حاشية على رسالة في العدالة

اشارة

نام كتاب: حاشية على رسالة في العدالة موضوع: فقه استدلالى نويسنده: مامقانى، ملا عبد اللّٰه بن محمد حسن تاريخ وفات مؤلف: 1351 ه ق زبان: عربى قطع: رحلى تعداد جلد: 1 ناشر: مجمع الذخائر الإسلامية تاريخ نشر: 1350 ه ق نوبت چاپ: اول مكان چاپ: قم- ايران ملاحظات: اين كتاب حاشيه بر رساله عدالت شيخ انصارى رحمه الله است و در آخر كتاب" نهاية المقال في تكملة غاية الآمال" چاپ گرديده است

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

ص: 13

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

ص: 30

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

ص: 40

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

ص: 49

ص: 50

ص: 51

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

ص: 59

ص: 60

ص: 61

ص: 62

ص: 63

ص: 64

ص: 65

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

ص: 71

ص: 72

ص: 73

ص: 74

ص: 75

ص: 76

ص: 77

ص: 78

ص: 79

ص: 80

ص: 81

ص: 82

ص: 83

ص: 84

ص: 85

ص: 86

ص: 87

ص: 88

ص: 89

ص: 90

ص: 91

ص: 92

ص: 93

ص: 94

ص: 95

ص: 96

ص: 97

ص: 98

ص: 99

ص: 100

ص: 101

ص: 102

ص: 103

ص: 104

ص: 105

ص: 106

ص: 107

ص: 108

ص: 109

ص: 110

ص: 111

ص: 112

ص: 113

ص: 114

ص: 115

ص: 116

ص: 117

ص: 118

ص: 119

ص: 120

ص: 121

ص: 122

ص: 123

ص: 124

ص: 125

ص: 126

ص: 127

ص: 128

ص: 129

ص: 130

ص: 131

ص: 132

ص: 133

ص: 134

ص: 135

ص: 136

ص: 137

ص: 138

ص: 139

ص: 140

ص: 141

ص: 142

ص: 143

ص: 144

ص: 145

ص: 146

ص: 147

ص: 148

ص: 149

ص: 150

ص: 151

ص: 152

ص: 153

ص: 154

ص: 155

ص: 156

ص: 157

ص: 158

ص: 159

ص: 160

ص: 161

ص: 162

ص: 163

ص: 164

ص: 165

ص: 166

ص: 167

ص: 168

ص: 169

ص: 170

ص: 171

ص: 172

ص: 173

ص: 174

ص: 175

ص: 176

ص: 177

ص: 178

ص: 179

ص: 180

ص: 181

ص: 182

ص: 183

ص: 184

ص: 185

ص: 186

ص: 187

ص: 188

ص: 189

ص: 190

ص: 191

ص: 192

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

ص: 199

ص: 200

ص: 201

ص: 202

ص: 203

ص: 204

ص: 205

ص: 206

ص: 207

ص: 208

ص: 209

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

ص: 215

ص: 216

ص: 217

ص: 218

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

ص: 223

ص: 224

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

ص: 229

ص: 230

ص: 231

ص: 232

ص: 233

ص: 234

ص: 235

ص: 236

ص: 237

ص: 238

ص: 239

ص: 240

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

ص: 245

ص: 246

ص: 247

ص: 248

ص: 249

ص: 250

ص: 251

[في بيان معان العدالة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه و الصّلوة على محمّد و آله الأطهار

قوله طاب ثراه العدالة لغة الاستواء (- اه-)

أقول العدالة لغة مأخوذة من العدل ضدّ الجور قال في الصّحاح العدل خلاف الجور و منه قول بعض الشّعراء يمدح بعض العلماء المتصدّين لرفع الخصومة بين الناس عهدي به و بداود إذا حكما للعدل و الجور إقبال و ادبار انتهى و (- ح-) فتكون بمعنى الاستقامة و الاستواء و يقال هذا عدل هذا اى مساو له و اعتدل الشيئان اى تساويا قال في التاج مازجا بالقاموس العدل ضدّ الجور و هو ما قام في النفوس انّه مستقيم و قيل هو المتوسّط بين الإفراط و التفريط الى ان قال كالعدالة و العدولة بالضمّ و المعدلة بكسر الدّال و المعدلة بفتحها الى ان قال و يقال العدل السّوية و قال ابن الأعرابي الاستقامة انتهى و قال ابن الأثير ما لفظه في أسماء اللّه تعالى العدل هو الّذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم و هو في الأصل مصدر سمّى به موضع العادل و هو أبلغ منه انتهى و الظّاهر انّ ما في المبسوط و السّرائر من انّها الاستواء غير مناف لما في (- مع صد-) و مجمع الفائدة من أنّها الاستقامة و لا لما في الرّوض و موافقيه من انّها الاستواء و الاستقامة ثمَّ اعلم انّه يقال رجل عدل و أمرية عدل و نسوة عدل و رجال عدل و رجلان عدل على معنى رجلان عدلان و رجال عدول و نسوة عادلات فالعدل مصدر لا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث فإن رأيته مجموعا أو مثنّى أو مؤنّثا فعلى انه قد جرى مجرى الوصف الّذي ليس بمصدر ذكر ذلك محبّ الدّين في التّاج و حكى عن شيخه انّه قال انّ العدل بالنّظر الى أصله و هو ضدّ الجور لا يثنّى و لا يجمع و بالنّظر الى ما صار اليه من النّقل للذّات يثنّى و يجمع ثمَّ حكى عن الشّهاب انّه قال المصدر المنعوت به يستوي فيه الواحد المذكّر و غيره و هذا الاستواء هو الأصل المطّرد فلا ينافيه قول الرضىّ انّه يقال رجلان عدلان لانّه رعاية لجانب المعنى ثمَّ حكى عن ابن جنّى انّه قال قولهم رجل عدل و امرءة عدل انّما اجتمعا في الصّفة المذكورة لأنّ التذكير انّما أتاها من قبل المصدرية فإذا قيل رجل عدل فكأنّه وصف بجميع الجنس مبالغة كما تقول استوفى على الفصل و حاز جميع الرّئاسة و النبل و نحو ذلك فوصف بالجنس اجمع تمكينا لهذا الموضع و تأكيدا و جعل الأفراد و التّذكير امارة للمصدر المذكور و (- كك-) القول في خصم و نحوه ممّا وصف به من المصادر و قد حكى عن ابن جنّى أمرية عدلة انّثوا المصدر لما جرى وصفا على المؤنّث و ان لم يكن على صورة اسم الفاعل و لا هو الفاعل في الحقيقة و انّما استواه لذلك جريها وصفا على المؤنّث

قوله طاب ثراه كما يظهر من محكي المبسوط و (- ئر-)

التعبير بالظهور انّما هو من جهة انه لم يقع التصريح في الكتابين بلفظ المصدر بل جعلا المتساوي خبرا عن الإنسان ففي شهادات (- ط-) ما لفظه العدالة في اللّغة ان يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا انتهى و مثله بعينه في شهادات السّرائر

قوله طاب ثراه و قد اختلف الأصحاب في بيان ما هو المراد من لفظها الوارد في كلام المتشرّعة بل الشارع (- اه-)

لا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة التّعينيّة في لفظ العدالة نعم استظهر صاحب الجواهر (- ره-) ثبوتها ثمَّ قال انّا لو لم نقل بالحقيقة الشرعيّة فيها فالمجاز الشرعي لا شكّ في ثبوته و هو كاف انتهى و فيه تأمّل نعم و قد وقع استعمال هذه اللّفظة و بعض ما تصرّف منها في الكتاب و السّنة و كلمات المتشرعة قال اللّه سبحانه و تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ و عن تفسير مولانا العسكري (- ع-) عن رسول اللّه (- ص-) قال في قوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ قال ليكونوا من المسلمين منكم قال اللّه تعالى شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم و جعل ذلك من الشّرف العاجل لهم و من ثواب دنياهم و اخبار أهل البيت عليهم السّلام مشحونة باستعمال اللّفظ و بعض ما يتصرّف منها و ستمرّ عليك جملة منها إنشاء اللّه ثمَّ انّ العدالة في اصطلاح أهل الحكمة و الأخلاق و العرفان عبارة عن تعديل قوى النّفس و تقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعض على بعض و توضيح ذلك على ما قيل انّ النّفس الإنسانيّة قوّة عاقلة هي مبدء الفكر و التميّز و الشرف الى النظر في الحقائق و التأمل في الدقائق و قوة غضبيّة هي مبدء الغضب و الجرية لدفع المضارّ و الإقدام على الأهوال و الشوق الى التسلّط على الرّجال و قوّة شهويّة هي مبدء لطلب الشّهوة و اللذّات من المأكل و المشارب و المناكح و سائر الملاذ البدنيّة و الشهوات الحسيّة و هذه القوى متباينة جدّا فمتى غلب أحدها انقهرت الباقيات و ربّما أبطل بعضها فعل بعض و الفضيلة البشريّة تعديل هذه القوي لأنّ لكلّ من هذه القوى طرفي إفراط و تفريط فامّا القوّة العاقلة فالسّفاهة و البلاهة و القوّة الغضبيّة التهوّر و الجبن و القوّة الشهويّة تحصل من تعديلها فضيلة العفّة و إذا حصلت هذه الفضائل الثّلث الّتي هي في حاقّ الأوصاف و تعادلت حصل منها فضيلة رابعة و ملكة راسخة هي أمّ الفضائل و هي المعبّر عنها بالعدالة فهي إذا ملكة نفسانيّة تصدر عنها المساواة في الأمور الصّادرة من صاحبها و تحت كلّ من هذه الفضائل الثلث المتقدّمة فضائل أخرى و كلّها داخلة تحت العدالة فهي دائرة الكمال و جماع الفضائل على الإجمال

قوله طاب ثراه على أقوال (- اه-)

قد تداول بين الأواخر نقل أقوال خمسة أو ستّة في حقيقة العدالة نقل الماتن (- ره-) منها ثلثة ثمَّ أشار الى قولين اخرين أنكر كونهما قولين في المسئلة و سننقل (- إن شاء الله-) (- تعالى-) عند نقله القول الثالث قولا رابعا فهذه ستّة أقوال و ينبغي التنبيه هنا على أمر يتوقّف عليه الاستدلال بالأخبار الواردة في موارد خاصّة كخصوص الإمامة و خصوص الشّهادة أو نحوهما و هو انّه لا فرق في حقيقة العدالة المعتبرة في الإمام و المعتبرة في الشّاهد و المعتبرة في القاضي و المفتي و نحو ذلك من مقامات اعتبارها بل قيل انّه لا خلاف في ذلك و انّ الخلاف انّما وقع في بعض المقامات في أصل اعتبارها كالوصيّ و امّا بناء على اعتبارها فهم متّفقون على معناها المتّفق عليه و المختلف فيه و كيف كان فاصل الحكم اعنى عدم الفرق بين موارد اعتبارها ممّا لا ينبغي الإشكال فيه بل نفى بعضهم الخلاف فيه و ذلك الى زمان صاحب (- ئق-) مسلّم ظاهرا و امّا هو فقد خالف في ذلك حيث فرّق بين الحاكم الشرعي و بين الشّاهد و امام الجماعة و غيرهما و أطال في تنقيح ذلك و نحن نورد كلامه و نردفه بما يقتضيه الإنصاف قال (- ره-) اعلم انه قد صرّح جملة من أصحابنا منهم شيخنا العلّامة المجلسي (- ره-) في كتاب البحار و شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني و تلميذه المحدّث الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني انّ العدالة المشروطة في الإمامة و الشّهادة و القضاء و الفتوى أمر واحد بأيّ الأقوال الثلاثة المتقدّمة فسّرت كان جميع ذلك مشتركين فيها و قد جرينا على هذا القول سابقا في جملة من زبرنا و كتبنا؟؟؟

و الّذي ظهر لنا الآن بعد التأمّل في الأخبار بعين الفكر و الاعتبار انّ العدالة في الحاكم الشرعي من قاض و مفت أخصّ ممّا ذكرنا من معنى العدالة بأيّ المعاني المتقدمة اعتبرت لأنّه نائب عن الإمام عليه السّلام و جالس في مجلس النبوّة و الإمامة و متصدّ للقيام بتلك الدّعامة فلا بدّ فيه من مناسبة للمنوب عنه بما يستحقّ به النيابة و ذلك بان يكون متصفا بعلم

ص: 252

الأخلاق الّذي هو السّبب الكلّى للقرب من الملك الخلّاق و هو تحلية النفس بالفضائل و تخليتها من الرّذائل و إن كان هذا العلم الان قد عفت مراسمه و انطمست في هذه الأزمنة معالمه و انّما المدار الآن بين النّاس على العلم بهذه العلوم الرّسميّة المجامعة للفسق في جلّ من تسمّى بها و يكفيك في صحّة ما ذكرنا قول أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ و يدلّ على ما ذكرناه جملة من الأخبار و منها ما رواه الثّقة الجليل أبو منصور احمد بن ابى طالب الطّبرسي في كتاب الاحتجاج بسنده الى الإمام العسكري (- ع-) و هو موجود (- أيضا-) في تفسيره عن الرّضا عليه السّلام قال قال علىّ بن الحسين (- ع-) و ساق الخبر الطّويل الآتي إنشاء اللّه تعالى في طيّ أخبار القول بالملكة ثمَّ قال و قد اضطرب في التفصّي عن هذا الخبر شيخنا الشيخ سليمان و تلميذه المحدّث المتقدّم ذكرهما بناء على ما قدّمنا نقله عنهما من حكمهما باتّحاد معنى العدالة في كلّ من اشترط اتّصاله بها فقال المحدّث الصالح المذكور في كتاب منية الممارسين في أجوبة الشيخ يس بعد الكلام في العدالة و ما به يتحقّق و نقل هذا الخبر ما صورته انّه محمول على تعريف الإمام عليه السّلام و الوليّ و من يحذو حذوهما من خواصّ الصّلحاء و خلّص أهل الإيمان الّذي لا تسمح الأعصار منهم إلّا بأفراد شاذّة و احاد نادرة و يرشد اليه قوله عليه السّلام فذلكم الرّجل نعم الرّجل فيه تمسّكوا و بسنّته فاقتدوا بل لا يبعد ان يكون مراده عليه السّلام الإمام عليه السّلام خاصّة و يرشد اليه قوله عليه السّلام في أخر الحديث فإنّه لا ترد لهم دعوة و لا تخيّب لهم طلبة و يكون غرضه عليه السّلام الردّ على الزّيديّة و من حذا حذوهم من القائلين بالاكتفاء في الإمام بظهور الصّلاح و الورع كيف و ما ذكر لا يتحقّق إلّا في الأولياء الكمّل فلو اعتبر ذلك لعظم الخطب و اختلّ النّظام و انسدّ باب القضاء و الفتيا و التّقليد و الشهادات و الجمعة و الجماعات و الطّلاق و غير ذلك هكذا حقّقه شيخنا في الكتاب المذكور و هو متين جدّا أقول أشار بذلك الى ما نقله في أثناء كلامه المتقدّم في المسئلة عن شيخه المذكور في كتاب العشرة الكاملة ثمَّ قال و أقول انّ سياق الحديث دالّ بجملته على انّ المراد تصعّب أمر الإمامة العامّة و تشديد أمرها و قرينة الرّئاسة عليها شاهدة كما لا يخفى و الّا فلا يستقيم حمله على غيره أصلا قطعا لما تقدّم في رواية ابن ابى يعفور من المعارضة الصّريحة من قوله عليه السّلام حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في النّاس و ما تقدّم في رواية علقمة و غيرهما ممّا هو صريح في المعاوضة واضح في المناقضة و لا يجوز التّعارض في كلامهم (- ع-) و لا التناقض مع انّ هذه الرّواية شاذة فالترجيح للأكثر المشهور بين الأصحاب المتلّقاة بينهم بالقبول المعتمد عليها في الفتوى و قد اجمعوا على ترك العمل بظاهر هذه الرّواية فقد قال الصّادق عليه السّلام خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ الّذي ليس بمشهور فان المجمع عليه لا ريب فيه و اللّه الهادي انتهى كلامه زيد مقامه و أقول لا ريب انّ الّذي أوجب لهما نور اللّه مرقديهما ارتكاب هذه التأويلات البعيدة و التمحّلات السّخيفة الغير السديدة انّما هو صعوبة المخرج عن هذه الشّروط المذكورة الّتي اشتمل عليها الخبر و عدم سهولة القيام بها كما أمر سيّما مع قولهم بعموم ذلك في إمام الجماعة و الشّاهد و الّا فمع تخصيص الخبر بالنّائب عنهم عليهم السّلام في القضاء و الفتوى لا استبعاد فيه عند من تأمّل في غيره من الأخبار المؤيّدة له كما سيظهر لك إنشاء اللّه تعالى و صعوبة الأمر بالنّسبة إلى القضاء و الفتوى اللّذين هما من خواصّ النّائب عنهم عليهم السّلام لا يوجب طعنا في الخبر فإنّه انّما نشأ من المكلّفين باجلالهم بما أخذ عليهم في الجلوس في هذا المجلس الشريف و المحلّ المنيف فإنّه مقام خطير و منصب كبير كما سيظهر لك إنشاء اللّه تعالى و أكّد الشّبهة المذكورة ما اشتهر بين النّاس في أكثر الأعصار و الأمصار من انّ النّائب عنهم هو كلّ من كانت له اليد الطّولى و المرتبة العليا في هذه العلوم الرّسميّة و ان لم يتّصف بشي ء من علم الأخلاق سيّما انّ هذا العلم قد اندرست مراسمه و انطمست معالمه كما أشرنا إليه آنفا و الّذي يدلّ على ما

قلناه من خروج هذا الخبر بالنّسبة إلى النّائب عنهم عليهم السّلام أوّلا ما ذكره الإمام العسكري عليه السّلام في التفسير المتقدم ذكره من الكلام قبل هذا الخبر ثمَّ صبّ عليه هذا الخبر و صاحب الاحتجاج إنّما أخذه من الكتاب المذكور قال حدثني ابى عليه السّلام عن جدّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ اللّه تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من النّاس و لكن يقبضه بقبض العلماء فاذا لم ينزل عالم الى عالم يصرف عنه طلّاب حطام الدنيا و حرامها و يمنعون الحقّ من اهله و يجعلونه لغير اهله و اتّخذ النّاس رؤساء جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا أو أضلّوا و قال أمير المؤمنين عليه السّلام يا معشر شيعتنا المنتحلين لمودّتنا إيّاكم و أصحاب الرّأي فإنّهم أعداء السّنن تفلّتت منهم الأحاديث ان يحفظوها و أعيتهم السّنة ان يعوها فاتّخذوا عباد اللّه حولا و ماله دولا فذلّت لهم الرّقاب و أطاعهم الخلق أشباه الكلاب و نازعوا الحق اهله و تمثّلوا بالأئمّة الصّادقين و هم من الكفّار الملاعين فسئلوا فاتّقوا ان يعترفوا بأنهم لا يعلمون فعارضوا الدّين بأدائهم فضلّوا و أضلّوا اما لو كان الدّين بالقياس لكان باطن الرّجلين اولى بالمسح من ظاهرهما و قال الرّضا عليه السّلام قال علىّ بن الحسين عليهما السّلام إذا رأيتم الرّجل الحديث إلى أخره و هو كما ترى واضح فيما ادّعيناه صريح فيما وعيناه و سياق كلامه عليه السّلام و إن كان بالنّسبة إلى علماء العامّة الّا انّه شامل لمن حذا حذوهم في الإخلال بتلك الشروط سيّما مع ما في الرّواية المذكورة و الدّخول في هذا الأمر الخطير مع الاتّصاف بتلك الأمور المذكورة و ثانيا ما رواه ثقة الإسلام (- ره-) في الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه كان يقول يا طالب العلم انّ العلم ذو فضائل كثيرة فراسة التواضع و عينه البراءة من الحسد و اذنه الفهم و لسانه الصّدق و حفظه الفحص و قلبه حسن النيّة و عقله معرفة الأشياء و الأمور و يده الرّحمة و رجله زيارة العلماء و همّته السّلامة و حكمته الورع و مستقرّه النّجاة و قائده العافية و مركبة الوفاء و سلاحه لين الكلام و سيفه الرّضا و قوسه المداراة و جيشه مجاورة العلماء و ماله الأدب و ذخيرته اجتناب الذّنوب و زاده المعروف و مائه الموادعة و دليله الهدى و رفيقه محبّة الأخيار أقول انظر أيّدك اللّه تعالى الى ما دلّ عليه هذا الخبر الشّريف من جعله هذه الأخلاق الملكوتيّة أجزاء من العلم و الات له و أسبابا و أعوانا فكيف يكتفى في علم العالم و الرّجوع اليه و الاعتماد في الأحكام الشرعيّة بمجرّد اتّصافه بالعلوم الرسميّة و عدم اتّصافه بهذه الأخلاق الملكوتيّة قال المحقّق المدقّق ملّا محمّد صالح المازندراني في شرحه على الكتاب ما صورته نبّههم على انّ العلم إذا لم تكن معه هذه الفضائل الّتي بها يظهر اثاره فهو ليس بعلم حقيقة و لا يعدّ صاحبه عالما الى ان قال بعد شرح الفضائل المذكورة ما لفظه و هو أربعة و عشرون فضيلة من فضائل العلم فمن اتّصف بالعلم و اتّصف علمه بهذه الفضائل فهو عالم ربّاني و علمه نور الهى متّصل بنور الحقّ مشاهد لعالم التّوحيد بعين اليقين و من لم يتّصف بالعلم أو اتّصف به و لم يتّصف علمه بشي ء من هذه الفضائل فهو جاهل ظالم لنفسه بعيد عن عالم الحقّ و علمه جهل و ظلمة يردّه

ص: 253

إلى أسفل السّافلين و ما بينهما مراتب كثيرة متفاوتة بحسب تفاوت التركيبات في القلّة و الكثرة و بحسب ذلك يتفاوت قربهم و بعدهم عن الحقّ و الكلّ في مشيّة اللّه تعالى ان شاء قربهم و رحمهم و ان شاء طردهم و عذّبهم انتهى كلامه علت في الخلد اقدامه و هو كما ترى صريح فيما قلناه واضح فيما ادّعيناه و روى في الكتاب المذكور بسنده الى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال طلبة العلم ثلثة فاعرفهم بأعيانهم و صفاتهم فصنف يطلبه للجهل و المراء و صنف يطلبه للاستطالة و الختل و صنف يطلبه للفقه و العقل فصاحب الجهل و المراء موذ ممار متعرّض للمقال في أنديه الرّجال يتذاكر العلم و صفة الحلم و قد تسربل بالخشوع و تخلّى من الورع فدقّ اللّه من هذا خيشومه و قطع منه حيزومه و صاحب الاستطالة و الختل ذو خبّ و ملق يستطيل على مثله من أشباهه و يتواضع للأغنياء من دونه فهو لحلوانهم هاضم و لدينه حاطم فأعمى اللّه على هذا خبره و قطع من آثار العلماء أثره و صاحب الفقه و العقل ذو كئابة و حزن و سهر قد تحنّك في برنسه و قام اللّيل في حندسه يعمل و يخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شانه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق اخوانه فشدّ اللّه من هذا أركانه و أعطاه يوم القيمة أمانة الى غير ذلك من الأخبار المذكورة و غيره أقول و (- ح-) فاذا كانت العلماء كما ذكره عليه السّلام في هذه الصّفات الذميمة و الأخلاق الغير القويمة فكيف يكتفى بمجرّد ظاهر الاتّصاف بهذه العلوم الرسميّة و عدم استنباط أحوالهم و تميز الفرد الّذي يجوز الاقتداء به و هل كلام الإمام زين العابدين عليه السّلام في هذا الخبر الّا لاستعلام هذا الفرد المشار إليه في هذا الخبر من هذين الفردين المشابهين له في بادي النّظر و لا ريب انّهم لاشتراكهم في بادي الأمر في الخضوع و الخشوع و الاتّصاف بهذه العلوم الرسميّة يدقّ الفرق و يحتاج الى مزيد تلطّف و تأمّل و يؤيّد ما قلناه ما ذكره المحدّث الكاشاني (- ره-) في بعض رسائله حيث قال انّ من أهل الشّقاء لمن يبطّن شقائه فيلتبس امره على الذين لا يعلمون ثمَّ انّه ليتوغل في الخفاء لتنبّله؟؟؟ في الشّقاء فيذهب على الألبّاء اولى الذّكاء حتى انهم يحسبون انّهم مهتدون لشدّة الشّبه بين الفريقين و كثرة الشّبه بين النجدتين و ليس الاتّفاق بالإذعان لمكان النّفاق في نوع الإنسان و كلّما كان احد المتقابلين من الأخر أبعد كان الاشتباه أكثر و أشدّ فإنّ أرباب الرّئاسة الدينيّة أمرهم في الأغلب غير مبيّن لمكان المرائين و هذه هي المصيبة الكبرى و الفتنة العظمى لبيضة المسلمين و هي الّتي أوقعت الجماهير في الهرج فامالتهم عن سبيل المخرج إذ من الواجب اتّباع الأذناب للرأس و الرّأس قد خفي في نفاق النّاس و لذلك تقاتل الفئة الّتي تبغي حتّى تفي ء إلى أمر اللّه انتهى و بالجملة فإنّه لمّا كان علم الأخلاق الّذي هو عبارة عن تحلية النّفس بالفضائل و تخليتها من الرّذائل أحد أفراد العلوم بل هو أصلها و أساسها الّذي عليه مدارها بل هو رأسها و هو الممدوح في الآيات و الأخبار بقوله (- تعالى-) إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ و قوله فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ الآية فانّ الخشية و الإنذار إنّما تترتّب على علوم الآخرة لا هذه العلوم الرّسميّة و (- كك-) الأخبار و قد عرفت من الأخبار و كلام جملة من العلماء الأبرار انّ من العلماء من هو خال من تلك العلوم أو متّصف بأضدادها مع تلبسه بلباس العلماء الأبرار و إظهار الخشوع و الخضوع و الانكسار و قد دلّت الأخبار على الحث عن الرّكون الى هؤلاء و الانخداع بما يظهرونه و الاغترار فالواجب (- ح-) هو البحث و الفحص عن أحوال العلماء و التميّز بين الفسقة منهم و الأبرار كما نصّ عليه الخبر المشار اليه و غيره من الأخبار الجارية في هذا المضمار و (- أيضا-) فإنّه لا يتحقّق نيابة هذا العالم و صحّة تقليده و وجوب متابعته الّا بوجود شروطها و من جملتها العلم باتّصافه بتلك الصّفات الجليلة و التخلّي من كلّ منقصة و رذيلة و الأخبار الّتي دلّت على الاكتفاء في العدالة بحسن الظّاهر كما هو الأظهر أو الإسلام إنّما موردها الشاهد و الإمام و لا دلالة فيها على التعرّض للنّائب عنهم عليهم السّلام الّذي هو محلّ البحث في المقام و (- ح-) فلا معارض لهذا الخبر و أمثاله فيما ادّعيناه و لا مناقض له فيما قلناه و بذلك يظهر لك ما في كلام ذينك الفاضلين من

القصور لعدم اعطائهما التأمّل حقّه في الأخبار و ما أطال به ذلك الشيخ الصّالح بعد نقل كلام أستاده من المعارضة الصّحيح عبد اللّه بن ابى يعفور و نحوها و طعنه في الخبر المذكور بالشذوذ مع ما عرفت من تأيّده بالأخبار الواضحة المنار و كلام جماعة من علمائنا الأبرار و من أراد الوقوف على صحّة ما ذكرناه زيادة على ما رسمناه في هذا الكتاب فليرجع الى كتابنا الدرّة النجفيّة فإنّه قد أحاط بأطراف الكلام بإبرام النقض و نقض الإبرام في المقام هذا كلام صاحب (- ئق-) نقلناه مع طوله في الغاية لقطع العذر و أقول ان شيئا ممّا ذكره لا يدلّ على مغايرة العدالة في إمام الجماعة و الشّاهد و نحوهما مع المعتبرة في القاضي و المفتي ضرورة انّ جملة من الصّفات المذكورة في تلك الأخبار معتبرة في كلّ عادل لكون خلافها حراما موجبا للفسق كأكثر الصّفات المذكورة في الخبر الأوّل الّذي ساقه فإنّها موجبة للفسق المانع من كلّ من الشهادة و الإمامة و القضاء و الفتوى و ليت شعري هل تجوز امامة و قبول شهادة من نصب الدّين فخّا للمحارم المقتحم لها لو تمكّن أو من كان محبّا للرّئاسة الباطلة أو من يحرّم ما أحلّ اللّه و يحلّل ما حرّم اللّه أو من يدلّس و يظهر خلاف ما عليه باطنه أو من لا يبالي ما فات من دينه حاشا و كلّا لا يرضى به احد لا هو و لا المحدّثان المذكوران و لا غيرهم و كذا الحال في الخبر الثّاني فإنّ المفتي بغير علم الضالّ المضلّ و صاحب الرّأي و القياس و نحوهما لا تقبل له شهادة و لا يصحّ الاقتداء به في الصّلوة فضلا عن القضاء و الفتوى مع انّ فقراته صريحة في كونه واردا مورد الاعتراض على علماء العامّة و خلفائهم و بالجملة فالأخبار الّتي ساقها و العبارات الّتي سطرها لا تفيد مغايرة العدالة المعتبرة في القاضي و المفتي للعدالة المعتبرة في الإمام و الشّاهد و انّما تفيد صعوبة الأمر بالنّسبة إلى العالم بمعنى كون أسباب الفسق الخفيّة فيه أكثر من غيره و الّا فلا إشكال في صحّة فتوى من كان عدلا تاركا للكبائر و الإصرار على الصّغائر نعم هناك محرّمات قد يبتلى بارتكابها العالم دون غيره كالتدليس و حبّ الرّئاسة و نحوهما و أنت إذا تأمّلت هذا الميزان و واظبت عليه و لاحظت الأخبار و كلمات العلماء الأخيار الّتي ساقها و أكثر من إيرادها في الدّرر النجفيّة بان لك صدق ما قلناه و قصور ما ساقه عن إثبات مطلبه و الوفاء بمرامه فلاحظ و تأمّل جيّدا و بالجملة فجملة من الأوصاف المذكورة في الأخبار و الكلمات المشار إليها ممّا يعتبر في تحقّق العدالة المشروط قبول الشّهادة و الايتمام بها فضلا عن القضاء و الفتوى و جملة أخرى منها آداب و أوصاف كمال للعالم الّذي يتّبع رايه و قوله و ينقاد لأمره و نهيه و جملة ثالثة مختصّة بإمام الأصل صلوات اللّه عليه فهو (- ره-) و ان أتعب نفسه و أطال و أرعد و أبرق و ترنم و غرّد و اتى بما زعم انّه حجّة لمقصده بديعة و لمرامه وافية و للغليل مروية و للعليل شافية الّا انّه لم يأت إلّا بما هو كسراب بقيعة و لم يصف لنا منه الّا السّجع و القافية لانّه لم يأت بما

ص: 254

يفيد مغايرة العدالة المعتبرة في القاضي و المفتي للمعتبرة في الشّاهد و إمام الجماعة و كانّ حبّ المطلب إلجائه إلى النزاع اللّفظي و لعمري انّ ما اتى به من الأخبار يلتزم بمؤدّاها المحدّثان المذكوران و غيرهما و لا ربط له بالتفرقة في العدالة بين مواردها و ليته وافق الأصحاب في اتّحاد العدالة في إمام الجماعة و الشّاهد و القاضي و المفتي و ادّعى في القاضي و المفتي اشتراط أمر أخر سوى العدالة و هو كونه مخالفا لهواه و ليت شعري كيف غفل مع إصراره المذكور عن اشتراط الحجّة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه و جعلنا من أعوانه و أنصاره و من كلّ مكروه فداه فيمن يقلّد مخالفة الهوى الّذي هو السمّ النّافع و المرض المهلك و انه رأس المفاسد كلّها و مبدء الشرور جلّها و لكن ذلك أمر زائد على العدالة و شرط أخر اعتبره الإمام عليه السّلام فيمن يقلّد فلاحظ و تدبّر

قوله طاب ثراه الثّاني انّها عبارة عن مجرّد ترك المعاصي أو خصوص الكبائر (- اه-)

بان يكون الإسلام موردا لها لا جزء منها كما انّه مورد للفسق (- أيضا-) بمعنى انّ المسلم إذا اتّصف بترك المعاصي واقعا فهو موصوف بالعدالة من جهة تجنّبه عن المعاصي و ان فارقها فهو موصوف بالفسق من جهة ارتكابها فهذان الأمران وصفان للمسلم و مقسمهما و موردهما هو لا الكافر فانّ الكافر لا عدل و لا فاسق

قوله طاب ثراه الثالث (- اه-)

نقل بعضهم قولا رابعا غير الأقوال الثلاثة و غير القولين الآتيين في المتن و هو انّها عبارة عن الإسلام الواقعي و عدم الفسق لا عدم ظهوره سواء كان ذا ملكة راسخة أم لا و هو ظاهر عبارة (- ف-) حيث حكم بقبول شهادة من يعرف إسلامه و لا يعرف فسقه فانّ ظاهره انّ اعتبار الإسلام داخل في حقيقة العدالة و اعتبار عدم معرفة الفسق انّما هو من باب الطريقية إلى عدمه و اعتبار معرفة الأوّل من باب الطّريق الى نفسه و عدم معرفة الثاني من باب الطّريق الى عدمه فالمتحصّل منها (- ح-) يكون ما ذكرناه و لكن لا يخفى عليك انّه لا ثمرة عمليّة بين هذا القول و القول الثّاني إذ لا ثمرة بينهما تنفع في الأحكام المتعلّقة بالعدل و الفاسق و انّما الثمرة بينهما في تسمية الكافر فاسقا و عدمه هذا و ربّما أنكروا الّذي الشيخ العلّامة روّح اللّه تعالى روحه و نوّر ضريحه تثليث الأقوال فضلا عن تربيعها قال (- قدّه-) بعد نقل ما في المتن ما لفظه التحقيق عندي هو انّ في المقام قولين أحدهما انّها عبارة عن الملكة و الثّاني انّها عبارة عن الحالة و كلّ من عبّر بالكيفيّة أو الهيئة انما أراد الحالة و هو واضح بعد التنبيه عليه و ذلك لانّ ما جعل القول الثاني عبارة عنه و هو مجرّد ترك المعاصي ليس إلّا عبارة عن القول بأنّها حالة تبعث على ترك المعاصي و الّا فلو فرض انّه حبس عن أوّل بلوغه إلى مدّة مديدة بحيث ترك ارتكاب المعصية قهرا فلم يتّفق صدور شي ء من افرادها منه (- ح-) فانّ ذلك ممّا لم يقل به احد و يشهد بذلك انّ صاحب الوسيلة و أبا الصّلاح (- رهما-) انّما عبّرا بلفظ الاجتناب و هو لا يصدق على الترك القهري لأنّه عبارة عن التّرك الاختياري النّاشى عن داع و ذلك الدّاعي عبارة عن الحالة المقتضية للتّرك و امّا القول الثّالث اعنى جعلها عبارة عن الاستقامة الفعليّة عن ملكة فإنّه عبارة أخرى عن ملكة الاستقامة لانّ من جعلها عبارة عن الملكة لم يرد بذلك انّها عبارة عن مجرّد الملكة المنفكّة عمّا تضاف إليه لأنّ جعل ذلك مناطا للاحكام غير معقول كما انّ وجودها على ذلك الوجه غير معقول و قد اعترف هو (- ره-) ببعض ما قلناه بعد شطر من الكلام حيث قال فانّ الاجتناب خصوصا مع ضمّ العفاف اليه لا يكون بمجرّد الترك ثمَّ قال و بمعناه المحكى عن الجامع حيث أخذ في تعريف العدالة الكف و التجنّب انتهى فقد علم من جميع ما ذكر انّ في معنى العدالة قولين أحدهما انّها عبارة عن الملكة الباعثة على ملازمة التّقوى و في معناه انّها عبارة عن الاستقامة الفعليّة النّاشئة عن الملكة الثّاني انّها عبارة عن الحالة المقتضية لملازمة التقوى و في معناه انّها عبارة عن الاستقامة الفعليّة النّاشئة عن الحالة هذا كلام الوالد العلّامة أعلى اللّه تعالى مقامه و هو ممّا لا بأس به و قد نبّه على ذلك الماتن (- ره-) (- أيضا-) بقوله فيما يأتي عن قريب ثمَّ الظّاهر رجوع القول الأوّل الى الثّالث اعنى اعتبار الاجتناب مع الملكة (- إلخ-)

قوله طاب ثراه فتأمّل

لعلّ وجه التأمّل انّ المفيد (- ره-) جعل العدل من كان معروفا بالدّين و الورع و الكفّ و ذلك لا يدلّ على كون العدالة عبارة عن الملكة إذ المعروفيّة بشي ء لا يستلزم وجود ذلك الشي ء واقعا حتّى يحتجّ به على المدّعى بمعونة ظهور الفرق بين الكفّ عن كيفيّة و بين مجرّد الترك كما لا يخفى

قوله طاب ثراه أحدهما الإسلام و عدم ظهور الفسق و هو المحكىّ عن ابن الجنيد و المفيد (- رهما-) (- اه-)

قال ابن الجنيد (- ره-) فيما حكى عنه ما لفظه إذا كان الشّاهد حرّا بالغا مؤمنا بصيرا معروف النّسب مرضيّا غير مشهور بكذب في شهادة و لا بارتكاب كبيرة و لا إصرار على صغيرة حسن التيقّظ عالما بمعاني الأقوال عارفا بأحكام الشّهادة غير معروف بحيث على معامل و لا تهاون بواجب من علم أو عمل و لا معروفا بمباشرة أهل الباطل و الدّخول في جملتهم و لا بالحرص على الدّنيا و لا تساقط المروّة من أهواء أهل البدع الّتي يجب على المؤمنين البراءة من أهلها فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم انتهى و قال الشيخ المفيد (- ره-) في المقنعة العدل من كان معروفا بالدّين و الورع عن محارم اللّه انتهى و قال الشيخ (- ره-) في (- ف-) ما لفظه إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما و لا يعرف فيهما جرحا حكم بشهادتهما و لا يقف على البحث الّا ان يجرح المحكوم عليه فيهما بان يقول هما فاسقان (- فح-) يجب عليه البحث الى ان قال دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و (- أيضا-) الأصل في الإسلام العدالة و الفسق طار عليه يحتاج الى دليل و (- أيضا-) نحن نعلم انّه ما كان البحث في أيّام النبيّ (- ص-) و لا في أيّام الصّحابة و لا أيّام التّابعين و انّما هو شي ء أحدثه شريك بن عبد اللّه القاضي و لو كان شرطا ما أجمع أهل الأعصار على تركه انتهى و في (- ئق-) انّ ممّن بالغ في ترجيح هذا القول الشهيد الثّاني (- ره-) في (- لك-) و سبطه في (- ك-) و المحدّث الكاشاني و الفاضل الخراساني و غيرهم

قوله طاب ثراه و الثّاني حسن الظّاهر (- اه-)

قال في الجواهر المراد بالظّاهر خلاف الباطن الّذي لا يعلم به الّا اللّه تعالى و بحسنه كونه جاريا على مقتضى الشّرع بعد اختياره السّؤال عن أحواله انتهى

قوله طاب ثراه نسب إلى جماعة (- اه-)

عزاه في (- ئق-) الى أكثر متأخّري المتأخّرين و عزاه أخر إلى العلّامة (- ره-) و عامّة من تأخّر

قوله طاب ثراه و لا ريب انّهما ليسا قولين في العدالة و انّما هما طريقان للعدالة (- اه-)

هذا ممّا لا بأس به بل هو المطمئنّ به امّا أوّلا فلعدم دلالة عباراتهم بعد التأمّل الصّادق على ما نسبوه إليهم و عدم وفاء أدلّتهم الّتي أقاموها و عدم فهم الأساطين هذا المعنى منها امّا عبائرهم فلان منها قول الإسكافي كلّ المسلمين على العدالة الى ان يظهر خلافها انتهى فهل ترى من نفسك ان تستفيد منها بعد عبارته السّابقة آنفا انّ مذهبه في أصل معنى العدالة غير الملكة مع انه بالغ في ذكر أوصاف لا تنفكّ عن الملكة بل عبارته هذه في نفسها ظاهرة في إعطاء طريق ظاهري إلى العدالة و منها عبارة المفيد المزبورة فإنّها ظاهرة في انّ العدل الّذي

ص: 255

ينتفع به و يركن إليه في الأمور الّتي يرجع فيها اليه هو من كان معروفا بملكة الدّيانة و الورع عن محارم اللّه و من عرف عنه هذه الحالة لا انّ العدل في نفسه هو هذا و ذلك لأنّ من المتّفق عليه بينهم ان تحقّق الدّين في نفس الأمر معتبر في العدالة فاعتبار معروفيّته بالدّين قرينة واضحة على ارادته تفسير العدل المعلوم عدالته و الّا لكان حق التعبير ان يقول من كان مؤمنا معروفا بالورع فانّ كلامهم انّما هو في الورع عن محارم اللّه تعالى انّه معتبر في الواقع أو في الظّاهر و هذا واضح للمتأمّل مع انّه لا دلالة فيه على الاكتفاء بمجرّد الإسلام و عدم ظهور الفسق بل ظاهره اعتبار معرفة الملكة منه و يزيدك توضيحا و شرحا لمرادهم ملاحظة كلمات معاصريهم و ملاحظة كلماتهم في سائر المقامات سيّما عبارة الشيخ (- ره-) في سائر كتبه كالنّهاية الّتي عبّر فيها عن العدالة بعبارة صحيحة ابن ابى يعفور الصّريحة في انّها ملكة العفاف و السّتر و المبسوط على ما سيأتي عبارته و قس عليهما كلمات من يقتنع بحسن الظّاهر فإنّها بين ظاهرة و صريحة فيما قلناه فلا حاجة الى إطالة الكلام بذكرها أمّا أدلّتهم فإنّها ليست الّا الاخبار الّتي تأتي إنشاء اللّه (- تعالى-) و هي صريحة أيضا في انّها في مقام ذكر معرّف العدالة لا نفسها و امّا فهم الأساطين و رؤساء الفنّ من كلماتهم ما ذكرناه فشواهده (- أيضا-) كثيرة بل لم نر من فهم منها خلاف ما ذكر إلّا شرذمة من متأخّري المتأخرين قال لسان القدماء المحقّق (- قدّه-) في المسئلة الثامنة من النّظر الثاني من قضاء الشرائع ما لفظه الحاكم ان عرف عدالة الشاهدين حكم و ان عرف فسقهما اطرح و ان جهل الأمرين بحث عنهما و كذا لو عرف إسلامهما و جهل عدالتهما توقّف حتّى يتحقّق ما يبنى عليه من عدالة أو جرح و قال في (- ف-) يحكم به و به رواية شاذّة انتهى و هو ظاهر أو صريح في انّ الشيخ (- ره-) قائل بأنّ الإسلام و عدم ظهور القبيح مظهر العدالة لا انّه هي و تبعه في ذلك غيره و أوضح شاهد على هذا المعنى انّه كغيره ذكر أوّلا الحكم الأوّل كالمفروع عنه بحيث يظهر منه انّ الشيخ (- ره-) موافق له فيه و انما خلافه معه في الكاشف و المظهر و أصرح منه ذكر الشهيد (- ره-) في (- س-) و محكي كرى القولين في عنوان ما يعرف به العدالة قال في (- س-) و تعلم العدالة بالشياع و المعاشرة الباطنة و صلاة العدلين خلفه و لا يكفي الإسلام في معرفة العدالة خلافا لابن الجنيد (- ره-) و لا التّعويل على حسن الظاهر على الأقوى انتهى و تبعه على ذلك الخراساني في الذّخيرة و المحقّق الثّاني في محكي الجعفريّة و غيرهما و يدلّك على هذا المعنى بأوضح دلالة دعوى جمع الاتفاق على انّها عبارة عن الملكة النفسانيّة الباعثة على ملازمة التقوى مثل الشيخ نجيب الدين العاملي (- ره-) حيث نسبه في محكي كلامه الى العلماء و مثل السّيوري (- ره-) في كنز العرفان حيث نسبه الى الفقهاء (- رض-) و مثل المحقّق الأردبيلي (- ره-) حيث نسبه في مجمعه الى الموافق و المخالف و احتمال عدم اعتدادهم بأصحاب هذين القولين مع كثرتهم سيّما أصحاب القول بحسن الظّاهر في دعويهم الاتّفاق قدح في أساطين الفنّ و رؤساء المذهب و قال في (- لك-) مع ما فيها من الاضطراب في التعبير عن هذين القولين في شرح قول المحقّق (- ره-) و لا يجوز التعويل في الشهادة على حسن الظّاهر ما لفظه و من اكتفى بالإسلام و جعله دالّا على العدالة اكتفى بحسن الظّاهر بطريق اولى انتهى و امّا ثانيا فلأنّه لو كان مذهب هؤلاء الأساطين انّ نفس العدالة هو الإسلام و عدم موجب الجرح أو حسن الظّاهر لزمهم محذور لا يلتزم به ذو ادنى مسكة فكيف بأعلام العقلاء و ذلك لانّ من المقرّر عندهم انّ الفسق عبارة عن الخروج عن طاعة اللّه و انّ العدالة و الفسق متضادّان لا يجتمعان بحال و من البيّن انّ الإسلام و عدم ظهور الفسق لا مضادّة له مع الفسق الّذي هو الخروج عن طاعة اللّه سبحانه و هكذا حسن الظّاهر إذ كثيرا ما يكون الإنسان مدلّسا في نفسه فاسقا في عقر داره الّا انه بظاهر حاله لم يظهر منه فسق للنّاس بل ما رأوا منه الّا الخير و على هذه الحكاية يلزمهم ان يلتزموا بأحد أمرين امّا تجويز اجتماع الضدّين ضرورة انه يصدق في حق هذا الرّجل المدلّس انّه مسلم حسن الظّاهر لم يظهر منه فسق و انّه خارج عن طاعة اللّه تعالى أو قارب المعصية أو الالتزام بكون العدالة من الأمور الّتي يكون

وجودها الواقعي عين وجودها الذّهني و كون الفسق الّذي هو من الأمور الواقعيّة على واقعيّة مضادّا لها فيكون قولهم على حدّ قولك الحركة و عدم ظهور السّكون ضدّان بل يلزمهم انّه لو فرض عدم وجود أحد في العالم الّا عدل واحد ان لا يوصف بالعدالة لعدم وجود من يظهر عنده عدم الفسق أو حسن الظّاهر اللّهم الّا ان يتكلّف عن الأوّل بأنّ الفسق (- أيضا-) من الأمور الظّاهريّة و يعبّر عنه بمن ظهر عنده العصيان و عن الثاني بأنّ المراد بالعدل العدل الشّأني و لكنّك خبير بفساد التكلّف كفساد اللّوازم بل لعلّه دفع فاسد بالأفسد ضرورة انّ لازم التكلّف المذكور ان يحكم بكون العلم بعصيان الإنسان مفسّقا و عدم العلم به معدّلا و انّ من كان ظاهر الصّلاح في مدّة سنين ثمَّ ظهر كونه عاصيا في نفسه في تلك المدّة ان يقولوا في حقّه كان عدلا واقعيّا فصار بطريان العلم بحاله فاسقا و إن كان طريان العلم في زمان حصلت له ملكة العدالة الى غير ذلك من المفاسد الّتي لا يمكن الالتزام بها و بالجملة لا ينبغي الرّيب في انّ ذكر هذين القولين في هذا المقام سهو بيّن من ذاكرهما نعم ربّما يوجد في بعض عبائرهم حمل العدالة على حسن الظّاهر أو على الإسلام أو على عدم ظهور الفسق أو العكس و هو تعبير تسامحىّ و إسناد مجازيّ و كان النّكتة فيه التنبيه على زيادة الاهتمام بذكر طريقين تعبّديين كالأصول العملية إلى حدّ كانّ الشارع هجر الواقع و لم يحمل احكام العدل الّا عليهما زعما منهم انّ روايات الباب ناطقة بهذا المعنى على ما ستأتي الإشارة إليها و غير ذلك و هذا واضح لمن تأمّل كلماتهم أدنى تأمّل بل ربّما يوجد في كلامهم التّسامح بما يزيح العلّة كما وقع ذلك لثاني الشّهيدين (- رهما-) في (- لك-) و (- الروضة-) و لا أظنّك بعد ما اصغيناك من البيان تحوم حول هذه الحكاية و تتوهّم وجود هذين القولين و ربّما احتمل تنزيل عبارة (- ف-) السّابقة و هي قوله الّذي يعرف إسلامه و لا يعرف فيه جرح على كلّ من القول الثّاني و الثّالث و الرّابع نظرا إلى انّها و إن كانت في مقام ذكر تعريف العدالة الّا انّه يمكن تطبيقها على كلّ من الثلاثة بان يكون العدالة في نظره هو الإسلام و عدم الفسق جاعلا لعدم ظهور الفسق دليلا على عدمه أو مجرّد عدم الفسق و يكون ذكر الإسلام من باب المورد و المقسم لا من باب جزء المعرّف أو خصوص الملكة و يكون الإسلام دليلا عليها و عدم وجدان موجب الجرح دليلا على عدم وجوده هذا و لكنّ الأظهر في محتملاته بحسب ظاهر عبارته هو الأوّل و بحسب ذيل كلامه هو الأخير امّا ظهور نفس لفظه في الأوّل فلمّا مر و امّا ظهوره بمعونة ذيله في الأخير فلان قوله أخيرا و (- أيضا-) الأصل في المسلم العدالة و الفسق طار لا يلائم شيئا من الأوّلين و ذلك لانّ مراده من الأصل ليس هو القاعدة و الّا لكان مصادرة ضرورة أنّ دعواه من أوّل الأمر ليست الّا انّ القاعدة كون الإسلام و عدم ظهور الفسق عدالة و ليس مراده بالأصل هو الأصل العملي من البراءة و الاشتغال و الاستصحاب و التخيير لعدم التيام شي ء منها كما لا يخفى بل المراد به الظّاهر فمعناه انّ الظاهر من حال المسلم العدالة لاقتضاء إسلامه لها فاسلامه بحكم الظّهور دليل و مقتضى لعدالته و من

ص: 256

المعلوم انّ جعل الإسلام دليلا و مقتضيا للعدالة لا يلائم كونها نفس الإسلام و الّا للزم اتّحاد الدّليل و المدلول و لا كونها مجرّد اجتناب المعصية من المسلم و الّا للزم زيادة قوله و الفسق طار فتعيّن الأخير للإجماع بل الضّرورة على عدم خروج العدالة عن هذه الأربعة فاحتمال أمر خامس منفيّ بهما فيكون كلامه في قوّة الإسلام الّذي هو بحسب الصّورة عبارة عن الاعتقاد القلبي و الإقرار اللّساني و بحسب اللبّ عبارة عن تسليم الأمر الى اللّه سبحانه يقضى لو خلّى و طبعه بكون صاحبه ذا خشية و خوف من ربّه و تعفّف عن محارمه فيه يستدلّ على الملكة و بالإسلام و عدم طروّ الفسق على عدم طريان القادح في الملكة فعند التّحقيق الإسلام عنده دليل الحالة النّفسانيّة الّتي هي العدالة و كون الفسق طارئا حادثا مسبوقا بالعدم دليل على عدم مجي ء القادح للملكة و هو الفسق الفعليّ و بالجملة عبارته (- ره-) بعد ضمّ ذيلها تفيد انّ العدالة عنده عبارة عن الملكة الرّادعة بالرّدع الفعلي الغير المجامع لطريان المعصية هذا و لك إرجاع سائر عبارات الأصحاب الّتي استفيد منها أقوال ستّة إلى القول الثّالث حتّى يكون مال الكلّ إلى الملكة الرّادعة فعلا بل لعلّ هذا متعيّن امّا عبارات أصحاب القول الرّابع فلمّا ذكرناه في بيان معنى عبارة (- ف-) بل لعلّ غيرها أوضح منها و امّا عبارات أصحاب القول الثّاني فلانّ الظّاهر من قول الحلّي (- ره-) العدل في الدّين ان لا يخلّ بواجب و لا يرتكب قبيحا انّه الّذي يكون من خلقه و عادته و طريقته عدم الإخلال لا من يتفق له هذا المعنى الا ترى إلى النكرة المنفيّة القاضية بالدوام و الاستمرار الّذي لا ينفكّ عن الملكة و على مثلها فقس ما سواها فانّ الظّاهر من عبارة كلّ من يظهر منه ثاني الأقوال ليس الّا انّ العدل عبارة عمّن يكون عادته و طريقته الاجتناب عن الكبائر لمثل ما قلناه في عبارة (- ئر-) بل الظاهر من النكرة الواقعة في سياق النّفي في عبائرهم هو اعتبار عدم وقوع الكبيرة منه على الدّوام و بعد ضمّ هذا المعنى الى ما علم منهم من عدم لزوم الاستدامة على الترك في تمام العمر و الا لكان وجود العدل أعزّ من الكبريت الأحمر و هل راى منكم الكبريت الأحمر و يلزم عدم الاعتداد بعدالة أحد؟؟؟ إلّا بعد موته و تبيّن حاله انّه لم يكن يقترف شيئا من الكبائر يتعيّن حملها على ارادة من كان من خلقه و طبيعته الثّانويّة و عادته المستقيمة عدم ارتكابها فانّ هذا أقرب معانيها بعد تعذّر حملها على ظاهرها بل المستفاد منها بعد التأمّل اعتبار الأمرين الملكة و عدم الارتكاب الفعليّ معا كما عليه أصحاب القول الثالث و ربّما يحكى عن القاضي انّه اعتبر في العدالة السّتر و العفاف و عن ابى الصّلاح اعتباره فيها التعفّف و اجتناب القبائح و عليها فيكون حال عبارتهما أوضح من ان يحتاج إلى التأمّل ضرورة أنّ السّتر و العفاف ليسا إلّا أمرين نفسانيين و حالتين راسختين رادعتين بل حالهما (- ح-) كحال عبارة (- ية-) و هي انّ العدل الّذي تقبل شهادته من كان ظاهره ظاهر الايمان ثمَّ يعرف بالستر و العفاف و امّا كلمات أصحاب القول الأوّل فلاتفاقهم ظاهرا على انّها تزول بالكبيرة و يحدث الفسق الّذي هو ضدّها بل الظّاهر من تعبيرهم عنها بالملكة و الهيئة الراسخة و الحالة النفسانيّة هي الملكة الفعليّة الّتي ينافيها صدور الكبيرة قال الشهيد (- ره-) في كتاب الصّلوة من الذكرى و زكاة نكث (- شاد-) ان العدالة هي ملكة راسخة تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا تقع منه الكبيرة و لا الإصرار على الصّغيرة و الظاهر انّ الحيثيّة في كلامه بيان لقوله تبعث لا قيد توضيحيّ للملازمة و بالجملة فظاهر عباراتهم و إن كان في بادي النّظر يعطى معاني ستّة للعدالة الّا انّها عند التأمّل بالنّظر الدّقيق ترجع الى واحد نعم يبقى فيها الاختلاف من وجهين أحدهما انّ الظاهر ممن عبّر عن العدالة بالملكة انّها عبارة عن الحالة الراسخة النفسانيّة الرّادعة عن الكبائر الموجبة للاجتناب عنها و الظّاهر من أكثر عبارات من عبّر بغيرها عن الاجتناب النّاشى عن الملكة أو هما معا حتى يكون عبارة عن الاستقامة الظاهريّة في الأفعال و الباطنيّة في الأحوال و ثانيهما انّ الظّاهر من كلمات بعضهم انّها عبارة عن الملكة النفسانيّة المجرّدة الّا انّ ترتيب آثار العدل عليها مشروط بالاجتناب فعلا و من كلمات اخرين انّها عبارة عن الملكة الفعليّة الّتي ينافيها الارتكاب فالاجتناب الفعلي على الأوّل كالشّرط لها و على الأخير كالجزء و الأمر فيهما سهل إذ لا يترتّب عليهما فائدة مهمّة عمليّة و إن كان الأظهر في النّظر انّها عبارة عن الاجتناب الناشي عن

الملكة فإنّ الظاهر من لفظ الصّائن و السّاتر و العفيف و أمثالها انّها كيفيّة نفسانيّة و انّ الاجتناب بمنزلة الجزء منها لا الشرط ثمَّ انّه قال في الذّخيرة انّه اعتبر المتأخّرون في معنى العدالة الملكة الّتي تبعث على ملازمة التقوى و المروّة و المراد بالملكة الهيئة النفسانيّة الرّاسخة و لم أجد في كلام من تقدم على (- المصنف-) (- ره-) و ليس في الأخبار منه اثر و لا شاهد عليه فيما اعلم و كأنّهم اقتفوا في ذلك أثر العامّة حيث يعتبرون ذلك في مفهوم العدالة و يوردونه في كتبهم انتهى و هو من غرائب الكلام و عجائب الأوهام فإنّ العلّامة (- ره-) لم يرد بتعبيره عن العدالة بالملكة إلّا دفع تعبير العامّة عن الخاصّة و تفسير مراد من سلف عليه من أساطير الطّائفة و شرح ما ورد من أصحاب العصمة و تطبيق ما عند الأصحاب مع ما عليه علماء الأخلاق من انّ الشهرة إذا اعتدلت بين الإفراط و التفريط حصلت كيفيّة وحدانيّة شبهة بالمزاج كأنّها تحصل بين الفعل و الانفعال و من انكسار صورة كلّ من الإفراط و التفريط بالآخر و بعد حصولها يلزمها التقوى و المروّة و أشباهها بالمزاج و رسوخها في النّفس بعسر زوالها بسرعة و ليست من قبيل الأحوال التي يسرع زوالها فهي نظيرة الحكمة المتوسّطة بين البلادة و الجربزة و الشّجاعة المتوسّطة بين التهوّر و الجبن و السخاوة المتوسّطة بين البخل و الإسراف و إفادة انّ معناها عندهم ليس امرا مباينا لما في العرف و اللّغة من انّها الاستواء و كون الإنسان معادل الأحوال كما في (- ط-) و الاستقامة كما في (- مع صد-) و مجمع الفائدة أو هما كما عن الرّوض و غيره بل هي قسم خاصّ من الاستواء و الاستقامة أو كون الشخص بحيث لا يميل به الهواء فيجور في الحكم كما في مجمع البحرين أو كونه مرضيّا يقنع به كما في المصباح بل فيه عن بعض العلماء انّ العدالة صفة توجب مراعاتها الاحتراز عمّا يخلّ بالمروّة عادة ظاهرا فالمرّة الواحدة من صغائر الهفوات و تحريف الكلام لا يخلّ بالمروّة ظاهر الاحتمال الغلط و النسيان و التّأويل بخلاف ما إذا عرف منه ذلك و تكرر فيكون الظّاهر الإخلال و يعتبر عرف كلّ شخص و ما يعتاد من لبسه و تعاطيه للبيع و الشّراء و حمل الأمتعة و غير ذلك فاذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قدح و الّا فلا انتهى ما في المصباح و بالجملة فغرض العلّامة (- ره-) إفادة انّ معناها عند المتأخرين و القدماء و العامة و الخاصة و علماء الأخلاق و الحديث و الفقه بل و علماء اللغة أمر واحد لا خلاف فيه عند التحقيق و انّما الاختلاف في التعبير و لنعم ما قيل عباراتنا شتّى و حسنك واحد هذا و لكن الإنصاف انّ دعوى اطباق الكلّ على انّ المراد بالعدالة هي الملكة النفسانيّة الرّاسخة الرادعة ممّا لا يمكن الالتزام به لاستلزامه نسبة الخطاء الى جمّ غفير من أعيان الفقهاء (- رض-) الّذين نقلوا فيها أقوالا ثمَّ انّ ما ذكرناه من إنكار القول بكون حسن الظّاهر و سابقة قولين في حقيقة العدالة انّما هو توضيح ما أشار إليه الماتن (- ره-) و قد خرجنا هنا عن عنوان التّعليق و ربّما تنظّر في ذلك والدي

ص: 257

العلّامة أنار اللّه برهانه و أعلى في روضات الجنان مقامه في الذرائع بان كون قول على خلاف الواقع و كونه ممّا يتّجه عليه الإشكال لا ينفى وجوده و انّما ينفي صحّته و انّ ذكر جماعة للقولين طريقين للعدالة لا يصلح قرينة على كون مراد غيرهم (- أيضا-) ذلك بعد ظهور عبارته في تفسير نفس العدالة و قد تقرّر في علمه ان كلام فقيه لا يصير قرينة على كون مراد فقيه أخر هو ما يقتضيه كلام الأوّل بل كلام واحد في كتاب واحد لا يصير قرينة على كون مراده بالكلامين امرا واحدا و لهذا تريهم يقولون انّ الشيخ (- ره-) مثلا اختار في باب الحيض من (- ط-) مثلا كذا و في باب الطّلاق غيره بل يقولون قد عدل في الثّاني عن الأوّل هذا كلامه علا مقامه و هو كلام متين لو لا ما مرّ من استلزام كونهما قولين في المسئلة المحذور الّذي لا يتحمّله ذو مسكة فضلا عن اعلام العقلاء و الالتزام بذهولهم عن لازم مذهبهم أبعد و الإنصاف أنّ المتأمّل الفطن لا يصفو عنده الأمر في المقام بل كلّما ازداد فيه تأمّلا زاد ذلك عنده إبهاما و اللّه العالم بالحقائق

قوله طاب ثراه ثمَّ الظّاهر رجوع القول الأوّل الى الثالث (- اه-)

قد مرّ في ذيل القول الثالث نقل التنبيه على ذلك من الوالد العلّامة أنار اللّه برهانه و منّا زيادة توضيح لذلك آنفا

[في أن العدالة هل هي الملكة أو الاستقامة الظاهرة]

قوله طاب ثراه و يدلّ عليه (- اه-)

قد وقع الاستدلال لهذا القول بوجه أخر لم يشر اليه الماتن (- ره-) و قد حكاه في الجواهر بقوله و حجّتهم على ذلك كما قيل ان العدالة لغة هي الاستقامة و عدم الميل الى جانب أصلا فإنّ الفسق ميل عن الحقّ و الطّريق المستقيم و موضوعات الألفاظ يرجع فيها إلى اللّغة و العرف فلا بدّ ان يكون في الواقع استقامة لأنّ الألفاظ أسامي للمعاني الواقعيّة لا ما ثبت شرعا أو ظهر عرفا إذ ذلك خارج عن معنى اللّفظ جزما فحيث صارت العدالة شرطا فلا بدّ من ثبوتها و العلم بها لانّ الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط فمقتضى ذلك هو العلم بعدم الميل بحسب نفس الأمر و لا يحصل ذلك إلّا بالمعاشرة الباطنيّة بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق و الاطمئنان بأنّه لا يميل و هو معنى الملكة و الهيئة الرّاسخة و كذلك الحال في لفظ الفاسق و هو أمر معروف مشاهد في كثير من النّاس بالنّسبة الى بعض المعاصي كالزنا بالأمّ و اللّواط بالولد و نحو ذلك و إن كانت مراتبهم في ذلك و نحوه متفاوتة فمنهم من له ملكة البعض و منهم من له ملكة الجميع فلا يمكن (- ح-) للإنسان أن يعلم عدالة شخص حتّى يعلم انّ له ملكة يعسر عليه مخالفة مقتضاها بالنسبة الى جميع المعاصي و لا يكون ذلك بالاختيار الباطنيّ و تتبّع الآثار حتّى تطمئنّ نفسه بحصولها في الجميع كما في الحكم بسائر الملكات من الكرم و الشجاعة و نحوهما و ربّما ادّعى بعضهم انّه يمكن ردّ كلام أكثر المتقدّمين الى ذلك كما انّه حمل الأخبار على ارادة تتبّع الآثار المطلعة على الملكة سيّما صحيحة ابن ابى يعفور ثمَّ ردّ الدّليل المذكور بقوله لكنّه كما ترى في غاية الضّعف بل عليه لا يمكن الحكم بعدالة شخص ابدا الّا في مثل المقدّس الأردبيلي (- ره-) و السيّد هاشم على ما ينقل من أحوالهما بل و لا فيهما فإنّه أيّ نفس تطمئنّ بأنّه كان يعسر عليهما كلّ معصية ظاهرة و باطنة كلّا انّ ذلك لبهتان و افتراء بل الإنسان من نفسه لا يعرف كثيرا من ذلك انتهى ما أهمّنا الآن ممّا في الجواهر و قال والدي العلّامة أعلى اللّه مقرّه و مقامه بعد نقله ما لفظه امّا ما ذكر من الحكم بكون ذلك في غاية الضّعف مع احالته على الوجدان فلم افهم وجهه و امّا ما ذكره من انّه بناء على هذا المسلك الّذي سلكه المستدلّ لا يمكن الحكم بعدالة شخص فهو ناظر إلى انّه لا يصحّ من الشارع اناطة أمور مبتلى بها مطلوبة له كامامة الجمعة و الجماعة و الشهادة و جواز التّقليد و غير ذلك بموضع غير ممكن الحصول فيعلم من هاهنا انّ المراد بالعدالة شرعا غير هذا المعنى و لكنّك خبير بانّ هذا استبعاد محض قد أبرزه بصورة عدم الإمكان و لا يصحّ دعوى عدم وقوعه الّذي هو أقرب من عدم الإمكان فدعوى عدم الإمكان أولى بعدم الصّحة و اىّ عقل يحكم بامتناع صيرورة المحرّمات مبغوضة و قد شاهدنا بعض الصّلحاء بهذا الوصف و ليس المراد مبغوضيّة المحرّمات للطّبائع بحسب أصل الفطرة حتّى يستبعد ذلك و انّما المراد مبغوضيّتها بواسطة الإنس و الاعتياد بالأفعال الحسنة هذا كلام الوالد (- قدّه-) و هو كلام موجّه ثمَّ انّ صاحب الجواهر (- ره-) زاد على ما مرّ نقله عنه فقال و من العجب تنزيل صحيحة ابن ابى يعفور على الاطمئنان في حصول الملكة في جميع المعاصي بواسطة اجتناب المذكور فيها منها الّتي هي بالنسبة إليه في جنب العدم و كيف يعرف الشخص ببعض أحواله مع انا نرى بالعيان تفاوت النّاس أجمع في ذلك فكم من شخص تراه في غاية الورع متى قهر بشي ء أخذ يحتال و يرتكب ما لا يرتكبه غيره من المحرّمات في قهر من قهره كما ترى ذلك كثيرا في أهل الأنفة و الأنفس الابيّة و أخر متى اصابه ذلّ و لو حقير ارتكب من الأمور العظيمة الّتي تستقرّ بها نفسه ما لا يفعله أعظم الفسّاق بل أغلب النّاس (- كك-) و إن كانت أحوالهم فيه مختلفة فمنهم بالنّسبة إلى ماله و منهم بالنّسبة إلى عرضه و منهم بالنّسبة إلى أصحابه و اتباعه فدعوى انّه بمجرّد الخلطة المطلعة على جملة من أحواله يحصل الجزم و الاطمئنان بأنّه في سائر المعاصي ظاهرها و باطنها ما عرض له مقتضاها و ما لم يعرض له ملكة يعسر له مخالفتها مقطوع بفساده انتهى ما في الجواهر و اعترضه الشيخ الوالد قدّس اللّه تربته الزكيّة بقوله امّا بطلان دعوى حصول ملكة الاجتناب عن جميع المعاصي بالاجتناب عن جملة قد ذكرت صراحة في الصّحيحة المشار إليها فواضح و كذا حصول الاطمئنان بالاجتناب عن الجميع بواسطة

الاجتناب عن تلك الجملة لأنّها ليست الّا شرب الخمر و الزّنا و الرّبا و عقوق الوالدين و الفرار من الزّحف و لكن لا يلزم من تسليم هذا المقدار بطلان الاستدلال على ملكة الجميع لانّه ذكر فيها اجتناب الكبائر الّتي وعد اللّه عليها النّار و الكبائر جمع محلّى باللّام فيفيد العموم خصوصا بملاحظة الوصف الّذي قد ذكر له ممّا هو سار في جميع افراد الجنس و هو كونها قد أوعد اللّه عليها النّار و قد ذكر الجملة المعدودة من باب المثال ثمَّ عقّبها بقوله و غير ذلك و امّا ما ذكره بقوله فكم من شخص تراه في غاية الورع (- اه-) ففيه أنّ أمثال هذا الشخص ليسوا من أهل الورع و وجودهم فيما بين النّاس لا يوجب انتفاء أرباب الملكة

قوله طاب ثراه مضافا الى الأصل (- فت-)

قد احتمل الشيخ الوالد العلّامة أعلى اللّه (- تعالى-) في الفراديس مقرّه و مقامه في الذّرائع في مراد شيخه (- قدّه-) بهذه العبارة بعد نقلها أمرين أحدهما انّ مراده بالأصل أصالة الاشتغال التفاتا الى انّ الجمعة بناء على وجوبها أو الصّلوة الواجبة الّتي أصلها واجب و الايتمام فيها مستحبّ ممّا ثبت اشتغال الذّمة بها و لا ريب في انّ الإتيان بها مؤتمّا بصاحب الملكة مبرئ للذّمة و الإتيان بها مؤتمّا بغير صاحب الملكة ممّا لم يعلم كونه مبرئ و مقتضى قاعدة الاشتغال هو الإتيان بالأوّل فإنّه المحصّل للبراءة اليقينيّة الّتي لا بدّ منها بعد العلم بالاشتغال ثمَّ قال (- قدّه-) و كانّ وجه التأمّل هو انّ العدالة الواقعة في معقد إجماعاتهم مجمل قد ثبت اشتراط الجمعة أو الجماعة به و هو ممّا له قدر متيقّن من جهة ثبوت الاشتراط به و هو مطلق الكيفيّة أو مجرّد ترك المعاصي و ان لم يكن مستندا إلى الملكة و يبقى اشتراط ما زاد على ذلك مشكوكا و قد تحقّق من مذهب المستدلّ انّ المرجع عند الشكّ في شرطيّة شي ء أو جزئيّته للمأمور به انّما هو أصل البراءة فيؤخذ بالمتيقّن شرطيّته و يترك الالتزام بما زاد عليه هذا كلامه على مقامه و أقول انّ ما ذكره (- قدّه-)

ص: 258

في تقرير الأصل يستلزم كون ما استدلّ به شيخه (- قدّه-) أخصّ من المدّعى لانّ البحث انّما هو في مطلق العدالة من غير تخصيص بالصّلوة خلفه و لا بمقام الشهادة و لا القضاء و لا الولاية و لا الفتوى و لا الوصاية و لا الوكالة بناء على اعتبارها فيهما و لذا وضع المستدلّ البحث في رسالة مفردة مع انّ أصالة الاشتغال انّما تثبت حرمة الايتمام بغير ذي الملكة و لا تثبت كون العدالة عبارة عن الملكة الّا على القول بإثبات الأصول العمليّة لللّوازم العادية البعيدة و هو كما ترى و امّا ما ذكره (- قدّه-) وجها للتأمّل ففيه منع انحصار دليل اشتراط العدالة في الإمام في الإجماع بل النّصوص بذلك مستفيضة و قد أوردها هو (- قدّه-) قبل ذلك بعدّة أوراق الّا ان يقول انّها واردة مورد مجرّد تشريع الايتمام بالعدل و ليست مسوقة لبيان مصداق العدل لكن فيه انّ جملة منها قد سيقت لبيان ذلك كما لا يخفى على من راجعها و لعلّه تأتي الى بعضها الإشارة (- إن شاء الله-) (- تعالى-) ثانيهما ان يكون مراد شيخه (- قدّه-) بالأصل أصالة التوقيف و أصالة عدم جواز الايتمام بغير ذي الملكة و يكون الأمر بالتأمّل للإشارة إلى انّه في المورد الّذي يكون متعلّق الشكّ هي الشرطيّة أو الجزئيّة يكون أصل البراءة حاكما على أصالة التوقيف و أصالة عدم الجواز التي هي بمعناها هذا كلامه رفع مقامه و أقول جعل الأصل عبارة عن أصالة التوقيف و أصالة عدم جواز الايتمام و عدم كفاية إشهاد غير ذي الملكة في الطّلاق و الوصيّة و نحوهما و عدم جواز تسليط أحد في مال أو حقّ بشهادة غير ذي الملكة و نحو ذلك ممّا لا بأس به الّا انّ جعل الأمر بالتأمّل إشارة إلى كون المقام من موارد الشكّ في الشرطيّة فيه أوّلا انّه لا يجري في جملة من الموارد و ثانيا انّ الشكّ هنا ليس في الشرطيّة لأنّ شرطيّة العدالة محرزة و معلومة و الشكّ انّما هو في حقيقتها و إرجاع الشكّ إلى شرطيّة الملكة في العدالة فيرجع الى أصالة عدم الاشتراط فيه انّ أصالة عدم اشتراط الملكة لا يثبت تحقّق العدالة في غير ذي الملكة الّا على القول بالأصول المثبتة فالأولى جعل الأمر بالتأمّل إشارة إلى انّ أصالة عدم جواز الايتمام و الاشهاد و نحو ذلك لا تثبت كون غير ذي الملكة عدلا الّا على القول بالأصول المثبتة و قد بيّنا في محلّه سقوطه أو الى انّ أصالة عدم اشتراط الملكة حاكمة عليها لكونها مسببيّة ضرورة انّ الشكّ في صحّة الائتمام بذي الحالة الفاقد للملكة و قبول شهادته و ترتيب الأثر على حكمه و قضائه و الالتزام بتصرّفاته إذا كان وليّا ناش من الشكّ في اشتراط الملكة فإذا نفى الاشتراط بالأصل زال الشكّ المأخوذ في موضوع أصالة عدم صحّة الايتمام و نحوه نعم ما تمَّ من أدلّة القول باعتبار الملكة وارد على أصالة عدم الاشتراط

قوله طاب ثراه و الاتفاق المنقول المعتضد بالشّهرة المحقّقة بل عدم الخلاف بناء على انّه لا يبعد إرجاع كلام الحلّي (- ره-) الى المشهور كما لا يخفى

وجه الإرجاع انّ مراده بقوله حدّ العدل هو الّذي لا يخلّ بواجب و لا يرتكب قبيحا انّما هو دوام عدم إخلاله بالواجب و استمرار تركه للقبائح الّذي هو لازم الملكة و توهّم انه لا يحصل الاتّفاق بمجرّد إرجاع قول الحلّي (- ره-) الى القول بالملكة فإنّ هناك قولين اخرين أحدهما حسن الظّاهر و الأخر ظهور الأسلم و عدم ظهور الفسق مدفوع بانّ الماتن (- ره-) قد جعل آنفا هذين القولين قولين في الكاشف عن الملكة لا في نفس العدالة و يمكن المناقشة في هذا الدّليل بانّ وجود الخلاف في حقيقة العدالة من الواضحات و ليت شعري كيف يمكن التعويل على الاتفاق المحكى المعلوم اشتباه الحاكي في نقله من حيث عظم الخلاف و اضطراب كلمات الأصحاب في ذلك مع انّ في حجيّة الاتّفاق المحكى الغير المنكشف خلافه بحثا ذكرناه في المطارح فكيف بالمنكشف خلافه فلاحظ و تدبّر

قوله طاب ثراه و الى ما دلّ على اعتبار الوثوق (- اه-)

عطف على قوله الى الأصل فهو دليل ثالث في كلامه و أشار بما دلّ على اعتبار الوثوق بدين إمام الجماعة و ورعه الى الأخبار النّاطقة بذلك المستدلّ بها لهذا القول مثل ما رواه الكليني (- ره-) عن علىّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن علىّ بن مهزيار عن ابى علىّ بن راشد قال قلت لابيجعفر عليه السّلام انّ مواليك قد اختلفوا فأصلّي خلفهم جميعا فقال لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه و ما رواه الشّيخ (- ره-) بإسناده عن احمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة عن احمد بن محمّد بن يحيى الخادقى عن الحسن بن الحسين عن إبراهيم عن المرافقي و عمرو بن الرّبيع البصري عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام انّه سئل عن القراءة خلف الإمام فقال إذا كنت خلف الإمام تولّاه و تثق به فإنّه يجزيك قرائته الحديث و ما رواه الكليني (- ره-) عن علىّ بن إبراهيم عن أبيه عن عبد اللّه بن المغيرة عن قتيبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا كنت خلف امام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قرائته فاقرأ أنت لنفسك الخبر

قوله طاب ثراه مع انّ الوثوق لا يحصل (- اه-)

هذا مسوق لتقريب الاستدلال بتلك الأخبار و توضيحه ما في ذرائع الشيخ الوالد نور اللّه ضريحه من انّ الدّين كما في مجمع البحرين و غيره هو وضع الهى لاولى الألباب يتناول الفروع و الأصول قال اللّه تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ و (- ح-) يكون الوثوق بدينه عبارة عن الوثوق بأصوله و فروعه و هو لا يحصل بمجرّد ترك المعاصي و لو في جميع ما مضى من عمره ما لم يعلم أو يظنّ فيه ملكة التّرك و لا يتوهّم انّ المراد بالوثوق بمن يريد الايتمام به انّما هو كون الإمام غير مخالف و كونه إماميّا كما وقع في بعض الأخبار إرادة ذلك منه لانّه يمنع من ارادة المخالف في الرّواية الأولى انّ السّائل قد صدر سؤاله فيها بقوله انّ مواليك قد اختلفوا فالسؤال إنّما توجّه الى استفسار حكم الايتمام بهم فيكون من الموصولة في الجواب مرادا بها المعهود الّذي توجّه إليه السّؤال و لا اشكال فيه و امّا الرّواية الثّانية فإنّها تضمّنت كون الإمام الّذي يريد الايتمام به ممّن يتولّاه فيكون من أصحابه و على هذا فيكون نفى الوثوق في السؤال الواقع في أخر الرّواية المذكورة عبارة عن عدم الوثوق بأفعاله لا بعقيدته هذا كلامه علا مقامه و هو تقريب حسن و لا مجال للمناقشة بكون موردها الايتمام فتكون أخصّ من المدّعى لما يأتي إنشاء اللّه تعالى توضيحه من انّ العدالة المعتبرة في الإمام و الشّاهد و القاضي و الولي و نحوهم شي ء واحد و حقيقتها في الجميع واحدة

قوله طاب ثراه و اعتبار المأمونيّة و العفّة (- اه-)

عطف على اعتبار الوثوق بدين إمام الجماعة و التقدير و الى ما دلّ على اعتبار المأمونيّة و قد كان الأولى إعادة كلمة ما دلّ و على اىّ حال فهو استدلال بطائفة أخرى من الأخبار فمنها ما عن تفسير الإمام عليه السّلام عن جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدٰاءِ قال ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تيقظّه فيما يشهد به و تحصيله و تميزه فما كلّ صالح مميّزا و لا محصّلا و لا كلّ محصّل مميّز صالحا و منها ما رواه الصّدوق (- ره-) بإسناده عن سماعة عن ابى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا و منها ما رواه هو (- ره-) بإسناده عن عبد اللّه بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام رجل طلّق امرئته و اشهد شاهدين ناصبيين قال كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته الى غير ذلك من الصّفات المعتبرة للمأمونيّة و العفّة و الصّيانة و الصّلاح و غيرها من الصّفات النفسانيّة

ص: 259

في الشّاهد الّذي لا فرق بينه و بين القاضي و الإمام و الولي و نحوهم في وصف العدالة و لعلّ التقريب انّها علّقت قبول الشهادة على هذه الأوصاف النّفسانيّة فيلزم ان تكون العدالة عبارة عن الصّفة النّفسانيّة لا مجرّد عدم ارتكاب المعاصي لكنّ الإنصاف عدم صراحتها في المطلوب و هناك قسم أخر من الأخبار لم يشر اليه الماتن (- ره-) و قد وقع من بعضهم الاحتجاج به لهذا القول و هو ما عن تفسير الإمام عليه السّلام عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام و عن احتجاج الطّبرسي عن الرّضا عليه السّلام قال إذا رأيتم الرّجل قد حسن سمته و هديه و تمادت في منطقه و تخاضع في حركاته فرويد الا يغرّنكم فما أكثر من يعجزه تناول الدّنيا و ركوب المحارم بها لضعف نيّته فنصب الدّين فخّالها فهو لا يزال يختلّ النّاس بظاهره فان تمكّن من حرام اقتحمه و إذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويد الا يغرّنكم فان شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام و ان كثر و يحمل نفسه على شوهاء قبيحة يأتي منها محرّما فاذا وجدتموه يعفّ عن ذلك فرويد الا يغرّنكم حتى تنظروا ما عقدة عقله فما أكثر من ترك ذلك اجمع ثمَّ لا يرجع الى عقل متين فيكون ما يفسده يجهله أكثر ممّا يصلحه بعقله و إذا وجدتم عقله متينا فرويد الا يغرّنكم حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه و كيف محبّته للرّئاسات الباطلة و زهده فيها فانّ في النّاس من خسر الدّنيا و الآخرة ترك الدنيا و يرى أنّ لذّة الرّئاسة أفضل من لذة الأعمال و النعم المباحة المحلّلة فيترك ذلك اجمع طلبا للرّئاسة حتّى إذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم و لبئس المهاد فهو يخبط خبط عشواء يقود أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة و يمدّه ربّه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه فهو يحلّ ما حرّم اللّه تعالى و يحرم ما أحلّ اللّه لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي من أجلها فأولئك الّذين غضب اللّه عليهم و لعنهم و أعدّ لهم عذابا مهينا و لكن الرّجل كلّ الرّجل نعم الرّجل هو الّذي جعل هواه تبعا لأمر اللّه و قواه مبذولة في رضى اللّه يرى الذّل مع الحقّ أقرب الى عزّ الأبد مع العزّ في الباطل و يعلم ان قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤديه إلى دوام النّعيم في دار لا تبيد و لا تنفد و ان كثير ما يلحقه من سرّاتها إذا تبع هواه يؤدّيه إلى عذاب لا انقطاع له و لا زوال فذلكم الرّجل نعم الرّجل فيه تمسّكوا و بسنّة فاقتدوا و الى ربّكم به فتوسّلوا فإنّه لا تردّ له دعوة و لا تخيّب له طلبة و أقول انّ هذه الرّواية و إن كانت دالّة على اعتبار الملكة و عدم كفاية ترك المحرّمات الّا انّه لا دلالة فيها على كون ذلك معتبرا في الاستشهاد و الايتمام و القضاء عنده و انّما ظاهرها بيان حال من هو قابل لان يكون رئيسا عامّا للمسلمين و امّا ما يقتدى به فيهم فلا دلالة فيها على المدّعى و ربّما أجاب عن ذلك في الجواهر بأنّه مع كونه غير معلوم السّند و مرويّا في غير الكتب الأربعة و محتملا للتعريض به الى أناس خاصّين كالأوّل و الثّاني و أصحابهما و قاصرا عن معارضة غيره من الأخبار المكتفية بحسن الظّاهر حتى على مذهب الخصم قال في الوسائل انّه بيان لا على مراتب العدالة لا لأدناها بل قال انّه مخصوص بمن يؤخذ عنه العلم و يقتدى به في الأحكام الدينيّة كما هو ظاهر لا بإمام الجماعة و الشّاهد و هو جيّد جدّا انتهى ما في الجواهر و أجاب عنه شيخنا الوالد العلّامة طيّب اللّه رمسه بان كون الحديث مذكورا في تفسير الإمام عليه السّلام عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام و في الاحتجاج عن الرّضا عليه السّلام لا يخلو عن افادة الوثوق بصدوره و ان كون الحديث مرويّا في الكتب الأربعة و إن كان يوجب قوّته لكن كونه مرويّا في غيرها لا يوجب الوهن فيه خصوصا مع كون الاحتجاج من جملة الكتب المعتبرة مضافا الى أنّه يؤيّده الشهرة المحكية و امّا كونه محتملا للتعريض به الى أناس خاصّين فهو خلاف الظّاهر فلا يعبؤ به و امّا معارضته بأخبار حسن الظّاهر فستعرف الجواب عنها إنشاء اللّه تعالى و امّا ما ذكره صاحب الوسائل من اختصاصه بمن يؤخذ عنه العلم لا بإمام الجماعة و الشّاهد فهو ممنوع و لو سلّمنا ذلك في الشّاهد منعناه في إمام الجماعة هذا

كلامه رفع في الخلد مقامه و أقول ما ذكره (- قدّه-) موجّه الّا إنكاره ظهور الخبر في اعتبار الصّفات الّتي تضمّنها في والى المسلمين فانّ ذلك خلاف الإنصاف و العجب من تفرقته (- قدّه-) بين الشاهد و امام الجماعة مع وضوح اتّحادهما في العدالة المعتبرة فيهما و الحقّ انّ الخبر لا ربط له بتفسير العدالة و انّما سيق لبيان ما يعتبر في مرجع المسلمين كما لا يخفى

قوله طاب ثراه صحيحة ابن ابى يعفور (- اه-)

هذه الجملة فاعل كلمة يدلّ ثمَّ انّ هذه الصّحيحة قد رواها الصّدوق (- ره-) في الفقيه بإسناده عن عبد اللّه بن ابى يعفور و الشيخ (- ره-) في (- يب-) بإسناده عن محمّد بن احمد بن يحيى عن محمّد بن موسى عن الحسن بن على عن أبيه عن علىّ بن عقبة عن موسى بن أكيل النّميري عن ابن ابى يعفور و في المتن في الكتابين اختلاف بالزّيادة و النّقصان و نحن ننقله و نشير الى موضع الاختصاص لتعلم انّ ما عداه من مورد الاشتراك قال ابن ابى يعفور قلت لابيعبد اللّه عليه السّلام بم يعرف عدالة الرّجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم فقال ان تعرفوه بالسّتر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللّسان و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النّار من شرب الخمر و الزّنا و الرّبا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون سائر الجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في النّاس و يكون منه التّعاهد للصّلوات الخمس إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين و ان لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم الّا من علّة فإذا كان (- كك-) لازما لمصلّاه عند حضور الصّلوات الخمس فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا ما رأينا منه الّا خيرا مواظبا على الصّلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلّاه فانّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين و ذلك انّ الصّلوة ستر و كفّارة للذّنوب و ليس يمكن الشّهادة على الرّجل انّه يصلّى إذا كان لا يحضر مصلّاه و يتعاهد جماعة المسلمين و انّما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصّلوة لكي يعرف من يصلّى ممّن لا يصلّى و من يحفظ مواقيت الصّلوة ممّن يضيع و لو لا ذلك لم يكن احد ان يشهد على أخر بصلاح لانّ من لا يصلّى لا صلاح له بين المسلمين فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله همّ بان يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور في جماعة المسلمين و قد كان منهم من يصلّى في بيته فلم يقبل منه ذلك و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلّى اللّه عليه و آله فيه الحرق في جوف بيته بالنّار و قد كان يقول لا صلاة لمن لا يصلّى في المسجد الّا من علّة و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته و سقطت بينهم عدالته و وجب هجرانه و إذا رفع الى امام المسلمين أنذره و حذّره فان حضر جماعة المسلمين و الّا أحرق عليه بيته و من لزم جماعتهم حرمت عليه غيبته و ثبتت عدالته بينهم و تقريب الاستدلال على ما نبّه عليه جمع منهم الماتن (- ره-) و أوضحه الشيخ الوالد العلّامة أنار اللّه برهانه انّه لمّا سئل ابن ابى يعفور بقوله بم يعرف عدالة الرّجل أجاب (- ع-) بقوله ان يعرفوه بالسّتر و العفاف و بكف البطن و الفرج (- اه-) فأسند المعرفة إلى ضمير

ص: 260

الجمع العائد إلى النّاس المراد بهم بحكم العادة جميع من يخالطه و يباشره و من المعلوم انّ صيغة المضارع انّما تدلّ على الدّوام و الاستمرار المراد به في هذا المقام بحكم العرف وقوع ذلك في زمان متطاول و جعل متعلّق المعرفة المستمرّة على الوجه المذكور ما هو من الأوصاف النفسانيّة أعني الستر و العفاف و كفّ الأعضاء المذكورة ثمَّ عطف على قوله يعرفوه قوله يعرف بصيغة المجهول استغناء عن فاعله بما علم من قوله يعرفوه و جعل متعلّقه ما ينطبق على الملكة من جهة تعلّق الاستمرار به و هو اجتناب الكبائر لأن الاستمرار على الاجتناب لا يكون الّا عن ملكة و ما ذكر هو مقتضى ظاهر السّياق و (- ح-) نقول انه ينطبق للمعرفة في الجواب على المعرفة في السّؤال و ينطبق متعلّقها على العدالة الّتي هي متعلّق المعرفة فيه فيتمّ المطلوب من جهة انّه قد وقع مجموع الصّفات النفسانيّة معرّفا للعدالة و لا يصحّ ان يكون هذا المجموع الّذي هو المعرّف أخصّ من العدالة الّتي هي المعرّف بل لا بدّ من مساواته لها نعم قد يكون المعرّف بالكسر أعمّ إذا كان من المعرّفات الجعليّة كما جعل عليه السّلام في هذه الصّحيحة كون الإنسان ساترا لعيوبه معرّفا لهذه الأمور و لكن ليس مع ذلك موضع الاستدلال و مناطه و مقتضى القواعد هو كون المعرّف حقيقيّا الّا ان يعلم كونه جعليّا كما علم في هذا المقام من تغييره عليه السّلام سياق العبارة حيث اتى عليه السّلام في جواب قول السّائل بم يعرف عدالة الرّجل بقوله عليه السّلام ان يعرفوه بالسّتر ثمَّ انّه عليه السّلام عدل عن ذلك الى قوله (- ع-) و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون ساترا لجميع عيوبه ثمَّ انّ الشيخ الوالد قدّس سرّه لما قرّر تقريب الدّلالة على الوجه المذكور عدل عن ذلك فقال (- ره-) انّ الاستدلال بالصّحيحة موقوف على ان يكون قوله (- ع-) ان يعرفوه بالسّتر و العفاف خبرا عن مبتدء محذوف مدلول عليه بالسّؤال بأن يكون تقدير الجواب انّ معرفة العدالة هي معرفة السّتر و العفاف فينطبق المعرفة على المعرفة و السّتر و العفاف على العدالة و ليس (- كك-) لأنّ السّؤال انّما هو عمّا يتحقّق به المعرفة فالمجرور بالباء الّذي هو المسئول عنه عبارة عن الأمارة الّتي بها يعرف العدالة و على هذا فلا بد من انطباق الجواب عليها فيكون قوله عليه السّلام ان يعرف ممّا حذف منه الخافض و مثله مطّرد كما صرّح به ابن مالك بقوله و الحذف في انّ و ان مطّرد مع أمن لبس كعجبت ان يدو و على هذا يكون تقدير الجواب يعرف عدالة الرّجل بان يعرفوه يعنى الناس و المراد بهم في الحقيقة مخالطوه و مباشروه بالسّتر و العفاف و حاصله انّ الأجنبي المتصدّي لمعرفة عدالة الرّجل يعرفها بمعرفة مخالطيه إيّاه بالسّتر و العفاف و اشتهاره بذلك عندهم و هو ظاهر فيكون معروفيّته بالسّتر و العفاف امارة على العدالة و (- ح-) نقول ان معروفيّته بالستر و العفاف لا تكون دليلا على انّ العدالة عبارة عن السّتر و العفاف إذ يجوز ان يكونا من لوازمها بل يجب ذلك لاستحالة اتحاد المعرّف و المعرّف كما لو قال السّائل بم يعرف الاجتهاد فقيل في جوابه يعرف بإتقان البحث و تنقيح التصنيف و من المعلوم انّ ذلك ليس معنى الاجتهاد و حقيقته و انّما هو من جملة لوازمه و اثاره انتهى كلامه رفع مقامه و أقول لمّا كان هذا الصّحيح أتمّ أخبار الباب و أعرفها و اضطربت في خصوص دلالته كلمات الأواخر لزمنا بسط الكلام في شرح بعض فقراته على ما يناسب المقام فنقول قول ابن ابى يعفور بم تعرف عدالة الرّجل (- اه-) يحتمل وجهين بحسب اللّفظ و وجهين بحسب المعنى فيحتمل ان يكون تعرف مجرّدا بصيغة المجهول و ان يكون مزيدا فيه بصيغة التّفعيل المجهول و على الوجهين يحتمل ان يكون مراده السّؤال عن علامة العدالة و معرّفاتها و أماراتها و ما يستدلّ به عليها بعد فراغ السّائل عن معرفة حقيقتها و ماهيّتها بعد العلم الإجمالي بها و بثمراتها و فوائدها و محصّل الأوّل السّؤال عن الأمارة العرفيّة و الثّاني السؤال عن المعرّف المنطقي و الأوّل انسب بالأوّل و الثّاني بالثّاني و الأوّل أظهر بالنّظر الى نفس هذه الفقرة و الفقرة التّالية لها فانّ الظّاهر من المعرّف عرفا هو الأمارة و العلّامة و حقّ السّؤال عن حقيقة الشي ء بما هو ان يقول ما العدالة لا بم تعرف العدالة و قبول الشهادة فعلا من غايات نفس العدالة ضرورة انّ نفس العدالة الواقعيّة لا تؤثّر إلّا أهليّة صاحبها لان يكون مقبول الشهادة و امّا القبول الفعلي الظّاهري من الفقرة التّالية فهو من آثار المعرفة بها و

الثاني أظهر بالنّظر الى فقرات جواب الإمام عليه السّلام حيث انّه عليه السّلام ذكر أوّلا حقيقتها ثمَّ ذكر دليلها و أماراتها بحيث يعلم منه انّ سؤال السّائل انّما كان عن الحقيقة و المعرّف لا عن العلامة و المعرّف العرفي و بعد ملاحظة جوابه عليه السّلام لا محيص عن صرف السّؤال عن ظاهره قال الإمام عليه السّلام ان تعرفوه بالسّتر و العفاف أقول المراد بهما و اللّه العالم ما يرادف الحياء و العفّة قال في الصّحاح رجل ستير اى عفيف و جارية ستيرة انتهى و عليه فالعفاف عطف تفسير له و فسّره في القاموس بالخوف و الحياء و عليه فينبغي ان يكون المراد به الاستحياء من اللّه سبحانه بقرينة قوله و الدّليل على ذلك كلّه ان يكون ساترا لعيوبه فانّ المراد به السّتر من النّاس و الاستحياء منهم و مقتضى لزوم مغايرة الدّليل للمدلول كون المراد بالسّتر في المدلول الاستحياء من اللّه سبحانه فكأنه جعل الاستحياء من اللّه عدالة و الاستحياء من النّاس كاشفا عنه و دليلا عليه و لو لا ذلك لكان الدّليل عين المدلول و (- ح-) فيكون المراد من العفاف التعفّف عن المعاصي فيكونان متقارنين لا مترادفين لانّ العفاف بالفتح و التعفيف عبارة عن الامتناع و كفّ النفس كما في المصباح و المجمع ثمَّ انّ السّتر و العفاف و كف النّفس من الصفات النّفسانيّة و الأفعال الباطنيّة لا من الأمور الظّاهريّة و الّا لما احتاجت الى جعل دليل عليها و المراد كفّ البطن و الفرج و اليد و اللّسان لا خصوص زجر النّفس و حبسها عن ارتكاب المعاصي البطنيّة من كلّ من أكل الحرام و النجس و أشباههما و المعاصي الفرجيّة من الزنا و اللّواط و المساحقة و ما قاربها و المعاصي اليديّة من الضّرب و القتل و السّرقة و أضرابها و المعاصي اللّسانيّة من الكذب و الفرية و البهتان و الغيبة و النّميمة و أشباههما لا الكف عن مطلق الذنوب و يكون ذكر الجوارح لكون معاصيها أغلب و أكثر من غيرها و على اىّ حال فلا ريب في انّها ليست بأنفسها من الصّفات و الأفعال الظّاهريّة بل المراد الأفعال الباطنيّة و (- ح-) فالمراد بها نفس هذه الأفعال الباطنيّة النّاشئة عن ملكاتها الباعثة لها لا مجرّد صدور هذا الفعل الباطني و لو على سبيل الاتّفاق و ذلك لمكان قوله (- ع-) ان تعرفوه بالسّتر و العفاف و الكفّ إذ من البيّن عدم صدق المعروفيّة بالستر و العفاف و الكفّ الّا على صاحب ملكتها و الأوّل أقرب بالنّظر الى لفظها و الى قوله (- ع-) و يعرف باجتناب الكبائر تأكيدا لها أو تعميمها بعد التخصيص و الثّاني انسب بقاعدة أولوية التأسيس من التأكيد فيكون قوله (- ع-) و يعرف باجتناب الكبائر إشارة إلى شرط الملكة الرّادعة اعنى الاجتناب الفعلي و على الاحتمالين اللّذين لكلّ منهما وجهة تدلّ هذه الفقرة الشريفة بنفسها أو بضميمة الفقرة التّالية لها على انّ العدالة عبارة عن ملكة ترك المعاصي المقترنة بتركها فعلا أو المشروطة به و تصديرها بالمعرفة مع انّها خارجة عن معنى العدالة فإنّها عبارة عن الملكة الموصوفة لا عن معرفتها انّما هو للإشارة الى انّ الانتفاع بها و ترتيب ثمراتها عليها انّما يحصل بعد معرفتها على ما أشرنا إليه عن قريب و كيف كان فهذه الفقرة الشريفة بيان واضح

ص: 261

و حدّ جامع مانع للعدالة و ليس المراد منها بيان علاماتها حتى يكون جوابا عمّا يظهر من عبارة السّائل في بادي النّظر إذ عليه يكون حاصل الجواب اعتبار العلم و المعرفة بالسّتر و العفاف و الكفّ و الاجتناب في أوّل الأمر و الاجتزاء في أخر الأمر في ضمن قوله عليه السّلام و الدّليل على ذلك (- اه-) بحسن الظّاهر و هما كالمتهافتين أو يكون هذه الفقرة الشريفة و التالية لها أمارتين مستقلتين أو امارة واحدة و يكون قوله عليه السّلام و الدّلالة (- اه-) امارة على الامارة و هو كالإحالة على المحال أو هو هي لامتناع ان يجعل حسن الظّاهر الّذي يستكشف منه حال الباطن دليلا على العلم و المعرفة بالباطن الّا ان يتكلّف فيه بحمله على ارادة العلم و المعرفة الشرعيّة بمعنى انّه عليه السّلام جعل حسن الظّاهر مرآة و دليلا على العلم بالملكة تعبّدا شرعيّا قهريّا حتّى يكون المحصّل انّك إذا رأيت منه حسن الظّاهر فعامل معه معاملة من تعلم بكونه ذا ملكة فيكون رؤيتك هذه دليلا على المعرفة التعبديّة فتكون الرّواية الشريفة على حدّ قوله عليه السّلام من صلّى الخمس في جماعة المسلمين فظنّوا به كلّ خير و قوله عليه السّلام من لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه شاهدان من أهل العدالة و السّتر فشهادته مقبولة و أمثالهما أو تكون مشيرة الى انّ الطريق أوّلا و بالذّات إلى العدالة هو العلم و المعرفة و ثانيا و بالعرض هو حسن الظّاهر و بعد اللّتيا و الّتي يكون ذكر المعرّف الأوّل و هو العلم بالملكة مستغنى عنه ضرورة انّ جعل ستر العيوب من النّاس و عدم العلم بارتكاب المعصية طريقا ظاهريّا الى نفس العدالة و الى معرفتها مغن عن جعل العلم بالاجتناب طريقا بل جعل الأخصّ طريقا بعد كون الأعمّ في نظر الجاعل مجعولا طريقا مستدرك محض فلا محيص ظاهرا عن ان يكون المراد من قوله عليه السّلام أو يعرفوه إلى أخر الفقرتين هو المعرف المنطقي لا الأصولي مع انّ المقصود و هو كون العدالة من قبيل الملكات الباعثة على اجتناب المعاصي أو الاجتناب النّاشى عن الملكة مفهوم من الرّواية الشّريفة على سبيل الظّهور بل الصّراحة على كلّ تقدير كما لا يخفى على المتدبّر و ربّما يتوهم إمكان حمل الرّواية على ما يوافق القول بأنّ العدالة عبارة عن نفس اجتناب الكبائر بدعوى انّ المراد من الستر و العفاف و الكفّ ملكاتها و الغرض منها ذكر المعرّف الأصولي لا المنطقي على ما هو الظّاهر منها و قد جعلت ملكة هذه الأمور دليلا و علامة عليها أنفسها فيكون المتحصّل من الرّواية انّ العدالة عبارة عن نفس اجتناب الذّنوب بالكبيرة و دليلها و مرآتها ملكة السّتر و العفاف و ملكة كلّ شي ء دليل واضح عليه و هذا كما ترى بعيد غاية البعد نظرا إلى انّه عليه السّلام لم يجعل الملكة دليلا على العدالة و انّما جعل المعرفة دليلا عليها و لازمه ان يكون عبارة عن نفس الملكة و الا لزم الالتزام بانّ مفادها انّ العدالة عبارة عن مجرّد اجتناب الكبائر و انّ دليلها ملكاتها و دليل الملكة معرفتها و دليل المعرفة حسن الظاهر و عدم الاطّلاع على صدور المعصية و هو كما ترى تأويل ركيك مناف لسائر فقرات الرّواية على ما سمعت و ستسمع إنشاء اللّه تعالى سيّما قوله عليه السّلام و يعرف باجتناب الكبائر فانّ على جميع الاحتمالات الاتية في هذه الفقرة يكون الاجتناب على هذا القول نفس العدالة لا من معرّفاتها فكيف يحمل قوله عليه السّلام ان يعرفوه بالسّتر و قوله عليه السّلام و يعرف على المعرّف الأصولي لا المنطقي على انّ حملها على هذا الوجه مع ما فيه من الركاكة يوجب إلغائها عن الاعتبار و خروجها عن الحجيّة و تفسير العدالة بمجرّد ترك الذّنوب مخالف للعرف و اللّغة و كلمات العامّة و الخاصّة و الفقهاء و أهل الخلاف و غيرهم على ما حقّقناه سابقا و قلنا انّ هذا القول لا يظهر من أحد إلّا في بدو النّظر فلاحظ و تدبّر قال عليه السّلام و يعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللّه عليها النّار قيل انّه يحتمل ان يكون يعرف منصوبا بلفظ ان فيكون التّقدير و ان يعرف باجتناب الكبائر و يحتمل ان يكون مضموما عطفا على مجموع ان يعرف يعنى انّ العدالة تعرف بالسّتر و العفاف و الكفّ و تعرف باجتناب الكبائر فعلى الأوّل يكون المجموع معرّفا واحدا و على الثّاني يكون كلّ منهما معرفا برأسه و يحتمل ان لا يكون قوله (- ع-) ان يعرفوه اعادة لقوله عليه السّلام يعرف بل يكون يعرف مقدّرا و يكون التقدير و يعرف بان يعرفوه بالسّتر اى يعرف بالمعروفيّة بهذه الصّفات و يكون

لقوله عليه السّلام و يعرف (- ح-) الاحتمالان المذكوران (- أيضا-) و لكن يختلف المطلوب بذينك الاحتمالين كما لا يخفى و هناك احتمال أخر و هو ان يكون قوله و يعرف ابتداء للكلام و يكون المستتر فيه راجعا الى السّتر و العفاف و الكفّ يعنى انّ العدالة هي السّتر و العفاف و الكفّ و يعرف السّتر و العفاف و الكفّ الّذي هو العدالة باجتناب الكبائر و لا يحتاج إلى معرفة الكفّ عن جميع المعاصي و هذا هو ظاهر الأكثر حيث اقتصروا على الأخير في تعريف العدالة باجتناب الكبائر فيكون هو معرّفا للسّتر و العفاف و الكفّ و يكون ما بعده امّا معرّفا للمجموع أو للحكم باجتناب الكبائر فتأمّل ثمَّ انّ الظّاهر من توصيف الكبائر بالّتي أوعد اللّه عليها النّار انّ المراد بالكبيرة كلّ معصية أوعد اللّه تعالى عليها بالخصوص النّار و المراد بالصّغيرة ما عديها و يأتي الكلام في الكبيرة و الصّغيرة اتّحادا و افتراقا موضوعا و مصداقا عند تعرّض الماتن (- ره-) لذلك إنشاء اللّه تعالى قال عليه السّلام و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون ساترا لعيوبه (- اه-) أقول لمّا سئل عليه السّلام عمّا يعرف به عدالة الرّجل و أجاب (- ع-) بأنّها تعرف بمعرفة كونه من أهل السّتر و العفاف و كفّ الجوارح الأربع و كونه مجتنبا عن الكبائر و كان في معرفة ذلك خفاء لكونها في غاية الصّعوبة بيّن (- ع-) ثانيا انّ الدّليل على ذلك و السّبيل الى معرفته كونه ساتر الجميع عيوبه متعاهدا للصّلوات الخمس و حفظ مواقيتهنّ و حضور جماعة المسلمين غير متخلّف عن جماعتهم ثمَّ انّك قد عرفت انّ المراد بالسّتر هنا هو الاستحياء من النّاس و المراد بالسّتر في أوّل الخبر هو الاستحياء من اللّه تعالى حتى يكون الأوّل دليلا على الثاني و الّا لزم اتّحاد الدّليل و المدلول قال عليه السّلام و يكون منه التّعاهد للصّلوات الخمس (- اه-) لمّا كان للسّائل أن يسئل عن انّ السّتر و الاجتناب الى اىّ حدّ يلزم ان يكون ساترا عند من له معاشرة و مصاحبة و خلطة أو كلّ من لم يكن عالما بعيوبه من أجل ستره و لو في مدّة قليلة أم لا بل يستدعي الحكم بالعدالة أكثر من ذلك بيّن عليه السّلام انّ مجرّد الرّؤية لا يكفي في ذلك بل ينبغي ان يكون لازما للمصلّي و مع ذلك إذا سئل عن قبيلته و أهل محلّته الّذين عاشروه في مدّة طويلة و اطّلعوا على بعض خبايا امره شهدوا بهذين الأمرين قال عليه السّلام و ذلك انّ الصّلوة ستر و كفّارة للذّنوب (- اه-) لمّا حكم عليه السّلام أوّلا بأنّ العدالة تعرف بالسّتر و العفاف و الكفّ و اجتناب الذّنوب ثمَّ جعل دليل ذلك التعاهد للصّلوات و كان وجه ذلك خفيّا بيّنه عليه السّلام بقوله و ذلك انّ الصّلوة ستر اى دافع و حاجز و كفّارة للذّنوب كما قال اللّه سبحانه إِنَّ الصَّلٰاةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ قال عليه السّلام و ليس يمكن الشهادة على الرّجل بأنّه يصلّى (- اه-) لمّا كان للسّائل أن يقول انّ الصّلوة إذا كانت كفّارة للذّنوب فهي تكفي في الحكم بالعدالة و لا حاجة الى حضور جماعة المسلمين و كيف جعل ترك ذلك المستحبّ قادحا في العدالة بيّن عليه السّلام انّ اشتراط حضور جماعتهم ليس لكونه في نفسه دليلا على الاجتناب من الذّنوب و كفّارة لها بل لانّه لما لم يمكن معرفة كون احد ساعيا في صلواته حافظا

ص: 262

لمواقيتهنّ و الشهادة بان يصلّى الّا عند تعاهده للجماعة و حضور المصلّى فلذلك جعل التعاهد لها من متمّمات الحكم بالعدالة قال روحي فداه انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله همّ بان يحرق (- اه-) لمّا كان للسّائل أن يقول إذا كان اشتراط التعاهد لما ذكرت فلو علمنا ان أحدا يصلّى في بيته لزم ان يكون كافيا و لم يكن حاجة الى تعاهد الجماعة استأنف عليه السّلام كلاما أخر و قال انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (- اه-) يعنى انّ ما ذكر كان سببا لشرع الجماعة و لمّا كان تركها في أوائل الإسلام مؤدّيا إلى ترك الصّلوة غالبا همّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأن يحرق قوما في منازلهم و إن كان فيهم من يصلّى في بيته لاستقرار ذلك الأمر المستحبّ الموجب لاستقرار الواجب فلأجل ذلك لم يحكم بالعدالة في صدر الإسلام ما لم يحضر الجماعة و إن كان إتيانه بالصّلوة في بيته معلوما هذا

قوله طاب ثراه فيدور الأمر بين حمل السّؤال على وقوعه عن المعرّف المنطقي (- اه-)

المعرّف المنطقي هو ما يحمل على الشّي ء ليفيد تصوّره اما بكنهه أو بوجه يمتاز به عن جميع ما عداه و لذا اشترطوا فيه ان يكون مساويا للمعرّف بالفتح أو أجلي و حكموا بعدم صحّة التعريف بالمباين و لا بالأعمّ و لا بالأخصّ و لا بالأخفى و لا بالمساوي له في الظهور و الخفاء ضرورة أنّ المباين للشي ء لا يحمل عليه حتّى يفيد تصوّره و الأعمّ كتعريف الإنسان بالحيوان لا يفيد تصوّره بالكنه و لا بوجه يمتاز به عن جميع ما عداه و الأخصّ و ان جاز ان يفيد تصوّره بالكنه أو بوجه يمتاز عن جميع ما عداه الّا انّ الأخصّ لما كان أقلّ وجودا في العقل و أخفى في نظره و شأن المعرّف ان يكون اعرف من المعرّف ليفيد التّعريف فائدة لم يجز التعريف بالأخصّ و من هنا ظهر الوجه في عدم صحّة التعريف بالاخفى و المساوي

قوله طاب ثراه و (- ح-) فلا يصلح ان يراد بها الّا نفس اجتناب الكبائر المسبّب عن ملكة العفاف و الكفّ و هو القول الثّاني

هذا مناف لما أفاده في ذيل القول الثّاني بقوله و ظاهر هذا القول انّها عبارة عن الاستقامة الفعليّة في أفعاله و تروكه من دون اعتبار كون ذلك عن ملكة انتهى فانّ ذلك صريح في عدم اعتبار الملكة عند أهل القول الثّاني و هذا صريح في اعتبارها اللّهمّ الّا ان يوجّه بانّ مراده بالنّفي هناك نفى اعتبار الملكة في مفهوم العدالة و كفاية الاستقامة الفعليّة و بإثبات الملكة هنا هو إثبات ملكة العفاف و الكفّ و هي غير ملكة العدالة (- فت-) و كيف كان فقد استدلّ للقول الثّاني بأمرين أحدهما أصالة عدم اشتراط الملكة و هذه الأصالة حاكمة على الأصل المتقدّم من الماتن (- ره-) الاستدلال بها للقول الأوّل لأنّ تلك مسببيّة ضرورة انّ الشكّ في صحّة الائتمام بذي الحالة الفاقد للملكة و قبول شهادته و ترتيب الأثر على حكمه و قضائه و الالتزام بتصرّفاته إذا كان وليّا ناش من الشكّ في اشتراط الملكة فإذا نفى الاشتراط بالأصل زال الشكّ المأخوذ في موضوع أصالة عدم صحّة الايتمام و نحوه نعم ما تمَّ من سائر أدلّة القول باعتبار الملكة حاكم على أصالة عدم الاشتراط ثانيهما عدّة من الأخبار فمنها ما رواه الشيخ الحرّ (- ره-) في الوسائل عن كتاب ابى عبد اللّه السّياري صاحب موسى و الرضا عليهم السّلام قال قلت لأبي جعفر الثّاني عليه السّلام قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصّلوة فيقدم بعضهم فيصلّى بهم جماعة فقال إن كان الّذي يؤمّهم ليس بينه و بين اللّه طلبة فليفعل وجه الدّلالة انّ من بلغ و لم يصدر منه ذنب و لم تمض مدّة يمكن تحقّق الملكة فيها فهو ممّن ليس بينه و بين اللّه طلبة و كذا من تاب و لم تحصل له ملكة بعد و من هنا قال صاحب الوسائل بعد ذكر الرّواية ما لفظه لعلّ المراد انّه ليس عليه ذنب لم يتب منه فإنّه يتحقّق بذلك انتفاء الطّلبة و الفسق عنه انتهى و الطّلبة بفتح الأوّل و كسر الثّاني ككلمة الحاجة كما في الصّحاح و (- ية-) الأثيريّة و كانّ التعبير بهذا اللّفظ عن الذّنب مبنىّ على انّ له حاجة الى العفو عنه و الجواب عن الرواية أوّلا انّها ضعيفة السّند إذ قد ضعف أبا عبد اللّه السيّاري العلّامة (- ره-) في (- خلاصة-) و في منتهى المقال انّه استثنى من رجال نوادر الحكمة و ثانيا انّ الخبر لو ابقى على ظاهره لدلّ على شرطيّة اعتقاد نفسه في جواز اقدامه على الإمامة و قد برهنّا في فروع شاهدي الطّلاق من منتهى المقاصد على فساده و ثالثا انّ عدم الطّلبة عليه من اللّه تعالى لما كان غالبا لا يوجد في غير ذي الملكة فلذا ورد على ما هو الغالب (- فت-) جيّدا و منها الصّحيح الّذي رواه الشيخ (- ره-) بإسناده عن محمّد بن احمد بن يحيى عن عبيد اللّه بن احمد عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرّجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق النّاس و الصّحيح الّذي رواه الكليني (- ره-) عن محمّد بن يحيى عن احمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عمّار بن مروان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أو قال سأله بعض أصحابنا عن الرّجل يشهد لأبيه أو الأب لابنه أو الأخ لأخيه فقال لا بأس بذلك إذا كان خيّرا جازت شهادته لأبيه و الأب لابنه و الأخ لأخيه و الجواب انّ لفظ الخيّر مجمل فيفسّر بما مرّ من اخبار القول الأوّل مع إمكان دعوى انّ كونه خيّرا لا يكون إلّا إذا كان ذا ملكة موجبة لملازمة التقوى و الخيرورة (- فت-) و منها خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ثلث من كنّ فيه أوجبت له أربعا على النّاس من إذا حدّثهم لم يكذبهم و إذا وعدهم لم يخلفهم و إذا خالطهم لم يظلمهم وجب ان يظهروا في النّاس عدالته و تظهر فيهم مروّته و ان تحرم عليهم غيبته و ان تجب عليهم اخوّته و الجواب انّه ظاهر في استمرار وجود الأوصاف الثلاثة فيه و من اللّائح انّه لا يكون الّا عن ملكة

قوله طاب ثراه مدفوعة أوّلا (- اه-)

كلمة أوّلا سهو من قلمه الشريف لانّه لم يتبعه بجواب ثان

قوله طاب ثراه خصوصا بملاحظة أنّ طريقيّة ملكة ترك المعاصي لتركها ليست امرا مجهولا عند العقلاء

لا يخفى انّ مجرّد كونه امرا معلوما لا ينافي السّؤال عنه لكثرة السّؤال في الاخبار عن الأمور المعلومة عند العقلاء فانّ غرض السّائل تحصيل الإمضاء من الإمام عليه السّلام لما عليه العقلاء

قوله طاب ثراه إذ لا حاجة غالبا (- اه-)

هذا استبعاد صرف لا يخفى وهنه على من مارس الأخبار و تبيّن عنده عدم كونهم عليهم السّلام فيها في مقام الفصاحة و البلاغة حتى يراعى فيها نكاتها بل في مقام بيان الحكم الشّرعي و إفهام السّائل و ان استلزم التكرار

قوله طاب ثراه لانّ الضّمير في يعرف (- اه-)

قد أسبقنا في شرح الرّواية الإشارة إلى الوجوه المحتملة في هذه الفقرة فراجع و تدبّر

قوله طاب ثراه من قبيل المعرّف المنطقي للعدالة لا المعرّف الشرعي في اصطلاح الأصوليّين (- اه-)

قد عرفت آنفا المراد بالمعرّف المنطقي و ان شئت العثور على الفرق بين المعرّفات قلنا انّ المعرّف بالفتح قد يكون النّظر اليه من حيث لفظه فيعرّف بلفظ أخر يشاركه في المفهوم كقولهم سعدانة نبت و يقال له التعريف اللّفظي و جامعه تبديل لفظ بلفظ و ذلك شأن اللّغوي و لذا تسمّى بالمعرّف اللّغوي و قد يكون النّظر اليه من حيث مفهومه فيعرّف بما ينطبق لما في الخارج و لا يتعدّاه و يقال لهذا التعريف شرح الاسم و شأن الأصولي هو ذلك و لذا يسمّى بالمعرّف الأصولي و اعتبار الأصوليّين في التعريف الجهة الجامعة و المانعة انّما هو لرعاية الانطباق لما في الخارج و ليس للأصولي بما هو (- كك-) تعريف لفظ الاسم

ص: 263

لانّ وظيفته البحث عن أشياء تقع في طريق الاستنباط و لفظ موضوع بحثه بما هو لا يحكم عليه بشي ء و انّما الّذي يحمل عليه الحكم الشّرعي هو ما صدق عليه ذلك الاسم فعلى الأصولي أن يعرّف مفهومه الجامع بين المصاديق و المانع عن غيرها ثمَّ يبحث عنه ليشمل نتيجة بحثه لكلّ من تلك المصاديق فيحصل غرضه من فنّه و (- كك-) ليس للأصولي بما هو تعريف ماهيّة الاسم لعدم مدخل لمعرفتها فيما هو غرض الأصولي و قد يكون النّظر اليه من حيث ماهيّته فيعرف تارة بجنسه و فصله القريبين و يسمّى حدّا تامّا أو بالفصل فقط أو هو مع الجنس البعيد و يسمّى حدّا ناقصا و اخرى بخاصّة مع الجنس و يسمّى رسما تامّا أو بخاصّة فقط أو هي مع الجنس البعيد و يسمّى رسما ناقصا و كلّ ذلك شأن المنطقي فإنّه الباحث عن ماهيّات الأشياء و لذا يسمّى المعرّف منطقيّا لكن وظيفة المنطقي منحصرة في تعريف ما هو من المقولات العشر و ليس له التعدّي إلى غيرها لانحصار الماهيّات فيها بخلاف الأصولي فانّ المفاهيم الاعتباريّة حيث انّها كثيرة غير محصورة فهو في فسحة يعتبر اىّ مفهوم شاء نعم لا بدّ له من رعاية ما يكون جامعا مانعا مثمرا في مقام الاستنباط و قد يكون النّظر اليه من حيث كونه موضوعا جليّا من دون تعلّق غرض الى تفسير لفظه أو معرفة مفهومه أو ماهيّته و (- ح-) يعرّف بان ينصب له علامات و دلالات بحيث يكون حصولها كاشفا عن حصوله كما في الموضوعات الشرعيّة المجعولة المعتبرة في ترتيب الأحكام مثل حدّ الترخّص بالنّسبة إلى السّفر فانّ الشارع جعله و اعتبره في ترتّب الحكم و نصب له علائم كخفاء الأذان و الجدران و مثل هذه الكواشف المجعولة من قبل الشّارع يسمّى معرّفا شرعيّا و لا يصحّ تسمية هذه العلائم بغير ذلك من المعرّفات إذ ليس لها الّا الكشف عن حصول موضوع جعليّ بلا تعرّض لجهة تفسير اللّفظ أو بيان المفهوم أو الماهيّة كما لا يخفى

قوله طاب ثراه امّا على الأوّل فلعدم (- اه-)

في العبارة سقط لانّه لا يأتي منه (- قدّه-) قوله و امّا الثاني و العلّة المذكورة في العبارة لا تلائم استبعاد الحمل على المعرّف المنطقي و انّما تلائم استبعاد الحمل على المعرّف الشرعي و ظنّي و اللّه العالم انّ العبارة ما يقرب من هذا امّا على الأوّل فلعدم كون الأمور المذكورة مفيدة لتصوّر كنه العدالة أو تميزها عن جميع ما عداها و امّا على الثاني فلعدم كون الأمور المذكورة أمورا عرفيّة (- اه-)

قوله طاب ثراه و الثالث (- أيضا-) بعيد (- اه-)

يمكن نفى البعد باختيار الشق الأوّل من التعليل و هو كون الاجتناب عن ملكة و عدم قدح التكرار إذا كان لتوضيح الأمر للسّائل مع عدم كونه (- ع-) في مقام إظهار الفصاحة و البلاغة

قوله طاب ثراه أحدهما (- اه-)

يمكن المناقشة فيه بأن معرفة الاجتناب عن جميع الكبائر وجداني يحصل بأدنى معاشرة لكلّ احد بخلاف معرفة الملكة فانّ إحرازها صعب سيّما للعامي فمعرفة الاجتناب أسهل من معرفة الملكة سيّما للعامي

[في اعتبار المروة و عدمه في العدالة]

قوله طاب ثراه ثمَّ المشهور بين من تأخّر عن العلّامة (- ره-) اعتبار المروّة (- اه-)

و عن المصابيح انّه المشهور بين الأصحاب بل عن الشيخ نجيب الدّين العاملي (- ره-) نسبة الى العلماء و لعلّ مراده المتأخّرون ضرورة عدم أخذ المتقدّمين ذلك في تعريفهم ثمَّ انّ ما نسبه (- قدّه-) إلى العلّامة (- ره-) هو اختياره في (- عد-) حيث قال في مقام تعداد صفات الشّاهد ما لفظه الخامس العدالة و هي كيفيّة راسخة تبعث على ملازمة التقوى و المروّة الى ان قال السّادس المروّة فمن يرتكب ما لا يليق بأمثاله من المباحات بحيث يستسخر به و يهزء به كالفقيه يلبس القباء منكوسا و يأكل و يبول في الأسواق أو يكبّ على اللّعب بالحمّام و أشباه ذلك من الإفراط في المزاح يردّ شهادته لأنّ ذلك يدلّ على ضعف عقله أو قلّة مبالاته فيه و كلّ ذلك يسقط الثقة بقوله انتهى و دلالتها على ما عزى اليه (- ره-) ظاهرة و إن كان في العبارة نظرا من جهة أخرى حيث أخذ المروّة تارة في مفهوم العدالة و اخرى شرطا مستقلّا في قبول الشّهادة و لو لا عبارته الأولى لكشفت الثانية عن عدم دخولها في مفهوم العدالة و لغت النّسبة و لكن الأولى صريحة فيما عزى اليه ثمَّ انّ المروّة لغة الإنسانيّة كما في الصّحاح و الرّجوليّة اى الكمال فيها كما في العين و المحيط و في الاصطلاح هيئة نفسانيّة تحمل الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل الأفعال و العادات و في (- لك-) و غيره انّ في ضبط المروّة عبارات متقاربة مثل انّ صاحب المروّة هو الّذي يصون نفسه عن الأدناس و يشينها عن النّاس أو انّه الّذي يتحزّر ممّا يسخر به و يضحك أو انّه الّذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه و مكانه و بالجملة المروّة مجانبة ما يؤذن بخسّة النّفس و دنائة الهمّة من المباحات و المكروهات و صغائر المحرّمات الّتي لا تبلغ حدّ الإصرار فمنها الأكل في الأسواق و المجامع في أكثر البلاد الّا ان يكون الشخص سوقيّا أو غريبا لا يكرّث بفعله و منها مدّ الرّجلين في مجالس النّاس و منها ما إذا لبس التّاجر ثوب الحمّالين و نحوهم بحيث يصير مضحكة و منها البول في الشرائع وقت سلوك النّاس و كشف الرّأس في المجامع و الأسواق إذا كان ممّن لا يليق به مثله و منها تقبيل أمته و زوجته في المحاضر أو يحكى لهم ما يجرى معها في الخلوة و منها لبس الفقيه لباس الجندي و منها الإكثار من الكلمات المضحكة و منها الخروج من حسن العشرة و المضايقة من الأهل و الجيران و المعاملين من اليسير الّذي لا يناسب حاله و منها نقل الماء و الأطعمة بنفسه ممّن ليس أهلا لذلك إذا كان عن شحّ و ظنّة و يختلف ذلك كلّه باختلاف الأشخاص و الأحوال و الأوقات و البلاد و لو ارتكب بعض ذلك تخفيفا بالمؤنة و اقتداء بالسّلف التاركين للتكلّف و التقيّد بالرّسوم المبتدعة لم يكن ذلك قادحا في المروّة على قول بعض الأصحاب و امّا ما ورد في الشّرع رجحانه كالاكتحال بالإثمد و الحنّاء فلا حرج فيه و إن كان منكرا في أكثر البلاد و مستهجنا عند العامّة

قوله طاب ثراه و امّا كلام غير الشيخ (- ره-) ممّن تقدّم (- اه-)

ظاهره الميل الى دعوى شهرة عدم اعتبار المروّة في مفهوم العدالة عند الأصحاب و سينطق (- ره-) بذلك عن قريب بقوله و الحاصل انّه لو ادّعى المتتبّع انّ المشهور بين من تقدّم على العلّامة (- ره-) عدم اعتبار المروّة (- اه-) و ما ذكره ليس بذلك البعيد لانّه ظاهر كلّ من أهمل ذكرها في تعريف العدالة و ظاهر المحقّق الأردبيلي (- ره-) (- أيضا-) شهرة ذلك حيث قال المشهور في الأصول و الفروع انّها ملكة راسخة في النّفس تبعث على ملازمة التقوى بترك الكبائر و عدم الإصرار على الصّغائر و ضمّ في البعض المروّة (- أيضا-) انّما اعتبرها في قبول الشّهادة شرطا له لا شطرا للعدالة و بعض ما اعتبرها أصلا كالمتن و الشرائع و قد اعتبرها في (- عد-) شرطا و شطرا حيث أخذها في تعريف العدالة و عدّها على حدّة من شرائط قبول الشّهادة كأنه للإشارة إلى اعتبارها في قبول الشهادة سواء اعتبرت شرطا للعدالة أم لا انتهى

قوله طاب ثراه لانّ الدّليل على اعتبار العدالة في الإمام (- اه-)

حاصله عدم الدّليل على اعتبار المروّة في مفهوم العدالة و قد وقع الاستدلال على عدم اعتبارها في كلماتهم بوجهين اخرين أحدهما أصالة عدم اعتبار اجتناب منافيات المروّة في تحقّق العدالة و عدم قدح ارتكابها في

ص: 264

العدالة و احتمال انّ العدالة من الحقيقة الشرعيّة فما شكّ في اعتباره فيها ينبغي ان يعتبر لأصالة عدم تحقّق الشّرط فاسد أوّلا بالمنع من الحقيقة الشرعيّة فيها و ثانيا بحكومة أصالة عدم الاشتراط على أصالة عدم تحقّق الشّرط و ثالثا بأنّ الأخبار أظهرت ما يراد منها مع انّ ذكرها في مقام البيان كالصّريح في عدم اعتبار أمر زائد فيها و دعوى انّ الاحتياط قاض بذلك مدفوعة بأنّ الأصل عدم وجوب الاحتياط مع انّ الاحتياط غير منضبط فقد يكون في الثّبوت و قد يكون في العدم كمعانى العدالة الثّاني إطلاق جملة من الأخبار الواردة في الإمام و الشّاهد و غيرهما الخالية عن اعتبار ذلك المجوّزة للايتمام و الشّهادة و يؤيّد ذلك ما روى من انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يركب الحمار العاري و يردف خلفه و انّه كان يأكل ماشيا إلى الصّلوة بمجمع من النّاس في المسجد و انّه كان يحلب الشّاة و نحو ذلك مع انّه قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام في الزّهد ما لو وقع في مثل هذا الزّمان لكان أعظم مناف للمروّة بالمعنى الّذي ذكروه مثل ما ورد في رقع جبّته حتّى أستحيي من راقعها و كانّ الّذي دعى الجماعة إلى اعتبار المروّة وجودها في بعض الأخبار لكن من المعلوم انّها ليست بالمعنى الّذي ذكره بل هو كقول أمير المؤمنين عليه السّلام في جواب سؤال جويرية عن الشرف و العقل و المروّة و امّا المروّة فإصلاح المعيشة و روى عن الرّضا عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال قال رسول اللّه (- ص-) ستّة من المروّة ثلثة منها في الحضر و ثلثة منها في السّفر فأمّا التي في الحضر فتلاوة القران و عمارة المسجد و اتخاذ الاخوان و امّا الّتي في السّفر فبذل الزّاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللّه و عن الصّادق عليه السّلام المروّة و اللّه ان يضع الرّجل خوانه بفناء داره و المروّة مروّتان مروّة في الحضر و مروّة في السّفر فأمّا الّتي في الحضر فتلاوة القران و لزوم المساجد و المشي بين الإخوان في الحوائج و النّعمة ترى على الخادم تسرّ الصّديق و تكبت العدوّ و امّا في السّفر فكثرة الزاد و طيبه و بذله و كتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك و كثرة المزاح في غير ما يسخط اللّه الى غير ذلك لكن لا يخفى عليك انّ المروّة بهذا المعنى غير ما ذكره الأصحاب قطعا على انه لا دلالة فيه على اعتبارها في العدالة بل لعلّ بعض ما يخالف المروّة بالمعنى الّذي ذكره الأصحاب ممّا يؤكّد العدالة و إن كان من المنكرات عرفا كما انّ بعضه ممّا يستلزم الطّعن في عرض الرّجل ممّا ينحلّ الى محرّم على انّ الأوّل ممّا يمكن دعوى اشتراطه في الشّهادة لا أخذه في العدالة الّا ان يحصل منه عدم الاطمئنان بمبالاته في الدّين و ينقدح حسن ظاهره كما نبّه على ذلك في الجواهر و غيره و بالجملة فالأقوى عدم شرطيّة اجتناب منافيات المروّة في تحقّق العدالة و عدم مانعيّة ارتكابها عنها نعم لو كشف ذلك عن قلّة المبالات بالدّين بحيث لا يوثق منه التحرّز عن الكبائر و الإصرار على الصّغائر منع ذلك من ترتيب آثار العدالة عليه من حيث كشف ذلك عن فقدها بسبب ارتكاب المزيل للعدالة لا كون نفس ذلك مزيلا فتدبّر

قوله طاب ثراه و غاية ما يمكن ان يستدلّ لاعتبارها في العدالة المستعملة في كلام الشّارع صحيحة ابن ابى يعفور (- اه-)

قد وقع الاستدلال في كلماتهم لاعتبار المروّة في حقيقة العدالة بأمور الأوّل أنّ منافي المروّة يدلّ على ضعف عقل فاعله و قلّة مبالاته و كلّ ذلك يسقط الثقة بقوله تضمّنته عبارة (- عد-) المزبورة و قد يقرّر ذلك بانّ مخالفة المروّة إمّا لخبل أو نقصان عقل و قلّة مبالاة أو حياء و على كلّ حال فلا ثقة بقوله و لا فعله و قد قالوا عليهم السّلام الحياء من الإيمان و لا ايمان لمن لا حياء له بل و ربّما يشير الى ذلك حديث البرذون حيث قال لا اقبل شهادته لأنّي رأيته يركض على برذون و أجاب الشيخ الوالد العلّامة أنار اللّه تعالى برهانه عن هذه الحجّة بأنّها وجه اعتباريّ لا يجترئ بها على تخصيص عمومات أدلّة الشهادة و الجماعة قلت لقائل أن يقول انّ العمومات قد خصّصت بأدلّة اعتبار العدالة في الشاهد و الإمام و المستدلّ يستكشف بارتكاب منا في المروّة عن فقد العدالة الثّابت شرطيّتها جزما فالأولى الجواب بمنع الكشف و منع دلالته على ضعف عقل فاعله و لا قلّة مبالاته في الشرعيّات و انّما يكشف عن عدم اعتنائه بالنّاس و لقد أجاد صاحب الجواهر (- ره-) حيث قال انّ دعوى التلازم بينها و بين التقوى ممنوعة أشدّ المنع فإنّ أولياء اللّه يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة نعم لا يبعد قدح بعض الأشياء الّتي تقضى بنقصان عقل فاعلها كما إذا لبس الفقيه مثل لباس أقبح الجند من غير داع الى ذلك بل قد يقال انّها محرّمة (- ح-) بالعارض للأمر بحفظ العرض انتهى الثّاني انّ منافيات المروة منافية لمعنى العدالة التي هي الاستواء و الاستقامة فإذا كان الرّجل بحيث لا يبالي بشي ء من الأشياء المنكرة عرفا فلا ريب في عدم استقامته بل قد يقال انّ منافيات المروّة تورث شكّا في دلالة حسن الظّاهر على الملكة أو على حسن غيره ممّا لم يظهر منه ضرورة كون المراد منه ما هو منكر في العادة و مستقبح فيها من دون ملاحظة مصلحة يحسن بها كما في بعض الأمور الواقعة من بعض الأولياء الّتي لا قبح فيها في العادة مع العلم بوجهها (- فت-) الثّالث انّه حكى عن الماحوزيّة دعوى الإجماع على اعتبارها و فيه أوّلا انّه غير ثابت بل نقل عنه نفسه انّه قال ليس يبعد عدم اعتبارها لأنّه مخالفة للعادة لا الشرع و هو ظاهر في عدم ثبوت الإجماع عنده و ثانيا منع حجيّة الإجماع المنقول سيّما في مثل هذه المسئلة التي خلت عبارات القدماء عن التعرّض لها بالمرّة الرّابع قوله عليه السّلام في خبر ابن سنان المتقدم عند ذكر حجج القول الثاني في أصل العدالة و تظهر فيهم مروّته و قول الكاظم عليه السّلام في حديث هشام لا دين لمن لا مروّة له و لا مروّة لمن لا عقل له و قوله عليه السّلام في خبر عامر الطّائي الوارد في علامات المؤمن من عامل الناس فلم يظلمهم و حدّثهم فلم يكذّبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته و كملت مروّته و ظهر عدله و وجب اخوّته و أنت خبير بقصور هذه الأخبار عن افادة اعتبار المروّة في العدالة الخامس صحيح ابن ابى يعفور المتقدّم تمسّك بكلّ فقرة منه بعض بالتقريب الّذي ذكره الماتن (- ره-) و يندفع الجميع بانّ المنساق و المتبادر من الفقرات المذكورة انّما هو ممّا لا مساس له بالمروّة لأنّ الظّاهر من كونه معروفا بالسّتر انّما هو معروفيّته يتصور المعاصي لا مطلق العيوب حتّى ما لو كانت عرفيّة و كذا الظّاهر المتبادر من كفّ البطن و الفرج خصوصا في كلمات أهل العصمة عليهم السّلام و من اقتفى أثرهم من أهل الشرع انّما هو الكفّ عن الحرام فلا يدلّ شي ء من الفقرات المذكورة على اعتبار الاجتناب من منافيات المروّة في العدالة هذا مجمل الجواب و توضيحه ما في المتن

قوله طاب ثراه الثّالثة قوله عليه السّلام و الدال على ذلك (- اه-)

الموجود في الرّواية و الدّلالة دون و الدّال و المعنى واحد و كذا في الرّواية ساترا لجميع عيوبه بدل ساترا لعيوبه و على كلّ حال فالتقريب تعميم العيوب الشرعيّة و العرفيّة

قوله طاب ثراه لا يعتبر في العدالة تركه و لا في طريقها ستره (- اه-)

هكذا في نسخة مصحّحة و في سائر النّسخ تركها و سترها و الأوّل هو الصّحيح لانّ مرجع الضّمير كلمة غيرهما

ص: 265

قوله طاب ثراه و كيف كان فالمتّبع هو الدّليل و ان لم يذهب اليه الّا قليل و قد عرفت الأدلّة (- اه-)

لا يخفى عليك انه لم يذهب منه الّا نقل أدلّة القول الأوّل و امّا باقي الأقوال فلم يسبق منه إشارة إلى أدلّتها و لا إلى أجوبتها مع انّ أدلّة سائر الأقوال ان تمّت صارت حاكمة على أدلّة القول الأوّل فكان يلزمه التعرّض لها و قد سبق منّا نقل حجّة القول الثّاني في ذيل تكلّمه على صحيحة ابن ابى يعفور و يأتي نقل حجّة القول بكونها عبارة عن حسن الظّاهر عند تعرّضه (- قدّه-) لبعض أدلّته فيما يأتي إنشاء اللّه (- تعالى-) و لا بأس بنقل أدلّة القول بكونها عبارة عن الإسلام و عدم ظهور الفسق و أجوبتها ليتمّ ما ذكره الماتن (- ره-) فنقول هي أمور أحدها إجماع الخلاف و قد تقدّمت عبارته عند نقل هذا القول كما مرّت المناقشة في إرادته هذا القول من عبارته و على فرض التنزّل فمثل هذا الإجماع الموهون بالشهرة على الخلاف لا اعتماد عليه و كيف يستدلّ بفعل الصّحابة و التّابعين و من والاهم مع ما شوهد منهم من ردّ شهادة سادة المؤمنين و قبول شهادة أعداء الدّين و عن (- يب-) انّ أبا يوسف ردّ شهادة ابن ابى يعفور و قال إنّك رافضيّ مع علمه بأنّه صدوق فبكى و قال نسبتني إلى قوم أخاف ان أكون منهم فقبله و دعوى استقرار طريقة الفرقة النّاجية على قبول شهادة أبناء جنسهم و أهل نحلتهم من غير فحص عن الملكة ممنوعة أشدّ المنع بل في الجواهر إمكان دعوى تبيّن فساده بالإجماع المحصّل بملاحظة كلام المتقدّمين من الأصحاب ثمَّ حمل كلام الشيخ (- ره-) على انّ مراده كبعض الاخبار انّه لا يحتاج الى الفحص و التفتيش حتّى يقف انّ الرّجل لا ذنب له باطنا بل يكفى عدم ظهور الفسق بعد الخلط و الاختبار و ناقش في الإجماع المذكور بمخالفته لفتواه في النّهاية بلفظ صحيحة ابن ابى يعفور في معنى العدالة الثّاني أصالة الصّحة في أفعال المسلمين و أقوالهم الّتي هي من الأصول المسلّمة المنصوصة و هي مستلزمة للحكم بأنّه لم يقع منه ما يوجب الفسق فيكون عدلا لعدم الواسطة بينهما و قد فرض نفى الشّارع لأحدهما فتعيّن الأخر و قد تفسّر هذه الأصالة بالظّهور فيقال انّ الظّاهر من حال المسلم ان لا يترك الواجبات و لا يفعل المحرّمات و لهذا لو نسبه الى خلاف ذلك يفسق و يعذّر و فيه ما حقّقناه في محلّه من انّ أصالة الصّحة الجارية في أفعال العباد لا تثبت امرا و لا يترتّب عليها اثر سوى الصّحة الفاعليّة لا الفعليّة اى نفى المعصية عن العامل من حيث انّه عامل و انّه ليس في فعله هذا بعاص ربّه و مخالفا لأمره و من البيّن انّ إثبات هذا المعنى لا ينفعه كيف و هذه الأصالة جارية في اعمال الفسّاق و الظّلمة ممّن نعلم بعدم كونهم عدولا بل هم أصحاب ملكات أنحاء الفسوق و أنواع المعاصي و مع ذلك تجري في حق أفعالهم و أقوالهم المجهولة الحال أصالة الصّحة فإن كانت الأصالة نافعة لإثبات العدالة فلم لا ينفع في حقّ هؤلاء و ليس ذلك الّا لعدم صلاحيّتها لإثبات الملكة و عدم قيام دليل على اعتبارها فيما زاد على عدم صدور المعصية من العامل و لذا اقتصرنا في إثبات أصالة الصّحة في العقود و الإيقاعات الّتي يحكمون فيها من جهتها بالصّحة الواقعيّة و يعدّون من جهتها مدّعى الفساد مدّعيا على التمسّك بالإجماع إذ لم تف لإثباتها بهذا المعنى الأخبار الواردة في ذلك المضمار فلاحظ بعين الاعتبار الثّالث الأخبار فمنها صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران قال فقال إذا كان أربعة من المسلمين ليسوا يعرفون بشهادة الزّور أجيزت شهادتهم جميعا و أقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه انّما عليهم ان يشهدوا بما أبصروا و علموا و على الوالي ان يجيز شهادتهم الّا ان يكونوا معروفين بالفسق و منها ما رواه الصّدوق (- ره-) بإسناد صحيح ظاهرا عن عبد اللّه بن المغيرة قال قلت للرّضا عليه السّلام رجل طلّق امرئته و اشهد شاهدين ناصبيّين قال إن كان ممّن ولد على الفطرة و عرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته قال في الذّخيرة و ليس في اسناد هذا الخبر من يتوقّف في شأنه إلّا أحمد بن محمّد بن يحيى الّذي روى عنه الصّدوق (- ره-) و هو غير موثّق في كتب الرّجال و الظّاهر انّ ذلك غير قادح في صحّة الرّواية لأنّ أحمد بن محمّد المذكور من مشايخ الإجازة و ليس بصاحب كتاب و النّقل من الكتب الّتي هي الواسطة في نقلها رعاية لاتّصال الاسناد خصوصا اخبار الفقيه فإنّها منقولة من الكتب المعتمدة كما صرّح به مؤلّفه و الكتب الّتي كانت

معروفة في زمانهم فلا يضرّ ضعف مشايخ الإجازة انتهى و وجه دلالته على المطلوب على ما نبّه عليه الوالد العلّامة أعلى اللّه مقامه انّ الضّمير في كان راجع الى الشّاهد المفهوم من كلام السّائل دون النّاصبيّين و الّا كان اللازم ان يثنّى الضّمير فيكون المراد إعطاء قاعدة كلّية هي انّ الشّاهد إن كان معروفا بالصّلاح بعد إن كان ممّن ولد على الفطرة قبلت شهادته و الّا فلا و النّاصبي لا يكون ممّن يعرف بالصّلاح إذ لا فساد أعظم من النّصب و مساق الكلام مشعر بانّ الجواب قد ورد في مقام التقيّة فجمع عليه السّلام بين بيان الواقع و بين التقيّة و منها ما رواه الصّدوق (- ره-) بالإسناد السّابق عن ابى الحسن الرّضا عليه السّلام قال من ولد على الفطرة و عرف بصلاح في نفسه جازت شهادته و منها ما رواه الشيخ (- ره-) في الموثّق عن عبد اللّه بن ابى يعفور عن أخيه عبد الكريم عن أبي جعفر عليه السّلام قال تقبل شهادة المرية و النسوان إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات معروفات بالسّتر و العفاف مطيعات للأزواج تاركات البذاء و التبرّج الى الرّجال في أنديتهم و منها ما رواه الشيخ (- ره-) في الصّحيح عن محمّد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سالته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ أ يحلّ للقاضي ان يقضى بقول البيّنة من غير مسئلة إذا لم يعرفهم قال فقال خمسة أشياء يجب على النّاس الأخذ بها بظاهر الحكم الولايات و المناكح و المواريث و الذّبائح و الشّهادات فاذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه و منها ما رواه الصّدوق (- ره-) في محكي المجالس عن صالح بن علقمة عن أبيه انّه قال للصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام يا ابن رسول اللّه (- ص-) أخبرني عمّن تقبل شهادته فقال يا علقمة كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته قال فقلت تقبل شهادة مقترف الذّنوب فقال يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترف بالذّنوب لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء و الأوصياء صلوات اللّه عليهم أجمعين لأنّهم هم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة و السّتر و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنبا و منها خبر عبد الرّحيم القصير قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول إذا كان الرّجل لا تعرفه بأم النّاس يقرأ القران فلا تقرء خلفه و اعتدّ بصلوته و منها ما عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال لشريح و اعلم انّ المسلمين عدول بعضهم على بعض الّا محدودا بحدّ لم يتب منه أو معروف بشهادة زور أو ظنين و منها مرسل ابن ابى عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوم خرجوا من خراسان و كان يؤمّهم رجل فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهوديّ قال عليه السّلام لا يعيدون الى غير ذلك من

ص: 266

الأخبار الّتي هي أكثرها قاصر السّند و جميعها قاصر الدّلالة لأنّها لم تنطق بكون العدالة عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور الفسق لإمكان كون ذلك من كواشف العدالة لا نفسها مع انّ في دلالتها على الكاشفيّة (- أيضا-) كلاما يأتي إنشاء اللّه (- تعالى-) عند الكلام في كواشف العدالة كما يأتي إنشاء اللّه تعالى توضيح الجواب عن هذه الأخبار و نقل وجوه أخر احتجّ بها للكاشفيّة يأتي نحوه هنا مع جوابه و من الغريب التمسّك بالخبر الأخير فإنّه نصّ في عدم اعتبار الإسلام (- أيضا-) في العدالة لو ابقى على ظاهره و لو حمل على كون العدالة شرطا علميّا في الامام كان أجنبيّا عمّا نحن فيه و ربّما استدلّ بعض الأواخر لتزييف هذا القول بوجوه أحدها الأخبار المشترطة في قبول شهادة الشّاهد كونه عدلا و في بعضها كونه خيّرا و ردّ بأنّ أصحاب هذا القول لا ينكرون اشتراط العدالة بل يكتفون بالحكم بثبوتها بمجرّد الإيمان مع عدم ظهور الفسق لأنّ العدالة ليست شرطا عندهم بل الفسق مانع كما تخيّل أو ان العدالة عندهم عبارة عن ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق و إن كان هو محتملا في كلامهم بل يومي اليه بعض أدلّتهم الثّاني انّ لازم هذا القول هو الحكم بعدالة المخالفين و فساده أظهر من ان يحتاج الى بيان و فيه انّ هذا القائل اعتبر عدم ظهور الفسق و اىّ فسق أعظم و أوزر من إنكار الولاية الثّالث انّ قوله (- تعالى-) وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ صريح في اعتبار أمر أخر وراء الإسلام لأنّ الخطاب فيها للمسلمين و ضمير منكم راجع إليهم فيدلّ على اعتبار إسلام الشّاهدين و يكون قوله (- تعالى-) ذَوَيْ عَدْلٍ دالّا على اعتبار صفة العدالة بعد حصول الإسلام فهي أمر زائد على مجرّد الإسلام و دعوى انّ غاية ما يدلّ عليه الآية اعتبار الاتّصاف بأمر زائد على مجرّد الإسلام فنحمله على عدم ظهور الفسق كما صدرت من شيخ (- لك-) و غيره مدفوعة بأنّه لا ريب في انّ المتبادر من لفظ العدالة لغة و عرفا و شرعا أمر وجوديّ و صفة ثبوتيّة لا مجرّد أمر عدميّ فإذا قيل فلان عدل أو ذو عدالة فإنّما يراد به انّ له أوصافا وجوديّة توجب صدق هذا العنوان عليه كما لا يخفى الرّابع انّ العرف و اللّغة المحكّمين في ألفاظ الكتاب و السّنة ينفيان تحقّق العدالة بمجرّد ذلك فضلا عن ان يحقّقا وجوده و ردّ بأنّ العدالة من المعاني الشرعيّة فيرجع فيها اليه و قد سمعت ما دلّ على انّها عبارة عن ذلك فيه و لا مدخل للعرف و اللّغة هنا و فيه ما مرّ من عدم تماميّة دليل هذا القول فالأولى الجواب بانّ الشرع ورد بأنّها الملكة الرّادعة فلا يبقى مجال للرّجوع الى العرف و اللّغة

قوله طاب ثراه منها ما ذكره المولى الأعظم (- اه-)

قد سبقه في هذا الإشكال السيّد صدر الدّين و سبق السيّد (- ره-) الشهيد الثّاني (- ره-) حيث لوّح اليه بقوله في (- لك-) بعد نقل القول بحسن الظّاهر و جعله له امتن دليلا و أكثر رواية ما لفظه و حال السّلف تشهد به و بدونه لا يكاد تنتظم الأحكام للحكام خصوصا في المدن الكبيرة و القاضي القادم إليها عن بعد انتهى و قد تفوّه بذلك صاحب (- ئق-) (- ره-) (- أيضا-) حيث قال انّ العدالة بمعنى الملكة لا تكاد توجد إلّا في المعصوم عليه السّلام أو من قرب من مرتبته كما لا يخفى على ذوي الأفهام مع انّه لا يمكن الاطلاع عليها الّا بعد مدّة مديدة و مخالطة أكيدة و تعمّق شديد و ربّما لا يتيسّر ذلك و به ينسدّ أبواب الأمور المشروطة بالعدالة مثل الجمعات و الجماعات و الفتاوى و الشهادات انتهى

قوله طاب ثراه و الجواب عن ذلك كلّه (- اه-)

لقد أجاد (- قدّه-) في هذا الجواب و أفاد و اتى بما هو الحق المراد و ربّما قرّرنا الجواب في منتهى المقاصد قبل العثور على جواب الماتن (- ره-) هذا بانّ المتفوّه بهذا الإشكال كأنّه لم يتحقّق مذهب الأصحاب كما هو حقّه و مستحقّه فزعم انّ العدالة عند القائل بالملكة عبارة عن قوّة قويّة و ملكة راسخة رادعة متلوّا أخرها العصمة و ليس الأمر (- كك-) بل لا يقول به احد من علمائنا الأخيار و لا يدلّ عليه شي ء من الأخبار بل المراد بها ثبوت حالة و صفة و قوّة للنّفس و حصول خوف و خشية من اللّه تعالى في القلب بحيث يترك بسببها المعصية عند ابتلائه بها خشية متعارفة على حالة متعارفة ابتلاء متعارفا و لا يراد منها حصول حالة أو ملكة فيه توجب تعسّر وقوع المعصية منه في أيّ مرتبة فرضت و بأيّ حالة كان فلذا قيل لربّ نوع العدول المحقّق الأردبيلي (- ره-) على ما نقل ما ترى فيما لو اجتمعت في خلوة مع أمرية أجنبيّة لابسة أحسن الزّينة متطيّبة بأحسن الطيب و كانت في غاية الجمال و لم يمكن تحليلها و أرادت منك الفعل القبيح فاستعاذ باللّه تعالى من ان يبتلى بذلك و لم يستطع ان يزكّى نفسه و بالجملة العبرة انّما هي بالحالة المتعارفة الرّادعة على سبيل المتعارف فلا يقدح فيه عدم تمالك الإنسان نفسه في بعض الأحيان لفرط هيجان القوّة الشهويّة أو الغضبيّة مثلا بحيث لا يتمكّن من زجر النّفس فيه الّا من هو كالكبريت الأحمر أو أعزّ منه و من البيّن انّ الحالة و الملكة المذكورة الّتي بها يدافع الإنسان مع الهوى في أوّل الأمر و ان صارت مغلوبة في أخرها أحيانا غير عزيزة في النّاس بل شائعة و الحاصل انّ دعوى المناقش ندرة حصول الملكة إن كانت ناظرة إلى المرتبة العليا منها كما استظهرناها من كلامه فهي نادرة الحصول جزما و اناطة الشرعيّات عليها موجبة لاختلال النّظام قطعا و لكن الأصحاب لا يقولون به فلا يلزمهم اللّوازم الفاسدة الّتي ذكرها المستشكل و إن كانت ناظرة الى ما ادّعيناه و استفدناه من كلمات الأصحاب فليس فيه ندرة و لا في إناطة الأمور عليه عسر و لا اختلال بل في الاقتصار على ما دونه تضييع للحقوق و إخلال بالنظام هذا كلّه هو الجواب عن الإشكال في أصل معنى العدالة و امّا الإشكال في طريقها و الاطلاع عليها فيندفع بما سيأتي إنشاء اللّه تعالى من عدم انحصار طريقها في العلم كي يصعب تحصيلها بل يكتفى بالظنّ الاطمئناني و الوثوق بل دونهما و ليس في تحصيله صعوبة و لا اختلال ثمَّ انّ الظاهر من اشكال الوحيد (- قدّه-) و من سبقه و لحقه هو العدول عن المذهب المشهور الى القول بأنّها عبارة عن حسن الظاهر فرارا عن الإشكال و (- ح-) فيتّجه عليهم ما تقدّم عند نقل الأقوال من الماتن (- ره-) و منّا و يأتي عن قريب إيراده على هذا القول مضافا الى انّ أصحاب القول بأنّ العدالة ملكة يجعلون حسن الظّاهر بل مطلق الظنّ طريقا إليها امّا من باب الوصف أو من باب التعبّد و لا ريب في شيوع وجود هذا الطريق و عدم النّدرة فيه و بعد ذلك فأيّ ثمرة للنزاع في انّها عبارة عن حسن الظّاهر أو انّها عبارة عن الملكة و حسن الظاهر طريق إليها اللّهمّ الّا ان يقول المستشكل انّ العدالة عبارة عن حسن الظّاهر و ان علم تخلّفه عن الواقع كما قضيّة إطلاق حكاية هذا القول و عليه تتحقّق الثّمرة بينهما الّا انّ هذا القول بمكان من السّخافة لا يخفى

[في ذكر طرق معرفة العدالة]

قوله طاب ثراه قال بعض السّادة (- اه-)

الظّاهر انّ المراد به صاحب الضّوابط (- ره-) في دلائله و لقد أجاد (- قدّه-) فيما أفاد فاذا قوبل ما سمعته من المولى الوحيد (- قدّه-) بهذا أنتج كون ما عليه المشهور من كون العدالة ملكة و حسن الظاهر بل مطلق الظن طريقا إليها جمعا بين الحقّين و مراعاة للجانبين كما لا يخفى

قوله طاب ثراه و اهراقهم (- اه-)

هذا من غلط الناسخ و الموجود في نسخة مصحّحة ابدال هذه الكلمة بكلمة و احراقهم بالحاء المهملة

قوله طاب ثراه فكما انّ علماء الأخلاق عبّروا عن تعديل القوى الثلث بالعدالة (- اه-)

قد نظرنا الى شرح هذه العبارة

ص: 267

في نقلنا تعريف العدالة على مذاق علماء الأخلاق في أوائل الرّسالة بعد نقل معناها اللّغوي فلاحظ ما هناك و تدبّر

قوله طاب ثراه مع ان حسن الظّاهر (- اه-)

هذا جواب أخر أشرنا اليه مع ما ربّما يتّجه عليه و ردّه آنفا

قوله طاب ثراه ينافي كون العدالة هي الملكة (- اه-)

وجه المنافاة ظاهر ضرورة أنّ الملكات ليست من الأحوال الّتي تحصل و تزول بسرعة بل حصولها يحتاج الى التمرّن و خروجها كدخولها فلا بدّ على القول بأنّها ملكة من التزام عدم الزّوال بمجرّد صدور المعصية و على فرض الالتزام بالزّوال لا بدّ من عدم القول بالرّجوع بمجرّد التّوبة كما هو ظاهر

قوله طاب ثراه و الجواب ما تقدّم من انّ العدالة ليست عندهم هي الملكة (- اه-)

قد قرّرنا في منتهى المقاصد الجواب قبل العثور على تقرير الماتن (- ره-) هذا بانّ قدح صدور المعصية في العدالة أمر لا يمكن إنكاره كيف و قد انخدع من جهة ذلك أهل القول بأنّ العدالة عبارة عن حسن الظّاهر و نطقت بالقدح اخبار الباب و عبارات الأصحاب فلصدور المعصية مضرّة لا محالة في العدالة على الأقوال فيها سواء قلنا بأنّ العدالة عبارة عن الملكة الرّاسخة الرّادعة فعلا المانعة (- كك-) عن صدور المعصية كما لا يبعد استظهاره من الأخبار و من كلمات جماعة من الأخبار حيث يصرّحون بأنّها تزول بالمعصية أو قلنا بأنّها لا تزول بمخالفة مقتضاها في بعض الأحيان قضاء لحقّ ظواهر جملة من العبائر انّها عبارة عن الملكة المقتضية لا بقيد الخلوّ عن المعارض و المانع و بالجملة إنكار كون صدور المعصية قادحا في العدالة امّا بذهاب المقتضى لها ان قيل بأنّها عبارة عن الملكة الرّادعة فعلا المقتضية للتقوى و المروّة الغير المجامعة بما يمنع عن مقتضاها أو لطريان المانع عن تأثيرها ان قيل انّها عبارة عن مجرّد الملكة ممّا لا وجه له بل قادحيّة من مسلّمات القائلين بأنّها عبارة عن الإسلام و عدم ظهور الفسق ان ثبت مثل هذا القول لهم فما ظنّك بأصحاب القول بأنّها ملكة نعم في زوالها على المسلكين فرق من جهة انّه على القول بأنّها عبارة عن الملكة الرّادعة فعلا زوال حقيقي و على القول الأخر زوال تعبّدي قد تعبدنا به من جهة إجماع و نحوه و امّا عودها بالتّوبة فهو على المسلك الأخير حقيقيّ لعدم طريان الزّوال عليها حقيقة و انّما عرض عليها حكم الزّوال قبل التّوبة عروضا تعبّديّا و بالتوبة يزول هذا العارض فتبقى الملكة الرّاسخة سليمة عن القادح و امّا على المسلك الأوّل فلنا ان ندّعي الرّجوع حقيقة بدعوى انّ النّدم على المعصية عقيب صدورها يعيد الحالة السّابقة و هي الملكة المتّصفة بالمنع إذ لا فرق حقيقة بين تمنّع ملكته عن ارتكاب المعصية و بين من توجب عليه تلك الملكة النّدم على ما مضى منه فحالة الندم بعينها هي الحالة المانعة فعلا فانّ الشّخص حال النّدم على المعصية يعسر صدور المعصية منه فهو متّصف بالملكة الرّادعة فعلا و لنا ان ندّعي الرّجوع تعبّدا بمعنى انّ الشّارع تعبّدنا بحكم قوله عليه السّلام لا كبيرة مع الاستغفار بأنّ التّوبة تزيل المعصية بنفسها و خواصّها و لوازمها الّتي منها القدح في العدالة و الحاصل انه لا منافاة بين القول بأنّ العدالة ملكة و بين القول بزوالها بنفسها أو بحكمها بصدور المعصية بحكم الأخبار و الإجماع و برجوعها بالتّوبة تعبّدا بحكم ما دلّ على انّه لا كبيرة مع الاستغفار أو حقيقة و واقعا حسبما بيّناه

قوله طاب ثراه فتأمّل

لعلّ وجه الأمر بالتأمّل هو الإشارة إلى تزييف القول باتّصاف مرتكب المعصية بالملكة بمجرّد النّدم و تعيّن القول بكون رجوع العدالة بالتّوبة من باب التعبّد الشرعي على الوجه الّذي سمعت تقريره منّا

قوله طاب ثراه لانّ المعدّل انّما ينطق عن علم (- اه-)

و بعبارة أخرى المعدّل ليس له ان يشهد بالعدالة إلّا بعد علمه بها كغيرها من سائر أفراد المشهور به فاذا فرض شهادته بها و هي على هذا القول عبارة عن الملكة يتعارض قوله مع قول الجارح أشدّ معارضة فكيف يرجّح عليه بل الترجيح لا يستقيم الّا على القول بأنّها عبارة عن حسن الظاهر

قوله طاب ثراه و أنت خبير

الى قوله فتأمّل هذا ردّ لما جعله المستشكل مرشدا الى مطلوبه و قوله بعد هذا و الجواب جواب عن أصل الإشكال و أشار بالأمر بالتأمّل الى انّ الجرح انّما يناقض العصمة دون العدالة ضرورة أنّ المعدل و إن كان يشهد بكونه ذا ملكة في نفس الأمر و الواقع الّا انّ الملكة من الواقعيّات الّتي قد يتخلّف مقتضاها بارتكاب المعصية بخلاف العصمة فإنّه لا تخلّف لمقتضاها دائما أبدا

قوله طاب ثراه و الجواب

هذا جواب عن أصل الإشكال و قد قرّرنا الجواب في منتهى المقاصد قبل العثور على هذا الجواب بان تنزيل كلام المشهور على انّ العدالة عندهم حسن الظّاهر قد ظهر ضعفه ممّا مرّ عند تحرير الأقوال من عدم تعقّل القول بكون الملكة عبارة عن حسن الظاهر و عدم مساعدة كلماتهم عليه و امّا سائر فقرات كلام المستشكل فيظهر ضعفه بما حرّرناه في مسئلة تعارض الجرح و التعديل من كتاب القضاء و مجمل الجواب انّ ثبوت الملكة لشخص لا ينافي صدور الفسق منه إذ ليست الملكة عبارة عن العصمة حتّى لا تجامع الفسق و (- ح-) فالمعدّل انّما يشهد بكونه ذا ملكة مانعة عن ارتكاب الكبائر و الجارح يشهد بصدور المعصية منه المزيلة للملكة فلا تنافى بينهما على انا لو تنزّلنا عن ذلك نقول انّ الإشكال انّما كان يتّجه ان لو كان مسئلة تقديم الجارح على المعدّل من المسلّمات حتّى ينافي تسالمهم على التقديم هناك على قولهم بالملكة هنا و ليس (- كك-) بل الشيخ (- ره-) في (- ف-) صرّح هناك بالتوقّف بل هو الّذي تقتضيه القاعدة الأوّلية لأنّ الأصل في تعارض البيّنتين هو التّساقط و عدم اعمال شي ء منهما و التوقّف و لذا بنينا على ذلك في تلك المسئلة و لو لا طول الكلام فيها لتعرّضنا لها هنا فعليك بمراجعة ما حرّرناه في منتهى المقاصد حتّى تزداد بصيرة و قد حرّرنا ذلك في شرح أواخر المسئلة الثّامنة في حكم معرفة الحاكم الشّاهدين و عدم معرفته من النّظر الثّاني في الآداب من كتاب القضاء من الشّرائع

قوله طاب ثراه و منها ما ذكره في مفتاح الكرامة (- اه-)

ليته (- قدّه-) عيّن محلّ ذكره لهذا الإشكال فإنّي بعد فضل التتبّع في مظانّه من مفتاح الكرامة لم أقف على عين منه و لا اثر نعم له كلام في مبحث الجماعة ربّما يظهر منه الميل الى القول بحسن الظّاهر في تفسير العدالة قد عدل عنه بعد ذلك قال (- ره-) في ذيل الكلام انّه لو علم بعد الصّلوة فسق الإمام أو كفره أو كونه محدثا فلا اعادة بعد نقل الشهرة و الاتفاق و الإجماع عليه من جمع و ذكر ما قيل فيه أو يقال ما لفظه و ليعلم انّ كلامهم و كذا الأخبار في هذا المقام كالصّريح في الاكتفاء بالظنّ في العدالة و انّها حسن الظّاهر الّا ان تقول انّ هذا مبنىّ على انّه قد اجتهد في معرفة عدالته قبل الصّلوة و حصّلها على الوجه المعتبر و هي المعاشرة الباطنة و شهادة عدلين أو الشّياع و نحو ذلك ثمَّ تبيّن الخلاف امّا إذا قصّر فانّ صلوته باطلة انتهى فإن كان نظر الماتن (- ره-) في النّسبة الى هذه العبارة فلا يخفى عليك عدم انسياقها للإشكال على القول بالملكة أوّلا و عدوله ثانيا و إن كان نظره الى غير ذلك فلم نقف عليه

قوله طاب ثراه مع انّ صحّة صلاة المأموم ليست اجماعيّة

هذا ممّا اعترف به المستشكل (- أيضا-) بناء على صحّة النّسبة حيث

ص: 268

نقل الخلاف عن السيّد (- ره-) و الإسكافي (- ره-) كليهما و الى خلافهما نظر من وصف عدم الإعادة بالشهرة و كونه خيرة الأكثر

[في نقل كلمات من حكى عنه بأن العدالة حسن الظاهر و عدم مطابقته]

قوله طاب ثراه و حيث انّه حكى هذا القول عن خصوص بعض القدماء (- اه-)

مقتضى سياق العبارة رجوع اسم الإشارة كضمير حكايته في العبارة المتّصلة بهذه العبارة إلى القول بكون العدالة عبارة عن حسن الظّاهر و مقتضى نقله لعبارة المقنعة و تكلّمه فيها هو رجوعهما الى القول بكونها هي الإسلام و عدم ظهور الفسق لانّ المنسوب إلى عبارة المقنعة منه (- قدّه-) و من غيره هو هذا القول لكن مقتضى نقله لعبارة (- ية-) هو رجوع الضّمير و اسم الإشارة إلى القول بحسن الظّاهر فعبارة المتن هنا لا تخلو من تشويش

قوله طاب ثراه فلا بأس ان نشير الى عدم مطابقة هذه الحكاية للواقع (- اه-)

هذا غير مناقض لما مرّ منه (- قدّه-) عند نقل الأقوال من نسبة القول بكون العدالة عبارة عن الإسلام و عدم ظهور الفسق إلى الإسكافي و المفيد و (- ف-) لانّه نسبه هناك إلى المحكى عن هؤلاء و تصدّى هنا لإبطال الحكاية غايته كون ما ارتكبه خلاف التّرتيب فكان يقتضي ذكر ما هنا هناك لكن لا يخفى عليك كون وضع هذه الرّسائل السّت على عدم التّرتيب و النّظم عكس المكاسب و البيع و الخيارات و لعلّ الوجه عدم اعادته النّظر في هذه ثانيا بعد ان حرّرها في ابتداء الاشتغال كما يحكى

قوله طاب ثراه و لا يحضرني كلام غيرهم

أقول ليته استحضر عبارة (- ف-) التي مرّ منا نقلها عند نسبته القول المذكور إلى المحكي عنه حتّى يجيب عنها بأنها مسوقة لبيان ترتيب آثار العدالة على من علم إسلامه و لم يعلم فسقه لأصالة العدالة في المسلم و اين ذلك من كون نفس الإسلام و عدم ظهور الفسق عدالة بل قوله (- ره-) الّا ان يجرح المحكوم عليه فيهما بان يقول هما فاسقان (- فح-) يجب عليه البحث (- اه-) صريح في انّ العدالة عنده شي ء غير الإسلام و عدم ظهور الفسق و الّا لكان الاستثناء المذكور في كلامه لغوا و ليته استحضر عبارة الإسكافي الّتي أسبقنا نقلها هناك و أجاب بأنّ الفقرات المذكورة فيها ظاهرة في انّه بصدد بيان ما به ينكشف العدالة لا بيان حدّ العدالة فلاحظ و تدبّر

قوله طاب ثراه و سيأتي ما يمكن ان يوجّه به هذا القول (- اه-)

إن كان المشار اليه باسم الإشارة القول بكون العدالة عبارة عن حسن الظّاهر كان مراده بما يأتي جعل حسن الظّاهر طريقا تعبّديا إلى الملكة

قوله طاب ثراه و ان استدلّ له بعض متأخّري المتأخّرين (- اه-)

قد تصدّى والدي الشيخ العلّامة أنار اللّه برهانه و أعلى في فراديس الجنان مقرّه و مقامه لبيان مستند هذا القول فقال انّ حجّته الأخبار المستفيضة لكنّها لا تخلو عن اختلاف في المؤدّى كما انّ الّذي يظهر من كلماتهم من الأقوال في تحرير هذا القول مختلفة فمنهم من يعطى كلامه انّ مراد القائل بهذا القول انّما هو كون العدالة عبارة عن حسن الظّاهر بنفسه و (- ح-) نقول إن كان مراد القائل هو هذا المعنى أمكن الاستدلال عليه بقول الصّادق عليه السّلام في رواية أبي بصير لا بأس بشهادة الضّيف إذا كان عفيفا صائنا و قوله عليه السّلام في رواية العلاء بن سيابة عن الملّاح و المكاري و الجمّال لا بأس بهم تقبل شهاداتهم إذا كانوا صلحاء و ما عن أمالي الصّدوق (- ره-) بسنده عن الكاظم عليه السّلام من صلّى خمس صلوات في اليوم و اللّيلة في جماعة فظنّوا به خيرا و أجيزوا شهادته و هذه الرّواية و ان تضمّنت بعض حسن الظّاهر الّا انّه يتمّ المطلوب بعدم القول بالفصل بين البعض المذكور في الرّواية و غيره و ما عن الهداية للشيخ الحرّ (- ره-) روى انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان إذا تخاصم اليه رجلان الى ان قال و إذا جاؤا بشهود لا يعرفهم بخير و لا شرّ بعث رجلين من خيار أصحابه يسئل كلّ منهما من حيث لا يشعر الأخر عن حال الشّهود في قبائلهم و محلّاتهم فاذا أثنوا عليهم قضى (- ح-) على المدّعى عليه و ان رجعا بخبر شين و ثناء قبيح لم يفضحهم و لكن يدعو الخصمين الى الصّلح و ان لم يعرف لهما قبيلة سئل عنه الخصم فان قال ما علمت الّا خيرا أنفذ شهادتهما و منهم من صرّح بانّ مراد من قال بهذا القول اعنى اعتبار حسن الظّاهر انّما هو كونه طريقا إلى الملكة و كاشفا عنها فان كان مراد القائل بذلك هذا المعنى صحّ الاستدلال عليه بما عن سيّدنا العسكري عليه السّلام في تفسيره في قوله تعالى ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تميزه فما كلّ صالح مميّز و ما كلّ محصّل مميّز صالح و انّ من عباد اللّه لمن هو أهل لصلاحه و عفّته و لو شهد لم تقبل شهادته لقلّة تمييزه فاذا كان صالحا عفيفا مميّزا محصّلا مجانبا للمعصية و الهدى و الميل و التّحامل فذلك الرّجل الفاضل و لا ريب في انّ اجتماع جميع هذه الأوصاف لا يتمّ الّا على الملكة و لا فرق بين الشّهادة و الإمامة كما صرّح به جملة من فقهائنا و منهم من صرّح بانّ حسن الظّاهر و إن كان معتبرا من باب الكشف و الطريقيّة لكن المكشوف عنه ليس هي الملكة و هو الّذي يعطيه كلام صاحب الجواهر (- ره-) و حاصل ما ذكره (- ره-) انّه لا يمكن الاطّلاع من أفعال الرّجل و أقواله و أحواله الّا على بعضها و انّه لا يمكن العلم بحصول ملكة الاجتناب عن جميع المعاصي بالاطّلاع على وقوع ترك جملة منها و لكن الإنصاف انّ هذا مخالف للوجدان فقد حصل لنا الظنّ بل الاطمئنان بكون جملة من العلماء الّذين منّ اللّه علينا بالتشرف بملاقاتهم من أهل الملكة بل بكون بعض من لم يندرج في سلك العلماء (- كك-) و الوقوع أخصّ من الإمكان انتهى كلام الوالد علا مقامه و أقول امّا الكلام في كون حسن الظاهر كاشفا عن العدالة فيأتي إنشاء اللّه تعالى عند الكلام فيما تثبت به العدالة و تنكشف به و امّا القول بكون العدالة عبارة عن حسن الظاهر فقد أغرب جمع من متأخّري المتأخّرين كسيّدنا (- ره-) في الرّياض و شيخ الأواخر (- ره-) في الجواهر بل و صاحب (- لك-) و جماعة حيث استدلّوا لذلك بأخبار القول بالملكة الواضحة الدّلالة في كون العدالة من الأوصاف الباطنيّة و الكيفيّات الواقعيّة فلم يرضوا بأصل دعوى وجود مثل هذا القول حتّى جعلوا دليل المشهور دليلا له بل اختار صاحب الجواهر (- ره-) هذا المذهب اتكالا عليه و اقتصر في تقريب الاستدلال بالرّوايات على مجرّد دعوى ظهورها في ردّ القول بالملكة و أنت بعد الإحاطة بما مرّ تعرف ما في هذه الدّعوى و غاية ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال لهم بهذه الرّوايات وجوه أحدها ان ظاهر هذه الرّوايات شرطيّة حسن الظّاهر في قبول شهادة الرّجل و صحّة الصلاة خلفه و غير ذلك و ظاهر ما دلّ على اعتبار العدالة في قبول الشهادة و صحّة الايتمام انّها (- أيضا-) شرط فيهما فمقتضى ظاهر الدّليلين انّهما شرطان مستقلّان كالذكورة و الإيمان و لكن ضمّهما إلى الإجماع المحقّق النّافي لكونهما شرطين متغايرين مختلفين يثبت كونهما راجعين

إلى أمر واحد و إرجاع ما دلّ على اشتراط حسن الظّاهر الى اعتبار الاستقامة الباطنيّة غير ممكن لكونه نصّا بالنّسبة الى ما دلّ عليه فلا محيص عن العكس و التزام كون المراد من العدالة الاستقامة الظّاهريّة الّتي يتّصف بها الإنسان في ظاهر الحال و احتمال كون أحدهما مثبتا للطّريق و الأخر لذي الطّريق كما يقوله

ص: 269

أهل الملكة يأباه ظاهر الوجدان و أنت خبير بما في هذا التقريب فإنّه سلوك لغير الطريق إذ الرّوايات السّالفة بين ناطقة بأنّ العدالة عبارة عن الصّفة الباطنيّة من غير تعرّض لحسن الظّاهر و بين جاعلة له مرآة و دليلا إليها و انّها أمر باطني ورائه منكشف به فالجمع بين الدّليلين بكون مفاد أحدهما جعل الطّريق و مفاد الأخر بيان ذي الطريق متعيّن بل ليس هذا من الجمع بل هو عمل بظاهر الأدلّة بل صريحها و استظهار الاتّحاد إن كان ناشيا من الجمع الّذي ادّعاه فواضح الفساد و إن كان من أمر أخر فهو مجرّد دعوى لا دليل عليها إذ ليس في الأدلّة ما يقضى باتّحادهما حتى يتمسّك بظاهره ثانيها انّ للصّيانة و العفّة و الأمانة و مجانبة الهوى و السّتر و الصّلاح و الكفّ و التميّز و الفضل و غيرها مرتبتين و مقامين مرتبة ظاهرا و مرتبة باطنا كما انّ لكتاب اللّه تعالى مراتب و عوالم بحسب عالم اللّوح و عالم الوحي و عالم الكتابة و عالم القراءة و كما انّ حرمة مسّ المحدث الكتاب محمول على العالم الكتبي لانّه يناسب المسّ دون غيره و لذا نزّل قوله عزّ من قائل لا يمسّه الّا المطهّرون عليه (- فكذلك-) لزوم اتكال الغير على صيانة الرّجل و عفّته و ستره و صلاحه و ديانته و أمانته ينبغي ان ينزّل على مرتبتها و عالمها الظّاهري لأنّه الّذي تصل يد الأغيار إليه لا عالمه الباطني و الواقعي لقصور أيديهم عن الوصول اليه و ان هذا الّا حسن الظّاهر فليكن هو الملحوظ في هذه الأخبار دون غيرها و هو المطلوب و أنت خبير بما فيه أوّلا من انّ هذه الصّفات بحسب المتفاهم منها عرفا المنصرف إليه ألفاظها ليست إلّا أمورا معنويّة باطنيّة و مما يظهر منها في الظّاهر هو من أثارها و ثمراتها لا هي بأنفسها و ثانيا من انتقاضه بما إذا علم تخلّف الحالة النّفسانيّة عن الحالة الظّاهرة فإنّ لازم هذا هو الحكم بعدالته أيضا و هو مخالف للإجماع بل الضّرورة و موجب لاجتماع الفسق و العدالة في محلّ واحد و هما متضادّان بالضّرورة و ثالثا من انّ كونها امرا باطنيّا لا يقدح في إمكان الاطّلاع عليها بعد وجود الآثار الظّاهرة لها كالعلم و الجهل و الشجاعة و الجبن و الجود و النخل و التوكّل و التسليم و الصّبر و غيرها من الأخلاق الجميلة و الرّذيلة بل و النّبوة و الإمامة و العصمة و أمثالها من الصّفات الباطنيّة الّتي يمكن الاطّلاع عليها علما بملاحظة أثارها و ما يظهر من أفعال أربابها فضلا عن الظنّ الاطمئناني أو مطلق الظنّ و هذا واضح لا سترة عليه و رابعا من انا لو أغمضنا عن ذلك كلّه نقول انّ هذا المعنى ان استقام و تمَّ فهو انّما يتمّ في بعض الأخبار السّابقة و امّا في بعضها الأخر و لعلّه الأكثر و هو الّذي جعل حسن الظّاهر مرآة و دليلا على العدالة و الحالة الباطنيّة كصحيحة ابن ابى يعفور و غيرها فلا كما لا يخفى و فيه الكفاية و لعلّ الّذي غرّه افتقارها الى المبرز في ترتيب أحكامها و عدم ترتيبها بدونه فزعمها هو و هو كما ترى ضرورة عدم توقّف تحقّقها على بروزها و الّا لزم الدّور نعم ترتيب أحكامها عليها متوقّف على ظهورها كما هو الشّأن في كافّة موضوعات الأحكام سيّما ما كان من قبيل الصّفات الباطنيّة فليس الحال فيما نحن فيه الّا كالحال في التّكاليف الواقعيّة الّتي يتوقّف العلم بها على وجودها قبله و ان توقّف فعليّتها في حق المكلّفين على علمهم بها أو قيام دليل عندهم عليها ثالثها انّ الأخبار و إن كانت ظاهرة في كون حسن الظّاهر طريقا إليها الّا انّ ظاهرها انّه طريق تعبّدي بمعنى انّه يحكم بجميع أحكام العدالة عند الاطلاع على حسن الظّاهر و انّ حسن الظاهر عدل شرعا فالعدالة و إن كانت في الواقع اعتبارها عن استقامة واقعيّة مسبّبة عن الملكة الّا انّ الاستقامة الظّاهريّة قد جعلت طريقا تعبّديّا إليها بحيث كأنّها صارت موضوعا مستقلّا لا تلاحظ فيه الطّريقيّة و لا يلتفت الى ذي الطّريق و لذا يستحقّ إطلاق اسم ذي الطّريق عليه كما يطلق أسامي جميع الموضوعات الواقعيّة كالملكيّة و الزّوجيّة و الطّهارة و النّجاسة و الوقت و القبلة و غيرها على مؤدّيات الطّرق الظّاهريّة كالاستصحاب و أصالة الصّحة و أصالتي العموم و الإطلاق و أصالة الحقيقة و أصالة عدم القرينة و غيرها من الأدلّة التعبّديّة و الحاصل انّه بعد دوران رحى العدالة و ترتيب أحكامها و أثارها مدار حسن الظّاهر وجودا و عدما و عدم النّظر الى وجود الملكة علما أو ظنّا حتّى انّ وجودها الواقعي لا يفيد شيئا

بل يعامل معها مع عدم حسن الظّاهر معاملة عدمها فهو المستحقّ لتسميته عدالة و لتفسير العدالة به لا غيره و بهذا يصطلح الفريقان و ترتفع الثمرة بين القولين من حيث العمل و تتمحّض الثّمرة في العلم و الجواب عنه مضافا الى ما سيأتي إنشاء اللّه تعالى من اعتبار افادة حسن الظّاهر الظنّ بل الوثوق بالملكة و عدم كونه طريقا تعبّديّا انّه لا يوجب تفسير العدالة به الّا مسامحة و انّه مخالف لظاهر كلام القائل بأنّها عبارة عن حسن الظّاهر إذ مقتضاه عدم ملاحظة الملكة رأسا حتى مع العلم بعدمها و اين هذا من الطريقيّة فليس هذا الّا توجيها بما لا يرضى به صاحبه بل عليه يرجع النّزاع بينهم لفظيّا و هو لا يناسب بمقام العلماء الأزكياء و ما ذكره من الشّواهد و النّظائر الّتي أطلقت فيها أسامي الموضوعات الواقعيّة على مؤدّيات الطّرق فهو (- أيضا-) محلّ مناقشة نظرا الى انّ إطلاقها عليها ليس الّا باعتبار أنّ مؤدّياتها أمور واقعيّة و الواقعيّات منكشفات بها فالأسامى المذكورة قد أطلقت على الواقعيّات في الواقع لا على مؤديّات الطّرق على انّها مؤدّيها فليس الأمر على ما ذكره لا في المقيس و لا في المقيس عليه رابعها ما مرّت الإشارة اليه و الى جوابه في شرح صحيح ابن ابى يعفور و مجمل الكلام مع من يقول بأنّ العدالة عبارة عن حسن الظّاهر هو ما يأتي من الماتن (- ره-) بقوله و بالجملة فهذا القائل ان أراد انّ حسن الظّاهر هي العدالة الواقعيّة (- إلخ-) و بما ذكرنا كلّه ظهر لك النّظر فيما في المقام الثّالث من المقامات في العدالة عند الكلام في شروط إمام الجمعة من صلاة (- ئق-) حيث تمسّك للقول بكون العدالة عبارة عن حسن الظّاهر بعد اختياره له بالأخبار بتقريب طويل من تأمّل فيه علم اعترافه بكون العدالة عبارة عن الملكة و قد طوينا نقل كلامه لطوله فراجع و تدبّر و لعلّه مراد الماتن (- ره-) ببعض متأخّري المتأخّرين في العبارة

قوله طاب ثراه مثل قوله عليه السّلام لا بأس بشهادة الضّيف (- اه-)

أشار بذلك الى خبر ابى بصير الّذي أسبقنا نقله عند تعرّضه (- قدّه-) لأدلّة القول بالملكة كما انّه أشار بقوله لا بأس بشهادة المكاري إلى رواية العلاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المتقدّم آنفا في طيّ كلام الشّيخ الوالد قدّس سرّه كما تقدّم هناك عبارة تفسير العسكري عليه السّلام

قوله طاب ثراه مثل قوله عليه السّلام من عامل النّاس (- اه-)

أشار بذلك الى ما رواه الصّدوق (- ره-) في الخصال عن احمد بن إبراهيم بن بكير عن زيد بن محمّد عن عبد اللّه بن احمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرّضا عليه السّلام عن على عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من عامل النّاس فلم يظلمهم و حدّثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممّن كملت مروّته

ص: 270

و ظهرت عدالته و وجبت اخوّته و حرمت غيبته

قوله طاب ثراه و قوله عليه السّلام من صلى الخمس (- اه-)

أشار بذلك الى ما رواه الصّدوق (- ره-) في الأمالي عن جعفر بن محمّد بن مسرور عن الحسين بن محمّد بن عامر عن عمّه عبد اللّه بن عامر عن محمّد بن زياد الأزدي يعني ابن ابى عمير عن إبراهيم بن زياد الكرخي عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال من صلّى خمس صلوات في اليوم و اللّيلة في جماعة فظنّوا به خيرا و أجيزوا شهادته

قوله طاب ثراه و ما ورد في قبول شهادة القابلة (- اه-)

أشار بذلك إلى رواية جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال شهادة القابلة جائزة على انه استهلّ أو برز ميّتا إذا سئل عنها فعدلت

قوله طاب ثراه و ما ورد انّ الشّاهد إذا كان ظاهره مأمونا (- اه-)

أشار بذلك الى مرسل يونس المتقدّم عند التعرّض لأدلّة القول بأنّ العدالة هو الإسلام مع عدم ظهور الفسق

قوله طاب ثراه و في قبول شهادة المسلم (- اه-)

عطف على محلّ انّ الشّاهد في العبارة السّابقة و التقدير و ما ورد في قبول شهادة المسلم (- اه-) و قد أشار بذلك الى قوله عليه السّلام في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم في طيّ ما تعرّضنا له من أدلّة القول الثّاني لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرّجل الواحد إذا علم منه خير

قوله طاب ثراه و أنت لا تصلّ الّا خلف (- اه-)

كلمة أنت زائدة و الصّحيح كلمة قوله عليه السّلام بدل أنت ليكون إشارة إلى خبر ابى علىّ بن راشد الآتي عن قريب إنشاء اللّه تعالى

قوله طاب ثراه يظهر اندفاع (- اه-)

وجه الاندفاع ما ذكره من دلالة صحيحة ابن ابى يعفور على طريقيّة حسن الظّاهر فلا يبقى وجه لقول هذا القائل انّ كون حسن الظّاهر طريقا إلى العدالة خلاف ظاهر الاتّحاد

قوله طاب ثراه فان قلت ان أراد أهل الملكة (- اه-)

أقول نختار كون حسن الظّاهر طريقا من باب الظنّ النّوعي و ليس فيه مخالفة لظاهر الأخبار المتقدّمة لأنّ الغرض من عدم السّؤال عن باطنه و ترتيب آثار العدالة على حسن ظاهره هو عدم لزوم الفحص عن الواقع بعد حصول هذا الطّريق أو نقول بكون طريقيّة حسن الظّاهر من باب الظنّ الشّخصي و انّ الأخبار وردت مورد الغالب حيث انّ الغالب إيراث حسن الظّاهر الظنّ بل الاطمئنان بوجود الملكة في ذي الحسن فلا تذهل

قوله طاب ثراه بحيث كأنّها صارت موضوعا مستقلّا (- اه-)

قد مرّ تقرير ذلك مع جوابه في الثّالث من تقريبات الاستدلال بالأخبار على كون العدالة عبارة عن حسن الظّاهر فراجع و تدبّر

قوله طاب ثراه قلت أوّلا انّه سيجي ء (- اه-)

يجي ء ذلك منه (- قدّه-) تارة بعيد هذا في جواب الإشكال على جعل حسن الظّاهر ضابطا للعدالة و اخرى في أخر الرّسالة فانتظر

قوله طاب ثراه و رواية ابى علىّ بن راشد (- اه-)

أراد بذلك ما رواه الكليني (- ره-) عن علىّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن علىّ بن مهزيار عن ابى علىّ بن راشد قال قلت لابيجعفر عليه السّلام انّ مواليك قد اختلفوا فأصلّي خلفهم جميعا فقال لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه و رواه الشّيخ (- ره-) بإسناده عن سهل عمّن عرفت و زاد و أمانته فنقل الماتن (- ره-) مبنىّ على رواية الشّيخ (- ره-)

قوله طاب ثراه و قوله عليه السّلام في قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدٰاءِ (- اه-)

(11) مقول قوله عليه السّلام قد سقط من قلمه الشريف فإنه قد أراد بذلك ما مرّ ممّا عن تفسير الإمام عليه السّلام عن جدّه أمير المؤمنين (- ع-) في تفسير الآية قال ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تيقّظه فيما يشهد به و تميزه فما كل صالح مميّزا و لا محصّلا و لا كلّ محصّل مميّزا صالحا فافهم

قوله طاب ثراه فهو معارض بأدلّة اعتبار الوثوق و ليس من قبيل الحاكم عليها

(12) الوجه في ذلك ظاهر لأنّ الحكومة هو كون احد الدّليلين بمدلوله اللّفظي متعرضا لحال الدّليل الأخر و رافعا للحكم الثّابت بالدليل الأخر عن بعض افراد موضوعه فيكون مبيّنا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله و متفرّعا عليه و هذا المعنى غير متصوّر هنا لدلالة خبر يونس المتقدّم و نحوه على قبول شهادة من كان مأمون الظّاهر و دلالة خبر ابى علىّ بن راشد المزبور آنفا و نحوه على اعتبار الوثوق فهما متعارضان لعدم تعرّض أحدهما لحال الأخر و لا رافعا للحكم عن بعض افراد موضوعه كما هو ظاهر

قوله طاب ثراه فهو و ان كان حاكما عليها (- اه-)

(13) الوجه في ذلك ظاهر ضرورة اعتبار تلك الوثوق و الاطمئنان بالملكة و دلالة هذه على كفاية حسن الظاهر فهذه قد رفعت حكم اعتبار الوثوق بالملكة عن بعض افراد الموضوع و هو ذو حسن الظّاهر فجوّزت ترتيب الآثار على من كان ظاهره حسنا

قوله طاب ثراه انّ هذه كلّها منصرفة إلى الغالب (- اه-)

(14) هذا الكلام في غاية المتانة و الجودة و لا يرتاب فيه ذو ذوق سليم رزقه اللّه فهم الحانهم و قد أشرنا (- أيضا-) اليه آنفا

قوله طاب ثراه و هو انّه يمكن ان يقال انّ ظاهر أدلّة اعتبار الوثوق (- اه-)

(15) هذا في غاية البعد لإباء لسان الأخبار عن كون اعتبار الوثوق من باب الموضوعيّة بل ظاهرها الاعتبار من باب الطريقيّة كما لا يخفى على الفطن الممارس

[في عد الكبائر التي وردت في كتاب الله عز و جل]

قوله طاب ثراه ثمَّ كون المعصية كبيرة تثبت بأمور (- اه-)

(16) لمّا كان زوال العدالة على الأقوال فيها بارتكاب المعاصي الكبيرة ممّا لا خلاف فيه بينهم و لا اشكال بل الإجماع محقّقا و منقولا مستفيضا عليه بل لعلّه من الضّروريّات للأخبار المتواترة الناطقة بذلك تصدّر التميز الكبائر من غيرها و حيث انّه فرع كون المعاصي قسمين كبيرة و صغيرة لزمنا قبل الأخذ في توضيح التميّز الكلام في انّ المعاصي هل هي على قسمين كبيرة و صغيرة أو انّها قسم واحد بمعنى أنّها بأجمعها كبائر اختلفوا في ذلك على قولين أوّلهما خيرة الشيخ (- ره-) في (- ط-) و (- ية-) و ابن حمزة في الوسيلة و الفاضلين و الشّهيدين و جمهور المتأخّرين و في (- لك-) انّ عليه الأكثر و نسب إلى الإسكافي و الدّيلمي (- أيضا-) بل عن ظاهر الصّيمري و الحبل المتين للبهائي الاتّفاق عليه و على هذا القول يبتني تعريف العدالة بأنّها ملكة تبعث على اجتناب الكبائر و الإصرار على الصّغائر و القول الثّاني و هو انّ كلّ معصية كبيرة نظرا الى اشتراكها في مخالفة أمر اللّه سبحانه و نهيه لكن يطلق الكبير و الصّغير على الذنب بالإضافة الى ما فوقه و ما تحته فالقبلة للأجنبيّة بالنّسبة إلى الزّنا صغيرة و بالنّسبة إلى النّظر بشهوة كبيرة هو خيرة الشيخ المفيد (- ره-) و القاضي و الحلّي و الطّبرسي و الشّيخ في محكي العدّة بل ظاهر الطبرسي و الحلّي الاتفاق عليه قال في مجمع البيان بعد نقل هذا القول و الى هذا ذهب أصحابنا (- رض-) فإنّهم قالوا المعاصي كلّها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض و ليس في الذّنوب صغيرة و انّما يكون صغيرا بالإضافة الى ما هو أكبر و يستحقّ العقاب عليه أكثر انتهى و قال في (- ئر-) بعد نقل القول بالتقسيم الى الكبائر و الصّغائر و عدم قدح الثّاني نادرا في قبول الشهادة عن (- ط-) ما نصّه و لا ذهب إليه أحد من أصحابنا لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلّا بالإضافة إلى غيرها انتهى و الحاصل انّ الوصف بالكبر و الصّغر إضافي عند هؤلاء و منهم من جعل الإضافة على ثلثة أقسام أحدها بالإضافة إلى الطّاعة و هو انّ

ص: 271

المعصية ان زاد عقابها على ثواب تلك الطّاعة فهي كبيرة بالنّسبة إليها و ان نقص فهي صغيرة و ثانيها بالإضافة إلى معصية أخرى و هو انّ عقابها ان زاد على عقاب تلك المعصية فهي كبيرة بالنّسبة إليها و ان نقص فهي صغيرة و ثالثها بالإضافة إلى فاعلها و هو انّها ان صدرت من شريف له مزيد علم و زهد فهي كبيرة و ان صدرت ممّن هو دون ذلك فهي صغيرة حجّة القول الأوّل أمور الأوّل قوله سبحانه و تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً بتقريب انّه دلّ على انّ اجتناب بعض الذنوب و هي الكبائر يكفّر السّيئات و هو يقتضي كون السّيئات المشار إليها غير كبائر و قريب منه في الدّلالة قوله تعالى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ و روى الصّدوق (- ره-) مرسلا عن الصّادق عليه السّلام انّه قال من اجتنب الكبائر كفر اللّه عنه جميع ذنوبه و ذلك قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً الثّاني الأخبار المستفيضة فمنها ما رواه ثقة الإسلام (- ره-) عن علىّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس عن ابن بكير عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (- ع-) قال إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ الكبائر فما سواها قال قلت دخلت الكبائر في الاستثناء قال نعم و قريب منه ما رواه (- ره-) بالإسناد عن إسحاق بن عمّار و منها مرسل الصّدوق (- ره-) قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي قال و قال الصّادق عليه السّلام شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا فأمّا التّائبون فإنّ اللّه يقول مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ و منها ما في مسند ابن ابى عمير عن موسى بن جعفر عليه السّلام في حديث قال قال النّبي (- ص-) لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار و منها الأخبار الكثيرة الآتية في تفسير الكبائر و تعدادها و تفصيلها إنشاء اللّه تعالى و منها ما دلّ من الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال من انّه مكفّر للذّنوب إلّا الكبائر الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبّع في أبواب جهاد النّفس من وسائل الشّيعة الثّالث انّه لو لم يكن في الذّنوب صغائر يتوقّف حصول الفسق بها على الإصرار لزم ان لا يوجد عادل أصلا إذ الإنسان لا ينفكّ عن الصّغائر إلّا المعصوم و في ذلك تعطيل الأحكام الكثيرة المبنيّة على وجود العدل و تفويت للمنافع العظيمة الدينيّة و الدنيويّة و تضييع للحقوق و فيه من الحرج و الضّيق ما لا يخفى و قد قال تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و قال عزّ من قائل يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و أجاب الحلّي (- ره-) عن ذلك بانّ تدارك الذّنب بالاستغفار ممكن و مع الاستغفار و التوبة لا يبقى للذّنب اثر و اعترض عليه بوجهين أحدهما انّ التوبة متوقّفة على العزم على عدم المعاودة و العزم على ترك الصّغائر متعذّرا و متعسّر لأنّ الإنسان لا ينفكّ عنه غالبا فكيف يتحقّق العزم على تركها ابدا مع ما جرى من حاله و حال غيره من عدم الانفكاك عنها و أقول هذا الإشكال و إن كان وروده على أصحاب هذا القول أشدّ لكنّه متوجّه الى غيرهم (- أيضا-) في الجملة إذ الظّاهر انّ التوبة من الذّنب واجب اتّفاقا من غير فرق بين الصّغيرة و الكبيرة فإذا اعتبر في التّوبة العزم على الترك و عدم المعاودة جاء الإشكال فهذا الاشكال لازم لوجوب التّوبة من غير اختصاص له بهذا القول نعم وروده على هذا القول باعتبارين وجوب التّوبة و اعتبار العدالة و من لم يعتبر في التّوبة العزم على التّرك كما هو مذهب جمع من الأصحاب و يدلّ عليه بعض الأخبار كما يأتي لم يحتج إلى زيادة نظر في دفع هذا الإشكال كما نبّه على ذلك في الذّخيرة و ثانيهما انّه لا يكفي في التّوبة مطلق الاستغفار و إظهار النّدم حتى يعلم من حاله ذلك و هذا قد يؤدّى الى زمان طويل يفوت معه الغرض من الشهادة و نحوها فيبقى الحرج و لعلّ القائلين بأنّ كلّ معصية كبيرة بالنسبة إلى معصية أخرى لا يقدح عندهم في العدالة الذّنب (- مط-) بل القادح عندهم التّظاهر به و الإكثار منه و عدم المبالات بحيث لا يظهر فيه اثر للتّقوى و الورع عن محارم اللّه تعالى أو يقال القادح في العدالة هو ارتكاب الذّنوب بحيث لا يصحّ توصيفه بالورع و التقوى عرفا و هذا أمر يختلف بحسب الأوقات و الأحوال

و أنواع المعاصي فقليل من بعض أنواعها كثير كالقتل يقدح فيها و كثير من بعض أنواعها لا يقدح فيها كبعض المعاصي الّتي يبتلى بها النّاس غالبا و لا ينفكّ عنها الّا البالغون في التّقوى المتناهون في الإخلاص و ان صحّ إطلاق الكبيرة عليها بالنّسبة إلى ذنب أخر أصغر منه أو يقال بعض أنواعها و هو ما اختصّ باسم الكبيرة عند الفرقة الأخرى كالقتل و الزّنا و عقوق الوالدين و أشباه ذلك قادح عندهم في العدالة (- مط-) و امّا غيرها فيقدح مع الإكثار و الإصرار و ان اشترك الكلّ في كونها كبيرة ببعض الاعتبارات و قد نقل بعض الأصحاب الإجماع على انّ مثل القتل و الزّنا و العقوق قادح في العدالة (- مط-) و لعلّ هذا الوجه أقرب الى التحقيق و أنسب إلى الضّبط و قد يقال من قبلهم انّ المراد بالعدل عندهم من اجتنب من الأكبر و لم يصرّ على الأصغر متى عنّ له معصيتان إحديهما أكبر و الأخرى أصغر و هو ضعيف كما نبّه على ذلك في الذّخيرة حجّة القول الثّاني أمران الأوّل اشتراك الجميع في مخالفة أمره تعالى و نهيه و لذلك جاء في الحديث لا تنظر الى ما فعلت و لكن انظر الى من عصيت و الجواب انّ كون الجميع مخالفة له تعالى لا يمنع من كون بعضها كبيرة و بعضها صغيرة فانّ الذنوب المتحقّقة بين العباد من بعضهم بالنّسبة الى بعض يوصف بالكبر و الصّغر فيقال فلان عصى السّلطان عصيانا عظيما و أذنب ذنبا كبيرا و يقال الذّنب الفلاني كبير و الذنب الفلاني سهل صغير فاشتراك الجميع في مخالفة اللّه سبحانه لا ينافي وصف بعضها بالكبر و بعضها بالصّغر بل و (- كك-) عرفا في معاصي العبد للّه تعالى فيصدق على قتل النّبي أو هدم الكعبة أنّه ذنب عظيم و اثم كبير و على ترك ردّ السّلام مثلا انّه ذنب صغير الثّاني طوائف من الأخبار فمنها الأخبار النّاطقة بأنّ كلّ معصية شديدة مثل خبر زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال الذنوب كلّها شديدة و منها الأخبار الناطقة بأنّ كلّ معصية توجب لصاحبها النّار و منها الأخبار الدالّة على التّحذير من استحقار الذنوب و استصغارها مثل خبر ابى بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال سمعته يقول اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فانّ لها طالبا يقول أحدكم أذنب و استغفر انّ اللّه عزّ و جلّ يقول نَكْتُبُ مٰا قَدَّمُوا وَ آثٰارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ و قال عزّ و جلّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ الى غير ذلك من الأخبار المذكورة في أبواب جهاد النّفس من الوسائل و ربّما أيّد هذا القول في الذّخيرة بما رواه الكليني (- ره-) بإسناد محتمل الصّحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا صغيرة مع الإصرار و لا كبيرة مع الاستغفار و ما رواه ابن بابويه (- ره-) بسند ضعيف عن النّبي (- ص-) انّه قال لا تحقّروا شيئا من الشرّ و ان صغر في أعينكم و لا تستكثروا شيئا من الخير و ان كبر في أعينكم فإنّه لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار ثمَّ قال وجه التّأييد انّ المراد بالإصرار الإقامة على الذّنب بعدم الاقدام على التوبة و الاستغفار كما قال جماعة من المفسّرين في تفسير قوله تعالى وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا و روى الكليني (- ره-) عن جابر

ص: 272

عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ قال الإصرار أن يذنب الذّنب فلا يستغفر و لا يحدّث نفسه بتوبته فذلك الإصرار و روى من طرق العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ما أصرّ من استغفر ثمَّ قال لكن هذا تأييد ضعيف لجواز ان يكون المراد بالإصرار المداومة عليه أو العزم على المعاودة فإنّ ذلك أنسب باللّغة قال الجوهري أصررت على الشّي ء أي أقمت عليه و دمت به انتهى و قال ابن الأثير أصرّ على الشّي ء يصرّ إصرارا إذا لزمه و داومه و ثبت عليه و قال في القاموس أصرّ على الأمر لزم و قريب منه كلام ابن فارس في المجمل و امّا الرّواية فضعيفة السّند انتهى ما في الذّخيرة و الجواب عن الأخبار انّ ما دلّ على كون بعض المعاصي أكبر من بعض حاكم على ما دلّ على انّ كلّ معصية شديدة أو انّ كلّ معصية توجب لصاحبها النّار و لا منافاة بين النّهى عن استحقار الذّنب و بين كون بعض الذنوب أعظم من بعض لأنّ الأخير ناظر الى الواقع و أصل مرتبة الذّنب لا بالالتفات الى انّ الذي عصاه هو الملك الجليل تعالى شانه و الأوّل ناظر الى انّ من يعصيه العبد هو الملك الجليل عزّ شانه و يشهد بما ذكرنا تعليل جملة من الأخبار النّاهية عن استحقار الذّنب ذلك بكون الإصرار كبيرة مثل خبر الحسين بن زيد عن الصّادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام في حديث المناهي انّ رسول اللّه (- ص-) قال لا تحقّروا شيئا من الشرّ و ان صغر في أعينكم و لا تستكثروا شيئا من الخير و ان كثر في أعينكم فإنه لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار و الأخبار بهذا المضمون كثيرة مذكورة في أبواب جهاد النّفس و تأتي جملة منها إنشاء اللّه تعالى فتلخّص من ذلك كلّه انّ القول المشهور بين جمع من الأقدمين و عامّة من تأخّر من تقسيم الذّنوب الى كبيرة و صغيرة هو الأظهر و اللّه العالم و إذ قد عرفت ذلك فلنرجع الى ما في المتن و نقول انّ لهم في تميز الكبائر من الصّغائر حتّى يترتّب على كلّ منها حكمه مسالك أحدها ما سلكه الماتن (- ره-) في العبارة الثّاني ما سلكه العلّامة الطباطبائي (- قدّه-) فيما حكى عنه حيث اختار ما هو المشهور من انّ الكبائر هي المعاصي الّتي توعّد اللّه سبحانه عليها النّار مستندا في ذلك الى جملة من الأخبار و فيها الصّحيح و غيره لكن يظهر ممّا نقل عنه انّه عمّم الوعيد بالنّار الى الصّريح و الضّمني و انّه حصر الوارد في الكتاب في أربع و ثلثين منها أربعة عشر ممّا صرّح فيها بخصوصها بالوعيد بالنّار الأوّل الكفر باللّه العظيم لقوله تعالى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمٰاتِ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ و غير ذلك و هي كثيرة الثّاني الإضلال عن سبيل اللّه لقوله تعالى ثٰانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لَهُ فِي الدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ عَذٰابَ الْحَرِيقِ و قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذٰابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذٰابُ الْحَرِيقِ الثّالث الكذب على اللّه و الافتراء عليه لقوله تعالى وَ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّٰهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ و قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَ لٰا يُفْلِحُونَ مَتٰاعٌ فِي الدُّنْيٰا ثُمَّ إِلَيْنٰا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذٰابَ الشَّدِيدَ بِمٰا كٰانُوا يَكْفُرُونَ و أورد عليه في الجواهر بأنّه ليس في الثّانية ذكر النّار قلت هو على مبنى العلّامة الطّباطبائي (- ره-) إيراد موجّه حيث جعل الميزان توعيد اللّه بالنّار الّا انّه لا يخفى عليك تعليل كون القذف من الكبائر في صحيح عبد العظيم المتقدّم بتوعيد اللّه على القاذف بالعذاب العظيم و لازمه كون ما توعّد اللّه عليه بالعذاب الشديد كما في الافتراء من الكبيرة (- أيضا-) و لعلّ السيّد (- قدّه-) بالنّظر الى إيراد صاحب الجواهر (- ره-) عدّ الافتراء و الكذب واحدا و هما في الحقيقة واحد فيندفع الإيراد بكفاية التّوعيد بالنّار في الآية الأولى الرّابع قتل النّفس الّتي حرّم اللّه قتلها قال اللّه سبحانه وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا وَ غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً و قال عزّ و جلّ وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِكُمْ رَحِيماً وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوٰاناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نٰاراً وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ يَسِيراً الخامس الظّلم قال اللّه عزّ و جلّ إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلظّٰالِمِينَ نٰاراً أَحٰاطَ بِهِمْ سُرٰادِقُهٰا وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغٰاثُوا بِمٰاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرٰابُ وَ سٰاءَتْ مُرْتَفَقاً السادس

الرّكون الى الظّالمين قال اللّه تعالى وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ السّابع الكبر لقوله تعالى فَادْخُلُوا أَبْوٰابَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ الثّامن ترك الصّلوة لقوله (- تعالى-) مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الآية التاسع المنع من الزّكوة لقوله تعالى الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ العاشر التخلّف عن الجهاد لقوله سبحانه فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلٰافَ رَسُولِ اللّٰهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ قٰالُوا لٰا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نٰارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كٰانُوا يَفْقَهُونَ الحادي عشر الفرار من الزّحف لقوله (- تعالى-) وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الثّاني عشر أكل الرّبا لقوله عزّ و جلّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا فَمَنْ جٰاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهىٰ فَلَهُ مٰا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّٰهِ وَ مَنْ عٰادَ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ الثالث عشر أكل مال اليتيم ظلما لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً الرّابع عشر الإسراف لقوله عزّ و جلّ وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ و امّا المعاصي التي وقع التّصريح فيها بالعذاب دون النّار فهي أربع عشرة الأول كتمان ما انزل اللّه لقوله عزّ و جلّ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ الْكِتٰابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ مٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النّٰارَ وَ لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ (وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ) وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ الثّاني الإعراض عن ذكر اللّه عزّ و جلّ لقوله تعالى وَ قَدْ آتَيْنٰاكَ مِنْ لَدُنّٰا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وِزْراً خٰالِدِينَ فِيهِ وَ سٰاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ حِمْلًا الثّالث الإلحاد في بيت اللّه عزّ و جلّ لقوله تعالى وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ الرّابع المنع من مساجد اللّه لقوله (- تعالى-) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسٰاجِدَ اللّٰهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعىٰ فِي خَرٰابِهٰا أُولٰئِكَ مٰا كٰانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهٰا إِلّٰا خٰائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ الخامس أذيّة رسول اللّه (- ص-) لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الهُٰ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً السّادس الاستهزاء بالمؤمنين لقوله عزّ و جلّ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ

ص: 273

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقٰاتِ وَ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ إِلّٰا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّٰهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بيان لمز من باب ضرب عابه و به قرء السّبعة و من باب قتل لغة و أصله الإشارة بالعين قاله في المصباح السّابع و الثّامن نقض العهد و اليمين لقوله تعالى الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ. وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ التّاسع قطع الرّحم قال اللّه تعالى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ و قال عزّ من قائل فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ أُولٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمىٰ أَبْصٰارَهُمْ و أورد عليه في الجواهر بان كلمة أولئك في الأولى لم يعلم كونها إشارة الى كلّ واحد من النّقض و القطع و الإفساد و الثّانية مع ذلك لم تشتمل على وعيد العذاب الّا ان يقال انّه يفهم من اللّعن و ما بعده و أقول الظّواهر حجّة عندنا و ظاهر الآية رجوع أولئك الى جميع من ذكر بعد كلمة الموصول العاشر المحاربة و قطع السّبيل قال اللّه تعالى إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ و أورد عليه في الجواهر بأنّه قد يرجع اسم الإشارة إلى الكفر و الوعيد على الأمرين معا قلت و يشهد بذلك تمسّك الإمام عليه السّلام بالآية الثّانية في قبال بعض طلقاء بنى العبّاس لعنهم اللّه سبحانه الحادي عشر الغناء لقوله (- تعالى-) وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ الثّاني عشر الزنا قال اللّه (- تعالى-) وَ لٰا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً الثّالث عشر إشاعة الفاحشة قال اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ الرّابع عشر قذف المحصنات قال اللّه تعالى الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ الْغٰافِلٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ و امّا المعاصي التي يستفاد من الكتاب العزيز وعيد النّار عليها ضمنا و لزوما فهي ستّة الأوّل الحكم بغير ما انزل اللّه قال اللّه تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ الثّاني اليأس من روح اللّه عزّ و جلّ قال اللّه (- تعالى-) وَ لٰا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِنَّهُ لٰا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰافِرُونَ الثّالث ترك الحجّ قال اللّه (- تعالى-) وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ الرّابع عقوق الوالدين قال اللّه (- تعالى-) وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّٰاراً شَقِيًّا مع قوله (- تعالى-) وَ خٰابَ كُلُّ جَبّٰارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرٰائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقىٰ مِنْ مٰاءٍ صَدِيدٍ و قوله (- تعالى-) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّٰارِ لَهُمْ فِيهٰا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ الخامس الفتنة لقوله (- تعالى-) الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ السّادس السّحر قال اللّه (- تعالى-) وَ اتَّبَعُوا مٰا تَتْلُوا الشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ الشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّٰاسَ السِّحْرَ وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰى يَقُولٰا إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلٰا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ مٰا يَضُرُّهُمْ وَ لٰا يَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلٰاقٍ وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ هذه جملة الكبائر المستنبطة من الكتاب العزيز بناء على المختار في معنى الكبيرة و هي أربع و ثلثون و قال (- ره-) في أثناء كلامه على ما نقل عنه انّه انّه قد يتعقّب الوعيد في الآيات خصالا شتّى و أوصافا معدودة و لا يعلم انّها للمجموع أو للآحاد فلذلك طوينا ذكرها و (- كك-) الوعيد على المعصية و الخطيئة و الذّنب و الإثم و أمثالها و هذه أمور عامّة و قد علمت انّ الوعيد عليها لا يقتضي كونها كبائر انتهى و اعترضه في الجواهر أوّلا بأنّه بناء على حصر الكبائر في هذا العدد يلزم ان يكون ما عداها صغائر و انّه لا يقدح في العدالة فعلها بل لا بدّ من الإصرار و بدونه تقع مكفّرة لا تحتاج بالنّسبة إلى دفع العقاب بها الى

توبة فمثل اللّواط و شرب الخمر و ترك صوم شهر رمضان و شهادة الزّور و نحو ذلك من الصّغائر الّتي لا تقدح في عدالة الرّجل و لا تحتاج إلى توبة بل تقع مكفّرة و لا تثبت بها جرح و هو واضح الفساد و كيف يمكن الحكم بعدالة شخص قامت البيّنة على انّه لاط بغلام في زمان قبل أداء الشّهادة بيسير كما لا يخفى على المخالط بطريقة الشّرع و ان شئت فانظر الى كتب الرّجال و ما يقدحون به في عدالة الرّجل على انّ رواية ابن ابى يعفور السّابقة ان يعرفوه بالسّتر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اللّسان و نحو ذلك بل في ذلك إغراء للنّاس في كثير من المعاصي من جهة استحقاق العقاب بعد معرفة ان لا عقاب عليه و ثانيا بأنّه قد ورد في السّتة في تعداد الكبائر ما ليس مذكورا فيما حصره مع النصّ عليه فيها بأنّها كبيرة و قوله عليه السّلام انّ الكبيرة كلّما توعّد اللّه عليها بالنّار لا ينافيه و لو لكونه عليه السّلام يعلم كيف توعّد اللّه عليها بالنّار قصارى ما هناك انّا بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد اللّه عليها النّار فنحكم بكونه كبيرة و ان لم نعرف كيف وعد اللّه عليها النّار فانظر الى ما في حسنة عبيد بن زرارة لما سئله عن الكبائر فقال عليه السّلام هنّ في كتاب علىّ عليه السّلام سبع الى ان قال فقلت فهنّ أكبر المعاصي قال نعم قلت فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصّلوة قال ترك الصّلوة قلت فما عددت ترك الصّلوة في الكبائر فقال اىّ شي ء أوّل ما قلت قال قلت الكفر قال فانّ تارك الصّلوة كافر يعنى من غير علّة كيف ادخل ترك الصّلوة في الكفر مع استحضاره عليه السّلام لقوله (- تعالى-) مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ و ثالثا بأنه قد قال اللّه (- تعالى-) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ. وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلٰامِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ فإنّه ان أريد بالإشارة إلى الأخير أو الى كلّ واحد فقد حكم بالفسق و احتمال إرادة الإصرار بعيد كاحتمال ارادة ما لا ينافي العدالة من الفسق بل مجرّد المعصية أو من غير مجتنب الكبائر و رابعا بأنّه قد ورد في السّنة التوعّد بالنّار و اىّ توعّد على كثير من المعاصي و بناء على ما ذكر لا بدّ و ان يراد بها امّا الإصرار عليها أو من غير مجتنب الكبائر و كلّه مخالف للظّاهر من غير دليل يدلّ عليها و خامسا بانّ فيما رواه عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنى ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر معلّلا ذلك بانّ اللّه تعالى نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان و ترك الصّلوة متعمّدا أو شيئا ممّا فرض اللّه لانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من ترك الصّلوة متعمّدا فقد برئ من ذمّة اللّه و ذمّة رسوله فانظر كيف استدلّ عليه السّلام على كونه كبيرة بما ورد في السّنة و سادسا بأنّه نقل جمع الإجماع على

ص: 274

انّ الإصرار على الصّغيرة من جملة الكبائر ثمَّ قال اعنى صاحب الجواهر (- ره-) انّ دفع ذلك كلّه بانّ المراد انّ الكبيرة كلّما توعّد اللّه عليه بالنّار و بعض الأشياء الّذي قام الدّليل عليه ينافيه جعل ذلك ضابطا و من هنا توقّف في الحكم بكبر بعض الأشياء الواردة في السّنة مع عدم دخولها تحت هذا الضّابط ثمَّ قال و (- أيضا-) قوله (- ره-) خيرا انّه قد يتعقّب الوعيد في الآية خصالا شتّى و أوصافا متعدّدة لا يعلم انّها للمجموع أو للآحاد فلذلك طوينا ذكرها و فيه انّه إذا كان اجتناب الكبيرة شرطا مثلا في تحقّق العدالة و غيرها فلا يمكن الحكم بالعدالة حتّى يعلم اجتناب الكبيرة و لا يكون الّا باجتناب جميع ما يحتمل أنه كبيرة نعم لو قلنا انّ فعل الكبيرة مانع من الحكم بالعدالة لاتّجه القول بذلك لأنّا لا نعلم انّه كبيرة و لعلّه (- قدّه-) أراد الشكّ في الاندراج في التعريف فيتّجه له (- ح-) عدم اجراء حكم الكبيرة على مثله لكون المتيقّن الأخير في الآية و غيره محلّ شكّ فيه انتهى ما في الجواهر و هو كلام موجّه متين الّا استشهاده في الاعتراض الأوّل بكلمات أهل الرّجال فانّ فيه ما لا يخفى على من استحضر كتب الرّجال من إفراطهم في أمر العدالة و مناقشتهم في الرّاوي بما لم يعلم حرمته فضلا عن كونه كبيرة المسلك الثّالث ما سلكه و الشيخ الأجل الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء (- قدّه-) من انّ الكبيرة ما عدّه أهل الشرع كبيرا عظيما و ان لم يكن كبيرا في نفسه كسرقة ثوب ممّن لا يجد غيره مع الحاجة و الصّغيرة ما لا يعدّونه كبيرا كسرقته ممّن يجده و كانّ مبناه هو انّ لفظ الكبيرة أو الكبائر ممّا وقع في الكتاب و السّنة و لم يثبت فيه حقيقة شرعيّة و قد تقرّر في محلّه انّ ما لم يثبت فيه حقيقة شرعيّة من ألفاظ الكتاب و السّنة يجب حمله على ما يفهم منه عرفا و اعترضه في الجواهر بأنّه يلزمه مخالفة كثيرة ممّا جائت به الأخبار المعتبرة الدّالة على كون الشي ء من المعاصي كبيرة بل بعض ما توعّد اللّه عليه بالنّار على انّه ان أراد بأهل الشّرع عامّتهم فهم قد يستعظمون ما علم انّه من الصّغائر في الشرع و بالعكس و ان أراد العلماء فكلامهم مضطرب في الكبيرة اللّهم الّا ان يريد ان العلماء و العوام يستعظمونه مع الغفلة عن بحث الكبائر و الصّغائر لكن على كلّ حال هو ضابط غير مضبوط فانّ الذّنب قد تستعظم من جهة قلّة وقوعه و ترتّب مفاسد أخر عليه و نحوه و قد لا يستعظم من جهة تعارفه و نحوه انتهى و هو اعتراض موجّه متين و ربّما أورد الشيخ الوالد العلّامة أنار اللّه برهانه على مبنى الشيخ كاشف الغطاء (- ره-) أوّلا بأنّه انّما يتمّ بالنّسبة إلى المفاهيم فإنّها هي الّتي يعوّل فيها على العرف لاستفادتها من ألفاظ الكتاب و السّنة دون المصاديق و ما نحن فيه من قبيل الثّاني و ثانيا بأنّه لا يتمّ الّا فيما لم يرد به نصّ و بيان عنهم عليهم السّلام و قد ورد البيان فيما نحن فيه المسلك الرّابع ما نقل عن بعضهم من انّك ان أردت أن تعرف الفرق بين الصّغيرة و الكبيرة فأعرض مفسدة الذّنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها فان نقصت عن أقلّ مفاسدها فهي من الصّغائر و الّا فمن الكبائر مثلا حبس المحصنة للزّنا بها أعظم مفسدة من القذف مع انّهم لم يعدوه من الكبائر و كذا دلالة الكفّار على عورات المسلمين و نحو ذلك ممّا يفضي الى القتل و السّبي و النّهب فانّ مفسدته أعظم من مفسدة الفرار من الزّحف قيل و منه يخرج الوجه في قول من قال إلى السّبعمائة أقرب منها الى سبعين أو سبعة و فيه ان مفاسد المعاصي مستورة علينا كما انّ مصالح العبادات مجهولة عندنا بل فيما عدّ من الكبائر ما لا نجد فيه قبحا أو نجد فيه و هنا يسيرا كالإسراف المعدود من الكبائر فإنا لا نجد فيه مفسدة واضحة تنتهي به الى حدّ الكبيرة بل ربّما أمكن استشعار سهولة الأمر فيه ممّا رواه في محكي العيون عن الرّضا عليه السّلام قال ليس في الدّنيا نعيم حقيقي فقال له بعض الفقهاء عمّن حضره فيقول اللّه سبحانه ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ما هذا النّعيم في الدّنيا ا هو الماء البارد فقال له الرّضا عليه السّلام و على صوته كذا فسّرتموه أنتم و جعلتموه على ضروب فقالت طائفة هو الماء البارد و قال غيرهم هو الطّعام الطيّب و قال اخرون هو طيب النّوم و لقد حدّثني ابى عليه السّلام عن أبيه أبي عبد اللّه عليه السّلام ان

أقوالكم هذه قد ذكرت عنده في قول اللّه عزّ و جلّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ فغضب و قال انّ اللّه عزّ و جلّ لا يسئل عباده عمّا تفضّل عليهم به و لا يمتنّ بذلك عليهم و الامتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف الى الخالق عزّ و جلّ ما لا يرضى المخلوقون به و لكن النّعيم حبّنا أهل البيت و موالاتنا يسئل اللّه تعالى عنه بعد التّوحيد و النبوّة لأنّ العبد إذا وفى ذلك أدّاه إلى نعيم الجنّة الّذي لا يزول المسلك الخامس ما سلكه صاحب الجواهر (- ره-) فإنّه قال الّذي يظهر انّ الكبائر لم يثبت لها حقيقة شرعيّة بل هي باقية على معناها اللّغوي و المراد بها هنا كلّ معصية عظيمة في نفسها لا من جهة المعصىّ و ذكر في معرفة ذلك وجوه أحدها ورود الأخبار بأنّه كبيرة و قال انّ الّذي يتحصّل منها بعد إلغاء مفهوم العدد في بعضها أو حمله على معنى لا ينافي المطلوب كالاكبريّة و نحوها أربعون الأوّل الكفر باللّه الثّاني إنكار ما انزل اللّه الثالث اليأس من روح اللّه الرّابع الأمن من روح اللّه الخامس الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و على الأوصياء صلوات اللّه عليهم و عن رواية مطلق الكذب السّادس المحاربة لأولياء اللّه (- تعالى-) السّابع قتل النّفس الّتي حرم اللّه الثّامن معونة الظالمين التّاسع الكبر العاشر عقوق الوالدين الحادي عشر قطيعة الرّحم الثانى عشر الفرار من الزّحف الثالث عشر التعرّب بعد الهجرة الرابع عشر السّحر الخامس عشر شهادة الزّور السّادس عشر كتمان الشّهادة السّابع عشر اليمين الغموس الثّامن عشر نقض العهد التّاسع عشر تبديل الوصيّة العشرون أكل مال اليتيم ظلما الحادي و العشرون أكل الرّبا بعد البيّنة الثّاني و العشرون أكل الميتة و الدّم و لحم الخنزير و ما أهل لغير اللّه الثّالث و العشرون أكل السّحت الرّابع و العشرون الخيانة الخامس و العشرون الغلول و عن رواية مطلق السّرقة السّادس و العشرون البخس في المكيال و الميزان السّابع و العشرون حبس الحقوق من غير عذر الثامن و العشرون الإسراف و التبذير التاسع و العشرون الاشتغال بالملاهي الثلاثون القمار الحادي و الثلاثون شرب الخمر الثاني و الثلاثون الغناء الثالث و الثّلثون الزّنا الرابع و الثّلثون اللّواط الخامس و الثلاثون قذف المحصنات السّادس و الثلاثون ترك الصّلوة السّابع و الثّلثون منع الزّكوة الثامن و الثّلثون الاستخفاف بالحجّ التّاسع و الثلاثون ترك شي ء ممّا فرض اللّه (- تعالى-) الأربعون الإصرار على الذّنب ثانيها توعّد النّار عليها في الكتاب أو السّنة صريحا أو ضمنا ثالثها ان لا يكون عليها توعّد بالنّار و لكن يكون قد وقع التشديد على الفعل أو التّرك تشديدا يكون أعظم من التوعّد بالنّار كالبراءة منه و لعنه و كونه كالزّاني بامّه مثلا و نحو ذلك ممّا يعدّ لعظمته أزيد من التوعّد بالنّار بعد فرض أنّه معصية رابعها ان يكون ممّا بقي عظمته في أنفس أهل الشرع و ان لم نعثر على غير النّهى هذا ما أفاده في الجواهر بتغيير يسير موجب لسهولة تحصيل مقصده و قال الشيخ الوالد العلّامة أعلى اللّه تعالى في الجنان مقرّه و مقامه انّ هذا الطّريق الأخير يشبه

ص: 275

ما مرّ من شيخه كاشف الغطاء الّذي اعترضه هو (- ره-) بأنّه ضابط غير مضبوط و قد تنبّه لهذا المعنى فلذلك قال في ذيل الاعتراض ما لفظه فان قلت انّه وارد عليك (- أيضا-) قلت انا نأخذه بعد فقد ما يدلّ على عظمته من الكتاب و السّنة و غيرهما و الفرق بيننا و بينه انّه يجعله ضابطا حتّى فيما ورد من الأخبار انّه كبيرة عظيمة و نحن نأخذه بعد فقد ذلك لأنّ الظاهر من العظمة عندهم و عدم المسامحة فيهم و عدم نسبة التقوى لفاعله و غير ذلك مع عدم ما ينافيها من الأدلّة ان يكون مأخوذا عن صاحب دينهم فتأمّل انتهى ما في الجواهر و قد أجاد شكر اللّه سعيه حيث استوفى عدد الكبائر المستفاد من الأخبار و أشار الى انّ اعتماده على كون المعصية كبيرة من جهة عظمها في أنفس أهل الشّرع انّما هو حيث لم يرد فيها نصّ فيندفع عنه ما أورده هو (- ره-) على شيخه المشار اليه من انّ الأخبار تدفع ما ذكره و الى انّ ذلك انّما هو من باب الكشف عن رأي الحجّة عليه السّلام كما عرفت من قوله (- ره-) في ذيل الكلام يكون مأخوذا عن صاحب دينهم فيندفع عنه ما أورده هو (- ره-) على الشيخ المشار اليه من كون ما ذكره من المعيار غير مضبوط و ذلك لانّ الاستكشاف عن رأي الحجّة عليه السّلام عنوان كلّى يعرفه المستنبط فمتى حصل له ذلك وجب عليه اتّباع الحكم الحاصل به و ليس فيه ردّ إلى الجهالة و لا يخفى انّه لو كان قد أضاف الى ما ذكره من الأمور الّتي يثبت بها كون المعصية كبيرة أمرين اخرين هما ما جعله الماتن (- ره-) في الأمر الرّابع و الخامس ممّا يثبت به كون المعصية كبيرة كان أجود

قوله طاب ثراه و قد عدّ منها في الحسن كالصّحيح (- اه-)

قد رواه الصّدوق (- ره-) في العيون بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرّضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون قال الإيمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و إقرار باللّسان و عمل بالأركان و اجتناب جميع الكبائر و هي قتل النّفس الّتي حرّم اللّه الى أخر ما في المتن الّا انّه قد سقط من قلمه الشّريف قوله (- ع-) و الزنا قبل قوله عليه السّلام و اللّواط و زاد بعد اللّواط شهادة الزّور و زاد التّاء بعد من غير عسر و ليست في النّسخة المعتمدة و لم افهم وجه توصيفه الخبر بأنّه حسن كالصّحيح فانّ للصّدوق (- ره-) في العيون الى الفضل بن شاذان طرق ثلثة فيها ما هو الصّحيح و هو عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيسابوري عن علىّ بن محمّد بن قتيبة النّيسابوري عن الفضل بن شاذان و الفضل حاله أظهر من ان يبيّن و علىّ مع كونه من مشايخ الصّدوق (- ره-) الذين أكثر النقل عنهم مرضيّا؟؟؟

عليهم و كونه معتمدا عليه عند الكشّي قد أورده العلّامة (- ره-) في (- الخلاصة-) في القسم الأوّل و صحّح حديثه و صحّح في التحرير حديثا هو في طريقه و وثّقه في تميز المشتركات و امّا عبد الواحد فمع كونه من مشايخ الصّدوق (- ره-) المعتبرين الّذين أخذ عنهم الحديث و قد أكثر الرّواية عنه مرضيّا؟؟؟ عليه قد وصف العلّامة (- ره-) في التّحرير الرّواية المتضمّنة لإيجاب ثلث كفّارات على من أفطرت محرّم و هو في طريقها و لعلّ الماتن (- ره-) لم يمعن النّظر في حاله فعدّ الرّواية حسنا لكونه إماميّا ممدوحا كالصّحيح لكونه من مشايخ الإجازة

قوله عليه السّلام و الياس من روح اللّه (- اه-)

الرّوح بفتح الرّاء المهملة الرّاحة و الاستراحة و الحيوة الدائمة

قوله عليه السّلام و اليمين الغموس

بفتح الغين المعجمة اسم فاعل و هي اليمين الكاذبة الفاجرة الّتي يقطع بها الحالف ما لغيره مع علمه بانّ الأمر بخلافه و ليس فيها كفّارة لشدّة الذّنب فيها سمّيت بذلك لأنّها تغمّس صاحبها في الإثم ثمَّ في النّار كما صرّح به في المجمع و غيره

قوله عليه السّلام و الإسراف و التّبذير

قال في مجمع البحرين قد فرّق بين الإسراف و التّبذير بانّ التّبذير الإنفاق فيما لا ينبغي و الإسراف الصّرف زيادة على ما ينبغي

قوله طاب ثراه الثاني النصّ المعتبر (- اه-)

قلت من تلك النّصوص ما رواه الكليني (- ره-) عن عدّة من أصحابه عن احمد بن محمّد عن ابن محبوب قال كتب معى بعض أصحابنا الى ابى الحسن موسى عليه السّلام يسئله عن الكبائر كم هي و ما هي فكتب عليه السّلام الكبائر من اجتنب ما وعد اللّه عليه النّار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنا و السّبع الموجبات قتل النّفس الحرام و عقوق الوالدين و أكل الرّبا و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و أكل مال اليتيم و الفرار من الزّحف و ان شئت العثور على بقيّة تلك الأخبار فراجع أبواب جهاد النّفس من الوسائل

قوله طاب ثراه صحيحة عبد العظيم (- اه-)

قد رواه الكليني (- ره-) عن عدّة من أصحابه عن احمد بن محمّد بن خالد عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنى قال حدّثني أبو جعفر الثّاني عليه السّلام قال سمعت ابى عليه السّلام يقول قال سمعت ابى موسى بن جعفر عليه السّلام يقول دخل عمرو بن عبيد (- إلخ-)

قوله عليه السّلام و الغلول

غلّ غلولا من باب قعد و أغلّ خان في المغنم و غيره قاله في المصباح و غيره

قوله طاب ثراه كما ورد النّص عن النهى عن الصّلوة خلف العاق لوالديه (- اه-)

أشار بذلك الى ما رواه الصّدوق (- ره-) بإسناده عن عمر بن يزيد انّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امام لا بأس به في جميع أموره عارف غير انّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما اقرء خلفه قال لا تقرء خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا و غرضه (- قدّه-) مجرّد المثال و الّا فالعقوق من أمثلة القسم الأوّل و الثّاني و الثالث (- أيضا-) و مثله ما تضمّنته الرّواية من قطع الرّحم فإنّه ممّا ينطبق على القسم الأوّل لعدّ الكاظم و الرّضا و الجواد عليهم السّلام له من الكبائر و على القسم الثالث لقوله سبحانه الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ و على هذا القسم لقوله عليه السّلام في هذه الرّواية ما لم يكن عاقّا قاطعا

قوله طاب ثراه و يدلّ عليه قبل الإجماع (- اه-)

قد يناقش في دعوى الإجماع عليه مع كون الحكم المذكور فرع القول بانقسام المعصية إلى الكبيرة و الصّغيرة الّذي قد عرفت الخلاف فيه و الخلاف في الفرع يستلزم الخلاف في الأصل و يجاب بأنّ القائلين بكون الذّنوب كلّها كبائر ملتزمون بكون ما يراه الآخرون صغيرة قادحة في العدالة حتّى بدون الإصرار فمعه يكون قادحا بالطريق الأولى فيكون الأصحاب متسالمين على كون ارتكاب الصّغيرة مع الإصرار قادحا و بهذا الاعتبار يتمّ الإجماع

قوله طاب ثراه منها انه لا صغيرة (- اه-)

هذا مرويّ من طرق العامّة و الخاصّة و مضمونه مرويّ مستفيضا فمن الأوّل ما رواه الكليني (- ره-) عن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا صغيرة مع الإصرار و لا كبيرة مع الاستغفار و من الثاني ما رواه الصّدوق (- ره-) بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصّادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام في حديث المناهي انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا تحقّروا شيئا من الشرّ و ان صغر في أعينكم و لا تستكثروا شيئا من الخير و ان كثر في أعينكم فإنه لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار

قوله طاب ثراه و منها ما رواه في العيون (- اه-)

(11) قد أشار بذلك الى ما نقله بطوله في أوّل الكلام على ما يثبت به كون المعصية كبيرة و منها (- أيضا-) مسند الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام في حديث قال و الكبائر محرّمة و هي الشّرك باللّه و قتل النّفس الّتي حرّم اللّه الى ان قال عليه السّلام و ضرب الأوتار و الإصرار على صغائر الذّنوب

قوله طاب ثراه بسنده الحسن كالصّحيح (- اه-)

(12) قد بيّنا آنفا انّه عند التّأمّل صحيح لا حسن كالصّحيح

قوله طاب ثراه و الظّاهر بقاؤه على المعنى اللّغوي (- اه-)

(13) وجهه

ص: 276

عدم الدّليل على النّقل و الأصل عدمه

قوله طاب ثراه أعني الإقامة و المداومة عليه و ملازمته (- اه-)

قال ابن الأثير في نهايته ما لفظه فيه اى في الحديث ما أصرّ من استغفر أصرّ على الشي ء يصرّ إصرار إذا لزمه و داومه و ثبت عليه ثمَّ قال و أكثر ما يستعمل في الشرّ و الذّنوب يعنى من اتّبع الذّنب بالاستغفار فليس بمصرّ عليه و ان تكرّر منه انتهى و في القاموس أصرّ على الأمر عزم انتهى

قوله طاب ثراه و لا إشكال في انّ العاصي (- اه-)

قد أهمل (- قدّه-) هنا امرا ينبغي التعرّض له و هو انّه هل يعتبر في تحقّق معنى الإصرار كون الأفراد المأتي بها من نوع واحد أو يكفي اشتراكها في الجنس وجهان أظهرهما الثّاني لصدق الإصرار على الذّنب و تكراره وفاقا للفاضل الخراساني (- قدّه-) في الذّخيرة و خلافا للشّيخ الوالد العلّامة أنار اللّه تعالى برهانه حيث استظهر الأوّل و قد بسط المقال فيه في الذّخيرة حيث قال المراد بالإصرار على الصّغيرة الإكثار منها سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة و قيل المراد به على نوع واحد منها و قيل يحصل بكلّ منهما و نقل بعضهم قولا بانّ المراد به عدم التوبة و هو ضعيف و قسّم بعض علمائنا الأعلام الإصرار إلى فعلىّ و حكمي فالفعلي هو الدوام على نوع واحد من الصّغائر بلا توبة أو الإكثار من جنس الصّغائر بلا توبة و الحكمي هو العزم على فعل تلك الصّغيرة بعد الفراغ منها و هذا ممّا ارتضاه جماعة من المتأخّرين و النّص خال عن بيان ذلك لكن المداومة على نوع واحد من الصّغائر و العزم على فعل تلك الصّغيرة بعد الفراغ منها يناسب المعنى اللّغوي المفهوم من الإصرار و امّا الإكثار من الذّنوب و ان لم تكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذّنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عنّ له من غير توبة فالظّاهر انّه قادح في العدالة بلا خلاف في ذلك بينهم و نقل الإجماع عليه المصنّف (- ره-) في التّحرير فلا فائدة في تحقيق كونه داخلا في مفهوم الإصرار أم لا و يفهم من العبارة المنقولة عن المحقّق انّه غير داخل في معنى الإصرار و كذا من كلام (- المصنف-) (- ره-) حيث قال في باب الشّهادات من هذا الكتاب و بالإصرار على الصّغائر أو في الأغلب و نحوه قال في (- عد-) و قال في (- ير-) و عن الإصرار على الصّغائر و الإكثار منها ثمَّ قال و امّا الصّغائر فإن داوم عليها أو وقعت منه في أكثر الأحوال ردّت شهادته إجماعا و على كلّ تقدير فالمداومة و الإكثار من الذّنب و المعصية غير قادح في العدالة و امّا العزم عليها بعد الفراغ ففي كونه قادحا تأمّل ان لم يكن ذلك اتّفاقيّا و في صحيحة عمر بن يزيد السّابقة إشعار بالعدم إذ الظّاهر ان إسماع الكلام المغضب للأبوين معصية انتهى ما في الذّخيرة و أقول لا ينبغي التأمّل في عدم اعتبار كون الذّنب الّذي أصرّ عليه من نوع واحد بل يكفي إكثاره لصغائر مختلفة لإطلاق النّصوص و الفتاوى و لو فرض الشكّ فأصالة عدم اشتراط كونها من نوع واحد حاكمة على استصحاب العدالة كما لا يخفى

قوله طاب ثراه و حكم الجميع انّه إن كان عازما على العود فالظّاهر صدق الإصرار عرفا (- اه-)

فيترتّب عليه حكمه و هو إيراث الفسق و زوال العدالة و يدلّ على ذلك مضافا الى ذلك ما رواه ثقة الإسلام (- ره-) عن ابى على الأشعري عن محمّد بن سالم عن احمد بن نضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ قال الإصرار أن يذنب الذّنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدّث نفسه بالتّوبة فذلك الإصرار

قوله طاب ثراه و قد عدّ عليه السّلام في حديث العقل و الجهل (- اه-)

أشار بذلك الى ما رواه الكليني (- ره-) في أواسط باب العقل و الجهل في أوائل أصول الكافي عن عدّة من أصحابه عن احمد بن محمّد عن علىّ بن حديد عن سماعة بن مهران قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل و الجهل فقال أبو عبد اللّه (- ع-) اعرفوا العقل و جنوده تهتدوا قال سماعة فقلت جعلت فداك لا نعرف الّا ما عرّفتنا فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام انّ اللّه عزّ و جلّ خلق العقل و هو أوّل خلق من الرّوحانيّين عن يمين العرش من نوره فقال له أدبر فأدبر ثمَّ قال له اقبل فأقبل فقال اللّه تبارك و تعالى خلقتك خلقا عظيما و كرّمتك على جميع خلقي قال ثمَّ خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانيّا فقال له أدبر فأدبر ثمَّ قال له اقبل فلم يقبل فقال له استكبرت فلعنه ثمَّ جعل للعقل خمسة و سبعين جندا فلمّا راى الجهل ما أكرم اللّه به العقل و ما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته و كرّمته و قوّيته و انا ضدّه و لا قوّة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال نعم فان عصيت بعد ذلك أخرجتك و جندك من رحمتي قال قد رضيت فأعطاه خمسة و سبعين جندا فكان ممّا اعطى العقل من الخمسة و السّبعين الجند الخير و هو وزير العقل و جعل ضدّه الشرّ و هو وزير الجهل و الإيمان و ضدّه الكفر الى ان قال و التوبة و ضدّها الإصرار و الاستغفار و ضد الاغترار الحديث

قوله طاب ثراه (- فت-)

لعلّ وجه التأمّل هو الإشارة الى انّ غاية ما يدلّ عليه الخبر انّما هو كون الإصرار ضدّ التّوبة و اين ذلك من كون مجرّد ترك التّوبة و العزم على العود من دون فعل إصرارا

قوله طاب ثراه و في حسنة ابن ابى عمير (- اه-)

قد رواها الصّدوق (- ره-) في محكي التوحيد عن احمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علىّ بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن ابى عمير قال سمعت موسى بن جعفر عليه السّلام يقول (- اه-) و سمّاها حسنة باعتبار إبراهيم بن هاشم و قد أوضحنا في محلّه انّه ثقة فالسّند من الصّحاح دون الحسان

قوله طاب ثراه لكن العرف يأباه (- اه-)

لا يخفى عليك انّ العرف انّما يرجع اليه عند فقد الظّهور فاذا اعترف بظهور الأخبار في صدق الإصرار على العزم بعد فعل الأوّل قبل التوبة لم يضرّ عدم صدق الإصرار عليه عرفا

قوله طاب ثراه و امّا العزم المجرّد فالظّاهر عدم الإصرار بمجرّده (- اه-)

هذا ممّا لا ينبغي التّأمل فيه غايته كشف العزم المجرّد عن خبث السّريرة فلا يترتّب على الإصرار أثر

[في عدم انفكاك المعصية عن الإصرار بترك التوبة بناء على وجوب التوبة]

قوله طاب ثراه و قد أجاب بعض السّادة المعاصرين (- اه-)

الظّاهر انّ المراد به صاحب الضوابط في دلائله و يدلّ على مختار هذا البعض جملة من الأخبار مثل خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً قال الكبائر الّتي أوجب اللّه عزّ و جلّ عليها النّار و ما رواه الصّدوق (- ره-) في محكي ثواب الأعمال عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن الفضيل عن ابى الحسن عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ قال من اجتنب الكبائر ما أوعد اللّه عليه النّار إذا كان مؤمنا كفّر اللّه عنه سيّئاته دلّ على تكفير الصّغائر باجتناب الكبائر و أطلق ذلك و لم يقيّد بما إذا تاب الّا ان يقال انّ قوله عليه السّلام إذا كان مؤمنا يزيل الإطلاق نظرا الى انّ المؤمن لا بدّ و ان يندم على ما ارتكبه من الصّغائر فما أجاب به الماتن (- قدّه-) هو الحقّ المتين

قوله طاب ثراه لو صلحت دالة (- اه-)

كلمة دالّة بمنزلة المنصوب بنزع الخافض اى لو صلحت للدّلالة

قوله طاب ثراه لم يفرق

(11) هكذا في نسخة المتن و الصّحيح لم تفرق بالتّاء لأنّ الكلمة خبر لجملة و أدلّة تكفير الأعمال و يعتبر تأنيث خبر المؤنّث

قوله طاب ثراه و ثالثة

ص: 277

في حكمها بعد الوجود (- اه-)

حيث انّه (- قدّه-) لم يف بالوعد بالنّسبة الى هذه الثّالثة لزمنا استيفاء المقال فيها فنقول انّ التوبة إذا تحقّقت بشرائطها أوجبت ترتّب آثار العدالة من جواز الايتمام و سماع الشّهادة و نحو ذلك على التّائب لما يأتي في كلام الماتن (- ره-) من إزالة التوبة الذّنب و للشّهيد الثّاني (- ره-) في (- لك-) في المقام تفصيل يعجبني نقله قال (- ره-) التّوبة تنقسم الى ما هي بين العبد و بين اللّه تعالى و هي الّتي يندفع بها اثم الذّنب و الى توبة في الظّاهر و هو الّذي يتعلّق بها الشّهادات و الولايات فامّا التّوبة الأولى فهي أن يندم على ما مضى و يترك مثله في الحال و يعزم على ان لا يعود اليه و يكون الباعث على ترك القبيح قبحه ثمَّ إن كانت المعصية لا يتعلّق بها حقّ اللّه تعالى و لا للعباد كالاستمتاع بما دون الوطي فلا شي ء عليه سوى ذلك و ان تعلّق بها حقّ مالي كمنع الزّكوة و الغصب و الجنايات في أموال النّاس فيجب مع ذلك تبرئة الذمّة منه بان يؤدّى الزّكوة و يردّ أموال النّاس ان بقيت و يعزم بدلها ان لم تبق أو يستحلّ من المستحقّ فيبرئه منها و لو كان معسرا نوى الغرامة له إذا قدر و ان تعلّق بالمعصية حقّ ليس بمالي كما لو زنا أو شرب الخمر فان لم يظهر فيجوز ان يظهره و يقرّبه ليقام عليه الحدّ الّا ان يكون ظهوره قبل قيام البيّنة عليه عند الحاكم كما سيأتي من سقوط الحدّ بالتّوبة قبل قيام البيّنة (- مط-) و إن كان حقّا للعباد كالقصاص و القذف فيأتي المستحقّ و يمكّنه من الاستيفاء فان لم يعلم المستحقّ وجب في القصاص ان يخبره و يقول انا الذي قتلت أباك مثلا و لزمني القصاص فإن شئت فاقتصّ و ان شئت فاعف و في القذف و الغيبة ان بلغه فالأمر (- كك-) و ان لم يبلغه فوجهان من انّه حقّ ادمىّ فلا يزول الّا من جهته و اليه ذهب الأكثر و من استلزامه زيادة الأذى و وعر القلوب و على الأوّل يأخذه فلو تعذّر الاستحلال منه بموته أو امتناعه فليكثر من الاستغفار و الأعمال الصّالحة عسى ان يكون عوضا عمّا يأخذه يوم القيمة من حسناته ان لم يعوّضه اللّه تعالى عنه و لا اعتبار فيه بتحليل الورثة و ان ورثوا حدّ القذف امّا الحق المالي إذا مات مستحقّه فإنّه ينتقل الى وارثه و يبرئ بدفعه إليهم و بإبرائهم منه و هكذا ينتقل من وارث إلى أخر و متى دفع هو أو أحد من ورثته أو بعض المتبرّعين الى الوارث في بعض الطّبقات برء منه و ان بقي إلى يوم القيمة ففي مستحقّه أوجه أحدها رجوعه الى صاحب الحقّ الأوّل و هو المرويّ في الصّحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا كان للرّجل على الرّجل دين فمطله حتّى مات صالح ورثته على شي ء فالّذي أخذ الورثة لهم و ما بقي فهو للميّت يستوفيه منه في الآخرة و ان لم يصالحهم على شي ء حتّى مات و لم يقض عنه فهو للميّت يأخذه به و المراد بالصّلح على شي ء في الأوّل امّا على بعض الحقّ مع إبقاء البعض في ذمّته أو الصّلح على وجه غير لازم امّا لاستلزامه الرّبا أو لعدم العلم بالمستحقّ بمقدار الحقّ مع علم من عليه الحقّ به أو نحو ذلك و الّا فلو وقع على الجميع برء منه و إن كان بأقلّ و هو صلح الحطيطة كما تقدّم في بابه و الوجه الثاني انّه يكتب لكلّ وارث مدّة عمره أو عوض المظلمة ثمَّ يكون لاخر وارث و لو بالعموم كالإمام عليه السّلام لانّ ذلك قضيّة التّوارث لما يترك الميّت لعموم الكتاب و السّنة و الثّالث انّه ينتقل بعد موت الكلّ الى اللّه تعالى لأنّه الباقي بعد فناء كلّ شي ء و هو يرث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين و أصحّها الأوّل و امّا التّوبة الظّاهرة فالمعاصي تنقسم الى فعليّة و قوليّة امّا القوليّة كالقذف فاختلفوا في حدّ توبته فقيل ان يكذّب نفسه فيما كان قذف به سواء كان صادقا في قذفه أم كاذبا ثمَّ إن كان كاذبا فتكذيبه نفسه مطابق للواقع و إن كان صادقا ورّى باطنا بما يخرجه عن الكذب في تكذيبه نفسه مع كونه غير كاذب في نفس الأمر و انّما ألزمه التكذيب (- مط-) لانّ اللّه تعالى سمّى القاذف كاذبا متى لم يأت بالشّهداء على ما قذف به لقوله (- تعالى-) الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ الى قوله فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ و للنّصوص بذلك و اختار في (- ط-) و (- ئر-) انّ حدّ التّوبة ان

يكذّب نفسه إن كان كاذبا و يعترف بالخطاء إن كان صادقا لانّ تكذيبه نفسه مع عدم كونه كاذبا في نفس الأمر قبيح فيكفيه الاعتراف بالخطاء و الأوّل أظهر للنّصوص و امّا الغيبة فتوبتها النّدم و التأسف على ما تحمّله من الوزر و الاستغفار لنفسه و لمن اغتابه كما ذكره و الاستحلال من المغتاب مع إمكانه فلو لم يمكنه و لو لكونه مثيرا للفتنة و جالبا للضّغائن كفى الندم و الاستغفار لنفسه و للمغتاب و امّا الفعليّة كالزّنا و السّرقة و الشرب و كذا الكذب و نحوه من القوليّة فإظهار التّوبة منها لا يكفي في قبول الشّهادة و عود الولاية لأنّه لا يؤمن ان يكون له في الإظهار غاية و غرض فاسد فيختبر مدّة يغلب على الظنّ فيها انّه قد صلح عمله و سريرته و انّه صادق في توبته و لا يتقدّر ذلك بمدّة معيّنة لاختلاف الأمر فيه باختلاف الأشخاص و أمارات الصّدق و عند بعض العامّة يتقدّر بمضيّ الفصول الأربعة لأنّ لها أثرا بيّنا في تهيّج النّفوس و انبعاثها لمشتهياتها فاذا مضت على السّلامة أشعر ذلك بحسن السّريرة و اكتفى بعضهم بستّة أشهر لظهور عوده إن كانت فيها غالبا و لو كانت المعصية ممّا يترتّب عليها حقّ مالي فلا بدّ من التخلّص منه كالأولى انتهى المهمّ ممّا في (- لك-) مع تغيير يسير فيما لا بدّ من تغييره و اعترضه في الجواهر من وجهين أحدهما انّه لا وجه لاعتباره الخلاص من توابع الذّنب في التوبة الّتي بين العبد و بين ربّه لأنّ التوبة عبارة عن النّدم على وقوع الذّنب منه و العزم على عدم إيقاعه و اعتبار أزيد من ذلك فيها لا دليل عليه و دعوى انّ النّدم على ذلك لا يتحقّق الّا بالخلاص ممّا تبعه منه واضحة الفساد ضرورة كون ذلك واجبا أخر نعم لو فرض كون التّابع من افراد الذّنب الّذي فرض التّوبة عنه اتّجه (- ح-) ذلك لعدم تحقّقها (- ح-) بدونه كما لو تاب عن ظلم النّاس و الفرض وجود مالهم عنده فلا توبة في الحقيقة عن ذلك الّا مع الخروج عمّا في يده و إرجاعه إليهم بطريقه الشّرعي و الّا فهو باق على الظّلم بخلاف ما لو تاب عن قتل النّفس مثلا و ان قصّر ببذل القصاص من نفسه إذ هو ذنب أخر و قلنا بجواز التبعيض في التّوبة و يمكن تنزيل كلام من أطلق على ذلك بل قد يظهر من البهائي في أربعينه المفروغيّة من ذلك فإنّه بعد ان ذكر جملة من الكلام في التوبة و الخروج من توابع الذّنب نحو ما سمعته منهم قال و اعلم انّ الإتيان بما تستتبعه الذّنوب من قضاء الفوائت و أداء الحقوق و التمكين من القصاص و الحدّ و نحو ذلك ليس شرطا في صحّة التّوبة بل هذه واجبات برأسها و التّوبة صحيحة بدونها و بها تصير أكمل و أتمّ و هو صريح فيما قلناه و لا ينافي ذلك ما ورد في بعض النّصوص المحمولة على إرادة التّوبة من سائر الذّنوب مثل ما نقل عن نهج البلاغة إذ لا يخفى عليك كون المراد التّوبة من سائر الذّنوب بل الظّاهر ارادة الفرد الكامل منها ضرورة انّه كما لا يكفي في جلاء المرئات قطع الأنفاس و الأنجرة المسوّدة لوجهها

ص: 278

بل لا بدّ من صيقلها و ازالة ما حصل بحرمها من السّواد كذلك لا يكفي في جلاء القلب من ظلمات المعاصي و كدوراتها مجرّد تركها و عدم العود إليها بل يجب محو آثار تلك الظّلمات بأنوار الطّاعات فإنّه كما يرتفع إلى القلب من كلّ معصية ظلمة و كدورة كذلك يرتفع اليه من كلّ طاعة نور و ضياء بل الأولى محو ظلمه كلّ معصية بنور طاعة تضادّها بان ينظر التّائب الى سيّئاته مفصّلة و يطلب لكلّ سيّئة منها حسنة تقابلها فيأتي بتلك الحسنة على قدر ما اتى بتلك السّيئة فيكفّر استماع الملاهي مثلا باستماع القران و الأحاديث و المسائل الدينيّة و هكذا كما يعالج الطبيب الأمراض بأضدادها و قد تكفّل علماء الأخلاق ببيان هذه المقدّمات هذا ما في الجواهر و أقول ما ذكره كلّه حسن الّا انّه لا يتّجه ردّا على الشيخ (- لك-) لأنّه لم يعتبر الخلاص من تبعة ذنب في التوبة منه و انّما اعتبر الخلاص من التّبعات مقدّمة لحصول العدالة نظرا إلى انّه ما دامت التبعة باقية فالفسق باق بل لا أظنّ الالتزام متّفقة بعدم حصول التّوبة عن ذنب خاصّ الّا بالخروج عن تبعاته المخصوصة فضلا عن مثل الشّهيد الثّاني (- ره-) الّذي هو خرّيت هذه الصّناعة الثّاني انّ ظاهر كلامه هو الخروج عن الحقّ المالي بالإيصال إلى صاحبه و الوارث البعيد و إن كان من متبرّع على وجه لم يبق عليه شي ء و فيه انّ الظّلم بحبس المال عن صاحبه لا يرتفع بالإيصال إلى الوارث و انّما يفيد الوصول إلى الوارث ارتفاع الظّلم عنه بنفس المال و امّا الحبس حقّ فالظّاهر تعلّقه به اللهمّ الّا ان يقال انّ التوبة تكفّر ذلك و فيه ما فيه فإنّها لا ترفع حقوق النّاس و انّما هي ترفع عقاب الذّنب من حيث التوعّد عليه من اللّه تعالى عقلا أو سمعا على خلاف لهم ذلك و امّا حقّ النّاس فلا بدّ من وصوله إلى مستحقّيه و لا طريق لهذا الحقّ و أمثاله ممّا ليس لأحد العفو عنه الّا صاحبه الّا التوسّل إلى اللّه تعالى شأنه في تحمّل ذلك عنه و الإلحاح عليه في ذلك و التضرّع في الابتهال و نحوها فلعلّ اللّه يعوّضه يوم القيمة بما يرضيه عن مظلمته كما هو الرّجاء به و إلى ذلك أشير في الأدعية المأثورة عنهم عليهم السلام و من ذلك يظهر انّ المال الّذي لم يوص له إلى وارثه إلى أخر الأبد يصحّ مطالبة الجميع به و إن كان الأخير منهم يطالب بعينه و غيره يطالب به من حيث حبسه و قاعدة العدل تقتضي الانتصاف منه للجميع و أقول لعلّ مراد شيخ (- لك-) (- أيضا-) ليس هو البراءة من حقّ الحبس بدفع المال لدلالة ما اعتبره من لزوم التّوبة من الحقوق على لزوم التوبة من الذّنب الّذي ارتكبه بحبس الحقّ فتدبّر و قد تلخّص من جميع ذلك عود العدالة بالتّوبة المطمئنّ بصدورها مع شرائطها المعتبرة من المذنب و قد نفى وجدان الخلاف في ذلك في المستند و نفى في مجمع الفائدة البعد عن كونه إجماعيّا لكن في المستند انّ مرادهم من عود العدالة بالتّوبة العود الحكمي فلا اشكال و كذا ان أريد العود الحقيقي و قلنا بكون العدالة حسن الظّاهر أو الاجتناب المنبعث عن صفة نفسانيّة أو صفة باعثة على الاجتناب الفعلي إذ ليس المراد من حسن الظّاهر أو الاجتناب المذكور كونه (- كك-) دائما بل المراد انّه حين يتّصف بذلك فهو عادل و ان لم يكن قبله عادلا و لا شكّ انّ بعد العلم بالتّوبة يعلم لأجلها حسن ظاهره و يكون (- ح-) مجتنبا اجتنابا منبعثا عن صفة نفسانيّة بعثته على التّوبة نعم قد يشكل على القول بكون العدالة ملكة راسخة كالشّجاعة و السّخاوة كما هو ظاهر أكثر المتأخّرين فانّ في زوالها بفعل كبيرة إشكالا لأنّ فعل كبيرة لا ينافي تلك الملكة كما اشتهر ان الصّدوق قد يكذب ثمَّ في عودها بعد الزّوال بمجرّد التوبة (- أيضا-) اشكالا و يمكن التفصّى عن الأوّل بأنّهم لا يقولون بأنّ العدالة المعتبرة شرعا هي تلك الملكة فقط بل هي مع مقارنته بعدم فعل الكبيرة أي مع الاجتناب عنها فبمجرّد الارتكاب تزول العدالة الشرعيّة عنه ضرورة انتفاء الكلّ بانتفاء جزئه و بذلك يحصل التفصي عن الإشكال (- أيضا-) فانّ التّوبة لما كانت مزيلة لأثر الارتكاب أو كانت محصّلة للاجتناب المطلوب كما أشير اليه أو كانت قائمة شرعا مقام الاجتناب تعود العدالة الشرعيّة فالمراد زوال العدالة و عودها دون نفس الملكة أو انّ المراد بالزّوال و العود المذكورين انّ غاية ما يحصل من معرفة الملكة و لو بالمعاشرة التامّة الباطنيّة هي المعرفة الظنيّة و هي ترتفع بارتكاب كبيرة فإنّه كما يمكن ان يكون ذلك الارتكاب مع بقاء

الملكة و بعث الأمور الخارجيّة على الارتكاب يمكن ان يكون لانتفاء الملكة أوّلا فالمراد زوال معرفة العدالة ثمَّ بعد ندامته و توبته يحصل الظنّ بكون الاجتناب لأصل الملكة و انّ الارتكاب انّما هو لأجل غلبة الأمور الخارجيّة هذا ما تيسّر لنا من الكلام في التوبة و ان شئت زيادة على ذلك فراجع كتب الأخبار و الأخلاق و الكلام و تدبّر

قوله طاب ثراه و يعبّر عنه بالندم (- اه-)

هذا الندم هو الّذي و رد في الأخبار الحثّ عليه و انّه موجب للغفران ففي مرسل عمرو بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سمعته يقول انّ الرّجل ليذنب الذّنب فيدخله اللّه به الجنّة قلت يدخله اللّه بالذّنب الجنّة قال نعم انّه يذنب فلا يزال خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه اللّه فيدخله الجنّة و في خبر ابان بن تغلب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه الّا غفر اللّه له قبل ان يستغفر و ما من عبد أنعم اللّه عليه نعمة فعرف انّها من عند اللّه الّا غفر اللّه له قبل ان يحمده و في خبر علىّ الجهضمي عن ابي جعفر عليه السلام قال كفى بالنّدم توبة ثمَّ انّ ظاهر أكثر الأخبار و ظاهر جملة من فقرات أدعية الصّحيفة اتّحاد التوبة مع النّدم و كون الندم توبة ففي موضع منها الهى إن كان الندم من الذّنب توبة فإنّي و عزّتك من النّادمين و في المناجات الأولى من الأدعية الخمسة عشر الهى إن كان الندم توبة إليك فإذا اندم النّادمين و ان كان الاستغفار حطّة للذّنوب فانّى لك من المستغفرين

قوله طاب ثراه ظاهر الأكثر نعم (- اه-)

قلت يدلّ عليه ما يأتي في المتن نقله عن نهج البلاغة نعم الظّاهر انّ العود بعد ذلك لا يكون كاشفا عن فساد التوبة الأولى ضرورة أنّ التوبة إذا كانت عبارة عن النّدم و العزم على عدم العود فاذا حصلت على هذا النّحو ترتّب عليها أثرها و هو الغفران فاذا عاد لم يكن لزوال الغفران وجه يعقل و يرشد إلى ما ذكرنا خبر ابى بصير قال قلت لابيعبد اللّه عليه السّلام يا ايّها الّذين أمنوا توبوا إلى اللّه توبة نصوحا قال هو الذّنب الّذي لا يعود فيه ابدا قلت و أيّنا لم يعد فقال يا أبا محمّد انّ اللّه يحبّ من عباده المفتن التوّاب فانّ المفهوم منه حصول التّوبة بالنّدم و العزم على عدم العود و ان عاد بعد ذلك و مثل صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التّوبة و المغفرة اما و اللّه انّها ليست إلّا لأهل الإيمان قلت و ان عاده بعد التّوبة و الاستغفار من الذّنوب و عاد في التّوبة قال يا محمّد بن مسلم أ ترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر منه و يتوب ثمَّ لا يقبل اللّه توبته قلت فان فعل ذلك مرادا يذنب ثمَّ يتوب و يستغفر فقال كلّما عاد المؤمن بالاستغفار و التّوبة عاد اللّه عليه بالمغفرة و انّ اللّه غفور رحيم يقبل التّوبة و يعفو عن السّيئات فإيّاك أن تقنّط المؤمنين من رحمة اللّه

قوله طاب ثراه مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله لا كبيرة مع الاستغفار (- اه-)

أشار بذلك إلى مسند ابن ابى عمير المتقدّم عند الكلام في انّ

ص: 279

الذّنوب على قسمين كبيرة و صغيرة

قوله طاب ثراه و قوله عليه السّلام دواء الذّنوب الاستغفار (- اه-)

أشار بذلك إلى قول النبي (- ص-) في خبر السّكوني لكلّ داء دواء و دواء الذنوب الاستغفار

قوله طاب ثراه و نحو ذلك

مثل مرسل المفيد (- ره-) قال قال رجل يا رسول اللّه (- ص-) انّى أذنب فما أقول إذا ثبت قال استغفر اللّه فقال إنّي أتوب ثمَّ أعود فقال كلّما أذنبت استغفر اللّه فقال إذا تكثر ذنوبي فقال عفو اللّه أكثر فلا تزول تتوب حتّى يكون الشيطان هو المدحور و أصرح من ذلك خبر الفضيل بن عثمان المرادي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اربع من كنّ فيه لم يهلك بعدهنّ الّا هالك يهمّ العبد بالحسنة فيعملها فان لم يعملها لم يكتب عليه شي ء و ان هو عملها أجلّ سبع ساعات و قال صاحب الحسنات لصاحب السّيئات و هو صاحب الشمال لا تعجل عسى ان يتبعها بحسنة تمحوها فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ أو الاستغفار فان قال استغفر اللّه الّذي لا إله الّا هو عالم الغيب و الشّهادة العزيز الحكيم الغفور الرّحيم ذو الجلال و الإكرام و أتوب اليه لم يكتب عليه شي ء و ان مضت سبع ساعات و لم يتبعها بحسنة و استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السّيئات اكتب على الشقي المحروم و ما رواه الكليني (- ره-) عن عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمّد بن خالد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ما من مؤمن يقارف في يومه دليلته أربعين كبيرة فيقول و هو نادم استغفر اللّه الذي لا إله الّا هو الحيّ القيّوم بديع السّموات و الأرض ذا الجلال و الإكرام و اساله ان يصلّى على محمّد و إله و ان يتوب علىّ الّا غفر اللّه له و لا خير فيمن يقارف في يومه أكثر من أربعين كبيرة إلى غير ذلك من الأخبار و الّذي يقتضيه التدبّر في الأخبار انّ التوبة تحصل بالنّدم و العزم على عدم العود و انّ الاستغفار مكمل لذلك فتدبّر جيّدا

[في أن التوبة مغايرة للاستغفار و في معنى الاستغفار]

قوله طاب ثراه و عدّهما جندين من جنود العقل (- اه-)

قد مرّ آنفا سند هذا الخبر و محلّ الحاجة منه فلاحظ

قوله طاب ثراه كما في الخبر المشهور المرويّ في نهج البلاغة (- اه-)

قد نقل (- قدّه-) الخبر بالمعنى و متنه المرويّ في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (- ع-) انّ قائلا قال بحضرته استغفر اللّه فقال ثكلتك أمّك أ تدري ما الاستغفار الاستغفار درجة العلّيين و هو اسم واقع على ستّة معان أوّلها النّدم على ما مضى و الثّاني ترك العود إليه أبدا و الثالث ان تؤدّى إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه عز و جل أملس ليس عليك تبعة و الرابع ان تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها و الخامس ان تعمد إلى اللّحم الّذي نبت على السّحت فتذيبه بالأحزان حتّى يلصق الجلد بالعظم و ينشو بينهما لحم جديد و السّادس ان تذيق الجسم أم الطّاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر اللّه و يوافقه في المؤدّى ما رواه في محكي تحف العقول عن كميل بن زياد انّه قال لأمير المؤمنين (- ع-) العبد يصيب الذّنب فيستغفر اللّه فقال يا ابن زياد التوبة قلت ليس قال لا قلت كيف قال انّ العبد إذا أصاب ذنبا قال استغفر اللّه بالتّحريك قلت و ما التّحريك قال الشفتان و اللّسان يريد ان يتبع ذلك بالحقيقة قلت و ما الحقيقة قال تصديق القلب و إضمار ان لا يعود إلى الذّنب الّذي استغفر منه الحديث

قوله طاب ثراه و يدلّ عليه من الكتاب تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً

الاية قد سقط من قلمه الشريف شي ء و الصّحيح قوله (- تعالى-) عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ- وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ الآية ثمَّ لا يخفى عليك ما في استدلاله بالآيتين على الوجوب من المناقشة ضرورة انّ الوجوب ان ثبت فإنّما هو بصيغة الأمر و قد التزم هو (- قدّه-) آنفا بانّ أوامر التّوبة إرشاديّة فلا معنى للاستدلال بها هنا على الوجوب و امّا الأخبار الّتي تمسّك بها فهي على كثرتها قد اقتصرت على بيان ثمرة التّوبة و خلت عن الأمر فالأولى الاستدلال للوجوب بحكم العقل المذكور و لا بأس بإيراد عدّة من الأخبار الّتي أشار إليها للتيمن بها و تبيّن صدق ما قلناه من خلوّها عن الأمر بها فمنها خبر معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إذا تاب العبد توبة نصوحا اجله اللّه فسترة عليه في الدّنيا و الآخرة قلت و كيف يستر عليه قال ينسى ملكيه ما كتبا عليه من الذّنوب و يوحى إلى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه و يوحى إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان عليك من الذّنوب فيلقى اللّه حين يلقاه و ليس شي ء يشهد عليه بشي ء من الذّنوب و منها صحيح ابى عبيدة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول انّ اللّه تبارك و تعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده من رجل؟؟؟ راحلته و زاده في ليلة ظلماء فوجدها فاللّه أشدّ بتوبة عبده من ذلك الرّجل براحلته حين وجدها و منها خبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له و المقيم على الذّنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ و منها خبر ابى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول اوحى اللّه إلى داود النّبي (- ص-) يا داود انّ عبدي المؤمن إذا أذنب ذنبا ثمَّ رجع و تاب من ذلك الذّنب و أستحيي منّى عند ذكره غفرت له و أنسيته الحفظة و أبدلته الحسنة و لا أبالي و انا أرحم الراحمين و منها خبر السّكوني عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه (- ع-) عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول اللّه (- ص-) انّ للّه فضولا من رزقه ينجاه من شاء من خلقه و اللّه باسط يده عند كلّ فجر لمذنب اللّيل هل يتوب فيغفر له و يبسط يده عند مغيب الشّمس لمذنب النّهار هل يتوب فيغفر له و منها مرسل ابن ابى عمير المرفوع قال انّ اللّه اعطى التّائبين ثلث خصال لو اعطى خصلة منها جميع أهل السّموات و الأرض لنجوا بها قوله عزّ و جلّ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فمن أحبّه اللّه لم يعذّبه و قوله فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تٰابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذٰابَ الْجَحِيمِ و ذكر الايات و قوله إِلّٰا مَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صٰالِحاً فَأُوْلٰئِكَ يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ الآية إلى غير ذلك من الأخبار

قوله طاب ثراه بأنّه دافع للضّرر (- اه-)

توضيحه انّ الذّنب مستعقب للعقاب و التوبة مزيلة له عقلا و نقلا فيجب لوجوب دفع الضّرر المظنون فضلا عن المقطوع به كما هو ظاهر

قوله طاب ثراه يقع في مقامات

لا يخفى انّه قدّس سرّه و ان لم يفصّل بين المقامين الآخرين و هذا المقام بكلمة الثّاني و الثّالث الّا انّه ذكر ما ينبغي ان يذكر فيهما و سنشير عند كلّ مطلب بأنّه مطلب المقام الفلاني إنشاء اللّه تعالى

قوله طاب ثراه جزم بالأولى في (- س-) و لعلّه لعموم (- اه-)

التّعبير عن الثّبوت بكلمة الأولى سهو من النسّاخ و الصّحيح كلمة الأوّل ثمَّ انا نقول انّ ما دلّ على قبول شهادة العادل يدلّ بإطلاقه أو بتنقيح المناط القطعي على قبول شهادته الفعليّة بعد كونها كالقوليّة في فقد الاحتمالات القادحة و الموهنة و لو بحكم الأصول و نحوها و غاية الفرق بين القول و الفعل انّ الاحتمالات المنافية في الفعل أكثر من القول و ذلك غير قادح بعد جعل المناط كون الفعل كالقول في الدّلالة فما افتى به في الدّروس قوىّ و ربّما استدلّ الشيخ الوالد العلّامة أنار اللّه برهانه لذلك بما رواه الشيخ (- ره-) بإسناده عن الحسين بن سعيد

ص: 280

القسم بن محمّد عن محمّد بن يحيى الخثعمي عن عبد الرّحيم القصير قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول إذا كان الرّجل لا تعرفه يؤمّ النّاس فيقرء القران فلا تقرء و اعتدّ بصلوته قال (- قدّه-) و قد شهد الشهيد (- ره-) في (- س-) باعتبار سنده قلت لم اعرف وجه شهادة الشهيد (- ره-) بعد شهادة رواية الحسين بن سعيد بكون المراد بالقسم بن محمّد هو الجوهري الواقفي الضّعيف مضافا الى جهالة حال عبد الرّحيم و كيف كان فتقريب الاستدلال على ما افاده الوالد (- قدّه-) انّه عليه السّلام في الايتمام بمن لا يعرفه و يجد النّاس يأتمون به و كلامه عليه السّلام مطلق شامل لما إذا لم يكن النّاس المؤتمّون معلومي العدالة فيشمل ما لو كانوا مجهولي الحال أو كانوا بأجمعهم فسّاقا أو مختلفين كما يشمل ما لو كانوا جميعا أهل العدالة غاية ما هناك انّه يخرج صورة كونهم بأجمعهم فسّاقا لفحوى ما دلّ على عدم قبول شهادة الفاسق و قوله و يبقى الباقي و مجهول الحال (- أيضا-) ساقط عن درجة الاعتبار الّا انه يمكن ان يكون اجتماع المجهولين مفيدا للظنّ بل الوثوق و الاطمئنان في كثير من الأحيان كما يحصل من اجتماع أقوالهم الشياع و الظّاهر انّه ناظر إلى صورة افادة الظنّ و يلزمه التقييد بما عدى العدالة من الأمور المعتبرة شرعا في الشّاهد الكاشفة عن جهة مطابقة قوله الواقع ككونه عارفا بأنه لا يجوز الايتمام بالفاسق و لا مجهول الحال و كونه غير متّهم في ايتمامه ببعض الأغراض الفاسدة انتهى كلامه رفع مقامه و أقول عنوان الوثوق و الاطمئنان المعبّر عنه بالعلم العادي غير عنوان الشّهادة فإنّ الاعتماد على الأوّل انّما هو من باب بناء العقلاء و على الثاني من باب التعبّد الشرعي و لذا يعتبر في الثّاني عدالة الشّاهدين و لا يعتبر في الأوّل شي ء بل يكون الملاك فيه الاطمئنان و ان حصل من فعل الفسّاق فإن أراد (- قدّه-) إثبات جواز الاعتماد على الوثوق الحاصل بفعل جماعة كما هو ظاهر كلامه أنار اللّه برهانه لم يكن حاجة إلى الاستدلال بالخبر لكون الاعتماد على الوثوق و الاطمئنان ممّا استقرّ عليه بناء العقلاء مع انّ الخبر كما يحتمل ذلك يحتمل كونه من باب الشّهادة الفعليّة و ان أراد إثبات حجيّة الشّهادة الفعليّة استنادا إلى الخبر ففيه مع انّ الخبر غير صريح في ذلك انّ إسقاط اعتبار العدالة في الفاعل ممّا لا وجه له و عبارة الشهيد (- ره-) في (- الروضة-) صريحة في اعتبار ذلك من باب الشهادة الفعليّة حيث قال و تعلم بالأخبار المستفاد من التّكرار المطلع على الخلق من التخلّق و الطّبع من التكلّف غالبا و بشهادة عدلين بها أو شياعها و اقتداء العدلين به في الصّلوة بحيث يعلم ركونهما اليه تذكية و لا يقدح المخالفة في الفروع الّا ان تكون صلوته باطلة عند المأموم انتهى و ما ذكره موجّه مع فقد الاحتمالات القادحة على نحو فقدها في القول فتدبّر جيّدا

قوله طاب ثراه تكلّف ضعيف (- اه-)

الوجه في ذلك ظاهر ضرورة أعميّة الكتابة من التلفظ بالمكتوب أوّلا و عدم جعل التلفّظ المكتوب لفظا ثانيا

قوله طاب ثراه و هي انّ كلّ طريق يجوز للإنسان ان يعمل عليه كالاستصحاب (- إلخ-)

أقول هذه الكلّية أعني جواز استناد الشّاهد في شهادته على ما يجوز له الاستناد إليه في عمله من الأصول و الأمارات الشرعيّة و المعاملة معها معاملة الواقعيّات في مقام الشّهادات ممّا لا ينبغي التأمّل فيه كما أوضحنا ذلك في البحث الثّاني من المقصد الرّابع من النّظر الثّالث في كيفيّة الحكم من كتاب القضاء من منتهى المقاصد في شرح قول المحقّق (- ره-) و مع توجّهها يعنى اليمين يلزمه الحلف على القطع مطّردا فراجع و تدبّر

قوله طاب ثراه كما يظهر هذه الكلية من رواية حفص بن غياث (- اه-)

هي ما رواه ثقة الإسلام (- ره-) عن علىّ بن إبراهيم عن أبيه و علىّ بن محمّد القاساني جميعا عن القاسم بن يحيى عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انّه له قال نعم قال الرّجل أشهد انّه في يده و لا أشهد انّه له فلعلّه لغيره فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام أ فيحلّ الشّراء منه قال نعم فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام فلعلّه لغيره فمن اين جاز لك ان تشتريه و يصير ملكا لك ثمَّ تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه و لا يجوز ان تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثمَّ قال أبو عبد اللّه (- ع-) لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق

قوله طاب ثراه امّا لو لم تثبت هذه الكلّية كما هو ظاهر المشهور (- اه-)

أقول في كون عدم ثبوت الكلّية ظاهر المشهور نظر بل منع كما لا يخفى على من راجع ما حرّرناه في الموضع المتقدّم إليه الإشارة من كتاب القضاء و في شرح المسئلة الاولى من المسائل الثلث الملحقة بالطّرف الثاني فيما به يصير شاهدا من كتاب الشّهادات من الشّرائع

قوله طاب ثراه و امّا الشّهادة القوليّة (- اه-)

هذا هو المقام الثّاني من المقامات الّتي وضع فيها الكلام و ما ذكره من عدم الخلاف و الإشكال في قبول قول العدلين في التذكية و الجرح في محلّه و أشار بما استدلّ به أوّلا من عموم حجيّة شهادة العدلين إلى ما ذكرناه في شرح أوائل المقصد الثالث من النّظر الثّالث في كيفيّة الحكم من كتاب قضاء الشرائع في مقام إثبات حجيّة البيّنة (- مط-) و عدم اختصاص حجيّتها بالمرافعة عند الحاكم من قول الصّادق (- ع-) في خبر مسعدة بن صدقة كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثّوب يكون عليك فقد اشتريته و هو سرقة أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر فبيع أو أمرية تحتك و هي أختك أو رضيعتك و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو نقوم به البيّنة و قوله عليه السّلام في صحيح حريز إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم مضافا إلى إطلاق الأخبار الواردة في شروط قبول الشّهادة مثل الأخبار المزبورة الواردة في تفسير العدالة المتوقّف عليها قبول شهادة الرّجل بين المسلمين إلى غير ذلك من الأخبار السّليمة عن المعارض

قوله طاب ثراه ما ورد من فعل النّبي (- ص-) (- اه-)

قد تقدّم الخبر النّاقل لفعله (- ص-) هذا عند الكلام في مراد المفسّر للعدالة بحسن الظاهر فلاحظ

قوله طاب ثراه و فحوى ما دلّ على اعتبارها في الجرح (- اه-)

أشار بذلك إلى خبر علقمة المتقدّم نقله في طيّ الأخبار المستدلّ بها على كون العدالة عبارة عن الأسلم و عدم ظهور الفسق و هو بمنطوقه يدلّ على قبول الشّهادة في الجرح و بمفهومه و فحواه على قبولها في التعديل

قوله طاب ثراه و هل هي معتبرة تعبّدا (- اه-)

هذا هو المقام الثّالث من المقامات في إثبات العدالة بالشّهادة

قوله طاب ثراه لكن مقتضى هذا التفصيل (- اه-)

ما ذكره من التّفصيل وجيه و ما ذكره هنا من الملازمة و اللّازم ممنوع إذ لا مانع من اعتبار العدالة في الشّاهد تعبّدا و اختصاص حجيّة شهادته بما إذا لم يظنّ خطاؤه أو اشتباهه كما لا يخفى

[في انّ مطلق الظنّ بالعدالة هل هو معتبر أم لا]

قوله طاب ثراه بقي الكلام في انّ مطلق الظنّ بالعدالة هل هو معتبر أم لا (- اه-)

ينبغي لنا البحث هنا عن مطلق كواشف العدالة فنقول لا ريب و لا إشكال في كشف العلم و كفايته و كونه؟؟؟ الحجج و ليس فوقه شي ء و انّما الكلام في انّ ادنى الكواشف أيّ شي ء و انّه هل يتعدّى من العلم به الّذي هو أقوى الحجج إلى أمر أخر أم لا فقد اشتهر و تداول عندهم انّ في المقام أقوالا ثلثة لعلمائنا الأعلام الأوّل انّ المعتبر بعد العلم حصول الظنّ الغالب بحصول ملكة العدالة المستند إلى البحث و الفحص و التتبع في أحوال من يريد معرفة

ص: 281

عدالته على وجه ينكشف له ظنّا خلقه من تخلّقه و باطنه من ظاهره و هو المنسوب إلى المتأخرين الثّاني جواز التعويل على حسن الظّاهر و هو المنسوب إلى جمع من القدماء الثّالث ما نسب إلى الإسكافي و المفيد و الشيخ في (- ف-) و جماعة (- رهم-) و هو انّه يكفي في معرفة حاله ظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق و لكنّ التأمّل في عبارات الأصحاب و روايات الباب يقضى بوجود وجوه خمسة أو ستّة في ذلك أحدها مقالة الإسكافي و الشّيخ (- رهما-) من جواز الاكتفاء بظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق ثانيها عدم جواز الاعتماد الّا على العلم بالملكة عزى إلى الشّهيد (- ره-) في باب الجماعة من (- س-) و لم نتحقّقه لانّه قال و تعلم العدالة بالشّياع و المعاشرة الباطنة و صلاة العدلين خلفه و لا يكفي الإسلام في معرفة العدالة خلافا لابن الجنيد (- ره-) و لا التّعويل على حسن الظّاهر على الأقوى انتهى فانّ مراده من قوله و تعلم انّما هو العلم الشرعي لا الواقعي بدليل قوله و صلاة العدلين ضرورة عدم سببيّتها بل و لا صلاة ألف عادل للعلم القطعي بعدالة الإمام نعم هو مذهب بعض الفقهاء الأواخر (- رض-) ثالثها جواز الاتّكال على حسن الظّاهر تعبّدا أو ظنّا نوعيّا و هذا هو الذي يفسّرون به كلام القائل باعتبار حسن الظّاهر و لذا يذكرونه في قبال قولهم رابعها كفاية مطلق الظنّ النّاشى من المعاشرة كما هو قضيّة إطلاق بعضهم خامسها اعتبار خصوص الاطمئنان و الوثوق النّاشيين من المعاشرة و المزاولة كما هو ظاهر الأكثر فهذه وجوه و أقوال خمسة بل ستّة لتعدّد القول بالاتّكال على حسن الظّاهر تعبّدا و القول بالاعتماد عليه من باب الظنّ النّوعي حجّة القول الأوّل أمور الأوّل و الثّاني و الثّالث الإجماع و أصالة الصّحة في فعل المسلم و الأخبار المستفيضة و قد تقدّمت هذه الوجوه عند نقلنا لحجج هذا القول في شرح قول الماتن (- ره-) و كيف كان فالمتّبع هو الدّليل و ان لم يذهب اليه الّا قليل (- اه-) كما تقدّم الجواب عن الأوّلين و امّا الأخبار فالجواب عنها انّه ليس منها بعد الغضّ عن أسانيد أكثرها و وهن جميعها بالهجر بمخالفة المشهور و غيرها ما يتضح دلالته على هذا المذهب سوى صحيح حريز و خبر صالح بن علقمة في الجملة بل جملة منها على خلاف ذلك أدلّ مثل مرسلة يونس الّتي اعتبر في قبول الشّهادة مأمونيّة الظّاهر الّتي هي من أعلى مراتب حسن الظّاهر و خبر عبد اللّه بن المغيرة الذي تقدّم انّه خارج مخرج التّقيّة من حيث التّصريح فيه باعتبار معرفة الصّلاح الّذي هو عبارة عن حسن الباطن و ملكة العدالة المعلومة الانتفاء في النّاصبي فكأنّه عليه السّلام عدل عن التصريح بالجواب عن سؤال السّائل تقيّة إلى إعطاء قاعدة كلّية كي يحصّل السّامع حال محلّ السّؤال و مثل خبر عبد اللّه و حسنة البزنطي عن ابى الحسن عليه السّلام قال قلت كيف طلاق السّنة قال يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل ان يغشاها بشاهدين عدلين كما قال عزّ و جلّ في كتابه فإن خالف ذلك ردّ الى كتاب اللّه عزّ و جلّ إلى ان قال قلت فإن أشهد رجلين ناصبيّين على الطّلاق أ يكون طلاقا فقال من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطّلاق بعد ان يعرف منه خير و العجب من ثاني الشهيدين (- رهما-) حيث انّه في باب الطّلاق من (- لك-) بعد ان أورد حسنة البزنطي قال و هذه الرّواية واضحة الفساد و الدّلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطّلاق و لا يردان بعد ان يعرف خيرنا في ذلك و ذلك لانّ الخير قد يعرف من المؤمن و غيره و هو نكرة في سياق الإثبات لا يقتضي العموم فلا ينافيه مع معرفة الخير منه بالّذي استظهر من الشّهادتين و الصّلوة و الصّيام و غيرها من أركان الإسلام ان لم يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصّحيح لصدق معرفة الخير منه معه و في الخبر مع تقديره باشتراط شهادة عدلين ثمَّ اكتفى بما ذكر تنبيه على انّ العدالة هي الإسلام فإذا أضيف إلى ذلك ان لا يظهر الفسق كان اولى انتهى و تبعه في هذا الكلام بعض من تأخّر عنه و ظاهره الاكتفاء بشهادة سائر المخالفين بل تحقّق العدالة فيهم و ان الرّواية ناطقة بهذا المعنى و أنت خبير بأنّه ممّا يمكن تحصيل القطع بمخالفته لقواعد الأصحاب في الفروع بل و الأصول حتّى على القول بأنّ العدالة هي الإسلام مع عدم ظهور الفسق إن كان به قائل إذ لا فسق أعظم من الكفر بل التحقيق انّ المراد بالخبر ليس الّا ملكة العدالة و لو تطبيقا بينها و بين سائر الرّوايات فانّ بعض اخبارهم يكشف

عن بعض و عدول الإمام عليه السّلام عن التّصريح بعدم كفاية إشهاد النّاصبي في الطّلاق انّما هو على نوع من التقيّة و امّا خبر عبد الرّحيم و نحوه فخارج مخرج حكم أخر لكونه ناظرا إلى مقام جواز الاتّكال في التّعديل على صلاة جماعة خلف رجل مسلم لأنّه من جملة طرق العدالة و قد عرفت في كلام الماتن (- ره-) انّه أفتى بمضمونها جماعة من أهل الملكة شارطين حصول الظنّ و الاطمئنان بعدالة الإمام من جهة فعلهم كما هو منصرف الرّواية و امّا الخبر النّافي للباس عن شهادة اللّاعب بالحمّام إذا لم يعرف بفسق فإنّما هو ناظر إلى مجرّد عدم قدح اللّعب المذكور في نفسه في العدالة و امّا مرسل ابن ابى عمير فإنّه ناظر إلى صحّة الايتمام إذا تبيّن فسق الإمام أو كفره بعد الصّلوة و إلى انّ العدالة شرط علميّ في الإمام لا واقعيّ كما افتى به عامّة الأصحاب سوى الإسكافي و علم الهدى و امّا انّ الاتّكال على عدالته من أوّل الأمر هل هو بمجرّد ظهور الإسلام أو بحسن الظّاهر أو غير ذلك الّذي هو محلّ البحث فلا تعرّض فيها له أصلا و رأسا كما لا يخفى و امّا خبر عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امام لا بأس به في جميع أموره عارف غير انّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما اقرء خلفه قال لا تقرء ما لم يكن عاقّا قاطعا فإنّما هو ناظر إلى انّ مجرّد إسماع الكلام الغليظ للأبوين لا يوجب الفسق بعد إحراز العدالة فيه و احتمال كون إسماعه لمصلحة دينيّة أو برضاهما أو غير ذلك و حاصله انّه بعد إحراز صفة العدالة في شخص لا يقدح فيه صدور ما بظاهره يحتمل الطّاعة و المعصية بل يحمل أفعاله و أقواله على الصّحيح كغيره أو هو محمول على وقوع التوبة منه أو على وقوعه مكفّرا عنه إذا لم يصرّ عليه أو غير ذلك و الّا فهو بظاهره مخالف للإجماع و لا يقول به الشيخ (- ره-) فلا بدّ له من تأويله بل هو مخالف لمقصود الشيخ (- ره-) حيث جوّز الصّلوة على من ظهر فسقه و هو (- ره-) لا يقول به بل يشترط عدم ظهور الفسق و هذا واضح و امّا ما مرّ من قول أمير المؤمنين (- ع-) لشريح فهو وارد مورد الغالب فانّ الغالب فيمن ليس بفاسق العدالة ضرورة قلّة الواسطة في الغاية بل لعلّها ليس لها مصداق في الخارج بل مصاديقها فرضيّة محضة فهو بالدّلالة على المختار أحقّ و امّا صحيح حريز و خبر صالح بن علقمة فهما و إن كانا لا يخلو ان يحكم إطلاقهما من الدلالة على هذا المذهب لكن لا محيص من تقييدهما بغيرهما من سائر الرّوايات كما هو قضيّة المطلق و المقيّد اللّذين أريد منهما أمر واحد و كان المكلّف به فيهما امرا واحدا و الحاصل انّه لا شي ء من الرّوايات المذكورة

ص: 282

ناهضا بإثبات مقصد المستدلّ مضافا إلى معارضتها بأقوى منها سندا و دلالة و اعتضادا و عملا و عددا و تأييدا فلا محيص عن طرحها أو تأويلها على فرض دلالتها الرّابع انّه لو لا كفاية الإسلام و عدم ظهور الفسق لم ينتظم الأحكام للحكّام خصوصا في المدن الكبيرة و القاضي القادم إليها من بعد مع عدم خلطته و اختباره لهم ضرورة اقتضاء اعتبار غيره تعطيل كثير من الأحكام حتّى يختبرهم أو يكون عنده من هو مختبرهم و مخالطهم و لا ريب في كونه حرجا و عسرا و تعطيلا كيف و النّاس في كثير من الأمكنة لا يتمكّنون من ذلك في طلاقهم و ديونهم و غير ذلك ممّا يحتاجون فيه إلى العدل و أنت خبير بأنّه في غاية السّقوط لكونه مجرّد استبعاد و استيحاش و دعوى العسر و الحرج ممنوعة و دعوى الاختلال و ابطال الحقوق مقلوبة ضرورة انّا لو اقتصرنا في إثبات الحقوق و احقاقهما على مجرّد اخبار من ظهر منه الإسلام و لم يظهر منه الفسق لزم تضييع الحقوق و كيف يوثق في أمر دين الخلق و دنياهم و فروجهم و أموالهم و اعراضهم و دمائهم بمن لا يستوثق منه للأمانة و الصّدق و الصّلاح و قد مرّ في طيّ الكلام على الإشكالات الّتي أوردوها على القول بالملكة في ردّ كلام السيّد صدر الدّين نقل تقريب لطيف من بعض السّادة الخامس إطلاق قوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ حيث لم يقيّده بشي ء و لا ينافيه قوله تعالى في أية أخرى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ إذ لا كلام في لزوم الشّاهد ذا عدل و انّما الكلام في انّه هل يحكم بعدالة المسلم حتّى يظهر خلافها أم لا و لا تعرّض في الآية الثّانية لهذا المعنى فيبقى إطلاق الأولى سليما عن المعارض و الجواب انّه لا محيص عن تقييد إطلاق الآية الأولى بالأخيرة و غيرها حتّى على مذهب المستدلّ فإنّه غير منكر لشرطيّة العدالة و انّما يذهب إلى الاكتفاء في معرفتها بظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق و الوجه فيه مضافا الى الإجماع على اعتبار العدالة في الشّاهد و إلى الأخبار المتواترة انّهما من قبيل المطلق و المقيّد اللّذين أحرز فيهما اتّحاد التّكليف و لا محيص في مثلهما من حمل المطلق على المقيّد و ان لم نقل بحجيّة مفهوم الوصف كما هو محرّر في محلّه (- فح-) يصير مفاد الآية و استشهدوا شهيدين عدلين من رجالكم و بعد هذا بل بدونه لا دلالة فيها بوجه من الوجوه على كفاية ظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق في إثبات العدالة ان لم يظهر منها لزوم حصول العلم بالعدالة كغيرها من سائر الموضوعات و لو بمعونة انّ الجهل بالشّرط جهل بالمشروط و لا يكفي مجرّد عدم العلم بانتفائها كما زعمه الشّهيد الثّاني (- ره-) في (- لك-) قائلا انّ اعتبار العدالة في الشّاهد اقتضى اعتبار أمر زائد على الإسلام لأنّ الإسلام داخل في قوله من رجالكم و لكن لا يدلّ على وجوب العلم بوجودها لانّ الآية المطلقة اقتضت قبول المسلم من رجالنا الشّامل بإطلاقه للفاسق و غيره و أية الوصف بالعدالة دلّت على اعتبار أمر زائد و هو اعتبار ان لا يكون فاسقا أمّا إثبات وصف أخر زائد على عدم العلم بالفسق فلا و اقلّه انّه المتنازع انتهى و هو؟؟؟ فهمه خارج عن مبلغ عقولنا و بالجملة فلا شي ء من الوجوه المذكورة ناهضا لإثبات هذا المذهب كما لا يخفى على المتدرّب حجّة القول الثاني امّا على كفاية العلم بالملكة فهي انّه ليس فوقه شي ء و امّا على عدم كفاية غيره فالأصل و الأدلّة الدّالة على عدم حجيّة غير العلم و حرمة العمل به سيّما في الموضوعات الّتي ادّعى الإجماع فيها بالخصوص على الحرمة بعد منع دلالة جملة من الأخبار و القدح في أسانيد جملة أخرى بل في بعضها دلالة على اعتبار العلم و المعرفة فينبغي ان ينزّل عليه غيره كي ينطبق الكلّ على القاعدة و منع نهوض دليل أخر و فيه انّ ما ذكره و إن كان بحسب القاعدة الأوّلية مسلّما الّا انّه سيتّضح لك إنشاء اللّه تعالى دلالة الأخبار المعتبرة المنجبرة على الاجتزاء بالظنّ و الأمارات بل و دلالة الفعل و قاعدة العسر و الحرج بل و الهرج على عدم لزوم الاقتصار على العلم حجّة الأقوال الباقية الّتي الحقّ فيها و فيها الحقّ بعد الفراغ عن تعسّر تحصيل العلم غالبا أو دائما الأخبار الخاصّة الّتي مضى شطر منها مثل صحيح ابن ابى يعفور المتقدم في طيّ أدلّة القول بالملكة و خبر عامر الطّائي و خبر إبراهيم بن زياد الكرخي و مرسل يونس و خبر ابى علىّ بن راشد و غيرها ممّا مرّت إليه الإشارة عند

تعرّض الماتن (- ره-) لدليل حسن الظّاهر و ما مرّ من إرسال النّبي صلّى اللّه عليه و آله رجلين يسئلان عن حال الشّاهد في قبيلته إلى غير ذلك من الأخبار الّتي استند إليها أرباب الأقوال المشار إليها فالقائل بالقول الثالث أعني طريقيّة حسن الظّاهر تعبّدا شرعيّا يأخذ بإطلاقها مدّعيا انّ نفس ستر العيوب و حضور جماعة المسلمين و عدم الظّلم و عدم الكذب و عدم خلف الوعد و مأمونيّة الظاهر و غيرها قد جعلت في هذه الرّوايات دليلا على العدالة من غير ان يعتبر فيها وصف ظنّ أو اطمئنان أو وثوق و لازمها بحكم إطلاقها كفاية الاجتزاء بها و ان كان الظنّ على عدم كون صاحبها صاحب الملكة فليست حالها الّا كحال الأصول العمليّة الّتي تعبّدنا الشّارع بها و ان لم يكن لنا ظنّ على طبقها بل و لو ظننا على خلافها نعم لو علم بتخلّفها عن الملكة لم يجز الاجتزاء بها كما لا يجوز الأخذ بالأصول العمليّة إذ الطّريق و ان كانت طريقيّته من باب التعبّد لا يعتدّ به بعد العلم بتخلّفه عن الواقع و ما شرط فيه الوثوق و المأمونيّة فهو و ان كان مقيّدا لإطلاقها الّا انّ سنده غير صحيح بل و دلالته غير نقيّة فلا يصلح للتقييد فينبغي ان يؤخذ بإطلاقها و إن كان الأحوط عند هذا القائل الاقتصار على حسن الظّاهر و انّه ليس حاله الّا كحال البيّنة و الإقرار و اليد و خبر الواحد و الأصول العمليّة و اللّفظية على القول باعتبارها تعبّدا من غير اشتراط افادة الظنّ و عمدة نظره إلى مثل قوله عليه السّلام من صلّى الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير حيث أمر عليه السّلام بالظنّ مع انّه غير مقدور لنا بل هو أمر قد يحصل و قد لا يحصل فليس الغرض منه الّا ترتيب آثار المظنون و ان لم يحصل ظنّ نظير قوله عليه السّلام لا تنقض اليقين الّا بيقين حيث انّ عدم نقضه مع ارتفاعه أمر غير مقدور لنا فلذا نزّلوه على عدم لزوم ترتيب آثار المتيقّن فكذلك في المقام حرفا بحرف و مثل قوله عليه السّلام ظهرت عدالته فانّ مراده (- ع-) من حكمه بظهورها مع انّ الضّرورة قائمة بانّ مجرّد عدم الظّلم و الكذب و الخلف لا يوجب ظهور العدالة و العلم بها ليس الّا الظّهور الشرعي و الحكم التعبّدي و معاملة العدل معه على حدّ معاملته مع النّاس معاملة العدول و مثل قوله عليه السّلام من لم تره بعينك يرتكب معصية فهو من أهل العدالة و السّتر حيث رتّب الحكم بالعدالة و السّتر على مجرّد عدم رؤية المعصية و عدم الاطّلاع عليها بل و مثل قوله عليه السّلام إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه حيث اقتصر فيه على مجرّد مأمونية الظّاهر و نهى عن تفتيش الباطن نظير قوله عليه السّلام في لحوم أسواق المسلمين كل و لا نسئل و مثل صحيحة ابن ابى يعفور حيث اكتفى

ص: 283

عليه السّلام بستر العيوب و حرّم التفتيش عمّا وراء ذلك إلى غير ذلك ممّا ظاهره كفاية مجرّد ظهور السّتر و العفاف و حسن الظّاهر من غير اعتبار حصول وصف الظنّ و لو ادنى مراتبه و امّا القائل بالقول الرّابع اعنى اعتبار الظنّ النّوعي فتقريبه قريب من التقريب المذكور و شواهده أكثر فإنّ حسن الظاهر لو خلّى و طبعه يفيد الظن بحسن الباطن فانّ الظّاهر عنوان الباطن فيؤول حاصل الأخبار إلى انّهم عليهم السّلام اعتبروا حسن الظّاهر الّذي هو في نفسه يفيد الظنّ فكان في قوّة اعتبارهم له لكونه مقيّدا له لو خلّى و طبعه و امّا القائل بالقول الخامس اعنى اعتبار افادة حسن الظّاهر الظن الفعلي اىّ مرتبة منه كان فهو ناظر إلى انصراف هذه الرّوايات و الأخذ بغالب أفرادها فإنّ حسن الظّاهر لا ينفكّ عن الظنّ بالملكة غالبا و عليه ينزّل قوله عليه السّلام فظنّوا به كلّ خير فانّ الظنّ لما كان غالب الحصول و الأمر به امرا بالمقدور فلا مانع من الأخذ بظاهره و امّا القائل بالوجه السّادس اعنى اعتبار الوثوق و الاطمئنان كالماتن (- ره-) فقد نظر بعد دعوى انصراف الأخبار إليه إلى خصوص قوله عليه السلام إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا فإنّ الايتمان بالظّاهر لا يمكن إلّا إذا اطمئنّ من الباطن و قوله عليه السلام لا تصلّ الّا خلف رجلين أحدهما من تثق بدينه و ورعه و قوله عليه السّلام لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه و أمانته فإنّ الوثوق بالدين و الأمانة و الورع لا يحصل ما لم يطمئنّ بالملكة بل و قوله (- ع-) إذا كان الرّجل صالحا عفيفا مميّزا محصّلا مجانبا للمعصية و الهوى و الميل و المحائل فذلك الرّجل الفاضل فانّ الظّاهر منه حصول الوثوق و الاطمئنان بوجود هذه الصفات فيه و هذا بحكم مفهومها و فحاويها أخصّ (- مط-) من سائر الرّوايات فلا مجال الّا تخصيصها بها فان قلت انّ أصل اعتبار العدالة في الشّاهد و امام الجماعة و أمثالهما انّما هو من باب الموضوعيّة و التعبّد لا الطّريقيّة و المرئاتيّة و لذا لا يعملون فيها بالمرجّحات الدّاخليّة و لا الخارجيّة و ليس حال اعتبارها الّا كحال اعتبار الذكورة و الّا لوجب الرّجوع إلى المرجّحات عند تعارض البيّنات فاذا كان حال أصل اعتبارها من باب التعبّد فكيف يكون أصل دليلها من باب الوصف بل ينبغي ان يكون دليلها و كاشفها (- أيضا-) تعبّديا قلت على فرض تسليم كون أصل اعتبار العدالة في الشّاهد و الإمام و نحوهما من باب التعبّد المحض لا ملازمة بين الأمرين و كم من أمر كان اعتباره من باب التعبّد و كان الطريق المجعول له من باب الوصف كما في أغلب طرق الأحكام و من لاحظ الأخبار المشار إليها يراها كالشمس في رابعة النّهار ناطقة باعتبار حسن الظّاهر من باب الطّريقيّة بل هو في حدّ نفسه له طريقيّة إلى العدالة كما في سائر آثار الصّفات الباطنيّة و لكنّه لمّا كان امرا غير علميّ افتقر إلى الجعل و الاعتبار من الشّارع فحاله حال خبر الواحد و الإقرار و اليد و أمثالها من الأمارات الّتي يكون لها في حدّ أنفسها طريقيّة و كاشفيّة و الشّارع قد حكم بحجيّتها و جواز العمل بها الّا انّه جعلها طريقا و مرآتا فان قلت انّ قوله عليه السلام لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه و أمانته و قوله عليه السّلام فاذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا و إن كان بظاهره دالّا على انّ اعتبار حسن الظّاهر انّما هو من باب بالطّريقيّة و انّه يعتبر فيه الوثوق الّا انّ قوله عليه السلام من صلّى الخمس و قوله عليه السّلام من عامل النّاس و أمثالهما حاكمة عليهما على حذو حكومة أدلّة الاستصحاب على ما دلّ على اعتبار الطّهارة في الصّلوة و اعتبار الوقت فيها فكما انّ الاستصحاب يدرج الوضوء و الوقت المستصحبين في الوضوء الواقعي و يحكم بأنّ الصّلوة معهما صلاة مع الطّهارة الواقعيّة في الوقت الواقعي (- فكذلك-) قوله عليه السّلام من صلّى في خمس و غيره يدلّ على انّ من كان من صفته حضور الجماعة و عدم الظّلم في المعاملة و عدم الكذب في المحادثة و عدم التخلّف في المواعدة فهو محكوم في نظر الشّارع بالعدالة الواقعيّة و ينبغي ان يعامل معاملة العدل اليقيني فكيف بالعدل الظنّي أو الاطمئناني فلا محيص عن القول باعتباره من باب التعبّد و حمل الوثوق و الايتمان على الوثوق و الايتمان النّوعي أو الشّخصي قلت فيه أوّلا ما ذكرناه قريبا من انّ مفاد هذه الرّوايات ليس إلّا افادة أصل الحجيّة و وجوب الأخذ بحسن الظّاهر و امّا من حيث أصل الطريقيّة فهو ليس بمجعول و ينبغي ان تلاحظ من تلك الجهة طريقة

العرف فإن كان أهل العرف يعدّونه طريقا و ان لم يفد الظنّ كما ربّما يظنّ و ليس كان له وجه في الجملة و الّا كما هو الظّاهر في النّظر فإنّك تريهم لا يحكمون بأن الشجاعة و الكرم و غيرهما من الصّفات النّفسانيّة إلّا بعد رؤية تكرار أثارها منه و العدالة منهما فلا وجه له و بعبارة أخرى الظّاهر من الأخبار السّابقة احالة الشّارع أمر استكشاف الملكة على ما هو طريق عند أهل العرف إليها و هي المعاشرة و المزاولة الموجبة للاطّلاع الظنّي الاطمئناني على حالة الباطني المميّزة لخلقه من تخلّقه و جعلها حجّة واجبة الاتباع على حدّ غيرها من الأمارات الّتي تحتاج حجيّتها إلى الجعل فلا دلالة له فيها بوجه من الوجوه على حجيّة هذه الأمور من باب التعبّد الشّرعي و لعلّ استفادة هذا المعنى لا تحتاج الى مزيد تأمّل فمرجع الأخبار الحاكمة بزعمك هو الأخبار المحكوم عليها و ثانيا انّ الأخبار الحاكمة المشار إليها منصرفة إلى ما إذا حصل من الأمارات المذكورة فيها الاطمئنان و الوثوق و ثالثا سلّمنا عدم كونها ناظرة إلى طريقة العرف و عدم كونها منصرفة إلى صورة حصول الاطمئنان و لكنّا نقول انّ شرائط الحكومة في المقام مفقودة فإنّ قوله عليه السّلام من عامل النّاس (- اه-) و قوله عليه السّلام من صلّى الخمس (- اه-) و أمثالهما ليست بحيث تعدّ لاغية لو لا قوله عليه السّلام إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا الخبر و قوله عليه السّلام لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه و أمانته كما هو واضح و كذا سائر ضوابط الحكومة بل لا محيص من العكس فان قلت انّ النّسبة بينهما ليست بالعموم و الخصوص المطلق بل كلّ عام من وجه و خاصّ من أخر من حيث انّ قوله عليه السّلام من عامل النّاس اعتبر المعاشرة و لم يعتبر الوثوق و الطّمأنينة و قوله عليه السّلام إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا اعتبر المأمونيّة و الوثوق و لم يعتبر المعاشرة فكيف يخصّص الأوّل بالأخير قلت أوّلا انّ الظّاهر من الخبر الأخير هو حصول الايتمان من المعاشرة و المزاولة لاموره و أحواله فهو أخصّ من صاحبه و ثانيا سلّمنا العموم من وجه و مع ذلك (- أيضا-) لا يجب العمل بهما في مادّة الافتراق تخصيصا لعموم منطوق كلّ بمفهوم الأخر بل يعمل بهما في مورد الاجتماع و ليس هو الّا ما إذا حصل الايتمان بحصول الملكة بعد المعاشرة و بهما يقيّد قوله (- ع-) في صحيح ابن ابى يعفور و الدّلالة على ذلك كلّه ان يكون ساترا لعيوبه فإنّه و إن كان بإطلاقه يدلّ على نفي كلا القيدين بل لا يعتبر سوى السّتر للعيوب ظاهرا سواء حصلت منه طمأنينة بحصول الملكة أم لا و سواء اطّلع على كونه ساترا بالمعاشرة أو غيرها إلّا انّهما أخصّ منه فلا محيص عن تخصيصه بمفهومهما معا و على مثلها فقس ما سواها على انّه يمكن دعوى انصرافه إلى صورة حصول الاطمئنان بالتّقريب السّابق و إلى

ص: 284

الاطّلاع على كونه ساترا بالمعاشرة لكونه أغلب و أشيع على فرض إطلاقه من هذه الجهة قلنا ان نلتزم بإطلاقه و إطلاق أمثاله ممّا اعتبر فيه الاطلاع بحسن الظّاهر بقول مطلق و نقول بعدم الحاجة إلى المعاشرة بل من اين حصل العلم و الاطّلاع بحسن الظّاهر فهو كاف و ظهور قوله عليه السّلام من عامل النّاس و أشباهه في اعتبار المعاشرة انّما هو من باب ذكر الأفراد الشّائعة ضرورة أنّ الاطلاع على حسن الظّاهر لا يحصل غالبا الّا بها و الّا فلو فرض له الاطّلاع من جهة أخرى كما إذا تواتر انّ زيدا حسن الظّاهر و لم ير منه صغيرة و لا كبيرة بحيث حصل من ذلك الوثوق بالملكة فينبغي الجزم بكفايته و ربّما يدلّ عليه ما مرّ من قضيّة إرسال النّبي (- ص-) رجلين من خيار أصحابه يسئلان عن حال الشاهدين بل الظاهر منه جواز التعويل على مجرّد الاطّلاع على الظّاهر فما ظنّك بالمقام الّذي هو مجرّد معاملة العدل معه لا الشّهادة على العدالة فإن قلت انّ مقتضى كثير من الأخبار المذكورة كصحيحة ابن ابى يعفور و مرسلة يونس و غيرهما هو حصول العلم بكونه حسن الظّاهر عند كلّ أحد دائما لمكان حذف المتعلّق و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به لانّ الاطّلاع على هذا المعنى أشكل بمراتب من الاطّلاع على الملكة النّفسانيّة فلا بدّ من تنزيلها أو صرفها إلى حصول العلم بكونه حسن الظّاهر و لو في الجملة عند بعض النّاس في بعض الأحيان و انّه يحكم بالعدالة بأدنى معاشرة و لا تقولون به قلت انّ هناك امرا ثالثا ينصرف اليه ظواهر الأخبار المذكورة و هو المعاشرة بالقدر المعتدّ به عرفا الّذي يستكشف منه و لو كشفا ظنّيا عن الملكة في حقّ من تحقّق في حقّه ذلك فان قلت انّ ظاهر جملة من الأخبار هو اعتبار حصول العلم و المعرفة بالحالة الباطنيّة كقوله عليه السّلام بعد ان يعرف منه خير و قوله عليه السّلام و عرف بصلاح في نفسه و مقتضاه عدم جواز الاعتماد على مجرّد الوثوق فكيف التّوفيق قلت على فرض ظهورها فيما ذكر و عدم ارادة الخير و الصّلاح الظّاهرين منها و عدم عمومها للوثوق الّذي يعامل أهل العرف معه معاملة العلم و ينزّلون كثيرا من كلمات الشّارع عليه لا محيص عن تنزيلها عليه و الّا لزم احالة الأمر على طريق لا ينتفع به لندرة وجوده في الغاية أو طرحها لكونها مثبتة لحكم عسر موجب لاختلال النّظام كما لا يخفى و حاصل الكلام و فذلكة المرام انّ المستفاد من هذه الرّوايات بعد ضمّ بعضها إلى بعض و بعد ملاحظة منصرفها و ظواهرها انّ الشّارع قد رضى في استعلام عدالة الرّجل و ملكته الواقعيّة و في الحكم بتحقّقها بالسّلوك من المسلك الّذي يسلكونه أهل العرف من المعاشرة المعتدّ بها الكاشفة ظنّا اطمينانيّا عن الملكة المذكورة و كون جملة منها موهونة في حدّ نفسها بالإرسال و الضّعف لا يقدح بعد انجبارها بفتوى المشهور و عملهم بل لعلّ في سليم السّند منها الكفاية فتلخّص من ذلك كلّه انّ ما اختاره الماتن (- ره-) من اعتبار المعاشرة الموجبة لسكون النّفس و الاطمئنان أقرب إلى القاعدة و أنسب بالأخبار الواردة و به اتّضح وهن سائر الوجوه و الأقوال مضافا إلى ما يرد على القائل بكون اعتبارها من باب التعبّد أو الظنّ النّوعي من انّ الظّاهر و الباطن أمران إضافيّان فالظّاهر لأجل البلد باطن بالنّسبة إلى غيرهم و الظّاهر لأهل المحلّة باطن بالنّسبة إلى باقي أهل البلد و الظّاهر للجيران باطن لباقي أهل المحلّة و الظّاهر لأهل البيت باطن للجيران و الظّاهر للزّوجة باطن لغيرها و قد تكون السّلسلة بالعكس فلا يظهر لزوجته ما يظهر لغيرها و لا يظهر لأهل بلده ما يظهر لغيرهم و هكذا فجعل طريق العدالة مجرّد حسن الظّاهر من غير اعتبار حصول الوصف يخرجه عن ان يكون مضبوطا تنبيهات الأوّل انّ المراد بالوثوق و الاطمئنان انّما هو الظنّ الّذي لا يزول بمجرّد تشكيك المشكّك أو عروض ادنى القوادح بل تركن اليه النّفس و تطمئنّ به و لو في أدنى مرتبة الاطمئنان عملا بإطلاق الأخبار بل لو بنينا على اعتبار أقوى مراتبه لزم عسر الاطّلاع على العدل بل تعذّره غالبا فيختلّ أمر الشّرعيّات كما لا يخفى الثّاني انّ ما ذكر كلّه انّما هو الكلام في طريق الملكة الّتي هي تمام حقيقة العدالة أو جزئها و امّا طريق عدم وقوع المعصية الفعليّة الّذي هو بمنزلة جزئها الأخر أو شرطها فالظّاهر في النّظر كفاية أصالة العدم و استصحابه في إحرازه بل و أصالة الصّحة على بعض الوجوه و لعلّه إجماعيّ فمستند الحكم بالعدالة عند التحقيق أمران أحدهما الظنّ بالملكة أو الوثوق بها أو ظهور

الإسلام أو حسن الظّاهر على اختلاف المذاهب و الأخر أصالة عدم صدور المعصية فعلا أو استصحابه أو أصالة الصّحة فتدبّر جيّدا الثّالث انّه قد بان لك بما فصّلناه إلى هنا وجه الخلاف الّذي ذكروه في انّ الأصل في المسلم هل هو أصالة العدالة أو الفسق أو التوقّف فذهب بعضهم الى انّ الأصل فيه العدالة و هذا ممّا يتفرّع على تفسير العدالة بمجرّد الإسلام و عدم ظهور الفسق و مستنده ما مرّ من مستنده و جوابه جوابه و ذهب جمع إلى انّ الأصل فيه الفسق نظرا إلى انّ الأصل التّكليف و اشتغال الذّمة بالعبادات و التّكاليف و الأصل عدم خروجه عن عهدتها حتّى يعلم قيامه بها و هذا هو المناسب للقول بأنّها الملكة لأنّ الأصل عدم حصول الملكة حتّى يحصل الاطّلاع عليها فأدلّة القول بالملكة تدلّ عليه و الحقّ هو التوقّف حتّى يعلم أحد الأمرين من عدالة أو فسق و لازمه عدم ترتيب آثار شي ء منهما ما لم يعلم

قوله طاب ثراه و يمكن الإيراد عليه أوّلا (- اه-)

قد عرفت جواب الإيرادين ممّا ذكرناه هذا أخر ما أردنا إيراده في التعليق على رسالة العدالة و الحمد للّه تعالى على أنعم به علىّ من النّعم الظّاهرة و الباطنة و الصّلوة و السّلام على محمّد و إله أشرف البريّة و اللّعنة الدّائمة على أعدائهم و مخالفيهم و منكريهم أجمعين و يتلوه شرح القضاء عن الميّت و الحمد للّه ربّ العالمين

ص: 285

بسم اللّه سبحانه و تعالى و له الشكر و الحمد و الصّلوة و السّلام على خير الخلق محمّد و إله الطّهر العمد و بعد فقد

قال الإمام الماتن المحقّق الأنصاري قدّس اللّه نفسه الزكية مسئلة في قضاء الصّلوة عن الميّت

و أقول القضاء بالمدّ و قد يقصّر كما صرّح بذلك جمع من أهل اللّغة قد استعمل في لغة العرب على معان عديدة ربّما انتهت إلى عشرة بل زادت عليها فمنها الأداء و الإتيان بالشّي ء و منه قولهم قضى ما عليه من دين أو غيره أي أدّاه و اتى به و في المصباح المنير و غيره انّ منه قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمْ مَنٰاسِكَكُمْ اى ادّيتموها و كذا منه قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ أي ادّيتموها و أتيتم بها ثمَّ قال في المصباح انّه استعمل العلماء القضاء في العبادة الّتي تفعل خارج وقتها المحدود شرعا و الأداء إذا فعلت في الوقت المحدود و هو مخالف للوضع اللّغوي لكنّه اصطلاحيّ للتميّز بين الوقتين انتهى قيل و من القضاء بمعنى الأداء و الإتيان قولهم قضى نحبه كأنّه لما كان موته لازما لا محالة صار ذلك كالحق الّذي عليه يطالب به فاذا مات فقد ادّى ما عليه و صرّح في التّاج بانّ استعمال قضى بمعنى مات مجاز و منها الفراغ قيل و منه قوله تعالى فَوَكَزَهُ مُوسىٰ فَقَضىٰ عَلَيْهِ اى قتله و فرغ منه و قيل انّ قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمْ مَنٰاسِكَكُمْ و قوله تعالى فَإِذٰا قُضِيَتِ الصَّلٰاةُ (- أيضا-) من هذا القبيل و في وسائل المحقّق الكاظمي (- قده-) انّه يحتمله قولهم قضى نحبه و قضيت حاجتي و منها المضيّ و الإتمام فإنّ القاضي يمضي الأمر و يفعله و يتمّه و منه قوله سبحانه فَلَمّٰا قَضىٰ مُوسَى الْأَجَلَ الآية و قوله جلّ ذكره قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيٰانِ اى تمَّ و مضى و منها البلوغ و النّيل و منه قوله جلّ من قائل فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا اى بلغ ما يريد و ناله و قضيت حاجتي اى نلته و منها الإنهاء و الأعلام قال في التّاج و قضى اليه أنهاه و منه قوله تعالى وَ قَضَيْنٰا إِلَيْهِ ذٰلِكَ الْأَمْرَ أي أنهيناه اليه و ابلغناه ذلك انتهى و منها البيان و منه قوله سبحانه مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ اى يبيّن لك بيانه و منها الحتم و الأمر و منه قوله سبحانه وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلّٰا تَعْبُدُوا إِلّٰا إِيّٰاهُ و ربّما جعله غير واحد بمعنى الحكم و ما ذكرناه أظهر و منه (- أيضا-) قوله تعالى ثُمَّ قَضىٰ أَجَلًا اى حتم بذلك و أتمّه قاله في التّاج و غيره و منها الصّنع و الخلق كما في قوله جلّ شانه فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ اى صنعهنّ و احكمهنّ و قال في تاج العروس مازجا بالقاموس و يكون القضاء بمعنى الصّنع و التقدير يقال قضى الشي ء قضاء إذا صنعه و قدّره و قوله تعالى فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ اى خلقهن و عملهنّ و صنعهنّ و قدّرهنّ و احكم خلقهنّ و منه القضاء المقرون بالقدر و هما أمران متلازمان لا ينفد أحدهما عن الأخر لأنّ أحدهما بمعنى الأساس و هو القدر و الأخر بمنزلة البناء و هو القضاء فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء و منه قول ابى ذويب و عليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السّوابغ تبّع انتهى و منها الحكم كما في قوله سبحانه وَ اللّٰهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ اى يحكم به فيكون القاضي الحاكم قال في التّاج القضاء بالمدّ و يقصر الحكم قال الجوهري أصله قضاى لانّه من قضيت الّا انّ الياء لمّا جائت بعد الألف همزت قال ابن أبي برى صوابه بعد الألف الزّائدة طرفا همزت قضى عليه و كذا بين الخصمين يقضى قضيا بالفتح و قضاء بالمدّ و قضية كغنية مصدر و هي الاسم (- أيضا-) اى يحكم عليه و بينهما فهو قاض و ذلك مقضي عليه انتهى و منها فصل الأمر قولا أو فعلا و عن ابن فارس في المقاييس انّه أصل صحيح يدلّ على أحكام الأمر و إتقانه و إنفاذه انتهى و منه قوله سبحانه ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ. إِلّٰا حٰاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضٰاهٰا إلى غير ذلك من المعاني الّتي يمكن إرجاع بعضها إلى بعض بل عن ابى إسحاق دعوى كون مرجع الجميع إلى الإتمام و انّ المعاني الأخر مصاديقه و افراده نظرا إلى انّ تمام كلّ شي ء بحسبه فيكون مشتركا معنويّا و هو خير من الاشتراك اللّفظي الّذي المجاز خير منه كما تقرّر في محلّه و على كلّ حال فقد سمعت من الفيومي التّصريح بأنّ إطلاق القضاء على خصوص الإتيان بالموقّت في خارج وقته اصطلاح من العلماء و ليس الاستعمال في هذه الخصوصيّة من المعاني اللّغوية فما صدر من بعض مشايخنا (- قدّه-) من زعم انّه من المعاني اللّغوية و انّ منه قوله عليه السّلام من فاتته فريضة فليقضهما كما فاتته لا وجه له

ثمَّ انّه قال في المصباح المنير انّ القضاء على جميع المعاني مصدر فتأمّل

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.