الاسهم النورانيه في القضاء على فكر الوهابيه التكفيريه

اشارة

الأسهم النورانية في القضاء علي فكر الوهابية التكفيرية

نويسنده:ابن الغباشي حسيني، محمد

ناشر:مشعر

محل نشر:تهران

سال نشر:١٣٩١

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

مقدمة

الحمد لله رب العالمين

الحمد لله الذي وظّف العقل في معرفة شريعته بحثاً ووظّفه في تطبيقها عملاً فنحمده سبحانه وتعالى على نعمة الهداية للمعقول الشرعي وعلى نعمة العمل به على الإدراك من باطن النبي (ص) والصلاة والسلام بما يليق بمن جعله الله رحمة للعالمين محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى آل بيته الطيبين المطهرين الذي أمد الله عمر الدنيا من بعده (ص) بغياب دولتهم وإمامتهم ظاهرا وحتى تعود إليهم كعلامة من علامات يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

ثم أما بعد:

فهذا كتاب بسيط نقدّمه إليك أخي الكريم نبين لك فيه حقيقة الوهابية التكفيرية وأنّهم يكفّرون المسلمين لمجرد الخلاف المذهبي وبتكفيرهم بما ثبت عندهم فقط على أنّه معلوم من الدين بالضرورة. ومن استحلّه ممّن خالفهم حتى وإن كان لم يثبت في مصدره أخرجوه بذلك من دائرة الإسلام بمجرد الخلاف المذهبي وهذا تكفير للمسلمين وجهل بطرق الاستدلال ومواطن الخطأ والصواب وكيفية استصدار الأحكام وكذلك كيفية تطبيقها على المعين

ص: 6

بدون مراعاة الشروط وانتفاء الموانع، وكفّروا بذلك المسلمين الشيعة لمجرد الخلاف المذهبي وهذا جهل وضلال وتسرّع في التكفير وعدم الفهم والإدراك في توصيف الأحكام وتطبيقها وكيفية ذلك وعدم مراعاة أن الخلاف المذهبي ما بين السنة والشيعة خلاف على مصادر الشريعة ذاتها فلم يراعوا أنّ من هو معصوم عندهم ربما يكون عدواً للإسلام عند غيره بسبب إختلاف المصدر ووسائل صحة الثبوت واختلافها عند الطرفين وربما يكون على العكس من ذلك وكلّ هذا يراعى في قضية العذر بالتأول أي عذر المسلم المخطئ بما ثبت عنده ولم يثبت عند الآخر وكلّ هذه المسائل تراعى بالعذر للمخطئ المتأول وتكون مانعاً في الحكم بالتكفير ابتداء بسبب اختلاف المصدر باختلاف المذهبية وهذا لأنّ الطرفين مسلمان ويشهدان أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد رسول الله (ص) وهذا في ذاته إثباتاً لحدّ الإسلام الظاهري وتكون الشهادة في هذه الحالة أصلا لا يجوز زواله إلا بأصل مثله وهذا لم يثبت في حال التكفير وهذا الذي خالفته الوهابية ومن على شاكلتها في تكفير المسلمين الشيعة وترتب على ذلك خذلانهم للمسلمين الشيعة أثناء حربهم مع اليهود في لبنان بدعوى أنهم يسبّون أبا بكر وعمر ويكفّرونهم على حدّ زعم الوهابية!

وعصمة أبا بكر وعمر أو تبشيرهم بالجنة أيضا كل ذلك لم يثبت في مصدر الشريعة عند الشيعة فكيف نحكم على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله (ص) بمخالفته لما لم يثبت عنده في مصدره هو ونخرجه بذلك من الإسلام وهو لم يثبت في حقه ذلك بطرق الإثبات الشرعية الصحيحة.

بل لو كان هناك عدل وتسامح ديني مذهبي لتناقشنا في قضية المصدرية

ص: 7

ابتداء قبل الحكم على المعين وقبل تكفير المسلمين لمجرد مخالفتهم للمذهبية.

وهذه هي الطامة بل الفتنة التي تقوم على إشعالها الوهابية وكفّروا المعين أيضا بتكفيرهم للسيد «حسن نصر الله» المجاهد الجليل الذي رفع راية الجهاد ضد اليهود فرفع بذلك معها رأس كل مسلم على مستوى الكرة الأرضية وبدلا من أن تسكت الوهابية وتضع رأسها بين جناحيها وجدناها تخرج علينا بفتاوى العمالة السياسية القطرية والدولية التي تدل دلالة قطعية عند أهل الإيمان والبصيرة على حقيقة الوهابية التي زادت عن حدها في تكفير المسلمين بالظن وبغلبة الظن فخالفت بذلك الشرائع السماوية الصحيحة وخالفت المعقول من الواقع عند العقلاء وخالفت الفطرة السليمة وخالفت نخوة الرجال الفطرية عند كل رجل.

وكذلك قامت الوهابية بتكفير المحبين لأهل بيت النبي «صلى الله عليه وعليهم وسلم» وزوارهم ومن يودّونهم بعد انتقالهم في روضاتهم الشريفة ويتبركون بهم وجعلت كل هذه الأمور من الشرك الأكبر وكفرت المسلمين بالظن وغلبة الظن ودون مراعاة لمعرفة المقاصد ودون مراعاة للتوصيف العلمي الصحيح للوسائل وكفرت بذلك المسلمين وبدّعَتهم.

وهذا نهجها أيضا دائما مع كل من يحب آل بيت رسول الله «صلى الله عليه وعليهم وسلم» كتأصيل سياسي فكري عندهم في نشأتهم الأولى على الحقيقة وأنه بفكر يهودي بُنيت عليه هذه الجماعة السياسية العميلة مع ادعائها لفظا بمحبة آل بيت رسول الله (ص) مع تخبطهم في تعريف آل البيت أصلا فكيف تحب من لا تعرف؟ !

ومن هنا أدركنا زيادة خطرهم على الأمة الإسلامية وتقسيمهم للمسلمين

ص: 8

على أساس مذهبي وتفريقهم وخصوصا في المرحلة القادمة والتي ربما تكون هناك مواجهة أخرى بين المسلمين الشيعة الممثلين في إيران ولبنان وغيرها مع أعداء النبي (ص) من اليهود والنصارى.

فلا بد لنا أن ننتبه إلى الفكر الوهابي التكفيري السياسي الذي ابتدعه أعداء الدين الإسلامي من اليهود والنصارى وقام على نشره وفتح القنوات الإعلامية له المنافقين حتى يحافظوا بذلك على مناصبهم وكراسيهم الزائلة وحتى تتحقق الموازنة عندهم بتطبيق سياسة فرق تسد وحتى يفتحوا بذلك الطريق أمام أصدقائهم من اليهود والنصارى ويقولون في ذلك كما قال سلفهم وكما أخبر عنه رب العزة سبحانه وتعالى على لسان الذين في قلوبهم مرض نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ (1)، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ . (2)

فلننتبه أيها المسلمون إلى خطر الوهابية ومخالفتها بذلك للأزهر الشريف السُنّي المعتدل نسبيا ولنفرق ما بين أهل السنة المعتدلين نسبيا بقولهم أن خلاف السنة والشيعة خلاف مذهبي بسيط كما قال ذلك شيخ الأزهر وأقر بإسلام السنة والشيعة وتناقلت الجرائد والمجلات هذا.

وكذلك قول المفتي بنفس القول وإعلانه له وكذلك بإجازته المشهورة بالتبرك بمقامات الأولياء وأن هذا مشروع وليس من الشرك وما بين أقوال الوهابية وتكفيرهم لمن خالفهم في المذهب وكذلك تكفيرهم لزوار المقامات الشريفة والتبرك بها فلننتبه إلى هذه المعادلات الدينية والتي قد دخلت فيها


1- المائدة: 52.
2- المائدة: 52.

ص: 9

لعبة السياسة وتقديم الدنيا على الدين.

وهذا ما يعلمه جيدا الخاصة عند الوهابية وكبرائهم وربما لا يعلمه جهلتهم ومقلديهم بغير علم.

فلننتبه لكل ذلك ولنقف عنده لأن هذا ستتغير فيه الحسابات إذا قامت الحرب العالمية الثالثة والتي تسمى "هرمجدون" كما هو ثابت في جميع الأديان والتي تعود فيها دولة آل بيت رسول الله (ص) وإمامتهم الظاهرة والباطنة وهذا بعدما يخرج ويظهر الإمام المهدي المنتظر (ع) الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا وربما يكون ذلك في خلال الأيام المقبلة وربما يكون في مواجهة الشيعة الممثلين في إيران ومن معها مع اليهود والأمريكان ومن معهم ومن على شاكلتهم فلننتبه لذلك!

ونود أن نبيّن من هنا أننا ننتظر من الأزهر الشريف و فضيلة شيخه وكذلك من دار الإفتاء وفضيلة المفتي ننتظر منهم الكثير من حيث العدالة العلمية فنحن نعلم قدر ما يحمله هؤلاء العلماء من علوم أهل السنة والجماعة ونعلم كذلك أنهم أصحاب عقول كبيرة بإدراكهم للواقع الإسلامي العالمي المعاصر فننتظر منهم تصحيح الأوضاع أكثر من ذلك والانفتاح الفكري الديني للحوار ما بين المذاهب والحرية الدينية الكاملة كما أدركها علماء الدين الحقيقيين وكذلك ننتظر من الأزهر الشريف بمشايخه الأفاضل وفضيلة المفتي أن يسعى كل هؤلاء حتى تتحقق الحرية الدينية المذهبية وينفتح الحوار المذهبي أكثر من ذلك فقد بذلوا في ذلك ونحن نعلم هذا ولكن هناك المزيد والمزيد حتى تتحقق أقل عدالة دينية وهم يدركون ذلك جيدا ونسأل الله أن يوفقهم ويسدد خطاهم حتى تتحقق الحرية الدينية والحوار المذهبي وبالتالي

ص: 10

يتوحد المسلمون في شتى بقاع الأرض وهذا بالقطع اليقيني وليس بالظن فإن الحق غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ومن هنا نبدأ في الرد على شبهات الوهابية في قضايا التكفير الظني وبيان بُطْلان معتقداتهم الجاهلة الظنية وإقامة الحجة عليهم في ذلك وإثبات الأدلة الشرعية على إسلام الشيعة من خلال الحوار الأصولي العلمي ومن خلال الأدلة الشرعية على زيارة المقامات الشريفة والتبرك بها والفصل في هذا الموضوع ووضع كل ذلك في رسالة مبسطة وفي إيجاز شديد ونسأل الله أن ينفعنا بها وينفع الأمة بها ويرد المسلمين إلى وحدتهم ودينهم الذي ارتضى لهم والذي تركهم عليه رسول الله (ص) وأمرهم بإتباع كتاب ربهم وعترة نبيهم (ص) وحكم بضلال من لم يتمسك بالثقلين ونسأل الله القبول والتوفيق.

* * *

اعلم أخي الكريم؛

إنّ الله عزّ وجلّ قد كتب كلّ الأقدار بما في ذلك نسخ الأقدار بالدعاء قبل أن يوجد الوجود أي من قبل قبل وأخرج الله ذرية آدم (ع) من ظهر أبيهم وأشهدهم على أنفسهم كميثاق للفطرة وتم تحديد أهل الهدى وكذلك أهل الضلال باختيارهم وتخييرهم فالإنسان مخير حين ذاك فأصبح هناك أهل الجنة وكذلك أهل النار وكل ذلك قبل وجود الوجود وكتب في الباطن على ورثة النبي (ص) اسمه وهدايته وكذلك كتب على أهل النار أنهم ورثة إبليس وكتب عليهم اسمه وضلالته. إذا الجنة أعدّت للنبي (ص) أي الذين كتبت هدايته عليهم وكذلك النار أعدّت لإبليس وأهله عليهم لعنة الله أي الذين كتبت ضلالته عليهم.

ص: 11

وكتب القلم بأمر من الله سبحانه وتعالى جميع الأقدار في الوجود وكتب كل ذلك في اللوح المحفوظ وكتب أسماء أهل الجنة وكذلك أهل النار، كل ذلك تم قبل وجود الوجود.

وكتب في اللوح المحفوظ بجميع المقدرات حتى المقدرات المنسوخة بالدعاء والشفاعات كل ذلك تمت كتابته قبل وجود الوجود وتم تحديد موعد ميلاد كل مخلوق ونهاية أجله وما يحيط به من مخلوقات وتم تحديد كل ذلك على أساس حكمة الله حتى تدور أقدار البشر والمخلوقات مع ما يناسب نهايته من حيث السعادة والشقاء وحتى يكون هناك انسجام في كتابة الثواب والعقاب مع ما هو مقدر لكل إنسان من حيث دخوله الجنة أو النار.

وكل ذلك مكتوب ومقدر من كمال علم الله ورحمانيته وحكمة قدرته وعظمته سبحانه وتعالى أي أنه بشهادة الإنسان على التوحيد قبل وجود الوجود كتبت له الجنّة ولكنّه لن يدخل الجنة إلّا إذا جاء في الوجود كموجود وحقق التوحيد الذي اختاره وشهد عليه قبل وجود الوجود حققه بالظاهر بالقول والفعل والاعتقاد ويشهد على نفسه في الوجود ويشهد على غيره وتشهد عليه الخلائق ويأتي عليه الشهداء من الرسل والأنبياء والأولياء وكل ذلك من رحمة الله وحكمته وعلمه وقدرته حتى أنه لا يعذب مخلوق إلا بعد الحجة الثانية عليه بإرسال الرسل في الوجود وكتب كل ذلك في اللوح المحفوظ ووكلت الملائكة بتنفيذ ما كتب في اللوح المحفوظ والخاص بكل مخلوق على حد أو بجميع المقدرات وحتى يحدث الانسجام بين جميع المخلوقات على مدار الأجيال والأزمنة والأمكنة والمخلوقات على مدار القرون والسنين والأشهر والأسابيع والأيام والليالي والساعات والدقائق

ص: 12

والثواني والفينة وما لم نصل إليه ويعلمه الله وحده من وحدات قياس الزمن وكل ذلك يدل على قدرة الله وحكمته وعلمه ورحمته التي وسعت كل شيء صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ . (1)

فالجنة خاصة بالنبي (ص) ومن أحبه وما هو منه حقيقة، والنار خاصة بإبليس ومن أحبه وما هو منه حقيقة أي أنهم حزبين؛ حزب الله وحزب الشيطان أولياء الله وأولياء الشيطان وحزب الله هم الغالبون بإذن الله.

وكتب كل ذلك ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أي أن الإنسان تم تخييره قبل وجود الوجود فهو مخير قبل الوجود ومصير في حياته الدنيا في الوجود هذا على الحقيقة حتى وإن كان مخير بالشريعة تخيير ظاهري فقط وليس على الحقيقة وتنزل الملائكة من عالم الملكوت بالأقدار من اللوح المحفوظ وتقوم بتنفيذه في عالم الملك فكل مهتدي من أهل الجنة مكتوب عليه في باطنه محمدي ومكتوب عليه في ظاهره إمام زمنه ووقته الذي يعيش فيه أي من يؤمه في الهدى وإن كان في زمن النبي محمد (ص) فهو محمدي ظاهرا وباطنا وهو خير من الأمم السابقة إماما كان أو مأموما.

فالمأموم يرى بمنظور إمامه في الباطن فيحب ما يحب ويبغض ما يبغض وهذا بوحدة المنظور والرأي المتفق عليه المؤتلف عليه من قبل وجود الوجود والذي كان سببا في المحبة ما بين الإمام والمأموم فكل مأموم متفق مع إمامه محبا له ذائبا فيه بالتسلسل ما بين الأئمة والمأمومين إلى أن تصل إلى الإمام الأكبر الأعظم المبين سيدنا رسول الله (ص) سيد الأولين والآخرين وَ كُلَّ شَيْءٍ


1- النمل: ٨٨.

ص: 13

أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (1) فكل منه وموصول به وارثا منه تدور بمنظور الكمال والجمال والجلال النبوي الشريف فيرى بفطرته أن الصدق ممدوح والكذب مذموم ويرى الحق حق والباطل باطل على الحقيقة لأنه يرى بما ورثه من رسول الله (ص) من قبل وجود الوجود فيتوحد منظور الكمال والجمال والجلال عند جميع أهل الهدى وكل واحد منهم مبدل برسول الله (ص) بقدر ما ورثه من رسول الله (ص) حتى الذي ورث الشهادتين فقط تدخلانه الجنة.

فإذا ولد أي مهتدي في الوجود في أي زمن من الأزمنة فهو يبدأ في مشوار البحث عن الذات فصور الكمال والجمال والجلال الموجودة في باطنه والتي وضعها فيه إمامه من قبل وجود الوجود هي ضالته التي يبحث عنها في الوجود بعد وجوده أي أنه يبحث عن ذاته وما يتفق معها من منظور وتصور ورؤية وحال فلا يجد الكمال والجمال والجلال الذي فيه بالمنظور إلا في إمامة إمامه الذي يشاركه الوجود والزمن فيرى كماله في كماله ويرى جماله في جماله ويرى جلاله في جلاله فيتوحد المنظور بالجذب والحب والإتباع ويوافق كل ذلك التوفيق الإلهي الملكوتي للأقدار التي تقطع بالتوفيق في هذا الحب والإتباع الذي هو في الأصل والحقيقة حب وإتباع لسيد الأولين والآخرين (ص) ويسعى في تحقيق ذلك أيضا عالم الملكوت العلوي الذي يعمل بمراد الله وقدرته لتحقيق مراد الله في رسول الله (ص) ويتم توفيق العبد بدخول الجنة إِنَّ اللهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (2) أي أن الملائكة الموكلة بالإنسان تعمل على تحقيق أقداره التي تؤدي


1- يس: 12.
2- الاحزاب: 56.

ص: 14

إلى ما كتب عليه.

فالحب من قبل وجود الوجود هو الذي يصل الإمام بالمأموم ويؤدي إلى الإلتقاء والمعرفة والإتباع والتوحد في أثناء الوجود وفي الزمن الواحد ويكون سببا في الجمع ما بين الإمام والمأموم في دار الخلود « عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي» ، « اعرف الحق تعرف أهله» ، يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ (1) فأهل الهدى يرون الحق حق بمنظور واحد فيحبونه وينصرونه ويتبعونه ويعملون على إقامته وكذلك يرون الباطل باطل فيبغضونه ويحاولون القضاء عليه وعلى أتباعه وهذا بما ورثوه من توحد في منظور الحق والباطل وعلى قدر هداية كل منهم وبقدر نصيبه من الهدى والكمال والجمال والجلال من النبي (ص) قبل وجود الوجود في زمن التخيير واختيار الهدى في عالم الذر أي وقت ميثاق الفطرة وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ (2)، وَ ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . (3)

فمثلا إذا ولد إنسان من أهل الهدى نزل إليه ملك السعادة وكان من السعداء فيبدأ بالبحث عن ذاته وصورته في غيره أي يبحث عن إمامه الذي يتفق مع ما بداخله فيُبسط للحق ويُقبض عن الباطل أي أنه يميز بميثاق الفطرة أي يبسطه ملك السعادة للهدى ويقبضه عن الباطل ويكون هذا هو مصدر التمييز الأول عند المهتدي.

ثم يدخل على المرحلة الثانية وهي رؤية الكمال والجمال والجلال وتمييزه في

شريعة إمامه ويتذوق كل ذلك فيستقيم بالشريعة ويكتمل إدراك عقله


1- الاسراء: ٧1.
2- الحجرات: ٧.
3- الأنفال: 33.

ص: 15

للشريعة وتتنزل عليه ملكوتيات الإستقامة بالشريعة فيرتقي العبد وقلبه بمعرفة الكمال والجمال والجلال الشرعي أي بالشريعة فيرى الحق بالشريعة ويرى الباطل بالشريعة أيضا وهذا هو التميز الأرقى الثاني لمعرفة الكمال والجمال والجلال.

أما المرحلة الثالثة لمعرفة وتمييز الكمال والجمال والجلال فهي تكون عن طريق الحديث الروحاني الملكوتي الباطني باستفتاء القلب وتجلياته وبصيرته بإدراك بواطن الشريعة أي الحقيقة والفناء والإستغراق والتوحد مع حكمة الوجود وحقيقة كل موجود والإطلاع على ملكوتيات اللوح وكشف المغيبات والتداخل بخوارق العادات والإتصال بعالم الغيب كشفا وتصريفا بإذن الله سبحانه وبقدرته.

ثم بعد ذلك المرحلة الرابعة والأخيرة لمعرفة وتمييز الكمال والجمال والجلال الحقيقي النبوي بالإتصال والتلقي في الباطن بلغة الباطن الملكوتي النوراني برسول الله (ص) وبداية التكليف النبوي للعبد بعلوم الميراث النبوي في الباطن أي التكليف التوكيلي لتأدية مراد الله في رسول الله (ص) . أي التكليف بمهام النبي (ص) في الملك والملكوت في عالم الغيب والشهادة.

وهذه المراحل الأربعة قسمين فالمرحلة الأولى والثانية تكون ولاية اجتهادية محجوب الولي فيها حتى عن إدراك ولا يته أما المرحلة الثالثة والرابعة فهي ولاية ميسرة مبصرة فالولي فيها مبصر ومثبت بتولي الله ويدرك حقيقة وصله وهذه الأربعة مقامات يدرج فيما بينها مقامات تفصيلية كثيرة جدا.

ص: 16

ص: 17

شبهات الوهابية في زيارة المقامات

اشارة

ونقول والله المستعان بعدما أثبتنا بالأدلة القطعية وليست الظنية زيارة المقامات الشريفة بالأدلة من منظور أهل السنة والجماعة كأصل مشروعية هذه الزيارات الشريفة المباركة ومن خالف هذا الأصل فعليه بالدليل لأن هذا هو الذي تواترت عليه الأمة سنة وشيعة منذ انتقال رسوله (ص) وحتى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولن تجد بعد ذلك إلا بعض الشبه الظنية الملفقة التي ابتدعها المحرومين من صلة رحم سيدنا محمد (ص) ومودة قرباه والتواجد في الروضات الشريفة من الجنة وبركة العطاء والمدد النوراني الموجود في أصحاب المقامات الشريفة والأولياء بعد انتقالهم في مقاماتهم الشريفة وامتداد ولايتهم وبركاتهم وعطائهم نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ (1) وهذه الشبه على سبيل الحصر لا المثال:

١. حديث لا يشد الرحال إلا لثلاث. . .

وكما قلنا سابقا أن هذا في المساجد وفي تساوي الفضل بينها عدا الثلاثة مساجد التي يتضاعف أجر الصلاة فيها وهذا الموضوع ليست له علاقة


1- فصّلت: 31.

ص: 18

بزيارة المقامات والقبور ولكنه التلفيق والتلبيس على الخلق. . هذا أولا.

وثانياً: أن هذا الحديث حجة لنا بالقياس وليست علينا لأنه إذا جاز شد الرحال للأفضل من المساجد على المفضول كذلك بالقياس يشد الرحال من المفضول من البشر لمن هو أفضل منه كالأولياء المقطوع بولاياتهم أحياءً أو بعد انتقالهم في مقاماتهم الشريفة لأن الولاية ممتدة فيهم بعد انتقالهم نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ . (1)

٢. حديث لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

وكما قلنا سابقا أن المقصد في الحديث لعن اليهود والنصارى لأنهم سجدوا لأنبيائهم أنفسهم ولم يسجدوا لله على اعتبار أن عيسى (ع) عندهم ابن الله وكذلك العزير (ع) عند اليهود فسجدوا لهم أي عبدوهم من دون الله فلم يقر ذلك رسول الله (ص) بل قال بالحقيقة أنهم أنبيائهم ولذلك لعنهم بكفرهم وهذه هي الحقيقة فهناك فرق ما بين من صلى إلى القبر كعبادة لصاحب القبر وبين من سجد لله وحده لا شريك له وبينه وبين القبر حائل ففرق ما بين هذا وذاك.

ولكنه التلفيق والتلبيس على خلق الله حتى أقوال العلماء عند أهل السنة التي تحرم الصلاة إلى قبر تقصد بذلك عامة القبور وليس خاصتها أي مقامات الأولياء على اعتبار نجاسة البقايا الآدمية المحللة من الدم وغيره و فضلات الطعام والأمعاء عند العامة لأن هذه هي علة الحرمة أما أجساد

الأنبياء والرسل والأولياء فهي مباركة طاهرة مطهرة.


1- فصّلت: 31.

ص: 19

والعلة عندهم في التحريم الاطمئنان في السجود لطهارة الأرض والمكان وهذا اجتهاد لكل منهم ولكننا إذا صلينا في مقام فإننا نصلي وهناك حائل بيننا وبين المقام بمسافة السجود.

أما بالنسبة للحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما:

« لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد» . (1)

وروى أبو داود وابن ماجة والترمذي:

« الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» . (2)

وأخرج أحمد والحميدي وابن سعد في الطبقات وابن عبد البر والحديث حسن:

« اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد» . (3)

فهذا الحديث شرحه مرتبط بفهمنا اللغوي وما تتحمله اللغة من معاني فإذا أدركنا معنى كلمة اتخذوا وكذلك كلمة مسجد أو مساجد وكذلك الجمع ما بين الروايات حتى تفسر الروايات بعضها بعض ولا يكون هناك تضارب ولا إبهام وسنشرح هذا الكلام بالتفصيل إن شاء الله.

فنقول والله المستعان.

إن كلمة اتخذوا بعد جمعنا للروايات أنها تعني التوجه وارتباط النية والمقصد بها أو بالمقبور الذي فيها فالمعنى الأول الأصلي الذي يفهم من ظاهر اللغة أي عبادة من فيها وقصد السجود للأنبياء المقبورين فيها والصالحين

بقصد عبادتهم وهذا شرك أكبر وهذا هو المقصد الرئيسي في روايات الحديث وهذا هو المعنى الحقيقي للحديث والذي يأخذ من ظاهره أي أن مقصد اتخاذ


1- صحيح البخاري، ج 2، ص ٩1؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 6٧؛ مسند احمد، ج 6، ص 34.
2- سنن الترمذي، ج 1، ص 1٩٩؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 246؛ سنن ابي داود، ج 1، ص 11٩.
3- مسند احمد، ج2، ص246؛ مسند الحميدي، ج 2، ص 445؛ التمهيد، ج5، ص 43؛ الطبقات الكبرى، ج 2، ص 242.

ص: 20

القبور أي قصدها بالعبادة وهذا هو التفسير الصحيح والحقيقي لهذه الروايات والقرائن في الروايات تؤكد هذا المعنى.

مثل رواية أحمد التي يدعوا فيها النبي بألا يكون قبره وثنا يُعبد ثم أنكر عبادة أقوام لقبور أنبياءهم وجعلها أوثانا بقوله

« اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد» ثم أنكر ذلك على أقوام بقوله في بقية الحديث

« لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد» أي أن المعنى عبادة المقبورين وأن المقصود من النهي الوثنية وعبادة المقبورين باتخاذ قبورهم أوثانا يسجد لها بنية عبادة المقبورين فيها.

وهذا شرح صحيح صريح مفسر على ضوء تفسير الروايات لبعضها أي أن علة النهي الوحيدة الصريحة التي فهمت من تفسير الروايات لبعضها هي قضية الوثنية وعبادة الأوثان والسجود للقبور أي بمقصد السجود للمقبورين أو للقبر بمقصد وثني وهذا هو علة النهي ولا تفسير للحديث بأكثر من ذلك ولا يحكم بتفسير رواية واحدة دون الرجوع لروايات هذا الباب كاملة حتى تفسر بعضها بعض ونصل إلى المعنى الحقيقي ولا نتوهم بظاهر رواية دون تفسير بقية الروايات والجمع بينها حتى يتجلى المقصد من الحديث وروايته.

وقد اتضح لنا الآن المقصد الحقيقي من هذا الحديث والنهي عن تقديس وتعظيم الأنبياء والصالحين حتى يصل الأمر للشرك والسجود لهم ولا يكون أيضا بأن نتشبه بهم بعبادة الأوثان أي أن وجه المشابهة باشتراك فعل الشرك

ما بين المشبه والمشبه به وهذا هو موضوع الحديث ولا تتحمل الرواية أكثر من ذلك ولا نزيد ولا ننقص على ذلك.

وهذا ظاهر جدا من كلمة اتخذوا أي أن لهم مقصد شركي في القبر

ص: 21

والمقبور الذي فيه وهذا نهي عن الشرك والوثنية والقرينة الأخرى على ذلك لعن اليهود والنصارى واللعن إذا أطلق منفرد يقصد به في اللغة الطرد من رحمة الله أي الخروج من دائرة الإسلام والتوحيد. إذ الإنكار هنا إنكار صريح للوثنية والشرك الأكبر.

وهذا أمر صريح واضح من تفسير روايات الحديث والجمع بينها والدليل الآخر من الروايات أن حقيقة لعن اليهود والنصارى هي عبادة الأنبياء والصالحين وعبادتهم على أنهم أبناء الله وبالتالي كانوا يسجدون لهم في قبورهم واتخاذها مساجد يُسْجَد فيها للأنبياء والصالحين في قبورهم وهذه كلها قرائن صريحة واضحة على أن الإنكار النبوي والنهي مقصده النهي عن الشرك والوثنية وعبادة المقبورين من الأنبياء والصالحين واتخاذ أي بمقصد السجود لهم كعبادة ووثنية وذلك باتخاذ القبور مساجد أي معناه السجود أمام القبر وجعله مسجد أي موطن سجود متوجه له بمقصد عبادة المقبور والسجود للمقبور وجميع قرائن الحديث تؤكد ذلك ولا معنى حقيقي لكلمة اتخاذ إلا هذا المعنى أي بمقصد ونية مقترنة بالقبر أي بعبادة المقبور والسجود له وبمقصد ذلك ولا تفسير لروايات الحديث غير هذا المعنى ولا دليل ولاقرينة عند أحد في تفسيره للحديث غير هذا التفسير فتفسيرنا هو التفسير الوحيد والصحيح ولا يزيد التفسير عن هذا الحد أبدا ولا معنى لهذا الحديث إلا بما بيناه وفسرناه بالجمع بين روايات الحديث وبالقرائن القطعية على هذا

المعنى.

ولم يبق أمامنا الآن إلا الرد على بعض التفسيرات الباطلة لبعض المفسرين ورد اجتهاداتهم الباطلة وذلك بالقرائن القطعية من روايات الحديث وبالجمع بين الروايات بالتفسير فلن تجد للحديث تفسير صحيح حقيقي

ص: 22

موحد إلا ما قلناه فيه وإليك شُبَه بعض المفسرين والرد عليها.

منهم من قال النهي يشمل بناء مسجد على القبر قلنا هذا كلام صحيح ومقبول ولكن بشرط أن يكون المقصد عبادة المقبور والسجود له وبناء المكان كمسجد بمعنى إقامة بناء كبير على القبر وحوله حتى يتسع المكان لعدد كبير حتى يسجدوا للقبر بقصد التوجه والسجود للقبر والمقصد عبادة المقبور فهذا البناء منهي عنه أيضا بظاهر الحديث بشرط أن يتطابق المقصد من بناء المسجد مقاصد اليهود والنصارى بالبناء من أجل الوثنية وعبادة المقبورين فهذا ينهى عنه الحديث كمظهر للمشابهة باليهود والنصارى بالسجود للأنبياء والأولياء كعبادة ووثنية.

أما إذا لم يتحقق شرط مطابقة المقصد الشركي أو عدم معرفته أو التحويل بمقصد آخر غير شركي فكل ذلك لا يدخل في عموم النهي فمثلا لو هناك مقام نبي أو ولي وهو مزار للمسلمين الموحدين فهل إذا أقمنا منفعة أخرى وبنينا مسجدا حتى يتسنى للزائر أن يصلي لله وحده لا شريك له من أجل إقامة الفروض الخمسة وتيسير على الزائر بوجود مسجد لله وليس هناك مقصد أن يعبد فيه مع الله أحد فهذا أمر ممدوح لأنه تحقق من خلاله مصالح كثيرة ومنافع متعددة في آن واحد وهذا المسجد مبني على التقوى أي من أجل عبادة الله وحده لا شريك له وتأدية فروضه وليس هناك مقصد شركي فهذا

البناء لا يدخل في النهي ولا يدرج في عمومه ولا يقاس هذا على ذاك لأن العلة ليست مشتركة فالمقصد الشركي لليهود والنصارى وعند من يقاس عليهم وينطبق عليهم المقصد الشركي لا تنطبق على مقصد التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له وتأدية فروضه فهذا لا يدخل في النهي فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

ص: 23

فكفى تلبيس على الناس في الأحكام وتحريم الحلال وتحليل الحرام بالطرق الملتوية وبالجهل والخطأ دون إدراك صحيح!

أما إذا بني المسجد من أجل السجود للقبر أي عبادته والسجود له أو المقبور الذي فيه فهذا اتخاذ للقبور مساجد لأن المقصد الشركي متطابق مع علة النهي في الحديث فهذا يدخل في عموم النهي لاتفاق علة السجود بقصد العبادة لغير الله فيكون الواقع متطابق مع لعن اليهود والنصارى ووثنيتهم.

أما من أدخل في ذلك المسجد الذي يعبد الله وحده لا شريك له فيه في هذا النهي فهذا كلام فاسد لا دليل عليه ولا قرينة صحيحة على معناه وذلك لأن المسجد له قبلته الشرعية يتوجه إليها الموحد في صلاته ولم يتوجه بقبلته ومقصده الشركي ولم يتعلق بالقبر بقلبه ولم يكن القبر قبلته ولم يكن القبر والمقبور معلق بمقصده ونيته وتوجهه فهذا كله لم يتحقق وبذلك لم يتخذ القبر مسجدا له لأن الاتخاذ أي التوجه بالمقصد الشركي الكفري الوثني ولا توجه بتغيير قبلته كعبادة إلى القبر كعبادة شركية وتوجه شيطاني كل هذا لم يتحقق فيكون هذا أمر آخر لا يتطابق مع واقع الرواية و علة النهي في الحديث فلا يطبق أحكامه عليه أبدا لأن الموحد في المسجد قبلته إلى بيت الله الحرام وليست وجهته القبر باتخاذ وتوجه ومقصد وكذلك الموحد قلبه معلق

بعبادة الله وحده لا شريك له وهذا السبب الحقيقي والمقصد من بناء هذا المسجد لتأدية الفروض الخمسة وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (1) ولم يكن المقصد من هذا البناء السجود كعبادة للقبر والمقبور وقصده بالعبادة فهذا هو المنهي عنه في الحديث فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !


1- الجنّ: 1٨.

ص: 24

إذا وبوضوح لا يجوز لإنسان أن يحكم على إنسان باتخاذه القبور مساجد إلا بمعرفة مقصده أولا والتأكد أن نيته ومقصده التوجه إلى القبر بمقصد العبادة والسجود للمقبور أو للقبر أي بتحقيق معنى الاتخاذ أي بمعرفة المقصد فإن لم يعرف المقصد وكان مبهما أو إذا انتفى المقصد الشركي فلا يجوز الحكم عليه أو على المسجد الذي بناه إلا إذا علمنا المقصد الشركي الوثني حتى يتحقق معنى الاتخاذ للقبور مساجد ويكون الواقع داخل في عموم النهي ومطابق له والعلة واحدة وفي هذا الكلام الرد القطعي على من حرم بناء المساجد الإسلامية على قبور الأنبياء والأولياء واستدل بهذه الروايات على ذلك.

فهذا كله استدلال باطل وغير مقبول وأحكام باطلة غير مطابقة لواقع الحديث وعلة النهي فيه حتى إذا كان بالقياس فإنه قياس فاسد لأن علة التحريم مختلفة وهناك فرق ما بين المسجد الذي يعبد فيه الله وحده وتؤدي فيه الفروض الخمسة والنوافل والقبلة فيه إلى بيت الله الحرام ففرق بين هذا المسجد وما بين المسجد الشركي الذي يبنى من أجل الوثنية وعبادة القبر والمقبور من الأنبياء والصالحين.

فالمسجد الأول مسجد أسس على التقوى والمسجد الآخر مسجد ضرار

وفرق ما بين المسجدين ولا يقاس هذا على ذاك.

ونزيد الأمر وضوحا وتوضيحا شرعيا أن المسجد الذي بنى على قبر فهو على الحقيقة مجاورة مكانية لأن مواطن السجود لله تتم حول القبر تجاه القبلة ولم يصل فوق القبر أبدا وهذا أمر آخر فلا حرمة لمكانية السجود حول القبر الواحد ولا دليل لأحد على ذلك بل ثبت الدليل على غير ذلك بصلاة النبي (ص) بجوار قبرين أو ثلاث كما سيأتي إن شاء الله في هذا الكتاب أي تحريم

ص: 25

السجود للمقبور على القبر أي فوق القبر باتخاذه مسجدا أي بمعنى السجود فوق القبر نفسه أي على سطح القبر وفوقه وهذا أيضا يدخل في عموم النهي عن اتخاذ القبور مساجد أي السجود فوق القبر هذا ولكن بشرط أيضا أن يقصد السجود للقبر أو للمقبور أي أن الاتخاذ يشمل السجود للقبر أو المقبور إما أمام القبر باتجاهه أو فوقه على حد سواء المهم أن يتحقق المقصد الشركي الوثني بعبادة القبر والمقبور فإن لم يتحقق ذلك فلا يتحقق النهي والحكم به إلا بتحقيق المقصد الشركي الوثني حتى يتحقق معنى الاتخاذ الوثني الشركي والتأكد من معرفة المقصد الدال على ذلك فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وكذلك يدخل في النهي في معنى الاتخاذ المنهي عنه أن يتخذ القبر مسجد أي بمعنى قبلة يقصد بها تعظيم المقبور وعبادته الشركية أو السجود له. هذا كله يدخل في معنى الاتخاذ أي قصدها وتوجه النية لها أو أن النية مقترنة بها بقصد العبادة.

أما إذا بنينا مسجدا بجوار القبر حتى يكون منفعة لزوار القبر يعبدون الله فيه وحده لا شريك له وذلك أثناء زيارتهم للقبر الموجود للنبي أو الولي فهذا لا حرمة فيه أبدا ولا يدخل في مسمى الاتخاذ المنهي عنه في الأحاديث بل هذه

منفعة عامة إسلامية مشروعة لخدمة تجمع مسلمين في مقام نبي أو ولي ولكن المقصد هوالله وحده لا شريك له فيه. فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وما قلناه وفسرناه كان من خلال قرينة واحدة ولفظ واحد وهو \ اتخذوا.

وإليك أخي الكريم قرينة أخرى ولفظ آخر يثبت ما قلناه وسنشرحه هنا بإذن الله ونجيب على بعض الشبهات ونوضح ونؤكد فهمنا للحديث على ضوء حقيقته كما أراده النبي (ص) في هذه الروايات وهو لفظ «مساجد» . أن

ص: 26

لفظ مسجد يقصد به في عمومه مكان السجود الذي يسجد فيه الفرد أو المكان المعد والمهيأ لسجود أكثر من فرد كعبادة فإن كان هذا المكان أو موطن السجود أو مقصد السجود يعبد فيه غير الله سبحانه وتعالى فهذا منهي عنه كشرك بالله أي أن المقصد المحرم هو الشرك بالله وهو المنهي عنه ولذلك ثبت عند أهل السنة والجماعة وعند الوهابية أن بعض الصحابة وكثير من المسلمين صلوا داخل أرض كنيسة وأجازوا ذلك ومعلوم أن الكنيسة تسمى مسجد ولكن يعبد فيها غير الله إذا المنهي عنه في هذه الأحاديث هو عبادة غير الله أما بالنسبة للسجود لله وحده فهذا يرجع لشروط طهارة المكان الشرعية التي هي شروط لصحة الصلاة.

فإذا عرفت ذلك عرفت باليقين أن لفظ مساجد في الحديث لا يقصد به موطن السجود والمكان بل يقصد من النهي السجود الشركي الوثني أي أن لفظ مساجد في الحديث يقصد به السجود الوثني الشركي والمقصد الشركي فيه ولا يقصد به دار العبادة أو البناء الذي يجتمع فيه الناس للسجود إلا أن يكون السجود الوثني بمقصده الشركي للقبر أو المقبور أي أن المقصد هو علة النهي وهو الموصوف بمعنى مساجد أي يسجد فيها لغير الله أي النهي

يقصد به نية السجود ومقصد السجود ولا يقصد به مكان السجود وهذا هو المعنى الظاهر من الحديث ومن قرائن الحديث نفسه ولا يقصد به المسجد بمعنى البناء.

وهناك دليل آخر يدل على أن هذا الكلام هو الصحيح وأن لفظ المسجد يقصد به السجود وليس المسجد بمعنى البناء الشرعي وهذا من ظاهر الحديث الذي رواه أبو داود وغيره

« الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» فهل كلمة مسجد في هذا الحديث يقصد بها البناء الذي يحيط بالأرض كلها؟ !

ص: 27

هذا كلام لا يقول به عاقل أبدا ولا يعقل في تصوره بل أن المقصد الحقيقي للحديث أنه يجوز السجود فوق الأرض ولا مانع من السجود في أي مكان فيها إلا ما استثناه النص.

ومعنى مسجد هنا أي السجود وهذا نفسه وعينه المقصد الموجود في حديثنا والذي أقر هذا السجود بمقصد شركي وثني للقبر والمقبور باتخاذه وجهة وعبادة وثنية شركية وهذا علة النهي في الحديث وهذا ما يقول به أهل الفهم والعقلاء فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وحتى إذا افترضنا جدلا أن المعنى مسجد بمعنى بناء فقد أجبنا على ذلك أيضا بأن النهي عن بناء المساجد أي المساجد الشركية الوثنية التي يقصد بها القبر والمقبور بالعبادة الشركية الوثنية فهذا هو المنهي عنه لأنه عبادة لغير الله وهذه الأحكام تعود إلى معرفة المقصد من السجود أو المقصد من البناء فإذا علم في الحالتين أن المقصد وثني شركي معلقة النية فيه.

والمقصد باتخاذ القبور مساجد أي بعبادة القبر والمقبور أو السجود لهما أو لأحدهما فهذا هو المنهي عنه والمقصود من النهي في الحديث. وعلى هذا

المعنى نفهم الأحاديث فالحديث الذي رواه مسلم ويقول

« لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» (1) أي لا تصلوا كعبادة شركية وثنية تقصدون فيها عبادة القبر والمقبور الوثنية أي الصلاة إليها وعبادتها بذلك أي لا يكون لمقصدكم ونيتكم في الصلاة أيّ علاقة بالقبور والتوجه إليها بالعبادة وهذا هو المعنى الظاهر الصريح في حرف الجر «إلى» أي بالتوجه إليها بالمقصد والنية الشركية في العبادة.


1- صحيح مسلم، ج 3، ص 62.

ص: 28

وأما بالنسبة لرواية عائشة عن أم حبيبة وأم سلمة في رواية البخاري

« إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (1)كان الكلام عن كنيسة بالحبشة فيها تصاوير ومعلوم أنهم كانوا يعبدون الأنبياء والصالحين وهذه وثنية وهذا ما أنكرتاه أمنا أم حبيبة وأم سلمة وذكرتاه للنبي (ص) .

ويحتمل أن يكون الإنكار على التصاوير فقط فإن المصورين والوثنيين شرار الناس وملعونين بذلك والمعنى أن بنائهم المسجد أي لغير الله سبحانه وتعالى ولو كان غير ذلك فالمقصد أن النهي يقع على التصوير ووضع التصاوير ويكون الذم على ذلك وإن كان الذم على المقصد الشركي ومقصد البناء من أجل السجود لغير الله أو للوثنيين الممثل في التصاوير فيكون الذم على الأمرين معا ولو كان الذم على أحدهما دون الآخر مع الإخبار عن تفصيله لكفى ذلك ولكن الذم للأمرين أولى.

وهذا دليل واضح من الرواية على ما نقول ولا دليل فيها لمن خالفنا ولا

تعارض وبالجمع بين الروايات يتضح بذلك حقيقة الاتخاذ المنهي عنه في الحديث كما بيناه سابقا وفسرناه فإن الروايات يفسر بعضها بعضا فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

أما بالنسبة لقوله (ص)

« لا تتخذوا قبري عيدا» (2) أي لا تجعلوا موطن القبر مظهر من الاحتفال بالعيد كالإنشاد الجماعي وعلو الصوت عند القبر وضرب الدف وارتفاع الأصوات وكل مظاهر العيد والاحتفال كل هذا محرم


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 111.
2- مسند احمد، ج 2، ص 36٧.

ص: 29

بهذا النص بل المشروع التأدب عند أهل الله والتأدب معهم فلا يرفع الصوت عندهم أحياء وفي مقاماتهم فإن أماكنهم أماكن روضات شريفة محط الملائكة ونزول الرحمات والسكينة وهي مواطن استشفاعات وتوسلات ودعاء الله وذكره فلا يجوز فيها أي في مقامات الأنبياء والأولياء لا يجوز أن تتخذ عيدا ومظهرا له حتى يتسنى للذاكرين الذكر والدعاء وتأدية الزيارة وهذا هو معنى النهي في الحديث فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وكذلك قوله (ص)

« ولا تجعلوا بيوتكم قبورا» (1) أي لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي بموتكم عن ذكر الله أو عدم انتفاعكم من الذكر فيها والعبادات كأنكم أموات وهي قبور لكم وقد انقطع العمل عن الذكر فيها وهذا كله تشبيه لأن البيوت لم ينهى عن الدفن فيها وقد دفن رسول الله (ص) في بيته وهذا لا مانع منه وهو مشروع وخبره متواتر إذا ليس هذا هو المقصد بل إن المقصد التشبيه والكناية أي أنها محط انقطاع الأعمال الشرعية فالمعنى لا تنقطعوا في بيوتكم عن العبادات فتكونوا أنتم كأهل القبور وتكون بيوتكم مقابر بالنسبة لكم

أنتم وليس المقصود غيركم فهذا تشبيه وكناية ولا يؤخذ منه حكم قطعي وليس ظني لأنه مجرد تشبيه ولا تبنى الأحكام الشرعية على الظن أي بهجرها من الذكر بالنسبة لمن يسكنون القبور وهذا بالنسبة للعامة.

أما الأنبياء والأولياء فلهم خصوصية مثل الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني

« الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» وهذا التشبيه يقصد به التشبيه بحياة البرزخ أي باطن القبور ولا يقصد به ظاهرها وحالها من الخارج وهذا المقصد في التشبيه هو انقطاع الأعمال عن العبادة وانتهاء التعبد


1- مسند احمد، ج 2، ص 36٧.

ص: 30

والذكر في القبر وهذا هو المعنى والمقصد وليس له علاقة أبدا بالنهي عن الذكر في المقابر بالنسبة للأحياء أو ما شابه ذلك من الاجتهادات الفاسدة والتأويلات البعيدة التي لا يتحملها النص.

وهذا النص يحض على ذكر الله وإقامة العبادات والذكر وقراءة القرآن في البيوت بالنسبة لسكانها كالقبور بالنسبة لسكانها ولأهلها من داخلها وانقطاع الأعمال عن الذكر كتشبيه في الحديث لتحقيق هذا المقصد وليس في هذا الحديث دليل قطعي أبدا منطوق أو حتى مفهوم صحيح يقول بحرمة الذكر وقراءة القرآن وجميع العبادات في المقابر إلا ما استثناه النص من نصوص أخرى في غير هذا الموطن وبنصوص غير هذا النص تتكلم عن التحريم والمنع إلا ما خصه الدليل كحديث

« الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» (1) وسيأتي شرح ذلك والتعليق عليه وحد المنع وعلة المنع والجائز منه والممنوع فهل فهمت الوهابية ومن على شاكلتها هذا الدرس؟ !

وكذلك في رواية البخاري

« اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا» (2) أي اجعلوا من صلاتكم وذكركم وقراءتكم القرآن ومن كل صور التعبد لأن الصلاة تشمل كل هذه العبادات اجعلوا بعضها في بيوتكم غير التي تؤدونها في المساجد فاجعلوا لبيوتكم نصيبا من ذلك ولا تجعلوها مثل القبور التي ينقطع أعمال سكانها من داخلها وليس من خارجها ويقف عندها التكليف بالذكر والصلاة إلا ما خصه النص من ذلك كالأنبياء والأولياء وهذا هو المعنى.


1- سنن الترمذي، ج 1، ص 1٩٩؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص ٢46.
2- صحيح البخاري، ج 1، ص 112 و ج 2، ص 56.

ص: 31

وليس المعنى كما فهم مرضى العقول بأن هذا تحريم قراءة القرآن في المقابر أو الذكر إلا ما استثناه النص من ذلك كما ذكرنا في حديث استثناء « المقبرة والحمام» فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وإليك أخي الكريم شرح رواية أبو داود وابن ماجة والترمذي « الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» وقبل أن نشرح الحديث وأحكامه ومعانيه نود أن نبين أن المعنى هنا في لفظ مسجد أي موطن السجود وليس البناء الذي يسجد فيه لعبادة غير الله أو بناء المسجد على مقبرة عامة أي قرافة فكلام العلماء في موضوع طهارة المكان للسجود ولا يصح أن يلبس على الناس فيما بينه وبين اتخاذ القبور مساجد بما شرحناه سابقا لأن الوهابية تلبس على الناس ونأخذ كلام العلماء في موضوع طهارة المقبرة أو عدم طهارتها وحدود ذلك فيدخلونه في موضوع اتخاذ القبور مساجد بالمفهوم الذي شرحناه سابقا وهذا عينه هو التلبيس على الناس وتحريف الكلم عن مواضعه فبالنسبة لموضوع اتخاذ القبور مساجد فقد شرحناه شرحا تفصيليا وأجبنا على جميع الشبه فيه

بتوفيق من الله.

ولم يبق أمامنا في هذا الحديث إلا أن نتكلم عن طهارة المقبرة للصلاة أو عدم طهارتها وحد ذلك وإجازة الصلاة عليها أو عدم إجازتها وهل هناك إعادة على من صلى فيها أم لا؟

فهذا كله موضوع آخر غير اتخاذ القبور مساجد الذي شرحناه سابقا فلا يلبس على الناس بأقوال العلماء في النهي عن الصلاة في المقبرة لعدم طهارتها وإدخال ذلك في موضوع النهي عن اتخاذ القبور مساجد وهذا التلفيق باطل وهو الذي حدث عند الوهابية وكذلك اجتهاد العالم ليس بحجة بل الحجة في كلام النبوة وكل إنسان يؤخذ منه ويرد ولا التفات لتلفيقات السلف والخلف

ص: 32

وتلبيسهم على الناس إلا من رحم ربي في هذا وإليك أخي الكريم الشرح:

أولا: نقول أن الحديث يتكلم في ظاهره بوضوح عن الطهارة بالنسبة للصلاة في الأرض والأماكن على مستوى الكرة الأرضية طاهرة إلا « المقبرة والحمام» وفي الحديث الآخر يؤكد هذا الشرح والمعنى

« وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (1) أي أن العلة هي النجاسة في المقبرة والحمام أي أن الأرض كلها طهور إلا ما استثناه النص « المقبرة والحمام» وذلك لعلة النجاسة واستثناء على عكس الطهور فعلم بالقطع أن العلة والمانع هو النجاسة بسبب البقايا الآدمية والرمة وتحلل الجسد والأمعاء ونجاسة المكان بكل ذلك فهذا هو المانع ولأن شرط في صحة الصلاة طهارة المكان من النجاسة فهذا هو المقصد وليس المقصد مساحة المسجد الذي بني على قبر كالكنيسة التي صلى فيها بعض الصحابة

وغيرهم إذ المقصود طهارة المكان فلا يكون القبر هو الموطن الذي تسجد عليه وهذا في القرافة والمقبرة العامة والعلة هي النجاسة وليست العلة المسجد والساحة التي فيها قبر واحد أو قبرين معلومين فيجوز الصلاة حولهم وجانبهم ولا يجوز الصلاة فوق المقبرة والعلة من هذا الحديث هي نجاسة البقايا الآدمية والفضلات وما شابه إلا ما خصه الدليل واستثناه كالأنبياء والأولياء لطهارة أجسادهم وجواز التبرك بها فهي طاهرة مطهرة تقدست وشرفت بميراث النبوة عصبا كان الولي أو نسبا بالولاية ومع ذلك نحن لا نصلي فوق قبور الأنبياء والأولياء ولكن لا نقول بنجاسة البقايا الآدمية التي تخص الأنبياء والأولياء كما تبرك الصحابة ببول النبي (ص) كما ثبت في كتب السنة. إذ هذا الموضوع يقصد به


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 113؛ مسند احمد، ج 2، ص 24٠؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص1٨٨.

ص: 33

النهي لعلة نجاسة عامة الناس وليست أهل الله.

والدليل على ذلك أن العلماء فرقوا بين المقبرة العامة أي القرافة لأنها تحيط بالإنسان ولا يعرف فيها الصالح من الطالح وكلها محاطة بالبقايا الآدمية والنجاسات البشرية فلا يجوز بناء مسجد للصلاة فوقها ولكن يجوز للفرد أن يصلي بينها في الأماكن التي ليس فيها قبور أي في طرقها العامرة فيما بين القبور وهذا موضوع يختلف عن موضوع اتخاذ القبور مساجد فلينتبه القارئ إلى تلبيس الوهابية ومن على شاكلتهم ونحن لا نختلف في حرمة بناء المسجد على المقبرة العامة لعلة النجاسة القطعية أما إذا كان قبرا أو اثنين فقط للعامة وليس لنبي ولا ولي قالوا في ذلك بنبشه وإخراج القبر أو القبرين من المسجد ونبشهما إذا علم ذلك قبل البنيان وفي الحالتين ينهى عن الصلاة فوق القبور أو فوق أي قبر وهذا الأمر ليس له علاقة بموضوع الصلاة في المسجد الذي فيه قبر نبي أو ولي بالجوار ومع وجود حائط يفصل بينهما فهذا موضوع ليس

له علاقة بالنجاسة لأمرين الأول لأننا لم نسجد فوق القبر ولا إلى القبر بالمقصد الوثني الشركي والثاني لأن أجساد الأنبياء والأولياء طاهرة مباركة مطهرة إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)وآل البيت هم جملة الأولياء من الذرية النبوية عصبا وممن شهدوا له بذلك نسبا «كسلمان الفارسي رضى الله عنه» وكذلك لما ثبت أن رسول الله (ص) صلى بمسجد الخيف وهو فيه قبر سبعون نبيا غير بارزين ولا ظاهرين تحت المسجد وذلك لأن أجسادهم طاهرة مباركة فلم يمنع ذلك من الصلاة فيه وكما هو في المسجد الأقصى وفيه كثير من أهل الله مقبورين فيه من الأنبياء والصالحين


1- الاحزاب: 33.

ص: 34

وكذلك الصلاة في مسجد النبي (ص) الذي اجتمعت الأمة على مشروعية الصلاة فيه. وكذلك مقامات آل البيت عليهم السلام من مقام الإمام علي بن أبي طالب (ع) في النجف وكذلك مقامات آل البيت في مصر وسوريا وكل مقامات الأنبياء والأولياء فهُم جميعا طاهرين مطهرين بظاهر القرآن وبالتبرك بهم وكذلك بالتبرك بريق النبي (ص) وبوله كذلك وكل ذلك ثبت بالصحيح فهل فهمت الوهابية هذا الدرس جيدا واستوعبته وعقلته؟ !

وسنختم كلامنا أخي الكريم في هذا الموضوع والحديث بأقوال بعض علماء السنة وعلى رأسهم الإمام مالك وكلامهم في هذا الحديث وأنهم فهموا ما فهمناه جيدا وكلامهم واضح فيما قلناه في الحديث وفعلهم وقولهم يدل على ذلك بصلاتهم في القبور وفي طرقها وبينها وبكلامهم عن الحديث وفهمهم والاحتجاج به وإليك أخي الكريم نص كلامهم:

قال ابن قدامة في المغني 2/46٨) :

مسألة رقم223: وكذلك إن صلى في المقبرة أو الحش أو الحمام أو في أعطان الإبل أعاد.

اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الصلاة في هذه المواضع، فروى أن الصلاة لا تصح فيها بحال وممن روي عنه أنه كره الصلاة في المقبرة: علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي وابن المنذر وجابر بن سمرة والحسن ومالك وإسحاق وأبي ثور.

وعن أحمد رواية أخرى: أن الصلاة في هذه المواضع صحيحة ما لم تكن نجسة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي لقوله (ص) :

« جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» . وفي لفظ:

« فحيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد» . متفق عليه.

ص: 35

ولأنه موضع طاهر فصحت الصلاة فيه كالصحراء.

ولنا قول النبي (ص) :

« الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» .

وقال علا ء الدين المرداوي في تصحيح الفروع 1/3٧2 :

قوله: (أي ابن مفلح) في موضع النهي عن المقبرة وغيرها.

وهل المنع تعبد أو معلل لمظنة النجاسة؟

فيه وجهان. انتهى.

وأطلقها ابن تميم:

أحدهما: هو تعبد وهو الصحيح وعليه أكثر الأصحاب.

قال الزركشي: تعبد عند الأكثرين، واختاره القاضي وغيره وقدمه في الشرح، والرعاية الكبرى وهو ظاهر ما قطع به المجد في شرحه.

قال ابن رزين في شرحه: هذا أظهر، وجزم به في المستوعب وغيره وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، والوجه الثاني يعلل وإليه يميل الشيخ الموفق

والشارح وصاحب الحاوي الكبير.

قال في المدونة 1/٨٩ - ٩٠) : قلت: لابن القاسم هل كان مالك يوسع أن يصلي الرجل وبين يديه قبر يكون سترة له.

قال كان مالك لا يرى بأسا بالصلاة في المقابر وهو إذا صلى في المقبرة كانت القبور أمامه وخلفه وعن يمينه وعن يساره.

قال: وقال مالك لا بأس بالصلاة في المقابر قال: وبلغني أن أصحاب رسول الله (ص) كانوا يصلون في المقبرة.

قال ابن عبد البر في التمهيد (5/43 : بعد ذكر حديث:

« اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وحديث

«لا تتخذوا قبري وثنا» . الوثن: الصنم، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو

ص: 36

غير ذلك من التماثيل وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن صنما كان أو غير صنم وكانت العرب تصلي على الأصنام وتعبدها فخشي رسول الله (ص) على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم: كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم فقال (ص) :

« اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلي إليه ويسجد نحوه ويعبد، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك» وكان رسول الله (ص) حذر أصحابه وسائدا منه من سوء صنيع الأمم قبله، الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم واتخذوها قبلة ومسجدا كما وضعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها وذلك الشرك الأكبر وكان النبي (ص) يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم، وكان رسول الله (ص) يحث على مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته أنبيائهم ألا ترى إلى قوله على وجه التعبير

والتوبيخ: «لتتبعن سنن الذين كانوا فيكم حذوا النعل بالنعل حتى أن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه» وقد احتج بعض من لا يرى الصلاة في المقبرة بهذا الحديث ولا حجة له فيه.

قال صاحب الدر المختار شرح تنوير الأبصار: كذا تكره في أماكن كفوق الكعبة وفي طريق ومزبلة ومجزرة ومقبرة ومغتسل.

واختلف في علته:

قال ابن عابدين في الرد المختار على الدر المختار 2/42 : فقيل: لأن فيها عظام الموتى وصديدهم وهو نجس وفيه نظر.

وقيل: لأن أصل عبادة الأصنام اتخاذ قبور الصالحين مساجد.

وقيل: لأنه تشبه باليهود، وعليه مشى في الخانية.

قال: ولا بأس بالصلاة فيها إذا كان فيها موضع أعد للصلاة وليس فيه

ص: 37

قبر ولا نجاسة كذا في الخانية ولا قبلته إلى قبر.

ويكره أن يكون قبلة المسجد إلى حمام أو قبر أو مخرج.

قال شمس الدين السرخسي في المبسوط 1/2٠6) :

روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى قال: هذا في مساجد الجماعة فأما في مسجد الرجل في بيته فلا بأس بأن يكون قبلته إلى هذه المواضع؛ لأنه ليس له حرمة المساجد حتى يجوز بيعه وللناس فيه بلوى بخلاف مسجد الجماعة، ولو صلى في مثل هذا المسجد، جازت صلاته إلا على قول أبو بشر بن غياث المريسي.

كذلك لو صلى في أرض مغصوبة أو صلى وعليه ثوب مغصوب عنده لا يجوز؛ لأن العبادة لا تتأدى بما هو منهي عنه والنهي عندنا إذا لم يكن لمعنى في الصلاة لا يمنع جوازها. وأصل النهي في هذا الباب حديث أبي هريرة: نهى

عن الصلاة في سبع مواطن. . . الحديث.

فأما المجزرة والمزبلة فموضع النجاسات؛ لا يجوز الصلاة فيها لانعدام شرطها وهو الطهارة من حيث المكان.

وأما المقبرة فقيل: إنما نهي عن ذلك لما فيه من التشبيه باليهود كما قال (ص) :

« لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا قبري بعدي مسجدا» ورأى عمر رضى الله عنه رجلا يصلي بالليل إلى قبر فناداه عمر: القبر. . . . القبر. فظن الرجل أنه يقول القمر فجعل ينظر إلى السماء فما زال به حتى بينه. فعلى هذا القول تجوز الصلاة وتكره وقيل معنى النهي أن المقابر لا تخلوا من النجاسات فالجهال يستترون بما يشرف من القبور فيتبولون ويتغوطون خلفه فعلى هذا لا تجوز الصلاة لانعدام الطهارة.

قال في الاقتضاء 2/3٠٠) : ويبين صحة هذه العلة أنه (ص) لعن من يتخذ

ص: 38

قبور الأنبياء مساجد، ومعلوم أن قبور الأنبياء لا تنبش ولا يكون ترابها نجسا، وقال (ص) عن نفسه:

« اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» . وقال:

« لا تتخذوا قبري عيدا» . فعلم أن نهيه عن ذلك من جنس نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها؛ لأن الكفار يسجدون للشمس حينئذ، فسد الذريعة وحسم المادة بأن لا يصلي في هذه الساعة وإن كان المصلي لا يصلي إلا لله ولا يدعوا إلا الله. ولذلك نهى عن اتخاذ القبور مساجد وإن كان المصلي عندها لا يصلي إلا لله ولا يدعوا إلا الله لئلا يفضي ذلك إلى دعائها والصلاة لها.

وقال:

« إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير» ، وقال

« إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد» ، ونهى عن الصلاة إليها، ومعلوم أن النهي لو لم يكن

إلا لأجل النجاسة فمقابر الأنبياء لا تنتن، بل الأنبياء لا يبلون، وتراب قبورهم طاهر، والنجاسة أمام المصلي لا تبطل صلاته والذين كانوا يتخذون القبور مساجد كانوا يفرشون عند القبور المفارش الظاهرة فلا يلاقون النجاسة.

قال الحافظ 1/52٩) بعد باب كراهية لصلاة في المقابر حديث رقم (432 أن النبي (ص) قال:

« اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا» قال: استنبط من قوله في الحديث

« ولا تتخذوها قبورا» أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة.

ثم قال: وقد نازع الإسماعيلي المصنف في هذه الترجمة فقال: الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر.

قلت: قد ورد بلفظ «المقابر» كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ:

« لا تجعلوا بيوتكم مقابر» وقال ابن التين: تأوله في البيوت، إذ الموتى لا يصلون

ص: 39

كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور.

قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك فقد قدمنا وجه استنباطه، وقال في النهاية تبعا للمطالع: إن تأويل البخاري مرجوح والأولى قول من قال: معناه أن الميت لم يصلي في قبره.

قال الإمام ابن الحجر الهيثمي في الفتاوى الكبرى 1/125) :

سئل رضي الله عنه في رجل صلى في مقابر الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام عليهم أجمعين، قال: تصح الصلاة بلا كراهة.

عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

قال ابن جريج قلت لعطاء: أتكره أن يصلي وسط القبور وإلى قبر

قال: نعم كلهم ينهى عن ذلك لا تصلِ وبينك وبين القبلية قبر ما إن كان بينك وبينه ستر ذراع فصل.

قال أحمد بن حنبل: من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا.

قال علي: فهؤلاء عمر بن الخطاب وأبو هريرة وأنس وابن عباس ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم.

قال علي: وكره الصلاة إلى القبر وفي القبر وعلى القبر أبو حنيفة والأوزاعي وسفيان ولم ير مالك بذلك بأسا واحتج له بعض مقلديه بأن رسول الله (ص) صلى على قبر المسكينة السوداء.

وأما قول ابن حزم لا نعلم لهم مخالفا من الصحابة أخبار عن علمه وإلا فقد حكى الخطابي في معالم السنن عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة وحكى عن الحسن أنه صلى في المقبرة.

واستنبط البيضاوي من علة التعظيم جواز اتخاذ القبور في جوار الصلحاء

ص: 40

لقصد التبرك دون التعظيم.

إذا قال قائل ما هو الحد الفاصل؟

قلنا الجدار فاصل إلا أن يكون جدار المقبرة ففي النفس منه شيء لكن إذا كان جدار يحول بينك وبين المقابر فهذا لا شك أنه لا نهي أو كان بينك وبين المقبرة مسافة لا تصير مصليا إليها، وحدّها بعضهم بمسافة السترة للمصلى وعلى هذا فتكون المسافة قريبة، لكن لا شك أن هذا يوهم، فإن أحدا من الناس لو رآك تصلي بينك وبين المقبرة ثلاثة أذرع بدون جدار لأوهم ذلك أنك تصلي إليها. فإذا لا بد من مسافة يعلم بها أنك لا تصلي إلى القبر.

وهذا الكلام السابق منقول من كتاب حكم الصلاة في المقابر والمساجد

التي بها قبور لمحمد حسان بن عبد الرحيم عن عبد الله مصطفى بن العدوي ونحن بصدد تبيين أقوال أهل العلم فيه ومقاصدهم حتى تتضح الرؤية التفسيرية الصحيحة لأقوال المجتهدين فيما وافق الحق ورد ما دون ذلك بالبيان الشرعي.

وكنا نرجو أن يستوعب الكاتب وشيخه ومن على فهمهم هذا الكلام الذي نقلوه والذي ذكرناه سابقا هدانا الله وإياهم.

ونود أن نبين هنا مؤامرة من مؤامرات الوهابية ومن على شاكلتهم من أهل السنة والجماعة إلا من رحم الله وهذه المؤامرة تدور في علم الحديث عند أهل السنة والوهابية كما بينا فهم يضعفون الأحاديث الصحيحة بأهوائهم وعلى رؤيتهم المذهبية وعلى أفكارهم وأهوائهم المبتدعة فكل حديث صحيح متصل السند رواه الضابط العدل عن مثله بغير شذوذ ولا علة يقوموا بتضعيفه بحجة أنه شاذ ويخالف أصولهم الشاذة التي لم تجتمع عليها الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها وبذلك يقولون.

ص: 41

فمثلا إذا كان الحديث متصل السند ورجاله ثقات ولا جرح في أحدهم أي أنه منقول عن النبي (ص) باتصال والرجال ضابطين وعدول ولا طعن في أحدهم في دينه ولا في حفظه أي أن المتن منقول بالصحة ومع ذلك يردون الحديث ويضعفونه لأنه شاذ واصطدم مع ثوابت مذهبهم وليس إجماع الأمة الإسلامية بل تضعيفه لمخالفة ثوابت مذهبهم فقط واصطدم مع أهوائهم وهذا خلل واضح وتضييع للحديث الصحيح ورد الحديث بالهوى المذهبي ويعِلّون الحديث بذلك.

وهذا تماما مثل قضية الطعن في أحد الرواة وتضعيف الحديث إذا كان الراوي على مذهب غير مذهب أهل السنة والجماعة وهذا كله خلل في أصول

الحديث ومصطلح الحديث وتعليق صحة الحديث النبوي على موافقة أهوائهم ومذهبهم أي أن تصحيح الحديث معلق بمذهب الراوي فإن كان الراوي موافق لبدعتهم كان الحديث صحيحا وأما إذا كان مخالف لبدعتهم وأهوائهم فالحديث يُضَعَف وذلك بجرح الراوي والطعن في دينه لمجرد الخلاف المذهبي وهذا في ذاته عار صريح على أهل السنة والجماعة والوهابية وكل أهل البدع والأهواء!

وبنفس الطريقة يضعفون الحديث الصحيح بدعوى أن متنه شاذ ويخالف ثوابت مذهبهم ويخالف ثوابت أهوائهم وبدعتهم ويخالف ما افتراه السلف على لسان الحبيب (ص) وهذا أهل البدع والأهواء يوالون ويعادون على المذهبية وليس على أصل الإسلام مثل ما حدث مع السيد «حسن نصر الله» في حربه ضد اليهود!

وكذلك يضعفون الأحاديث التي تحققت صحة سندها وتوثيق رجالها بدعوى أنها شاذة مخالفة لثوابت أهوائهم وبدعهم وما ثبت بالباطل في إفكهم!

ص: 42

فانتبه أخي المسلم سني كنت أم شيعي إلى هذه التناقضات واعلم أن السلف عند أهل السنة والوهابية السياسية قد أصلوا علوم الحديث ومصطلح الحديث وعلوم الجرح والتعديل على أساس موافقة إفكهم ومذهبهم وأهوائهم وتأصل كل ذلك عندهم بالاجتهاد وليس بالنص الصريح فجميع تعريفاتهم ظنية وليست قطعية الدلالة بل هي اجتهاداتهم التي ابتدعوها حتى توافق مذهبهم وتحفظ مذهبهم ويتسنّى لهم من خلال ذلك تصحيح أي حديث ضعيف وتضعيف أي حديث صحيح ولذلك كانت الصناعة لمصطلح الحديث وعلوم الجرح والتعديل كانت صناعة

محكمة.

وأنا أخاطب عقول العقلاء كيف يضعف حديث متصل السند وجميع رجاله عدول وثقات وصح بالقطع اتصال السند وتوثيق الرجال أي أن متن الحديث أي الكلام النبوي منقول وعُلِم أنه خرج من فم النبوة من خلال نقله عن طريق العدول الضابطين للمتن ثم بعد كل ذلك يُعطل الحديث ويُضعف ولا يعمل به بدعوى أنه شاذ أو مُعَل فهل يعقل هذا الكلام؟ !

والمصيبة الكبرى أن هذا الشذوذ وهذه العلة في الحديث بسبب مخالفته لثوابت مذهبهم هم فقط وما عندهم من بدع وأهواء وأحاديث مكذوبة لم تثبت عند غيرهم بل الأمر خاص بمذهبهم هم فقط ولم يكن الحديث مخالف لإجماع الأمة بجميع مذاهبهم بل عارض مذهبهم هم فقط فهل يعقل أن يضعف الحديث الصحيح بشروطه عندكم بسبب هذا الشذوذ وهذه العلة المنبثقة من المذهبية المبتدعة؟ !

وأقولها بمنتهى الوضوح والصراحة والثبات والثقة وأتحدى جميع أهل الباطل على هذا الكلام أقول إن علوم الحديث ومصدريته وأصوله ومصطلح

ص: 43

الحديث وعلوم الجرح والتعديل كل ذلك عند أهل السنة والجماعة قائم على أصول ظنية اجتهادية قائمة على البدع والأهواء المذهبية وما هي إلا أصول ابتدعها السلف السني ولم ولن تجتمع عليها الأدلة القطعية التي تصل بها إلى المعنى الحقيقي لكلمة أصل وهي علوم باطلة بطلانا قطعيا وقائمة على أهواء الرجال واجتهاداتهم وليست أصول صحيحة أجمعت عليها الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها بل هي أقوال واجتهادات للرجال قائمة على الهوى المذهبي والتقسيمات العقلية القائمة على غلبة الظن.

ثم بعد ذلك فرضت هذه الأهواء البدعية الاجتهادية على أنها أصول وتم

العمل بها عند أهل السنة والجماعة وتم التسليم لها بغلبة الظن دون مناقشة صحيحة علمية وسلّم الخلف للسلف وما بني على باطل فهو باطل.

فانتبه أخي القارئ إلى كل هذه الأمور فلا يُعمل بأصل من الأصول العقائدية أو الفقهية أو التأصيلية إلا بالأصول التي أجمعت عليها الأمة الإسلامية باجتماع جميع مذاهبها على ذلك والشذوذ والعلة في الحديث لا يكون إلا على أساس ذلك الإجماع أما هذه التناقضات والتلاعبات البدعية المبنية على أهواء الرجال وآرائهم الاجتهادية لا تسمى أصول ولا يُعمل بها لأنها ليست ملزمة لعدم إجماع الأمة الصحيح بجميع مذاهبها على ذلك فهل فهمت الوهابية ومن على شاكلتها هذا الدرس؟ !

أيها المسلمون اعلموا باليقين القطعي أن علوم الحديث عند أهل السنة والجماعة قد بنيت على موازين عقلية بشرية وأنها بنيت على أهواء الرجال وتكونت على أصول عقلية وهمية بغير أدلة صحيحة صريحة وهذا في الاتفاق على مصدريتها أصلا وكذلك في تفاصيل علوم الحديث والمصطلح والتعريفات والتطبيقات وتحول الحكم بالصحة أو الضعف على الحديث

ص: 44

النبوي الشريف إلى قياسات واجتهادات عقلية بشرية مجردة مبنية على الأهواء وتفاوت العقل البشري ولم يَعٌد لها أي علاقة بالشريعة الربانية.

فالميزان الذي يحكم على صحة الحديث أو ضعفه هو ميزان بشري مبني على العقل والاجتهاد والذي صنع الميزان وقام بضبطه هو أيضا العقل البشري واجتهاداته القائمة على الرأي والهوى والمذهبية وليس لله ميزان عندهم في ذلك ولا شريعة تصح بقطعية الدلالة على ذلك فضلا على قطعية ثبوتها أصلا لعدم صحة المصدرية!

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فلا خير في دين التشريع فيه للعقل البشري وشريعته تعود في صحة ثبوتها كنص أو دلالة إلى الاجتهاد العقلي فهذا لا يسمى دينا ولا يحكم على صحة الحديث النبوي أو ضعفه وفق ضوابط عقلية اجتهادية بل أن الحكم على الحديث النبوي بالصحة أو الضعف لا بد وأن يبنى على شريعة ربانية وفق ضوابط شرعية مستنبطة من الأدلة الشرعية القطعية المنصوص عليها بالمنطوق الصريح كأصول.

وسأضرب لك أخي الكريم الأمثلة على ذلك والتي ستفهم من خلالها أنه لا بد للأمة أن تعود من جديد لشرع الله المحكم ومصادره الصحيحة المجمع عليها عند جميع المسلمين وبإجماع جميع المذاهب والأحاديث التي ثبتت بالتواتر والصحة والتي حدد مصادر الشريعة بمصدرين رئيسيين الثقلين كتاب الله سبحانه وتعالى والذين عصموا بإتباعهم فقها وحديثا عترته آل بيته (ص) وهذا هو مذهب أهل الحق وهذا ما أجمعت الأمة بجميع مذاهبها على صحة الدليل والحديث الذي يقضي بهذه المصدرية ونعود مرة أخرى لإثبات بطلان مصدرية الحديث عند أهل السنة والجماعة وإبطال جميع

ص: 45

مصطلحاتهم وأصول الحديث عندهم وذلك من خلال بعض الأسئلة التي إذا بحثت أخي المسلم عن أجوبتها علمت باليقين والقطع أنه لا يجاز صحة حديث واحد بأصول ومعتقدات أهل السنة والجماعة وأنها ليس عليها أي أدلة على الإطلاق وأنها أقوال وأهواء وعقول رجال مجردة من المستند الشرعي الصحيح الصريح بل هي اجتهادات قائمة على الهوى والظن والعقل ثم كذبوا على أنفسهم إلا من رحم الله وجعلوها أصول وعلوم وثوابت ثم صدّقهم بعد ذلك من خلَفهم وما بني على باطل فهو باطل وإليك

أخي الكريم المسلم العاقل بعض الأسئلة التي تثبت أجوبتها ذلك!

من الذي قال أن الحديث الصحيح هو الذي يرويه الضابط العدل عن مثله باتصال وبغير شذوذ ولا علة؟ ! وأين الدليل والمستند الشرعي الصحيح الصريح على ذلك؟ ! وإن كان هناك إجماع مكذوب مدعي على ذلك كالعادة فأين هو ومن الذي نقله؟ ! وهل هذا الإجماع أجمعت عليه الأمة بجميع مذاهبها أم هو قائم على الهوى المذهبي الفردي؟ ! هذا أولا.

ما هي شروط الضابط الذي يُقبل حديثه؟ ! وأين الأدلة الشرعية على ما تقول فإن كان هناك اختلاف على معنى الضابط فهناك إذا إختلاف على تصحيح الحديث أو تضعيفه بحسب اختلاف معنى وصف الضابط؟ ! فيكون تصحيح الحديث أو تضعيفه مرهون بعقول الرجال في معنى الضابط ويكون الحكم بالصحة مرتبط بالاجتهاد العقلي المذهبي البشري المرتبط بالهوى والظن! ونرجو الأدلة الشرعية بالنص القطعي وليس الظني لأن هذه الأصول لا تبنى على الظن والاجتهاد بل تبنى على النصوص الصحيحة الصريحة الناطقة بذلك والمتواترة على ذلك لأن هذه أصول لعلوم الحديث فأين تذهبون وأنا تؤفكون؟ !

ص: 46

ما معنى العدل وكيف يحكم على الرجل بذلك وما حدوده وما الأدلة على كل كلمة؟ ! فلن تجد إلا الظن والاجتهاد والخلاف على المعنى ثم بعد ذلك يقولون أن هذه أصول على الرغم أنهم مختلفين على تعريفها وعلى حدودها وشروطها أي أن كل ذلك مبني على الظن واجتهاد الرجال فمن عرّف العدل بوصف صحّح الحديث ومن خالفه في معنى العدل ضعّف الحديث أي أن الحديث النبوي يصحح ويضعف على حسب أهواء الرجال واجتهاداتهم

وخلافاتهم في التعريف والتطبيق وكل ذلك بغير مستند شرعي بل على اجتهادرات الرجال وآراءهم فأين تذهبون وأنا تؤفكون؟ !

من الذي شرط اتصال السند؟ ! ولماذا لم يعمل ويؤخذ بالحديث المشتهر في روايته بالتواتر من حيث الاشتهار مثلا؟ ! وأين الأدلة الشرعية النصية التي أصّلت هذه الأصول؟ !

ما معنى الشذوذ؟ ! وما حدوده؟ ! ومن الذي جعله سبب في ضعف الحديث على الرغم من ثبوت خروج المتن من فم النبوة على حد قولكم بتوثيق الرجال؟ ! وما هو حد الشذوذ وهل الشذوذ يخالف حديث أم أصل فقهي أم ماذا؟ ! وأين الإجماع القطعي على ما تسمونه أصول في الحديث وهو لم يتجاوز أراء الرجال واجتهاداتهم وعقولهم وأهوائهم ولا يوجد نص صريح صحيح على أي ادعاء يسمونه أصل ويصححون ويضعفون الحديث على أساسه فأين تذهبون وأنا تؤفكون؟ !

ما معنى العلة التي تضعف الحديث؟ ! وما هي أنواعها وشروط تطبيقها؟ ! وأين النصوص الشرعية على ما تقوله وتشرحه وتقسمه وتنوعه أين النصوص الشرعية على كل ذلك؟ !

ثم نقول لهم أيضا وبنفس الطريقة السابقة نسألهم أين الأدلة الشرعية التي

ص: 47

تجعلونها أصول في تضعيف الحديث تصحيحه وتقسمونه وتنوعونه إلى هذه الأنواع التالية «المتصل - المنقطع - أنواع الخبر المتواتر والآحاد والمشهور والغريب في أصل السند - والغريب النسبي - والصحيح لذاته ولغيره - والحسن لذاته ولغيره - وشروط الرجال والانفراد - والمعروف - والمنكر - والمحفوظ - والشاذ - والتابع - والشاهد - والناسخ - والمنسوخ - والمعلق - والمرسل - والمعضل - والخافي أو المدلس - والموضوع - والمتروك

- والجرح بالغفلة والفحش والفسق والوهم وجعله من العلل - والمدرج في المتن أو المقلوب أو المزيد أو المضطرب أو المصَّحف - والمُشْكَل - والخفي - والموضح - والمبهم بأنواعه - والمجهول - والمختلط - والموقوف - والعلو - والنزول - والإبدال - والمدبج - والمقرن - والأكابر - والأصاغر - والمهمل - والمسلسل - وصيغ الأداء - وتحمل الحديث - والمتشابه - والمتفق - والمفترق - والمؤتلف - والمختلف - وطبقات الرواة وتراجمهم - ومراتب الجرح والتعديل والتصنيف في علوم الحديث» كل هذه التعريفات السابقة داخل القوسين نسأل أهل السنة والجماعة أين النصوص والأدلة والمستندات التي تثبت التعريفات السابقة وتجعلها أصولا يُرد ويُقبل على أساسها الحديث النبوي الشريف؟ !

إن الإجابة القطعية على هذا السؤال تذهل عقول الخلق أنه لا أدلة عندهم ولا نصوص صريحة تكوّن هذه الأصول بل هي أقوال الرجال التي صنعت هذه التعريفات واجتهدت في جعلها أصولا يقبل ويرد الحديث النبوي على أساسها! وكذلك يكون الحديث النبوي في التصحيح والتضعيف يكون في النسبية وفي الاختلاف على حسب أصل الاختلاف في العقول البشرية ومنهجيتها في التطبيق لهذه التعريفات أو بمعنى صريح واضح أن الجانب

ص: 48

الذي يحكم صحة الحديث وضعفه التشريع فيه للعقل البشري والاجتهاد فهل هناك مهزلة تلفيقية دينية أكبر من هذه الإجتهادات التي تسمى أصول وقواعد ومصطلحات عند أهل السنة والجماعة؟ !

ولو كانت هذه العقول البشرية التي اجتهدت في التعريفات السابقة معصومة لقبلنا ذلك منها بالدليل على عصمتها! أما وهي عقول بشرية غير

معصومة ولا دليل من الله في شرعه أجمعت عليه الأمة بجميع مذاهبها كأمر بإتباعهم فيُعلم بذلك أنه لا إلزام في إتباعهم وهم بهذا التفاوت في العقل وغير معصومين بدليل شرعي يدل على إتباعهم فلا إلزام لإتباع شرعهم المزعوم القائم على اجتهاد الرجال فهل علمت الوهابية وأهل السنة والجماعة هذه الأمور التي بيناه؟ !

فلن تجد أخي المسلم الكريم إلا أقوال العلماء العقلية والاجتهادية وترجيحات العقل وأحكام عقلية اجتهادية ظنية قائمة على المذهبية والاجتهاد العقلي الشخصي والظني وقائمة على الراجح والمرجوح العقلي ثم بعد ذلك تُبنى عليها العلوم على اعتبار أنها علوم صحيحة مثل علوم الجرح والتعديل وعلوم مصطلح الحديث وكل ذلك مبني على ظن واجتهاد وأقوال رجال وبأحكامهم العقلية فكيف تسمى هذه أصول وهي لم تتواتر عليها النصوص الشرعية كأصل ومتى تكون أصل ديني يُصحح ويُضعف على أساسها الحديث النبوي الشريف سبحانك هذا بهتان عظيم فأين تذهبون وأنا تؤفكون؟ !

وكيف تسمى المصطلحات الظنية الاجتهادية القائمة على الأحكام العقلية والراجح والمرجوح من القول كيف تسمى أصول يصحح ويضعف على أساسها الحديث النبوي ولم تجمع عليها الأمة بجميع مذاهبها كاجماع

ص: 49

صحيح يعتد به حتى تسمى هذه أصول كيف هذا أيها العقلاء؟ !

فهل علمتم بعد كل ذلك حقيقة الافتراءات التي وقع فيها السلف عند أهل السنة والجماعة وصدقوها بل صدقها خلفهم أيضا ولكن ما بني على باطل فهو باطل ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره أعداءه الكفار وأصدقائهم المنافقين في الشرق الأوسط وغيره.

فعودوا عودا أيها المسلمون إلى المرجعية الدينية الصحيحة والتي تواترت النصوص الشرعية عليها المتواترة بالثبوت والدلالة ولا التفات لمن حاولوا التلاعب في دلالة حديث الثقلين كتاب الله سبحانه وتعالى وعترة النبي آل بيته (ص) .

ومن هنا أقول لمن كان يرجو الله واليوم الآخر من أهل السنة والجماعة وكذلك الوهابية ممن لُبِّس عليه الأمر ولم يدرك هذه الحقائق الشرعية وأخطأ في إتباعه للباطل بغير علم أو بغلبة ظن أو بإتباع السواد الأعظم على اعتبار أن الحق للغلبة وهذا قياس عكسي لأن الحق مع القلة وكذلك من وقع في مدلسات السلف السياسية بغير قصد فأقول لهم جميعا صححوا أوضاعكم ولا تخشوا في الله لومة لائم ولا تغتروا بكثرة الهالكين وقلة السالكين ولا تغتروا بمكر المنافقين ووسائل إعلامهم الموجهة لخدمة التفريق المذهبي وسياسة فرق تسد لإرضاء اليهود والغرب وتثبيت كراسي المنافقين في المنطقة ولاسيما الثلاثي النشط في تطبيق المخططات النفاقية في المنطقة بدعوى أن اليهود والنصارى أرحم من المسلم الشيعي وكيانه الإسلامي! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإذا دعى الأزهر الشريف ومشايخه وكذلك المفتي وداره إذا دعوا إلى توحيد الأمة وأن الخلاف ما بين السنة والشيعة خلاف في أصل مذهبي ولا

ص: 50

يحكم بكفر أحدهم ولا يجوز تكفير أحدهم وخرجت هذه الأقوال صريحة في الجرائد والمجلات وجدت الوهابية العميلة في نفس الوقت تُكفر الشيعة بأحكام جهلية ظنية مبنية على الهوى والظن حتى تعرقل وتعوق وحدة المسلمين وموالاة بعضهم لبعض حتى مع وجود الخلاف المذهبي.

وهذا ما لا ترضى به اليهود وأمريكا ولا يرضى بذلك أصدقائهم المنافقين لأن المسلمين سنة وشيعة إذا توحدوا ونصروا إيران والدول الشيعية والسنية معا وتوحد المسلمين وبالتالي يكون خطرا على اليهود والنصارى بعد ذلك وربما قبل ذلك يكون خطرا على المنافقين وسلطتهم المغصوبة في الأمة إلا من رحم الله منهم وكذلك خلفهم.

فهل فهمنا هذه القضية وعلمنا أن السياسة هي التي تنصر الباطل وتعرقل وحدة المسلمين وأن المذهبية هي أداة من أدوات الباطل يحركها في مواجهة الحق تحت ستار الدين ومسمى التدين المذهبي والتعايش والقبول بالباطل أي الآخر وذلك كله لمصلحة اليهود والغرب والأصدقاء والكراسي وهذه هي السياسة الدينية التي شقت عصا الأمة منذ انتقال رسول الله (ص) وحتى هذه الساعة.

ولكن وعد الله حق ولا يخلف الله وعده. أن الحق سيعود وسيجتمع عليه المسلمين سنة وشيعة من جديد وأن دولة الحق النبوي قادمة قادمة لا محالة رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين وعرقلة المخادعين وأكاذيب المحرفين المتكلمين في وسائل الإعلام وغيرها.

ومن هنا أقول لكل مسلم حق انصر أخاك ووالي وعادي على لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص) ولا تغتر بكثرة الهالكين وأقولها من هنا صريحة واضحة أن التشيع لا يعادي أحد بعينه لشخصه بل موالاته ومعاداته تدور

ص: 51

على مراد الله الشرعي بالشريعة وكما بينا ذلك سابقا وخصوصا في قضايا تكفير الصحابة أو إسلامهم كل هذا ليس من شروط كلمة التوحيد ولا حتى من أركان التوحيد والإسلام بل هي مما يلزم منه في التطبيق فلا شرط في دخول الإسلام بتكفير الصحابة ولا إسلامهم على حد سواء وليس هناك

إجماع على ذلك من الأمة صريح صحيح منطوق واضح فلا يصح تكفير من يعتقد إسلامهم ابتداء ولا يصح أيضا تكفير من يعتقد كفرهم وردتهم فهل وضحت هذه القضية وخصوصا أنه لا يوجد إجماع من الأمة بجميع مذاهبها على أي أمر من الأمرين ولا تلتفتوا أيها المسلمين إلى دعاة الوهابية العميلة السياسية بكفر الشيعة و أو أي دعوى مفتراة من أجل عرقلة الوحدة الإسلامية ومن أجل تكفير الشيعة حتى يكون هناك تبرير سياسي لأصحاب الكراسي أصدقاء اليهود والغرب على التآمر ضد المسلمين الشيعة وهو المبرر الوحيد لاستحلال حرب المسلمين ودمائهم وتفريق المسلمين حتى يتسنى لأعداء الإسلام القضاء على الإسلام مع تنعيم المنافقين فهل فهمت الأمة هذا الكلام استيقظوا أيها المسلمين واعملوا على القضاء على الفكر الوهابي المعادي لآل البيت: الذي عاداهم بتسويتهم بالناس وحسده وحقده عليهم وكذلك بمتابعة حسدهم بتحريم زيارة مقاماتهم بعد انتقالهم وتسمية ذلك شرك أكبر أي بالتكفير كما يكفرون لمجرد الخلاف المذهبي فهل فهمت الأمة الإسلامية هذا الكلام؟ !

فاتقي الله أيها المسلم الذي أخطأ في قضية المذهبية ولم يراجع نفسه في ذلك وتعامل بالظاهر مع الشيعة وأسمع منهم ومن مواقعهم ومنابرهم الممنوعة في مناطات السنة بسبب العنصرية التي ذكرناها سابقا فإذا قرأت عنهم منهم فلك بالظاهر والله يتولى السرائر وهذا الكلام حتى لا يقول لك قائل من

ص: 52

الوهابية أنها التقية وان كلامهم هذا على عكس ما في قلوبهم فقل له لي الظاهر والله يتولى السرائر.

وقد نقلنا فتوى صريحة من قناة الجزيرة 25/2/2٠٠٧ تقول بحرمة

سب الصحابة أو الإساءة إليهم تحت أي ظرف من الظروف والفتوى تعود للمرجع الشيعي اللبناني «سماحة السيد محمد حسين فضل الله» فهل بعد هذا الكلام كلام وربما هناك تغيير عند بعض طوائف الشيعة وتصحيح للمسار فهل هذا غير مقبول؟ ! ولماذا هذه الحرب المعلنة على الشيعة؟ ! أنها السياسة المحاصرة لإيران والمحاربة لها والتعصب الأعمى المذهبي.

فهل فهمت هذه الأمة الإسلامية هذه المعادلة؟ !

وهل فهمت الأمة الإسلامية حقيقة الوهابية والدول التي تمدها من الثلاثي المعلوم؟ !

وهل علمت الأمة حقيقة الصراع المذهبي وأن الذي وراءه المنافقين وأنهم هم الذين صنعوه في السلف والخلف من أجل السياسة وسياسة فرق تسد وكذلك نصرة المنافقين لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى ضد الإسلام وذلك من خلال قضية المذهبية عند السلف والخلف وحتى يحافظوا بذلك على اغتصاب الكراسي واستمرارية ذلك وما يترتب عليه من تنعيم وجاه وسلطة وما إلى ذلك من عفانة الدنيا!

عودوا أيها المسلمين إلى وحدة المصدر والإتباع وقطعية الأصول المجمع عليها ودعكم من الكذبة التي عاشت 14 قرن وأكثر والتي تسمى بمذهب أهل السنة والجماعة والتي وقع فيها كثير من المسلمين بخطأ وباستدراج لهم دون علم بذلك ودون مقصد للباطل وإتباعه والتي صنعها المنافقين في السلف وتابعها واستمر عليها المنافقين من الخلف وبدعة الفكر الوهابي

ص: 53

ونصرة السياسة له ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن أراد التفصيل في ذلك فليعد إلى جميع كتبنا وخصوصا «القول الفصل في تأصيل الأصل» و «الحجة الباقية إلى ختام الفانية» وكذلك «حقيقة

إتباع المهديين للأئمة الربانيين»

***

إذا ليس هذا دليل على الإطلاق في تحريم زيارة المقامات الشريفة ومودة وصلة رحم رسول الله (ص) .

أما بالنسبة لقول القائل الجاهل أن التبرك بأجساد الأولياء ومقاماتهم الشريفة شرك بالله أو بدعة في الدين فهذا الكلام باطل لأنه لم يعرف معنى الشرك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع البركة في الأماكن وفي الأولياء والأنبياء وهو سبحانه الملك الواحد الذي يملك القدرة التي منحها الأولياء بقولهم للشيء كن فيكون وهذا معتقد كل متبرك فإنه يقصد عطاء الله وبركته في هذا المكان أو الولي المبارك وهذا فرق بينه وبين من اعتقد أن البشر أو الأماكن أو الحديد أو جلد المصحف ينفع لذاته فهذا هو الشرك الأكبر المخرج من الملة وهذا ليس معتقد كل من يتبركون بالأولياء أو مقاماتهم وذلك لأنهم يقصدون الله وقدرته وعطاءه وبركته في كل ذلك فلا يحكم على أي منهم بالشرك على الإطلاق وإن أخطئ لأن مقصده الله وهذه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة في قضية التبرك وليست من البدع.

ودليل آخر على ذلك فعل صحابة رسول الله (ص) بتبركهم بالقدح الذي كان يشرب منه رسول الله (ص) مع أنهم لم يُأمروا بذلك وليس هناك نص عندهم يأمر بذلك فهل ابتدعوا؟ ! بل إنه الفهم الصحيح الثاقب عند كل

ص: 54

محب صادق يحب الله.

ورسوله (ص) ويحب أولياء الله وهذه الواقعة مثبوتة في صحيح البخاري

حتى أن عمر بن العزيز فدى هذه الكأس بالمال حتى يتبرك بها فالتبرك بالأولياء ومقدساتهم وكل ما يخصهم جائز في الشريعة وليس هناك دليل ظني أو قطعي يحرمه حتى وصل الفهم عند ابن حجر العسقلاني وغيره في فتح الباري شرح صحيح البخاري أنه يجوز التبرك بمخاط الأولياء فما بالنا ببضعة رسول الله (ص) .

وأما بالنسبة لقضية طلب المدد من الأولياء الأحياء في حياتهم وأحياء بعد انتقالهم فهذه حقيقة كما بيناها سابقا لأن الله هو سمعهم الذي يسمعون به فهو يسمعنا وهو مقصدنا وهو غايتنا فهو مالك الملك والملكوت وهو صاحب العطاء والمدد النوراني فيهم فعطائهم ومددهم مستمر بعد انتقالهم كأحياء في مقاماتهم الشريفة ولكن لا يشعر بذلك أهل الوجود من العامة وهذه كحقيقة وليس فيها حرمة.

وكذلك نقول للوهابية لا بد وأن تتعلموا كيفية إنزال الأحكام على المناطات فمثلا لا بد لكم وأن تعرفوا أن الأعمال بالنيات وأن هناك مقاصد ووسائل فمثلا العبادة لا بد أن يكون لها مقصد ونية فمن ألقى المصحف على الأرض لا يجوز أن نكفره ابتداء حتى نعرف مقصده فإذا كان غير أمي ويقرأ أو يكتب ويعرف أنه مصحف واستهان به فهذا الفعل كفر بواح ونستطيع أن نقول أن هذا الفاعل كافر أما قبل ذلك فلا يستطيع أحد أن يقول أن هذا الفعل كفر أو أن الفاعل كافر وذلك لأنه لا بد أن نعرف مقصد الفاعل حتى يسمى الفعل كفر وهذا بالنسبة للفعل ذاته فكيف نطلق الحكم على الفاعل؟ !

ونوضح هذا الكلام فمثلا إذا دخلت في مكان ورأيت مجموعة من الناس

ص: 55

تقف على هيئة الركوع أمام رجل فهل يعقل أن نقول هؤلاء الرجال مشركين على العموم؟ ! وهل يعقل أن نقول أن هذا شرك؟ !

إن الإجابة القطعية أننا لا نستطيع أن نقول على أي فعل أو قول أنه كفر أو شرك إلا أن يكون له مقصد للشرك والكفر ونحن لا نعرف المقاصد ولم نشق على القلوب لنعرف ما فيها إلا أن يكون القول والفعل في ذاته يدل دلالة قطعية على المقصد والنية كمن سب الدين أو الرسول فهذا دل دلالة قطعية على أن القولة هذه كفر في ذاتها لأنها لا تصدر إلا ممن كره الله ورسوله (ص) بقلبه ففي هذه الحالة القطعية الصريحة يجوز لنا أن نقول أن هذا القول كفر في ذاته ومع كل ذلك لا نستطيع أن نكفر قائلها تكفير عيني لأنه ربما يكون مكره أو مجنون أو أخطأ في ألفاظ الكلام دون قصد لذلك أي أننا لا نستطيع تكفير المعين أبدا إلا بقيام الحجة عليه ووجود الشروط وانتفاء الموانع.

وكذلك لا نستطيع أن نقول أن هذا القول أو الفعل كفر وشرك في ذاته إلا في حالة واحدة إذا كان ظاهره يدل دلالة قطعية على المقصد والنية أما إذا كان فيه احتمال أن يكون المقصد غير كفري وشركي وأن القول أو الفعل مشترك ويحتمل فيه أكثر من مقصد فلا يجوز شرعا توصيف القول أو الفعل على أنه كفر أو شرك بل من الواجب الشرعي أن نحمل الكلام على المحمل الحسن حتى نعصم المسلمين بالإسلام.

ومثال على ذلك إذا رأيت رجل ساجد أمام رجل أو أمام قبر أو أمام أي شيء فربما يكون ساجد له فيجوز أن نقول أن هذه الفعلة شرك وربما ساجدا لله وحده ولم يقصد عبادة غير الله ففي هذه الحالة لا نستطيع أن نقول أن هذا شرك وكفر أي الفعل ذاته وفي ظاهره لأنه دخل فيه احتمالين ابتداء فلا يجوز

ص: 56

أن نطلق لفظ شرك على كل من سجد أمام قبر ولا نستطيع شرعا حتى أن نقول أن الفعلة فعلة شرك ولا نطلق على الفاعل مشرك ولا يجوز أن نطلق هذا على العموم بالتجاوز لأن المسمى للفعل ذاته وكذلك وصفه بالشرك أو الكفر لم يتحقق لأن الفعل مفتقر لمعرفة قطعية المقصد ونية الفاعل حتى نسمي الفعل نفسه أي أن توصيف الفعل بالشرك يستحيل إلا إذا عرفنا مقصد الفاعل وهذا حتى نحكم على الفعل ذاته وليس على الفاعل وعلى هذا تكون كل العبادات، فالعبادة لا تكون عبادة إلا بمقصد ونية العبادة ومعرفة ذلك معرفة قطعية وليست ظنية ومحتملة.

فمثلا إذا قلت أن القبر الفلاني أو المقام الفلاني يعبد فيه غير الله لا بد أن تكون هناك عبادة قطعية للمقبور وتكون عبادة معلومة المقصد والنية من العُبّاد ولا يكون معرفة المقصد ظنية فإن كانت ظنية فلا يجوز شرعا أن أقول أن هذا المكان يعبد فيه غير الله وذلك لأن العبادة لا بد من معرفة المقصد والنية منها حتى يحكم على الفعل فقط أنه شرك ويطلق عليه ذلك في العموم كفعل فمثلا إذا رأيت رجل يطوف بقبر أي أنه يدور حول القبر فهل يستطيع أحد أن يقول أن هذا شرك وعبادة لغير الله كفعل في العموم إلا أن يكون جاهلا؟ ! لأنه يحتمل أن يكون هذا الرجل يدور حول المقام من أجل أن يراه من جميع الاتجاهات وربما تكون مجموعة ومعها شيخها ينظرون أيضا من جميع الاتجاهات إلى القبر وربما أرادوا الطواف على أنه مكان مقدس مبارك مقام ولي واجتهدوا بالشريعة فأجازوا الطواف بمقام الولي مجتهدين في ذلك بتقديس شعائر الله كبيت الله الحرام ومجتهدين في ذلك بصرف النظر عن أنه خطأ أو صواب.

فهل تسمى هذه الحالات شرك ويكون الطواف بهذه المقاصد شرك؟ !

ص: 57

هذا يستحيل ولا يجوز في هذه الحالة أن نقول أن هذا الطواف شركي أو أن هذا القبر أو المقام يعبد فيه غير الله.

هذا كلام غير صحيح لأننا لم نقطع بالمقصد الشركي فلا يسمى الطواف عبادة أبدا لأننا لم نعرف المقصد بالقطع فلا يسمى الفعل شركي إلا إذا كان هناك قطع بأن المقصد عبادة شركية فيسمى في هذه الحالة الفعل فعلا شركيا وكذلك الركوع والسجود أمام المقامات لا تسمى شرك بالله ولا يسمى الركوع ركوع والسجود سجود إلا بمعرفة مقصد العبادة والتذلل فربما لله وربما للمقبور وربما مجرد انحناء أو جلوس.

وكل هذه الاحتمالات لا تقطع بتوصيف الفعل أو القول بأنه شرك وكفر فما دخل فيه الاحتمال يسقط عنه الاستدلال والأحكام لا تبنى على الظن وكذلك نقول أن هناك فرق ما بين دعاء الله كعبادة وما بين الاستعانة والاستغاثة والاستعاذة بأهل الله وهم في غيب بالنسبة لنا كدعاء رجال الغيب في الصحراء أو الفلاة فهذا جائز شرعا وثبتت الأحاديث به وسيأتي الكلام.

وكذلك كلامنا مع الأنبياء والأولياء في قبورهم والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة بهم فيما يقدرون عليه من استجابة دعائهم وصلاتهم علينا وهم في قبورهم وحوارنا معهم بالصلاة والسلام وقد ثبت كل ذلك بالنصوص وسيأتي الكلام على ذلك فكل هذا الدعاء لرجال الغيب وللأنبياء وللأولياء كل هذا ليس بشرك لأنه استعانة واستغاثة واستعاذة بهم فيما يقدرون عليه من قدرة الله وعطائه الذي منحهم إياه وهذا مشروع وكل ذلك بقدرة الله وحده التي أمد بها أهل الله محبة فيهم ومن جاههم عنده وقربهم منه فجعلهم الله وسائل رحمة ترحم بها الخلائق وهذا من تنوع الرحمات في الوجود وكذلك

ص: 58

من تعدد الوسائل التي تقرب إلى الله رحمة بعباده.

إذا دعاء أهل الله من الملائكة أو الجن النوراني الرباني أو دعاء الأنبياء والأولياء وهم أفضل من الملائكة عند الله سبحانه وتعالى كل هذا الدعاء مشروع وهو استعانة واستغاثة واستعاذة ودعاء أي طلب من أهل الله جميعا فيما يقدرون عليه من قدرة الله وعطاؤه فيهم وكل هذا من الوسائل وليس هو في ذاته مالك القدرة الحقيقية على النفع والضر والإيجاد من العدم والتغيير في كل موجود بل هم مجرد وسائل أعطاهم الله من قدرته وعطائه رحمة بهم ورحمة بالخلق الذين يحبونهم ويودونهم كوسائل تقرب إلى الله وحده وليست هذه الوسائل مقصد في ذاتها بل هي وسائل رحمة ترحم بها الخلائق.

فكل هذا ليس بدعاء شركي لأن المقصود منه الوسيلة والانتفاع بقدراتهم ورحماتهم التي وهبهم إياها الله فهو وحده القادر على ذلك وهذا كله من رحمة الله فمن لم يستطع الحج فعليه العمرة أو زيارة المقامات أو يدعو ربه في أقرب مسجد أو في داره وكل هذه وسائل مشروعة وتنوع في الرحمات كي ينتفع الخلق وحتى لا يكلف العبد فوق طاقته وهذا من رحمة الله بخلقه فلا يسمى هذا شرك حتى وإن كان دعاء رجال الغيب فمن باب أولى الأنبياء والأولياء لأنهم أفضل من رجال الغيب وجاز شرعا طلب المدد منهم أي عطاء الله الذي أمدهم به وليس ما يملكون لأنهم لا يملكون شيئا كبشر لولا اجتباء الله واصطفائه لهم ومدده فيهم.

فإذا علمت كل ذلك علمت أنه لا يجوز تسمية الدعاء شرك إلا إذا عرفت مقصد الداعي.

فإذا كان الداعي يقصد الدعاء الشركي أي أنه يطلب من المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله ولم يأذن به لأحد غيره كان الدعاء بذلك دعاءً شركياً لأن

ص: 59

المقصد شركي وقد علم بالقطع وليس بالظن أما إذا كان هناك احتمال أن يكون دعاء وسيلة كما بينا ذلك فلا يجوز شرعا الحكم على الدعاء أنه شركي لأن المقصد غير شركي أو فيه احتمال فإذا علمت ذلك فلا يجوز شرعا أن نقول لمن يدعون الأنبياء والأولياء عند قبورهم أو بعيدا عنهم أو من يدعون رجال الغيب لا يجوز لنا أن نحكم على دعاءهم بأنه دعاء شركي ابتداء لأننا لم نعرف المقصد بالقطع بل هو ظني فلا يجوز توصيف دعاء غير الله أنه شرك إلا إذا علمنا المقصد الشركي بالقطع وذلك مثل إخبار الله سبحانه لنا عن المقصد الشركي لعُبَّاد الأصنام في القرآن وأن دعائهم كان شركيا بعلم الله الذي أخبرنا به في القرآن وأنهم لم يكن معهم دليل شرعي أن هذه وسائل إلى الله بل كان مقصدهم دعاءً شركياً بلا شريعة.

فإذا علمت كل ذلك فلا بد لك أن تعلم أخي الكريم أنه لا يجوز لأي مخلوق كائنا من كان أن يحكم على قول أو فعل بأنه شرك إلا إذا علم المقصد من القول أو الفعل معرفة قطعية وليست ظنية وهذا في الحكم على القول أو الفعل فقط وليس الحكم على الفاعل إلا أن يكون من كفر الدلالات القطعية مثل سب الدين وسب الرسول كما بينا ذلك سابقا فإذا علمت ذلك علمت مدى الجهل التي وقعت فيه الوهابية الجاهلة بتسميتها لمن يزور مقامات الأنبياء والأولياء ويدعونهم ويستعينون ويستغيثون ويستعيذون بهم فيما يقدرون عليه كوسائل مشروعة تقرب إلى الله يسمونهم عُبَّاد القبور وهذا من الجهل ويحكمون على الموحدين المتوسلين المحبين بأنهم مشركين ويحكمون على أعمالهم ابتداء بأنها أعمال شركية وكفرية مع انتفاء المقصد الشركي وعدم وجوده أو احتماليته وهذا قمة الجهل بالأحكام الشرعية ووصفها والحكم

عليها بأنها شرك مع انتفاء المقصد الشركي أو احتماليته أي أنهم حكموا على

ص: 60

الأقوال والأفعال بالظن وليس بالقطع وقالوا أنها أفعال وأقوال كفرية وكل ذلك بالظن وهذا من الجهل الواضح كما فعل الخوارج وغيرهم من تكفير الموحدين بالظن والجهل في إنزال الأحكام على الموصوفات والمناطات وبالتلبيس على الناس في الأحكام ويجادلون بالباطل فنسألهم سؤال واضح جلي ما هي مظاهر الشرك القطعي التي تٌقصد في مقامات الأنبياء والأولياء؟ !

فنجدهم يتخبطون في الإجابة فمِنْهُم من يجيب على السؤال بالسؤال فيقول لك أليس الطواف بالقبور من الشرك لأنه لا يجوز الطواف إلا ببيت الله ومنهم من يقول أليس الذبح والنذر لغير الله شرك؟ ومنهم من يقول أليس التبرك شرك؟ ومنهم من يقول وهل يسمع الميت؟ وإن سمع هل يستجيب للدعاء؟ ومنهم من يقول هل ينفع الميت ويضر؟ ومنهم من يقول لماذا تذهب إلى هناك؟ وهذا أفقههم وسؤاله هذا هروب من التوصيف والأحكام وكل هذه الأسئلة باطلة تدل دلالة قطعية على جهل هؤلاء الناس بالواقع وتوصيف المناط وإنزال الأحكام عليه وما أرادوا إلا الدفاع عن معتقدهم وهذا سلوكهم وأسلوبهم القيام بتضعيف الأحاديث الصحيحة التي تدل على صحة معتقد من يخالفهم والطعن فيها بشتى الوسائل ثم يجادل بعد ذلك ويقول لك وإن صحت هذه الأحاديث فمعناها كذا وكذا وكذا يحرفون الكلم عن مواضعه ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق وكل ذلك بوحي من إبليس حتى يفرقوا المسلمين بسلاح الوهابية مرة بتقسيمهم سنة وشيعة ومرة بتقسيم أهل السنة لطوائف صوفية وغيرها فهم الأداة الحقيقية السياسية التي يستخدمها أعداء الدين وخصوصا المنافقين حتى يفرقوا الأمة الإسلامية ويسودوا حكاما عليهم ويضيعوا بذلك الحكام الربانيين أئمة

الدنيا والدين آل بيت رسول الله المطهرين عليهم السلام وتستمر بذلك دولة إبليس على

ص: 61

حساب ضياع دولة آل البيت عليهم السلام في الظاهر.

ولذلك نجدهم إذا قام المسلمين الشيعة في لبنان حزب الله بمحاربة اليهود تجدهم هم والحكام المنافقين المتأبلسين وبطانتهم يحاربون ذلك بالسياسات الملتوية وبالفتاوى الفادحة مثل التي حرمت الدعاء لحزب الله بالنصر على اليهود! ولا حولا ولا قوة إلا بالله.

وهذه حرب من السلف معلنة على آل بيت رسول الله (ص) وذلك في حياتهم في الأجيال الماضية والمعاصرة وبمنع زياراتهم والتبرك والتوسل بهم بعد انتقالهم وكل ذلك حسدا من عند أنفسهم على من هم في صورتهم البشرية مع تمييزهم بحقيقة التطهير الربانية أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ . (1)

حتى إذا ذكرت أمامهم كرامات آل البيت عليهم السلام تجدهم يطعنون فيها بطعن ملتوي لأنها لم تجري على أيديهم هم فتجدهم يتكلمون عن فتن إبليس للناس وخوارق العادات الشيطانية ونحن نكلمهم عن قدرات ربانية جرت على يد الأولياء ولا يستطيع الجن والشياطين أن تأتي بمثلها وكل ذلك حسدا من عند أنفسهم وأنها لم تجري على أيديهم هم وليست لهم كرامات قطعية وأنهم أهل بدع وأهواء ولن تجد الكرامات الحقيقية إلا عند الذين يعرفون قدر أهل الله ويعرفون طريق محبتهم والانتفاع بعلومهم الشرعية والحقيقية والتواجد في الظاهر والباطن معهم في مقام الحب والاتباع والتواجد بالظاهر الملموس وبالباطن الغيبي عند العامة.

فإذا عرفت أخي الكريم كل ذلك معرفة نبوية صحيحة عرفت بذلك أن


1- النساء: 54.

ص: 62

كل أحكام الوهابية مبنية على الظن وغلبة الظن وأن توصيفهم للأحكام الشرعية ما هو إلا تلبيسا على الناس وتلاعب بالأحكام على غير مناطاتها وكذلك تلبيس على الناس في توصيف المناطات حتى ينزلوا عليها أحكاما غير أحكامها وكل ذلك بالجهد أو بالعمد عند بعضهم ممن يعرفون الطريق جيدا بالسياسة إلى السعودية وأعوانها ومددها المادي المعروف عند بعضهم والدعم الكامل للفكر الوهابي الذي ولد وتربى وترعرع على العداء لآل بيت رسول الله (ص) مع ادعائهم الملتوي في الفترة الأخيرة بالذات أنهم ممن يحبون آل البيت ولكن بغير إتباع لهم ولمذهبهم! أي حب عاطفي! وهذا كله من منطلق سياسي صرف وليس ديني على الإطلاق!

وكلما ظهرت جهود مخلصة لتوحد الأمة سنة وشيعة والتئم الجرح تجد العقبة الوحيدة في ذلك هي الوهابية السياسية! تجدهم مصرين إصرارا شديدا على التعصب الأعمى المذهبي وتكفير الشيعة وهذا هو قمة الجهل والإفساد وتفريق الأمة وتحقيق أهداف إبليس وأعوانه من اليهود والنصارى والذين أشركوا وأصدقائهم في الشرق الأوسط من المنافقين وغيرهم من الساسة وبطانتهم الوهابية وغيرها!

وإليك أخي الكريم أشهر تلبيسات الوهابية على الخلق من ناحية التلبيس في المناطات والتلبيس في الأحكام وأكثر شبههم انتشارا والرد عليها والله الموفق وهو يهدي السبيل.

فنردّ أولاً ردّاً مجملا على كل من يطعن في المعتقدات الخاصة بأهل المحبة زوار مقامات الأولياء آل البيت عليهم السلام وما يحدث هناك من تبرك واستعانة واستغاثة ودعاء.

تقول الوهابية أن كل هذه الأمور بدعة ولا أصل لها ولم يفعلها صحابة

ص: 63

رسول الله (ص) وما الدليل على فعل الصحابة لها؟

فنجيب والله المستعان على ذلك.

أولا: زيارة المقامات مشروعة ومستحبة شرعا وليست واجبة عند أهل السنة وعند من يجيزها فإذا قام بها البعض سقطت عن الآخرين لأنها مستحبة فلا بد أن تكون موجودة في الدين كفرض من فروض الكفاية فإذا تركها مثلا أبو بكر وعمر وعثمان لا يكون تركهم لها دليل تحريم لها إلا إذا كانوا هم مصدر الشريعة ومعصومين في تمثيل هدى الله! أما إذا قام بها مثلا زيد بن أرقم أو سلمان الفارسي أو خباب بن الأرت ومن هنا نقول أن مقامات آل البيت عليهم السلام في النجف في العراق مقام الإمام علي (ع) ، وفي كربلاء بل في شتى بقاع الأرض مراقد ومقامات آل البيت عليهم السلام هي مزارات ووسائل مشروعة من جيل الصحابة بالتواتر وحتى هذه الساعة ولم يشذ عن ذلك إلا الوهابية الحاقدة ومن حرم مودة أهل الله ممن لاحظ له في العلم الشرعي النبوي والوصل النبوي الحقيقي! وهذا حفظ للدين والمقامات موجودة من عصر الصحابة وعلى رأسهم مقام الإمام علي في النجف فشيعته من جيل الصحابة ومن كان معه تمسكوا بزيارة مقامه ووده والتوسل والتبرك به من جيل الصحابة وإلى يومنا هذا ولم ينكر هذا الأمر إلا المبتدعين الوهابية منذ وقت ظهورهم فهذا الإنكار ابتداع في الدين ولم ينكره أحد من الأجيال الأولى في جيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ولكنها بدعة الوهابية وهذه بدعة قطعية فالإنكار بدعة قطعية.

ولن تجد إنكاراً صريحاً من جيل الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين.

ونكرر الكلام ونشهد الله إنها بدعة الوهابية الحاقدة الجاهلة في هذا الإنكار وكذلك جهل من ليس له حظ في العلم الشرعي النبوي أما بالنسبة

ص: 64

لاحتجاجهم بعدم فعل أبو بكر وعمر وعثمان فهم في هذا الموضوع لم يتركوا أمراً من الفروض القطعية بل أن الزيارة للمقامات بما فيها فهي من المستحبات وليست من الفروض فربما تركوها على هذا الأساس هذا إذا كنت لا تعلم أصلا أنهم ليسوا معصومين وليسوا مصدرا للتشريع والشريعة حتى يحتج بهم وربما انشغلوا بالخلافة والخلافات عليها وتركوا المستحبات الشرعية.

وهذا كان ظاهرا في بلاد الحجاز والشام في تلك الفترة لأن السياسة سيطرت عليهم سيطرة تامة ورحم الله أهل العراق فقد أقام الله سبحانه شريعة الزيارة واستحبابها والتمسك بها حتى لا تضيع فحفظت لنا وثبتت مشروعيتها من جيل الصحابة وحتى هذه الساعة وخصوصا إذا علمت أن كثير من آل البيت عليهم السلام يوجد مقامهم في العراق.

وهذا دليل قطعي ورد على المسألة كلها في مجملها ودليل واضح أن زيارة المقامات ليست ببدعة كما يدعي الوهابية أو أنها بدعة تعود للصوفية في العصر الفاطمي أو ما شابه كل هذا من الكذب والافتراء والادعاء والتلاعب بل إن الحقيقة أن البدعة هي بدعة الإنكار وليست الاثبات لأن ثبوتها من مقام النبي (ص) ومقامات آل البيت عليهم السلام فهي مزارات ووسائل مشروعة من جيل الصحابة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وأن المبتدعين في الإنكار هو أمر حديث منذ ظهور الوهابية فقط وهذا إجماع على أمر مستحب من أمور الشريعة الإسلامية منقول إلينا بالتواتر من الجيل الأول ولم يبتدع في هذا بالإنكار عليه إلا الوهابية الحاقدة منذ ظهورها ومن

اتبعهم من قليلي العلم الجهلاء وفتنوا بكلامهم في العصور المتأخرة.

وقد نقلنا إجماع الأمة الفعلي على إقامة هذه الشعيرة في جميع الأمصار من

ص: 65

الجيل الأول وقد علم التاريخ كله الخلاف على الخلافة ورٍِِدَّة من أرادوا الدنيا وتركوا شعائر الدين وخرجوا على الأئمة الربانيين أئمة الدنيا والدين المطهرين آل البيت الأمين عليهم السلام أجمعين فإن زيارة المقامات والتبرك بها والتوسل بأهلها ودعائهم فيما يقدرون عليه بقدرة الله وحده ومدده فيهم كل ذلك له أصل في الدين من الجيل الأول ومقام الإمام علي (ع) في النجف خير شاهد على ذلك من الجيل الأول وحتى يومنا هذا ومقامات آل البيت عليهم السلام مفتوحة للمتوسلين المحبين وروضاتهم ملاذ لقضاء الحوائج والدعاء المستجاب والبركة وكل ذلك من رحمات الله على الناس وعلى الفقراء والمساكين الذين لا يملكون إلا الحب وكل هذا من تنوع رحمات الله في الوجود حتى تشمل الغني والفقير الذي يستطيع والذي لا يستطيع.

وإليك أخي الكريم الرد على شبهات الوهابية على التفصيل على الرغم أنه يكفينا ما ذكرناه سابقا في الرد عليهم جملة وحجتنا قطعية عليهم بالإجماع وإليك أشهر شبههم والرد عليها: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ . (1)

ونحن نقول أن المعنى أن الملك لله وحده والذين تعبدونهم من دون الله لايملكون من قطمير وهذا إلزام بالألوهية من الربوبية لأن الذي يعبد ويطلب منه لا بد أن يكون هو القادر المالك الحقيقي وأن الأصنام التي يدعونها ويعبدونها لا تسمعهم أصلا ولو سمعوا كأصنام لا يستجيبوا

بالكلام أو القدرة على قضاء الحوائج في ذاتهم فهم أصنام وهذا إخبار من الله عن المقصد الشركي للمشركين عُبَّاد الأصنام وهو أعلم بمقصدهم ولذلك


1- فاطر: 14.

ص: 66

قال

« ولا ينبئك مثل خبير» .

وهذا تصريح أن الله هو الذي أخبر عن مقصدهم الشركي وأنهم مشركين يعبدون الأصنام ولكن الوهابية تدّعي بلسان حالها أنها تعلم مقاصد العباد وتشق عن صدورهم! وتريد أن تطبق أحكام المشركين المقطوع بشركهم على المسلمين الموحدين المحبين المتوسلين المتبركين وهذا مع اختلاف المقاصد والواقع والمناط فالمشركين أخبر عنهم الله سبحانه وتعالى بصريح القرآن وبيّن لنا مقاصدهم الشركية وأن دعاءهم دعاء شركي وليس دعاء وسيلة فيما يقدر عليه العبد الرباني ومن باب التعاون على البر والتقوى وشتان ما بين هذا المقصد والمقصد الآخر ولكنها الوهابية السياسية وتلبيسها على الناس وسوء ظنها بالمقاصد!

وكل آيات القرآن التي تتحدث عن المشركين هي إخبار من الله عن حال المشركين وأوصافهم وأفعالهم ومعتقداتهم وجهلهم وغالب آيات القرآن التي تتحدث عن الشرك غالبها يتحدث عن عُبَّاد الأصنام ولا يصح تطبيقها على مسلم موحد يشهد الشهادتين ابتداء إلا بمطابقة المقصد ومعرفة أن المقصد شركي كمقصد عباد الأصنام وهذا لا يملكه إنسان فضلا عن وهابي لأنه رجم بالغيب وحكم بالظن ولا يجوز توصيف أفعال وأقوال الموحدين ابتداء على أنها شرك بغير معرفة مقاصدهم وتطابقها مع مناط المشركين عباد الأصنام وموافقة مقاصدهم التي لا يعلمها إلا الله! ولم يظهر منهم قرائن ودلالات قطعية تدل على المقصد الشركي! ولذلك ختم الله الآية بقوله سبحانه

« ولا ينبئك مثل خبير» وهذه حجة في عنق كل وهابي يرجم بالغيب

ويحكم بالظن!

وهذا دليل واضح نرد فيه على جميع شبههم القرآنية التي لم يفهموها

ص: 67

ويُلّبسون بها على أنفسهم وعلى الخلق لأن كل آيات الله الذي أخبر فيها عن المشركين وأحوالهم لا يجوز تطبيقها أبدا على من يشهد بالتوحيد كأصل إلا بمعرفة مقصده الشركي معرفة يقينية وليست ظنية حتى يتطابق وصفه الشركي مع وصف المشركين ومقاصدهم الشركية التي أخبر عنها الله سبحانه وتعالى فيصبح المناط واحد ويكون في هذه الحالة الحكم على الفعل فقط أنه شركي وهذا إبطال صحيح صريح واضح لشُبه الوهابية وبيان وقوعهم في المتشابه واتباعهم له.

وهذا زيغ صريح واضح فلا يصح ولا يجوز تطبيق آيات القرآن التي نزلت في عباد الأصنام على المسلمين إلا إذا وجد المقصد الشركي ظاهرا وتطابق الواقع مع واقع المشركين عباد الأصنام وتوحدت مقاصدهم بما ليس فيه شك أو احتمال أو ظن أبدا.

وقول الله سبحانه وتعالى إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا. . . (1)وقوله لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (2)كل هذا في وصف الأصنام التي لا تسمع لأنها حجر ولا تستجيب في الكلام أو الفعل فهي صنم وهي غافلة عن دعاء المشركين لها فهي صنم والدعاء هنا دعاء شركي بإخبار الله لنا بذلك أما دعاء الوسيلة والتعاون على البر والتقوى فيما يقدر عليه العباد الربانيين بما أنهم يسمعون بالله ويبصرون بالله وتتجلى

فيهم قدرة الله وعطاءه ومدده ودعاءهم مستجاب ويقولون للشيء كن فيكون بقدرة الله فيهم فهذا الدعاء ليس دعاء شركي للأصنام بل هو دعاء


1- فاطر: 14.
2- الاحقاف: 5.

ص: 68

وسيلة مشروعة إلى الله وليس فيه أي مقصد شركي فشتان ما بين عبادة الصنم وما بين عبادة الله وحده بالوسائل الشرعية فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ ! وكل من عبد غير الله حتى وإن شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص) يكون عمله هذا شرك وذلك بعد التأكد من أنه عبد غير الله أي التأكد من مقصد العبادة وتحققه والتأكد التام من مقصده الشركي. أما بالظن أو الاحتمال والشك وغلبة الظن أن مقصده شركي هذا لم يقل به أحد لأن الأحكام لا تبنى على الظن فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وهذا الكلام حتى يسمى فعله أو قوله شرك أي أن معرفة مقصده من أجل أن نسمي فعله أو قوله شرك فقط كحكم على القول أو الفعل بعيدا عن الحكم على الفاعل فهذا أمر آخر يعود لقضية تكفير الشخص المعين وإنزال الحكم عليه فهذا يعود لشروط أخرى لا بد من التأكد منها مثل عدم الخطأ أو التأول أو الإكراه أو أي عارض من عوارض الأهلية يمنع من إنزال الحكم عليه أي لا يتم تكفيره إلا بعد وجود جميع الشروط الشرعية وانتفاء جميع الموانع الشرعية هذا بالنسبة لتكفير الفاعل أما كلامنا هنا عن تسمية فعله أو قوله ابتداء بأنه قول أو فعل كفري لا يجوز الحكم على القول أو الفعل ذاته بأنه شركي وكفري إلا إذا علمنا باليقين مقصد الفاعل أو المتحدث بالكلام أو بالقرينة القطعية وليست الظنية التي تدل دلالة قطعية على مقصده الشركي وهذا كله من أجل تسمية قوله أو فعله أنه شرك وهذه قضيتنا هنا.

أما قضية الحكم على الفاعل نفسه أو المتحدث بالقول نفسه فهذه قضية

أخرى أصعب من الأولى في تطبيق الأحكام عليها! بل ترى ما هو أجهل من ذلك عند الوهابية الحاقدة فهم يكفرون الشخص المعين بالظن والجهل

ص: 69

والتخبط والتلبيس فتجدهم مثلا يكفرون السيد «حسن نصر الله» فإذا قلت لهم أين أدلتكم على تكفيره وهو يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص) ؟ ! قالوا إنه شيعي ونحن نكفر الشيعة قلنا لهم أين أدلتكم على ذلك؟ !

وهل جلستم بأنفسكم مع مراجع الشيعة وعلمائهم وأقمتم عليهم الحجة وأزلتم جميع الشبهات عندهم ووجدتموهم مصرين على الكفر بعد إقامة الحجة وإزالة جميع الشبهات؟ ! قالوا إنهم يألهون علي بن أبي طالب. قلنا لهم إن الشيعة لا تقول ذلك بل تقول بكفر من اعتقد ذلك.

قالوا إنهم يستخدمون التقية الشرعية ويظهرون عكس ما يبطنون. قلنا لهم إن لكم الظاهر والله يتولى السرائر.

قالوا نحن لا نكفر كل الشيعة بل بعض طوائفهم. قلنا لهم وما دليلكم على ذلك؟ !

قالوا إنهم يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان. قلنا لهم أين الدليل عندكم على هذا؟ ! وهل هم معصومين أم غير معصومين فإن كانوا معصومين يستحيل في حقهم الردة والإرتداد والذنوب والمعاصي وهذا ما لا تقول به الوهابية ومن على شاكلتهم فهماً من أهل السنة والجماعة هدانا الله وإياهم. وإن قلتم أنهم من العشرة المبشرين بالجنة قلنا لكم أن هذا ما ثبت في مصادركم ولم يثبت في مصادر الشيعة وهو مردود عندهم فهل تكفرونهم بلا حجة ولا بيان قطعي وإن كنتم أهل حق فلماذا لم تجلسوا معهم وتثبتوا لهم صحة مصادركم وأصل حجيتها وهذا الكلام نفسه في ثبوت عصمة الصحابة عندكم في

مصادركم فقط وهي باطلة في مصادر الشيعة فهل جلستم وأقمتم الحجة على السيد «حسن نصر الله» أو على الإمام «الخميني» أو على مراجع الشيعة حتى

ص: 70

تكفرونهم على العموم!

فكيف هذا وقد كفرتم أعيانهم وبأسمائهم وخذلتم الإسلام الممثل في «السيد حسن نصر الله» وهو يحارب الكفر وذلك بفتوى ابن جبرين وأمثاله وبمكر دعاة الوهابية بالتلويح والإشارة إلى التكفير في كلامهم عن هذه القضية أنها الوهابية السياسية الحاقدة التي تكفر بالهوى وغلبة الظن وتنزل الأحكام على المناطات بالظن وكذلك على الأشخاص المعنيين بالظن أيضا وبعدم ثبوت الشروط وانتفاء الموانع ويكفرون المسلمين بأعيانهم بالهوى والسياسة.

ومن هنا نسأل سؤال واضح من الذي جلس منكم مع السيد «حسن نصر الله» وأزال جميع الشبهات عنه وأقام الحجج وأزال التأويلات فلم يبقى عنده إلا إتباع الهوى واختيار الكفر على حد زعمكم وافترائكم؟ ! وما الأدلة على ذلك؟ ! وكيف بنيتم أدلتكم الباطلة على تكفيره حتى تبرروا للناس خذلانه وعدم نصرته على اليهود وهذه لعبة السياسة الأموية في السلف والخلف.

وأنا أشهد الله سبحانه وتعالى وأنا على يقين كامل من ذلك أن السيد «حسن نصر الله» أو الإمام الخميني أو أي مرجع شيعي معاصر إذا جلس مع الوهابية وعلمائهم والغلاة وغيرهم من أهل السنة والجماعة لأقام هو عليهم الحجة وأزال جميع شبههم المفتراة ووضعهم أمام مرآته النبوية فعلموا حقيقة ما هم عليه ولكن الهداية والإضلال بيد الله سبحانه وتعالى.

ونود أن نحذر المسلمين من الأشرطة المدبلجة التي صنعتها أجهزة الأمن ونشرتها من خلال الوهابية لبعض علماء الشيعة يقولون بعض الأقوال -تلك الأشرطة والله وحده يعلم مدى صحتها ولا حجة فيها ولا يصح الاحتجاج

ص: 71

بها مع وجود التكنولوجيا الحديثة في الدبلجة والتصوير - إلا أن يكون على الهواء مباشرة أمام جميع الناس كفتوى «السيد حسن فضل الله» المرجع الشيعي اللبناني الذي يحرم فيها سب الصحابة أو الإساءة إليهم وقد أذاعتها قناة الجزيرة على الهواء مباشرة أو السماع على الطبيعة فهذه هي الوسائل التي يعتد بها أن تكون رسمية صريحة ولكن الوهابية ومن على شاكلتهم يكفرون بالظن وقبل قيام الحجة الشرعية ويكفرون المعين بلا شروط ودون إزالة الموانع والتأكد من عدم وجودها.

فهل فهمتم هذا الدرس يا من تقفون عقبة في توحيد المسلمين ونصرة الحق على الباطل؟ !

فيجب أن تتعلموا هذا الدرس في إنزال الأحكام الشرعية ومراعاة المقاصد والوسائل والتأكد من المقاصد (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) أي أن المقاصد أساس في الأحكام والمناطات ولا بد من معرفة المقصد حتى تسمى الأقوال والأفعال بمسمياتها الحقيقية ولا يفتح المجال للتلبيس على الناس كما هو واقع من الوهابية ومن على شاكلتهم.

ونعود لموضوعنا مرة أخرى:

وتقول أيضا الوهابية الجاهلة ومن على شاكلتهم أن ما يفعله زوار المقامات هو عينه ما فعله المشركين عباد الأصنام لما قالوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا

لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى (1) أو بقولهم هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ . (2)

ونجيب عن ذلك بإظهار المقصد الشركي إقرار صريح من المشركين أنهم


1- الزمر: 3.
2- يونس: 1٨.

ص: 72

عبدوا الأصنام وهناك فرق ما بين من عبد إله باطل صنم حتى يقربه لإله السماء كما قالوا ذلك وثبت عنهم وما بين من توسل بالوسيلة الشرعية بدعاء العباد الربانيين والاستعانة بهم فيما يقدرون عليه من عطاء الله وقدرته ومدده وحده فيهم فهذا اختلاف واضح ولا يستحق الحكم على هؤلاء بنفس الحكم على من أقر بعبادته ومقصده الشركي لغير الله كإله فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وكذلك آية الشفاعة تتكلم عن عباد الأصنام الذين عبدوا الأصنام لتشفع لهم عند الله وهذا مقصد شركي بإقرار منهم وبنبأ الخبير سبحانه وتعالى القرآني وإذا بدأتم الآية من أولها لعلمتم باليقين أنها تتكلم على عُبَّاد الأصنام وعبادتهم الشركية وليست عامة في مقصد الشفاعة فالشفاعة منها الشركية بالمقصد مثل التي في هذه الآية وهناك شفاعة ممدوحة مشروعة مثل شفاعة الملائكة والأنبياء والأولياء والأعمال الصالحة وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (1)و مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (2)وليست الآية عامة في الشفاعة وطلبها وهي بإذن من الله سبحانه والدليل على أن هذه الآية تقصد عباد الأصنام ومقصدهم الشركي في عبادة الأصنام قوله سبحانه وتعالى في أول

الآية وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لَا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ . (3)


1- الانبياء: ٢٨.
2- البقرة: ٢55.
3- يونس: ١٨.

ص: 73

فهذا إخبار صريح من الله عن مقصدهم الشركي وأنهم يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وفرق ما بين عبادة غير الله واتخاذ الأصنام شفعاء لهم عند الله بغير إذن شفاعة وبشفاعة شركية يعبد بها غير الله وما بين الشفاعة المشروعة التي أذن الله بها لأهل الله وخاصته إكراما لهم ومحبة فيهم واصطفاء واجتباء لهم حتى أنه أمدهم بمدده وقدرته وجعلهم وسائل مشروعة تنفع الخلق بإذن الله وحده وبقدرته ومدده فيهم كمظهر من تنوع الرحمة في الوجود فهل فهمت الوهابية هذا الفرق وفهمت هذا الدرس في أنهم يحكمون بالظن؟ !

وأما بالنسبة لقولهم أن أهل القبور لا يسمعون ولا يدرون بأي شيء ويستدلون على ذلك بقوله تعالى وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (1)وكذلك إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (2)وكذلك مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (3)كل هذه الآيات لا تعني أن الموتى والمقبورين لا يسمعون بل معناها الحقيقي أنهم قد وقفت أعمالهم عن الاستجابة للهدى والهداية فهم موتى القلوب وهذا حال الكافر منهم وقد وقف تكليفه بمجرد موته ولم يعد عنده القدرة على إصلاح أمره وتغيير مساره بالاستجابة للهدى وكذلك المسلم المكلف ينقطع عمله

إلا من الثلاثة المذكورة في الحديث وهذا هو معنى الآيات أنهم لا يقدرون على الانتفاع بالهدى والاستجابة لهدى النبي (ص) بعد مماتهم وهذا هو المعنى والآيات تتكلم عن أهل العمى ومن مات على باطل.

أما قضية أن الموتى يسمعون كلام الأحياء فهي واضحة لا خلاف فيها


1- فاطر: ٢٢.
2- النمل: ٨٠.
3- الاحقاف: 5.

ص: 74

مثل إلقاء السلام على الأموات بصيغة المخاطب «السلام عليكم» في دعاء دخول القبور وكذلك سماع أهل القليب من الكفار وكذلك عرض السلام على النبي (ص) وسماعه بقدرة الله فيه هو والأنبياء والأولياء تكريما وتشريفا وستأتي الأدلة على كل ذلك بعد رد بقية شبهات الوهابية.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس أيضا؟ ! وعلمت أن سماع الأموات أو الغائبين عباد الله أو رجال الغيب أو المقبورين كل ذلك بقدرة الله وبإسماعه لهم وليس بالسمع البشري الطبيعي فهل فهمت الوهابية هذا الكلام؟ ! أم هو التعصب والتشدد الأعمى المذهبي والقائم على إتباع الهوى والظن؟ ! وهذا عينه ما ذكره المفسرين عن آيات عدم الإسماع أي أن أهل القبور لا ينتفعوا بالهداية ولن يهتدوا ويستجيبوا للهدى وحجة الله عليهم لأن أعمالهم قد وقفت وهذا خاص بعامة الناس ولا يطبق على أهل الله لخصوصية الأنبياء والأولياء فقد جعل الله أهل الاجتباء وأهل الاصطفاء في الجنة في حياتهم وبعد انتقالهم وجعلهم الله مصدر رحمة في الوجود ومظهر تجلي لعطاء الله سبحانه وتعالى في الوجود وجميع المقبورين مسلمين أو مؤمنين أو محسنين وحتى الكفار وكل أولئك البشر يسمعون في قبورهم بقدرة الله وليس بقدرة سمعهم البشري بعد الانتقال.

وقد ذكرنا الأدلة على ذلك فهل فهمت الوهابية هذا الدرس!

ومن هذا المنطلق أخاطب أيضا المحبين الصادقين وأقول لهم ولكل

الناس أن العبادة لا تكون إلا بالشريعة بأسماء الله وصفاته وطلب المدد منهم على اعتبار أن كل الناس لا يدركوا هذه الحقيقة مع أنها ليست من الشرك الأكبر فأقول لهم أيضا خاطبوا الناس على قدر عقولهم وقولوا بالشريعة في التعبد ولا تقولوا بالحقيقة مع أنها ليست من الشرك لأن المقصد فيها والغاية

ص: 75

هو الله سبحانه وتعالى مالك الملك والملكوت وصاحب المدد والعطاء وذلك لأننا نطلب العلم والعلم هنا ينقسم إلى قسمين علم عام وعلم خاص فالعلم العام هو معرفة ما يحبه الله ويرضاه ويريده من خلال إتباعنا لرسول الله (ص) في الظاهر الشرائعي من خلال النصوص الشرعية بالقرآن وبالسنة الصحيحة وباللغة العربية التي يعرفها العام والخاص ويكون الإتباع فيها بالمصادر الشرعية الظاهرة.

أما العلم الخاص هو معرفة ما يحبه الله ويرضاه ويريده من خلال الإتباع لرسول الله (ص) في الباطن بالتخاطب الملكوتي الخاص بالأولياء والذي يتم بقدرة الله وبسر السر من خلال الخواطر والمكاشفات والإلهام والإطلاع على الغيب والانقباض والانبساط وتحديث الروح والرؤى في المنام واليقظة واستفتاء القلب وخصوص الإطلاع على الغيب بإذن الله كل هذه الصور هي من صور كيفية معرفة مراد الله الحقيقي عند أهل الله خاصة بلغة الباطن الملكوتي والتصريف بالأحوال الخاصة بأهل الله ويكون الإتباع الحقيقي لرسول الله (ص) ومعرفة مراد الله بلغة الباطن الملكوتي ويكون هو مصدر الإتباع عند الخاصة.

لنضرب لذلك مثل أن الخضر عليه السلام في قصته مع موسى (ع) قال:

وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي (1) وقال عنه رب العزة وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (2)فالخضر (ع) علم بوسائل العلم الخاص الملكوتيه من خلال الحقيقة علم مراد الله وأمر الله في قتل الطفل وخرق السفينة وبناء الجدار وهذا هو المراد


1- الكهف: ٨٢.
2- الكهف: 65.

ص: 76

الحقيقي الباطني الملكوتي عند الخاصة والذي تعارض في ظاهره مع مراد الله الشرعي المعلوم بالمصادر الشرعية الظاهرة العامة والتي تقضي بحرمة قتل الطفل وغيره من الأفعال التي فعلها الخضر (ع) حتى يحقق الرحمة للعالمين كحكمة لأفعاله المنبثقة من معرفته لمراد الله الحقيقي وكما أراد أيضا موسى عليه السلام أن يحقق الرحمة بإنكاره على الخضر (ع) فتكلم الخضر عليه السلام بالعلم الخاص وتكلم موسى (ع) بالعلم العام وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدنا بمدده وعطاءه في أوليائه وأنبيائه وأحبابه فهو القادر على ذلك وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وعلى آل بيته الطاهرين المطهرين وسلم تسليما كثيرا.

ص: 77

ادلة زيارة المقامات من المذاهب الاربعة

أوّلاً: القرآن الكريم

الآية: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (1)فهذه الآية تدل على تعليق وجدانهم الله توابا رحيما بمجيئهم واستغفارهم واستغفار الرسول لهم، واستغفار الرسول (ص) يكون لجميع المؤمنين بنص قوله تعالى وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ (2)وكذلك استغفاره (ص) بعد الوفاة متحقق كما يدل على ذلك حديث البزار عن ابن مسعود: من عرض أعمال أمته (ص) واستغفاره للمسيء منهم. فإذا أوجد مجيئهم واستغفارهم بالإضافة إلى استغفار الرسول (ص) لهم حيا وبعد الوفاة فقد كملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى على العبد ورحمته. (3)

وثبت بهذا كله أن الأمور الثلاثة المذكورة في الآية حاصل لمن يجيء إليه (ص) زائرا مستغفرا في حياته (ص) وبعد وفاته وقد استحب العلماء على


1- النساء: 64.
2- محمد: 1٩.
3- من كتاب مشروعية الزيارة، صص 16، 1٧،4١، 4٢.

ص: 78

اختلاف مذاهبهم لمن أتى قبره (ص) أن يقرأ الآية مستغفرا الله تعالى.

وقال ابن الحاج: فالتوسل به (ص) هو محل حط أعمال الأوزار وأثقال الذنوب والخطايا لأنه الشافع المشفع الذي لا يخيب من قصده ولا من نزل بساحته ولا من استعان واستغاث به ببركة شفاعته وعظمها عند ربه فليستبشر من زاره ويلجأ إلى الله تعالى بشفاعته (ص) من لم يزره.

ثم قال «من اعتقد خلاف ذلك فهو محروم، ألم يسمع قوله تعالى وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً وقد وعد الله بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربه فهذا لا يشك فيه ولا يرتاب إلا جاحد للدين معاند لله ورسوله (ص) .

فنعوذ بالله من الحرمان (1)ه- باختصار.

ثانياً: الأدلة من السنة

(2)- قال ابن كثير في تفسيره ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي (ص) فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (3)وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي (ص) في النوم فقال

« يا عتبي


1- النساء: 64.
2- النساء: 64.
3- النساء: 64.

ص: 79

الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له» . (1)

قال النووي عن هذه القصة «ومن أحسن ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: كنت جالسا عند قبر النبي (ص) . . . . . . . القصة» المجموع شرح المهذب ٨/٢٧4 وفي آخر منسكه المعروف ب-(الإيضاح) وقد حكاها أيضا ابن قدامة في المغني (٣)/55٧ وقد ذكرها بسندها البيهقي في شعب الإيمان (2)وكثرة رواتها وشهرتها في بابها تؤكد وتعاضد الأحاديث في هذا المعنى والمعتقد فهي من الشواهد المؤكدة للنصوص.

ويفهم من هذا الأثر أمور أولا إشتهار الأثر ورواية جماعة من العلماء له وعلى رأسهم ابن كثير والصباغ والنووي وابن قدامة والبيهقي وإقرارهم أن هذه القصة خير ما ذكر في هذا الباب وإقرارهم باشتهارها وبما أنهم ذكروها في تفسير الآية فهذا إقرار منهم بفقهها والذي يدل عليها ألا وهو:

الجلوس بجوار قبر النبي (ص) في الروضة كما فعل العتبي.

ومجيء الأعرابي من البادية إلى المدينة المنورة هو شد رحال للتوسل والشفاعة وأن هذا مشروع بهذا الأثر وإقرار من نقلوه ولم يكن شد الرحال للصلاة في المسجد النبوي فهذا دليل على مشروعية شد الرحال للمقامات.

مشروعية خطاب النبي (ص) فيما هو أكثر من الصلاة والسلام أي المخاطبة كمخاطبته قبل الانتقال (ص) .

مشروعية التوسل به وطلب شفاعته وطلب الاستغفار منه أيضا.

النص الصريح أن شد الرحال إلى مقام النبي كان من أجل الشفاعة


1- تفسير القرآن العظيم، ج ٢، ص 3٠6.
2- شعب الايمان، ج ٩، ص ٢11.

ص: 80

والتوسل وطلب الاستغفار وهذا صريح في النص حيث يقول

« جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا إلى ربي» وكل هذا واضح من الرواية.

أن المخاطبة بضمير المخاطب تؤكد سماع النبي (ص) لما هو أكثر من الصلاة والسلام وهذا واضح في شعره أنه يخاطب من يسمعه.

أن سماع النبي (ص) بقدرة الله وحده وليس بالسمع البشري الطبيعي لأن هناك جدران تحول بين المتكلم والسامع إلا أن يكون بتولي الله له وبقدرة سمعه فيه بالولاية.

إثبات أن رؤيا النبي (ص) حق وأن الشيطان لا يتمثل به وأنها ملزمة لمن رآها فقط وأن أمر النبي فيها ملزم لمن رآه فقط وليس تشريع للأمة.

إثبات نتيجة التوسل والاستشفاع والاستغفار بدخول الجنة.

وكل هذه المعاني التي يتحملها الحديث دون زيادة أو نقص وهذه المعاني واضحة لمن كان له عقل وهي بإقرار من العلماء الذين نقلوا هذه القصة ويكفي ما قاله النووي أنها من أحسن ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له.

2- قال:

« حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض عليا أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم» .

أخرجه البزار في مسنده٩/24 حديث رقم1٩25 وأخرجه الحارث بن أسامة في مسنده 2/٨٨4 حديث رقم٩53 وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2/1٩4 وأخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب 1/1٨4 وصححه السيوطي في الخصائص الكبرى 2/2٨1 وقال سنده صحيح وصححه الحافظ الهيثمي في (المجمع6/24 وقال «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح»)

ص: 81

وقال عنه الحافظ العراقي في التقريب 3/2٩٧ اسناده جيد وقال أيضا في كتاب «المغني عن حمل الأسفار» 2/1٠51 حديث رقم 3٨1٠) قال: أخرجه البزار من حديث عبد الله بن مسعود ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون ورواه الحارث بن أي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف.

تنبيه

هذا الحديث له رواية أخرى تؤكده وتعاضده وتقويه وهو صحيح ويكفينا تصحيح السيوطي وغيره من علماء الحديث أما بالنسبة إلى عبدالمجيد بن عبد العزيز بن أبي داود فيكفينا أنه من رجال مسلم ونحن نعلم في علوم الحديث عند أهل السنة والجماعة أن رجال البخاري ومسلم مقدمين على غيرهم وكذلك وثّقه ابن معين والنسائي وغيرهم كثير ويكفينا رواية مسلم له في توثيقه وهذا من أصول الحديث عند أهل السنة والجماعة. انتهى.

ومن هنا نقول أنه إذا أخطأ الحبيب الجفري وقال أن الحديث رواه الحاكم في المستدرك باسناد حسن فهو لا يقصد وخصوصا أن الحديث صحيح كما بينا ذلك فنقول لبعض الوهابية الجهلاء هل شققتم عن صدر الحبيب وعرفتم انه كاذب وأن هذا مقصده وأن نيته إيهام الناس وخداعهم.

هل علمتم أن نيته هكذا وشققتم عن صدره أم هو التعصب الأعمى الجاهل الظالم المعتدي؟ ! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فلا عجب من ذلك إذا فقدت التربية البيئية فكيف نتكلم بعد ذلك عن

التربية الدينية؟ !

ص: 82

وكذلك نقول أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود لم يخالف الثقات بل خالف معتقد الوهابية ولذلك يطعنون فيه بغير تجريح قطعي ويكفينا توثيق مسلم له وروايته له وقد علم عند أهل السنة والجماعة تشدد مسلم في شروطه للحديث وعلوم الجرح والتعديل عنده ويكفينا هذا لتصحيح السند وتوثيق رجاله ولا يوجد في الحديث شذوذ ولا علة إلا أن الحديث يخالف معتقد الوهابية المبتدعة في أحكامها!

ويفهم من هذا الحديث:

أن حياة النبي (ص) في الدارين رحمة للعالمين.

أن حياته (ص) هداية شرعية لنا وتعليم للأمة والتعريف بلسان الظاهر والتحديث ونفع المحادثة الظاهر.

استمرار النفع بعد الوفاة بأبي هو وأمي (ص) وهذه المنفعة لكل مسلم بالصور الآتية:

بالإخبار النبوي بأن جميع الأعمال جلها ودقيقها تعرض على النبي (ص) وهذا دليل واضح على عدم انفصاله عن أمته حتى بعد الانتقال وأنه حي وحاضر بالتمييز والادراك ما بين خير الأعمال وشرها وما بين الحمد والاستغفار والنفع.

استغفار النبي (ص) للمذنب المسيء من أمته وأنه ينفع أمته بعد انتقاله وذلك لمن توسل به وذهب إليه متوسلا مستشفعا مستغفرا ويؤكد ذلك التوسل وأنه هو العلة في المغفرة والآية الشريفة آية النساء كما ذكرنا ذلك سابقا بقول الله وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً وكذلك تظهر هذه العلة أيضا برواية أخرى

للحديث كما يروى عنه (ص) أنه قال:

« أكثروا على من الصلاة في كل يوم جمعة فان

ص: 83

صلاة أمتي تعرض على من كل جمعة فمن كان أكثرهم على صلاة كان اقربهم مني منزلة» (1) أو كما قال (ص) وهذا كشاهد فإن الصلاة والسلام كخطاب توسلي حتى تتحقق المغفرة وكذلك ما يترتب على الصلاة والسلام عليه (ص) من مغفرة بأن الله يصلي على العبد بذلك عشرة وما إلى ذلك من موجبات المغفرة أي أن الاستغفار يتم لمن توسل بالحبيب (ص) لمن جاءه من قريب أي في مقامه وصلى عليه وآله وسلم وتوسل وخاطبه بالشفاعة والتوسل والاستغفار فقد وجبت له المغفرة بنص الآية والأحاديث وكذلك ثبتت الروايات الصحيحة التي تثبت كل هذه الأمور لمن لم يستطع الذهاب إلى قبره وجاء من بعيد بأن يخاطبه حتى ولو كان في آخر الأرض فإن النبي (ص) أخبرنا بأن الله سخر ملائكة تبلغه كل ذلك وتبلغه بموجبات المغفرة للعبد من الصلاة والسلام والتوسل والاستشفاع والاستغفار وهذه قرينة أخرى ترجح أن المقصود بعباد الله في الأرض الفلاة هو النبي والأنبياء والأولياء - صلى الله عليه وعليهم جميعا وسلم - وكل ذلك من المفهوم من النصوص وهو ظاهر.

فبلوغ الصلاة والسلام إلى النبي (ص) يؤكد بلوغ ما يقاس عليه من مدح وثناء وتوسل واستشفاع وطلب مغفرة وإذا كان الصلاة والسلام يوجب الوسيلة والمغفرة والشفاعة كان طلبها بشتى أنواع الخطاب وطلب ذلك على التفصيل مشروع وجائز ويبلغ النبي (ص) لأن كل ذلك في نطاق المشروع والمفصل والمفسر لما ثبت من النصوص وشرح تفصيلي لسبب العلة وما يترتب عليها فهو تفصيل وتفسير لما هو ثابت في هذه النصوص كمجمل

شرعي ومن ظاهر النصوص فانتبه لهذا أخي الكريم وسيأتي في شرح


1- سنن بيهقي، ج 3، ص 24٩.

ص: 84

الأحاديث القادمة على تفصيل في كل ذلك.

(٣)- روى أبو يعلي والبزار وصححه الألباني (1)قال (ص) :

« الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» .

إن في هذا الحديث أدلة كثيرة واضحة على أمرين رئيسيين:

التأكيد على ما قلناه سابقا بالنص الصريح أن الأنبياء والأولياء كما ثبت في الآية أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (2)، أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ (3)أي أنهم أحياء وليسوا أموات كما يعتقد البعض أن أعمالهم انقطعت إلا من ثلاث كما هو حال عامة الناس. نقول أن هذا لا ينطبق على الأنبياء والأولياء لأنهم أحياء حياة كاملة يمثلون فيها الرحمة بالخلق كوسائل إلى الله وشفعاء ومستغفرين للمذنبين وكيفية حياتهم أنهم يسمعون من يتصل بهم ويسلم عليهم ويصلي عليهم بالصلاة على محمد وآله جملة الأولياء وأن الأجساد الشريفة لهم طاهرة.

ولذلك لما سئل النبي (ص) كيف تعرض عليك أعمالنا وقد أرمت أي لم تعد حي حياة بالروح والجسد فأجاب النبي (ص) فقال:

« إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء» (4) أي أنني أعيش حياة كاملة بقدرة الله وكفايته وأعيش بالروح والجسد الذي لا تأكله الأرض أبدا وهذا هو المقصد والجواب يدل على ذلك فلو كان المقصود بقاء الجسد بلا روح لا يتحقق بذلك الإدراك والتمييز

بعرض الأعمال عليه (ص) فيؤكد ذلك أن المقصود ببقاء الجسد أي وجود الحياة


1- مسند ابي يعلى، ج 6، ص 14٧؛ مسند البزار، ص ٢56؛ السلسة الصحيحة، رقم6٢1.
2- آل عمران: 16٩.
3- البقرة: 154.
4- سنن ابي داود، ج 1، ص ٢(٣)6.

ص: 85

الكاملة بالمعرفة والتمييز والإدراك والاستغفار.

وهذا واضح من الجواب النبوي في حديث أبو داود الذي صححه الألباني وسيأتي تفصيل ذلك ونعود لحديثنا بعد شرحنا للشق الأول منه وهو إثبات الحياة للأنبياء والأولياء وسماعهم بقدرة الله وبوصول الصلاة والسلام لهم بقدرة الله وعرض أعمالنا عليهم بقدرة الله ووصول كل خطاب التوسل والشفاعة والاستغفار لهم بقدرة الله ومن خلال ملائكة الله بالإبلاغ كما ثبت بالمجيء من قريب عند المقام وكذلك المجيء بالتوسل من آخر الأرض من بعيد بقدرة الله وبإبلاغ الملائكة.

فانتبه لذلك أخي الكريم وكل هذا ظاهر من النص كما شرحناه وفسرنا مدلوله على ذلك بالروايات الأخرى أيضا وبشرح الروايات السابقة فالروايات تفسر بعضها بعض وتشرح بعضها بعض.

2. أما بالنسبة للشق الثاني من الحديث وهو كلمة «يصلون» وكلمة يصلون لها معاني متعددة تدل عليها هذه الكلمة. فيصلون بمعنى يتَّصِلون بالعالم العلوي الملكوتي وبالعالم الأرضي البشري أي اتصال بالملائكة والإنس والجن وهذا إضافة لاتصالهم بالله سبحانه وتعالى وكل ذلك بقدرته وسمعه وتسخير ملائكته لهذا الاتصال وهذا مقبول من ظاهر النص ويدرج في شرحه وتفسيره.

وكذلك كلمة «يصلون» بمعنى يستغفرون للمذنب كوسيلة وشفاعة وسبب مغفرة وهذا أيضا تفسير صحيح ويؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى

وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (1) ويؤكد كل ذلك شرح الأحاديث


1- التوبة: 1٠3.

ص: 86

السابقة كما بيناها فكلها تؤكد ما شرحناه وبيناه.

وكذلك تعني كلمة «يصلون» أي يتقربون إلى الله بالصلاة كعبادة شكرية لله وذلك لانتفاء التكليف مع استمرار الشكر وهذا أيضا يدخل في ظاهر النص ومن مدلولاته ولكن المعنى المقصود في هذا الحديث الوسيلة والشفاعة والاستغفار والسمع والاتصال والروايات السابقة والقادمة إن شاء الله تؤكد ذلك المقصد مثل رواية إبلاغ الملائكة السلام وإثبات السمع من قريب ومن بعيد بقدرة الله وإثبات الاستغفار بعد الوفاة بأبي هو وأمي (ص) .

وكذلك الحث على زيارته والتوسل والاستشفاع والاستغفار بالمجيء إليه من قريب في مقامه ومن بعيد بقصد التوسل به والاستشفاع والاستغفار ويتم السمع في الحالتين بقدرة الله وتوليه لأوليائه وإثبات حياتهم في البرزخ وأنهم يسمعون ويصلون ويشفعون ويتوسل بهم ويستغفرون للمذنبين من أهليهم ومن لهم شرعية بهم وكل ذلك بقدرة الله ومدده وتوليه لأوليائه وتكريمهم وجعلهم رحمة ينتفع بها المسلمين. اللهم صل على حبيبك وأحبابك (ص) .

ويفهم أيضا من هذا الحديث أماكن أهل الله بعد انتقالهم أي أنهم في قبورهم وذلك لمن أراد المجيء إليهم لما ذكرناه من قريب أي من استطاع الذهاب إلى قبورهم ومن لم يستطع الذهاب إلى روضاتهم الطاهرة رحمهم الله بالتيسير عليهم أن وكّل ملائكة تبلغهم بجملة الخطاب أي بقدرة الله وليس كما تدّعي الوهابية الجاهلة أننا نصف المقبور بصفة الإحاطة والعلم بكل شيء وهذا شرك في الصفات.

ونحن نقول لهم أيها الجهلاء الذي قال ذلك هو النبي (ص) بإخباره لنا أن الله وكّل ملائكة بالإبلاغ وان هذا يتم بقدرة الله ومع توحيده في صفة العلم والإحاطة لأنه في هذه الحالة نحن نصفه هو بقدرته وبتسخير ملائكته وليس

ص: 87

بقدرة المقبور ووصفا له بذلك فهل فهمتم الفرق أيها الجهلاء الملبسين على الناس؟ !

وهل فهمتم في هذه الحالة معنى طلب المدد فيما يقدر عليه العبد الرباني من شفاعة ووسيلة واستغفار وعطاء ومدد من مدد الله فيه وعطاءه فيه وليس مدده المنفصل وعطاءه المنفصل عن الله لأننا إذا اعتقدنا الانفصال والمضاهاة كنا بذلك مشركين أما إذا قصدنا الوسيلة وقدرة الله وعطاءه ومدده وحده المتجلي بإذنه في أنبياءه وأولياءه فقد دلتنا النصوص على ذلك وعلى كيفية الوصول بهم والاتصال وإثبات سمعهم بقدرة الله وإثبات مشروعية التوسل بهم وصلاتهم علينا واستغفارهم ونفعنا بكل ذلك فهذا كله مشروع وهو عينه ما دلت عليه النصوص التي شرحناها وفي هذا الحديث و كذلك النصوص القادمة إن شاء الله.

4- وروى ابن بطة في الإبانة بإسناد صحيح عن معاذ بن معاذ حدثنا بن عون قال: سأل رجل نافعا فقال: هل كان ابن عمر يسلّم على القبر فقال نعم لقد رأيته مائة أو أكثر من مائة مرة كان يأتي القبر فيقوم عنده فيقول

« السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي» وفي رواية أخرى ذكرها الإمام أحمد محتجا بها

« ثم ينصرف» .

وهذا الأثر الموقوف بالفعل على ابن عمر كما يروى عند أهل السنة والجماعة وبمفهومهم ومعتقدهم هم كدليل من عند المخالف على من يخالفنا

في زيارة المقامات الشريفة وأن هذا ثابت بأن ابن عمر كان زَوّار للمقامات المقدسة في اعتقاده وهذا ظاهر بزيارته لمقام أبي بكر وعمر وأنه كان يحدثهم بصيغة المخاطب المستمع للخطاب وإذا سمع السلام سمع كل ما هو يدرج في جنس الكلام وإذا جاز السماع للخطاب جاز كل ما يترتب عليه في حدود

ص: 88

ما هو ثابت من النصوص السابقة وما بيناه من حدود ذلك وهذا أيضا رد على من يقول مَن مِن الصحابة فعل ذلك وكذلك رد على من يقول أن زيارة المقامات بدعة من العصر الفاطمي فقط!

وهذا رد من مصادرهم عليهم أن التردد على المقامات بكثرة وخطاب أهلها بأعيانهم كل على حدة ثابت من زمن الصحابة على حد قولهم وتكرار الزيارة ومخاطبة المقبورين تؤكد أن الزيارة ليست للعظة فقط كما يحصر ذلك الوهابية برواية

« فإنها تذكركم الآخرة» (1) بل أن الأمر يتعدى ذلك كما بيناه بالأدلة السابقة وثبوت السمع والوسيلة والشفاعة والاستغفار والنفع المتعدي في الدنيا والآخرة بالاستغفار وبالدعاء المستجاب والتبرك بالمقبورين من الأنبياء والأولياء الصالحين وهذا كله ثابت بروايات إضافية بمصالح إضافية على رواية أنها

« تذكركم الآخرة» وهذا مقبول بإخبار الروايات له.

اللهم صلي على سيد الأولياء والمرسلين وجملة الأولياء المطهرين آل البيت الأمين وسلم تسليما كثيرا.

وكذلك نقول أنه إذا انصرف بعد ذلك أي بعد مخاطبته للمقبور خطابا شخصيا أو تسليما شخصيا عينيا فهذا يكفينا كدليل إضافي بالسمع والنفع

والإجابة وانه ليس المقصد فقط التذكير بالآخرة كما يدعي البعض وهذا في حق العامة بالدعاء العام والسلام العام ولكن الخصوص مخاطبة عينية شخصية وهذا هو وجه الاستدلال.

5- أخرج أحمد وغيره (2)بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير


1- مسند احمد، ج 1، ص 145؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 5٠٠.
2- مسند احمد، ج 4، ص 13٨؛ سسن ابن ماجة، ج 1، ص 441.

ص: 89

البصر أتى النبي (ص) فقال: أدع الله أن يعافيني قال:

« إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير» فقال: أدعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بها الدعاء:

« اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم فشفعه فيّ وشفعني فيه. قال: ففعل الرجل فبرأ» .

تنبيه: هناك زيادتان للحديث

الأولى: زيادة حماد بن سلمة قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي فَسَاق إسناده مثل رواية شعبة وكذلك المتن إلا أنه اختصره بعض الشيء وزاد في آخره بعد قوله: وشفع نبيي في رد بصري:

« وإن كانت حاجة فالفعل مثل ذلك» رواه أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا حماد بن سلمة به.

وهذه الزيادة صحيحة صريحة ولا إلتفات لمن يدعي من الوهابية بأن رواية حماد بن سلمة مخالفة لرواية شعبة هذا كلام باطل وادعاء لأنه صريح في مخالفة الفكر الوهابي ولا إختلاف لهذه الزيادة مع رواية شعبة ولا معارضة ولا دليل والزيادة مقبولة مع تفرد حماد بن سلمة بها ومفسرة ومؤكدة لرواية

شعبة وهي حجة في الاستدلال بها.

الزيادة الثانية للحديث: قصة الرجل مع عثمان بن عفان وتوسله به (ص) حتى قضى له حاجته وأخرجها الطبراني في (المعجم الصغير) (1)وفي (الكبير) (2)عن طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم


1- المعجم الصغير، ج 1، ص 1٨3.
2- المعجم الكبير، ج ٩، ص 31.

ص: 90

عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقى عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان: أئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلي فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل فيقضي لي حاجتي وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله عليه فأجلسه معه على الطنقسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة وقال: «ما كانت لك من حاجة فأتنا ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيّ فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله (ص) وأتاه ضرير فشكا له ذهاب بصره فقال له النبي (ص) : فتصبر فقال: يا رسول اله ليس لي قائد وقد شقّ عليّ. فقال النبي (ص) ائت الميضأة فتوضأ ثم صلي ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات» . قال عثمان بن حنيف: فوالله

ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط.

قال الطبراني (لم يروه عن روح القاسم إلا شبيب بن سعيد بن أبو سعيد المكي وهو ثقة وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه يونس بن يزيد الأيلي وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي - واسمه عمير بن يزيد - وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة والحديث صحيح) وهذه قصة صحيحة مروية عن الثقات وفيها اعتراف صريح بصحة الحديث وتوثيق رواته وهذه زيادة مقبولة وغير معارضة للحديث بل ربما تكون

ص: 91

مناسبة رواية الحديث فهي كزيادة مقبولة وخصوصا أن الصحابي الذي روى الحديث هو نفسه راوي القصة ذاتها والزيادة مقبولة وتفرد شبيب بن سعيد بهذه الرواية لا يطعن في صحتها أبدا لأنه لم يعارض أصول وثوابت كما هو معلن بل إن الزيادة تفسير وشرح وتأكيد لمعنى الحديث ولا معارضه فيه إلا الفكر الوهابي المريض وهذه هي العلة التي يحاولون رد الحديث وتضعيفه والطعن فيه لأجلها! والزيادة مقبولة وهي منقولة ومروية عن الثقات وهي مناسبة الحديث وهي حجة قطعية ودلالة قطعية الثبوت والدلالة على رد الوهابية المتعصبة التي ترد الأحاديث الصحيحة بالهوى لمجرد أنها تخالف معتقداتهم!

أن هذا الحديث دليل صريح واضح لا يجادل في فهمه إلا مكابر مغالط مجادل بالباطل فأما التخيير ما بين الدعاء والصبر فهذا عام فيما أن يصبر العبد على ابتلاء أو أن يدعوا لإزالته فالتخيير عام في ذلك وأن الخيرية في الصبر وهذا معلوم من نصوص أخرى كثيرة.

والمفهوم الثاني من الحديث أن تعليم الدعاء وذكره في طور التشريع لكل

متوسل بمعرفة الدعاء وذكره كشريعة والدعاء صريح ونص واضح من التوسل بنبي الرحمة التوسل بالحبيب حبيب الله (ص) وهذا هو بيت القصيد وهذا هو مقصدنا وهو الوجه الذي نستدل به في المسالة والنص وليس غير ذلك ويثبت هذا النص حقيقة النفع بهذه الشفاعة والوسيلة.

وأما كلمة «فشفعه في» أي اجعل شفائي يا رب بشفاعته وسببا لها.

وأما كلمة و «شفعني فيه» أي اجعل شفاعة شفائي على يديه هو واجعلها سببا لشفائي وهذا تكرار للمعنى والحقيقة واحدة في المعنى ومن ادعى أن الشفاعة تمت بدعاء الرجل الضرير وأن الله قبل شفاعة النبي (ص) بطلب

ص: 92

الضرير ودعاؤه ذلك فهذا أيضا ثبوت الشفاعة النبوية ولا خلاف معنا في ذلك ولكنها إبطال لإذن النبي له بالدعاء وكذلك انتفاء المقصد النبوي وتعظيمه وتقديم الأفضلية كاستجابة لدعاء الضرير وهذا المعنى الذي أرادته الوهابية لا يليق بالنبي (ص) وتقديم استجابة الضرير على استجابة المصطفى (ص) أو أن تكون استجابة المصطفى (ص) منوطة ومشروطة باستجابة الضرير فهل يعقل هذا الكلام من الوهابية الجاهلة؟ ! على الرغم أنه في الحالتين الدليل قائم على الاستجابة النبوية وأنه قد تم التوسل به (ص) وهذا وجه استدلالنا ولكن التفسير الصحيح هو تفسيرنا وهو الذي يتماشى مع ما يليق بقدسية النبي وقدره (ص) ومع كل ذلك فقولهم الجاهل يثبت أيضا أن التوسل بالنبي (ص) قد تم وحدث بالفعل وهذا هو وجه الاستدلال فهل عقلت الوهابية هذه المفاهيم؟ !

ومن ادعى أن هذا خاص بحياة النبي (ص) أجابت عليه الزيادة الأولى للرواية الأخرى للحديث التي ذكرها حماد بن سلمة والتي تفيد الاستمرار بعد ذلك بقول النبي (ص)

« وإن كان لك حاجة فافعل مثل ذلك» أي في أي وقت

بعد ذلك فقد تم التشريع لمشروعية ذلك بالمخاطب الظاهر ثم بعد ذلك في أي زمان أو أي مكان فافعل ذلك بعد ثبوت تشريعه ومشروعية ذلك ويؤكد ذلك أيضا الرواية الأخرى وفيها زيادة أيضا وهي بعد انتقال النبي (ص) في زمن عثمان بن عفان وهي أيضا عن عثمان بن حنيف وهي صحيحة فهي أيضا تؤكد استمرارية التوسل بعد انتقال النبي (ص) وهي زيادة لراوي الحديث فتكون تأكيدا للمقصد النبوي وما أدركه الصحابي بفهمه وتطبيقه وهذه زيادة تطبيقية للعمل بالحديث من الراوي نفسه والزيادتان بل الروايات ترد بالقطع على من ادعى أن التوسل مشروط بحياته (ص) فقط فهل فهمت

ص: 93

الوهابية هذا الدرس؟ !

وهناك أيضا دليل واضح من هذا الحديث أن النبي (ص) يسمع من يخاطبه ويدعوا به ويتوسل إلى الله به يسمع كل ذلك وليس كما تدعي الوهابية أن هذا خاص بالسلام فقط ورد الروح لأجل ذلك!

وهذا المعنى ظاهر في جميع الروايات بصيغة المخاطب الذي يسمع الخطاب كله وذلك بقوله في الدعاء «يا محمد» وهذا ثابت في كل الروايات فهل هناك دليل أوضح وأبين من ذلك على أن أهل الله يسمعون من يخاطبهم في حياتهم وبعد انتقالهم بعد وفاتهم وذلك بقدرة الله وحده وبتسخير الملائكة الذي تبلغ كل ذلك وهذا كله من قدرة الله ومدده وعطاءه في أهل محبته ومن اختصهم بتوليته ومعيته ومحبته ورضاءه.

فهل فهمت الوهابية أوجه الاستدلال من هذه الأحاديث السابقة وهذا الحديث وكذلك القادمة إن شاء الله والتي تفسر الروايات بعضها بعض وتؤكد معانيها؟ ! حتى وإن طعنت الوهابية في صحة حديث أو أكثر بدعوى

الشذوذ والعلة مع توثيق الرجال لأنها تخالف معتقداتهم الباطلة فلن تستطيع أن تفعل ذلك في كل الأحاديث وذلك لكثرتها واشتهارها وانتشارها.

6- وأخرج البزار عن ابن عباس (1)براويتين أحدهما مرفوعة والأخرى موقوفة على ابن عباس والمرفوعة صحيحة ورجالها ثقات بلفظ « إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد أعينوني» قال الحافظ كما في (شرح ابن علان) 5/١5١ «هذا حديث حسن الإسناد غريب جدا وحسنه السخاوى


1- كشف الاستار، ج 4، ص 33.

ص: 94

في (الابتهاج) وقال الهيثمي (رجاله ثقات) وقال الألباني عن الرواية المرفوعة (هذا اسناد حسن) ولكن ضعف بعد ذلك بالرواية الموقوفة على ابن عباس وصحح الحافظ بن الهيثمي الرواية التالية للطبراني ووثق رجالها وهو يعلق على رواية البزار المرفوعة.

ورواية الطبراني تقول

« إذا ضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني فإن لله عبادا لا نراهم» رواه الطبراني (1)ووثقه الهيثمي.

والرواية الثالثة رواها أبو يعلى وهي

« إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا علي يا عباد الله احبسوا علي فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم» . (2)

قال الحافظ الهيثمي (3): رواه أبو يعلى والطبراني وزاد «سيحبسه عليكم»

وفيه معروف بن حسان وهو ضعيف ونحن نقول أن كل هذه الروايات تعاضد وتؤكد صحة رواية البزار المرفوعة والتي شهد على توثيقها كثير من علماء السنة وتكون كلها شواهد صحيحة يقوى بعضها بعض فيكون صحيح بذلك وكل الروايات تنص على مناداة عباد الله الملائكة أو غيرهم من أهل الله وهذا نداء غيبي نداء من عالم الإنس على عالم الغيب وهذا مشترك في كل الروايات.

إن هذا الحديث برواياته الثلاثة يرد ردا قطعيا على كثير من أكاذيب وافتراءات الوهابية كفكر جاهل وهي:


1- المعجم الكبير، ج 1٧، ص 11٧.
2- مجمع الزوائد، ج 1٠، ص 1(٣)٢.
3- مسند ابي يعلى، ج ٩، ص 1٧٧.

ص: 95

أولا: يفهم من الحديث أن الله قد سخر ملائكة سيّاحة في الأرض لمن كان في مشكلة وحده أو إذا ضل شيئا أو أراد عونا تساعده هذه الملائكة وتقفي حاجته وذلك في الفلاة أو إذا لم يجد أنيس وهو بأرض فلاة أي أن علة المساعدة الوحدة وعدم وجود الأنيس.

ثانياً: يجوز دعاء هذه الملائكة والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة بهم فيما يقدرون عليه بإذن الله وهذا شامل في قضاء جميع الحوائج أي حال الضرورة والوحدة وهذا بقدرة الله فيهم.

ثالثاً: المناداة عليهم بصيغة يا عباد الله أي بدعائهم حتى يقضوا ما أمرهم الله به وهذا صريح بأنهم يسمعون ذلك بإذن الله وقدرتهم على السمع والاستجابة بإذن الله وفي هذا رد كاف على الجهلاء الذين يدعون أن هذا شرك في إعطاء الملائكة الإحاطة والعلم كوصف لله وحده وإشراكهم معه أو أن هذا شرك في الدعاء بالغيب ودعاء الغائب كما يقول الجهلاء. أليست هذه النصوص كافية في الرد على الجهلاء؟

إن هذا ليس من الشرك وليس فيه مقصد شركي وأنه يتم بقدرة الله فهو سبحانه بقدرته وحده هو الذي يسمع الملائكة بمناداتهم بالغيب وكذلك هو الذي يسمع الأنبياء والأولياء الخطاب التوسلي والصلاة والسلام والشفاعة وطلب الاستغفار والمدد والعطاء الذي يملكه الله وحده لا شريك له ولكنه جلاهم وحلاهم بذلك وكذلك استجابة الملائكة بقضاء الحوائج وكذلك أهل الله من الأنبياء والأولياء في قبورهم يقضون الحوائج بدعائهم المستجاب ورحمتهم المهداة للعالمين كل ذلك يتم بقدرة الله وحده لا شريك له على ذلك فهل فهمت الوهابية الجاهلة هذا الدرس؟ ! وفرقت ما بين الشرك وانفصاله بالمضاهاة وما بين التوحيد واتصاله بقدرة الله وحده لا شريك له؟ !

ص: 96

وهذا كله يؤكد سماع الأنبياء والأولياء من باب أولى وقدرتهم على قضاء الحوائج والتوسل والشفاعة والاستغفار من باب أولى وذلك لأفضلية الأنبياء والأولياء على الملائكة فإذا ثبت هذا من خلال هذه النصوص فما بالك بمن هو أفضل من الملائكة.

فهل فهمت الوهابية ذلك؟ !

ومع كل ذلك دلت النصوص على سماع الأنبياء والأولياء وقضائهم الحوائج بقدرة الله أي بدعائهم والتوسل بهم وطلب شفاعتهم واستغفارهم. كل ذلك ثابت بالروايات السابقة والآتية وإن كانت هذه الروايات تكفي بالقياس.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ ! وهل سيتجرأ أحدهم بعد ذلك على قول كلمة أن الدعاء بالغيب أي دعاء الغائب ومن لا نراه فيما يقدر عليه بإذن الله وحده كدعاء للغائب فهل سيتجرأ أحد منهم على قول أن هذه الأمور من الشرك الأكبر؟ ! أم أن الجهل والتسرع في الأحكام واتباع الهوى لا يكفيه

إقامة الحجة بالعلم ومن مصادره وبميزانه؟ ! فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟ !

وإليك قول ابن تيمية في أفضلية الأنبياء والأولياء على الملائكة:

مجموع فتاوى ابن تيمية الصوفي ج4ص3٧٩ في حديثه عن المقارنة بين الملائكة وبني آدم وقد قالوا: إن علماء الآدميين مع وجود المنافى والمضاد أحسن وأفضل، ثم هم في الحياة الدنيا وفي الآخرة يلهمون التسبيح، كما يلهمون النَّفَس، وأما النفع المتعدى، والنفع للخلق، وتدبير العالم، فقد قالوا: هم تجرى أرزاق العباد على أيديهم، وينزلون بالعلوم والوحي، ويحفظون ويمسكون غير ذلك من أفعال الملائكة.

والجواب: أن صالح البشر مثل ذلك وأكثر منه، ويكفيك من ذلك شفاعة

ص: 97

الشافع المشفع في المذنبين، وشفاعته في البشر كي يحاسبوا، وشفاعته في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة. ثم بعد ذلك تقع شفاعة الملائكة، وأين هم من قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (1)؟ وأين هم من الذين: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (2)؟ وأين هم ممن يدعون إلى الهدى ودين الحق؛ ومن سن سنة حسنة؟ وأين هم من قوله (ص) :

« إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر» (3) ؟ وأين هم من الأقطاب، والأوتاد، و الأغواث، و الأبدال، والنجباء؟

٧ - روى أبو داود والنسائي وصححه الألباني (4)قال الرسول (ص)

« إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا

عليّ الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت. قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء» .

وفي هذا الحديث أدلة واضحة على عرض الأعمال على النبي (ص) كما بينا ذلك سابقا وأن الصلاة والسلام مفتاح الوصول النبوي وموجب للوسيلة والشفاعة والاستغفار والصلاة التي هي سكن للمسلم وغيرها من الصلوات وفيه دليل على السماع عن بعد أي أن أهل الله يسمعون بقدرة الله فيهم وهذا خاص بالأنبياء والأولياء. والملائكة التي تبلغ ذلك بقدرة الله وحده لا شريك له.

وفي الحديث جواب صريح على من ظن أن النبي (ص) مات وانقطع عمله


1- الأنبياء: 1٠٧.
2- الحشر: ٩.
3- مسند احمد، ج 4، ص 212.
4- سنن ابي داود، ج 1، ص 236؛ سنن النسائي، ج 3، ص ٩1؛ السلسة الصحيحة، رقم 152٧.

ص: 98

من الدنيا وأنه لا يتصل بالأحياء وأن الجسد قد تحلل كبقية الأجساد فجاء الجواب في الحديث صريح بنفي التحلل أي بمقصد أن الحياة قائمة بالروح والجسد الذي لا تأكله الأرض وكما ثبت في الروايات أن

« الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» .

ومن هذا الحديث يفهم أيضا أن كل الأحكام التي تجري على النبي (ص) في الحياة البرزخية من سماع بقدرة الله وتبليغه الصلاة والسلام وعرض الأعمال عليه وأنه وسيلة إلى الله وشفاعة ويستغفر للمذنبين من المسلمين ويقضي الحوائج بدعائه وقدرة الله وحده لا شريك له فيه كل هذه الأحكام تنطبق على آل بيته عليهم السلام وذلك لأن الصلاة والسلام تشملهم بهذا الوصف والوصل وآل البيت هم جميع الأولياء في كل زمان إن كانوا من الأنبياء أو الأولياء السابقين المجهزين لرسول الله (ص) أو كانوا من آل بيت هداه اللاحقين الوارثين لعلم نبوته من بعده إن كانوا عصبا أو نسبا.

فهؤلاء جميعا يشملهم هذا الحكم لدخولهم في هذه الخصوصية بالصلاة والسلام عليهم المطلوب في ظاهر الحديث حتى يترتب عليه جميع المصالح وهم داخلين فيه كما ثبت في الصلاة الإبراهيمية وهذا دليل واضح على أن حكم الولي من حكم النبي في الأحكام مع اختلاف المقامات فلتفهم الوهابية ذلك.

ومن هذا الحديث أيضا يؤكد السمع والاتصال والنفع وعرض الأعمال والحث على التوسل وطلب الشفاعة والاستغفار بعلة عرض الأعمال وهذا كله بقدرة الله وحده لا شريك له والروايات تفسر بعضها وتفصّل بعضها وتصحح بعضها فهل فهمت الوهابية ذلك؟ !

٨ - قال:

« إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» (رواه

ص: 99

النسائي وصححه الألباني) (1)السمع بقدرة الله وليس بالقدرة البشرية.

وفي هذا الحديث دليل واضح جلي على ما بيناه سابقا فهذه الرواية أيضا تشرح وتؤكد وتفسر وتصحح الروايات السابقة وتشهر لها في المعنى والسند وهي إخبار بأن النبي (ص) يبلغه السلام والخطاب كما في الروايات السابقة وهو في مقامه وذلك بقدرة الله وحده لا شريك له الذي سخر ملائكة سياحين في الأرض من أجل التبليغ من المتكلم إلى المستمع (ص) وهذا دليل على مشروعية التخاطب بالغيب بقدرة الله وإثبات السمع بقدرة الله وأن هذا ليس من شرك الدعاء كما تدعي الوهابية الجاهلة!

٩ - قال:

« صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» رواه أبو داود (2)

وصححه الألباني.

وهذا الحديث أيضا يؤكد ما قبله في معناه فهو يثبت أيضا السمع بالغيب بقدرة الله وأن الخطاب يسمعه النبي (ص) بقدرة الله فيه وطلب الصلاة من أجل الوسيلة والشفاعة والاستغفار والإخبار بأنها تبلغه (ص) أي أنه سيتحقق المراد من الإخبار وهو النفع ورد الصلاة بالدعاء للمصلي والتوسل والشفاعة والاستغفار وقضاء الحوائج بقدرة الله فهذه كلها موجبات السمع وما يترتب عليه من طلب الصلاة والإخبار بأنه تبلغه (ص) وهذا حث عليها بالإخبار والعلة هي تحقيق العطاء المترتب عليها من شفاعة واستغفار ووسيلة وقضاء حوائج وهو حث على ذلك في الحديث وهذا واضح لمن كان له عقل أو فهم فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !


1- سنن النسائي، ج 3، ص 43؛ السلسلة الصحيحة، رقم ٢٨53.
2- سنن ابي داود، ج 1، ص 453.

ص: 100

١٠ - روى أبو داود (1)وصححه الألباني قال (ص) :

« لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» .

وهذا حديث صريح واضح يؤكد ما قلناه سابقا في قضية السمع بقدرة الله وتبليغ ذلك بإذن الله ويضاف في هذا الحديث

« لا تجعلوا بيوتكم قبورا» أي أن تنقطع عنها العبادة ويقف تكليف المقبور بداخلها أي أحيوا بيوتكم بذكر الله وهذا تشبيه البيوت الخربة من الذكر بداخل المقبرة التي ينقطع فيها التكليف وهذا كتشبيه وليس الفهم كما يدعيه البعض بعدم فهمهم للنص واستنباط حكم باطل بحرمة الذكر في المقبرة أو تحريم الذكر فيها من الخارج أي حولها مع أن التشبيه من الداخل أي داخل البيوت بحياتنا فيها وداخل

المقبرة بانقطاع عمل المقبور فيها.

فهل فهمت الوهابية هذا؟ !

وكذلك هناك نهى في الحديث عن اتخاذ قبره (ص) عيدا أي مظهر الاحتفال بالعيد بضرب الدف وإعلاء الصوت وما شابه من مظاهر العيد التي ينهى هذا النص عن إقامتها عند قبره (ص) .

فهل فهمت الوهابية هذا الكلام؟ !

١١ - روى أبو داود عن أبي هريرة وحسنه الألباني (2)قال (ص) :

« ما من أحد يُسَلِم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام» .

وهذا الحديث أيضا يؤكد الأحاديث السابقة في معناها وليس فيه أي إشكال كما تدعي الوهابية فالوهابية تقول أن أحاديث الباب خاصة بالسلام


1- سنن ابي داود، ج 1، ص 453.
2- نفس المصدر، ص 31٩؛ السلسلة الصحيحة، رقم 2266.

ص: 101

فقط أو بالصلاة والسلام فقط وترد الروح لأجل ذلك فقط ونحن نجيب عليهم أنه لا تعارض لأن النصوص ثبتت وهي صحيحة ببلوغ الصلاة وإبلاغها وكذلك السلام وكذلك ثبت عرض الأعمال على النبي (ص) .

فهل يتم كل ذلك بالجسد مع غياب الروح فإن قلتم نعم نطالبكم بالدليل على ذلك ولن تجدوا وإن قلتم لا يصح حصر المعنى على السلام فقط قلنا هذا عين العقل والحقيقة وهذا فهمنا أيضا أن هذا تفسير وتفصيل للكيفية وهذا هو الحق وهذا يوافق حديث

« أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» وهذه رواية أبو يعلى والبزار وصححها الألباني. (1)

إذا معنى الحديث أن السلام يبلغه وأن روحه تكون معه حتى يرد السلام

وهي معه بعد ذلك في رد سلام آخر ثم آخر والدليل أيضا أن هذا هو المعنى أن السلام والصلاة لا ينقطع من الأرض أبدا فعُلِمَ بالقطع أن الروح لاتنفصل بعد رد السلام بل هي متصلة بالحياة والصلاة كما ثبت في الحديث السابق وكذلك متصلة لعرض الأعمال والوسيلة والشفاعة والاستغفار وقضاء الحوائج بالدعاء بإذن الله وبقدرة الله وحده لا شريك له فعُلم أن الحديث يقصد فيه بِرَدّ الروح أي الحياة واستجابة السلام فهذا إخبار عن الكيفية.

وليس المقصود الإنقطاع والاتصال للروح في كل مرة يرد فيها النبي (ص) والمقصود ب- «حتى أرُد» ليس المقصود بها الانتهاء الزمني وخروج الروح عنده بل المقصود الإخبار عن الكيفية أن الله عز وجل خص الأنبياء والأولياء برد أرواحهم التي خرجت أمام الناس أثناء وفاتهم أنها تُرَد عليهم حتى يردوا


1- مسند ابي يعلى، ج 6، ص 14٧؛ مسند البزار، ص 256؛ السلسلة الصحيحة، رقم 621.

ص: 102

السلام وما ثبت من أمور الصلاة وعرض الأعمال والتوسل والاستغفار والشفاعة وقضاء الحوائج بإذن الله وبقدرته وحده ودعائه بذلك بإذنه وكل ما ثبت من أدلة وسبب أعاد الله عز وجل الروح لهم من أجله بعد قبرهم وما ثبت من نصوص مفصلة ومفسرة ومؤكدة في هذا الباب.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وفي الحديث أيضا دليل على النفع النبوي لأن النبي (ص) إذا رد السلام على أحد فهذا عطاء ونفع في ذاته وأنه ينفع بعد انتقاله بأبي هو وأمي.

١٢ - وروى أبو داود وصححه الألباني (1)عن أوس بن أوس عن النبي (ص) قال

« أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي

قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء» .

وهذا الحديث أيضا يؤكد ما سبقه وقد شرحناه سابقا برواياته وهو يؤكد أيضا السمع والاتصال بقدرة الله وحده ويؤكد عرض الأعمال والحث على الصلاة حتى تحقق الشفاعة والوسيلة والاستغفار وقضاء الحوائج بالدعاء النبوي وكذلك إثبات الحياة في القبور للأنبياء والأولياء ولكن لا نشعر وأنهم أحياء يرزقون بإذن الله وبقدرة الله وأنهم يصلون على المسلمين

« وصلى عليهم فإن صلاتك سكن لهم» ،

« الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون» رواه أبو داود وصححه الألباني.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس بكثرة رواياته ووضوح معانيه؟ !

١(٣) - وروى النسائي وصححه الألباني قال (ص) :

« إن لله ملائكة سياحين في


1- سنن ابي داود، ج 1، ص 236؛ السلسلة الصحيحة، رقم 152٧.

ص: 103

الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» .

وهذا الحديث كسابقه يؤكد كل ما قلناه وشرحناه في قضية السمع بقدرة الله وأن هذا ليس من شرك الدعاء وأنه ليس وصف للنبي (ص) ولا لأي ولي من آل بيته المطهرين عليهم السلام بأنه يعلم الغيب ويحيط بكل شيء فيكون شرك في صفات الله هذا إذا كان قولنا أنه يسمع بسمعه البشري المجرد وليس بقدرة الله فيه ولا عن طريق الملائكة السياحين في الأرض فنكون في هذه الحالة قد وقعنا في الشرك القطعي أما إذا كان الأمر يتم بسبب الملائكة السياحين الذين يبلغون النبي (ص) السلام وما ثبت غيره كما بينا يصل إلى النبي (ص) ويترتب النفع على ذلك. وهذا يتم عن طريق الملائكة كما هو ظاهر من نص هذا الحديث فهذا ليس فيه شيء على الإطلاق أما إذا اعتقدنا أن هذا يتم بقدرة

النبي أو الولي البشرية فقد وقعنا بذلك في الشرك الأكبر.

فهل فهمت الوهابية هذا الفرق وهذا الدرس؟ !

١4 - روى عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة (1)أن علي بن الحسين (ع) رأى رجلا يأتي فرجة كانت عند قبر النبي (ص) فيدخل فيها فيدعوا فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديث سمعته من أبي عن جدي يعني علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله (ص) قال:

« لا تتخذوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وسلموا علي فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم» . قال السخاوي «وهو حديث حسن» .

وهذا الحديث أيضا يؤكد ما قبله وقد تواترت بذلك الأحاديث على هذا المعنى الذي بيناه من الأحاديث السابقة سندا ومعنى وهو يثبت أيضا السمع


1- المصنف، عبدالرزاق، ج3، ص 52٧؛ المصنف، ابن ابي شيبة، ج 2، ص 26٨.

ص: 104

بقدرة الله بالغيب ويثبت وصول الخطاب من المتكلم إلى النبي (ص) أو أحد آل البيت عليهم السلام الذين يشتركون في هذه الصلاة وبلوغ الصلاة إليهم أيضا باشتراكهم مع النبي (ص) في الصلاة الإبراهيمية بالغيب وأن الإبلاغ يتم بالملائكة وأنه يترتب عليه النفع كشفاعة ووسيلة واستغفار وقضاء حوائج بالدعاء النبوي فما ثبت للصلاة والسلام من وسيلة ثبت لمعناه بالكلام الذي يؤدي المعنى وبالثناء على النبي وآله (ص) وذلك لأن المقصد من الصلاة والسلام عند المكلف هو إرادة النفع وما يترتب عليه من عطاء فالعلة هي إرادة النفع ومن زاد في المخاطبة بالثناء على النبي وآله (ص) أو تكلم بأنواع المخاطبة المختلفة المشروعة فلا حرج في ذلك ويؤدى به الغرض لصحة المقصد وثبوته شرعا واتفاق علة المخاطبة.

وهنا إشكال في فهم بعض الناس لهذا الحديث بأن نهي الإمام علي بن الحسين عليهما السلام كما هو ظاهر الرواية من مفهوم أهل السنة أن النهي علته أن الرسول يسمع السلام عن بعد ويعدون هذا من النهي عن زيارة المقام النبوي الشريف بنهيه للرجل وهذا افتراء ممن فهم هذا الفهم لأن فهم الحديث غير ذلك فالنهي علته الحقيقية أن الرسول (ص) يسمعك وأنت أمام القبر وأنت في حضرته عند قبره وكذلك وأنت بعيد عن القبر وهذا واضح من هذه الرواية لأن الرجل دخل الفرجة عند القبر حتى يُسْمِع النبي (ص) فنهاه الإمام علي ألا يدخل إلى ذلك المكان بل يكفيه أمام القبر فالنبي (ص) يسمعه وكذلك إن كان بعيدا كما ورد في الرواية التي ذكرها الإمام (ع) على ضوء هذه الرواية ولم ينكر أبدا الإمام زيارة المقام نفسه كما يدعي من لا فهم له بذلك فلو فهموا معنى الكلام في ظاهر الحديث وأدركوا معناه لفهموا علة النهي وهي الدخول داخل المقام.

ص: 105

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

١5 - روى مسلم في صحيحه (1)قال:

« أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع» .

وهذا الحديث فيه إخبار من النبي (ص) أنه سيد ولد آدم وأنه أول من ينشق القبر عنه وأنه أول شافع وأول مشفع وهذا دليل على كثرة الشفعاء من الأنبياء والأولياء من بعد شفاعته (ص) فلا شفاعة لأحد إلا بعد شفاعة النبي (ص) فطالما أنه الأول في ذلك عُلِم بالقطع أن هناك من بعده ولكن ليس بقدره (ص) . وهذا إثبات للشفاعة أيضا.

١6 - ما يروى عن عبد الله بن جعفر انه قال:

« كنت إذا سألت عليا رضى الله عنه شيئا فمنعنى وقلت له: بحق جعفر إلا أعطاني» . (2)

وهذا الحديث فيه أدلة واضحة على التوسل بالمنتقل عند الأحياء وبجاهه عندهم فكلمة «بجعفر» أي بجاه وما له عندك وجعفر رضى الله عنه منتقل ووجه الاستدلال هو اثبات من الحديث أنه يجوز التوسل بالمنتقل حتى وإن كان هذا في أمور الدنيا فوجه الاستدلال هو التوسل بالمنتقل لقضاء الحوائج الدينية والدنيوية على حد سواء وهذا من التوسل المشروع أيضا وهنا يثبت نوعين له من الحق:

الأول حق القرابة.

والثاني حق الشهادة والتوسل الديني بحب الشهداء وجاههم.

ولو قال له بحق النبي (ص) لجاز ذلك أيضا لثبوت الأمرين معا - القرابة


1- صحيح مسلم، ج ٧، ص 5٩.
2- اسدالغابة، ج 1، ص 2٨٩؛ الاستيعاب، ج 1، ص 244.

ص: 106

والمنصب الديني - ومن قال في الحديث أن القرابة فقط هي المقصودة في الحديث وحصره على ذلك فعليه بالدليل أما إذا قال أحدهم فلماذا لم يقصد النبي (ص) قلنا له أيضا فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهذا جائز التوسل بالمفضول مع وجود الأفضل وهذا في باب الأقسام والتوسلات. فهل التوسل بالعمل الصالح أفضل من التوسل بالنبي (ص) ؟ !

وهل التوسل إلى الله بقيام ليلة من ليالي الأسبوع أفضل أم التوسل إلى الله بليلة الجمعة؟ !

فنقول أن هذا مشروع وأن ذلك مشروع وكذلك التوسل إلى الله من الصائم يوم النصف من شعبان أفضل من التوسل إلى الله بصيام أي يوم آخر

فهذا مشروع مع وجود الأفضل ولا مانع شرعي بالتوسل بالمفضول مع وجود الأفضل وإن كان الأفضل أولى.

1٧ - صلاة النبي (ص) في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه قبر سبعين نبيا.

قال الطبراني في معجمه الكبير 3/2٠4/2 حدثنا عبدان بن أحمد نا عيسى بن شاذان نا أبو همام الدلال نا إبراهيم بن طمهان عن منصور عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا بلفظ

« في مسجد الخيف قبر سبعون نبيا» وأورده الهيثمي (المجمع 3/2٩٨) بلفظ

« قبرَ سبعون نبيا» وقال: «رواه البزار ورجاله ثقات» .

أما بالنسبة لوجود عيسى بن شاذان فهو ثقة ووثقه أهل العلم ولكن يغرب ويروي الغرائب عند بعض علماء الجرح والتعديل وهو لم يغرب في هذا الحديث وهو ثقة ولا دليل قطعي يطعن في صحة هذه الرواية التي رواها الطبري هذا بالإضافة إلى رواية البزار التي رجالها ثقات كما قال الهيثمي وهي

ص: 107

صحيحة أيضا وتؤكد صحة الخبر وأما الطعن المذكور سابقا والذي قد أجبنا عليه بالقطع في رواية الطبري فقط. ولم يطعن أحد في رواية البزار بل وثقوا رجالها ويكون الحديث حجة صحيحة في نحر الوهابية ولا دليل عندهم لردها.

ويفهم من هذا الحديث جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور أنبياء أو أولياء وأن أجسادهم طاهرة لا تبطل الصلاة مع وجودها وهذا ظاهر وهذا استثناء أجساد الأنبياء والأولياء فقط أما أجساد العامة في المقبرة العامة (القرافة) مثل صديدهم ودمهم وبقاياهم الآدمية كل ذلك نجس لا تجوز

الصلاة في وجوده وهذا ما قاله علماء السنة ونقلناه كأدلة من مصادرهم في التفريق ما بين قبور الأنبياء والأولياء كالشافعي وابن حجر وغيرهم كثير كقول ابن الهيثمي بجواز البناء على قبورهم وهذا استثناء الأنبياء والأولياء ومن هذا الحديث دليل على أن شرعنا لم ينسخ شرع من قبلنا في بناء المساجد بجوار الصالحين والأنبياء وليس من أجل عبادتهم فالأديان الإسلامية التي لم تحرف من السابقين لم تتخذ قبور الأنبياء والصالحين أوثان ومواطن سجود وعبادة للقبور بل قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (1)وهذا ليس لعبادتهم ولم يستثني من ذلك إلا الذين حرفوا من الملعونين اليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد ولو أن التحريم للصلاة نفسها ما صلى النبي (ص) في هذا المسجد حتى إذا بني المسجد على القبور أو بنيت القبور داخل المساجد فلا دليل تاريخي على ذلك وبناء على ذلك ما دخل فيه الاحتمال يسقط عنه الاستدلال ويحكم بما فعله النبي (ص) بالصلاة في


1- الكهف: 21.

ص: 108

المسجد الأقصى وبصلاته في مسجد الخيف هذا وبصلاته بجوار قبرين أو ثلاثة كما سيأتي قريبا إن شاء الله وأما بالنسبة لقوله تعالى في الآية السابقة الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ فهذا وصف مدح وثناء وليس انتقاص فقد قال الله تعالى: وَ اللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (1)فقد وصف الله ذاته بذلك إذا هذا وصف كمال وأنهم أهل العلم والصلاح وليسوا أهل باطل كما تقول الوهابية احتجاجا بهذا على وجه الدلالة من الآية في زيارة المقامات وكذلك إخبار من الله في الآية بحالهم وبحال الذين غلبوا على أمرهم ولم يكن

هناك ذم صريح لقضية البناء على المسجد وعُلم كما تأصل في الأصول أن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة وتكون هذه الآية بمفهومها هذا موافقة لكلام العلماء كابن حجر والشافعي وغيرهم كثير وإليك كلام الشافعية والحنفية من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لابن الجزائري:

قالت الحنفية، قالوا: تكره الصلاة في المقبرة إذا كان القبر بين يدي المصلي بحيث لو صلى صلاة الخاشعين وقع بصره عليه، وأما إذا كان القبر خلفه أو فوقه أو تحت ما هو واقف عليه فلا كراهة على التحقيق وقد قيدت الكراهة بأن لا يكون في المقبرة موضع أعد للصلاة لا نجاسة فيه ولا قذر وإلا فلا كراهة؛ أما قبور الأنبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة عليها مطلقا.

وقالت الشافعية، قالوا: تكره الصلاة في المقابر غير المنبوشة سواء كان القبر خلفه أو أمامه أو على يمينه أو على شماله أو تحته إلا قبور الأنبياء والشهداء فإن الصلاة لا تكره فيها مالم يقصد تعظيمهم وإلا حرم. أما الصلاة في المقبرة المنبوشة فلا حائل فإنها باطلة لوجود النجاسة فيها. انتهى


1- يوسف: 21.

ص: 109

ومعنى كلمة تعظيمهم أي اتخاذ قبورهم مساجد كعبادة لهم أو لقبورهم أي بمقصد الوثنية والشرك الأكبر وليس بمقصد التبرك وتادية مصلحة الزيارة للقبر الشريف ومصلحة لصلاة لله وحده لا شريك له بخلوص النية لله وحده لا شريك له مع مجاورة المسجد لحائط المقام وإليك كلام أهل العلم والذي فهموه على حقيقته كما فهمناه ولكن لم تفهمه الوهابية! وإليك كلام ابن حجر الهيثمي كخير مثال على ذلك:

قال الإمام ابن الحجر الهيثمي في الفتاوى الكبرى 1/125) :

سئل رضي الله عنه في رجل صلى في مقابر الأنبياء عليهم أفضل الصلاة

والسلام عليهم أجمعين، قال: تصح الصلاة بلا كراهة.

قال في المدونة 1/٨٩-٩٠) : قلت: لابن القاسم هل كان مالك يوسع أن يصلي الرجل وبين يديه قبر يكون سترة له.

قال كان مالك لا يرى بأسا بالصلاة في المقابر وهو إذا صلى في المقبرة كانت القبور أمامه وخلفه وعن يمينه وعن يساره.

قال: وقال مالك لا بأس بالصلاة في المقابر قال: وبلغني أن أصحاب رسول الله (ص) كانوا يصلون في المقبرة.

وقد نقلنا هذه الأقوال سابقا بأقوال كثير من أهل العلم ومن أراد التفصيل فليراجع أماكنها في أقوال العلماء.

ومن فرق في القبور ما بين البارزة والمسواة فعليه بالدليل ويفهم من الحديث أن علة النجاسة منتفية عن الأنبياء والأولياء لطهارة أجسادهم.

أما بالنسبة للعلة الثانية وهي اتخاذ القبور مساجد فيه إجازة من النبي (ص) لانتفاء اتخاذ القبر والمقبور بالتعظيم الشركي وعبادة غير الله واتخاذه مسجدا وهذه العلة لها أوجه ثلاثة والثلاثة محرمين وهم:

ص: 110

أولاً: اتخاذ القبر بمعنى عبادة المقبور واعتباره إله والسجود له هو وهذا منهي عنه.

ثانياً: اتخاذ القبر مسجد أي بقصد التوجه له وجعله قبلة على غير القبلة الشرعية بقصد تعظيم المقبور فهذا أيضا منهي عنه لأنه من الشرك الأكبر إذا كان من التعظيم الشركي أو بإتباع شريعة إبليس كطاعة له في تغيير القبلة.

ثالثاً: اتخاذه بمعنى الصلاة فوقه أو له وهذا أيضا منهي عنه ولم يرد به نصوص وليس له أصول قياسية في حدود القياس المشروع.

أما إذا كان قبر نبي أو ولي وبني المسجد لله وحده بجوار القبر تبركا أي أن الزائر للقبر يجد مسجدا مجاورا يصلي فيه فروضه الشرعية الخمسة فتحقق أكثر من مصلحة شرعية مثل الزيارة والتبرك بها وكذلك الصلاة لله وحده لا شريك له مع أمن الفتنة أي مع عدم وجود التعظيم الشركي فهذا كله مقبول وفي هذه الحالة لا يوجد قصد التشبه باليهود والنصارى ولا يوجد معنى الاتخاذ في اتخاذ القبور مساجد وتكون علة التحريم منتفية وكذلك علة النجاسة لطهارة أجساد الأنبياء والأولياء كما هو ثابت في هذا الحديث وفهم كثير من العلماء لذلك والتفريق ما بين الحالات.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

١٨ - قال (ص) :

« صلاة في مسجد قباء كعمرة» رواه ابن ماجة (1)وصححه الألباني. وقال أيضا (ص)

« من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة» رواه ابن ماجة (2)وصححه الألباني.


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 453.
2- نفس المصدر.

ص: 111

وهذا الحديث يتكلم عن فضل مسجد قباء وأن له فضل على بقية المساجد أيضا عدا الثلاثة مساجد وأن من تطهر في بيته وأتاه فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة وهذا على حقيقة الثواب والفضل وإحسان الله على خلقه ببركة المكان.

١٩ - روى مسلم في صحيحه (1)في باب الصدقة لما سئل (ص) : أي الصدقة أفضل؟ فقال: «أما وأبيك لتنبأنه» وقوله (ص) أفلح وأبيه إن صدق رواهما

مسلم.

وهذا الحديث يجيز القسم بغير الله في ظاهره وهو ثابت في مسلم وهو صريح في الحلف والقسم بغير الله وكذلك الآية التي في سورة الحجر يجيز القسم بالنبي وهو في ظاهره قسم بغير الله وقسم من الله سبحانه وتعالى بالنبي وبحياته وهذا ظاهر.

سورة الحجر: الآية٧٢: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ .

٢٠ - عن خارجة بن الصلت عن عمه بن الصحار التميمي أنه مر بقوم فأتوه فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارْقٍ لنا هذا الرجل فأتوه برجل معتوه في القيود فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل فكأنما أنشط من عقال فاعطوه شيئا فأتي النبي (ص) فذكر له ذلك فقال النبي (ص) :

« كٌلْ فلعمري لمن أكل برُقْية باطل لقد أكلت برقية حق» رواه أبوداود (2)وصححه الألباني.

وفي هذا الحديث يؤكد ما قبله ويقسم النبي (ص) بحياته في هذا الحديث


1- صحيح مسلم، ج 3، ص ٩3.
2- سنن ابي داود، ج 2، ص 12٩؛ السلسلة الصحيحة، رقم 2٠2٧.

ص: 112

وهو أيضا في ظاهره قسم بغير الله.

أما بالنسبة للنهي عن ذلك في ظاهر الحديث الآخر أنه

« من حلف بغير الله فقد أشرك» (1) أو غير ذلك من الروايات فحل الإشكال أن النهي لمن كان عهد بإسلام فلا يحلف سهوا أو خطأ باللات والعزى وما شابه فهذا هو علة النهي أي أن مقصده غير الله ولذلك كان هذا من الشرك الأصغر.

أما إذا كان مقصده أن هناك من هو أعظم من الله أو يشارك الله في عظمته

فهذا من الشرك الأكبر إذا النهي بأن لا يكون مقصدك غير الله في الحلف أي بنيتك ومقصدك فإن كان مقصدك الله أو ما يدل على الله بالانتساب له إن كان بالاسم أو الصفة أو ما يدرج في صفة القدرة من آيات وخلق وإعجاز أو النبي أو الولي أو كل ما يتصل بالله أو يدل عليه أو ما يفهم من القسم به أنه قسم ديني المقصد فيه الله وحده لا شريك له بالظاهر أو بالباطن الذي يدل على ظاهره. وكذلك كل ما أقسم به الله سبحانه وتعالى ومعجزات أنبياءه وكتبه ورسله وكل ما له قدسية من الله وكل ما يعظم من شعائر الله أي أن في كل قسم لا بد وأن يكون المقصد الله وحده لا شريك له إما بالمباشر كأسماء الله وصفاته أو بالغير مباشر كتعظيم شعائر الله في المقصد ويعلم من ذلك جواز القسم بالولي وبالنبي لأن المقصد تعظيم الله بما ينسب إليه وبالمقصد الذي فيه من القاسم فيكون كل ذلك مدرج في الاستثناء من قوله

« من حلف بغير الله فقد أشرك» أو ما إلى ذلك من روايات لأن المقصد تعظيم الله بما ينسب إليه من شعائر ويقصد بالخلف فيها الله وسر وصله بها أي أن المقصد تعظيم الله سبحانه وتقديسه فلا مانع من كل ذلك والنهي مقصود به الديانة السابقة


1- مسند احمد، ج 2، ص 4٩؛ سنن ابي داود، ج 2، ص ٩1؛ سنن الترمذي، ج 3، ص 46.

ص: 113

والأب والأم مما أمر الله بتعظيمهم وتقديسهم فإن قصد العبد القسم بهم تقديسا لله فيهم وتعظيما لرحمة الله بهم جاز هذا وهذا ما ورد في الأحاديث السابقة ويحتمل فيهم أما النهي فكما قلنا إذا كان المقصد غير الله سبحانه وتعالى كاللات والعزى وبغير مقصد شركي من حديثي الإسلام فهذا من الشرك الأصغر وإن كان المقصد التعظيم الشركي بأنهما أعظم من الله أو يماثلوه في التعظيم فهذا من الشرك الأكبر فهل فهمت الوهابية هذا؟ !

وقد ثبت في هذه النصوص الصريحة القسم من الله بالنبي وبحياته كما هو

في الآية وقسم النبي بحياته وعمره أيضا (ص) كما هو ثابت في الحديث وهذا كله من الترجيح لحل الإشكال في التعارض الظاهري وليس الحقيقي في ظواهر النصوص في ما بينها.

وهذا هو الكلام المقبول والذي تتحمله النصوص ولا يكون هناك إشكال في ظواهر النصوص ومن كان عنده غير ذلك فليأتي بالأدلة على ما يقول!

٢١ - سأل النبي (ص) عن صيام يوم الاثنين وعلة ذلك فقال:

« ذاك يوم ولدت فيه» رواه مسلم. (1)

وفي هذا الحديث دليل واضح على الاحتفال بمولد النبي (ص) بما هو مشروع فقد احتفل به النبي (ص) بصيامه لذلك اليوم وشرع ذلك الله سبحانه وتعالى بتشريع ذلك الصيام في يوم الاثنين لنفس العلة وهذا دليل واضح يرمز للاحتفال بهذا اليوم بالصيام وما يقاس عليه من عبادات كقراءة القرآن والصيام والصدقة والذبح كصدقة والحلوى للأطفال بما يليق باحتفالهم فإذا كان الاحتفال من النبي (ص) لمجرد يوم مولده الأسبوعي فعلم بالقطع


1- صحيح مسلم، ج 3، ص 16٨.

ص: 114

وباليقين أن الاحتفال بيوم الميلاد نفسه السنوي أولى من ذلك وأولى.

فيأتي قائل ويقول لماذا لم يحتفل النبي (ص) بذلك اليوم؟

قلنا له وما يدريك أنت بغير ذلك وقلنا لماذا لم تقولوا كما قلتم لما جمع عمر بن الخطاب الناس على إمام واحد في صلاة القيام وقال نعم البدعة هي يابن الخطاب فقلتم في ذلك أنها من البدعة الحسنة وقلتم أنها مشروعة الأصل وقلتم أن هناك من السنة ما يقتضي وما لا يقتضي! وذلك في تقسيمكم للسنة والبدعة كالأمور التي لها أصل شرعي ولم ينهى عنها النبي (ص) ولكن

مقتضاها لم يكن ممكن في زمن حياته (ص) وما إلى ذلك من الفلسفة الخاصة بكم وليس هناك نص يمنع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بما قلناه سابقا وذلك لثبوت اصل الدلالة على ذلك وأصل المشروعية وقياس العبادات على عبادة الصيام قياسا صحيحا لاتفاق العلة ولثبوت أصل العبادة وذلك حتى لايدعي مدعي ويقول أنه لا قياس في العبادات فيدخل بذلك معنا في مناقشات أصولية وسنخرج منها في النهاية أن غالب الأصول الاجتهادية عند أهل السنة والجماعة مبنية على أقوال الرجال وما أملت عليهم عقولهم به.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

22 - روى البخاري في صحيحه حديث رقم 6٩٩3 وهذا الحديث مروي عن 12 صحابي.

ورواية أبي هريرة عن البخاري قال فيها النبي (ص)

« من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي» وهذا الحديث له روايات

« فقد رآني» ،

« فقد رأى الحق» ،

« فكأنما رآني في اليقظة» أو

« لكأنما رآني في اليقظة» . وقد رواه مسلم أيضا رقم 2266 وأبو داود رقم 5٠23 وأحمد5/3٠6.

وهذا الحديث صريح في أن من رأى النبي (ص) على انه النبي بقوله أو فعله أو

ص: 115

إقراره فسيراه في اليقظة أي في الجنة إن شاء الله فإن الشيطان لا يتمثل بهيئته أو رمزه (ص) كما هو ثابت في الحقائق في البدلية للأقطاب بعددهم وكأنما رآه في اليقظة أي أن الحكمة من الرؤيا إذا كانت أمر أو نهي أو إقرار أو إخبار فهي ملزمة لمن رآها فقط ولا تكون ملزمة لغيره فإن الشريعة العامة ليس من مصادرها الرؤيا بل هي ملزمة لمن رآها فقط والرؤيا هنا عطاء وأنها توجب الصحبة بالرضى كإخبار وتوجب الجنة والتبشير بذلك ومن رأى النبي (ص) بالرضى عليه والخير فقد وجبت له الجنة على الحقيقة وسيرى النبي (ص) لأن الرؤيا عطاء من الله وذكر الحديث فيها يدل على ذلك وأنه الحق (ص) فلا يتمثل الشيطان به أبدا.

قال ابن عباس: «أراهم سيهلكون أقول قال النبي (ص) وتقولون نهى أبو بكر وعمر» رواه أحمد (1)وصححه الشيخ أحمد شاكر.

نريد ان نفهم ما الذي ينكره ابن عباس؟ ! هل ينكر موافقة أبو بكر وعمر واتباعهم للرسول (ص) ؟ ! أم أنه ينكر مخالفة أبو بكر وعمر للنبي (ص) وأنهما كانا ينهيان عما يأمر به ويقول به النبي (ص) ؟ ! وهل إنكار ابن عباس على أن الكثرة اتبعت أبي بكر وعمر وأن القلة هي التي على أمر رسول الله (ص) ؟ ! أم ماذا؟ ! وهل إن كانوا معصومين فهل من حقهم مخالفة إتباع أمر رسول الله (ص) أم ماذا؟ ! وإن كانوا غير معصومين فهل يجوز اتباعهم مع انتفاء العصمة؟ !

نريد أن نفهم ما الذي ينكره ابن عباس والأثر صحيح عنه رواه أحمد ابن حنبل وصححه العلامة أحمد شاكر كمرجع عند أهل السنة والجماعة؟ ! ومن الذين سيهلكون؟ ! ولماذا سيهلكون؟ ! وهل حكمة الكلام من ابن عباس وعظم الأمر الذي يتكلم فيه جعل التاريخ ينقله إلى هذه الدرجة


1- مسند احمد، ج 1، ص 33٧.

ص: 116

وتتناوله كتب أهل السنة والجماعة بالتصحيح والإثبات؟ ! وهل سبب الهلاك مخالفتهم لأمر رسول الله (ص) أم أن سبب هلاكهم مخالفتهم لأبي بكر وعمر؟ !

24 - روى البخاري في صحيحة عن عبد الله بن عمر أن النبي (ص) : «صلى في طرف تلغه من وراء العرج وأنت ذاهب إلى هضبة عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريق وبين أولئك السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس

بالهاجرة فيصلي الظهر في ذلك المسجد» .

حديث رقم 4٨٨ في صحيح البخاري

وفي هذا الحديث دليل واضح في الصلاة عند قبران أو ثلاثة وإقامة الصلاة والسجود بجوار القبران أو الثلاثة وهذا لا يسمى اتخاذ للقبور مساجد لأن النية والمقصد غير معلقة بالقبور وهذا يؤكد ما شرحناه سابقا في موضوع أن علة النهي تعلق الساجد بالقبر في صلاته إما بعبادة المقبور أو بالتوجه للقبر ذاته والتعلق به في المقصد والنية والوجهة والاتجاه أما إذا انتفى ذلك ولم يقصد القبر بشيء كانت الصلاة صحيحة ولا مانع من السجود طالما أنه ليس على القبر ولا إلى القبر بالتوجه والمقصد وهذا وجه الاستدلال وأما الوجه الآخر من الاستدلال اتخاذ عبد الله بن عمر ذلك الموطن مسجدا تبركا بصلاة النبي (ص) وهذه مصلحة أخرى غير مصلحة الصلاة ذاتها أي بقصد التبرك فكل هذا مشروع وبقصد الأسوة فكل هذا مشروع وممدوح ولا مانع منه طالما أن العبد يقصد الله وحده لا شريك له في صلاته ولا يقصد القبر بأي حال من الأحوال وهذا عينه ما نقول به أن الصلاة في المساجد التي فيها مقامات الأولياء أو مقام النبي (ص) نحن نقصد الله وحده في الصلاة وليس لنا علاقة بالقبر إلا بزيارته والتبرك به بعد أو قبل الصلاة وليس القبر مقصدنا في

ص: 117

الصلاة والقبر أو المقام مجاور للمسجد ويفصله جدار فهذا كله لا مانع منه وهو وجه الاستدلال في الحديث فهل فهمت الوهابية هذا الدرس جيدا؟ !

25- زيارة الرسول (ص) شهداء أحد وأهل بدر ومخاطبتهم كما هو مثبوت في جميع كتب السنة.

26- صلاة النبي (ص) في المسجد الأقصى حينما أسري به ومعلوم أن هناك

في المسجد الأقصى مقام يعقوب (ع) والأسباط.

2٧- أمر رسول الله (ص) على سبيل الاستحباب بزيارة عامة القبور.

وقد علم بالقطع كما تأصل في الأصول أن المقامات مندرجة في عموم القبور ومن منطلق أمر رسول الله (ص) بزيارة عامة القبور على سبيل الاستحباب فعموم اللفظ يأمرنا بشد الرحال إليها على سبيل الاستحباب من منطلق عموم الأمر بالزيارة وليس هناك دليل واحد قطعي يخصص عموم هذا الأمر ولا تفريق بين القبور والمقامات الموجودة في نطاق الموطن الذي يعيش فيه الإنسان وبين القبور والمقامات التي يشد إليها الرحال فعموم الأمر بالزيارة عام فيشمل القبر أو المقام القريب وكذلك البعيد الذي يشد إليه الرحال وهذا فيما يخص زيارة عامة القبور. . . . فما بالنا بخاصتها.

أما بالنسبة لنفي شد الرحال إلا للثلاثة مساجد فهذا نفيٌ خاص بالمساجد فقط ولكنه بصيغة العام أي من منطق دلالة العام على الخاص وليس دلالة العام على العام كما تأصل في أصول الفقه ولو كان المقصود منه دلالة العام على العام لكان يلزم منه ألا يشد الرحال على الإطلاق والعموم لأي أمر دنيوي أو ديني ولكن هذا الأمر نهيٌ عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة وهذا خاص بقضية الصلاة في المساجد وتساوي الأجر بينها فقط وفي الخصوص كما بينا ذلك سابقا.

ص: 118

ثالثاً: الإجماع

وقد نقل الإجماع السيد أبو الحسنين عبد الله بن عبد الرحمن الحسني المكي

في كتابه مشروعية الزيارة وأدعيتها فقال ما نصه: (1)

أما الإجماع فإن الناس لم يزلوا من عهد الصحابة وإلى اليوم يتوجهون من سائر الآفاق إلى زيارته (ص) قبل الحج وبعده ويقطعون في السفر إلى زيارته (ص) مسافات بعيدة شاقة وينفقون فيها الأموال معتقدين أن ذلك من أعظم القربان ومن زعم أن هذا الجمع الكثير على تكرار الأزمنة مخطئون فهو المخطئ المحروم.

فما درج عليه المسلمون على قصد الزيارة من قرب ومن بعد قرنا بعد قرن من عهد الصحابة، وبعث السلام لحضرته (ص) ممن لم يتسن له السفر يدل على أن الزيارة وقصدها من السنن المتوارثة المجمع عليها علما وعملا من قرب ومن بعد. بعد الحج وقبله وبدون الحج أيضا من جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم سنيها ومبتدعيها إلا من شذ. (2)

وقال بن الحاج أيضا: وهو ينقل إجماع العلماء كابرا عن كابر - (مازال العلماء كابرا عن كابر مشرقا ومغربا يتبركون بزيارة قبور الصالحين. . فإن بركتهم جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم) . . والدعاء عند قبورهم والتشفع به معمول به عند علمائنا المحققين من أئمة الدين فيقول بهم ويبدأ بالتوسل إلى الله بالنبي (ص) وهو العمدة في التوسل والمشروع له، ثم يتوسل بأهل تلك المقابر ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولمشايخه ولأقاربه ولأهل تلك المقابر ولأموات المسلمين ولأحيائهم وذريتهم ولمن غاب عنه من إخوانه ويلجأ إلى الله بالدعاء عندهم ويكثر التوسل بهم إلى الله.


1- من كتاب مشروعية الزيارة، صص ٩، 1٠.
2- نفس المصدر، ص 3٩.

ص: 119

رابعاً: أفعال الصحابة وأقوالهم

١- روى البخاري (1)في صحيحة أن عمر رضى الله عنه رأى أنس بن مالك يصلي وبجانبه قبر فقال عمر (القبر القبر) ولم يأمره بالإعادة.

٢- روى ابن عساكر وعبد الغني المقدسي في كتابه الكمال في ترجمة بلال أنه لما زار النبي (ص) من الشام فلما رآه جعل يبكي ويمرغ وجهه على القبر الشريف.

وهذا ما رواه أيضا ابن عساكر في تاريخ دمشق بسند صحيح.

3- وروى ابن عساكر في تحفه بسند صحيح أن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام أخذت قبضة من تراب ضريح النبي (ص) ووضعتها على عينها وقالت:

ماذا على من شم تربة أحمد

خامساً: أقوال الأئمة الأربعة

* وروى ابن الحاج في (مدخله) ما نقل عن مالك أن اجتمع بالمنصور في المدينة قال له: لا ترفع صوتك يا أمير المؤمنين في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال تعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ومدح قوما فقال إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ وذم قوما فقال إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (2)وإن حرمته ميتا كحرمته حيا.

ولما سأله الخليفة أبو جعفر المنصور إذا دخل المسجد هل يتوجه إلى


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 11٠.
2- الحجرات: 2 - 4.

ص: 120

النبي (ص) أو إلى القبلة؟ فقال مالك \: وكيف تصرف وجهك وهو وسيلتك وسيلة أبيك آدم (ع) ؟ !

قلت ومما قاله مالك للمنصور (بل أستقبله واستشفع به فيشفعه الله) وساق الآية وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً . (1)

وقد كذب بعضهم الحكاية وقال: إن استقبال القبر بالدعاء لم يقل به أحد.

قلت الكلام عن حكاية المنصور مع مالك في (شرح الزرقاني على المواهب) الذي قال (كتب المالكية كافية باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا القبلة وسمي طائفة من المالكية نصت على ذلك (وقال: وإلى هذا ذهب الشافعي والجمهور ونقل عن أبي حنيفة) . (2)

وروى القاري في (منسكه) عن ابن المبارك قال: سمعت أبا حنيفة يقول (قدم أيوب السختياني وأنا بالمدينة فجعل ظهره مما يلي القبلة ووجهه إلى القبر وبكى غير متبارك فقام مقام فقيه) . (3)

وفي (الشفاء) قال مالك في رواية ابن وهب (إذا سلم على النبي (ص) ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة) . (4)

وقال تقي الدين السبكي في (شفاء الأسقام) وحسبك ابن وهب فإذا الناس بالمدينة كانوا يختلفون عن مالك فيسألون ابن وهب.


1- النساء: 64.
2- من كتاب مشروعية الزيارة، صص 44 - 46.
3- نفس المصدر، صص 4٧ و 4٨.
4- ومن كتاب الفقه على المذاهب الأربعة.

ص: 121

وقفل السبكي ما ينطبق على رواية ابن وهب عن أربعة من المالكية ابن

حبيب وابن يونس واللخمي وابن بشير قال: وقال إبراهيم الحرب في مناسكه فيما ذكره عنه الآجرى (تولي ظهرك القبلة وتستقبل وسطه يعني القبر وذكر السلام والدعاء) .

وقال (في كتاب المستوعب) للسامري الحنبلي يجعل القبر تلقاء وجهه والقبلة خلف ظهره وذكر كيفية الدعاء وظاهر ذلك أن يستقبل القبر فيهما جميعا.

وثبت أن الإمام أحمد بن حنبل سئل عن تقبيل قبر الرسول (ص) وتقبيل منبره، قال لا بأس، وقال ابن حجر تعليقا على ذلك: (ويؤخذ منه جواز تقبيل كل شريف) .

وإليك أخي القارئ قول الأئمة الأربعة في قضية الصلاة في القبور والمقامات الشريفة:

قالت الحنفية، قالوا: تكره الصلاة في المقبرة إذا كان القبر بين يدي المصلي بحيث لو صلى صلاة الخاشعين وقع بصره عليه، وأما إذا كان القبر خلفه أو فوقه أو تحت ما هو واقف عليه فلا كراهة على التحقيق وقد قيدت الكراهة بأن لا يكون في المقبرة موضع أعد للصلاة لا نجاسة فيه ولا قذر وإلا فلا كراهة؛ أما قبور الأنبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة عليها مطلقا.

وقالت الشافعية، قالوا: تكره الصلاة في المقابر غير المنبوشة سواء كان القبر خلفه أو أمامه أو على يمينه أو على شماله أو تحته إلا قبور الأنبياء والشهداء فإن الصلاة لا تكره فيها مالم يقصد تعظيمهم وإلا حرم. أما الصلاة في المقبرة المنبوشة فلا حائل فإنها باطلة لوجود النجاسة فيها.

وقالت الحنابلة، فقالوا: الصلاة في المقبرة وهي احتوت على ثلاث قبور

ص: 122

فأكثر في أرض موقوفة للدفن (القرافة) باطلة مطلقا أما إذا لم تحتوي على ثلاثة

بأن كان فيها واحد أو اثنان فالصلاة فيها صحيحة بلا كراهة إن لم يستقبل القبر ويكره استقبال القبر.

وقالت المالكية، فقالوا: الصلاة في المقابر جائزة بلا كراهة إن أمنت النجاسة.

وقال الشافعي: قبر موسى الكاظم الترياق المجرب، وتوسل الشافعي بأبي حنيفة رضي الله عنهما بعد انتقاله وهذا ثابت في أوائل «تاريخ الخطيب» بسند صحيح.

وللإمام الحافظ الضياء المقدسي:

إن الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي أصيب بدمل أعجزه علاجه فمسح به قبر أحمد بن حنبل تبركا فبرئ.

والشافعي كان يتبرك بزيارة قبر أبي حنيفة مدة إقامته بالعراق.

سادساً: أقوال العلماء

قال تقي الدين السبكي في كتابه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) وهو تخيل باطل لأن الممنوع هو اتخاذ القبور مساجد والعكوف عليها وتصوير الصور فيها أما الزيارة والدعاء والسلام فقد شرعها الله وفعلها النبي (ص) وأصحابه في حق شهداء أحد والبقيع ونحوهم وليس لنا أن نحرم إلا ما حرمه الله وإن تخيلنا أن يفضي إلى محذور، ولا نبيح إلا ما أباحه الله وإن تخيلنا أنه يفضي إلى محذور.

ولما أباح الشارع الزيارة وشرعها وسنها رسول الله (ص) وحذر من اتخاذ القبول مساجد وتصوير الصور عليها قلنا بإباحة الزيارة ومشروعيتها وتحريم

ص: 123

اتخاذ القبور مساجد والتصوير.

والمقتضي على الشرك حرام بلا إشكال، وأما الأمور التي قد تؤدي إليه فما حرمه الله والشرع فيها كان حراما وما لم يحرمه كان مباحا.

والشرع حرم اتخاذ القبور مساجد والتصوير والعكوف على القبور وشرع الزيارة والدعاء والسلام، ومن المعلوم أن الزيارة بقصد التبرك والتعظيم لا تنتهي في التعظيم إلى درجة الربوبية ولا تزيد على ما نص عليه في القرآن والسنة وفعل الصحابة ومن تعظيمه (ص) في حياته وبعد وفاته. ١ ه- مختصر

وقال ابن حجر المكي في (الجوهر المنظم) : تخيل بعض المحرومين أن منع الزيارة أو السفر إليها هو من باب المحافظة على التوحيد وأن وقوعها مما يؤدي إلى الشرك وهو تخيل باطل، وقال: وهنا أمران؛

أحدهما وجوب تعظيم النبي (ص) ورفع مرتبته عن سائر الخلق، والثاني هو إفراد الربوبية واعتقاد أن الرب تعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه في شيء من ذلك فقد أشرك ومن قصد بالرسول عن مرتبته فقد عصى وكفر، ومن بالغ في تعظيمه (ص) بأنواع من التعظيم ولم تبلغ به ما يختص بالباري فقد أصاب الحق وحافظ على جانب الربوبية والرسالة معا. (1)

نقل ابن الحاج في (مدخله) عن أبي محمد بن أبي جمرة صاحب «مختصر البخاري» قوله «إنه (ص) تتشرف الأشياء به لا هو يتشرف بها فلو بقي في مكة لكان يتوهم أنه قد تشرف بمكة فلما أراد الله تعالى أن يبين لعباده أنه (ص) أفضل المخلوقات كانت هجرته إلى المدينة فتشرفت المدينة به ألا ترى أن ما وقع من


1- من كتاب مشروعية الزيارة، صص 25 - 2٧.

ص: 124

الإجماع على أن أفضل البقاع الموضع الذي ضم أعضاءه الكريمة صلوات الله وسلامه عليه وآله وسلم) .

وانظر إلى الأشياء التي باشرها الرسول (ص) تجدها أبدا تتشرف بمباشرته لها ألا ترى أنه (ص) قال في المدينة (ترابها شفاء) وما ذاك إلا لتردده (ص) بتلك الخطا الكريمة في أرجائها.

ولما كان مشيه (ص) في مسجده بالمدينة أكثر من تردده في غيره من المدينة عظم شرف المسجد بذلك فكانت الصلاة فيه بألف صلاة.

ولما كان تردده بين بيته ومنبره أكثر من تردده في المسجد كانت تلك البقعة روضة من رياض الجنة فقال (ص) :

« ما بين بيتي و منبري روضة من رياض الجنة» .

وفي تأويل ذلك قولان للعلماء:

أحدهما: - أن العمل فيها يحصل لصاحبه روضة من رياض الجنة.

والثاني: - أنها بنفسها تنقل إلى الجنة وهو الصحيح. (1)

ونقل ابن الحاج في (مدخله) عن الغزالي في (الإحياء) قوله (أن السفر لأجل العبادة يدخل في جملة زيارة قبور الأنبياء والصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد موته ويجوز شد الرحال لهذا الغرض ولا يمنع من هذا حديث شد الرحال لأن ذلك في المسجد لأنها متماثلة بعد المساجد الثلاثة) . (2)

قال النووي في (الأذكار) : «يُسن الإكثار من زيارة القبور وإكثار الوقوف


1- من كتاب مشروعية الزيارة، صص 33، 34، 3٨ و 3٩.
2- نفس المصدر، صص 4٧و 4٨.

ص: 125

عند القبور أهل الخير والصلاح» .

وقال السبكي: «وعندنا استقبال القبلة في الدعاء حسن واستقبال القبر حسن لاسيما حاله الاستشفاع» كلام السبكي.

وقال النووي في (الإيضاح) «يكره مسح جدار القبر باليد وتقبيله» ولكن العز بن جماعة وغيره اعتراض على النووي في ذلك بقول أحمد أن ذلك لا بأس به وقال المحب الطبري وابن أبي الصيف: يجوز تقبيل القبر الشريف ومسه.

وقال السبكي: إن عدم مسح القبر ليس مما قام الإجماع عليه.

العلل والسؤالات - أحمد بن حنبل ج 2 ص 4٩2: يقول عبد الله بن احمدبن حنبل سالت ابي: عن الرجل يمس منبر النبي (ص) ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله عزوجل فقال لا بأس بذلك التوسل للالباني ص 25: فأجاز الإمام أحمد التوسل بالرسول وحده فقط، وأجاز غيره كالإمام الشوكاني التوسل به وبغيره من الأنبياء والصالحين مجموع فتاوى ابن تيمية الصوفي ج4ص3٧٩ في حديثه عن المقارنة بين الملائكة وبني آدم وقد قالوا: إن علماء الآدميين مع وجود المنافى والمضاد أحسن وأفضل، ثم هم في الحياة الدنيا وفي الآخرة يلهمون التسبيح، كما يلهمون النَّفَسٌ، وأما النفع المتعدى، والنفع للخلق، وتدبير العالم، فقد قالوا: هم تجرى أرزاق العباد على أيديهم، وينزلون بالعلوم والوحي، ويحفظون ويمسكون غير ذلك من أفعال الملائكة.

والجواب: أن صالح البشر مثل ذلك وأكثر منه، ويكفيك من ذلك شفاعة الشافع المشفع في المذنبين، وشفاعته في البشر كي يحاسبوا، وشفاعته في أهل

ص: 126

الجنة حتى يدخلوا الجنة. ثم بعد ذلك تقع شفاعة الملائكة، وأين هم من قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (1)؟ وأين هم من الذين: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (2)؟ وأين هم ممن يدعون إلى الهدى ودين الحق؛ ومن سن سنة حسنة؟ وأين هم من قوله (ص) :

« إن من أمتي من يشفع في أكثر من ربيعة ومضر» ؟ وأين هم من الأقطاب، والأوتاد، و الأغواث، و الأبدال، والنجباء؟

ونختم هذه الجزئية بقولنا أن من صلى في مسجد فيه قبر ليس في ذلك شيء كما بينا ذلك سابقا وبالشروط التي بيناها وكذلك بانتفاء الموانع ونقول لكل من خالفنا في ذلك هل عندك دليل صريح على بطلان الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟ ! فلم ولن تجد إجابة صريحة على ذلك وهذا ختاما للموضوع ولن تجد إلا التلبيسات السابقة التي قد أجبنا عليها.

ونقول لهم أيضا زيادة في التأكيد على فهمنا أن هذا الأمر ليس من شروط صحة الصلاة وليس من أركانها وليس من مبطلات الصلاة المعروفة والمقطوع بها ومن قال غير ذلك فليأتنا بالدليل على ذلك فلم ولن تجد دليل على ذلك.

فهل استوعبت الوهابية هذا الدرس؟ !

وكذلك نقول أن جميع الأدلة التي ثبتت بتقديس آثار الصالحين هي نفسها الأدلة على زيارة مقاماتهم الشريفة من باب الأولى فما ثبت التبرك ببعضه يثبت التبرك بجميع جسده وبالمقام الذي ينتقل إليه وكذلك الأدلة التي تثبت


1- الأنبياء: 1٠٧.
2- الحشر: ٩.

ص: 127

التبرك بأثر الشخص بعد انتقاله هي نفسها الأدلة على التبرك بجسده بعد انتقاله وبأثر جسده على ما يحيط به من مقام وما يسمى بالمقصورة بل كل روضته الشريفة ولنضرب لذلك مثلا بمقام إبراهيم (ع) الذي اتخذه الناس مُصَلّى وذلك لأن هناك الحجر الذي عليه بصمة القدم الخاص بإبراهيم (ع) الذي كان يقف عليه في بناء الكعبة ولذلك أصبح مُصلى وذكر في القرآن الكريم تكريما وتشريفا وتبركا وشريعة.

وهذا دليل واضح على قدسية أثر القدم بعد انتقال إبراهيم (ع) فكيف بقدسية جسده في مقامه بعد انتقاله (ع) ؟ ! فهذا من باب الأولى في دلالته على تقديس الجسد وقبره وروضته بعد انتقاله وجواز التبرك به فإذا ثبت حكم الجزء جاز أن يكون هو ذاته الدليل على الكل من باب الأولى لأنه عينه وذاته كما تأصل في الأصول.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

ونقول أيضا في هذا المقام أن جميع المقدسات الشرعية بل غالب شعائر الله التي أمرنا بتعظيمها ما هي إلا مظاهر تقديس وتبرك بأهل الله إما بآثارهم في الأماكن وسيرهم فيها كالصفا والمروة التي هي من شعائر الله لمجرد أن مشت فيها السيدة هاجر وسيدنا إسماعيل فأصبحت هذه الأماكن مقدسة تقديسا شرعيا لمجرد أثر أهل الله فيها وكذلك مقام إبراهيم (ع) وكذلك تراب المدينة التي مشى فيها النبي (ص) وكذلك روضته التي كان يمشي فيها من بيته إلى منبره (ص) وكثرة خطاه الشريفة في تلك البقعة المباركة.

وكل هذه الأدلة على تقديس الآثار هي ذاتها الأدلة على تقديس الجسد كله بعد انتقاله في مقامه وبالتبرك بالمقام والروضة وأيضا الصنف الثاني من التقديس الثابت في الشريعة هو مباركة الأماكن بأجساد أهل الله بعد انتقالهم

ص: 128

ومباركة مقاماتهم مثل المسجد الأقصى الذي علة مباركته وما حوله هو آثار الأنبياء والأولياء وكذلك وجود بعض قبورهم في المسجد مثل مقام يعقوب (ع) والأسباط وغيرهم من أهل الله وكذلك جميع الأماكن المقدسة التي قدست بآثار أهل الله وهم أحياء واستمر التقديس بعد انتقالهم وحتى يومنا هذا وأيضا قدست بعضها بوجود قبور أهل الله فيها.

وهذه كلها أدلة قطعية وليست ظنية على مشروعية زيارة مقامات الأولياء وهي نص في ذلك لأن حكم الكل يدخل فيه حكم الجزء ويدل عليه وعلى العكس من ذلك فتكون الأدلة السابقة كلها أدلة قطعية على زيارة المقامات الشريفة.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

ونضيف إلى ذلك أيضا أنه إذا بحثنا عن علة تقديس الأماكن لوجدنا في الحقيقة أنها لمجرد التبرك بآثار أهل الله وبقبورهم كما بينا ذلك وفي هذا دليل واضح على بطلان ادعاء من ادعى أن التبرك بالصالحين وآثارهم شرك بالله وهذا لا يقول به إلا من كان جاهلا جهلا مركبا وهل التبرك بالصفا والمروة أو بالحجر الأسود أو بتقبيل الكعبة أو بالتبرك بها وكذلك رجم إبليس عليه لعنة الله بل أن الحج كله بجميع شعائره ما هو إلا تلبية وطاعة وتبركا بإبراهيم وأهل بيته عليهم السلام وأن الحج ما هو إلا تلبية ظاهرية وباطنية لأذان إبراهيم (ع) بالحج وما يترتب على ذلك من منافع لقوله تعالى: وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ (1)وهذا الحكم يشمل كل من لبّى أذان إبراهيم (ع) من الأولين وإلى


1- الحج: 2٧ و 2٨.

ص: 129

أن يرث الله الأرض ومن عليها ويدل دلالة قطعية على أن كل من حج البيت قام بذلك تلبية وطاعة لإبراهيم (ع) في الحقيقة بتشريع من الله حتى يعلمنا ويعرفنا أن الدنيا بأسرها وجميع الشرائع التي فيها قد أوجدها الله"سبحانه وتعالى" لأصفيائه من الأولياء في كل زمان ومكان فهل يستطيع أحد أن يقول أن هذا شرك؟ ! أو يقول أن الله"سبحانه وتعالى" يدلنا على الشرك؟ !

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

وإذا قلنا أن هذا التبرك مشروع أجبنا أن القياس يجعل زيارة مقامات الأولياء مشروعة وذلك لاتفاق العلة في جميع الأماكن المقدسة لأن العلة هي تقديس الأثر أو تقديس المقبور وروضته في المكان وهذا ظاهر في علة التقديس في جميع الأماكن المقدسة وكل هذا زيادة في الاستدلال من باب الأولى فالأولى توضيحا وتأكيدا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وكانت الشريعة الدالة على ما بيناه ما هي إلا رمز وإشارة للخلق حتى ينتبهوا ويعرفوا قدر أهل الله حتى أن المكلفين يعبدوا الله بتقديس آثار أهل الله.

فهل فهمت الوهابية هذا الدرس؟ !

الأحاديث الخاصة بزيارة مقام النبي (ص)

ويدل على مشروعية الزيارة الكثير من الأحاديث أخرجها الدارقطني وابن السكن وأبو يعلى والطبراني والبيهقي وابن عساكر وأبو داود الطيالسي والعقيلي والأزدي وابن مردويه وأبو عوانه وابن حبّاب وابن النجار والديلمي وتقي الدين السبكي.

ومن هذه الأحاديث:

1- حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا

« من زار قبري وجبت له

ص: 130

شفاعتي» رواه ابن خزيمه والبزار والطبراني.

وقال ابن حجر المكي: صححه جماعة من أئمة الحديث.

2- حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا:

« من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي» رواه الطبراني في الكبير والأوسط وقد أشار السبكي إلى صحته.

3- حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا:

« من أتاني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة» رواه الطبراني في الأوسط والكبير وقد صححه السبكي وقال ابن حجر المكي: وهي شاملة لحالتي الحياة والموت والمجيء من قرب ومن بُعد.

قال: وقوله

« لا تعمله حاجة إلا زيارتي» المراد تجريد الزيارة مما لا تعلق له بها أصلا، أما ما يتعلق بها من نحو قصد الاعتكاف بالمسجد النبوي وشد الرحال إليه وكثرة العبادة فيه وزيارة الصحابة ومسجد قباء وغير ذلك فهو مندوب للزائر ولا يمنع قصده حصول الشفاعة له.

وقال أيضا: والزيارة مع مقدماتها من نحو السفر إليها ولو بقصدها فقط دون أن يضم لها قصد اعتكاف أو صلاة بمسجده (ص) من أهم القربات.

وقال أيضا: من قال إنه ينوي مع قصد زيارته (ص) التقرب بينه قصد مسجده لم يجعل ذلك شرطا بل رأى أن ذلك هو الأكمل ليكون السفر إلى قربتين فيكثر الأجر.

وقال الكمال بن همام في (فتح القدير) الأولى عندي تجريد النية لزيارة قبر الرسول (ص) ثم إذا حصلت له إذا قدم نوى زيارة المسجد قال وظاهر ذلك موافق حديث

« من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن أكون

شفيعا له» .

ص: 131

قلت: مهما حاول المنكرون لمشروعية الزيارة والسفر لها والتشكيك في صحة أحاديث الزيارة المتعددة التي تضافرت على مشروعيتها في أحاديث يقوي بعضها بعضا مما يستوجب قبولها وصحة الاحتجاج بها (1)كما يقويها أيضا ما عهد منذ القرون الأولى من قصد الزيارة قرنا بعد قرن من قرب ومن بعد واتفاق أصحاب المذاهب سنيها ومبتدعيها إلا من شذ على مشروعيتها وقصدها وقطع المسافات الطويلة الشاقة في سبيل تحقيقها على اعتقاد أنها من أعظم القربات.

وكذلك يقويها ما ورد في كتاب الله من حث على إتيانه (ص) الذي يشمل إتيانه حيا وبعد وفاته.

الخلاصة

وخلاصة الكلام أيها الحبيب أن زيارة مقام سيدنا رسول الله (ص) مشروعة وكذلك بقية رسول الله (ص) وكل من فيه بالولاية لأن وليّ الله عصبا أو نسبا هو من حقيقة ومن قداسة وامتداد رسول الله (ص) حتى يرث الله الأرض ومن عليها ونقلنا الإجماع بالتواتر وتواترات الأمة على زيارة المقامات الشريفة للأولياء وآل البيت عصبا أو نسبا عليهم السلام جميعا.

ولم نسمع مخالفا لهذا إلا الشرذمة القليلة من الوهابين كبدعة في إنكار الزيارات الشريفة وهم أنفسهم يشدون الرحال لزيارة الأماكن العامة

للترويح عن أنفسهم والتجارة وأمور الدنيا.


1- وارجع إلى كتاب (رفع المنارة في أحاديث التوسل والزيارة) للأستاذ محمود سعيد ممدوح. . ففيه جمع مستفيض وتجريح موسع للأحاديث الواردة في زيارة القبر المعظم والكثير منها صحيح لا كما يدعي الوهابيون.

ص: 132

وهنا السؤال: هل لا يجوز شد الرحال من أجل الدين؟ ويجوز في أمور الدنيا؟ هذا أولا.

ثانياً أن الحديث حجة لنا من ناحيتين الأولى بالقياس بمشروعية انتقال المفضول لمن هو أفضل منه كصلة رحم سيدنا محمد (ص) ومن باب زيارة كل من يحبه الله سبحانه وتعالى كقربة إلى الله وكذلك الانتقال إلى روضات الجنة المقطوع بها ولا شك فيها حتى يستجاب الدعاء كالدعاء في الأماكن الأفضل عن الأماكن المفضلة وهذا بالقياس من المفضول إلى الأفضل قياسا على حديث التفاضل بين المساجد وشد الرحال إليها كأجر للصلاة الناحية الثانية أن الأصل العام المطلق في أصول الشريعة والحقيقة حتى في العرف وبإجماع عقول أهل الأرض ولكن حديث شد الرحال يخصص ويحدد أي المساجد يشد إليها الرحال كأفضل من بقية المساجد وينفي أي تفضيل ما بين بقيتها وهذا في التفاضل ما بين المساجد في الصلاة وتبقى بقية الأمور على أصلها في التفاضل ولذلك بدأ المصطفى (ص) بالنفي والمقصود بالنفي هنا أنه يدرج في تخصيص الخاص بصيغة العام كما تأصل في أصول الفقه ولو كان القصد منه نفي العام بالخاص لكان هذا الحديث نافيا لشد الرحال لأي أمر من أمور الشريعة كالجهاد وغيره ولكنه نفى الخاص بالخاص كما تأصل في الأصول ولو كان غير ذلك لكان الحديث حجة في النهي عن شد الرحال على الإطلاق والعموم لأي أمر من أمور الدنيا أو الدين على حد سواء وهذا الكلام يكون باطلا بالإجماع المعقول والمنقول ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما الأمر الآخر أن من كانت صلته ومودته مشروعه حيا كقربه إلى الله كانت صلته ممتدة بعد انتقاله في مقامه الشريف على حدٍ سواء ولا تفريق

ص: 133

نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ (1) ولا تفريق أبدا إلا فيما خصه الدليل الشرعي والنص ومن فرق فعليه بالدليل فالولاية ممتدة أحكامها إلا قضية إتباع الهدى والتأدب بأدبه والتربية والأمر والنهي في الظاهر فلا تكون التبعية فقط إلا لظاهر حي يرزق معصوم بالربانية.

أما بعد انتقاله ففيه الأحكام جارية على ظاهرها وعلى أصلها كما كانت في حياته وكما بينا سابقا أن الموجود في المقامات الشريفة هو جزء من لحم ودم رسول الله (ص) ووارث محمدي كامتداد لرحمة وحجة رسول الله (ص) في الأرض.

اللهم إنا نسألك حبهم وحب من يحبهم واحشرنا معهم ومع أبيهم (ص) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اللهم ارزقنا جميعا حبك وحب من يحبك وحب من تحب واجعل كل ذلك وسيلة تقربنا بها إليك وانصر أوليائك بنصرك الذي وعدت حيث قلت:

« من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» وقول رسولك (ص) :

« أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم» .

اللهم اجعل حبنا لهم ومودتنا إليهم وزيارة مقاماتهم والتوسل بهم ونصرتهم وإتباعهم يكون كل ذلك من السلم الذي يضمن لنا السلم بالشفاعة النبوية من رسول الله (ص) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى

آل بيته المطهرين وسلم تسليما كثيرا.


1- فصلت: 31.

ص: 134

ص: 135

خلاصة بعض معتقداتنا كشيعة اثنا عشرية

أننا لا نكفر أحد من الصحابة بعينه ولا نسُب أحد منهم إلا بنص (كأبي بن سلول) مثلا.

نعتقد أن الصحابة غير معصومين وأن العصمة الحقيقية بمفهومنا الحقيقي للرسول (ص) ولورثته آل بيته الطيبين المطهرين على مراد الله من بعده فقط.

أننا لا نكفر أبا بكر وعمر وعثمان ولكننا لا نعتقد أنهم أفضل من آل بيت رسول الله (ص) من بعده بأبي هو وأمي.

نعتقد حب أمنا عائشة (رضي الله عنها) ولا نكفرها ولا نسبها ولكن نعتقد أنها أخطأت في حق الإمام (علي (ع) في موقعة الجمل وغيرها من المواقف

نعتقد أن الخلافة وإمامة الدين والدنيا بل الولاية العامة حق خالص وخاص بآل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم (علي بن أبي طالب (ع) .

لا نكفر أهل السنة والجماعة بل لا نكفر أي مسلم ابتداءً طالما أنه شهد بالتوحيد وحقق شروط الإسلام بالشهادتين وغيرهم ولا نكفره إلا أذا أتى

ص: 136

الكفر القطعي الصريح وبعد قيام الحجة عليه.

لا نعتقد بصحة جميع روايات الأحاديث وأسباب النزول في مصادر أهل السنة المنقولة عن عامة الناس إلا أن تكون موافقة لروايتنا الصحيحة عن طريق آل بيت رسول الله (ص) .

لا نعتقد أن الإمام علي (ع) نبي أو رسول ولا نقول أبدا أن جبريل (ع) أخطأ في نزول الرسالة على محمد (ص) أو أنها سرقت بل نقول أن من يعتقد ذلك أو يدعو لذلك أو يقوله فهو كافر كفرا بواح.

نعتقد أن الصحابة مثلهم مثل عامة الناس ولا نعين أحد منهم بالرضا إلا بالنص القطعي وكذلك نعتقد أن جميع الآيات التي وردت في القرآن بالرضا على الصحابة أو الأنصار أو المهاجرين كلها آيات ونصوص عامة لا يصح تعيين أي صحابي منهم بها إلا من صح له ذلك بنصوص نبوية أخرى شرط أن تكون صحيحة ومجمع عليها عند السنة والشيعة.

نعتقد أن القرآن كتاب الله كلام الله هو المصحف الواحد المتفق عليه عند السنة والشيعة لا خلاف عليه ولا اختلاف في آياته أبدا وأنه موحد عند الجميع وأما ما يسمى بمصحف فاطمة فما هو إلا كتاب تفسير ويطلق عليه مصحف أي بالمعنى اللغوي أنه (كتاب) وليس هذا بقرآن غير القرآن المتفق عليه.

نعتقد أنه واجب على المؤمنين في كل زمان ومكان وفي كل مناط سنة كانوا أم شيعة أن يردوا التنازع إلى كتاب الله وسنة النبي (ص) الصحيحة الثابتة المتفق عليها عند السنة والشيعة أو الصحيحة عند الشيعة من طريق آل بيت رسول الله (ص) ونحن لا ننكر السنة أبدا ولكن ننكر صحتها وثبوتها من طريق الصحابة وعامة الناس بل هناك من بعض الصحابة من أنكر السنّة وقال:

« أن

ص: 137

رسول الله (ص) يهجر وحسبنا كتاب الله» كما ثبت في البخاري (1)وغيره أما نحن فلا ننكر السنة أبدا بل الخلاف على طرق ثبوتها فقط وبفهم آل البيت عليهم السلام.

نعتقد أنه لا بد أن يكون هناك أدب للحوار والخلاف بيننا وبين أهل السنة ولا نتطاول بالسب أو الاعتداء على أي مسلم ولا نتبع الهوى بل نتبع الأدلة الصحيحة في ثبوتها وفي دلالتها ونتبع إجماع العقل في مواطن الترجيح ونتعرض بالنقد للأفكار والأطروحات والمعتقدات دون أن نتعرض لأصحابها بالسب واللعن والتجريح وهذا كله من الحكمة والإنصاف العقلي ونسأل الله أن يوحد صفوف المسلمين ويجمعهم على كلمة سواء وهو وحده القادر على ذلك.


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 3٧.

ص: 138

ص: 139

شبهات وردود على أقوال أهل السنة

يقول أهل السنة أن آل البيت عليهم السلام لا ينفعهم نسبهم وأنه لا ينفع النسب بغير عمل ويستدلون على ذلك بكفر أعمام النبي (ص) وكذلك ابن نوح (ع) بأنه عمل غير صالح فلم ينفعه نسبه على حد قولهم.

ج1: نقول أولا أن عطاء الله لآل بيت رسول الله (ص) هو من حقيقة إرادة الله سبحانه وتعالى وليس بالنسب فقط بل خيرية آل البيت من إرادة الله هو الذي أراد ذلك وخصهم بهذه الخصوصية دون غيرهم من أبناء الرسل وأقاربهم حيث يقول سبحانه وتعالى: يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وهذه الخصوصية خاصة بآل بيت إبراهيم (ع) وآل بيت محمد (ص) فقط والدليل على ذلك ذكرهم فقط في الصلاة الإبراهيمية دون غيرهم من أبناء الرسل وأقاربهم فهذه خصوصية مخصوصة عليهم فقط.

يقول أهل السنة أننا نسُب ونلعن الصحابة وعلى رأسهم الشيخين أبوبكر وعمر.

ج2: نقول لهم أننا لا نسبهم ولا نلعنهم ولكن لا نمدحهم ولا نقدسهم مثل أهل السنة بل نعتقد أنهم مسلمين مثل العامة وليس معنى هذا أننا

ص: 140

نلعنهم بل نعتقد أنهم غير معصومين وأنهم ليسوا بأفضل من آل البيت عليهم السلام من بعد النبي (ص) بل إن الصحابة والشيخين أنفسهم لا تقبل لهم صلاة ولا عمل إلا بالصلاة والسلام على آل البيت عليهم السلام فأين إذا الأفضل والمفضول؟ !

يقول أهل السنة في مناظرتهم مع الشيعة يتحدثون بأقوال بعض جهلة الشيعة أو من ينسب لهم أو بالأقوال المفتراه عليهم والتشهير لها وكذلك الكلام في القضايا الفقهية والفرعية وترك الأصول التي من الممكن أن توحد الأمة بدورها فيدور كلامهم في قضايا فقهية مثل (التقية، الغيبة، البداءة، السجود على التربة، زواج المتعة وغيرها) ويتركون الأصول مثل قضية «الاتفاق على مصادر الشريعة» حتى يمكنهم الرجوع إليها فتتوحد الأمة بتوحيدها على مصدر واحد.

ج3: يجب الاتفاق على مصادر الإتباع من بعد رسول الله (ص) هل عن طريق السنة المنقولة من عامة السلف والخلف أم إتباع السنة المنقولة من عترته آل بيته (ص) فإذا اتفقنا على المصدر المتبع سنتوحد بذلك إن شاء الله ولذلك نقول لإخواننا من السنة والشيعة لا مناظرات ولا مناقشات ولا حوار إلا على أصل الإتباع أولا وقبل كل شيء وأما بالنسبة للدخول في المناظرات والمناقشات في القضايا الفقهية والمذهبية قبل الاتفاق على الأصول فسيؤدي ذلك إلى البعد والجفاء والتناحر والتنازع وإذهاب الريح والفشل القطعي واتساع الفجوة وزيادة الصراع ما بين المسلمين.

فلا بد لنا إذا أن نتفق على مصادر الإتباع أولا وقبل كل شيء حتى نفصل فيها بإذن الله.

قول السنة أنهم يحبون آل بيت رسول الله (ص) أكثر من حب الشيعة لهم أو على قدر مضاهاة الشيعة.

ص: 141

ج4: نقول والله المستعان أن الله "سبحانه وتعالى" فضح قوما ادعوا حبهم لمحمد (ص) وحبهم لله ولم يتبعوا محمد (ص) في شريعته فنقول لهم أنه يلزمكم لإثبات هذه الدعوة أن تكونوا متبعين لآل بيت رسول الله (ص) ولمذهبهم الجعفري المنسوب نسبة صحيحة لسيدي جعفر الصادق (ع) والمنقول عن آل بيت رسول الله (ص) إلى أن تصل إلى مدينة علم رسول الله (ص) عن طريق آل بيت رسول الله (ص) وإن المحب لمن أحب مطيع فكيف تحبون آل البيت عليهم السلام وتقدمون عليهم من العامة؟ !

ومن أقوال أهل السنة في مناظراتهم ومناقشاتهم مع الشيعة يستدلون ببعض المصادر التاريخية المتضاربة في تاريخها والناقلة كذلك للأحداث التاريخية المختلفة والمتناقضة ويقدمون ذلك على النصوص القرآنية والنبوية الصحيحة الصريحة وذلك للمجادلة.

ج5: نقول والله المستعان أن الحجة في القرآن والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله (ص) ومن طريقها الصحيح فإذا ثبت النص وثبتت صحة دلالته كان مذهب كل مسلم ومؤمن في الأرض فلا بد أن ندور مع الأدلة وأن نتفق أولا وقبل كل شيء على مصادر الشريعة كأصول وبالأدلة الثابتة الصحيحة وتجنب المناقشات التاريخية والآراء الشخصية الدينية أو السياسية طالما أن هناك نص نبوي من الممكن أن يجمع بيننا في الأصول.

6- يقول أهل السنة عن الشيعة (أما الرافضة فهم الذين أخذوا بأقوال عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بحب آل البيت ونادى بفكرة الوصي بعد النبي وكفر الصحابة لأنهم لم يأخذوا بهذه الفكرة وبايعوا أبا بكر وعمر) .

ج6: ونحن نقول لهم أن قصة عبد الله بن سبأ قصة مفتراة وليس لها

أصل تاريخي صحيح بل هي شخصية وهمية ابتدعها سلف أهل السنة

ص: 142

والجماعة ليعلقوا عليها جميع المفتريات الباطلة ويبرروا بها قتل أهل الله ومعاداة آل بيت النبي (ص) وما حدث من مؤامرات وقتل في الأجيال الأولى وما حدث عند السلف والصحابة وآل البيت عليهم السلام.

وكيف لعبد الله بن سبأ أو ابن السوداء كما يقولون عنه لأن أمه حبشية كيف له أن يسيطر على الواقع الإسلامي ويكيد له دون أن يبطل كيده الإمام علي بن أبي طالب (ع) وهو من هو وكذلك مع وجود كثير من أهل الرحمة والهداية وكيف أنه لا يذكر أي شيء عن ابن سبأ عند المؤرخين الحقيقيين ولم يذكر عنه أي شيء على الإطلاق عند من يعتد به من أهل الرواية الشرعية ولاالتاريخية إلا هذه الرواية الباطلة التي رواها الطبري وهي غير صحيحة وفيها سيف بن عُمَر وهو معروف بضعفه وتركه عند علماء السنة المتخصصين في علم الجرح والتعديل وكيف يُبطَل الدين الحقيقي الصحيح لمجرد قصة مكذوبة مفتراة؟ ! ومع كل ذلك وهذا من العجيب أنهم يقولون في الرواية الباطلة أنه قد حسن إسلامه بعد ذلك! هذا أولا.

ثانيا: الشيعة لا تقول في معتقداتها يقول عبد الله بن سبأ كذا وكذا حتى تقولوا عنهم هذا الكلام بل إن الشيعة أو الرافضة على حد قولكم تناظركم وتناقشكم بالنصوص الشرعية بالقرآن والسنة والنصوص النبوية فلم يبقى أمامكم إلا أن تنسبوا هذه النصوص النبوية إلى عبد الله بن سبأ كما تزعمون وهذا ما لا يقول به مسلم فأين تذهبون و أنا تؤفكون؟ !) .

ص: 143

الخاتمة

وخلاصة كلامنا أن جميع الأولياء أو جميع العباد الربانيين أو جميع المجتبين أو العباد المعصومين بالربانية أو كل صورة بشرية تحمل هدى الله لبقية الصور البشرية أو بمعنى آخر أيضا كل من اختاره الله ليحمل خطابه و يمثل هداه لبقية الخلق كل هؤلاء جميعا هم جملة آل بيت هدى المصطفى (ص) إن كانوا من السابقين قبل بعثته (ص) هؤلاء جميعا هم أهل بيت هداه. .

وكلامنا هنا خاص بآل بيت الهدى من بعده (ص) وبينا أنهم ينقسمون إلى قسمين: عصبا أي أنه جرى فيهم دم رسول الله (ص) ، والقسم الآخر هو النسب الذي شهد له وأجازه العصب بالشهادة بأنه منهم كسلمان الفارسي رضي الله عنه وعليه السلام وآل البيت عصبا أو نسبا لابد وان يدل عليهم نص من الشريعة كنص قرآني أو نص نبوي أو دلالة يظهره الله بها كمعجزات الرسل أو كرامات الأولياء وخوارق العادات حتى يظهرهم الله للخلق فيعلم بقية الخلق أن هؤلاء عصموا بالربانية وكذلك بشهادة المعصوم لمثله أنه معصوم كل ذلك من طرق إظهار الله سبحانه وتعالى لأوليائه أي آل بيت النبي (ص) .

ص: 144

وقد بينا أيضا أن النسب لا يقدم على العصب أبدا في مواطن التفاضل ودللنا على ذلك بأمرين أن العصب يفضل بجريان الدم النبوي فيه.

وثانيا أن النسب لا يكون منهم إلا بإجازة وشهادة العصب له.

وقلنا أيضا أن مقامات الأولياء تدور في ستة وأربعين مقام تبدأ بالمبشرات وتنتهي بالنبوة.

وقلنا أن المصطفى منهم إثنى عشر إمامًا ودللنا على ذلك أن كلهم من آل البيت عليهم السلام و يبدأوا بالإمام علي ويختموا بالإمام المهدي عليهم السلام وبقية الأولياء المجتبين هم أبدال نائبين عن كل قطب من المصطفين الإثنى عشر في زمنه وبينا أيضا أن حقيقتهم وعصمتهم من حقيقة وعصمة النبي (ص) . وتكلمنا أيضا عن زيارة مقاماتهم الشريفة والتبرك بأجسادهم الشريفة أحياء وبعد انتقالهم في روضاتهم الشريفة نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ .

ثم تكلمنا أيضا عن حقيقة إتباعهم كأصل من أصول الدين وأن إتباعهم في الحقيقة هو إتباع لرسول الله الذي فيهم صلى الله عليه وعليهم وسلم.

وتكلمنا عن بعض الأمور الخاصة بقضية إتباعهم عليهم السلام وانقسام الأمة إلى سنة وشيعة وحاولنا التقريب بين الإخوان من المسلمين شيعة وسنة وبينا كذلك أننا في انتظار آخر قطب وإمام آخر الزمان وآخر أئمة آل البيت وهو خاتمهم الإمام المهدي (ع) فهو آخر حجة محمدية يجمع بها المسلمين تحت لوائه فعز الله به الإسلام والمسلمين.

تنبيه

لقد أراد بعض إخواننا التعرف عن قرب بالكاتب من خلال مراسلات الانترنت فأجيب عن ذلك وأقول.

إنني كنت على مذهب أهل السنة والجماعة كما يقولون فهما حتى قابلني

ص: 145

رجل كان تاجرا من لبنان يدعى (الحاج حكمت حمود) وكان يستورد من بلادنا بعض البضائع وقال لي أنه شيعي المذهب ولم يتحدث معي إلا في قضية استشهاد الإمام الحسين (ع) وتكلم معي في أفضلية الإمام علي (ع) وعلق على كلمة وأن البخاري قد ذكرها فوجدتني أستخرج له أدلة أكثر من ذلك على أفضلية الإمام علي بن أبي طالب (ع) وقام بتصويرها من كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري) حتى يأخذها معه إلى لبنان لما فيها من أدلة فقد أيقظ هذا الرجل تساؤلات كثيرة كانت تدور في باطني قبل أن ألقاه وكأنني وجدت ضالتي التي كنت أبحث عنها ومهيأ لها قبل أن ألقاه وكنت قبل ذلك بوقت طويل قد أمدني الله بمدد من عنده وقد جرت كثير من خوارق العادات الربانية بإذن الله التي يعتد بها أنها ربانية لأنها بذكر الله مجرد وبسر السر الشرعي والحقيقي بعيدا عن فتن إبليس أو ما يلبس به على الناس من مخالفات شرعية تخرق بها العادات بشيطانية وبقدرة جنية وليست ربانية على الإطلاق وهذا هو الفرق بين أهل الله وأولياء الشيطان.

وهذا الكلام ليس على سبيل النقص البشري ولا التفاخر ولا المدح ولا الثناء بل يقصد به الرحمة ويشهد الله على ذلك وهذا الرجل نحسبه من الصالحين وقد حكى لنا شخصيا أنه قد تمت عليه مكاشفات بالرؤيا أنه ربما يكون أول من سيلقى الإمام المهدي المنتظر (ع) وهذا فخر لنا أن نلقى الرجل الذي ربما يكون أول من يلقى الإمام المهدي (ع) وهذا على سبيل التبشير والاستبشار وليس على سبيل القطع في المسألة كخبر ديني وقد انقطع الاتصال ما بيننا وبينه ولا نعلم له عنوان إلا أنه في بيروت في الأجنحة الخمسة في الشويفات في الطابق الأول تقريبا هذا قدر ما نعلمه عنه فمن عرفه أو قابله فليقرأه منا السلام وجزاه الله خير الجزاء ونحسبه من أهل الصلاح

ص: 146

وقد أهدانا بعض الكتب في رحلته الثانية مثل المراجعات ومثل الثقيفة وكذلك كتابين من كتب الشيخ التيجاني التونسي وهذا هو القدر ذاته الذي اطلعنا عليه حتى هذه الساعة وليس عندنا مصادر إلا هذه الكتب.

ونريد أن نبين أيضا أن كل ما كتبناه وكل ما نشر على الانترنت وما قمنا بنشره في ديارنا كل هذا مجهود فردي وقد كان سببا في هذه الصحوة التي دارت على مستوى العالم بإذن من الله فقد كنا قبل ذلك لا نعلم شيئا عن الشيعة إلا اسمهم وكان يمثل لنا في بلادنا انطباعا سيئا عنهم بغير علم وبغير فهم ولكن برحمة من الله "سبحانه وتعالى" ومدد من نبيه (ص) بقدرة الله فيه أصبحت كتبنا هي سر الصحوة والتصحيح للمفاهيم عن الشيعة وعن مذهبيتهم الصحيحة. كل ذلك من بعد 2٠٠1 وحتى هذه الساعة في 2٠٠٧ كانت كتبنا هي الرحمة التي أضاءت الطريق أمام كل مهتدي مخلص يريد وجه الله بمعرفته الصحيحة للمذهبية الصحيحة فنشرنا كتبنا على مواقعنا المؤقتة على الانترنت فانتشرت في العالم كله على مراحل نزولها على مدار هذه السنين ونشرناها كذلك بتداولها مطبوعة في دولتنا حتى انتشرت قضية مظلمة آل البيت عليهم السلام وكذلك صحة أصول مذهب الشيعة الإثنى عشرية وكذلك إبطال جميع المذاهب الباطلة الأخرى بالأدلة الشرعية القاطعة في المسألة وكذلك تم كشف الحجاب عن المؤامرات التي حدثت في التآمر على الشيعة عند السلف والخلف وكذلك قامت الكتب بكشف الأكاذيب والافتراءات المفتراة على الشيعة والتي عاشت أكثر من أربعة عشر قرنا حتى أصبح الأمر على ما نحن عليه.

وكل ذلك بهذا المجهود البسيط المتواضع الذي نقطع فيه من قوتنا ورزق أولادنا حتى تؤدى به هذه الأمانة بعد كشفها وإيضاحها ثم نقوم بعد ذلك

ص: 147

بالنشر وبالانترنت إلى جميع دول العالم وخصوصا داخل دولتي وهذا كله مجهود فردي بسيط بإمكانيات بسيطة متواضعة في هذا العمل.

وكنت أوظف فيه من يطلبون كنوز الدنيا وأدلهم على كنوز الآخرة وخصوصا بعد معرفتي بأنهم يعتقدون أن كنوز الأرض موقوفة عليّ وأنها لا تفتح إلا بدعائي أو بإذن مني لغيري وهذا على حد قول مكاشفاتهم وأقوالهم ومشايخهم على زعم كبرائهم ووجهائهم إلا من رحم الله منهم والله وحده هو الذي يعلم الحقيقة ونسأله الإعانة واسترسال المدد وبهذا المجهود البسيط المتواضع تحركت الدنيا كلها بفضل الله في قضية المذهبية والتصحيح المذهبي الأصولي والفصل في الخلاف الأصولي ما بين السنة والشيعة على المصدرية وذلك على مستوى العالم الإسلامي حتى ظن البعض أنها ليست إمكانيات فردية فنقول لهم.

أن من اطلع على الكتب وكيفية كتابتها وتصويرها وورقها وغلافها وعدم فهرستها والسرعة في كتابتها وأحيانا بغير مراجعة لضيق الوقت والتقارب الوقتي ما بين خروج كل كتاب وكذلك بساطة ترتيبها وتنظيمها يعلم جيدا كل من اطلع على ذلك أنها مجهود فردي بسيط قائم على مجهود ذاتي فكشفنا بها وبفضل الله ما خلاصته أن مذهب أهل السنة والجماعة لا يوجد فيه مصدرية أصلا إلا آيات القرآن الكريم أما تفسيرها أو أسباب نزولها وكذلك علوم الرواية وأصول الحديث ومصطلح الحديث كل هذه الأمور صنعها البشر قامت عند أهل السنة والجماعة على عقول البشر واجتهاداتهم وليس فيها أي شريعة ربانية على الإطلاق وأثبتنا كل ذلك في كتبنا من منظور أهل السنة والجماعة ومن كتبهم وأثبتنا بطلان مذهبهم وأنه

قائم على كذبة سياسية من السلف إلى الخلف وأن مذهبهم لعبة سياسية تدافع

ص: 148

عن الرأي وضده في آن واحد حتى تطبق نظرية "فرق تسد" التي ابتدعها إبليس عليه لعنة الله وجعلها أداة لتنفيذ مخططاته بالمنافقين وحتى لا يتوحد المسلمين ويظل العداء الذي نصبه إبليس لآل البيت عليهم السلام حتى لا تقوم الساعة بقيام دولتهم وإمامتهم وكل ذلك تأخيرا عند دخولهم النار على حد جهلهم وكفرهم ولكن هيهات هيهات لما يوعدون.

وأثبتنا أن علوم الحديث ومصطلحه التي يحكم بها على صحة وضعف الحديث النبوي ما هي إلا اجتهادات بشرية عقلية ما أنزل الله بها من سلطان وأصحابها غير معصومين بالربانية حتى نكون ملزمين بإتباعهم فهذا أيضا لا دليل عليه وهذه العلوم قابلة للرد والقبول فهي صنعة بشرية وبينا ذلك أيضا في كتبنا وبهذا تكون الروايات المفسرة للقرآن بالحديث تكون باطلة وقابلة أيضا للرد والقبول وكذلك أسباب النزول وتكون الشريعة كلها بذلك عند أهل السنة والجماعة ليست ربانية بل صنعة بشرية قام على تأصيلها الرجال بعقولهم واجتهاداتهم المجردة الغير معصومة! وعلى العكس من ذلك تماما أثبتنا بالأدلة القواطع التي لا شك فيها.

ولا ظن أن الشيعة الإثنى عشرية هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية القائمة على إتباع كتاب الله "سبحانه وتعالى" الثقل الأكبر ومعه عترة رسول الله (ص) الثقل الأصغر الذي لا يفترق عن الثقل الأكبر أبدا ولن يتفرقا حتى يردا على رسول الله (ص) في حوضه الشريف وأن علوم الحديث عندهم موقوفة على إجازتهم الشخصية لها بالصحة وهم معصومين في ذلك بالنصوص الشرعية التي أمرت بإتباعهم في حديث الثقلين وغيره الذي أمر فيه النبي (ص) بإتباع الثقلين «الكتاب العزيز والعترة الطاهرة عليهم السلام» فعصمتهم

هي التي أمرت بقبول الحديث الصحيح عندهم والعمل به بطريقتهم

ص: 149

وبفقههم المعصوم بالربانية وهذا خاص بهم فهم بهذه العصمة على عكس علماء أهل السنة والجماعة التي لا تقبل إجتهاداتهم وأقوالهم وعلومهم فهي غير ملزمة وغير ربانية لأنها من أناس غير معصومين بالربانية وليس هناك دليل قطعي يأمر بإتباعهم فينسب ما صنعوه من شريعة إلى أنفسهم فقط ولا تسمى شريعتهم شريعة ربانية لأنهم غير معصومين.

أما المعصومين الحقيقيين آل البيت الأمين عليهم السلام فتنسب شريعتهم وعلومهم إلى الربانية وتكون شريعة ملزمة للعالمين لأن الله سبحانه وتعالى قد دل دلالة قطعية بالنصوص الشرعية المتواترة الصحيحة عند جميع المذاهب على عصمة آل البيت عليهم السلام وأن اجتهاداتهم ملزمة للأمة وأنها شريعة صحيحة ربانية تنسب إلى من عصمهم وأمر بإتباعهم في حديث الثقلين وهو الله "سبحانه وتعالى".

وهذا هو الفرق ما بين الحق والباطل الممثل في الشيعة والسنة أي عصمة الاجتهاد البشري في ظاهره والنصوص الشرعية الربانية التي تدل على ذلك بالقطع وتكون الشريعة في هذه الحالة ربانية صحيحة وهذا علة ردنا لجميع علوم أهل السنة والجماعة لأنها اجتهادات بشرية لا دليل على عصمة أصحابها وليس هناك أمر قطعي بإتباعهم أبدا.

ثم تحدثنا أيضا عن أدلة أهل السنة والجماعة وأزلنا في كتبنا جميع شبهات أهل السنة والجماعة وأطحنا بها بالأدلة الشرعية القواطع المجمع عليها عند المسلمين قاطبة إجماعا صحيحا قطعيا وبصحة النصوص المجمع عليها عند المسلمين ولم يبقى عند القوم من شبهات إلا حزنهم على تكفير فلان أو فلان! وذلك على حد زعمهم وكذلك بعض الشبه العقلية وكذلك إصرار بعضهم

على الافتراءات والأكاذيب القديمة مثل قولهم أن الشيعة تؤله الإمام علي بن أبي طالب (ع) ! أو أن الشيعة تجيز في مصادرها كذا وكذا أو تحرم كذا وكذا!

ص: 150

وكل هذه أمور قد أجبنا عليها في كتبنا وقطعنا قطعا تاما في قضية المذهبية وأثبتنا أن شريعة أهل السنة والجماعة وأصولها وعلوم الحديث فيها وأصول فقهها كل ذلك وليد الاجتهاد والعقل البشري وكل ذلك صنعة بشرية وليست شريعة ربانية كاملة وليست منهج حياة صحيح من قبل الخالق"سبحانه وتعالى" وليس بعد الحق إلا الضلال وبذلك كانت كتبنا سببا في الصحوة التي أدت إلى تحول كثير من أهل السنة والجماعة عن مذهبهم وتحولهم إلى مذهب الشيعة الجعفرية الإثنى عشرية وانتشار ظاهرة التشيع التي دخل فيها الكثير والكثير من العقلاء الذين يريدون وجه الله بهدايتهم والمخلصين في كل ذلك حتى أن بعض أهل الخذلان لما رأى هذه الكثرة الرهيبة ادعى وافترى على التشيع بقوله إنهم يوزعون الأموال على الناس حتى تتشيع سبحانك هذا بهتان عظيم!

ونحمد الله على توفيقه لنا بهذه الكيفية ونسأل الله القبول والعفو والعافية.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الناصرين للإمام المهدي المنتظر (ع) والقائمين على إقامة خلافته وطاعته والفناء في ذلك وأن نكون جند له وأن نفدي روحه الشريفة النبوية بأرواحنا. .

اللهم إني أبرأ إليك من أي قول أو فعل أو اعتقاد أو إقرار أكون فيه مخالفا لكتاب الله أو للثقل الأصغر عترته آل بيته (ص) وما أجمعوا واجتمعوا عليه وأسأل الله أن يهدي الأمة لإتباع الثقلين كتاب الله وعترة النبي (ص) .

اللهم إنا نسألك الهداية لنا ولكل من قرأ هذا الكتاب وعمل به ودعا إليه

وقام على نشر ما فيه وأن تكون المكافأة له ولنا من سيدنا رسول الله (ص) حيث أنه قال (من صنع إلى أهل بيتي يدًا كافأته عنها يوم القيامة) . . .

ص: 151

اللهم ارزقنا الفناء في حبك وحب حبيبك وحب أل بيته وحب كل من يحبهم وأعنا على خدمتهم جميعا ووفقنا في ذلك واحشرنا معهم وارزقنا شفاعتهم وأمتنا على رضاك فيهم أي منهم واهدنا بهم واهدنا لهم. . .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. .

والصلاة والسلام على سيد الأولياء والعباد الربانيين والمرسلين. . بل سيد الخلق أجمعين وعلى آل بيته الأولياء المطهرين المصطفين منهم والمجتبين الأقطاب والأبدال أئمة الدنيا والدين وسلم تسليما كثيرا. . .

تم بعون الله وتوفيقه في الواحد والعشرين من شعبان سنة 142٨ه سبتمبر2٠٠٧ م

تم مراجعته في منتصف

شهر رجب المكرم 1433

احمد العابدي

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.