً عاقلا حكيماً ورعاً فاضلاً. (4)كما أكّدوا على أنّ جعفر بن محمّد ثقةٌ


1- انظر على سبيل المثال: مسند أبي حنيفة، ص66؛ التاريخ الكبير، ج2، ص 198.
2- الكامل، ج2، ص132؛ تذكرة الحفاظ، ج1، ص166.
3- التمهيد، ج2، ص67.
4- المصدر السابق، ص 66. .

ص: 38

لايُسأل من مثلهِ، وأنّه لا يُقرن بغيره؛ فهو أرفع منهم. (1)

وحين يذكر العجلي الصادقَ وآباءَه (ع) يقول عنهم: «ولهم شىءٌ ليس لغيرهم» كنايةً عن أنّهم ثقاة، وإشارة إلى منزلتهم العظيمة قياساً بالآخرين. (2)وكذلك ابن حِبّان الذي اعتبر الصادق (ع) من سادات أهل البيت، وعُبّاد أتباع التابعين، وعلماء أهل المدينة. (3)

ويقول عمرو بن أبي المقدام: «كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد، علمت أنّه من سلالة النبييّن» . ويقول عمرو بن ثابت: «رأيت جعفر بن محمّد واقفاً عند الجمرة العظمى وهو يقول: سلوني سلوني» . (4)

وكذلك يقول حبيب بن النعمان: «أتيت المدينة لأجاور بها، فسألت عن خير أهلها فأشاروا إلى جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب» . (5)

وقال عنه ابن حجر: «صدوق فقيه إمام» . (6)

وكل هذه الأقوال التي تحكي رفعة مقام الإمام الصادق (ع) وغزارة علمه، واردة من طرق أهل السنّة.

وقد روي عن الشيعة أيضاً عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال: «لمّا حض-رت أبي الوفاة، قال: يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيراً. قلت: جُعلت فداك، والله لأدعنّهم والرجل منهم يكون في المِصر فلا يَسأل أحداً» . (7)


1- الجرح والتعديل، ج2، ص487؛ تهذيب الكمال، ج5، ص78.
2- معرفة الثقات، ج1، ص271.
3- مشاهير علماء الأمصار، ص2٠6.
4- الكامل، ج2، ص132.
5- تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص382.
6- تقريب التهذيب، ج1، ص163.
7- كشف الغمة، ج2، ص38٠. .

ص: 39

ومن الواضح أنّ هذا الإمام العظيم قد أوفى بما عاهد عليه أباه، وخيرُ دليلٍ على ذلك انتساب المذهب برمّته إليه (ع) . وكنموذج على جهوده، نذكر أحد تلامذته، وهو أبان بن تغلب، فهو وحده روى عن الإمام جعفر الصادق (ع) ثلاثين ألف حديث. (1)ويقول الحسن بن علي الوشاء: «أدركت في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ، كلٌ يقول (ع) حدثني جعفر بن محمّد» . (2)

ومن البديهي حينئذٍ أن يتمسّك بهذا الإمام العظيم ويرجعون إليه في الأمور العلمية، ويجعلونه مرجعاً لهم في جميع أُمورهم.

ه- منشأ علوم أهل البيت (ع) وسعتها

اشارة

من وجهة نظر المذهب الشيعي فإنّ أهل البيت المعصومين (ع) لهم شأنٌ رفيعٌ من الناحية العلمية ويمكننا إدراك مدى اهميّة هذه المنزلة العلميّة التي لانظير لها من خلال منصب إمامة الأمّة الذي أنيط بهم. وقد قلنا سابقاً إنّ الإمام هو أعلم الأمّة وأعرفها بتعاليم الإسلام المختلفة، وهذا بنفسه يعود إلى خصوصية علم الإمام (ع) .

فنجد أنّ الإمام علي (ع) يصرّح واصفاً نفسه (ع) «ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إليّ الطير» . (3)ورويت أيضاً عن النبيّ الأكرم (ص) أحاديثٌ كثيرةٌ حول عترته الطاهرة، كقوله (ع) «فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» . (4)


1- الإمام الصادق (ع) علم وعقيدة، ص49.
2- المصدر السابق.
3- نهج البلاغة، خ 3 (الشقشقيه) ؛ علل الشرائع، ج1، ص15٠؛ الإرشاد، ج1، ص287.
4- الكافي، ج1، ص294؛ وانظر: الإرشاد، ج1، ص18٠؛ وقد ورد نص هذا الحديث في بعض المصادر السنية، انظر مثلاً: الجامع الكبير، ج5، ص 167؛ وفي بعضها الآخر بدل عبارة (أهل البيت (ع) وردت عبارة (قريش) انظر: كتاب السنة، ص622. .

ص: 40

وفي روايات أخرى وصف هؤلاء الأئمّة الربانيّون بأنّهم خزّان علم الله وموضع أسراره وترجمان وحيه والراسخون في العلم. (1)

ومن خلال ذلك يتبيّن أنّه لا شك في كون علمهم (ع) فريداً من نوعه وله خصوصيّاتٌ تميّزه، ولكنّ النقاش المطروح بين الباحثين وعلماء الكلام يرور حول منشأ هذا العلم وسعة نطاقه.

وأهم سؤال يُطرح حول علم الأئمّة (ع) فهو (ع) هل أنّ علوم الأئمّة (ع) يقتصر على المسائل والأحكام الظاهرية، أم أنّه يشمل الأمور الخارجية والغيبيّة؟

لابدّ لنا أوّلاً أن نعلم أنّ العلم بالأمور الخفيّة والغيبية والإطلاع على المواضيع الخارجية بشكل غير متعارف هو من خصائص الله تعالى العالم بالغيب والشهادة، والمحيط بكل شيء. ولكن من الممكن - عقلاً ونقلاً - للخواص وأصحاب النفوس الطاهرة المطهّرة ممّن هم على ارتباط وثيق بالله تعالى، ونفوسهم مرتبطة بساحة قدسه، أن يطّلعوا على هذه العلوم.

فالعقل لا يرى مانعاً من الاطلاع على الأمور الخفيّة بوساطة القدرة والرحمة الإلهية غير المتناهية. والقرآن الكريم يؤكّد على أنّ بعض الأنبياء والعباد المخلَصين كانوا مطّلعين على مثل هذه الأمور، كما يخبرنا عن حصول مثل ذلك لأُناس أبرار مع أنّهم لم يكونوا أنبياءَ أو معصومين، مثل أمّ النبيّ موسى (ع) .

إذن، عندما نأخذ بنظر الاعتبار المقام الرفيع لأهل البيت (ع) وما هم عليه من منزلة العصمة ومسؤولية الإمامة الحسّاسة بحسب المفهوم الشيعي لها، فإنّه من المنطقي جداً أن يكرمهم الله تعالى بالاطلاع على الأمور الخفية والغيبية.


1- انظر: بصائر الدرجات، ص123؛ الكافي، ج1، ص 192. .

ص: 41

ولكنّ العجيب أنّ أهل السنّة غالباً ما يؤمنون بمسألة الكرامات للأولياء واطلاع بعض الخلّص من الناس على أمورٍ غيبية، لمن هم في المنزلة دون أهل بيت النبيّ (ص) ، ويصدّقون بحصولهم على هكذا علم، إلا أنّهم ينكرون على الشيعة إيمانهم بهذا الأمر للأئمّة المعصومين (ع) الذين لا يقاس بهم أحد في سمو أخلاقٍ أو وفرة علم.

ولكن ممّا لا شكّ به أنّ مثل هكذا علم قد خطى به الانبياء والأوصياء في الأمم السالفة، والاعتقاد بوجوده في هذه الأمّة التي هي بتعبير القرآن خَيْرَ أُمَّةٍ وتحقّقه لأهل بيت النبيّ (ص) ، الذين هم باعتراف الجميع أشرف الناس وأفضلهم، ومعصومون عن الخطأ وهم خلفاء الرسول. ومع الأخذ بنظر الاعتبار اتصالهم بمصدر الفيض الإلهي وميراث النبوّة العظيم لا يمكننا اعتبار هذا المقام لهم غلوّاً أو إفراطاً.

والذي لا شك في كونه من مصاديق الغلو هو عدم وضع أهل البيت (ع) في مرتبتهم من كونهم عبيداً لله تعالى، وأتباعاً لسنّة رسول الله (ص) ، واعتبارهم فوق ذلك الشأن. ومن الواضح أنّهم (ع) ليسوا إلّا امتداداً في علمهم للعلم الإلهي ولعلم النبيّ العظيم (ص) .

وفي نهج البلاغة وصف رائع لهذه الحقيقة وبيان جميل لها، فحين كان الإمام علي (ع) يحدث الناس ببعض الحوادث المستقبلة التي ستقع، وصف الأتراك وما سيكون من حكمهم، فقال له رجل وكان من بني كلب (ع) «لقد أُعطيت يا أميرالمؤمنين علم الغيب؟ ! فقال له (ع) : «يا أخا كلبٍ ليس هو بعلم غيبٍ، وإنّما هو تعلّم من ذي علمٍ» . (1)


1- نهج البلاغة، خ 128. .

ص: 42

وهناك سؤال آخر يتعلّق بعلم الأئمة (ع) وهو: ما هو منشأ علمهم وما هو مصدره؟ فهؤلاء الأئمّة الكرام حين يكون لديهم علم بالأمور الخفية، فمن أين حصلوا عليه؟ وكيف؟

ويمكن لنا تحديد مصدر علومهم (ع) بالأمور التالية:

الأول - القرآن الكريم

ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم هو أوّل مصدر لعلوم أهل البيت (ع) ، فبناءاً على ما يعتقده الشيعة فإنّ علوم ومعارف القرآن كلّها في متناول أيديهم وهم عالمون بها ولديهم أسرار القرآن ويعرفون خفاياه وظواهره. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة، حيث أكّد على أنّ علم تأويل القرآن وفهمه ومعرفة المتشابه من آياته أمر مختصٌّ بالله تعالى والراسخين في العلم. (1)

واستناداً إلى ما دلّت عليه الروايات الكثيرة، فإنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة المعصومون وأهل بيت النبيّ الأطهار (ع) . (2)كما أكّدت الآيات أيضاً على أنّ من يشهد على نبوّة النبيّ الأكرم هو الله تعالى ومن عنده علم الكتاب (3)، وبحسب الروايات فإنّ الذي عنده علم الكتاب هو الإمام علي (ع) وأهل البيت (ع) . (4)

كذلك فقد روي عن الإمام علي (ع) قوله: «ما نزلت على رسول الله (ص) آية


1- قال تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (آل عمران: 7 .
2- بصائر الدرجات، ص222.
3- قال تعالى: وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (الرعد: 43 .
4- بصائر الدرجات، ص251؛ الكافي، ج1، ص257؛ مجمع البيان، ج6، ص 53. .

ص: 43

من القرآن إلّا أقرأنيها وأملاها علي وكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله - عزّ وجلّ - لي أن يعلمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه علي فكتبته، وما ترك شيئاً علّمه الله عزّ وجلّ من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي وما كان أو يكون من طاعة أو معصية إلّا علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفاً واحداً» . (1)

وأيضاً قد روي عنه (ع) قوله: «ما نزلت آية إلّا وأنا علمت فيمن أنزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، إنّ ربّى وهب لي قلباً عقولاً و لساناً طلقا» . (2)

فلا يمكني لمنصفٍ أن ينكر عظمة علم الامام علي (ع) أو أن يدّعي كون أحد الصحابة يناظره في ذلك.

فقد روي عن ابن مسعود قوله: «لو كنت أعلم أنّ أحداً أعلم بكتاب الله منّي لأتيته» . يقول أبو عبد الرحمن السلمي وهو من القرّاء المشهورين: «فقلت له فعلي؟ ! قال: أو لم آته؟» . (3)

فلا شك في أنّ أهل البيت (ع) كانوا أعلم الناس بكتاب الله تعالى. ولعل أفضل شاهد ومؤيّد لذلك حديث الثقلين المتواتر الذي يقرن بينهم وبين القرآن الكريم إلى يوم القيامة، ويؤكّد على أنّ الهدى بملازمتهما معاً وعدم تركهما، وأنّهما لا يفترقان أبداً.


1- كمال الدين وتمام النعمة، صص284 و 285.
2- انظر: تفسير العياشي، ج1، ص 17؛ مناقب آل أبي طالب، ج1، ص 322؛ جامع بيان العلم وفضله، ج1، ص114.
3- تفسير مجمع البيان، ج6، ص54. .

ص: 44

الثاني - علم النبيّ (ص)

ثاني مصدر لعلوم أهل البيت (ع) هو علم النبيّ الكريم ورسول ربّ العالمين (ص) . وكما أنّ النبيّ (ص) لم يهمل قضايا أُمّته السياسيّة بعد رحيله وأخبر المسلمين بما يجب عليهم فعله في هذا المجال، كذلك لم يهمل القضايا الدينيّة والعلميّة وترك لهم إرثاً غنيّاً ينتفعون منه ويلبّي جميع متطلّباتهم إلى يوم القيامة. وفي حياته المباركة عيّن الوصيّ من بعده في مناسباتٍ عديدةٍ وأساليب مختلفةٍ، حيث أكّد على أنّه عليٌّ (ع) وبعده أحدعشر إماماً معصوماً من ذريّته. فهذه الأمور هي من معتقدات الشيعة الأساسيّة.

ومن خلال الشواهد التأريخية والروائية نعلم أنّ طريقة انتقال علم النبيّ للإمام علي (ع) كان شفاهياً وانتقاله للأئمّة (ع) من بعده كان بالتوريث المكتوب كما اقتضته الضرورة.

وقد أشرنا سابقاً للعلاقة التي تربط الإمام علي (ع) بالنبيّ الكريم وما كان يختص به من قرب منزلة ومكانه وما خصّه به من نجوى، ولا شكّ في أنّ أهمّ سببٍ لاختلاء النبي (ص) بالإمام علي (ع) وإخباره بالأسرار الغيبّية، هو توريثه علم النبوّة.

ومن الأحاديث المشهورة في المصادر الشيعية، الحديث الذي ينصّ على تعليم النبيُّ (ص) الأمامَ علي (ع) ألف باب من أبواب العلم، يفتح له من كلّ باب ألف باب من العلم (1)، والذي روي في بعض المصادر السنّية أيضاً. (2)

أمّا بالنسبة لسائر الأئمّة (ع) ، وبحسب ما وصلنا من رواياتٍ حول هذا


1- انظر: بصائر الدرجات، ص322؛ الكافي، ج1، ص297.
2- كنز العمّال، ج13، ص114؛ فتح الملك العلى، ص48؛ تفسير الرازي، ج8، ص23؛ تاريخ الإسلام، ج11، ص224. .

ص: 45

الموضوع، فإنّ جانباً من ميراث النبي العلمي الذي خلّفه لهم (ع) كانوا يتناقلونه مشافهة وبشكلٍ مباشر ويروونه واحداً عن الآخر حتى يصل إلى رسول الله تعالى (ص) ، كما هو الحال في ما روي عن الإمام الصادق (ع) : «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أميرالمؤمنين (ع) وحديث أميرالمؤمنين حديث رسول الله (ص) وحديث رسول الله قول الله عزّ وجل» . (1)لذلك فإنّ الكثير من أحاديث الأئمّة لها هذا الاعتبار والمتانة في السند.

وأمّا القسم الآخر من ميراث النبوّة العلمي فقد وصلهم بشكلٍ مكتوبٍ، وقد أشار أهل البيت لمثل هذا الأمر مراراً عن طريق ذكر أسماء بعض هذه الكتب، مثل كتاب علي (ع) ، والجفر، والجامعة، ومصحف فاطمة. وإن كنّا غير مطّلعين على تفاصيل هذه الكتب أو خصوصياتها، إلا أنّنا نستطيع أن نقطع بأنّها كانت تحوي ميراث النبوّة والعلم النبوي الأصيل الذي يشمل كل شيء.

وهناك روايات عديدة في المصادر السنّية تنفي وجود مثل هكذا علوم لدى أئمّة أهل البيت (ع) وبالخصوص عند علي (ع) . وهذه الروايات مع غض النظر عن كونها موضوعة ولا صحّة لها، فهي تكشف عن علم أهل السنّة بمثل هكذا موضوع وصحّه تداوله في زمن الأئمّة (ع) .

ولدينا روايات صحيحة وكثيرة يمكن الاعتماد عليها تؤكّد وجود مثل هذه الكتب والقراطيس والجوامع التي تحوي هذا الإرث العلمي العظيم


1- الكافي، ج1، ص53. .

ص: 46

والذي فيه تفاصيل أحكام الشريعة وكل شيء حتى أبسط الأمور ممّا يرتبط بالحلال والحرام وأخبار المستقبل وما شابه ذلك.

وممّا لا شكّ فيه أنّ علم الأئمة (ع) الذي لا نظير له يرفع من شأنهم ويجعل من أقوالهم وآرائهم معتبرةً اكثر من سواها.

الثالث - الإلهام (حديث الملائكة)

الإلهام (حديث الملائكة) هو من المصادر الأخرى لعلوم أهل البيت (ع) . والمراد منه بحسب ما نصّت عليه الروايات الكثيرة في مصادر الشيعة، نوع من الارتباط بعالم الغيب بحيث يمكنهم (ع) أن يسمعوا صوت الملائكة.

وهذا النوع من الارتباط بالغيب من قبل الأئمّة (ع) يختلف عن الوحي النبوي، ولا يجعلهم أنبياء مع جلالة قدرهم ورفعة منزلتهم.

وقد أكّدت الروايات المنقولة في مصادر الشيعة على الفرق ما بين النبيّ والمحدَّث في كيفية الاتّصال بالوحي والتلقي منه. ولكن ما يؤسف له إنكار هذا الأمر من قبل بعض أهل السنّة واستبعاده عن أهل البيت (ع) ، في حين أنّهم يرون ذلك ممكناً لعمر بن الخطاب بحسب ما تنقل رواياتهم، وأنّه كان يحدّث الملائكة وتحدّثه. (1)

ولو تأمّلنا في القرآن الكريم ولاحظنا الآيات العديدة التي تناولت مسألة الحديث بين الملائكة وبعض خواصّ الناس في الأمم السابقة، بالإضافة إلى ما يثبته أهل السنّة من وقوع مثل هذا الأمر بالنسبة لعمر، لا يمكننا أن ننفيه أو نستبعده عن أهل البيت (ع) لما لهم من المنزلة الرفيعة.


1- صحيح مسلم، ج7، ص115. .

ص: 47

٢- العصمة برأي الشيعة

اشارة

العصمة في اللغة هي الحفظ والامتناع، وفي الاصطلاح فهي بمعنى الابتعاد عن كل معصية أو زلل أوخطأ، وتجنّب أيّ انحراف في فكرٍ أو سلوكٍ أو عملٍ. وهي عند الشيعة ثابتة بالضرورة للأنبياء والأوصياء، لذا سنتحدّث عنها تحت هاذين العنوانين: (1) - عصمة الأنبياء (ع) ؛ (2) - عصمة الأئمّة (ع) .

أ- عصمة الأنبياء (ع)

عصمة الأنبياء هي من المسائل المختلف فيها بين المذاهب الإسلامية، وهذا الاختلاف بالطبع لا يتناول عصمتهم (ع) عن مثل الكفر بالله تعالى وتعمّد الكذب وكبائر الذنوب المتّفق عليها، لأنّ عصمتهم عن مثل ذلك أمرٌ ثابتٌ ومتّفقٌ عليه لأنّ مثل هذه الذنوب توجب الفسق، فتنتفي حجيّة كلامهم حينئذٍ.

ولكنّ الحديث يتمحور حول عصمتهم عن صغائر الذنوب، فهل هم معصومون عنها كالكبائر؟

أكثر أهل السنّة يذهبون إلى أنّ الأنبياء لا يرتكبون صغائر الذنوب عن عمد، ولكن يمكن صدورها منهم سهواً أو نسياناً. (3)

إلا أنّ الشيعة يعتقدون بعصمتهم عن جميع أنواع الذنوب، صغائرها وكبائرها، ومن خلال تقواهم ولطف الله تعالى بهم، فهم لا يرتكبون الذنوب ولا الخطايا عمداً ولا سهواً. (4)

ولعل سبب هذا الاختلاف يرجع إلى ظاهر بعض الآيات القرآنية التي


1- انظر: شرح المواقف، ج8، ص265.
2- انظر: المسلك في أصول الدين، ص155. .
3- انظر: شرح المواقف، ج8، ص265.
4- انظر: المسلك في أصول الدين، ص155. .

ص: 48

يرى بعض أهل السنة انّها تتنافى مع القول بعصمة من تناولتهم، مثل الآيات الدالّة على معصية آدم (ع) ويونس (ع) وبعض الأنبياء الآخرين.

ولكن الشيعة يذهبون إلى أنّ هذه الآيات تؤوّل وتفسّر بغير ما يستنبطه علماء أهل السنّة، حيث يثبتون أنّ القرآن الكريم نفسه قد برّأ الانبياء من الخطأ، وأيضاً يثبتون ذلك بالأدلّة العقليّة.

فالقرآن قد مجّد الأنبياء في كثير من آياته ومدحهم واعتبرهم منزّهين عن وساوس الشيطان الذي لا سلطان ولا ولاية له عليهم، وأكّد على أنّهم يتمتّعون بسموٍ أخلاقي وروحي، وليس ذلك سوى العصمة بذالتها. ومن هذه الآيات الدالة على عصمة الأنبياء (ع) قوله تعالى: ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) . (1)

ومن المؤكّد أنّ هذه القاعدة التي ذكرتها الآية الكريمة مطلقةٌ وتشمل جميع الأنبياء، ومن البديهي أيضاً أن وجوب الطاعة التامّة للأنبياء يستلزم عصمتهم (ع) ويستمدّ شرعيّته منها تماماً؛ لأنّه من غير الممكن أن يرسل الله تعالى رسولاً ويأمر بطاعته طاعةً عمياء مع إمكان ارتكابه الذنب عمداً أو سهواً.

وهناك آيات عديدةٌ أُخرى يمكن الاستدلال بها على عصمة الأنبياء (ع) .

والظاهر أنّ من شكّك في عصمة الأنبياء (ع) استناداً لبعض الآيات القرآنية، غافلٌ عن هذه الآيات التي تثبت عصمتهم بشكل صريح. فالأجدر حين الاستدلال بالآيات القرآنية التركيز على سائر الآيات كي لا نقع في تهافت أو تناقض في الاستنتاج.


1- (النساء: 64 . .

ص: 49

إذن، لابدّ من التذكير بآياتٍ كثيرةٍ تدلّ على عصمة الأنبياء (ع) ، من خلال تفسير أو توجيه الآيات التي تدل بظاهرها على ارتكابهم للمعصية. (1)

ولو تركنا الأدلة الروائيّة جانباً، فإنّ العقل يحكم بالاستدلال القاطع على أن من ينالون منصب الرسالة الإلهية يجب أن يكونوا بعيدين عن كل ذنب ومعصية وخطأ كي يصدّقهم السامع ولا ينفر منهم قلبه وحتّى تكون طاعتهم مؤدّية للغرض ومفيدة لا العكس. فإذا أمكن صدور المعصية منهم سوف لا يحصل الوثوق بصحة قولهم لجواز كذبهم حينئذٍ عليهم، وإذا لم يحصل الوثوق بهم فلا يمكن الانقياد لأمرهم ونهيهم، فتنتفي فائدة بعثهم كأنبياء. (2)

ونظراً لأهمّية هذه المسألة - أعني عصمة الأنبياء - قام بعض العلماء البارزين من السنّة والشيعة بشحذ أقلامهم وتدوين كتب ورسائل حولها، ومن بين علماء الشيعة السيد المرتضى المتوفّى (436ه) في كتابه «تنزيه الأنبياء» ومن بين العلماء السنّة الفخر الرازي المتوفّى (6٠6ه) في كتابه «عصمة الأنبياء» . فهاذان العلمان القديران أجابا في كتابيهما المذكورين على شبهات المنكرين بشكل تفصيلي مستندين للأدلة العقلية والروائية الكثيرة التي تثبت عصمة الأنبياء (ع) .

ب- عصمة أئمّة أهل البيت (ع)

اشارة

إنّ عصمة الأئمّة الاثني عشر (ع) هي من أهم العقائد الأساسية التي يعتقد بها الشيعة والتي هي غير قابلة للنقاش.


1- انظر كنموذج على ذلك: التوحيد، ص74؛ الخصال، ص399.
2- انظر: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، ص84. .

ص: 50

وهناك أحاديث كثيرة تؤكّد عصمتهم (ع) ، وهناك مسألة هامّةٌ يجب الإلتفات إليها، وهي أن لا نجعل مسألة عصمتهم من المسائل التي طرُحت في فترةٍ متأخّرة عن زمانهم وأنّها شاعت بين اتباعهم بعد عهدهم (ع) .

فقد أكّد رسول الله (ص) على عصمة عترته الطاهرة (ع) (1)، وكذلك فقد روي عن الإمام السجّاد (ع) قوله: «الامام منّا لا يكون إلّا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلّا منصوصاً» . فقيل له: يابن رسول الله، فما معنى المعصوم؟ فقال (ع) : «هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّ هَ-ذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)» . (2)

وكذلك روي بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع) قوله: «نحن خزّان علم الله، نحن تراجمة أمرالله، نحن قوم معصومون؛ أمرالله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء و فوق الأرض» . (3)

فمن خلال هذه الروايات وروايات أخرى نستنتج أنّ عصمة الأئمّة (ع) ترتبط بجانبين، هما:

1- جانبٌ شخصيٌّ: بمعنى أنّ الإمام (ع) يتحلّى بصفاء وسمو روحي، وأنّه منزّهٌ من أيّ انحراف أو تلوّث بالمعاصي في قول أو عمل.

2- جانبٌ اجتماعيٌّ وتبليغيٌّ: بمعنى أنّ الإمام معصوم عن الخطأ


1- الأمالي، صص574، 679؛ عيون أخبار الرضا، ج2، ص65.
2- معاني الاخبار، ص132.
3- الكافي، ج1، ص269. .

ص: 51

والمعصية في تبليغه للدين وتعليم الأحكام الشرعية، لتكون فتواه وتعاليمه مطابقة للأحكام الواقعية التي يريدها الله تعالى.

منشأ عصمة أهل البيت (ع)
اشارة

هناك أمران تجدر الإشارة إليهما بالنسبة إلى عصمة الأئمّة (ع) ، وهما:

الأمر الأوّل: مؤهّلاتهم العلميّة والأخلاقيّة.

الأمر الثاني: التسديد الإلهيّ.

فهاذان الأمران هما أهمّ سببين لملكة العصمة التي اتّصفوابها، فنظراً لمنزلتهم العلمية الرفيعة وما هم عليه من قابليّات علميةٍ وأخلاقيةٍ نشأت من تربية مميّزةٍ، فقد أصبح كلّ واحدٍ منهم معصوماً مؤهّلاً لنيل الكمال واللطف الإلهي، فهذان الأمران هما منشأ ومصدر العصمة في شخصية الإمام المعصوم (ع) .

لذلك فإنّ عصمة الأئمّة (ع) هي لطفٌ وتوفيقٌ من الله تعالى الذي أكرمهم بما يتناسب مع قابليّاتهم العلميّة والاخلاقيّة، وهذا الرأي مصداقٌ لقوله تعالى: لهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. (1)

الأدلّة على عصمة الأئمّة (ع)
اشارة

في البداية لا بد من التنبيه إلى أنّ العصمة حالة داخلية وملكة خفيّة لاتظهر بشكل محسوس على من يتحلّى بهكذا كعلامةٍ تميّزه عن غيره، فهي ليست شيئاً مكتوباً على جبين الشخص أو ظاهراً عليه بحيث يبدو للناظر بمجرّد أن ينظر إليه، بل هي ملكة نفسانية لا يعرفها في العباد إلا الله العالم


1- (الأنعام: 124 . .

ص: 52

بالخفايا جلّ وعلا، فهو العالم بالظاهر والباطن من الأمور، وكذلك يعرفها من ارتبط بالله تعالى عن طريق الوحي. لذلك لو أردنا معرفة الدليل على العصمة يجب علينا أن نبحث عنه في كلام الله تعالى أو كلام نبيّه الكريم (ص) .

ومن أوضح الأدلّة على العصمة ما يلي (ع)

الدليل الأوّل: آية التطهير
اشارة

وهي قوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) . (1)هذه الآية التي نزلت بشكل صريح في أهل بيت النبيّ (ص) ، وهي من أوضح الأدلّة على عصمتهم (ع) . ف- (إنّما) في الآية تفيد الحصر، وقد أكّدت بالإرادة الإلهية لإبعاد الرجس عنهم، وتخصيص التطهير بأهل البيت (ع) . والمقصود بالإرادة هنا ليست الإرادة التشريعية كما في قوله تعالى: (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (2)؛ لأنَّ هذه الآية ناظرة إلى تشريع الأحكام والحدود من قبل الله تعالى لتهيئة سبل طهارة النفس المعنوية لدى البشر. فهذا المعنى - أي الإرادة التشريعية - ومن غير الممكن انتزاعه من آية التطهير؛ فلو كان المراد من آية التطهير هو الإرادة التشريعية في منحهم الطهارة المعنوية من خلال تش-ريع الأحكام والحدود، فيلزم أن تكون الاحكام شرّعت لهم خاصة دون غيرهم، وهذا غير صحيح، ولم يدّعيه أحد.

فتشريع الأحكام والحدود عامٌّ ولا يختصّ بأحدٍ، وغرض الإرادة في آية


1- (الأحزاب: 33 .
2- (المائدة: 6 . .

ص: 53

التطهير قد حُدِّد بأداة الحصر بأهل بيت النبيّ (ص) وليس عامّاً. إذن، المقصود بالإرادة هنا هو محض إرادةٍ تكوينيّةٍ، وهي الإرادة الحتمية الوقوع والتي تبعد عن أهل البيت كلّ رجسٍ، كما جاء في الآية الكريمة: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . (1)ومن خلال ذلك نجزم بتحقّق هذه الإرادة في شأنهم (ع) وبالتالي ثبوت عصمتهم وطهارتهم.

والمراد من الرِّجس لغة هو القَذِر والمستقذَر، وكل ما تنفر منه الطبائع وتتجنّبه النفوس. ولمّا دخلت عليه (أل) صار عاماً شاملاً لكل مستقذَر مادي أو معنوي، والأولى أن يكون شاملاً للذنوب والمعاصي.

والدليل على ذلك الآيات الكثيرة التي استخدمت مفردة (رجس) بمعنى الذنب أو الخطأ والمعصية وما شابه ذلك من الأمور المعنوية كما في قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) . (2)

واستناداً إلى هذه الآيات ودلالتها على طهارة أهل بيت النبوّة (ع) آمن الشيعة بعصمة هؤلاء النخبة ونزاهتهم عن كل أنواع الرجس والنقائص المعنوية بإرادة تكوينية حتمية من الله تبارك وتعالى، وكما هو واضح ومؤكّد في خاتمة الآية الكريمة بقوله تعالى: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . (3)

إذن، يثبت لنا من خلال هذا الاستدلال أن أهل البيت (ع) معصومون كما يقول الشيعة.


1- (يس: 82 .
2- (الأنعام: 125 .
3- (الأحزاب: 33 . .

ص: 54

نقض شبهة

إنّ أهم سؤال يمكن أن يطرح حول آية التطهير يدور حول مفهوم أهل البيت المذكورين في الآية، فمن هم أهل البيت الذين قصدهم الله تعالى؟ و قد أجاب عليه بعض من أهل السنّة دون أن يُراعوا الإنصاف وغفلوا عن الحقيقة أو تغافلوا عنها رغم وضوحها. فقال بعضهم (ع) المقصود بهم نساء النبيّ (ص) ! ! وقال آخرون: المعنى جميع أهله وأقربائه. سنناقش هاذين القولين باختصار، فيما يلي:

الرأي الأوّل: هل المقصود ب- (أهل البيت) نساء النبي (ص) ؟

من قال بهذا الرأي استدل بسياق الآية، وذلك بملاحظة ما قبلها وما بعدها فمن الواضح أنّه يتعلّق بنساء النبيّ (ص) ، ولمّا كان ما قبل الآية وما بعدها متعلّق بنساء النبيّ، كذلك هذا المقطع، أي أهل البيت، يكون متعلقاً بهنّ.

وللإجابة على هذا الرأي نقول: لو كانت آية التطهير من الآيات النازلة في حق نساء النبيّ والخطاب فيها موجّه لهنّ، يمكن أن يكون الادّعاء المذكور صحيحاً. ولكن في الحقيقة ترتيب الآيات في السُّوَر القرآنيّة لا دلالة فيه على ترتيب النزول أو سبب النزول، ولا ملازمة بينهما في ذلك كما هو معلوم، وإنّما رُتّب القرآن بهذا الشكل بأمرٍ من رسول الله (ص) لاحقاً، أو كما يحتمل أنّه رتّب باجتهادٍ من قبل الصحابة.

وبعبارة أخرى: إنّ الاعتماد في الاستدلال بسياق الآيات يجب أن يكون حسب ترتيب نزولها وتعاقبها في ذلك، وليس حسب ترتيبها الذي دوّنت عليه في المصحف. وفيما يتعلّق بهذه الآية - آية التطهير - فإنّ سبب نزولها يختلف عن سبب نزول الآيات التي تسبقها وتليها، وهذا ما يؤكّد عليه

ص: 55

المفسّرون والمؤرّخون، فضلاً عن تصريح الكثير من الاحاديث بأنها نزلت بشأن أهل البيت وأنّها لا تتعلّق بنساء النبيّ (ص) . وعليه يجب تفسير آية التطهير بشكلٍ منفصل تماماً عن الآيات الأخرى القريبة منها في السورة.

الرأي الثاني: وهذا الرأي يستند قائله إلى رأي زيد بن أرقم القائل بأنّ أهل بيت النبيّ (ص) هم: أصله وعشيرته الذين تحرم عليهم الصدقة من بعده. (1)

ولا بدّ من الالتفات هنا إلى أنّ الاستدلال بقول هذا الصحابي يكون مقابل الاستدلال بقول النبيّ (ص) نفسه، لأنّه صلوات الله عليه قد عرّف أهل بيته للناس مراراً وتكراراً وفي مواطن كثيرة. ومن أشهر هذه الأحاديث التي ذكرت أهل البيت وعيّنتهم، حديث الكساء المعروف والذي يمكن أن يصل إلى حدّ التواتر عن طريق الشيعة والسنّة على حدٍ سواء.

ونذكر هذا الحديث الشريف كما رُوي في مسند أحمد: «جاء رسول الله (ص) ومعه على وحسن وحسين (رضى الله تعالى عنهم) آخذٌ كلّ واحدٍ منهما بيده حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثمّ لفّ عليهم ثوبه - أو قال كساءً - ثمّ تلا هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحقّ» . (2)

وقد أكّدت روايات أخرى على أنّ آية التطهير نزلت في هذا الوقت بالضبط، ومن الجدير بالذكر أنّ زوجة رسول الله (ص) أم سلمة كانت حاضرة في هذه الحادثة، وقد سألت النبيّ (ص) هل هي معهم؟ فأجابها (ص) : «إنّك إلى


1- مسند أحمد، ج4، ص1٠7؛ صحيح مسلم، ج7، ص123.
2- مسند أحمد، ج1، ص331 و ج4، ص1٠7؛ صحيح مسلم، ج7، ص13٠. .

ص: 56

خير، إنّك إلى خير» . (1)

وكذلك روى أنس بن مالك: «إنّ النبيّ (ص) كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » . (2)

ويفهم ممّا فعله النبيّ (ص) أنّه كان يريد تعريف الناس بأهل بيته والتأكيد على ذلك، وبيان المصداق الحقيقي للآية الكريمة من خلال تكرار هذا العمل لستة أشهر.

إذن، يثبت أنّ المراد بآية التطهير ليس نساء النبيّ (ص) ، ولا جميع أقربائه ومن يتّصل به، بل هم خصوص: عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، ويلحق بهم الأئمّة من ولد الحسين (ع) .

الدليل الثاني: آية الابتلاء

المقصود من آية الابتلاء هو قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (3)، فهذه الآية تبيّن مواجهة النبيّ إبراهيم (ع) لاختبارٍ صعب، وذلك بتنصيبه إماماً للأمّة حيث اجتاز هذا الاختبار بنجاح. وقد سأل اللهَ تعالى بعد تجاوزه هذا الابتلاء لأن يجعل بعض ذريّته أئمّةً للناس، إلا أنّ طليه هذا قد رُفض، وخاطبه تعالى قائلاً: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . (4)وهذه الآية هي


1- مسند أحمد، ج6، ص 292؛ سنن الترمذي، ج5، صص 3٠ و 328؛ المستدرك، ج2، ص416.
2- مسند أحمد، ج3، صص259 و 285؛ سنن الترمذي، ج5، ص31.
3- (البقرة: 124 .
4- (البقرة: 124 . .

ص: 57

أوضح دليلٍ على عصمة الأئمّة (ع) ، لأنّ الله تعالى نفى الإمامة عن كل ظالمٍ.

ومن ناحيةٍ أخرى، لو تتبّعنا مفهوم (الظلم) ومعانيه في القرآن الكريم سنلاحظ أنّه مفهومٌ واسعٌ يشمل جميع أنواع الظلم، ابتداءاً من الظلم بحقّ الله تعالى مروراً بظلم الناس وصولاً إلى ظلم النفس. وبالطبع فإنّ كل ذنبٍ أو زللٍ صغيراً كان أو كبيراً، هو ظلمٌ في حقيقة، وبالتالي فإنّ مرتكبه (ظالمٌ) . فيكون مقتضى الآية أنّ من يتصدّى للإمامة يجب أن يكون منزّهاً عن كل تقصير وسوء وزلل يوجب ظلماً بأيّ نحوٍ كان، وأن لا يتّصف بذلك في أيّ زمان من الأزمنة. حتى ولو قيل إنّ من كان ظالماً فيما مضى وقد تاب الآن عن ظلمه فقد عفى الله عنه وهو ليس ظالماً الآن. ولكن مع ذلك فإنّ المصداق الحقيقيّ لعدم الظلم هو عدم الاتّصاف به في أيّ وقت من الأوقات مطلقاً.

ومن الواضح أنّ أهل البيت (ع) هم المصداق الوحيد والأكمل الذي يمكن أن تنطبق عليه هذه المواصفات لأنّهم لم يكونوا في حياتهم ولو لحظة واحدة متّصفين بالظلم. ومن هنا نجد الشيعة يؤكّدون ويشدّدون من خلال هذه الآية على عصمتهم (ع) .

ينقل صاحب تفسيرالميزان عن بعض أساتذته استدلالاً رائعاً لإثبات اختصاص الإمامة بمن كان غير ظالم في جميع مراحل حياته، لكن لا مجال هنا لطرحه. (1)

الدليل الثالث: آية الطاعة

المقصود من آية الطاعة هو قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ . (2)


1- انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص 274.
2- (النساء: 59 . .

ص: 58

وهذه الآية تدل بوضوح على عصمة أولي الأمر، وهم الأئمّة (ع) ؛ لأنّها قرنت الأمر بطاعتهم في طاعة الله تبارك وتعالى ورسوله (ص) ، ووجوب الطاعة ملازم لوجود العصمة؛ فمن البديهي أنّه يستحيل على الله تعالى بحكمته أَنْ يأمر بطاعة من يحتمل صدور المعصية والزلل منه بقصد أو بغير قصد.

وبعبارةٍ أُخرى، فإنّ الأمر بوجوب إطاعة مَن يمكن أن يصدر منه الخطأ أو المعصية، هو أمرٌ من الله تعالى بارتكاب المعصية والخطأ. وهذا تعارضٌ بين الأمر بالشي والنهي عنه من قبل الله تبارك وتعالى، ومن المستحيل أن يصدر ذلك منه. لذا، لا بد أن يكون أولي الأمر معصومين عن اقتراف الخطأ والوقوع بالمعصية، وهو ما يؤمن به الشيعة وينسبوه لأئمّتهم (ع) .

والطريف أنّ الفخر الرازي المتوفّى سنة (6٠6ه) وهو من الم-فسّرين المعروفين عند أهل السنّة، يؤيدّ استدلال الشيعة في وجوب كون ولي الأمر معصوماً بحسب هذه الآية، ولكن ينتهج بعد ذلك أسلوباً للتملّص، وذلك إمّا تعصّبٌ أو ما شابهه، فيقول: إنّ هؤلاء أولي الأمر المعصومين لا يمكن أن يكونوا أفراداً مخصوصين من الأمّة؛ لأنّ إطاعة أفراد مثل هؤلاء متوقّف على معرفتهم وتشخيصهم، وهم غير موجودين في زماننا هذا.

وعليه يذهب إلى أنّ المقصود من أولي الامر هم أهل الحلّ والعقد من الأمّة، ويعتبره دليلاً على حجية إجماع الأمّة. (1)


1- التفسير الكبير، ج1٠، ص144، وهذا نص كلامه: «اعلم أنّ قوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) يدل عندنا على أنّ إجماع الأمة حجة؛ والدليل على ذلك أنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهياً عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوماً، ثمّ نقول: ذلك المعصوم إمّا مجموع الأمّة أو بعض الأمّة، لا جائز أن يكون بعض الأمة؛ لأنّا بيّنّا أن الله تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعاً، وإيجاب طاعتهم قطعاً مش-روط بكوننا عارفين بهم قادرين على الوصول إليهم والاستفادة منهم، ونحن نعلم بالضرورة أنّا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم، عاجزون عن الوصول إليهم، عاجزون عن استفادة الدين والعلم منهم، وإذا كان الأمر كذلك علمنا أنّ المعصوم الذي أمر الله المؤمنين بطاعته ليس بعضاً من أبعاض الأمّة، ولا طائفة من طوائفهم. ولمّا بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الذي هو المراد بقوله: (وَ أُولِي الْأَمْرِ) أهل الحل والعقد من الأمة، وذلك يوجب القطع بأنّ إجماع الأمة حجّة» . .

ص: 59

ومن الواضح أنّ مثل هكذا تفسير للآية مخالفٌ للظاهر وحكم العقل، وهو تبريرٌ واضحٌ للتنصّل عن المنطق والإنصاف في الرأي.

فهذا المفسّر القدير قد تجاهل الأحاديث النبويّة الكثيرة التي عيّن فيها رسول الله (ص) اهل بيته وأكد على عصمتهم، كحديث الثقلين الذي يعرّف أهل البيت ويؤكّد على عصمتهم (ع) ، فبأيّ دليل يدّعى عدم إمكان معرفة أهل البيت في زمانه وعدم قدرته على تشخيصهم؟ !

في الحقيقة، إنّ التغاضي عن مثل هذه المسائل والإجابة عن الشبهات التي تطرح حولها بأسلوب غير علميٍّ وغير منطقيٍّ هو أمرٌ مرفوضٌ ولا يليق بالعلماء المسلمين.

الدليل الرابع: حديث الثقلين

حديث الثقلين يدل على عصمة أهل البيت (ع) من جهتين:

الجهة الأولى: دلالته على القرآن والعترة متلازمين و لا يفترقان أبداً.

الجهة الثانية: جعل القرآن والعترة سبباًً لهداية الأمة ونجاتها من التيه

ص: 60

والضلال.

فمن البديهي أنّ القرآن وحي إلهي لا عوج فيه ولا نقص ولا خطأ، ولكي يلازمه أهل البيت (ع) دائماً وحتى لايفترقوا عنه يجب أن يكونوا منزّهين عن كل نقص أو خطأ في قول أو عمل، وإلّا افترقوا عنه. وبالطبع فإن افتراقهم يتعارض مع ما أكّد عليه الرسول الكريم (ص) ، وعليه فهم منزّهين من كل نقص وشائبة تبعدهم عن القرآن الكريم.

هذا الحديث المتواتر يثبت أنّ أهل البيت (ع) هم سبيل الهداية وضمان الأمّة من الضلال، والسبيل الوحيد ليكونوا أماناً لها وسبيلاً لهدايتها هو تنزّههم عن كل زلل أو خطأ أو ذنب، صغيراً كان أو كبيراً، وإلّا فلا يمكن أن يكونوا سبيلاً لنجاة الأمّة وأماناً لها من الضلال، بل سيضلّونها عن الحق ويبعدونها عن الصراط المستقيم.

٣- تنصيب الإمام والنص عليه عند الشيعة

اشارة

مع الإلتزام بوجوب عصمة الامام وأعلميّته، نستنتج بشكلٍ قطعيٍّ ضرورة وجوب النصّ على الإمام وتنصيبه؛ لأنّ العصمة والأعلمية من الصفات الباطنية والأمور الخفية التي لا تُعلم بالظاهر ولا يقف عليها عامّة الناس. ولمّا كان واجباً على الله تعالى من باب اللطف بعباده هدايتهم نحو الخير وما فيه صلاحهم، ولأنّه تعالى جعل في كل أمّة نذيراً يبلّغ رسالته ويبيّن أحكامه، فمن الضروريّ أيضاً أن يبيّن لهم الحجّة عليهم وينصّ عليه لطفاً بهم.

ويرى الشيعة أنّ هناك نصوصاً قرآنيّةً عديدةً تثبت إمامة الإمام عليّ (ع) والائمّة المعصومين من ولده، حيث نذكر أهمّها في المبحث التالي:

ص: 61

أ- النصّ على الإمامة في القرآن الكريم

هناك آياتٌ عديدة تؤكّد على امامة أهل البيت (ع) وعصمتهم، منها:

الأول - قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً . (1)

أكّد تعالى في هذه الآية الشريفة على وجوب طاعة الله تعالى، ثمّ أمر بطاعة الرسول (ص) ، ثمّ عطف عليهما وجوب طاعة أولي الأمر. وتقدّم طاعة الله تعالى على طاعة الرسول وأولي الأمر في الآية إشارة إلى أصالة هذه الطاعة وأولويّتها على غيرها من الطاعات؛ لأنّ طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر تعود إلى طاعة الله تبارك وتعالى أي أنّ طاعة غير الله تعالى هنا تبعٌ لطاعته، فطاعة الرسول وأولي الأمر لاتتعارض مع طاعة الله تعالى، بل هي في موازاتها.

ويذهب الشيعة إلى أنّ المقصود من أُولي الأمر في الآية هم أئمّة أهل البيت (ع) ، والحقّ والإنصاف أنّ هذا الرأي مؤيّد بأدلّةٍ عقليةٍ وروائيّةٍ كثيرةٍ.

فأمّا الدليل العقلي على ذلك، فهو أنّ الله تبارك وتعالى من المستحيل أن يأمر بوجوب طاعة شخص غير منزّهٍ عن الخطايا والمعاصي. وقد ذكرنا في حديثنا عن عصمة الأئمّة وأكّدنا هناك على أنّه ليس من الممكن أن يوجب الله تبارك وتعالى وجوب طاعة أحدٍ بلا قيدٍ أو شرطٍ دون أن يكون هذا الشخص منزّهاً وغير معرّضٍ لارتكاب المعصية أو الوقوع في الخطأ، ويفتقد مؤهّلات


1- (النساء: 59 . .

ص: 62

العصمة التي توجب طاعته. والحقيقة أنّ نفس الأمر المطلق بوجوب طاعة الرسول والأئمّة (ع) يستلزم عصمتهم. وهناك الكثير من الروايات المذكورة في مصادر الشيعة تؤيّد هذه الحقيقة. (1)فقد أشارت هذه الروايات إلى أنّ المراد من أولي الأمر هو علي بن أبي طالب (ع) (2)، وأكّدت بعضها على أنّ المراد من أولي الأمر هم أهل البيت (ع) . (3)

وأمّا أهل السنّة، فقد اختلفوا فيما بينهم في بيان المراد من هذا الاصطلاح القرآني، أي أولي الأمر؛ فقال بعضهم إنّ المقصود به أمراء الس-رايا (4)، وقال آخرون هم مطلق العلماء والفقهاء (5)، وذهب بعضهم إلى أنّهم الخلفاء الأربعة. (6)وهناك من قال بأنّهم السلاطين. (7)

ومن الواضح أنّ هذه الآراء لا صحّة مطلقاً، وذلك لأنّ أمراء الس-رايا والفقهاء والخلفاء والملوك والسلاطين لم يكونوا معصومين كي يحكم العقل بوجوب طاعتهم وكون طاعتهم طاعة لله تعالى ولرسوله (ص) ، وهذه حقيقةٌ تأريخيّةٌ لا ينكرها أحدٌ.

أمّا بالنسبة للخلفاء، فلا خلاف بين العلماء حول عدم عصمة أبي بكر وعمر وعثمان، ووحده عليّ (ع) هو من اختلف فيه، فقال الشيعة بعصمته


1- كمثال على ذلك انظر: علل الش-رايع، ج1، ص 123؛ الخصال، ص139؛ وسائل الشيعة، ج18، ص93؛ ينابيع المودّة لذوي القربى، ج1، ص341.
2- المسترشد، ص494.
3- الإمامة والتبصرة، ص133؛ الكافي، ج1، صص 187 و 276؛ كمال الدين و تمام النعمة، ص222.
4- مسند أحمد، ج1، ص337؛ صحيح البخاري، ج5، ص18٠.
5- سنن الدارمي، ج1، ص72؛ المستدرك، ج1، ص 123.
6- البيهقي، السنن الكبري، ج1٠، ص346.
7- شرح مسلم، للنووي، ج12، ص223. .

ص: 63

ولم يقل بذلك أهل السنّة. لذا فإنَّ محور البحث يجب أن يكون حول عصمة الإمام عليّ (ع) فقط.

وهناك شبهةٌ يطرحها البعض، وهي أنّ الآية الكريمة: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَ الرَّسُولِ أمرت بالرجوع إلى الله تعالى والرسول ولم تأمر بالرجوع إلى أولي الأمر، لذلك يمكن القول بأنّ الأمر بالرجوع إلى الله والرسول فيه دلالة على عدم عصمة أولي الأمر.

ولكن الصحيح أنّ عدم ذكر الأمر بالرجوع إلى أولي الأمر، أو الأئمّة المعصومين (ع) في هذه الآية إنّما هو من جهة عدم كونهم مشرّعين كي يكون الرجوع إليهم بمنزلة الرجوع إلى الله تعالى وإلى رسوله (ص) ، فهم مف-سّرون لآيات القرآن ومبيّنون لسنّة رسول الله (ص) ، وهم بأنفسهم (ع) يرجعون أيضاً إلى كتاب الله تعالى وسنّة نبيه (ص) ، إلّا أنّ الفارق بين رجوعهم وتفسيرهم لكتاب الله تعالى وسنّة نبيه عن غيرهم أنّهم معصومون في ذلك عن الخطأ والزلل وبعيدون كل البعد عن الوقوع فيه.

الثاني - قوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (1)، هذه الآية تؤكد على أنّ ولي المؤمنين هو الله تعالى ورسوله، وفئةٌ خاصّةٌ من المؤمنين، وهم مَن يعطون الزكاة وهم راكعون. وبحسب الروايات الشيعية التي تواتر في هذا الصدد تمّ تحديد هذه الفئة بأنّهم أهل البيت (ع) ، وبالأخصّ بعليّ (ع) . (2)

وهناك الكثير من علماء أهل السنّة أكّدوا على أنها نزلت بشأن عليّ بن


1- (المائدة: 55 .
2- الكافي، ج1، صص 146، 187 و 289؛ الأمالي، ابن بابويه، ص186. .

ص: 64

أبي طالب (ع) . (1)

وما هو ثابتٌ تأريخيّاً ولا غبار عليه، هو أنّ الإمام علي (ع) حين كان يصلّي دخل سائلٌ المسجد، فأشار (ع) إليه بإصبعه ليأخذ خاتمه وهو راكعٌ.

ولكن ما اختلف فيه بين السنة والشيعة في خصوص هذه الحادثة يتلخّص فيما يلي:

1. بعض أهل السنّة فسّر الزكاة في الآية بالزكاة الواجبة سنوياً، وعندئذٍ لا تنطبق على إعطاء الخاتم للفقير من قبل علي (ع) !

2. ذهب بعض أهل السنّة إلى أنّ دلالة الآية عامة تصلح للانطباق على كل المؤمنين، ولا اختصاص لها بعلي (ع) ، أو الأئمّة من ولده (ع) !

3. يرى بعض أهل السنة أنّ الآية بصدد تش-ريع الزكاة أثناء الركوع، ولادلالة فيها على مدّعى الشيعة!

ولنقض هذه الادّعاءات، نقول: إنّ الزكاة وبحسب ما ذكره أشهر المفسّرين، هي الزكاة بالمعنى الأعم لها وليست الواجبة، ومن القرائن على ذلك أنّ الزكاة الواجبة في القرآن الكريم أشير إليها ب- (الصدقات) أكثر من مرّة.

وعليه يكون تعبير (الزكاة) منسجماً مع حادثة التصدّق بالخاتم من قبل الإمام علي (ع) عندما كان راكعاً.

وكذلك فإنّ (وليّ) لها دلالة ظاهرة في ولاية الله تبارك وتعالى ورسوله على المؤمنين، وأنهما أولى بهم من أنفسهم، ولمّا كان قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا معطوفاً على الله تبارك وتعالى ورسوله، دلّ ذلك على ثبوت ولاية الإمام


1- مجمع الزوائد، ج7، ص16؛ المعجم الأوسط، ج6، ص218؛ أحكام القرآن، ج2، ص 557. .

ص: 65

عليّ (ع) على المؤمنين. وهذا المعنى للآية مع أخذ دلالة أداة الحص-ر (إنّما) في الآية بعين الاعتبار يكون أكثر وضوحاً وظهوراً.

أمّا لنقض الادّعاء الثالث من الادّعاءات التي ذكرناها في موضع الخلاف في الآية، فنقول: إنّ تصور كون الآية بصدد (تش-ريع الزكاة أثناء الركوع) هو تصور ساذج وركيك ومخالف لما عليه سياق الآية ويتنافى مع ظاهر ألفاظها.

وبعبارةٍ أخرى، إنّ هذه الآية جملة خبرية في مقام الإخبار عن الولي على الأمور، وليست جملة إنشائية في صدد التشريع لحكمٍ ما.

ومن الأمور التي تؤيّد ما ذهب إليه الشيعة في دلالة الآية، وجود روايات كثيرة في المصادر الروائية السنّية تذكر شأن نزول آية الولاية هذه وسبب نزولها. وقد جاء في بعض هذه الروايات عن أبي ذر (رضى الله) قوله: أمّا إنّي صلّيت مع رسول الله يوماً من الأيام صلاة الظهر فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللّهم اشهد: إنّي سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً. وكان علي راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنص-ره. وذلك بعين النبيّ (ص) ، فلمّا فرغ النبيّ (ص) من الصلاة فرفع رأسه إلى السماء وقال: «اللّهم إنّ أخي موسى سألك، فقال: قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَ يَسِّ-رْ لِي أَمْرِي * وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي الآية، فأنزلت عليه قرآنا ناطقاً: قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً . اللّهم وأنا محمّد نبيّك وصفيّك اللّهم فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري» . قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله الكلمة حتى أنزل عليه

ص: 66

جبرئيل من عندالله، فقال: يا محمّد إقرأ، فقال: «وما أقرأ؟» قال: إقرأ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ إلى: راكِعُونَ » . (1)

بناءاً على هذا تكون دلالة الآية على ثبوت الولاية والإمامة لعلي (ع) ومن بعده الأئمّة الطاهرين (ع) من الحقائق الثابتة.

ب- النصّ على إمامة عليّ (ع) في السنّة النبوية

اشارة

استدل الشيعة على إمامة عليّ (ع) بأحاديث كثيرة، وأشهر هذه الأحاديث ثلاثة، هي حديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة. نذكرها فيما يلي تباعاً:

الحديث الأول: حديث الغدير

حين رجع الرسول الأكرم (ص) من حجّة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، جاءه الأمر الإلهي العظيم في موضع يقال له (غدير خم) بتبليغ رسالةٍ هامّةٍ للناس، وبحسب روايات صحيحة كثيرة فإنّ الآية (67 من سورة المائدة) تشير إلى هذه الواقعة، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ . واستجابة لهذا الأمر الإلهي قام (ص) تحت وطأة حرارة الشمس آمراً بالتوقّف حتى اجتمع الناس، ثمّ نادى بأعلى صوته بعد حمد الله تبارك وتعالى وشكره على نعمائه ونصحه ووعظه للمسلمين وإخبارهم بأنّه مفارقهم عن قريب، وقال ثلاث مرات: «ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ !» فقال الناس: «بلى، يا رسول الله» ، فقال (ص) : «من كنت مولاه،


1- تفسير الثعلبي، ج4، ص81؛ تفسيرالرازي، ج12، ص26. .

ص: 67

فهذا عليٌّ مولاه. اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه، وانص-ر من نص-ره واخذل من خذله» ، فراح الناس يأتون عليّاً جماعات جماعات يباركون له، وهذه آخر فريضة بلّغها الرسول (ص) للأمّة، فنزلت من بعد إخباره (ص) وتبليغه هذا الأمر الآية الشريفة المبشّرة بإتمام النعمة وإكمال الدين، وهي قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً . (1)

ويتمتّع حديث الغدير بقوّة سندية وثبات في النقل بشكل مميّز، بحيث إنّه روي في مصادر الفريقين شيعةً وسنّةً بشكل متواتر. وقد ألّف (ابن عقدة) حول طرق هذا الحديث المختلفة وأسانيده كتاباً مستقلاً أسماه (كتاب الولاية) وهو من الكتب المعروفة لدى السنّة والشيعة.

وفي القرن الماضي قام المرحوم العلامة الأميني بتأليف أفضل مصدر يمكن أن يحكي واقعة الغدير العظيمة بكتابه (الغدير) .

وقد نقل هذا الحديث عن أهل السنّة بطرق مختلفة، وكنموذج على ذلك نذكر المصادر التالية: (المصنّف) لابن شيبة (2)، (مسند أحمد بن حنبل) (3)، (سنن ابن ماجة) (4)، (سنن الترمذي) (5)، (فضائل الصحابة) للنسائي (6)، (المستدرك) للحاكم النيسابوري (7)، وعشرات المصادر الأخرى.


1- (المائدة: 3 .
2- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج7، ص495.
3- مسند أحمد، ج1، صص 84، 118، 119، و ج4، ص281، و ج5، ص42٠.
4- سنن ابن ماجه، ج1، ص43.
5- سنن الترمذي، ج5، ص297.
6- فضائل الصحابة، ص15.
7- الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج3، صص 1٠9 و 11٠. .

ص: 68

والظاهر أنّ السنّة لا يجدون مشكلة في هذا الحديث من ناحية السند، ولكنّهم يناقشون في معناه ودلالته على ولاية أميرالمؤمنين (ع) .

والشيعة يرون وبشكلٍ قاطع أنّ مفردة المولى في هذا الحديث بمعنى (الولاية) وتعني الأولوية في التصرّف والخلافة، وهي دلالة نصّيّة صريحة على الإمامة والخلافة لعليّ (ع) ، أمّا السنّة فيرون أنّ مفردة (مولى) تعني (الصاحب) و (الناصر) لا غير!

في هذا الصدد لا بدّ من التأكيد على أنّ مفردة (مولى) وإن كان لها معاني متعدّدة في اللغة العربية، لكن من الواضح لكلّ منصفٍ أنّ المراد منها هنا الأولوية في التصرّف وولاية الأمر؛ وذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار القرائن السابقة واللاحقة للتلفّظ بهذه المفردة، وكذلك القرائن الخارجية، كآية التبليغ ودلالتها، وآية إكمال الدين وشأن نزولها، حيث يؤكّد الكثير من الم-فسّرين والمؤرّخين أنّها نزلت بعد خطبة الغدير واجتماع الحجّاج في ذلك الحرّ الذي لايطاق، فسيتضح حينئذٍ أنّ مراد الرسول الكريم (ص) شيئاً أكبر وأعلى شأناً من إعلان المحبّة والصحبة لعلي (ع) .

وأوضح قرينة على ذلك تكرار السؤال من النبيّ (ص) للمسلمين بأعلى صوته: «ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ !» ومن الواضح أنّ السؤال هذا له ارتباطٌ وثيقٌ مع إعلان ولاية عليّ (ع) ، وذلك ليس إلّا إثبات الولاية من قِبل رسول الله (ص) لعليّ (ع) .

ولكنّ الظاهر أنّ أهل السنة غفلوا أو تغافلوا عن الارتباط الموجود بين صدر كلام رسول الله (ص) وخاتمته. وقد دُوّنت في الرد على رأي أهل السنة في تفسيرهم لكلام رسول الله (ص) هذا كتب ومقالات كثيرة. ونجد أنّ التعرض إلى كل جوانب هذا الموضوع خارج عن أهداف هذا الكتيب الذي يتناول

ص: 69

الأمور بشكلٍ عامٍّ.

ومن أوّل العلماء الذين كتبوا حول حديث الغدير ودلالته على إمامة أميرالمؤمنين العالم الشيعي النحرير محمّد بن علي الكراجكي المتوفّى سنة (44(ص) ه) ، وكتابه تحت عنوان: (دليل النص بخبر الغدير) . (1)

الحديث الثاني: حديث الثقلين

المقصود من حديث الثقلين قول رسول الله (ص) : «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» .

وهذا الحديث أيضاً قد روي بطرق الشيعة والسنّة معاً، وهو حديثٌ متواترٌ وعند التدقيق والتأمل فيه نجد أنّ النبيّ (ص) كرّر هذا الحديث مرّات عديدة وفي مواطن مختلفة، وأحد هذه المواطن هو غدير خم.

والثقل في العمل اصطلاحاً يعني كلّ شيء ثمينٍ، والعمل فيه يكون ثميناً أيضاً.

فقد اعتبر النبيّ الكريم (ص) أهل بيته الثقل الآخر المعادل للقرآن، وأنهما لن يفترقا عن القرآن حتى يردا عليه يوم القيامة، وأمر بالتمسّك بهما معاً، دون ترك أحدهما. وفي تشبيه النبيّ (ص) لأهل بيته بالثقل الآخر المعادل للقرآن دلالات لطيفة وفوائد عديدة، قد أشرنا لبعضها آنفاً.

ومن هذه الدلالات التي نستلهمها من كلام رسول الله (ص) ، هي أنّ أمره صلوات الله عليه بالتمسّك بهما معاً واعتباره التخلّي عنهما وعدم اتباعهما ظلالاً وانحرافاً، دليلٌ واضحٌ على إمامتهم (ع) للأمّة من بعده.


1- انظر: دليل النص بخبر الغدير. .

ص: 70

وقد يشكّك البعض بهذا الحديث ويدّعي أنّ عبارة (كتاب الله وسنّتي) هي التي وردت في بعض الروايات بدل عبارة (كتاب الله وعترتي) ، الأمر الذي يعني وجود تعارض في دلالة حديث الثقلين.

ويردّ على هذا التشكيك بأنّ هذا الحديث ورد في المصادر المعتبرة والمعتدّ بها بكلمة (وعترتي) ، ومن هنا تتّضح آثار التحريف والدسّ في الحديث وتبديل هذه الكلمة بكلمة (سنّتي) .

ولو أذعنّا بصحّة الحديث الذي وردت فيه كلمة (سنّتي) فهذا أيضاً لايقدح في صحّته، لأنّه يمكن اعتبار هاذين الحديثين م-فسّرين لبعضها البعض، وأنّ أهل بيت النبيّ (ص) وعترته (ع) هم أفضل وأكمل مف-سّرٍ لسنّته وخير حافظٍ لها، وبالتالي فإن اتّباعهم يعني اتّباع سنّة رسول الله (ص) . وهذا التفسير ينسجم مع ما يذهب إليه الشيعة الإمامية.

الحديث الثالث: حديث المنزلة

من الأحاديث الدالة على إمامة وخلافة الإمام علي (ع) لرسول الله في أمور الأمة هو حديث المنزلة المرويّ في مصادر السنّة والشيعة معاً، ويبلغ في قوة سنده حدّ التواتر.

في هذا الحديث يخاطب النبيّ (ص) الإمام علي (ع) قائلاً: «يا علي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي» . (1)

ولكي نفهم ما يقصده النبيّ (ص) في كلامه لعلي (ع) علينا أن نعرف مقام


1- مناقب أمير المؤمنين (ع) ، ج1، ص499؛ الكافي، ج8، ص1٠7؛ علل الش-رائع، ج2، ص474؛ الخصال، ص311؛ فضائل الصحابة، ص13؛ المصنّف، ابن أبي شيبة، ج7، ص496؛ كتاب السنّة، ص587؛ السنن الكبري، ج5، ص44؛ جزء الحميري، ص28. .

ص: 71

هارون من موسى (ع) .

فقد أطلق القرآن على وظائف هارون والمقام الذي كان يشغله بالنسبة لموسى (ع) عدّة تسميات، منها: (وزيره) (1)، (شريكه) (2)، (مبلّغ الآيات) (3)، (من يجب طاعته) (4)، (خليفته في قومه) (5)، (نبيّ) (6).

إذن، حديث المنزلة يثبت كلّ هذه الوظائف والمقامات لعلي (ع) ، عدا وظيفة النبوّة التي نفاها عنه النبيّ الكريم (ص) . لذا فهو نصٌّ صريحٌ على خلافة وإمامة علي (ع) ووجوب طاعته.

سؤال: من الجدير في ختام هذا البحث أن نطرح سؤالاً هامّاً حول هذا الموضوع على أهل السنّة وننتظر جوابهم عليه بإنصافٍ.

فهم يعتقدون أنّ النبي الأكرم (ص) لم ينصّ على إمامة علي (ع) ، وترك أمر الخلافة للأمّة من بعده. والسؤال هو: لو أراد النبيّ الكريم (ص) أن يولّي علياً (ع) كخليفة من بعده وإماماً للأمّة، فما هي الألفاظ التي كان ينبغي عليه استخدامها؟

برأينا لو أراد أهل السنّة أن ينصفوا في جوابهم، فسوف لا يتخطّون ما استعمله النبيّ الكريم (ص) من ألفاظ في حق عليّ (ع) ، ولا يمكن أن يضيفوا إليها شيئاً؛ لأنّ النبيّ (ص) استخدم مفردات في كلامه بحقّ عليّ (ع) مثل: «خليفة» ، «وصي» ، «إمام» ، «قائد» ، «وَلِي» ، «مَوْلَى» ، «حُجّة» ، «وارث» ،


1- (الفرقان: 35 ؛ (طه: 29 .
2- (القصص: 34 و 35 ؛ (طه: 31 و 32 .
3- (المؤمنون: 45 .
4- (طه: 9٠) .
5- (الأعراف: 142 .
6- (مريم: 53 . .

ص: 72

«سيّد» ، وغيرها من الكلمات الدالة على إمامته وخلافته بأوضح بيان.

وسنشير هنا إلى بعض الأحاديث التي وردت فيها بعض هذه الكلمات على لسانه (ص) :

- «عليّ منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» . (1)

- «عليّ وليكم بعدي» . (2)

- «عليّ منّي وأنا من عليّ ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ» . (3)

- «فأنت أخي ووارثي» . (4)

- «أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري» . (5)

- «عليّ كنفسي» . (6)

- «أما أنت يا علي فصفيّي وأميني» . (7)

- «فإنّ وصيّي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدّتي ويقض-ي ديني عليّ بن أبي طالب» . (8)

فماذا يا ترى على رسول الله (ص) أن يستخدم من ألفاظ وتعابير غير هذه كي تدل على تنصيبه علياً خليفة وإماماً للمسلمين؟ !


1- مسند أحمد، ج4، ص438؛ سنن الترمذي، ج5، ص296؛ سنن النسائي، ج5، ص45؛ فضائل الصحابة، ص15؛ مسند الطيالسي، ص 111.
2- سنن النسائي، ج5، ص133.
3- مسند أحمد، ج4، صص 164 و 165؛ سنن الترمذي، ج5، ص3٠٠؛ فضائل الصحابة، ص15.
4- الآحاد والمثاني، ج5، ص172.
5- سنن النسائي، ج5، ص 126.
6- مضمون حديث: خصائص أمير المؤمنين، ص89.
7- خصائص أمير المؤمنين، ص9٠.
8- المعجم الكبير، ج6، ص 221. .

ص: 73

ج- نظرة على أحداث السقيفة

تعتبر السقيفة في ذاكرة التأريخ الإسلامي حَدَثاً ارتبط بكثير من الوقائع الهامّة التي حدثت بعد وفاة النبيّ (ص) .

وكانت سقيفة بني ساعدة محلاً يجتمع فيه الأنصار لحل مشاكلهم وفضّ نزاعاتهم. (1)

بعد وفاة النبيّ (ص) اجتمع رهط من المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، وذلك للتشاور في أمور الأمّة كي لا تبقى دون مدبّرٍ لأُمورها وذلك انطلاقاً من اعتقادهم بأنّ النبي (ص) قد رحل إلى ربّه وترك الأمّة وشأنها! وفي نفس هذا الوقت كان بني هاشم وعلى رأسهم علي بن أبي طالب (ع) مشغولين بتجهيز النبيّ (صلوات الله عليه) ودفنه، ولم يكن لديهم علم باجتماع المهاجرين والأنصار.

والسؤال الذي يطرحه لدى الشيعة دائماً هو: ما الأمر الذي دعا بعض المهاجرين والأنصار للاجتماع فور وفاة رسول الله (ص) وتعيين خليفةٍ له، في حين أنّه لازال مُسجّى في فراشه؟ !

يجيب أهل السنّة على هذا السؤال، مع حسن ظنّهم التامّ بالذين اجتمعوا في السقيفة، بأنّ ذلك تمّ درْءاً للفتنة وخطرها! بينما نجد الشيعة لا يستسيغون هذا التصرف نظراً لما للشواهد التأريخيّة والقرائن التي تثير الشكّ في نفس مَن يتأمّل في الهدف الكامن وراء ذلك.

فالشيعة يرون أنّ هذا الاجتماع لم يكن لدرء الفتنة وخطرها، بل كان بداية لتأجيج فتنةٍ عظيمةٍ في الأمة الإسلامية، وشرع الخلاف على المنصب بطرح


1- مجمع البحرين، ج2، ص387. .

ص: 74

مسألة: «منّا أمير ومنكم أمير» . وعلى كل حال وبعد جدال وتجاذب في سقيفة بني ساعدة بين المهاجرين والأنصار، كان المهاجرون يرون لهم الفضل والقرابة من رسول الله (ص) (1)، ونظراً لحال الأنصار وما هم عليه من اختلاف في أمرهم كانت الغلبة في عاقبة الأمر للمهاجرين.

ومن الحقائق التأريخية التي هي مدعاة للتأمل والترديد، أنّ مجموعة من الأنصار في سقيفة بني ساعدة قالوا: «لا نبايع إلّا علياً! !» (2)ولكن ما أسرع أن أُهمل رأيهم بآراء أخرى تتنازع حول الخلافة! فغيّبت هذه الأصوات وسكنت، وانتهى الأمر لِما أراده بعض المهاجرين، وخصوصاً عمر بن الخطاب؛ فنصّب أبوبكر بن أبي قحافة على المسلمين خليفةً للنبيّ (ص) . وكانت حجّتهم في ذلك عمره الطويل وخبرته الواسعة، وهي أمور لا تعني شيئاً في مقاييس الشيعة لمن يريد أن يتسنّم منصباً إلهياً هامّاً كخلافة الأمّة الإسلامية.

ويجب أن نؤكّد على أنّ خلافة أبي بكر، وعلى خلاف ما يذهب إليه أهل السنّة، لم تحصل بإجماع المهاجرين والأنصار، وهذه المسألة لا شكّ فيها من الناحية التأريخية، وذلك للسببين التاليين:

أوّلاً: إنّ بني هاشم وهم أقرباء النبي (ص) وعشيرته، وعددٌ كبيرٌ من المهاجرين، لم يحضروا في سقيفة بني ساعدة، مثل العبّاس بن عبد المطلب، الفضل بن العبّاس، الزبير بن العوام، خالد بن سعيد، المقداد بن عمرو، سلمان الفارسي، أبي ذر الغفاري، عمّار بن ياسر، البراء بن عازب، وآخرون غيرهم. (3)


1- تاريخ ابن خلدون، ج2، ص64.
2- تأريخ الطبري، ج2، ص443.
3- تأريخ الإسلام، ج3، صص 5 - 12. .

ص: 75

ثانياً: إنّ هؤلاء ومعهم علي بن أبي طالب (ع) بعد اطلاعهم على ما جرى في السقيفة من مبايعة أبي بكر، اعترضوا على ذلك وخالفوا هذا الأمر وتخلّفوا عنهم أشهراً. (1)وعليه يكون أهل السنّة بحاجة إلى دليل آخر غير الإجماع لإثبات خلافة أبي بكر.

ويتّضح حينئذٍ سبب اعتراض الشيعة على أهل السنة وانتقادهم لهم، وذلك لأنّهم يعتقدون باستحالة أن يترك النبيّ الكريم (ص) أمّته دون أن يعيّن خليفته من بعده، إذ يعتقدون بأنّ النبيّ (ص) قد نصّب علياً خليفة من بعده.

د- النصّ على إمامة الأئمّة الاثني عشر في مصادر أهل السنّة

هناك الكثير من أحاديث النبي (ص) في مصادر أهل السنة تؤكّد على أنّ الأئمّة من بعده اثني عشر إماماً. على سبيل المثال، ما روي عن رسول الله (ص) : «لا يزال الدين قائماً حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش ثمّ يخرج كذّابون بين يدي الساعة» . (2)

وفي رواية أخرى عن جابر بن سمرة جاء فيها: «سمعت رسول الله (ص) يقول في حجّة الوداع: «إنّ هذا الدين لن يزال ظاهراً على من ناواه لا يض-رّه مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أمّتي اثنا عشر خليفة» . قال: ثمّ تكلّم بشئ لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش» . (3)

وعلى الرغم من وجود اختلاف بسيط في ألفاظ هذه الأحاديث، لكنّها مشتركة بالمضمون بشكل قطعي.


1- تأريخ الطبري، ج2، ص 446.
2- مسند أحمد، ج5، ص86.
3- المصدر السابق، ص 87. .

ص: 76

وقد جاء في بعض الروايات بدل كلمة (خليفة) بكلمة (أمير) . (1)

وفيما يتعلّق ببيان المقصود من كلام النبيّ (ص) ومن هم هؤلاء الخلفاء أو الأمراء الاثنا عشر، فإنّ البحث محتدمٌ واختلفت فيه وجهات النظر منذ القدم حول تشخيصهم ومعرفة من ينطبق عليه كلام النبيّ (ص) . فيعتقد السنة أنّ الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان هم من هؤلاء الاثني عش-ر، ويكملون العدد بخلفاء من بني أميّة ويختمونهم بالخليفة عمر بن عبدالعزيز!

ولكنّ هذا الرأي لا يستند للمنطق السليم ولا يؤيّده أيّ دليلٍ، وهو تخرّص وقول بلا أيّ مستند.

والطريف أنّ الأمر لا يستقيم على حساباتهم بأيّ شكلٍ من الأشكال أو بأيّ عددٍ حاولوا حسابه، بحيث لا يكتمل عندهم العدد (الاثني عشر) .

ومع غضّ النظر عن هذا الخلل، فإنّ الحديث النبوي يصف الدين بأنّه ظاهرٌ ومنتصرٌ في زمن الأئمّة الاثني عشر، بينما نجد الدين كان في أحلك الظروف وأصعبها في زمن حكّام بني أمية الذين سفكوا دماء المسلمين واستباحوا حرماتهم.

وقد كان هؤلاء الحكّام سبباً لظهور البدع في الدين وانحرافه عن طريقه القويم، ولم تسهم أعمالهم إلّا في إضعاف جسد الأمّة الإسلامية وشيوع الفتن والمحن فيها، وقتل ابن بنت النبيّ الكريم (ص) وكثير من المؤمنين والعبّاد والزهّاد والشخصيات المرموقة آنذاك. ومع كل هذا فهل من اللائق أن نقول بأنّ هؤلاء الأمراء هم الخلفاء الاثنا عشر الذين قصدهم رسول الله (ص) ؟ !

والحق أنّهم لم يكونوا يوماً خلفاء لرسول الله (ص) في أمّته وأمناء على دينه،


1- صحيح البخاري، ج8، ص127؛ سنن الترمذي، ج3، ص34٠. .

ص: 77

بل كانوا وبحسب الوثائق التأريخية أسوأ الحكام والخلفاء. (1)

وبعبارة موجزة يمكننا القول: إنّنا لا يمكن أن نفسّر الخلفاء الاثني عش-ر في كلام الرسول الكريم (ص) بالخلفاء الأربعة كما يعتقد أهل السنّة، لأنّ عددهم أقل كما هو واضح. ولا يمكن أن يكونوا هم خلفاء بني أمّية وبني العبّاس، لأنّ عددهم أكثر من اثني عشر خليفة. هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد أنّ الصفات المذكورة في الخلفاء الاثني عش-ر لا تنطبق عليهم ولاتتوفّر فيهم.

والحقّ أننّا لو ابتعدنا عن التعصّب واتبعنا الانصاف، نجزم بأن الخلفاء الاثني عشر ليسوا هم سوى أئمّة الشيعة الاثني عشر، وهم عترة النبيّ وأهل بيته (ع) ، ولا ينطبق العدد إلّا عليهم، حيث أكّدت على ذلك أحاديث أخرى مثل حديث جابر وحديث اللوح.

فقد روي عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال: قال لي رسول الله (ص) : «يا جابر إنّ أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوّلهم علي ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمّد ثمّ الحسن بن علي ثمّ القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي محمّد بن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله - تبارك وتعالى - على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للايمان» . (2)


1- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج8، ص355؛ سنن الترمذي، ج3، ص341.
2- ينابيع المودّة لذوي القربى، ج3، ص399؛ قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي، ص358. .

ص: 78

وقد ذُكرت أسماء الأئمّة (ع) في الحديث المعروف ب-(حديث اللَّوح) ، وهو من أحاديث الشيعة المشهورة، حيث رواه أبو بصير عن الصادق (ع) . (1)

والتأمّل في الأحاديث المذكورة وسائر الأحاديث، يتبيّن أنّ المقصود من الخلفاء والأمراء الاثني عشر هم أئمّة أهل البيت (ع) ، وهو من الاعتقادات الأساسية والثابته عند الشيعة.


1- الكافي، ج1، ص527؛ الإمامة والتبصرة، ص1٠3. .

ص: 79

إطلالة على نظرية المهدي الموعود ونصوص إمامة الإمام المهدي (عج)

اشارة

في بادئ الأمر لا بد أن نعرّف أنّ مسألة الاعتقاد بظهور مصلح عالمي يقيم العدل بين البشرية، هي مسألة لا تختص بالشيعة الاماميّة أو الدين الإسلامي فحسب، بل كل الأديان السماوية والمدارس الفكرية البشرية تؤمن بهذا الأمر بشكلٍ عامٍّ. بل أكثر من ذلك، إذ يمكننا أن نلاحظ هذه النظرية والتصور للمصلح في حضارة الشعوب البدائية أيضاً وفي كل أرجاء المعمورة.

لذلك، ليس من المستبعد أن يقال بأنّ هذا الاعتقاد يشكّل جزءاً من الفطرة الانسانية، وينبع من توقه إلى الكمال.

أمّا من زاويةٍ إسلاميّةٍ، فإنّ الاعتقاد بظهور مصلح ومنجي للبش-رية من نسل الرسول (ص) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، هو من المعتقدات التي تشترك فيها جميع المذاهب الإسلامية على تنوّعها، حيث تعود جذوره إلى الآيات القرآنية المبشّرة بذلك و روايات متواترة عن النبيّ (ص) ، وهو ما وُعد به المؤمنون ويأمله المستضعفون، ومصدر إلهام الأبطال وأهل الكفاح في الأمّة.

وممّا لا شك فيه أنّ هذا الاعتقاد له دور كبير وأساسي في ترسيخ الشعور

ص: 80

بعدم الرضا عن الظلم، من أجل التغيير لما هو أفضل وأكمل وأرقي للإنسان.

وسنتناول هذه المسألة من وجهة نظر القرآن الكريم والسنة الش-ريفة، وبالتحديد من خلال أحاديث أهل السنّة، ثمّ سنجيب على بعض الشبهات المطروحة حولها.

١- نظرية المهدي الموعود في القرآن

كما قلنا آنفاً، فإنّ نظرية المهدي الموعود تستند قبل كلّ شيءٍ إلى بشارات جميلة في القرآن الكريم وردت في آياتٍ عديدةٍ ونشير فيها يلي الى بعضها:

أ - قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . (1)في هذه الآية إشارة إلى الإرادة الحتمية لله سبحانه وتعالى لانتصار الدين الإسلامي وظهوره على سائر الأديان، وهذه الإرادة بحسب ما جاء في الروايات وما ذهب إليه المفسّرون، لا تتحقّق إلا على يد المهدي المنتظر (عج) .

ب - قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ . (2)في هذه الآية الشريفة إشارة لورود البشارة في الكتب السماوية السالفة بانتصار المؤمنين وأنّهم سوف يرثون الأرض ويحكمونها. وقد جاء في تفسير الآية عن الإمام الباقر (ع) قوله: «هم أصحاب المهدي (عج) في آخر الزمان» . (3)


1- (التوبة: 33 .
2- (الأنبياء: 1٠5 .
3- مجمع البيان، ج7، ص12٠. .

ص: 81

ج - قوله تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْ-رِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ . (1)هذه الآية تؤكّد بوضوح تحقق الوعد الإلهي وبشّر بظهور المصلح وإمام العصر المهدي (عج) .

د - قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ . (2)هذه الآية هي الأخرى تتحدّث عن تحقّق إرادة الله تعالى الحتمية في نصرته للمستضعفين في الأرض، وتؤكدّ صيرورتهم حكّاماً على الأرض، ويتجلّى ذلك بانتصار الإمام المهدي (عج) .

٢- نظرّية المهدي الموعود في السنة

إنّ نظرّية المهدي الموعود هي من القضايا الإسلامية التي وردت بصددها أحاديث متواترة، وهذه من المسائل الإسلامية الأحاديث من حيث العدد والسند تبلغ مرتبة لا تبقي أيّ مجالٍ للشك في أصالة وأهمية نظرّية المصلح الموعود وصحّة صدورها عن النبيّ (ص) .

فالعش-رات من الصحابة رووا هذه الأحاديث، من أمثال: علي بن أبي طالب (ع) ، فاطمة (ع) ، الحسن (ع) ، الحسين (ع) ، سلمان الفارسي، أبي ذرٍ الغفاري، حذيفة بن اليمان، عبدالله بن مسعود، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبدالله الأنصاري، عمّار بن ياسر، عبدالله بن العبّاس، عمر بن الخطّاب، أنس بن مالك، معاذ بن جبل، وكثيرون غيرهم ذكرتهم مصادر الحديث


1- (النور: 55 .
2- (القصص: 5 . .

ص: 82

الشيعية والسنّية القديمة والمعتبرة.

ونشير هنا إلى بعض النماذج من هذه الأحاديث التي وردت في المصادر السنية:

أ - روي عن النبيّ (ص) قوله: «لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجَوَراً» . (1)

ب - ورُوي قوله (ص) : «لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» . (2)

ج - ورُوي قوله (ص) : «المهدي منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة» . (3)

د - ورُوي قوله (ص) : «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» . (4)

وجميع الأحاديث الواردة عن النبيّ (ص) في المصادر السنّية والشيعية تؤكّد على أنّ المهدي هو من سلالة الرسول ومن عترته وأنّه من ولد فاطمة (س) ومن أولاد الحسين بن عليّ (ع) .

والجدير بالذكر أنّ المحقّقين من أهل السنّة اعتبروا كثيراً من أحاديث المهدي صحيحة ومعتبرة، وألّفوا حولها رسائل وكتب مستقلّة، ومنهم الترمذي المتوفّى سنة (279ه) ، العقيلي المتوفّى سنة (322ه) ، البيهقي المتوفّى سنة (458ه) ، ابن تيمية المتوفّى سنة (728ه) ، الذهبي المتوفّى سنة (748ه) ، وكثيرون غيرهم ممّن كانوا يعتقدون بصحّة هذه الأحاديث واعتبارها.


1- انظر مع اختلاف في الألفاظ: مسند أحمد، ج1، ص99؛ سنن ابن ماجة، ج2، ص 929؛ سنن أبي داود، ج2، ص3٠9؛ حديث خيثمة، ص192.
2- مسند أحمد، ج1، ص361.
3- المصدر السابق، ص84؛ سنن ابن ماجة، ج2، ص1367.
4- سنن ابن ماجة، ج2، ص1368؛ سنن أبي داود، ج2، ص31٠. .

ص: 83

وهناك ممّن قال بتواترها، مثل محمد بن الحسين الأبري المتوفّى سنة (363ه) ، الكنجي المتوفّى سنة (658ه) ، القرطبي المتوفّى سنة (671ه) ، ابن حجر المتوفّى سنة (974ه) ، الشوكاني المتوفّى سنة (125٠ه) ، وآخرون غيرهم كثيرون. وهناك الكثير من العلماء الذين ألفوا كتباً ورسائل مستقلّة في هذا الصدد. (1)

وقد تطرّق الدكتور عبدالعليم عبدالعظيم البستوني إلى البحث في هذا الموضوع في كتابٍ قيّمٍ ألّفه، حيث تناول بيان الأحاديث والأخبار الصحيحة، وجَمَع شواهد كثيرة تدل على اهتمام السلف الصالح بهذه المسألة واشتهارها بينهم.

إذن، يتّضح لنا أنّ نظريّة المهدي الموعود هي عقيدة مشتركة بين جميع الفرق والمذاهب الإسلامية.

٣- مواطن الاختلاف في نظرية المهدي الموعود (عج)

اشارة

إنّ أهم مسألتين أصبحتا مثاراً للجدل والاختلاف في نظرية الامام المهدي (عج) ، هما مسألتا حياته وغيبته .

فالشيعة يعتقدون بأنّ المهدي (عج) هو ابن الإمام الحسن العسكري (ع) ، وهو على قيد الحياة مذ وفاة والده سنة (26٠ه) ، وهو الذي سيتولّى منصب الخلافة والإمامة بعد ظهوره في آخر الزمان. في حين أنّنا نجد أنّ أكثر أهل السنّة لا يعتقدون بصحّة هذا الأمر، ويعتبرون أنّ المهدي الموعود الذي ذكر في الروايات لم يعيّن ولم يولد حتى الآن.

ولكن هناك شواهد وأدلة كثيرة تؤكّد صحّة عقيدة الشيعة بالنسبة إلى هذا


1- انظر: المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثارالصحيحة، صص4٠ - 6٠. .

ص: 84

الموضوع، وتثبت عدم صحة نظرية أهل السنّة، ونشير هنا إلى بعض هذه الأدلة باختصار:

الأول - حديث الثقلين المتواتر

كما ذكرنا آنفاً فإنّ حديث الثقلين يدل على الصلة الوثيقة بين القرآن وأهل البيت (ع) ويؤكّد على تلازمهما وعدم انفصالهما عن بعضهما إلى يوم القيامة فكما أنّ القرآن موجود بين الناس على مدى العصور، كذا هو الحال لأهل البيت (ع) حيث إنّ إمامتهم مستمرّةٌ إلى يوم القيامة، ويبقى الوصول إلى هاذين المنبعين الصافيين للإسلام الأصيل سهل يسير في كلّ حينٍ وهذا الكلام لا يمكن إثباته وفهمه إلّا بناءً على الأصول العقائدية للمدرسة الشيعية.

الثاني - حديث: «مَن مات ولم يَعرف إمامَ زمانهِ ماتَ مِيتةً جاهليةً»

هذا الحديث الشريف مرويٌّ في المصادر الشيعية والسنّية على السواء، ويدلّ بوضوحٍ لايقبل الشكّ على أنّ كلّ مسلمٍ مكلّفٌ بمعرفة إمام زمانه في كل عصر من العصور، وأن الموت بدون معرفته إنّما هو موت على الجاهلية البعيدة عن الإسلام.

ومن المؤكّد أنّ المراد من إمام الزمان في هذا الحديث ليس الساسة والحكّام الذين يرأسون الحكومات ويديرون دفّة الأمور، لانّ معرفة هؤلاء ليست إلى هذه الدرجة من الأهمّية كما هو واضح، ولا يترتب على عدم معرفتهم النتيجة المخيفة التي ذُكرت في الحديث الشريف.

فالمراد من إمام الزمان هو الإمام المعصوم (ع) ، وهذا يتطابق مع ما يذهب إليه الشيعة في عقيدتهم حول وجود الإمام المعصوم في كل زمان وأنّه حي

ص: 85

يرزق في زماننا هذا، وأنّ معرفته مقدّمة لمعرفة الدين وأحكام الله الواقعية. ولازم ذلك أنّ عدم معرفته هو ابتعاد عن الدين وجهلٌ به وإنسداد لطريق الحصول على العلم بالأحكام الشرعية الواقعية، وبعبارة أخرى، فإنّ عدم معرفة الإمام تعني التَّيه في ظلمات الجاهلية. وهذا المعنى عن الإمام ينسجم مع ما يعتقدبه الشيعة من أصول.

الثالث - الأحاديث الدالّة على أنّ الخلفاء اثنا عشر

لقد تطرّقنا آنفاً الى الاحاديث التي تثبت أن الائمّة اثنا عش-ر بشكلٍ مفصّلٍ، واتّضح جليّاً أنّه لا بدّ من وجود أحد هؤلاء الخلفاء الاثني عش-ر في كل زمان من الأزمنة لكي يبيّن النهج الصحيح للنبيّ الكريم (ص) .

والطريف أنّ أغلب أهل السنّة ي-صرّحون بأنّ الإمام المهدي هو أحد هؤلاء الخلفاء الاثني عشر، وهو كما تلاحظ ينطبق على ما يذهب إليه الشيعة الإمامية.

الرابع - الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع)

هناك أحاديث كثيرةٌ مرويّةٌ عن أهل البيت (ع) تحكي لنا أحداث حياة الإمام المهدي وتشير إلى غيبته بعد والده8. ولكن كيف يمكن لأهل السنّة التغاضى عن هذه الأخبار الصحيحة التي ذكرها اهل بيت النبي (ص) المعصومون؟ !

ونظراً لصحّة وتواتر هذه الأدلة والشواهد، فقد أقرّ بعض علماء وعرفاء أهل السنّة بصحّة عقيدة الشيعة في هذا الأمر، واعترفوا بأن الامام المهدي (عج) حيٌّ وغائب وأنّه من ولد فاطمة (س) ، ونذكر منهم:

ص: 86

ابن حجر (المتوفّى 974ه) ، عبد الوهّاب الشعراني، كمال الدين محمد بن طلحة (المتوفّى 652ه) ، سبط ابن الجوزي الحنبلي (المتوفّى 654ه) ، الكنجي الشافعي (المتوفّى 865ه) ، ابن صبّاغ المالكي (المتوفّى 855ه) ، ابن طولون (المتوفّى 953ه) ، القندوزي (المتوفّى 127٠ه) ، آخرون غيرهم. وعلى رأس هؤلاء العارف محي الدين ابن عربي (المتوفّى 638ه) الذي خصّص باباً في كتابه الفتوحات المكّية في ذكر أحوال المهدي (عج) ، ومن أشعاره في هذا الصدد:

ألا إنّ ختم الأولياء شهيد

ثم يعقّب بعد هذه الأشعار قائلاً: «وقد جاءكم زمانه وأظلّكم أوانه وظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية» .

4- شبهات على نظرية المهديّ الموعود

اشارة

يمكن أن نتعرّض لِما طرح من شبهات وتساؤلات حول مسألة المهدوية من خلال حصرها في عدّة محاور:

إنّ أهمّ الشبهات التي يطرحها البعض حول نظريّة المهديّ الموعود تتمحور في ثلاث مسائل، هي:

1. طول العمر.

2. الإمامة المبكرة.

3. فائدة الإمام الغائب.

ص: 87

المحور الأوّل: طول عمر الإمام المهدي (عج)

يعتقد الشيعة أنّ الإمام المهدي (عج) ولد في سنة (255ه) ، وعاش من ذلك الحين وحتى يومنا الحاضر خلف أستار الغيبة، أي أنّه يتمتّع بعمرٍ طويلٍ، على خلاف ما هو طبيعي ومتعارف، وقد اعترض اهل السنّه على هذه المسألة وشكّكوابها.

نقول: يمكننا الإجابة على التساؤل المطروح عن عمر الإمام من جهتين:

الأولى: إمكان طول العمر بحد ذاته.

الثانية: تحقّق هذا الأمر سابقاً.

أمّا الجهة الأولى، وهي إمكان طول عمر الإنسان، فإنّه من خلال الحقائق العلميّة نستنتج أنّ عمر الإنسان لايُحدّد بعددٍ معيّنٍ من السنين. فالموت إنّما يعرض على الإنسان نتيجة لعدة عوامل خارجية طارئة على بدن الإنسان، ومن البديهي أن نستنتج حينها أن عدم توفّر هذه العوامل سيمكن الإنسان من العيش لفترة أطول ممّا هو متعارف. وعلى هذا يجب أن لا نصنّف طول العمر إذا ما حصل على أنّه حالة غير طبيعية، وإن كانت غير شائعة أو متعارفة؛ لأنّ قوانين الطبيعة التي وضعها الله تعالى لها القابلية في ذلك، أي زيادة عمر الإنسان، كما قد تكون سبباً لقصر عمر الانسان اكثر ممّا متعارف. وحينئذٍ لا يمكننا أن ننكر مسألة طول العمر لمجرّد كونها غير شائعة أو لأنها نادرة الوقوع.

أمّا بالنسبة للجهة الثانية من المسألة: فإنّ الشواهد التأريخية تُشير إلى حصول ظاهرة طول العمر في الأجيال السالفة.

فالقرآن الكريم يصرّح بأنّ النبيّ نوح (ع) لبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة ينذرهم ويبلّغهم رسالة السماء، وبالطبع فإن عمره باستثناء فترة نبوّته

ص: 88

هذه، أطول. (1)فقد ورد في بعض الروايات الصحيحة أنّ عمره الشريف كان (25٠٠) سنة. (2)

وهناك روايات أخرى ذكرت متوسّط عمر الإنسان في ذلك العص-ر وحددته ب- (3٠٠) سنة. فهو أمر منطقي تبعاً للش-روط الموضوعية التي توفّرها البيئة النقية من هواء وماء آنذاك.

وممّا هو مشهور أنّ النبيّ سليمان (ع) كان له عمر طويل أيضاً، ففي بعض الروايات أُشير إلى أنّ عمره كان (712 سنة. (3)

وقد أفرد الشيخ الصدوق \ في كتابه القيّم (كمال الدين وتمام النعمة) فصلاً خاصّاً ذكر فيه بعض من عُرف بطول عمره في التأريخ.

وهناك أيضاً من بين علماء أهل السنّة من صنّف كتاباً مختصاً بهذا الموضوع، وهو أبو حاتم السجستاني في كتابه المعروف باسم (المعمَّرون) .

وبعد ماذُكر، كيف يبقى مجال للتشكيك في إمكانية طول عمر الإمام المهدي (عج) ؟ !

فهناك روايات كثيرة ذكرت طول عمره الشريف، منها ما روي عن الإمام الحسن المجتبى (ع) الذي قال في ضمن حديث له: «ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله على كل شيء قدير» . (4)


1- قال تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ (العنكبوت: 14 .
2- كمال الدين وتمام النعمة، ص523.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق، ص316. .

ص: 89

وكذلك روي عن الإمام السجاد (ع) أنّه قال: «في القائم سنّة من نوح عليه السلام وهي طول العمر» . (1)

المحور الثاني: الإمامة المبكّرة

من الشبهات الأخرى التي يطرحها البعض حول نظريّة المهديّ الموعود، هي مسألة الإمامة المبكرة للإمام المهدي (عج) ، فمن وجهة نظرهم لا يجعل الله عزّ وجل الإمامة وهي منصب رفيع لصبيٍّ عمره خمس سنوات، ويأمر جميع الناس بطاعته.

من الواضح أنّ هذه الشبهة باطلة وغير صحيحة وبأدنى تأمل في القرآن الكريم والتأريخ والروايات المنقولة في مصادر السنّة والشيعة، فإنّنا نجد من حصل على هذا الش-رف العظيم والرتبة الرفيعة في مثل هذا العمر. فيحيى (ع) وبتصريح القرآن آتاه الله العلم والحكمة وهو صبي وجعله نبياً. (2)وكذلك النبيّ عيسى (ع) طبقاً لما تصرّح به الآيات الكريمة في أنّه صار نبيّاً وهو لا يزال رضيعاً، فأطلق الله لسانه ونبّأهم بأنّ الله تعالى آتاه الكتاب وجعله نبيّاً. (3)

فضلاً عن ذلك فإنّ الإمامة المبكرة قد نالها بعض آباء الامام المهديّ (عج) ، كالإمام الجواد (ع) والإمام الهادي (ع) . وبعد كل هذا لا يبقى مجال لإنكار حصول هذا الامر لشخص يختاره الله تعالى بحكمته وينصّبه إماماً ويوجب طاعته على الجميع.


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص524.
2- قال تعالى: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (مريم: 12 .
3- قال تعالى: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا (مريم: 3٠) . .

ص: 90

المحور الثالث: فائدة الإمام الغائب

الشبهة الأخرى التي تطرح حول نظرية المهديّ الموعود اعتراضاً على غيبته تتمحور حول فائدته للأمة إذا كانت لا تراه ولا تستطيع أن تسأله؟

وقد أجاب الشيعة على هذه الشبهة بهذا النحو:

أوّلاً: إنّ غيبة الإمام المهدي هي حادثة تأريخية وقعت نتيجة لبعض الأسباب والعوامل من جهة، ولها بعض الأهداف والآثار في حياة الناس من جهة أخرى. فبعد ثبوت أصل تحقّق هذه الحادثة استناداً للشواهد التأريخية، لا يمكننا وبسبب بعض العوامل التي يراها البعض سلبيّةً، أن نشكّك في أصل حدوثها.

ثانياً: لا بدّ من التمييز بين نوعين من الفوائد التي يحظى بها الناس من الإمام (ع) ؛ أمّا النوع الأوّل فهو مرتبط بنفس وجوده (ع) . وأمّا النوع الثاني فيرتبط بظهوره بين الناس وتعرّفهم عليه ورؤيتهم له. ومن الطبيعي حينئذٍ أن نستنتج أنّه لو لم ننتفع بفوائد وبركة ظهوره بيننا فمن القطعيّ أننا سننتفع ببركة نفس وجوده الشريف حتّى في غيابه عن أنظارنا.

فقد ذكرت روايات كثيرة أنّ الله لو رفع الإمام المعصوم من الأرض لساخت بأهلها.

وعلى كل حال فإنّ غيبة الإمام المهدي (عج) وما يتعلّق بها من مسائل فيها أبحاث كثيرة ودقيقة لابد من الوقوف عليها، والمجال لايسع هنا لتناولها بالشرح والتفصيل.

ص: 91

أهم معتقدات الشيعة

اشارة

يمكننا تقسيم معتقدات الشيعة إلى قسمين:

القسم الأوّل: المعتقدات الأساسية والجوهرية والتي ترتبط بأسس المذهب الشيعي بشكل مباشر، والتي يمكن اعتبارها مباني المدرسة الشيعية.

القسم الثاني: المعتقدات الفرعية والفقهية، والتي هي أقلّ أهميّةً بالنسبة لغيرها من القسم الأوّل.

ومثال القسم الأوّل هو الاعتقاد بمودّة أهل البيت (ع) ، وعدالة الصحابة. ومثال القسم الثاني هو اعتقاد الشيعة بالتقيّة والزواج المؤقّت، وبعض التفاصيل الأخرى المتعلّقة بالوضوء والصلاة والأذان.

القسم الأوّل: المعتقدات الأساسية

١- مودة أهل البيت (ع)

اشارة

المودة في اللغة بمعنى (المحبّة) ، وفي الاستعمال القرآني بمعنى الرابطة الحميمة والمحبة العميقة. ومن أهم الأمور التي يؤكّد عليها شيعة أهل البيت (ع) هي مودّة أهل بيت النبيّ (ص) ، وهذه المودّة متّفقٌ عليها بين

ص: 92

الشيعة والسنّة، بل هي من أهم المشتركات التي تجمع بين المدرستين، وهي نواة طيبة لغرس شجرة التقريب والوحدة بين المذهبين ولكنّ أهل السنّة يذهبون إلى أنّ المقصود من (ذوي القربى) هو جميع أهل بيت النبيّ (ص) وأقرباؤه ولا يقتصر على الأئمّة المعصومون (ع) من ذريّة النبيّ (ص) .

والواقع أنّ جذور هذه العقيدة المشتركة بين المسلمين نجدها في القرآن الكريم والسنّة النبوّية، ونذكر فيما يلي أمثلةً على ذلك:

أ- مودّة أهل البيت (ع) في القرآن

هناك آية صريحة في القرآن الكريم تؤكّد على ضرورة مودّة ومحبّة أهل بيت النبيّ (ص) ، وهي الآية رقم (23 من سورة الشورى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى .

فما هي هذه المودّة التي جعلها الله تعالى أجراً لرسالة خاتم أنبيائه؟ ! ومن هم هؤلاء الذين جُعلت مودّتهم بهذا المستوى من الأهمّية؟ !

والمصادر التفسيرية والتأريخية والروائية الشيعية والسنّية هي التي تبيّن في المراد من القربى في هذه الآية، وتعرّفنا عليهم، فهم من قال عنهم النبيّ (ص) إنّهم كنفسه، ونهى الناس عن ايذائهم!

روى كل من أحمد بن حنبل (1)والبخاري (2)والترمذي (3)والنسائي (4)، وآخرون (5)، أنّ المراد من (القربى) في آية المودّة هم آل محمّد (ص) .


1- مسند أحمد، ج1، ص 286.
2- صحيح البخاري، ج4، ص154 و ج6، ص 37.
3- سنن الترمذي، ج5، ص54.
4- سنن النسائي، ج6، ص453.
5- جامع البيان، ج25، ص31. .

ص: 93

وقد رُوي عن ابن عباس قوله: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما» . (1)

ومن الطبيعي أن يكون المراد والمقصود ب- (القربى) مَن هم بمنزلة أهل البيت (ع) ، ولا يمكن أن يكون المقصود كلّ أقرباء النبيّ (ص) ؛ لأنّنا نجد فيهم من يتصف بصفات غير حميدةٍ أو يفعل أفعالاً سيّئةً، لذا لا يمكن أن يأمر الله تعالى بمودّته. وهذه حقيقة يجب أن نُذعن بها؛ فإنّ ليس كلّ من كان من أقرباء النبيّ وعشيرته تجب مودّته وتعتبر مودّته أجراً للرسالة.

إنّ بني العبّاس استغلّوا قرابتهم من رسول الله (ص) للسيطرة على الحكم، ورغم هذه القرابة فقد كانت لهم صفحاتٌ سوداء في تأريخ المسلمين.

كما أن بعض ألدّ أعداء رسول الله (ص) في مكّة كانوا ممّن تربطهم به قرابة، وعلى رأسهم عمّه أبولهب الذي ذمّه القرآن الكريم صراحةً ونزلت فيه سورةٌ مستقلّةٌ.

فالصحيح أنّ المراد من (القربى) عترة النبي (ص) الذين عصمهم الله تعالى من الذنوب والخطايا.

ب- مودّة أهل البيت (ع) في السنّة
اشارة

ومن الأدلّة التي استند إليها الشيعة في وجوب مودّة أهل البيت هي الأحاديث النبويّة الكريمة الدالّة على ذلك، من قبيل قوله (ص) : «عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب» (2)، وقوله: «لو اجتمع الناس على


1- مجمع الزوائد، ج7، ص1٠3 و ج9، ص186؛ نظم درر السمطين، ص23؛ ومعاني القرآن، ج6، ص31٠.
2- ينابيع المودة، ج2، ص78. .

ص: 94

حب عليّ بن أبي طالب لَما خلق الله النار» . (1)

وروى ابن مسعود أيضاً أنّ النبيّ (ص) قال: «من زعم أنّه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض علياً (ع) فهو كاذب ليس بمؤمن» . (2)

وروى أبو ذر عن النبيّ (ص) في حديث له: «حبّه - أي عليّ (ع) - إيمانٌ، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة، ومودّته عبادة» . (3)

وقد شاع بين صحابة رسول الله (ص) أنّهم كانوا يميّزون المنافق عن غيره من خلال بغضه للإمام علي (ع) (4)، وهو تطبيق لما قاله النبيّ (ص) في حقّه: «لايحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق» . (5)

وكذلك الحال في محبّة فاطمة (س) والحسن والحسين (ع) فقد وصلتنا أحاديث كثيرة حول وجوب مودّتهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر الحديث الوارد عن النبيّ الكريم (ص) ، وهو: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة» . (6)وقوله (ص) في حقّها أيضاً: «فاطمة بضعة منّى فمن أغضبها أغضبني» . (7)

وقال أيضاً: «من أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني» يعنى حسناً وحسيناً. (8)

وهناك كثير من الأحاديث الواردة بهذه المضامين المؤكّدة لوجوب محبّة


1- المناقب، الخوارزمي، ص67؛ ينابيع المودّة، القندوزي، ج2، ص29٠.
2- المناقب، الخوارزمي، ص66.
3- كشف الغمّة، ج1، ص92.
4- سنن الترمذي، ج5، ص298.
5- مسند أحمد، ج1، ص95؛ سنن الترمذي، ج5، ص 3٠6.
6- مسند أحمد، ج3، ص8٠؛ صحيح البخاري، ج4، ص2٠9.
7- صحيح البخاري، ج4، ص21٠.
8- مسند أحمد، ج2، صص288 و44٠. .

ص: 95

أهل البيت (ع) ، وما يطرح في عقائد الشيعة من وجوب ولايتهم والبراءة من أعدائهم، وهذه العقيدة هي استجابةٌ لأوامر النبي (ص) بوجوب محبّة من يحب أهل بيته وبغض من يبغضهم.

فولاية أهل البيت (ع) والبراءة من أعدائهم في المدرسة الشيعية ليست شعاراً سطحيّاً وإبرازاً للأحاسيس، بل هي ممارسة عبادية وسياسية تستمد جذورها من كتاب الله تعالى وسنّة النبيّ الكريم (ص) .

آثار مودّة أهل البيت (ع)

إنّ لمودّة أهل البيت (ع) تأثير جذريٌّ في حياة الإنسان، حيث تظهر آثارها في أقواله وأفعاله وكل سلوكياته، فتعيّن له مقاصده وأهدافه في مسيرته الدنيوية، وتجعله متشبهاً بهم (ع) ؛ كما هو حال الشخص الذي يحب الدنيا وبهرجها وينساق وراءها ويتعلّق بها، بينما الشخص الذي يحب الله تعالى واليوم الآخر يكون ربانيّاً ويعيش كما أمره الله تعالى. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ . (1)

وقد أشار القرآن الكريم الى آثار محبّة الله تعالى وما يترتّب عليها، في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ (2)، فنجد الآية تؤكّد على أنّ محبّة رسول الله (ص) لاتتحقّق إلّا باتباعه (ص) . وتبعاً لذلك فإنّ محبّة أهل البيت (ع) ليست مستثناة من هذه القاعدة، فلا بدّ من اتباعهم لتتحقّق ثمار محبّة الله ورسوله. وهذا في الحقيقة هو معنى المودّة التي جعلها الله تعالى


1- (البقرة: 165 .
2- (آل عمران: 31 . .

ص: 96

أجراً للرساله.

وعن لسان أهل البيت أنفسهم (ع) فقد وصفت المودّة بهذا التعبير الجميل: «وهل الدين إلّا الحبّ» . (1)

وبالإضافة إلى الآيات التي ذكرناها، هناك أحاديث كثيرة وصلتنا عن أهل البيت (ع) تؤكّد هذه الحقيقة، لدرجة أنّ الشيخ الصدوق \ أفرد كتاباً باسم (صفات الشيعة) حيث ذكر فيه صفات الشيعة الحقيقيّين بحسب ما ورد عن أهل البيت (ع) من أحاديث. وعلى سبيل المثال ننقل هنا ما رواه هو بسنده عن جابر الجعفي:

عن جابر الجعفي، قال، قال أبو جعفر (ع) : «يا جابر، أيكتفي من اتّخذ التشيّع يقول بحبنا أهل البيت؟ ! فوالله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون إلّا بالتواضع والتخشّع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن الناس إلّا من خير وكانوا أُمناء عشائرهم في الأشياء» .

قال جابر: «يابن رسول الله، ما نعرف أحداً بهذه الصفة» ، فقال لي: «يا جابر، لا تذهبنَّ بك المذاهب، حسب أن يقول: أحبّ علياً صلوات الله عليه وأتولّاه، فلو قال إنّي أحبّ رسول الله (ص) ، ورسول الله خير من عليّ، ثمّ لايتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إياه شيئاً، فاتّقوا الله واعملوا لِما عندالله، ليس بين الله وبين أحد قَرابة، أحبّ العباد إلى الله وأكرمهم اتقاهم له وأعملهم بطاعته.


1- المحاسن، ج1، ص263؛ الكافي للكليني، ج8، ص8٠. .

ص: 97

يا جابر، ما يتقرّب العبد إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، ما معنا براءة النار ولاعلى الله لأحدٍ منكم حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع» . (1)

فهذا الحديث واضحٌ وصريحٌ ولايحتاج إلى شرحٍ وبيانٍ. وهناك أحاديث أخرى كثيرة تؤكّد على هذا المضمون، وترشدنا إلى أنّ التشيّع الحقيقي يستند إلى عنصرين أساسيين، هما: (الاعتقاد النظري) و (التطبيق العملي) لأوامر أهل البيت (ع) .

فمن هنا يتبيّن لنا أنّ من يعتقد ب- (ولاية أهل البيت) ويعقد قلبه على (مودّتهم) سيجد طريق (العمل) بوصاياهم، ويستمد من عقيدته بهم إيمانه بعدم ترك ساحة التطبيق العملي خالية مهما كانت الصعاب، لأنّه يدرك المسؤولية العظيمة التي تقع على عاتقه وعلى عاتق كل شيعي ملتزم بمودّة أهل البيت وما يترتّب عليها. وسيكون على يقين أنّ أيّ تقصير أو تفريط في مراعاة الأحكام الإسلامية سيكون ذريعة لمبغض-ي ومخالفي أهل البيت للانقضاض على مذهبهم.

٢- عدم الاعتقاد بعدالة جميع الصحابة

إنّ الإيمان بعدالة جميع صحابة رسول الله (ص) تعتبر إحدى أهم معتقدات أهل السنة! وهذا الرأي جعلهم عرضةً للنقد. والمقصود بالعدالة هي المَلَكة النفسانية والحالة الروحية التي يتمتّع بها الصحابي، إلى أن تجعله ثقةً في الأحاديث والأخبار. والمراد بمفهوم (الصحابة) عندهم هو كلّ من أسلم، ورأى رسول الله (ص) وسمع حديثاً منه، كثيراً كان أو قليلاً.


1- صفات الشيعة، ابن بابويه، ص11. .

ص: 98

ويعتمد أهل السنّة على إطلاق الآيات التي تمدح صحابة رسول الله (ص) ، فيقولون بعدالتهم جميعاً دون استثناء.

في المقابل نجد الشيعة يعتقدون بعدم صحّة التمسك بإطلاق هذه الآيات، لأن إطلاقها مقيّد بآياتٍ كثيرةٍ أُخرى.

وأهل السنّة عند استدلالهم بالآيات التي تمدح الصحابة يغفلون أو يتغافلون عن الآيات الأخرى التي تذمّهم وتؤنّبهم على أفعالهم. لذا فإنّ اعتقاد أهل السنّه بعدالة جميع الصحابة من أكثر الاعتقادات المثيرة للتعجّب والدهشة. وممّا يثير العجب أكثر في هذا الاعتقاد أنّ الصحابة أنفسهم قد تنازعوا فيها بينهم واشتبكوا في حروبٍ داميةٍ بعد وفاة الرسول الكريم (ص) .

فمن الثابت تأريخيّاً انقسام الصحابة بعد وفاة رسول الله (ص) إلى أحزاب وفئات مختلفة، وكل منهم أخذ بالدفاع عمّا يعتقده من رُؤى وأسس يجب أن تسود بعد رحيل النبيّ الكريم (ص) . وهناك وقائع كثيرة يمكن ذكرها كشواهد على هذه النزاعات الشديدة التي أرّقت الأمّة الإسلامية، والتي لا يمكن تبريرها بوجهٍ وأبرز الأمثلة على ذلك نزاعات سقيفة بني ساعدة، وحروب الردّة في زمن أبي بكر، والاختلاف في الآراء بين عمر وبعض الصحابة، والثورة على عثمان التي انتهت بمقتله، ونفي الصحابي الشهير أبي ذرٍ الغفاري، وأحداث الحروب الثلاثة الكبيرة: الجمل وصفّين والنهروان في عهد الإمام عليّ (ع) .

فكيف يصحّ الادّعاء بعدالة الصحابة جميعاً بعد أن كفّر بعضهم بعضاً وقتل بعضهم البعض الآخر؟ ! ألايخالف ذلك حكم العقل وصريح القرآن الكريم والسنّة النبوّية؟ !

فالعقل يقضي بأنّ العدالة والفسق أمران لا يجتمعان، فالفاسق لايمكن

ص: 99

أن يتّصف بالعدالة. والقرآن يحكي لنا ما كان عليه بعض الصحابة من زلل وضعف في الإيمان في زمن النبيّ (ص) بسبب اتّباعهم خطوات الشيطان (1)، وكذلك أكدّ على انحرافهم بعده (ص) وانقلابهم على أعقابهم (2)، بل أكثر من ذلك؛ حيث صرّح بفسق بعضهم. (3)

فقد وصف ربّ العزّة بعض الصحابه بقوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (4)، وخاطب بعضهم بالقول: لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الإِْيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ (5)، وبّخ بعضهم قائلاً: الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ (6)، حكى حال بعضهم بقوله: اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً . (7)وكذلك هناك الكثير من الروايات التي تؤكّد على ارتداد بعضهم وانحرافهم (8)بعد رحيل النبيّ (ص) . (9)

أضف إلى ذلك ما ينقله لنا التأريخ من إقامة الحدّ الش-رعي على بعض الصحابة في زمن الرسول (ص) بسبب ارتكابهم بعض الكبائر، مثل ماعز بن مالك والمغيرة بن شعبة، وآخرون.


1- فقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا (آل عمران: 155 .
2- كما في قوله تعالى: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَ-ضُرَّ اللهَ شَيْئاً (آل عمران: 144 .
3- قال تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الحجرات: 6 .
4- (الأحزاب: 11 .
5- (الحجرات: 14 .
6- (التوبة: 61 .
7- (التوبة: 1٠2 .
8- صحيح البخاري، ج5، ص24٠.
9- مسند أحمد، ج4، ص137؛ صحيح البخاري، ج5، ص19. .

ص: 100

فهل يمكن لنا أن نعتبر أشخاصاً من أمثال هؤلاء عادلين لمجرّد أنّهم عاصروا لرسول الله (ص) وأُطلق عليهم لفظ (صحابة) ؟ !

أمّا الشيعة فلديهم رؤية واقعية تجاه هذا الموضوع، تنطلق من واقع الصحابة وما كانوا عليه، فهم لا يحكمون بفسق كلّ الصحابة، كما أنّهم لايحكمون بعدالتهم جميعاً. وبناء على هذا فهم يوقّرون ويحترمون ويبجّلون صحابة رسول الله (ص) الذين ثبتت عدالتهم وتفانيهم في سبيل الله ورسوله، وينتقدون ويشنعون على من كان منحرفاً وغير مخلص للنبيّ (ص) وغير ملتزمٍ بأوامره ونواهيه. (1)

٣- السب واللعن

لانرى بأساً من الإشارة بإيجازٍ إلى مسألة السب واللعن. فالسب هو بمعنى الشتم والاسم الشَتيمَةُ. والتَشاتُمُ: التسابُّ، والمُشاتَمَةُ (2)، واللَعْنُ يعني الطردُ والإبعادُ من الخير. (3)

فأهل السنّة يتهمون الشيعة بسبّ الصحابة ولعنهم، ويعتقدون بأنّ ذلك من أبرز الشعائر لديهم في مذهبهم! !

وممّا لا شك فيه أنّ السب بمعنى الشتم لا وجود له في معتقدات الشيعة، فهم ليسوا بسبّابين بتاتاً، لأنّ الله تعالى نهى المؤمنين حتى عن سبّ الكافرين، فقال في كتابه العزيز: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما


1- للإطلاع أكثر على نظرية عدالة الصحابة وتقيمها، راجع: مجموعة حوارات بين المذاهب الإسلامية، موضوع (عدالة الصحابة) ، ص245 وما بعدها.
2- الصحاح للجوهري، مادة ( سبب) و ( شتم) .
3- المصدر السابق، مادة (لعن) . .

ص: 101

كانُوا يَعْمَلُونَ . (1)

وهكذا علّم أئمّة أهل البيت (ع) أصحابهم وشيعتهم وأكّدوا على أنّ السباب إثم عظيم، فكيف لأتباعهم أن يشتموا صحابة رسول الله (ص) ؟ !

وقد أنّب الإمام علي (ع) بعض أصحابه حين سمع أنّهم يسبّون أهل الشام في حربهم بصفين، فقال لهم: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم. اللّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقّ مَن جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به» . (2)

إنّ ما يعتقده الشيعة في الحقيقة هو عدم عدالة جميع الصحابة؛ وهذه حقيقة تأريخية، فإنّ ليس كلّ من أظهر الإسلام أمام النبي (ص) كان مخلصاً في ذلك ومؤمناً به، بل كان بين أولئك منافقون يكنوّن العداوة للإسلام في حياة النبيّ (ص) وبعد وفاته.

والقرآن الكريم بدوره يؤكّد على هذه الحقيقة التأريخية، حيث يؤيّد وجود بعض المنحرفين الذين يظهرون الدين ويضمرون الكفر بين أصحاب النبيّ الكريم (ص) ، ولعن بعضهم. والشيعة تطبيقاً لمضامين هذه الآيات، والتزاماً بالأحاديث الكثيرة التي أشرنا إلى بعضٍ منها، فإنهم يؤمنون بعدم عدالة كلّ الصحابة، ويرون أنّ بعضهم يستحقّ النقد ولابدّ من بيان أفعاله المنحرفة.

وقد جاء في الحديث المشهور المنقول عن النبيّ (ص) ما يلي: «أنا فرطكم على الحوض، ولأُنازَعنّ أقواماً ثمّ لأُغلَبنَّ عليهم، فأقول: يا ربّ أصحابي؟ !


1- (الأنعام: 1٠8 .
2- نهج البلاغة، خ 2٠6. .

ص: 102

فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ !» . (1)

فهذا الحديث يدل بصراحةٍ على أنّ بعض صحابة النبيّ (ص) قد انحرفوا بعده حقّاً، وأنّ غضب الله تعالى سيحلّ بهم. فهذه هي عقيدة الشيعة بالصحابة.

أمّا بالنسبة إلى اللعن، فنقول إنّ ما لا شك فيه فإنّ القرآن قد لعن بعض المجتمعات والأفراد غير النزيهين الذين اتبعوا خطوات الشيطان وابتعدوا عن الصراط المستقيم. وبعبارة أخرى: إنّ القرآن يرى أنّ البعض يستحقّ اللعن، وقد لعنهم الله تعالى والملائكة والناس، وكمثال على ذلك ما تحكيه لنا الآية الكريمة (رقم 159 من سورة البقرة، وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ .

واستناداً إلى هذه الآية فإنّ كتمان الحقّ والبيّنات التي تهدي إلى سبيل الله تعالى، هو أمر يستحقّ فاعله اللعن من قبل الله تعالى والناس. كما جاء في الآيات (رقم 78 و 79 من سورة المائدة، حيث يقول تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ * كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ . فهاتان الآيتان تحكيان وقوع اللعن على لسان بعض الأنبياء للعاصين والمعتدين.

والشيعة اعتماداً على هذه الآيات، وآيات أخرى، يجيزون لعن من يكتم الهدى والبيّنات، وكل ظالم ومعتدٍ وعدو للإسلام. وهذه القاعدة لديهم تنطبق على الجميع من دون فرق بين من عاصروا الرسول (ص) أو غيرهم،


1- مسند أحمد، ج1، ص384؛ صحيح البخاري، ج7، ص2٠6. .

ص: 103

وعلى رأس هؤلاء آل أُميّة، التي اعتبرها الله تعالى في القرآن الكريم شجرةً ملعونة؛ وهذا الأمر لا يقتصر على الشيعة فحسب، بل إنّ بعض أهل السنّة يرون ذلك أيضاً، لأنّ رسول الله (ص) قد لعنهم مراراً.

القسم الثاني: المعتقدات الفرعية

١- التقيّة

إنّ أهل السنّة يؤاخذون الشيعة على اعتقادهم بالتقيّة وينتقدونهم عليها بشدّةٍ.

والواقع أنّ رأي أهل السنّة في هذه المسالة عجول، وسبب ذلك هو عدم فهمهم لمعنى التقيّة التي يؤمن بها الشيعة بشكلٍ صحيحٍ. فالتقيّة التي يعمل بها الشيعة تستمد شرعيتها من القرآن الكريم وسنّة النبيّ العظيم (ص) ، وتتفق مع كل الأسس والأصول العقلائية لفطرة الانسان.

فالعقل والفطرة يقتضيان أن يحفظ الانسان نفسه وأمواله من المخاطر التي تهدّده. فالإنسان يشعر في باطنه بأنّ الله الحكيم قد أودع في ذاته السعي لبقاء نوعه، لذا فإنّ إنكار هذه الحقيقة هو عنادٌ ومكابرةٌ.

وعلى هذا الأساس، وطبقاً للأصل المبدئيّ، فإنّ الشيعة يوجبون على الإنسان المؤمن أن يظهر عقائده الصحيحة ويرشد الناس إليها ما دام هذا الامر ممكناً له ليستفيد الآخرون منها. ولكن حينما يكون إظهار هذه الحقائق والعقائد الحقّة موجباً لحصول ضرر له أو لمّا يتعلّق به، بسبب عدم استيعاب المجتمع لمثل هكذا حقائق وأمور، أو لوجود موانع تحول دون ذلك، فتكون عاقبة من يجهر بالحق ليست إلّا الهلاكة والوقوع في الشدّة والحرج؛ يكون حينئذٍ ابراز هذه الأمور غير مجازٍ من الناحية الشرعية، وهذا هو معنى التقية.

ص: 104

والحقيقة هي على خلاف ما يتصوّره أهل السنّة من أنّ التقيّة هي عدم قول الحقّ، بل هي قول الحقّ في المكان والزمان المناسبين «فإن لكل مقام مقالاً» . ويؤيد القرآن الكريم هذه النظرية في قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (1)، بل في مكان آخر يصرّح تعالى بالقول: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللهِ الْمَصِيرُ . (2)الطريف أنّ البخاري يذهب إلى أنّ المراد من هذه الآية هو التقيّة! (3)

ويقول تعالى في آيةٍ أُخرى: مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ . (4)هذه الآية تستثني من آمن قلبه واضطرّ إلى إظهار الكفر حفاظاً على نفسه، من سخط الله تعالى، وهي دليلٌ صريحٌ على جواز التقيّة وضرورتها.

وقد روى أهل السنّة في تفسير هذه الآية عن ابن عبّاس قوله: أخبر الله أن من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله وأمّا من أكره بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه؛ إنّ الله إنّما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم. (5)

وقد خصّص البخاري في صحيحه باباً خاصاً للإكراه ذكر فيه جواز


1- (البقرة: 195 .
2- (آل عمران: 28 .
3- صحيح البخاري، ج8، ص55، جاء فيه: «. . . وقال: إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وهي تقيّة. . .» .
4- النحل: 1٠6.
5- فتح الباري، ج12، ص278؛ السنن الكبرى، ج8، ص2٠9. .

ص: 105

التقيّة (1)، وكذلك نقل عن أبي الحسن البصري قوله: التقيّة إلى يوم القيامة. (2)

وقد ورد في هذا المضمار حديث نبوي عن الرسول (ص) خاطب به عمّار بن ياسر، وقد روي في المصادر السنّية والشيعية، ذكر فيه أحداثاً وقعت في بداية الدعوة النبوية مع الصحابي الجليل عمّار بن ياسر حين اعتقله مش-ركو مكّة وأجبروه على إظهار البراءة من رسول الله (ص) ، وبعد عناء ومقاومة شديدة اضطر حفاظاً على نفسه لأن يفعل ذلك، ثمّ جاء عند النبي (ص) وكان قد اطلع على ما حدث له، فسأله النبي (ص) : «ما وراءك؟» قال: «شرٌّ يا رسول الله! ما تُركْتُ حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير» . قال: «كيف تجدُ قلبَك؟» قال: «مطمئناً بالإيمان» . قال: «إن عادوا، فعد» . (3)

وكثيرون غير عمّار بن ياسر من فعلوا ذلك حفاظاً على أنفسهم، بل وأكثر من ذلك؛ حيث نجد أنّ نفس النبيّ (ص) لجأ إلى التقيّة في بداية دعوته، فأبقى على الدعوة لمدّة ثلاث سنوات محاطة بالسريّة، حتى دخل في الإسلام مجموعة وأعلنوا عن نصرتهم له واستعدادهم للجهر بالدعوة.

والعجيب أنّ بعض أهل السنّة ولأجل إثبات عدم مش-روعية التقيّة يستدلون بقولهم: لو كانت التقيّة مشروعة لكان على الأنبياء أن يعملوا بها ويتركوا دعوة الناس الى الهدى!

وهذا الاستدلال المتخبّط وغير المتأنّي، ناشئ من عدم الدقّة في المفاهيم الإسلامية وعدم فهمها. ونحن نقول بأنّ التقيّة مش-روعة ولا شكّ في أنّ الأنبياء عملوا بها، ولكن بمعنى أنّهم قاموا بتبليغ الحقائق والمعارف الدينية


1- صحيح البخاري، ج 8، ص55.
2- المصدر السابق.
3- السنن الكبرى للبيهقي، ج8، ص2٠8. .

ص: 106

والخطابات الإلهية في الزمان والمكان المناسبين، وبالطريقة التي يقرّها العقلاء، ولم يقعوا في خطأ الخلط بين تشخيص وقت الحزم في الأمور وزمان وجوب الاحتياط فيها.

والمؤسف أنّ بعض أهل السنّة يخلطون بين التقيّة والنفاق! ويعتبرون التقيّة ضرباً من ضروب النفاق. بينما الاختلاف بينهما كبير ولا يمكن لأحدٍ إنكاره. فما يُكتم في النفاق ليس إلّا عقيدة الش-رك والضلال، ولكنّ الأمر الذي يجب كتمانه في التقيّة فهو الإيمان والهدى.

والجدير بالذكر أن أنّ الشيعة لا يقولون بمشروعية التقية بدون أي قيد او شرط، بل هم يضعون لها الأسس والقواعد التي يجب التقيّد بها.

ومن أهم شروط التقية هو أن لا تؤدّي إلى رواج الباطل وضياع الحق. ففي مثل هكذا حال ليست التقيّة غير مشروعة وحسب، بل يجب إظهار الحق والمجاهرة به، وهو بحكم الجهاد عندئذٍ.

ومن أبرز الأمثلة على وجوب الجهر بالحق، ثورة الإمام الحسين (ع) ، فمع قلّة الناصر وكثرة العدو واليقين بالاستشهاد، جَهَر بالحقّ لأجل إحقاقه والحيلولة دون رواج الباطل.

وبما أنّ أهل السنّة يتمتعون بالكثرة وكانوا دائماً مستفيدين من دعم السلطات السياسية، بخلاف ما عليه الطائفة الشيعية، فإنهم لم يكونوا بحاجة إلى التقيّة. فمن هنا كانوا لا يرون لها حاجة، واتخذوا منها موقفاً مناهضاً.

٢- الزواج المؤقت

من المسائل الخلافية الأخرى بين الشيعة والسنّة هي مسألة الزواج المنقطع أو المؤقّت.

ص: 107

فإن الشيعة، وطبقاً للآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما أكّد عليه أئمّة أهل البيت (ع) ، يذهبون إلى أنّ الزواج ينقسم إلى قسمين:

1. دائم.

2. مؤقّت.

ومع شديد الأسف فإنّ أهل السنّة لم يفهموا بشكل دقيق رأي الشيعة في خصوص هذه المسألة، فيعجلون بانتقادهم.

فهم يشنعون على الشيعة في مسألة الزواج المؤقت إلى حدٍّ يساوون بينه وبين الروابط الجنسية غير المش-روعة! ! ويستغلّون الخلاف في هذا الحكم الفقهي الفرعي للنيل من حرمة المذهب الشيعي.

والوقع أنّ أيّ شخص يقف على حقيقة هذا الزواج وشروطه ويفهمها بشكلٍ صحيح سيتوصّل إلى الفارق الكبير بينه وبين الروابط الجنسية غير المشروعة وسيثبت له أنّ مشروعيته لاغبار عليها وأنها من أفضل آراء الشيعة وأرقاها.

ولابدّ من التأكيد على أنّ مراد الشيعة من الزواج المؤقت هو تلك الرابطة المنضبطة التي تتمّ عن طريق العقد الش-رعي الكامل والصحيح، والذي لايختلف عن عقد الزواج الدائم إلّا بتعيين الوقت والمهر؛ فإنّ الزواج الدائمي لا يوجد فيه تحديد للمدّة الزمنية لرابطة الزواج كما أنّ عدم تعيين المهرفيه لا يؤدي شرعاً لبطلان العقد المنجز بين الطرفين مع صحّة سائر شروطه الأخرى. ولكن الزواج المؤقّت له مدّة معلومة يجب تعيينها، والإخلال بتعيين المهر يحول دون صحّة عقد النكاح.

ومن الجدير بالذكر أنّ الرابطة الزوجية في العقد المؤقّت لا تختلف عن الرابطة الزوجية في العقد الدائم، إذ كلا الزوجين لهما حقوقٌ

ص: 108

وعليهما تكاليفٌ.

ومن الواضح حينئذٍ أنّ الوليد من هذه الرابطة الشرعية هو ولد شرعيّ كالوليد من الزواج الدائم، ويستحقّ الإرث لأنّه ابن شرعي. وكذلك ممّا لاشك فيه أنّ على المرأة بعد انقضاء أجل زواجها أن تعمل بأحكام العدّة الخاصة وتكون كالأجنبية بالنسبة للرجل الذي كانت تربطها به رابطة الزواج المؤقّت.

ومن هنا يتّضح مدى خطأ أهل السنّة في ادّعائهم بأنّ الزواج المؤقت أشبه بالعلاقات الجنسية غير المشروعة.

ومن فوائد الزواج المؤقّت أنّه يوفّر متنفّساً للرجل والمرأة المسلمة اللذين لايستطيعان بسبب ظروفهما الاجتماعية أو الاقتصادية الارتباط بزواج دائم، أو بسبب عدم كونهما على استعداد لتحمّل مسؤولية تأسيس حياةٍ مشتركة بينهما، وفي نفس الوقت لا يستطيعان تحمّل الضغوط العاطفية أو الجنسية؛ لذلك فإنهما يجدان في الزواج المؤقت الطمأنينة والحل المؤقت الذي يبعدهم عن التورّط في ما يلوث نزاهتهم ويجعلهم في عداد العاصين لله تعالى.

ومن الطبيعي أنّه لو تمّت مراعاة الشروط والظروف الخاصّة بهذا الزواج من الناحية الشرعيّة، فإنّ بعض الأمور السلبية التي تُطرح حوله سوف تصل إلى أدنى مستوىً؛ وهذا هو رأي الشيعة، وكما ذكرنا أنفاً فإنّهم يستندون في كل تفاصيل ذلك إلى كتاب الله تبارك وتعالى وسنّة نبيه الكريم (ص) .

فالقرآن الكريم ي-صرّح بش-رعية الزواج المؤقّت في قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (1)، وهناك اتّفاق في الرأي بين


1- (النساء: 24 . .

ص: 109

الشيعة والسنّة في دلالة هذه الآية على جواز زواج المتعة ( الزواج المؤقّت) ، بل إنّه لا خلاف في وقوع مثل هذا الزواج على عهد النبيّ (ص) وأن مش-روعيته تدل عليها الآية والسنّة. وإنّما وقع الخلاف بين الشيعة والسنّة في بقاء هذا الحكم واستمراره أو القول بأنّه تمّ نسخه وإيقاف العمل به، فأهل السنّة يذهبون إلى نسخ هذا الحكم وعدم استمرار العمل به، ويصرّون على أنّ زواج المتعة قد نسخ ببعض الآيات والأحاديث الأخرى.

فالشيعة يقولون ببقاء الحكم وعدم نسخه، وأنّ ادعاء نسخه يحتاج إلى دليل، والحقيقة أنّه لايوجد أيّ دليلٍ صحيحٍ على ذلك. والآيات التي استدلّ بها أهل السنة على النسخ غير ناظرة للآية المذكورة، وأمّا الأحاديث فهي متعارضة فيما بينها وفيها من الضعف السندي ما يمنع العمل بها.

لذلك فإنّ الكثير من الصحابة قد أكّدوا على مش-روعية زواج المتعة بعد رسول الله (ص) ، ولم يؤيّدوا يقبل دعوى نسخه. وأوّل من خالف هذا الحكم الشرعي هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

وجاء في المصادر السنّية عن الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري، في جوابه لسائلٍ سأله عن اختلاف رأي الصحابة حول زواج المتعة، فقال: تمتّعنا مع رسول الله (ص) ، ومع أبي بكر، فلمّا وليَ عمر (رضى الله) خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ رسول الله (ص) هو الرسول، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) ؛ إحداهما متعة الحجّ، والأخرى متعة النساء، فنهى عنهما. (1)

وقد روي عن الصحابيّ عمران بن الحصين قوله: نزلت آية المتعة في كتاب


1- مسند أحمد، ج3، ص325. .

ص: 110

الله ففعلناها مع رسول الله (ص) ، ولم ينزل قرآن يحرّمه، ولم ينهَ عنها حتى مات، قال رجلٌ برأيه ما شاء! (1)ومراده من الرجل: عمر.

والطريف أنّ أحمد بن حنبل حين يذكر الرواية عن عمر يذكر عنه قوله: هي سنّة رسول الله (ص) - يعني المتعة - ولكنّي أخشى أن يعرسوا بهن تحت الأراك ثمّ يروحوا بهن حجّاجاً (2)، فيذكر علّة تحريمه لها بحسب رأيه!

وقد روي عن أميرالمؤمنين (ع) أنّه قال: «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة، ما زنى إلّا شقي» . (3)

كما روى الصحابيّ سعيد بن جبير حكاية جديرةً بالاهتمام، فقد روى عن ابن عبّاس أنّه قال: تمتّع النبيّ (ص) ، فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس: ما يقول عروة؟ ! قيل: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبيّ (ص) ، ويقول: نهى أبو بكر وعمر! (4)

والحقيقة أنّ ما روي من أحاديث تعارض حلّيّة المتعة، قد دُوّنت في مصادر أهل السنّة بشكلٍ متناقضٍ وذلك لتبرير رأي عمر قدر المستطاع.

في بعض هذه الروايات ادّعي أنّ المتعة نسخت في السنة التي وقعت فيها غزوة خيبر، وفي رواية أخرى أنّها نسخت في السنة التي فتحت فيها مكّة، وفي أخرى أنّها نسخت في السنة التي وقعت فيها غزوة حُنين، بل ادّعى البعض أنّها لم تشرّع إلّا في (عمرة القضاء) . وفي رواية أخرى بدل (عمرة القضاء)


1- صحيح البخاري، ج5، ص158؛ صحيح مسلم، ج4، ص48؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج5، ص2٠.
2- مسند أحمد، ج1، ص49.
3- شرح نهج البلاغه، ج12، ص254.
4- مسند أحمد، ج1، ص337. .

ص: 111

جاء: (عام أوطاس) . (1)

والإنصاف أنّ الاختلاف في تأريخ النسخ المدّعى من قبل أهل السنّة لزواج المتعة في بعض الروايات لا صحّة له وفيه دلالة على وهن هذا الادّعاء، لأنّه ليس من المعقول أن يقوم النبيّ (ص) بنسخ حكم شرعي ورد في القرآن، دون أن يعلم به صحابته، وهذا التعارض لا يمكن وقوعه بوجهٍ ناهيك عن أنّه ليس من المنطقي ولا يمكن قبول نسخ حكم شرعي في آية قرآنية بأحاديث بهذا المستوى من الضعف والإرباك.

وبالإضافة إلى كل هذه الأدلّة، فإنّ ما يهم الشيعة هو رأي أئمّتهم المعصومين (ع) . فقد جاءت روايات متواترة عنهم (ع) في المصادر الشيعية لاتقبل الشك ولا تبقي للترديد محلاً، على مشروعية هذا النوع من الزواج.

على الرغم من أنّ أهل السنّة ينسبون بعض أخبار النسخ إلى الإمام علي (ع) ، ومعظم أدلتهم في النسخ ينسبونها إليه (ع) ، لكنّ هذا في الحقيقة دليلٌ على خطأهم وعدم صحّة الأخبار التي نسبوها إليه، لأنّه ممّا لا شكّ فيه من الناحية التأريخية أنّ عليّاً (ع) يرى مش-روعية الزواج المؤقّت، ويؤكّد على حليّته، ويعترض على نهي عمر عنه. وكمثال على ذلك ما ينقله أحمد بن حنبل من نهي عثمان بن عفّان عن زواج المتعة، وأمر عليّ بها، حيث قال في مسنده: كان عثمان (رضى الله) ينهى عن المتعة وعليّ (رضى الله) يأمر بها، فقال عثمان لعلي: إنّك كذا وكذا. ثمّ قال علي (رضى الله) : «لقد علمت أنّا قد تمتّعنا مع رسول الله (ص) ؟ !» فقال: أجل، ولكنّا كنّا خائفين. (2)

وعن سعيد بن المسيب قال: «اجتمع عليّ وعثمان (رضي الله عنهما)


1- انظر كمثال على اختلاف في هذه المسألة: اختلاف الحديث، ص534.
2- مسند أحمد، ج1، ص61؛ صحيح مسلم، ج4، ص46. .

ص: 112

بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي: «ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (ص) تنهى عنه؟ !» ، فقال عثمان دعنا منك» . (1)

وهذه الحكايات تبيّن موقف الإمام علي (ع) من هذه المسألة بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ. وعلى كل حال، فقد ألّف علماء المذهب الشيعي، ومنذ قديم الزمان، رسائل وكتب في بيان مشروعية زواج المتعة، وأجابوا على الشبهات المطروحة حوله، مستدلّين على ذلك بالمصادر السنّية والشيعية على حدٍّ سواء.

٣- مسح الرجلين في الوضوء

من المسائل الفرعية الأخرى التي اختلف فيها السنّة والشيعة هي مسألة المسح على الرجلين عند الوضوء للصلاة، فعلى الرغم من عدم وجود اتّفاق في وجهات النظر حول سائر جزئيات الوضوء الأخرى بين المذاهب الإسلامية كافّة، إلا أن أبرز اختلاف نشأ في هذه المسألة بالذات.

قبل أن نتطرّق إلى بيان هذه المسألة الخلافية، نلفت الانتباه إلى أنّ الاختلاف فيها بين المسلمين يعتبر من الأمور المثيرة للدهشة والتعجّب، لأنّ المسلمين كانوا ملازمين للنبيّ (ص) ويشاهدونه على مدار اليوم والليلة يتوضّأ عدّة مرّات، وكانوا يقلّدونه في كيفية وضوءه، فكيف حصل بينهم مثل هذا الاختلاف في الآراء؟ ! (2)ولكن من المحتمل أن يكون هذا الاختلاف قدنشأ بسبب الأوضاع السياسيّة التي سادت في عهد الخلفاء والعهود اللاحقة تحت تأثير الحكّام الأمويين والعبّاسيين.

على كل حال، فإنّ أهل السنّة لا يقولون بعدم وجوب المسح على القدمين


1- مسند أحمد، ج1، ص131؛ صحيح مسلم، ج4، ص46.
2- الاعتصام بالكتاب والسنّة، ص9. .

ص: 113

بعد الوضوء وحسب، بل يقولون بأنّ ذلك ليس بصحيح شرعاً، وأنّ المكلّف لا يجزيه غير غسلهما.

ويخالفهم أبناء المذهب الشيعي بالقول إنّ الواجب والصحيح هو المسح على الرجلين في الوضوء، وليس غسلهما. وتدل الآيات القرآنية بوضوح على ما ذهب إليه الشيعة في رأيهم، والحقّ أن لا يقدّم شيء على دليلهم هذا.

جاء في الآية (رقم: 6 من سورة المائدة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .

والظاهر أنّ الاختلاف في هذه المسألة نشأ من الاختلاف في قراءة هذه الآية، فقد قُرأت كلمة أَرْجُلَكُمْ في الآية مجرورةً عطفاً على قوله رُؤُسِكُمْ ، وهي تدل على مسح الرجلين كما هو حال الرأس. وقرأها آخرون بالنصب معطوفة على وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ وهو ما يوافق رأي أهل السنّة بوجوب الغسل مثل الوجه واليدين.

ومن الواضح أنّنا لا بدّ وأن نرجّح واحدة من القراءتين على الأخرى، وهذا لايمكن إلا من خلال الرجوع إلى القواعد النحويّة العربية، وما فهمه الصحابة المخاطبين من سنّة النبيّ (ص) والأئمّة من أهل البيت (ع) ؛ لأنّهم أعلم الناس بكتاب الله تعالى.

وحسب القواعد العربية، فممّا لا شك فيه أنّ قراءة الجر أكثر تناسباً مع السياق العربي ومقاييس الفصاحة واستقامة الكلام؛ لأنّ عطف كلمة على ما هو أقرب لها هو الشائع والمتعارف، وهو أولى من عطفها على كلمة أخرى يفصل بينهما كلام مكون من عدّة كلمات، على الرغم من إمكان أن يقال بعطف كلمة أَرْجُلَكُمْ مع أنّها منصوبة على كلمة بِرُؤُسِكُمْ وتكون دالّة

ص: 114

على وجوب المسح؛ لأنّها في محلّ مفعول به فيمكن نصبها محلاً. ومن هنا ذهب الفقيه والمفسّر الفخر الرازي الذي يعتبر أحد أشهر علماء أهل السنّة، إلى أنّ كلا القراءتين تدلان على وجوب المسح. (1)

أضف إلى ذلك، فإنّ الكثير من الصحابة والتابعين قدفهموا من هذه الآية الكريمة وجوب المسح، وكمثال على ذلك ما روي عن ابن عبّاس (ع) «ما أجد في الكتاب إلّا غسلتين ومسحتين» . ومراده من المسحتين هو مسح الرأس والرجلين. (2)وكذلك نقل عنه قوله: «أمر الله بالمسح ويأبى الناس إلّا الغسل» .

وكذلك روي عن أنس بن مالك أنّه حين سمع الحجّاج يقول: «اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم فاغسلوا ظاهرهما وباطنهما وعراقيبهما، فإنّ ذلك أقرب إلى جنّتكم. قال: صدق الله وكذب الحجّاج؛ فامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم إلى الكعبين» . وقرأ بجر كلمة (أرجلِكم) .

وعن عكرمة أنّه كان يمسح على رجليه ويقول: «لا يجب غسل الرجلين، والواجب مسحهما» .

والشعبي من التابعين المشهورين ومن الشخصيات المعروفة عند أهل السنّة يقول: «أمّا جبرئيل (ع) فقد نزل بالمسح على القدمين» . (3)

كما قال قتادة: «افترض الله غسلين ومسحين» . (4)وهكذا الحسن البص-ري أيضاً. (5)


1- تفسير الرازي، ج11، ص161.
2- السنن الكبرى، البيهقي، ج1، ص72.
3- المصنّف، عبد الرزّاق الصنعاني، ج1، ص19.
4- للاطلاع على جملة الآراء في المسألة انظر: عمدة القارئ، ج2، ص238.
5- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج1، ص3٠. .

ص: 115

وعلى رأس من يرى وجوب مسح القدمين بدل غسلهما، أميرالمؤمنين عليّ (ع) ، والذي هو باعتراف كثير من أهل السنّة أعرف الناس بسنّة النبيّ (ص) ، ومن أكثر الأصحاب التزاماً بها فقد روي عنه أنّه قال: «لو كان الدين برأيٍ، كان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله (ص) مسح ظاهرهما» . (1)

وكذلك نجد الطبري ينقل هذا الحكم عن الإمام الباقر (ع) (2)، وكذلك فقد رَوى عبدالرزاق الصنعاني (المتوفّى211 أنّ رجلاً قال لمطر بن طهمان الورّاق: «مَن كان يقول المسح على الرجلين؟ فقال: فقهاء كثير» . (3)

وهناك أحاديث كثيرة تؤيّد هذا الرأي في المصادر السنّية وبسندٍ صحيح وحسن. وقد أشار العيني في كتابه عمدة القاري إلى كثير منها. (4)وهذه الأحاديث تحكي عن مسح النبيّ الكريم (ص) على رجليه.

ومع غض النظر عن كل هذه الأدلّة والشواهد، فإنّ ما يعتمد عليه عند المذهب الشيعي هو ما يروى في مصادره من الروايات الصحيحة عن أئمّة أهل البيت (ع) ، ففي بعض هذه الأحاديث وضّحوا كيفية وضوء جدّهم الكريم (ص) ، وأكّدوا على أنّه كان يمسح على رجليه.

إذن، طبق قواعد اللّغة العربية المعتبرة والأحاديث المرويّة عن رسول الله (ص) في مصادر أهل السنه، وكذلك حسب إجماع أئمّة اهل البيت (ع) ، فإنّ الآية الكريمة تدلّ على وجوب المسح على الرجلين


1- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج1، ص3٠.
2- جامع البيان، الطبري، ج6، ص176.
3- المصنّف، عبد الرزّاق الصنعاني، ج1، ص19.
4- عمدة القارئ، ج2، ص24٠. .

ص: 116

بشكلٍ قطعيٍّ لايقبل الشكّ والترديد، وبالتالي بطلان غسلهما عند الوضوء.

وقد ألّف العلامة الجليل أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي (المتوفّى 449 رسالة مستقلة في هذه المسألة تحت عنوان: (القول المبين عن وجوب المسح على الرجلين) .

4- الأذان

من المسائل الخلافية الأخرى بين الشيعة والسنّة، هي عبارة (الصلاة خير من النوم) التي يذكر أهل السنّة في أذان الصبح بدلاً من عبارة (حيَّ على خير العمل) ، وهو ما يصطلح عليه عندهم ب- (التثويب) .

قبل البدء بالحديث عن مسألة التثويب من الناحية التأريخية والروائية، ينبغي أن نلفت الانتباه إلى أنّ أي شخص له اطّلاعٌ على كلام الله تعالى وكلام رسوله (ص) ، لا يسعه إنكار ما بينهما وبين هذه العبارات الدخيلة على الأذان من اختلافٍ. فالطبع السليم والذوق الرفيع ينبذ العبارة غير المنسجمة والغريبة (الصلاة خير من النوم) ، عندما يقارنها مع عبارات الأذان ذات المعاني الرفيعة والبليغة، وهذا حال اللطخة السوداء في الرداء الأبيض تكون واضحة لذي عينين! نعم، وإنصافاً للحق، فقد أشار بعض المحقّقين المعاصرين إلى ذلك وبيّنوه. (1)

الواقع أنّ (التثويب) هو بدعة في الأذان ظهرت بعد النبيّ الكريم (ص) ، في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب، وتستمد أساسها من اجتهاده الشخصي وذوقه الخاص! !

وعلى الرغم من وجود بعض الأحاديث المرويّة عن النبيّ الكريم (ص) في


1- الاعتصام بالكتاب والسنة، ص26. .

ص: 117

المصادر السنّية تُشير إلى تشريع هذه العبارة في الأذان، ولكن يوجد في المقابل من الشواهد التأريخية ما يقابل ذلك ويؤكّد صحّة ما يذهب إليه الشيعة من كون هذه العبارة بدعة لا أساس لها من الصّحة.

وكمثال على ذلك، فقد روي أنّ رجلاً سأل عطاء: «متى قيل الصلاة خير من النوم؟ قال: لا أدري» . (1)

وروي عن طاووس (المتوفّى 1٠6ه) أنّ رجلاً سأله عن التثويب قائلاً: يا أبا عبد الرحمن! متى قيل الصلاة خير من النوم؟ فقال طاووس: أما إنّها لم تُقل على عهد رسول الله (ص) ، ولكنّ بلالاً سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول الله (ص) يقولها رجل غير مؤذّن فأخذها منه فأذّن بها، فلم يمكث أبوبكر إلّا قليلاً، حتى إذا كان عمر قال: لو نهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث، وكأنّه نسيه، فأذّن به الناس حتى اليوم. (2)

وكذلك روى أحدهم عن عمر بن حفص مايلي: «أخبرني عمر بن حفص أنّ سعداً أوّل من قال الصلاة خير من النوم، في خلافة عمر» . (3)

لذلك فإنّ ما قاله ابن شيبه في كتابه المصنّف هو واقع ما جرى، حيث جاء فيه: «عن رجل يقال له إسماعيل، قال: جاء المؤذن عمر بصلاة الصبح، فقال: الصلاة خير من النوم. فأعجب به عمر، وقال للمؤذن: أقرّها في أذانك» . (4)

إذن، من المؤكّد أنّ هذه العبارة لم يشرّعها رسول الله (ص) وأنّها ابتدعت من


1- المصنّف، عبد الرزّاق الصنعاني، ج1، ص474.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
4- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج1، ص236. .

ص: 118

بعده، وهو كما صرّح به بعض التابعين من أنّ التثويب ليس من السنّة. (1)

والطريف أنّ ابن ابي ليلى يقول: ما ابتدعوا بدعة أحبّ إلي من التثويب! (2)

ومع غضّ النظر عن ذلك، فإنّ أحد الرواة في أسانيد أحاديث التثويب (أبوإسرائيل) وهو من الأسماء التي قال الترمذي عنها: وليس هو بذلك القوى عند أهل الحديث (3)، وغالباً ما تضعّف الروايات التي يأتي في سندها. (4)

وقد فصّل المحقّق المعاصر الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني الكلام في تضعيف أسانيد روايات التثويب في كتابه (الاعتصام بالكتاب والسنة) (5)، وقد احتمل وجود أغراض وغايات شخصية وراء إدخال هذه البدعة في الأذان والتأكيد عليها. (6)

وفي المقابل هناك كمّ كبيرٌ من الروايات الصحيحة المعتبرة في المصادر الشيعية والسنّية على حدٍّ سواء تدل على أنّ عبارة (حيّ على خير العمل) من السنّة، وأنّ عبارة (الصلاة خير من النوم) بدعة. وكمثال على ذلك ما روي عن الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) من أنّه كان يقول في أذانه (حيّ على خير العمل) ، وكان يقول: «هو الأذان الأوّل» . (7)

واستناداً إلى ما ذُكر يجب القول:


1- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج1، ص237.
2- المصدر السابق، ص236.
3- سنن الترمذي، ج1، ص127.
4- انظر على سبيل المثال: مجمع الزوائد، ج1، ص33٠.
5- راجع: ص48 من الكتاب وما بعدها.
6- الاعتصام بالكتاب والسنة، ص58.
7- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج1، ص244؛ السنن الكبرى، ج1، ص425. .

ص: 119

أوّلاً: أنّ أهل السنّة ليسوا متّفقين على مسألة (التثويب) ، وبعضهم يرى كراهية قول عبارة (الصلاة خير من النوم) في الأذان، وإن كان هذا الرأي ليس مشهوراً عندهم.

ثانياً: يظهر من أهل السنّة أنّهم يرون استحباب ذكر هذه العبارة في الأذان وليس وجوبها.

5- الصلاة

اشارة

من المسائل الخلافية الأخرى بين الشيعة والسنّة، ما يتعلّق بأهم عمل عبادي يقوم به المسلم، وهو الصلاة. فقد وقع الخلاف في عدّة أمور، منها:

أ - التكتّف، وهو وضع اليد اليمنى على اليسرى عند القيام في الصلاة.

ب - قول (آمين) بعد قراءة سورة الحمد.

ج - السجود على التربة المتعارفة.

د - الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

وسنتطرّق إلى بيان هذه المسائل الخلافيّة تباعاً فيما يلي:

أ- التكتّف

المراد من التكتّف كما ذكرنا أعلاه، هو وضع اليد اليمنى على اليد اليس-رى عند القيام في الصلاة، وهو الذي يفعله أهل السنّة في صلاتهم، ويعد أحياناً من العلامات المميّزة للشيعي عن السنّي.

وتجدر الإشارة أوّلاً إلى وجود اتّفاق بين المذاهب الإسلامية على عدم وجوب التكتّف أثناء الصلاة، فمن يقول به من أهل السنّة يراه من المستحبّات، بينما لا يراه الشيعة كذلك. ومن هنا يمكن القول، مع غضّ

ص: 120

النظر عن صواب هذا الرأي أو ذاك، فإنّه من الممكن الاتّفاق بالرأي حول هذه المسألة الفرعيّة نظريّاً وعمليّاً. وذلك بأن يقوم أهل السنّة ولأجل حفظ وحدة المسلمين وتجميل صف المسلمين المصلّين، بترك ما هو غير واجب، ويعملون بالاحتياط العقلي الذي يقتضي الاقتصار على ما هو ثابت ومقطوع به، وهذا العمل منهم بالتأكيد لايؤثر سلبيّاً عليهم، بل هو خطوة نحو تقريب المذاهب الإسلامية.

لكن مع شديد الأسف نلاحظ أنّ الكثير من أهل السنّة يتعاملون مع هذه الأمور الخلافيّة بحسّاسيّةٍ كبيرةٍ وإصرارٍ وعنادٍ.

والعجيب أنّ أهل السنّة عندما يرون شيعياً يصلّي وهو مسبل اليدين يأخذون عنه انطباعاً سيّئاً، ويرون عمله هذا بدعة في الدين! في حين أن التكتف، وكما قلنا، من الأمورالمستحبة في الصلاة عند أهل السنّة. والطريف أنّ أتباع المذهب المالكي وهم طيف واسع من أهل السنّة يرون عدم استحباب التكتف أثناء الصلاة، ويقولون إنّ المستحب هو إسبال اليدين، كما يفعل الشيعة!

أمّا الدليل الذي يستند إليه أهل السنّة في استحباب هذا العمل، فهو عبارة عن روايتين ضعيفتين من حيث السند. (1)

وبغض النظر عن ذلك، فمن الواضح أنّ هذا العدد من الروايات قليل جداً وغير صالحٍ للاستدلال، إذ لو كان النبي (ص) يتكتف في صلاته أمام مئات الصحابة يوميّاً عندما كان بينهم، لروي ذلك عنه بكثرةٍ؛ بينما لا نرى في هذا الصدد سوى شخصين رويا هذا الأمر؟ !

فالحق أنّ هذا العمل وطبقاً للشواهد التأريخية الكثيرة هو بدعة من بعض


1- انظر: الاعتصام بالكتاب والسنة، ص65، الحديث الثالث لم يروَ عن النبي (ص) ، ولا يصح الاستناد إليه. .

ص: 121

الخلفاء بعد النبيّ (ص) ، تصوراً منهم أنّه سببٌ للخشوع، فأدخلوه في الصلاة.

ومن هذا المنطلق فإنّ أهل البيت (ع) عارضوا هذا العمل ونهوا عنه وشبّهوه بما يفعله المجوس عند ملوكهم. وليس من المستبعد أن المسلمين تعرّفوا على التكتّف أمام الملوك خلال فتوحاتهم لبلاد فارس واختلاطهم مع الفرس في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب. (1)

ب- قول (آمين) بعد قراءة سورة الحمد في الصلاة

يقول أهل السنّة في صلاتهم (آمين) بعد الانتهاء من قراءة سورة الحمد، ويرى الشيعة أنّ هذا العمل غير صحيح ولا يعرفون له مستنداً شرعياً، لأنّه من المؤكّد أنّ هذه الكلمة ليست جزءاً من سورة الحمد أو من القرآن، ولايوجد دليلٌ شرعيٌّ مقبول يسوّغ ذلك.

والراوي للحديث الذي يعتمد عليه أهل السنّة في استدلالهم على مش-روعية ذلك هو أبو هريرة (2)، وقد قيل الكثير في شأن رواياته وضعفها وعدم صحّة الاستناد إليها، إذ إنّ ما يرويه لايخلو من تحريفٍ وتلاعبٍ؛ لأنّ مضمون رواياته في أماكن أخرى قد جاء خالياً من الإشارة إلى كون ذلك في حال الصلاة أو بعد الفراغ من سورة الحمد، وكان مقتصراً على قول آمين بعد دعاء الآخرِين. (3)

وهناك دليل آخر وهو قول أحد التابعين: كنت أسمع الأئمّة ابن الزبير ومن بعده يقولون (آمين) ومن خلفهم (آمين) حتى أنّ للمسجد للجة. (4)


1- تهذيب الأحكام، ج2، ص84.
2- كتاب المسند، ص212؛ مسند أحمد، ج2، ص233.
3- مسند أحمد، ج2، ص312.
4- كتاب المسند، الشافعي، ص212. .

ص: 122

لكن من بديهي القول أنّ هذه الرواية لا تدل على أنّ الرسول (ص) كان يفعل ذلك، وأقصى ما تدل عليه أنّ البعض من أمثال ابن الزبير كان يفعل ذلك.

في المقابل، اعتبر أهل البيت (ع) هذا العمل بدعة في الصلاة، وأنّ نسبة هذا الفعل إلى النبي (ص) غير صحيحة. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال لأحد أصحابه: إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت: (الحمد لله ربّ العالمين) ولا تقل: آمين. (1)

يقول القاضي النعمان المغربي (المتوفّى 363ه) حول رأي أهل البيت في هذه المسألة: «وكرهوا صلوات الله عليهم أن يقال بعد فراغ فاتحة الكتاب (آمين) كما تقول العامة. وقال جعفر بن محمّد صلوات الله عليه: «إنّما كانت النصارى تقولها» . (2)

وعند التأمّل في كلام الإمام الصادق (ع) نلاحظ أنّ هذا العمل كالتكتّف، أي أنّه ليس من سنّة النبي (ص) ، بل من نتائج الفتوحات الإسلامية في العقود الأولى من تأريخ الأمّة الإسلامية.

ج- السجود على التربة

من المسائل الفقهية الفرعية الأخرى التي حدث فيها خلاف بين الشيعة والسنّة هي مسألة السجود على التربة (3)، ومن الواضح أنّ المقصود بالتربة هو


1- الكافي، ج3، ص313؛ الاستبصار، ج1، ص318.
2- دعائم الإسلام، ج1، ص16٠؛ نشر دار المعارف، القاهرة، 1383ه.
3- (التربة) قطعة من الحجارة تتخذ من التراب الطاهر وتصنع على شكل قوالب مختلفة، توضع في المساجد والبيوت ليضع المصلّين جباههم عليها أثناء السجود؛ باعتبارها طاهرةً يصح السجود عليها شرعاً. (المترجم) .

ص: 123

التراب لا أكثر، على خلاف ما يتصوّره بعض أهل السنّة من أنّ الشيعة يكنّون قداسة واحتراماً خاصّاً للتربة التي يسجدون عليها في الصلاة، بل يصل الأمر لبعض أهل السنّة أنّهم يتهمون الشيعة بعبادتها!

فالشيعة يسجدون على التربة لا للتربة، والغريب أنّ بعض أهل السنّة يعتقدون بأنّ الشيعة لمّا كانوا يضعون التربة أمامهم عند الصلاة فهم يعبدونها! ولكن لو كان هذا هو التفسير لذلك، فمن غير الممكن أن لا يكون أمام المصلي حال صلاته شيء أو يقف وليس أمامه شيء، فماذا يقولون في هذه الحالات؟ ! وهل نعتبر أهل السنّة حين يضعون جباههم أثناء الصلاة على الفراش أو السجادة أو ما شابه ذلك أنّهم يعبدون هذه الأشياء؟ ! أليس نيّة المصلّي في سجوده هي التي تشخّص طبيعة عبادته؟ !

السجود هو إظهار للعبودية والتذلّل والاستكانة بين يدي ربّ العالمين، ومن المؤكدّ أنّه إذا تمّ هذا العمل على التراب كان أبلغ في الدلالة على إظهار هذه النوايا التي يكنّها العبد المؤمن في نفسه. فالتراب هو مصدر نشأة الإنسان وإليه يعود في آخر المطاف، والسجود عليه تذكيرٌ بهذه الحقيقة.

السجود على التراب قطعاً ليس بش-ركٍ، حيث أصبح من الامور البديهيّة، وإنكاره لايعدو كونه انحرافاً في الفكر ومكابرة وعناد. ومن هنا يرى الشيعة اعتماداً على سنّة النبي (ص) وأحاديث أهل بيته (ع) وسيرة كثير من الصحابة، أنّ السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو ما هو منها، ويرون انّ السجود على المأكولات والملبوسات والسجّادة وما شابه ذلك غير جائز، خلافاً لما يذهب إليه أهل السنة.

ومن الجدير بالذكر أنّ أهل السنّة يرون أنّ السجود على الأرض مستحبٌّ، وأنّ السجود على ما تنبته الأرض جائز، والسجود على الثياب وما

ص: 124

شابهها مكروه. (1)

وعل كل حال فمن المؤكدّ أنّ النبيّ الكريم (ص) وصحابته كانوا يضعون جباههم على التراب إعراباً عن عبوديّتهم لله تعالى، وأمّا وضع الجباه على الفرش الفاخرة وما شابه ذلك، ممّا راج في العصر الراهن، فليس من نهجهم.

ومن أهم الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على هذا الأمر، الحديث المتواتر المرويّ عن رسول الله (ص) : «جُعلت ليَ الأرضُ مَسجداً وطهوراً» . (2)

فطبقاً لهذا الحديث جعل رسول الله (ص) له ولأمّته، الأرضَ محلاً للسجود. وكذلك فإنّ الأخبار التي تحكي لنا فعل الصحابة أثناء صلاتهم من سجودهم في الحرّ الشديد على الحص-ى التي يضعونها في أيديهم حتى تبرد ليتمكّنوا من السجود عليها. (3)لذا، من المؤكدّ أنّ السجود لو كان جائزاً على الثياب وغيرها لما وقعوا بهذا الحرج، وكان يكفي كل واحد منهم أن يضع قطعة من القماش فيسجد عليها، بل يمكنه الاستعاضة عن ذلك بالسجود على عبائته أو طرف عمامته، كما يقرّ بذلك بعض علماء أهل السنّة. (4)

وقد أكد أهل البيت (ع) على مسألة السجود على الأرض، وهذا يعتبر أهم دليل لدى الشيعة على ذلك. وقد رُوي عن هشام بن الحكم مايلي:

«سألت الامام الصادق (ع) عمّا يصح السجود عليه وما لا يصح، فأجابني الإمام (ع) قائلاً: «السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا ما


1- مواهب الجليل، ج2، ص254.
2- مسند الطيالس-ي، ص58؛ صحيح ابن خزيمة، ج1، ص132؛ صحيح ابن حِبّان، ج14، ص3٠8؛ المعجم الكبير، ج7، ص155.
3- المصنّف، ابن أبي شيبة، ج1، ص358؛ سنن أبي داود، ج1، ص1٠٠؛ المستدرك، ج1، ص195؛ السنن الكبرى، ج2، ص1٠5.
4- السنن الكبرى، ج2، ص1٠5. .

ص: 125

أُكل أو لُبس» . فقلت له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال (ع) : «لأنّ السجود هو الخضوع لله عزّ وجل، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله تعالى فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها. والسجود على الأرض أفضل؛ لأنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّ وجل. (1)

وأيضاً يرى الإمام (ع) أنّ السجود على الأرض فريضة وعلى الحصير وما شابه من الأشياء المصنوعة من نبات الأرض، من السنّة. (2)

وكذلك فقد أجاب الإمام الباقر (ع) من سأله عن جواز السجود على القير قائلاً: «لا، ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شيء من الحيوان ولاعلى طعام ولا على شيء من ثمار الأرض ولا على شيء من الرياش» . (3)

ويجدر بنا هنا التعرّض للشبهة التي يطرحها أهل السنّة بخصوص السجود على (التربة الحسينية) .

فنقول: لا شك في أنّ الإمام الحسين (ع) من الشخصيات الإسلامية ذات الشأن العالي وأن قدره عظيمٌ وهو من عترة النبيّ الكريم (ص) ، وقد ثار ضدّ الظلم من أجل الإصلاح في أمّة جده رسول الله (ص) وإحياء لسنّته، وقد استشهد هو وكوكبة من أهل بيته وأصحابه النجباء في أرض كربلاء. وهذا الكلام حول شخصيته وما رافقها من أحداث هامّة، متفّقٌ عليه تقريباً بين جميع الطوائف الإسلامية على اختلاف مشاربها.

واستناداً إلى الأحاديث المرويّة في المصادر الشيعية ومصادر أهل السنّة من


1- علل الشرائع، ج2، ص341؛ من لا يحضره الفقيه، ج1، ص272.
2- الكافي، ج3، ص331.
3- المصدر السابق، ص33٠؛ الاستبصار، ج1، ص331. .

ص: 126

إخبار جبرائيل النبيَّ (ص) بخبر شهادة حفيده الحسين (ع) ، ومن العلائم التي أعطاها جبرائيل للنبي (ص) قبضة من تربة أرض كربلاء، حفظتها أمّ سلمة زوجة النبي (ص) في قارورة.

هذا المضمون قد جاء في مجموعة من الروايات رواها كبار علماء أهل السنّة، فقد رواها كل من أحمد بن حنبل (1)، أبويعلى الموصلي (المتوفّى 3٠7ه) (2)، الطبراني (المتوفّى360ه) (3)، ابن حِبّان (المتوفى 374ه) (4)، الهيثمي (5)، وكثيرون غيرهم.

فالشيعة، وانطلاقاً من هذه الروايات الكثيرة وروايات متواترة أخرى عن أهل البيت (ع) ، يرون في تربة الإمام الحسين (ع) الطاهرة رمزاً للإيمان وروح الجهاد وعنوان الشهادة، ويعتقدون بأنّ لها آثاراً معنوية كثيرة، ولذا يرون أنّ السجود عليها عند الصلاة أمر راجح ومستحسن.

وقد ألّف العلامة الأميني حول هذه المسألة رسالة بعنوان (السجود على التربة الحسينية) ، أجاب فيها على التساؤلات والشبهات المطروحة من قبل بعض عوام أهل السنّة حولها وبشكل علمي رصين.

د- الجمع بين الصلاتين

ومن المسائل الأخرى التي اختلف فيها الشيعة والسنّة، هي مسألة الجمع بين الصلاتين. فالشيعة يجمعون عادة بين صلاتي الظهر والعص-ر، فيصلون


1- مسند أحمد، ج3، ص242.
2- مسند أبي يعلى، ج6، ص13٠.
3- المعجم الأوسط، ج6، ص249؛ المعجم الكبير، ج3، ص 1٠6.
4- صحيح ابن حِبّان، ج15، ص142.
5- مجمع الزوائد، ج9، صص188-19٠. .

ص: 127

الظهر والعصر معاً بشكل متتابع، والمغرب والعشاء كذلك. أمّا أهل السنّة فعادة يفصلون بين الصلاتين ويتجنّبون الجمع بينهما ما أمكنهم.

بدءاً لا بد أن نعرف أنّ هذه المسألة ليست ذات أهمية كبيرة، لأنّ الجمع بين الصلاتين ليس بواجب بناءاً على رأي الشيعة، وليس هو بغير جائزٍ على رأي السنّة.

فالشيعة يقومون بالجمع بين صلاتي الظهر والعص-ر، وصلاتي المغرب والعشاء، حتى من دون عذر اتباعاً لسنّة النبيّ (ص) وامتثالاً للأحاديث الكثيرة الواردة عن أهل البيت (ع) ، على الرغم من أنّهم يرون الفصل بين الصلاتين مشروعاً بل أفضل.

وقد روي في مصادر الشيعة عن الإمام الصادق (ع) قوله: «إنّ رسول الله (ص) كان في السفر يجمع بين المغرب والعشاء والظهر والعص-ر، إنّما يفعل ذلك إذا كان مستعجلاً» . (1)

روي عنه (ع) قوله أيضاً: «صلّى رسول الله (ص) بالناس الظهر والعص-ر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة، وصلّى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علّة في جماعة؛ وإنّما فعل رسول الله (ص) ليتّسع الوقت على أمّته» . (2)

كما رويت أحاديث كثيرة عن أهل البيت (ع) تحكي جواز الجمع بين الصلاتين لا لعلّة ولا لسفر. (3)

أمّا أهل السنّة فيرون أنّه لا مانع من الجمع بين الصلاتين اتباعاً لسنّة


1- وسائل الشيعة، ج4، ص22٠.
2- الكافي، ج3، ص286.
3- وسائل الشيعة، ج4، ص22٠، باب جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر أيضاً. .

ص: 128

النبيّ (ص) ، لكنّهم يؤكّدون عل الاقتصار بأن يكون هذا الجمع بين الصلاتين في السفر أو لعذر، أمّا في غيرهما فيرون التفريق بين الصلاتين.

واستناداً إلى ما جاء في المصادر الروائية عند أهل السنّة فإنّ رسول الله (ص) حين يكون على عجلة في سفره كان يجمع بين الصلاتين. (1)

وكذلك روي عنه (ص) في مصادرهم أنّه في عام تبوك قد جمع بين الصلاتين لا لعلّة أو عذر. (2)

وكذلك روي عن عبدالله بن شقيق أنّه قال: خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وعلق الناس ينادونه: الصلاة. وفى القوم رجلٌ من بني تميم فجعل يقول: الصلاة! الصلاة! قال: فغضب، قال: أتعلّمني بالسنّة؟ ! شهدت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعص-ر والمغرب والعشاء. قال عبدالله فوجدت في نفس-ي من ذلك شيئاً، فلقيت أباهريرة فسألته، فوافقه» . (3)

وهناك روايات أخرى تحكي جمع النبيّ بين الصلاتين في غير السفر ولالعذر، ممّا يجعل هذا الأمر مطابقاً لسنّة النبيّ (ص) . (4)

وعلى هذا، يتبيّن أن هاذين الرأيين في هذه المسألة قريبان جداً من بعضهما البعض، ويمكن أن نوفّق بينهما ونجمعهما، بل يمكن أن يقال إنّه لا خلاف بينهما!


1- المسند، الشافعي، صص26، 48، 387؛ مسند أحمد، ج2، ص8.
2- المسند، الشافعي، ص29؛ سنن الدارمي، ج1، ص356.
3- مسند أحمد، ج1، ص251.
4- المصدر السابق، صص36٠، 434 و ج2، ص56؛ سنن الدارمي، ج1، ص356. .

ص: 129

المصادر

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة، تحقيق محمّد عبده، دار الذخائر، قم، 1412ه. ق.

1. الآحاد والمثاني، ابن أبي عاصم (الضحّاك) ، دارالدراية، 1411ه. ق.

2. أحكام القرآن، أحمد بن علي الجصّاص، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415ه. ق.

3. اختلاف الحديث، محمّد بن إدريس الشافعي، بلا تأريخ طبع.

4. اختيار معرفة الرجال، محمّد بن الحسن الطوسي، مؤسّسة آل البيت (ع) .

5. الإرشاد إلى سبيل الرشاد، المنصور بالله، صنعاء، دار الحكمة اليمانية، 1417ه. ق.

6. الإرشاد، محمّد بن محمد بن نعمان المفيد، بيروت، دار المفيد، 1414ه. ق.

7. الإستبصار، محمّد بن الحسن الطوسي، دارالكتب الإسلامية، 1363ش.

8. الإستذكار، يوسف بن عبدالله بن عبدالبر، بيروت، دارالكتب العلمية، 2٠٠٠م.

9. الاستيعاب، يوسف بن عبدالله بن عبدالبر، بيروت، دار الجيل، 1412ه. ق.

ص: 130

1٠. أصل الشيعة و أصولها، محمّد حسين كاشف الغطاء، مؤسّسة الإمام علي (ع) ، 1415ه. ق.

11. أضواء على السنّة النبويّة، محمود أبو ريه، نشر البطحاء.

12. أضواء على المسيحية، يوسف شلبي متولّي، الدار الكويتية، 1388ه. ق.

13. الإعتصام بالكتاب والسنّة، جعفر السبحاني، قم، مؤسّسة الإمام الصادق (ع) .

14. الاعتقادات، محمّد بن محمد بن نعمان المفيد، بلا تأريخ طبع.

15. الأمالي، محمّد بن الحسن الطوسي، دار الثقافة، 1414ه. ق.

16. الأمالي، محمّد بن علي بن بابويه، قم، مركز الطباعة والنش-ر في مؤسّسة البعثة، 1417ه. ق.

17. الإمام الصادق (ع) علم وعقيدة، رمضان لاوند، بيروت، دار مكتبة الحياة.

18. الإمامة والتبصرة، علي بن بابويه القمّي، قم، مدرسة الإمام المهدي (عج) .

19. الإيضاح، فضل بن شاذان، نشر جامعة طهران، 1363ه. ش.

2٠. الإيمان و الكفر، جعفر السبحاني، بلا تأريخ طبع.

21. بحارالأنوار، محمّد باقر المجلسي، بيروت، دار الرضا، 14٠3ه. ق.

22. بصائر الدرجات، محمّد بن الحسن بن صفّار، منشورات الأعلمي، 14٠4ه. ق.

23. تاريخ ابن خلدون، عبدالرحمن بن خلدون، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

24. تاريخ الإسلام، محمّد بن أحمد الذهبي، بيروت، دار الكتاب العربي، 14٠7ه. ق.

ص: 131

25. تاريخ الأمم و الملوك، محمّد بن جرير الطبري، بيروت، مؤسّسة الأعلمي.

26. التأريخ الكبير محمّد بن إسماعيل البخاري، تركيا، المكتبة الإسلامية.

27. تاريخ مدينة دمشق، علي بن الحسن بن عساكر، بيروت، دارالفكر، 1415ه. ق.

28. تأويل مختلف الحديث، عبدالله بن مسلم بن قتيبة، بيروت، دارالكتب العلمية.

29. تحفة الأحوذي، عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري، بيروت، دارالكتب العلمية، 141٠ه. ق.

3٠. تذكرة الحفّاظ، محمّد بن أحمد الذهبي، بيروت، دار احياء التراث العربي.

31. تذكرة الموضوعات، محمّد طاهر بن علي الفتني، بلا تأريخ طبع.

32. تفسير الثعلبي، الثعلبي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1422ه. ق.

33. تفسير العياشي، محمّد بن مسعود العياشي، المكتبة العلمية الإسلامية.

34. التفسير الكبير، فخرالدين الرازي، بيروت، دارالكتب العلمية، 1421ه. ق.

35. تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر، بيروت، دارالكتب العلمية، 1415ه. ق.

36. التمهيد، يوسف بن عبدالله بن عبدالبر، المغرب، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387ه. ق.

37. تهذيب الأحكام، محمّد بن الحسن الطوسي، دارالكتب الإسلامية، 1365ش.

ص: 132

38. تهذيب الكمال، يوسف المزي، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1413ه. ق.

39. التوحيد و الشرك في القرآن الكريم، جعفر السبحاني، بلا تأريخ طبع.

4٠. التوحيد، محمّد بن علي بن بابويه، جماعة المدرسّين.

41. الثقات، محمد بن حِبّان، مؤسّسة الكتب الثقافية، 1393ه. ق.

42. جامع البيان، محمّد بن جرير الطبري، بيروت، دارالفكر، 1415ه. ق.

43. جامع بيان العلم و فضله، يوسف بن عبدالله بن عبدالبر، بيروت، دارالكتب العلمية، 1398ه. ق.

44. الجرح والتعديل، أبوحاتم الرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1371ه. ق.

45. جزء الحميري، علي بن محمّد الحميري، دار الطحاوي، 1413ه. ق.

46. حديث خيثمة، خيثمة بن سليمان، بيروت، دارالكتاب العربي، 14٠٠ه. ق.

47. خصائص أميرالمؤمنين، أحمد بن شعيب النسائي، طهران، مكتبة نينوى الحديثة.

48. الخصال، محمّد بن علي بن بابويه، تصحيح علي أكبر غفاري، جماعة المدرسّين، 14٠3ه. ق.

49. خلاصة الأقوال، محمّد بن عمرو العقيلي، نشر الفقاهة، 1417ه. ق.

5٠. الدرّ المنثور، جلال الدين السيوطي، جدّة، دارالمعرفة، 1365ه. ق.

51. دستور معالم الحكم، محمد بن سلامة، قم، مكتبة المفيد.

52. دعائم الإسلام، القاضي نعمان المغربي، القاهرة، دارالمعارف، 1383ه. ق.

53. دفع الارتياب عن حديث الباب، علي بن محمّد العلوي، قم، دارالقرآن الكريم.

ص: 133

54. دليل النصّ بخبر الغدير، محمّد بن علي الكراجكي، قم، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث.

55. رجال الطوسي، محمّد بن الحسن الطوسي، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، 1415ه. ق.

56. رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، قم، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، 1416ه. ق.

57. رهيافتي بر علم سياست و جنبش هاي اسلامي معاصر، الفراتي، المركز العالمين للعلوم الإسلاميّة، 1378ه. ش.

58. سنن أبي داود، سليمان بن أشعث أبو داود، بيروت، دارالفكر، 141٠ه. ق.

59. سنن الترمذي، محمّد بن عيسى الترمذي، بيروت، دارالفكر، 14٠3ه. ق.

6٠. سنن الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني، دارالكتب العلمية، 1417ه. ق.

61. سنن الدارمي، عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، دمشق، مطبعة الإعتدال.

62. السنن الكبري، أبو بكر البيهقي، دارالفكر.

63. السنن الكبري، أحمد بن شعيب النسائي، بيروت، دارالفكر، 1348ه. ق.

64. السنن، محمّد بن يزيد بن ماجة، بيروت، دارالفكر.

65. شرح المواقف، علي بن محمّد الجرجاني، مص-ر، مطبعة السعادة، 1325ه. ق.

66. شرح صحيح مسلم، محيي الدين النووي، بيروت، دارالكتاب العربي.

67. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، دار إحياء الكتب العربية.

68. الشيعة في الميزان، محمّد جواد مغنيه، بيروت، دار التعارف، 1399ه. ق.

ص: 134

69. الصحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، بيروت، دارالعلم للملايين، 14٠7ه. ق.

7٠. صحيح ابن حِبّان، محمد بن حِبّان، مؤسّسة الرسالة، 1414ه. ق.

71. صحيح ابن خزيمة، محمّد بن إسحاق بن خزيمه، المكتب الإسلامي، 1412ه. ق.

72. صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج، بيروت، دارالفكر.

73. الصحيح، محمّد بن إسماعيل البخاري، بيروت، دارالفكر.

74. صفات الشيعة، محمّد بن علي بن بابويه، طهران، عابدي.

75. الضعفاء، محمّد بن عمرو العقيلي، بيروت، دارالكتب العلمية، 1418ه. ق.

76. ضعيف سنن الترمذي، محمّد ناصرالدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1411ه. ق.

77. عبدالله بن سبأ، سيد مرتضي العسكري، نشر توحيد، 1413ه. ق.

78. عدم سهو النبيّ (ص) ، محمّد بن محمد بن نعمان المفيد، بيروت، دار المفيد، 1414ه. ق.

79. علل الشرائع، محمّد بن علي بن بابويه، النجف، المكتبة الحيدرية، 1385ه. ق.

8٠. علم الإمام، محمّد حسين المظفّر، بيروت، دار الزهراء، 14٠2ه. ق.

81. عمدة القاري، محمود بن أحمد العيني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

82. عيون أخبار الرضا (ع) ، محمّد بن علي بن بابويه، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 14٠4ه. ق.

ص: 135

83. الغارات، إبراهيم بن محمّد الثقفي، تحقيق سيد جلال الدين حسيني، بلاتأريخ طبع.

84. فتح الباري، أحمد بن علي بن حجر، بيروت، دارالمعرفة.

85. فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي، أحمد بن الصديق المغربي، اصفهان، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين (ع) ، 14٠3ه. ق.

86. الفتنة ووقعة الجمل، سيف بن عمر الضبّي، بيروت، دار النفائس، 1391ه. ق.

87. الفتوحات المكّية، محيي الدين بن عربي، بيروت، دار صادر.

88. الفصول المهمّة في تأليف الأمّة، عبدالحسين شرف الدين، قسم الإعلام الخارجي لمؤسّسة البعثة.

89. فضائل الصحابة، احمد بن حنبل، بيروت، دارالكتب العلمية.

9٠. فضائل الصحابة، أحمد بن شعيب النسائي، بيروت، دارالكتب العلمية.

91. فيض القدير، محمّد عبدالرؤوف المناوي، بيروت، دارالكتب العلمية، 1415ه. ق.

92. قرب الإسناد، عبدالله بن جعفر الحميري، قم، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، 1413ه. ق.

93. قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي، قم، مؤسّسة الهادي، 1418ه. ق.

94. القول المبين عن وجوب مسح الرّجلين، محمّد بن علي الكراجكي، قم، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث.

95. الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، طهران، دارالكتب الإسلامية، 1363ه. ش.

ص: 136

96. كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه، نشر الفقاهة، 1417ه. ق.

97. الكامل، عبدالله بن عدي، بيروت، دارالفكر، 14٠9ه. ق.

98. كتاب السنّة، ابن أبي عاصم (الضحّاك) ، المكتب الإسلامي، 1413ه. ق.

99. كتاب المسند، محمّد بن إدريس الشافعي، بيروت، دارالكتب العلمية.

1٠٠. كشف الارتياب، سيد محسن الأمين، قم، مؤسّسة أنصاريان.

1٠1. كشف الغمّة، ابن ابي الفتوح الأربلي، بيروت، دارالأضواء.

1٠2. كمال الدين و تمام النعمة، محمّد بن علي بن بابويه، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، 14٠5ه. ق.

1٠3. كنز العمّال، المتّقي الهندي، بيروت، مؤسّسة الرسالة.

1٠4. كنز الفوائد، محمّد بن علي الكراجكي، مكتبة المصطفوي، 1369ه. ش.

1٠5. مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 14٠8ه. ق.

1٠6. مجمع البيان، فضل بن الحسن الطبرسي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، 1415ه. ق.

1٠7. مجمع الزوائد، نور الدين الهيثمي، بيروت، دارالكتب العلمية، 14٠8ه. ق.

1٠8. المجموع، محيي الدين النووي، دارالفكر.

1٠9. مجموعه گفتمان هاي مذاهب اسلامي، محمّد تقي فخلعي، نشر المشعر، 1383ه. ش.

11٠. المحاسن، أحمد بن محمّد البرقي، طهران، دارالكتب الإسلامية، 137٠ه. ش.

ص: 137

111. المستدرك على الصحيحين، أبو عبدالله الحاكم النيشابوري، بيروت، دار المعرفة، 14٠6ه. ق.

112. مستدركات علم رجال الحديث، علي نمازي، الناشر ابن المؤلّف، 1415ه. ق.

113. المسترشد، محمد بن جرير الطبري (الإمامي) ، قم، مؤسّسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور.

114. المسلك في أصول الدين، جعفر بن الحسن المحقّق الحلّي، مشهد، مجمع البحوث العلمية، 1421ه. ق.

115. مسند أبي حنيفة، أبو نعيم الإصفهاني، الرياض، مكتبة الكوثر، 1415ه. ق.

116. مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، دارالمأمون، 1412ه. ق.

117. مسند الطيالسي، سليمان بن داود الطيالسي، بيروت، دارالحديث.

118. المسند، احمد بن حنبل، بيروت، دار صادر.

119. مشاهير علماء الأمصار، محمّد بن أحمد الذهبي، دارالوفاء، 1411ه. ق.

12٠. المصنّف، ابن أبي شيبة، بيروت، دارالفكر، 14٠9ه. ق.

121. المصنّف، عبدالرزاق الصنعاني، المجلس العلمي.

122. مع رجال الفكر، السيد مرتض-ى الرضوي، بيروت، الإرشاد، 1418ه. ق.

123. معاني الأخبار، محمّد بن علي بن بابويه، مؤسسة النش-ر الإسلامي، 1379ه. ق.

124. معاني القرآن، أبو جعفر النحّاس، جامعة أمّ القرى، 14٠9ه. ق.

125. المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، دار الحرمين، 1415ه. ق.

ص: 138

126. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد الطبراني، دار إحياء التراث العربي.

127. معرفة الثقات، أحمد بن عبدالله العجلي، المدينة، مكتبة الدار، 14٠5ه. ق.

128. الملل والنحل، محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني، بيروت، دارالمعرفة.

129. مَن لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي بن بابويه، تصحيح علي أكبر غفاري، قم، جماعة المدرسّين.

13٠. مناقب آل أبي طالب، محمّد بن علي بن شهرآشوب، النجف، المطبعة الحيدرية، 1376ه. ق.

131. مناقب أميرالمؤمنين (ع) ، محمد بن سليمان الكوفي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1412ه. ق.

132. المناقب، موفّق الدين الخوارزمي، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1411ه. ق.

133. المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، عبدالعظيم البستوني، المكتبة المكّية، 142٠ه. ق.

134. الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي، قم، مؤسّسة النش-ر الإسلامي.

135. النافع يوم الحش-ر في شرح الباب الحادي عش-ر، المقداد السيوري، بيروت، دار الأضواء، 1417ه. ق.

136. نشأة التشيع، السيد طالب الخرسان، نشر الشريف الرضي، 1412ه. ق.

137. نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين (ع) ، 1377ه. ق.

138. الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، بيروت، مؤسّسة البلاغ، 1411ه. ق.

ص: 139

139. الوافي بالوفيّات، الصفدي، بيروت، دار إحياء التراث، 142٠ه. ق.

14٠. وسائل الشيعة، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، قم، مؤسّسة آل البيت، 1414ه. ق.

141. ينابيع المودّة، سليمان بن إبراهيم القندوزي، دار الأسوة، 1416ه. ق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.