اسطوره التحريف: دراسه في مساله التحريف عندالشيعه والسنه

اشارة

سرشناسه : شريفي، محمود، 1331 -

عنوان و نام پديدآور : اسطورة التحريف: دراسة في مسألة التحريف عندالشيعة والسنة/ تاليف محمود الشريفي؛ باشراف محمدهادي المعرفة.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1387.

مشخصات ظاهري : 160 ص.

شابك : 10000 ريال 978-964-540-152-6:

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه: ص. [153] - 155؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : قرآن -- تحريف.

شناسه افزوده : معرفت، محمدهادي، 1309 -

رده بندي كنگره : BP89/2/ش4الف5 1387

رده بندي ديويي : 297/159

شماره كتابشناسي ملي : 1319241

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقدمة

بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران واشتداد قدرتها يوماً فيوماً رأى الاستكبار العالمي أنّ منافعه في خطر جدّي إذ زعم في البداية أنّ الثورة الإسلامية أيضاً كما هو دأب سائر الثورات والحركات تميل إلى الغرب أو الشرق فتصير محدودة ولاتكون مضرّة بحاله، ولكن فهم تدريجاً أنّ هذه الثورة إسلاميّة بتمام معنى الكلمة وهدفها إحياء الإسلام في كلّ العالم وإنقاذ المسلمين من يد المستعمرين.

بعد أمد قصير من نجاح الثورة وانعطاف المسلمين من أقصى العالم إليها وجعل الثورة أملًا وأسوة لهم إزدادت مخاوف المستعمرين فقاموا بمواجهة هذه الثورة بشتّى الوسائل، فدبّروا مؤامراةً شيطانيّة لمجابهة الثورة وإسقاط نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وذلك من خلال فرض الحرب من قِبل العراق ودعم الأحزاب المعارضة للنظام الإسلامي وغيرها، هذا من الجانب السياسي.

ص: 6

ومن جانب آخر هاولوا إثارة النزاعات الطائفيّة بزرع الفتنة أو إحياء الخلافات الجزئيّة الّتي كانت بين الطوائف وكادت تبيد على مرّ العصور لكنّهم أرادوا أن يمزّقوا شمل المسلمين و أن يفصلوا عضواً مهمّاً من جسد الأمّة الإسلاميّة المتمثّل بالطائفة الشيعيّة وأرادوا أن يبرزوا للعالم- ما هو خلاف الواقع- وهو أنّ الثورة في إيران ثورة طائفيّة لا علاقة لها بالعالم الإسلامي.

ومع الأسف الشديد إنّ كثيراً من حكّام البلاد الإسلاميّة وعلمائهم على رغم رغبة شعوبهم في دعم النظام الإسلامى لقطع أيادى الاستعمار من البلاد الإسلامية عن طريق توعية المسلمين وتصدير فكر الثورة الإسلامية الإيرانيّة إلى سائر البلاد قاموا بمعاداة النظام الإسلامي وتؤازروا مع معسكر الكفر العالمي لمواجهة هذه الثورة الفتيّة والسعي لبثّ الخلاف بين أبناء الأمّة الإسلاميّة وإشاعة التهم ضدّ أتباع بعض المذاهب.

وكان من التهم الّتي أوردوا على الشيعة قبل الثورة الإسلاميّة وركّزوا عليها بعدها هي تهمة تحريف القرآن. وهذا ممّا يؤسفنا إذ بعد اضمحلال الغلاة والحشويّة وانهيار عقائدهم وبعد أن أثبت العلماء بالبراهين الواضحه أنّ القرآن الّذي بين الدفّتين هو القرآن الّذي نزل على محمّد صلى الله عليه و آله وهو الّذي جمع في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وعدم اعتبار الروايات المجعولة الّتي كانت مخالفة لهذا الرأي وبعد إعلام جميع علماء الإسلام في كلّ العالم بأنّ هذا القرآن هو القرآن المنزل على رسولنا صلى الله عليه و آله وبعد

ص: 7

مساعي جمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لطبع هذا القرآن بخطّ عثمان طه ونشره في كلّ العالم وحثّ المسلمين على تلاوته وحفظه وبعد اضمحلال الأرضيّة الّتي يمكن أن تنبت عقيدة التحريف بعد كلّ هذا نرى جمعاً من العلماء المرتزقة من وعّاظ السلاطين بوحي من الحكّام الخونة ينسبون تحريف القرآن إلى الشيعة بدلًا من ردّ هذا القول السخيف. وقد تصدّوا لترويج ذلك، فنراهم يطرحون هذا الافتراء كلّ يوم بعناوين جديدة لاتّهام الشيعة، والحال أنّ عقيدة الشيعة خلاف ذلك وعلماء الشيعة صرحّوا في كتبهم المختلفة بأنّ القرآن الموجود بين الدّفتين هو القرآن المنزل على النبيّ صلى الله عليه و آله ولم يمسّه يد التغيير والتحريف كما أخبر بذلك الخبير المتعال في قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» (1)

فمن كان لديه أدنى معرفة بكتب الشيعة وما فيها يعلم أنّ نسبة تحريف القرآن إليهم كذب محض واتّهام نشأ من الجهل أو من الأغراض السياسيّة بل هي اسطورة بناها الخونة وأعداء الإسلام والمسلمين.

وعقيدتنا في هذه المسألة هي النفي التامّ لها وردّ الأخبار الواردة في الآثار الإسلاميّة الّتي توهم وجود التحريف أو التغيير أو النقص، فهي لاتخرج عن كونها أخبار آحاد وطرقها ضعيفة ومخالفة للقرآن الكريم، فلا يمكن الركون إليها مقابل تواتر القرآن الكريم والأخبار الّتي تدلّ


1- الحجر: 9

ص: 8

على سلامته، فيجب علينا تأويل تلك الأخبار أو تفسيرها وتحليلها أو ردّها.

بل نقول أنّ كون القرآن محفوظاً من التحريف بديهى بين المسلمين خصوصاً عند الشيعة، ولم يعرض لهم شكّ في هذه المسألة إلّا لبعض الأخباريّة منهم، ودليل ذلك أنّ الشيعة الإماميّة يستدلّون ويستندون إلى القرآن في المسائل الفقهيّة والأبحاث الاجتماعيّة والسياسيّة والأخلاقيّة وغيرها ويتمسّكون به وله عندهم قيمة عظيمة فوق كلّ كتاب، ويهتمّون بحفظه وتلاوته وطبعه صحيحاً ودوّنوا حوله كتباً تفسيريّةً وشروحاً و ترجمات كثيرة.

فلذلك ليس من الإنصاف توجيه هذا الاتّهام إلى المسلمين والشيعة خصوصاً بعد نجاح الثورة الإسلاميّة واستقرار النظام الإسلامي واهتمام هذا النظام بالقرآن وسعيه واجتهاده في نشر القرآن صحيحاً في جميع أقطار العالم وإيجاد مؤسّسة تشرف على طبع القرآن الصحيح عند جميع المسلمين وتخصيص مطابع لطبع القرآن.

لكن مع بالغ الأسف نرى تكرار هذا الاتّهام السخيف ونسبته إلى الشيعة يوماً فيوماً فلهذا رأيت أنّ البحث في هذه المسألة ضروري فاخترت هذا الموضوع حتّى أوضح أنّها فرية ومقالة باطلة بل أسطورة ليس لها أيّة قيمة كما ستعرف ضمن البحث إن شاء اللَّه.

إنّ القرآن هو كتاب اللَّه المنزل على رسوله الأمين لهداية الناس وتزكيتهم وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، وهو دستور

ص: 9

لجميع أهل العالم منذ نزوله من عند اللَّه وهو الّذي لاياتيه الباطل منذ نزوله و إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة كما أخبر به جلّ وعلا بقوله:

«وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (1)

وهو كتاب قويم لا يعتريه أيّ خطاء ونقصٍ ولا تمسّه أيدي المضلّين والخونة وهو الكتاب الّذي عجز الجنّ والإنس من أن يأتوا بمثله ولو بسورة قصيرة وإن كان بعضهم لبعض ظهيراً- حيث قال: «وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» (2)

، وقال: «كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي اْلأَرْضِ». (3) وفي الختام جدير أن أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لأستاذنا العلّامة آيةاللَّه الشيخ محمد هادي المعرفة- أعلى اللَّه مقامه الشريف- لهدايتي وإرشادي في سبيل تدوين هذه الرسالة ومراجعته بعد تدوينها وبيان ملاحظات جيّدة لتكميلها أرجو له من اللَّه تعالى أن يحشره مع الرسول و آله عليهم السلام.

محمود الشريفي

20/ 8/ 86


1- فصلت: 41
2- الإسراء: 81
3- الرعد: 17

ص: 10

ص: 11

الفصل الأوّل: معنى التحريف وأقسامه

معنى التّحريف لغةً

اشارة

ص: 12

ص: 13

قال الزمخشري: «عَلى حَرْفٍ»: على طرف من الدين لافي وسطه وقلبه. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم، لاعلى سكون وطمأنينة، كالّذي يكون على طرف العسكر، فإنْ أحسّ بظفر وغنيمة قرّ واطمأنّ، وإلّا فرّ وطار على وجهه. (1) وقال الطريحي: التحرّف الميل إلى حَرْفٍ أي طرف، وقيل يريد الكرّ بعد الفرّ وتغرير العدوّ. وقوله: «يَسْمَعُون كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفونَهُ» أي يقلبونه ويُغيّرونه، وحَرْفُ كلّ شي ءٍ: طرفه وشفيره وحدّه. (2) وقال الراغب الإصفهاني: وتحريف الكلام أنْ تجعله على حَرْفٍ من


1- الكشّاف، ج 3، ص 146. ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ» الحج: 11.
2- مجمع البحرين، ص 489 «حرف».

ص: 14

الاحتمال يمكن حمله على الوجهين، قال عَزّ وَجَلَّ: «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» و «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ» و «وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ». (1) ومعلوم أنّ التحريف بهذا المعنى تفسير معنوي، أي تفسير الكلم على غير وجهها وبغير ما وضعت له.

القرآن ولفظ التحريف

استعمل القرآن لفظ التحريف في معناه اللغوي، أي التصرّف في الكلمة وتفسيرها على غير وجهها، وهو تحريف معنوي كما أشير إليه في قول اللَّه تعالى: «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ». (2) وكذا في قوله تعالى في سورة البقرة: «وَقَدْ كانَ فَريقٌ مِنهُم يَسمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ» (3)

أي: أنّهم كانوا يحرّفونه بعد علمهم بالمعنى الحقيقي الذي اريد منه، ولكن كان المراد الحقيقي على خلاف مصالحهم.

فهو من سوء التأويل كما عبّر عنه الشيخ الطوسي في التبيان وقال:

«وقوله «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ» فالتحريف يكون بأمرين: بسوء التأويل وبالتغيير والتبديل». (4)


1- المفردات في غريب القرآن، ص 114 «حرف».
2- النساء: 46
3- البقره: 75
4- التبيان، ج 3، ص 470.

ص: 15

وكذلك أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: «وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ». (1)

وقال الشيخ محمد عبده: «من التحريف تأويل القول بحمله على غير معناه الّذي وضع له، وهو المتبادر، لأنّه هو الّذي حملهم على مجاحدة النّبى صلى الله عليه و آله وإنكار نبوّته وهم يعلمون إذ أوّلوا ولا يزالون يؤوّلون البشارات به إلى اليوم.» (2) وأمّا التحريف اللفظي بمعنى الزيادة أو النقصان أو تبديل الكلم إلى كلمات غيرها فلم يعهد استعماله في القرآن ظاهراً، كما أشار إليه بعض المحقّقين. (3) أمّا التحريف المعنوي فقد وقع في القرآن قطعاً، فتحمل فيه الآيات على غير معانيها، ولعلّ إلى هذا المعنى أشار الإمام الباقر عليه السلام في رسالته إلى سعد الخير حيث قال: «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه». (4) ولكن هذا المعنى من التحريف ليس محطّ نظرنا وبحثنا بل مورد بحثنا هو التحريف اللفظي الاصطلاحي.


1- آل عمران: 78
2- تفسير المنار، 5، 140.
3- صيانة القرآن من التحريف، 22.
4- الكافي، 2، 53.

ص: 16

أقسام التحريف اللفظي

اشارة

والتحريف اللفظي والاصطلاحي على أقسام مختلفة، فيجب علينا بيان أهمّها والبحث عنها:

القسم الأوّل: التغيير في الحروف والحركات.

القسم الثاني: التغيير في الكلمات.

القسم الثالث: التغيير في الآيات والسور.

أمّا القسم الأوّل وهو التغيير والتحريف في الحروف والحركات فقد وقع في القرآن لوجود اختلاف القراءات في بعض كلمات آيات القرآن حتّى بلغت القراءات السبع أو العشر.

لكن إنّا نعتقد أنّ اختلافها لم يأت من اللَّه عزّ وجلّ أو الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله بل جاء من جانب المسلمين لعدم وقوفهم على القراءة الّتي علّمهم إيّاها الرسول صلى الله عليه و آله وتفرّقهم فى البلاد مع وجود بعض اللهجات الخاصّه في البلاد ممّا يمهد الأرضية اللازمة لوقوع التحريف والتغيير في

ص: 17

الإعراب والحروف كما يمكن أن تكون علّة ذلك عدم وجود النقط وعلامات الإعراب في المصحف في ذلك الزمان كقراءة «فتبيّنوا»، «فتثبتوا» ولدلائل أخرى...

وهذه الاختلافات في القراءة دوّنها المفسّرون وغيرهم في كتبهم التفسيرية وكتب القراءات حتّى صار علم القراءة علماً خاصّاً من علوم القرآن كما روى أهل السنّة والشيعة.

ومن أراد مزيد الاطّلاع على هذه القراءات فليراجع تفسير مجمع البيان للطبرسي حيث روى هذه الاختلافات.

والقرآن الّذي بين الدفّتين كُتب على أساس القراءات المشهورة الّتي ثبت تواترها أو اشتهارها عند المسلمين.

وأمّا القسم الثاني والثالث وهو تغيير بعض الكلمات أو زديادة بعض الكلمات والآيات اعتقاداً بأنّه يجوز تبديل بعض الكلمات المشتركة أو لإيضاح الكلمات ورفع الإبهام منها كما أعلن الجواز في ذلك ابن عباس على ما يروى عنه فهو ممّا لا بأس به من التزام الشرط وعدم الالتباس.

وأمّا مع الاعتقاد بأنّها من النصّ القرآني فهو سخيف، كما نردّ ونعرض عن روايات الآحاد الّتي وردت حول تحريف هذه الكلمات والآيات.

وأمّا إزدياد بعض السور كما نقل عن بعض المنحرفين كإنكار كون سورة يوسف من القرآن فهو قول سخيف وباطل لا يعتنى به.

ص: 18

وأمّا التحريف بالنقيصة بمعنى حذف بعض الكلمات أو الآيات أو السور فهو مما ننكره أشد الإنكار ولم يقبله عامّة المسلمين إلّاالقليل منهم وإن وردت فيه روايات أكثرها من طرق أهل السنّة وبعضها من طرق الشيعة إلّاأنّ جميع هذه الروايات تكون في موضع رفض من قبل المسلمين، وسنبحث عنها فيما يلي بنحو الاختصار بعون اللَّه تعالى.

ملخّص كلام المرحوم آيةاللَّه العظمى الخوئي:

قال: يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الاشتراك، فبعض منها واقع في القرآن باتّفاق من المسلمين، وبعض منها لم يقع فيه باتّفاق منهم أيضاً، وبعض منها وقع الخلاف بينهم.

وإليك تفصيل ذلك:

الأوّل: نقل الشي ء عن موضعه وتحويله إلى غيره، ومنه قوله تعالى:

«مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ». (1)

ولا خلاف بين المسلمين في وقوع هذا التحريف في كتاب اللَّه، فإنّ كلّ من فسرّ القرآن بغير حقيقته وحمله على غير معناه فقد حرّفه، مثل أهل البدع والمذاهب الفاسدة الذين حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم، وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى وذمّ فاعله في عدّة من الروايات.

الثاني: النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات، مع حفظ


1- النساء: 46

ص: 19

القرآن وعدم ضياعه، وإن لم يكن متميّزاً في الخارج عن غيره.

والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعاً، ومعناه أنّ القرآن المنزل إنّما هو مطابق لإحدى القراءات، وأمّا غيرها فهو إمّا زيادة في القرآن وإمّا نقيصة فيه.

الثالث: النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين، مع التحفّظ على نفس القرآن المنزل. والتحريف بهذا المعنى قد وقع في صدر الإسلام في المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان، وأمّا القرآن الموجود فليس فيه زيادة ولا نقيصة.

الرابع: التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفّظ على القرآن المنزل، والتسالم على قراءة النبىّ صلى الله عليه و آله إيّاها.

والتحريف بهذا المعنى أيضاً واقع في القرآن قطعاً، فالبسملة- مثلًا- ممّا تسالم المسلمون على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قرأها قبل كلّ سورة غير سورة التوبة، وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنّة، فاختار جمع منهم أنّها ليست من القرآن، وذهب جماعة أخرى إلى أنّ البسملة من القرآن.

وأمّا الشيعة فهم متسالمون على جزئية البسملة من كلّ سورة غير سورة التوبة، فعلى هذا وقع التحريف في القرآن بالزيادة أو بالنقيصة.

الخامس: التحريف بالزيادة بمعنى أنّ بعض المصحف الّذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل.

ص: 20

والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين، بل هو ممّا علم بطلانه بالضرورة.

السادس: التحريف بالنقيصة بمعنى أنّ المصحف الّذي بأيدينا لايشتمل على جميع القرآن الّذي نزل من السماء فقد ضاع بعضه على الناس.

والتحريف بهذاالمعنى هو الّذي وقع الخلاف فيه، فأثبته قوم ونفاه آخرون.

ثمّ قال: والمعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله، وقد صرّح بذلك كثير من الأعلام:

منهم رئيس المحدّثين الصدوق محمد بن بابويه، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية.

ومنهم شيخ الطائفة أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي، وصرّح بذلك في أوّل تفسيره «التبيان» ونقل القول بذلك أيضاً عن شيخه علم الهدى السيّد المرتضى، واستدلاله على ذلك بأتمّ دليل.

ومنهم المفسّر الشهير الطبرسي في مقدّمة تفسيره «مجمع البيان»،

ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر في بحث القرآن من كتابه «كشف الغطاء» وادّعى الإجماع على ذلك

ومنهم العلّامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه «العروة الوثقى» ونسب القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين.

ص: 21

ومنهم المحدّث الشهير المولى محسن القاساني في كتابيه.

ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدّمة تفسيره «آلاء الرحمن». (1) ولكن مع ذلك كلّه اتّهموا الشيعة بأنّهم معتقدون بتحريف القرآن والسبب أنّه توجد في مصادرهم روايات تدّعي أنّ القرآن وقع فيه التحريف ولا بدّ أنّهم يعتقدون بها.

ولقد بالغوا مبغضو الشيعة في هذه التهمة، وشنعوا بها علينا ونشروا حولها الكتب والمناشير حتّى زَعم بعضهم أنّ الشيعة ليسوا مسلمين، ونشير هنا إلى بعضها:

نموذج من نصوص التهمة

1- قال الكاتب الهندي الوهّابي إحسان إلهي ظهير في كتابه(الشيعة والسنّة) صفحة 65 تحت عنوان(الشيعة والقرآن):

«من أهمّ الخلافات التي تقع بين السنّة والشيعة هو اعتقاد أهل السنّة بأنّ القرآن المجيد الذي أنزله اللَّه على نبينا صلى الله عليه و آله هو الكتاب الأخير المنزل من عند اللَّه إلى الناس كافّة وأنّه لم يتغيّر ولم يتبدّل. وليس هذا فحسب بل إنّه لن يتغيّر ولن يتحرّف إلى أن تقوم الساعة. وهو الموجود بين دفّتي المصاحف لأنّ اللَّه قد ضمن حفظه وصيانته من أيّ تغيير وتحريف وحذف وزيادة، على خلاف الكتب المنزلة القديمة السالفة،


1- البيان، ص 200.

ص: 22

من صحف إبراهيم وموسى وزبور وإنجيل وغيرها، فإنّها لم تسلم من الزيادة والنقصان بعد وفاة الرسل، ولكن القرآن أنزله سبحانه وتعالى وقال:

«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» (1)

.

وقال: «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ». (2)

وقال: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ». (3)

وإنّ عدم الإيمان بحفظ القرآن وصيانته يجرّ إلى إنكار القرآن وتعطيل الشريعة التي جاء بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لأنّه حينذاك يحتمل في كلّ آية من آيات الكتاب الحكيم أنّه وقع فيها تبديل وتحريف، وحين تقع الاحتمالات تبطل الاعتقادات والإيمانيات، لأنّ الإيمان لا يكون إلّا باليقينيات وأمّا بالظنيّات والمحتملات فلا.

وأمّا الشيعة فإنّهم لايعتقدون بهذا القرآن الكريم الموجود بأيدي الناس، والمحفوظ من قبل اللَّه العظيم، مخالفين أهل السنّة، ومنكرين لجميع النصوص الصحيحة الواردة في القرآن والسنّة، ومعارضين كلّ ما يدلّ عليه العقل والمشاهدة، مكابرين للحقّ وتاركين للصواب.


1- الحجر: 9
2- القيامة: 17- 19
3- حم السجدة: 42

ص: 23

فهذا هو الاختلاف الحقيقي الأساسي بين أهل السنّة والشيعة، بين المسلمين والشيعة؛ لأنه لا يكون الإنسان مسلماً إلّاباعتقاده أنّ القرآن هو الذي بلغه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى الناس كافّة بأمر من اللَّه عزّ وجلّ، وإنكار القرآن ليس إلّاتكذيباً بالرسول.» (1) 2- قال الدكتور الغفاري:

«فرية التحريف ابتدأ القول بها الروافض في القرن الثاني، ونسبت إلى هشام بن الحكم وشيطان الطاق... وإنّ بعض أهل العلم ينسب هذه العقيدة إلى الباطنية في حين أنّ الباطنية لم تخصّ بهذه المقالة، والّذي تولّى كبرها وأكثر الوضع فيها هم الإثنا عشرية.

ثمّ قال: إنّ أصحاب هذه المقالة والكتب الّتي حوت هذا الكفر- أي تحريف القرآن نعوذ باللَّه- هي محلّ تقدير عند هؤلاء [أي الإمامية] وصدق الموقف يقتضي البراءة من معتقديها كالكليني وكتابه الكافي والقمي وتفسيره وغيرهما ممّن ذهب إلى هذه الكفر.» (2) 3- قال مال اللَّه:

«ذهب أكثر علماء الشيعة أمثال الكليني صاحب الكافي والروضة والقميّ صاحب التفسير والشيخ المفيد والطبرسي صاحب الاحتجاج والكاشي والجزايري والأردبيلي والمجلسي وغيرهم من علماء الشيعة الإثني عشرية إلى القول بتحريف القرآن وأنّه أسقط من القرآن كلمات


1- تدوين القرآن، ص 18.
2- سلامة القرآن من التحريف ص 256.

ص: 24

بل آيات حتّى أنّ أحد علمائهم المتأخّرين وهو النوري صنّف كتاباً أسماه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب» أورد فيه كلام علماء الشيعة القائلين بالتحريف، غير أنّ بعض علماء الشيعة أمثال الطوسي صاحب التبيان والشريف المرتضى والطبرسي صاحب مجمع البيان لعلوم القرآن وبعض منهم في العصر الحاضر أنكروا وقوع التحريف، وربما يظنّ القارئ أنّ ذلك الإنكار صادر عن عقيدة، بل الحقيقة أنّ ذلك من منطق التقيّة الّتي يجتمعون بها....» (1) وهناك نصوص أخرى وتُهم كثيرة في هذا المعنى نتركها لعدم الفائدة في تطويلها. وسيأتيك عن قريب الجواب الشافي عن هذه التهمة وأدع الأمر إليك عزيزي القارى ء لتحكم بنفسك وليتّضح لديك بأنّ المحقّق المؤمن المنصف لا يُلقي الكلام على عواهنه ولا يكيل التهم على المسلمين من دون دليل.

ولكن هنا نسأل كيف يحكم الكاتب الهندي بكفر من شهد بأنّه لا إله إلّاهو وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله والقرآن كتاب اللَّه أنزله عليه في حين يقول اللَّه تبارك و تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2)»


1- سلامة القرآن من التحريف، ص 678.
2- النساء: 94.

ص: 25

فقد أكّد القرآن هنا على حقيقة مهمّة و هي لزوم فتح الصدور و القبول ممّن أظهر الإسلام و لو بمجرّد القول و عدم التشكيك في عقائد الناس، لا التفتيش عنها إذا قبلوا الدعوة النبويّة و نطقوا بكلمة التوحيد(لا إله إلّااللَّه) و نهى اللَّه جلّ و عزّ عن محاولة طرد من قال:

إنّي مسلم و عن رفض إسلامه لمجرّد الرغبة في عناوين دنيوية مثل الاستيلاء على المناصب الدينية و ترويج الحزب و المذهب و...

و يقول النبي الأعظم صلى الله عليه و آله: كفّوا عن أهل لا إله الّا اللَّه لا تكفّروهم بذنب، فمن كفّر أهل لا إله إلّااللَّه فهو في الكفر أقرب. (1) ونسأل أيضاً عن الدكتور الغفاري ماذا يقول في روايات أهل السنّة في هذا المقام؟ إذ أنّه لابدّ أن يكون قد اطّلع على الأنواع المختلفة لتلك الروايات في كتب أهل السنّة.

ونسأل مال اللَّه هل إنّ أغلب علماء الشيعة قالوا بتحريف القرآن؟

وهل إنّ الأشخاص الذين سرد مال اللَّه أسماءهم نظير: الكليني، القميّ، المفيد و... قائلون بالتحريف؟

وهل إنّ إنكار تحريف القرآن من قبل علماء الشيعة من باب التقيّة؟

ألم يتعرّض علماء الشيعة بالنقد والتجريح لتلك الروايات؟

ولِمَ لم يتعرّض هؤلاء الكتّاب إلى نقل أقوالهم في النقد والتجريح كما ستعرف ذلك في الآتي؟


1- دفاع عن القرآن الكريم، ص 8.

ص: 26

وأخيراً هل إنّ أهل السنّة الذين حكموا بكفر من يعتقد هذا لم يذكروا روايات التحريف في كتبهم؟

نرجو من اللَّه أن يعصمنا من الزلّات والخطيئات والفتن في آخر الزمان.

ص: 27

الفصل الثاني: أدلّة عدم تحريف الكتاب

الآيات الدالّة على نفي التحريف

ص: 28

ص: 29

1- قوله تعالى: «إنّا نَحْنُ نَزَّلنا الذّكر وَإنَّا لَهُ لَحافِظُون» (1).

هذه الآية صريحة في صيانة القرآن من التحريف وغيره، لأنّ المراد من الذكر في هذه الآية هو القرآن العظيم كما قال المفسّرون وهي تدلُّ على ضمان ووعد الهي بحفظ القرآن من وقوع التحريف وضياع شي ء منه ونقصانه عمّا أنزله اللَّه على نبيّه إلى الأبد وضمانه مقبول ووعده لايختلف ولا يتخلّف كما ورد في القرآن: «إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ» (2).

قال شيخ الطائفة:

«وقوله: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ» يعني القرآن في- قول الحسن و الضحّاك و غيرهم- «وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» قال قتاده: لحافظون من الزيادة والنقصان. ومثله قوله «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ


1- الحجر: 9
2- الرعد: 31

ص: 30

خَلْفِهِ» و قال الحسن: لحافظون حتّى نجزى به يوم القيامة أي لقيام الحجّة به على الجماعة من كلّ من لزمته دعوة النبيّ صلى الله عليه و آله.» (1) وقال العلّامة الطباطبائي- في تفسيره في قوله تعالى «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ»-: «صدر الآية مسوق سوق الحصر، وظاهر السياق أنّ الحصر ناظر إلى ما ذكر من ردّهم القرآن بأنّه من أهذار الجنون». (2) ثمّ قال: «والمعنى- على هذا واللَّه أعلم- أنّ هذا الذكر لم تأت به أنت من عندك حتّى يعجزوك ويبطلوهم بعنادهم وشدّة بطشهم وتتكلّف لحفظه ثمّ لاتقدر، وليس نازلًا من عند الملائكة حتّى يفتقر إلى نزولهم وتصديقهم إيّاه بل نحن أنزلنا هذا الذكر إنزالًا تدريجياً وإنّا له لحافظون بماله من صفة الذكر بما لنا من العناية الكاملة به. فهو ذكر حيّ خالد مصون من أنْ يموت وينسى من أصله، مصون من الزيادة عليه بما يبطل به كونه ذكراً، مصون من النقص، كذلك مصون من التغيير في صورته وسياقه بحيث يتغيّر به صفة كونه ذكر اللَّه مبيّناً لحقائق معارفه.» (3) فعلى هذا انّ اللّام في الذكر للعهد الذكري، فيكون المراد من الذكر


1- التبيان في تفسير القرآن، ج 6، ص 320.
2- لأنّه هكذا نقل قولهم قبل آيتين؛ «وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ». الحجر: 6
3- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 103.

ص: 31

هو القرآن (1) قطعاً كما أنّ المراد بالذكر في الآية السابقة على هذه الآية- قبل آيتين- هو القرآن قطعاً، فلا يعبأ بمن قال إنّ المراد بالذكر هو النبيّ صلى الله عليه و آله كما قال العلّامة أيضاً في تفسيره:

«ومن سخيف القول إرجاع الضمير في «له» إلى النّبىّ صلى الله عليه و آله، فإنّه مدفوع بالسياق كما يشير إليه بقوله سابقاً: «وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمجْنُونٌ». (2) مضافاً إلى أنّه لو كان الرسول بياناً للذكر كان المناسب أنْ يقول «إنّا نحن أرسلنا الذكر وإنّا له لحافظون» لا التعبير بالإنزال، فالظاهر كما قال المفسرون أن يكون المراد من الذكر هو القرآن.

وقال الطبرسي أيضاً:

« «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ» أي القرآن «وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» عن الزيادة والنقصان والتحريف والتغيير، عن قتاده وابن عباس، ومثله «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ»». (3) وقال آيةاللَّه العظمى الخوئي رحمه الله: «فإنّ في هذه الآية دلالة على حفظ


1- كما عبّر عن القرآن بالذّكر في الآيات الآتي خبر فيها عن حفظ القرآن عن التحريف قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» حم السجدة: 42
2- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 106.
3- مجمع البيان، ج 5، ص 331.

ص: 32

القرآن من التحريف، وأنّ الأيدي الجائرة لن تتمكّن من التلاعب فيه». (1) وقال الأستاذ العلّامة الشيخ محمدهادي المعرفة: «هذه الآية الكريمة ضمنت بقاء القرآن وسلامته عن تطرّق الحدثان عبر الأجيال.

وهو ضمان إلهي لا يختلف ولا يتخلّف وعداً صادقاً إنَّ اللَّهَ لا يُخْلفُ المِيعَادَ.

وهذا هو مقتضى قاعدة اللطف: «يجب على اللَّه تعالى- وفق حكمته في التكليف- فعل ما يوجب تقريب العباد إلى الطاعة وبعدهم عن المعصية». ولا شكّ أنّ القرآن هو عماد الإسلام وسنده الباقي مع بقاء الإسلام، وهو خاتمة الأديان السماوية الباقية مع الخلود، الأمر الذي يستدعي بقاء أساسه ودعامته قويمة مستحكمة لا تتزعزع ولا تنثلم مع عواصف أحداث الزمان. وأجدر به أن لا يقع عرضةً لتلاعب أهل البدع والأهواء، شأن كلّ سند وثيق يبقى، ليكون حجّة ثابتة مع مرّ الأجيال.

وهذا الضمان الإلهي هو أحد جوانب إعجاز هذا الكتاب، حيث بقاؤه سليماً على أيدي الناس وبين أظهرهم، وليس في السماء في البيت المعمور في حقائب مخبوءة وراء الستور. ليس هذا إعجازاً، إنّما الإعجاز هو حفظه وحراسته في معرض عامّ وعلى ملأ الأشهاد. (2)


1- البيان، 207.
2- صيانة القرآن من التحريف، ص 43.

ص: 33

2- قوله تعالى: «وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (1)

هذه الآية تؤكّد بأنّ القرآن كتاب عزيز نزل من عند العزيز الّذي هو حكيم وحميد وأنّه لا طريق للباطل إليه من أيّة جهة من الجهات، فالمنصف إذا أمعن النظر يفهم أنّ هذا القرآن مصون ومحفوظ من التحريف وسليم من حوادث الزمان.

قال الأستاذ العلّامة الشيخ محمد هادي المعرفة:

«هذه الآية أصرح دلالة من الآية الأولى، فقد وعد تعالى بصيانته من الضياع وسلامته من حوادث الأزمان، مصوناً محفوظاً يشقّ طريقه إلى الأمام بسلام.

وقوله «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ» الباطل:

الفاسد الضائع، أي لا يعرضه فساد أو نقص لا في حاضره ولا في مستقبل الأيّام؛ وذلك لأنّه تنزيل من لدن حكيم عليم.

وأنّ حكمته تعالى لتبعث على ضمان حفظه وحراسته مع أبدية الإسلام «حَمِيدٍ»: من كان محموداً على فعاله فلايخلف الميعاد.» (2) قال العلّامة الطباطبائي:

«وقوله: «وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» الضمير للذكر وهو القرآن، والعزيز: عديم النظيرالمنيع الممتنع من أن يغلب، والمعنى الثاني أنسب


1- فصلت: 41 و 42.
2- صيانة القرآن من التحريف، ص 49.

ص: 34

لما يتعقّبه من قوله: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ».

وقوله: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ». إتيان الباطل إليه و وروده فيه وصيرورة بعض أجزائه أو جميعها باطلًا بأن يصير ما فيه من المعارف الحقّة أو بعضها غير حقّة أو ما فيه من الأحكام والشرائع وما يلحقها من الأخلاق أو بعضها لغىً لا ينبغي العمل به.

وعليه فالمراد بقوله: «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ» زماناً الحال والاستقبال أي زمان النزول وما بعده إلى يوم القيامة، وقيل: المراد بما بين يديه ومن خلفه جميع الجهات كالصباح والمساء كناية عن الزمان كلّه فهو مصون من البطلان من جميع الجهات... إلى أن قال: فالآية تجري مجرى قوله: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ». (1) فالآية تدلّ على عدم ورود الباطل في القرآن، وعدم إمكان تبديل الآيات بما هي غير آيات، فالتحريف من أكمل مصاديق الباطل، فإذا انتفى ورود الباطل فيه انتفى ورود التحريف في القرآن.

وقال أيضاً:

«إنّ من ضروريات التاريخ أنّ النّبي العربي محمّد صلى الله عليه و آله جاء قبل أربعة عشر قرناً- تقريباً- وادّعى النّبوة وانتهض للدعوة وآمن به أمّة من العرب وغيرهم، وأنّه جاء بكتاب يسمّيه القرآن وينسبه إلى ربّه


1- الميزان في تفسير القرآن، ج 17، ص 424.

ص: 35

متضمّن لجمل المعارف وكليّات الشريعة الّتي كان يدعو إليها، وكان يتحدّى به ويعدّه آية لنبوّته، وأنّ القرآن الموجود اليوم بأيدينا هو القرآن الّذي جاء به وقرأه على الناس المعاصرين له في الجملة، بمعنى أنّه لم يضع من أصله بأن يفقد كلّه ثمّ يوضع كتاب آخر يشابهه في نظمه أولا يشابهه وينسب إليه ويشتهر بين الناس بأّنه القرآن النّازل على النبيّ صلى الله عليه و آله.

فهذه أمور لا يرتاب في شي ء منها إلّامصاب في فهمه، ولا احتمل بعض ذلك أحد من الباحثين في مسألة التحريف من المخالفين والمؤالفين.

وإنّما احتمل بعض من قال به من المخالف أو المؤالف زيادة شي ء يسير كالجملة أو الآية أو النقص أو التغيير في جملة أو آية في كلماتها أو إعرابها، وأمّا جلّ الكتاب الإلهيّ فهو على ما هو في عهد النّبيّ صلى الله عليه و آله لم يضع ولم يفقد.

ثمّ إنّا نجد القرآن يتحدّى بأوصاف ترجع إلى عامّة آياته ونجد ما بأيدينا من القرآن- أعني مابين الدفّتين- واجداً لما وصف به من أوصاف تحدّى بها من غير أن يتغيّر في شي ء منها أو يفوته ويفقد.

فنجده يتحدّى بالبلاغة والفصاحة ونجد ما بأيدينا مشتملًا على ذلك النظم العجيب البديع لا يعدله ولا يشابهه شي ء من كلام البلغاء والفصحاء المحفوظ منهم والمرويّ عنهم من شعر أو نثر خطبة أو رسالة أو محاورة أو غير ذلك، وهذا النظم موجود في جميع الآيات سواء كتاباً

ص: 36

متشابهاً مثاني تقشعرّ منه الجلود والقلوب.

ونجده يتحدّى بقوله: «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» (1)

بعدم وجود اختلاف فيه ونجد ما بأيدينا من القرآن يفي بذلك أحسن الوفاء وأوفاه فما من إبهام أو خلل يتراءى في آية إلّاويرفعه آية أخرى، وما من خلاف أو مناقضة يتوهّم بادي الرأي من شطر إلّاوهناك ما يدفعه ويفسّره.

ونجده يتحدّى بغير ذلك ممّا لا يختصّ فهمه بأهل اللغة العربيّة كما في قوله: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ اْلإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» (2)

وقوله: «إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ» (3)

ثمّ نجد ما بأيدينا من القرآن يستوفي البيان في صريح الحقّ الّذي لامرية فيه، ويهدي إلى آخر ما يهتدي إليه العقل من أصول المعارف الحقيقيّة وكليّات الشرائع الفطريّة وتفاصيل الفضائل الخلقيّة من غير أن نعثر فيها على شي ء من النقيصة والخلل أو نحصل على شي ء من التناقض والزلل، بل نجد جميع المعارف على سعتها وكثرتها حيّة بحياة واحدة مدبّرة بروح واحد هو مبدأ جميع المعارف القرآنيّة، الأصل الّذي إليه ينتهي الجميع ويرجع، وهو التوحيد، فإليه ينتهي الجميع بالتحليل، وهو يعود إلى كلّ منها بالتركيب.


1- النساء: 82
2- الإسراء: 88
3- الطارق: 14

ص: 37

ونجده يغوص في أخبار الماضين من الأنبياء وأممهم ونجد ما عندنا من كلام اللَّه يورد قصصهم ويفصّل القول فيها على ما يليق بطهارة الدين ويناسب نزاهة ساحة النبوّة وخلوصها للعبوديّة والطاعة، وكلّما طبّقنا قصّة من القصص القرآنيّة على ما يماثلها ممّا ورد في العهدين انجلى ذلك أحسن الانجلاء.

ونجده يورد آيات في الملاحم ويخبر عن الحوادث الآتية في آيات كثيرة بالتصريح أو بالتلويح ثمّ نجدها فيما هو بأيدينا من القرآن على تلك الشريطة صادقة مصدّقة.

ونجده يصف نفسه بأوصاف زاكية جميلة كما يصف نفسه بأنّه نور وأنّه هاد يهدي إلى صراط مستقيم وإلى الملّة الّتي هي أقوم ونجد ما بأيدينا من القرآن لا يفقد شيئاً من ذلك ولا يهمل من أمر الهداية والدلالة ولا دقيقة.

ومن أجمع الأوصاف الّتي يذكرها القرآن لنفسه أنّه ذكر للَّه، فإنّه يذكر به تعالى بما أنّه آية دالّة عليه حيّة خالدة، وبما أنّه يصفه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، ويصف سنّته في الصنع والإيجاد، ويصف ملائكته وكتبه ورسله، ويصف شرائعه وأحكامه، ويصف ما ينتهي إليه أمر الخلقة وهو المعاد ورجوع الكلّ إليه سبحانه، وتفاصيل ما يؤول إليه أمر الناس من السعادة والشقاء، والجنّة والنار.

ففي جميع ذلك ذكر اللَّه، وهو الّذي يرومه القرآن بإطلاق القول بأنّه ذكر ونجد ما بأيدينا من القرآن لا يفقد شيئاً من معنى الذكر.

ص: 38

ولكون الذكر من أجمع الصفات في الدلالة على شؤون القرآن عبّر عنه بالذكر في الآيات الّتي أخبر فيها عن حفظه القرآن عن البطلان والتغيير والتحريف كقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (1)

فذكر تعالى أنّ القرآن من حيث هو ذكر لا يغلبه باطل ولا يدخل فيه حالًا ولا في مستقبل الزمان لا بإبطال ولا بنسخ ولا بتغيير أو تحريف يوجب زوال ذكريّته عنه.

وكقوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» (2)

فقد أطلق الذكر وأطلق الحفظ، فالقرآن محفوظ بحفظ اللَّه عن كلّ زيادة ونقيصة وتغيير في اللفظ أو في الترتيب يزيله عن الذكريّة ويبطل كونه ذكراً للَّه سبحانه بوجه.

ومن سخيف القول إرجاع ضمير «لَهُ» إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله فإنّه مدفوع بالسياق، وإنّما كان المشركون يستهزؤن بالنبيّ لأجل القرآن الّذي كان يدّعي نزوله عليه، كما يشير إليه بقوله سابقاً: «وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمجْنُونٌ»، وقد مرّ تفسير الآية.

فقد تبيّن ممّا فصّلناه أنّ القرآن الّذي أنزله اللَّه على نبيّه صلى الله عليه و آله ووصفه


1- حم السجدة: 42- 40
2- الحجر: 9

ص: 39

بأنّه ذكر محفوظ على ما أنزل مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة والنقيصة والتغيير، كما وعد اللَّه نبيّه فيه.

وخلاصة الحجّة: أنّ القرآن أنزله اللَّه على نبيّه ووصفه في آيات كثيرة بأوصاف خاصّة لو كان تغيّر في شي ء من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثر فُقِد آثار تلك الصفة قطعاً، لكنّا نجد القرآن الّذي بأيدينا واجداً لآثار تلك الصفات المعدودة على أتمّ ما يمكن وأحسن ما يكون، فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئاً من صفاته، فالّذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبيّ صلى الله عليه و آله بعينه، فلو فرض سقوط شي ء منه أو تغيّر في إعراب أو حرف أو ترتيب وجب أن يكون في أمر لا يؤثّر في شي ء من أوصافه كالإعجاز وارتفاع الاختلاف والهداية والنوريّة والذكريّة والهيمنة على سائر الكتب السماويّة إلى غير ذلك، وذلك كآية مكرّرة ساقطة أو اختلاف في نقطة أو إعراب ونحوها.» (1) 3- قوله تعالى:

«لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ». (2)

قال ابن عباس:

كان النبيّ صلى الله عليه و آله إذا نزل عليه القرآن عجّل بتحريك لسانه لحبّه إيّاه


1- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 106.
2- القيامة: 16- 19

ص: 40

وحرصه على أخذه وضبطه مخافة أن ينساه فنهاه اللَّه عن ذلك.

وقال أيضاً: «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ» عليك حتّى تحفظه ويمكنك تلاوته فلا تخف فوت شي ءٍ منه. (1) قال الأستاذ الشيخ هادي المعرفة: كان صلى الله عليه و آله إذا نزل عليه القرآن عجّل بقراءته حرصاً على ضبطه وحفظه دون أن ينساه أو يضيع، وذلك كان قبل أن ينتهي الوحي ببقيّة الآية أو السورة الّتي كانت تنزل تباعاً. (2)


1- مجمع البيان، ج 10، ص 397.
2- صيانة القرآن، ص 45.

ص: 41

الروايات الدالّة على نفي التحريف

اشارة

هذه الروايات تنقسم إلى أقسام:

القسم الأوّل: الروايات الدالّة على عرض الأحاديث على الكتاب

الروايات الواردة في هذا المعنى كثيرة نشير إلى بعضها:

1- عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف. (1) 2- عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: خطب النبيّ صلى الله عليه و آله بمنى فقال: أيّها النّاس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللَّه فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب اللَّه فلم أقله. (2)


1- وسائل الشيعة، ج 18، ص 79.
2- المصدر نفسه.

ص: 42

3- قال الصادق عليه السلام: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب اللَّه، فماوافق كتاب اللَّه فخذوه، وماخالف كتاب اللَّه فردّوه. (1) 4- عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عن جدّه قال: قال علي عليه السلام: إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب اللَّه فخذوه، وما خالف كتاب اللَّه فدعوه. (2) 5- عن الإمام الرضا عليه السلام:... فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فأعرضوهما على كتاب اللَّه، فما كان في كتاب اللَّه موجوداً حلالًا أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب، وما لم يكن في الكتاب فأعرضوه على سنن النبيّ صلى الله عليه و آله. (3) 6- روي عن النّبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: تكثر لكم الأحاديث بعدي، فإذا روي لكم عنّي حديث فأعرضوه على كتاب اللَّه، فما وافق كتاب اللَّه فاقبلوه، وما خالف فردّوه. (4) فهذه الروايات وأمثالها الّتي صدرت استفاضة تدلّ على أنّ القرآن الموجود في أيدي المسلمين هو نفس كلام اللَّه الّذي أنزله اللَّه على نبيّه صلى الله عليه و آله من غير أن يعرض عليه التحريف، لأنّه لو لم يكن كذلك لم يصحّ أن يكون القرآن مرجعاً للمسلمين حتّى يعرضوا عليه الروايات فيعرف بذلك الصحيحة من غيرها؛ لأنّه تكليف بما لا يطاق؛ إذ أنّ


1- وسائل الشيعة، ج 18، ص 84.
2- الأمالي للصدوق: ص 367.
3- عيون أخبار الرّضا عليه السلام، ج 2، ص 21.
4- الصحيح من سيرة النّبي الأعظم صلى الله عليه و آله، ج 1، ص 31.

ص: 43

المراد بالعرض، العرض على القرآن الواقعي غير المحرّف، ومع وقوع التحريف لا سبيل إلى القرآن الواقعي كي يتمّ العرض عليه.

قال الفيض الكاشاني:

وقد استفاض عن النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام حديث عرض الخبر المرويّ على كتاب اللَّه ليعلم صحته بموافقته له، أو فساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الّذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب اللَّه مكذب له، فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله. (1) إن قلت: إنّ ذلك في الأخبار الفقهية، ومن الجائز أن نلتزم بعدم وقوع التحريف في خصوص آيات الأحكام، ولا ينفع ذلك سائر الآيات.

قلت: إنّ روايات العرض مطلقة، وتخصيصها بذلك تخصيص من غير مخصّص.

القسم الثانى: الروايات الّتي تدلّ على التمسّك بالقرآن والأخذ به

منها: حديث الثقلين.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً. (2)


1- التفسير الصافي، ج 1، ص 46.
2- حديث الثقلين من جملة الأحاديث الّتي لا شكّ في صدورها من النبيّ فقد رواه أكثر من ثلاثين من الصحابة ونقله الخاصة والعامة في كتبهم، قال الحرّ العاملي: أقول: وقد تواتر بين العامّة والخاصّة عن النّبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: إنّي تارك فيكم الثقلين إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. وسائل الشيعة، ج 18، ص 19، حديث 9.

ص: 44

فالأمر بالّتمسك بالقرآن والاهتداء به يقتضي أن يكون القرآن الّذي يكون بين المسلمين محفوظاً ومصوناً من أيّ تغيير وتحريف.

ومنها: خطبة النّبي صلى الله عليه و آله في واقعة غدير خم:

حيث قال: معاشر النّاس تدبّروا في القرآن، وافهموا آياته، وانظروا إلى محكماته، ولا تتّبعوا متشابهه. (1) فأمر المسلمين بالتدبّر في القرآن وفهم آياته والأخذ بمحكماته يستلزم أن يكون القرآن مؤلّفاً مجموعاً في أيدي المسلمين على شكل كامل في كلّ الأزمان؛ لأنّ الأمر بالتدبّر والأخذ بالقرآن دائميّ.

ومنها: ما قاله الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام في القرآن وأنّه الهادي لمن أخذ به.

قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: وعليك بكتاب اللَّه فإنّه الحبل المتين والنور المبين والشفاء النافع والريُّ الناقع والعصمة للمتمسّك والنجاة للمتعلّق.

وقال أيضاً: واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الّذي لا يغشّ، والهادي الّذي لا يضلّ، والمحدّث الّذي لا يكذب. (2)


1- الاحتجاج، ج 1، ص 60.
2- ربيع الأبرار، ج 2، ص 80 و 81.

ص: 45

وقال عليه السلام في كتاب له إلى الحارث الهمداني: وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه، وأَحِلَّ حَلاله وَحرِّمْ حرامه. (1) فهذه الروايات أيضاً تقتضي بقاء القرآن إلى يوم القيامة على ما كان عليه في زمن النّبي صلى الله عليه و آله لتتمّ به الهداية الدائمية للمسلمين مادام يتمسّكون به كما نصّ عليه الروايات ولكي يكون القرآن نوراً يستضاء به ومنهاجاً يعمل على وفقه ومرجعاً لهم في المشكلات ودليلًا ورايةً وشافعاً لهم، ولازم ذلك كلّه أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس القرآن الّذي نزل على الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وعرفه الرواة والصحابة والعلماء والمورّخون أجمعون.

قال العلّامة الطباطبائي:

ويدلّ على عدم وقوع التحريف الأخبار الكثيرة المرويّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله: من طرق الفريقين الآمرة بالرجوع إلى القرآن عند الفتن وفي حلّ عقد المشكلات، وكذا حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريقين:

«إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً» الحديث.

فلا معنى للأمر بالتمسّك بكتاب محرّف ونفي الضّلال أبداًء عمّن تمسّك به. (2)


1- نهج البلاغة، ص 459، خطبة 69.
2- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 110.

ص: 46

القسم الثالث: الروايات الواردة في ثواب قراءة السور القرآنية

وهي كثيرة جدّاً نذكر بعضها:

1- عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام انّه قال: عليكم بمكارم الأخلاق، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ يحبّها، وإيّاكم ومذامّ الأفعال، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ يبغضها، وعليكم بتلاوة القرآن فإنّ درجات الجنّة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق، فكلّما قرأ آيةً رقى درجةً. (1) 2- عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: من قرأ سورة الحجرات في كلّ ليلة أو في كلّ يوم كان من زوّار محمّد صلى الله عليه و آله. (2) 3- قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا سلمان عليك بقراءة القرآن فإنّ قراءته كفّارة للذّنوب، وستر من النّار، وأمان من العذاب، ويكتب لمن يقرأه بكلّ آية ثواب مائة شهيد... (3).

4- عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: ومن قرأ سورة المدثّر أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمّد صلى الله عليه و آله وكذّب به بمكّة. (4)


1- الأمالي للصدوق: ص 359.
2- مجمع البيان للطبرسي، ج 10، ص 128.
3- ثواب الأعمال وعقابها، ص 182.
4- مجمع البيان للطبرسي، ج 10، ص 383.

ص: 47

5- عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: من قرأ عشر آيات في ليلةٍ لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين... (1).

ولو كان قد اتّفق التحريف في آيات القرآن أو سورة لم يبق مجال للاعتماد على هذه الروايات والعمل بها لأجل حصول على ما تفيده من الجزاء والثواب، لاحتمال أن تكون كلّ آية أو سورة محرّفة عمّا كانت نازلة عليها.

واستدلّ بهذه الروايات الشيخ الصدوق في كتابه القيّم المسمّى بالاعتقادات.

حيث قال: اعتقادنا أنّ القرآن الّذي أنزله اللَّه تعالى على نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفّتين... إلى أن قال: وما روي من ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن وثواب من ختم القرآن كلّه وجواز قراءة سورتين في ركعة والنّهي عن القرآن بين سورتين في ركعة فريضة تصديق لما قلناه في أمر القرآن. (2)


1- الأمالي للصدوق، ص 59.
2- الاعتقادات، ص 93.

ص: 48

القسم الرابع: الروايات الّتي تحتوي على تمسّك الرسول صلى الله عليه و آله والأئمّة والأصحاب بالآيات القرآنية

وهذه الروايات كثيرة يشكل إحصاؤها كما لا يخفى على من راجع كتب الحديث وغيرها للشيعة والسنّة؛ فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام كانوا يتمسّكون بالآيات في مناظراتهم واستدلالاتهم في الأحكام والعقائد والمواعظ والحكم والأمثال، فنأتي هنا بعضها:

1- قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: من حكم في درهمين بحكم جور ثمّ جبر عليه كان من أهل هذه الآية: «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» فقلت: كيف يجبر عليه؟ فقال: يكون له سوط وسجن فيحكم عليه، فإن رضي بحكمه وإلّا ضربه بسوط وحبسه في سجنه. (1) 2- قال النبيّ صلى الله عليه و آله: أمّتي على أربعة أصناف، صنف يصلّون ولكنّهم في صلوتهم ساهون فكان لهم الويل، والويل اسم دركة من دركات جهنّم، قال اللَّه تعالى: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» (2)

وصنف يصلّون أحياناً ولا يصلّون أحياناً فكان لهم الغيّ، والغيّ اسم دركة من دركات جهنّم، قال اللَّه تعالى: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ


1- وسائل الشيعة للحرّ العاملي، ج 18، ص 18، حديث 3.
2- الماعون، 4 و 5.

ص: 49

خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً»، (1) وصنف لا يصلّون أبداً فكان لهم سقر، وسقر اسم دركة من دركات جهنّم، قال اللَّه تبارك وتعالى: «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» (2)

وصنف يصلّون أبداً وهم في صلواتهم خاشعون، قال اللَّه تبارك وتعالى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ». (3)

3- عن الرضا عليه السلام في حديث انّه قال لابن الجهم: اتّق اللَّه ولا تأوّل كتاب اللَّه برأيك، فإنّ اللَّه يقول: «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (4)،. (5) 4- عن عبدالعظيم الحسني، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام في حديث قال: ليس لك أن تتكلّم بما شئت؛ لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول: «وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (6)

. (7) 5- عن عبداللَّه بن سنان قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: على الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟ فقال: ليقرأ قراءة وسطاً يقول اللَّه تبارك


1- مريم: 59
2- المدّثّر: 42 و 43
3- المواعظ العدديّة، ص 122.
4- آل عمران: 7
5- وسائل الشيعة للحرّ العاملي، ج 18، ص 138، حديث 31.
6- الإسراء: 36
7- وسائل الشيعة للحرّ العاملي، ج 18، ص 17، حديث 36.

ص: 50

وتعالى: «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها» (1)،. (2) فهذه الروايات أيضاً شاهدة على أنّ القرآن الموجود بين الناس هو القرآن الّذي أنزل اللَّه تبارك وتعالى على عبده محمّد صلى الله عليه و آله، وهو المدار في كلّ شأن من الشؤون أعمّ من الأحكام والعقائد و...

قال العلّامة الطباطبائي:

وكذا(أي يدلّ على عدم وقوع التحريف) الأخبار الّتي تتضمّن تمسّك أئمّة أهل البيت عليهم السلام بمختلف الآيات القرآنية في كلّ باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا حتّى في الموارد الّتي فيها آحاد من الروايات بالتحريف. (3)

القسم الخامس: الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام

انّ ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند اللَّه

وهذه الروايات أيضاً كثيرة نذكر هنا بعضها:

منها ما قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورُخَصَهُ وعزائمه، وخاصَّهُ وعامّه، وعِبَرَهُ وأمثاله، ومرسله


1- الإسراء: 110.
2- الكافي للكليني، ج 3، ص 317، حديث 27.
3- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 111.

ص: 51

ومحدوده ومحكمه ومتشابِهَهُ... (1) ومنها ما قال الرّضا عليه السلام:

عن الريان بن الصّلت قال: قلت: للرّضا عليه السلام ما تقول في القرآن فقال: كلام اللَّه لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا. (2) ومنها ما قاله الصادق عليه السلام.

عن علي بن سالم عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام فقلت له: يا بن رسول اللَّه ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام اللَّه وقول اللَّه وكتاب اللَّه ووحي اللَّه وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. (3) وهذه الروايات تدلّ بوضوح على أنّ القرآن الموجود بين النّاس هو النازل من عند اللَّه على النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله، وهو الكتاب الّذي لم يصل إليه يد التحريف والتغيير.

وتدلّ على كون القرآن الموجود بين النّاس حتّى الآن هو القرآن الذي أنزل اللَّه تعالى على نبيّه صلى الله عليه و آله، مضافاً إلى ما نقلناه من الرّوايات الّتي نقلت في أبواب مختلفة وفى موضوعات كثيرة (4) كالروايات الّتي


1- نهج البلاغة، ص 44، خطبة 1.
2- الأمالي للصدوق، ص 546، حديث 13.
3- المصدر نفسه، ص 545، حديث 11.
4- من أراد الإطلاع عليها فليراجع كتاب صيانة القرآن من التحريف لأستاذنا آيةاللَّه الشيخ محمد هادي المعرفة، ص 52- 54.

ص: 52

تأمر بإكرام حملة القرآن وحفّاظه، والرواية الّتي نقلت عند وفاة النّبي صلى الله عليه و آله أنّ عمر قال: إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع(أو قال: إنّ رسول اللَّه يهجر) وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللَّه. (1) فإنّ المراد بالقرآن في أمثال هذا الرّوايات هو القرآن الموجود بين الدفّتين لا غيره، وهو كان مدوّناً عند وفاته صلى الله عليه و آله.


1- نقل هذه الرواية جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والمنابع الحديثية.

ص: 53

التواتر

والدليل الثالث على عدم وقوع التحريف هو التواتر، والتواتر ثابت بالنسبة إلى كلّ القرآن في جميع الأزمان.

قال أستاذنا العلّامة الشيخ محمد هادي المعرفة:

من الدلائل ذوات الشأن الداحضة لشبهة التحريف هي مسألة «ضرورة كون القرآن متواتراً» في مجموعه وفي أبعاضه، في سوره وآياته، حتّى في جُملِه التركيبية وفي كلماته وحروفه، بل وحتّى في قراءته وهجائه، على ما أسلفنا في بحث القراءات، وقلنا: إنّ الصحيح من القراءات هي القراءة المشهورة الّتي عليها جمهور المسلمين، وقد انطبقت على قراءة عاصم برواية حفص.

وإذا كان من الضروري لثبوت قرآنيّة كلّ حرف وكلمة ولفظ أن يثبت تواتره منذ عهد الرسالة وإلى مطاوي القرون وفي جميع الطّبقات، فإنّ هذا ممّا ينفي احتمال التحريف نهائياً، لأنّ ما قيل بسقوطه وإنّه كان

ص: 54

قرآناً يُتلى إنّما نقل إلينا بخبر الواحد، وهو غير حجّة في هذا الباب حتّى ولو فرض صحّة إسناده.

إذن فكلّ ما ورد بهذا الشأن- بما أنّه خبر واحد- مرفوض ومردود على قائله. (1) والتواتر في القرآن تواتر قويّ قطعي إلى حدّ قال السّيد المرتضى علم الهدى: إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة. (2)


1- صيانة القرآن من التحريف، ص 37.
2- مجمع البيان، ج 1، ص 15.

ص: 55

الإجماع

ومن الأدلّة على مصونيّة القرآن من التحريف إجماع العلماء في كلّ الأعصار على كون القرآن الموجود بين أيدينا هو القرآن المنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين، أمّا عند الشيعة فلأنّه كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام.

بل يفهم من كلام السيّد المرتضى الّذي ذكرناه سابقاً أنّ الاعتقاد بعدم النّقصان وعدم تحريف القرآن من ضروريات الدّين، وقد نقل بعض الأكابر عباراته ووافقه على ما قال.

أضف إلى ذلك أنّ بعض الأئمة أيضاً صرّح بتحقّق اتّفاق الأمّة على مصونيّة القرآن من أيّ تغيير وتحريف: قال الإمام علي بن محمد الهادى عليهما السلام: وقد اجتمعت الأمّة قاطبةً لا اختلاف بينهم أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق في حال اجتماعهم مُقِرّون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون مهتدون، وذلك بقول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «لا

ص: 56

تجتمع امّتي على ضلالة» فأخبر أنّ جميع ما اجتمعت عليه الأمّة كُلُّها حقّ، هذا إذا لم يخالف بعضها بعضاً، والقرآن حقّ لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه. (1)


1- تحف العقول، ص 458.

ص: 57

مسألة الإعجاز

قد اعتبر بعض العلماء مسألة الإعجاز المتحدّى به في القرآن في موارد عديدة من أكبر الدّلائل على عدم تحريف القرآن؛ لأنّ عروض التحريف على القرآن يخرجه من أن يكون معجزاً متحدّى به، لاستطاعة البشر في هذا الحال على أن يأتي بمثله، والحال إنّ جميع المسلمين يعتقدون بأنّ القرآن معجز باق، وأنّ اللَّه تعالى أيضاً صرّح في آيات مختلفة بأنّ القرآن معجزة لايقدر شخص أو جماعة أن يأتي بمثل القرآن أو بسورة كسور القرآن: كقوله تعالى:

1- «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ اْلإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً». (1)

2- «وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ


1- الإسراء: 88

ص: 58

وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ». (1)

فمسألة الإعجاز المتحدّى به في الآيات القرآن وعجز الناس قاطبة عن أن يأتوا بمثله واعتقاد جميع فرق المسلمين بكونه إعجازاً في جميع الأزمان يبطل دعوى وقوع التحريف في سور القرآن وآياته.

وهنا بيان آخر لهذا الدليل ذكره صاحب كتاب التحقيق في نفي التحريف، قال: ومن الأدلّة على عدم التحريف هو: أنّ التحريف ينافي كون القرآن معجزاً، لفوات المعنى بالتحريف، لأنّ مدار الإعجاز هو الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعنى، ومن المعلوم أن القرآن معجز باق. (2) وذكر الأستاذ العلّامة الطباطبائي شبيه هذا الدليل جدير بالذكر هنا قال:

وخلاصة الحجّة (3) أنّ القرآن أنزله اللَّه على نبيّه ووصفه في آيات كثيرة بأوصاف خاصّة لو كان تغيّر في شي ءٍ من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثّر فُقِدَ آثار تلك الصفة قطعاً، لكنّا نجد القرآن الّذي بأيدينا واجداً لآثار تلك الصفات المعدودة على


1- بقره: 23
2- التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف، ص 47.
3- للاطّلاع على تفصيل الدليل، راجع الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 106.

ص: 59

أتمّ ما يمكن وأحسن ما يكون، فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئاً من صفاته، فالّذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النّبي صلى الله عليه و آله بعينه، فلو فرض سقوط شي ء منه أو تغيّر في إعراب أو حرف أو ترتيب وجب أن يكون في أمر لا يؤثّر في شى ءٍ من أوصافه كالإعجاز وارتفاع الاختلاف والهداية والنوريّة والذكريّة والهيمنة على سائر الكتب السماوية إلى غير ذلك، وذلك كآية مكرّرة ساقطة أو اختلاف في نقطة أو إعراب ونحوها. (1)


1- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 109.

ص: 60

العقل

إنّ العقل يحكم بداهة بأنّه يجب أن يكون القرآن سالماً عن احتمال أيّ تغيير أو تحريف؛ لاهتمام النّبيّ صلى الله عليه و آله بالقرآن اهتماماً شديداً حيث كان موضع عناية أمّة كبيرة واعية، كانت تقدّسه وتعظّمه في إجلال وإكبار، ولا عجب لأنّه المرجع الأوّل لجميع شؤونهم في الحياة الدينيّة والسياسيّة والاجتماعية، فكان القرآن أساس الدّين وهو المنبع الأصيل للفروع والأصول، مضافاً إلى أنّه لو أنّ أحداً أدخل فصلًا في كتاب سيبويه أو غيره لعرف وميّز وعلم أنّه ليس من أصل الكتاب، وذلك لشدّة العناية به وبحفظه، وضبطه.

ومن المعلوم: أنّ العناية بحفظ القرآن وضبطه وقراءته أشدّ وأعظم، ولا يقتصر ذلك على طائفة معيّنة، بل هو محطّ أنظار واهتمام الجميع، لأنّه معجزة النبوّة، ومأخذ الأحكام، وأساس الإسلام، فكيف يجوّز العقل أن يتطرّق إليه يد التحريف والحال هذه؟! بل يحكم العقل بداهة

ص: 61

بعدم إمكان وقوع أيّ تغيير وتحريف في مثل هذا الكتاب الّذي اهتمّ النبيّ والمسلمون بحفظه، وضمن اللَّه تعالى حفظه، والشواهد التاريخيّة مؤيّدة لمصونيّة القرآن، بل تدلّ على أنّه لايتجرّأ أحد أن يزيد فيه شيئاً.

ويؤيّد ذلك ما قاله عمر: «لولا أن يقول النّاس أنّ عمر زاد في كتاب اللَّه لكتبت آية الرّجم بيدي». (1)


1- الإتقان، ج 2، ص 26.

ص: 62

جمع القرآن في عصر النبيّ صلى الله عليه و آله

اشارة

والدليل الآخر على عدم تحريف القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله، موجوداً كذلك بين المسلمين كما يدلّ على ذلك كثير من الأخبار في كتب الفريقين.

منها: ما روي عن قتاده قال سألت أنس بن مالك «من جمع القرآن على عهد النّبي صلى الله عليه و آله؟ قال أربعة كلّهم من الأنصار: أبيّ بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وأبوزيد». (1) ومنها: ما روي عن زيد بن ثابت قال:

كنّا عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نؤلّف القرآن من الرّقاع. (2) والمراد في الرواية الأولى جمع القرآن في مصحف واحد، وإلّا لم يكن الانحصار في الأربعة في محلّه؛ لأنّ الحفّاظ والقرّاء والمؤلّفين كانوا


1- البرهان في علوم القرآن، ج 1، ص 335.
2- المصدر نفسه، ص 331.

ص: 63

كثيرين. وقد صرّح بذلك بعض العلماء أيضاً:

قال المسعودي: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أقام يدعو الخلق إلى اللَّه اثنتين وعشرين سنة وهو ينزل عليه الوحي ويمليه على أصحابه فيكتبونه ويدوّنونه ويلتقطونه لفظةً لفظةً». (1) وقال الشيخ محمّد الغزالي: «فلمّا انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى كان القرآن كلّه محفوظاً في الصدور وكان كذلك مثبتاً في السطور». (2) وقال السّيد الشريف المرتضى علم الهدى:

إنّ القرآن كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزّمان حتّى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنّه كان يعرض على النّبي صلى الله عليه و آله ويتلى عليه، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبداللَّه ابن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ صلى الله عليه و آله عدّة ختمات، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأملّ على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث». (3)

مؤيّدات عدم التحريف

وفي ختام هذا البحث نشير إلى بعض المؤيّدات لعدم تحريف القرآن عند المسلمين.


1- مروج الذهب، ج 3، ص 35.
2- اكذوبة تحريف القرآن، ص 34.
3- مجمع البيان، ج 1، ص 15.

ص: 64

الف- السيرة العملية للمسلمين من زمن النبيّ إلى زماننا هذا القائمة على الاهتمام بتلاوة القرآن وحفظه وختمه في أوقات ومواسم خاصّة في شهر رمضان وإكرام القرآن وإعظامه وإعزاز القارئين والمعلّمين للقرآن.

ب- حكم الإمامية بوجوب قراءة سورة كاملة في الصلاة بعد الحمد، قال السيّد شرف الدّين قدّس سرّه:

وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على اعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها زمن الرّسول صلى الله عليه و آله على ما هي عليه الآن، وإلّا لما نسب لهم هذا القول. (1) هذا القول هو المشهور بين فقهاء الإماميّة بل ادّعي عليه الإجماع كما في مفتاح الكرامة. (2) فإذا ثبت أنّ القرآن جمع كلّه في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله (3) وأنّ جمع أبي بكر وغيره للقرآن لم يكن إلّا استنساخ ما هو مكتوب من قبل وتوحيد القرآن ينهدم أكثر ما أورده البعض في إثبات التحريف، لأنّهم يقولون بتواتر القرآن بعد جمعه، فإذا كان جمعه في عهد النبيّ متواتراً، فتصوّر التحريف بعد ذلك غير معقول.


1- التحقيق في نفي التحريف، ص 48.
2- مفتاح الكرامة، ج 2، ص 350.
3- لمزيد الاطّلاع راجع كتاب الأستاذ السيد جعفر مرتضى العاملي المسمّى ب «حقائق هامّةحول القرآن الكريم» ص 63.

ص: 65

فثبت بما ذكرنا من الأدلّة أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الّذي كان بين يدي الرسول صلى الله عليه و آله وأصحابه على عهده فما بعد من غير زيادة ونقصان، فنعلن ثانياً وبصوت عال انّنا نعتقد بمصونيّة القرآن من أيّ تغيير وتحريف، ونقول مع وجود هذه الأدلّة وغيرها لا يمكن القول بوقوع التحريف في القرآن، بل ليس هذا القول معقولًا عندنا.

ص: 66

ص: 67

الفصل الثالث: رأي علماء الشيعة في أسطورة التحريف و ردودهم عليه

رأي علماء الشيعة

ص: 68

ص: 69

من يتابع أقوال علماء الشيعة يجد أنّهم متّفقون على عدم وقوع التّحريف في القرآن، وفيهم من صرّح بأنّ من نسب إلى الشيعة القول بوقوع التحريف في القرآن فهو كاذب، وفيهم أيضاً من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين،

وبالجملة فإنّ الشيعة الإماميّة في ماضيهم وحاضرهم تعتقد بعدم تحريف القرآن وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزل اللَّه على نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله من دون أيّ زيادة أو نقصان كما جاء التصريح بذلك في كلمات كبار علمائنا ومشاهير مؤلّفينا منذ أكثر من ألف عام حتّى الآن، ونشير هنا إلى كلمات بعض علمائنا:

1- قال الشيخ محمّد بن علي بن بابويه القمي الملقّب بالصّدوق(متوفّى سنة 381 ه. ق): اعتقادنا في القرآن أنّه كلام اللَّه ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وأنّه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،

ص: 70

تنزيل من حكيم عليم، وأنّه القصص الحقّ وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل وأنّ اللَّه تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به، اعتقادنا أنّ القرآن الّذي أنزله اللَّه تعالى على نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك. (1) 2- قال الشيخ محمّد بن محمد بن النعمان، الملقّب بالمفيد البغدادي(المتوفّى سنة 413 ه. ق.):

وقد قال جماعة من أهل الإمامة: إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أميرالمؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلًا وإن لم يكن من جملة كلام اللَّه تعالى الّذي هو القرآن المعجز، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً... وعندي أنّ هذا القول أشبه(أي أقرب) من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل.

وإليه أميل وأمّا الزيادة فيه فمقطوع على فسادها. (2) 3- قال السيّد المرتضى علم الهدى(المتوفّى سنة 436 ه. ق.):

إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه؛ لأنّ القرآن معجزة النبوّة ومأخذ العلوم الشرعية


1- الاعتقادات للشيخ الصدوق، ص 93- 92.
2- أوائل المقالات في المذاهب المختارات، ص 55.

ص: 71

والأحكام الدينيّة، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتّى عرفوا كلّ شي ءٍ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!

وقال: إنّ القرآن كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مجموعاً مؤلّفاً على ما عليه الآن، واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّى عيّن على جماعة من الصحابة فى حفظهم له وإن كان يعرض على النبيّ صلى الله عليه و آله ويتلى عليه، وأنّ جماعة من الصّحابة مثل عبداللَّه ابن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرها ختموا القرآن على النبيّ صلى الله عليه و آله عدّة ختمات، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإماميّة والحشويّة لايعتدّ بخلافهم؛ فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. (1) 4- قال الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن الطوسي(المتوفّى سنة 460 ه. ق.):

أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فما لا يليق به أيضاً؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظّاهر أيضاً من مذهب المسلمين


1- مجمع البيان، ج 1، ص 15.

ص: 72

خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الّذي نصره المرتضى رحمه الله، وهو الظاهر في الروايات، غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شي ء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد الّتي لا توجب علماً ولا عملًا، والأولى الإعراض عنها، وترك التشاغل بها، لأنّه يمكن تأويلها. (1) 5- قال الشيخ الفضل بن الحسن أبوعلي الطبرسي الملقّب بأمين الإسلام(المتوفّى سنة 548 ه. ق.):

ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه؛ فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً.

والصّحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدس سره. (2) 6- قال الشيخ البهائي:

اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه. والصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالى: «وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ». وما اشتهر بين النّاس من إسقاط اسم أميرالمؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» في عليّ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء. (3)


1- التبيان في تفسير القرآن، ج 1، ص 3.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 1، ص 15.
3- آلاء الرحمن، ص 26.

ص: 73

7- رأي الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء:

وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الّذي أنزله اللَّه للإعجاز والتحدّي، وتمييز الحلال من الحرام، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم. (1) 8- قال الإمام السيّد شرف الدّين العاملي(المتوفّى سنة 1381 ه. ق.): وكلّ من نسب إليهم تحريف القرآن فإنّه مفتر عليهم ظالم لهم، لأنّ قداسة القرآن الكريم من ضروريات دينهم الإسلامي ومذهبهم الإمامي، ومن شكّ فيها من المسلمين فهو مرتدّ بإجماع الإمامية. وظواهر القرآن- فضلًا عن نصوصه- من أبلغ حجج اللَّه تعالى، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم البداهة الأوّليّة من مذهب الإماميّة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار، ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والأصول صريحة بما نقول، والقرآن الكريم الّذي لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه إنّما هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي النّاس، لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوّة، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلّفاً على ما هو عليه الآن، وكان جبرائيل عليه السلام يعارض


1- تدوين القرآن، ص 43.

ص: 74

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالقرآن في كلّ عام مرّة، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين.

والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبيّ حتّى ختموه عليه صلى الله عليه و آله مراراً عديدة، وهذا كلّه من الأمور المعلومة الضروريّة لدى المحقّقين من علماء الإماميّة، ولا عبرة بالحشويّة فإنّهم لا يفقهون. (1) 9- قال الأستاذ العلّامة الطباطبائي:

فقد تبيّن ممّا فصّلنا أنّ القرآن الّذي أنزله اللَّه على نبيّه صلى الله عليه و آله ووصفه بأنّه ذكر، محفوظ على ما أنزل، مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد اللَّه نبيّه فيه. (2) 10- قال السيّد محسن الأمين صاحب كتاب أعيان الشيعة:

لا يقول أحد من الإمامية، لا قديماً ولا حديثاً أنّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلًا عن كلّهم، بل كلّهم متّفقون على عدم الزيادة، ومن يعتدّ بقوله من محققّيهم متّفقون على أنّه لم ينقص منه... ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ على اللَّه ورسوله. (3) 11- قال آية اللَّه العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي:

المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله وقد صرّح بذلك


1- الفصول المهمّة، ص 165.
2- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 109.
3- أعيان الشيعة، ج 1، ص 41.

ص: 75

كثير من الأعلام، منهم رئيس المحدّثين محمّد بن بابويه، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإماميّة و...

ثمّ قال: أنّ المشهور بين علماء الشيعة ومحقّقيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف... (1) إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلّامن ضعف عقله أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل، أو من ألجأه إليه حبّ القول به، والحبّ يعمي ويصمّ. وأمّا العقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته. (2) 12- قال قائد الثورة الإسلاميّة الإمام الخميني(المتوفّى سنة 1409 ه. ق.):

فإنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابةً، يقف على بطلان تلك المزعمة وأنّه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة. وما وردت فيه من الأخبار، بين ضعيف لا يستدلّ به، إلى مجعول يلوح منها أمارات الجعل، إلى غريب يقضى منه العجب، إلى صحيح يدلّ على أنّ مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره، إلى غير ذلك من الأقسام الّتي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل.

ولولا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة قرون، وأوضحنا عليك أنّ


1- البيان في تفسير القرآن، ص 200 و 201.
2- البيان: 259.

ص: 76

الكتاب هو عين ما بين الدفّتين، والاختلافات الناشئة بين القرّاء ليس إلّا أمراً حديثاً لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين. (1) 13- قال الفيض الكاشاني: قال اللَّه عزّ وجلّ «وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ»، وقال «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ»، فكيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير؟! وأيضاً قد استفاض عن النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام حديث عرض الخبر المرويّ على كتاب اللَّه ليعلم صحّته بموافقته له، وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الّذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب اللَّه، مكذّب له، فيجب ردّه، والحكم بفساده. (2) 14- قال الشيخ جعفر الجناجي: لا زيادة فيه من سورة، ولا آية من بسملة وغيرها، لا كلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفّتين ممّا يتلى كلام اللَّه تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين، وإجماع المسلمين، وأخبار النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة الطاهرين عليهم السلام، وإن خالف بعض من لا يعتدّ به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن... لا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح القرآن، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر. (3)


1- تهذيب الأصول تقريراً بقلم العلّامة الشيخ جعفر السبحاني، ج 2، ص 165.
2- تدوين القرآن، ص 42.
3- همان، ص 43.

ص: 77

15- قال السيّد البروجردي الطباطبائي:

قال الشيخ لطف اللَّه الصافي عن أستاذه آيةاللَّه السيّد حسين البروجردي(فإنّه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا عنه: بطلان القول بالتحريف، وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه، وأنّ الضرورة قائمة على خلافه، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سنداً ودلالة.

وقال: وإنّ بعض هذه الروايات تشتمل على ما يخالف القطع والضرورة، وما يخالف مصلحة النبوّة. وقال في آخر كلامه الشريف:

ثمّ العجب كلّ العجب من قوم يزعمون أنّ الأخبار محفوظة في الألسن والكتب في مدّة تزيد على ألف وثلاثمائة سنة، وأنّه لو حدث فيها نقص لظهر، ومع ذلك يحتملون تطرّق النقيصة إلى القرآن المجيد. (1) 16- رأي السيّد محسن الحكيم الطباطبائي:

وبعد، فإنّ رأي كبار المحقّقين وعقيدة علماء الفريقين ونوع المسلمين من صدر الإسلام إلى اليوم على أنّ القرآن بترتيب الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي، لم يقل الكبار بتحريفه من قبل، ولا من بعد. (2) 17- رأي السيّد محمد هادي الميلاني:

الحمد للَّه وسلام على عباده الّذين اصطفى. أقول بضرس قاطع: إنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ تحريف لا بزيادة ولا بنقصان، ولا بتغيير


1- تدوين القرآن، ص 44.
2- المصدر نفسه، ص 44.

ص: 78

بعض الألفاظ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة، لا تغيير الألفاظ والعبارات. وإذا اطلع أحد على رواية وظنّ بصدقها وقع في اشتباه وخطأ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً. (1) 18- رأي السيّد محمدرضا الگلبايگاني:

وقال الشيخ لطف اللَّه الصافي دام ظلّه: ولنعم ما أفاده العلّامة الفقيه والمرجع الديني السيد محمدرضا الگلبايگاني بعد التصريح بأنّ ما في الدفّتين هو القرآن المجيد، ذلك الكتاب لا ريب فيه، والمجموع المرتّب في عصر الرسالة بأمر الرسول صلى الله عليه و آله، بلا تحريف ولا تغيير ولا زيادة ولا نقصان، وإقامة البرهان عليه: أنّ احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به، واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل، وهو مستقلّ بامتناعه عادة.

19- رأي الشيخ لطف اللَّه الصافي:

القرآن معجزة نبيّنا محمد صلى الله عليه و آله وهو الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله، وبمثل سورة أو آية منه، وحيّر عقول البلغاء، وفطاحل الأدباء... وقد مرّ عليه أربعة عشر قرناً، ولم يقدر في طول هذه القرون أحد من البلغاء أن


1- تدوين القرآن، ص 45.

ص: 79

يأتي بمثله، ولن يقدر على ذلك أحد في القرون الآتية والأعصار المستقبلة، ويظهر كلّ يوم صدق ما أخبر اللَّه تعالى به: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا...» هذا هو القرآن، وهو روح الأمّة الإسلاميّة وحياتها ووجودها وقوامها، ولولا القرآن لما كان لنا كيان. هذا القرآن هو كلّ ما بين الدفّتين ليس فيه شي ء من كلام البشر، وكلّ سورة من سوره وكلّ آية من آياته، متواتر مقطوع به ولا ريب فيه. دلّت عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر. هذا هو القرآن عند الشيعة الإماميّة، ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلًا عن الزيادة سبيل، ولا يرتاب في ذلك إلّاالجاهل، أو المبتلى بالشذوذ الفكري.

وغيرهم من العلماء كالسيّد بن طاووس المتوفّى سنة 664 ه ق.

والعلّامة الحلّي المتوفّى سنه 726 ه ق. والشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي صاحب الكتاب القيّم «وسائل الشيعة» المتوفّى 1104 ه. ق، والعالم المحقّق زين الدّين البياضي صاحب كتاب الصّراط المستقيم، والقاضي الشهيد سيّد نوراللَّه التستري، والمقدّس البغدادي، وكاشف الغطاء، والشيخ محمّد جواد البلاغي، والسيّد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم، وآيةاللَّه كوه كمري، وملّا فتح اللَّه الكاشاني صاحب تفسير منهج الصادقين، والميرزا حسن الآشتياني في كتابه بحرالفوائد، والشيخ المامقاني في كتابه تنقيح المقال، والشيخ محمّد النهاوندي في تفسيره المسمّى بنفحات الرحمن، والسيّد علي نقي الهندي في تفسيره المسمّى بتفسير القرآن، والسيّد محمدمهدي الشيرازي،

ص: 80

والسيّد شهاب الدّين المرعشي النجفي وغيرهم. (1) هذا رأي علماء الشيعة الذين يمثّلون الشيعة في كلّ عصر، فهم الخبراء بمذهب التشيّع لأهل البيت عليهم السلام، الّذين يميّزون ما هو جزء منه وما هو خارج عنه، فهؤلاء الفقهاء الّذين هم كبار المجتهدين في كلّ عصر يعتبر قولهم رأي الشيعة وعقيدتهم عقيدة الشيعة.

مضافاً إلى أنّ للعلماء وفقهاء الشيعة ردوداً على القول بالتّحريف، نذكر خلاصة ردودهم الّتي لخّصها الأستاذ الشيخ عليّ الكوراني في كتابه بما يلي:

ردود علماء الشيعة على التحريف

1- أنّ واقع الشيعة في العالم يكذب التهمة

فالشيعة ليسوا طائفة قليلة تعيش في قرية نائية أو مجتمع مقفل، حتّى يخفى قرآنهم الّذي يعتقدون به ويقرأونه، بل هم ملايين النّاس وعشرات الملايين، يعيشون في أكثر بلاد العالم الإسلامي، وهذه بلادهم وبيوتهم ومساجدهم وحسينياتهم ومدارسهم وحوزاتهم العلمية، لا تجد فيها إلّانسخة هذا القرآن... ولو كانوا لا يعتقدون به ويعتقدون بغيره دونه أو معه، فلماذا يقرأونه في بيوتهم ومراكزهم ومناسباتهم ولا يقرأون غيره؟ ولماذا يدرسونه ولا يدرسون غيره؟!


1- أكذوبة تحريف القرآن، 108- 97.

ص: 81

2- مذهب التشيع مبنيّ على التمسّك بالقرآن والعترة

قام مذهب التشيّع لأهل بيت النّبي صلى الله عليه و آله على الاعتقاد بأنّ اللَّه تعالى أمر نبيّه صلى الله عليه و آله بأن يوصي أمّته بالتمسّك بعده بالقرآن وعترة النبيّ، لأنّه اختارهم للإمامة وقيادة الأمّة بعد نبيّه صلى الله عليه و آله.

وحديث الثقلين حديث ثابت عند الشيعة والسنّة، فقد رواه أحمد (1)(عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إنّي أوشك أن ادّعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه عزّ وجلّ وعترتي. كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما؟!).

وقد بلغت مصادر هذا الحديث من الكثرة وتعدّد الطرق عند الطرفين بحيث إنّ أحد علماء الهند ألّف في أسانيده وطرقه كتاب(عبقات الأنوار) من عدّة مجلدات.

وعندما يقوم مذهب طائفة على التمسّك بوصيّة النبيّ بالثقلين، الثقل الأكبر القرآن والثقل الأصغر أهل بيت نبيّهم... فكيف يصحّ اتّهامهم بأنّهم لا يؤمنون بأحد ركني مذهبهم؟!

إنّ مثل القرآن والعترة- الذين هم المفسّرون للقرآن والمبلّغون للسنّة- في مذهبنا كمثل الأوكسيجين والهيدروجين، فبدون أحدهما لا يتحقّق وجود مذهب التشيّع...


1- مسند أحمد ج 3 ص 17.

ص: 82

ولم تقتصر تأكيدات النبيّ على التمسّك بعترته على حديث الثقلين، بل كانت متكرّرة وممتدّة طوال حياته الشريفة، وكان أوّلها مبكراً في مرحلة دعوة عشيرته الأقربين- التي يقفز عنها كتاب السيرة في عصرنا ويسمّونها مرحلة دار الأرقم- يوم نزل قوله تعالى: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اْلأَقْرَبِينَ» فجمع بني عبدالمطّلب ودعاهم إلى الإسلام، وأعلن لهم أنّ عليّاً وزيره وخليفته من بعده!

قال السيّد شرف الدين (1):

(... فدعاهم إلى دار عمّه أبي طالب وهم يومئذٍ أربعون رجلًا يزيدون رجلًا أو ينقصونه، وفيهم أعمامه أبوطالب وحمزة والعباس وأبولهب، والحديث في ذلك من صحاح السنن المأثورة، وفي آخره قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا بني عبدالمطّلب إنّي واللَّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير عليّ- وكان أصغرهم- إذ قام فقال: أنا يا نبيّ اللَّه أكون وزيرك عليه. فأخذ رسول اللَّه برقبته وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع! (2)) انتهى.


1- المراجعات، ص 187.
2- المصدر نفسه، ص 187.

ص: 83

وتواصلت تأكيدات النبيّ صلى الله عليه و آله بعد حديث الدار في مناسبات عديدة، كان منها حديث الثقلين، وكان منها تحديد من هم أهل بيته الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس.. ثمّ كان أوجها أن أخذ البيعة من المسلمين لعليّ في حجّة الوداع في مكان يدعى غدير خم.. وقد روت ذلك مصادر الفريقين أيضاً، وألّف أحد علماء الشيعة كتاب(الغدير) من عدة مجلّدات في جمع أسانيده وما يتعلّق به.

3- قاعدة عرض الأحاديث على القرآن عند الشيعة

من مباحث أصول الفقه عند الشيعة والسنّة: مسألة تعارض الأحاديث مع القرآن، وتعارض الأحاديث فيما بينها. وفي كلتا المسألتين يتشدّد الشيعة في ترجيح القرآن أكثر من إخوانهم السنّة، فعلماء السنّة مثلًا يجوّزون نسخ آيات القرآن بالحديث حتّى لو رواه صحابي واحد.. ولذلك صحّحوا موقف الخليفة أبي بكر السلبي من فاطمة الزهراء عليها السلام، حيث صادر منها(فدك) الّتي نحلها إيّاها النبيّ صلى الله عليه و آله وكانت بيدها في حياة أبيها، ثمّ منعها إرثها من أبيها صلى الله عليه و آله بدعوى أنّه سمع النبيّ يقول:(نحن معاشر الأنبياء لا نورّث)، فما تركه النبيّ يكون صدقة بيد الدولة.. واحتجّت عليه فاطمة الزهراء بالقرآن وقالت له- كما روى النعماني المغربي-: يابن أبي قحافة أفي كتاب اللَّه أن ترث أباك ولا أرث أبي..؟! لقد جئت شيئاً فَرِياً (1)، فقال علماء السنّة: إنّ


1- شرح الأخبار، ج 3، ص 36.

ص: 84

عمل أبي بكر صحيح، وآيات الإرث في القرآن منسوخة بالرواية الّتي رواها أبوبكر وحده، ولم يروها غيره!

أمّا إذا تعارض الحديثان فقد وضع علماء الاصول والحديث لذلك موازين لترجيح أحدهما على الآخر، ومن أوّلها عند الفريقين الأخذ بالحديث الموافق لكتاب اللَّه تعالى وترك ما خالفه... إلخ. وزاد علماء الشيعة على ذلك أنّه بقطع النظر عن وجود التعارض بين الأحاديث أو عدم وجوده فإنّه يجب عرض كلّ حديث على كتاب اللَّه تعالى، والأخذ بما وافقه إن استكمل بقيّة شروط القبول الأخرى، وردّ ما خالفه وإن استجمع شروط القبول الأخرى، ورووا في ذلك روايات صحيحة عن النبيّ وآله صلى الله عليه و آله:

ففي الكافي(عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب اللَّه فخذوه، وما خالف كتاب اللَّه فدعوه. (1) وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: خطب النبيّ صلى الله عليه و آله بمنى فقال: أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللَّه فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب اللَّه فلم أقله.

وعن عبداللَّه بن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به؟ قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب اللَّه أو من قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وإلّا


1- الكافي، ج 1، ص 69، ح 1.

ص: 85

فالّذي جاءكم به أولى به.

وعن أيّوب بن الحرّ قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: كلّ شي ء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لايوافق كتاب اللَّه فهو زخرف) (1).

وفي تهذيب الأحكام(... فهذان الخبران قد وردا شاذّين مخالفين لظاهر كتاب اللَّه، وكلّ حديث ورد هذا المورد فإنّه لا يجوز العمل عليه، لأنّه روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وعن الأئمّة عليهم السلام أنهّم قالوا: إذا جاءكم منّا حديث فأعرضوه على كتاب اللَّه، فما وافق كتاب اللَّه فخذوه، وما خالفه فاطرحوه أو ردّوه علينا. وهذان الخبران مخالفان على ما ترى... (2)) انتهى.

فكيف يتّهم الشيعة بعدم الاعتقاد بالقرآن؟! والقرآن هو المقياس الأوّل في مذهبهم، وهم يخوضون معركة فكريّة مع إخوانهم السنّة ويكافحون من أجل تحكيم نصوص القرآن، وقد اشتهرت عنهم إشكالاتهم على اجتهادات الخلفاء في مقابل نصّ القرآن والسنّة، وما زال علماء السنّة إلى عصرنا يسعون للإجابة على هذه الإشكالات!

4- تاريخ الشيعة وثقافتهم مبنيّان على القرآن

والشيعة ليسوا طائفة مستحدثة، بل جذورهم ضاربة إلى زمن النبيّ صلى الله عليه و آله، حيث كان عدد من الصحابة يلتفون حول علي عليه السلام، فشجعهم


1- الكافي، ج 1، ص 69، ح 2 و 3 و 5.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 275.

ص: 86

النبيّ على ذلك، ومدحهم وأبلغهم مدح اللَّه تعالى لهم، كما ترويه مصادر السنّة والشيعة.. فقد روى السيوطي في تفسير قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» فقال:

(وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبداللَّه قال: كنّا عند النّبي صلى الله عليه و آله فأقبل عليّ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ». فكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله إذا أقبل عليٌّ قالوا:

جاء خير البريّة.

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: علىٌّ خير البريّة.

وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لمّا نزلت: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ». قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين.

وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ألم تسمع قول اللَّه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»، أنت وشيعتك. وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب، تدعون غرّاً محجّلين) انتهى (1).

فعليٌّ وشيعته كانوا وجوداً مميّزاً في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله، وهم الّذين كانوا مشغولين مع عليّ بجنازة النبيّ، عند ما بادر الآخرون إلى السقيفة


1- الدرّ المنثور، ج 6، ص 379.

ص: 87

ورتّبوا بيعة أبي بكر، فأدان عليّ وفاطمة وشيعتهم هذا التصرّف، واتّخذوا موقف المعارضة.... وعندما بويع عليّ بالخلافة كانوا معه في مواجهة الانحراف وتنفيذ وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله بالقتال على تأويل القرآن..

ثمّ كانوا مع أبنائه الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام.. وعبر القرون كان الشيعة قطاعاً كبيراً حيوياً واسع الامتداد في الأمة تمثل في مجتمعاتٍ ودولٍ، وتاريخٍ معروفٍ مدوّن. وثقافتهم ومؤلّفاتهم كثيرة وغزيرة، وقد كانت وما زالت في متناول الجميع، ومحورها كلّها القرآن والسنّة، ولا أثر فيها لوجود قرآن آخر!!

5- تفاسير علماء الشيعة ومؤلّفاتهم حول القرآن

يمكن القول بأنّ نسبة عدد الشيعة عبر العصور المختلفة كانت خُمس عدد الأمّة الإسلاميّة، وبقيّة المذاهب السنّية أربعة أخماس.. فالوضع الطبيعي أن تكون نسبة مؤلّفاتهم في تفسير القرآن ومواضيعه الأخرى خمس مجموع مؤلفات إخوانهم السنّة..

وإذا لاحظنا ظروف الاضطهاد التي عاشها الشيعة عبر القرون، نكون منصفين إذا توقّعنا من علمائهم عُشر ما ألّفه إخوانهم السنّة حول القرآن بل نصف العشر.. بينما نجد أنّ مؤلّفات الشيعة حول القرآن قد تزيد على الثلث!

وقد أحصت دار القرآن الكريم في قم الّتي أسّسها مرجع الشيعة الراحل السيّد الگلبايگاني رحمه اللَّه، مؤلّفات الشيعة في التفسير فقط

ص: 88

في القرون المختلفة، فزادت على خمسة آلاف مؤلّف..

فكيف يصحّ أن نعمد إلى طائفة أسهموا على مدى التاريخ الإسلامي أكثر من غيرهم في التأليف في تفسير القرآن وعلومه.. ونتّهمهم بعدم الإيمان بالقرآن، أو بأنّ عندهم قرآناً آخر!!

6- فقه الشيعة في احترام القرآن أكثر تشدّداً

توجد مجموعة أحكام شرعية عند الشيعة تتعلّق بوجوب احترام نسخة القرآن الكريم وحرمة إهانتها. فلا يجوز عندنا مسّ خطّ القرآن لغير المتوضّئ، ولا يجوز القيام بأي عمل يعتبر عرفاً إهانةً للقرآن ولو لم يقصد صاحبه الإهانة، كأن يضع نسخة القرآن في مكان غير مناسب، أو يرميها رمياً غير لائق، أو ينام ونسخة المصحف في مكان مواجه لقدميه، أو يضعها في متناول طفل يعبث بها.. إلى آخر هذه الأحكام التي تشاهدها في كتب الفقه العملي الذي يعلّم الناس الصلاة والوضوء والأحكام التي يحتاجها الشيعي في حياته اليوميّة..

فأيّ قرآن تتعلّق به هذه الأحكام التي تعلّمها نساء الشيعة لأطفالهن..؟

هل تتعلّق بقرآن الشيعة المزعوم الذي لا يعرفه الشيعة ولا رأوه؟!

7- فتاوى علماء الشيعة بعدم تحريف القرآن

وقد صدرت فتاوى علماء الشيعة [الماضين والحاضرين] جواباً

ص: 89

على تهمة الخصوم فأجمع مراجعهم على أنّ اتّهام الشيعة بعدم الاعتقاد بالقرآن افتراء عليهم وبهتان عظيم، وأنّ الشيعة يعتقدون بسلامة هذا القرآن وأنّه القرآن المنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من دون زيادة أو نقيصة (1).


1- تدوين القرآن، ص 35.

ص: 90

شهادة أعلام التحقيق من أهل السنّة

من الجدير أن نشير هنا إلى شهادات بعض المحقّقين من أهل السنّة بشأن نزاهة مواقف علماء الشيعة الإماميّة تجاه مسألة التحريف وبأنّ أعلام علماء الشيعة لا يعتقدون بعروض التحريف في القرآن. وإليك نماذج من تلكم الشهادات:

1- قال أبوالحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري:

واختلف الروافض في القرآن، هل زيد فيه أو نقص منه؟ وهم فرقتان، فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّ القرآن قد نقص منه، وأمّا الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان، وكذلك لا يجوز أن يكون قد غيّر منه شي ء عمّا كان عليه، فأمّا ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منهم، والإمام يحيط علماً به.

والفرقة الثانية منهم وهم القائلون بالاعتزال(لقولهم بأصل العدل) والإمامة يزعمون أنّ القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه، وأنّه على ما

ص: 91

أنزله اللَّه تعالى على نبيّه عليه الصلاة والسلام، لم يغيّر ولم يبدّل، ولا زال عمّا كان عليه. (1) هذا كلام أكبر زعيم من زعماء الفكر الإسلامي في القرن الرابع(توفّي سنة 330 ه. ق) يشهد بوضوح أنّ الأعلام المحقّقين من أكابر الشيعة الإماميّة يرفضون القول بالتحريف في جميع أشكاله.

2- قال الأستاذ المعاصر الدكتور محمد عبداللَّه درّاز:

ومهما يكن من أمر فإنّ هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي بما فيه فرق الشيعة- منذ ثلاثة عشر قرناً من الزمان. ونذكر هنا رأي الشيعة(أهمّ فرق الشيعة) كما ورد بكتاب أبي جعفر(الصدوق):

«إنّ اعتقادنا في جملة القرآن الّذي أوحى به اللَّه تعالى إلى نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله هو كلّ ما تحتويه دفّتا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر...

أمّا ما ينسب إلينا الاعتقاد في أنّ القرآن أكثر من هذا فهو كاذب» أمثال هذه الرّوايات الّتي نضرب عنها صفحاً.

قال: وقد ألّف ابن الخطيب محمد محمد عبداللطيف في سنة 1948 م كتاباً اسمه الفرقان حشّاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلًا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنّة.

وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بيّن بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه، فاستجابت الحكومة لهذا


1- صيانة القرآن من التحريف، ص 80.

ص: 92

الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.

أفيقال: إنّ أهل السنّة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان؟

فكذلك الشيعة الإماميّة، إنّما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات الّتي في بعض كتبنا. وفي ذلك يقول العلّامة السعيد أبوعلي الفضل الطبرسي ابن الحسن الطبرسي (1) في كتابه «مجمع البيان لعلوم القرآن» وهو بصدد الكلام عن الروايات الضعيفة الّتي تزعم أنّ نقصاً ما دخل القرآن- يقول هذا الإمام ما نصّه: روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشويّة العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الّذي نصره المرتضى قدّس اللَّه روحه.... وينقل كلام العلّامة الطبرسي بتمامه، حسبما نقلناه آنفاً، ثمّ يقول: فهذا كلام صريح واضح الدلالة على أنّ الإماميّة كغيرهم في اعتقاد أنّ القرآن لم يضع منه حرف واحد، ثمّ قال الأستاذ:

وبناءً على ذلك أكّد «لو بلو» أنّ القرآن هو اليوم الكتاب الربّانيّ الّذي ليس فيه أيّ تغيير يذكر... وكان «و. موير» قد أعلن ذلك قبله... فلم يوجد إلّا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلاميّة المتنازعة. (2)


1- هو من كبار علماء الإمامية في القرن السادس الهجري.
2- صيانة القرآن من التحريف، ص 83.

ص: 93

3- قال الأستاذ الشيخ محمد محمد المدني (1) وأمّا أنّ الإماميّة يعتقدون نقص القرآن فمعاذ اللَّه! وإنّما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها وبيّنوا بطلانها، وليس في الشيعة الإماميّة أو الزيديّة من يعتقد ذلك، كما أنّه ليس فى السنّة من يعتقده.

ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل «كتاب الإتقان» للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الروايات الّتي نضرب عنها صفحاً. (2) أقول: هكذا يعترف كلّ من كان منصفاً وراجع كتب الشيعة ونظر إلى رأي علماء الشيعة ودرس عقائدهم وأقوالهم من صدر الإسلام إلى الآن ويتعجّب ممّن اتّهم الشيعة وعلمائهم بأنّهم يعتقدون بالتحريف.

قال السيّد شرف الدين العاملي:

والباحثون من أهل السنّة يعلمون أنّ شأن القرآن العزيز عند الإماميّة ليس إلّا ما ذكرناه، والمنصفون منهم يصرّحون بذلك:

قال الإمام الهمام الباحث المتتبّع رحمة اللَّه الهندي في كتابه النفيس «إظهار الحقّ» ما هذا لفظه: القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإماميّة الإثني عشرية محفوظة عن التغيير والتبديل. ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه(أي الفئة الأخباريّة) فقوله مردود غير مقبول عندهم.


1- هو عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية.
2- صيانة القرآن من التحريف، ص 84.

ص: 94

ثمّ يستشهد الإمام الهندي بكلمات أعلام الطّائفة أمثال: الصدوق والشريف المرتضى والطبرسي والحرّ العاملي وغيرهم من مشاهير.

ويعقّبها بقوله: فظهر أنّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الإماميّة الإثني عشرية أنّ القرآن الّذي أنزله اللَّه على نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك. وأنّه كان مجموعاً مؤلّفاً في عهده صلى الله عليه و آله وحفظه ونقله ألوف من الصحابة، وجماعة من الصحابة كعبداللَّه بن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ عدّة ختمات، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر عجّل اللَّه تعالى فرجه.

قال: والشرذمة القليلة الّتي قالت بوقوع التغيير فقولهم مردود عندهم ولا اعتداد بهم فيما بينهم. وبعض الأخبار الضعيفة الّتي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته. وهو حقّ، لأنّ خبر الواحد لا يقتضي علماً، فيجب ردّه إذا خالف الأدلّة القاطعة، على ما صرّح به ابن المطهّر الحلّي(العلّامة) في مبادئ الوصول إلى علم الأصول (1).


1- الفصول المهمّة، ص 164.

ص: 95

الفصل الرابع: أدلّة القائلين بالتحريف

أدلّة تحريف الكتاب و ردّها

اشارة

ص: 96

ص: 97

واستدلّ للقول بوقوع التحريف في الكتاب بأدلّة جمعها المحدّث النوري في كتابه الّذي يسمّى بفصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب. وإنّنا ننقل كلّ الأدلّة الّتي نقلها موجزاً ونجيب عنها بعون اللَّه تعالى:

الدليل الأوّل:

إنّ اليهود والنصارى غيّروا وحرّفوا كتاب نبيّهم بعده، فهذه الأمّة أيضاً لابّد أن يغيّروا القرآن بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله؛ لأنّ ما وقع فى بني إسرائيل لابدّ وأن يقع في هذه الأمّة على ما أخبر به الصادق المصدّق صلوات اللَّه عليه. (1) أقول: يمكن أن يكون مراده ممّا أخبر به الصادق المصدّق هذه


1- فصل الخطاب، ص 35.

ص: 98

الرواية الّتي رواها الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

كلّ ما كان فى الأمم السالفة، فإنّه يكون في هذه الأمّة مثله حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة. (1) وروي روايات أخرى بهذا المضمون من الشيعة والسنّة.

والجواب عن ذلك:

لقد أجاب آية اللَّه العظمى الخوئي عن ذلك بقوله:

أوّلًا: إنّ الروايات المشار إليها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملًا، ودعوى التواتر فيها جزافيّة لا دليل عليها، ولم يذكر من هذه الروايات شي ء في الكتب الأربعة، ولذلك فلا ملازمة بين وقوع التحريف في التوراة ووقوعه في القرآن.

ثانياً: إنّ هذا الدليل لو تمّ لكان دالًاّ على وقوع الزيادة في القرآن أيضاً، كما وقعت في التوراة والإنجيل، ومن الواضح بطلان ذلك.

ثالثاً: إنّ كثيراً من الوقائع الّتي حدثت في الأمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الأمّة، كعبادة العجل، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة، وغرق فرعون وأصحابه، وملك سليمان للانس والجنّ، ورفع عيسى إلى السماء، وموت هارون وهو وصيّ موسى قبل موت موسى نفسه، وإتيان موسى بتسع آيات بيّنات، وولادة عيسى من غير أب، ومسخ كثير من السابقين قردة وخنازير، وغير ذلك ممّا لا يسعنا إحصاؤه.


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 576.

ص: 99

وهذا أدلّ دليل على عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات، فلابدّ من إرادة المشابهة في بعض الوجوه. وعلى ذلك فيكفي في وقوع التحريف في هذه الأمّة عدم اتّباعهم لحدود القرآن، وإن أقاموا حروفه كما في الرواية...

رابعاً: لو سلّم تواتر هذه الروايات في السند، وصحّتها في الدلالة، لمّا ثبت بها أنّ التحريف قد وقع فيما مضى من الزمن، فلعلّه يقع في المستقبل زيادة ونقيصة، والّذي يظهر من البخاري تحديده بقيام الساعة، فكيف يستدلّ بذلك على وقوع التحريف في صدر الإسلام وفي زمان الخلفاء؟! (1)

الدليل الثاني:

إنّ كيفية جمع القرآن وتأليفه مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه ثمّ قال: فإنّك قد عرفت أنّ القرآن لم يكن مجموعاً مرتّباً في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله، وإنّما كان منتشراً متشتّتاً عند الأصحاب في الألواح والصدور، مع احتمال أنّه لم يكن بعضه عند أحد منهم كما أشير إليه في بعض الأخبار. نعم جمعت عند النبيّ صلى الله عليه و آله نسخة متفرّقة في الصحف والحرير والقراطيس ورثها عليّ عليه السلام ولمّا جمعها بعده صلى الله عليه و آله بأمره ووصيّته وألّفه كما أنزل اللَّه تعالى ثمّ عرضها عليهم فأعرضوا عنه وعمّا جاء به. (2)


1- البيان في تفسير القرآن، ص 221.
2- فصل الخطاب، ص 96.

ص: 100

والجواب عن ذلك:

إنّ كيفيّة الجمع الّذي ثبت عندنا ليست مستلزمة لوقوع التحريف؛ لأنّا نعتقد أنّ القرآن كتب وجمع في زمن النبيّ وفي إشرافه كما أكّد عليه عدد من العلماء والباحثين مثل: الحارث المحاسبي والخازن والزرقاني والزركشي وعبدالصبور شاهين ومحمد الغزالي وأبي شامة والباقلاني والحرّ العاملي والبلخي وابن طاووس والسيّد شرف الدين. (1) وقال الدكتور الصغير: «... والتحقيق العلمي يقتضي: أن يكون القرآن كلّه قد كتب، وجمع في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله كما يرى ذلك ابن حجر». (2) فمصدر هذه الشبهة كما قال المرحوم آية اللَّه العظمى الخوئي هو زعمه بأنّ جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قتل سبعون رجلًا من القرّاء في بئر معونة، وأربعمائة نفر في حرب اليمامة فخيف ضياع القرآن وذهابه من النّاس، فتصدّى عمرو بن زيد بن ثابت لجمع القرآن من العسب والرقاع واللخاف، ومن صدور النّاس بشرط أن يشهد شاهدان على أنّه من القرآن، وقد صرّح بجميع ذلك فى عدّة من الروايات، والعادة تقضي بفوات شي ء منه على المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم، كما هو مشاهد فيمن يتصدّى لجمع شعر شاعر واحد أو أكثر، إذا كان هذا الشعر متفرّقاً، وهذا الحكم قطعي بمقتضى العادة، لا أقلّ من احتمال وقوع التحريف، فإنّ من المحتمل عدم إمكان إقامة


1- من أراد الاطّلاع على أقوال العلماء فليراجع كتاب أكذوبة تحريف القرآن، ص 32.
2- حقايق هامّة حول القرآن الكريم، ص 63.

ص: 101

شاهدين على بعض ما سمع من النبيّ صلى الله عليه و آله، فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة. (1) فهذه الشبهة مبتنية على ما زعمه النوري بأنّ جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر، ولكن هذا الزعم باطل قطعاً، لاهتمام النبيّ صلى الله عليه و آله بالقرآن، وتعليمه إيّاه للناس، وحثّه لهم على قراءته وحفظه وختمه أوّلًا.

وثانياً: عرض الصحابة القرآن على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقراءتهم له.

وأخيراً اهتمام الصحابة بختم القرآن في زمنه صلى الله عليه و آله وأمره وحثّه على ختمه باستمرار.

فكون القرآن كلّه موجوداً مكتوباً على القسب واللخاف والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف والأضلاع وبعض الحرير والقراطيس ممّا لا شكّ فيه.

فإذا كان هذا الزعم باطلًا كما صرّح به غير واحد من المحقّقين الّذين بذلوا جهدهم في هذا الموضوع شكّر اللَّه سعيهم يتبيّن أنّ هذا الدليل أيضاً في غير محلّه.

كيفيّة جمع القرآن

نعم هنا بحث في أنّ القرآن المكتوب في القراطيس وغيره في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله جمع في مصحف واحد كالموجود بين الدفّتين في زمنه أو كان متفرّقاً فيها في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله نظراً لترقّب نزول القرآن على عهده صلى الله عليه و آله، فمادام لم ينقطع الوحي لم يصحّ تأليف السّور مصحفاً، إلّابعد الإكمال


1- البيان في تفسير القرآن، ص 239.

ص: 102

وانقطاع الوحي.

قد ذهب عدّة من المحقّقين إلى أنّ القرآن بنظمه القائم وترتيبه الحاضر كان قد حصل في حياة الرسول وكان القرآن على عهده صلى الله عليه و آله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن كالقاضي وابن الأنباري والكرماني والطيّبي. (1) كما ذهب السيّد الخوئي أيضاً إلى هذا الرأي (2) وذهب أستاذنا العلّامة الشيخ محمد هادي المعرفة إلى أنّ جمع السور وترتيبها بصورة مصحف مؤلّف كالموجود بين الدفّتين حصل بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله، وأوّل من قام بجمع القرآن بعد وفاته مباشرة وبوصيّة منه صلى الله عليه و آله هو الإمام عليّ بن أبي طالب- صلوات اللَّه عليه- ثمّ قام بجمعه زيد بن ثابت بأمر من أبي بكر، كما قام بجمعه كلّ من ابن مسعود وأبيّ بن كعب وأبي موسى الأشعري وغيرهم، حتّى انتهى الأمر إلى دور عثمان فقام بتوحيد المصاحف وإرسال نسخ موحّدة إلى أطراف البلاد، وحمل الناس على قراءتها وترك ما سواها. (3) ثمّ قال: ما قدّمناه هو المعروف عن رواة الآثار وعند الباحثين عن شؤون القرآن (4) وأضاف بقوله: ولكن يجب أن يعلم: أنّ قضيّة جمع القرآن حدث


1- الإتقان، ج 1، ص 62.
2- التمهيد، ج 1، ص 221.
3- المصدر نفسه، ص 218 و 219.
4- المصدر نفسه، ص 220.

ص: 103

من أحداث التاريخ، وليست مسألة عقلانية قابلة للبحث والجدال فيها.

وعليه فيجب مراجعة النصوص التاريخية المستندة من غير أن يكون مجال لتجوال الفكر فيها على أيّة حال!

والصحيح عندي أيضاً ما قاله الأستاذ. ولمزيد الاطمينان إلى أصحّ القولين فليراجع الموسوعة القيّمة التمهيد، ج 1، ص 220.

الدليل الثالث:

إنّ أكثر العامّة وجماعة من الخاصّة ذكروا في أقسام الآيات المنسوخة: ما نسخت تلاوتها دون حكمها، وما نسخت تلاوتها وحكمها معاً. وذكروا للقسمين أمثلة ورووا أخباراً كثيرة ظاهرة بل صريحة فى وجود بعض الآيات والكلمات الّتي ليس لها في القرآن المتداول أثر ولا عين وأنّه كان منه في عصر النبيّ صلى الله عليه و آله يتلونه الأصحاب وحملوها على أحد القسمين من غير أن تكون فيها دلالة وإشارة على ذلك وحيث إنّ نسخ التلاوة غير واقع عندنا فهذه الآيات والكلمات لابدّ وأن تكون ممّا سقطت وسقطوها من الكتاب جهلًا أو عمداً لا بإذن من اللَّه ورسوله وهو المطلوب. (1) ويرد عليه: أنّ نسخ التلاوة عندنا باطل أيضاً، ولا نعتقد به؛ لقوله تعالى:

«ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها» (2)

، إذ لا نسخ


1- فصل الخطاب، ص 105.
2- البقره: 106

ص: 104

فيما لا يكون هناك ناسخ، وما جاء بخير منه أو مثلها في نسخ التلاوة.

مضافاً إلى أنّ الروايات الّتي أشار إليها الطبرسي روايات آحاد، والقرآن الكريم لا يثبت ولا ينسخ بروايات الآحاد مهما كانت مكانة قائلها، ولابدّ فيه من التواتر، كما أجمع عليه العلماء قديماً وحديثاً.

وأخيراً لو صحّ ما قالوه لاشتهر بين الصحابة جميعاً، ولحفظه كثير منهم أو كتبوه في مصاحفهم، ولكن ما اشتهر، بل نقول: إنّ نسخ التلاوة غير معقول ولن يصدر من الحكيم أبداً.

فإذا ثبت أنّ نسخ التلاوة غير واقع بل غير معقول لا يصدر من الحكيم فيثبت بطلان هذا الدليل أيضاً.

الدليل الرابع:

إنّه كان لأميرالمؤمنين عليه السلام قرآناً مخصوصاً جمعه بنفسه بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعرضه على القوم فأعرضوا عنه، فحجبه عن أعينهم، وكان عند أولاده عليهم السلام يتوارثه إمام عن إمام كسائر خصائص الإمامة وخزائن النبوّة، وهو عند الحجّة عجّل اللَّه فرجه يظهره للنّاس بعد ظهوره ويأمرهم بقراءته، وهو مخالف لهذا القرآن الموجود من حيث التأليف و ترتيب السور والآيات بل الكلمات أيضاً ومن جهة الزيادة والنقيصة، وحيث إنّ الحقّ مع عليّ عليه السلام وعليّ مع الحقّ ففي القرآن الموجود تغيير من جهتين، وهو المطلوب. (1)


1- فصل الخطاب، ص 120.

ص: 105

والجواب عنه:

إنّ وجود القرآن لعليّ عليه السلام من المسلّمات التاريخية، ولكن لم يكن مصحفه مخالفاً لهذا القرآن الموجود بين الدفّتين من جهة الزيادة والنقيصة، بل كان مخالفاً لهذا القرآن في النظم والاحتواء على شروح وتفاسير على الهامش ومحلّ النزول وشأن النزول.

قال السيّد الخوئي رحمه الله: «فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام هو أنّ مصحف عليّ عليه السلام كان مشتملًا على زيادات تنزيلًا أو تأويلًا. ولا دلالة في شي ء من هذه الروايات على أنّ تلك الزيادات من القرآن». (1) وما أدّعى أيضاً أحد ولا يستفاد من الروايات أيضاً أنّ مصحفه كان ناقصاً من القرآن الموجود بين الدفّتين.

فما ذكره النوري إن صحّ استدلاله يدلّ على التحريف بمعنى زيادة شي ء في القرآن وبطلانه إجماعيّ، ولكن الاستدلال سخيف وباطل كما عرفت.

وقال المرحوم العلّامة الطّباطبائي قدس سره: والجواب عن الوجه الثالث إنّ جمعه عليه السلام القرآن وحمله إليهم وعرضه عليهم لا يدلّ على مخالفة ما جمعه في شي ء من الحقائق الدينيّة الأصليّة أو الفرعية إلّاأن يكون في شي ء من ترتيب السور أو الآيات من السور الّتي نزلت نجوماً بحيث لا يرجع إلى مخالفة في بعض الحقائق الدينيّة.

ولو كان كذلك لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه، ولم يقنع بمجرّد


1- البيان فى تفسير القرآن، ص 225.

ص: 106

إعراضهم عمّا جمعه واستغنائهم عنه كما روي عنه عليه السلام في موارد شتّى، ولم ينقل عنه عليه السلام فيما روى من احتجاجاته أنّه قرأ في أمر ولايته ولا غيرها آية أو سورة تدلّ على ذلك، وجبههم على إسقاطها أو تحريفها. (1)

الدليل الخامس:

إنّ وجود مصحف مخصوص معتبر لعبد اللَّه بن مسعود مخالف للمصحف الموجود مستلزم لعدم مطابقته لتمام ما نزل على النبيّ صلى الله عليه و آله إعجازاً وإن كان في مصحفه أيضاً مخالفة لمصحف أميرالمؤمنين عليه السلام من جهة الترتيب كما مرّ، وعدم اشتماله على تمام ما فيه بل بعض ما في الموجود أيضاً إلّاأنّ المطلوب ثبوت تمام ما جمعه فيه، وعدم شمول الموجود لبعضه وبه يتمّ الاستدلال، ولا تضرّه المخالفة المذكورة، كما لا يخفى. (2) والجواب عن ذلك:

قال الأستاذ العلامة محمد هادي المعرفة في جوابه:

كان اختلافه مع سائر المصاحف في قراءته بالزيادة التفسيريّة أحياناً، وبتبديل كلمات غير مألوفة إلى نظيراتها المألوفة لغرض الإيضاح.

وقد أسقط المعوّذتين بزعم أنّهما عوذتان. ولم يثبت الفاتحه في


1- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 119.
2- فصل الخطاب، ص 135.

ص: 107

مصحفه، نظراً لأنّها عدل القرآن وليس منه.

هكذا كان يزعم ولكن كلّ ذلك لا يتمّ عن قصد إلى تحريف الكتاب. (1) مضافاً إلى ذلك أنّ عدم شمول القرآن الموجود لبعض ما كان في مصحف ابن مسعود لا يفيد إثبات التحريف؛ لأنّه لم يثبت بالتواتر وغيره قرآناً نازلًا. ومشهور أنّ عبد اللَّه بن مسعود وافق مع الّذين كانوا يجمعون ويكتبون المصحف العثماني، وأظهر رضايته بفعلهم. (2)

الدّليل السادس:

إنّ هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أبيّ بن كعب، فيكون غير شامل لتمام ما نزل إعجازاً لصحّة ما في مصحف أبيّ واعتباره. (3) والجواب عنه:

إنّ كون ما في مصحف أبيّ معتبراً محلّ إشكال بل منع؛ لعدم ثبوته، مضافاً بما جاء في ردّ الأستاذ حيث قال: نعم كان مشتملًا على دعائي القنوت، وقد حسبهما سورتين: سورة الخلع وسورة الحفد. وقد زاد في مفتتح سورة الزمر «حم» ليكون عدد الحواميم عنده ثمانية، على


1- صيانه القرآن من التحريف، ص 211.
2- المصاحف، ص 18 ودائرة المعارف تشيّع، ج 1، ص 148.
3- فصل الخطاب، ص 144.

ص: 108

خلاف المشهور، وكانت له زيادات تفسيرية على غرار زيادات ابن مسعود. (1)

الدليل السابع:

إنّ ابن عفّان لمّا استولى على الأمّة جمع المصاحف المتفرّقة، واستخرج منها نسخة بإعانة زيد بن ثابت وكتابته وقراءته وقراءة نفسه، وسمّاها بالإمام، وأحرق ومزّق سائر المصاحف، وما فعل ذلك إلّا لإعدام ما بقي فيها ممّا كان بأيدي الناس وغفل عنه أخواه ممّا كان يلزمهم حذفه صوناً لسلطنتهم عمّا يوهم الوهن فيها، وصادفه بعض الدواعي الأخر ممّا لزم منها سقوط بعض الكلمات بل الآيات أيضاً كما يستفاد من أخبار الباب. (2) والجواب عن ذلك:

إنّ ما زعم المحدّث النوري ادّعاء محض؛ لعدم ثبوت سقوط بعض الكلمات أو الآيات، بل ثبت عدم سقوط شي ء من الكلمات أو الآيات؛ لأنّ فعل عثمان كان بمرأى ومنظر القارئين والكتّاب وجميع المسلمين، وما اعترض عليه أحد من المسلمين أنّه أسقط بعض الكلمات أو الآيات، بل أيّدوه في أصل جمع القرآن وتوحيده، ونقل أنّ عليّاً عليه السلام أيضاً أيّده وقرّره. (3)


1- صيانة القرآن من التحريف، ص 212.
2- فصل الخطاب، ص 149.
3- حقائق هامّة حول القرآن الكريم، ص 396.

ص: 109

أخرج ابن داوود عن سويد بن غفلة قال: سمعته من عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه:

فواللَّه ما فعل(عثمان) الّذي فعل في المصاحف إلّاعن ملأ منّا جميعاً.

وقال: فقد بلغني أنّ بعضهم يقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفراً، قلنا: فماذا رأيت؟ قال عليه السلام: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت. (1) وفي رواية أخرى قال(عليّ عليه السلام): لو ولّيت في المصاحف ما ولي عثمان لفعلت كما فعل. (2) فهذا العمل من عثمان يكون دليلًا على صيانة القرآن من التحريف لا العكس؛ لأنّ عمله كان لكثرة ما ظهر في الناس من اللحن في القراءة، والقراءة باللهجات المختلفة وغير ذلك، نعم عمله في إحراق سائر المصاحف كان قبيحاً جدّاً، واعترض عليه المسلمون حتّى سمّوه بحرّاق المصاحف.

قال السيّد الخوئي رضوان اللَّه تعالى عليه: أمّا هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين، وذلك لأنّ الاختلاف في القراءة كان يؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين وتمزيق صفوفهم وتفريق وحدتهم، بل كان يؤدّي إلى تكفير بعضهم بعضاً. وقد مرّ- فيما تقدّم- بعض الروايات الدالّة على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله منع عن الاختلاف في القرآن.


1- المصاحف، ص 22.
2- النشر في القراءات العشر، ج 1، ص 8.

ص: 110

ولكن الأمر الّذي انتقد عليه هو إحراقه لبقيّة المصاحف، وأمر أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين، حتّى سمّوه بحرّاق المصاحف. (1)

الدليل الثامن:

الأخبار الكثيرة الّتي رواها المخالفون(زيادة على ما مرّ في المواضع السابقة) الدالّة صريحاً على وقوع التغيير والنقصان في المصحف الموجود، ولكثرتها ووثاقة بعض ناقليها ووجود الدواعي على ترك روايتها لرجوعها بالأخرة إلى الطعن على الخلفاء تطمئنّ النفس بصدق مضمونها، مضافاً إلى عدم وجود الدواعي القريبة لهم لوضعها، وعدم وجود معارض لها في أخبارنا، بل فيها من المؤيّدات ما يجعلها قريباً من المتواترات. (2) والجواب عن ذلك:

أوّلًا: إنّ أكثر هذه الأحاديث ضعيفة من حيث الأسناد.

ثانياً: قد عالجها أئمّة نقد الحديث بأنّها كانت من زيادات تفسيريّة وشروح وما إلى ذلك، لا من لفظ النّص. (3) ثالثاً: وجب طرح هذه الروايات؛ لأنّها مخالفة للكتاب والسنّة.


1- البيان فى تفسير القرآن، ص 258.
2- فصل الخطاب، ص 171.
3- صيانة القرآن من التحريف، ص 261.

ص: 111

رابعاً: إعراض أهل السنّة وأصحابنا عن هذه الروايات، فتسقط من الحجّية.

قال السيّد الخوئي قدس سره في ردّه: والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة:

أنّه لابدّ من حملها على ما تقدّم في معنى الزيادات في مصحف أميرالمؤمنين عليه السلام(إنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام أو بعنوان التنزيل من اللَّه شرحاً للمراد (1)) وإن لم يمكن ذلك الحمل في جملة منها فلا بدّ من طرحها؛ لأنّها مخالفة للكتاب والسّنة... على أنّ أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند، وبعضها لا يحتمل صدقه فى نفسه، وقد صرّح جماعة من الأعلام بلزوم تأويل هذه الروايات أو لزوم طرحها. (2) وقال الأستاذ العلّامة الطباطبائي في ردّ هذه الطائفة من الروايات:

أمّا أوّلًا: فبأنّ التمسّك بالأخبار بما أنّها حجّة شرعيّة يشتمل الدور:

بيان ذلك:

إنّ حجيّة الأخبار متوقّفة على صحّة النبوّة وذلك ظاهر، وصحّة النبوّة اليوم متوقّفة على سلامة القرآن من التحريف المستوجب لزوال صفات القرآن الكريمة عنه كالهداية وفصل القول وخاصّة الإعجاز، فإنّه لا دليل حيّاً خالداً على خصوص نبوّة النبيّ صلى الله عليه و آله غير القرآن الكريم بكونه آية معجزة، ومع احتمال التحريف بزيادة أو نقيصة أو أيّ تغيير


1- البيان في تفسير القرآن، ص 223.
2- المصدر نفسه، ص 233.

ص: 112

آخر لا وثوق بشي ء من آياته ومحتوياته أنّه كلام اللَّه محضاً، وبذلك تسقط الحجّة، وتفسد الآية، ومع سقوط كتاب اللَّه عن الحجّية تسقط الأخبار عن الحجّية.

فلا يبقى للمستدلّ بها إلّاأن يتمسّك بها بما أنّها أسناد ومصادر تاريخيّة، وليس فيها حديث متواتر ولا محفوف بقرائن قطعيّة تضطرّ العقل إلى قبوله، بل هي آحاد متفرّقة متشتّة مختلفة منها صحاح ومنها ضعاف في أسنادها ومنها قاصرة في دلالتها فما أشذّ منها ما هو صحيح في سنده تامّ في دلالته.

وهذا النوع على شذوذه وندرته غير مأمون فيه الوضع والدسّ؛ فإنّ انسراب الإسرائيليات وما يلحق بها من الموضوعات والمدسوسات بين روايتنا لا سبيل إلى إنكاره، ولا حجيّة في خبر لا يؤمن فيه الدّس والوضع.

ومع الغضّ عن ذلك فهي تذكر من الآيات والسور ما لا يشبهه النظم القرآنيّ بوجه، ومع الغضّ عن جميع ذلك فإنّها مخالفة للكتاب ومردودة.

وأمّا ما ذكرنا أن أكثرها ضعيفة الأسناد فيعلم ذلك بالرجوع إلى أسانيدها، فهي مراسيل أو مقطوعة الأسناد أو ضعيفتها، والسالم منها من هذه العلل أقلّ قليل.

وأمّا ما ذكرنا أنّ منها ما هو قاصر في دلالتها؛ فإنّ كثيراً ممّا وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير وذكر معنى الآيات، لا من حكاية متن الآية المحرّفة. (1)


1- الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 114.

ص: 113

الدليل التاسع:

إنّ اللَّه تبارك وتعالى قد ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيّين وابنته الصدّيقة الطاهرة عليهم السلام وبعض شمائلهم وصفاتهم في تمام الكتب المباركة الّتي أنزلها على رسله وصرّح فيها بوصايتهم وخلافتهم وأنّ ختمها بهم؛ وذلك إمّا للعناية التامّة بتلك الأمم ليتبرّكوا بتلك الأسامي الّتي وجدوها في صحف نبيّهم بهذه الصفات الشريفة ويجعلونها وسيلة لإنجاح سؤلهم وإنجاز مأمولهم وكشف ضرّهم ودفع بأسهم على ما يظهر من جملة من الأخبار، أو لارتفاع قدرهم وإعلاء شأنهم بذكرهم قبل ظهورهم بهذه الأوصاف الكاشفة عن بلوغهم أشرف محلّ المكرّمين وأعلى منازل المقرّبين، أو بما يقتضي كون معرفتهم بها كمعرفة اللَّه جلّ جلاله واجبة على جميعهم وأنّهم إنّما بعثوا إلى العباد لذلك وأرسلوا لتعليمهم تلك المسالك. وهذا ظاهر كثير من الأخبار خصوصاً فيما ورد في علّة عذابهم بما ترجع إلى آبائهم من قبول ولايتهم عليهم السلام، وعلى تلك الوجوه الراجعة حقيقةً إلى أمر واحد كيف يحتمل المنصف أن يهمل اللَّه تعالى ذكر أساميهم في كتابه المهيمن على جميع الكتب الباقي على مرّ الدهور الواجب التمسّك به إلى قيام الساعة ولا يعرّفهم لأمّة نبيّه الذين هم أشرف من جميع الأمم السالفة و العناية بتكميلهم أشدّ واستحكام أمرهم عليهم السلام ورفع قدرهم وإعلاء ذكرهم بدرجهم فيه أظهر ووجوب طاعتهم ومودّتهم على هذه الأمّة أشدّ من

ص: 114

غيرهم، وهو أهمّ من غيره من الواجبات الّتي تكرّر ذكرها في الكتاب الكريم. (1) والجواب عن ذلك:

أوّلًا لم يثبت ذكر أسمائهم عليهم السلام في تمام الكتب الّتي نزلت على الرّسل.

ثانياً على فرض الثبوت لا ملازمة بين ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيّين وابنته الصدّيقة الطاهرة عليهم السلام وبعض شمائلهم وصفاتهم في الكتب المباركة الماضية وبين ذكرها في القرآن كما لا يخفى، فعدم ذكرها لا يدلّ على التحريف، بل نحتمل قويّاً أن عدم ذكرها خصوصاً اسم عليّ في القرآن إنّما هو لئلّا يتعرّض القرآن للتحريف.

قال المحقّق المتتبّع السيّد جعفر مرتضى العاملي: ويرى الشيعة أيضاً:

أنّه لا حاجة للتصريح بأسماء الأئمّة وأهل البيت في القرآن. وقد نصّ الأئمّة أنفسهم: على أنّه لم يذكر اسم عليّ عليه السلام في القرآن، وذكروا السبب في ذلك (2)، عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام فقلت له: إنّ النّاس يقولون: فماله لم يسمّ عليّاً وأهل بيته في كتاب اللَّه؟ فقال: فقولوا لهم: إنّ رسول اللَّه نزلت عليه الصلاة، ولم يسمّ اللَّه لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتّى كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هو الّذي فسّر لهم ذلك. (3) وقال المرحوم آيةاللَّه العظمى الخوئي- بعد نقل هذه الرواية-:


1- فصل الخطاب، ص 183.
2- حقائق هامّة حول القرآن الكريم، ص 24.
3- أصول الكافي، كتاب الحجّة، باب ما نصّ اللَّه ورسوله على الأئمّة عليهم السلام ج 2، ص 40، ح 750.

ص: 115

فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات، وموضحة للمراد منها وأنّ ذكر اسم أميرالمؤمنين في تلك الروايات قد كان بعنوان التفسير، أو بعنوان التنزيل، مع عدم الأمر بالتبليغ، ويضاف إلى ذلك أنّ المتخلّفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجّوا بذكر اسم عليّ في القرآن، ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجّة، ولاسيّما إنّ جمع القرآن- بزعم المستدلّ- كان بعد تماميّة أمر الخلافة بزمان غير يسير، فهذا من الأدلّة الواضحة على عدم ذكره في الآيات. (1) وإذا ثبت عدم ذكر اسم عليّ في القرآن يتّضح عدم ذكر أسامي سائر الأئمّة فيه أيضاً.

الدليل العاشر:

انّه لا إشكال ولا خلاف بين أهل الإسلام في تطرّق اختلافات كثيرة وتغييرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيأته من زيادة كلمة ونقصانها وزيادة حرف ونقصانه وتبديل كلمة وإثبات أخرى وتأنيث لفظ وتذكيره وإفراده مرّةً وجمعه أخرى وأمثال ذلك من وجوه التغيير الّذي مرّ ذكرها إلى أن بلغ من الكثرة بمكان خرج عن اندراجه تحت الضبط...

وظاهر أنّ المصحف الموجود الدائر غير خالص من بعضه أو أكثره، فهو حينئذٍ غير مطابق لما أنزل عليه صلى الله عليه و آله إعجازاً، وهو المقصود. وهذا


1- البيان في تفسير القرآن، ص 232.

ص: 116

الدليل وإن كان غير وافٍ لإثبات نقصان السورة والآية والكلمات؛ لعدم شمول تلك الاختلافات لها إلّاأنّه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل أو بأن يقال إذا لم يكن اعتناؤهم في حفظ القرآن وصيانته عن تطرّق الاختلافات بمقام لم يحفظوا سورة الفاتحة كما هي وقد كانوا يتلونها في كلّ يوم مرّات عديدة في أزيد من عشرين سنة وكانوا يسمعونها عنه صلى الله عليه و آله كذلك... فعدم حفظهم غيرها ممّا لم تكن لهم ضرورة إلى تلاوتها في كلّ سنة مرّة مثلًا بحيث يلزم منه ما ذكرنا من التحريف والنقصان أولى، بل هو حينئذٍ في غاية الوضوح. (1) والجواب عن ذلك:

إنّ ما ذكره النوري يدلّ على اهتمام المسلمين بالقرآن وحفظه، فلذلك بحثوا عن كيفية قراءته من حيث الإعراب والهيئة وغير ذلك، إضافة إلى أنّ هذه البحوث والخلافات اجتهاديّة، ولم يعتقدوا أنّ في القرآن اختلافاً، بل كلّ الباحثين يعتقدون أنّ القرآن نزل بشكل واحد من عند واحد وإنّ هذه الاختلافات في القراءة جاءت من جهة الباحثين والقرّاء، وهوبحث علمي واجتهادي صرف لا ربط له بأصل القرآن وأنّ القرآن هو النصّ المتواتر عن رسول اللَّه النازل عليه وحياً إعجازياً. وقد حافظ عليه جمهور المسلمين وكبار أئمّة الدين، لا تغيير فيه ولا اختلاف عبر الدهور، فكلّ باحث له إذعان بأنّ القرآن شي ء


1- فصل الخطاب، ص 209.

ص: 117

والقراءات شي ء آخر، فلهذاترى أنّ مع وجود قراءات مختلفة في الأبحاث الاجتهاديّة والعلميّة أنّ كلّ المسلمين يقرءون سورة الحمد مثلًا في صلواتهم من دون أن يكون في قراءتها أيّة مشكلة.

مضافاً إلى أنّ دليله لا يكفي لإثبات مدّعاه ذهب إلى إثبات ما ادّعاه بعدم القول بالفصل، وهو أيضاً غير وافٍ لثبوت وجود قراءات المختلفة واطّلاع الباحثين عليها مع اعتقادهم بأنّه لم ينقص من القرآن كلمة أو آية أو سورة.

هذا أيضاً مضافاً لما قاله الأستاذ في كتابه القيّم في ردّه: وأمّا مسألة التتميم بعدم القول بالفصل، فلا موضوع لها أوّلًا.

وثانياً: هي مسألة أصولية تخصّ الأمور النظريّة العقليّة، دون العلوم النقليّة المبتنية على أساس النقد والتمحيص. (1)

الدليل الحادي عشر:

الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن زيادة على ما مرّ متفرّقاً في ضمن الأدلّة السابقة وأنّه أقلّ من تمام ما نزل إعجازاً على قلب سيّد الإنس والجان من غير اختصاصها بآية أو سورة وهي متفرّقة في الكتب المعتبرة الّتي عليها المعوّل وإليها المرجع عند الأصحاب، جمعت ما عثرت عليها في هذا الباب بعون اللَّه الملك الوهّاب:


1- صيانة القرآن من التحريف، ص 220.

ص: 118

الف: ثقة الإسلام(الكليني) في آخر كتاب فضل القرآن من الكافي عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنّ القرآن الّذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه و آله سبعة عشر ألف آية.

ب: المولى محمد صالح في شرح الكافي، عن كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه ويؤلّفه، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه كلّه، وكتب على تنزيله الناسخ والمنسوخ منه والمحكم والمتشابه والوعد والوعيد، وكان ثمانية عشر ألف آية. (1) إلى غير ذلك من الروايات الّتي ذكرها المحدّث النوري في كتابه (2)، ونحن لا نأتي بها اجتناباً للإطالة.

الدليل الثاني عشر

الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالّة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور بإحدى الصور المتقدّمة، وهي كثيرة جدّاً... (3) ثمّ ذكر الأخبار الواردة، نذكر هنا روايتين:

الف: عليّ بن إبراهيم القمي في تفسيره، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن أبي عبداللَّه عليه السلام إنّه قال: إهدنا الصراط المستقيم صراط من


1- فصل الخطاب، ص 234.
2- من صفحة 234 إلى 247.
3- فصل الخطاب، ص 250.

ص: 119

أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالّين... الخبر.

ب: الطبرسي في مجمع البيان قرأ صراط من أنعمت عليهم عمر بن الخطاب وعبداللَّه بن زبير وروي ذلك عن أهل البيت عليهم السلام. (1) والجواب عن الدليلين الأخيرين:

أوّلًا: إنّ أكثر هذه الروايات أيضاً ضعيفة الأسناد نقلت من الكتب غير المعتبرة.

ثانياً: إنّ عدّة من هذه الروايات روايات تفسيريّة للآية

وعدّة منها روايات تبيّن شأن نزول الآيات وتأويلها أو تعيين مصداق من مصاديق الآية،

وبعض منها روايات تبيّن اختلاف القراءات، وأنّها لا تدلّ على اختلاف في نصّ الوحي وأصل القرآن؛ لأنّ القرآن ثبت بالتواتر، وهذه القراءات لم تثبت بالتواتر،

وعدّة من هذه الروايات ذكر فيه لفظ التحريف، وزعم النوري أنّ المراد منه هو التحريف بالمعنى المتنازع فيه، والحال إنّ المراد من التحريف فيها هو التحريف المعنوي،

وبعض منها روايات استند إليها المعصوم في بيان الآيات، فتخيّل النوري أنّ كلمات المعصوم جزء من آية حذف من القرآن، ولكن من الواضح أنّ هذه الكلمات من المعصوم لا من القرآن.

وعدّة من هذه الروايات روايات وردت في تعليم قراءة القرآن في


1- فصل الخطاب، ص 252.

ص: 120

زمن ظهور الحجّة عليه السلام وأنّ القراءة في زمانه تكون وفق ما جمعه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأراد المحدّث النوري أن يجعل هذه الروايات دليلًا على مخالفة ما جمعه عليه السلام مع القرآن الموجود بين الدفّتين؛ لأنّه جاء فيها أنّه يعلّم الناس القرآن على ما أنزل اللَّه، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم. وجاء في بعضها: وأخرج المصحف الّذي كتب عليّ عليه السلام.

ولكن الظاهر أنّ هذه الروايات أيضاً لا تدلّ على مقصوده؛ لأنّها لا تدلّ على أنّ المخالفة بينهما هو الاختلاف في نص القرآن، بل المراد أنّ الاختلاف إنّما هو في النظم والتأليف كما أشرنا إليه سابقاً وصرّح به بعض هذه الروايات أيضاً.

وبعضها نقلت غير صحيحة كالرواية الأولى الّتي جاءت في الدليل الحادي عشر؛ فإنّ لفظة عشر ظاهراً من زيادة النساخ أو الرواة والأصل سبعة آلاف آية.

قال الأستاذ الشيخ محمد هادي المعرفة: والحديث بهذه الصورة نادر غريب، وقد أوقع الشرّاح في مشكل العلاج، بعد أن كانت آي القرآن- حسب واقعيته الراهنة، الموافق للمأثور عن النبيّ صلى الله عليه و آله وعن ابن عباس وغيره من التّابعين، والتي أجمعت عليها عامّة أهل التفسير كالطّبرسي وغيره- لا تعدو بضعاً ومائتين وستّة آلاف آية! فهي لا تبلغ سبعة آلاف، فكيف بسبعة عشر ألفاً؟!

وقد جزم المولى أبوالحسن الشعراني- في تعليقته على شرح الكافي للمولى صالح المازندراني- بأنّ لفظة «عشر» من زيادة النسّاخ أو

ص: 121

الرواة، والأصل: هي سبعة آلاف عدداً تقريبيّاً ينطبق مع الواقع نوعاً مّا.

ويؤيّده أنّ صاحب الوافي- المولى محسن الفيض- نقل الحديث عن الكافي بلفظ «سبعة آلاف آية» من غير ترديد، الأمر الّذي يدلّ على أنّ النسخة الأصليّة من الكافي الّتي كانت عنده كانت بهذا اللفظ، ولم يحتمل غيره.

قال الشعراني في تعليقه على الوافي: كانت النسخة الّتي شرحها المجلسي في مرآة العقول «سبعة عشر ألفاً»، وكأنّها من فعل بعض النسّاخ استقلّ عدد السبعة فأضاف إليه عشراً، غير أنّ السبعة آلاف هي القريبة من الواقع الموجود بأيدينا، وظاهر الحديث أنّه ليس بصدد إحصاء عدد الآيات، بل ذلك من باب إطلاق العدد التامّ المتناسب مع الواقع بعد حذف الكسور أو تتميمها كما هي العادة والمتعارف في الاستعمال، من باب التسامح، بعد عدم تعلّق الغرض بذكر الكسر الناقص أو الزائد. (1) فتبيّن أنّ هذه الروايات على كثرتها أيضاً لا تدلّ على مراد المحدّث النوري.

ثالثاً: إنّ هذه الروايات مع كثرتها ونقل بعضها من طرق الخاصّة ونقل أكثرها من طريق السنّة وفي كتبهم المعتبرة أيضاً إلّا أنّهم لم يستندوا إليهما، ولم يعتقدوا بالتحريف، بل حملوه على وجوه مختلفة أو


1- صيانة القرآن من التحريف، ص 264.

ص: 122

ردّوه، فهذه الروايات على فرض دلالتها معرض عنها، يجب طرحها؛ لإعراض الأصحاب ومخالفتها للكتاب.

ولتكميل الجواب أرى أن ألحق اختصاراً أجوبة بعض المحقّقين الّذين أجابوا عن الدليلين بصورة أكثر تفصيلًا، قال الأستاذ العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي فى ردّ الدليل الحادي عشر: وهو أيضاً فاسد؛ لأنّها روايات ظاهرة التأويل، لأنّ المراد بها تحريف المعنى لا اللفظ، وقد تقدّم بعض ما يرتبط بذلك، كما أنّ بعض الأحاديث النادرة الأخرى إنّما رواها الغلاة والضعفاء والمنحرفون عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وهي مخالفة للضرورة القطعيّة، فلا يلتفت إليها، ولا يعتدّ بها، وتقدّم أنّ بعضها يقصد به ذكر التأويل والتفسير المنزل، وليس ذلك من القرآن في شي ء.

وقال في ردّ الدليل الثاني عشر: إنّ أكثرها يدخل في الأقسام الّتي في البحوث السابقة أو ترجع إلى التفسير وشأن النزول أو التأويل، كما أنّ التكرار فيها كثير وظاهر.

ثمّ قال: أضف إلى ذلك: أنّ أكثر من 320 رواية منها تنتهي إلى السيّاري، الفاسد المذهب والمنحرف والغالي، الملعون على لسان الصادق عليه السلام، والمطعون فيه من قبل جميع الرجاليّين.

وأكثر من 600 من مجموع الألف عبارة عن مكرّرات، والفرق بينها، إمّا من جهة نقلها من كتاب آخر مع وحدة السند أو من طريق آخر... وغير هذين القسمين، فإنّ أكثر من مائة حديث منها عبارة

ص: 123

عن قراءات مختلفة، أكثرها عن الطبرسي في مجمع البيان... كما أنّ أكثرها مشتركة نقلها بين السنّة والشيعة، ولاسيّما بملاحظة: أنّ الطبرسي يروي عن رجال أهل السنّة: كقتادة ومجاهد وعكرمة وكثير غيرهم. وما يبقى فإنّما هو روايات قليلة جدّاً لا تستحقّ الذكر والالتفات.

وقسم آخر منقول عن آخرين ممّن يوصف بالضعف أو بالانحراف كيونس بن ظبيان، الذي ضعّفه النجاشي، ووصفه ابن الغضائري بأنّه:

«غالٍ، كذّاب، وضّاع للحديث».

ومثل منخل بن جميل الكوفي، الّذي يقولون فيه: إنّه غال، منحرف، ضعيف فاسد الرواية.

ومثل محمد بن حسن بن جمهور، الّذي هو غال، فاسد المذهب، ضعيف الحديث...

وأمثل هؤلاء، لا يصحّ الاعتماد على رواياتهم في أبسط المسائل الفرعيّة، فكيف بما يروونه في هذه المسألة، الّتي هي من أعظم المسائل، وأشدّها خطراً، وعليها يتوقّف أمر الإيمان ومصير الإسلام. (1) وقال الأستاذ الشيخ محمد هادي المعرفة: ولعلّ أهمّ مستند القائلين بالتحريف هو مجموعة روايات كانت مبعثرة هنا وهناك حسبوهنّ دلائل على تحريف الكتاب، إمّا دلالة بالعموم، أو خاصّةً على موضع التحريف بالخصوص- فيما زعموا- وقد جعل النوري من النوع الأوّل


1- حقائق هامّة حول القرآن الكريم، ص 397.

ص: 124

دليله الحادي عشر، والنوع الثاني دليله الثاني عشر! جمعهنّ من مصادر شتّى لا شأن لأكثريتها ولا اعتبار، والبقيّة القليلة لامساس لها بمسألة التحريف.

قلت: ما شأن كثرة الكتب إذا كانت مجرّد حبر على ورق من دون اعتبار! ثمّ شرع في دراسة و تقييم الكتب الّتي نقل عنها تلك الروايات، وأثبت أنّها كتب لا اعتبار لها ولا إسناد.

ثمّ قال الأستاذ: وإليك الآن عرضاً موجزاً عن أهمّ الروايات الّتي استند إليها المحدّث النوري بكلا نوعيها: الدالّة- فيما زعم- على التحريف عموماً، أو الناصّة على مواضع التحريف بالخصوص.

ما جمعه المحدّث النوري من روايات بشأن مسألة التحريف تربو على الألف ومائة حديث:(1122) بالضبط، سواء ما زعمه ذا دلالة عامّة وهي(61) أم ناصّاً على موضع التحريف بالخصوص وهي:

(1061).

لكن أكثريتها الساحقة إنّما نقلها من أصول لا إسناد لها ولا اعتبار ممّا عرضناه آنفاً من كتب ورسائل إمّا مجهولة أو مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأساً.

فإذا ما أسقطنا المنقول من هذه الكتب وهي تربو على الثمانمائة(815)، يبقى الباقي ما يقرب من ثلاثمائة حديث(307)، وكثرة من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءة، ولاسيّما المنقول عن الطبرسي في «مجمع البيان» وهي: 107 موارد.

ص: 125

مثلًا ينقل عنه في سورة العاديات: إنّ عليّاً عليه السلام قرأ: «فوسّطن» بتشديد السين...

إلى أمثال ذلك من قراءات منقولة عن الأئمّة نقلًا بالآحاد لا بالتواتر، فلا حجيّة فيها أوّلًا، ولا مساس لها بمسألة التحريف حسبما زعمه النوري ثانياً.

بقيت مائتا حديث تقريباً منقولة عن كتب معتبرة، ذكرها المحدّث النوري في «فصل الخطاب» دليلًا على وقوع التحريف في الكتاب

لكن هذه الروايات وردت في شؤون شتّى وفي مسائل مختلفة، زعمهنّ مشتركات في جامع الدلالة على التحريف.

وهي على سبعة أنواع:

النوع الأوّل:

روايات تفسيريّة، إمّا توضيحاً للآية أو بيان شأن النزول أو تأويل الآية أو تعيين أجلى مصداق من مصاديقها المنطبق عليه الآية بعمومها، وقد كان من عادة السلف أن يجعلوا من الشرح مزجاً مع الأصل، تبييناً وتوضيحاً لمواضع الإبهام من الآية، من غير أن يلتبس الأمر، اللّهم إلّاعلى اولئك الّذين غشيهم غطاء التعامي!!

وهذا النوع يشمل الأقسط الأوفر من هذه الأحاديث. وإليك جملة منها:

1- روى ثقة الإسلام الكليني بإسناد رفعه إلى الإمام

ص: 126

أميرالمؤمنين عليه السلام انّه قرأ: «وَاذا تَوَلّى سَعى في الأرضِ لِيُفسِدَ فيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ» (1)

وعقّبها بقول: «بظلمه وسوء سريرته» بياناً لكيفيّة الإهلاك، وأنّه ليس بإشعال النار أو وضع السيوف فى رقاب الناس، بل بارتكاب الظلم وسوء نيّته في التدبير.

النوع الثاني:

ما تقدّمت الإشارة إليه من قراءات منسوبة إلى بعض الأئمّة عن طريق الآحاد، وربّما كانت تخالف قراءة الجمهور، ومتوافقة أحياناً مع بعض القراءات الشاذّة في مصطلحهم، وقد أسلفنا أن لاحجيّة فيها أوّلًا؛ لأنّ القرآن إنّما يثبت بالتواتر لا بالآحاد، وثانياً لم يكن الاختلاف في نصّ الوحي؛ لأنّ القرآن شي ء والقراءات شي ء آخر، قال الإمام الصادق عليه السلام: القرآن نزل على حرف واحد من عند الواحد، وفي رواية أخرى: ولكن الاختلاف يجي ء من قبل الرواة وهم القرّاء يزعمون النّص فيما يرون. وطريقهم الآحاد فلا يثبت بقراءتهم قرآن...

النوع الثالث:

أحاديث جاء فيها لفظ «التحريف»، فزعمه أهل القصور تحريفاً مصطلحاً في حين أنّه تحريف بالمعنى وتفسير على غير الوجه، والروايات من هذا القبيل كثيرة... لكن تقدّم: أنّ التحريف في اللغة


1- البقره: 205

ص: 127

وفي مصطلح الشرع(في الكتاب والسنّة) يراد به التحريف المعنوي، أي التفسير بغير الوجه المعبّر عنه بالتأويل الباطل.

وتقدّم الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام في رسالته إلى سعد الخير: وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده...

النوع الرابع:

روايات زعموا دلالتها على سقط آية أو جملة أو كلمة، وقد عالجها أئمّة نقد الحديث بأنّها كانت زيادات تفسيرية وشروح وما إلى ذلك، لا من لفظ النصّ لكن تعلّق بها أهل القول بالتحريف عبثاً... (1)

النوع الخامس:

روايات استندوا إليها، لكن ليس فيها ما يصلح لهذا الاستناد، نذكر منها:

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: كان أبي إذا صلّى الوتر قرأ في ثلاثتهنّ: ب «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، فإذا فرغ منها قال: «كذلك اللَّه ربّي» وسأل ابن المهتدى الإمام الرضا عليه السلام عن سورة التوحيد فقال: كلّ من قرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وآمن بها فقد عرف التوحيد، فقلت: كيف يقرأها؟ قال: كما يقرأ الناس، وزاد فيه كذلك اللَّه ربّي، كذلك اللَّه ربّي».


1- هذا النوع من الروايات شبيه بالنوع الأوّل، والجواب أيضاً هو الجواب، فلا وجه لأن يجعله نوعاً مستقلًا.

ص: 128

قال النوري: وفي الخبر إيماء إلى كون الذيل من القرآن... استفادة غريبة!!.

النوع السادس:

روايات وردت بشأن فساطيط تضرب بظهر الكوفة أيّام ظهور الحجّة المنتظر- عجل اللَّه فرجه الشريف- لتعليم الناس قراءة القرآن وفق ما جمعه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لانّه خلاف الترتيب المعهود، وقد حاول فريق المحدّث النوري الاحتجاج بها، دليلًا على مخالفته في سائر الجوانب أيضاً، لكنّها على عكس مقصودهم أدلّ كما نبّهنا.

فقد روى الشيخ المفيد بإسناده عن جابر الجعفي، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه و آله ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن، على ما أنزل اللَّه. فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه يخالف فيه التأليف.

والأحاديث بهذا النمط غير قليل، وهي إن دلّت فإنّما تدلّ على اختلافٍ ما بين مصحفه عليه السلام والمصحف الحاضر، أمّا إنّ هذا الاختلاف يعود في نصّه أم فى نظمه أم في أمر آخر، فهذا ممّا لا تصريح به في تلك الأحاديث، سوى الحديث الأوّل الّذي نوّهنا عنه، فإنّه صريح في وجه الاختلاف، وأنّه ليس في سوى النظم والتأليف لا شي ء سواه، فهو خير شاهد على تبيين وجه الاختلاف المنوّه عنه في سائر الروايات، وهذا

ص: 129

في مصطلح الأصوليّين من الحكومة الكاشفة لمواضع الإبهام في سائر كلام المتكلّم الحكيم.

على أنّ نفس الاختلاف في نظم الكلام يكفي لوحده سبباً لصعوبة التلاوة ولصعوبة فهم المراد من الكلام....

وممّا يدلّ على أنّ القرآن الّذي يأتي به صاحب الأمر ليست فيه زيادة على هذا الموجود ما رواه العياشي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ولو قد قائم قائمنا فنطق صدّقه القرآن. (1)

النوع السابع:

ما ورد بشأن فضائل أهل البيت عليهم السلام المخبوءة طيّ آيات الذكر الحكيم، أن لو قرئت كما هي على ما أنزلها اللَّه لوجدتها ذوات دلائل واضحة وبيّنات لائحة، تدلك على شرفهم ورفيع منزلتهم عنداللَّه عزّ و جلّ.

ولكن واضح أنّه ليس المقصود زيادة في لفظه أو حذف شي ء منه، كما توهّمه أهل التحريف؛ إذ لو كان المراد ذلك لكان على خلاف إجماع الطائفة إطلاقاً، وكان مطروحاً البتّة، إذ لم يقل أحد بالزيادة في القرآن حتّى الأخباريّين. وقد اعترف المحدّث النوري نفسه بهذا الإجماع. (2)


1- تفسير العيّاشي، ج 1، ص 13، ح 6.
2- صيانة القرآن من التحريف، 221 إلى 282 ملخّصاً.

ص: 130

ص: 131

خاتمة في تنبيهات

التنبيه الأوّل: في الكتب المعتبرة عند الشيعة

ص: 132

ص: 133

وفي الختام يجب علينا أن نشير إلى عدّة تنبيهات:

ليس عند الشيعة غير كتاب اللَّه كتاب كان كلّ ما فيه صحيحاً، بل القرآن وحده كتاب يكون كلّ ما فيه صحيحاً؛ لأنّه نزل من عند اللَّه العزيز الحكيم، وأمّا الكتب الّتي نقل فيها أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله وأحاديث الأئمّة المعصومين فيمكن أن تكون فيها روايات غير صحيحة، ومن جملة هذه الكتب كتاب «الكافي» للكليني رحمه الله، فصرف نقل رواية في أيّ باب كان لا تدلّ على رأي الإماميّة، بل ولا تدلّ على رأي الكليني أيضاً.

قال العلامة السيّد مرتضى العسكري أعلى اللَّه مقامه في كلامه في

ص: 134

السبيل إلى توحيد كلمة المسلمين:

فلا ينبغي لنا أن نجعل إنساناً من علماء الحديث كرسول اللَّه معصوماً عن الخطاء والزلل والنسيان، ولا نجعل كتاباً من كتب الحديث نظير كتاب اللَّه معصوماً عن السهو والنسيان والزلل، فإنّ كتاب اللَّه هو وحده الّذي لا يأتيه الباطل، وأنّ القرآن الكريم هو وحده الصحيح من أوّله إلى آخره والمصون عن الزيادة والنقصان؛ وبناءً على ذلك يجب أن نجري البحث العلمي النزيه لمعرفة سند الحديث ومتنه! أيّ حديث كان وأيّ كتاب كان. هذا هو السبيل إلى توحيد كلمة المسلمين. (1) قال المحقّق السيّد عليّ الحسيني الميلاني:

وأمّا كتاب «الكافي» فهو أهمّ كتب الشيعة الإثنى عشرية وأجلّها وأعظمها في الأصول والفروع والمعارف الإسلاميّة، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعيّة، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينيّة، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.

إلّا أنّه قد تقرّر لدى علماء الطائفة- حتى جماعة من كبار الأخباريّين- لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الأصول أو الفروع؛ إذ ليست أخبار الكتب الأربعة- وأوّلها الكافي- مقطوعة الصدور عن المعصومين، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفنّ ولم يثقوا برواياتهم.

ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة، واتّفقوا على


1- معالم المدرستين، ج 2، ص 382.

ص: 135

اعتبار «الصحيح»، وذهب أكثرهم إلى حجّية «الموثّق»، وتوقّف بعضهم فى العمل ب «الحسن». وأجمعوا على وجود الأخبار «الضعيفة» في الكتب الأربعة المعروفة. (1) فلا يصحّ انتساب القول بالتحريف إلى من نقل بعض الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على التحريف، فانتساب القول بالتحريف إلى ثقةالإسلام الكليني لنقل بعض تلك الروايات في كتاب الكافي في غير محلّه. فليراجع لمزيد الاطّلاع على كتاب التحقيق في نفي التحريف صفحة رقم 128.

قال الأستاذ الشيخ علي الكوراني العاملي في هذا الموضوع:

يختلف معنى المصادر المعتمدة في الحديث والتفسير والتاريخ والفقه عندنا عن معناه عند إخواننا السنّة، فروايات مصادرنا المعتمدة وفتاواها جميعاً قابلة للبحث العلمي والاجتهاد عندنا.. ولكلّ رواية في هذه المصادر أو رأي أو فتوى شخصيتها العلميّة المستقلّة، ولابدّ أن تخضع للبحث العلمي.

أمّا إخواننا السنّيون فيرون أنّ مصادرهم المعتمدة فوق البحث العلمي، فصحيح البخاري عندهم كتاب معصوم، كلّه صحيح من الجلد إلى الجلد، بل أصحّ كتاب بعد كتاب اللَّه تعالى، ورواياته قطعة واحدة، فإمّا أن تأخذها وتؤمن بها كلّها أو تتركها كلّها. وبمجرّد أن تحكم بضعف رواية واحدة من البخاري فإنّك ضعّفته كلّه، وخرجت عن


1- التحقيق في نفي التحريف، ص 127.

ص: 136

كونك سنّياً.. وصرت مخالفاً للبخاري، ولأهل السنّة والجماعة!

وينتج عن هذا الفرق أنّ الباحث الشيعي يمكن أن يبحث جدّياً في رواية من كتاب الكافي، ويتوصّل إلى التوقّف في سندها، أو إلى الاعتقاد بضعف سندها، فلا يفتي بها، ولا يضرّ ذلك في إيمانه وتشيّعه... بينما السنّي محروم من ذلك، وإن فعل صدرت فيه فتاوى الخروج عن المذاهب الأربعة، وقد يتّهم بالرفض ومعاداة الصحابة!

وينتج عنه أنّ الباحث إذا وجد رواية في تحريف القرآن في البخاري فإنّ من حقه أن يلزم السنّي بأنّ الاعتقاد بتحريف القرآن جزء من مذهبه! بينما إذا وجد رواية مثلها في الكافي لايستطيع أن يلزم الشيعي بأنّها جزء من مذهبه حتّى يسأله: هل تعتقد بصحّتها أم لا؟ أو هل يعتقد مرجع تقليدك بصحّتها أم لا؟ فإن أجابه نعم، ألزمه بها، وإلّا فلا. (1) وقال الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنية رحمة اللَّه عليه: (2) الفت نظر من يحتجّ على الشيعة ببعض الأحاديث الموجودة في كتب بعض علمائهم. الفت نظره إلى أنّ الشيعة تعتقد أنّ كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم- ومنها الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه- فيها الصحيح والضعيف، وأنّ كتب الفقه التي ألّفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأنّ


1- تدوين القرآن، ص 29.
2- كان من كبار علماء الشيعة الإمامية بلبنان.

ص: 137

كلّ ما فيه حقّ وصواب- من أوّله إلى آخره- غير القرآن الكريم، فالأحاديث الموجودة في كتب الشيعة لا تكون حجّة على مذهبهم، ولا على أيّ شيعيّ بصفته المذهبيّة الشيعيّة، وإنّما يكون الحديث حجّة على الشيعي الّذي ثبت عنده الحديث بصفته الشخصيّة، وهذه نتيجة طبيعيّة لفتح باب الإجتهاد لكلّ من له الأهليّة، فإنّ الاجتهاد يكون في صحّة السند وضعفه، كما يكون في استخراج الحكم من آية أو رواية.

ولا اغالي إذا قلت: إنّ الاعتقاد بوجود الكذب والدسّ بين الأحاديث ضرورة من ضرورات دين الإسلام، من غير فرق بين مذهب ومذهب، حيث اتّفقت على ذلك كلمة جميع المذاهب الإسلاميّة. (1)

التنبيه الثاني: في أنّه لا قائل بالتحريف من الإماميّة

اشارة

إنّا نعتقد أنّه ما وجد ولا يوجد إمامي بل مسلم يكون معتقداً بتحريف القرآن؛ لأنّ هذا الاعتقاد مخالف لصريح بعض آيات القرآن الكريم، بل يكون متناقضاً مع اعتقادات المسلم والمؤمن برسالة النبيّ الخاتم صلى الله عليه و آله.


1- صيانة القرآن من التحريف، ص 85.

ص: 138

كتاب فصل الخطاب وموقف الميرزا حسين النوري

نعم نقل من محمد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ (1) والميرزا حسين النوري أنّهما كانا يعتقدان التحريف ثمّ رجع محمد بن أيّوب من هذا الاعتقاد وتاب منه كما قال ابن النّديم في كتاب الفهرست. (2) وأمّا ميرزا حسين النوري صاحب كتاب مستدرك الوسائل وفصل الخطاب يمكن أن يقول إنّه لم يكن معتقداً بالتحريف وإن كان يستفاد من كتابه فصل الخطاب أنّه كان معتقداً بالتحريف؛ لأنّا كثيراً ما نشاهد العلماء والفقهاء يبحثون في مجلس الدرس وفي كتبهم الإستدلاليّة في موضوع ويتأكَّدون على رأيٍ في مسألة في مقام البحث ولكن إذا صاروا في مقام الإفتاء وكتابة رسالة عمليّة وإظهار اعتقادهم الذي يعتقدون به يفتون على خلاف ما ثبت عندهم في مقام البحث والتحقيق والتدريس، وأنا أظنّ قويّاً أنّ المحدّث النوري أيضاً لم يكن معتقداً بالتحريف؛ لأنّه أوّلًا كان يهتمّ بالقرآن اهتماماً شديداً، فلهذا ألّف كتاباً مستقلًا في موضوع حفظ القرآن كما صرّح به الشيخ آقابزرگ الطهراني. (3) وجمع أحاديث كثيرةً في فضل القرآن و... في كتابه مستدرك الوسائل يبلغ أرقامها إلى ثلاثة وثلاثين وخمسمائة في خمس


1- المتوفّى سنة 328 ه.
2- الفن الثالث من مقالة الأولى.
3- مستدرك الوسائل، ج 1، ص 55.

ص: 139

وأربعين باباً. (1) وثانياً: يظهر من كلام المحقّق المتتبعّ الشيخ آقا بزرگ الطهراني أنّه لم يكن معتقداً بالتحريف وإليك كلامه، قال:

مرام شيخنا النوري في تأليفه لفصل الخطاب وذلك حسبما شافهنا به وسمعناه من لسانه في أواخر أيّامه فإنّه كان يقول: أخطأت في تسمية الكتاب، وكان الأجدر أن يسمّى ب(فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب) لأنّي أثبت فيه أنّ كتاب الإسلام(القرآن الشريف) الموجود بين الدفّتين المنتشر في بقاع العالم وحي إلهي بجميع سوره وآياته وجمله لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل ولا زيادة ولا نقصان من لدن جمعه حتّى اليوم، وقد وصل إلينا المجموع الأولي بالتواتر القطعي، ولا شكّ لأحد من الإماميّة فيه، فبعد ذا أمن الإنصاف أن يقاس الموصوف بهذه الأوصاف بالعهدين أو الأناجيل المعلومة أحوالها لدى كلّ خبير، كما إنّي أهملت التصريح بمرامي في مواضع متعدّدة من الكتاب حتّى لا تسدّد نحوي سهام العتاب والملامة، بل صرحت غفلة بخلافه، وإنّما اكتفيت بالتلميح إلى مرامي في ص 22 إذ المهمّ حصول اليقين بعدم وجود بقيّة للمجموع بين الدفّتين كما نقلنا هذا العنوان عن الشيخ المفيد في ص 26 واليقين بعدم البقيّة موقوف على دفع الاحتمالات العقلائيّة الستّة المستلزم بقاء أحدها في الذهن لارتفاع اليقين بعدم البقيّة. وقد أوكلت


1- مستدرك الوسائل، ج 4، ص 231.

ص: 140

المحاكمة في بقاء أحد الاحتمالات أو انتفائه إلى من يمعن النظر فيما أدرجته في الكتاب من القرائن والمؤيّدات، فإن انقدح في ذهنه احتمال البقيّة فلا يدّعي جزافاً القطع واليقين بعدمها، وإن لم ينقدح فهو على يقين و(ليس وراء عبادان قرية) كما يقول المثل السائر، ولا يترتّب على حصول هذا اليقين ولا عدمه حكم شرعي، فلا اعتراض لإحدى الطائفتين على الأخرى. (1) ولو سلّمنا أن المحدّث النوري بذل جهده لإثبات أنّ في القرآن تحريفاً نقول: إنّ مقصوده كان إثبات أنّ فضائل أهل البيت وأسماءهم كانت في القرآن ولكن أسقطوها المخالفون، فسعى أن يثبت هذا المعنى من طريق غير صحيح، وهو طريق إثبات التحريف للقرآن المنزل.

قال أستاذنا الشيخ محمد هادي المعرفة: «والّذي دعاه إلى ذلك ما زعمه من إسقاط المخالفين فضائل أهل البيت عليهم السلام ومثالب أعدائهم من القرآن. كتبه جواباً عمّا سأله بعض علماء الهند يومذاك عن سبب خلّو القرآن من أسماء الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

قال النوري:- في الفصل التاسع، الّذي وضعه لبيان وجود أسماء العترة ومواليدهم في كتب العهدين-: كيف يحتمل المنصف أن يهمل اللَّه تعالى ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيّين وابنته الصدّيقة عليهم السلام في كتاب المهيمن على جميع كتب السالفين، ولا يعرّفهم


1- مستدرك الوسائل، ج 1، ص 50، هامشه.

ص: 141

للُامّة التي هي أشرف الأمم، وهو أهمّ من سائر الواجبات الّتي تكرّر ذكرها في القرآن. (1) ثمّ أيّد ذلك بما رواه عن كعب الأحبار اليهودي العاكف على أعتاب معاوية الطاغية، أنّه قرأ مواليد العترة في اثنين وسبعين كتاباً كلّها نازلةً من السماء وأنّهم أفضل الخلائق بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وأنّهم أمان اللَّه في أرضه، قال: ذلك بمحضر معاوية الذي أساءه هذا النعت، فقام وخرج مغضباً. (2) فعلى هذا كان سعيه إثبات ذكر فضائل الأئمّة عليهم السلام صريحاً وأسمائهم في القرآن المنزل من طريق غير صحيح، وهذا زعم باطل كما أشرنا إليه سابقاً.

مضافاً إلى ذلك كلّه أنّه قال الأستاذ العلّامة آية اللَّه حسن حسن زاده الآملي: «يقال: إنّ هذا المحدّث الّذي يكون مؤلّف كتاب مستدرك الوسائل وكثير من الكتب النقليّة رجع عن عقيدة التحريف ومضى عليه ما مضى على ابن شنبوذ». (3) فثبت أنّه ما كان ولا يكون إمامي فقيه يعتقد بتحريف القرآن، فلا يصحّ نسبة القول بالتحريف إلى الإماميّة، بل لايصحّ نسبة هذا القول


1- فصل الخطاب، ص 183.
2- صيانة القرآن من التحريف، ص 209.
3- ترجمة فصل الخطاب في عدم تحريف كتاب رب الأرباب المسمّى ب «قرآن هرگز تحريف نشده»، ص 109.

ص: 142

إلى إمامي واحد أيضاً... فيجب على المسلمين الانتباه و الالتفات إلى أنّ العدوّ هو الّذي يحبّ نشر هذه الأكاذيب وإشغال المسلمين بأنفسهم وإيجاد التفرقة بينهم بواسطة إشاعة هذه التهم وأمثالها. والمنطق يقضي بأنّه لا يصحّ نسبة شي ء إلى مذهب أو إلى المعتقدين به ولو فرض اعتقاد واحد منهم أو عدّة منهم بذلك الشي ء، كما هو واضح لأولي الألباب، فعلى فرض أنّ النوري وغيره كان معتقداً بالتحريف أيضاً لا يصحّ نسبة هذا القول إلى كلّ الشيعة مع أنّهم أعلنوا بأعلى صوتٍ: «إنّ كتاب الإسلام المشهور في الآفاق هو الموسوم بالقرآن الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وليس هو إلّاهذا الموجود بين الدفّتين الواصل إلينا بالتواتر عن النّبيّ صلى الله عليه و آله... وإنّه بجميع سوره وآياته وجملاته وحي إلهي أنزله روح القدس إلى نبيّه، وليس فيما بين الدفّتين شي ء غير الوحي الإلهي ولو جملة واحدة ذات إعجاز، فهو منزّه عن كلّ ما يشينه من التغيير والتبديل والتصحيف والتحريف وغيرها باتّفاق جميع المسلمين، وليس لأحد منهم خلاف أو شبهة أو اعتراض فيه، واختلاف القراءات إنّما هو اختلاف في لهجات الطوائف. (1) وهنا نذكر ما ذكر الدكتور فتح اللَّه المحمّدي(نجّار زادگان)- وهو أستاذ مساعد في العلوم الإنسانيّة في العلوم الإسلاميّة بجامعة طهران- فيما كتب في ردّ كتاب فصل الخطاب:


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 10، ص 78.

ص: 143

ردود على كتاب فصل الخطاب

لقد انهمك علماء الإماميّة وعقب تأليف المحدّث الميرزا حسين النوري لكتابه «فصل الخطاب» بدراسات عميقة موسّعة تثبت سلامة القرآن من التحريف، وتناقش الأفكار الّتي أثارها النوري، وتبطل مقولة التحريف، وهي دراسات ما تزال متواصلة، نورد هنا بعضاً منها الّتي ألفت بهذا الصدد:

1- كشف الارتياب في عدم تحريف كتاب ربّ الأرباب، تأليف محمود بن أبي القاسم، المشتهر بالمعرب الطهراني(ت/ 1313 ه. ق.)، وقد كتبه رحمه اللَّه في سنة 1303 ه. ق.، أي بعد أقلّ من أربع سنوات على نشر كتاب(فصل الخطاب.)

2- حفظ الكتاب الشريف على شبهة القول بالتحريف، تأليف هبة الدين السيّد محمد حسين الشهرستاني(ت/ 1315 ه. ق.)

3- تنزيه التنزيل، تأليف علي رضا حكيم خسرواني، تأليف سنة 1371 ه ق.

4- الحجّة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب، تأليف عبد الرحمن المحمدي الهيدجي، تأليف سنة 1372 ه. ق.

5- البرهان على عدم تحريف القرآن، تأليف الميرزا مهدي البروجردي، تأليف سنة 1374 ه. ق.

6- آلاء الرحيم في الردّ على تحريف القرآن، تأليف الميرزا عبد الرحيم المدرّس الماهر الخياباني، تأليف سنة 1381 ه. ق.

ص: 144

7- آلاء الرحمن في تفسير القرآن(مقدّمة الكتاب)، تأليف الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي(ت/ 1352 ه. ق.)

9- البيان في تفسير القرآن(مقدّمة الكتاب، تأليف آية اللَّه السيّد أبي القاسم الخوئي(ت/ 1413 ه. ق.)

10- تهذيب الأصول(ضمن بحث حجيّة ظواهر القرآن) وأنوار الهداية، تأليف الإمام روح اللَّه الموسوي الخميني(ت/ 1409 ه. ق.)

11- صيانة القرآن عن التحريف، تأليف الأستاذ محمد هادي المعرفة، ط. 1416 ه. ق.

12- القرآن الكريم وروايات المدرستين(ثلاث مجلدات)، تأليف آيةاللَّه السيّد مرتضى العسكري ط. 1420 ه. ق.

13- حقائق هامّة حول القرآن الكريم، تأليف السيّد جعفر مرتضى العاملي، المعاهر.

14- التحقيق في نفي التحريف، تأليف السيّد علي الميلاني ط.

1415 ه. ق.

15- اكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنّة، تأليف رسول جعفريان، ط. 1413 ه. ق. (1) 16- وأضف إليها كلّها كتاب سلامة القرآن من التحريف، تأليف الدكتور فتح اللَّه المحمدي، ط. 1424 ه. ق.


1- سلامة القرآن من التحريف ص 133.

ص: 145

التنبيه الثالث: في الداعي لإلقاء التهمة على الشيعة

بقي هنا سؤال، و هو: إنّه مع تلك الأدلّة الكثيرة والدلائل الواضحة على عدم تحريف القرآن واعتقاد جميع المسلمين من الشيعة والسنّة بمصونيّة القرآن عن التحريف فلماذا اتّهم بعض المؤلّفين المسلمين من الشيعة بالقول بالتحريف؟

ونكتفي في المقام بما أفاده المرجع الديني آيةاللَّه الشيخ لطف اللَّه الصافي دام عزّه العالي فإنّه بعد الإشارة للأدلّة على عدم تحريف القرآن أحسن و أجاد بقوله: فالقرآن الموجود بين الدفّتين هو كتاب دين الفريقين، وهو أصلهم الأوّل الّذي تأتي بعده السنّة المشروط صحّة الاعتماد عليها بأن لا تكون مخالفة للقرآن، وهذا الأمر يحتجّ به الجميع في الأصول والفروع وفي خلافاتهم، ويعتمدون عليه وعلى السنّة.

فكلّ الأمّة شيعة وسنّة يتمسّكون بجميع محكماته وفي متشابهاته أيضاً يقولون: آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا.

التنبيه الثالث: في الداعي لإلقاء التهمة على الشيعة

ومن عجيب ما وقع في هذه المسألة الّتي سمعت الاتّفاق والإجماع عليها من السنّة والشيعة وعدم الخلاف بينهم فيها: أنّ العصبيّات الطائفيّة والأغراض السياسيّة العاملة لتوهين الإسلام وكتابه العزيز ولتمزيق المسلمين وتفريق كلمة الأمّة والقضاء على وحدتهم الإسلاميّة بعثت بعض الكتّاب إلى نسبة القول بالتحريف إلى الشيعة؛ لوجود أخبار ضعيفة لم يعمل بها أحد منهم، ولم يعتبروها حجّة حسب

ص: 146

أصولهم المحكمة للأخذ بالحديث والاعتماد عليه والاحتجاج به.

والّذي يزيد في التعجّب أنّ هذا الخلاف المحدث من جانب هؤلاء ليس في دعوى وقوع التحريف من جانب وإنكاره من جانب آخر، بل في العمل على إلصاق تهمة التحريف بالشيعة بسبب هذه الروايات المشتركة في مصادر الجميع، ثمّ العمل على تصوير الشيعة بصورة مشوَّهة، مع أنّهم طائفة تعتقد عقيدة مؤمنة بالكتاب وصيانته عن التحريف، وتدافع عن كرامته بالأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة، وينكرون التحريف أشدّ الإنكار بأعمالهم وعباداتهم وكلّ سيرتهم العمليّة وبأقوالهم وتصريحات علمائهم ورجالاتهم، والجميع يعلم أنّ تمسّكهم بالكتاب واعتقادهم بصيانته أضوء وأنور من الشمس في رائعة النهار.

وأعجب من ذلك أنّ مثل هذه الروايات من طرق إخواننا السنّة الصحيحة عندهم كثيرة جدّاً، ولو جاز نسبة القول بالتحريف إلى إحدى الطائفتين دون الاخرى بسبب نقل مصادرها لمثل هذه الأحاديث لكان نسبته إلى غير الشيعة أولى؛ لأنّ في الأخبار المخرّجة في كتب غيرهم ما يعتبر عندهم من الصحاح دون ما ورد من طرق الشيعة، فإنّها ضعاف، مضافاً إلى أنّ أكثرها ورد في تفسير الآيات وبيان مصاديقها وشأن نزولها، ولا ارتباط لها بالتحريف، ولكن مع ذلك لم يقابل الشيعة غيرهم بالقول بالتحريف لما في جوامعهم ومسانيدهم من الأخبار الصريحة الدالّة عليه.

ص: 147

أوّلًا: لأنّ غيرهم إلّاالنزر القليل الّذين لا يعتدّ بهم متّفقون مع الشيعة على صيانة الكتاب من التحريف.

وثانياً: لأنّ رميهم بهذا القول يحطّ من اعتبار القرآن وأصالته، والشيعة لا تسلك طريقاً ينتهي إلى ذلك.

وثالثاً: لأنّهم في المسائل الخلافية يعتمدون على أقوى الحجج والأدلّة من الكتاب والسنّة، ولا يحتاجون إلى رمي غيرهم بمثل ذلك.

والّذين يتّهمون الشيعة بهذا القول لجأوا إلى ذلك حيث رأوا أنّه لا حجّة لهم في المسائل الخلافيّة على الشيعة، فرموهم بافتراءات هم أبعد عنها من المشرق عن المغرب، ومن جملتها:

نسبة القول بتحريف الكتاب والاعتقاد والعياذ باللَّه بألوهيّة الأئمّة عليهم السلام.

أو أنّ أمين الوحي جبرائيل خان؛ لأنّه كان مأموراً بالنزول على الإمام. ونزل على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله والعياذ باللَّه، وفسّروا به ما قيل في أبي عبيدة الجرّاح الملقّب بالأمين: خان الأمين وصدّها عن حيدر!

فسّروا ذلك أنّه في جبرئيل عليه السلام إلى غير ذلك من الافتراءات الّتي سوف يحاكمهم الشيعة عليها عند اللَّه تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.

وأعجب من ذلك أنّهم في الموسم الّذي يأتي الناس فيه من كلّ فجّ عميق لحجّ بيت اللَّه الحرام العتيق، والحضور في أعظم مشاهد عظمة اللَّه تعالى، وأكرم المواقف القدسيّة العباديّة التي يظهر فيها جلال وحدة

ص: 148

الأمّة وعزّة توحيد كلمتهم، وإعلانهم نفي الطواغيت والمستعبدين المستكبرين بإعلان كلمة التوحيد كلمة الإسلام، وكلمة الحريّة، وكلمة المساواة الإنسانيّة، وكلمة السماء والأرض.

نعم: في مثل هذا المشهد العظيم والمؤتمر الكبير الّذي ينبغي بل يجب على المسلمين، سيّما علمائهم ومصلحيهم وقادتهم أن يجلسوا على بساط واحد بساط الإخوّة الإسلاميّة والاعتصام بحبل اللَّه تعالى، وينظروا فيما أحاط بالمسلمين وابتلوا به من المشاكل والمصاعب وفي علاجها، فهذه فلسطين العزيزة أولى القبلتين أرض النبوّات ما زالت مغتصبة في أيدي الصهاينة، وهذه... وهذه... ممّا أنت أيّها القارى ء العزيز أعلم به، وترى منه ماترى وتعلم منه ما تعلم.

نعم، في هذه الظروف الحرجة نرى في كلّ سنة منشورات توزع على ضيوف الرحمان تدعو الأمّة إلى التباغض والتباعد.

منشورات مملوءة بالزور والبهتان من أمثال نسبة القول بتحريف الكتاب إلى الشيعة، العترة الطاهرة والّذين لهم سهم بارز وقدم راسخ في إعلاء كلمة اللَّه وإعلان الإسلام النظام الوحيد الّذي فيه نجاة الإنسان.

وليس وراء هذه التهم غير إشغال المسلمين بما فيها وصرفهم عن مواجهة المشاكل السياسيّة ووقوفهم في مواجهة أعداء الإسلام.

وإلّا فمن لا يعلم أنّ نسبة القول بالتحريف إلى الشيعة هجوم عنيف على الكتاب أكثر من الهجوم على الشيعة؟ من لا يعلم أنّه لو كان

ص: 149

لناشري هذه الأكاذيب والّذين من ورائهم والّذين ينفقون عليهم أقلّ غيرة على الإسلام وعلى كتابه العزيز لاتّخذوا موقفاً غير ذلك، ودافعوا عن الكتاب وردّوا تهمة التحريف عن الشيعة، ولسلكوا مسلك أعلام الأمّة ومصلحيهم من السنّة والشيعة ونشروا مقالات الشيعة العلميّة في صيانة الكتاب وتصريحات أعلامهم، ولم يفتحوا لأعداء الإسلام والقرآن باب الغمز بكتاب اللَّه تعالى والإشكال عليه، فمن المستفيد ياترى من إلصاق تهمة تحريف القرآن بطائفة كبيرة من المسلمين فيها من أعاظم علماء الإسلام وأئمة العلم والأدب وأعلام الفكر والورع؟!

وهل يحسب ذلك إلّاعملًا لمصلحة الاستعمار؟

وهل يكون هدف القائم بنشر هذه الكتيبات في عصرنا هذا- الّذي قام فيه المسلمون بحمد اللَّه تعالى سيّما شبابهم لإعادة مجدهم وعزّهم الّذي ذهب- إلّاإيجاد المجادلات والمخاصمات وقلب الحقائق!

فالواجب على كلّ مسلم غيور على دينه وقرآنه الكريم الوقوف في وجه هذه الحركات الشيطانيّة، وتنزيه المسلمين شيعة وسنّة عن هذا الرأي.

كما أنّ الواجب على المسلم أيضاً أن يعرف الّذين هم من وراء هذه الأقلام المأجورة وما قصدوا به من الحطّ من عظمة القرآن وإسناده الثابت اليقيني إلى الوحي النازل على الرسول الأمين صلى الله عليه و آله.

ومن شاء أن يعرف الشيعة وإجلالهم وتعظيمهم للقرآن الكريم فليتجوّل في بلادهم: مثل إيران ولبنان والعراق والبحرين والقطيف

ص: 150

والحساء وغيرها، وفي مكتباتهم ومساجدهم، حتّى يرى رأي العين في جميع مجتمعات الشيعة في شرق الأرض وغربها كمال اهتمامهم بشؤون القرآن وتعظيمهم له، وأنّه لا يوجد لديهم كتاب غير ما هو عند جميع المسلمين، فلا تجد منهم بيتاً ليس فيه القرآن، بل لا تجد منهم أحداً إلّا ويتقرّب إلى اللَّه بتلاوته، فهم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار وفي إذاعاتهم وفي مجالسهم للذّكر والوعظ والإرشاد والدعاء وجميع المناسبات، ليس عندهم ما يقدّسونه ويعظّمونه مثل تعظيمهم للقرآن الكريم حتّى بمقدار آية أو جملة أو كلمة منه، حتّى لو كان ذلك كلام الرسول صلى الله عليه و آله أو الأئمّة الطّاهرين من عترته الطاهرة عليهم السلام.

ولكن المصيبة كل المصيبة أنّ البعض يكذّبون أسماعهم وأعينهم التي تكذّب افتراءاتهم ويصرّون على عدائهم لشيعة أهل البيت عليهم السلام وتفريق كلمة المسلمين، ويشوّهون بافتراءاتهم كرامة كتاب اللَّه ويجعلونه غرضاً لتشكيك الأعداء، قال اللَّه تعالى: «يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَديداً» (1)

.

وقال عزّ شأنه: «إنَّ الَّذين يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يخْفُونَ عَلَيْنا أفَمَنْ يلْقى فِي النّارِ خَيرٌ أمَّنْ يَأتِي آمِناً يَوْمَ القِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئتُمْ إنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (2)

.

وقال: «يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنّ إنّ بَعْضَ الظَّنّ


1- الأحزاب: 70
2- فصّلت: 40

ص: 151

إثْمٌ وَلا يَغْتَب بَعْضُكُمْ بَعْضاً» (1)

.

وقال: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» (2).

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين.

«ربَّنا اغْفِر لَنا ولإخواننا الَّذينَ سبَقُونا بالإيمان، وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذينَ آمَنوا، رَبَّنا إنَّكَ رؤوفٌ رَحيم» (3). (4)

وأخيراً أقدّم شكري لأخي الكريم حجّة الإسلام الشيخ نجم الدّين الطبسي لملاحظته الكتاب بدقّة وتقديمه توجيهات قيّمة وأرجو له من اللَّه مزيد التوفيق في خدمة الإسلام.

محمود الشريفي


1- الحجرات: 12
2- آل عمران: 103
3- الحشر: 10
4- عصمة القرآن من الزيادة والنقيصة، ص 107.

ص: 152

ص: 153

المصادر

1- القرآن الكريم.

2- الأمالي، للصدوق، ناشر مكتبة الإسلامية.

3- الميزان في تفسير القرآن، السيد محمدحسين الطباطبائي، دارالكتب الإسلامية.

4- أعيان الشيعة، العلّامة السيد محسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات بيروت.

5- الاحتجاج، أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، نشر المرتضى.

6- أكذوبة تحريف القرآن، رسول جعفريان، نشر المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام.

7- البيان في تفسير القرآن، السيد أبوالقاسم الخوئي، انتشارات كعبه.

8- البرهان في علوم القرآن، بدر الدّين محمد بن عبداللَّه الزركشي، دار المعرفة بيروت.

9- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الشيخ آقا بزرگ الطّهراني، مؤسسة إسماعيليان.

10- الفروع من الكافي، ثقةالإسلام كليني، دار الكتب الإسلامية.

11- المواعظ العددية، علي المشكيني، مكتبة صحفى.

12- التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف، سيدعلي الحسيني الميلاني، دارالقرآن الكريم.

13- ثواب الأعمال وعقابها، علي محمّد علي دخيّل، نشر المرتضى في بيروت.

14- تحف العقول، حسن البحراني، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.

15- تهذيب الأصول، بقلم الشيخ جعفر السبحاني، مطبعة مهر في قم.

ص: 154

16- تفسير الصافي، محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني، نشر دار المرتضى.

17- تفسير القرآن الكريم الشهير بتفسير المنار، محمد رشيد رضا، نشر دارالمعرفة في بيروت.

18- ترجمة فصل الخطاب في عدم تحريف كتاب رب الأرباب، حسن حسن زاده آملى، انتشارات قيام.

19- حقائق هامّة حول القرآن الكريم، السيد جعفر المرتضى، نشر جماعة المدرسين في قم.

20- صيانة القرآن من التحريف، الشيخ محمد هادي المعرفة، نشر مؤسسة النشر الإسلامي.

21- فصل الخطاب في تحريف الكتاب ربّ الارباب، ميرزا حسين النوري، طبع الحجري، سنة 1298.

22- عيون أخبار الرضا، صدوق، طوس.

23- مجمع البحرين، فخر الدّين الطريحي، دفتر نشر فرهنگ اسلامي.

24- المفردات في غريب القرآن، حسين بن محمد المعروف بالراغب الإصفهاني، نشر المكتبة المرتضوية.

25- مروج الذهب، علي بن الحسين بن علي المسعودي، من منشورات دار الهجرة ايران.

26- المصاحف، عبداللَّه سجستاني، المطبعة الرحمانية بمصر.

27- تفسير، مسعود بن عياش السلمي السمرقندي، المكتبة العلمية الإسلامية.

28- الاعتقادات، صدوق، نشر مصطفوي.

29- ربيع الأبرار، أبوالقاسم محمود بن زمخشري، من منشورات الرّضي في قم.

30- وسائل الشيعة، الحر العاملي، المكتبة الإسلامية.

31- النشر في القراءات العشر، الحافظ، أبي الخير محمد بن محمد الدمشقي الشهير بالجزري، مكتبة البخاريه الكبرى.

32- مفتاح الكرامة، السيد محمد جواد الحسيني العاملي، مؤسسة آل البيت.

33- الإتقان، السيوطي، نشر مكتبة مصطفى البافي الحلبي.

34- الكشّاف، زمخشري، نشر دارالكتب العربي، بيروت.

35- أوائل المقالات، الشيخ المفيد، مكتبة الداوري.

36- الفصول المهمّة، الإمام عبدالحسين شرف الدّين موسوي، مكتبة الداوري.

37- الكامل في التاريخ، ابن أثير، دار صادر بيروت.

ص: 155

38- التمهيد في علوم القرآن، الشيخ محمد هادي المعرفة، إسماعيليان.

39- مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

40- نهج البلاغة، الدكتور صبحي الصالح، بيروت 1387 ه. ق.

41- كمال الدّين وتمام النعمة، الصدوق، دار الكتب الإسلاميه.

42- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري، نشر مؤسسة آل البيت.

43- الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله، جعفر مرتضى العاملي، نشر المؤلف.

44- تدوين القرآن، علي الكوراني العاملي، نشر دار القرآن الكريم.

45- سلامة القرآن من التحريف وتفنيد الافتراءات على الشيعة الإمامية، الدكتور فتح اللَّه المحمدي(نجّارزادگان) نشر دار المشعر.

46- عصمة القرآن من الزيادة والنقصان، السيد مرتضى الرضوي، نشر مؤسسة دارالهجرة.

47- دفاع عن القرآن الكريم: السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي، نشر الدليل.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.